يقول السائل أنا شاب وكثيراً ما يظهر على وجوه الشباب ما يسمى بحب الشباب وأحياناً أضع يدي عليها فتخرج بعض القطرات من الدم فهل هذه القطرات تفسد الوضوء وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القطرات لا تفسد الوضوء وليست نجسة أيضاً بل هي طاهرة ولا تضرك وأعلم أيها السائل أن جميع ما يظهر من البدن من الدم والقيح وغيره لا ينقض الوضوء أيضاً إلا إذا كان خارجاً من السبيلين من القبل أو الدبر فلو انجرحت أو رعف أنفك أو حصل دم من ضرسك أو ما أشبه ذلك وخرج دم ولو كثيراً فإن وضوءك باقٍ لم ينتقض هذا هو القول الصحيح وذلك لأنه لا دليل على نقض الوضوء بذلك والأصل بقاء الطهارة وأما ما خرج من السبيلين فهو ناقض ولا إشكال فيه.
***(7/2)
من جمهورية مصر العربية المستمعة س. م, ع تقول فضيلة الشيخ هل القيء ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن القيء لا ينقض الوضوء سواء كان قليلا أم كثيرا وذلك لأنه لا دليل على كونه ناقضا والأصل بقاء الوضوء وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم وغيره أن ما ثبت بدليل لا يمكن أن ينقض إلا بدليل وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن القيء ناقضٌ للوضوء وكذلك يقال في الجروح إذا خرج من الجرح دم ولو كان كثيرا فإنه لا ينقض الوضوء ولا ينقض مما يخرج من الجسد إلا البول والغائط والريح وكذلك ما خرج من مخرج البول والغائط من دم أو قيح أو نحوهما.
***(7/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول السائل هل إذا نام الإنسان في السجود في صلاة الجماعة هل عليه أن يعيد الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان نوماً عميقاً بحيث لو أحدث الإنسان لم يحس بنفسه فحينئذ ينتقض وضوؤه وأما إذا غاب عن الدنيا لكنه لو أحدث لأحس بنفسه فإنه لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة وسواء كان قاعداً أو مضطجعاً لأن المدار كله على فقد الإحساس فمتى فقد الإحساس بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه انتقض وضوءه وإذا كان لم يفقد الإحساس بحيث لو أحدث لأحس بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض هذا هو القول الراجح الذي تجتمع به الأدلة في مسألة انتقاض الوضوء بالنوم.
***(7/2)
رجل مصاب بمرض عصبي فيأتيه الإغماء أحياناً ويستمر به مدة ثم يفيق فما الحكم بالنسبة للوضوء هل ينتقض بالإغماء أم لا وكذلك لو طالت مدة الإغماء حتى فاتت عدة فروض من الصلوات فهل يقضيها أم لا يقضيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الوضوء فإنه ينتقض بالإغماء، لأن الإغماء أشد من النوم، والنوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أما النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسَّ بنفسه فإن هذا لا ينقض الوضوء سواءً كان من نائم أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ أو أي حال من الأحوال مادام لو أحدث لأحسَّ بنفسه فإن نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم، فإذا أغمي على الإنسان فإنه يجب عليه الوضوء، أما لو أغمي عليه مدة فات بها عدة صلوات أو صلاة واحدة فإن العلماء اختلفوا في هذا، هل يجب عليه القضاء مدة الإغماء أو لا يجب؟ فمنهم من قال إنه يجب عليه قضاء الصلوات التي تفوته في مدة الإغماء، قالوا: لأن الإغماء كالنوم والنائم يجب عليه قضاء الصلاة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجب على المغمى عليه قضاء الصلاة وذلك لأنه لا يصح قياسه على النائم لأن النائم إذا استيقظ أُوقِظ وصحا بخلاف المغمى عليه فإنه لا يملك إيقاظ نفسه ولا يملك أحد أن يوقظه فبينهما فرق ومع وجود الفارق لا يصح القياس ولكن الاحتياط والأولى أن يقضي إبراءً لذمته، ثم إن كان هذا واجباً عليه بمقتضى الشرع فقد أبرأ ذمته وإن لم يكن واجباً عليه فإن ذلك يكون تطوعاً يؤجر به عند الله.
***(7/2)
يقول السائل صلىت الفجر في المسجد وأثناء قراءة الإمام في الركعة الأولى حصل عندي دوخة ثم أغمي علي وأفقت ثم قمت فأكملت الصلاة معهم فماذا يجب عليّ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أغمي على الإنسان وهو على وضوء فإن وضوءه ينتقض لأن الإغماء أشد من النوم والنوم المستغرق الذي لا يدري النائم فيه أحدث أم لم يحدث ناقض للوضوء لحديث صفوان بن عسال في المسح على الخفين قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) والإغماء أشد فقداً للوعي والإحساس من النوم فمن أغمي عليه وهو على وضوء انتقض وضوؤه ووجب عليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة وبناءً على ذلك فإنه يجب عليك الآن أن تعيد صلاة الفجر التي أغمي عليك فيها ثم أتممتها بدون وضوء.
***(7/2)
من ليبيا المستمع محمد حمودة عبد القادر يقول هل الغفلة تبطل الوضوء وهل يجب في هذه الحالة أن يتوضأ المسلم وضوءاً كاملا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ماذا يريد بالغفلة هل يريد بها النوم؟ فإن كان يريد النوم فإن النوم ناقض للوضوء بشرط أن يكون عميقاً وعلامة العميق أن يكون النائم لا يحس بنفسه لو أحدث فإذا نام الإنسان هذه النومه أي إنه نام نومة لو أحدث لم يحس بنفسه فإن عليه أن يتوضأ لحديث صفوان بن عسال قال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن ما غائط وبول ونوم) وفي الحديث (العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) لكن إذا كان النوم خفيفاً يحس بنفسه الإنسان لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء سواء أكان الإنسان جالساً أو مضطجعاً أو مستنداً أو غير مستند لأن المدار كله على العقل أي عقل الشيء وفهمه فإن كان السائل يريد بالغفلة النوم فهذا جوابه أما إذا كان يريد بالغفلة الغفلة عن ذكر الله فإن هذا لا ينقض الوضوء ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يديم ذكر الله تعالى كل وقت فإن هذا هو العقل قال الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
***(7/2)
ما حكم مس العورة سواء كان قبلاً أو دبراً أثناء الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعني كأنه يقصد نقض الوضوء بذلك الصواب عندي أن مس العورة لا ينقض الوضوء لأن الأحاديث الواردة في ذلك مختلفة والأصل عدم النقض إلا أن الجمع بين حديث طلق بن علي حين (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال إنما هو بضعةٌ منك) وحديث بسرة (من مس ذكره فليتوضأ) يمكن أن يؤخذ من هذين الحديثين أن الإنسان إذا مس ذكره لشهوة وجب عليه الوضوء وإذا مسه لغير شهوة لم يجب عليه الوضوء ويكون هذا جمعاً بين الحديثين ويدل لهذا الجمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم علل عدم النقض بأنه (بضعة) يعني فإذا كان (بضعةً منك) فإن مسه كمس بقية الأعضاء: كما لو مس الإنسان يده الأخرى أو مس رجله أو مس رأسه أو مس أنفه أو مس أي طرفٍ منه فإنه لا ينتقض وضوؤه كذلك الذكر فإن مسه لغير شهوة كمس سائر الأعضاء وأما إذا مسه لشهوة فإنه يختلف عن مس سائر الأعضاء فيكون هنا الجمع بين الحديثين أن يقال إذا مس ذكره لشهوة انتقض وضوؤه وإن مسه لغير شهوة لم ينتقض وجمع بعض العلماء بجمعٍ آخر بأن الأمر في قوله (فليتوضأ) ليس على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الاستحباب وعلى كل حال فوجوب الوضوء من مس الذكر مطلقاً أو الفرج مطلقاً فيه نظر والصواب عندي خلافه.
فضيلة الشيخ: لكن مس الإنسان لِقُبُلِهِ في الصلاة لا يكون إلا من وراء حائل وهذا يمكن أن يكون؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان من وراء حائل لا يعتبر مساً فلا يقال مسه لأن المس هو المباشرة أي مباشرة الشيء بالشيء وأما إذا مسه من وراء حائل فإنما هو مس الثوب ثم إنه يمكن أن يمسه بدون حائل لا سيما في الزمن الأول ليس عليهم إلا الوِزْرة فيمكن أن يُدخلَ يده لحكه أو نحوه.
***(7/2)
إذا اغتسل ثم لمس عورته فهل عليه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليه شيء - يعني - أن مس الذكر لا ينقض الوضوء لكن إذا كان لشهوة فإنه ينقض الوضوء لأنه بهذا التفصيل تجتمع الأدلة فإن (النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال لا إنما هو بضعة منك) أي جزءٌ منك ومس الإنسان لجزءٍ من نفسه لا يعتبر ناقضا للوضوء فهو كما لو مس رجله بيده فإن وضوءه لا ينتقض والحديث الآخر حديث بسرة بنت صفوان (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال من مس ذكره فليتوضأ) يدل على وجوب الوضوء من مس الذكر والجمع بينه وبين الحديث الأول أن يقال إن مسه الإنسان لشهوة فإنه يخالف مس بقية الأعضاء فينتقض وضوؤه وأما إذا مسه لغير شهوة فإنه لا ينتقض وضوؤه وليعلم أن المس هو المس بلا حائل أما إذا كان مع حائل فإن ذلك لا يعد مساً فلا ينقض الوضوء حتى لو كان لشهوة فإنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه ما يوجب الوضوء.
***(7/2)
هل تنظيف الأطفال وما ينتج عن ذلك من لمس أعضائهم الخاصة ينقض الوضوء وهل لمس المرء لذكره بدون شهوة ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغسيل الأطفال لا ينقض الوضوء ولو مست المرأة ذكر طفلها أو فرج ابنتها القبل أو الدبر وكذلك لو مس الإنسان ذكره بغير شهوة فإنه لا ينتقض وضوؤه لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في حديث طلق بن علي رضي الله عنه حين سأله عن الرجل يمس ذكره في الصلاة قال أعليه الوضوء؟ قال لا ثم قال إنما هو بضعة منك) أي عضو من أعضائك وهذا التعليل تعليل لا يمكن زواله لأنه علل بأنه عضو من الأعضاء وتعليله إياه بأنه عضو من الأعضاء يدل على أنه إذا مسه لشهوة فعليه الوضوء لأن مسه لشهوة مس خاص بالعضو أي بالذكر فالإنسان لا يمكن أن يمس ساقه لشهوة ولا فخذه لشهوة ولا أذنه لشهوة إنما تكون الشهوة في نفس الذكر والخلاصة أن القول الراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة أنه إن مسه لشهوة وجب عليه الوضوء وإن كان بغير شهوة لم يجب عليه سواء تعمد أم لم يتعمد.
***(7/2)
هل النظر إلى عورة رجلٍ ما أو امرأةٍ ما سواء كان شاباً أم طفلاً أم شيخاً ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينقض الوضوء وما علمت أحداً من أهل العلم قال إن النظر للعورة ينقض الوضوء لكن هذا مشهورٌ عند العامة ولا أصل له.
***(7/2)
هل ينتقض وضوء المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينتقض وضوء المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة لأن القول الراجح أن مس الفرجين لا ينقض الوضوء إلا مس الذكر إذا مسه لشهوة فإنه ينتقض الوضوء وهذا القول الذي فصلناه هو القول الذي تجتمع به الأدلة ومن المعلوم أن المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة فإنه لا يمكن أن تمسه لشهوة وعلى هذا فلا ينتقض وضوؤها.
***(7/2)
تقول السائلة هل تنظيف الطفل من النجاسة ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يُمَس الفرج فإنه لا ينتقض الوضوء وهذا لا إشكال فيه ولا أظن السائلة تريده لكن إذا مست الفرج فالصحيح أيضاً أنه لا ينتقض الوضوء ولكن إن توضأت احتياطاً فهو أولى ولا فرق بين الذكر والأنثى.
***(7/2)
هل مس المرأة يبطل الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم رحمهم الله في مس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟ فمنهم من قال إنه لا ينقض الوضوء مطلقاً ومنهم من قال إنه ينقض الوضوء مطلقاً ومنهم من قال إن كان لشهوة نقض الوضوء وإن كان لغير شهوة لم ينقض الوضوء والقول الراجح أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً إلا أن يخرج شيء من المس كالمذي وشبهه فإن الوضوء ينتقض بهذا الخارج وقد استدل القائلون بأن اللمس ينقض مطلقاً بقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وفي قراءة أخرى سبعية (أو لَمستم النساء) بناءً على أن المراد باللمس ملامسة الرجل للمرأة باليد أو بغيرها من الأعضاء والصواب أن المراد بالملامسة في هذه الآية هو الجماع كما فسر ذلك ابن عباس رضي الله عنه ويدل لهذا أن الآية الكريمة ذكر الله تعالى فيها الطهارتين الأصلىتين وطهارة البدل وذكر الله تعالى فيها السببين سبب الطهارة الكبرى وسبب الطهارة الصغرى ففي قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في هذا ذكر الطهارة الصغرى التي سببها الحدث الأصغر وفي قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ذكر الله تعالى الطهارة الكبرى وسببها وهو الجنابة وفي قوله (فَتَيَمَّمُوا) ذكر الله تعالى طهارة البدل وهي التيمم وعلى هذا فيكون قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يكون فيه إشارة إلى ذكر الموجبين للطهارتين ففي قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) ذكر موجب الطهارة الصغرى وفي قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) ذكر موجب الطهارة الكبرى ولو حملنا اللمس على اللمس باليد وغيرها من الأعضاء بدون جماع لكان في الآية ذكر لموجبين من موجبات الطهارة الصغرى وإغفال لموجب الطهارة الكبرى وعلى كل حال هذه الآية ليس فيه دلالة لما ذهب إليه أولئك القوم الذين قالوا بنقض الوضوء إذا مس الرجل المرأة والأصل براءة الذمة وبقاء الطهارة وما ثبت بدليل لايرتفع إلا بدليل مثله أو أقوى منه فإذا كانت الطهارة ثابتة بدليل شرعي فإنه لا ينقضها إلا دليل شرعي مثل الذي ثبتت به أو أقوى.
***(7/2)
لمس المرأة أهو ناقض للوضوء على المذهب الشافعي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنا شخصياً لا أُجيب السؤال على من طلب أن تكون الإجابة على مذهب من لا يجب اتباعه سواءٌ كان مذهب الشافعي أو الإمام أحمد أو الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة لأن الفرض على المسلم أن يسأل عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي يجب اتباعه لا أن أسأل عن مذهب فلان وفلان أما الجواب على السؤال فأنا أقول له مقتضى الأدلة الشرعية أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواءً كان لشهوة أم غير شهوة إلا أن يحدث إنزال أو مذي فإن حصل بذلك إنزال أو مذي أو غيرهما من الأحداث وجب الوضوء بهذا الحدث لا بمجرد المس.
إذاً نقول لا دليل على بطلان الوضوء من مس المرأة فإذا لم يقم دليلٌ صحيحٌ صريح فإننا لا يمكن أن ننقض طهارةً ثبتت بمقتضى دليلٍ صريحٍ صحيح، أما قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فالمراد بالملامسة الجماع لأن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ) إنما جاء في معرض التيمم لا معرض الغسل وهي مقابلةٌ لقوله في الطهارة بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولتسمعوا إلى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هذا الوضوء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) هذا الغسل بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) هذا موجب الطهارة الصغرى لكن في التيمم الآية انقسمت إلى قسمين القسم الأول منها في طهارة الماء عن الحدث الأصغر بغسل الأعضاء الأربعة وعن الحدث الأكبر بالتطهير الكامل للبدن القسم الثاني الطهارة بالتراب عن الحدث الأصغر قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) وعن الحدث الأكبر قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فتبين الآن أن الآية ليس فيها دليلٌ على نقض الوضوء بمس المرأة وإنما فيها مقابلة قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) في طهارة الماء بقوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) في طهارة التيمم. ثم إننا لو قلنا إن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يراد به الحدث الذي ينقض الوضوء لكان في الآية تكرار لأن قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) فيه الإشارة إلى الحدث الأصغر فيكون في الآية لو حملنا قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) على ما ينتقض به الوضوء لكان في الآية تكرارٌ لذكر موجبين للوضوء وإغفال موجب الغسل وهذا بلا شك خلاف ما تقتضيه بلاغة القرآن وبيانه.
وأقول للأخ الذي يطلب الحكم على مذهب الشافعي أولاً أرجو منه ومن غيره أن يكون طلبهم الحكم على ما تقتضيه شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام وهديه لا على ما يقتضيه رأي فلان وفلان لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) وقوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) وليس معنى قولي هذا الحط من قدر أهل العلم أبداً بل إن من رفع قدر أهل العلم أن نقبل كلامهم وتوجيهاتهم والشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة كلهم يأمروننا ويوجهوننا إلى أن نتلقى الأحكام مما تلقوه هم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقول إن كون الإنسان يتجه إلى مذهب معين لفلان أو فلان لا شك أنه ينقص من اتجاهه إلى السنة ويغفل عنها حتى كأنك لتجده لا يطالع إلا كتب فقهاء مذهبه ويدع ما سواها وهذا في الحقيقة ليس بسبيلٍ جيد فالسبيل الجيد أن يتحرى الإنسان ويكون هدفه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فقط سواءٌ وافق فلاناً أم خالفه ولا حاجة لي الآن إلى أن أسوق أقوال هؤلاء الأئمة في وجوب تلقي الشريعة من الرسول عليه الصلاة والسلام دون أن نقلدهم وهذا أمرٌ معلوم يمكن الرجوع إليه في كتب أهل العلم والذي أعرف من المذهب الشافعي رحمه الله أنه يرى نقض الوضوء بمس المرأة مطلقاً إذا كان باليد ولكنه قولٌ مرجوح كما عرفنا مما قررناه سابقاً والله الموفق.
***(7/2)
رسالة وردتنا من المرسل فوزي المتولي من جمهورية مصر العربية والإقامة في الأفلاج يقول هل لمس النساء ينقض الوضوء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في الجواب اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة منهم من يقول إن مس المرأة لا ينقض مطلقاً ومنهم من يقول إن مسها ينقض مطلقاً ومنهم من توسط وقال إن مسها لشهوة ينقض الوضوء وإن مسها لغير شهوة لا ينقض الوضوء والصواب من هذه الأقوال أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً ولو بشهوة لكنه مع الشهوة يستحب الوضوء من أجل تحرك الشهوة إلا إذا خرج منه شيء كالمذي مثلاً فإنه يجب عليه أن يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ وضوءه للصلاة يعني أنه ينتقض وضوؤه وأما بدون خارج فإنه لا ينتقض وذلك لأن الأصل براءة الذمة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يدل على نقض الوضوء بمس المرأة بل إنه روي عنه صلى الله عليه وسلم (أنه قبَّل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) وهذا الحديث وإن كان بعضهم يضعفه لكنه يوافق الأصل وهو عدم النقض وأما قوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) إلى آخر الآية فإن المراد بالملامسة هنا الجماع كما فسرها بذلك ابن عباس رضي الله عنهما وهو أيضاً مقتضى سياق القرآن الكريم لأن قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) إشارة إلى أحد أسباب الوضوء وقوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) إشارة إلى أحد أسباب الغسل فتكون الآية دالة على الموجبين موجب الوضوء وموجب الغسل ولو قلنا المراد بالملامسة اللمس لكانت الآية دالة على موجبين من موجبات الوضوء ساكتة عن موجبات الغسل وهذا نقص في دلالة القرآن فعليه نقول إن حملها على الجماع كما فسرها به أبن عباس هو مقتضى بلاغة القرآن وإيجازه ودلالته فعليه يكون في الآية ذكر الموجبين للطهارة الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى كما أنه ذكر سبحانه وتعالى الطهارتين الصغرى والكبرى والطهارتين الأصلىة والبدلية فذكر الوضوء وذكر الغسل وذكر الطهارة الأصلىة بالماء وذكر الطهارة الفرعية بالتيمم وذكر أيضاً الموجبين للطهارتين الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى وهذا هو مقتضى البلاغة والتفصيل في القرآن
وعليه فنقول إذا قبَّل رجلٌ زوجته ولو بشهوة أو ضمَّها إليه ولو بشهوة أو باشرها ولو بشهوة بدون جماع فإنه لا ينتقض وضوؤه إلا إن خرج شيء وكذلك بالنسبة إليها لا ينتقض وضوؤها وأما إذا حصل الجماع ولو بدون إنزال فإنه يجب عليهما جميعاً الغسل لحديث أبي هريرة (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) .
***(7/2)
هل مس المرأة ينقض الوضوء سواء كانت زوجة الرجل أو غيرها وهل في هذا خلافٌ بين المذاهب الأربعة فأنا ملتزم بالمذهب الشافعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مس المرأة إذا كانت غير محرم للإنسان محرم سواء كان لشهوة أم لغير شهوة وعلى هذا فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة ليست من محارمه مطلقاً سواء كان لشهوة أم لغير شهوة وأما إذا كانت المرأة زوجته فإنه يجوز أن يمسها لشهوة ولغير شهوة والصحيح أن وضوءه لا ينتقض سواء مسها لشهوة أم لغير شهوة إلا أن يخرج منه خارج بسبب هذا المس فينتقض وضوؤه من الخارج كما لو أمذى مثلاً وأما مجرد المس ولو بشهوة فإنه لا ينقض هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم وأما سؤال السائل هل في ذلك خلاف بين أهل العلم، نعم فيه خلاف فمن أهل العلم من يرى أن مس المرأة ينقض سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ومنهم من يرى أنه لا ينقض سواء كان لشهوة أم لغير شهوة ومنهم من يفصل فيقول إن مسها لشهوة انتقض وضوؤه وإن مسها لغير شهوة لم ينتقض وضوؤه ولكن الصواب أنه لا ينتقض مطلقا ما لم يخرج منه خارج.
***(7/2)
السائل علي بن كمال مصري ومقيم بالطائف يقول الرجاء من فضيلة الشيخ توضيح الحكم الراجح في هل ينقض وضوء من لمس المرأة بدون حائل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أو بغير شهوة وسواء كان بحائل أو بغير حائل فلو قبَّلها أو ضمَّها أو باشرها بدون جماع ولكنه لم يخرج منه شيء لا مني ولا مذي فإن وضوءه صحيح لأنه لا دليل على أن المس ينقض الوضوء وإذا لم يكن دليل فالأصل بقاء الوضوء لأن ما ثبت بدليل لا يرفع إلا بدليل فإذا ثبت أن هذا وضوؤه صحيح وأنه باق عليه فإنه لا يمكن أن يُنقض هذا الوضوء إلا بدليل وذلك لأن النقض وعدم النقض أمر حكمي شرعي مرجعه إلى الله ورسوله فإن جاء عن الله ورسوله ما يدل على أن مس المرأة بشهوة ناقض فعلى العين والرأس وإن لم يأتِ فليس لنا أن نفسد عبادة عباد الله إلا ببرهان من الله.
***(7/2)
بارك الله فيكم المستمع ع م من جدة يقول هل مس الزوجة ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مس الزوجة لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج من الماس شيء فإن كان مذيا وجب عليه غسل الذكر والأنثيين أي الخصيتين والوضوء وإن كان منيَّا وجب عليه أن يغتسل أما إذا لم يخرج شيء فإن مسها لا ينقض الوضوء ولو حصل انتشار الذكر.
***(7/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل من اليمن من تعز يقول هل لمس المرأة ينقض الوضوء لأن الرجل في بيته قد يلامس يد زوجته من خلال تناول الأشياء وما تفسير قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء إلا أن يحدث إنزال فيوجب الغسل أو يحدث مذي فيوجب الوضوء أما إذا لم يحصل شيء فإنه لا ينقض الوضوء حتى لو قبَّلها لشهوة وضمَّها لشهوة وقبض على يدها لشهوة فكل هذا لا ينقض الوضوء وأما قول الله تبارك وتعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فالمراد بالملامسة الجماع كما فسرها بذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
***(7/2)
أنا طبيب أقوم بمعالجة النساء وذلك للكشف على النبض ولقد سمعت من بعض الناس بأن مس المرأة ينقض الوضوء ولو كان بغير شهوة وجهوني بعملي هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال يتطلب شيئين الشيء الأول مباشرة المرأة لمعالجتها فهذا إن كان الرجل يحس بالشهوة عند مس المرأة فإنه يحرم عليه أن يمسها لأنها أجنبية منه ولأن مس النساء بشهوة من دواعي الفاحشة فالواجب عليه إذا أحس بذلك أن يتوقف وكذلك إذا علم من نفسه أنه قوي الشهوة وأن شهوته تتحرك عند أدنى ملامسة للمرأة فإن الواجب عليه الكف عن هذا أما إذا كان لا تتحرك شهوته ولا يبالي بمس المرأة ويمسها وكأنه يمس الرجل أو المرأة من بناته فلا حرج عليه عند الضرورة أن يمسها بل لا حرج عليه أن يمس كل ما تدعو الحاجة إليه أما الشيء الثاني فهو نقض الوضوء بمس المرأة فنقول إن مس المرأة لا ينقض الوضوء بكل حال حتى لو مس الرجل امرأته بشهوة أو باشرها لشهوة فإن وضوءه لا ينتقض ما لم يخرج منه مذي أو مني وإن خرج منه مني وجب عليه الغسل.
***(7/2)
المستمع أحمد أحمد من مصر مقيم في الرياض يقول في رسالته إذا قبَّل الزوج زوجته وكان متوضئاً فهل ينتقض الوضوء ويلزم إعادة الوضوء إذا أدى الصلاة أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قَبَّلَ الرجل امرأته بشهوة ولم يخرج منه شيء فإن القول الراجح أن وضوءه لا ينتقض ولكن إن توضأ فهو أفضل وذلك لأن الوضوء إذا تم بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا ينتقض ولا يفسد إلا بدليل شرعي لأن ما ثبت بدليل لا يمكن رفعه إلا بدليل مساوٍ لذلك الدليل أو بما هو أقوى منه وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على أن تقبيل الزوجة ناقض للوضوء أما قول الله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فإن المراد بالملامسة هنا الجماع وتفسيره باللمس باليد بعيد جداً وذلك لأننا إذا قرأنا هذه الآية تبين لنا أنه يتعين أن يكون المراد بالملامسة الجماع كما فسرها به عبد الله بن عباس رضي الله عنهما واستمع إلى الآية يقول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هذه الطهارة الصغرى التي سببها الحدث الأصغر ثم قال تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وهذه الطهارة الكبرى الاغتسال التي سببها الحدث الأكبر كالجنابة ونحوها ثم قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فذكر الله سبحانه وتعالى السببين الموجبين للطهارة الأصغر والأكبر فقال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) وهذا السبب الأصغر وهو ما نعنيه بقولنا الحدث الأصغر وقال (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) وهذا هو السبب الأكبر الذي نعنيه بقولنا الحدث الأكبر فتكون الآية قد دلت على الطهارتين الكبرى والصغرى وعلى سببيهما أي على سبب الصغرى وهو المجيء من الغائط وسبب الكبرى وهو ملامسة النساء ولو جعلنا الملامسة هنا بمعنى اللمس باليد وأنه ناقض للوضوء لكان في الآية زيادة ونقص تكون في الآية زيادة حيث جعلنا (لامَسْتُمْ) موجب للطهارة الصغرى أيضاً فيكون في الآية ذكر سببين من أسباب الطهارة الصغرى وهذا زيادة إذ أن ذكر سبب واحد كاف وفيه أيضاً إهمال ذكر سبب الطهارة الكبرى وهذا نقص وعليه فيكون سياق الآية دالاً على أن المراد بالملامسة الجماع ليتم بذلك التفصيل والتقسيم وإذا كان المراد بالملامسة الجماع فإنه لا دليل على أن لمس المرأة باليد أو بالتقبيل ناقض للوضوء فيبقى الوضوء على حاله لعدم وجود دليل يفسده.
***(7/2)
هل التسليم على الأجنبية ينقض الوضوء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التسليم عليها بالقول باللسان لا ينقض الوضوء ولا تأثير له والتسليم بالمصافحة إذا التزم الإنسان ما شرطناه بأن يكون من وراء حائل لا ينقض الوضوء أيضاً وأما التسليم على الأجنبية مباشرة بدون حائل باليد فإنه محرم ولا يجوز ومع ذلك لو فعل فإنه لا ينتقض وضوؤه لأن مس المرأة لا ينقض الوضوء حتى لو مسَّ الرجل امرأته لشهوة أو قبَّلها لشهوة فإنه لا ينتقض وضوئه بذلك إلا أن يخرج منه خارج، فإن خرج منه خارج وجب عليه أن يفعل ما يقتضيه ذلك الخارج من غسل إن كان منيّاً أو من غسل الذكر والأنثيين إن كان مذياً مع الوضوء.
***(7/2)
هل ملامسة المرأة الأجنبية تنقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ملامسة المرأة الأجنبية محرمة لا شك وعلى المرء أن يتوب إلى الله تعالى منها وأن يحرص على أن يتزوج لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) ولكنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه شيء إذا خرج منه مذي وجب عليه غسل ذكره وخصيتيه والوضوء وإذا خرج منه مني وجب عليه الغسل والمهم أنه يجب على المرء أن يربأ بنفسه عن هذه السفاسف وأن يبتعد عما يوجب الفتنة فإن ذلك أسلم لدينه وعرضه.
***(7/2)
هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول بأنه رجل مساعد طبيب في الريف يعالج المرضى ويتعرض لمخالطة النساء بدون قصد وذات مرة يقول قمت بمعالجة إحدى العجائز في إحدى القرى فقدمت لها مغذيا وعند نهاية المغذي قبل صلاة العشاء أمسكت بيد المرأة لإبعاد المغذي عنها وذهبت للصلاة بدون وضوء لأنني كنت على وضوء فهل لمس المرأة ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لمس المرأة لا ينقض الوضوء حتى لو أن الإنسان مس زوجته وقبَّلها لشهوة ولم يحدث مذيٌ ولا مني فإن وضوءه باقٍ لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن مس المرأة لشهوة لا ينقض الوضوء.
***(7/2)
هل أكل لحم الجزور ينقض الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح أن أكل لحم الجزور ناقض للوضوء موجب له (لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت) فلما جعل الوضوء من لحوم الغنم راجعا إلى مشيئة الإنسان علم أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعا إليه وأنه واجب إذ لو كان غير واجب لكان راجعا إليه وقد جاء الأمر بذلك صريحا حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (توضؤوا من لحوم الإبل) والأصل في الأمر الوجوب وعلى هذا فلو أكل الإنسان لحم إبل نيئا أو مطبوخا قليلا أو كثيرا هبرا أو كبدا أو كرشا أو مصران أو أي شيء من أجزائها فإن وضوءه ينتقض وعليه أن يتوضأ من جديد لكن ليس عليه أن يغسل فرجه لأنه لم يَبُل ولم يتغوط.
***(7/2)
بارك الله فيكم هل الوضوء من أكل لحم البعير يشمل المعدة والكبد والأحشاء عموماً أم هو خاصٌ باللحم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم على النحو التالي أولاً هل لحم الإبل ينقض الوضوء أو لا ينقض وثانياً هل هو عام بكل البعير أم هو خاصٌ بما يعرفه العامة عندنا بالهبر اللحم الأحمر والراجح من أقوال أهل العلم أنه ينقض الوضوء سواءٌ من لحم الهبر أو الكرش أو الكبد أو الأمعاء أو غيره لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (توضؤوا من لحوم الإبل) ولعموم قوله (حين سئل أنتوضأ من لحوم الإبل قال: نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت) ولأن هذا اللحم سواءٌ كان أحمر أو أبيض من حيوانٍ واحد والحيوان الواحد في الشريعة الإسلامية لا تختلف أجزاؤه في الحكم إن كان حلالاً فهو للجميع وإن كان حراماً فهو للجميع بخلاف شريعة اليهود فإن الله تعالى يقول (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) أما هذه الشريعة فليس فيها حيوانٌ تختلف أجزاؤه حلاً وحرمة أو أثراً بل إن الأجزاء كلها واحدة لأنها تتغذى من طعامٍ واحد وبشرابٍ واحد وبدمٍ واحد وعلى هذا فيكون الراجح هو العموم أن جميع أجزاء البعير يكون ناقضاً للوضوء قليله وكثيره لعموم الأدلة بذلك وإطلاقها ولأن الله تعالى لما حرم لحم الخنزير قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) فكان ذلك شاملاً لجميع أجزاء الخنزير سواءٌ كان المعدة أو الكبد أو الشحم أو غير ذلك وعليه يجب على من أكل شيئاً من لحم الإبل من كبدها أو قلبها أو كرشها أو أمعائها أو لحمها الأحمر أو غير ذلك يجب عليه أن يتوضأ للصلاة لأمر النبي صلى الله عيه وسلم بذلك ثم إنه حسب ما علمناه أن ذلك له فائدة طبية لأنهم يقولون إن للحم الإبل تأثيراً على الأعصاب لا يهدئه ويبرده إلا الماء وهذا من حكمة الشرع وسواءٌ كانت هذه الحكمة أم كانت الحكمة غيرها فنحن متعبدون بما أمرنا به لقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ولهذا يقول الأطباء لا ينبغي للإنسان العصبي أن يكثر من أكل لحم الإبل لأن ذلك يؤثر عليه والله أعلم.
فضيلة الشيخ: يُفهم من هذا أنه ليست هناك علة واضحة بل هو أمرٌ تعبدي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا عند أكثر أهل العلم الذين يقولون بنقض الوضوء به أن الأمر تعبدي وقال بعض العلماء أن له هذه العلة.
فضيلة الشيخ: علة طبية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم.
***(7/2)
السائل عبد الكريم س. ع يقول يوجد مدرس عندنا يقول إن لحم الإبل لا ينقض الوضوء قلنا له ولماذا قال أنه على (زمن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمعوا عند أحدهم فأكلوا الإبل فطلع من أحدهم رائحة كريهة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي لا يحرج صاحبه الذي أطلع الرائحة من أكل لحم الإبل فليتوضأ فتوضأ الصحابة لكي لا يحرجوا صاحبهم) يقول المدرس فصارت عادة من أكل لحم الإبل فليتوضأ يقول السائل ونحن الطلاب درسنا في الابتدائي أن من أكل لحم الإبل فليتوضأ ولم يُقَلْ لنا هذه القصة أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القصة لا أصل لها إطلاقاً كذب على النبي صلى الله عليه وسلم والنبي عليه الصلاة والسلام يستطيع أن يقول من احدث فليتوضأ في تلك الساعة ولا يلزم الناس جميعاً أن يتوضئوا من أجل جهالة الذي وقع منه هذا الصوت وعلى كل حال هذه القصة باطلة والصواب من أقوال أهل العلم وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل سواء أكله نيئاً أو مطبوخاً قليلاً كان أم كثيراً من جميع أجزاء البدن لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (توضئوا من لحوم الإبل) (وسأله رجل فقال يا رسول الله أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم) فلما وَكَلَ الوضوء من لحم الغنم إلى مشيئته دلَّ ذلك على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئته وهذا هو معنى وجوب الوضوء من لحم الإبل.
***(7/2)
ما الحكمة في أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء وباقي اللحوم لا تستوجب ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة في هذا هي طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (توضؤوا من لحوم الإبل) (وسئل صلى الله عليه وسلم أتوضأ أي سأله سائل فقال أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم) فكونه جعل الوضوء من لحم الغنم عائداً إلى مشيئة الإنسان وفي لحم الإبل (قال نعم) دَلَّ ذلك على أنه لا بد من الوضوء من لحم الإبل وأنه لا يرجع لاختيار الإنسان ومشيئته وإذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فإنه حكمة ويكفي المؤمن أن يكون الأمر أمراً لله ورسوله قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) فجعلت الحكمة هي الأمر فإذا أمر الله ورسوله بشيء فالحكمة في فعله على أن بعض أهل العلم أبدى حكمة في ذلك وهي أن لحوم الإبل فيها شيء من إثارة الأعصاب والوضوء يهدئ الأعصاب ويبردها ولهذا أمر الرجل إذا غضب أن يتوضأ والأطباء المعاصرون ينهون الرجل العصبي عن كثرة الأكل من لحم الإبل فإن صحت هذه الحكمة فذاك وإن لم تصح فإن الحكمة الأولى هي الحكمة وهي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعبد لله تعالى بتنفيذ أمر نبيه صلى الله عليه وسلم.
***(7/2)
يقول السائل من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل فهل لبنها ينقض الوضوء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل أيّ لحم كان سواء الكبد أو الكلية أو الأمعاء أو الكرش أو اللحم الأحمر كل شيء إذا أكله الإنسان منه انتقض وضوؤه به لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قال توضؤوا من لحوم الإبل) (وسأله رجل أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت) فكونه جعل الوضوء من لحم الغنم راجعاً إلى مشيئة الإنسان وأما الإبل (فقال نعم) دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعاً إلى مشيئة الإنسان وأنه لا بد منه أما لبنها ففيه حديث إسناده حسن في الأمر بالوضوء منه لكنه ليس على سبيل الوجوب والدليل (أن العرنيين الذين جاؤوا إلى المدينة اجتووها أمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها) ولم يقل توضؤوا مع أن الحاجة داعية إلى بيان ذلك لو كان واجباً فالصواب أن الوضوء من ألبانها سنة وليس بواجب وأما من لحومها فواجبٌ لا بد منه.
***(7/2)
بارك الله فيكم أبو عبد الله يقول شخص تناول طعام العشاء عند أحد زملائه وشك بعد الصلاة هل اللحم لحم غنم أم لحم جمل فهل يسأل أم لا وإذا تعذر السؤال هل يعيد الصلاة أم لا أفيدونا بهذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أكل الإنسان لحماً وشك هل هو لحم إبل أو لحم غيره فإنه لا يلزمه أن يسأل ولكن إذا علم ولو فيما بعد فعليه أن يعيد الصلاة وبهذا السؤال نعرف أن السائل يعرف الفرق بين لحم الإبل ولحم غيرها فإن لحم الإبل ينقض الوضوء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (توضؤوا من لحوم الإبل) ولأنه (سئل أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قالوا أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم) فجعل الوضوء من لحم الغنم عائداً إلى مشيئة العبد وجزم بالوضوء من لحم الإبل فدل على أن لحم الإبل يجب الوضوء منه وأنه لا يعود إلى مشيئة العبد ولحم الإبل يشمل جميع أجزاء البعير كالكبد والكرش والأمعاء والقلب وغير ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يخصص منها شيئاً فدل هذا على العموم ومما يدل على أن اللحم إذا أضيف إلى الحيوان فهو شامل لجميع أجزائه قول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) ومن المعلوم أن لحم الخنزير يشمل الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغير ذلك أما لحم غير الإبل فإنه لا ينقض الوضوء لكن ذكر كثير من أهل العلم أنه يستحب الوضوء مما مست النار لأن الوضوء مما مست النار كان مأموراً به لكنه ليس على سبيل الوجوب.
***(7/2)
الوطء بالقدم على النجاسة وهي لا تزال رطبة هل هذا ينقض الوضوء لو كان الإنسان متوضئاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينقض الوضوء ولا دخل للنجاسة في الوضوء حتى لو تلوث الإنسان بالنجاسة ببدنه أو بثوبه فإن وضوءه باقٍ.
فضيلة الشيخ: إذاً عليه فقط أن يطهر الموضع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه أن يطهر ما يجب تطهيره.
***(7/2)
بارك الله فيكم السائل يقول إذا أصابت رجلي أو يدي نجاسة فغسلتها فهل أبقى على طهارتي بعد ذلك أم أن النجاسة نقضت وضوئي جزاكم الله خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النجاسة لا تنقض الوضوء فإذا أصاب الإنسان نجاسة فإن وضوءه باقٍ ولكن يغسل هذه النجاسة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أن جميع الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا البول والغائط فأما الدم إذا خرج من الأنف أو إذا خرج من جرح أو نحو ذلك فإنه ليس بنجس ولا ينقض الوضوء سواء كان قليلا أم كثيرا.
***(7/2)
أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول تقليم الأظافر بعد الوضوء هل يبطله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقليم الأظافر بعد الوضوء لا يبطل الوضوء حلق الرأس بالنسبة للرجال بعد الوضوء لا ينقض الوضوء وقد استدل بعض العلماء بكون حلق الرأس بعد الوضوء لا ينقض الوضوء استدل لذلك بأن خلع الخفين بعد الوضوء لا ينقض الوضوء فكذلك حلق الرأس بعد الوضوء ولا شك أن القول الراجح في مسألة الخفين أن نزعهما لا ينقض الوضوء لعدم الدليل على ذلك والوضوء ثبت صحيحا بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يرفع إلا بدليل شرعي.
***(7/2)
بارك الله فيكم المستمعة ن. ع. من الزلفي تقول فضيلة الشيخ أنا أعاني من كثرة الوساوس وبالخصوص في الصلاة والوضوء فعندما أتوضأ أشك في وضوئي فأعيده كذلك في الصلاة أحياناً أشك بعدم قراءتي للفاتحة أو غير ذلك ما الحل أرشدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل أن يتعوذ الإنسان من الشيطان الرجيم إذا حصلت له هذه الشكوك وألا يلتفت إليها وأن يعرض عنها إعراضاً تاماً وقد أرشد إلى مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين (شكي إليه الرجل يخيل إليه إنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فإذا توضأتِ وشككتِ هل أنتِ أتممتِ الوضوء أم لم تتميه فالأصل الإتمام لا تلتفتي وإذا شككت أنك نويت أم لم تنوي فالأصل النية وإذا شككت سميت أم لم تسمي فالأصل التسمية وأقول هذا فيمن ابتلي بالوسواس لأن الذي ابتلي بالوسواس لا تكون شكوكه إلا وهماً ليس لها أساس وعلى هذا فلا تلتفتي إلى مثل هذه الشكوك أبداً لا في الصلاة ولا في الوضوء وأنا أظن كما هو الواقع كثيراً أنك إذا ضغطتي على نفسك ولم تلتفتي إلى هذا الوسواس فستجدين مشقة وضيقاً وألماً نفسياً ولكن هذا يزول قريباً فاصبري عليه وفي مدة يسيرة يزول.
***(7/2)
السائلة تقول بأني أغسل العضو المراد غسله في الوضوء أكثر من المطلوب بسبب الوسواس وأيضا في الصلاة أعيد قراءة الفاتحة اكثر من مرة واكرر أيضا التسليم عدة مرات وفي إحدى المرات دار خلاف بيني وبين زوجي حول هذا الموضوع فقال بأن هذا محرم فما رأيكم فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن الزيادة في الوضوء على ثلاث من تعدي حدود الله وقد قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه توضأ مرة مرة) (ومرتين مرتين) (وثلاثا ثلاثا) وقال (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) وكذلك يقال في الصلاة لا يكرر المصلى أذكار الصلاة أكثر من مرة إلا ما وردت به السنة فلا يكرر الفاتحة ولا التكبيرة ولا قراءة سورة مع الفاتحة وأما ما ورد فيه التكرار كالتسبيح في الركوع وفي السجود لا بأس به يكرر ما شاء وإني أنصح هذه المرأة من التمادي في الوسواس وأقول إنه ربما تصل إلى حال شديدة لأن الشيطان يستدرج بني آدم من الأصغر إلى الأكبر والعياذ بالله فعليها أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وألا تزيد على ما جاءت به الشريعة لا في وضوءها ولا في صلاتها.
***(7/2)
الحاج تركي أسود يقول عندما أبدأ في الصلاة وفي منتصفها أشك في نقض الوضوء أحياناً ولذلك أتوضأ مرتين أو أكثر وسبب نقض الوضوء هو يقول انحناء في الظهر نرجو منكم إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال أجاب عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث (سُئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فما دمت في صلاة الفريضة ثم طرأ عليك هذا الشك هل أحدثت أم لم تحدث فإنه لا يحل لك أن تخرج منها بل الواجب أن تستمر في صلاتك حتى تنتهي إلا إذا تيقنت أن شيئاً خرج فإذا تيقنت ذلك فعليك أن تخرج ولا يحل لك أن تمضي بعد أن أحدثت وهذا الحديث الذي أفتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر قاعدة عظيمة من قواعد الشرع وهي أن اليقين لا يزول بالشك وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان فما دامت الطهارة متيقنة فإنها لا تزول بالشك وما دامت باقية فإن الأصل بقاؤها حتى يثبت زوالها وفي هذا الحديث راحة للإنسان وطمأنينة للنفس حيث يبقى بعيداً عن الوساوس والشكوك لأنه بهذا الحديث يطرح الشك ويبني على ما استيقن وهي الطهارة أما إذا تيقن الحدث في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن يخرج منها وهذا أمر قد يقع في أثناء الصلاة وبعض الناس يبقى في صلاته إذا كان في المسجد جماعة يخجل أن ينصرف من صلاته أمام الناس فهذا خطأ فإن الله تعالى أحق أن يخشى وأحق أن يستحي منه وفي هذه الحال أعني فيما إذا أحدث في أثناء صلاة الجماعة فإنه يخرج ويضع يده على أنفه كأنه حصل له رعاف حتى يزول عنه الخجل والحياء ثم يتوضأ ويرجع إلى المسجد ليدرك مع الجماعة ما بقي من الصلاة.
***(7/2)
من المرسلة الحائرة أ. ص. ع. م. وردتنا هذه الرسالة تقول فيها أنا دائماً أتوضأ للصلاة خمس مرات أو أكثر لأنني أشك في الطهارة فما هو الحل لديكم وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل لدينا أن تكثر هذه المرأة من ذكر الله تعالى والاستعاذة من الشيطان الرجيم وأن لا تلتفت إلى ما عَمِلَت بعد انتهاء عملها منه فإذا توضأت أول مرة فإنها لا تعيد الوضوء مرةً ثانية مهما طرأ على بالها من الشك والوسواس لأنها إذا فتحت على نفسها هذا الأمر فربما يصل بها الوسواس إلى أن تشك في صلاتها وفي إيمانها وإسلامها وهذا ضررٌ وخطرٌ عظيم فالواجب عليها الإكثار من ذكر الله والاستعاذة من الشيطان الرجيم عند حدوث هذا وألا تلتفت إليه ما دام فعلته فلا تعيده مرةً ثانية.
***(7/2)
أبو عبد الله يقول إذا دخل الشخص دورة المياه وفي نيته أنه يتوضأ لكن بعد الخروج لا يدري هل توضأ أم لا وقد تكرر ذلك عنده عدة مرات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الشك الذي يعتريه شكاً دائماً فإنه لا يلتفت إليه لأنه يشبه الوسواس بل هو وسواس أما إذا كان طارئاً فإنه يجب عليه أن يتوضأ لأنه شك في وجود الوضوء والأصل عدم وجوده وقد ذكر بعض العلماء ضابطاً للشك.
فقال (والشك بعد الفعل لا يؤثر.....وهكذا إذا الشكوك تكثر) فنقول لهذا السائل إذا كانت أكثر عادتك أنك تتوضأ وكثرت عليك الشكوك في أنك لم تتوضأ فابني على العادة الأكثر وعلى أنك متوضئ أما إذا كان الشك نادراً فإنه يجب عليك أن تتوضأ لأن الأصل عدم وجود الوضوء.
***(7/2)
من سلطنة عمان، صحار السائل س. م. ج. يقول كنت ذات يوم أصلى إماماً لصلاة الجمعة وفي التشهد الأخير من صلاتي بالناس شككت في وضوئي هل توضأت أم لا علماً أنني قبل موعد الصلاة بربع ساعة تقريباً اغتسلت غسل الجمعة ولكني لم أتأكد هل توضأت بعده أم لا فهل يكفي ذلك الغسل وإن كنت لم أنوِ به الطهارة من الحدث الأصغر أم لا وإن لم يكن كافياً فماذا علي أن أفعل وما الحكم في صلاة المأمومين خلفي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أبين قاعدة نافعة في باب الحدث وغيره وهي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان وهذا الأصل مبني على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (في الرجل يخيل إليه أنه أحدث فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ومن أمثلة هذا الأصل إذا كان الإنسان قد توضأ فشك هل أحدث أم لا فإنه يبقى على وضوئه وطهارته لأن الأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث ومن هذا الأصل إذا أحدث الإنسان ثم شك هل رفع حدثه أم لم يرفعه فإن الأصل بقاء الحدث وعدم رفعه فعليه أن يتوضأ إن كان الحدث أصغر وأن يغتسل إن كان الحدث أكبر وبناءً على ذلك فإننا نقول في مثل هذه الحال التي ذكرها السائل لو شك الإمام في أثناء الصلاة في التشهد الأخير أو فيما قبله هل تطهر من حدثه أم لا فإن الأصل عدم الطهارة وحينئذٍ يجب عليه أن ينصرف من صلاته وأن يعهد إلى أحد المأمومين بإتمام الصلاة بهم إماماً فيقول مثلاً تقدم يا فلان أكمل الصلاة بهم ويبنون على ما مضى من صلاتهم هذا هو القول الراجح في هذه المسألة وبه يتبين أن صلاة المأمومين ليس فيها خلل سواء ذكر الإمام في أثناء الصلاة أو بعد تمام صلاته أنه ليس على طهارة فإن ذكرها بعد تمام صلاته فقد انتهت صلاة المأمومين على أنها صحيحة ولا إشكال فيها وإن ذكر في أثناء صلاته فإن المأمومين لم يفعلوا شيئاً يوجب بطلان صلاتهم لأنهم فعلوا ما أمروا به من متابعة هذا الإمام والأمر الخفي الذي لا يعلمون به ليسوا مؤاخذين به لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وكوننا نلزمهم بأمر خفي يتعلق بالإمام هذا من الأمور التي لا تدخل تحت الوسع وعلى هذا فنقول إذا تبين للإمام في أثناء صلاته أنه ليس على وضوء أو أحدث في أثناء الصلاة فإنه يعهد إلى واحد من المأمومين أن يتقدم ويكمل بهم الصلاة ولا حرج في ذلك وعلى هذا فنقول للأخ السائل إذا حدث منك مثل هذا في صلاة الجمعة فإنك تعهد إلى أحد المأمومين يتقدم يكمل بهم صلاة الجمعة وأما أنت فتذهب وتتطهر ثم ترجع فإن أدركت ركعة من الصلاة مع الجماعة في الجمعة فأتِ بعدها بركعة واحدة لتكون لك جمعة وإن أدركت أقل من ركعة بأن جئت بعد أن رفع الإمام رأسه من الركوع في الركعة الثانية فقد فاتتك الجمعة فتصلىها ظهراً.
***(7/2)
تقول السائلة إذا وطئت بقدمي الفراش وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست من هذا البول وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موضعها واشتبه علينا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وطئتِ برجلك وهي رطبة على هذا الموضع الذي طهر فإنه لا يؤثر لأن المكان صار طاهرا وأما ترك هذا المكان حتى يجف ويشتبه فإن هذا لا ينبغي وإذا قدر أنه وقع واشتبه الأمر فإنه يجب التحري بقدر الإمكان ثم يغسل المكان الذي يظن أنه هو الذي أصابته النجاسة وقلت أنه لا ينبغي تأخير غسل النجس لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة فإنه (أُتي له بصبي فوضعه في حجره فبال على حَجْرِه فدعا عليه الصلاة والسلام بماء فاتبعه إياه) ولم يؤخر غسله ولما (بال الأعرابي في طائفة المسجد أي في جانب منه أمر النبي عليه الصلاة والسلام بذنوب من ماء فأريق عليه فورا) فعلم من هذا أن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبادرة في إزالة النجاسة وذلك لسببين.
أولا: المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن فالمؤمن طاهر وينبغي أن يكون كل ما يلابسه طاهرا.
وثانيا: أنه إذا بادر بغسله فإنه أسلم له لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله من فوره وحينئذ قد يصلى بالنجاسة وربما يتلوث أو ربما تعدى ماء النجاسة إلى مكان آخر. وأقول ربما يصلى بالنجاسة وليس معنى ذلك أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أن صلاته تبطل فإن القول الراجح أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فإن صلاته صحيحة مثل لو أصاب ثوبه نجاسة تهاون في غسلها أي لم يبادر بغسلها ثم صلى ناسيا غسلها فإن صلاته تصح لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وكذلك لو كان جاهلا بها ولم يعلم بها إلا بعد أن صلى فإن صلاته تصح للآية السابقة. لكن إذا صلى وهو محدث ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة مثل لو نقض وضوءه ثم حضرت الصلاة فصلى ناسيا نقض وضوءه ثم ذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد الوضوء وكذلك لو دُعي إلى وليمة فأكل لحما لا يدري ما هو وصلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم أبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وإن كان جاهلا حين أكله أنه لحم أبل والفرق بين هذا وبين الأول يعني الفرق بين من صلى محدثا ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة دون من صلى بنجاسة ناسيا أو جاهلا فإنه لا يجب عليه إعادة الصلاة الفرق بينهما أنه في مسألة الحدث ترك مأمور وترك المأمور ناسياً أو جهلا يسقط الإثم بتركه لكن لا يسقط إعادة الصلاة لأن المطلوب فعلها على الوجه الصحيح ولا يمكن ذلك إلا بإعادة الصلاة، وأما من صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا فإن هذا من باب فعل المحظور وفعل المحظور ناسيا أو جاهلا يسقط به الإثم لجهله ونسيانه وإذا سقط الإثم صار لم يفعل محرماً وحينئذ تكون الصلاة كأنه لم يفعل فيها هذا المحرم.
***(7/2)
أحسن الله إليكم السائل سلطان عبد الرحمن يقول هل يجوز مس المصحف من غير وضوء مع وضع حاجز قماش أو نحوه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يضع قماشا يحول بينه وبين مس المصحف ويقرأ فيه ولو كان على غير وضوء وهنا يقول السائل هل يجوز مس المصحف مع وضع قماش؟ وهذا التعبير غير صحيح لأنه إذا كان هناك قماش لم يكن هناك مس المس لا يمكن إلا إذا لم يكن هناك حائل والصحيح أنه لا يجوز مس المصحف والإنسان على غير وضوء بدون حائل لقوله في الحديث الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن حازم (أن لا يمس القرءان إلا طاهر) وهذا الحديث وإن كان مرسلا لكنه قد اعتبره أهل العلم وأخذوا به وفرعوا عليه مسائل كثيرة في الفقه وعليه فلا يجوز مس المصحف إلا إذا كان على طهارة وأما إذا وضع حائلا فإنه ليس بماس له فلا حرج فإن قال قائل ما تقولون في الصبيان الذين يحملون جزءا من القرآن الكريم وهم على غير وضوء؟ نقول إن بعض العلماء قال إن الصبيان يستثنون من هذا لأن الصبي غير مكلف فلا يجب عليه شيء ومنهم من قال إنه وإن لم يجب عليه شيء لكن يجب على وليه أن يمنعه من مس المصحف بلا وضوء ولكن هنا الحاجة قائمة لمس المصحف بدون وضوء لأن الصبي قد يكون غير عارف بالوضوء ثم لو توضأ فليس مضمونا أن يحفظ نفسه من الحدث فيعفى عن ذلك للمشقة والله أعلم.
***(7/2)
بارك الله فيكم تقول هذه السائلة هل يجوز مس المصحف بغير وضوء ولو كان الفرد مثلاً في سيارة وأراد أن يقرأ من المصحف وهو غير متوضيء فهل يجوز له مس المصحف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أراد الإنسان أن يقرا القرآن من المصحف وهو غير متوضيء فلا حرج عليه لكنه لا يباشر مس المصحف بل يجعل بينه وبينه حائلاً إما بأن يلبس قفازين وإما بان يضع منديلاً يحول بينه وبين مس المصحف وهذا هو القول الراجح من أقوال العلماء وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الكتاب الذي كتبه لعمرو ابن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) وهذا الكتاب وإن كان مرسلاً تكلم فيه العلماء لكن تلقاه أهل العلم بالقبول وعملوا بما فيه من أحكام وتلقي الأمة بالقبول لحديث مرسل يدل على أن له أصلاً ولأن الوضوء من تعظيم كتاب الله عز وجل فكان ينبغي للإنسان ألا يمس القرآن إلا وهو متوضيء.
***(7/2)
تقول السائلة من القصيم البعض من المعلمات تضطر أن تمسك المصحف وهي غير طاهرة وذلك في مجال التعليم الابتدائى علما بأن المصحف مضافاً إلى كتاب التوحيد والفقه فهل يعتبر هذا في حكم المصحف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المصحف مضافاً إلى كتاب التوحيد والفقه وكان هذا المجلد أكثر ما فيه من غير القرآن فإنه لا بأس بمسه لأنه لا يعد مصحفا إذ أن أكثره ليس من القرآن وأما إذا أضيف إلى غيره وأكثره من القرآن فإنه في حكم المصحف فلا يجوز لمن عليه حدث أكبر أو أصغر أن يمسه بيده مباشرة ولكن يمكن أن يمسه من وراء حائل بأن يجعل على يده منديلاً أو تلبس المرأة قفازين أو ما أشبه ذلك.
***(7/2)
محمد عثمان معلم باليمن الشمالي يقول في رسالته أعمل في مدرسة وهي بعيدة عن القرية وأُدَرّسُ التلاميذ القرآن الكريم ولا يوجد ماء في المدرسة أو بالقرب منها للوضوء والقرآن (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فماذا أفعل في هذه الحالة أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن في المدرسة ماء ولا في قربها فإنه ينبه على الطلبة أن لا يأتوا إلا وهم متطهرون وذلك لأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر لحديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له -وفيه- (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا الرافع للحدث بدليل قوله تعالى في آية الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ففي قوله (لِيُطَهِّرَكُمْ) دليل على أن الإنسان قبل أن يتطهر لم تحصل له الطهارة وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يمس القرآن إلا وهو طاهر متوضئ إلا أن بعض أهل العلم رخص للصغار أن يمسوا القرآن لحاجتهم لذلك وعدم إدراكهم للوضوء ولكن الأولى أن يؤمر الطلاب بذلك أي بالوضوء حتى يمسوا المصحف وهم على طهارة وأما قول السائل لأن القرآن (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فكأني به يريد أن يستدل بهذه الآية على وجوب التطهر لمس المصحف والآية ليس فيها دليل لهذا لأن المراد بقوله (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ والمراد بالمطَهَّرون الملائكة ولو كان يراد بها المتطهرون لقال لا يمسه إلا المطهرون أو إلا المتطهرون ولم يقل (إلا الْمُطَهَّرُونَ) وعلى هذا فليس في الآية دليل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة لكن الحديث الذي أشرنا إليه آنفاً هو الذي يدل على ذلك.
***(7/2)
المستمع ف. ر. ج. من سوريا يقول فضيلة الشيخ هل تصح قراءة القرآن بغير وضوء أرجو منكم إجابة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز قراءة القرآن بغير وضوء وقد قالت عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) وقراءة القرآن من ذكر الله لكنها لا تجوز إذا كان الإنسان جنباً حتى يغتسل (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقرئ أصحابه القرآن ما لم يكونوا جنباً) كما جاء ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأما مس المصحف فلا يجوز إلا بوضوء لأن في حديث (عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يمس القرآن إلا طاهرٌ) وهذا الحديث وإن كان مرسلٌ إلا أن الأمة تلقته بالقبول والمرسل إذا تلقته الأمة بالقبول صار صحيحاً والطاهر هنا الطاهر من الحدث وليس المؤمن لأنه لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر ويدل على أن الطاهر هو المتوضئ قول الله تبارك وتعالى في آية الوضوء التي جمع الله فيها بين الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وعلى هذا فلا يحل للإنسان إذا كان على غير وضوء أن يمس المصحف إلا من وراء حائل بأن يجعل منديلاً على يده أو قفازاً أو يتصفح المصحف بسواكٍ أو نحوه.
***(7/2)
السائل عبد الرحمن يوسف يقول هل يجوز لي أن أقرأ القرآن على صدري وأنا على غير وضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لحافظ القرآن أن يقرأ القرآن على غير وضوء ولكن الأفضل أن يكون على وضوء أما من يقرأ في المصحف فلا بد أن يتوضأ لأنه لا يتسنَّى له أن يمس المصحف إلا بوضوء لكن يمكن أن يقرأ من المصحف وإن لم يتوضأ بان يلبس قفازاً أو يجعل معه منديلاً يقلب به الأوراق أو مسواكاً يقلب به الأوراق ويقرأ.
***(7/2)
السائل محمد علي من المنطقة الجنوبية يقول هل يجوز أن أقرأ القرآن بغير وضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تقرأ القرآن بغير وضوء لكن لا تمس المصحف فإن احتجت إلى مس المصحف فأجعل بينك وبينه حائلاً بأن تمسه بواسطة المنديل أو المسواك تقلب به الورق أو ما أشبه ذلك لأن القول الراجح أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر كما في حديث عمرو بن حزم المشهور المستفيض أما قراءة القرآن بدون مس المصحف فهي جائزة للمحدث إلا أن يكون الإنسان جنبا فإنه لا يقرأ القرآن حتى يغتسل من الجنابة (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ القرآن أصحابه ما لم يكن جنبا) .
***(7/2)
باب الغسل(7/2)
كيف يكون غسل الجنابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الجنابة له صفتان واجبة ومستحبة أما الواجبة فهي أن يغسل الإنسان بدنه كله لقوله تعالي (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فإذا غسل الإنسان بدنه كله على إي صفة كانت بنيةٍ أجزأه ذلك ومن المعلوم أن المضمضة والاستنشاق داخلان في هذا لأن الأنف والفم في حكم الظاهر لا في حكم الباطن ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق في الوضوء وهذا في تفسير قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعلى كل حال هذه الصفة الواجبة في الغسل أن يعم الإنسان جميع بدنه بالماء مرة واحدة ومن ذلك المضمضة والاستنشاق وأما الصفة المستحبة فهو أن يغسل فرجه وما لوثه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة وضوءاً كاملاً يغسل وجهه بعد المضمضة والاستنشاق ويغسل يديه إلى المرفقين ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه ثم بعد ذلك يفيض الماء على رأسه حتى يروِي أصوله إذا كان ذا شعركثير ثم يفيض عليه ثلاثة مرات على الرأس ثم يغسل سائر جسده هذا على صفة ما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أما ما روته ميمونة رضي الله عنها فإن الأمر يختلف بعض الشيء فإنه يغسل فرجه وما لوثه ويضرب بيده على الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثة لينظفها بعد هذا الغسل ويغسلها ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثم يغسل رأسه غسلاً كاملاً ولا يغسل رجليه ثم بعد ذلك يفيض الماء على سائر جسده ثم يغسل رجليه في مكان آخر هكذا روته أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها والأفضل للإنسان أن يفعل الصفتين جميعاً بمعني أن يغتسل على صفة ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أحياناً وعلى صفة ما جاء في حديث ميمونة أحياناً ليكون عاملاً للسنتين جميعاً وإذا كان الإنسان لا يدرك إلا صفة واحدة من هاتين الصفتين فلا حرج عليه في ملازمتها, ولا يلزم إعادة الوضوء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوضأ بعد الغسل لكن إن مس ذكره فإنه يجب عليه الوضوء لا من أجل جنابة سابقة ولكن من أجل الحدث الطارئ وهو مس الذكر إذا قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء لأنها مسألة خلافية بين أهل العلم والله الموفق.
***(7/2)
هذه الرسالة وردتنا من عبد الله عمر من جدة فيها أسئلة كثيرة كلها تدور حول الغسل من الجنابة وخرجنا من مجملها بالسؤال التالي ما هي كيفية الغسل من الجنابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: للغسل من الجنابة كيفيتان واجبة ومستحبة أما الواجبة فهي تعميم جميع الجسم بالغسل بمعنى أن يغسل جميع جسمه بالماء على أي كيفيةٍ كانت ومنها لو نوى وانغمس في بركة أو في ساقيه تمشي انغمس كله حتى عم الماء جميع بدنه فإنه بذلك يكون قد تطهر من الجنابة والكيفية الثانية المستحبة هي كالآتي:
أولاً: يغسل يديه أي كفيه ثلاث مرات.
ثانياً: يغسل فرجه وما تلوث به من أثر الجنابة.
ثالثاً: يتوضأ وضوءه للصلاة أي يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه وذراعيه ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه.
رابعاً: يغسل رأسه فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات ولا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر.
خامساً: يغسل بقية جسمه بالماء مرةً واحدة فهذه كيفية مشروعة كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها في صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة وإن اغتسل على ما جاء في حديث ميمونة رضي الله عنها فلا حرج وهو قريبٌ من هذه الصفة إلا أنه يختلف بأنه لا يغسل رجليه إذا توضأ في أول الأمر وإنما يؤخر غسلها حتى ينتهي من الغسل ويغسلها بعد ذلك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
***(7/2)
أحسن الله إليكم يا شيخ أبو فيوض العتيبي من الرياض يقول هل غسل الجنابة مثل غسل يوم الجمعة أو غسل التنظف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يقول هل غسل الجنب الجمعة كغسل الجنابة لأن هذا أولى. غسل الجنابة وغسل الجمعة سواء بمعنى أن الإنسان عندما ينظف فرجه من أثر الجنابة يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يفيض الماء على رأسه حتى يرويه ثلاث مرات ثم يغسل سائر جسده هذا في الغسل من الجنابة ومثله الغسل يوم الجمعة ومثله الغسل عند الإحرام بحج أو عمرة وإذا أغتسل من الجنابة واقتصر عليه كفاه عن الوضوء فيما بعد ولكن يجب أن يلاحظ أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وواجبان في الغسل لابد منهما فإذا اغتسل بنية رفع الجنابة مع المضمضة والاستنشاق وهما من الغسل وإنما ذكرتهما لأن بعض الناس يظن أن الغسل ليس فيه مضمضة ولا استنشاق فإنه يكفيه عن الوضوء حتى لو انغمس في بركة ماء ثم خرج وكان أنغمس بنية غسل الجنابة ثم خرج وتمضمض وأستنشق فليذهب فليصلّ لأن غسل الجنابة مبيح للصلاة قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر الله سبحانه وتعالى في الجنابة إلا التطهر والاغتسال ولم يذكر الوضوء فدل هذا على أن الغسل من الجنابة رافع للحدث الأصغر والأكبر.
***(7/2)
أولاً أود أن أخبركم بأنني أحبكم في الله وأحب كل من ينتفع بعلمه المسلمين وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ورزقكم الدرجات العليا من الجنة إن شاء الله وأقول لكل من يساهم في هذا البرنامج جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ثانياً أرسل لفضيلتكم برفقة هذا الخطاب صور من كتاب كيفية الصلاة وفي هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن كيفية الصلاة حيث تناول من ضمن ذلك الحديث عن الغسل حيث ذكر الأحوال التي يجب فيها الغسل كما ذكر فرائض الغسل وذكر من ضمن الفرائض النية حيث ذكر الكاتب بأنه عندما يريد الإنسان أن يغتسل عليه أن ينوي بقلبه لفرض وأن يتلفظ بالنية بأن يقول نويت فرض الغسل فلا مانع ويجوز منه ذلك. والسؤال هل يجوز التلفظ بالنية مع أننا نعرف بأن التلفظ بالنية بدعة فهل هذا صحيح وذلك موضح لديكم بالصورة المرفقة بالخطاب وأيضاً ذكر الكاتب بأن الفرض الثاني هو تعميم الجسد بالماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مطول كما استمع إليه من يستمع هذا البرنامج وفيه تقول أنها تحبنا في الله فأسأل الله تعالى الذي أحبتنا فيه أن يحبها وفيه أيضا حينما دعت بالتوفيق ورفعة الدرجات قالت في نهاية دعائها (إن شاء الله) ولا ينبغي للإنسان إذا دعا الله سبحانه وتعالى أن يقول إن شاء الله في دعائه بل يعزم المسألة ويعظم الرغبة فإن الله سبحانه وتعالى لا مُكره له وقد قال سبحانه وتعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فوعد بالاستجابة فحينئذٍ لا حاجة لأن يقال إن شاء الله فإن الله سبحانه وتعالى إذا وفق الإنسان للدعاء فإنه يجيبه إما بمسألته أو بأن يرد عنه شراً أو يدخرها له يوم القيامة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شيءت اللهم ارحمني إن شيءت ولكن ليعزم المسألة وليُعظم الرغبة فإن الله تعالى لا مُكره له) فإن قال قائلٌ ألم يثبت (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول للمريض لا بأس طهورٌ إن شاء الله) فنقول بلى ولكن هذا يظهر أنه ليس من باب الدعاء وإنما هو من باب الخبر والرجاء وليس دعاءً فإن الدعاء من آدابه أن يجزم به المرء وهذا التعبير يقع من كثيرٍ من الناس وأما ما ذكرته من أن الرجل إذا دخل مغتسله فإنه يستقبل القبلة عند الغسل فهذا ليس بصحيح فإن جميع الذين نقلوا صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يستقبل القبلة حين اغتساله ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته إما بقوله وإما بفعله فلما لم نجد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وجود سببه لو كان مشروعاً علم أنه ليس بمشروع وهذه القاعدة تنفع الإنسان في هذا المقام وغيره وهو أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يشرع له قولٌ أو فعل فإنه ليس بمشروع أي فإنه لا يشرع له قول ولا فعل ومن ذلك النية نية العبادة أي التلفظ بها فإن العبادات كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعلها ولا يتلفظ بالنية لها ولو كان هذا مشروعاً لفعله ولو فعله لنقل إلينا كذلك استقبال القبلة حين الغسل نقول هذا وجد سببه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وهو الغسل ولم ينقل عنه أنه كان يتجه إلى القبلة حين اغتساله ولو كان مشروعاً لفعله ولو فعله لنقل إلينا.
***(7/2)
عندما يحتلم الشخص فهل يغسل جميع جسمه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا احتلم الرجل أو المرأة فإن رأيا آثر المني بعد اليقظة وجب عليهما الغسل ويجب تعميم البدن بالماء أما إذا احتلم الإنسان ولم ير شيئاً فإنه لا يجب عليه الغسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها الغسل قال نعم إذا هي رأت الماء) فقيد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الغسل بما إذا رأت الماء.
***(7/2)
أحسن الله إليكم السائل طاهر أحمد من اليمن يقول هل الوضوء وترتيب غسل الأعضاء في غسل الجنابة شرط لصحة الغسل أم يكفي النية وغسل الجسم مرةً واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يكفي غسل الجسم مرةً واحدة مبتدءاً بأي جهةٍ منه مع المضمضة والاستنشاق لكن الأفضل أن يغسل الإنسان فرجه أولاً وما لوثه من الجنابة ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثة مرات فإذا أرواه أفاض الماء على سائر جسده مبتدئاً بالأيمن من الجسد هذا هو الأفضل وإن أتى بالغسل مرةً واحدة كفى لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءاً وعلى هذا فلو أن إنساناً نوى الغسل من الجنابة وانغمس في نهر أو بحر أو بركة ثم خرج وتمضمض واستنشق فقد ارتفع عنه الحدث فيصلى وإن لم يتوضأ.
***(7/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع إبراهيم سوداني يقول رجل اغتسل غسل الجنابة ولم يصب الماء ثلاثة مرات على رأسه فهل غسله صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل الواجب الذي تبرأ به الذمة أن يعم الإنسان الماء جميع بدنه بمعنى أن يوصل الماء إلى جميع بدنه من رأسه وماتحت الشعر إلى جميع الجسد على أي صفة كانت لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولكن الأفضل أن يغتسل كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته أن يغسل كفيه ثلاثاً ثم يغسل فرجه وما لوثه ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً ثم يحثي الماء على رأسه ثلاث مرات حتى يرويه ثم يغسل سائر جسده هذا هو الأكمل والأفضل وأما الواجب فأن يعم الماء جميع بدنه وبناءً على هذا يتبين أن ما فعله السائل صحيح وأن الجنابة قد ارتفعت به.
***(7/2)
أحسن الله إليكم سائلة تسأل هل كيفية الغسل من الجنابة مثل كيفية الغسل من الحيض - أعني - غسل المرأة من الحيض مع توضيح ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الجنابة وغسل الحيض شيء واحد إلا أن الحائض ينبغي لها أن تبالغ في التنظيف وتغسل رأسها أيضاً بالسدر لأنه أنظف وأطيب.
***(7/2)
أحسن الله إليكم هذا السائل يقول هل يجوز للشخص أن يغتسل بالماء العادي دون أن يستعمل منظفات كالشامبو مثلا إذا كان عليه حدث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وذلك بالماء فالماء يكفي في الاغتسال من الجنابة ولكن إذا قُدِّرَ أن على جسده دهن أو كانت مادة الدهن في جسده كثيرة فهنا لابد أن يمر يده على جسمه حتى يتيقن من أن الماء أصاب جميع جسده لأن غسل الجنابة لا بد أن يشمل جميع البدن ومن ذلك المضمضة والاستنشاق.
***(7/2)
المستمعة أم عمر من العراق تسأل هل غسل الجسم والمسح على الرأس والتشهد دون تبليل الرأس يعتبر تطهر من الجنابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله عز وجل في كتابه العزيز (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فلابد من تطهير جميع الجسد من الجنابة حتى الرأس وحتى ما تحت الشعر، فيجب على المرأة وعلى الرجل ذو الرأس الكثيف الشعر يجب عليهما جميعاً أن يغسلا رؤوسهما غسلاً يصل إلى أصول الشعر ويدخل فيما بين الشعر ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم عند الاغتسال (يصب على رأسه حتى إذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات) قال أهل العلم ويخلل الشعر من أجل أن يتيقن دخول الماء إلى أصوله، وأما المسح على الرأس في غسل الجنابة فإنه لا يجزئ لأن المسح إنما يكون في الوضوء فقط كما قال الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) .
***(7/2)
إذا ألصق الرجل على جسمه لصقه عن مرض في جسمه في ناحية من أنحاء الجسم ووجب عليه الغسل فهل يكفي الغسل أم يتعفر بالتراب أفتونا جزاكم الله عنا خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على شيء من أجزاء جسمه لصقة وضعها لحاجة فإنه يمسحها إذا أغتسل أو إذا توضأ وهي في أعضاء الوضوء وهذا المسح قائم مقام الغسل كما أن المسح على الخفين في الرجلين قائم مقام غسلهما فإذا مسح عليهما أجزئه عن التيمم الذي هو العفور عند العامة ولا يجمع بين التيمم والمسح لأنه جمع بين طهارتين كل منهما بدل عن الأخرى ولا يجمع بين البدل والمبدل منه وعلى هذا فنقول إذا أصابتك الجنابة واللصقة في صدرك مثلاً أو في ظهرك فامسحها عند الاغتسال ويجزئك ذلك عن التيمم وتكون طهارتك تامة.
***(7/2)
امرأة وضعت على أظافرها مناكير ثم اغتسلت عن الحدث الأكبر وهي لم تُزِل هذه المناكير عن أظافرها ولم تتذكر إلا بعد ثلاث أو أربع ساعات فهل يلزمها إعادة الغسل بعد إزالة هذا المناكير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لابد أن نسأل عن لبس هذا المناكير ولبس هذا المناكير فيما أعرف أنها أظافر طويلة إذا رآها الإنسان ظن أن أظافر المرأة طويلة وهذا لا شك أنه تقبيح وإظهار لأمر تخالف به المرأة الفطرة لأن الفطرة قص الأظافر وهذه عكس قص الأظافر بمعنى أنها تظهر المرأة وكأن أظافرها طويلة فهي تريد أن تتجمل بما يخالف الفطرة ونصيحتي لأخواتي أن يدعن هذه المناكير ثم إنها تقبح أصابع المرأة ولا تجملها ويحدث أحيانا أن تنسى المرأة إزالتها ثم تتوضأ أو تغتسل وهي عليها فلا يصح لها غسل ولا وضوء لأن هذه المناكير تمنع وصول الماء أما الإجابة عن السؤال فنقول إن عليها أن تعيد الغسل وأن تعيد الصلاة التي صلتها في هذا الغسل يعني في الغسل الأول الذي لم يصح.
***(7/2)
السائل فتحي منصور من الجماهيرية الليبية يقول أنا أشكو من كثرة الشك في الطهارة من الجنابة لدرجة أنني أعيد الغسل مرة أخرى أو مرتين فما الحكم في هذا وماذا يجب علي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن الشكوك إذا كثرت فإنه لا يلتفت إليها لأنه وسواس كما نص على ذلك أهل العلم وعليه فإذا كثرت الشكوك فاطرحها ولا تلتفت لها ولا تبالِ بها ولا تعد الغسل بل استمر في صلاتك وعبادتك ولا تعد شيئاً من طهارتك.
***(7/2)
يقول السائل ما حكم من أخر غسل الجنابة يوما أو أكثر بدون عذر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من أخر ذلك بدون عذر فإنه لا شك أنه آثم وأنه فعل جُرما عظيما حيث صلَّى بدون طهارة والصلاة بدون طهارة من كبائر الذنوب حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك لأن ذلك من باب اتخاذ آيات الله هزوا لكن المشهور عند جماهير أهل العلم أنه لا يكفر من صلى محدثا ولكنه قد فعل إثما عظيما والعياذ بالله وعليه في مثل هذه الحال أن يتوب إلى ربه سبحانه وتعالى وأن يعيد الصلاة التي صلاها وعليه الجنابة لأنه صلى صلاة بغير طهور وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) .
***(7/2)
أحسن الله إليكم هذا سائل من سوريا يقول بأنه طالب يدرس في سوريا والبرد في الشتاء يكون قارساً جداً يقول عندما أحتلم يصعب علي الغسل في الصباح الباكر خوفاً من التعرض إلى المرض خاصة أنني أكون ذاهب إلى المدرسة ماذا أفعل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اغتسل من الجنابة والأمر الحمد لله متيسر السخانات في الحمامات ومن ليس عنده سخانا أمكنه أن يسخن الماء في القدر ونحوه ويغتسل ويكون اغتساله في محل لا يتعرض فيه للهواء والبرد ولا يحل له أن يدع الاغتسال إلا أن يكون مريضا يخشى على نفسه من زيادة المرض أو بطء البرء أو ما أشبه ذلك فلا بأس أن يتيمم حتى يسخن الجو ويغتسل بعد ذلك.
***(7/2)
شكر الله لكم هذا الهادي محمد من اليمن الشمالي يقول في رسالته احتلمت في ليلة شديدة البرودة يتعذر فيها الاستحمام فقمت لصلاة الصبح وتيممت وصلىت الصبح وجاء الظهر فنسيت الجنابة وتوضيت وصلىت إماماً وجاء العصر فتذكرت الجنابة فقمت واغتسلت وأعدت صلاة الصبح والظهر ولكن الجماعة تفرقوا أرجو أن تفيدوني عن هذا العمل وعن حكم صلاة الجماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صلاتك الصبح التي صلىتها بالتيمم نظراً لأنه لا يمكنك استعمال الماء لشدة برودته فإن كان عندك شيء يمكنك أن تسخن الماء فيه أو أن تسخن الماء به فإن تيممك لا يصح لأنه يمكنك أن تسخن الماء وتغتسل به ثم تصلى وإن لم يكن عندك ما تسخن به الماء وخفت على نفسك من البرد وتيممت فإن صلاتك الصبح صحيحة بالتيمم ولا حاجة إلى إعادتها وأما صلاة الظهر التي نسيت أن تغتسل عن الجنابة لها فإنها غير صحيحة ويجب عليك أن تعيدها وأما الجماعة الذين صلوا خلفك فإنه لا إعادة عليهم ذلك لأنهم لا يعلمون عن جنابتك شيئاً وكل إمام فعل مفسداً في الصلاة لا يعلم عنه المأموم فإن صلاة المأموم لا تتأثر بفساد صلاته حتى إن الإمام لو دخل في الصلاة ناسياً لحدثه ثم ذكر في أثناء الصلاة فإن صلاة المأمومين لا تبطل بذلك بل في هذه الحال إذا تذكر أنه على غير طهارة في أثناء صلاته يجب عليه أن ينصرف من الصلاة وأما بالنسبة للمأمومين فإنه يقول لأحد منهم تقدم يا فلان فأتم بهم الصلاة فإن لم يفعل ذلك فلهم أن يتموها فراداً ولهم أن يقدموا أحدهم يتم بهم الصلاة وصلاتهم صحيحة على كل حال.
***(7/2)
سؤال من المرسل عبد الكريم س. ع. من قبيلة سمر يقول أنه في ذات يوم قام قبل صلاة الفجر وقد احتلم وكان هذا اليوم شديد البرد فذهب إلى المدرسة بعد أن تعفر وصلى الفجر، ثم وهو في الطريق إلى المدرسة أراد أن يعود لكي يغتسل ولكنه لم يفعل وذهب إلى المدرسة ولما رجع الظهر أيضاً لم يغتسل ويقول أرجو أن يبين أمري في هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أمره في هذا الموقف أما بالنسبة لما مضى فإن عليه إعادة الصلاتين اللتين صلاهما بدون غسل من الجنابة لأنه في البلد ويستطيع أن يسخن الماء ويغتسل به وأما بالنسبة للمسألة من حيث هي فإن الرجل إذا استيقظ وعليه جنابة وخاف من البرد وليس لديه ما يسخن به فإنه يتيمم ولكنه إذا دفيء أو وجد ما يسخن به وجب عليه الغسل. ولو فرض أنه في سفر في بر والماء عنده لكنه بارد وليس عنده ما يسخن به ففي هذه الحال يجوز أن يتيمم عن هذه الجنابة وإذا قدر على استعمال الماء وكان لا يضره وجب عليه أن يغتسل.
***(7/2)
عندما استيقظ من النوم متأخراً لصلاة الفجر وقد أحدثت حدثاً يستدعي الغسل فإن عملية الغسل تفوتني إدراك الجماعة هل يجوز أن أتيمم وأدرك الجماعة أم لا بد من الغسل ولو فاتتني صلاة الجماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد من الغسل وإن فاتتك صلاة الجماعة لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولأن الغسل من الجنابة شرطٌ لصحة الصلاة وأما صلاة الجماعة فالصحيح أنها ليست بشرطٍ لصحة الصلاة بل تصح صلاة الإنسان منفرداً ولكنه يأثم إذا كان قادراً على حضور الجماعة ولم يحضر.
***(7/2)
يقول المستمع إذا كان على الإنسان أكثر من غُسْل في البرية وتيمم لهذه الموجبات لعدم الماء ثم وصل بعد وقت إلى المدينة فهل من الأفضل أو من السنة أن يغتسل أم يجب عليه وجوباً الاغتسال عن تلك الجنابات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه وجوباً أن يغتسل عن الجنابات التي كانت عليه وتيمم عنها فإذا تيمم عن جنابة من أجل عدم الماء ثم وجد الماء وجب عليه أن يغتسل وإذا تيمم عن جنابة من أجل المرض ثم برئ من المرض يجب عليه أن يغتسل لأنه كما أسلفنا قبل قليل إذا زال المبيح للتيمم انتقض التيمم ووجب استعمال الماء وفي الحديث (فإذا وجد الماء فليتق الله وليُمَسه بشرته) .
***(7/2)
المستمع عبد المنعم دفع الله سوداني مقيم في القصيم يقول في رسالته إذا أصابت الرجل جنابة وأوجبت عليه الغسل وهو في نفس الوقت مريض بمرض يمنعه من الغسل بالماء فهل التيمم يغني عن الغسل بالماء حتى ولو زال المانع بعد أيام وهل التيمم لرفع الجنابة يغني عن الوضوء للفريضة إذا دخل وقتها في نفس وقت أداء رفع الجنابة أفيدونا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضاً لا يتمكن من استعمال الماء فإنه في هذه الحال يتيمم لقول الله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وإذا تيمم عن هذه الجنابة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى إلا بجنابة تحدث له أخرى ولكنه يتمم عن الوضوء كلما انتقض وضوءه والتيمم رافع للحدث مطهر للمتيمم لقول الله تعالى حين ذكر التيمم وقبله الضوء والغسل قال الله سبحانه وتعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وثبت (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) والطَّهور ما يتطهر به الإنسان وهذا يدل على أن التيمم مطهر لكن طهارته مقيدة بزوال المانع من استعمال الماء فإذا زال المانع من استعمال الماء فبريء المريض أو وجد الماء من كان عادماً له فإنه يجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابة وأن يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر ويدل لذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد - الطويل - وفيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم فسأله ما الذي منعه فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقى الناس منه وبقى منه بقية فقال للرجل خذ هذا فأفرغه على نفسك) وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكافٍ عن الماء لكن إذا وُجد الماء فإنه يجب استعماله ولهذا أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة وهذا القول الذي قررناه هو القول الراجح من أقوال أهل العلم.
***(7/2)
هذه رسالة وردتنا من سورية من محمد صلاح الدين يعقوب تتعلق بالحج يقول منذ سنتين قضيت فرض الحج والحمد الله، ولكن عندما كنت في الليلة الثالثة في منى احتلمت وأصبحت اليوم الثالث جنباً، وقبل طلوع الشمس تيممت وصلىت حتى المساء ورجمت الشيطان، وعند عودتي إلى مكة المكرمة اغتسلت وصلىت المغرب والعشاء وطفت طواف الإفاضة ومضيت، يقول حتى الآن لم أذبح أرجو إعلامي هل كان حجي صحيحاً؟ وهل الذبح واجب أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يذكر تفاصيل الحج وكيفيته من أوله إلى أخره، لكن الذي ذكر الآن لا يوجب بطلان حجه، فحجه لا يفسد بما ذكره ولكن يجب عليه إذا احتلم في منى أو غيرها من المشاعر أن يغتسل فإن تعذر عليه ذلك وخاف فوات الوقت فإنه يتيمم، ولكن إذا تيمم لصلاة الفجر مثلاً التي خاف فوات وقتها فإنه يتعين عليه أن يطلب الماء في النهار ليغتسل ويصلى بغسل.
فضيلة الشيخ: ألا يكفي التيمم عن الغسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يكفي إلا إذا تعذر استعمال الماء فإن الواجب التطهر بالماء فإذا تعذر إما لعدم وجود الماء، وإما لخوف الضرر باستعماله جاز أن يتيمم.
فضيلة الشيخ: بالنسبة للبادية الذين يقيمون في البر يكون عليهم عدة جنابات ويتيممون عنها، هل يلزمهم إذا وردوا للبلد أن يغتسلوا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يلزمهم إذا وردوا إلى البلد وقدروا على الماء أن يغتسلوا عن الأشياء الماضية لأن الجنابة بالتيمم لا ترتفع ارتفاعاً مطلقاً وإنما ارتفاع حتى يوجد الماء، وهكذا أيضاً في الوضوء إذا تيمم عن حدث أصغر ووجد الماء وجب عليه أن يتوضأ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب طهور المسلم أو قال وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته) فلابد من هذا، عوداً على سؤال الأخ نقول وأما الهدي فلا ندري هل يجب عليه أم لا لأنه إذا كان متمتعاً وهو قادر على الهدي وقت حجه وجب عليه أن يهدي، وكذلك إذا كان قارناً، أما إذا كان غير قارن ولا متمتع وهو مفرد فإنه لا يجب عليه الهدي.
***(7/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من المستمع أ. ع. مقيم في الرياض يقول كنت جنباً في يوم كان شديد البرودة فخشيت على نفسي فلم أغتسل الغسل الكامل لجسدي بالماء بل اغتسلت من أسفل جسدي من السرة إلى أسفل وتوضأت وصلىت بغسلي هذا جميع الأوقات قرابة أسبوع فهل صلاتي تلك صحيحة أم عليّ الإعادة أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الاغتسال الذي قام به لا يجزئه وذلك لأن الاغتسال لا بد أن يعم جميع البدن والرجل هذا لم يغسل إلا أسافل بدنه ثم إن الظاهر من سؤاله أنه لم يتيمم وعلى هذا فيكون قد صلى بغير طهارة لا طهارة تيمم ولا طهارة ماء فتلزمه الإعادة أي إعادة ما صلى لأنه فرط في عدم السؤال وكان عليه أن يسأل من يومه عن هذا العمل ثم إني أقول إذا أصاب الإنسان جنابة في يوم شديد البرد وخاف على نفسه ولم يجد ما يسخن به الماء فإنه يتيمم ولا حاجة أن يغسل أسافل بدنه بل يتيمم عن الجنابة وإذا هيئ له فيما بعد أن يغتسل وجب عليه أن يغتسل.
***(7/2)
بارك الله فيكم من ليبيا السائل م. م. أ. يقول من عليه جنابة واغتسل ليؤدي فريضةً وبعد أن صلى نافلةً قبل الفريضة انتقض غسله فهل يعيد الغسل أم يتوضأ وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من انتقض غسله فكأنه أصابته جنابةٌ أخرى لأن الغسل لا ينتقض إلا بجنابة وعلى هذا فيلزمه أن يغتسل مرةً ثانية لترتفع عنه الجنابة يعني لو أن الإنسان اغتسل من الجنابة ثم صلى نافلة ثم أجنب مرةً ثانية وجب عليه أن يغتسل للصلاة المقبلة سواء كانت فريضة أم نافلة.
***(7/2)
يقول السائل إذا اتصل الرجل بزوجته ولامسها حيث يكون الاتصال بالزوجة جنسياً وجاء وقت الصلاة ثم قام وتوضأ ثم صلى هل تصح صلاته مع أنني اتصلت بزوجتي في الفراش وقمت في الليل ولامستها ثم جاء وقت صلاة الصبح فقمت وتوضئت حيث أديت الوضوء بصورة كاملة ثم صلىت فهل صلاتي صحيحة أم عليَّ إعادتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت المباشرة موجبة للغسل فإن صلاتك هذه غير صحيحة وعليك إعادتها بعد الغسل وإذا كانت هذه المباشرة لا توجب الغسل فإن صلاتك صحيحة لأنك توضأت في حالٍ لا يجب عليك سوى الوضوء والمباشرة التي توجب الغسل هي واحدةٌ من أمرين إما جماع وإن لم يحصل إنزال فمتى جامع الرجل زوجته فإنه يجب عليه وعليها الغسل سواءٌ حصل الإنزال منهما أو لم يحصل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) زاد مسلمٌ (وإن لم ينزل) الأمر الثاني الذي يجب فيه الغسل الإنزال فمتى أنزل الإنسان وجب عليه الغسل سواءٌ عن جماعٍ أو مباشرة أو تذكر أو أي شيء كان متى أنزل أي دفق المني بشهوة فعليه الغسل وفي هذه الحال قد يجب الغسل على المرأة دون الرجل وقد يجب على الرجل دون المرأة وقد يجب عليهما جميعاً فإذا حصل الإنزال من الرجل دون المرأة فإن عليه الغسل وحده وليس عليها غسل وإذا أنزلت هي دون الرجل فعليها الغسل دون الرجل وإذا أنزلا جميعاً فعليهما جميعاً الغسل وهذه الصورة كما عرفنا سابقاً إذا كانت بدون إيلاج أما الإيلاج فهو موجبٌ للغسل عليهما جميعاً وإن لم يحصل إنزال.
***(7/2)
يقول السائل هل الرجل الذي يجامع إذا اغتسل بعد الجماع ولم يبول قبل أن يغتسل لا ترتفع عنه الجنابة لأنه سمع أنه لا نقاء من الجنابة إلا بعد البول قبل الغسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا صحة لما سمع فالطهارة من الجنابة تحصل وإن لم يكن البول لأن الله تعالى يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) يعني اغتسلوا ولا يُشترط أن يتبول الإنسان بعد جماعه ولكنه إذا بال فإنه أحسن من الناحية الطبية لئلا تبقى فضلات المني في مجاريها أي في مجاري البول فإذا بال فإنها تظهر ولهذا يقال تبول بعد الجماع ولو بنقطة حتى يزول ما بقي أما أن يكون شرطاً لارتفاع الحدث فهذا ليس بصحيح.
***(7/2)
إذا اغتسل الشخص من الجنابة بعد الحدث مباشرة وبعد أن انتهى ولبس ملابسه أحس بخروج شيء أو وجد أثراً لسائل قد خرج منه فماذا عليه في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السائل الذي خرج منه إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنها بقية ما كان من الجنابة الأولى فلا يوجب الغسل وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويعيد الوضوء فقط.
***(7/2)
يقول السائل اثناء تنظيفي من البول أشاهد مادة تخرج وهي تشبه المني فهل هذا يوجب الاغتسال أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يوجب الاغتسال لأن ذلك ليس بمني بل هو فضلاتٌ راسبة في القنوات المنوية تخرج أثناء البول إذ المني الذي يوجب الغسل هو ما يخرج بشهوة، هذا هو المني الذي يوجب الغسل فأما ما خرج بدون شهوة فليس فيه غسل إلا إذا كان من نائم فإن النائم إذا استيقظ من نومه ووجد عليه أثر المني وجب عليه أن يغتسل سواءٌ ذكر احتلاماً أو لم يذكر أما اليقظان فلا يجب عليه الغسل بخروج المني إلا إذا كان بلذة.
***(7/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل إذا شك الرجل أنه احتلم فلما استيقظ من نومه لم يجد للاحتلام أي أثر لا في الثوب ولا على الجسم هل في مثل هذه الحالة يجب الاغتسال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه الاغتسال إذا احتلم وهو نائم ثم أصبح ولم يَرَ شيئاً من آثار الجنابة فإنه لا غسل عليه لأن (أُمَّ سليم سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا هي رأت الماء) فاشترط النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوجوب الغسل عليها أن ترى الماء يعني الجنابة.
***(7/2)
هل يلزمني الغسل إذا احتلمت ورأيت أني قد اغتسلت غسل الجنابة في المنام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الجنابة التي رأيت الماء فيها - أي المني - بعد استيقاظك وجب عليك أن تغتسل، وإن لم تره لم يجب عليك الغسل، لأن (النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة ترى في منامهن ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال نعم إذا هي رأت الماء) ، فإذا لم تَرَ الماء لم يجب عليك الغسل، وإن رأيت الماء وجب عليك الغسل، واغتسالك في المنام ليس بشيء، كما أنك لو رأيت المني ولم تر حُلماً فإنه يجب عليك أن تغتسل.
***(7/2)
هل الغسل يجزئ عن الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل المشروع كغسل الجنابة يجزئ عن الوضوء لأن الله تبارك وتعالى يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءاً فالجنابة إذا اغتسل الإنسان عنها أجزأته عن الوضوء وجاز أن يصلى وإن لم يتوضأ وأما إذا كان الغسل غير مشروع كالغسل للتبرد ونحوه فإنه لا يجزئ عن الوضوء لأنه ليس بعبادة.
***(7/2)
أحسن الله إليكم هل الغسل يجزئ عن الوضوء أم لابد من الوضوء بعد الغسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل أنواع غسل عن جنابة يجزئ عن الوضوء وغسل للجمعة لا يجزئ عن الوضوء وغسل للتبرد لا يجزئ عن الوضوء وغسل الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء نوى الوضوء معه أم لم ينو لقول الله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءا ولأن (النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الرجل الذي كان على جنابة ماءً وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) ولم يذكر له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترتيبا لكن الأفضل في غسل الجنابة أن يغسل الإنسان ما أصابه من التلويث ثم يتوضأ وضوءا كاملا بغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين ثم يفيض الماء على رأسه حتى يظن أنه أرواه ثلاثة مرات ثم يغسل سائر جسده هذا هو الأفضل ولو أن الإنسان كان في مسبح أو في بركة ونوى غسل الجنابة وأنغمس في الماء ثم خرج لم يبق عليه إلا المضمضة والاستنشاق فإذا تمضمض واستنشق ارتفعت الجنابة.
***(7/2)
إذا اغتسل الرجل من الجنابة هل يعيد الوضوء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد الوضوء ما دام قد تمضمض واستنشق وعمَّ بدنه بالغسل فلا وضوء عليه لقول الله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وهو يكفي لأن الآية في سياق القيام إلى الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فدل ذلك على أن تطهر الجنب أي غسله جميع بدنه كافٍ في رفع الجنابة.
***(7/2)
بارك الله فيكم إذا لم يكن الاستحمام لغسل الجنابة عن طريق غمس الجسد كله في ماء يعمه بل كان مثلاً بالوسائل الموجودة حالياً أو بإناء صغير يغترف منه أو بنحو ذلك بمعنى أنه يتعرض إلى لمس فرجيه بيديه هل يؤثر هذا الوضوء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الفرج يكون قبل الاغتسال كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله وحتى لو فرض أن الإنسان في أثناء الغسل مس ذكره فإنه لا ينتقض وضوءه على القول الراجح عندنا لأنه ليس بقصد منه ثم إن الأحاديث في ذلك متعارضة فمن العلماء من جمع بينهما ومنهم من رجح بعضها على بعض والذي نرى في هذه المسألة أن مس الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة فإن كان بغير شهوة فالوضوء منه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب هذا الذي نراه في هذه المسألة ويرى بعض أهل العلم أنه لا ينقض مطلقاً ويرى آخرون أنه ينقض مطلقاً.
***(7/2)
إذا أصابت الإنسان جنابة هل يكتفي بالاستحمام دون الوضوء أم أنه يلزمه الوضوء بعد الاستحمام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصاب الإنسان جنابة فإنه يكفيه الغسل عن الوضوء لكن لابد من المضمضة والاستنشاق ودليل ذلك قوله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر صفة معينة فإن قال قائل هذا مجمل والسنة بينت أنه لابد من الوضوء قبل الغسل ومن غسل الرأس ثلاثا قبل غسل بقية البدن حسب ما جاءت به السنة قلنا هذا الإيراد وارد لكن قد ثبت في صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين -الطويل- (في قصة الرجل الذي أعتزل قومه ولم يصل فسأله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقال أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطى هذا الرجل منه وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) ولم يبين له صلى الله عليه وسلم كيفية معينة فدل هذا على أنه متى حصل تطهير جميع البدن ارتفعت الجنابة ويدخل الحدث الأصغر في الحدث الأكبر كما تدخل العمرة في الحج فيمن حج قارناً.
***(7/2)
المستمع عبد الله أبو بكر من الرياض يقول: إذا توضأ الإنسان واغتسل لرفع الحدث الأكبر هل يجوز له أن يصلى بعد الاغتسال بذلك الوضوء أم يتوضأ ثانية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئ عن الوضوء لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء وأحدث بعد الغسل فيجب عليه أن يتوضأ وأما إذا لم يحدث فإن غسله عن الجنابة يجزئه عن الوضوء سواء توضأ قبله أم لم يتوضأ لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق فإنه لا بد منهما في الوضوء والغسل.
***(7/2)
السائل حامد عبد الرزاق من الأردن يقول هل الاستحمام يغني عن الوضوء وتجوز الصلاة به من غير وضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الاستحمام عن جنابة فإنه يكفي عن الوضوء لكن يجب أن يلاحظ أنه لا بد من المضمضة والاستنشاق وأما إذا كان الاستحمام للتنظيف أو للتبرد فإنه لا يجزيء عن الوضوء بل لا بد أن يتوضأ الإنسان بعد أن يفرغ من الاستحمام.
***(7/2)
السائل م م ع يقول رجل اغتسل من الجنابة واغتسل بقصد النظافة فهل ذلك يغنيه عن الوضوء للصلاة أم لابد من الاغتسال الكامل للبدن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما مَنْ اغتسل من أجل الجنابة فإنه يجزئه عن الوضوء لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر الله تعالى وضوءاً وأما الاغتسال للتبرد فإنه لا يجزئ عن الوضوء لأن الاغتسال للتبرد ليس عن حدث فلا يكون مجزئا بل لابد أن يتوضأ بعد أن ينتهي من الاغتسال للتبرد.
***(7/2)
رسالة وصلت من القصيم المستمع ق ب د يقول هل يجوز للجنب قراءة القرآن أو المعوذات وآية الكرسي وبعض الأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل نومه وهو جنب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن والإنسان جنب لا تجوز على أصح أقوال أهل العلم وهو قول جمهور أهل العلم فيما أعلم وذلك لأن الجنب بإمكانه أن يغتسل ويزيل عنه المانع خلاف الحائض فإن الأصح من أقوال أهل العلم أن الحائض تقرأ القرآن للمصلحة أو الحاجة، فقراءتها إياه للمصلحة كقراءة الأوراد القرآنية كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين في سورة البقرة و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين وقراءتها للحاجة كقراءتها إياه خوفاً من النسيان أو من أجل أداء الاختبار في المدارس أو من أجل تعليم أبنائها أو ما أشبه ذلك والفرق بين الحائض وبين الجنب أن الحائض لا يمكنها إزالة المانع بخلاف الجنب وعلى هذا فنقول للجنب إذا كنت تريد أن تقرأ الأوراد القرآنية فاغتسل ثم اقرأها وهذا أفضل وأطيب وأما الأذكار والأوراد غير القرآنية فإنه لا بأس للجنب أن يقرأها لقول عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) ولكن ذكر الله تعالى على طهارة أفضل مما إذا لم يكن على طهارة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (إني أحب أن لا أذكر الله إلا على طهارة) أو كلمة نحوها ولكن لا يمتنع أن يذكر الإنسان ربه وهو جنب بشيء غير القرآن وله أيضاً أي الجنب أن يذكر الله تعالى بما يوافق القرآن إذا لم يقصد القراءة فله أن يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) وله أن يقول إذا أصيب بمصيبة (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وله أن يقول (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) وله أن يقول (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إذا لم يقصد القراءة.
***(7/2)
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء فضيلة الشيخ هذه سائلة تقول ما حكم التلفظ بآيات من القرآن الكريم شفهيّاً عند النوم أو غير ذلك وهي على جنابة أو حيض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان على جنابة فإنه لا يقرأ القرآن إلا إذا اغتسل لكن لو دعا بأدعية من القرآن قاصدا الدعاء دون التلاوة فلا بأس مثل لو قال (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو يريد بذلك الدعاء دون التلاوة فلا حرج.
***(7/2)
إذا جاز للجنب أن يذكر الله وهو جنب وكان ضمن بعض الأدعية والأذكار بعض الآيات الكريمة مثل (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) و (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إلى غير هذه الآيات الكريمة فهل يجوز للجنب قراءتها أثناء الذكر أو الدعاء وهل يجوز للجنب أن يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للجنب أن يذكر الله تعالى بما يوافق القرآن مثل الآيات التي قالها السائل (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم) كل هذه إذا لم يقصد بها التلاوة فإنها تجوز ولا حرج فيها وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الله تعالى يقول (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
***(7/2)
المستمع م. خ. ف. يسأل ما حكم الشرع فيمن يقرأ أو يردد آيات قرآنية سراً أو جهراً وهو جنب أو من يقضي وقتاً أو أياماً وهو على جنابة دون الاغتسال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال من شقين الشق الأول قراءة القرآن والإنسان جنب والراجح من أقوال أهل العلم أن هذا حرام، وأنه لا يحل للجنب أن يقرأ شيئاً من القرآن على سبيل التلاوة لأنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ما يدل على منع الجنب من قراءة القرآن، ومن ذلك حديث علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم نكن جنباً) ، ومعلوم أن إقراء النبي صلى الله عليه وسلم القرآن لأصحابه واجب لأنه من تبليغ الرسالة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا كان لا يقرئهم إياه وهم جنب دل ذلك على تحريم قراءة القرآن على الجنب لأن الواجب لا يمنعه إلا شيء محرم ولا يصح قياس هذا على الحائض والفرق بينهما أن الجنب يمكنه أن يتلافى هذا المانع من قراءة القرآن فيغتسل بخلاف الحائض فإن حيضها ليس بيدها، والحائض على القول الراجح لها أن تقرأ القرآن عند الحاجة إليه كالمعلمة والمتعلمة ومن تقرأه من أجل الورد عند النوم أو في الصباح أو في المساء، أمّا قراءة الجنب للقرآن فإنه حرام حتى يغتسل.
الشق الثاني: في السؤال وهو أنه يبقى أياماً لا يغتسل للجنابة فهذا يستلزم أنه لا يصلى أو أنه يصلى وهو جنب، وكلا الأمرين محرم بلا شك فالجنب لا يحل له أن يصلى بإجماع المسلمين حتى إن بعض أهل العلم يقول إذا صلى الإنسان وهو جنب فقد ارتد عن الإسلام لأن صلاته وهو جنب تدل على أنه مستهزئ وساخر بآيات الله كيف يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ، ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) ثم يقوم هذا الرجل فيصلى وهو جنب، يتقرب إلى الله بما نهى الله عنه، ومن لا يرى أنه يكفر بذلك يرى أنه قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب، وأنه على خطر، وإن كان هذا الرجل الذي يبقى أياماً وهو جنب لا يصلى فالأمر أخطر وأعظم فإن ترك الصلاة على القول الراجح كفر مخرج عن الملة كما قررنا أدلة ذلك في غير موضع من هذا المنبر نور على الدرب ونصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله تعالى في نفسه وأن يبادر بالاغتسال من الجنابة فإنه كلما كان الإنسان أطهر كان أنقى ولا شك أنه لا يحل له إذا حانت الصلاة أن يدع الاغتسال من الجنابة فيدع الصلاة أو يصلى بلا غسل.
***(7/2)
هل يجوز التشهد على الجنابة في دورة المياه وذكر اسم الله أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد يكون بعد الفراغ وهذا يمكن أن يكون بعد خروجك من هذا المكان إذا خرجت تقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما التسمية فليست بواجبة عند الوضوء ولا عند الغسل على القول الراجح وإنما هي سنة فإن أتيت بها فهو أولى وإن لم تأت بها فيكفي التسمية بالقلب.
فضيلة الشيخ: كثيراً من المنازل الجديدة من الفلل وغيرها يكون الحمام في مكان واحد مع مغاسل اليدين فقد يستنجي الإنسان في الحمام ثم يخرج إلى هذا المغاسل ويتوضأ عليها فهل يجوز التسمية والتشهد عند هذه الغسالات مثلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ما دامت الغسالات خارج المكان
فضيلة الشيخ: خارج المكان لكن السقف واحد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يضر
فضيلة الشيخ: وإذا قطعت بجدار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قطعت بحاجز أو باب فهذا وحده وهذه وحدها فلا حرج فيها. وهنا مسألة وإن لم تكن في السؤال أحب أن أنبه عليها وهي أن بعض الناس يجعل إتجاه الحمامات إلى القبلة إذا جلس لقضاء حاجته وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها) وثبت في الصحيح من حديث ابن عمر (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) وعلى هذا فإن الحديث الأول يدل على تحريم استقبال القبلة مطلقاً في البنيان وغير البنيان وهو الذي فهمه راويه أبو أيوب حيث قال (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله) والحديث الثاني يدل بظاهره على أن استدبار القبلة في البنيان لا بأس به ولكن بعض الناس كما أشرت إليه قد يبنونها مستقبل القبلة فهؤلاء عليهم أن يغيروها لتكون القبلة عن أيمانهم أو شمائلهم.
***(7/2)
من العراق بغداد محمد جاسم يقول إذا حدثت لي الجنابة فهل يجوز لي أن أحمد الله وأدعو بهذا الدعاء عند الاستيقاظ من النوم (الحمد لله الذي أماتني ثم أحياني وإليه النشور) وإذا عطست فهل يجوز لي أن أحمد الله وإذا تثاءبت فهل يجوز لي أن استعيذ بالله من الشيطان وقد تأتي في بالي بعض الآيات فهل يجوز أن أقرأها عن ظهر قلبي وأنا محدث الحدث الأكبر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ذكر الله تعالى وأنت على جنابة فإنه لا بأس به فإن (النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه) كما ثبت ذلك عنه من حديث عائشة فتجيب المؤذن وتذكر الله بعدما تقوم من النوم وكذلك تذكر الله عند الأكل وعند الشرب وتحمد الله عند العطاس وأما الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب فليس فيها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتخاذها سنة ليس بصحيح وهي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي عليه الصلاة والسلام أرشد من يتثاءب لسُنّة فعلية وهي كظم التثاؤب إن استطاع وإلا فليضع يده على فيه ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم من تثاءب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا ثبت ذلك أيضاً من فعله فيما أعلم وعلى هذا فلا ينبغي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب ومن علم بسنة في ذلك فليتبعها فإننا لا نقول إلا ما بلغه علمنا والعلم عند الله تبارك وتعالى وأما قراءة القرآن للجنب فالأحوط عليه ألا يقرأ ولكن له أن يذكر الله تعالى فيما يوافق القرآن إذا لم يقصد القراءة كما لو قال مثلاً (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فإن هذه آية من كتاب الله ومع ذلك إذا لم يقصد بها القراءة فلا حرج عليه فيها.
***(7/2)
جزاكم الله خيرا ما حكم الاغتسال يوم الجمعة وهل وردت فيه أحاديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال يوم الجمعة واجب على كل بالغ عاقل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فصرح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه واجب ومن المعلوم أن أعلم الخلق بشريعة الله رسول الله ومن المعلوم أن أنصح الخلق لعباد الله رسول الله ومن المعلوم أن أعلم الناس بما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفصح العرب فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة وقال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فكيف نقول ليس بواجب لو أن هذه العبارة جاءت في متن من المتون الذي ألفه عالم من العلماء وقال فيه فصل غسل الجمعة واجب لم يشك أحد يقرأ هذا الكتاب إلا أن المؤلف يرى وجوبه هذا وهو آدمي معرض للخطأ والصواب فكيف والقائل بذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيد هذا الوجوب بما يقتضي الإلزام حيث قال (على كل محتلم) أي بالغ وهذا يدل على أن الغسل ملزم به وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غسل الجمعة (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) فهذا فيه نظر من جهة سنده ومن جهة متنه ثم لا يمكن أن يعارض به حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين وغيرهما الصريح الواضح وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) ولكن متى يبتدئ هذا الوجوب أقرب ما يقال أنه يبتدئ إذا طلعت الشمس لأن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وقت للفجر فالأحوط أن يكون اغتساله بعد طلوع الشمس والأفضل أن يكون عند إرادة الذهاب إلى المسجد وإذا قلنا إنه واجب فهل تصح الجمعة بدونه يعني لو تعمد تركه وصلى هل تصح فالجواب نعم تصح لأن هذا غسل ليس عن جنابة ولكنه أو جبه النبي صلى الله وسلم ليتبين ميزة هذا اليوم عن غيره ويدل لهذا أنه ثبت عن (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يخطب فدخل عثمان وهو يخطب فكأنه عرَّض به أي عرض بعثمان أنه تأخر إلى الخطبة فقال عثمان والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت فقال عمر رضي الله عنه: والوضوء أيضا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وصلَّى عثمان بدون غسل وفي هذا الأثر عن عمر رضي الله عنه دليل واضح على أن غسل الجمعة واجب وإلا فكيف يوبخ عمر رضي الله عنه عثمان رضي الله عنه أمام الناس على تركه.
فضيلة الشيخ: لو اغتسل ليلا أو بعد الفجر ونوى به غسل الجمعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اغتسل قبل الفجر فلا ينفعه لأن اليوم لم يدخل بلا إشكال وإن اغتسل بعد الفجر ففيه احتمال لكن الأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس.
***(7/2)
المستمع أبو عبد العزيز يقول إذا أراد المسافر أن يصلى الجمعة مع المسلمين فهل يلزمه الغسل أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على هل غسل الجمعة واجب أو سنة مؤكدة في هذا للعلماء ثلاثة أقول القول الأول أنه واجب مطلقا والقول الثاني أن سنة مطلقا والقول الثالث تفصيل فإن كان على الإنسان وسخ كثير يخشى من ثوران رائحته في هذا الاجتماع الكبير فإنه يجب عليه الغسل إزالة للأذى وإلا فإن الغسل في حقه سنة والذي يتبين من الأدلة الشرعية أنه واجب على الإطلاق لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فتأمل كلمة (واجب) ممن صدرت وبماذا أحيطت هذا الكلمة صدرت من أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم فيما يريد وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم معنى كلمة (واجب) فلو لم يرد بها الإلزام لكان التعبير بها فيه إهانة ومن المعلوم أن رسول صلى الله عليه آله وسلم لا يأتي بعبارة مبهمة يريد بها خلاف ظهرها بل لا يأتي بعبارة إلا وهو يريد ما يستفاد منها من ظاهر اللفظ لأنه أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم لعباد الله ثم إن هذه الكلمة أحيطت بما يدل أن المراد بها الوجوب الإلزامي وهو قوله (على كل محتلم) أي على كل بالغ فإن البلوغ وصف يقتضي إلزام المخاطب بما يوجه إليه من خطاب فهو وصف مناسب لعلة الإجابة وعلى هذا فلا مناص من القول بوجوب الغسل على من أراد الجمعة وأتى إليها ويدل لذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (كان يخطب يوم الجمعة فدخل عثمان فسأله يعني لمّا تأخر فقال والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت يعني ثم جاء فقال له عمر وهو يخطب الناس والوضوء أيضاً وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وعلى هذا فمن ترك غسل الجمعة فهو آثم لتركه الواجب لكن الصلاة صحيحه لأن هذا الغسل واجب عن غير حدث فلا يمنع صحة الصلاة وحينئذٍ يتبين جواب سؤال السائل أنه إذا كان مسافرا وحضر الجمعة فهل عليه الغسل نقول نعم عليه الغسل لقول النبي صلى اله عليه وآله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولكن إذا كان يشق عليه ذلك بكونه لا يجد الماء أو لا يجد إلا ماء بارد في أيام الشتاء ويخاف على نفسه من البرد فأنه لا أثم عليه في هذه الحال لأن الله تعالى يقول (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ويقول جل ذكره (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ومن هذه النصوص أخذ العلماء قاعدة مفيدة جدا لطالب العلم وهو أنه (لا واجب مع عجز) كما أنه (لا محرم مع الضرورة) لقوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) .
***(7/2)
نعلم أنه من المستحب للرجل يوم الجمعة الغسل والتطيب ولبس أحسن الثياب فهل هذا ينطبق حتى على المرأة أيضاً ولها نفس الأجر؟ وهل يصح الاغتسال قبل الجمعة بيومٍ أو يومين وينوى به الجمعة أم لا يصح إلا في يومها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأحكام خاصةٌ بالرجل لأنه هو الذي يحضر الجمعة وهو الذي يطلب منه التجمل عند الخروج وعلى هذا فإنه هو الذي يطلب منه أن يغتسل يوم الجمعة ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويبكر إلى الجمعة أما النساء فلا يشرع في حقهن ذلك ولكن كل إنسانٍ ينبغي له إذا وجد في بدنه وسخاً أن ينظفه فإن ذلك من الأمور المحمودة التي ينبغي للإنسان ألا يدعها وأما الاغتسال للجمعة قبلها بيومٍ أو يومين فلا ينفع لأن الأحاديث الواردة في ذلك تخصه بيوم الجمعة وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة هذا هو محل الاغتسال الذي ينبغي أن يكون وأما قبلها بيومٍ أو يومين فلا يجزئه ولا ينفعه عن غسل الجمعة.
***(7/2)
إذا اغتسل المسلم للجنابة قبيل فجر الجمعة أو بعده هل يكفي هذا لغسل الجمعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما كان قبل الفجر فلا يكفي لأنه لم يدخل اليوم وأما بعد الفجر فيكفي لكن الأفضل أن يعيده بعد طلوع الشمس حتى يتأكد أنه حصل في يوم الجمعة ثم إن العلماء رحمهم الله قالوا إن الأفضل أن يكون الاغتسال عند المضي إلى الصلاة فمثلاً إذا قدرنا أنه يذهب إلى الصلاة قبل الزوال بساعتين فإنه يغتسل في ذلك الوقت ووجه ذلك أنه إذا تطهر عند المضي صار أبلغ وأضمن من أن يحصل له وسخ بعد ذلك.
***(7/2)
بارك الله فيكم هل يشرع للعيد غسل كالجمعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يغتسل لصلاة العيد ولكن ذكر عن بعض السلف أنه كان يغتسل لصلاة العيد وأخذ بذلك كثير من أهل الفقه وقالوا أنه يسن أن يغتسل لصلاة العيد لأنها صلاة اجتماع عام فشرع فيها الأغتسال كيوم الجمعة فإن اغتسل الإنسان فحسن وإن لم يغتسل فلا يقال أنه فوت سنة.
***(7/2)
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل من الإغماء فهل هو واجب أم مستحب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال من الإغماء ليس بواجب وإنما هو مستحب لأنه يجدد للبدن نشاطه ويعيد عليه ما تخلف من الهلع بواسطة الإغماء وليس بواجب لأن ذلك لم يثبت إلا من فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال أهل العلم وما ثبت بفعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعله على سبيل التعبد فإنه يكون مشروعا ولا يكون واجبا لأنه لم يصحبه أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم.
***(7/2)
باب التيمم(7/2)
المستمع ع. ع. أ. مقيم بالعراق يقول في رسالته ما صفة التيمم المشروعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صفة التيمم المشروعة أن ينوي الإنسان أنه يريد أن يتيمم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئٍ ما نوى) ثم يضرب الأرض بيده ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه وبهذا يتم تيممه ويكون طاهراً يحل له بهذا التيمم ما يحل له بالتطهر بالماء لأن الله عز وجل لما ذكر التيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فبين الله تعالى أن الإنسان بالتيمم يكون طاهراً وقال النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن التيمم رافع للحدث ما دام الإنسان لم يجد الماء فيجوز له إذا تيمم ولم يحصل منه حدث أن يصلى ما شاء من فروض ونوافل ويرتفع حدثه فلا يبطل بخروج الوقت فلو تيمم لصلاة الظهر مثلاً حتى دخل وقت العصر فله أن يصلى صلاة العصر بهذا التيمم وإذا تيمم من الجنابة أول مرة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى بل يتيمم للوضوء فقط.
***(7/2)
بارك الله فيكم يقول هذا السائل ما هي كيفية التيمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لابد أن نعلم أن التيمم لا يجوز إلا إذا تعذر استعمال الماء بفقد الماء أو تضرر باستعماله فإذا جاز التيمم فصفته أن يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ثم يمسح وجهه كله بكفيه ويمسح براحة كل يد على ظهر الأخرى وكذلك يمسح الراحتين بعضهما ببعض
***(7/2)
ما هي صفة التيمم وبماذا يبطل وماذا يعمل من وجد ماء يكفي لبعض وضوئه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صفة التيمم أن يضرب التراب بيديه ضربة واحدة فيمسح وجهه كله بباطن كفه ثم يمسح يده اليمنى باليسرى وبالعكس هذه هي الصفة المشهورة قال أهل العلم وينبغي أن يخلل أصابعه وأما ما يبطل به التيمم فإن التيمم إن كان عن جنابة بطل بكل ما يوجب الغسل وإن كان عن وضوء بطل بما يوجب الوضوء هذا ما دامت إباحة التيمم قائمة فأما إذا لم يبح التيمم مثل أن يتيمم لفقد الماء ثم يجده فإنه يبطل تيممه بوجود الماء وكذلك لو تيمم لمرض ثم شفي منه فإنه يبطل تيممه بشفائه من هذا المرض ولا يبطل التيمم بخروج الوقت على القول الراجح وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (جعلت لي الأرض مسجداً وطَهوراً) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به كالوَضوء بالفتح ما يتوضأ به والسَّحور بالفتح ما يتسحر به وقال الله عز وجل بعد أن ذكر الطهارة بالماء والتيمم قال (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فدل هذا على أن التيمم مطهر وإذا كان مطهراً فإنه لا تبطل طهارته إلا بما تبطل به طهارة الماء لأن التيمم بدل عنه والبدل له حكم المبدل فلو تيمم الإنسان عن جنابة مثلاً فإنه يرتفع حدثه ولا يعيد التيمم عن هذه الجنابة إلا إذا حصل له جنابة أخرى أو موجب للغسل سواها وإذا تيمم عن ناقض من نواقض الوضوء فإنه يبقى على طهارته حتى يوجد أحد النواقض فلو تيمم الرجل لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى صلاة الظهر أو إلى صلاة العصر لم يأت بناقض من نواقض الوضوء من بول ولا نوم ولا غائط ولا أكل لحم إبل ولا غيرها مما ينقض الوضوء فإنه في هذه الحال يصلى بالتيمم الذي تيمم به لصلاة الفجر.
فضيلة الشيخ: وماذا يعمل من وجد ماء يكفي لبعض وضوئه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من وجد ماءً يكفي لبعض وضوئه فإنه يستعمله ويتمم للباقي بناءً على قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليهم وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا الرجل استطاع أن يستعمل الماء في بعض أعضاء وضوئه فلزمه استعماله وعجز عن استعماله بالبقية لفقد الماء فيتمم لذلك.
***(7/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا سائل يقول هل يشترط في مسح الوجه عند التيمم تعميم جميع الوجه بالصعيد الطاهر أم مجرد امرار اليدين على الوجه فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان في التيمم أن يمسح جميع الوجه لقول الله تبارك وتعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فكما يجب تعميم الرأس المستفاد من قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) كذلك نستفيد تعميم الوجه في قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يمسح الأنف وما حوله فهذا غلط بل الواجب أن يمسح من الأذن إلى الأذن عرضاً ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية طولاً.
***(7/2)
من أحمد شرهان مزهري من جيزان يسأل كيف يتيمم من عدم الماء لأنني خرجت مع مجموعة من الطلاب فكان لكل مجموعة منهم طريقة فمنهم من يضرب الأرض أربع مرات واحدة للوجه وواحدة لليدين إلى المرفقين وواحدة للرأس والأذنين وواحدة للرجلين وبعضهم ضرب ضربتين واحدة منهن للوجه والثانية لليدين فقط أما أنا فقد أنكروا فعلي لأني ضربت ضربة واحدة للوجه واليدين فقط فقالوا من علمك هذا التيمم فقلت سمعته من محدث في المسجد فقالوا وهل كل ما سمعت في المسجد صحيح وهذا ما دفعني للسؤال عبر برنامجكم وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأخ ذكر أن جماعة اختلفوا في كيفية التيمم على ثلاثة وجوه وأصح هذه الوجوه هو ما عمله الأخ السائل حيث ضرب بيديه الأرض مرة واحدة مسح بها وجهه وكفيه وهذه الصفة هي الصفة الصحيحة التي دل عليها حديث عمار بن ياسر في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له كيفية التيمم فإن (عمار بن ياسر رضي الله عنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنب فلم يجد الماء فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فبين له النبي عليه الصلاة والسلام أنه يكفيه أن يقول بيديه هكذا وضرب بيديه الأرض مرة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذه هي الكيفية المشروعة المستحبة وأما ضرب الأرض مرتين واحدة في الوجه والثانية للكفين فهذه الصفة قال بها بعض أهل العلم بناءً على حديث ضعيف في ذلك ولكن الصواب ما أشرنا إليه من قبل وأما الذين ضربوا أربع مرات وجعلوا واحدة للوجه وواحدة لليدين وواحدة للرأس وواحدة للرجلين فما أشبه اجتهادهم هذا باجتهاد عمار بن ياسر الذي أشرنا إليه حيث ظنوا أن طهارة التيمم كطاهرة الماء تشمل الأعضاء الأربعة ولكن الصواب معك أنت أيها السائل حيث ضربت مرةً واحدة وأما قولهم هل كل ما سمعت يكون صواباً فنقول كما قالوا ليس كل ما يسمع يكون صواباً بل الصواب ما وافق الكتاب والسنة وكثيراً ما نسمع أشياء تقال لا سيما على سبيل الوعظ والتخويف والترغيب وهي ليست بصحيحة وعلى هذا فينبغي الحذر في مثل هذه الأمور مما يُسمع أو يُكتب.
فضيلة الشيخ: قلتم أنه يضرب الأرض بيديه ثم يمسح اليمنى على اليسرى ثم يمسح وجهه وظاهر كفيه لكن لو ضرب الأرض ومسح مباشرة وجهه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج يبدأ بالوجه أولاً ثم باليدين ثانياً لأن الله يقول (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فقدم الوجه
فضيلة الشيخ: لكن إذا فرك أو مسح يداً بيد ألا يذهب الغبار من اليدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يضر ذهاب الغبار ليس بواجب بل إنه في صحيح البخاري (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نفخ في كفيه حينما أراد أن يضرب بهما الأرض نفخ فيهما ثم مسح) فهذا يدل على أن مسألة الغبار ليس بلازمة ولهذا يجوز التيمم على القول الراجح على الأرض التي لا غبار فيها كالرمل والأرض المبلولة بالماء والمطر وما أشبهها.
***(7/2)
سائلة تقول إذا لم تستطع أن تتوضأ هل تتيمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا لم تستطع الوضوء فإنها تتيمم لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)
فضيلة الشيخ: وما هي طريقة التيمم إذا كانت مريضة عاجزة عن التيمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أن يأتي أهلها بالتراب فيضرب الرجل الذي هو محرمٌ لها أو المرأة يديها على الأرض ثم يمسح وجه المريضة وكفيها، وإذا تيممت مثلاً لصلاة الظهر وبقيت على طهارتها إلى العصر فلا يحتاج إلى إعادة تيمم، لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت ولها أي لهذه المرأة أن تجمع بين الظهر والعصر وأن تجمع بين المغرب والعشاء إذا شق عليها أداء كل صلاة في وقتها لكن بدون قصر لأنها ليست مسافرة.
***(7/2)
المستمع عبد المنعم دفع الله سوداني مقيم في القصيم يقول في رسالته إذا أصابت الرجل جنابة وأوجبت عليه الغسل وهو في نفس الوقت مريض بمرض يمنعه من الغسل بالماء فهل التيمم يغني عن الغسل بالماء حتى ولو زال المانع بعد أيام وهل التيمم لرفع الجنابة يغني عن الوضوء للفريضة إذا دخل وقتها في نفس وقت أداء رفع الجنابة أفيدونا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضاً لا يتمكن من استعمال الماء فإنه في هذه الحال يتيمم لقول الله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وإذا تيمم عن هذه الجنابة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى إلا بجنابة تحدث له أخرى ولكنه يتمم عن الوضوء كلما انتقض وضوءه والتيمم رافع للحدث مطهر للمتيمم لقول الله تعالى حين ذكر التيمم وقبله الضوء والغسل قال الله سبحانه وتعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) والطهور ما يتطهر به الإنسان وهذا يدل على أن التيمم مطهر لكن طهارته مقيدة بزوال المانع من استعمال الماء فإذا زال المانع من استعمال الماء فبريء المريض أو وجد الماء من كان عادماً له فإنه يجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابة وأن يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر ويدل لذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد - الطويل - وفيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم فسأله ما الذي منعه فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقى الناس منه وبقى منه بقية فقال للرجل خذ هذا فأفرغه على نفسك) وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكافٍ عن الماء لكن إذا وُجد الماء فإنه يجب استعماله ولهذا أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة وهذا القول الذي قررناه هو القول الراجح من أقوال أهل العلم.
***(7/2)
بارك الله فيكم هل يشترط الترتيب بين الوضوء والتيمم إذا كان في بعض أعضاء الوضوء جرح أرجو الإفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أنه لا يشترط الترتيب بين الوضوء والتيمم فلو كان في يده جرح لا يمكنه غسله ولا يمسح عليه فإنه يتوضأ أولاً ويتيمم للجرح بعد أن ينتهي وضوئه لأنه لم يغسل أو يمسح محل الجرح ولا يشترط أيضاً الموالاة في هذه الحال فلو توضأ هذا الوضوء وذهب إلى المسجد ثم تيمم عن الجرح الذي كان في يده ولم يغسله ولم يمسح فلا بأس بذلك، ولعلَّنا نتكلم عن موضوع الجرح الذي يكون في أحد أعضاء الوضوء فنقول إن الجرح الذي يكون في أحد أعضاء الوضوء يجب أولاً غسله إذا كان لا يتضرر بالماء فإن كان يتضرر بالماء وكان عليه لفافة فإنه يمسح هذه اللفافة وتغني عن غسله وعن التيمم وإن لم يكن عليه اللفافة وكان الماء يضره يمسحه بالماء إذا كان لا يضره المسح فإن كان يضره المسح تيمم عنه فالمراتب ثلاثة:
الأولى: أن لا يضره الغسل فيجب عليه الغسل.
الثانية: أنْ لا يضره المسح فيجب عليه المسح إما على اللفافة إن كان ملفوفاً أو على الجرح مباشرة،
الثالثة: أن يضره الغسل والمسح فيتمم عنه ولا يشترط التيمم كما ذكرنا آنفاً ترتيب ولا موالاة.
***(7/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة من ليبيا هل التيمم بنية الغسل من الدورة الشهرية أو من الجنابة هل هو مثل تيمم الوضوء وإذا كانت هناك زيادات وإيضاحات أرجو بيانها مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم لا يختلف فيه الحدث الأصغر والأكبر فالتيمم عن الجنابة أو عن غسل الحيض كالتيمم عن البول والغائط والريح دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وهذا من القرآن ومن السنة حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة فأجنب فلم يجد الماء قال فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا وضرب بيده الأرض مرة واحدة ثم مسح وجهه وكفيه ظاهرهما بباطنهما) فالتيمم عن الجنابة وعن غسل الحيض كالتيمم عن الحدث الأصغر والقول الراجح من أقوال العلماء أن التيمم رافع للحدث ما دام لم يجد الماء أو يُشفى من المرض الذي تيمم من أجله وعلى هذا فإذا تيمم الإنسان لصلاة الفجر وبقي على طهارته لم ينقضها ببول أو غائط أو ريح أو غيرها مما ينقض الوضوء حتى جاء وقت الظهر فإنه يصلى الظهر بتيممه للفجر وكذلك لو استمر إلى العصر صلى العصر وإذا تيمم الإنسان لصلاة نافلة صلى به فريضة كما لو تيمم لصلاة الضحى وبقي على طهارته إلى أن جاء وقت الظهر وصلى الظهر بالتيمم الذي تيممه من أجل صلاة الضحى فإن صلاته الظهر صحيحة لأن حكم التيمم حكم طهارة الماء سواء بسواء ما لم يجد الماء أو يشفى من مرضه إن كان تيممه من أجل مرض وإذا أصابته جنابة فتيمم لها ثم انتقض وضوءه وأراد الصلاة فإنه لا يعيد التيمم عن الجنابة وإنما يتيمم للحدث الأصغر لأن الجنابة ارتفعت بالتيمم الأول لكن إذا وجد الماء فإن عليه أن يغتسل لأن رفع التيمم للحدث رفع موقت ويدل لذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم فرأى رجلاً منعزلاً لم يصل في القوم فسأله فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك وكان حينئذ لا ماء ثم أتى الماء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل) فدل ذلك على أن التيمم يرفع الجنابة لكنه رفع موقت إذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل ويدل لذلك أيضاً إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته) .
***(7/2)
هل هناك فارق بين التيمم بدلاً من الوضوء والتيمم بدلاً من الغسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بينهما فرق فإذا تيمم عن جنابة بقي على طهارته هذه من الجنابة ولا يعيد التيمم لكل صلاة بل لا يعيده إلا إذا أجنب مرة ثانية فيعيد التيمم عن هذه الجنابة الأخيرة أو إذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل وإن لم تتجدد الجنابة لأنه كما أسلفنا زوال المبيح للتيمم يوجب انتقاضه وأما إذا تيمم عن الوضوء فهو أيضاً باق على طهارته حتى يوجد ناقضاً من نواقض الوضوء فإذا وجد ناقض من نواقض الوضوء وجب عليه أن يتيمم عن الوضوء وعلى هذا فلا فرق بينهما إذا تيمم عن جنابة لا يعيد التيمم لها إلا بوجود سبب وجوبه وإذا تيمم للوضوء لا يعيد التيمم له إلا بوجود سبب وجوبه وهو الحدث الأصغر.
فضيلة الشيخ: لكن أنا فيما أعتقد أن السائل يقصد بالفرق الفرق في الهيئة أو في الكيفية لأنا كما عرفنا منكم سابقاً أن التيمم ضربة واحدة يمسح الإنسان وجهه وظاهر كفيه بها ولكن مثلاً التيمم عن الجنابة هل هو مثل التيمم للوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم كيفيته عن الجنابة وعن الوضوء واحدة ولا فرق بينهما لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فلا فرق بين هذا وهذا كله على حد سواء وذلك لأن التيمم فرع وليس بأصل حتى يُلحق به بل هو فرع طهارة مستقلة ثم إن المقصود منه إظهار التعبد لله سبحانه وتعالى وهذا كافٍ في التيمم عن الجنابة وعن الحدث الأصغر.
***(7/2)
المستمع أأ الرياض يقول في رسالته إذا كان الإنسان جنباً وتعذر عليه استعمال الماء لشدة البرد وأراد أن يتيمم وقد نزل المطر على الأرض فبالتالي لا يوجد غبار في هذا التراب ومن شروط التيمم أن يكون في التراب المستعمل له غبار فماذا يفعل يا فضيلة الشيخ أرجو إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان جنباً فإن عليه أن يغتسل لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) فإن كانت الليلة باردة ولا يستطيع أن يغتسل بالماء البارد فإنه يجب عليه أن يسخنه إذا كان يمكنه ذلك فإن كان لا يمكنه أن يسخنه لعدم وجود ما يسخن به الماء فإنه في هذه الحال يتمم عن الجنابة ويصلى لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وإذا تيمم عن الجنابة فإنه يكون طاهراً بذلك ويبقى على طهارته حتى يجد الماء فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل وفيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم قال ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء بعد ذلك فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ماء وقال أفرغه على نفسك) فدل هذا على أن المتيمم إذا وجد الماء وجب عليه أن يتطهر به سواء كان ذلك عن جنابة أو عن حدث أصغر والمتيمم إذا تيمم عن جنابة فإنه يكون طاهراً منها حتى يحصل له جنابة أخرى أو يجد الماء وعلى هذا فلا يعيد تيممه عن الجنابة لكل وقت وإنما يتمم بعد تيممه عن الجنابة يتمم عن الحدث الأصغر إلا أن يجنب وقول السائل إنه قد نزل المطر فلم يجد تراباً فيه غبار وأن من شرط التيمم أن يتيمم بتراب ذي غبار نقول إن القول الراجح أنه لا يشترط للتيمم أن يكون بتراب فيه غبار بل إذا تيمم على الأرض أجزاه سواء أن كان فيها غبار أم لا وعلى هذا فإذا نزل المطر على الأرض فاضرب يديك على الأرض وامسح وجهك وكفيك وإن لم يكن للأرض غبار في هذه الحال لقول الله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون إلى جهات ليس فيها إلا رمال وكانت الأمطار تصيبهم وكانوا يتيممون كما أمر الله عز وجل فالقول الراجح أن الإنسان إذا تيمم على الأرض فإن تيممه صحيح سواء كان على الأرض غبار أم لم يكن.
***(7/2)
هل يحتاج التيمم بالتراب إلى أن يكون به غبار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم بالتراب لا يحتاج إلى غبار على القول الراجح لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) وهذا عام في كل الأوقات ومعلوم أن المسافرين قد يكونون على أرض رملية ليس فيها غبار وقد يكونون في زمن الأمطار وبلل الأرض فلا يكون غبار فالصحيح أن الغبار ليس بشرط.
فضيلة الشيخ: وهل التيمم لا يصح إلا بتراب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بكل ما على الأرض لكن في الطائرة ما يتمكن الإنسان إلا إذا كان معه تراب فهنا يمكن أن يتيمم.
***(7/2)
يقول السائل عندما أذهب من بلدتي حوالي ثلاثين كيلو متر ويأتي وقت الصلاة وأنا في مكان أرض سبخة والبحر بعيداً عني وما عندي ماء غير التيمم فهل صلاتي جائزة عندما أتيمم من هذه السبخة أفيدونا جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم بجميع الأرض جائز لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ولكن إذا كنت تريد الرجوع في الوقت قبل خروجه فتدرك الماء فإن الأولى أن تنتظر حتى ترجع وتدرك الماء وتصلى بالماء فهو أفضل لك من أن تصلى بالتيمم في أول الوقت وأما إذا كنت لا ترجو أن تلحق الماء قبل خروج الوقت فصلِ بالتيمم ولا حرج.
***(7/2)
السائل طه من السودان يقول هل يجوز التيمم على الحجر أم لا وهل يجوز التيمم على الأرض إذا كانت بها مطر جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التيمم على الأرض سواء كانت رملا أم ترابا يابسا كان أم مبلولا وسواء كانت أحجارا أو غير أحجار لعموم قول الله تبارك وتعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ولعموم قول الرسول عليه الصلاة والسلام (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) ولأن الله تعالى يعلم أن الناس تدركهم الصلاة وهم في بر مطير أو في بر حجري أو غير ذلك وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم هذا ومع ذلك لم يستثنِ شيئاً من هذا النوع فدل ذلك على العموم وأن الإنسان متى أدركته الصلاة فليصل فيتيمم على أي أرض كانت إلا ما كان نجسا فالنجس لا يتيمم به لقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ولا يصلى عليه لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يصب على بول الأعرابي الذي بال في المسجد) فدل هذا على أنه لابد أن تكون البقعة التي يصلى عليها طاهرة.
***(7/2)
هل يجوز أن يتيمم المصلى على فرش المساجد اليوم أو على البلاط لأنه يتعذر وجود التراب الطاهر خاصة في المدن الكبيرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول التيمم على الأرض وما اتصل بها من الحيطان جائز لأنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه تيمم على الحائط) وعلى هذا فالتيمم على البلاط جائز لأنه متصلُُ بالأرض وأما التيمم على الفرش فلا ينبغي أن يتمم على الفرش إن لم يكن عليها غبار ولا يصح التيمم عليها وإن كان عليها غبار فإنه يصح التيمم عليها من أجل الغبار الذي هو من جنس الأرض ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يتيمم عليها إلا إذا لم يجد شيئاً يتيمم به من الأرض وما يتصل بها من الحيطان ونحوها.
***(7/2)
بالنسبة للتيمم هل يلزم أن يكون على صعيد طيب أو في الجدار أو في الفراش؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجدار من الصعيد الطيب فإذا كان الجدار مبنياً من الصعيد سواء كان حجراً أو كان مدراً يعني لبناً من الطين فإنه يجوز التيمم عليه أما إذا كان الجدار مكسواً بالأخشاب أو بالبوية فهذا إن كان عليه غبار فإنه يتيمم به ولا حرج فيكون كالذي يتمم على الأرض لأن الغبار من مادة الأرض أما إذا لم يكن عليه غبار فإنه ليس من الصعيد في شيء وإذا كان عليه بويه فقط وليس عليه غبار فإنه ليس من الصعيد وأما بالنسبة للفرش فنقول إن كان فيها غبار فليتيمم عليها وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد.
فضيلة الشيخ: وكيف يتيمم، هل يحضر له التراب في إناء مثلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لكن حسب سؤال المرأة أنه لا يمكن من ذلك إنما إذا أمكن يحضر له.
***(7/2)
أحسن الله إليكم هذه سائلة تسأل ما حكم التيمم بضرب السجاد الذي به أثر للغبار وإذا لم يكن عليه غبار فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم على الفراش الذي به غبار جائز وأما إذا لم يكن عليه غبار فإنه لا يجوز التيمم عليه لأنه ليس من جنس الأرض وليس متصلاً بها بل هو منفصلٌ عنها لكن إذا كان فيه غبار فالغبار من تراب الأرض فيجوز التيمم عليه وعلى هذا فإذا قدر أن مريضاً في المستشفى والمعروف أن الأَسِرَّة في المستشفى نظيفة ليس فيها غبار فإن أُذن له بترابٍ يتيمم به فهذا المطلوب وإن لم يؤذن له فإنه يصلى ولو بلا طهارة يعني ولو بلا تيمم لقول الله تبارك وتعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
***(7/2)
بارك الله فيكم المستمع من جدة طالب في جامعة الملك عبد العزيز يسأل إذا صادفني جنابة في منطقة شديدة البرودة فهل يجوز لي التيمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصاب الإنسان جنابة في مكان شديد البرودة فالواجب عليه أن يسخن الماء فإن لم يتمكن من تسخينه أو تمكن من تسخينه لكنه لم يجد شيئاً يلوذ به عن الهواء البارد فله أن يتيمم ويصلى فإذا زال المانع وجب عليه أن يغتسل ولا يقول إن التيمم كافٍ عن الغسل لأن التيمم يكفي عن الغسل على وجه مؤقت حتى يزول المانع من استعمال الماء ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين -الطويل- وفيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى رأى رجلاً معتزل لم يصلّ في القوم فقال ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفك ثم جاء الماء فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل منه وقال اذهب فأفرغه على نفسك) فدل هذا على أن رفع الجنابة بالتيمم رفع مؤقت ويدل لذلك أيضاً حديث أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتقِ الله ويلمسه بشرته) .
***(7/2)
يقول السائل بالنسبة لتسخين الماء إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخراً من نومه في البرية ويخشى من فوات الوقت فما الذي يفعل هل يسخن الماء أم يتيمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه وليس من دخول وقتها لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم فنحن نقول إذا قمت مثلاً من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت وإن اغتسلت خرج الوقت فنقول اغتسل ولو خرج الوقت وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم وليس من طلوع الفجر لأنك معذور به.
***(7/2)
رسالة من السائل مطر أحمد الزهراني يقول إذا كان الشخص ليس على طهارة وعنده ماء ولكنه بارد لا يستطيع استعماله فماذا يفعل، وإذا تيمم فهل تجوز صلاته أم لابد أن يقضيها حال دفيء الماء أو تسخينه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يقول أن عنده ماء بارد لا يتمكن من استعماله فهل يجوز أن يتيمم والجواب على هذا السؤال أن نقول لا يجوز أن يتيمم بل يجب عليه أن يصبر ويستعمل هذا الماء البارد في الوضوء إلا إذا كان يخشى من ضرر يلحقه فإنه لا بأس أن يتيمم حينئذٍ وإذا تيمم وصلى فليس عليه إعادة الصلاة لأنه صلى كما أمر وكل من أتى بالعبادة على وجه أمر به فإنه ليس عليه إعادة الصلاة أما مجرد أن يتأذى من برودته فليس هذا بعذر فإنه غالباً ولاسيما من لم يكونوا في البلد الغالب أنه في أيام الشتاء لابد أن يكون الماء بارداً ويتأذى الإنسان ببرودته لكنه لا يخشى من الضرر أما من يخشى من الضرر فإنه لا بأس أن يتيمم ويصلى ولا إعادة عليه ولا يجوز أن ينتظر حتى تخرج الشمس ويسخن الماء ويصلى لأن الواجب عليه أداء الصلاة في وقتها على الوجه الذي أمر به إن قدر على استعمال الماء بدون ضرر استعمله وإن كان يخشى من الضرر تيمم.
***(7/2)
الأخ فاضل من تركيا يقول في فصل الشتاء ولشدة البرودة لا أتمكن من الوضوء بالماء لصلاة الفجر فهل يجوز لي أن أستخدم التراب للتيمم بدلاً عن الماء أرجو الإفادة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تسخن الماء لأنك في البلد ويمكنك أن تسخنه ولا يحل لك أن تعدل إلى التيمم مع إمكان تسخينه لأنك واجدٌ للماء ولا ضرر عليك من استعماله بعد تسخينه أما إذا لم تسخنه فإن الغالب أن الذين يعيشون في المناطق الباردة يتحملون الماء البارد ولا يضرهم وفي هذه الحال لا يحل لك أن تتيمم ولا يجوز للإنسان أن يتهاون في مثل هذه الأمور وأن يترخص إلا في الموطن الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(7/2)
المستمع محمد إدريس عبد الله سوداني يقول أنا شخص أعمل في رعي الإبل ومشكلتي أننا نصلى جماعة والحمد لله لكننا نتيمم طوال أيام السنة صيفا وشتاءً والجدير بالذكر أن ماء الوايت في الصيف يمكث معنا ثلاثة أيام وفي الشتاء أكثر من اسبوع وأحياناً يبعد الماء عنا عشرين كيلو متر أو أربعين كيلو متر فما حكم الشرع في نظركم في عملنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عملكم هذا صحيح إذا كنتم لا تجدون الماء لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فإذا لم تجدوا الماء أو كان بعيدا عنكم بُعداً يشق عليكم في الذهاب إليه فتيمموا ولو طول السنة أما إذا كان الماء قريبا منكم أو في رحالكم فإنه لا يحل لكم أن تتيمموا ولو تيممتم في هذه الحال فإن تيممكم غير صحيح وصلاتكم التي صلىتموها به غير صحيحة أيضا فالواجب عليكم تقوى الله عز وجل وألا تتيمموا إلا عند وجود العذر الشرعي وهو عدم الماء أو التضرر باستعماله.
***(7/2)
المستمع صلاح الدين أحمد محمود مصري يقول هناك البعض من الناس يتيممون لكل صلاة مع وجود سيارة ماء كبيرة يسقون منها الإبل والغنم ولكنني عندما أتيمم مثلهم لا أشعر بطعم الصلاة أو الخشوع فيها وأشعر بأنها باطلة لأنني أعرف أن التيمم يبطل في حال وجود الماء أرجو معرفة الرأي الشرعي في ذلك فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو قال السائل الحكم الشرعي لكان أحسن من الرأي الشرعي والحكم في هذه المسألة وهي أن يتيمم الإنسان مع وجود الماء وتوافره أن تيممه باطل ولا يحل له أن يصلى به وعلى هذا فإن هؤلاء القوم الذين يتيممون وعندهم الوايت من الماء لا يحل لهم أن يصلوا بهذا التيمم وإذا صلوا بهذا التيمم فإن صلاتهم باطلة لأن الله سبحانه وتعالى إنما أباح التيمم إذا لم نجد الماء ومن عنده وايت من الماء فقد وجده فلا يحل له أن يتيمم وعلى هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وأن يستعملوا الماء لطهارتهم لأنهم واجدون له والغالب أن تحصيل هذا الماء سهل يذهبون إلى أماكن الماء ويملئون هذا الوايت ويكفيهم لعدة أيام.
***(7/2)
هل يجوز لمن يخرجون للبرية في عطلة الربيع مثلاً أن يتيمموا لقلة الماء أو لشدة البرد، وهم عندهم سيارات يذهبون بها إلى خارج المدينة ويعرفون أنهم سيقيمون كذا أيام في البرية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن عندهم ماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا عن الجنابة وعن الحدث الأصغر وأما إذا كانوا يخافون البرد فإن كان عندهم ما يسخنون به الماء وجب عليهم تسخينه واستعماله وإن لم يكن عندهم ما يسخنون به الماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا وفي كلتا الحالين إذا وجدوا الماء بعد ذلك وجب عليهم الغسل إن كان تيممهم عن جنابة والوضوء إن كان تيممهم عن حدثٍ أصغر.
فضيلة الشيخ: لكن مثل هؤلاء كيف يخرجون من المدينة ومعهم السيارات ولا يأخذون ماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قد تكون سيارات غير قابلة لحمل الماء فيها أو فيها مشقة في حمل الماء والله سبحانه وتعالى يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وحمل الماء من أجل الوضوء به ليس بواجب لأنه قد يشق على الإنسان.
فضيلة الشيخ: لكن أليس على الإنسان أن يشتري الماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يشتريه إذا حضر وقت الصلاة أما قبل ذلك فلا إذا حضر وقت الصلاة وجب عليه أن يتوضأ.
فضيلة الشيخ: لكن ألا يكلف نفسه بحمله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يكلف نفسه بحمله.
فضيلة الشيخ: هذا إذا كان فيه كلفة شديدة لكن إذا كان عنده وسائل نقل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حتى إذا كان عنده وسائل نقل فلا يظهر لي وجوب حمله عليه من أجل الوضوء لأنه مأمور بالوضوء إذا حضرت الصلاة فإذا حضرت الصلاة إن وجد الماء توضأ به وإلا فلا.
***(7/2)
أحسن الله إليكم يذكر هذا السائل بأنه يتيمم في كل وقت مع وجود الماء الخاص بشرب الأغنام وقد صلَّى عدة صلوات بالتيمم هل يلزمه شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قادراً على استعمال الماء فإنه لا يحل له أن يتيمم لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) فما مضى ووقع جهلاً منه فأرجو أن لا يلزمه إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم لكن في المستقبل ما دام الماء كافياً فإنه يجب عليه أن يتطهر بالماء.
***(7/2)
إذا كنت في الخلاء ولم يكن بحوزتي ماء إلا القليل الذي يكفيني للشرب فقط هل أتوضأ منه أم أتيمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان مع الإنسان ماء يحتاجه للشرب وحان وقت الصلاة وليس عنده سوى هذا الماء فإنه يتيمم لأنه محتاجٌ إلى هذا الماء ودفع الضرورة أمر مطلوب والله تبارك وتعالى أباح للإنسان أن يتيمم إذا لم يجد ماء وهذا الماء الذي يحتاجه لشربه وجوده كالعدم بالنسبة للوضوء به.
***(7/2)
أنا أحد رعاة الأغنام وأحياناً لا يتوفر لدي الماء عند وقت الصلاة فهل يجوز لي التيمم أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كنت راعياً للغنم وحضرت الصلاة وليس عندك ماء فإن الله عز وجل أباح لك التيمم قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من خصائصه التي خصها الله بها وأمته قال عليه الصلاة والسلام (جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) إذا أدركتك الصلاة فصل إن كان عندك ماء تطهرت به وإن لم يكن عندك ماء تطهرت بالتراب ويجزئك ذلك.
***(7/2)
المستمع العوضي الناجي سوداني مقيم في المملكة يقول أنا أعمل راعي مع أحد سكان البادية ومعنا ماء يكفي لمدة عشرة أيام ولكنه مخصص للشرب وصاحب العمل يمنعني من استعماله للوضوء هل يكفي التيمم في هذه الحالة نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ليس حولكم ماء يمكنكم أن تتوضؤا منه أو تغتسلوا من الجنابة به فإن لكم أن تتيمموا في هذه الحالة لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولكن إذا قدرتم على الماء فإنه يجب عليكم استعماله إن كان التيمم عن حدثٍ أصغر فتوضئوا وإن كان التيمم عن حدثٍ أكبر فاغتسلوا لأن الإنسان إذا وجد الماء بطل تيممه ووجب عليه استعماله لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (الصعيد الطيب وضوء المسلم أو قال طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) ولأنه ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين -الطويل- (أن رجلاً لم يصلِ مع النبي صلى الله عليه وسلم فرآه النبي صلى الله عليه وسلم معتزلاً لم يصلِ فقال ما منعك قال أصابتني الجنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد ثم حضر الماء فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل) وهذا دليل على أن التيمم يبطل بوجود الماء.
***(7/2)
عماد أمين يقول قضيت فترة من الزمن ما يقارب من عشرة أيام وأنا أصلى بالتيمم وكنت أتيمم على صخرة لصعوبة الحصول على الماء فهل يجب عليّ إعادة الصلاة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليك إعادة الصلاة إذا كنت حين التيمم لا تستطيع استعمال الماء لأن الله عز وجل قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) فإذا كنت غير مستطيع لاستعمال الماء وتيممت وبقيت مدة طويلة تصلى بهذا التيمم فإنه لا شيء عليك ما دام الشرط موجوداً وهو تعذر استعمال الماء.
***(7/2)
رجل يرعى الإبل بعيداً عن المنازل ولم يجد الماء لمدة طويلة ويعيش على لبن الإبل بدل الماء في هذه الفترة وزوجته معه فهل يصح له أن يتيمم ويصلى وماذا يفعل من ناحية الغسل وما حكم صلاته وهو جنب بالتيمم فقط لو طالت المدة إلى شهر مثلاً وهل السفر مع هذه الإبل بحثاً عن الكلأ يعتبر سفراً يبيح أحكام السفر من قصر الصلاة الرباعية والإفطار في رمضان وغيرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان المسافر العادم للماء أن يفعل كل ما يباح له في حال وجود الماء من جماع زوجته وتقبيلها وغير ذلك وإذا وجب عليه غسل من الجنابة فإنه يتيمم إذا لم يجد الماء وإذا تيمم فإن جنابته ترتفع لكنه ارتفاع مؤقت، إلى أن يجد الماء فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل وأما كونه يترخص برخص السفر فينظر إن كان هذا المكان الذي يرعى فيه مكان إقامته بحيث يعرف أنه مستمر في هذا دائماً فإنه لا يترخص برخص السفر وإن كان يبقى فيه أياماً ثم يرتحل إلى مكان آخر وهكذا وليس محل إقامته وإنما محل إقامته وسكناه محل سوى ذلك فإنه يترخص برخص السفر.
***(7/2)
بارك الله فيكم هذا سائل مصري يقول كنت أسير في الطريق فلم أعلم إلا والصلاة تقام في مسجدٍ قريب مني ولم أجد ماء قريب مني فتيممت وصلىت علماً بأنني لو بحثت عن مسجد غير هذا المسجد لفاتتني الصلاة فهل تجوز صلاتي على هذه الحال أرجو إفادتي مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تجوز الصلاة في هذه الحالة يعني أنه لا يجوز للإنسان أن يتيمم من أجل إدراك الجماعة لأن الصلاة تصح بدون الجماعة وإن كانت بدون الجماعة حراماً لكنها تصح والواجب على هذا السائل الآن أن يعيد صلاته بعد أن يتوضأ لأن صلاته الأولى غير صحيحة لترك شرط من شروطها وهو الوضوء.
***(7/2)
من الطائف من المستمع س. ع. يسأل عن التيمم لصلاة العيد يقول إذا انتقض الوضوء وأنا في صلاة العيد ولم يكن هناك وقت مع عدم وجود ماء في مسجد العيد فهل يجوز التيمم والله يرعاكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز له التيمم لأن من شروط التيمم عدم الماء وهذا ليس عادماً للماء، فنقول له اذهب فتوضأ ثم أحضر إلى صلاة العيد فإن أدركتها فذاك وأن لم تدركها فقد تركتها لعذر.
فضيلة الشيخ: لكن إذا اعتقد أو جزم بأنه لن يدرك الصلاة لأن المسجد بعيد أو منزله أيضاً بعيد أو الماء بعيد وجلس خلف الصفوف ليسمع الخطبة فقط ولا يؤدي الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس، لا حرج عليه في هذا ولكن تبقى ملاحظة وهي أنه يُفهم من كلامك أن صلاة العيد من السنن، والحقيقة أنها ليست من السنن، بل هي من الفروض والواجبات فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها واجبة على الأعيان، وأنه يجب على المرء أن يصلى صلاة العيد ولا يتخلف عنها إلا لعذر لأن (النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها حتى الحيض وذوات الخدور إلا أن الحيض يعتزلن المصلى) وما أمر به فالأصل فيه الوجوب وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين ذكر له الصلوات الخمس (قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع) ، فإن صلاة العيد من الصلوات الواجبة لعارض ليست من الصلوات اليومية أما الصلوات اليومية فلا يجوز فيها سوى الخمس، أما الصلوات لعارض فهناك صلوات تجب وليست من الصلوات الخمس.
***(7/2)
ما حكم تيمم الشيخ الكبير في السن مع القدرة على أن يحضر الماء إليه بواسطة الأبناء أو الزوجة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الإنسان بالتيمم مع قدرته على الماء باطلة لأن الله تبارك وتعالى لما ذكر الطهارة بالماء قال (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) يعني عند تعذر الماء أو تعذر استعماله فإذا صلى بلا وضوء ولا تيمم بطلت صلاته ولكن إذا كان يشق عليه إحضار الماء فإنه يحل له أن يجمع بين صلاة الظهر والعصر في وضوءٍ واحد وبين صلاة المغرب والعشاء في وضوءٍ واحد فيتوضأ وضوءًا واحداً للظهر والعصر ووضوءًا واحداً للمغرب والعشاء ووضوءًا ثالثاً للفجر وأما أن يتيمم وهو قادرٌ على استعمال الماء ثم يصلى فصلاته باطلة.
***(7/2)
بارك الله فيكم تقول السائلة إذا كان في عيني مرض ومنعني الطبيب من الماء هل يصح لي التيمم لمدة طويلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان في العين مرض وقال الطبيب إن الماء يضرها فإنه ينظر هل يمكن أن تمسح على العين مسحاً بأن تبل يديها بالماء وتمسح عليها إن كان كذلك وجب عليها أن تمسح وإن لم يمكن وكان يضرها الغسل والمسح فإنها تغسل من وجهها ما لا يضره الماء وتتيمم عن الباقي لعموم قوله تبارك وتعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) وقوله سبحانه وتعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
***(7/2)
بارك الله فيكم يقول المستمع محمد عبد الله دخل والدي المستشفى وأجرى عملية جراحية وكان يتيمم للصلاة وليس في المستشفى تراب فكان يتيمم بالغرفة وبعد ذلك أحضرت له تراباً فما حكم هذا العمل فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا العمل أقصى ما تقدرون عليه فإنه عمل مجزئ لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) .
***(7/2)
هل يلزم المسلم أن يتيمم لكل صلاة ولو لم ينتقض التيمم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه أن يتيمم لكل صلاة إذا لم ينتقض التيمم وانتقاض التيمم يكون بوجود الماء فإذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يستعمل الماء ويكون انتقاض التيمم أيضاً لبرء الجرح ونحوه مما تيمم من أجله فإذا برئ وأراد الصلاة لابد أن يتوضأ لزوال المبيح والمهم أن بطلان التيمم يكون بزوال المبيح الذي أباح التيمم سواء كان عَدِم الماء فوجده أو كان من أجل مرض ثم عوفي وكذلك أيضاً يبطل التيمم بمطلات الوضوء إن كان عن وضوء ومبطلات الغسل إن كان عن غسل وأما خروج الوقت فإنه لا يُبطل التيمم فلو تيمم لصلاة الظهر مثلاً واستمر على طهارته حتى دخل وقت العصر فإنه يبقى على طهارته ولا حرج عليه لأن الله سبحانه وتعالى جعل التيمم طهارة فقال بعد ذكر التيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض طَهوراً والطَّهور ما يطهر فقال (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فالأرض طهور والماء طهور فكما أن الماء يطهر فكذلك الأرض تطهر إذا تمت شروط أباحة التميم وفي الحديث أيضاً عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه قال (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فسماه الرسول وضوءاً والوضوء ما يتوضأ به ويرفع الحدث فالتيمم مطهر رافع للحدث وإذا رفع الحدث فإنه لا يعود الحدث إلا بأسبابه وهي النواقض المعروفة.
***(7/2)
بارك الله فيكم المستمع السوداني يقول هل من الممكن أن أصلى فرضين بتيممٍ واحد مع العلم بأن الفرضين في وقتٍ واحد أحدهما قضاء والآخر حاضر وهل يمكن أن أصلى فرض وسنة بتيممٍ واحد فمثلاً صلاة العشاء مع الشفع والوتر نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يمكن أن تصلى فرضين بتيممٍ واحد سواءٌ صلىتهما في آنٍ واحد أو صلىت كل وقتٍ في وقته ويمكن أن تصلى فريضة وراتبتها أو فريضة وسنةً أخرى ويمكن أن تتيمم لسنة وتصلى به فريضة وذلك لأن التيمم بدلٌ عن طهارة الماء والبدل له حكم المبدل والتيمم تحصل به الطهارة ودليل ذلك قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وهذا دليلٌ على أن التيمم مطهر ولقول النبي عليه الصلاة والسلام (جعلت لي الأرض مسجداً وطَهورا) والطَّهور ما يتطهر به وهو دليلٌ على أن التيمم مطهر وإذا كان مطهراً فإن الإنسان إذا تيمم ثبتت في حقه الطهارة وارتفع عنه الحدث فيبقى على طهارته حتى يتجدد له حدثٌ آخر وعلى هذا فلو تيممت لصلاة الفجر ولم تحدث حتى حان وقت صلاة الظهر وصلىت الظهر بتيمم الفجر كانت صلاتك صحيحة لأن الطهارة باقية ولو بقيت على طهارتك إلى صلاة العصر فصلىت العصر أيضاً فلا حرج عليك وصلاتك صحيحة ولو بقيت إلى المغرب والعشاء وصلىت المغرب والعشاء بالتيمم الذي كان لصلاة الفجر فلا حرج عليك في ذلك لأن طهارة التيمم لا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء وطهارة الماء لا تنتقض بخروج الوقت وكذلك طهارة التيمم إلا أن طهارة التيمم تنتقض بوجود الماء فإذا وجدت الماء وجب عليك أن تتوضأ إذا وجبت الصلاة وأن تغتسل من الجنابة إن كنت تيممت عنها في حال عدم وجود الماء فتغتسل إذا وجدت الماء وتصلى ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيدٍ -الطويل- وفيه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فرأى رجلاً معتزلاً لم يصلِ في القوم فسأله لماذا لم يصلِ معهم قال يا رسول الله أصابتني جنابةٌ ولا ماء قال فعليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم أُحضر الماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه الرجل وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) وهذا دليل على أنه متى وجد الإنسان الماء ولو كان متيمماً وجب عليه أن يتطهر به سواء كان ذلك من الحدث الأصغر أو الأكبر أما ما دام عادماً للماء فإن طهارة التراب تقوم مقام طهارة الماء من كل وجه.
***(7/2)
ما حكم صلاة من صلى بالتيمم في أول الوقت ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والوقت باقٍ لم يخرج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من صلى بالتيمم في أول الوقت ثم وجد الماء في آخر الوقت أنه لا إعادة عليه وصلاته الأولى صحيحة لأنها جاءت على وفق الشريعة وما جاء على وفق الشريعة برئت به الذمة فإذا برئت ذمته فإنه لا يطالب بها مرة أخرى، وهذا الرجل الذي صلى بالتيمم لعدم وجود الماء مثلاً نقول له إن صلاتك هذه صحيحة وإذا صحت برئت ذمته منها فإذا وجد الماء فلا إعادة عليه.
فضيلة الشيخ: حتى لو كان التيمم عن جنابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حتى لو كان عن جنابة لا يعيد الصلاة ولكنه كما أسلفنا قبل قليل يغتسل.
***(7/2)
بارك الله فيكم هل يمكن أن نصلى الوقت بالتيمم ونصلى بهذا التيمم عدد من النوافل والسنن المؤكدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان إذا تيمم لصلاة أن يصلى بهذا التيمم عدة صلوات مفروضة أو نوافل، سواء صلاها في وقت الصلاة التي تيمم لها أو صلى في وقت آخر، فإذا تيمم لصلاة الظهر مثلا وبقي على طهارته إلى دخول وقت العصر فإنه يصلى العصر بلا إعادة التيمم لأن القول الراجح أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت وكذلك لو بقي على طهارته هذه حتى دخل وقت المغرب فإنه يصلى المغرب بتيمم صلاة الظهر وكذلك لو بقي على طهارته إلى العشاء فإنه يصلى صلاة العشاء بتيمم صلاة الظهر لأن التيمم لا ينتقض إلا بنواقض الوضوء التي تنتقض بها طهارة الماء إلا إذا وجد الماء إن كان تيممه لعدم الماء فإنه لابد أن يتوضأ به وكذلك لو كان تيممه لمرض فبرأ منه فإنه لا بد أن يتوضأ بالماء.
***(7/2)
المستمع محمد الشريف حامد سوداني الجنسية مقيم بمدينة عفيف يقول هل يجوز تأدية صلاتين بتيمم واحد حضراً أو سفراً جمعاً وقصراً أو كل صلاة في وقتها فقد شاهدت بعض الناس يصلون بتيمم واحد فرضين وإن كان لا يجوز فماذا على هؤلاء فعله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على هل التيمم مبيح أو رافع للحدث وهو محل خلاف بين أهل العلم والراجح أن التيمم رافع للحدث ومطهر لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فالتيمم مطهر على ما تقتضيه هذه الآية الكريمة والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان مطهراً فإنه رافع للحدث وعلى هذا فيجوز للإنسان إذا تيمم لصلاة واستمر على طهارته ولم يوجد منه ناقض للوضوء يجوز له أن يصلى صلاتين فأكثر سواء صلاهما جمعاً أو صلى كل صلاة وحدها وعلى هذا فإذا تيمم لصلاة الفجر مثلاً وبقي لم يحدث منه ما ينقض الوضوء إلى الظهر فإنه يصلى صلاة الظهر بالتيمم الذي تيممه لصلاة الفجر وكذلك لو بقي إلى العصر وإلى المغرب وإلى العشاء لم يوجد منه ما يكون ناقضاً للوضوء فإنه يكون على طهارته أي طهارة تيممه الذي تيممه لصلاة الفجر هذا هو القول الراجح ولا يبطل التيمم إلا بما يبطل طهارة الماء أو بوجود الماء إذا كان تيمم لعدم الماء أو بزوال مبيح من مرض أو غيره إذا تيمم لذلك فعلى هذا نقول إن هؤلاء الذين يراهم السائل يصلون صلاة فأكثر بيتمم واحد نقول إن صلاتهم هذه صحيحة وليس عليهم حرج ما داموا باقين على طهارتهم.
***(7/2)
هل يجوز للمتيمم أن يصلى سنة الوضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: طهارة التيمم طهارة كاملة رافعة للحدث مادام سبب التيمم قائما لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فقوله تعالى (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) يدل على أن التيمم مطهر رافع للحدث كالماء تماما ويدل لذلك أيضاً قول النبي صلى عليه وآله وسلم (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) والطهور ما يتطهر به وعلى هذا إذا تيمم الإنسان التيمم المشروع الذي وجد سببه فإنه يصلى بهذا التيمم ما شاء من فروض ونوافل وهو على طهارته حتى ولو خرج الوقت فإنه يمكن أن يصلى به الصلاة الأخرى حتى يحصل ناقض من نواقض الوضوء فمثلا لو أن الإنسان تيمم لصلاة الظهر وصلى ما شاء من فروض ونوافل ثم بقي إلى صلاة العصر لم يفعل ما ينقض الوضوء ثم صلى العصر بتيمم صلاة الظهر فلا حرج عليه في هذا وأرجوا أن تكون السائلة قد فهمت الآن أنه يجوز لها أن تتنفل بطهارة التيمم كما تتنفل بطهارة الماء ولكن متى وُجد الماء فإن الواجب عليها أن تتوضأ عند أرادت الصلاة أو تغتسل إن كانت على جنابة ودليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذات يوم رجلاً معتزلاً لم يصلّ في القوم يعني لم يصلّ مع الجماعة فسأله فقال يا رسول أصابتني الجنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ماء وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) وهذا يدل على أن التيمم يبطل إذا وجد الماء.
***(7/2)
باب إزالة النجاسة(7/2)
من الرياض عثمان بن عيسى من المغرب يقول ما هي شروط إزالة النجاسة وهل يمكن أن ننطق بالنية جهراً أم سراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النجاسة نوعان نجاسة الكلب فيشترط في تطهيرها سبع غسلات إحداها بالتراب والأولى أن يكون التراب في الغسلة الأولى هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من (حديث أبي هريرة وغيره بأن نجاسة الكلب لابد فيها من سبع غسلات إحداها بالتراب) وأما نجاسة غير الكلب فإن الشرط فيها أن تزول عين النجاسة بأي عدد كان سواء بواحدة أو باثنتين أو بثلاث أو بأكثر المهم أن عين النجاسة لابد أن تزول وكذلك لابد من زوال العين حتى في نجاسة الكلب لكن نجاسة الكلب تمتاز عن غيرها بأنها لو زالت العين بثلاث غسلات فلابد من اكمال السبع التي لابد أن يكون واحدة منها بتراب هذا إذا كانت النجاسة على غير الأرض أما إذا كانت على الأرض فإنه يكفي أن تصب عليها ماءً يغمرها لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأعرابي الذي بال في المسجد قال (أريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء) وأما التلفظ بالنية فإنه ليس بشرط بل ولا مستحب وإزالة النجاسة ليس لها نية بدليل أنه لو كان في أعلى السطح نجاسة ونزل عليه المطر حتى زالت النجاسة به فإنه يطهر مع أن الإنسان ما نوى فإزالة النجاسة لا يشترط لها نية.
فضيلة الشيخ: كثيراً ما نسمع مثلاً خاصة الطاعنين في السن إذا غُسل لهم وأزُيلت نجاسة من ثوب من ثيابهم يسألون هل شُهِّدَ أي قيل عليه (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) هل ورد في ذلك شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أبداً ما ورد أن الإنسان إذا غسل النجاسة يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) هذا وارد فيما إذا توضأ الرجل فيقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما التشهد على إزالة النجاسة فإنه من البدع التي يُنهى عنها.
***(7/2)
أحسن الله إليكم هل يجوز إزالة النجاسة بغير الماء كالخل وغيره من المزيلات أو المطهرات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن إزالة النجاسة ليست مما يتعبد به قصداً أي أنها ليست عبادة مقصودة وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة فبأي شيء أزال النجاسة وزال أثرها فإنه يكون ذلك الشيء مطهراً لها سواء كان بالماء أو بالبنزين أو بأي مزيل يكون متى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون فإن ذلك يعتبر تطهيراً لها حتى أنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لو زالت النجاسة بالشمس والريح فإنه يطهر المحل لأنها كما قلت هي عين نجسة خبيثة متى وجدت صار المحل متنجساً بها ومتى زالت عاد المكان إلى أصله أي إلى طهارته فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها فإنه يكون مطهراً لها إلا أنه يعفى عن اللون المعجوز عنه وبناءً على ذلك نقول إن البخار الذي تغسل به الأكوات وثياب الصوف وما أشبهها إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهراً.
***(7/2)
بارك الله فيكم المستمعة من ليبيا خ. ي تقول إذا غسلنا الثياب بالماء والصابون وكانت فيها نجاسة هل يصح الصلاة بها وهل يكفي ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: غسيل الثياب بالماء والصابون يطهرها بشرط أن تزول عين النجاسة فإذا كانت النجاسة شيئا جامدا فلا بد من حكه أولا بالماء ثم غسله بعد حكه وإزالته لأنه لا يمكن أن تطهر الثياب وعين النجاسة باقية فيها وإذا طهر الثوب من أي نجاسة كانت سواء كانت من البول أو الغائط أو دم الحيض فإن الصلاة فيه تجوز ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المرأة إذا حاضت وأصاب ثوبها دم الحيض (أن تقرصه ثم تغسله بالماء ثم تصلى فيه) .
***(7/2)
جزاكم الله خيراً السائلة أم أحمد من المدينة النبوية تقول هل يطهر الغسيل عند غسله في الغسالات الأتوماتيكية التي تغسل لوحدها دون تدخل الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مراد السائلة فيما يظهر أنه إذا غسل الثوب النجس في هذه الغسالات التي تدور على الكهرباء هل يطهر أم لا؟ والجواب أنه يطهر لأن هذا الماء ينقي والمقصود من إزالة النجاسة هو أن تزول عينها بأي مزيل حتى لو فُرض أن الإنسان نشر ثوبه على السطح ثم نزل المطر وطهره يكون طاهراً لأن إزالة النجاسة لا يشترط لها النية.
***(7/2)
ما صفة تطهير الفرش الكبير من النجاسة وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة عينها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صفة غسل الفرش الكبيرة من النجاسة أن يزيل عين النجاسة أولاً إذا كانت ذات جرم فإن كانت جامدة أخذها وإن كانت سائلة كالبول نشفه بإسفنج حتى ينتزعه ثم بعد ذلك يصب الماء عليه حتى يظن أنه زال أثره أو زالت النجاسة وذلك يحصل في مثل البول بمرتين أو ثلاث وأما العصر فإنه ليس بواجب إلا إذا كان يتوقف عليه زوال النجاسة مثل أن تكون النجاسة قد دخلت في داخل هذا المغسول ولا يمكن أن ينظف داخله إلا بالعصر فإنه لابد أن يعصر.
***(7/2)
يقول السائل سمعت في برنامجكم أن الأرض تطهر من نجاسة البول إذا جفت بتأثير الشمس فهل لابد من تأثير الشمس أم مجرد الجفاف وهل حكم الفرش داخل البيت كذلك سواء التصقت بالأرض أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس المراد بكون الأرض تطهر بالشمس والريح مجرد الجفاف بل لابد من زوال الأثر حتى لا يبقى صورة البول أو الشيء نجس وعلى هذا فنقول إذا حصل بول في أرض ويبس ولكن صورة البول لازلت موجودة يعني أثر البقعة فإنها لا تطهر بذلك لكن لو مضى عليها مدة ثم زال أثرها فإنها تطهر بهذا لأن النجاسة عين يجب التخلي منها والتنزه منها فإذا زالت هذه العين بأي مزيل فإنها تكون طاهرة وأما الفرش فلابد بأن تغسل الفرش التي تفرش بها الأرض سواء كانت لاصقة بالأرض أم منفصلة لابد أن تغسل وغسلها بأن يصب عليها الماء ثم ينشف بالإسفنج ثم يصب مرة ثانية وثالثة حتى يغلب على الظن أنه زال أثر النجاسة.
***(7/2)
بارك الله فيكم تقول السائلة إذا كانت الأرض أو الشيء الذي يضع عليه الإنسان سجادة الصلاة وهي طاهرة نظيفة ولكن الأرض نجسة أو غير نظيفة فهل هذا حرام وهل يجوز ذلك إذا كانت السجادة طاهرة ولكن ما تحتها نجس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس في ذلك تحريم أي أنه لا يحرم على الإنسان أن يضع سجادته على شيء نجس يابس ويصلى عليها، إلا أن تكون لهذا النجس رائحةٌ تؤذي الإنسان في صلاته فلا يصلى عليها لئلا يتأذى بها وذلك لأن ما يباشره المصلى طاهر ومن هذا أيضاً ما يحدث كثيراً في الأحواش تكون فيها البيارة لكنها مطمورة مطمومة فيصلى عليها الإنسان فلا حرج وأما كراهة بعض العلماء لذلك لكونه اعتمد على ما لا تصح الصلاة عليه ففيه نظر لأنه لم يباشر النجس، ومثلها مسألة السجادة إذا وضعها على مكانٍ نجس ولم يباشر النجس فيما إذا صلى على سقف البيارة.
***(7/2)
جزاكم الله خيرا هذه السائلة ع. ع. من الكويت الصباحية تقول إنها مصابة بالوساوس في الطهارة والحدث في الصلاة فأما بالنسبة للطهارة فتقول إنني أتشدد في غسل كل شيء يقع عليه بول الأطفال لأنها أم لثلاثة أطفال ودائماً أو كثيراً ما تتعرض للنجاسة حيث أنهم يبولون على السجاد أو على ملابسهم وعند ما تغسل ملابسهم النجسة تقع نقط من الماء على ملابسها فأصبحت لا تطيق النجاسة وتتضايق كثيراً عندما ترى أحد أطفالها قد بال على شيء أو بال في ملابسه وأصبحت تشك في كل شيء يلمسه الأطفال كمقبض الباب أو الطاولات أو السجاد وملابسهم ونحو ذلك فتقول أرجو أن تجدوا لي حلا لهذه الوساوس لأنني قد وصلت إلى درجة أنني أصبحت أتثاقل عن أداء الصلوات وأحسب لها ألف حساب فإذا بال الطفل على السجاد فكيف يمكن تطهيره وأقصد بالسجاد الذي يفرش في الغرف فلا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وإذا وطئت بقدمي السجاد وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موقعها وأشتبه علينا فكيف يمكن تطهير السجاد الذي لا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وكذلك كيف يطهر الطفل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هاتين المسألتين الفرعيتين نجيب عن أصل الداء أصل الداء وهو الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم والشيطان كما قال الله عز وجل (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وهو حريص على كل ما يقلق الإنسان ويحول بينه وبين السعادة في الدنيا والآخرة كما قال الله عز وجل (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) فالشيطان حريص على فساد ابن آدم والإفساد عليه في دينه ودنياه وهذه الوساوس التي تقع لبعض بني آدم سواء كانت وساوس في العقيدة فيما يتعلق بالرب جل وعلا أو فيما يتعلق بالرسول صلى الله وسلم أو فيما يتعلق بالإسلام عموما أو في مسألة من مسائل الدين كالصلاة والوضوء والطهارة وما أشبه ذلك ودواء ذلك كله ما أرشد الله إليه وأرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم فقد قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) و (قال النبي عليه الصلاة والسلام لرجل شكا إليه أن الشيطان يحول بينه وبين صلاته أن يقول إذا أحس به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فدواء هذا الداء الذي نسأل الله تعالى أن يعافينا وإخواننا المسلمين منه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يدعه وأن يلهو عنه وألا يلتفت إليه مطلقا حتى لو وسوس له الشيطان بنجاسة شيء أو بالحدث وهو لم يتيقن ذلك فلا يلتفت إليه وإذا داوم على تركه والغفلة عنه وعدم الألتفات إليه فإنه يزول بحول الله أما المسألتان فهما أولا إذا بال الصبي على فراش لا يمكن نزعه كالفرش الكبيرة التي تكون في الحجر والغرف فإن تطهيرها يكون بصب الماء عليها فإذا صب الماء عليها وفرك باليد يؤتى باسفنجة لتمتص هذا الماء ثم يصب عليه ماء آخر ويفعل به كذلك ثم مرة ثالثة وبهذا يطهر المحل إذا كان مجرد بول أما إذا كان شيئا آخر له جرم فلابد من إزالة الجرم أولا ثم التطهير.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لهذه الفقرة هل في هذا فرق بين ما إذا كان الطفل ذكرا أم أنثى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لغير البول لا فرق بين الذكر والأنثى وبالنسبة للبول فإن البول إذا كان من طفل ذكر لا يأكل الطعام فإنه يكفي فيه النضح، والنضح معناه أن يصب الماء صبا بدون فرك وبدون غسل.
فضيلة الشيخ: والبنت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البنت كغيرها لابد أن يغسل.
فضيلة الشيخ: الفقرة الثانية تقول إذا وطئت بقدمي الفراش وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست من هذا البول وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موضعها واشتبه علينا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وطئتِ برجلك وهي رطبة على هذا الموضع الذي طهر فإنه لا يؤثر لأن المكان صار طاهرا وأما ترك هذا المكان حتى يجف ويشتبه فإن هذا لا ينبغي وإذا قدر أنه وقع واشتبه الأمر فإنه يجب التحري بقدر الإمكان ثم يغسل المكان الذي يظن أنه هو الذي أصابته النجاسة وقلت أنه لا ينبغي تأخير غسل النجس لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة فإنه (أُتي له بصبي فوضعه في حجره فبال على حَجْرِه فدعا عليه الصلاة والسلام بماء فاتبعه إياه) ولم يؤخر غسله ولما (بال الأعرابي في طائفة المسجد أي في جانب منه أمر النبي عليه الصلاة والسلام بذنوب من ماء فأريق عليه فورا) فعلم من هذا أن هدي الرسول عليه الصلاة والسلام هو المبادرة في إزالة النجاسة وذلك لسببين.
أولا: المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن فالمؤمن طاهر وينبغي أن يكون كل ما يلابسه طاهرا.
وثانيا: أنه إذا بادر بغسله فإنه أسلم له لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله من فوره وحينئذ قد يصلى بالنجاسة وربما يتلوث أو ربما تعدى ماء النجاسة إلى مكان آخر. وأقول ربما يصلى بالنجاسة وليس معنى ذلك أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أن صلاته تبطل فإن القول الراجح أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فإن صلاته صحيحه مثل لو أصاب ثوبه نجاسة تهاون في غسلها أي لم يبادر بغسلها ثم صلى ناسيا غسلها فإن صلاته تصح لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وكذلك لو كان جاهلا بها ولم يعلم بها إلا بعد أن صلى فإن صلاته تصح للآية السابقة. لكن إذا صلى وهو محدث ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة مثل لو نقض وضوءه ثم حضرت الصلاة فصلى ناسيا نقض وضوءه ثم ذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد الوضوء وكذلك لو دُعي إلى وليمة فأكل لحما لا يدري ما هو وصلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم أبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وإن كان جاهلا حين أكله أنه لحم أبل والفرق بين هذا وبين الأول يعني الفرق بين من صلى محدثا ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة دون من صلى بنجاسة ناسيا أو جاهلا فإنه لا يجب عليه إعادة الصلاة الفرق بينهما أنه في مسألة الحدث ترك مأمور وترك المأمور ناسياً أو جهلا يسقط الإثم بتركه لكن لا يسقط إعادة الصلاة لأن المطلوب فعلها على الوجه الصحيح ولا يمكن ذلك إلا بإعادة الصلاة، وأما من صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا فإن هذا من باب فعل المحظور وفعل المحظور ناسيا أو جاهلا يسقط به الإثم لجهله ونسيانه وإذا سقط الإثم صار لم يفعل محرماً وحينئذ تكون الصلاة كأنه لم يفعل فيها هذا المحرم.
***(7/2)
المستمعة ع. ع. من الصباحية الكويت تقول عندما اغسل أطفالي من النجاسة يقطر على ملابسي من ماء الغسيل فما حكم هذه القطرات هل تنجس ملابسي ويجب علي أن أبدلها عند الصلاة وكذلك أيضا ما الحكم في مقابض الأبواب التي يلمسها الأطفال وأيديهم نجسة ثم تنشف بعد ذلك عن طريق الهواء هل إذا لمست باليد المبلولة تنجس اليد أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جواب السؤال الأول وهو أنه يقطر عليها قطرات عند غسيل النجس من ثياب أولادها هو أن نقول هذه القطرات إن كانت قبل طهارة الثياب فإنها تنجس ما أصابته لأن المحل لم يطهر بعد وهذه القطرات تكون نجسة لانفصالها عن محل نجس وأما إذا كان هذا بعد الطهارة أي بعد طهارة الثياب فإنه لا يضرها إذا تساقط شيء منها على ثيابها، وطهارة البول ليست بذاك الأمر الصعب لأن البول سريع الزوال وانظر ما لو نقطت نقطة من البول على بلاطة فإنك إذا صببت عليها ماء انسحبت مع الماء وزالت وكذلك لو كانت على قطعة من القماش فإنك إذا صببت عليها ماء وفركتها فإنها تزول فعلى كل حال إذا كانت هذه النقط بعد أن طهرت الثياب فإنها لا تؤثر شيئا وإن كانت قبل أن تطهر فإنها تكون نجسة ويجب غسل ما أصابته أما بالنسبة للسؤال الثاني وهو أن الأطفال يلمسون مقابض الأبواب وأيديهم نجسة فإننا نقول ما الذي أدراها أن أيدي الأطفال نجسة؟ فما دامت لا تعلم علم اليقين أن هذه الأيدي تلوثت بالنجاسة فإن الأصل الطهارة ولا نحكم بنجاسة الأولاد إذا لم نعلم أنهم تلوثوا بالنجاسة لا بأبدانهم ولا بثيابهم نعم إذا تيقنا أن الطفل مس هذا المقبض وتلوث هذا المقبض بنجاسته فإنه لابد من غسل هذا المقبض بالماء ويرى بعض أهل العلم أن الشيء الصقيل إذا مسح مسحاً تاماً حتى زال أثر النجاسة فإنها فإنه يطهر والمهم أننا إذا تيقنا أن أيدي الصبي نجسة وأن مقبض الباب تلوث بها فإنه لابد من إزالة هذه النجاسة التي تلوث بها هذا المقبض وإلا فالأصل الطهارة.
***(7/2)
من عبد الكريم خليل من جدة يقول ما الحكم إذا نزل على ثيابي بول طفل ذكر عمره عدة شهور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح في هذه المسألة أن بول الذكر الذي يتغذى باللبن أن بوله خفيف النجاسة وأنه يكفي في تطهيره النضح وهو أن يغمره بالماء يصب عليه الماء حتى يشمله بدون فرك وبدون عصر.
فضيلة الشيخ: حتى لو لم ينزل الماء على الأرض من الغسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وذلك لأنه ثبت (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جيء بصبي صغير فوضعه في حجره فبال عليه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله) .
فضيلة الشيخ: وبالنسبة للأنثى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأنثى لابد من الغسل لأن الأصل أن البول نجس ويجب غسله لكن استثنى الولد بدلالة السنة عليه، والولد أقصد به الذكر.
***(7/2)
بارك الله فيكم أبو عبد الله من القصيم يقول إذا خرج الإنسان من دورة المياه ووضع الحذاء عند باب الحمام ثم دخل الغرفة حافياً مع العلم بأن الأطفال يحصل منهم نجاسة فهل يؤثر ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر ذلك شيئاً أي أن مشي الأطفال على الأرض والفرش لا يستلزم نجاستها لأن الشك لا يزول به اليقين واليقين هو أن هذه الأرض أو هذا الفرش طاهرة فإذا شك الإنسان هل أصابتها نجاسة أم لم تصبها فإنها لا تكون نجسة بل هي طاهرة حكماً ولا ينبغي للإنسان أن يوقع الشك في نفسه في مثل هذه الأمور لأنه إذا أوقع الشك في نفسه فربما يتطور هذا الشك حتى يكون وسواساً يعجز عن التخلص منه وقد ذكر (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على صاحب حوض وأصابه هو وصاحب له من هذا الحوض فطلب صاحبه من صاحب الحوض أن يبين له هل هو نجس أم طاهر؟ فقال له عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا) هذا الأثر أو معناه وهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتنطع فيما الأصل فيه الاباحة أو الأصل فيه الطهارة بل يبقى على الأصل حتى يزول هذا الأصل بيقين ويشهد لهذا (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحس بالشيء في بطنه فيشكل عليه هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال عليه الصلاة والسلام لا يخرج -يعني من المسجد- حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا) وهذه إشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البناء على الأصل وهو الطهارة وعلى هذا فإذا كان عند الحمام نعال دخل بها ثم توضأ وخرج ثم خلعها ثم مشى في بيته فإنه لا بأس عليه في ذلك ولا تنجس قدماه بوطئها على الأرض التي يطأها ويحس بها ويطأ عليها الصبيان وبهذه المناسبة أقول إنه لما كانت البيوت في غالبها اليوم مفروش بفرش يصعب حملها وغسلها فإنه إذا وقعت نجاسة على هذه الفرش فإنها تجفف أولاً بالاسفنج بحيث يُضغط على الاسفنج فوق المحل حتى يتسرب النجاسة ثم يعصر في محل آخر في إناء أو غيره ثم إذا نشف يصب عليه الماء ثلاثة مرات كلما صب عليه الماء فرك باليد ثم ينشف وبهذا يكون طاهراً.
***(7/2)
أحسن الله إليكم السائل يقول في كثير من البيوت في وقتنا الحاضر ظاهرة عدم الاهتمام بنظافة وطهارة المكان الذي يصلى فيه الكبار والصغار يدخلون بأحذيتهم على البساط هل هذا العمل يؤثر على طهارة هذا المكان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر على طهارته لأن الأصل هو الطهارة حتى الحذاء التي تكون للحمامات ليست بنجسة لأن الحمامات في وقتنا الحاضر والحمد لله لها كراسي نظيفة ولا تكون النجاسة إلا في وسط هذا الحوض الذي يكون فيه البول والتغوط وما حوله كله نظيف فتكون الحذاء طاهرة وإذا كانت الحذاء طاهرة لم تنجس ما يطأ عليه بها حتى ولو كانت رطبة والناس في هذا الباب طرفان ووسط طرف متشدد في هذا الأمر وكل شيء عنده نجس ويتعب تعباً عظيماً في طهارة ثيابه ونعاله وما يصلى عليه وطرف آخر بالعكس والوسط هو الذي يتمشى على ما جاء بالكتاب والسنة فلا وكس ولا شطط فإذا دخلنا حجرة في أي مكان كان في بيوتنا أو غيرها ونحن لم نعلم أن النجاسة في هذا المكان المعين فلنا أن نصلى فيها ولا بأس.
***(7/2)
إذا خرجت من دورة المياه متوضأ فأردت دخول الغرفة خلعت النعلين لكن زوجتي تخبرني أن في الحجرة بعض النجاسات من الأطفال ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت النجسات موجودة متبينة فتجنبها عند المشي وإذا لم تكن موجودة فلا حرج عليه ولا تنجس قدمك بذلك وذلك أن هذه النجاسات قد تكون طَهُرَت من قبل وأُزيلت ومن ثم نرى أن الإنسان ينبغي له إذا تنجست فرشه أن يبادر بغسلها لأنه ربما ينسى ويجلس عليه وهو رطب فيتلوث ثوبه بالنجاسة أو يتلوث بدنه إذا كان رطبا بالنجاسة.
***(7/2)
أحسن الله إليكم إذا وقعت نجاسة على الملابس أو جسم شخص مثلا متوضئ فهل يعيد الوضوء أم يكتفي بغسل المكان الذي تنجس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد الوضوء إذا تنجس بدنه بعد أن توضأ بل يغسل النجاسة وكفى لكن لو بال أو تغوط أو خرج منه ريح أو وجد منه ناقض من نواقض الوضوء وجب عليه أن يطهر محل النجاسة ويعيد الوضوء.
***(7/2)
ما حكم مس المصحف وقراءة القرآن والوضوء في ملابس بها نجاسة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وعلى ثيابه نجاسة لأنه ليس من شرط جواز قراءة القرآن أن يتطهر من النجاسة لكن لا ينبغي على الإنسان أن يبقي على جسده ثوباً فيه نجاسة فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبادر بغسل النجاسة كما في الحديث الصحيح (أنه أوتي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لم يأكل الطعام فأجلسه في حجره فبال الصبي على حجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه) أي بادر بإزالة النجاسة وهكذا ينبغي للإنسان إذا تنجس ثوبه أوسرواله أوغترته أومشلحه أو فراشه أن يبادر بغسل النجاسة فإذا قُدِّرَ أن الإنسان لم يتيسر له أن يغسل النجاسة وصار على ثوبه نجاسة فله أن يقرأ القرآن سواء مس المصحف إذا كان على وضوء أو قرأ حفظاً عن قلبه فكل ذلك سواء أي لا يضره.
***(7/2)
بارك الله فيكم هذا سؤال من المستمع عبد الرحمن م س من مقديشو الصومال يقول أنا أسكن مع بعض أقاربي في منزلهم ويوجد عندهم كلب في المنزل يقولون أنه لحراسة منزلهم وكثيراً ما يلمسونه بأيديهم ويغسلون جسمه بأيديهم، وهل يجوز استعمال الكلاب لمثل هذا الغرض في المنزل فقط وهل يؤثر لمسه باليد على صحة الوضوء أم يعتبر ناقضاً، وما حكم استعمال الآنية التي قد يلعق طعامه وشرابه فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال أو اقتناء الكلاب لا يجوز إلا فيما رخص به الشارع والنبي عليه الصلاة والسلام رخص في ذلك في ثلاثة أمور:
كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب.
وكلب الزرع يحرسه من المواشي والأغنام وغيرها.
والثالث كلب الصيد ينتفع به الصائد.
هذه الثلاث التي رخص النبي صلى الله عليه وسلم فيها باقتناء الكلب وما عداها فإنه لا يجوز وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة إلى أن يتخذ الكلب لحراسته فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذا الحال محرم لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه أما لو كان هذا البيت في مكان في البر خال ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يُقتنى لحراسة البيت ومن فيه وحراسة أهله أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد وإن كان مسه برطوبة أي حيث يمس الإنسان ظهره وهو رطب أويده أو يد الماس رطبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم ويجب غسلها أي غسل اليد بعده سبعة مرات إحداها بالتراب وأما الأواني التي يعطى فيها الطعام والشراب فإنه إذا ولغ في الإناء أي شرب منه غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة (عن النبي عليه الصلاة والسلام إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداها بالتراب) .
***(7/2)
ع. م. ص. من الزلفي يقول هل الخمر نجسة كسائر النجاسات وإذا كانت كذلك هل يلحق بها الكولونيا بمعنى لو أصابت البدن أو الثوب يجب غسل الجزء الذي أصابته أو لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة وهي نجاسة الخمر إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية فإن العلماء مجمعون على ذلك فإن الخمر نجس وخبيث ومن أعمال الشيطان وإن أريد بها النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على النجاسة وأنها نجسةٌ يجب التنزه منها وغسل ما أصابته من ثوبٍ أو بدن وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسة نجاسة حسية وأن نجاستها معنوية عملية فالذين قالوا إنها نجسةٌ نجاسةً حسية ومعنوية استدلوا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) . . . والرجس هو النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) ولحديث أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن ينادي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) فالرجس في الآية والحديث بمعنى النجس نجاسةً حسية فكذلك هي في آية الخمر بمعنى نجس نجاسةً حسية وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارةً حسية أي أن الخمر نجسٌ نجاسةً معنوية لا حسية فقالوا إن الله سبحانه وتعالى قيد في سورة المائدة ذلك الرجس (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فهو رجسٌ عملي وليس رجساً عينياً ذاتياً بدليل أنه قال (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ) ومن المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسةً نجاسةً حسية فقرن هذه الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصفٍ واحد والأصل أن تتفق فيه فإذا كانت الثلاثة نجاستها معنوية فكذلك الخمر نجاسته معنوية لأنه من عمل الشيطان وقالوا أيضاً أنه ثبت (لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق) ولو كانت نجسةً ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم لا يجوز وقالوا أيضاً إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حرمت الخمر لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها حين حرمت لحوم الحمرالأهلية قالوا وقد ثبت في صحيح مسلم (أن رجلاً أتى براوية من خمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه فقال الرسول عليه الصلاة والسلام أما علمت أنها قد حرمت ثم ساره رجل أي كلم صاحب الراوية رجلٌ بكلامٍ سر فقال ماذا قلت؟ قال قلت يبيعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر) ولم يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بغسلها منه ولا منعه من إراقتها قالوا: فهذا دليل على أنه أي الخمر ليس نجساً نجاسةً حسية وقالوا أيضاً الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليلٌ بين يدل على النجاسة وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة فإن الأصل أنه طاهر لكنه خبيثٌ من الناحية العملية المعنوية وبناءً على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها إنها ليست بنجسة لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا القول الذي ذكرنا أدلته فتكون هذه الكولونيا وشبهها ليس بنجسٍ أيضاً وإذا لم يكن نجساً فإنه لا يجب تطهير الثياب منه ولكن يبقى النظر هل يحرم استعمال هذا الكولونيا كطيبٍ يتطيب به الإنسان أو لا يحرم؟ لننظر، يقول الله تعالى في الخمر (فَاجْتَنِبُوهُ) وهذا الاجتناب مطلق لم يقل اجتنبوه شرباً أو استعمالاً أو ما أشبه ذلك، أمر أمراً مطلقاً بالاجتناب فهل يشمل ذلك ما لو استعمله الإنسان كطيب أو نقول إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه لقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان لغير الشرب ولكننا نقول إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب وأن يبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة إلا أننا نرجع مرةً ثانية إلى هذه الأطياب هل النسبة التي فيها نسبةٌ تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم إذ أن علة الحكم -الإسكار- هي الموجبة له فإذا فقدت العلة فقد الحكم فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ويكون الشيء مباحاً فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلاً من شربه فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر كما أنه لو سقطت قطرةٌ من بول في ماءٍ ولم يتغير بها فإنه يكون طاهراً فكذلك إذا سقطت قطرةٌ من خمر في شيء لم يتأثر بها فإنه لا يكون خمراً وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر ثم إنني أنبه هنا على مسألةٍ تشتبه على بعض الطلبة وهو أنهم يظنون أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم (ما أسكر كثيره فقليله حرام) يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حراماً وليس هذا معنى الحديث بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثير منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حراماً مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شربت منه عشرة قارورات سكرت وإن شربت قارورة لم تسكر فإن هذه القارورة وإن لم تسكرك تكون حراماً هذا معنى (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وليس المعنى ما اختلط به شيءٌ من المسكر فهو حرام لأنه إذا اختلط المسكر بشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالاً لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم فينبغي أن يتنبه لذلك ولكني مع هذا لا استعمل هذه الأطياب الكولونيا ولا أنهى عنها إلا أنه إذا أصابنا شيءٌ من الجروح أو شبهها واحتجنا إلى ذلك فإننا نستعمله لأنه عند الاشتباه يزول الحكم مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه فإن الحاجة أمرٌ داعٍ إلى الفعل والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئاً احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتيج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه.
***(7/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائلة تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ هل الكحول الطبي من مفسدات الوضوء، وهل العطر أو الطيب من مفسدات الصوم ما حكم ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكحول الطبية ليست مفسدة للوضوء بل جميع النجاسات إذا أصابت البدن فإنها لا توجب الوضوء لأن نواقض الوضوء تتعلق بالبدن من بول أو غائط أو ريح أو ما أشبه ذلك من النواقض المعلومة وأما إصابة النجاسة للبدن فإنها لا تنقض الوضوء ولكن يبقى النظر هل الكحول الطبية نجسة أو لا هذا مبني على القول بنجاسة الخمر فإن أكثر أهل العلم يرون أن الخمر نجس نجاسة حسية كنجاسة البول والغائط يجب أن يتخلى الإنسان منها ولكن القول الراجح أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية لعدم الدليل على ذلك وهو وإن كان محرما بلا شك فإنه لا يلزم من التحريم النجاسة فالسموم مثلا حرام وليست بنجسة التدخين حرام وليس التبغ نجسا فلا يلزم من التحريم النجاسة ولكن يلزم من النجاسة التحريم ويدل على عدم نجاسة الخمر أمور أولا أنه لا دليل على نجاسته والأصل في الأشياء الطهارة، ثانيا: قد دل الدليل على أنه طاهر وذلك من وجوه فإنه لما نزل تحريم الخمر (خرج المسلمون بدنانها أي أوانيها وأراقوها في أسواق المدينة) والنجس لا تجوز إراقته في طرقات المسلمين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بغسلها حين نزل تحريمها أي لم يأمرهم بغسل الأواني منها مع أنه أمر بغسل الأواني من لحوم الحمر حينما حرمت الحمر يعني الحمير ولأنه ثبت في صحيح مسلم (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براوية خمر يهديها إليه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنها حرمت فساره رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم بم ساررته قال قلت بعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ثم فتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولم يأمره أن يغسل الراوية ولو كان الخمر نجسا لأمره بغسل الراوية منه وإذا كان الخمر ليس بنجس نجاسة حسية فإن الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فإذا أصابت الثوب أو البدن لم يجب غسلها يبقى النظر في استعمال ما فيه مادة الكحول هل هذا جائز أو لا فنقول إن كانت النسبة كبيرة أي نسبة الكحول في هذا المستعمل كبيرة فحكمه كالكحول الخالصة وإن كانت يسيرة لا تأثر فيه فلا بأس بها ولا تؤثر منعا في استعماله فإن قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وسلم (قال ما أسكر كثيرة فقليله حرام) قلنا بلى لكن معنى الحديث أن الشراب إذا كان يسكر إذا أكثر منه ولا يسكر إذا كان قليلا فإن قليله يكون حراما لئلا يتوصل به الإنسان إلى شرب الكثير ولكن لا شك أن الاحتياط والورع تجنب استعماله لعموم قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) فنحن نشير على إخواننا ألا يستعملوا ما فيه مادة الكحول إذا كانت النسبة كبيرة إلا لحاجة كتعقيم الجروح وما أشبهها.
***(7/2)
السائلة من الجزائر تقول هل يصح وضع العطر الذي به كحول بنسبة كبيرة أو بنسبة صغيرة وما هي النسبة الصغيرة المحددة للكحول التي اتفق عليها العلماء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكحول مادة مسكرة كما هو معروف فتكون خمراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مسكر حرام) وفي رواية (كل مسكر خمر) وعلى هذا فإذا خالطت هذه الكحول شيئاً ولم تضمحل بما خالطته صار هذا الشيء حراماً لأن هذا الخليط أثر فيه أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر فإنه لا يحرم بذلك لأن أهل العلم رحمهم الله أجمعوا على أن الماء إذا خالطته نجاسة لم تغيره فإنه يكون طهوراً والنسبة بين الكحول وبين ما خالطه قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة بمعنى أن هذه الكحول قد تكون قوية فيكون اليسير منها مؤثراً في المخالط وقد تكون ضعيفة فيكون الكثير منها غير مؤثر والمدار كله على التأثير ثم هاهنا مسألتان، الأولى: هل الخمر نجس نجاسة حسية أي أنه يجب التنزه منه وغسل الثياب إذا أصابها وغسل البدن إذا أصابه وغسل الآواني إذا أصابها أو لا، جمهور العلماء على أن الخمر نجس نجاسة حسية وأنه يجب غسل ما أصابه من بدن أو ثياب أو أواني أو فرش أو غيرها كما يجب غسل البول والعذرة واستدلوا لذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) والرجس هو النجس بدليل قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس واستدلوا أيضاً بحديث (أبي ثعلبة الخشني حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل بآنية الكفار فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) وقد ورد في تعليل النهي عن الأكل فيها أنهم كانوا يضعون فيها الخمر ولحم الخنزير وما أشبه ذلك ولكن القول الثاني في المسألة أن الخمر ليس نجساً نجاسة حسية واستدل لهذا القول بأن الأصل في الأشياء الطهارة وأنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً فالسم حرام بلا شك ومع ذلك ليس بنجس وقالوا إن القاعدة الشرعية أن (كل نجس حرام وليس كل حرام نجساً) وعلى هذا فيبقى الخمر حراماً وليس بنجس حتى تقوم الأدلة على نجاسته واستدلوا أيضاً بـ (أن الخمر حين حرمت أراقها المسلمون في الأسواق ولم يغسلوا الآواني منها) وإراقتها في الأسواق دليل على عدم نجاستها لأنه لا يحل لإنسان أن يريق النجس في أسواق المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اتقوا اللاعنين قالوا يا رسول الله وما اللاعنان قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) ولأنهم لم يغسلوا الآواني منها ولو كانت نجسة لوجب غسل الآواني منها واستدل لهذا القول أيضاً بما ثبت في صحيح مسلم (أن رجل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواية خمر فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنها حرمت فتكلم أحد الصحابة مع صاحب الراوية سراً أي أسر إليه حديثاً، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بما ساررته، قال: قلت: بعها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعها، وقال: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه) هذا الحديث أو معناه ثم فتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الرواية ولو كان الخمر نجساً لأخبره صلى الله عليه وسلم بنجاسة الرواية وأمره بغسلها وأما ما استدل به القائلون بالنجاسة الحسية في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فإن الله تعالى قيد هذا الرجس بأنه رجس عملي قال (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وليس رجساً عينياً بدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجاستها نجاسة حسية والخبر عن نجاستها ونجاسة الخمر خبر واحد لعامل واحد (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ومثل هذا لا يجوز أن تفرق الدلالة فيه على وجهين مختلفين إلا بدليل يعين ذلك وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فليس الأمر بغسلها من أجل نجاستها لاحتمال أن يكون الأمر بغسلها من أجل الابتعاد التام والانفصال التام عن استعمال آواني الكفار الذي يجر إلى مماستهم والقرب منهم وليس للنجاسة لأن المعروف أن النجاسة لا تثبت بالاحتمال، على كل حال هذا هو الأمر الأول مما يتعين البحث فيه في جواب هذا السؤال عن الكحول وإذا تبين أن الخمر ليست نجسة نجاسة حسية صارت هذه الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فتبقى على طهارتها، أما الأمر الثاني: فإذا تعين أن في هذه الأطياب كحولاً ومؤثراً لكونه كثيراً فهل يجوز استعماله في غير الشرب جواب ذلك أن يقال إن قول الله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) عام في جميع وجوه الاستعمال أي أننا نجتنبه أكلاً وشرباً وادهناً وغير ذلك هذا هو الأحوط بلا شك لكنه لا يتعين في غير الشرب لأن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذا لا يتأتَّى في غير الشرب وعلى هذا فالورع اجتناب التطيب بهذه الأطياب والجزم بالتحريم لا يمكن لكن يبقى أن المرأة لا يحل لها أن تتطيب إذا أرادت الخروج إلى الأسواق لما في ذلك من الفتنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا صلاة العشاء) فمنع المرأة من شهود صلاة العشاء إذا أصابت بخوراً لأن البخور يظهر ريحه.
***(7/2)
من مصر إحدى الأخوات المستمعات تقول هل يجوز الاستخدام الظاهري للروائح والعطور التي تحتوي على نسبة من الكحول كما في تطهير الجروح وغيرها أفيدونا أفادكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يحتاج في الجواب عليه إلى أمرين، الأمر الأول: هل الخمر نجس أو ليس بنجس وهذا مما اختلف فيه اهل العلم وأكثر أهل العلم على أن الخمر نجس نجاسة حسية بمعنى أنه إذا أصاب الثوب أو البدن أو البقعة وجب التطهر منه ومن أهل العلم من يقول إن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وذلك لأن النجاسة حكم شرعي يحتاج إلى دليل وليس هناك دليل على أن الخمر نجس وإذا لم يثبت بدليل شرعي أن الخمر نجس فإن الأصل الطهارة وإذا كان الأصل الطهارة فإن من قضى بنجاسته يطالب بالدليل وقد يقول قائل الدليل من كتاب الله في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والرجس بمعنى النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ) أي هذا المطعوم المذكور من الميتة ولحم الخنزير والدم المسفوح (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس والدليل على أن المراد بالرجس هنا النجس قول النبي صلى الله عليه وسلم في جلود الميتة (يطهرها الماء والقرظ) فإن قوله (يطهرها) دليل على أنها كانت نجسة وهذا أمر معلوم عند أهل العلم فإذا كان الرجس بمعنى النجس فإن قوله تعالى في آية تحريم الخمر (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أي نجس ولكن يجاب على ذلك بأن المراد بالرجس هنا الرجس العملي لا الرجس الحسي بدليل قوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وبدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة حسية كما هو معلوم والخبر هنا (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) خبر عن الأمور الأربعة عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وإذا كان خبراً عن هذه الأربعة فهو حكم عليها جميعاً بحكم تتساوى فيه ثم إن عند القائلين بأن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية دليلاً من السنة فإنه لما نزل تحريم الخمر لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الأواني منها (والصحابة رضي الله عنهم أراقوها في الأسواق) ولو كانت نجسة ما أراقوها في الأسواق لما يلزم من تنجيس الأسواق وتنجيس المارين بها بل قد ثبت في صحيح مسلم (في قصة الرجل الذي أهدى راوية خمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنها حرمت فساره رجل أي تكلم مع هذا الصحابي رجل آخر سراً يقول له بعها فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأخبره أنه يقول له بعها فقال صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ففتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر) بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولما يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها من هذا الخمر فدل ذلك على أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية هذا هو الأمر الأول الذي يحتاجه هذا السؤال. أما الأمر الثاني: فهو إذا تبين أن الخمر ليس بنجس وهو القول الراجح عندي فإن الكحول لا تكون نجسة نجاسة حسية بل نجاستها معنوية لأن الكحول المسكرة خمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر) وإذا كانت خمراً فإن استعمالها في الشرب والأكل بأن تمزج في شيء مأكول ويؤكل حرام بالنص والإجماع وأما استعمالها في غير ذلك كالتطهير من الجراثيم ونحوه فإنه موضع نظر فمن تجنبه فهو أحوط وأنا لا استطيع أن أقول إنه حرام لكني لا استعمله بنفسي إلا عند الحاجة إلى ذلك كما لو احتجت لتعقيم جرح أو نحوه والله أعلم.
***(7/2)
ما الحكم في استعمال العطور الصناعية المستوردة وهل هي نجسة بحيث لو وقع شيء منها على ثوب الإنسان ينجس موقعه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما النجاسة فليست بنجسة وذلك لأن القول الراجح عندي أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وذلك لأنه لا دليل على نجاسته والأصل فيما لم يدل الدليل على نجاسته الطهارة بل إنه ورد في السنة ما يدل على طهارته طهارة حسية تقوية للأصل وذلك أنه لما نزل تحريم الخمر (قام الناس على الخمور التي عندهم فأراقوها في أسواق المدينة) ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل هذه الأواني ولو كان نجسا ما أراقوه بالأسواق لأن إراقة النجاسات في الأسواق محرمة كالبول فيها ولو كانت نجسة لأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بغسل أوانيهم منها كما أمرهم بغسل الأواني من لحوم الحمر حين حرمت وقد ثبت أيضا في صحيح مسلم (أن رجلاً أتى براوية خمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام أما علمت أنها قد حرمت؟ فساره رجل يقول له بعها فقال النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قلت قال قلت له بعها فقال صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ثم أخذ صاحبها بفمها فأراقه) ولم يأمره النبي صلى الله وسلم بغسلها ولو كان نجسا لأمره بغسلها فأما قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فإن هذا الرجس هو رجس عملي ولهذا قيد بقوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ويدل على أنه ليس المراد به النجاسة الحسية أن الله قرنه بما ليس بنجس حسّا وجعل الخبر واحدا في الجميع (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ) ومن المعلوم أن الأنصاب والأزلام والميسر ليست نجسة نجاسة حسية والخبر واحد عن الأربعة كلها فدل هذا على أن المراد بالرجس هنا الرجس المعنوي دون الحسي وهو الرجس العملي كما في قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فإذا تبين أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية فإنه يتبين الجواب عن هذا السؤال الذي سأله السائل وهو ما إذا أصاب الثوب من هذه العطورات التي يقال أن فيها مادة خمرية فإنه لا يجب غسله لأنه طاهر ولكن هل يجوز استعمال هذه الأطياب؟ أمّا على رأي من يرى أنها نجسة فلا يجوز استعمالها وأما على رأي من يرى أنها طاهرة فإن الأولى عدم استعمالها لعموم قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) لأن الأمر بالاجتناب في الخمر عام لم يخصص فيه شيء دون شيء ولكني لا أجزم بالتحريم لأن قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) قد يراد به اجتناب شربه لقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذا يدل على أن الواجب اجتناب ما يؤدي إلى هذه العلة ومجرد استعماله لا يؤدي إلى هذه العلة فأنا لا أحرمه ولكني لا أستعمله شخصيا إلا إذا كان هناك حاجة كتعقيم جرح أو شبهه فإنه لا بأس به.
***(7/2)
بارك الله فيكم السائل من جمهورية الصومال مقيم بالجماهيرية العربية الليبية م. م. ع. يقول هل يجوز للمسلم أن يتعطر بالعطر الذي فيه مادة الكحول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العطر الذي فيه مادة الكحول ينقسم إلى قسمين القسم الأول أن تكون مادة الكحول فيه يسيرة لا تؤثر شيئاً مثل أن تكون خمسة في المائة ثلاثة في المائة واحد في المائة فهذا لا بأس أن يتعطر به لأن هذه النسبة نسبةٌ ضئيلة لا تؤثر شيئاً والقسم الثاني أن تكون النسبة كبيرة كخمسين في المائة فهذا النوع قد اختلف العلماء في جواز التعطر به فمنهم من قال بجواز ذلك وقال لأن هذا لم يتخذ للإسكار وإنما اتخذ للتطيب به وقال أيضاً إن الذي نتيقن أنه حرام هو شرب المسكر وهذا الرجل لم يشربه واستدل لذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وقال إن هذا هو تعليل الحكم أي حكم التحريم وهو أنه سببٌ لإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وقال إن هذا لا يوجد فيما إذا تطيب به الإنسان ومن العلماء من قال لا يتطيب به لعموم قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) والذي أرى أنه لو تطيب به فإنه لا يأثم ولكن الاحتياط ألا يتطيب به والأطياب سواه كثير والحمد لله هذا بالنسبة للتطيب به من عدمه.
أما بالنسبة للطهارة والنجاسة فإن هذه العطورات التي بها الكحول طاهرة مهما كثرت النسبة فيها لأن الخمر لا دلالة على نجاسته لا من القرآن ولا من السنة ولا من عمل الصحابة وإذا لم يدل الدليل على نجاسته فالأصل الطهارة حتى يقوم دليلٌ على النجاسة ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً فقد يحرم الشيء وليس بنجس فالأشياء الضارة حرام وإن لم تكن نجسة فالسم مثلاً حرام وإن لم يكن نجساً وأكل ما يزداد به المرض كالحلوى لمن به السكري حرام وليس بنجاسة بل قال شيخ الإسلام رحمه الله إن الطعام الحلال لو كان يخشى الإنسان من التأذي به حيث يملأ بطنه كثيراً أو يخاف التخمة فإن هذا الطعام الحلال يكون حراماً والمهم أنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجساً فالخمر لا شك في تحريمه لكن ليس بنجس لأنه لا دليل على نجاسته وقد علم المستمع أنه لا يلزم من التحريم أن يكون المحرم نجساً بل هناك ما يدل على أنه ليس بنجس أي هناك دليل إيجابي على أنه ليس بنجس وهو ما ثبت في صحيح مسلم (أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براويةٍ من خمر أهداها له فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها حرمت -والمحرم لا يجوز قبوله بل يجب إتلافه- فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية بكلامٍ سر فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بم ساررته؟ قال: قلت بعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه -أو كما قال- فأخذ الرجل بأفواه الراوية فأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها من هذا الخمر ولو كانت نجسة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها أن يغسلها هذا دليل ودليلٌ آخر أنه لما نزل تحريم الخمر (أراق الصحابة خمورهم بأسواق المدينة) ولم ينقل عنهم أنهم غسلوا الأواني بعدها.
***(7/2)
بارك الله فيكم هذه مستمعة رمزت لاسمها بـ خ. ع. ر. تقول في سؤالها ما حكم الشرع في نظركم في وضع الكلونيا على الجسم هل هي نجسة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكلونيا ليست بنجسة وكذلك سائر الكحول ليست بنجسة وذلك لأن القول بنجاستها مبني على القول بنجاسة الخمر والراجح الذي تدل عليه الأدلة أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وإنما نجاسته معنوية ودليل ذلك أولاً (أن الصحابة رضي الله عنهم لما حرمت الخمر أراقوا الخمر في الأسواق) ولو كانت نجسة ما حل لهم أن يريقوها في الأسواق لأن الإنسان لا يحل له أن يريق شيئاً نجساً في أسواق المسلمين. ثانياً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بغسل الأواني منها مع أنه لما حرمت الحُمُر في خيبر أمر النبي عليه الصلاة والسلام بغسل الأواني منها. ثالثاً أن رجلاً أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال النبي عليه الصلاة والسلام (إنها حرمت فتكلم معه رجل أي مع صاحب الراوية سراً يقول له بعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل بما ساررته؟ فقال قلت بعها يا رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنها ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر منها) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها ولو كان الخمر نجساً لأمره بغسلها لأنه سوف يستعملها في مائه لشرابه وطهوره وهذه أدلة إيجابية تدل على أن الخمر ليس بنجس ثم هناك دليل سلبي أي مبني على البراءة وهو أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على نجاستها كما أن الأصل في الأشياء الحل حتى يقوم دليل على تحريمها ومن المعلوم أنه لا تلازم بين التحريم والنجاسة بمعنى أنه ليس كل شيء محرم يكون نجساً فالسم مثلاً محرم وليس بنجس وكل نجس فهو محرم ولا عكس لأن النجس يجب التطهر منه فإذا كان ملابسة النجس محرمة تجب إزالته فمن باب أولى وأحرى اكله وشربه فإن قال قائل أن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فقال (رِجْسٌ) والرجس النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (رِجْسٌ) أي نجس؟ فالجواب عن الآية أن المراد بقوله (رِجْسٌ) أي رجس عملي فهي نجاسة معنوية ولهذا قال (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ثم إنه قرنه بالميسر والأنصاب والأزلام وهذه ليست نجسة نجاسة حسية بالاتفاق فعلم أن المراد بالرجسية في قوله (رِجْسٌ) الرجسية المعنوية وليست الرجسية الحسية ولكن يبقى السؤال هل يجوز أن نستعمل هذه الأطياب التي فيها شيء من الكحول؟ والجواب على ذلك أن نقول إذا كان الشيء يسيراً مستهلكاً فيما مزج به فإنه لا حرج في استعمالها لأن الشيء الطاهر إذا خالطه شيء نجس لم يتغير به فإنه يكون طاهراً أما إذا كان الخليط من الكحول كثيراً بحيث يُسكر لو شربه الإنسان فإنه لا ينبغي استعماله والتطيب به لكن إذا احتاج الإنسان إلى استعماله لدواء جرح وما أشبه ذلك فلا بأس.
***(7/2)
أحسن الله إليكم يقول هل المني والمذي من النجاسات التي يجب غسلها بالماء من الثوب والبدن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المني فطاهر كما دلت على ذلك السنة وأما المذي فنجس لكنه خفيف النجاسة يكفي فيه النضح بدون غسل ولا فرك والنضح معناه أن يصب عليه ماء يستوعبه فيكون بمنزلة بول الغلام الصغير الذي لا يأكل الطعام وإنما يتغذى باللبن ولهذا نقول النجاسات ثلاثة أقسام مغلظة ومخففة ومتوسطة فأما المغلظة فهي نجاسة الكلب ولا بد فيها من سبع غسلات أحداهن بالتراب وجعل التراب في الغسلة الأولى أولى والمخففة نجاسة الصبي الغلام الصغير الذي يتغذى باللبن لم يفطم بعد نجاسة بوله خاصة والثاني المذي فيكتفى فيهما بالنضح بمعنى أن يصب الماء على المكان بدون أن يفركه أو يعصره ثم بقية النجاسات متوسطة يكتفى فيها بإزالة عين النجاسة ولا عدد لها فإن قال قائل أليس النعل يكفي فيه المسح بالأرض إذا أصابته النجاسة وكذلك الخف؟ فالجواب بلى لكن هذا ليس لأن النجاسة مخففة ولكن خفف طريق إزالتها للمشقة في غسل النعال وغسل الخفاف خُفِّفَ فيها بأن تمسح في الأرض حتى تمحى عين النجاسة.
***(7/2)
هل يجوز الصلاة في الثياب التي احتلم فيها الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يصلى في الثياب التي احتلم فيها إلا أنه ينبغي أن يغسل المني إن كان رطباً ويفركه إن كان يابساً وهذا إذا كان قد نام على استنجاء بالماء أو استجمار شرعي أما إذا كان قد نام ليس على استنجاء بالماء ولا على استجمار شرعي فإنه لا يجوز أن يصلى بالثوب الذي تأثر بهذا المني حتى يغسله وذلك لأن المني إذا باشر محل النجس تلوث به فإذا تلوث به وأصاب الثوب فإنه يجب غسله.
***(7/2)
المستمع عبد القادر الشيخ من الجبيل الصناعية يقول ما حكم اللُّعاب الذي يخرج من الشخص أثناء النوم وهل هذا السائل يخرج من الفم أم من المعدة، وإذا حكمنا بأنه نجس فكيف يمكن الحذر منه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا اللُّعاب الذي يخرج من النائم أثناء نومه طاهر وليس بنجس والأصل فيما يخرج من بني آدم الطهارة إلا ما دل الدليل على نجاسته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) فاللعاب والعرق ودمع العين وما يخرج من الأنف وماء الجروح كل هذه طاهرة لأن هذا هو الأصل والبول والغائط وكل ما يخرج من السبيلين نجس وهذا اللعاب الذي يخرج من الإنسان حال نومه داخل في الأشياء الطاهرة كالبلغم والنخامة وما أشبه ذلك وعلى هذا فلا يجب على الإنسان غسله ولا غسل ما أصابه من الثياب والفرش
***(7/2)
جزاكم الله خيراً ما حكم الدم الخارج من جسد الإنسان سواءٌ كان من الأنف أو غيره هل يعتبر نجساً يجب غسل ما أصابه من الملابس وينقض الوضوء وما هو الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله هو الذي يخرج من الحيوان في حال حياته مثل ما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل إذا جاع فَصَدَ عِرقاً من بعيره وشرب دمه فهذا هو المحرم وكذلك الدم الذي يكون عند الذبح قبل أن تخرج الروح هذا هو الدم المحرم النجس ودلالة القرآن عليه ظاهرة في عدة آياتٍ من القرآن بأنه حرام ففي سورة الأنعام صرح الله تبارك وتعالى بأنه نجس فإن قوله تعالى (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس كما قيل يعود على الخنزير فقط لو تأملت الآية وجدت أن هذا هو المتعين (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) ذلك الشيء (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي إن ذلك الشيء الذي استثني من الحل هو الذي يكون نجساً فالتعليل تعليل للحكم الذي يتضمن هذه الأمور الثلاثة وهذا أمر ظاهر لمن يتدبره وليس من باب الخلاف هل يعود الضمير إلى بعض المذكور أو إلى كل المذكور بل هذا واضحٌ لأنه تعليلٌ لحكمٍ ينتظم ثلاثة أمور هذا هو الدم المسفوح.
أما الدم الذي يبقى في الحيوان الحلال بعد تذكيته تذكيةً شرعية فإنه يكون طاهراً حتى لو انفجر بعد فصده فإن بعض العروق يكون فيها دمٌ بعد الذبح وبعد خروج الروح بحيث إذا فَصَدتها سال منها الدم هذا الدم حلالٌ وطاهر وكذلك دم الكبد ودم القلب وما أشبهه كله حلالً وطاهر.
وأما الدم الخارج من الإنسان فالدم الخارج من الإنسان إن كان من السبيلين من القبل أو الدبر فهو نجسٌ وناقضٌ للوضوء قل أم كثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء بغسل دم الحيض مطلقاً وهذا دليلٌ على نجاسته وأنه لا يعفى عن يسيره وهو كذلك فهو نجس لا يعفى عن يسيره وناقض للوضوء قليله أو كثيره وأما الدم الخارج من بقية البدن من الأنف أو من السِّن أو من جرحٍ بحديدة أو بزجاجة أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء قل أو كثر هذا هو القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء شيء خارجٌ من غير السبيلين من البدن سواءٌ من الأنف أو من السِّن أو من غيره سواءٌ كان قليلاً أو كثيراً وأما نجاسته فالمشهور عند أهل العلم أنه نجس وأنه يجب غسله إلا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه والله أعلم.
***(7/2)
بارك الله فيكم إذا وقع على ثوب الإحرام دم قليل أو كثير فهل يصلى فيه وعليه الدم وماذا يفعل المحرم وهو يؤدي مناسك الحج مثلاً في السعي أو في الطواف أو الرمي أفيدونا بذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدم إذا كان طاهراً فإنه لا يضر إذا وقع على الإحرام أو غيره من الثياب والدم الطاهر من البهيمة هو الذي يبقى في اللحم والعروق بعد ذبحها كدم الكبد ودم القلب ودم الفخذ ونحو ذلك وأما إذا كان الدم نجساً فإنه يغسل سواءٌ في ثوب الإحرام أو غيره وذلك مثل الدم المسفوح فلو ذبح شاةً مثلاً وأصابه من دمها فإنه يجب عليه أن يغسل هذا الذي أصابه سواءٌ وقع على ثوبه أو على ثوب الإحرام أو على بدنه إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا يعفى عن الدم اليسير لمشقة التحرز منه وأما قوله وماذا على المحرم في الطواف والسعي؟ فعليه ما ما ذكره العلماء من أنه يطوف بالبيت فيجعل البيت عن يساره ويبدأ بالحجر الأسود وينتهي بالحجر الأسود سبعة أشواطٍ لا تنقص وكذلك يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ لا تنقص يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة وما يفعله الحجاج معروفٌ في المناسك فليرجع إليه هذا السائل.
***(7/2)
دم الحيوانات إذا علق بالثوب أو البدن فهل يَنْجُسَان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقسم العلماء الحيوانات إلى أقسام قسم نجس في الحياة وبعد الموت وقسم طاهر في الحياة ونجس بعد الموت وقسم طاهر في الحياة وبعد الموت أما القسم النجس في الحياة وبعد الموت فإن دمه نجس ويجب غسل قليله وكثيره وذلك مثل الكلب وأما الطاهر في الحياة النجس بعد الموت فإن دمه نجس ولكن يُعفى عن قليله لمشقة التحرز منه وذلك مثل دم بهيمة الأنعام كالإبل والبقر والغنم فإن هذه طاهرة في حياتها وإذا ماتت بغير ذكاة شرعية فإنها تكون نجسة فيكون دمها نجساً ولكنه يُعفى عن يسيره والقسم الثالث طاهر في الحياة وبعد الموت مثل حيوان البحر كالسمك وكذلك ما لا نفس له سائلة كالذباب وشبهه فهذا دمه طاهر حتى لو فرض أنه كثير في دم السمك ونحوه لأن ميتتها طاهرة وذلك لأن تحريم الميتة من أجل احتقان الدم فيها فإذا كانت هذه ميتتها طاهرة دل هذا على أن دمها طاهر وإلا لوجب أن تكون ميتتها نجسة من أجل احتقان الدم فهذا ما ذكره أهل العلم في تقسيم دماء الحيوان.
***(7/2)
إذا وقع من دم الذبيحة الخارج منها عند ذبحها على الملابس شيء ثم صلى بعد ذلك فهل صلاة المرء جائزة وما حكم هذا الدم من حيث النجاسة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدم نجس لأنه دم مسفوح وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فقوله (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود على المستثنى السابق وهي ثلاثة أشياء الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وعلى هذا فالدم المسفوح الذي يخرج من الحيوان قبل خروج روحه يكون نجساً يجب تطهير البدن والثوب منه إلا أن أهل العلم رحمهم الله استثنوا من ذلك الشيء اليسير فقالوا إنه يُعفى عنه لمشقة التحرز منه وعلى كل حال إذا صلى الإنسان في ثوب متلطخ بالدم المسفوح على وجه لا يعفى عنه فإن كان عالماً بهذا الدم وعالماً بالحكم الشرعي وهو أن صلاته لا تصح فإن صلاته باطلة وعليه أن يعيدها وإن كان جاهلاً بهذا الدم لم يعلم به إلا بعد صلاته أو عَلِم به ولكنه لم يعلم أنه نجس مفسد للصلاة فإن صلاته أيضاً صحيحة وذلك لأن (النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم بأصحابه وفي أثناء صلاته خلع نعليه فخلع الناس نعالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاته يسألهم لماذا خلعوا نعالهم قالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذىً أو قال قذراً) فخلعهما النبي عليه الصلاة والسلام ولم يستأنف الصلاة فدل هذا على أن من صلَّى بالنجاسة جاهلاً بها فإنه لا إعادة عليه وكذلك من جهل حكمها ومثل الجهل النسيان أيضاً فلو أصاب الإنسان نجاسة على ثوبه أو بدنه وصلَّى قبل أن يغسلها ناسياً فإن صلاته صحيحة لعموم قول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) ولكن نحن ننصح إخواننا المسلمين إذا أصابتهم نجاسة على ثيابهم أو أبدانهم أو مكان صلاتهم أن يبادروا بتطهيرها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هذا هديه فإنه (لما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأريق عليه) ولما (بال الصبي في حجره دعا بماء فأتبعه إياه) فهذا دليل على أن المرء ينبغي له أن يُطهر مكان صلاته وثيابه وكذلك بدنه مما أصابه من النجاسة فوراً لئلا تبقى هذه الأشياء نجسة ولأنه يخشى أن ينسى فيصلى فيها فعلى كل حال الذي ينبغي للمرء أن يبادر بتطهير ثيابه وبدنه ومكان صلاته من النجاسة.
***(7/2)
مبروك علي أحمد مصري يعمل في الأردن يقول في رسالته أنا أصلى وعلى ملابسي بعض من دم المواشي وهذا بسبب ظروف العمل فهل هذا يبطل الصلاة أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الدم من المواشي بعد الذبح وخروج النفس فإنه يكون طاهراً لأن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد موت المذكاة طاهر وحلال وأما إذا كان هذا الدم من البهيمة وهي حية أو كان هو الدم المسفوح الذي يكون عند الذبح فإنه نجس لقول الله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (فَإِنَّهُ) أي هذا الشيء فالضمير عائد على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس عائداً على قوله (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) بل هو عائد على المستثنى كله وتقدير الآية إلا أن يكون الشيء المحرم الذي يطعمه ميتة أودم مسفوحاً أو لحم خنزير فإن ذلك الشيء يكون نجساً (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس وعلى هذا فنقول إن الدم الذي يخرج من البهيمة وهي حية أو يخرج منها عند الذبح دم نجس إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه.
***(7/2)
يقول السائل أنا رجل أرعى الغنم وفي فصل الشتاء غالبا ما تكون ملا بسي متسخة يتعذر خلعها واستبدالها في كل وقت خاصة في أيام البرد الشديد فهل من الممكن أن أقوم بصلاة الليل وتلاوة القرآن على هذه الحالة بتيمم فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت راعي غنم فالغنم طاهرة بولها طاهر وروثها طاهر وريقها طاهر ولبنها طاهر حتى لو تلوثت الثياب بها ببولها أو بروثها أو بغير ذلك فإن الثياب طاهرة تجوز فيها الصلاة وتجوز فيها قراءة القرآن والتهجد في الليل وغير ذلك من الصلوات.
***(7/2)
السائل من العراق بغداد رمز لاسمه بالأحرف ع. س. ج. يقول ما هي حقيقة نجاسة المشرك والكافر وهل معنى هذا أنه إذا مس أحد المسلمين أحد المشركين أو الكفار وهو على طهارة أن طهارته قد انتقضت أم أن النجاسة معنوية وليست حسية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نجاسة المشركين بل نجاسة جميع الكفار نجاسة معنوية وليست نجاسة حسية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) ومعلوم أن المؤمن ينجس نجاسة حسية إذا أصابته النجاسة فقوله (لا ينجس) علم أن المراد نفي النجاسة المعنوية وقال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) فأخبر الله تعالى أنهم (نجس) وإذا قارنا هذا بما ثبت في حديث أبي هريرة من أن (المؤمن لا ينجس) علمنا أن المراد بنجاسة المشرك وكذلك غيره من الكفار نجاسة معنوية وليست حسية ولهذا أباح الله لنا طعام الذين أوتوا الكتاب مع أنهم يباشرونه بأيدهم وأباح لنا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للزواج بهن مع إن الإنسان سيباشرهن ولم يأمرنا بغسل ما أصابته أيديهم وأما قول السائل إنه إذا مس الكافر يقول انتقض وضوؤه فهذا وهم منه فإن مس النجاسة لا ينقض الوضوء حتى لو كانت نجاسة حسية كالبول والعذرة والدم النجس وما أشبهها فإن مسها لا ينقض الوضوء وإنما يوجب غسل ما تلوث بالنجاسة فقط.
***(7/2)
يقول السائل أنا أعمل في شركة تويوتا قسم اللِّحَام ويعمل معي بعض الخواجات اليونانيين وفي ذات مرة كنت أشرب كوب من الشاي فأخذه أحدهم وشرب منه ثم رده لي فهل لو شربت بعده من هذا الكوب يكون حرام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بحرام لأن ريق الكافر وعرقه طاهر وليس بنجس ولذلك أباح الله لنا طعامهم مع أن أيديهم تلمسه وأباح لنا نساءهم أي نساء أهل الكتاب وطعام أهل الكتاب مع أنهم كفار وهذا يدل على عدم نجاسة بدن الكافر وهو الصحيح من أقوال أهل العلم لكن إذا كان شربك بعده يشير إلى استذلالك أمام الكافر فإنه لا يجوز لك هذا لأن الواجب على المسلم أن يكون عزيزاً بإسلامه وأن لا يري الكفار الذل وكيف يريهم الذل وقد قال الله عز وجل (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فلا يري الرجل الذل أما الكفار إلا وهو ناقص الإيمان لأن من كان مؤمناً كامل الإيمان فإنه يرى أنه أعز خلق الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فكما أن المؤمن أكرم الخلق عند الله وأعزهم فالكافر أذلهم عند الله وأحطهم قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) فلا يجوز للمسلم أن يستذل أمام الكافر فإذا كان شربك الفنجال بعده يشير إلى ذلك أمامه فهو حرامٌ عليك وإلا فلا بأس به.
***(7/2)
باب الحيض(7/2)
إذا كانت المرأة طبيعة حيضها خمسة أيام وزادت هذه المدة إلى عشرة أيام عند استخدامها لأحدى وسائل منع الحمل فهل ما زاد على خمسة أيام يعتبر من الحيض أم لا وهل لها أن تصلى رغم نزول الدم بعد اليوم الخامس أفيدونا بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول أن استعمال هذه الحبوب لمنع الحيض أو منع الحمل أمر غير مرغوب فيه وهو من الناحية الطبية مضر وإذا كان كذلك فإنا ننصح أخواتنا بعدم استعماله أي استعمال هذه الحبوب ومن مساوئ هذه الحبوب أنها توجب إضطراب العادة على المرأة فتوقعها في الشك والحيرة وكذلك توقع المفتين في الشك والحيرة لأنهم لا يدرون عن هذا الدم الذي تغير عليها أهو حيض أم لا وعلى هذا إذا كان من عادتها أن تحيض خمس أيام واستعملت الحبوب التي لمنع الحمل ثم زادت عادتها فإن هذه الزيادة تبع الأصل بمعنى أنه يحكم بأنه حيض ما لم تتجاوز خمسة عشر يوماً فإن تجاوزت خسمة عشرة يوماً صارت استحاضة وحينئذ ترجع إلى عادتها الأولى التي هي خمسة أيام.
***(7/2)
المستمعة ن. أ. هـ. من الرياض تقول إذا كانت المرأة تحيض لمدة سبعة أيام وهذه عادتها الدائمة ومرة زاد الدم أكثر من السبعة أيام واستمر معها أكثر من ذلك فهل تصلى أم لا، مع العلم بأنها دائماً تحيض في السبعة أيام فقط أرجو الافادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زاد دم الحيض عن عادتها فإن القول الراجح أنها تبقى ما دام الدم على حاله حتى تطهر وإن زاد على العادة فإذا كانت عادتها سبعة أيام واستمر الدم إلى عشرة فإن ذلك كله حيض كما أنه لو نقصت أيام دمها عن عادتها فإنها تغتسل وتصلى فإذا كانت عادتها عشرة أيام مثلاً ثم طهرت لسبعة أيام فإن الواجب عليها أن تغتسل وتصلى فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فمتى وجد دم حيض ثبتت أحكامه ومتى عُدِمَ انتفت أحكامه قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) فمتى وجد هذا الأذى فهو حيض.
***(7/2)
تقول السائلة تأتيها الدورة ثلاثة مرات في الشهر وتنقطع ثلاثة أيام ثم تأتيها وهكذا حتى التبس عليها الأمر فلا تدري هل تحسب إحداها دورة أو جميعها فماذا يجب عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأمر كما ذكرت تأتيها العادة ثم تترك ثلاثة أيام ثم تأتي ثم تترك ثلاثة أيام ثم تأتي فيعني هذا أن أكثر وقتها دم وإذا كان أكثر وقتها دماً فإنها تجلس أيام عادتها فقط والباقي تغتسل وتصلى وتصوم ويأتيها زوجها ولا حرج عليها.
***(7/2)
السائلة ع أح من أبها تقول بعد مرور مدة ثلاثة أو أربعة أيام من الدورة الشهرية تنقطع ويستمر انقطاعها مدة يوم أو يومين ثم تعود لها في اليوم السادس تقريباً فهل فترة الانقطاع هذه يجب عليها أن تصوم وتصلى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول بعض العلماء رحمهم الله أن الانقطاع ولو يوماً واحداً يعتبر طُهراً فعليها أن تغتسل وتصلى وتصوم إن كان ذلك في رمضان ولو عاد الحيض بعد يوم أو يومين وبعض العلماء يقول إن هذا ليس طُهراً في الحقيقة وإنما هو جفاف فلا تعتبر طاهراً حتى ينقطع الحيض بالكلية وهذا والله اعلم أقرب إلى الصواب لأنه جرت العادة أن المرأة في أثناء حيضها ترى الجفاف واليبوسة ولا يعتبر هذا طُهراً.
***(7/2)
إذا كانت المرأة تحيض ثمانية أيام فتغتسل في اليوم الثامن ومن ثَمَّ تنزل عليها قطرات دم خفيفة في ذلك اليوم فهل لها أن تغتسل مع العلم أنها قد تغتسل مرتين وأحياناً تترك الغسل فهل تأثم وماذا تفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تعرف أن الدم لم ينقطع انقطاعاً تاماً فلتنتظر حتى ينقطع انقطاعاً تاماً ثم تغتسل وأما إذا عرفت أنه انقطع انقطاعاً تاماً فإنها تغتسل من حين انقطاعه ثم إن حصل بعد ذلك نقطة أو نقطتان فإن ذلك لا يضر.
***(7/2)
السائلة نعيمة عبد الله من الرياض تقول ما هي الاستحاضة وهل لها مدة محدودة وفي أي سن تأتي وهل يغتسل عند الانتهاء منها كالحيض وكيف أميز بينها وبين الحيض وهل هي تأتي بعده مباشرة ثم تقول إنها بعد أن أغتسلت بعد سابع يوم من الحيض على حسب المدة المعلومة الغالبة عند أكثر النساء أنها لم تشاهد الطهارة وفي اليوم الثامن بعد صيامها شاهدته لذلك فسد صيامها وفي اليوم التاسع كذلك شاهدته وبعد ذلك أغتسلت منه وصامت العاشرة والحادي عشر وهي ما تزال ترى ذلك فما حكم صيامها وهل هذه تعتبر استحاضة ولا يلزمها إعادة الصيام أو قضائه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستحاضة عند أهل العلم هي أن يستمر الدم على الأنثى أكثر أيامها أو كل أيامها وحكم الاستحاضة أنه إذا كان لها عادة صحيحة قبلها أي قبل وجوب الاستحاضة فإنها تجلس عادتها ثم بعد ذلك تغتسل وتصلى وتصوم ولكنها عند الصلاة تتوضأ لكل صلاة بمعنى أنها لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها فإذا دخل الوقت غسلت الفرج وتحفظت بحفاظة ثم تغسل أعضاء الوضوء ثم تصلى ما شاءت من فروض ونوافل إلى أن يخرج الوقت فإن لم تكن لها عادة من قبل مثل أن تأتيها الاستحاضة من أول ما ترى الدم فإنها ترجع إلى التمييز والتمييز هو أن دم الحيض يكون أسود ثخيناً منتناً ودم الاستحاضة بخلاف ذلك فتجلس ما كان دم الحيض ثم تغتسل وتصلى وتفعل كما سبق وذكر بعض المتأخرين من الأطباء أنه من علامات دم الحيض أنه إذا خرج لا يتجمد بخلاف دم الاستحاضة وإذا كان هذا صحيحاً فإنه يضاف إلى الطرق الثلاثة السابقة فتكون الفروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة أربعة وإذا لم يكن لها عادة سابقة ولا تميز بأن كان دمها على وتيرة واحدة فإنها تجلس غالب أيام الحيض عند أكثر النساء فهو ستة أيام أو سبعة وتبتدئ المدة من أول مدة جاءها الحيض فيها أو جاءت الاستحاضة فيها فإذا قدر أن ابتداء هذا الدم كان من نصف الشهر فإنها تجلس عند نصف كل شهر ستة أيام أو سبعة وتغتسل وتفعل كما سبق هذا هو حكم المستحاضة وأما من يأتيها الدم متقطعاً يوم يأتيها الدم ويوم تطهر فإن المشهور عند فقهاء الحنابلة أن من ترى يوماً دماً ويوماً نقاء فإن النقاء طهر والدم حيض ما لم يتجاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوماً فإن تجاوزه صار إستحاضة.
فضيلة الشيخ: إذاً ماذا نقول لها بالنسبة لهذه الأيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأيام الذي يظهر أنها ليست إستحاضة لأنه ما تجاوزت أكثر الحيض بل تعتبر حيضاً وما صامته فيها فإنها تقضيه.
***(7/2)
السائلة س م ج من وادي الدواسر تقول امرأة تبلغ من العمر سبعة وثلاثون عام عندها مشكلة في الدورة الشهرية منذ سنتين تقريباً حيث يستمر معها ما يقارب من عشرين يوم أو اثنين وعشرين يوم في الأيام الأولى تنزل كدرة تنزل يوم وتتوقف يوم في بعض الأحيان تستمر يوماً كاملاً وفي بعض الأحيان تستمر نصف اليوم ثم في الأيام الأخيرة ينزل دم أحمر ثم بعد يومين أو ثلاثة يعود إلى كدرة وهكذا وفي رمضان في العام الماضي حدث لها هذا وقد أتمت صيامها وتقول أنا في هذه الحالة هل صيامي صحيح وصلاتي أم أنه يجب علي القضاء ما صمت من هذا الشهر وكيف أؤدي صلاتي مستقبلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدم الذي يصيبها أكثر من عشرين يوماً دم استحاضة فترجع إلى عادتها من قبل إذا كانت عادتها من قبل سبعة أيام في أول الشهر مثلاً تجلس من أول الشهر سبعة أيام ثم تغتسل وتصلى فروضاً ونوافل ولو كان الدم يجري لكن إذا أرادت الصلاة فإنها تغسل أثر الدم ثم تتحفظ بالحفائظ المعروفة ثم تتوضأ بغسل الأعضاء الأربعة غسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين وتصلى فروضاً ونوافل وإذا دخل وقت الصلاة الثانية تفعل كذلك وإذا دخل وقت الثالثة تفعل كذلك وإذا دخل وقت الرابعة تفعل كذلك وإذا دخل وقت الخامسة تفعل كذلك وإذا كان يشق عليها فإنها تجمع بين الظهر والعصر إما جمع تقديم أو جمع تأخير وكذلك بين المغرب والعشاء إما جمع تأخير أو جمع تقديم وإذا أرادت أن تصلى نافلة كما لو أرادت أن تصلى صلاة الضحى مثلاً تتوضأ عند إرادة الصلاة كما وصفنا تغسل محل النجاسة وتتلجم يعني تتحفظ ثم تتوضأ وتصلى.
***(7/2)
كم عدد أيام الاستحاضة وما أقل أيام ما بين الحيضة والحيضة الأخرى وهل إذا جاءت في نفس الشهر تعتبر حيضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحيض معروف دم أسود ثخين منتن ودم العرق الذي هو الاستحاضة معروف أيضاً دم رقيق أحمر ليس له رائحة ولا حد لأيام الاستحاضة، لأن الاستحاضة قد تكون خمسة وعشرين يوماً أو عشرين يوماً أو أقل أو أكثر فلا حد لها وأما أقل الطهر بين الحيضتين فقيل أن أقله ثلاثة عشر يوماً وقيل لا حد لأقله كما أنه لا حد لأكثره وهذا القول هو الصحيح وبناءاً على هذا القول الصحيح يمكن أن تحيض المرأة في الشهر مرتين لكن يجب أن تعرف المرأة أن دم الحيض هو الحيض وأما الدم الآخر الرقيق الأصفر قليلاً فهذا ليس بحيض بل هو استحاضة والمستحاضة تعمل بعادتها إن كان قد سبق لها عادة ولا تنظر إلى الدم بل إذا جاءت أيام العادة جلست بمقدار العادة لا تصلى ولا تصوم ولا يأتيها زوجها وإذا انتهت من العادة اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها قال العلماء وما زاد على خمسة عشر يوماً من الدماء فإنه استحاضة فإذا لم يكن لها عادة ولم يكن لها تمييز فإنها ترجع إلى عادة غالب النساء وهي ستة أيام أو سبع أيام وقتها من أول يوم جاءها الحيض.
***(7/2)
ما حكم الكدرة بعد انتهاء الحيض بعشرة أيام هل يعتبر ذلك حيض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا قالت أم عطية رضي الله عنها (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) والحيض هو الدم المعروف الذي وصفه الله تعالى بأنه أذى وما عداه فليس بحيض كالصفرة والكدرة والدم المستمر الأحمر هو دم عرق والحيض له علامات منها أن أكثر النساء تحس بالحيض قبل خروجه بما يحصل لها من المغص والألم في الظهر وما أشبه ذلك والحيض له رائحة خاصة لا يشاركه فيها غيره من الدماء والحيض ثخين غليظ والحيض قال بعض المعاصرين من الأطباء أنه لا يتجمد بخلاف الدم العادي الدم العادي يجمد وأما دم الحيض فلا يتجمد.
***(7/2)
ما الحكم إذا رأت المرأة الدورة الشهرية على شكل خيوط دقيقة وصغيرة جدا بُنية اللون وتكون المدة يومين أو ثلاثة ثم بعد ذلك ينزل الدم، هل تترك المرأة الصلاة عند رؤيتها لتلك العلامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحيض هو الدم الخالص الذي يسيل وأما الكدرة والصفرة فهذه ليست بشيء كما قالت أم عطية رضي الله عنها (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) أخرجه البخاري وفي رواية أبي داود (بعد الطهر شيئاً) ثم ليعلم أن الصفرة أو الكدرة التي ذكرتها المرأة هذه إذا كانت في أثناء أيام الحيض فهي تابعة له.
فضيلة الشيخ: مسائل الحيض مسائل طويلة والأخوات دائما يرسلن رسائل في هذا هل هناك كتب معينه يمكن ترجع لها الأخت في هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك كتب معينة الفقهاء رحمهم الله تكلموا عن الحيض وجعلوا له باباً مستقلاً لكن بعض الفقهاء رحمهم الله وعفا عنهم ذكروا مسائل لا يفهمها ولا طالب العلم ونعلم أن هذا ليس مراداً في الشريعة والأمر أهون من هذا دم الحيض معروف تعرفه النساء وهو لابد أن يسيل لأن الحيض مأخوذ من السيلان وأما ما يذكره بعض الفقهاء يرحمهم الله من تفصيلات من متحيِّرة وشاكَّة ومتردِّدة وما أشبه ذلك مما لا يكاد يعرفه طالب العلم حتى أن بعضهم يوصل باب الحيض إلى مائة وخمسين صفحة مثلاً فهذا فيه نظر ولذلك لا أستطيع أن أحيل أحدا على شيء من الكتب.
***(7/2)
إذا أصاب المرأة دم الحيض ثم طهرت وبعد يوم أو يومين عاد الدم أياماً ثم طهرت ماذا عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي عاد عاد بصفة الدم العادي الحيض فإنه يكون حيضاً والنساء يعرفن ذلك وأما إذا عاد على وجه آخر كصفرة وكدرة وما أشبه ذلك فإنه ليس بحيض قالت أم عطية رضي الله عنها (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئاً) أخرجه البخاري وفي رواية لأبي داود (بعد الطهر شيئاً) .
***(7/2)
السائلة تقول دائماً تواجهني مسألة الطهر من الحيض وذلك بسبب انقطاع الدم في اليوم الخامس ثم يخرج لوناً بنياً في اليوم السادس وحدث هذا في أول أيام رمضان وثانيها وثالثها أي بمعنى أنه انقطع الدم في آخر يوم من شعبان في اليوم الخامس من الحيض فاغتسلت في هذا اليوم وصلىت وصمت ولما سئلت عن ذلك قيل لي عليك بإعادة هذه الأيام الثلاثة وعليك بقضاء تلك الأيام أي يوم السادس والسابع والثامن والآن السؤال هو كيف أعرف الطهر علماً بأن هذا الشيء البني لا يخرج إلا مرة أو مرتين في اليوم السادس والسابع والثامن وهل غسلي ذلك يبطل الصلاة والصيام لأني لم أغتسل بعد الثلاثة الأيام الأخيرة لعدم علمي بذلك جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا طهرت المرأة من الحيض الجاري الغزير الذي تعرف أنه حيض فما بعده لا يعتبر شيئاً لأن الصفرة والكدرة والنقطة والنقطتين ليست بشيء وبناءً على ذلك نرى أن صومها صحيح وأن صلاتها صحيحة وأن غسلها الأول الذي كان بعد خمسة أيام قد رفع حدث الحيض.
***(7/2)
المستمعة ش ع ع من الرياض تقول خرجت من الأربعين ولم يقف معي الخارج عادة في النفاس ولكنه زاد بعد الأربعين وأصبح بشكل العادة الطبيعية فقال لي بعض النساء الطاعنات في السن واللاتي يتقدمن علي معرفة بهذه الأمور قلنا لي أنها أخت النفاس فهل أصلى أم لا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدم الذي يكون بسبب الولادة هو دم نفاس ولا حد لأكثره ولا لأقله ولهذا متى طهرت المرأة ولو بعد وضع الحمل بيوم أو أيام قليلة فإنها تكون طاهراً وتجب عليها الصلاة ويصح منها الصوم ويجوز لزوجها أن يجامعها وكذلك إذا استمر بها الدم حتى زاد على الأربعين فإنه يعتبر دم نفاس ويرى بعض أهل العلم أن مازاد على الأربعين ليس دم نفاس ولكنه إن وافق عادة فهو حيض وإن لم يوافقها فليس بحيض حتى يتكرر ثلاثة مرات ثم بعد ذلك يحكم بكونه حيضاً ولكن هذا التفصيل لا أعلم له دليلاً فما دام الدم لم يتغير وهو دم النفاس فإنها تبقى ولو زادت على الأربعين حتى تطهر، أما لو استمر بها الدم مدة كبيرة فإنها حينئذٍ تغتسل وتصلى وإذا جاءتها أيام عادة حيضها فإنها تجلس مدة أيام الحيض.
فضيلة الشيخ: لكن تستمر بدون صلاة حتى ينقطع الدم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم حتى ينقطع الدم ما لم يطبق عليها إطباقاً عاماً تعرف أنه لن ينقطع إما بإطلاع الطبيب على ذلك أو بممارسات وتجربة.
***(7/2)
المستمعة حصة أ. أ. الرياض تقول بأنها قبل الولادة بثلاثة أيام خرج منها ماء مع شيء من الألم فهل هذا نفاس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بنفاس لأن النفاس هو الدم وليس الماء وأيضاً لا يكون نفاساً إلاإذا كان مصحوباً بالطلق قبل الولادة بيومين أو ثلاثة وأما إذا كان قبل الولادة بزمن طويل فإنه ليس نفاساً لأن النفاس هو الدم الخارج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق وأما الماء فليس من النفاس.
***(7/2)
إذا كانت المرأة في مدة النفاس ولم يخرج منها الدم في بعض الأيام ماذا عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها شيء لأن الدم النفاس ربما ينقطع يوماً أو يوماً وليلة ويعود فهي لا تزال في نفاسها أما لو طهرت منه فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلى ولو قبل الأربعين ولزوجها أن يجامعها إذا طهرت ولو قبل الأربعين.
***(7/2)
الدم الذي ينزل من المرأة في فترة الحمل الأولى هل يوجب الوضوء فقط أم يوجب الغسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغالب أن الحامل لا تحيض وما ظهر منها من دم فهو دم فساد لا يوجب الغسل ولا يحرم الصلاة ولا تمتع زوجها بها بجماع أو غيره فحكمها حكم الطاهرات لكنها تتوضأ للصلاة إذا دخل وقتها تتحفظ ثم تصلى فروضاً ونوافل حتى يدخل وقت العصر فإذا دخل وقت العصر جددت العملية مرة أخرى وهكذا تجددها لوقت كل صلاة.
***(7/2)
سائلة تذكر بأنها وهي حامل في شهرها الثاني حصل لها نزيف استمر لمدة خمسة أيام وقد سألت الطبيبة هل هذه الأيام في حكم الحيض أم الاستحاضة أم النفاس فقالت لها الطبيبة بأن ذلك في حكم الحيض فتركت الصلاة في ذلك الوقت ثم في الشهر الثالث حدث معها نزيف آخر استمر أثنى عشر يوم وقد تركت فيه الصلاة أيضا وسؤالها تقول ما حكم هذا النزيف هل هو حيض أم استحاضة أم نفاس وما حكم تركي للصلاة فيه وهل علي إعادة وإثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدم الذي يأتي للنفساء ليس دم حيض ولا دم استحاضة ولا دم نفاس بل هو دم عرق دم فساد لا تترك من أجله الصلاة ولا الصيام في رمضان ولا يتجنبها زوجها إلا إذا جاء قبل الولادة بيوم أو يومين مع الطلق فهو نفاس أو صار مستمراً على عادته الأولى في أوائل الحمل فهو حيض وهذه المرأة التي استفتت الطبيبة أخطأت لأن الطبيبة ليست فقيهة في دين الله في الغالب والطبيبة آثمة إذا كانت أفتتها بغير العلم وهي آثمة حيث استفتت الطبيبة عن مسألة شرعية دينية وأرى أنه يلزمها أن تقضي الأيام التي لم تصلها في ذلك الدم وأن تتوب إلى الله وأن لا تسأل عن العلم إلا أهله فالطبيبة تُسأل عن الطب ولا تُسأل عن العلم الشرعي والعالم الشرعي يُسأل عن العلم الشرعي ولا يُسأل علم الطب إذا لم يكن لديه علم.
***(7/2)
إذا استمر النفاس بعد الولادة أكثر من أربعين يوما فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زاد على أربعين يوماً وكان على وتيرة واحدة لم يتغير فهو نفاس إلى ستين يوما وإن تغير فليس بشيء إلا إذا صادف العادة فإنه يكون عادة يعني مثل أن تكون عادتها من أول الشهر يصادف تمام الأربعين آخر الشهر السابق ويكون الدم الذي اختلف عن دم النفاس موافقاً لدم العادة فيكون عادة وإلا فهو دم فساد أو استحاضة لا تترك لها الصلاة ولا صيام رمضان.
***(7/2)
المستمع ع. ش. يقول إذا واقع الرجل امرأته في الأربعين وهي نفساء وذلك بعد مضي خمسةٍ وثلاثين يوماً وبعد اغتسالها لأداء الصلاة فما الحكم وماذا يجب عليه والحالة هذه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء لا يجوز لزوجها أن يجامعها فإذا طهرت في أثناء الأربعين فإنه يجب عليها أن تصلى وصلاتها صحيحة ويجوز لزوجها أن يجامعها في هذه الحال لأن الله تعالى يقول في المحيض (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ) فما دام الأذى موجوداً وهو الدم فإنه لا يجوز الجماع فإذا طهرت منه جاز الجماع وكما أنه يجب عليها أن تصلى ولها أن تفعل كل ما يمتنع عليها في النفاس إذا طهرت في أثناء الأربعين فكذلك الجماع يجوز لزوجها إلا أنه ينبغي أن يصبر حتى تتم الأربعين ولكن لو جامعها قبل ذلك فلا حرج عليه وإذا رأت بعد الأربعين دماً وبعد أن طهرت فإنه يعتبر دم حيض وليس دم فاسد ودم الحيض معلومٌ للنساء فإذا أحست به فهو دم حيض فإذا استمر معها وصار لا ينقطع عنها إلا يسيراً من الدهر فإنها تكون مستحاضة وحينئذٍ ترجع إلى حالتها مع الحيض فتجلس وما زاد عن العادة فإنها تغتسل وتصلى.
***(7/2)
من مكة المكرمة أبو فاطمة يسأل ما حكم إتيان الرجل لزوجته قبل تكملتها الأربعين يوماً إذا طهرت تماماً من دم النفاس وهل هناك حديث عن هذه الأربعين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للزوج إذا طهرت امرأته من النفاس قبل تمام الأربعين أن يجامعها وليس عليه في ذلك حرج وذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث بالمنع والنهي عنه ثم إنها تلزمها الصلاة التي اجتنابها أوكد من اجتناب الجماع وإذا جازت الصلاة فالجماع من باب أولى فكما أنه يجب عليها أن تقيم الفريضة ويجوز لها أن تتطوع بالنافلة إذا طهرت قبل تمام الأربعين فإنها لا تمنع من أن يأتيها زوجها.
***(7/2)
إذا وصلت المرأة سن اليأس تبدأ تأتيها الدورة على فترات متباعدة بعد ثلاثة أشهر أو أكثر تأتيها لمدة سنة ستة أيام فهل تعتبر هذا من الدورة وهل تقضي الصلاة إذا طهرت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النساء يختلفن فبعضهن تيأس لسن مبكرة وبعضهن تتأخر الحيضة إلى ما بعد الستين أو السبعين فمتى رأت المرأة الحيض فهي حائض على أي حال كانت لأن الله تبارك وتعالى قال (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ) ولم يحدد عمراً معيناً فاليأس يختلف باختلاف النساء والخلاصة أن دم الحيض كما وصفه الله تعالى أذى فمتى وجد هذا الدم وجب عليها أن تقوم بما يلزم.
***(7/2)
السائلة ب س. س. س. تقول إحدى الأخوات حصل لها نزيف مدة ما يقارب من عشرين يوماً ولم تصلى هل عليها قضاء للصلاة أم ماذا تفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بدّ أن نعرف ما سبب هذا النزيف هل هو حمل سَقَطَ أو مرض أو حمل شيء ثقيل أو ما أشبه ذلك فإن كان له سبب أعطى حكم ذلك السبب فإذا كان سببه الحمل وسقط الجنين وقد تَخَلّق أى تبينت خلقته فتميز رأسه من يده من قدمه فهذا الدم نفاس يثبت له حكم نفاس الكبير وإن كان سببه مرضا فإن هذا ليس دم حيض ولا نفاس بل هو دم حكمه حكم الاستحاضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم فى دم الإستحاضة (إنه دم عرق) وكذلك لو كان سببه حمل ثقيل فإنه ليس بحيض لكن إذا مرت عليها أيام عادتها فإنها تجلس العادة بمقدار العادة ثم تغتسل وتصلى وهذه السائلة تقول إنها حصل عليها نزيف لعشرين يوما فلتنزل هذا النزيف على ما ذكرناه من التفصيل.
***(7/2)
ما هي الأشياء التي تجوز للمرأة والتي لا تجوز بالنسبة للعبادة أثناء الحيض أرجو تفصيل ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يمتنع على المرأة من العبادات هو الصلاة وكذلك الصوم بإجماع العلماء، وكذلك لا يجوز لها أن تبدأ الاعتكاف وهي حائض، لأنها ليست من أهل المسجد في تلك الحال بخلاف ما إذا حاضت أثناء الاعتكاف، وكذلك لا يجوز لها المكث في المسجد، ولا يجوز لها الطواف أيضاً عند جمهور أهل العلم، وأما السعي والوقوف بعرفة والوقوف بمزدلفة ورمي الجمار فهذا جائز ولا حرج عليها فيه، وأما التسبيح والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلام في الدعوة إلى الله عز وجل من غير تلاوة القرآن فهو أيضاً جائز، وأما قراءة القرآن فقد اختلف فيها أهل العلم على قولين، والصحيح أنها جائزة أعني قراءة القرآن للحائض تجوز لأنه ليس في ذلك سنة صحيحة صريحة في منعها من قراءة القرآن والأصل الجواز، إلا أنه لا ينبغي أن تقرأ القرآن إلا لحاجة مراعاة للخلاف.
***(7/2)
وليد عمر سالم يسأل هل تجوز صلاة الحائض وهل هناك حالة تجوز فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الحائض لا تجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد (أليس إذا حضت لم تصلِّ ولم تصم) والحديث ثابت في الصحيحين فهي لا تصلى وتحرم عليها الصلاة ولا تصح منها ولا يجب عليها قضاءها لقول عائشة رضى الله عنها (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) .
فضيلة الشيخ: ما حكم أدائها للصلاة وهي على غير طهارة لا تريد أن تتطهر وإنما تريد أن تقوم أمام الناس لكي تبعد عن نفسها الخجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه صلاتها حرام عليها ولا يجوز لها أن تصلى وهى حائض ولا أن تصلى وهي قد طَهُرَت ولم تغتسل، فإن طهرت وهي ليس عندها ماء فإنها تتيمم وتصلى حتى تجد الماء.
***(7/2)
المستمعة أ. ع. ك. من العراق محافظة القادسية تقول هل من الواجب قضاء صلاة أيام الدورة الشهرية وهل يجوز غسل الشعر فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا تقضي الصلاة بالنص والإجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وسئلت عائشة رضي الله عنها (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت كان يصيبنا ذلك وكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) وعلى هذا فالصلاة لا يجب على الحائض قضاؤها وأما غسل الحائض رأسها فإنه لا بأس به أثناء الحيض وما سَمِعَت من أن ذلك لا يجوز فإنه لا صحة له بل لها أن تغسل رأسها وجسدها وما شاءت ولها أيضاً أن تستعمل الحناء في أثناء حيضها ولا حرج عليها في هذا.
***(7/2)
بارك الله فيكم المرأة النفساء هل تجلس أربعين يوماً لا تصلى ولا تصوم أم أن العبرة بانقطاع الدم عنها فمتى انقطع تطهرت وصلت وما هي أقل مدة للطهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء ليس لها وقت محدود بل متى كان الدم موجداً جلست لم تصل ولم تصم ولم يجامعها زوجها وإذا رأت الطهر ولو قبل الأربعين ولو في عشرة أيام أو خمسة أيام فإنها تصلى وتصوم ويجامعها زوجها ولا حرج عليها في ذلك والمهم أن النفاس أمر محسوس تتعلق الأحكام بوجوده أوعدمه فمتى كان موجوداً ثبتت أحكامه ومتى تطهرت منه تخلت من أحكامه.
***(7/2)
هل على المرأة النفساء صلاة ومتى تبدأ الصلاة وقد سمعت من أحد المشايخ أنه لا يبطل صلاة المرأة إلا الحيض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء لا يجوز لها أن تصلى ولا يجب عليها قضاء الصلاة ولا يصح منها صلاة ولو صلت فهي كالحائض تماماً وما سمعت من بعض المشايخ لا أظنه يقع ولعلها فهمت خطأً، لو أن المرأة طهرت قبل تمام الأربعين يوماً لوجب عليها أن تغتسل وتصلى حتى لو طهرت لخمسة أيام أو أقل فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلى إذا عرفت الطهر وكذلك أيضاً يجوز لزوجها أن يجامعها ولو قبل تمام الأربعين ما دامت قد طهرت وتطهرت وذلك لعدم وجود دليل يمنع من ذلك ولأنه إذا جازت الصلاة فجواز الوطء من باب أولى إذ أن اجتناب الوطء ليس أعظم من اجتناب الصلاة وقد ذكر أهل العلم أنه ربما تكون المرأة ليست ذات نفاس بمعنى أن تلد ولا يظهر منها دم وكنت أظن أن هذا من الأمور الفرضية إلا أن هذا أمر واقع فقد حصل هذا قبل نحو عشرة أيام حيث سُئلت عن امرأة ولدت ولم يحصل منها دم وكانت ولادتها في المستشفى فلا أدري هل عُمِلَ لها عملية ولم يحصل لها نزيف أو أنها ولدت هكذا طبيعة على كل حال الولادة التي ليس فيها دم ليس لها نفاس وتصلى المرأة من حينها والتي لها دم متى طهرت منه تغتسل وتصلى سواء قبل الأربعين أو في الأربعين أو بعدها بأيام إذا لم يصل الدم إلى حد الاستحاضة.
فضيلة الشيخ: لو انتهت الأربعين والمرأة لم تطهر فهي لا تصلى أيضاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تصلى لكن المشهور من المذهب أن ما خرج عن الأربعين إن وافق عادة الحيض فهو حيض وإن لم يوافق فهو استحاضة والصحيح أنه يُجلَسُ له سواء وافق عادة الحيض أم لا لأن بعض النساء قد تزيد على الأربعين إلا إذا استمر معها وعرفت أنه استحاضة فيكون استحاضة فتغتسل وتصلى وإذا دارت عادتها تجلس ولا تصلى.
***(7/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائل سالم أبو سامي يقول في قريتنا عادة بأنه إذا ولدت المرأة أنها تجلس أربعين يوماً نفاس لا تصلى ولا تصوم رغم أن كثيراً من النساء تطهر قبل الأربعين فنرجو من فضيلة الشيخ أن يوضح للأخوات ماذا على المرأة أن تعمل وكم أقل أيام النفاس؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النفاس لا حد لأقله قد يكون النفاس يوماً واحداً بل ذكر بعض الفقهاء رحمهم الله أن المرأة قد تلد بلا دم فالتي تلد بلا دم ليس عليها نفاس من حين أن تضع وينقطع الدم تغتسل وتصلى ولا تغتسل أيضاً إذا لم يكن يخرج دم تتوضأ وتصلى فإن خرج منها دم فهو نفاس ولا حد لأقله ربما يكون يوماً أو يومين أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة وربما يصل إلى أربعين لكن متى طهرت قبل الأربعين وجب عليها أن تغتسل وتصلى ولها أن تفعل كل ما يفعله الطاهرات ومن ذلك أن يجامعها زوجها فإن جماع زوجها لها في الأربعين بعد الطهر لا بأس به وإذا كانت الصلاة تجوز فالجماع من باب أولى فإن زادت على أربعين فإن وافقت هذه الزيادة أيام حيضها في العادة فهو حيض وإن لم يوافق عادة فقال بعض أهل العلم أنه دم فساد ويجب عليها أن تغتسل وتصلى ولو كان الدم يجري وقال آخرون لا ما دام الدم باقياً على ما هو عليه قبل الأربعين فلتستمر إلى الستين وهذا مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بل أظنه قال أنه قد يكون سبعين يوماً وعلى كل حال متى كان الدم بحاله أي على ما هو عليه قبل الأربعين فإنها تبقى إلى الستين فإن طهرت قبل ذلك اغتسلت وصلت.
***(7/2)
هل يصح أن تصلى المرأة إذا طهرت قبل تمام الأربعين يوماً بعد الوضع وهل يجوز للزوج أن يعاشرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طهرت المرأة النفساء قبل تمام الأربعين فإن حكمها حكم الطاهرات من كل وجه فيجب عليها أن تصلى ويجب عليها أن تصوم إن كان ذلك في رمضان ويصح منها الصوم ويجوز لزوجها أن يجامعها ولو قبل تمام الأربعين لأنه إذا جازت الصلاة فالجماع من باب أولى وكراهة بعض أهل العلم لذلك ليس عليها دليل والأصل أن النفاس أذى كالحيض فإذا زال هذا الأذى وطهرت منه المرأة حل لزوجها أن يجامعها كما لو طهرت من الحيض ولهذا لو كانت المرأة من عادتها أن تحيض لسبعة أيام وطهرت في خمسة أيام فإنه يجب عليها أن تصلى وأن تصوم إن كانت في رمضان ولزوجها أن يجامعها وإن كانت أيام عادتها سبعة أيام وقد طهرت قبل العادة بيومين.
***(7/2)
عبد الله المصري من اليمن صعدة يقول أسأل عن مسألة قراءة القرآن والمكث في المسجد بالنسبة للحائض والجنب واستماع الذكر في المسجد حيث قد ورد بعض الأحاديث والأخبار منها حديث عائشة رضي الله عنها: (قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ليست الحيضة في يدك) وحديث (اعملي ما يعمل الحاج) ولم يقل لا تدخلي المسجد الحرام (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجرها) وأيضاً (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه) و (كان أصحابه ينامون في المسجد ويجنبون فيه) نأمل إيضاح هذه الأدلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للمكث في المسجد فالحائض لا يحل لها أن تمكث لا بوضوء ولا بغير وضوء دليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع عائشة من الطواف في البيت) لأن الطواف مكث وأما حديث الخمرة فإن إحضار الخمرة من المسجد ليس مكث في المسجد بل هو مرور فيه ويجوز للحائض أن تمر في المسجد إذا أمنت تلويثه وأما الجنب فلا يحل له أن يمكث في المسجد إلا بوضوء والصحابة الذين ينامون في المسجد لنا أن نقول من قال لك أنهم يجنبون ثم إذا أجنبوا ولم يستيقظوا فالنائم لا إثم عليه وإن استيقظوا كفاهم الوضوء لأن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ أما قراءة القرآن فالجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل والحائض يجوز أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة فالحاجة مثل أن تقرأ القرآن لكي لا تنساه أو تقرأ القرآن تعلم ابنتها أو ما أشبه ذلك أو تقرأ القرآن لأنها مدرِّسة تدرس البنات أو تقرأ القرآن لأنها طالبة تريد أن تسمع المعلمة كل هذا لا بأس به وأما أن تقرأه تعبداً فالاحتياط ألا تفعل لأن جمهور العلماء على منعها من قراءة القرآن وهي ليست بحاجة إلى ذلك فإذا قرأت القرآن للتعبد بتلك التلاوة كانت دائرة بين الإثم والأجر آثمة عند بعض العلماء مأجورة عند آخرين والسلامة أسلم والخلاصة أن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ لكن لا يحل له أن يقرأ القرآن أبداً لأن الأمر بيده يغتسل ويقرأ القرآن أما الحائض فلا يجوز أن تمكث في المسجد أبداً ويجوز أن تمر به عابرة الحائض ويجوز أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة.
***(7/2)
هل يجوز للمرأة الحائض أن تذهب إلى المسجد إذ يوجد بالمسجد حلقات لتحفيظ القرآن وقد سألت عدد من العلماء فمنهم من جوز ذلك ومنهم من حرمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد فأما مرورها بالمسجد فلا بأس به بشرط أن تأمن تنجيس المسجد مما يخرج منها من الدم وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت فهذا لا بأس به أي لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام (أنه كان يتكئ في حجر عائشة فيقرأ القرآن وهي حائض) وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه لاستماع هذه الأذكار أو القراءة فإن ذلك لا يجوز ولهذا لما أبلغ النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع أن صفية كانت حائض (قال أحابستنا هي) ظن صلى الله عليه وسلم أنها لم تطف طواف الإفاضة فقال (إنها قد أفاضت) وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة.
***(7/2)
المرسلة ن م م من كركوك في العراق تقول يقولون إن الفتاة في وقت الحيض يجب ألا تزور الأماكن المقدسة والمقبرة والبعض يقول إن الفتاة تستطيع أن تزور الأماكن المقدسة والمقبرة بينما المرأة المتزوجة لا تستطيع أن تزور الأماكن المقدسة والمقبرة أرشدونا إلى الصواب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحائض فلا يجوز لها أن تمكث في المسجد ويجوز لها أن تعبر المسجد عبوراً بشرط أن تأمن تلويثه وأما البقاء فيه فلا يجوز هذا بالنسبة للمساجد سواء المساجد الثلاثة الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى أو غير المساجد الثلاثة من مساجد المسلمين لا يجوز لها أن تبقى فيها وهي على حيضها وأما زيارة القبور فإن الصواب فيها تحريمها على المرأة إذا خرجت من بيتها لقصد زيارة المقبرة وأما إذا عَرَّجَت على المقبرة وهي في سيرها وممشاها ووقفت وسلمت على أهل القبور فلا حرج عليها في ذلك وإنما المحرم أن تخرج قاصدة لهذا الأمر ولا فرق بين أن تكون حائضاً أم غير حائض مزوجة أم غير مزوجة.
***(7/2)
ما حكم قراءة القرآن للحائض إذا كانت لم تقرأ في فترة الحيض تكاسلاً منها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة الحائض القرآن فيها للعلماء قولان القول الأول أنه لا يجوز لا تعبداً بالتلاوة ولا من أجل الأوراد ولا من أجل التعليم ولا من أجل التعلم وهذا هو المشهور من المذهب عند الحنابلة رحمهم الله القول الثاني أن ذلك جائز مطلقاً سواءٌ قرأت القرآن للتعبد أو للأوراد أو للتعلم أو للتعليم لأنه ليس في السنة حديثٌ صحيحٌ صريح يمنعها من ذلك وأرى القول الوسط في هذا أن يقال إن قرأته تعبداً بالتلاوة فلا تقرأه لأنه إذا قرأته حينئذٍ فقد وقعت في الشبهات نظراً لاختلاف العلماء وأما إذا كان لحاجة مثل أن تخاف من نسيانه أو تقرأ الأوراد كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من البقرة والإخلاص والفلق والناس فهذا لا بأس به وكذلك لو كانت تعلِّم فلا بأس أن تقرأ القرآن سواء كانت تعلِّم في المدرسة أو تعلِّم أبنائها أو بناتها وكذلك إذا كانت تتعلم فلا بأس لأن هذا حاجةٌ ملحةٌ في وقت الحيض وأما تلاوة التعبد فأمامها أيام الطهر تتعبد لله تعالى بقراءة القرآن فيها فصار الحكم إذاً إن كان هناك حاجة قرأت وإن لم تكن حاجة فلا تقرأ.
***(7/2)
حكم قراءة القرآن غيباً عن ظهر قلب بالنسبة للحائض طلبا للأجر أو للرقية الشرعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض إذا قرأت القرآن لغرض سوى مجرد التلاوة فلا بأس فإذا قرأت القرآن للاستشفاء به أو للأوراد التي كانت تقرأه من أجلها أو للتعليم أو للتعلم فلا بأس بذلك لأنها تقرأه لسبب وأما إذا كانت تقرأه لمجرد التعبد فلا تقرأه وذلك لأن كثير من العلماء قال إن قراءتها في هذه الحال محرمة أي في حالة كونها حائض، ومن العلماء من رخص في قراءة الحائض القرآن مطلقاً وقالوا إن القرآن ذكر ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أن الحائض لا تقرأ القرآن فإذا جاز لها الذكر بالإجماع فالقرآن من الذكر لكن من باب الاحتياط نقول إن احتاجت لقراءة القرآن من أجل أنه وِرْد أو من أجل أن تعلِّم غيرها أو أن تتعلم فهذا لا بأس بقراءتها إياه وإن كان لمجرد التلاوة وحصول الأجر فلا تقرأه.
***(7/2)
تعودت منذ صغري المواظبة على تلاوة سورة الملك كل ليلة فهل تصح تلاوتها عند الابتلاء بالعذر الشهري؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ينبني على اختلاف العلماء رحمهم الله في قراءة الحائض للقرآن فإن العلماء اختلفوا في جواز قراءة الحائض للقرآن فمنهم من أجاز ذلك بناءً على الأصل وعلى النصوص الدالة على فضيلة قراءة القرآن ومنهم من منع ذلك أي منع الحائض من قراءة القرآن لأحاديث وردت في ذلك ولكن ليس هناك أحاديث صحيحة صريحة تدل على منع الحائض من قراءة القرآن وعلى هذا فيكون الأصل أن قراءة الحائض للقرآن جائزة ولكن نظراً لورود أحاديث وإن كان فيها مقال في منعها من القراءة أرى ألا تقرأ المرأة القرآن إلا لحاجة مثل أن تخشى نسيانها أو تكون معلمة أو متعلمة أو تقرأ الأوراد التي كانت تعتاد قراءتها أما إذا قرأت القرآن لمجرد التلاوة والأجر فإن الأولى ألا تقرأ نظراً للأحاديث الواردة في ذلك واتقاء لخلاف أهل العلم وهذا قول وسط لا يمنعها مطلقاً ولا يرخص لها مطلقاً.
***(7/2)
السائلة ن. ن. من الجمهورية العراقية أربيل تقول هل أستطيع أن أستمر في قراءة وحفظ القرآن في فترة الحيض وبدون أن ألمس القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تستطيع ذلك لأن هذا حاجة وقراءة الحائض للقرآن إذا كانت لحاجة فلا بأس بها لأنه ليس في السنة نصوص صرحية صحيحة تدل على منع الحائض من قراءة القرآن فإذا احتاجت إلى ذلك للحفظ أو للتحفيظ أو للورد ليلاً أو نهاراً فلا حرج عليها في قراءة القرآن أما إذا لم تحتج فإن الأولى ألا تقرأ القرآن مراعاة لخلاف أكثر أهل العلم.
***(7/2)
ما حكم الشرع في نظركم في قراءة القرآن بالنسبة للمرأة وهي حائض إذا كان هناك ضرورة كامتحان أو مرض أو غير ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على المرأة أن تقرأ القرآن للحاجة أو المصلحة فمثال الحاجة ما تقرأه المرأة من الأوراد القرآنية كآية الكرسي والمعوذتين وكذلك ما تقرأه الطالبة من أجل الامتحان أو غير ذلك ولا بأس أيضاً أن تقرأ القرآن لمصلحة كالمرأة التي تلقن أبناءها أو بناتها وكالمدرِّسة تلقن البنات وذلك لأنه لم يكن في السنة أحاديث صحيحة صريحة تمنع الحائض من قراءة القرآن أما إذا كانت قراءة الحائض للقرآن لمجرد التعبد به فإن الأولى ألا تفعل لأن كثير من أهل العلم قالوا بتحريم قراءة القرآن للمرأة الحائض فهي إذا تركت القرآن فهي سالمة ولكن إن قرأت القرآن فأمرها على خطر دائر بين الغُنم وبين الإثم والسلامة أولى وخلاصة القول أن قراءة الحائض للقرآن لحاجة أو مصلحة لا بأس بها أما إذا كان لمجرد التعبد بذلك فإن الأولى ألا تقرأ.
***(7/2)
إذا طلبت مني المعلمة تلاوة القران الكريم وأنا في حالة الحيض ففعلت ذلك علماً بأن ذلك الوقت لم يكن اختبار فما حكم ما فعلت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم أن الحائض لها أن تقرأ القرآن لأن الأحاديث الواردة في منع الحائض من قراءة القران ضعيفة ويرى آخرون أن المرأة الحائض لا يحل لها أن تقرأ القرآن ويستدلون بهذه الأحاديث والذي أرى أن المرأة الحائض لا حرج عليها أن تقرأ القرآن عند الحاجة لذلك فمن الحاجة أن تخاف نسيانه ومن الحاجة أن تقرأ الأوراد التي تقرأ في أول النهار وآخره ومن الحاجة أن تدرس أولادها ومن الحاجة أن تدرس البنات ومن الحاجة أن يكون ذلك في زمن الاختبار والمهم أنه مع الحاجة لا شك في الجواز أما ماعدا الحاجة فالأولى ألا تقرأ القرآن فإذا أمرتها المدرِّسة أن تقرأ القرآن وعليها العادة فإنها تقول للمدرِّسة أنا في حال أحب ألا أقرأ القرآن فيها وتبين للمدرِّسة ظروفها حتى تعذرها في ذلك.
***(7/2)
السائلة ت م ر تقول في يوم من الأيام كان علينا درس تلاوة قرآن فجاءها الحيض فقال لها البعض يجوز لك أن تلمسي وتتصفحي القرآن في حالة التعليم فقط وبعضهم قال لا يجوز لك ذلك فما الصواب في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في ذلك والعلم عند الله عز وجل أنه لا يجوز لمن لم يكن على وضوء أن يمس المصحف إلا بحائل وأما قراءة القرآن للحائض فإنه لا بأس بها إذا كان المقصود التعليم أو التعلم أو أوراد الصباح أو المساء وأما إذا كان قصد الحائض من قراءة القرآن التعبد بذلك فإن فيه خلاف بين العلماء فمنهم من يجيزه ومنهم من لا يجيزه والاحتياط ألا تقرأ للتعبد لأنها إذا قرأت للتعبد دار الأمر بين أن تكون آثمة أو مأجورة ومعلوم أن من الورع أن يترك الإنسان ما يريبه إلى ما لا يريبه.
***(7/2)
الأخت هناء محمد تقول تعودت على قراءة القرآن الكريم قبل المنام وإذا لم أقرأ أشعر بقلق وخوف فماذا أفعل في أيام الحيض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الصحيح في قراءة الحائض للقرآن أنها إذا احتاجت للقراءة فلا حرج عليها أن تقرأ ما تحتاج إليه فالأوراد القرآنية يجوز للحائض أن تقرأها كأية الكرسي والمعوذات وغيرها مما تكون حرزاً من الشيطان، وكذلك إذا كانت الحائض محتاجة إلى قراءة القرآن لإثبات ما حفظت وترسيخه أو كانت محتاجة للقرآن لكونها طالبة وعليها واجب دراسي أو كانت معلمة تعلم الطالبات أو كانت أُمّاً تُقرئ أولادها في البيت فكل هذا جائز ولا حرج فيه، وذلك لأنه ليس في السنة نص صحيح صريح يمنع الحائض من قراءة القرآن ولكن نظراً لاختلاف العلماء في ذلك فإننا نقول لا تقرأ القرآن إلا عند الحاجة إليه كما في الأمثلة التي ذكرناها، وبناءً على هذا فنقول إن هذه المرأة التي تحتاج إلى قراءة القرآن لتطمئن وتنام مستريحة لا حرج عليها أن تقرأ القرآن عند النوم لأن ذلك حاجة.
***(7/2)
سائلة تقول ما حكم التلفظ بآيات من القرآن الكريم شفهيّاً عند النوم أو غير ذلك وهي على جنابة أو حيض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان على جنابة فإنه لا يقرأ القرآن إلا إذا اغتسل لكن لو دعى بأدعية من القرآن قاصداً الدعاء دون التلاوة فلا بأس مثل لو قال (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو يريد بذلك الدعاء دون التلاوة فلا حرج.
***(7/2)
هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن من المصحف وما صحة هذا الحديث (ليست حيضتك بيدك) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن إذا كانت حائضاً فمنهم من منع ذلك وقال لا يحل لها أن تقرأ شيئاً من القرآن إلا ما جاء به من الذكر الموافق للقرآن كما لو قالت (بسم الله الرحمن الرحيم) تريد التسمية لا للتلاوة أو قالت (الحمد لله رب العالمين) تريد الثناء على الله دون التلاوة أو قالت (إن لله وإنا إليه راجعون) لمصيبة أصابتها تريد الاسترجاع دون التلاوة فإن هذا لا بأس به ومنهم من قال إن الحائض يحل لها أن تقرأ القرآن وذلك لأنه لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة صريحة في منع الحائض من القراءة والأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع وهذا بخلاف الجنب فإن الجنب لا يحل له أن يقرأ شيئاً من القرآن والفرق بينه وبين الحائض أن الحائض تطول مدتها في حيضتها ولا يمكنها أن تتطهر منها بخلاف الجنب فإن الجنب يمكنه أن يتطهر في ساعته فلهذا يمنع من قراءة القرآن حتى يغتسل وأما الحائض فلا تمنع من قراءة القرآن وهذان قولان متقابلان أعني القول بالمنع مطلقاً والقول بالإباحة مطلقاً ولكن الأحوط فيما نرى ألا تقرأ شيئاً من القرآن إلا ما احتاجت إلى قراءته مثل أن تخشى نسيان القرآن فتقرأه خوفاً من ذلك ومثل أن يكون لها أوراد من القرآن صباحية أو مسائية فتقرأ هذه الأوراد ومثل أن تكون معلمة تحتاج إلى تعليم البنات أو متعلمة تحتاج إلى إسماع المعلمة القرآن فهذا لا بأس به ولكن مع ذلك لا تقرأ بالمصحف إلا من وراء حائل لأن القول الراجح أنه لا يجوز مس المصحف إلا والإنسان على وضوء وعليه أي على هذا القول الذي رأينا أنه أقرب إلى الصواب تقرأ الحائض ما تحتاج إلى قراءته من كتاب الله عز وجل ولكنها تقرأه إما عن ظهر قلب وإما بالمصحف مع حائل من منديل أو قفاز أو نحوه.
***(7/2)
عندما أكون في مدة الحيض هل يجوز لي أن أقراء المعوذتين وآية الكرسي والفاتحة في الصباح والمساء لرد العين لأنني أفعل ذلك دائما شفويّاً وكذلك وأنا نفساء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة الحائض والنفساء أن تقرأ ما تحتاج إلى قراءته من القرآن مثل آيات الورد آية الكرسي و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وكذلك لو احتاجت إلى قراءة القرآن لتعليم بناتها أو أبنائها أو احتاجت لقراءة القرآن لكونها قد كلفت بحفظ شيء منه فتحتاج إلى تعاهده والمهم أن قراءة القرآن للحائض والنفساء إذا احتاجت إليه فلا بأس وإن لم تحتاج فالاحتياط ألا تقراء القرآن لأن كثيرا من أهل العلم يقولون إن الحائض يحرم عليها قراءة القرآن.
***(7/2)
هل يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من التفسير لأنها تخاف أن تنسى ما حفظته إن لم تداوم على القراءة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تقرأ القرآن من التفسير وغير التفسير إذا كانت تخشى أن تنسى ما حفظته فإن كان من التفسير لم يشترط أن تكون على طهارة وإن كان من غير التفسير بأن يكون من المصحف فلا بد أن تجعل بينها وبينه حائل من منديل أو قفاز أو نحوه لأن المرأة الحائض وكذلك من لم يكن على طهارة لا يحل له أن يمس المصحف.
***(7/2)
أم محمد تسأل ما حكم قراءة المرأة الحائض للآيات القرآنية التي ترد في الشروح الموضحة ببعض الكتب التي تقرأ فيها للعلم والتثقيف الديني كقصص الأنبياء مثلاً وقد تكتب أية أو تقرأها خلال كتابتها فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن الحائض لها أن تقرأ القرآن إذا احتاجت إلى ذلك مثل أن تكون معلمة تحتاج إلى قراءته لتعليم الطالبات أو أن تكون دارسة تحتاج إلى قراءته لإسماعه للمعلمات أو تقرأ القرآن للتحرز به والتحصن به كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين في سورة البقرة و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وما أشبه ذلك من الأشياء التي تحتاج إليها لتقرأها وذلك لأنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة لكن نظراً لأن أكثر أهل العلم يرون أن الحائض لا يحل لها أن تقرأ القرآن نقول أمسكي عن قراءة القرآن إلا فيما تحتاجين إليه هذا هو القول الراجح في هذه المسألة أن ما تحتاج إليه المرأة الحائض تقراءه وما لا تحتاج إليه فالأولى الإمساك عنه.
***(7/2)
هل يجوز للمرأة أن تستمع إلى قراءة القرآن الكريم وهي حائض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة أن تستمع إلى قراءة القرآن وهي حائض فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكأ في حجرها ويقرأ القرآن وهي حائض رضي الله عنها) .
***(7/2)
السائلة منار ن. أ. ج. تقول سمعت بأن المرأة الحائض عند سماعها الآذان لا يجوز لها أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح المرأة الحائض والجنب يجوز لهما ذكر الله عز وجل قالت عائشة رضي الله عنها (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) وأما قراءة القرآن فهي للجنب حرام حتى يغتسل وأما الحائض فلها أن تقرأ من القرآن ما تحتاج إليه لتعليم أو تعلم أو تعاهد حفظ أو أوراد وأما ما لا تحتاج إليه فالأولى ألا تقرأه لأنه قد وردت أحاديث فيها مقال تدل على منع الحائض من القرآن فمن أجل هذه الأحاديث نقول الأولى ألا تقرأ القرآن إلا ما دعت الحاجة إليه.
***(7/2)
هل يجوز للمرأة الحائض أو النفساء لمس الكتب أو المجلات التي قد تشتمل على آياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية قياساً على تحريم لمس المصحف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا يحرم عليها ولا على الجنب ولا على غير المتوضئ أن يمس شيئاً من الكتب أو المجلات فيه أحاديث أو فيه شيء من كلام الله عز وجل لأن ذلك ليس بمصحف.
***(7/2)
الحائض إذا خرجت من بيتها في زيارة لبعض الصديقات ولبست إحدى فساتينها الخاصة بالزيارة وبعد عودتها خلعت هذا الفستان ثم بعد أن تطهرت لبسته مرةً أخرى وهي لا تزال عليها العادة فهل يصبح هذا الثوب نجساً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الثوب لا يصبح نجساً إلا إذا أصابه الدم دم الحيض وإذا أصابه الدم فإنها تغسل الدم كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه أو قال ثم تغسله ثم تصلى فيه) وهذا الفستان الذي لبست إذا لم يصيبه الدم فهو طاهرٌ تجوز الصلاة به وإن أصابه الدم غسل الدم ثم صلت به.
***(7/2)
سائلة تقول هل عليّ أن اغسل كل الملابس التي استعملت في فترة الحيض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها أن تغسل الملابس التي استعملتها في فترة الحيض ولكن إن أصاب الدم شيئاً منها فإنها تغسل ما أصابه الدم فقط وتصلى في هذه الثياب وذلك لأن بدن الحائض طاهر وعرقها طاهر كما كان النبي عليه الصلاة والسلام (يأمر عائشة أن تتزر وهي حائض ويباشرها) .
***(7/2)
كيف يكون الاغتسال من الحيض بالنسبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال من الحيض هو أن المرأة تتنظف من آثار الدم ثم تتوضأ كما تتوضأ للصلاة ثم تفيض الماء على رأسها ثلاثة مرات ثم تغسل سائر الجسد ويحسن ان تضيف إلى ذلك سدراً ليكون هذا أنظف وأطيب وأحسن
***(7/2)
هل يجوز استعمال الشامبو أو الصابون بدل السدر المعروف بالخبط في الغسل عن الحيض أو النفاس لأنه يوجد من الناس من يقول ما يطهر الحائض والنفساء إلا السدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السدر ليس بلازم في الطهارة من الحيض أو النفاس وتحصل الطاهرة بدونه وإذا تطهرت المرأة بما ينوب عن السدر في التطهير فلا حرج في ذلك.
***(7/2)
السائلة ضحى من القصيم تقول هل يجوز استخدام الحناء في أثناء الدورة الشهرية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا بأس أن تستعمل المرأة الحناء في حال الحيض سواء كان ذلك في الرأس أو كان في اليدين أو في القدمين ولكن يجب أن نعلم أن الحناء من جملة الزينة التي لا يجوز للمرأة أن تبديها لغير من أباح الله لها إبداء الزينة لهم أي أنها لا تبديها للرجال الأجانب فإذا ارادت أن تخرج إلى السوق مثلاً لحاجة فإنه لابد أن تلبس على قدميها جوربين إذا كانت قد حنت قدميها وكذلك بالنسبة للكفين لا بد أن تسترهما مع أن ستر الكفين للمرأة هو المشروع إذا كان حولها رجال أجانب سواء كانت قد حنتهما أم لم تحنهما.
***(7/2)
المستمعة أ. أ. ب تقول ما حكم استعمال المرأة للحناء في الدورة الشهرية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال المرأة للحناء في حال الدورة الشهرية أي الحيض لا بأس به ولا حرج فيه كما أن استعمالها له في حال الطهر لا حرج فيه ولا بأس به من المعلوم في حال الطهر أنها إذا وضعت الحناء على رأسها فسوف يكون له جرم يمنع من مباشرة المسح للشعر وهذا لا بأس به ولا يضر لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يلبد رأسه وهو محرم وكان يمسح عليه. عليه الصلاة والسلام) ولكن يجب على المرأة إذا تحنّت في يديها مثلاً ألا تتعرض للفتنة بإخراج هذه الحناء لأن ذرائع الفتنة ممنوعة كما أن الفتنة نفسها أو ما يدعو إلى الفتنة ممنوع أيضاً.
***(7/2)
رسالة عن حكم الحناء للحائض حيث بعثت بها الأخت نجاح إبراهيم من مكة المكرمة تقول فيها وضعت أختي حناء في يديها وهي حائض وعندما أصبحت قالت لها والدتي إنه حرام وضع الحناء وهي حائض فهل عليها شيء وما هو حكم وضع الحناء إذا كانت المرأة حائض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضع الحناء إذا كانت المرأة حائضاً الجواز أي أنه يجوز للمرأة أن تضع في يديها الحناء وفي رأسها ولو كانت حائضاً وما أشتهر عند عوام النساء أنه لا يجوز فإن هذا لا أصل له ولا أعلم أحد قال به.
***(7/2)
هل يجوز للحائض أن تستحم بماء الرقية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا أرى في هذا بأساً، لأن ماء الرقية ليست به كتابة القرآن وليس به شيء يعتبر محترماً من القرآن إنما هو ريق القارئ يؤثر بأذن الله عز جل.
***(7/2)
عندما تحيض المرأة هل يجوز أن تغتسل وتغسل شعرها لأنها لا تحمل القذارة في هذه المدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تتنظف بغسل جسمها وشعرها وغير ذلك بل إذا أصابتها جنابة فإنه يسن لها أن تغتسل وإن كانت لا تستفيد بهذا الغسل شيئاً لأنه لا يمكن أن تصلى وعليها حيض لكن من أجل إزالة أثر الجنابة عنها.
ومسألة جنابة المرأة الحائض أخشى أن يفهم أحدٌ من ذلك أن الحائض يجوز مجامعتها وهذا الفهم غير وارد لأن الجنابة قد تأتي المرأة من احتلام والمرأة إذا احتلمت ورأت الماء وجب عليها أن تغتسل كما يجب على الرجل كذلك وأيضاً ربما يكون قد جامعها زوجها قبل أن ترى الحيض ثم يأتيها الحيض قبل أن تغتسل من هذه الجنابة فحينئذٍ نقول لها اغتسلي من هذه الجنابة ولو كان عليك الحيض وكذلك ربما يستمتع الزوج بها وهي في حال الحيض بدون وطء أي بدون الجماع فإن استمتاع الرجل بزوجته حال الحيض بما سوى الفرج جائزٌ فهي في هذه الحال ربما تنزل مع الشهوة ويكون الغسل واجباً عليها فنقول لها ينبغي أن تغتسل قبل أن تطهر من الحيض إزالةً لهذه الجنابة فهذه ثلاثة صور صورناها يمكن فيها أن تكون المرأة عليها الجنابة وهي حائض.
***(7/2)
_____ فتاوى الصلاة _____(/)
حكم الصلاة(8/1)
هناك من يعتقد أن الرجل لا يجوز له أن يصلى قبل أن يبلغ أشده أي أربعين سنة لأنه معرض إلى النظر للفاتنات ومعرض إلى الذهاب إلى بيوت لا ينبغي أن يُذهب إليها وعند ذلك لا يجتمع الخبيث والطيب لا تجتمع الصلاة بهذه العادات وبهذا الفسق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غريب والمهم على كل حال متى بلغ الإنسان وجبت عليه الصلاة المفروضة والبلوغ يحصل بواحد من الأمور الثلاثة إما بأن يتم له خمس عشرة سنة أو تنبت عانته أو ينزل المني باحتلام أو في اليقظة وتزيد المرأة أمراً رابعاً وهو الحيض فمتى حصلت هذه العلامات في الإنسان صار بالغاً مكلفاً تجب عليه جميع الأعمال التي تجب على الكبار وإن لم يبلغ ثماني عشرة سنة وأما قبل البلوغ فإن الصلاة في حقه مندوب إليها فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) .
***(8/2)
يقول السائل الصلاة يتهاون بها كثير من الناس اليوم فما هي الأسباب في نظركم وما هي السبل التي يمكن اتباعها لإرجاع المسلمين إليها إن شاء الله تعالى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أسباب ذلك متعددة كثيرة من أهمها وأعظمها اتباع الشهوات ولهذا قرن الله تبارك وتعالى إضاعة الصلاة باتباع الشهوات فقال سبحانه (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ) ومن أسبابها أيضاً جهل الناس بحقيقة هذه الصلاة جهلهم بأهميتها جهلهم بفوائدها جهلهم بفضائلها جهلهم بثوابها جهلهم بمرتبتها عند الله عز وجل إلى غير ذلك من الأمور التي أوجبت لكثير منهم الاستهانة بها ومن أسباب التهاون بالصلاة أن كثيراً من المصلىن إذا صلوا إنما يصلونها - نسأل الله لنا ولهم العفو والعافية - كعمل روتيني عمل جارحي أي عمل جوارح فقط لا عمل قلب فلا تكاد تجد عندهم خضوعاً ولا خشوعاً ولا ذلاً بين يدي الله عز وجل ولا استحضاراً لما يقولون في صلاتهم ولا استحضاراً لما يفعلون فلهذا يخرجون من الصلاة لم يستفيدوا منها شيئاً لم يحصل لقلوبهم نور ولم يحصل لإيمانهم زيادة ولم يحصل منهم انتهاء عن الفحشاء والمنكر كل ذلك من أجل أنهم يصلون صلاة جسد بلا روح ولو أنهم أعطوا الصلاة حقها من الخشوع وحضور القلب والإنابة إلى الله وشعور الإنسان بأنه واقف بين يدي ربه لكان يحب الصلاة ويألفها ويهوي قلبه إليها ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (جعلت قرة عيني في الصلاة) .
***(8/2)
هناك رجل مصاب بمرض عصبي فيأتيه الإغماء أحياناً ويستمر به مدة ثم يفيق فما الحكم بالنسبة للوضوء هل ينتقض بالإغماء أم لا وكذلك لو طالت مدة الإغماء حتى فاتت عدة فروض من الصلوات فهل يقضيها أم لا يقضيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الوضوء فإنه ينتقض بالإغماء، لأن الإغماء أشد من النوم، والنوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقا بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أما النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسَّ بنفسه فإن هذا لا ينقض الوضوء سواءً كان من نائم أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ أو أي حال من الأحوال مادام لو أحدث لأحسَّ بنفسه فإن نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم، فإذا أغمي على الإنسان فإنه يجب عليه الوضوء، أما لو أغمي عليه مدة فات بها عدة صلوات أو صلاة واحدة فإن العلماء اختلفوا في هذا، هل يجب عليه القضاء مدة الإغماء أو لا يجب؟ فمنهم من قال: إنه يجب عليه قضاء الصلوات التي تفوته في مدة الإغماء، قالوا: لأن الإغماء كالنوم والنائم يجب عليه قضاء الصلاة لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجب على المغمى عليه قضاء الصلاة وذلك لأنه لا يصح قياسه على النائم، لأن النائم إذا استيقظ أُوقِظ وصحا بخلاف المغمى عليه فإنه لا يملك إيقاظ نفسه ولا يملك أحد أن يوقظه فبينهما فرق ومع وجود الفارق لا يصح القياس، ولكن الاحتياط والأولى أن يقضي إبراءً لذمته، ثم إن كان هذا واجبا عليه بمقتضى الشرع فقد أبرأ ذمته وإن لم يكن واجباً عليه فإن ذلك يكون تطوعاً يؤجر به عند الله.
***(8/2)
رجل كبير أصيب بمرض فلم يصل وقتين لعدم شعوره ثم بدأ يصلى فهل عليه أن يصلى ما ترك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة أعني مسألة الإغماء إذا كان بغير اختيار من المريض فإنه لا قضاء عليه أي لا يقضي الصلاة التي فاتته وذلك لأنه غير مكلف حيث إن عقله قد غاب ولا يصح قياسه على النائم الذي ثبت وجوب القضاء عليه بالسنة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أونسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ثم تلا قوله تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) لأن الفرق بين المغمى عليه والنائم ظاهر جداً فالنائم معه شيء من الإحساس ولهذا يستيقظ إذا أوقظ بخلاف المغمى عليه فإنه أشد منه تغطية للعقل ولهذا لا يستيقظ إذا أوقظ أما إذا كان الإغماء بسبب من الإنسان مثل أن يكون سببه تعاطي البنج أو نحو ذلك فإنه يجب عليه القضاء لأن الغيبوبة التي حصلت له كانت بفعله فالقاعدة إذاً أن من أغمي عليه بمرض أو حادث أو غير ذلك مما ليس له سبب فيه فإنه لا يجب عليه قضاء الصلاة وإذا كان إغماؤه بسبب منه فإن عليه أن يقضي أما في الصوم أي لو أغمي عليه في رمضان فإنه يقضي اليوم الذي أغمي عليه فيه سواء كان يوماً واحداً أم أكثر والفرق بين الصلاة والصيام ظاهر فإن الحائض الممنوعة من الصوم شرعاً تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة كذلك هذا الذي منع من الصوم حساً عليه أن يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة.
***(8/2)
هذا سوداني من الخرطوم يقول أصبت في حادث في عام مضى ومكثت خمسة أيام لا أصلى فيها علما بأنني كنت في تعب ولم أتذكر تلك الأيام ولم أتذكر تلك الصلاة لأنني كنت في غيبوبة وتعب ولا أستطيع استعمال الماء أو التيمم فأفيدوني هل أقضي تلك الأيام الخمسة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المريض أو المصاب بحادث في إغماء وغيبوبة أو اختلال فكر فإنه لا قضاء عليه سواء طالت المدة أم قصرت لأن المغمى عليه ومن تغير فكره غير مكلف فلا يلزمه القضاء لا قضاء الصوم ولا قضاء الصلاة فلو أن إنسانا أصيب بحادث في رمضان وأغمي عليه أياما فإنه لا يلزمه القضاء وقال بعض أهل العلم بل يلزمه القضاء لأنه من أهل التكليف في الجملة والذي يظهر أنه لا قضاء عليه لا في الصيام ولا في الصلاة هذا إن كان الإغماء بغير فعله أما إذا كان الإغماء بفعله كالبنج وشبهه فإنه يلزمه القضاء لأنه هو الذي تسبب لفقد الوعي فيلزمه القضاء.
***(8/2)
سائل يقول نرى كثيراً من الناس إذا نوِم أحدهم في المستشفى وعمل له عملية ولو كانت بسيطة يترك الصلاة طيلة وجوده في المستشفى وحجته أنه لا يتمكن من الوضوء وأن جسمه عليه نجاسات إما على الثوب أو على البشرة فهل يعذرون بذلك وما توجيهكم لإخواننا الذين يخفى عليهم الحكم في هذا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل جهلٌ وخطأ فإن الواجب على المؤمن أن يقيم الصلاة في وقتها بقدر استطاعته قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب) وقال الله تعالى في القرآن (وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فجعل الله للمريض الذي لا يستطيع استعمال الماء التيمم بدلاً له وكذلك بالنسبة للصلاة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام جعلها مراحل (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب) فيجب على المريض أن يتوضأ أولاً فإن لم يستطع يتيمم ثم يجب أن يصلى قائماً فإن لم يستطع فقاعداً يومئ بالركوع والسجود ويجعل السجود أخفض إذا لم يستطع السجود فإن كان يتمكن من السجود سجد فإن لم يستطع أن يصلى قاعداً صلى على جنب ويومئ بالركوع والسجود فإن لم يستطع الحركة إطلاقاً ولكن قلبه معه فإنه ينوي الصلاة ينوي الأفعال ويتكلم بالأقوال فمثلاً يكبر ويقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى الركوع نوى أنه ركع وقال الله أكبر وسبح سبحان ربي العظيم ثم قال سمع الله لمن حمده ونوى الرفع وهكذا بقية الأفعال ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة حتى لو فرض أن عليه نجاسة في بدنه أو في ثوبه أو في الفراش الذي تحته ولم يتمكن من إزالتها فإن ذلك لا يضره فيصلى على حسب حاله لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وإننا لنرجو من وزارة الصحة التي تبين نشاطها في كثيرٍ من الأمور أن تلفت أنظار المرضى لهذا الأمر بأن يختار رجلٌ يكون مرشداً لهم فيما يجب عليهم في صلاتهم وغيرها ليكون المرضى معالجين من أمراض الأجسام ومن أمراض الأعمال والقلوب.
***(8/2)
يسأل ويقول في الفترة التي سبقت صلاتي كنت أقرأ القرآن واستمع لكل تلاوة في المذياع وبخشوع وأبكي دائماًَ وكان لذلك أثر في تأديتي للصلاة وأنا أسأل الآن هل لي أجر عند قراءة القرآن عند ما كنت لا أقيم الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل عندما كنت لا أقيم الصلاة إن عنى به أنه لا يأتي بها كاملة ولكنه مقصر في بعض الأمور فإن له أجر القراءة لأنه لم يوجد منه ما يمنع قبول قراءته ويحتمل أنه عنى بإقامة الصلاة أنه لم يفعلها من قبل ثم صار يفعلها كما هو ظاهر حاله في مقدمة كلامه فإذا كان الأمر كذلك فنصوص الكتاب والسنة على أن تارك الصلاة كافر والكافر لا يقبل منه عمل صالح لقول الله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) ولأن من شرط صحة العبادة وقبولها أن يكون الإنسان مسلماً وقد تكلمت على هذا مراراً في هذا البرنامج واعتنيت بهذه المسألة وراجعت ما أمكنني من كلام أهل العلم في الكتب المدونة وباحثت من اتصل بي من أهل العلم في هذه المسألة وتبين لي بعد ذلك كله أن القول الراجح أن تارك الصلاة تركاً مطلقاً لا يصلى أي صلاة منها لا جمعة ولا غيرها أن الراجح في هذا أنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة.
قد يقول قائل: إن القول بتكفير تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة قد انفرد به الإمام أحمد رحمه الله وجوابنا على ذلك من وجهين:
الوجه الأول أن الإمام أحمد لم ينفرد بهذا بل قد سبقه إلى القول به الصحابة والتابعون وتابعوهم وقد حكى إجماع الصحابة رضي الله عنهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق أحد التابعين الثقات فقال (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) وحكى إجماعهم إسحاق بن راهويه الإمام المشهور رحمه الله فالإمام أحمد مسبوق بهذا القول ولم ينفرد به رحمه الله.
الوجه الثاني فإننا نقول إن الإمام أحمد رحمه الله إذا انفرد بقول دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة عن الأئمة الثلاثة فإن هذا من مفاخره ومناقبه رحمه الله حيث اتبع النصوص والآثار في هذه المسألة وهذا واجب كل مسلم تبين له الحق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار الواردة عن الصحابة أن يقول به ولو خالفه من خالفه ولايحل لأحد تبين له صحة القول أن يدعه لملامة لائم أو شماتة شامت بل عليه أن يقول ما يرى أنه الحق وإن لامه من لامه أو شمت به من يشمت به وأنه إذا تبين الحق فلا مساغ للخروج عنه فالحكم بالتكفير أو عدمه حكم من أحكام الله عز وجل كالحكم بالتحليل والتحريم والإيجاب والبراءة فلا يسوغ لأحد أن ينفي الكفر عمن كفره الله ورسوله كما لا يسوغ لأحد أن يثبت الكفر لمن لم يكفره الله ورسوله ولو لم يكن من بركة بيان الحق في هذه المسألة إلا أن كثيراً من الناس لمّا سمع بهذا الخطر العظيم وهو متهاون في صلاته ارتدع وأقبل على الصلاة وعلى الدين كما هي حال هذا السائل الذي كان مدة طويلة لا يصلى فلما سمع هذا البرنامج وما ينشر فيه حول تارك الصلاة منّ الله عليه بالهداية وأنا لا أظن أن شخصاً في قلبه إيمان يسمع القول بتكفير تارك الصلاة ذلك القول المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة لا أظن من في قلبه إيمان أن يدع الصلاة بعد هذا أبداً بل سيحرص غاية الحرص على إقامتها وفعلها لئلا يدخل في عداد الكفار الذين قال الله فيهم (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا) نسأل الله العافية وإذا تبين أن الإمام أحمد رحمه الله له سلف في القول بتكفير تارك الصلاة مستنداً بذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يعتبر من مناقبه ومفاخره رحمه الله على أن الأئمة الذين قالوا بعدم تكفير تارك الصلاة هم قد بذلوا جهدهم ولكن ليس كل مجتهد يكون مصيباًَ كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) فكل من بذل جهده للوصول إلى حق محكماً بذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال ما يقتضيه الدليل عنده فإنه لن يخيب بل سيرجع إما بأجرين إن أصاب أو بأجر واحد إن أخطأ ولكن الخطر على من قال القول مداراة لأحد أو تعصباً لمذهب أو طلباً لدنيا يصيبها فإن هذا الذي يكون على خطر نسأل الله السلامة وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه ورأى الباطل باطلاً فاجتنبه ثم نعود إلى سؤال السائل من حيث أجر التلاوة له قبل أن يعود إلى الصلاة فنقول له إننا نرجو أن يثيبك الله عز وجل على هذه القراءة لأنك كنت تريد التقرب إلى الله ولعلك لم تكن تعلم أن حكم تارك الصلاة يبلغ إلى هذا الحد وفي السؤال ذكر أن الصلاة هي الركن الأساسي للإسلام ولا شك أن الصلاة ركن أساسي من أركان الإسلام وهي الركن الأساسي الثاني بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإننا لنسأل لأخينا السائل الثبات على دين الله والوفاة عليه وأن يجعلنا من الهداة المهتدين الصالحين المصلحين إنه جواد كريم.
***(8/2)
هل يجوز للابن الدعاء لأبيه الذي مات تاركاً للصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لهذا السائل أن يدعو لأبيه الذي مات تاركاً للصلاة وذلك لأن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة على القول الراجح والكافر لا يجوز لأحد أن يدعو له بالمغفرة والرحمة لقوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وقد شرعنا في سياق الأدلة من كتاب الله التي تدل على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة وذكرنا آية التوبة وهي قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وبينا وجه دلالتها على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة ومن الأدلة من كتاب الله عز وجل على ذلك قوله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) ووجه الدلالة من هذه الآية قوله تعالى إلا من تاب وآمن فدل هذا على أن من أضاع الصلاة فليس بمؤمن والأصل في نفي الصفة عن الموصوف أن يكون نفياً تاماًَ إلا أن يقوم دليل على أن المراد انتفاء كمال تلك الصفة فيعمل بما قام عليه الدليل وعلى هذا فتكون الآية دالة على أن من أضاع الصلاة فليس بمؤمن واستدل بعض العلماء من كتاب الله تعالى على أن تارك الصلاة كافر بأن الله تعالى حكم بكفر إبليس حين ترك امتثال أمر الله تعالى بالسجود لآدم وإن كان هذا الاستدلال فيه مناقشة وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة فمنها ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة) وفيما رواه أهل السنن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ولا يراد بالكفر هنا ما كان من أعمال الكفر لأنه إذا كان المراد ما كان من أعمال الكفر فإنه لا يذكر الكفر مقروناً بأل بل إنما يذكر منكراً كما في قوله صلى الله عليه وسلم (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت) أما هنا فقال بين الرجل وبين الشرك والكفر بأل الدالة على حقيقة الجنس وهو الكفر الأكبر المخرج عن الملة وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الثاني (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة) والضمير في قوله بينهم يرجع للكفار فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة حداً فاصلاً بيننا وبين الكفار الخارجين عن الإسلام خروجاً كلياً وبهذا يتبين أن هذين الحديثين واضحان في أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة فإن قال قائل ألا يمكن أن يحمل الحديث على أن المراد من تركهما جاحداً لوجوبهما فالجواب أن هذا لا يمكن ولا يصح لأن في حمله على ذلك جنايتين على النص.
الجناية الأولى أننا صرفناه عن ظاهره بلا دليل وجعلنا مناط الحكم الجحود.
الثانية أننا ألغينا ظاهره الذي جعل مناط الحكم فيه الترك وفرق عظيم بين الترك والجحود ولهذا من جحد وجوب الصلاة فهو كافر وإن صلى والحديث علق الحكم فيه على الترك ونظير هذا ما حمل بعض أهل العلم قوله تعالى عليه في قاتل النفس (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) حيث حمل هذه الآية على من قتله مستحلاً لقتله وقد قيل للإمام أحمد هذا القول فتعجب منه وقال إذا استحل قتله فهو كافر ويعني إذا استحل قتل المؤمن فهو كافر سواء قتله أم لم يقتله وهكذا نقول نحن هنا إذا جحد وجوب الصلاة فهو كافر سواء صلى أم لم يصل والحديثان فيهما تعليق الحكم بالترك لا بالجحد فلا يجوز العدول عن ظاهرهما إلا بدليل وليس هناك أدلة توجب لنا أن نخالف هذا الظاهر فليس في الكتاب ولا في السنة أن تارك الصلاة مؤمن ولا أن تارك الصلاة يدخل الجنة ولا أن تارك الصلاة ينجو من النار أو نحو ذلك من النصوص التي توجب لنا أن نحمل نصوص التكفير على أن تكون كفراً دون كفر أو على أن المراد بها من جحد وليعلم أن باب التكفير موكول إلى الشرع كباب التحليل والتحريم فكما أنه لا عدول لنا عن تحريم ما حرم الله وتحليل ما أحل فلا عدول لنا عن تكفير من كفره الله عز وجل ورسوله ونحن عباد لله عز وجل نمتثل أمره ونجتنب نهيه ونأخذ بما ظهر لنا من أدلة الكتاب والسنة فإذا دلت النصوص على تكفير أحد بفعل شيء أو تركه وجب علينا أن نأخذ بها أما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) ونقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق حيث قال (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) ونقل إسحاق بن راهويه الإمام المشهور إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة وأما دلالة الاعتبارعلى كفر تارك الصلاة فإننا نقول كيف يكون في قلب الإنسان إيمان وهو تارك لهذه الصلاة التي عظمها الله في كتابه وتوعد المضيعين لها وجاءت السنة بالتنويه البالغ في فضلها حيث إن الله عز وجل لم يشرع من الشرائع شيئاً فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة إلا الصلاة وفرضها الله على عباده خمسين صلاة في كل يوم وليلة مما يدل على أهميتها ومحبة الله لها وعنايته بها فكيف يمكن أن يقال لشخص ترك هذه الصلاة مع ما فيها من هذا الفضل العظيم الشأن كيف يمكن أن نقول إن في قلبه إيماناً وقد تركها تركاً مطلقاً لا يصلى لله عز وجل فهذا وجه دلالة الاعتبار على كفر تارك الصلاة كفراً مطلقاً مخرجاً عن الملة والعياذ بالله وبناءً على ذلك فإنه لا يحل له عقد النكاح بمعنى أنه لا يحل أن نزوجه مسلمة وهو إذا كان لا يصلى لا يحل أن يعقد النكاح لأحد من بناته وإذا عقد النكاح صار العقد فاسداً لأن من شرط الولي على المسلمة أن يكون مسلماًَ وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يدعى له بالرحمة والعياذ بالله بل يؤخذ به في مكان يحفر له فيه ويدفن بدون صلاة ولا تكفين ولا تغسيل لأن هذا هو شأننا مع غير المسلمين ثم إن هذا الذي لا يصلى يترك الصلاة تركاً مطلقاً لا تحل ذبيحته ولا يحل له دخول حرم مكة لأن الله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وقد سمعت قول النبي عليه الصلاة والسلام (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أما في الآخرة فإنه يكون خالداً مخلداً في نار جهنم هذا هو ما تقتضيه الأدلة عندي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم والاعتبار الصحيح وقد بذلت الجهد في تتبع الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة ويحمل أدلتها على أن المراد من تركها جاحداً للوجوب أو على أن المراد بها كفر دون كفر تتبعت أدلتهم والله عز وجل يعلم أنني تتبعتها بعدل وإنصاف معتقداً بأنه لا يحل لي العدول عنها لو كانت تدل على أن تارك الصلاة لا يكفر فوجدت هذه الأدلة لا تخلو من أربع حالات إما أنه لا دلالة فيها أصلاً وإما أنها وردت في قوم يعذرون بترك الصلاة لكونهم لا يعلمون عنها وقد اندرس الإسلام وانطمست معالمه فلا يدرون إلا قول لا إله إلا الله وإما أن هذه النصوص قيدت بقيود لا يمكن معها ترك الصلاة كما في حديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) وإما أنها عامة خصصت بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة ومثل هذه الأدلة لا يمكن أن تقاوم الأدلة الواضحة في حال كفر تارك الصلاة فعلينا نحن المسلمين جميعاً من علماء ومتعلمين وعامة أن نتقي الله عز وجل فيما نحكم به مستندين بذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلينا أن نتقي الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه وأن ندعو إلى الله على بصيرة وأن لا نفتح للناس أبواب التهاون فيما فرض الله عليهم خصوصاً إذا لم يكن هناك دليل واضح فيما ذهبنا إليه ونسأل الله تبارك وتعالى أن يحمينا جميعاً من أسباب سخطه وعقابه وأن يوفق المسلمين وولاة أمورهم لما فيه الخير والصلاح.
***(8/2)
من العراق في نينوى الأخ م. ع. ح. يقول في رسالته إن في بلدنا كثيراً ممن هو مسلم في الجنسية فقط ولا يصلى فهل نعتبر ذلك من المسلمين أو من المرتدين وهل قتله حلال أم حرام أفتونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي لا يصلى ليس من المسلمين بل هو من المرتدين عن دين الإسلام ويجب دعوته إلى الإسلام فإن اهتدى وصلى فذلك من فضل الله عليه وإن لم يفعل وجب قتله ولكن الذي يتولى قتله هم ولاة الأمور لا عامة الناس لأن مثل هذه الأشياء يتولاها ولي الأمر.
***(8/2)
من اليمن ومن الوايد المقدم محمد أحمد على الجعمي يقول في رسالته أوجه إلى الشيخ المجيب هذا السؤال وهو أنني أجالس أناساً من أهل اليمن وأنا أيضاً يماني وأساكنهم وآكل معهم وأشرب وإياهم وأتزوج منهم ويتزوجون مني فهل يجوز لي ذلك وهم لا يصلون ويشربون الدخان مع العلم أنني مضطر للسكن معهم لأنني مغترب أرجو إرشادي ماذا أصنع والله يجزل لكم الأجر والثواب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن من لا يصلى فهو مرتد عن الإسلام وكافر ويجب على ولاة الأمور دعوته إلى الإسلام والصلاة فإن فعل فذلك هو المطلوب وإن لم يفعل وجب قتله وإذا كان ترك الصلاة ردة فهو من أعظم المنكرات والسكن مع هذا معناه إقراره على شيء من أعظم المنكرات ولا يجوز للإنسان أن يساكن شخصاً مصراً على المنكر لا سيما هذا المنكر العظيم الذي هو خروج وردة عن الإسلام وكونه مضطراً إلى السكنى معهم هذا ينتفي بأن يسكن في أي مكان حتى ولو في خيمة في البر ولا يسكن مع هؤلاء على هذا المنكر العظيم فإن الله سبحانه وتعالى يقول (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) أي إن جلستم معهم على هذا المنكر فإنكم مثلهم وعلى هذا فيجب عليه أن يبحث عن سكن له يكون بعيداً عن السكن مع هؤلاء.
فضيلة الشيخ: لكن مثل هؤلاء قد لا تنطبق عليهم الآية لأنهم لم يخوضوا مثلاً في آيات الله بما يخالف مراد الله عز وجل وإنما تركوا العبادة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يكفر بها فهذا كفر بآيات الله فمادام كفراً وأنا أعرف أنهم لا يصلون فمعنى ذلك أنني سكنت معهم وهم على هذا المنكر.
***(8/2)
كثير من الشباب لا يؤدون الصلاة أبداً وعندما يتكلم الإنسان مع أي واحد منهم ويرشده يغضب ويقول هذا ليس من شأنك فنرجو إرشادنا أو إرشادهم لما فيه الخير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وأما إرشادكم أنتم فإننا نقول ليكن هذا دأبكم في نصيحة أبنائكم وشبابكم فإن انتهوا وقاموا بما يجب عليهم من أداء الصلاة فهو لكم ولهم وإن لم يفعلوا فهو لكم وعليهم ولكن عليكم أن تُبَلِغوُا ولاة الأمور بما حصل وبأنّ هؤلاء لا يصلون ليقوم ولاة الأمور بما يجب عليهم من دعوة هؤلاء الشباب إلى الصلاة فإن أبوا فإنهم يُقتلون كفراً والعياذ بالله لأن من لا يصلى فإنه كافر مرتُدُ عن الإسلام ليس من المسلمين لا في الدنيا ولا في الآخرة نسأل الله السلامة وأما نصيحتي لهؤلاء الشباب فإني أقول لهؤلاء الشباب أنتم شباب الإسلام ورجال المستقبل وإذا لم تقوموا بعمود الإسلام وهو الصلاة فإنكم فيما سواه أبعد من القيام فنصيحتي لهم التزام ما فرض الله عليهم من أداء الصلاة في أوقاتها وأدائها في جماعاتها وهم إذا عودوا أنفسهم هذا الفعل هان عليهم وهانت عليهم جميع الأعمال الصالحة لأن الله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153) ويقول تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت: من الآية45) فهم إذا أقاموا الصلاة سهلت عليهم بقية الأعمال الصالحة وشرح الله صدورهم للإسلام وأنار الله قلوبهم ووجوههم وأما إذا أصروا على ذلك فسوف يستثقلون الصلاة ومن ورائها بقية الأعمال الصالحات وحينئذ يخسرون في دينهم ودنياهم وأيضاً نقول لهم ما الذي تستهلكه الصلاة من أوقاتكم الصلاة كلها بطهارتها وبالذهاب إليها تستوعب ساعةً وربع ساعة من الزمن أو على الأكثر ساعة ونصف ساعة من الزمن الساعة والنصف من الزمن هو نصف ثُمَن الزمن والإنسان تجده يقوم مع صديقه وزميله يكون واقفاً يتحدث معه وربما يكون ذلك في لفح البرد وفي شدة الحر في الشمس يبقى معه ساعة وأكثر يتحدثان ما يبالي بذلك فما باله يفعل هذا مع بني آدم ثم لا يقف يناجي الله تعالى في صلاته هذه المدة البسيطة.
***(8/2)
ما حكم تارك الصلاة وهو يزعم أنه مسلم وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولم يجحد فرضيتها ولكنه تهاون بها وتكاسل عنها وهل يستوي هو ومن يصوم ويصلى في شهر رمضان فقط ولا يصلى باقي العام وكذلك صنفٌ من الناس يصلى فترة وينقطع فترة وكذلك صنفٌ من الناس يصلى الجمعة فقط وإن كان تارك الصلاة كافراً فهل يجوز أن نقول له يا كافر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تارك الصلاة كافر على القول الراجح كفراً مخرجاً عن الملة وذلك لقوله تعالى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فبين الله تعالى أن الأخوة في الدين لا تتحقق إلا بهذه الشروط الثلاثة التوبة من الشرك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أما التوبة من الشرك فإن من المعلوم أن المشرك ليس أخاً للمؤمن وأنه مشركٌ كافر وأما إقامة الصلاة فإن هذه الآية تدل على أنه إذا لم يقم الصلاة فليس من إخواننا في الدين فإذا انتفت الأخوة الدينية فإن معنى ذلك الكفر لأن المؤمن أخو المؤمن مهما كان عليه من الفسق فهو أخوه وانظر إلى قوله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) مع أن قتال المؤمن من أعظم كبائر الذنوب ومع ذلك جعلهم الله إخوة للطائفة الثالثة المصلحة وكذلك في آية القصاص قال الله تعالى فيها والقصاص لا يكون إلا عن قتل عمد قال (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) المهم أن الأخوة الإيمانية لا تنتفي بالفسق لكنها تنتفي بالكفر وهذه الآية (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ) تدل على أنه إذا لم يقم الصلاة فليس أخاً في الدين ومعنى ذلك أنه كافر وأما الأمر الثالث وهو قوله (وآتَوْا الزَّكَاةَ) فالآية هنا تدل على أن من لم يؤتِ الزكاة فهو كافر أيضاً وقد قال به بعض أهل العلم وهي رواية عن الإمام أحمد لكن الراجح أن تارك الزكاة لا يكفر لأن في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح حين ذكر مانع الزكاة ثم ذكر عذابه قال (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ومن يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة فليس بكافر وعلى هذا فتكون الآية دالةٌ على أن تارك الصلاة كافر وثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) وفي السنن أيضاً من حديث بريدة (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وكذلك أيضاً أدلةٌ أخرى ليس هذا موضع بحثها كلها تدل على أن ترك الصلاة كفرٌ مخرجٌ عن الملة وعلى هذا فإذا مات الإنسان على ترك الصلاة فهو كافر لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يدعى له بالرحمة لأنه كافر والعياذ بالله يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأما من كان لا يصلى إلا في رمضان فقد اختلف أهل العلم في حكم كفره لأن هذا لم يتركها تركاً مطلقاً والظاهر والله أعلم أن من لا يصلى إلا في رمضان الظاهر أنه يتلاعب بالدين كونه لا يصلى إلا في وقتٍ يهواه ويدعه فهو أقرب ما يكون متلاعباً وكذلك من لا يصلى إلا الجمعة فإنه على خطرٍ عظيم وقد قال بعض العلماء بكفره كفراً مخرجاً عن الملة فالواجب على المرء أن يتقي الله في نفسه وأن يصلى الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة إن كان من أهل الجماعة بدون تخلف والله المستعان.
***(8/2)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) أرجو تفسير هذا الحديث وهل الذي يترك الصلاة تهاوناً أو تكاسلاً يخلد في النار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة لأنه إذا قال هذا لا إله إلا الله خالصاً من قلبه فلا بد أن يقوم بعبادة الله لأن معنى لا إله إلا الله أي لا معبود حقٌ إلا الله وإذا كان معناها لا معبود حقٌ إلا الله فقالها بلسانه ولم يعبد الله فهو كلام لا فائدة منه كيف تقول لا معبود حقٌ إلا الله ثم لا تعبده هذا غير صحيح ولهذا من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه لزم أن يقوم بعبادة الله وإلا فهو غير صادق فمعنى الحديث (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) يعني خالصاً من قلبه وحينئذٍ يبقى النظر هل يمكن لمن قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أن يدع الصلاة ويحافظ على تركها كسلاً وتهاوناً إن ذلك لا يمكن أبداً وكيف يمكن أن يدع الصلاة ويحافظ على تركها وهو يعلم ما فيها من الفضل والشرف والثواب حتى إن الرجل ليتوضأ في بيته فيسبغ الوضوء ثم يخرج إلى المسجد للصلاة لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة والوضوء والذهاب إلى المسجد من وسائل الصلاة وليس صلاةً ويدلك لأهميتها أن الله فرضها على نبيه بدون واسطة وفي ليلةٍ هي أشرف الليالي للرسول عليه الصلاة والسلام وفي مكانٍ هو أرفع ما وصل إليه بشر فيما نعلم ثم فرضها خمسين صلاةً مما يدل على أهميتها وأن الإنسان لو أمضى أكثر وقته فيها فهي جديرةٌ به ثم يحافظ على تركها أبن الإسلام ولهذا كان القول الراجح الذي تؤيده دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح أن من ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً ولو أقر بوجوبها فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ويكون يوم القيامة مخلداً في النار ويحشر مع هامان وقارون وأبي بن خلف ولا يقر على ذلك بل يقتل وإذا قتل فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين بل يخرج به غير مكرمٍ ولا محترم ويحفر له في البر حفرة يرمس فيها رمساً لئلا يتأذى الناس برائحته ولا أهله برؤيته.
وكل الأحاديث التي احتج بها من قال إنه لا يكفر كلها إما ضعيفة أو لا دلالة فيها أو عامةٌ خصت بترك الصلاة أو قيدت بقيدٍ لا يمكن معه ترك الصلاة أما أن تجد حديثاً يقول إن تارك الصلاة لا يكفر ولا يخلد في النار هذا لا يوجد إطلاقاً فعلى أقل تقدير أن نقول هي عامة وخصت بأحاديث كفر تارك الصلاة هذا أقل ما يقال وقد بسطنا هذا في عدة إجاباتٍ في نورٍ على الدرب وفي أجوبة الهاتف فيما أظن وألفنا في ذلك رسالة ذكرنا فيها الأدلة الدالة على كفره ثم الأدلة التي احتج بها من قالوا بعدم كفره وأجبنا عليها ولا تستعظم يا أخي المسلم أن تكفر من كفره الله ورسوله الأمر إلى الله عز وجل من كفره الله فهو أعلم بأنه كافر فلنكفره ويجب علينا أن نكفره ومن لم يكفره الله حرم علينا أن نكفره ومن ظننا أن فعله كفر فإنه لا يحل أن نكفره بمجرد الظن حتى يقوم دليلٌ واضح على كفره وإني أقسم بالله لولا أن الأدلة عندي واضحة وضوح الشمس في كفر تارك الصلاة ما كنت أقولها أبداً وكلما أمكن أن نحمل الكفر على كفر دون كفر فهو الواجب لكنه لا يمكننا في أدلة كفر تارك الصلاة فماذا نعمل الأمر كله لله والحكم كله لله والكافر من كفره الله والمؤمن من حكم الله بأنه مؤمن.
***(8/2)
يقول السائل عندي أخوان لا يصليان فهل يجوز لي أن أكلمهما أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تكلم هذين الأخوين بالنصيحة والدعوة إلى الله والتحذير من غضبه وبيان أن الصلاة عمود الإسلام وأنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وأن من مات وهو لا يصلى فهو كافر لا يدخل الجنة مع المؤمنين ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابرهم وتحذرهما من هذا ولا تيأس فإن الله تبارك وتعالى قد يبتلي بعض العباد بتأخر إسلامه ويبتلي الدعاة بتأخر القبول منهم ليعلم سبحانه وتعالى الصابرين من غير الصابرين.
***(8/2)
من المستمع ع. ع. ع. أ. يقول لدي أخوان لا يصليان فهل يجوز لي أن أكلمهما أم لا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اللذان لا يصلىان إن كانا لا يصلىان مع الجماعة فهما فاسقان عاصيان لله ورسوله وإن كانا لا يصلىان أبداً لا مع الجماعة ولا على الإنفراد فهما كافران لأنه ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) وفي السنن (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ولكن مع كونهما كافرين فلهما حق القرابة تصلهما لقرابتهما ولكن يجب عليك أن تنصحهما وتخوفهما بالله عز وجل وتحذرهما من هذا العمل المؤدي إلى الكفر فإن هداهما الله فقد حصلت خيراً كثيراً وسلما من النار بذلك وإلا فعليك أن تبلغ ولاة الأمور عنهما لأن ذلك من النصح لهما وإذا بلغت ولاة الأمور برئت بذلك ذمتك.
***(8/2)
المستمع ع م ع يقول يسكن بجوارنا أسرة لا يلتزمون بتعاليم الإسلام وأبناؤهم لا يؤدون فريضة الصلاة وهم ممن تجب عليهم سوى أبيهم فإنه يلتزم بالصلاة في المسجد ونساؤهم لا يتحجبن عن الرجال الأجانب وغيرهم وبعض الأحيان يعطوننا من الخضروات وغير ذلك هل يجب علينا أخذها أم لا وهل يجب علينا أن نزورهم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن الجار له حق على جاره حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) والجار يقول أهل العلم إن كان قريباً مسلماً فله ثلاثة حقوق حق الإسلام وحق القرابة وحق الجوار وإن كان جاراً مسلماً غير قريب فله حقان حق الإسلام وحق الجوار وإن كان غير مسلم ولا قريب فله حق الجوار فهؤلاء الجيران لهم عليكم حقوق ولكم عليهم حقوق وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) فالذي ينبغي بينكما تبادل الهدايا يأخذون منكم وتأخذون منهم لأن ذلك أدعى إلى الألفة والمودة ثم إذا قمتم بما يجب عليكم من إكرام الجار فإن من جملة ما يجب عليكم نحوه أن تنصحوه لله فتنصحون هؤلاء القوم المفرطين في الصلاة وفي حجاب نسائهم وتبينون لهم الواجب في ذلك لعل الله أن يهديهم على أيديكم وأما مجافاتهم ورد هديتهم والبعد عنهم والإعراض فهذا لا ينبغي لأنه لا يزيد الأمر إلا شدة.
***(8/2)
المستمع عوض الله المقيم بجدة يقول هل يجوز تناول الطعام مع تارك الصلاة والأفضل أن يكون الجواب بالتفصيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تارك الصلاة كما قدمنا مراراً اختلف العلماء في حكمه فمنهم من قال إنه فاسق ويقتل حداً ومنهم من قال إنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهذا القول هو الراجح الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة والآثار الواردة عن الصحابة وقد بينا هذه الأدلة في حلقات سابقة وبينا أنه ليس هناك ما يعارضها وأن الأحاديث التي استدل بها من يقول بأن تارك الصلاة ليس بكافر لا تخلو من إحدى حالات أربع:
إما أن لا يكون فيها دلالة أصلاً.
وإما أن تكون مقيدة بقيدٍ لا يمكن معه ترك الصلاة.
وإما أن تكون واردة في حال يعذر فيها الإنسان بترك الصلاة لكون العلم قد اندرس.
وإما أن تكون عامة ونصوص كفر تارك الصلاة خاصة والمعلوم عند أهل العلم أن العام يخصص بالخاص فتكون هذه الأدلة العامة شاملة لمن سوى تارك الصلاة وإذا كان تارك الصلاة مرتداً كافراً فإنه لا يجوز لأحد أن يسكن معه بل يجب هجره إلا أن يلاقيه الإنسان من أجل دعوته إلى الحق وإلى الإسلام فهذا شيء ومجالسته والأنس به والاطمئنان إليه شيء آخر وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) فلا تجلس إلى تارك الصلاة ولا تسلم عليه ولا تطمئن إليه إلا إذا كنت تريد بذلك دعوته إلى الإسلام لعل الله تعالى يهديه على يدك فإن من هدى الله إنساناً على يده فهو خير له من حمر النعم.
***(8/2)
يقول السائل من مات ولم يصل يسمى كافراً ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين وسؤالي هو هل من صلى أحياناً وترك أحياناً وصام عدة أيام وترك أكثر أيام رمضان يطلق عليه اسم كافرٍ أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لقد سبقت الإجابة عن حكم تارك الصلاة وبينت بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة وعلى هذا فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرثه أقاربه المسلمون وتنفسخ منه زوجته ولا يحل له دخول مكة وحرمها كما هو مبين في حلقة سابقة ولكن السؤال الذي أورده وهو أنه إذا كان يترك الصلاة أحياناً ويصلى أحياناً ويصوم بعض أيام رمضان ويترك البعض فما حكمه نقول إن كان يفعل ذلك إنكاراً للوجوب والفرضية أو شكاً في الوجوب فهو كافر. كافر من أجل هذا أي من أجل شكه في وجوب هذا الشيء أو من أجل إنكاره لوجوب هذا الشيء لأن فرض الصلاة والصيام معلوم بالكتاب والسنة والإجماع القطعي من المسلمين ولا ينكر فرضيته أحد من المسلمين إلا رجلاً أسلم جديداً ولم يعرف عن أحكام الإسلام شيئاً فقد يخفى عليه هذا الأمر وأما إذا كان يترك بعض الصلوات أو بعض أيام رمضان وهو مقر بوجوب الجميع فهذا فيه خلاف بالنسبة لترك الصلاة أما الصيام فليس بكافر لا يكفر بترك بعض الأيام بل يكون فاسقاً ولكن الصلاة هي التي نتكلم عنها فنقول اختلف العلماء القائلون بتكفير تارك الصلاة هل يكفر بترك فريضة واحدة أو فريضتين أو لا يكفر إلا بترك الجميع والذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا إذا ترك تركاً مطلقاً بمعنى أنه كان لا يصلى ولم يعرف عنه أنه صلى وهو مستمر على ترك الصلاة وأما إذا كان أحياناً يصلى وأحياناً لا يصلى مع إقراره بالفرضية فلا أستطيع القول بكفره لأن الحديث يقول (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ومن كان يصلى أحياناً لم يصدق عليه أنه ترك الصلاة والحديث يقول" ترك الصلاة " (والعهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) لم يقل فمن ترك صلاة فقد كفر ولم يقل بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك صلاة بل قال ترك الصلاة فظاهره أنه لا يكفر إلا إذا كان تركاً عاماً مطلقاً وأما إذا كان يترك أحياناً ويصلى أحياناً فهو فاسق ومرتكب أمراً عظيماً وجانٍ على نفسه جناية كبيرة.
فضيلة الشيخ: لو توفي وهو في حالة فسقه بتركه الصلاة هل يعتبر كافراً أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعتبر كافراً اللهم إلا إذا مات في الفترة التي لايصلىها فهذا عندي محل نظر لأننا لا نعلم عوده وهل في نيته أن يصلى بعد هذا الترك أو لا والأصل أنه تركها ولا يعود إليها هذا الظاهر لي ولكني أتوقف فيه إذا كان ممن يترك أحياناً ويصلى أحياناً ومات في الفترة التي كان تاركاً لها فأنا أتوقف فيه وأمره إلى الله.
***(8/2)
ما حكم تارك الصلاة عند الشافعي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف عن مذهب الشافعية أنهم لا يرون كفر تارك الصلاة ولكن الأدلة تدل على كفره والواجب على المؤمن اتباع ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو فرضه كما قال الله عز وجل (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) فاختلاف العلماء بحر لا ساحل له ولكن الميزان الذي توزن به هذه الاختلافات هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد سبق لنا في غير حلقة بيان الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة وأن كفره كفر مخرج عن الملة ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
***(8/2)
المرسل ع م ع شقراء يقول مناظرة الإمامين الجليلين أحمد بن حنبل والإمام الشافعي رضي الله عنهما وهي في كتاب فقه السنة المجلد الأول للسيد سابق صفحة خمس وتسعين والمناظرة هي ما ذكر السبكي في طبقات الشافعية أن الشافعي وأحمد رضي الله عنهما تناظرا في تارك الصلاة قال الشافعي يا أحمد أتقول إنه يكفر قال نعم قال إذا كان كافراً فبم يسلم قال يقول أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قال الشافعي فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه قال يسلم بأن يصلى قال صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم له بالإسلام بها فسكت الإمام أحمد رحمه الله تعالى فما رأي فضيلة الشيخ في هذه المناظرة وأرجو أن يفسر ما تعنيه هذه المناظرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في هذه المناظرة:
أولاً أنه يحتاج إلى إثباتها أي إلى أن يثبت بأنها وقعت بين الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمه الله فلابد من أن تكون ثابتة عنهما بسند صحيح يكون مقبولاً على حسب شرائط المحدثين وأيضاً مجرد نقل السبكي لها وبينه وبين الإمام الشافعي والإمام أحمد مئات السنين لا يكون ذلك حجة في ثبوتها عنهما
ثم إن التعبيرات التي وقعت فيها تعبيرات جافة تعبيرات يبعد جداً أن تصدر من الإمام الشافعي إلى الإمام أحمد مع أنه قد عرف عنه التعظيم الكامل الذي يليق بمقام الإمام أحمد وبمقام الشافعي رحمهم الله جميعاً
ثم إن هذه المناظرة تخالف المعروف في مذهب الإمام أحمد فإن المعروف في مذهب الإمام أحمد أن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يكون مسلماً إلا بفعلها وأنه إذا فعلها وصلى حُكم بإسلامه هذا هو المعروف من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وهكذا ينبغي أن يعرف السامع ويعرف السائل أن من كفر بشيء من الأشياء فإنه لا يسلم بمجرد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يصحح ما كفر به فمثلاً إذا قدر أنه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وهو ينكر فرضية الزكاة أو الصيام أو الحج فإنه لا يكون مسلماً بقوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يقر بفرضية ما أنكر فرضيته من هذه الأصول والمهم أن القاعدة في الكافر المرتد أنه إذا ارتدّ بشيء معين من الكفر فإنه لا يغنيه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يصحح ما حكمنا بكفره من أجله وعلى هذا نقول تارك الصلاة كافر ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولا يكون مسلماً إلا إذا صلى لأننا كفرناه بسبب فلابد أن يزول هذا السبب الذي من أجله كفرناه فإذا زال السبب الذي من أجله كفرناه حكمنا بأنه مسلم وعلى هذا فيفرق بين الكافر الأصلى الذي يدخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وبين المرتد بشيء من أنواع الردة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى ينتفي عنه ذلك الشيء الذي كفرناه به هذا هو سر المسألة فالذي نرى في هذه المناظرة.
أولاً أنه يبعد صحتها بين الإمامين الجليلين بما علم من التعظيم بينهما وهذه العبارات الجافة لا توجه من الإمام الشافعي للإمام أحمد حسب ما نعلمه من تعظيم أحدهما للآخر.
ثانياً: أن مجرد وجودها في طبقات الشافعية لا يعني أنها صحيحة بل كل قول ينسب إلى شخص يجب أن يحقق في سنده الموصل إليه لأنه قد يكون من الأقوال التي لا إسناد لها وقد يكون إسناد القول ضعيفاً لا يعتد به.
ثالثاً: أن هذه المناظرة تخالف ما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله بأن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يسلم إلا بفعلها ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
***(8/2)
شخص تارك للصلاة عارف بوجوبها يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويعترف بأنه مخطئ يسمع الأذان ولكنه لا يصلى وقد سمعت من بعض العامة بأنه كافر والآخر يقول بأنه مؤمن عاص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة من المسائل الهامة التي يجب العناية بها وذلك أن هذا الرجل الذي يترك الصلاة وهو معترف بوجوبها ولكنه يسمع الأذان ولا يصلى كما في السؤال إن كان يترك الصلاة مع الجماعة فإنه ليس بكافر وإنما إذا تركها مع اعتقاده بوجوبها يكون فاسقاً عاصياً لله ورسوله لأن وجوب صلاة الجماعة ظاهر في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكنه إذا تركها لا يكون كافراً أما إذا كان يترك الصلاة بالكلية لا يصلىها وحده ولا مع الجماعة فهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم والصواب من أقوالهم أنه يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة وذلك لدلالة الكتاب والسنة على كفره ونحن نذكر الآن بعض هذه الأدلة لأن حصرها لا يمكن في مثل هذه الحلقة فمن دلالة القرآن على كفره قوله تبارك وتعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ) فإن قوله وآمن يدل على أنه قبل ذلك حين إضاعته الصلاة ليس بمؤمن ومن لم يكن مؤمناً فهو كافر إذ لا واسطة بينهما كما قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) وكذلك قوله تعالى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فإن هذه الآية الكريمة تدل على أن المشركين إذا تابوا من الشرك بأن شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة كانوا إخواناً لنا في الدين لأنهم كانوا حينئذٍ مؤمنين والمؤمنون إخوة ومفهوم الآية الكريمة أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك أو لم يقيموا الصلاة أو لم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين وهذا يعني أنهم كفار فإذا لم يتوبوا من الشرك فهم كفار بلا شك وإذا تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة فإن مفهوم الآية الكريمة يدل على أنهم كفار على ما قررناه وإذا تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فإن مفهوم الآية الكريمة أيضاً يدل على أنهم كفار على ما قررناه آنفاً وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وهو رواية عن الإمام أحمد أي ذهبوا إلى أن من لم يؤد الزكاة مع اعترافه بوجوبها فهو كافر ولكن الصحيح أنه لا يكفر ولكنه يكون عاصياً فاسقاً مستحقاً للوعيد الشديد الذي ذكره الله تعالى في كتابه وذكره رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة فيمن منع إخراج الزكاة ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر عقوبة من لم يؤد الزكاة قال (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وإذا كان يمكن أن يرى سبيله إلى الجنة فإنه ليس بكافر إذ الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة وعلى هذا فيكون هذا الحديث منطوقه مقدماً على مفهوم الآية الكريمة لأنه من المقرر عند أهل العلم أن المنطوق مقدم على المفهوم هاتان آيتان من كتاب الله تدلان على كفر تارك الصلاة وأما السنة فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة الذي في السنن وهو إما صحيح أو حسن قال فيه (العهد الذي يننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فهذان حديثان يدلان على أن تارك الصلاة كافر وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم الفرق بين لفظ الشارع في قوله هذا كفر وفي قوله الكفر بالتعريف فقال إن الكفر تدل على أن المراد به الكفر المطلق المخرج من الإسلام وهذا هو التعبير الذي جاء في حديث جابر (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) فإذا قال قائل ألا يمكن أن يجعل الكفر المذكور في الحديث مثل الكفر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم وقتاله كفر ليس المراد به الكفر المخرج عن الملة بدلالة القرآن على ذلك حيث قال الله تبارك وتعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فقتال المؤمن للمؤمن كفر كما في الحديث ومع ذلك لم يخرجه من الملة لقوله تعالى (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فالجواب على ذلك أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال قتاله كفر بالتنكير ولم يقله بالتعريف بخلاف التعبير عنه في تارك الصلاة فإنه قال (بين الرجل وبين الكفر والشرك) وقد مر علينا آنفاً كلام شيخ الإسلام في هذه المسألة فيكون معنى قتاله كفر أي أن نفس القتال هذا كفر لأنه يتنافى مع الإيمان إذ لو كان مؤمناً حقاً ما قاتل أخاه المؤمن وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة قد دلا على كفر تارك الصلاة كفراً مخرجاً عن الملة وكذلك أيضاً الصحابة رضي الله عنهم روي عنهم ما يدل على ذلك كما في الصحيح عن عمر رضي الله عنه أنه قال (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) وقد حكى بعض العلماء إجماع الصحابة أو جمهورهم على كفر تارك الصلاة وعلى هذا إذا قلنا بأنه كافر -وهو القول الحق إن شاء الله- فإنه يحكم بردته ويثبت في حقه ما يثبت في حق المرتدين من انفساخ زوجته منه إن كان متزوجاً لأن المسلمة لا تحل لكافر بنص القرآن وكذلك أيضاً لا يغسل إذا مات ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين لأنه ليس منهم ويجب على أهله وذويه الذين يعلمون منه ترك الصلاة وإصراره على الترك إلى أن مات أن يدفنوه بعيداً عن مقابر المسلمين ويحرم عليهم أن يغسلوه أو يكفنوه أو يقدموه للمسلمين يصلون عليه لأن ذلك من غش المسلمين فإن المسلم لا يجوز له أن يصلى على الكافر لقوله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ) يعني من المنافقين (مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فالعلة هي الكفر وعلى هذا فلا يصلى على كل كافر سواء كان أصلىاً أم مرتداً كتارك الصلاة وينبني على ذلك أيضاً أنه لا يرثه أقاربه المسلمون إذا مات على هذه الحال لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) وكذلك هو لا يرث أحداً من أقاربه المسلمين إذا مات قريب له وهو في حال ترك الصلاة وكذلك ينبني عليه أنه لا يصح حجه لو حج وهو لا يصلى وينبني عليه أيضاً أنه لا يحل له أن يدخل مكة ولا حرمها لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وهذه المسألة مهمة جداً يجب العناية بها والتنبه لها ويجب على من علم بشخص هذه حاله أن ينصحه أولاً ويرشده إلى الحق ويخوفه من عذاب الله سبحانه وتعالى فإن انتهى واستقام وأقام الصلاة فذلك من نعمة الله عليه وعلى من نصحه وأرشده وإن لم يفعل فالواجب على من علم به أن يرفعه إلى ولاة الأمور وعلى ولاة الأمور أن يقوموا بما أوجب الله عليهم في معاملة هذا الشخص وأمثاله ونسأل الله تعالى للجميع التوفيق والهداية إنه جواد كريم.
***(8/2)
من سعيد أحمد باقادي من مكة المكرمة يقول شخص لم يصلِ إلا في شهر رمضان فهل يصح صومه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي لا يصلى إلا في نهار رمضان إن كانت صلاته في نهار رمضان رجوعا إلى الله وتوبة من تركه للصلاة أثناء العام وعزماً على أن يستمر على أداء الصلاة فيما بقي من عمره فإن صومه صحيح حتى لو قلنا بأن تارك الصلاة يكفر بترك فريضة واحدة كما قال به بعض السلف فإن توبته تجب ما قبلها، أما إذا كان يصلى رمضان وهو مصر على أنه لن يصلى إذا خرج رمضان، فإن كان يعتقد أن الصلاة لا تجب في غير رمضان فهو كافر وصومه مردود عليه وصلاته في رمضان غير مقبولة منه، وإن كان يعتقد الفرضية لكنه مصر على الترك معصية لله وفسوقاً فإنه يقبل منه الصيام، لكنه يخشى إذا ترك الصلاة بعد رمضان أن يموت على هذه الحال ويكون موته خطيراً جداً بالنسبة لحاله هل هو مسلم أو كافر.
فضيلة الشيخ: شخص يصوم ولا يصلى هل يصح له صوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يصوم ولا يصلى لا يقبل منه صوم، لأنه كافر مرتد ولا تقبل منه زكاة ولا صدقة ولا أي عمل صالح، لقول الله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) فإذا كانت النفقة وهي إحسان إلى الغير لا تقبل من الكافر فالعبادة القاصرة التي لا تتجاوز فاعلها من باب أولى، وعلى هذا فالذي يصوم ولا يصلى هو كافر والعياذ بالله وصومه باطل وكذلك جميع أفعاله الصالحة لا تقبل منه.
***(8/2)
ماحكم من يكون عليه جنابة أثناء وقت السحور ثم تسحر وبعد الأذان نوى الإمساك ثم ذهب ونام وهو لم يؤد الصلاة ولم يغتسل من الجنابة ونام حتى المغرب ولم يؤد الصلاة ولم يغتسل علماً بأن الزوجة قامت بأمره وهو مستيقظ ولم يسمع كلامها فأفتونا في هذا ماجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل يدع الصلاة في هذا اليوم وفي غيره فإنه لا صيام له وصيامه باطل مردود عليه لأن الصيام لا يصح من كافر وتارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة وهو مرتد عن الإسلام إذا مات على هذه الحال فهو من أهل النار المخلدين فيها الذين يحشرون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أما إذا كان تركها في ذلك اليوم وحده وكان من عادته أن يصلى فلا شك أنه أتى إثماً عظيماً ولكنه لا يكفر بذلك وصيامه صحيح لأنه ليس من شرط الصيام الطهارة من الجنابة ولهذا لو أن الإنسان أصبح جنباً وهو صائم كان صومه صحيحاً يعني لو أنه حصلت عليه جنابة في آخر الليل ثم تسحر ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإن صيامه صحيح ودليل ذلك قوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وهذا يقتضي أنه يجوز أن يجامع إلى أن يطلع الفجر ومن لازم ذلك أنه لن يغتسل إلا بعد طلوع الفجر ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يصبح جنباً من أهله ثم يصوم.
***(8/2)
هل يجوز للمسلم أن يرد التحية على تارك الصلاة أو على أهل الكتاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمسلم إذا سلم عليه أحد من أهل الكتاب أو من غيرهم أن يرد عليهم السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك بل إن الله تعالى قال (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) ولم يقل وإذا حياكم المسلمون بل هو عام (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم) وعلى هذا إذا سلم علينا الكافر رددنا عليه بمثل ما سلم فإذا قال السلام عليكم بلفظ صريح في السلام قلنا عليكم السلام وإذا قال أهلا وسهلا قلنا أهلا وسهلا وإذا قال صبحكم الله بالخير قلنا صبحكم الله بالخير وهكذا نحييه بمثل ما حيانا به امتثالا لأمر الله عز وجل ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص على أن يدعو الكفار إلى دين الله عز وجل ما استطاع إلى ذلك سبيلا وكم من إنسان كان كافرا أو ملحدا فمنَّ الله عليه بالهداية على يد شخص رد عليه السلام يعني أجابه برد السلام وبسط له نفسه وشرح له صدره حتى هداه الله عز وجل وآمن.
***(8/2)
هذا المستمع عبد العزيز أأ يقول فضيلة الشيخ اطلعت على كتاب يرى فيه المؤلف عدم كفر تارك الصلاة ورد على من قال بكفر تارك الصلاة بأنه كفر دون كفر مستدلا بحديث الشفاعة وغيره فما رأي الشرع في نظركم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عن مسألة عظيمة كبيرة اختلف فيها الناس ولاسيما بعد الصدر الأول هل كفر تارك الصلاة كفر أكبر مخرج عن الملة أو هو كفر دون كفر والمرجع عند النزاع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لقول الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وقد أحالنا الله عز وجل عند التنازع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ونحن إذا رددنا هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم رأينا أن الكتاب والسنة يدلان على أن تارك الصلاة كافر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة وذلك من قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فاشترط الله تعالى للأخوة في الدين ثلاثة شروط الأول التوبة من الشرك والثاني إقامة الصلاة والثالث إيتاء الزكاة ومن المعلوم أن المشروط يتخلف إذا تخلف شرطه فالأخوة في الدين تتخلف إذا تخلف هذا الشرط المركب من ثلاثة أمور التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ولا تتخلف الأخوة في الدين إلا بخروج الإنسان من الدين بالكلية وإلا فالأخوة في الدين باقية ولو مع المعاصي والفسوق ودليل بقاء الأخوة الإيمانية مع المعاصي والفسوق قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فأوجب الله تعالى القصاص فيمن من قتل أخاه عمدا ومعلوم أن القتل العمد من أكبر الكبائر وأعظم العدوان على البشر وقد قال الله فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) ومع ذلك لم تخرجه هذه المعصية الكبيرة من الأخوة الدينية حيث قال جل وعلا (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فجعل الله تعالى المقتول أخاً للقاتل وكذلك قال سبحانه وتعالى في الطائفتين من المؤمنين إذا اقتتلتا قال (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة الثالثة المصلحة مع أن قتال المؤمن كفر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وهذا هو الذي نقول أنه كفر دون كفر لأن الله أثبت الإيمان مع الاقتتال فدل هذا على أن إطلاق الكفر على من قاتل أخاه يراد به كفر دون كفر أقول الأخوة الإيمانية لا تنتفي إلا بالخروج من الدين بالكلية والآية التي سقناها في أول الجواب تدل على أن الأخوة الإيمانية لا تثبت إلا بالشروط الثلاثة أو بشرط مركب من ثلاثة أوصاف التوبة من الشرك إقامة الصلاة إيتاء الزكاة وأما من السنة فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وفي السنن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركه فقد كفر) وهذا صريح في أن كفر تارك الصلاة كفر مخرج عن الملة لأنة جعله فاصلا بين المسلمين والكفار وبين الكفر والإيمان والفاصل والحد يخرج المفصول عن الآخر والمحدود عن الآخر وقد دل إجماع الصحابة على ذلك فقد نقل إجماعهم عبد الله بن شقيق أحد التابعين المعروفين فقال (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) ونقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك الإمام المشهور إسحاق بن راهويه والنظر والقياس يقتضي ذلك فإن رجلاً يحافظ على ترك الصلاة ويشاهد الناس يصلون وهو لا يصلى لا ليلا ولا نهارا لا في المسجد ولا منفردا كيف يقول الإنسان إن هذا مؤمن المؤمن لا يمكن أن يحافظ على ترك الصلاة أبدا بل المؤمن يحافظ على الصلاة قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) وإذا كان كذلك فهل هناك حديث يقول إن تارك الصلاة مؤمن أو يقول إن تارك الصلاة في الجنة أو يقول إن تارك الصلاة مع المؤمنين بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من لم يحافظ عليها فإنه يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف والأحاديث بل والأدلة التي استدل بها من قال إن تارك الصلاة لا يكفر وأن كفره كفر أصغر كفر دون كفر لا تخرج عن أحوال خمسة:
أولاً: إما أن لا يكون فيها دليل أصلا مثل استدلال بعضهم بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)
ثانياً: وإما أن تكون مقيدة بوصف لا يمكن معه ترك الصلاة كحديث عتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) وفي لفظ (يبتغي بذلك وجه الله) فهل من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله يمكن أن يدع الصلاة وهو يطلب وجه الله لا يمكن أبدا.
ثالثا أو مقيدة بحال يعذر فيها من لم يصلِّ مثل حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في قوم اندرس الإسلام في عهدهم ولم يعرفوا من الإسلام إلا قول لا إله إلا الله فقالوها فدخلوا الجنة بها لأن هؤلاء لا يعرفون شيئا فهم معذورون بعدم معرفة شرائع الإسلام وشعائره ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
الرابع أحاديث ضعيفة لا تقاوم الأدلة الصحيحة الدالة على كفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة ومعلوم أنه عند التعارض يؤخذ بالمتأخر إن علم التاريخ وإلا فالترجيح والضعيف لا يمكن أن يقاوم القوي ولا أن يعارض به القوي.
الخامس أحاديث عامة تخصصها أحاديث ترك الصلاة وذلك مثل أحاديث الشفاعة التي فيها أن الله يخرج من النار من لم يعمل خيرا قط فهل قال الرسول عليه الصلاة والسلام في أحاديث الشفاعة أنهم يخرجون من النار من لم يصلِّ لا بل قال من لم يعمل خيرا قط فيقال يستثنى من ذلك الصلاة لأن النصوص دلّت على أن تركها كفر والكافر لا يخرج من النار لقول الله تعالى (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) وثم نقول لهؤلاء الذين استدلوا بحديث الشفاعة أنتم لا تقولون بموجبه فإذا قدر أن الذي في النار لم يقل لا إله إلا الله فهل يخرج بالشفاعة لا يخرج بالشفاعة مع أنه لم يعمل خيرا قط فهذا النص ليس على عمومه بل فيه ما يخصصه وبهذا تكون أدلة القول بكفر تارك الصلاة أدلة قائمة سالمة من المعارض المقاوم فوجب الأخذ بها ونحن نبرأ إلى الله أن نكفر من لم يكفره الله ورسوله كما نبرأ إلى الله أن نتهيب من تكفير من كفره الله ورسوله الأمر لله والحكم لله فإذا حكم على أحد بالكفر وجب علينا قبوله والرضا به والحكم بكفره وإذا نفى الكفر عن أحد وجب علينا الرضا بذلك ونفي الكفر عنه وليس لنا أن نتعدى حدود الله وليس لنا أن نعترض على شرعه وإذا تبين أن كفر تارك الصلاة قد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والنظر الصحيح وأن ما عارضه لا يقاومه وجب الأخذ به.
بقي أن يقال ما تقولون في من ترك الزكاة بخلا وتهاوناً هل يكفر فالجواب قال بعض العلماء بكفره وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله واستدلوا بآية التوبة التي سقناها في أول كلامنا (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) ولكن الذي يظهر أنه لا يكفر مانع الزكاة بخلا وتهاوناً لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار فقوله صلى الله عليه وآله وسلم (إما إلى الجنة وإما إلى النار) يدل على أنه لا يكفر بذلك لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة وعلى هذا فيكون مفهوم الآية التي سقناها في أول كلامنا مبينا بحديث أبي هريرة الذي ذكرناه الآن فإن قال قائل ما تقولون فيمن حمل أحاديث كفر تارك الصلاة على من جحد وجوبها قلنا نقول إن هذا غير صحيح لأن من حملها على من جحد وجوبها فقد ارتكب أمرين محظورين.
الأمر الأول صرف اللفظ عن ظاهره.
الأمر الثاني إيجاد معنى لا يدل عليه اللفظ.
كما ارتكب أيضا أمراً ثالثا وهو أن جحد الوجوب موجب للكفر سواء صلى أم لم يصلّ والحديث من ترك الصلاة وأن من تركها فقد كفر وبين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة فكيف نعدل عن الوصف الذي رتب الشرع عليه الكفر إلى وصف لم يذكر الشرع هذا من المخالفة الظاهرة ويذكر عن الإمام أحمد في آية قتل المؤمن عمدا أن جزاءه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فقيل له إن قوماً يقولون هذا فيمن استحل القتل فضحك رحمه الله وقال من استحل قتل مؤمن فهو كافر سواء قتله أم لم يقتله وهكذا نقول فيمن حمل أحاديث كفر تارك الصلاة على من جحدها نقول من جحدها فهو كافر سواء صلى أم لم يصل نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن رأى الحق حقا واتبعه ورأى الباطل باطلا واجتنبه وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم وإنني عقب هذا أنصح من لعب به الشيطان فترك الصلاة أن يتقي الله عز وجل وأن يعود إلى رشده وأن يدخل في دينه الذي خرج منه وأن يعلم أن ترك الصلاة أكبر من الزنى والخمر والسرقة وقطع الطريق وغيرها من الكبائر التي دون الكفر فليتقِ الله في نفسه وليتق الله في أهله لأن الأمر خطير ولا يدري لعله يموت على هذه الحال فيكون من أهل النار نسأل الله العافية والسلامة.
***(8/2)
توفي أبي منذ عشرين سنة وكان قاطعاً للصلاة وكان يفطر أحياناً في رمضان كما أخبرتني والدتي وهي تنصحه ولكن بالنسبة للفطر في رمضان امتنع عنه أما الصلاة فكان قاطعاً لها حتى توفي فهل يجوز لي أن أدعو له بالمغفرة والرحمة أفيدوني بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن والدك الذي قطع الصلاة ولم يصل حتى مات لا يحل لك أن تدعو الله له بالمغفرة والرحمة وذلك لأنه مات على الكفر وقد قال الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وإنما حكمنا على والدك بالكفر بترك الصلاة بدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح والاعتبار على كفر تارك الصلاة أما الأدلة من كتاب الله فمنها قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى لم يثبت الأخوة في الدين إلا بهذه الأوصاف الثلاثة التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والمشروط إذا علق على شرط متعدد الأوصاف فلا بد من تحقق هذا الشرط بأوصافه فإذا تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر، والمعاصي مهما عظمت لا تخرج الإنسان من الدين إذا كانت لا تصل إلى درجة الكفر ولا تخرجه من الأخوة الإيمانية وانظر إلى قتل المؤمن عمداً فإن قتل المؤمن عمداً من أعظم الكبائر التي دون الشرك ومع ذلك لا تخرج القاتل عن الأخوة في الدين كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) فجعل الله القاتل أخاً للمقتول مع أنه فعل ذنباً من أعظم الذنوب بعد الشرك وهو قتل المؤمن وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فقد جعل الله عز وجل هاتين الطائفتين المقتتلتين أخوين للطائفة المصلحة بينهما فقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) مع أن قتال المؤمن لأخيه من كبائر الذنوب فإذا علم ذلك تبين أن انتفاء الأخوة في الدين لا يكون إلا بكفر مخرج عن الدين وعلى هذا فإذا تاب المشرك من شركه ولكنه لم يقم الصلاة فإنه لا يكون أخاً لنا في الدين فلا يكون مؤمناً بل يكون كافراً خارجاً عن ملة الإسلام فإن قلت ينتقض عليك هذا بإيتاء الزكاة فهل تقول إن من لم يزك يكون كافراً خارجاً عن الملة فالجواب إن بعض أهل العلم قال بذلك وقال إن من ترك الزكاة متهاوناً بها كفر وخرج عن الملة ولكن القول الراجح أنه لا يكفر بدليل حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فكونه يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة يدل على أنه ليس بكافر إذ أن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلاً له إلى الجنة وبهذا يكون إيتاء الزكاة الذي تدل الآية بمفهومها على أنه شرط للأخوة في الدين يكون معارضاً بمنطوق الحديث وقد علم من قواعد الأصول أن المنطوق مقدم على المفهوم.
***(8/2)
من العراق بابل محمد فيصل يقول إنني أرى كثيراً من الناس يؤدون فريضة الحج ويصومون شهر رمضان مع أنهم لا يصلون هل ينفعهم حجهم وصيامهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مسألة عظمية وخطيرة يقع فيها بعض الناس بأن يكونوا يصومون ويحجون ويعتمرون ويتصدقون ولكنهم لا يصلون فهل أعمالهم الصالحة هذه مقبولة عند الله عز وجل أم مردودة.
هذا ينبني على الخلاف في تكفير تارك الصلاة فمن قال إنه لا يكفر قال إن هذه الأعمال مقبولة ومن قال إنه يكفر قال إن هذه الأعمال غير مقبولة ومرجع خلاف العلماء ونزاعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وقوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ونحن إذا رددنا نزاع العلماء في هذه المسألة إلى كتاب الله وسنة رسوله وجدنا أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدلان على أن تارك الصلاة كافر وأن كفره كفر أكبر مخرج عن الملة فمن ذلك قوله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فإن هذه الجملة الشرطية تدل على أنه لا تتم الأخوة لهؤلاء إلا بهذه الأمور الثلاثة التوبة من الشرك وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإذا كانت هذه الجملة شرطية فإن مفهومها أنه إذا تخلف واحد منها لم تثبت الأخوة الدينية بيننا وبينهم ولا تنتفي الأخوة الدينية بين المؤمن وغيره إلا بانتفاء الدين كله ولا يمكن أن تنتفي بالمعاصي وإن عظمت فمن أعظم المعاصي قتل المؤمن وقد قال الله فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) ومع ذلك قال الله تعالى في آية القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) فجعل الله تعالى القتيل أخاً للقاتل مع أن القاتل قتله وهو مؤمن وقتل المؤمن من أعظم كبائر الذنوب بعد الشرك وهذا دليل على أن المعاصي وإن عظمت لا تنتفي بها الأخوة الدينية أما الكفر فتنتفي به الأخوة الدينية فإن قلت هل تقول بكفر من منع الزكاة بخلاً قلت لولا الدليل لقلت به بناءً على هذه الآية ولكن هناك دليل رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة في مانع الزكاة حيث ذكر عقابه ثم قال بعد ذلك ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وكونه يرى سبيله إلى الجنة دليل على أنه لم يخرج من الإيمان وإلا ما كان له طريق إلى الجنة وأما من السنة فمثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه بريدة وأخرجه أهل السنن (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وهذا هو الكفر المخرج عن الملة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل بين إسلام هذا الرجل وكفره فاصلاً وهو ترك الصلاة والحد الفاصل يمنع من دخول المحدودين أحدهما في الآخر فهو إذا خرج من هذا دخل في هذا ولم يكن له حظ من الذي خرج منه وهو دليل واضح على أن المراد بالكفر هنا الكفر المخرج عن الملة وليس هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم (اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت) لأنه قال فقط هما بهم كفر أي أن هذين العملين من أعمال الكفر وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) فجعل الكفر منكراً عائداً على القتال أي أن القتال كفر بالأخوة الإيمانية ومن أعمال الكافرين لأنهم هم الذين يقتلون المؤمنين وقد جاء في الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم كفر تارك الصلاة قال عبد الله بن شقيق وهو من التابعين الثقات (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) ونقل إجماع الصحابة على ذلك أي على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة نقله إسحاق بن راهويه الإمام المشهور والمعنى يقتضي ذلك فإن كل إنسان في قلبه إيمان يعلم ما للصلاة من أهمية وما فيها من ثواب وما في تركها من عقاب لا يمكن أن يدعها خصوصاً إذا كان قد بلغه أن تركها كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة فإنه لا يمكن أن يدعها ليكون من الكافرين وبهذا علمنا أن دلالة الكتاب والسنة وآثار الصحابة والاعتبار الصحيح كلها تدل على أن من ترك الصلاة فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة وقد تأملت ذلك كثيراً ورجعت ما أمكنني مراجعته من كتب أهل العلم في هذه المسألة وبحثت مع من شاء الله ممن تكلمت معه في هذا الأمر ولم يتبين لي إلا أن القول الراجح هو أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة وتأملت الأدلة التي استدل بها من يرون أنه ليس بكافر فرأيتها لا تخلو من إحدى أربع حالات:
إما أن لا يكون فيها دليل أصلاً.
وإما أن تكون مقيدة بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.
وإما أن تكون مقيدة بحال يعذر فيها من ترك الصلاة لكون معالم الدين قد اندرست.
وإما لأنها عامة مخصصة بأحاديث أو بنصوص كفر تارك الصلاة ومن المعلوم عند أهل العلم أن النصوص العامة تخصص بالنصوص الخاصة ولا يخفى ذلك على طالب علم وبناء على ذلك فإنني أوجه التحذير لإخواني المسلمين من التهاون بالصلاة وعدم القيام بما يجب فيها وبناء على هذا القول الصحيح الراجح وهو أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة فإن ما يعمله تارك الصلاة من صدقة وصيام وحج لا يكون مقبولاً منه لأن من شرط القبول الأعمال الصالحة أن يكون العامل مسلماً وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) فدل ذلك على أن الكفر مانع من قبول الصدقة مع أن الصدقة عمل نافع متعد نفعه للغير فالعمل القاصر من باب أولى أن لا يكون مقبولاً وحينئذ فالطريق إلى قبول أعمالهم الصالحة أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما حصل منهم من ترك الصلاة وإذا تابوا فإنهم لا يطالبون بقضاء ما تركوه في هذه المدة بل يكثرون من الأعمال الصالحة ومن تاب تاب الله عليه كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً) أسأل الله أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم وأن يمن علينا بالتوبة النصوح التي يمحو بها ما سلف من ذنوبنا إنه جواد كريم.
***(8/2)
عندنا ناس في القرية لا يصلون ونأمرهم بالصلاة لكنهم لا يفعلون والمشكلة بأنهم أقرباء لي وهم أخوالي وأنا أجلس معهم وأحادثهم فماذا علي أن أفعل مع أنني لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان لأنهم معي في كل وقت فبماذا تنصحونني جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يقتضي مني شيئين:
الشيء الأول توجيه النصيحة إلى هؤلاء القوم الذين ذكر السائل أنهم لا يصلون فإن كانوا لا يصلون مطلقاً لا في البيوت ولا في المساجد فهم كفار مرتدون خارجون عن دين الإسلام لدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على ذلك وقد تكلمنا على هذا مرارا وكتبنا فيه رسالة صغيرة وكتب فيه غيرنا وبينا الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة فنحيل القارئ إلى ما كتبناه في هذا الموضوع ونبين أن كل من عارض هذا القول فإنما يعارضه بما لا دليل له فيه وأعلى ما يقال في هذا كلمة واحدة هي أن النصوص العامة في أن من قال لا إله إلا الله لا يخلد في النار هي عامة خصصت بالنصوص الدالة على كفر تارك الصلاة هذا إذا سلمنا صحة الدليل وصحة الاستدلال فإنا نقول هذا عام ونصوص كفر تارك الصلاة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة التي حكى بعض الأئمة إجماعهم على كفر تارك الصلاة مخصصة لهذا العموم وحينئذ يتبين ضعف كل احتجاج يحتج به المخالف في هذه المسألة فأنصح هؤلاء القوم الذين تحدث عنهم السائل أقول اتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في أهليكم لأنهم إذا رأوكم لا تصلون لم يصلوا واتقوا الله في قريتكم واتقوا الله في عموم المسلمين لأن الله تعالى يقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وإذا أضاع المجتمع المسلم صلاته فما الذي بقي عليه إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصف الصلاة بأنها عمود الإسلام وعمود البنيان لا يمكن للبنيان أن يقوم بدونه ثم إنه ما الذي يضيره من الصلاة مدتها قليلة بالنسبة للأربع والعشرين ساعة مع ما فيها من نشاط وتطهير للبدن وإنابة إلى لله عز وجل وخشوع وسلامة قلب وإصلاح عمل (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) ومع ما فيها من ثواب الآخرة فقد قال الله عز وجل (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلاَّ الْمُصلىنَ) فالمصلى لا يجزع إذا مسه الشر بل يقول هذا من قضاء الله وقدره والحمد لله على كل حال والمصلى إذا مسه الخير بذله ونفع به عباد الله ونفعه لعباد الله نفع لنفسه في الحقيقة فاستثنى الله المصلىن (إِلاَّ الْمُصلىنَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) ثم ذكر صفاتهم ثم قال في آخر ذلك (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فبدأ بالصلاة وختم بها ولا يسع المقام أن أتكلم عن آثار الصلاة في القلب والوجه والاتجاه والعمل لأنها كثيرة فليتقوا الله في أنفسهم وليكرهوا أنفسهم على ما فيه الخير يكرهوا أنفسهم على الصلاة وليتمرنوا عليها لمدة أسبوع وأنا واثق أنهم إذا كانوا مقبلين على الله بأداء الصلاة في هذا الأسبوع فسوف يجدون حياة جديدة ولذة في العبادة وأنسا بالله عز وجل فليتقوا الله ربهم ثم إذا كانوا يؤدون الصلاة في بيوتهم فهذا لا شك خير لكن قد فاتهم الأجر العظيم في ترك الصلاة مع الجماعة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر بأن (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وهؤلاء القوم فيما أظن لو قيل لهم أنكم ستربحون في هذه السلعة واحد في العشرة ليس سبعة وعشرين في الواحدة لتجشموا المصاعب وشدوا الرحال لتحصيل هذا المكسب فكيف بمكسب الآخرة الذي هو خير وأبقى ثم إنهم إذا فوتوا الصلاة مع الجماعة كانوا متشبهين بالمنافقين كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا) ثم إنهم إذا تخلوا عن الجماعة كانوا معرضين أنفسهم للعقاب لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم في صلاة الجماعة أنها واجبة وأنه لا يجوز التخلف عنها إلا من عذر هذه نصيحتى لهؤلاء القوم الذين تحدث عنهم السائل أما الجواب على سؤاله فأقول إذا كان أقاربه هؤلاء لا يصلون مطلقا وبذل لهم النصيحة تلو النصيحة ولكنهم لم يمتثلوا فالواجب عليه هجرهم والبعد عنهم فلا يسلم عليهم ولا يجيب دعوتهم ولا يدعوهم إلى بيته وليصبر على ذلك فإن الله تعالى سيجعل له فرجا ومخرجا لكن مع هجرهم لا ييأس يدعوهم ينصحهم إما بالمشافهة أو بالمراسلة فلعلهم مع كثرة النصح يهتدون إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم.
***(8/2)
يقول والدتي لا تصلى إلا في رمضان ونصحتها كثيرا بالمداومة على أداء الصلاة وذلك من خلال الأشرطة الدينية والكتيبات والأحاديث من ترغيب وترهيب وشتى الوسائل ولكنها لا تستجيب لهذا النصح وتقول بأن عملي في البيت لا يسمح لي لأنني ربة بيت ولا يوجد من يساعدني في متطلبات المنزل من أمور الطهي والغسيل والكي إلى آخره وربما لا تصلى إلا أثناء وجودي وعند سفري تتهاون وتترك بعض الأوقات من الصلاة ما توجيهكم شيخ محمد وتوجيهكم أيضا لي أنا ماذا أفعل معها هل أقاطعها وأترك مراسلتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لهذه المرأة أن تتقي الله عز وجل وأن تقوم بما أوجب الله عليها من الصلوات الخمس في أوقاتها لأن من ترك الصلاة بلا عذر فإنه يكون كافرا مرتدا عن دين الإسلام وإن تركها لعذر حتى خرج وقتها مثل النوم والغفلة أي النسيان فإنه يصلىها متى ذكرها ومتى استيقظ، وأقول لهذه المرأة اتقي الله في نفسك فإنك إن مت على ترك الصلاة متِّ كافرة وحشرت مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وحرم الله عليك الجنة فإن القرآن والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم كلها تدل على أن تارك الصلاة كافر أما القرآن فقوله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) ووجه الدلالة من هذه الآية أن الله اشترط لثبوت الأخوة الدينية ثلاثة شروط الأول التوبة من الشرك والثاني إقامة الصلاة والثالث إيتاء الزكاة فأما التوبة من الشرك فهي شرط لثبوت الأخوة الإيمانية بإجماع المسلمين إذ لا أخوة بين المشرك والمؤمن إطلاقا حتى ولو كان أخاه من أبيه وأمه فإنه ليس أخا له في الحقيقة ولهذا قال الله تبارك وتعالى لنوح عليه الصلاة والسلام حين قال (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) قال الله تعالى (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) فنفى الله تعالى أن يكون من أهله مع أنه ابنه لأنه كافر وأعظم بينونة وفرقة ما تكون بين المسلم والكافر وأما إقامة الصلاة فإن ظاهر الآية الكريمة أنها لا تثبت الأخوة في الدين إلا إذا أقام الصلاة ومفهومه إذا لم يقم الصلاة فلا أخوة في الدين ولا تنتفي الأخوة في الدين بمجرد المعاصي وإن عظمت بل لا يكون انتفاء الأخوة في الدين إلا بالكفر وعلى هذا فتكون الآية دالة على أن من لم يقم الصلاة فهو كافر وأما إيتاء الزكاة فنقول فيه كما قلنا في إقامة الصلاة أن من لم يؤتِ الزكاة فهو كافر خارج عن الملة وقد قال بذلك بعض أهل العلم أي أن ترك إيتاء الزكاة كفر مخرج عن الملة وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وهو ظاهر الآية الكريمة لكن هذا معارض بما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فكونه يرى سبيله إلى الجنة يدل على أنه ليس بكافر إذ لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة وعلى هذا فيكون إخراج إيتاء الزكاة من هذه الآية الكريمة ثابت بالسنة وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) وفي السنن عن بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وأما أقوال الصحابة فقد نقل عبد الله بن شقيق وهو من التابعين المعروفين عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (أنهم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) ونقل إجماعهم إسحاق بن راهوية أي إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة كافر وهناك دليل رابع يدل على كفر تارك الصلاة وهو الدليل النظري فإنه ليس من المعقول أن يحافظ الإنسان على ترك الصلاة مع عظمها وشرف مرتبتها في أركان الإسلام وعلو شأنها وهو مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر هذا محال وبناءً على ذلك نحذر هذه الأم التي لا تصلى إلا في رمضان من ترك الصلاة والعجب أنها تعتذر بشؤون البيت ولا أدري كيف تكون شؤون البيت شاغلة لها عن الصلاة في غير رمضان وغير شاغلة لها في رمضان فلتجب عن هذا السؤال ثم نقول إن الصلاة لا تستوعب وقتا طويلا يعني أن الصلاة كلها بوضوئها إذا كان وضوء عاديا لا تستوعب أكثر من ساعة أو عشر دقائق ولكن الشيطان يلعب بعقول بني آدم حتى يجعل السهل اليسير عسيرا عليهم ولا سيما إذا عظمت منزلته في دين الله إي إذا عظمت منزلة هذا الشيء في دين الله فإنه أي الشيطان يحرص غاية الحرص على أن يثبط الإنسان عنه لأن الشيطان كفر بترك سجدة لله عز وجل حين أمره أن يسجد لآدم فاستكبر وكان من الكافرين وهو يريد من بني آدم أن يكفروا كما كفر هو كما أن أعداء المسلمين من الكفار أيضا يودون أن يكفر المسلمون كما كفروا قال الله تعالى (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) فعلى هذه الأم أن تتقي الله عز وجل في نفسها وأن تستعين الله وهي إذا قامت بالصلاة فإن الصلاة تعينها على شؤون البيت قال الله تعالى (واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) والوقت الذي ينقضي بفعل الصلاة وما يلزم لها من طهارة ونحوها يجعل الله تعالى في بقية الزمن بركة يحصل فيه من الأعمال ما لا يحصل فيما لو نزعت البركة أما بالنسبة للولد فإن الولد قد قام بواجبه حين كان ينصح أمه ويحذرها ويخوفها ولكنها لم تفعل وأما مقاطعته إياها فينظر إن كان في مقاطعته إياها مصلحة بحيث تتوب إلى الله عز وجل وتخجل مما كانت عليه فليقاطعها لعلها تتوب وإن كانت مقاطعته إياها لا تزيدها إلا تماديا وطغيانا فلا يقاطعها.
***(8/2)
هل تجوز الصلاة على من مات ولم يصل؟ وما معنى الحديث صلوا على من مات من أهل القبلة هل هم المصلون المتوجهون للقبلة أم هذا الحديث عام لكل المسلمين الموحدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من مات وهو لا يصلى فإنه لا يجوز أن يصلى عليه ولا يجوز أن يدعى له بالرحمة ولا يغسل ولا يكفن وإنما يخرج به إلى خارج البلد ويحفر له حفرة ويغمس فيها لأنه مرتد عن دين الإسلام، وقد بينا في غير حلقة مما سبق الأدلة على كفر تارك الصلاة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والنظر الصحيح وبينا أيضا أن ما عارض ذلك ليس فيه معارضة في الواقع لأنه إما عام مخصوص بأدلة كفر تارك الصلاة وإما ضعيف وإما في حال معينة فالمهم أن القول الراجح الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة أن تارك الصلاة كافر كفرا مخرجاً عن الملة ولا يجوز أن يصلى على أحد كافر كفرا مخرجاً عن الملة وكذلك أيضا لا يجوز أن ندعوا له بالرحمة ولا بالمغفرة لقول الله تبارك وتعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) يعني أن هذا ممتنع ثم أجاب الله تعالى عن استغفار إبراهيم لأبيه فقال (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) .
***(8/2)
رسالة وردتنا من عبد العزيز محمد عبد القوي من جمهورية مصر العربية يقول في رسالته الطويلة مجملها يعيب بعض العلماء على المسلم الذي يصوم ولا يصلى فما دخل الصلاة في الصيام فأنا أريد أن أصوم لأدخل مع الداخلين من باب الريان ومعلوم أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما أرجو التوضيح عبر برنامجكم وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذين عابوا عليك أنك تصوم ولا تصلى على صواب فيما عابوه عليك وذلك لأن الصلاة عمود الإسلام ولا يقوم الإسلام إلا بها والتارك لها كافر خارج عن ملة الإسلام والكافر لا يقبل الله منه صياماً ولا صدقة ولا حجاً ولا غيرها من الأعمال الصالحة لقول الله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) وعلى هذا فإذا كنت تصوم ولا تصلى فإننا نقول لك إن صيامك باطل غير صحيح ولا ينفعك عند الله ولا يقربك إليه وأما ما توهمته من أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما فإننا نقول لك إنك لم تعرف الأحاديث الواردة في هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر) فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم لتكفير رمضان إلى رمضان أن تُجتنب الكبائر وأنت أيها الرجل الذي لا تصلى وتصوم لم تجتنب الكبائر فأي كبيرة أعظم من ترك الصلاة بل إن ترك الصلاة كفر فكيف يمكن أن يكفر الصيام عنك ترك الصلاة وهو لا يُقبل منك لأنك كافر والعياذ بالله فعليك يا أخي أن تتوب إلى ربك وأن تقوم بما فرض الله عليك من صلاتك ثم بعد ذلك تصوم ولهذا لَمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال (ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات لكل يوم وليلة) فبدأ بالصلاة ثم ثنى بالزكاة بعد ذكر شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
***(8/2)
يقول السائل لماذا يُسلم كثير من الكفار في شهر رمضان فيصلون ثم يكفرون بعد خروجه فيتركون الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لعل هؤلاء الذين يسلمون بعد الكفر في نهار رمضان يجدون من المسلمين نشاطاً في هذا الشهر نشاطاً ملحوظاً بيناً وعادة الإنسان بفطرته أنه ينشط مع الناشطين ويكسل مع الكاسلين ولهذا كانت العبادة في أيام غربة الدين يكون للعامل فيها أجر خمسين من الصحابة لقلة من يؤازره ويعينه ويشد أزره فلعل هؤلاء الذين يسلمون في شهر رمضان يرون هذا النشاط الزائد فيرغبون في الإسلام ثم إذا خرج رمضان كما هي عادة المسلمين وأقولها وأنا متأسف يفترون عن النشاط في عبادة الله فيرجع هؤلاء إلى كفرهم كما رجع هؤلاء المجتهدون من المسلمين إلى كسلهم وعدم نشاطهم في طاعة الله.
فضيلة الشيخ: أليس في تعبير حماد هذا غلظة لأنه يقول يسلم كثير من الكفار في نهار رمضان فيصلون وهو فيما أعتقد يقصد بعض الناس الذين هم يعتبرون من المسلمين لأنهم قبل رمضان لا يصلون أبداً فإذا دخل رمضان اتجهوا إلى المساجد وصلوا فإذا ذهب رمضان تركوا الصلاة ورجعوا إلى ما كانوا عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هو في الحقيقة ليس فيه غلظة لأن الإنسان يجب أن يقول بملء فمه عن الذي لا يصلى أنه كافر لأن الذي قال ذلك أرحم الخلق بالخلق محمد صلى الله عليه وسلم قال (من تركها فقد كفر) فالإنسان بعد مراجعة الأدلة وتبينها يقول بملء فمه إن من لا يصلى فهو كافر وليس في ذلك غلظة بل الذي أغلظ لنفسه هو هذا الذي ترك الصلاة فأي دين له بعد أن يترك هذه الصلاة العظيمة مع سهولتها ويسرها.
***(8/2)
لنا إخوة لا يصلون إلا إذا وجدوا جماعة أو من يأمرهم بالصلاة وإلا تركوا الصلاة هل يحل لنا أن نسلم عليهم ونجالسهم ونأكل معهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينظر في حال هؤلاء إذا كانوا لا يصلون إلا خوفاً من الناس فإنه لا صلاة لهم ولا تنفعهم الصلاة ويعتبرون من تاركي الصلاة أما إذا كانوا يصلون لله بحضور الناس وبغياب الناس لا يصلون فهؤلاء قد اختلف العلماء رحمهم الله هل يكفرون بذلك كفراً أكبر مخرجاً عن الملة أم هم بذلك مسلمون فسقة لأنهم يصلون ويخلون فإن كانت الحال هي الأولى ونصحوا ولكنهم أصروا على ما هم عليه فهم كفار مرتدون لا يجوز السلام عليهم ولا إجابة دعوتهم ولا يعاملون معاملة المسلم ولكن ينصحون الفينة بعد الفينة يعني تارة وتارة لعل الله يهديهم وأما الحال الثانية التي يكونون فيها فسقة ولا يكفرون فإنه ينظر إن كان هجرهم يؤدي إلى استقامتهم فإنهم يهجرون تأديباً لهم وتوصلاً إلى استقامتهم وإن كانوا لا يبالون بالهجر فإنهم لا يهجرون وذلك لأن الهجر دواء إن نفع فهو خير وإن لم ينفع فالأصل أن المؤمن لا يجوز هجره وهكذا يقال في كل العصاة أنهم لا يهجرون إلا إذا كان الهجر يفيدهم بالاستقامة وترك المعاصي وإلا فلا يهجرون.
***(8/2)
ما توجيهكم لشابٍ لا يصلى إلا عندما يرى جماعة يصلون وبعض الأوقات يصلى بدون وضوء وكل هذا استحياء من الناس بالرغم من أنني قمت بنصحه لأنه يعمل هذا الخطأ فقال لي اذهب عني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أسأل الله له الهداية هذا غلطٌ منه وكيف يستحي من الناس ولا يستحي من الله كيف يستخفي من الناس ولا يستخفي من الله وفي ظني أن هذا الرجل إما متلاعب ساخرٌ بشريعة الله وإما أنه لا يرى وجوب الصلاة وكل هذا خطرٌ عظيم فعليه أن يتوب إلى الله ويصلى الصلاة في وقتها ويخلص التوبة لعلها تمحو ما سبق منه.
***(8/2)
يقول السائل من اليمن الشخص الذي لا يصلى إلا الجمعة هل يسمى كافراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يسمى كافراً يعني يكون كافراً عند بعض أهل العلم لأن بعض العلماء يقول إذا ترك الإنسان صلاةً واحدةً عامداً حتى خرج وقتها بلا عذر فإنه يكون كافراً وعلى هذا القول يكون الذي لا يصلى إلا يوم الجمعة كافراً ولكن الذي يظهر لي أنه لا يسمى كافراً إلا إذا ترك الصلاة نهائياً فهذا هو الذي يكون كافراً لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ولم يقل ترك صلاة وبين التعبيرين فرق ولكن مع هذا نقول إن هذا الرجل الذي لا يصلى إلا الجمعة يخشى عليه من زيغ القلب وأن يستدرجه الشيطان حتى لا يصلى الجمعة هذا إذا كان الإنسان الذي لا يصلى إلا يوم الجمعة مقراً بفرضية بقية الصلوات أما إذا كان لا يعتقد أن الفرض عليه إلا صلاة الجمعة فهذا لا شك في كفره من أجل جحوده لفرضية الصلوات الخمس.
***(8/2)
هذه السائلة من ليبيا بثينة من بنغازي تقول والدي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وحريص على فعل الخيرات لكنه لا يصلى فما الحكم في ذلك وجهونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن هذا الرجل متناقض إذا كان حريصا على فعل الخيرات فأي خير أعظم من الصلاة لماذا لا يكون حريصا عليها والواجب عليك أن تنصحيه وتحذريه من إضاعة الصلاة وتبيني له أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة وأن من لا يصلى فهو مرتد خارج عن ملة الإسلام عليه أن يتوب إلى الله وأن يدخل في دينه وأن يكثر من الاستغفار والتوبة فإن مات على ترك الصلاة مات كافرا لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدعى له بالرحمة ولا يدفن مع المسلمين وهو يوم القيامة يحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف نسأل الله العافية ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ونسأل الله له الهداية وأن يوفقه لما فيه الخير والصلاح.
***(8/2)
يذكر المستمع م. أ. أ. بأن لهم جيراناً يتخلفون عن الصلاة لا سيما صلاة الفجر يقول قد نصحتهم مراراً وتكراراً ولكن بدون جدوى والآن أميل إلى هجرهم هل عملي صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عملك صحيح من حيث النصح والإرشاد ولكن يطلب منك أن تستمر في هذا العمل لأنك لا تجني منه إلا خيراً سواء هدوا إلى ما تقول أم لم يهتدوا وأما الهجر فإنه لا يجوز إلا إذا كان في ذلك مصلحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يهجر المؤمن أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا قال وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) وطريقة أهل السنة والجماعة أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بالمعصية بل هو باقٍ على إيمانه فإذا كان كذلك فإن صاحب المعصية إذا كان في هجره فائدة بحيث يخجل ويعود إلى صوابه كان هجره واجباً لما يترتب عليه من المصلحة وإذا كان لا ينتفع بهذا الهجر بل ربما لا يزيده الهجر إلا تمادياً فيما هو عليه من الباطل كان هجره حينئذٍ حراماً فالهجر دواء فإن أفاد كان مطلوباً فإن لم يفد فالأصل في هجر المؤمن التحريم.
***(8/2)
زميل لي في العمل وفي السكن لا يقيم الصلاة بالشكل المطلوب وأنا وهو في صراع دائم على كل فرض أحياناً يصلى وأحياناً لا يصلى علماً بأنني أوقظه كل فرض ثم أذهب إلى المسجد ولا أدري أصلى أم لا ولو لم أوقظه لاستمر نائماً وهو يقول بأنه معذور بالنوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن مثل هذا الصديق المشارك في المسكن والعمل له حق على صديقه بأن يكون معه دائماً في مناصحة بالقول أو بالكتابة أو بإهداء الأشرطة أو الرسائل ولعل الله أن يهديه على يده فإنه إن هداه الله على يده كان خيراً له من حمر النعم قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان هذا الصديق يصلى إذا أيقظه فإنه يرجى له مستقبل سعيد وثبات على الحق وأما كونه يعتذر إذا أيقظه ولم يستيقظ بأن النوم عذر فليس لهذا الاعتذار محل أما من استيقظ بإيقاظ غيره له أو بوسيلة أخرى كالساعة المنبهة فإنه لا عذر له بل الواجب أن يقوم ويستعين بالله عز وجل على ما أوجب الله عليه من صلاة الجماعة ولا ييأس هذا الصديق من هداية الله سبحانه وتعالى لصديقه فإن القلوب بيد الله ولكن ولو قدر أنه استمر على ترك هذا الواجب فإن الأولى أن يلتمس صديقاً آخر يكون معيناً له على طاعة الله عز وجل مشاركاً له في عمله الصالح.
***(8/2)
إذا مات الإنسان ويغلب على ظني أنه لا يصلى إطلاقاً فهل يجوز لي أن أصلى عليه أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تقدم لنا عبر هذا البرنامج وفي رسالة كتبناها أن تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً يكون كافراً خارجاً عن الإسلام وبينا دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على هذا ولكن لا يجوز لنا أن نحكم بترك الصلاة على شخص بمجرد الظن لأن الأصل في المسلم أن يصلى لعظم الصلاة في نفوس المسلمين فإذا قدم شخص للصلاة عليه وكان يغلب على ظن أحد من الناس أنه لا يصلى فإنه لا يجوز له أن يترك الصلاة عليه بمجرد الظن نعم لو تيقن أنه لا يصلى فإنه لا يجوز له أن يصلى عليه لأن الصلاة على غير المسلم حرام لقوله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) وقوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) والصلاة على الميت شفاعة له إلى الله عز وجل والشفاعة لا تحل لمن لا يرضاه الله لقوله تعالى (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى) وهي أيضاً لا تنفع المشفوع له لقوله تعالى (يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) وقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) وخلاصة القول أنه لا يجوز للإنسان أن يحكم بالظن هذا الحكم العظيم الكبير وهو الكفر بل لا يحكم به إلا إذا تيقن.
***(8/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل أم ع ص عامل مقيم في المملكة يقول سماحة الشيخ أنا عامل وكفيلي لا يصلى الصلاة المفروضة وأنا والحمد لله ملتزم بصلاتي وصيامي وهذا من فضل الله علي هل يصح لي الأكل معه وما رأيكم في الراتب الذي أتقاضاه منه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن نفتي هذا السائل نوجه نصيحة إلى كفيله حيث ادعى هذا السائل أنه لا يصلى فإن كان الأمر كذلك فإننا نقول لهذا الكفيل اتق الله في نفسك واحمد الله على نعمته أن جعلك قادرا احمد الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة وقم بواجب الشكر لله رب العالمين فإن معصية المنعم سيئة وقبيحة عقلا وفطرة وشرعا نقول لهذا الذي لا يصلى اتق الله وصل فإن الصلاة شأنها عظيم وثوابها جليل وتركها خطر عظيم فإن أصح أقوال أهل العلم أن من ترك الصلاة فهو كافر كفرا مخرجاً عن الملة لأن الله تعالى قال في كتابه عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وهذا يدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في دين الله ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا إذا انتفى الإيمان وصار الإنسان كافرا لأن المؤمن وإن كان ضعيف الإيمان ما دام لم يصل إلى حد الكفر هو أخ لنا ونحبه على ما معه من الإيمان وإن كنا نكره ما يقوم به من المعاصي ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في تارك الصلاة (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقد نقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق التابعي المعروف حيث قال (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرون شيئا من العمل تركه كفر غير الصلاة) وقد نقل إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور والنظر يقتضي ذلك أي يقتضي أن من ترك الصلاة فهو كافر ووجه ذلك أن كل مؤمن يؤمن بما للصلاة من المكانة العظيمة عند الله عز وجل وعند رسوله وعند المؤمنين لا يمكن أن يدعها ويحافظ على تركها فالله سبحانه وتعالى رفع شأن هذه الصلوات فَرَضها على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير واسطة وفرضها عليه في أعلى مكان يصل إليه البشر وفرضها عليه في أفضل ليلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الله فرضها على رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج حين عَرَج به إلى السماوات السبع وهذا يدل على محبة الله لها وعنايته بها ومما يدل على عنايته بها أنه فرضها أول ما فرضها خمسين صلاة ورضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك واطمأن إليه لكنه سبحانه وتعالى خفف على عباده فجعلها خمساً بالفعل وخمسين في الميزان فالنظر مع الأدلة السابقة يقتضي أن من ترك الصلاة تركاً مطلقا لا يصلى أبدا أنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة ومن المعلوم أن هذا الكفيل لو خاطبه شخص فقال يا كافر أنه لا يرضى بذلك أبدا وأنه سوف يقوم بينه وبين من ناداه بهذا الوصف خصومة قد تصل إلى حد المحاكمة عند القضاة فإذا كان لا يرضى أن يلقب بالكافر من أطراف الناس وعامة الناس فكيف يرضى لنفسه أن ينطبق عليه لقب النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقبه به حيث قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) فالواجب على هذا الكفيل وعلى غيره ممن يتهاونون بالصلاة أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وأن يقوموا بالصلاة إخلاصا لله واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليجربوا فإنهم إذا صلوا مرة ومرتين وثلاثا فإنهم يرغبون الصلاة وتكون الصلاة قرة عين لهم ويأنسون بها أما إذا استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وأنساهم الصلاة فإنهم سوف يرونها ثقيلة والعياذ بالله ويستمرون على ما هم عليه من تركها المؤدي إلى الكفر
أما بالنسبة للعامل وبقائه عند هذا الكفيل فإنه لا حرج أن يبقى عنده ولكن يجب عليه أن يناصحه دائما وأن لا يحقر نفسه عن النصيحة ربما يقول العامل أنا عامل كيف أنصح كفيلي وهو في نظر الناس أعلى مني قدرا وأكبر مني جاها فكيف أناصحه نقول لا حرج أن تناصحه وإن كنت أقل قدراً في أعين الناس فإنك إذا نصحته لله صرت عند الله أكبر منه قدرا وهناك بعض العلماء يرى أن تارك الصلاة ليس بكافر ويحمل النصوص الواردة في تكفيره على أن المراد بذلك من جحد وجوبها وتركها جحداً لوجوبها والحقيقة أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه لأنه إذا حمل النصوص الواردة في الترك على الجحد فقد حملها على غير ما يقتضيه ظاهر اللفظ فجنى عليها من وجهين:
الوجه الأول أنه صرفها عن ظاهرها.
والوجه الثاني أنه استحدث لها معنى لا يراد بها.
ثم نقول أن الجاحد لفرضية الصلاة إذا كان قد عاش بين المسلمين يكون كافراً سواء صلاها أو لم يصلها حتى ولو فرض أنه يحافظ على صلاتها ولكنه يقول إنها نافلة وليست واجبة فإنه كافر واستدل بعض الناس الذين ذهبوا هذا المذهب بأدلة ولكني تتبعت هذه الأدلة واستقرأتها فوجدت أنها لا تخرج عن أحد خمسة أوجه إما أنه ليس فيها دلالة أصلاً وإما أنها مقيدة بوصف يستحيل معه ترك الصلاة وإما أنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها الحجة وإما أنها في قوم يُعذرون بالجهل يكون الإسلام قد درس عندهم ولم يعرفوا شيئاً وإما أنها عامة تخصص بأدلة كفر تارك الصلاة كما هو معروف عند أهل العلم أنه إذا ورد النص العام والخاص فإن العام يخصص بالخاص ثم إن الله سبحانه وتعالى يعلم أننا لم نذهب هذا المذهب من أجل التضييق على عباد الله وإخراج عباد الله من الإسلام ولكننا ذهبنا هذا المذهب لأننا نرى أنه هو الذي دل عليه كلام ربنا وكلام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ونعلم أن التكفير والتفسيق والتبديع والتضليل والقول بالإسلام أو الإيمان كله ليس راجع إلينا وإنما هو راجع إلى الله ورسوله الذي له الحكم وبيده ملكوت كل شيء هو الله فإذا حكم على شخص ما أنه كافر فهو كافر ونقول أنه كافر ولا نبالي وإذا حكم على شخص أنه مسلم فإنه مسلم فنقول أنه مسلم ولا نبالي وهكذا كما أن التحليل والتحريم والإيجاب كله إلى الله عز وجل فكذلك الوصف بالإسلام والإيمان والكفر والعصيان كله إلى الله عز وجل وإذا قمنا بما يقتضيه الدليل فنحن معذورون بل مشكورون على ذلك ومأجورون عليه ولسنا نريد أن نضيق على الناس أو نخرجهم من دينهم إلا ببرهان يتبين لنا وننصح الكفلاء بالذات أن يتقوا الله عز وجل في مكفوليهم وأن يؤدوا إليهم حقهم فإن كثيراً من الكفلاء نسأل الله لنا ولهم الهداية يضيعون من يأتون بهم من هؤلاء الفقراء الذين جاؤوا لتحصيل لقمة العيش لهم ولعوائلهم فتجده يماطل بحق هذا العامل يمضي الشهران والثلاثة والأربعة وهو لم يوفه حقه وإذا أراد أن يرفعه إلى الجهات المسؤولة هدده بأن يلغي عقده ويرده إلى بلاده تجده يجعل عليه ضريبة كل شهر يقول لا بد أن تأتي بمائتي ريال بثلاثمائة ريال ثم يسيبه في البلد فهذا لا شك أنه حرام ولا يجوز فإن هذا:
أولاً ينافي نظام الحكومة
وثانيا ظلم لهذا العامل المسكين الذي قد لا يجد ما فرضه عليه هذا الكفيل ثم إني أذكِّر هؤلاء الكفلاء بأنه ربما يأتي يوم من الأيام يكونون هم بمنزلة هؤلاء الفقراء فيحتاجون إلى الناس ويذهبون إلى بلادهم ويُفعل بهم ما فعلوا بهؤلاء ثم إذا قدر أنهم سلموا من عقوبة الدنيا فإنهم لن يسلموا من عقوبة الآخرة حيث يهضمون هؤلاء حقهم ويظلمونهم ولقد قيل لي إن بعض الناس يتفقون معهم على أجر في بلادهم ثم إذا وصلوا إلى بلادنا قالوا لا نعطيك إلا كذا أو ارجع فمثلا يتفقون على أن الشهر بخمسمائة ريال فإذا وصل إلى البلد قالوا لا نعطيك إلا ثلاثمائة تريد هذا وإلا ارجع إلى أهلك وهذا لا شك أنه حرام هذا إخلاف للوعد ونقض للعهد وقد قال الله سبحانه وتعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وقال الله عز وجل (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً) فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل وأن لا ينظر إلى الدنيا هو الآن قد يكون منعما في دنياه صحيح البدن كثير المال كثير الأهل كثير الأصحاب لكنه سيأتي يوم من الأيام يكون منفردا في قبره بعمله فليذكر الإنسان هذه الحال وليذكر الحالة التي وراءها يوم القيامة حيث يقتص الإنسان ممن ظلمه حتى أن الرجل ليأتي بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار فعلى المؤمن أن يتقي الله عز وجل في هؤلاء الفقراء الذين ما جاؤوا إلا لحاجة نسأل الله للجميع السلامة
***(8/2)
شخص له أقارب لا يصلون إلا يوم الجمعة وقد قرأ أن تارك الصلاة لا يعاد في مرضه ولا يسلم عليه ولا يجوز لأحد أن يتكلم معه فهل هذا الكلام صحيح أم أنه خلاف ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك نحو هؤلاء الأقارب أن تنصحهم أولاً وتعظهم وتأتي لهم بالنصائح من غيرك إذا كانوا لا يرون نصيحتك شيئاً إما عن طريق الكتابة وإما عن طريق الصوت فإذا أصروا على ما هم عليه من ترك الصلاة اهجرهم ولا تعدهم ولا تجب دعوتهم لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة ولكن السائل ذكر أنهم يصلون الجمعة وهذا يوجب التوقف في الحكم بكفرهم لأن أهل العلم رحمهم الله اختلفوا في تارك الصلاة هل يكفر إذا ترك فريضة واحدة أو فريضتين أو لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة مطلقاً يعني صلاة الجمعة وغيرها ولكن على كل حال فإن هجر هؤلاء إذا امتنعوا عن قبول النصيحة من الأمور المشروعة ولعلهم إذا هجروا وقاطعهم أقاربهم لعلهم يرجعون ويهتدون ويثوبون إلى رشدهم.
***(8/2)
الأخت ك. م. ع. من العراق محافظة البصرة تقول توفي رجل كان يتصف بالكرم وحسن الخلق ولكنه لم يكن يصلى ولا يصوم وبعد وفاته دفع أهله مبلغ ثلاثة آلاف دينار لشخص آخر لكي يصلى عنه قضاء ما فاته من صلوات ويصوم عنه فهل يصح ذلك شرعاً وما حكم أخذ المال عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل الذي توفي وهو لا يصلى ولا يصوم توفي والعياذ بالله على الكفر لأن القول الراجح من أقوال أهل العلم والذي تؤيده نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم أن تارك الصلاة كافر أما جاحد الصلاة فإنه كافر ولو كان يصلى والنصوص الواردة إنما وردت في الترك لا في الجحود فلا يمكن أن نلغي هذا الوصف الذي اعتبره الشرع بأن نحمله على الجحود كما فعل بعض أهل العلم يحمل النصوص الواردة في تكفير تاركها على من تركها جحوداً فإن هذا الحمل يستلزم إلغاء الوصف الذي علق الشارع الحكم عليه واعتبار وصف آخر لم يكن مذكوراً كما أن هذا الحمل متناقض وذلك لأن الجاحد كافر ولو صلى حتى لو كان يصلى مع الجماعة ويتقدم إلى المسجد وهو يعتقد أن الصلوات الخمس غير مفروضة عليه وأن ما يفعله على سبيل التطوع فإنه كافر.
تبين بهذا أن حمل النصوص الدالة على كفر تارك الصلاة على من تركها جحوداً حملٌ غير صحيح وليس في محله وعلى هذا فيكون هذا الرجل الذي مات وهو لا يصلى كافراً يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف والعياذ بالله أما ما بذلوه لهذا الرجل ليصوم عنه ويصلى عنه فإن هذا ليس بصحيح لأنه لا يصح عقد الإجارة على أي عمل من أعمال القربة فلا يصح أن يقول شخص لآخر استأجرك على أن تصلى عني أو تصوم عني وإنما اختلف العلماء في الحج وليس هذا موضع ذكره وهذا المال الذي أخذه أخذه بغير حق فالواجب عليه أن يرده إلى أهله لأنه أخذه بغير حق والصلوات التي صلاها لا تنفع هذا الميت لأنه غير مسلم وغير المسلم لا ينفعه أي عمل من الأعمال حتى عمله هو بنفسه لا ينفعه لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) ولقوله تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) .
فضيلة الشيخ: هذا لأنه غير مسلم فقط أم لأنه أيضاً لا يجوز الإجارة على القرب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكرنا الوجهين حتى لو كان مسلماً لا يجوز أن يؤجر من يصلي عنه أو يصوم عنه.
***(8/2)
المستمع رمز لاسمه بـ س أس الأردن عمان يقول يوجد بعض من الزملاء يصلون بعض الأوقات ويتركون البعض وقد لا يصلون يومين أو ثلاثة ثم يصلون بعد ذلك ويتركون بعض الأوقات ويكررون ذلك وعندما نقول لهم إن ذلك لا يجوز يقولون ربنا يهدينا ما حكم عملهم هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عملهم هذا من أكبر الفسوق لكنهم لا يخرجون به من الإسلام على القول الراجح من أقوال أهل العلم لأنهم لم يتركوا الصلاة تركاً مطلقاً والحديث الوارد إنما هو فيمن ترك الصلاة تركاً مطلقاً فإنه هو الذي يحكم بكفره أما من كان يصلى مرة ويدع مرة مع اعتقاده بوجوبها وفرضيتها فإن هذا لا يحكم بكفره على القول الراجح ولكنه يكون فاسقاً فسقاً عظيماً وعلى هذا فالواجب على هؤلاء الإخوة أن يتقوا الله عز وجل وأن يقيموا الصلاة وأن لا يدعوا شيئاً من فرائض الله لأنهم إنما خلقوا لعبادة الله سبحانه وتعالى وهي القيام بطاعته كما قال الله في محكم كتابه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) وأما تعللهم بقولهم الله يهدينا فإن هذه علة عليلة بل هي علة باطلة لا تنفعهم عند الله عز وجل ولهذا أبطل الله بها حجة من احتج بها في قوله (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ) ونقول لهؤلاء القوم الذين يحتجون بمثل هذه الحجة إن الله تعالى قد هدى عباده هداية العلم والإرشاد والتوجيه فما بقيت حجة لمحتج وأما هداية التوفيق فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل في الإنسان عقلاً واختياراً وإرادة ولهذا تجده في أمور دنياه يسعى لكل ما يرى أنه من مصلحته ويبعد عن كل ما يرى أنه من مضرته ولا تجد أحداً يحتج بمثل هذه الحجة في شيء من أمور الدنيا ولكن الشيطان يلقنهم إياها في أمور الآخرة والعبادة وهي حجة داحضة لا تنفعهم عند الله تعالى فإذا قالوا الله يهدينا نقول إن الله تعالى قد هداكم ببيان الحق بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليكم إلا أن تستعينوا بالله سبحانه وتعالى وتتجهوا اتجاهاً صحيحاً وتقوموا بما أوجب الله عليكم.
***(8/2)
تقول السائلة في رسالتها لنا جار رجل مسن وعاجز لا يصوم ولا يصلى قبل العجز وحتى الآن وهو رجل شرير يتعدى على الناس ويتكلم عليهم بكلمات سيئة علماً بأن عقله سليم ويطلب منا ومن الآخرين أن يساعدوه ويطلب منهم الطعام هل علينا أن نعطيه أم ماذا علماً بأنه لا يقبل النصيحة أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الرجل كما وصفته السائلة لا يصلى ولا يصوم فإنه لا حرمة له ولا ينبغي أن نعينه بشيء يطلبه من أكل أو شرب أو لباس أو غير ذلك لأن المرتد عن الإسلام حكمه أن يدعى إلى الإسلام فإن أجاب وتاب إلى الله عز وجل من ردته قبل منه وصار له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين وإن امتنع واستمر على ردته فإنه يجب أن يقتل وفي حال قتله على الردة لا يجوز أن يغسل ولا أن يكفن ولا أن يصلى عليه ولا أن يقبر مع المسلمين ولا أن يدعى له بالرحمة والمغفرة لأنه ليس من أهل الرحمة والمغفرة لأن الله تعالى يقول (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أما إذا كان هذا الرجل شريراً وذا عدوان على الناس لكنه لم يحصل منه ما يوجب الردة فإنه ينظر للمصلحة فإن اقتضت المصلحة أن يعان بشيء من الأمور أعين وإن لم تقتضِ المصلحة ذلك فإنه لا يعان ويجب على ولاة الأمور أن يردعوا أهل الشر والفساد عن شرهم وفسادهم حتى تستقيم أمور الناس ولا تحصل الفوضى في مجتمعهم.
***(8/2)
هل تارك الصلاة تهاوناً وتكاسلاً يخرج من الملة أم لا يخرج وإذا كان يخرج من الملة فماذا يترتب على ذلك وهل هو مجمعٌ عليه من العلماء أم أن هناك من خالف ذلك وقال بعدم خروجه من الملة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة تهاوناً وتكاسلاً كافر كفراً مخرجاً عن الملة وقد ذكرنا من هذا المنبر أدلة ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة رضي الله عنهم والمعنى الصحيح المناسب للحكم وإذا قلنا بالكفر ترتب عليه أمور دنيوية وأمور أخروية أما الأمور الدنيوية فإن ولايته على أولاده وأهله تزول وترتفع وليس له ولايةٌ عليهم لأنه كافر ولن يجعل الله للكافر على المؤمنين سبيلا وكذلك لا يصح تزويجه فلا يعقد له النكاح ما دام تاركاً للصلاة وإذا تركها بعد تمام العقد فإن النكاح ينفسخ إلا أن يتوب إلى الله ويرجع للإسلام وإذا مات له أحد من أقاربه فإنه لا يرث منه لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) يعني لو أن رجلاً لا يصلى فمات ابنه وله عم فإن ميراث الابن لعمه وليس لأبيه لأن أباه كافر حيث كان لا يصلى وعمه مسلم فيكون الميراث له وأما في الآخرة فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين وإنما يخرج به إلى البر ويحفر له حفرة يدفن فيها بدون مراسم الجنازة المعتادة للمسلمين وفي الآخرة يكون مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف أئمة الكفر والعياذ بالله كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما سؤال السائل وهل في ذلك خلاف أم هو مجمعٌ عليه فنقول إن المسألة فيها خلاف بين المتأخرين وأما الصحابة فظاهر ما نقله عبد الله بن شقيق أنهم مجمعون على أنه كافر لقوله أعني عبد الله بن شقيق (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) وقد نقل إجماع الناس على ذلك الإمام اسحاق بن راهويه المشهور المعروف لكن اختلف المتأخرون بعد هذا في تارك الصلاة ولم يأتِ أحدٌ ممن خالف بدليل وقد تأملت أدلتهم فوجدتها على أربعة أنحاء منها ما لا يدل على عدم الكفر أصلاً ومنها ما يكون مقيداً بصفة يمتنع معها أن يدع الصلاة ومنها ما يكون مقيداً بحال يعذر فيها من ترك الصلاة ومنها ما يكون عاماً مخصوصاً بالأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة ولم يجئ في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بأن تارك الصلاة مؤمن ولا أن تارك الصلاة في الجنة ولا نحو ذلك من الأشياء التي تقتضي أن نحمل الكفر الوارد في تارك الصلاة على أن المراد به كفر النعمة.
***(8/2)
نحن أخوات من إحدى القبائل المعروفة منّ الله علينا بنعمة الهداية والحمد لله ونسأله المزيد مشكلتنا أن والدنا وإخواننا لا حول ولا قوة إلا بالله لا يطبقون شرع الله من إقامة الصلاة وغيرها ولقد حاولنا مراراً وبالحسنى أن ننصحهم ولكن دون جدوى ثم إن والدنا يمنعنا من صيام التطوع ومن حضور حلقات الذكر ومدارس تحفيظ القرآن الكريم وذلك يحزننا ولكن الأهم كونهم لا يصلون نرجو من فضيلتكم أن تفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا سؤالٌ عظيمٌ جداً يحتاج الجواب فيه إلى أمرين:
الأمر الأول توجيه النصيحة إلى أهليكم الذين وصفتموهم بهذه الأوصاف التي لا ينبغي أن تكون ممن ينتسب إلى الإسلام من ترك الصلاة والنهي عن المعروف وغير ذلك مما ذكرتم في السؤال إن نصيحتي إلى هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل ويخافوه ويرجعوا إلى دينهم الذي ينتسبون إليه فهم ينتسبون إلى الإسلام والمسلم يجب أن يستسلم لله تعالى ظاهراً وباطناً بالإخلاص له واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أهم ذلك الصلاة التي هي عمود الدين والتي لا دين للإنسان إلا بها فإن الصلاة هي العمود لهذا الدين الإسلامي ومن المعلوم أن العمود إذا سقط. سقط البناء الذي يحمله هذا العمود ولهذا جاءت النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم بأن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة ومن أدلة ذلك في كتاب الله قوله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) فاشترط الله سبحانه وتعالى للأخوة في الدين هذه الشروط الثلاثة التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ومن المعلوم أنه إذا تخلف الشرط تخلف المشروط ومن المعلوم أيضاً أن الأخوة في الدين لا تنتفي إلا إذا خرج الإنسان من الدين بالكلية لأن الأخوة في الدين لا ينفيها الفسق والمعاصي ولو عظمت فهاهو قتل المؤمن عمداً من أكبر الكبائر ومع ذلك لا تنتفي به الأخوة الدينية قال الله سبحانه وتعالى في آية القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) فجعل الله سبحانه وتعالى القاتل أخاً للمقتول مع عظم جريمته وكونها من أكبر الكبائر وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله تعالى الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين إخوةً للطائفة الثالثة المصلحة بينهما مع عظم اقتتال المؤمنين بعضهم مع بعض وأما السنة فمن أدلتها قوله صلى الله عليه وسلم فيما روى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وفيما رواه أهل السنن من حديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ففي هذين الحديثين نصٌ واضح على أن تارك الصلاة كافر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر ومن المعلوم أن الحد يميز بين المحدودين ويخرج أحدهما من الآخر فلا يتداخلان وهذا واضحٌ جداً في أن المراد بالكفر المذكور في الحديثين الكفر المخرج عن الملة لأن الكفر الذي دون الإخراج من الملة لا يكون فاصلاً بين الإيمان والكفر إذ قد يجتمع في الإنسان خصالٌ من الكفر وخصالٌ من الإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (اثنان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة) وأما الآثار عن الصحابة فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة) وحظ بمعنى نصيب وهو هنا واقعٌ بعد لا النافية للجنس الدالة بنفيها على انتفاء مدخولها انتفاءً كاملاً وإذا انتفى النصيب انتفاءً كاملاً من الإسلام لمن ترك الصلاة لم يبقَ إلا أن يكون كافراً بل قد قال عبد الله بن شقيق أحد التابعين المشهورين (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة) ومثل هذه الصيغة تقتضي حكاية الإجماع منهم ثم إن المعنى والقياس والنظر الصحيح يقتضي أن يكون تارك الصلاة كافراً بالله عز وجل كفراً مخرجاً عن الملة جاعلاً الإنسان من أهل الردة والعياذ بالله وذلك لأن من عرف عظم شأن الصلوات وأهميتها عند الله عز وجل وعرف ثواب من حافظ عليها وعقاب من استهان بها فإنه لا يمكنه أن يدعها وفي قلبه شيءٌ من الإيمان بالله عز وجل وليس الإيمان مجرد الاعتراف بوجود الله عز وجل وأنه هو الخالق الرازق فإن هذا الاعتراف موجودٌ في المشركين الذين استحقوا النار وحرموا من دخول الجنة فإن الله تعالى يقول عنهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) ولم ينكروا شيئاً من أفعال الله عز وجل التي لا يفعلها إلا هو فهم مقرون بالله مقرون بربوبيته ومع ذلك فهم كفار فهذا الذي يدعي بأنه مؤمن وهو تاركٌ للصلاة لأنه مقرٌ بالله عز وجل نقول له إن هذا الإقرار لا ينفعك لأنه لا بد في الإيمان من القبول والانقياد والإذعان ومن لم يذعن لله تعالى في أعظم الأعمال البدنية وهي الصلاة فكيف يقال أنه مؤمن وعلى هذا فنقول لهؤلاء الذين وصفوا في السؤال اتقوا الله عز وجل في أنفسكم ارجعوا إلى دينكم أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان وحجوا بيت الله واستعينوا بالله عز وجل على القيام بهذه الطاعات وأنتم إذا صدقتم النية وصممتم وعزمتم واستعنتم بالله عز وجل فإن الله تعالى ييسر لكم الأمور أما إذا أبيتم واستكبرتم وتركتم ما أمر الله به وما فرض الله عليكم فلن تعانوا على طاعة الله أبداً فإن الله يقول (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ومن المعلوم أننا لو سألناكم وقلنا أتحبون أن تكونوا بعد الموت من أهل الجنة التي عرضها السماوات والأرض والتي فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر والتي يحل فيها رب العزة رضوانه على أهلها فلا يسخط عليهم أبداً والتي ينظر فيها أهل الجنة إلى الله عز وجل كما يشاء الله تعالى لو خيرتم بين أن تكونوا من أهل هذه الدار أو من دارٍ عذابها عظيم أليم شديد يصلى أهلها ناراً كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب وإذا استغاثوا أُغيثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه يصب من فوق رؤوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق لو خيرتم بين هاتين الدارين اخترتم إن كنتم عقلاء أن تكونوا من أهل الدار الأولى ولا يمكن أن تحصلوا على هذه الأمنية وهذا الاختيار إلا إذا قمتم بما أمركم الله به ورسوله فعليكم أن تتقوا الله عز وجل فإن أبيتم إلا الإصرار على ما أنتم عليه من ترك الصلاة وانتهاك الحرمات فاحذروا أن تعتدوا على غيركم من عباد الله عز وجل بمنعه من طاعة الله ومنعه من أسباب سعادته ومنعه من المعروف فتكونوا ممن قال الله فيهم (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) لا تعتدوا على عباد الله بمنعهم من الصلاة أو الصيام أو الصدقة أو طلب العلم أو غير ذلك فإن هذا عدوانٌ منكم وظلمٌ لهم هذا هو الأمر الأول الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يصل إلى مسامع أهليكم وأن ينفعهم بذلك وأن يجعلنا وإياهم من عباد الله الصالحين المخلصين الذين ليس للشيطان سلطانٌ عليهم وعلى ربهم يتوكلون أما بالنسبة لكنّ فعليكنّ أن تصبرن وأن تحتسبن الأجر من الله وأن تنتظرن الفرج منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا) وإذا نهوكنّ عن شيء من المعروف كالصيام والصلاة فإنه لا تجب عليكنّ طاعتهم لأنكنّ إذا قمتنّ بذلك قمتنّ بشيء نافعٍ لكنّ غير ضارٍ لهم والوالدان لا تجب طاعتهما في أمرٍ ينفع الولد ولا يضر الوالد لأن كونهما ينهيان عن أمرٍ ينفع الولد ولا يضرهما دليلٌ على أنهما إنما أرادا بذلك الإضرار والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا ضرر ولا ضرار) نعم ينبغي لكنّ أن تداروهم بأن تحرصن على كتمان ما تفعلنَ من الخير عنهم حتى لا يحصل بذلك جفاءٌ وبغضاءٌ وعداوة بينكم وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يحسن أحوال المسلمين وأن يجعل فيهم الخير والبركة والدلالة على الرشد إنه جوادٌ كريم.
***(8/2)
نشأت منذ صغري وأبي يصلى ويتلو القرآن ولكن قبل وفاته بحوالي خمس سنوات قطع الصلاة نهائياً وهو قادر أنا أريد الآن أن أحج عنه هل هذا يجوز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ينظر في سبب قطعه للصلاة لأن الظاهر من حال هذا الرجل الذي كان يقرأ القرآن ويصلى ويصوم الظاهر أنه لم يدع الصلاة إلا لسبب فقد يكون هذا الرجل اختل عقله وصار لا يطيق الصلاة ولا يحس بها وفي هذه الحال لا تجب عليه الصلاة إذا كان قد اختل عقله ولا يشعر ولا يدري لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم المجنون حتى يفيق) أما إذا كان ترك الصلاة ومعه تمييزه وعقله فإنه حينئذ يكون كافراً والعياذ بالله وإذا كان كافراً فإنه لا يجوز الحج عنه ولا الدعاء له لقول الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) فإن قال قائل هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء أعني مسألة ترك الصلاة هل يكفر الإنسان بذلك أم لا فجوابه أن نقول نعم هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم هل يكفر تارك الصلاة أم لا ولكن الميزان كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ولقوله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وإذا رددنا هذه المسألة أعني مسألة تكفير تارك الصلاة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونحن لا نعتقد لا قول هؤلاء ولا قول هؤلاء وإنما ننظر إلى مقتضى الدليل فإن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والنظر الصحيح كل هذه الأربعة تدل على أن تارك الصلاة كافر أما القرآن فقال الله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فاشترط للأخوة في الدين ثلاثة شروط التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ومن المعلوم أن الحكم المشروط بشيء لا يتم إلا باجتماع شروطه فلا تتم الأخوة في الدين إلا بهذه الثلاثة التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فإن بقوا مشركين فليسوا إخوة لنا في الدين وإن أسلموا ولكن تركوا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين وإن أسلموا وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر لأن المعاصي مهما عظمت لا تخرج الإنسان من أخوة الدين كما قال الله تعالى في القتل العمد وهو من أعظم الذنوب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) فقال فمن عفي له من أخيه شيء والقاتل فاعل كبيرة عظيمة ومع هذا لم يخرج من الأخوة الإيمانية وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) والقتال بين المؤمنين من أعظم الكبائر حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه) وقال عليه الصلاة والسلام (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وقال صلى الله عليه وسلم (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) ومع كونه من أعظم الذنوب وأطلق عليه الشارع الكفر فإنه لا يخرج من الدائرة الإيمانية لقول الله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وترك الصلاة وترك إيتاء الزكاة كما في آية التوبة التي صدّرنا بها الجواب مخرج عن الدائرة الإيمانية لأن الله اشترط للأخوة هذه الشروط الثلاثة إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإن قال قائل هل تقول بتكفير مانع الزكاة فالجواب قد قيل بذلك أي أن مانع الزكاة بخلاً يكفر وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله لكن القول الراجح أنه لا يكفر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ويحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وكونه يرى سبيلاً إلى الجنة يدل على أنه ليس بكافر فيقال إن إيتاء الزكاة دلت السنة على أنه إن لم يقم به فليس بكافر والسنة كما هو معلوم لأهل العلم تخصص القرآن وتقيده وتفسره وتبينه أما الدليل من السنة على أن تارك الصلاة كافر فما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وما رواه بريدة بن الحصيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) أخرجه أهل السنن هذان الحديثان يدلان على كفر تارك الصلاة ووجه ذلك لفظ البينية الدالة على الانفصال انفصال الشرك من الإيمان وأن هذا هو الحد الفاصل فمن أقام الصلاة فهو في جانب الإيمان ومن تركها فهو في جانب الكفر والشرك ومن أقام الصلاة فهو من المسلمين ومن لم يقمها فهو من الكافرين (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وأما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة) حظ أي نصيب وهو منفي بلا النافية للجنس الدالة على العموم وإذا انتفى الحظ القليل والكثير في الإسلام لم يبق إلا الكفر وقد قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) وأما النظر الصحيح وهو الدليل الرابع فإنه يقال كيف نقول لشخص محافظ على ترك الصلاة لا يصلى وهو يسمع النداء ويرى المسلمين يقومون بالصلاة وهو غير مبال بها ولا مكترث بها كيف نقول لمن هذه حاله إنه مسلم هذا من أبعد ما يكون فالنظر الصحيح يدل على كفر هذا الرجل وإن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وليس كل من قال لا إله إلا الله محمداً رسول الله يكون مسلماً فلو قال أحد لا إله إلا الله محمداً رسول الله وكفر بآية من القرآن أو بحكم من أحكام الله عز وجل وهو يعلم أنه من أحكام الله فهو كافر فإن قال قائل أفلا يمكن حمل الحديث (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) على أن المراد بذلك كفر النعمة فالجواب هذا لا يصح بما أشرنا إليه من قبل وهو كلمة البينية فإن كلمة بين تعتبر حداً فاصلاً لا يمكن أن يختلط هذا بهذا إطلاقاً والبينية المطلقة تدل على التباين المطلق فترك الصلاة مباين للإسلام لا يمكن أن يكون الإنسان مسلماً وهو تارك لصلاته فإن قال قائل أفلا يمكن أن نحمل النصوص الدالة على الكفر على أن المراد من تركها جاحداً لها فجوابه أن هذا لا يمكن لأن مجرد جحد الصلاة كفر سواء فعلها أم لم يفعلها فلو أن أحداً كان يحافظ على الصلاة ويأتي بها مع الجماعة ولكنه يعتقد أنها ليست بفرض وأن الإنسان مخير فيها إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعل فإنه كافر ومع ذلك فهو لم يتركها وحمل النصوص على أن المراد به الجحد لا يصح من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول أننا ألغينا الوصف الذي قيد الشارع الحكم به وهو الترك.
والثاني أننا أثبتنا وصفاً لم يعتبره الشرع وهو الجحد.
الوجه الثالث أنه لا ينطبق على الحديث لأنه كما قلنا آنفاً لو صلى وداوم على الصلاة وهو جاحد كان كافراً مع أنه لم يترك فتبين بهذا أن تارك الصلاة كافر وإن تأويل نصوص الكفر على أن المراد به كفر النعمة لا يصح وتأويلها على أن المراد به الجحود لا يصح أيضاً وينبغي أن يعلم طالب العلم أنه مسؤول أمام الله عز وجل يوم القيامة عن الحكم بما تقضيه ظواهر الكتاب والسنة ويعلم أيضاً أن الحكم على الناس وعلى أقوالهم وأفعالهم ومعتقداتهم ليس إلى أحد إلا إلى الله ورسوله فما بالنا نتهيب أن نحكم على شخص بكفر دل الكتاب والسنة على أنه وصفه وأنه مستحق له إن التهيب من هذا مع دلالة النصوص كالتهيب من تحريم شيء دل الشرع على تحريمه مع وضوح أدلته ولسنا نحن الذين نحكم على عباد الله وعلى أفعال عباد الله وإنما الذي يحكم هو الله عز وجل سواء في كتابه أو فيما جاء عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالواجب على الإنسان أن ينظر إلى النصوص على أنها متبوعة لا على أنها تابعة حتى يسلم من التأويل سواء أكان هذا التأويل قريباً أم بعيداً إذا لم يدل عليه دليل من الكتاب والسنة وبناء على هذا فإننا نقول هذا الرجل الذي سألت عنه المرأة إذا كان ترك الصلاة لمدة خمس سنوات قبل وفاته مع سلامة بدنه وصحة عقله فإنه يكون كافراً ميتاً على الكفر إلا إذا علم أنه في آخر حياته تاب وصلى وإذا قدر أنه مات على ترك الصلاة فإنه لا يجوز لها أن تحج عنه ولا أن تدعو له. إنما عليها أن تتحرى في أمرين:
الأمر الأول هل كان حين ترك الصلاة هل كان عاقلاً معه عقله وشعوره لأني أستبعد أن يدع الصلاة ومعه عقله وشعوره مع أنه كان في الأول محافظاً عليها وعلى بقية العبادات.
وثانياً هل رجع قبل موته أو لم يرجع لأنه يمكن أن يكون رجع قبل أن يموت كما يوجد في كثير من الناس يحصل منهم تفريط وتهاون ثم يوقظهم الله عز وجل في آخر حياتهم قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقال (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وعمله وشقي أم سعيد) إلى قوله (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه القول فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم يعمل بعمل أهل النار حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها) فالإنسان قد ييسر الله له اليقظة في آخر حياته وتكون خاتمته خيرا وسعادة وليعلم أن قوله في الحديث (ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع) مقيد بحديث آخر وهو أنه (يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى يكون ما بينه وبينها إلا ذراع) لقرب أجله ثم بعد ذلك يغلب عليه ما في قلبه من السيئات الخبيثة والعياذ بالله حتى يعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
***(8/2)
المستمعة مواطنة من العراق محافظة أربيل تقول لظروف قاسية وبدون رغبة مني سافرت إلى خارج العراق إلى بلد أجنبي في منتصف شهر رمضان وقد كنت صائمة في النصف الأول من شهر رمضان في العراق وعندما سافرت تركت الصيام والصلاة معاً لمدة خمسة عشر يوماً وهي فترة بقائي في ذلك البلد وكنت أقول إن هؤلاء قوم بهم نجاسة ولا يجوز استعمال حاجياتهم وكذلك لم أكن أعرف اتجاه القبلة ولم آكل أو أشرب من شرابهم وأسأل هل تركي للصلاة والصوم هذه الفترة يؤثر على فريضة الحج التي كنت قد أديتها منذ بضع سنوات وهل هناك حكم أؤديه ليغفر الله لي ذنوبي أفتوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تركك الصلاة هذه المدة والصيام لا يؤثر على فريضة الحج التي أديتها من قبل لأن الذي يبطل العمل الصالح السابق هو الردة إذا مات الإنسان عليها لقول الله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أما المعاصي فإنها لا تبطل الأعمال الصالحة السابقة ولكن ربما تحيط بها من جهة أخرى إذا كانت هذه المعاصي كثيرة ووزن بينها وبين الحسنات ورجحت كفة السيئات فإن الإنسان يعذب عليها وبناء على ذلك فإن الواجب عليك الآن أن تتوبي إلى الله عز وجل من ترك الصلاة وأن تكثري من العمل الصالح ولا يجب عليك قضاؤها على القول الراجح وأما الصوم فتركك إياه جائز لأنك مسافرة والمسافر لا يلزمه أداء الصوم لقول الله تعالى (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وقولك في تعليل تركك الصلاة أنك لا تعرفين القبلة ولا تأكلين من طعامهم وشرابهم ليس بصواب أي أن امتناعك من أداء الصلاة لهذا السبب ليس بصواب فإن الواجب عليك أن تصلى بقدر المستطاع وأن تأتي بما يجب عليك في صلاتك بما استطعت منه لقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) فالإنسان إذا كان في مكان لا يعرف القبلة ولم يكن عنده من يخبره بها خبراً يوثق به فإنه يصلى بعد أن يتحرى إلى الجهة التي غلب على ظنه أنها القبلة ولا يلزمه الإعادة بعد ذلك.
***(8/2)
سائل من الرياض يقول عليّ ذنوب كثيرة من نذور وأيمان وصلوات ضائعة فيما سبق وغيرها والآن أنا تبت إلى الله وسؤالي ماذا أفعل تجاه هذه الذنوب وكيف أكفر عنها علما بأنني لا أعلم عدد النذور ولا الأيمان ولا الصلوات الضائعة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصلوات التي تركتها وأخاطب السائل الآن فإنه يكفي أن تتوب إلى الله تعالى من تركها وأن تحسنها فيما يستقبل من عمرك ولا تقضي ما فات لأن من أخرج فرضا عن وقته بلا عذر شرعي لا يقضيه عنه الدهر كله بمعنى أنه إن بقي يصلى إلى أن يموت ما نفعه لأن العبادة المؤقتة إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها ثم فعلها بعد الوقت لم تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود وأما بالنسبة للنذور والأيمان فتحر ما عليك وما شككت فيه لا يلزمك فمثلا إذا قلت في نفسك ما أدري هل علي عشرة أيمان أو خمسة اجعلها خمسة لأن هذا هو المتيقن وكذلك النذور إذا كنت شككت هل نذرت عشر مرات أو خمس مرات فاجعلها خمس مرات لأن هذا هو المتيقن وما زاد على ذلك مشكوك فيه والأصل براءة الذمة.
***(8/2)
ماحكم الشرع في الذي لم يكن يحافظ على الصلوات بل وكان ينقطع عنها شهوراً طويلة ولكنه تاب توبة نصوحاً فأدى الصلوات جميعها وأصبح محافظاً عليها محافظة تامة في أوقاتها والحمد لله كما أنه لم يكن يصوم رمضان من قبل وكان يدخن كثيراً وتاب الله عليه من جميع تلك المعاصي والحمد لله فهل يلزمه أن يقضي الصلوات التي تركها من قبل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً أهنئ هذا الأخ الذي منّ الله عليه بالتوبة والقيام بما أوجب الله عليه من فرض الصلاة والصيام وأسأل الله سبحانه وتعالى له الثبات على ذلك وأن يزيده من خيره وفضله وأن يتوفانا وإياه على الإيمان ويحشرنا في زمرة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم ثم أني أقول له إن توبتك من الذنوب تجب ما قبلها وتوبتك من ترك الصلاة والصيام تجب ما قبلها ويغفر الله سبحانه وتعالى عنك بهذه التوبة لقول الله تبارك وتعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ولقوله تعالى في وصف المتقين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) وبناء على ذلك فإنه لا يلزمه قضاء ما تركه من الصلاة والصيام فيما مضى ولكن يكثر من العمل الصالح والاستغفار والتوبة ويتوب الله على من تاب.
***(8/2)
عبد الله بن عيسى مصري يعمل في الجهورية العربية اليمنية يقول ما حكم الشرع في نظركم فيما قاله الإمام الشافعي عن قضاء الصلاة الفائتة عمداً علماً بأن ما قاله الإمام الشافعي عن إباحة قضاء الصلاة جعل الكثير من الناس تتهاون في إقامة الصلاة في أوقاتها مما يؤدي إلى تركها وهل ما قاله الإمام الشافعي يعتبر في نظر الإسلام سنة سيئة ينطبق عليها ما جاء في الحديث الشريف (من سن سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) نرجو التفصيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله من وجوب قضاء الصلاة على من تركها متعمداً حتى خرج الوقت هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم ولكن القول الراجح أن من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فإنها لا تقبل منه ولو صلاها ألف مرة وذلك لأن الصلاة عبادةٌ محدودة بوقت لا تكون قبله ولا بعده لقول الله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت هذه المواقيت وبينها فوقت الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وقت الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال ووقت العصر من خروج وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس والضرورة إلى غروبها ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ووقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل أما إذا أخر الإنسان الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر فإنه لا صلاة له ولو صلاها ألف مرة هذا هو القول الراجح الذي تدل عليه الأدلة كما أن الرجل لو صلى الصلاة قبل وقتها لم تقبل منه فكذلك إذا صلاها بعد وقتها لم تقبل منه لأن كل ذلك خروجٌ عن حدود الشرع وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أما لو كان هذا لعذر مثل أن ينسى الإنسان أو ينام وقد أخذ احتياطاته للاستيقاظ ولكن لم يستيقظ فإنه يقضيها ولو خرج الوقت لقول النبي عليه الصلاة والسلام (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) ثم تلا قوله تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) .
***(8/2)
السائل م س يقول قبل عشر سنوات أو أقل من ذلك كنت لا أواظب على الصلاة حيث أنني أصلى يوما وأقطع آخر وذلك تهاونا مني في ذلك ولا أعلم عدد الأوقات التي لم أصلها أو عدد الأيام التي لم أصل بها فما العمل في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر من سؤاله أن الرجل استقام وصار يصلى وهذا كافٍ ولا يحتاج أن يعيد صلاته الماضية بل يصلح العمل ويكثر من النوافل والحسنات يذهبن السيئات وإنما قلت ذلك لأن هذا هو القول الراجح من أقوال العلماء ومن العلماء من يقول إذا ترك الصلاة مدة وجب عليه قضاؤها ولو كان عامداً لكن القول الراجح أنه لا يشرع قضاؤها وأنه لو قضاها لم تنفعه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا الذي ترك الصلاة إذا تركها تركا يكفر به فالكافر لا يقضي كما هو معلوم لقول الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وإذا تركها على وجه لا يكفر به كما لو كان يصلى ويخلي فإن كل عبادة مؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بدون عذر شرعي فإنه لا يقضيها لأنه لو قضاها لم تقبل منه نسأل الله أن يثبت أخانا السائل وأن يديم علينا وعليه نعمة الدين والإسلام.
***(8/2)
إبراهيم درديري من جمهورية مصر العربية يقول هل تجوز الصلاة لشخصٍ متوفى كان قد فاتته بعض الفروض من الصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الميت إذا مات فإنه لا يقضى عنه شيء من العبادات إلا ما جاء به النص والنص جاء بقضاء الحج عنه وقضاء الصوم أما الحج فإن امرأةً جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرأيتِ لو كان على أمك دينٌ أكنتِ قاضيته قالت نعم قال اقضوا الله فالله أحق بالوفاء وأما الصوم فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) وكذلك لو فرض أن الميت مات ولم يخرج الزكاة فإنها تخرج من تركته لأن الزكاة دين وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) فهذه ثلاثةٌ من أركان الإسلام دل الدليل على أنها تقضى عن الميت وهي الزكاة والصوم والحج على أن الزكاة في الحقيقة لم تقضَ عن الميت قضاءً كاملاً وإنما أخرجت من تركته وأما الصلاة فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بقضائها فإذا مات الإنسان وعليه صلوات لم يصلها فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه بدلاً عن الصلاة لأن ذلك لم يرد والعبادات توقيفية إذا لم ترد عن الشرع فليس لنا أن نشرع منها شيئاً.
***(8/2)
المستمعة فائزة محمد من ليبيا تقول شخص لم يصلِّ إلا وعمره في العشرين ثم أراد أن يقضي ما فات قبل ذلك فيصلى مع كل وقت وقتاً آخر فما رأيكم في ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول لإخواني المستمعين إن الصلاة شأنها عظيم وخطرها جسيم وليس شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة كما قال ذلك عبد الله بن شقيق عن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنهم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة فالواجب على المؤمن أن يتقي الله عز وجل وأن يحافظ على الصلاة كما أمره بذلك ربه (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وكما أثنى الله عز وجل على الذين يحافظون على صلواتهم وجعل ذلك من أسباب إرث الفردوس وهو أعلى الجنة والصلوات نور في القلب وفي الوجه وفي القبر نور تزول به ظلمات الجهل والصلوات صلة بين الإنسان وبين ربه يقف بين يديه يناجيه بكلامه وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي نصفين وإذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فلا يليق بالمؤمن أن يضيع هذه الفرصة العظيمة أن يضيع مناجاة الله سبحانه وتعالى بالسهو واللهو ولاشك أن الإنسان الذي يعرف ما للصلاة من قيمة في الإسلام وما لها من ثواب وأجر عند الله عز وجل أنه لا يضيع هذه الصلاة أبدا ولهذا كانت إضاعتها وتركها كفرا مخرجا عن الملة على القول الراجح من أقوال أهل العلم دليله من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح أما الكتاب فقد قال الله تعالى في المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) فجعل الله تعالى شرط كونهم إخوة لنا في الدين أن يتوبوا من الشرك وأن يقيموا الصلاة وأن يؤتوا الزكاة فإذا تخلف الشرط كُلاً أو بعضا فإن المشروط لا يتم ولا يمكن أن تنتفي الأخوة الإيمانية إلا بالخروج عن الإيمان كلية وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وروى عنه أصحاب السنن أنه قال صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم أي بين المشركين والكافرين الصلاة فمن تركها فقد كفر) ونقل عبد الله بن شقيق عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة والنظر الصحيح يقتضي ذلك فإنه لا يمكن لشخص يكون في قلبه إيمان وهو يعلم عظم الصلاة وفائدتها والوعيد على من تهاون بها أن يدعها أبدا ومن هنا يتبين لنا جواب السؤال الذي أوردتموه فنقول إن هذا الذي ترك الصلاة من حين بلغ إلى أن تم له عشرون سنة وهو يعلم وجوبها لا يقضيها لأنه في هذه المدة كافر والكافر لا يقضي ما فاته من الأعمال لقول الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وإذا قدرنا أنه ليس بكافر لجهله وتهاونه أو اعتقاده أن ترك الصلاة ليس بكفر كما هو رأي لكثير من العلماء فإنه لا يقضيها أيضا على القول الراجح وإن قضاها لم تقبل منه لأن الله سبحانه وتعالى فرض الصلاة في أوقات معلومة فقال جل وعلا (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) فإذا أخرها عن وقتها متعمدا بلا عذر فقد أتى بها على وجه لم يؤمر به فتكون مردودة عليه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وبهذا نعرف أن القول الراجح أن هذا الشاب الذي لم يصل إلا حين تم عليه عشرون سنة ليس عليه قضاء للصلوات الفائتة بعد بلوغه ولكن عليه أن يصلح عمله ويكثر من الاستغفار ومن صلاة النافلة لأن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة وأرجو له من الله عز وجل تمام المغفرة والرحمة.
***(8/2)
السائلة أم علي من الطائف تقول بأنها امرأة لم تصم شهرين من رمضان بسبب شدة الحر لأنها كانت تعيش في البادية وتقوم برعي الأغنام طوال العام وكانت الحرارة شديدة جداً في ذلك الوقت حتى الكبار لم يستطيعوا الصيام تقول وكنت أبلغ من العمر خمس عشرة سنة في حينها أيضاً وجهلاً مني كنت أصلى أحياناً وأترك أحياناً وهذا منذ عشرين عاماً والآن أنا محتارة هل أصوم عن ذلك أم أطعم وماذا علي تجاه الصلوات الفائتة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليها أن تقضي ما تركت صيامه من بعد بلوغها وأما ما كان قبل البلوغ فلا يلزم قضاؤه فإنه ليس بواجب والصلاة إن قضيتها فهو أحسن وإن لم تقضيها فلا حرج فالتوبة تهدم ما قبلها وإنما قلت إن قضت فهو أفضل لأنها لم تتعمد الترك تهاوناً فيما يظهر ولكن جهلاً وأما من ترك الصلاة عمداً متهاوناً ثم من الله عليه واستقام فإنه لا يقضي الصلاة وذلك لعدم الفائدة من قضائها إذا لو أنه قضاها ألف مرة لم تنفعه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه ومن تعمد ترك الصلاة عن وقتها بلا عذر فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردودا.
***(8/2)
السائل من تونس يقول بدأت الصلاة وعمري ثلاثون سنة هل يجوز قضاء ما فاتني من الصلوات وكيف يكون ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان إذا بلغ أن يصلى ولو لم يكن له إلا عشر سنوات ولا يحل له أن يدع الصلاة وهذا الرجل السائل يقول إن له ثلاثين سنة ولكنه لم يصل إلا بعد ذلك فهل يلزمه قضاء ما مضى وجوابنا أنه لا يلزمه قضاء ما سبق ولكن عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يكثر من صالح الأعمال وإنما قلنا إنه لا يلزمه قضاء ما سبق لأنه إن كان عن جهل لكونه عاش في مكان بعيد عن الناس الذين يصلون فإنه معذور بجهله وإن كان عن عمد بحيث كان يعيش مع المسلمين ويعلم أن الصلاة واجبة لكن تعمد تركها فإنه يكون كافراً والكافر لا يلزمه قضاء ما فاته من الأعمال الصالحة لقول الله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) .
***(8/2)
سائل رمز لاسمه بـ أ. ع. م. الدمام يقول كنت أصلى وأترك الصلاة بين فترة وأخرى عندما أكون في حالة عصبية ولكنني الآن مستمر عليها وكذلك الصيام ومن مدة ثلاث سنوات لم أتركها فهل عليّ قضاء ما فات من الصلاة وما الحكم فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قضاء ما فاتك من الصلاة والصيام الذي تركته عمداً لا يشرع لك لأنه لا ينفعك فكل عبادة مؤقتة بوقت له أول وآخر إذا أخرها الإنسان عن وقتها بدون عذر فإنها لا تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ومن أخر الصلاة عن وقتها المحدد لها شرعاً فإنه قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه وعلى هذا فنقول لهذا السائل إنه يكفيك أن تخلص التوبة إلى الله عز وجل وأن تصلح العمل وأن تندم على ما مضى وأن تعزم على أن لا تعود في المستقبل لمثل هذه الأعمال المحرمة ونسأل الله أن يرزقنا وإياه الثبات على دينه.
***(8/2)
المستمعة أ. ع. ك. من العراق محافظة القادسية تقول هل من الواجب قضاء صلاة أيام الدورة الشهرية وهل يجوز غسل الشعر فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا تقضي الصلاة بالنص والإجماع لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وسئلت عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت كان يصيبنا ذلك وكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة وعلى هذا فالصلاة لا يجب على الحائض قضاؤها وأما غسل الحائض رأسها فإنه لا بأس به أثناء الحيض وما سمعت من أن ذلك لا يجوز فإنه لا صحة له بل لها أن تغسل رأسها وجسدها وما شاءت ولها أيضاً أن تستعمل الحناء في أثناء حيضها ولا حرج عليها في هذا.
***(8/2)
من الكويت السالمية أبو أيمن يسأل ويقول يا فضيلة الشيخ أهملت الصلاة في فترات متباينة من عمري وخاصة في مرحلة الشباب وعمري الآن أربعون عاماً ولكي أعوض وأقضي ما أهملته فإنني أصلى مع كل صلاة مكتوبة صلاة أخرى بعدها مباشرة كقضاء فأصلى الصبح ركعتي الفريضة وأتبعها بركعتين أخريين والظهر أصلى أربع ركعات وبعدها مباشرة أصلى أربع ركعات بالإضافة إلى صلاة النافلة فهل هذا يتفق مع السنة وهل ذلك مندوب ومطلوب وهل صلاة القضاء بعد الفجر والعصر جائزة خاصة وهناك حديث نبوي ما معناه (لاصلاة بعد صلاتي الفجر والعصر) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأخ يقول إنه ترك الصلاة في أول عمره وإنه الآن يريد أن يقضيها وإنه يقضي كل صلاة مع مثيلتها فهل هذا أمر مشروع وهل يجوز قضاء الصلاة بعد الفجر وبعد العصر والجواب على ذلك أن العلماء رحمهم الله اختلفوا في الرجل يترك الصلاة عمداً حتى يخرج وقتها بدون عذر هل يلزمه قضاؤها أم لا يلزمه فجمهور العلماء على أنه يلزمه القضاء وأنه يقضيها تباعاً لا يقضي كل صلاة مع مثيلتها قالوا لأن الصلاة التي تركها بقيت ديناً في ذمته والدين يجب قضاؤه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقضوا الله فالله أحق بالقضاء) ولقوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) وتلا قوله تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) وقالوا إذا وجب القضاء على المعذور بنوم أو نسيان فوجوب القضاء على من ليس له عذر من باب أولى وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن القضاء لا يفيد إذا ترك الإنسان الصلاة عمداً حتى خرج وقتها وعليه أن يتوب إلى الله ويكثر من العمل الصالح ولا يشرع له القضاء لأن العبادة المؤقتة بوقت لا تفعل قبله ولا بعده فإنه إذا فعلها قبل وقتها أو بعده بدون عذر فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله وكل عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه باطل مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه وعلى هذا فإنه لا يشرع لك أيها السائل أن تقضي ما مضى من صلاتك لأن العمل الذي لا يفيد وليس مطلوباً شرعاً تركه هو الفائدة فريح نفسك وأكثر من العمل الصالح وإن الحسنات يذهبن السيئات أما قوله هل أقضيها بعد الفجر والعصر فنقول نعم صلاة الفريضة تقضى بعد الفجر وبعد العصر لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فإذا نام الإنسان عن الفريضة أو نسيها أو صلى محدثاً ناسياً أو جاهلاً ثم ذكر ذلك بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العصر فإنه يقضيها لعموم الحديث الآنف الذكر أما إذا تركها متعمداًَ حتى خرج وقتها فالقول الراجح أنها لا تقضى لأن ذلك لا يفيد وليعلم أن العلماء اختلفوا فيما إذا وجد سبب صلاة في وقت النهي هل يجوز فعلها أم لا؟ والصحيح أنه يجوز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي فإذا دخلت المسجد بعد صلاة الفجر فصلِّ ركعتين وإذا دخلت المسجد بعد صلاة العصر فصلِّ ركعتين وإذا دخلت المسجد قبيل الزوال فصلِّ ركعتين وهكذا كل نفل وجد سببه في أوقات النهي فإنه يفعل ولا نهي عنه هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم ويكون النهي عن الصلاة في أوقات النهي مخصوصاً بالنوافل المطلقة التي ليس لها سبب ووجه ترجيح هذا القول أن صلاة ذوات الأسباب جاءت عامة مقيدة بأسبابها فمتى وجد السبب جاز فعل الصلاة في أي وقت كان وتكون ذوات الأسباب مخصصة لعموم النهي كما أن في بعض أحاديث النهي ما يدل على أن ذوات الأسباب لا تدخل فيه حيث جاء في بعض ألفاظه لا تتحروا الصلاة وهذا يدل على أن ما فعل لسبب فلا بأس به لأن ذلك ليس تحرياً للصلاة في هذه الأوقات.
***(8/2)
المستمع حسن الرحبي من سوريا يقول في رسالته كنت قد صلىت سنة 1404 هـ وتركت الصلاة والآن عاودت إليها وأود أن أعرف هل أصلى قضاء وهل أدفع كفارة لترك الصلاة أفيدوني بذلك بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما تركته من الصلاة فيما مضى فإنه لا ينفعك قضاؤه الآن وذلك لأن الله عز وجل جعل للصلاة ميقاتاً معيناً فقال سبحانه وتعالى (فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) (النساء: من الآية103) فأوقات الصلاة محدودة أولاً وآخراً فكما أن الإنسان لو صلى قبل دخول الوقت لم تصح صلاته فكذلك إذا صلى بعد دخول الوقت بدون عذر شرعي فإن صلاته لا تصح ولا تقبل منه وإذا تاب الإنسان من ترك الصلاة ورجع إلى الله عز وجل وأناب إليه فإن ذلك يكفيه لأن التوبة النصوح تجب ما قبلها فليتب إلى الله عز وجل هذا الرجل الذي ترك الصلاة العام ما قبل الماضي وهو سنة 1404 هـ ليتب إلى الله مما صنع وليكثر من العمل الصالح والاستغفار لعل الله يغفر له.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا السائل ح م ينبع يقول بأنه رجل يبلغ من العمر الخامسة والسبعين لم يبدأ الصيام يقول في السن القانوني وإنما كنت أصوم أياماً وأفطر أياماً أخرى هذا بالإضافة إلى تهاوني في أداء الصلاة فقد كنت أصلى أحيانا وأترك أحيانا أخرى وقد داومت على الصيام والصلاة وأنا في الأربعين من عمري ماذا أفعل بالسنوات التي فاتتني ولم أصمها مع العلم بأنني رجل عاجز ولا أستطيع القضاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يكفي التوبة في مثل هذا لأن كل إنسان ترك عبادة محددة بوقت بدون عذر شرعي فإنه لا يقضيها إذ أنه لا يستفيد بقضائها شيئا كل عبادة محددة بوقت إذا أخرجها الإنسان عن وقتها فإنه لا يقضيها لأن قضاءها سيكون هدرا لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ومعلوم أن العبادة المؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها كانت عملا ليس عليه أمر الله ورسوله فتكون ردا.
***(8/2)
السائل رمز لاسمه بـ أ. ع. م. الدمام يقول كنت أصلى وأترك الصلاة عندما أكون في حالة عصبية ولكنني الآن مستمر عليها وكذلك الصيام ومن مدة ثلاث سنوات لم أتركها فهل عليّ قضاء ما فات من الصلاة وما الحكم أرشدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قضاء ما فاتك من الصلاة والصيام الذي تركته عمداً لا يشرع لك لأنه لا ينفعك فكل عبادة مؤقتة بوقت له أول وآخر إذا أخرها الإنسان عن وقتها بدون عذر فإنها لا تقبل منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ومن أخر الصلاة عن وقتها المحدد لها شرعاً فإنه قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه وعلى هذا فنقول لهذا السائل إنه يكفيك أن تخلص التوبة إلى الله عز وجل وأن تصلح العمل وأن تندم على ما مضى وأن تعزم على أن لا تعود في المستقبل لمثل هذه الأعمال المحرمة ونسأل الله أن يرزقنا وإياه الثبات على دينه.
***(8/2)
كنت منذ أكثر من خمس وعشرين سنة مريضة قد أفطرت في رمضان ولم أصل والآن عمري خمسون عاماً والحمد لله بعد أن تزوجت منذ خمسة وعشرين عاما استقمت على شرع الله والحمد لله لم أعد أفطر في رمضان ولم أعد أقطع وقت الصلاة ومنذ سبعة عشر عاما ذهبت للحج ومنذ أكثر من عشر سنوات كل عام أقوم بأداء العمرة في مكة المكرمة أرجو أن تخبروني ماذا أعمل بالأيام التي أفطرتها علما بأنني لا أعرف كم عددها والصلاة أيضا حوالي اثنتي عشرة عام لم أصل وجزاكم الله خيرا.
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان تركك الصيام والصلاة تركا مطلقا بمعنى أنك لا تشرعين في الصوم ولا تشرعين في الصلاة فهنا نقول توبي إلى الله عز وجل مما صنعت وأحسني العمل وزيدي من الخيرات لعل الله يغفر لك ولا تحتاجين إلى قضاء ما فاتك لأنك لو قضيتها لم تستفيدي منها إذ أن قضاءها بعد خروج وقتها بغير عذر شرعي لا ينفع لقول النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وإنما يشرع القضاء حين يكون العذر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) أما إذا كنت قد شرعت في الصوم أو في الصلاة ثم قطعت ولم تقضي فهنا يجب عليك قضاء ما فاتك لأنك لما شرعت فيه كأنما نذرته على نفسك فيجب عليك قضاؤه وإذا شككت وجهلت ماذا عليك فتحري الصواب وابني على ما يغلب على ظنك.
***(8/2)
أنا شاب عمري ثلاث وعشرون سنة يقول عندما بلغت سن العاشرة صلىت ثم صمت وعندما بلغت الثامنة عشرة تركت الصلاة والصيام وفي السنة الثانية أو الثالثة والعشرين تبت إلى الله عز وجل وأقبلت على الله وبقيت أصلى وأصوم ما هو المفروض علي أن أفعله كفارة لتلك السنوات الماضية من صلاة وصيام وكل واجبات دين الله على المسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليك شيء ٌ وإنما الواجب عليك الآن أن تُصلح عملك وتستقيم فيما بقي من عمرك والتوبة تَجُبُّ ما قبلها قال الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) فلا يجب عليك قضاء ما فاتك في السنوات التي تركت فيها العبادات عامداً بدون عذر.
***(8/2)
يقول السائل في بعض السنوات قصرت في الصلاة ولا أدري كم فرضاً ضيعت فهل علي قضاء لتلك الصلوات وكيف أقضيها علما بأنني أصلى في اليوم أكثر من عشرين ركعة نافلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التقصير لا بد أن نعرف هل هو عدم الصلاة أو أنه يصلى ولكن لا يأتي بأركان الصلاة وواجباتها فإن كان الأول بأن كان لا يصلى أي مضى عليه أيام لم يكن يصلىها فإنه لا يقضي تلك الأيام لأنه وإن قضاها لم تقبل منه حيث أنه تعمد إخراج الصلاة عن وقتها فيكون صلى صلاة لم يؤمر بها وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه أما إذا كان قد أخلَّ بشيء منها ولكن لا يدري أي صلاة أخلَّ بها فإنه يحتاط فإذا قدر أنها الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر صلى الصلوات الخمس ليخرج من الواجب بيقين وقيل يصلى أربعاً وثلاثاً واثنتين ويقول هذه الأربع إما عن الظهر أو المغرب أو العشاء لأن هذه الثلاث متفقة في العدد والهيئة فيصلى صلاة ينويها عن أحداها ولكن الأول أحوط بأن يصلى خمس صلوات حتى يخرج بيقين.
***(8/2)
يقول إنني لم أحافظ على الصلاة المفروضة إلا بعد أن بلغت التاسعة عشرة فهل أقضي الفترة السابقة وكيف أقضيها إذا كانت علي أم ماذا أعمل مع العلم أنني قد حججت إلى بيت الله الحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن تركك للصلاة حتى سن التاسعة عشرة خطأ وهو أمر عظيم وترك الصلاة كفر مخرج عن الملة ولكن مع هذا نقول لك إنه لا يلزمك قضاء ما سبق من الصلوات بل تتوب إلى الله وتحسن العمل وتكثر من الاستغفار ومن النوافل والله تبارك وتعالى يعفو عنك ما سبق وأما حجك للبيت فإن كان في السنوات التي لا تصلى فيها فإنه يجب عليك إعادته لأنك حججت وأنت على غير الإسلام وإن كان حجك بعد أن بدأت بالصلاة فحجك صحيح ولا يجب عليك إعادته.
***(8/2)
شاب بلغ من العمر إحدى وثلاثين سنة وخلال هذه الفترة من الزمن وبعد سن الرشد ترك الصوم والصلاة لمدة سنتين فقط فهل لهذا كفارة علماً بأنه الآن يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان إلا أنه متألم وخائف من الله حسرة على ما فاته من تلك السنتين لركنين من أركان الإسلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فيمن ترك العبادات المؤقتة حتى خرج وقتها بدون عذر فمنهم من قال إنه يجب عليه القضاء ومنهم من قال إنه لا يجب عليه القضاء مثال ذلك رجل ترك الصلاة عمداً حتى خرج وقتها بدون عذر أو لم يصم رمضان عمداً حتى خرج وقته بدون عذر فمن أهل العلم من يقول إنه يجب عليه القضاء لأن الله تعالى أوجب على المسافر والمريض في رمضان القضاء فإذا أوجب الله القضاء على المعذور فغيره من باب أولى وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (من نام عن صلاة أونسيها فليصلها إذا ذكرها) فأوجب النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة على من نسيها حتى خرج وقتها وأوجب على من نام عنها حتى خرج وقتها أن يقضيها قالوا فإذا وجب القضاء على المعذور فغير المعذور من باب أولى.
والقول الثاني في المسألة أنه لا يجب القضاء على من ترك عبادة مؤقتة حتى خرج وقتها بدون عذر وذلك لأن العبادة المؤقتة عبادة موصوفة بأن تقع في ذلك الزمن المعين فإذا أخرجت عنه بتقديم أو تأخير فإنها لا تقبل فكما أن الرجل لو صلى قبل الوقت لم تقبل منه على أنها فريضة ولو صام قبل شهر رمضان لم يقبل منه على أنه فريضة فكذلك إذا أخر الصلاة عن وقتها بدون عذر فإنها لا تقبل منه وكذلك لو أخر صيام رمضان بدون عذر فإنه لا يقبل منه وهذا القول هو الراجح وذلك لأن الإنسان إذا أخرج العبادة عن وقتها وعملها بعده فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليها أمرنا فهو رد) وإذا كان عمله مردوداً فإن تكليفه لقضائه تكليف لا فائدة منه وعلى هذا فنقول لهذا السائل مادمت قد تركت الصلاة سنتين والصيام سنتين بدون عذر فإن عليك أن تتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً وتكثر من الأعمال الصالحة ولا تقضي ما فات لأنك لو قضيته لم تنتفع منه ولكن التوبة تجب ما قبلها كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
السائلة ليلى م من الكويت تقول أنا شابة مسلمة أبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً وكنت طوال هذه الفترة قد أديت فريضة الصلاة ولكن بطريقة متقطعة والذي يحيرني أنني أريد أن أنتظم بعون الله في الصلاة ولكن لا أعلم كيف أؤدي ما فاتني من الصلوات هل علي أن أؤدي الذي فاتني عن طريق أداء كل فرض قضاءً مع الفروض كلها أي عندما أصلى الفجر مثلاً أصلى الفرض ثم القضاء وهكذا مع باقي الفروض أم علي أن أنتظم في أدائها مستقبلاً دون القضاء مع التوبة الخالصة وعدم الرجوع إلى ما فات تقول ينطبق الأمر نفسه أيضاً مع فريضة الصيام حيث كنت أصوم ولكن بصورة متقطعة مع عدم قضاء الأيام التي أفطر فيها بسبب العذر الشرعي للمرأة فما حكم الإسلام في ذلك وماذا عليَّ أن أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المسألة الأولى وهي عدم صلاتها فإنها لا تقضي ما فات ذلك لأنها قد تعمدت تأخير الصلاة عن وقتها والمتعمد لتأخير الصلاة عن وقتها لا يقضي وذلك لأن العبادة المؤقتة بوقت معلوم من قبل الشرع لا يجوز أن تفعل قبل وقتها ولا يجوز أن تؤخر عن وقتها فإذا أخرها الإنسان عن وقتها بدون عذر فإنها لا تقبل منه ولو صلاها وليس معنى قولنا إنه لا يصلى من باب الرأفة به ولكنه من باب هجره وعدم الرضا عنه لأنه أخرها عمداً بدون عذر ولا نقول إنه إذا كان الشرع قد أوجب عليه قضاء الصلاة عند النوم والنسيان فإذا أخرها عمداً كان وجوب قضائها من باب أولى لأننا نقول إن الذي تركها لنوم أو نسيان تركها لعذر فهو معذور والوقت في حقه بالنسبة له هو وقت ذكره أو وقت استيقاظه أما هذا فقد تعمد بدون عذر أن لا يصلى الصلاة في الوقت الذي حدده الله لها وعلى هذا فلا يقضي ما فاته إذا كان قد أخره بدون عذر لأنه لا يقبل منه ولكن على هذه المرأة وعلى غيرها أيضاً ممن منّ الله عليهم ورجعوا إلى العمل الصالح أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى بالندم على ما مضى والعزم على أن لا يفعلوا مثله في المستقبل ويصلحوا أعمالهم والله سبحانه وتعالى يتولى الصالحين أما بالنسبة للصيام وهو عدم قضاء الأيام التي كانت تفطرها من أجل العذر فإن عليها أن تقضي هذه الأيام لأنها أخرتها عن وقتها معذورة وكان الواجب عليها القضاء وهو لا يتحدد بوقت معين لقوله تعالى (وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فلما كان لا يتقيد بوقت معين كان قضاؤه الآن هو الواجب عليها والله أعلم.
فضيلة الشيخ: إن كانت لا تحصي هذه الأيام التي أفطرتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت لا تحصيها فإن عليها أن تحتاط وتتحرى فإذا غلب على ظنها أنها ثلاث سنوات مثلاً كل سنة سبعة أيام تصوم واحداً وعشرين يوماً وهكذا.
***(8/2)
رسالة المستمع راغب في الجنة يقول أنا شاب في الثانية والثلاثين من عمري وقد كنت تاركاً للصلاة والصيام وأديت الحج عن نفسي وأنا كذلك وبعد مضي سنة حججت مرة أخرى عن أحد أقاربي وأنا أيضاً على تلك الحال تارك للصلاة والصيام وبعد ذلك تبت إلى الله وندمت على ما حصل مني من ارتكاب لمحارم الله وترك للواجبات فماذا عليّ بالنسبة للصلاة والصيام فيما مضى وهل حجي عن نفسي وعن قريبي صحيح أم يلزم إعادته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أسأل الله تعالى لمن سمى نفسه أو لقبها براغب الجنة أن يكون هذا اللقب مطابقاً لمن لقب به فيكون حريصاً على الأعمال التي توصله إلى هذه الجنة والتي ذكرها الله تعالى في قوله (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) ونرجو أن يكون ذلك متحققاً حيث هداه الله سبحانه وتعالى إلى الإيمان بعد الضلال والكفر وما ذكره من أنه كان في أول أمره تاركاً للصلاة والصيام وأنه حج مرة لنفسه وهو على هذه الحال ومرة لأحد أقاربه وهو على هذه الحال أيضاً ثم يسأل ما شأن هاتين الحجتين وماذا يجب عليه إزاء ما ترك من الفرائض فنقول أما حاله وهو تارك للصلاة فإنه كافر من جملة الكافرين الخارجين عن الإسلام لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة موجب للخلود في النار كما دل على ذلك الكتاب والسنة وقول السلف رحمهم الله وعلى هذا فإن من لا يصلى لا يحل أن يتزوج امرأة من المسلمين وإذا كان عنده امرأة فإن نكاحه منها ينفسخ ولا يحل الاستمرار عليه وإذا كان قد عقد له النكاح وهو على هذه الحال ثم منّ الله عليه بالتوبة فإنه يجب أن يجدد عقد النكاح له لأن عقد النكاح الأول الذي عقد له وهو لا يصلى عقد باطل لقوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) ولقوله تعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وهذه مسألة خطيرة جداً حيث إنه يوجد في مجتمعنا من لا يصلي ثم يعقد له النكاح على امرأة مؤمنة تؤمن بالله وتصلى أقولها وأكرر أن من عقد له النكاح وهو على هذه الحال أي لا يصلى ثم منّ الله عليه بالهداية فإنه يجب أن يعاد عقد النكاح مرة أخرى حتى يكون عقدا صحيحاً وهذا الرجل الذي لا يصلى لا يحل له أن يدخل مكة لقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وأما حجه عن نفسه وهو لا يصلى فإنه غير مجزئ ولا مقبول ولا صحيح فهو لم يؤد الفريضة الآن فعليه أن يؤدي الفرض وكذلك حجه عن قريبه لا ينتفع به قريبه ولا يؤدي عنه إن كان حجاً عن فريضة وذلك لأنه وقع من كافر والكافر لا تصح منه العبادات لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) وعلى هذا فنقول لهذا الأخ السائل أما بالنسبة لحجك عن نفسك وعن قريبك فإنه لاغٍ ولا يصح ويجب عليك أن تعيد حج الفريضة مرة أخرى وإذا كان قد عقد لك النكاح وأنت على هذه الحال فإنه يجب عليك إعادة عقد النكاح من جديد وأما بالنسبة لما تركت من الأعمال السابقة فإنه لا يجب عليك قضاؤها لأن الصحيح عندنا أن كل عبادة مؤقتة بوقت فإنه إذا أخرت عن وقتها عمداً بدون عذر شرعي فإنه لا ينفع قضاؤها لأن العبادة المحددة بوقت معناها أنه يجب أن تكون في هذا الوقت المحدد فلو فعلت قبله لن تصح ولو فعلت بعده بدون عذر شرعي يسيغ التأخير لن تصح أيضاً وذلك لأنها لو أخرت عن وقتها بدون عذر شرعي ثم فعلها الإنسان بعده فإنه يكون قد فعلها على وجه لم يأمر الله بها ورسوله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولأننا لو قلنا بقضائها في مثل هذه الحال لكان كل إنسان يهون عليه أن يؤخر الصلاة عن وقتها أو العبادة المؤقتة عن وقتها ما دام ينفعه إذا أتى بها بعد الوقت فعلى هذا الأخ السائل أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً وأن يستمر في فعل الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل بكثرة الأعمال الصالحة ويكثر من الاستغفار والتوبة وقد قال الله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وهذه الآية نزلت في التائبين فكل ذنب يتوب العبد منه ولو كان شركاً بالله عز وجل فإن الله يتوب عليه.
***(8/2)
تقول السائلة كان أبي رحمه الله عاجزا بقدم واحدة وكان يخشى الله في كل عمل له وكان يتعب في كسب ماله لإطعامنا ولا يقبل المساعدة من أحد ولا يقبل أي مال حرام وكان يزكي على ماله ويتصدق كثيرا اعتقادا بأن الصدقة تغني عن الصلاة وأيضا لعدم سماع البرامج الشرعية التي تحذر من عاقبة تارك الصلاة ونهايته ماذا نفعل لأن أبي للأسف الشديد كان لا يصلى ولا يعرف كل ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليكم نصح هذا الأب وأن تبينوا له أن الصلاة من أركان الإسلام وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وأن تبينوا له أن تاركها يكفر كفرا مخرجاً عن الملة وإن تصدق وصام وحج واعتمر فإن أصر على ذلك أي على ترك الصلاة فأعلموه أن الله لن يقبل منه نفقةً ولا صدقةً ولا صياماً ولا حجاً لأن من شرط قبول الأعمال أن يكون الإنسان مسلما ومن لا يصلى ليس بمسلم فإن كان الأب قد مات الآن وهو لم يصل إليه ولم يبلغه أن الصلاة واجبة وفريضة فإنه لا بأس أن يدعى له بالمغفرة والرحمة لعل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه.
***(8/2)
بعض الناس يقولون إن كل شيء من العبادات مستقل بنفسه ويبررون تركهم لبعض الفرائض وهم يقومون ببعضها الآخر بذلك فمثلاً نجد شخصاً يصلى ولا يصوم أو امرأة تصلى ولا تضع الخمار على وجهها فإن قلت لها لماذا تصلىن ولا تتحجبين فتقول كل شيء وحده والله يحاسبني على الصلاة وحدها وعلى الخمار وحده ومنهن من تقول أعرف أنه واجب ولكن الظروف لا تسمح لي فما رأيكم بذلك أليس هذا من جنس الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض وهل تكون صلاة المرأة التي تخرج سافرة صلاة صحيحة مقبولة وما الحكم لو كان زوجها هو الذي يمنعها من الحجاب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العبادات لا شك أنها تتجزأ وأن كل عبادة مستقلة بنفسها فهذه صلاة وهذه صدقة وهذا صيام وهذا حج وهذا بر والدين ولكل منها حكم نفسه ويقبل منها كل واحد وإن كان مفرطاً في الآخر إلا عبادة واحدة وهي الصلاة فإنه إذا تركها لا تقبل منه عبادة أخرى وذلك لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة وإذا كان كفراً مخرج عن الملة فإن الكافر لا تقبل منه العبادة لقوله تعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) لكن بالنسبة لغير الصلاة إذا ترك عبادة وفعل عبادة أخرى فإنها تقبل منه التي فعلها إذا كانت على الوجه الشرعي وإن كان متهاوناً في العبادة الثانية إلا إذا كان تركه للعبادة الثانية ترك تكذيب وجحود وهي مما يخرج عن الملة جحوده فحينئذٍ لا تقبل منه العبادات الأخرى لما ذكرناه آنفاً وأما بالنسبة للمرأة التي تصلى وهي لا تحتجب الحجاب الشرعي والحجاب الشرعي هو تغطية الوجه واليدين ومواضع الفتنة من المرأة فإن صلاتها تكون صحيحة وهي آثمة بترك الحجاب الشرعي وإذا كان زوجها يأمرها بألا تحتجب فإنه لا طاعة له ويجب عليها معصيته في طاعة الله لأنه صلى الله عليه وسلم يقول (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وقال تعالى (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) وفي هذه الحال إذا عصته فإنه لا يحل له أن يقصر في شيء من واجباتها بناءً على هذه المعصية بحجة أنها نشزت بمعصيتها إياه لأن هذا ليس من النشوز فإن معصية المرأة زوجها في طاعة الله سبحانه وتعالى ليست من النشوز في شيء بل ينبغي للمرء أن تزيد زوجته غلاءً في قلبه إذا كانت عصته في طاعة الله سبحانه وتعالى أي من أجل طاعة الله.
***(8/2)
إذا كان الوالد أو الوالدة لا يصلىان فهل تجوز الصلاة عنهما بعد الوفاة وهل أيضاً الصيام عنهما يجوز بعد الوفاة وكذلك الزكاة هل لي أن أزكي عنهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الوالد والوالدة لا يصلىان كما ذكر السائل وماتا على ذلك فإنه لا يصلى عنهما ولا يصوم عنهما ولا يتصدق عنهما لأن القول الراجح أن من ترك الصلاة ولو متهاوناً فهو كافر مرتد يخرج عن الإسلام والكافر المرتد لا ينفعه العمل الصالح إذا عمل له بل ولا يجوز للإنسان أن يعمل له عملاً صالحاً لقوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وأما إذا كان الوالدان أحياناً يصلىان وأحياناً لا يصلىان فإن الصلاة لا تقضى عن الميت وأما الصيام فإذا كان الميت قد ترك الصوم لعذر كمرض أو نحوه فإنه يقضى عنه إذا مات لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) وأما الزكاة فقد اختلف العلماء رحمهم الله فيما لو كان الإنسان معروفاً بالبخل وعدم الزكاة ثم مات هل تقبل الزكاة من ماله أي من تركته بعد موته لأن فيها حق للآدمي وهم أهل الزكاة أو لا تقضى لأنها لا تنفع الميت. فالميت إذا كان لا يزكي فإن الزكاة عنه بعد موته لا تنفعه ولا تبرأ بها ذمته وذلك لأنه مات على عدم الزكاة وهو متهاون ولكن من وجهة نظر الأولين الذين يقولون تقضى الزكاة عنه يقولون لأن هذه العبادة تعلق بها حق الغير فتقضى عنه من أجل إعطاء الغير حقه وهم الفقراء وأهل الزكاة وأما هو فلا تبرأ ذمته.
***(8/2)
السائل ع. ع. ع. من جمهورية مصر العربية يقول الذي لا يصلى ومات هل يجوز أن نتصدق عنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل لنا أن نتصدق صدقة للميت الذي لا يصلى وذلك لأنه كافر لا تنفعه الصدقة ولا يحل لنا أن نفعل ما يكون سببا للمغفرة والرحمة بالنسبة له لأن هذا من الاعتداء على الله عز وجل فإن هذا الرجل الذي مات على غير صلاة لا يغفر الله له لكونه كافرا وقد قال الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ* وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وهذا يشمل الاستغفار لهم في حياتهم وبعد مماتهم وقال الله تبارك وتعالى (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) فلا يحل لنا أن نستغفر لمن مات وهو لا يصلى ولا أن نسأل الله له الرحمة ولا أن نتصدق عنه بل نحن منه براء يجب علينا أن نتبرأ منه.
***(8/2)
هذا السائل يقول سألت أحد الإخوة المتفقهين في الدين وإمام مسجد قائلاً: هل يجوز لي الصلاة قضاء عن والدي رحمه الله حيث أن ظروف مرضه قبل رحيله عن عمرٍ يناهز65 عاماً هي عبارة عن شلل نصفي وجلطة مركزة في المخ وكان الجواب بنعم يجوز لك أن تصلي عنه وقد توفي والدي في غرفة العناية المركزة وكان آخر ما قال الحمد لله لا إله إلا الله وأنا أصلى جميع الفروض عنه وأصوم عنه فهل يجوز لي هذا وهو متوفى منذ عامين تقريباً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل ما ختم به حياة والدك صادراً عن إخلاص ويقين حتى يتحقق أن آخر ما قال لا إله إلا الله والبشرى لمن كان آخر قوله من الدنيا لا إله إلا الله أن يدخل الجنة نسأل الله تعالى أن يختم لنا ولإخواننا المسلمين بخاتمة التوحيد والإيمان، أما الصلاة عن أبيك فإنه لا يجوز أن تقضي الصلاة عنه لأن القضاء عبادة والعبادة مبنية على التوقيف أي على ورود الشرع بها ولم يرد في الشرع بأن الميت يقضى عنه شيء من الصلوات وعلى هذا فلا تقضي عن والدك شيئاً والذي أفتاك بهذا ليس على صواب في فتواه أي الذي أفتاك بأن تقضي عنه الصلاة ليس على صواب في فتواه أما الصوم فإن أباك لا يلزمه الصوم مادام مرضه هذا المرض الذي ذكرت لأن مثل هذا المرض لا يرجى برؤه وعلى هذا فالواجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً والصاع من البر يكفي لأربعة مساكين أي يكفي لأربعة أيام فإذا كان أبوك لم يصم شهرين وكان الشهران تامين فإنه يلزمك أن تطعم ستين مسكيناً مرتين مرة للعام الأول ومرة للعام التالي ولا تصم عنه لأن كل من لا يرجى زوال عذره إذا أفطر فإن فرضه الإطعام وليس فرضه الصيام عنه فخلاصة الجواب أن لا تصلى عن أبيك ما فاته من الصلوات لأن ذلك لم يرد به الشرع والقضاء عبادة تحتاج إلى ورود من الشرع ولم يرد الشرع إلا في الصوم وأما ما فات أباك من الصيام فإنه يطعم عن كل يوم مسكين لأن الصيام ليس واجباً عليه وإنما الواجب عليه الإطعام وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) فهذا إنما يكون في رجل تمكن من القضاء أي من قضاء ما تركه من الصوم ولكنه لم يقض فهذا هو الذي إذا مات يصام عنه.
***(8/2)
والدي توفي وكان يترك بعض الأوقات من الصلاة أفيدوني ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليك أن تستغفر له لأن هذا من بره وهو محتاج إلى الاستغفار وسؤال التوبة له في هذه الحال لأنه ترك الصلاة وترك الصلاة لا يجوز أبداً حتى لو كان المريض مريضاً أشد المرض ما دام عقله معه فإنه يجب عليه أن يصلى بحسب ما يستطيع حتى ولو لم يصل إلا بالنية كانت الصلاة فرضاً عليه أما ما يفعله بعض العامة من كونهم إذا مرضوا مرضاً شديداً تركوا الصلاة وقالوا إذا طبنا صلىنا فهذا غير صحيح وما يدريهم لعلهم لا يطيبون كما يقع أحياناً بكثرة أن يموت الإنسان قبل أن يبرأ فعلى المرء المسلم أن يصلى الصلاة المفروضة في وقتها حيثما كان وعلى أي صفة كان بقدر ما يستطيع لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ويجوز للمريض إذا كان في بلده أن يجمع بين الصلاتين صلاة الظهر والعصر وصلاة المغرب والعشاء إذا كان يلحقه بترك الجمع مشقة وإذا كان في غير بلده مثل أن يكون في مستشفى خارج بلده فله أن يجمع ويقصر أيضاً لأنه مسافر.
***(8/2)
حفظكم الله وسدد خطاكم هذه رسالة وصلت من مستمعة للبرنامج تقول إن والدي قد توفي منذ سنوات قليلة وقد كان لا يداوم على الصلاة بسبب المرض الشديد الغرغرينة وكان ينطق بالشهادتين دائما وقد نطق بها قبل وفاته وكان موحداً لله تبارك وتعالى والسؤال هل يجب علي موالاة أبي في هذه الحالة وأن أبره بالدعاء له بالمغفرة والرحمة والصدقة وهل هذه الحالة لا ينطبق عليها الحديث الشريف (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) وذكر من ذلك الولد الصالح يدعو له وذلك لأنني أحبه حباً كثيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوالد الذي سألت عنه المرأة يترك بعض الصلاة ويصلى أحياناً من العلماء من يرى أنه كافر وإذا كان كافراً فإنه لا يجوز أن يدعى له بالمغفرة ولا بالرحمة ولا يتصدق عنه ولا شيء والقول الراجح عندي أنه لا يكفر وإنما يكفر من ترك الصلاة تركاً مطلقاً وحال الرجل الذي سألت عنه المرأة تقتضي على القول الراجح أن لا يكون كافراً فإذا دعت له بالمغفرة والرحمة وأكثرت من ذلك فإنه يرجى بأن الله ينفعه بهذا.
***(8/2)
تقول لدي ولد في الثانية والثلاثين من العمر لم يؤد فريضة الصلاة ولا فريضة الصوم أثناء حياته فأرجو منكم أن تفيدوني ما هي الطريقة التي أؤدي بها كي تصله هذه العبادات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من هذا السؤال أن هذا الولد قد مات وإذا كان قد مات فإن القول الراجح عندنا أن من ترك الصلاة فهو كافر وإذا كان الإنسان كافراً لايحل أن يدعى له بالمغفرة أو الرحمة أو يتصدق له لأن هذا لا يصل إليه ولا يتنفع به بل قال الله عز وجل (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) لكن قد يكون هذا الذي لا يصلى ولا يصوم عاش في بيئة لا تدري شيئاً عن الإسلام ولا عن الصوم ولا عن الصلاة أو كان قد عاش في قوم لا يرون أن تارك هذه الأشياء كافر وبناء على ذلك فإنه لا يموت على الكفر لجهله أو تأويله بتقليد هؤلاء فيبقى موضوعه مشكوكاً فيه ولو أن والدته قالت اللهم إن كان ابني في علمك مسلماً فاغفر له وارحمه فعلقت الدعاء له بالشرط لكان ذلك جائزاً ونافعاً له إن كان في علم الله تعالى مسلماً فإن الشرط في الدعاء لا بأس به قد جاء به القرآن في قوله تعالى في آيات اللعان (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فهذا دعاء علق بالشرط وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أنه كان في نفسه إشكال في بعض المسائل (ومن جملتها أنه يقدم إليه جنائز يشك في إسلامهم فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسأله عن ذلك فقال عليك بالشرط يا أحمد عليك بالشرط يا أحمد) يعني أن تدعو لهذا الميت دعاءً مشروطاً فتقول اللهم إن كان هذا الرجل مؤمناً فاغفر له وارحمه أو إن كانت هذه المرأة مؤمنة فاغفر لها وارحمها وهذه الرؤيا لها أصل من الشرع كما أشرنا إليه آنفاً في آية اللعان وإن كانت المرائي في الأصل لا تثبت بها الأحكام الشرعية لأن الأحكام الشرعية ثبتت بالنصوص التي بين أيدي الناس والتي يقرؤونها ويسمعونها في اليقظة ولكن إذا وجدت قرينة تدل على صدق هذه الرؤيا وليس فيها ما يخالف الشرع فإنها تكون رؤيا صادقة كما أن الإنسان إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على الصفة المعروفة من أوصافه صلى الله عليه وسلم فقد رآه حقاً كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والحاصل أن نقول لهذه المرأة السائلة التي مات ولدها وهو لا يصلى ولا يصوم لا حرج عليك أن تدعي الله له ولكن بشرط مثل اللهم إن كان ابني في علمك مسلماً فاغفر له وارحمه وما أشبه ذلك.
***(8/2)
المستمع محسن عبد القادر رزق من جمهورية مصر العربية يقول كنت أتابع برنامجكم الأكثر من رائع بارك الله فيكم ونفعنا بكم وشغلتني إجابتكم عن أحد الأسئلة في حلقة مضت وكانت تفيد وجوب إعادة عقد قران اثنين تم عقد قرانهما في فترة لا يقيمان فيها الصلاة بمعنى أن عقد القران وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً والسؤال لو قطع أحدهما الصلاة بعد عقد القران أكثر من ثلاثة أيام هل يبطل العقد ثانية ولو تكرر من أحدهما أو كليهما قطع الصلاة أكثر من ثلاثة أيام ثلاث مرات ولو تكاسلاً فما الحكم في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال مهم جداً لأن حاجة الناس إلى معرفته من أهم ما يكون وهو مبني على القول بكفر تارك الصلاة وهذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم فذهب بعضهم إلى أن ترك الصلاة لا يوجب الكفر وإنما هو فسق من جملة الفسوق ثم اختلف هؤلاء القائلون بذلك فمنهم من قال إنه يدعى إلى الصلاة فإن صلى وإلا قتل حداً ومنهم من قال إنه لا يقتل بل يعزر وذهب بعض أهل العلم إلى أن تارك الصلاة يكفر كفراً أكبر مخرجاً عن الملة والميزان عندما يختلف أهل العلم في حكم مسألة من المسائل هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وبين الله سبحانه وتعالى لنا كيف يكون ذلك التحاكم فقال (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ولا عبرة بالقول الأكثر إذا كان قد دل الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على رجحان القول الأقل لأن قوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ) يشمل ما إذا كان المتنازعان مستويي الطرفين أو كان أحدهما أقل أو أكثر وإذا رددنا هذه المسألة إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجدنا أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدلان على أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة أما كتاب الله فاستمع إليه حيث يقول سبحانه وتعالى (فَإِنْ تَابُوا) يعني المشركين من الشرك (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) هذه الآية تدل على أن من لم يقم الصلاة ولم يؤت الزكاة فليس أخاً لنا في الدين كما أنه إذا لم يتب من الشرك فليس أخاً لنا في الدين وذلك أن الله رتب الأخوة في الدين على شرط متكون من ثلاث صفات وهي التوبة من الشرك وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ومن المعلوم أن ما توقف على شرط فإنه لا يتحقق إلا بوجود ذلك الشرط فالأخوة في الدين لا تتحقق إلا باجتماع هذه الأوصاف الثلاثة فلو أنهم تابوا من الشرك ولم يقيموا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين ولو تابوا من الشرك وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين هذا ما تدل عليه هذه الآية الكريمة المكونة من شرط وجزاء ولا يمكن أن تنتفي الأخوة الدينية إلا بالخروج من الدين فالأخوة الإيمانية لا يمكن أن تنتفي بمجرد المعاصي ولو عظمت وليستمع السائل إلى قوله تعالى في آية القصاص (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) ومن المعلوم أن قتل المؤمن من أكبر الذنوب حتى إن الله قال فيه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) وإذا كان هذا الذنب العظيم لا يخرج من الإيمان دل هذا على أن الذنوب لا تخرج من الإيمان وأنه لا يخرج من الأخوة الإيمانية إلا ما كان كفراً كذلك استمع إلى قول الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) ومعلوم أن قتال المؤمن لأخيه من كبائر الذنوب حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام جعله كفراً فقال (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) لكن هذا ليس كفراً مخرجاً عن الملة لثبوت الأخوة الإيمانية معه ولو كان مخرجاً من الملة ما ثبتت الأخوة الإيمانية معه إذن فالمعاصي لا تخرج الإنسان من الأخوة الإيمانية لا يخرجه من الأخوة الإيمانية إلا الكفر وإذا رجعنا إلى آية براءة التي استدللنا بها على كفر تارك الصلاة وجدنا أنها تدل على أن من لم يصل فقد انتفت عنه الأخوة الإيمانية فيكون حينئذٍ كافراً كفراً مخرجاً عن الملة فإن قال قائل الآية فيها (وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) وهذا يدل على أن من لم يزك فهو كافر أيضاً قلنا نعم وقد قال بذلك بعض أهل العلم بأن من لم يزك ولو بخلاً فإنه يكون كافراً ولكن الأدلة تدل على أن هذا قول مرجوح وأن من لم يزك فقد تعرض لعقوبة عظيمة ولكنه لا يخرج من الإيمان ومن الأدلة على ذلك ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قوله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وحقها هو الزكاة كما تفيده الرواية الأخرى وإذا كان هذا المانع للزكاة يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار دل على أنه لا يكفر لأنه لو كفر كفراً مخرجاً عن الملة لم يكن له سبيل إلى الجنة وعلى هذا فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم الآية الكريمة ومن القواعد المقررة في أصول الفقه أن المنطوق مقدم على المفهوم وأما الأدلة من السنة على كفر تارك الصلاة فما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وفي السنن من حديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فجعل النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة حداً فاصلاً بين الإيمان والكفر والشرك وبين المؤمنين والكافرين والحد الفاصل إذا تجاوزه الإنسان فقد خرج من الدائرة الأولى إلى الدائرة الثانية وعلى هذا فإن من لم يصل فقد خرج من الإيمان إلى الكفر وخرج من المسلمين إلى الكافرين وأما أقوال الصحابة رضي الله عنهم فإنه قد نقل إجماعهم الإمام إسحاق بن راهويه وقال عبد الله بن شقيق رحمه الله وكان من التابعين قال (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة) وهذا نقل لإجماعهم وكما دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم فإنه قد دل عليه العقل والنظر فإن أي إنسان يؤمن بما لهذه الصلاة من الأهمية والعناية لا يمكن أن يحافظ على تركها وفي قلبه شيء من الإيمان فالصلاة كما هو معلوم فرضها الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بدون واسطة من الله جلَّ وعلا إلى رسوله صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان يصل إليه بشر وفي أفضل ليلة للرسول صلى الله عليه وسلم وفرضها الله على عباده خمسين صلاة في اليوم والليلة حتى خففها عنهم بفضله وكرمه فصارت خمس صلوات بالفعل وخمسين في الميزان وهذا يدل على عناية الله بها وأنها متميزة عن باقي الأعمال بميزات عظيمة فما أجدرها وأحراها بأن يكون تركها كفراً بالله عز وجل ولا يمكن أن يكون في قلب إنسان عرف أهمية الصلاة ومنزلتها أن يدعها ويحافظ على تركها وإذا كان قد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح على كفر تاركها فإنني قد تأملت أدلة من قالوا بعدم التكفير فوجدتها لا تخلو من أحوال أربع إما أنه لا دلالة فيها بوجه من الوجوه وإما أنها مقيدة بمعنى لا يمكن معه ترك الصلاة وإما أنها وردت في حال يعذر فيها بترك الصلاة وإما أنها عامة خصصت بأدلة كفر تارك الصلاة وحينئذ فيتعين القول بكفر تارك الصلاة ومن العجب أنهم أجابوا عن الأدلة الدالة على كفر تاركها بأن حملوها على أنه من تركها جاحداً وهذا الحمل لا شك أنه ضعيف لأنهم إذا حملوها على أن ذلك لمن تركها جاحداً فقد ألغوا الوصف الذي اعتبره الشرع وهو الترك وأتوا بوصف لم يعتبره الشارع. الشارع لم يقل من جحدها بل قال من تركها والنبي عليه السلام أعلم الناس بما يقول وأفصحهم فيما ينطق وأنصحهم فيما يريد عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يريد من جحدها ثم يعبر عن ذلك بالترك لما علم من الفرق العظيم بين الجحد وبين الترك ثم نقول مجرد الجحد كفر ولو صلى فإن الإنسان لو جحد فرضية الصلوات الخمس وهو يصلىها ويحافظ عليها كان كافراً وحينئذ يكون قوله عليه الصلاة والسلام من تركها لا قيمة له إطلاقاً إذا حملناه على الجحد ثم نقول أيضاً جحد الصلاة موجب للكفر بلا شك لكن جحد الزكاة أيضاً موجب للكفر وجحد الصيام موجب للكفر وجحد الحج أي فرضيته موجب للكفر فهلا قال النبي عليه الصلاة والسلام فمن ترك الزكاة ومن ترك الصيام ومن ترك الحج إذاً فحمل الترك هنا على الجحود لا شك أنه ضعيف مردود ويجب أن تبقى الأدلة على ما جاءت به وبناء على ذلك نقول إذا تزوج الرجل الذي لا يصلى امرأة مسلمة فإن نكاحه باطل وقد أجمع المسلمون على أن المسلمة لا تحل لكافر كما دل على ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وقد اشتبه على بعض الناس هذه المسألة حتى ظنوا أنها من جنس الكافرين إذا أسلما فإنه لا يجب إعادة نكاحهما وهذا ليس كذلك فإن الكافرين الأصل بقاء نكاحهما على ما كان عليه وكلاهما كافر وأما هذا فهو بين كافر ومسلمة أو بين مسلم وكافرة إذا كان الزوج يصلى وهي لا تصلى فبينهما فرق عظيم والمرتد ليس كالكافر الأصلى كما هو معلوم عند أهل العلم وعلى هذا فلا يصح القياس بل هو من الشبهة التي قد تعرض لبعض الناس فنقول إذا تزوج الرجل الذي لا يصلى بامرأة تصلى فإن النكاح باطل لا يصح فإن هداه الله تعالى إلى الإسلام وصلى وجب إعادة عقد النكاح من جديد أما إذا طرأ عليه ترك الصلاة بعد النكاح مثل أن يتزوجها وهو يصلى وهي تصلى ثم بعد ذلك والعياذ بالله ترك الصلاة فإن النكاح ينفسخ ويبقى الأمر موقوفاً إلى انقضاء عدتها فإن عاد إلى الصلاة قبل أن تنقضي العدة فهي زوجته وإن بقي تاركاً للصلاة حتى انقضت عدتها فإنه يتبين انفساخ النكاح من حين ترك صلاته ولها أن تتزوج بغيره فإن بقيت على عدم الزواج تنتظر لعل الله يهديه فيصلى ثم صلى بعد ذلك فلها أن ترجع إليه ولو بعد انتهاء العدة على القول الصحيح الراجح أما ما ذكره السائل من كونه ترك الصلاة ثلاثة أيام أو نحوها فإنه لا يكفر بهذا لأن ظاهر الأدلة أن من تركها تركاً مطلقاً وأما كونه يصلى يوماً ويدع يوماً أو يصلى صلاة ويدع صلاة مع إقراره بفرضيتها فإنه لا يكفر بذلك وعلى هذا فلا ينفسخ النكاح ولكن يجب أن يؤمر هذا بالصلاة ويؤدب على تركها حتى يستقيم ويصلى جميع الصلوات.
فضيلة الشيخ: إن كان الزوجان وقت عقد النكاح كلاهما لا يصليان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الزوجان كلاهما لا يصليان وقت العقد فإن العقد لا يصح أيضاً وقد ذكر أهل العلم أن المرتد لا يصح أن يتزوج بمرتدة وعلى هذا فيكون نكاحهما جميعاً باطلاً.
فضيلة الشيخ: هل يقاس في مثل هذه الحالة على نكاح الكفار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يقاس في مثل هذه الحالة على نكاح الكفار لأن حكم الكافر الأصلى غير حكم الكافر المرتد إذ أن الكافر المرتد كان مطالباً بالتزام أحكام الإسلام فيجب أن يطبق النكاح على ما تقضيه الشريعة من أن يكون في حال يصح منه ذلك بخلاف الكافر الأصلى.
فضيلة الشيخ: هل تجديد العقد بين الزوجين في مثل هذه الحالة يؤثر على شرعية الأولاد والعشرة الماضية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الزوج حين تزوجها في حال لا يصح منه نكاحها وهو يعتقد أن النكاح صحيح فإن الأولاد الذين خلقوا من مائه يعتبرون أولاداً شرعيين لأن أكثر ما يقال فيهم أنهم من وطء شبهة ووطء الشبهة يلحق به النسب كما ذكره أهل العلم وحكاه شيخ الإسلام ابن تيمية إجماعاً.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع أخوكم في الله م. ع. ع. جمهورية مصر العربية أسيوط يقول فضيلة الشيخ تزوجت منذ أربع سنوات وعند العقد من زوجتي لم أكن أصلى علماً بأن زوجتي كانت تصلى ولكن غير منتظمة في الصلاة وأنجبت طفلاً علماً بأنني لم أكن تاركاً للصلاة عن جحود وإنما تكاسلاً وأنا الآن والحمد لله محافظ على صلاتي ولا أتكاسل عنها ولكن ما يشغلني هو العقد هل يعتبر باطلاً ويجب إعادته أم لا؟ وإذا كان باطلاً فما موقف الطفل من ذلك أفيدوني وانصحوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن مسألة عظيمة كبيرة من أهم المسائل وأشكل المشكلات ألا وهي ترك الصلاة وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تارك الصلاة هل يكون كافراً مرتداً عن الإسلام أو يكون فاسقاً مستحقاً للقتل أو يكون فاسقاً لا يستحق القتل ولكنه يستحق التعزير حتى يصلى وهذا النزاع كغيره من النزاعات يجب الرجوع فيه إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وقال الله تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) وإذا رددنا هذا النزاع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلم الناس بحكم الله وهم الصحابة تبين لنا أن الراجح من هذه الأقوال كفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة وأن ترك الصلاة ردة عن الإسلام يستتاب فيه الإنسان فإن تاب وإلا قتل كافراً لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين وإنما يحفر له حفرة في أي مكان بعيد عن العمران ويرمس رمساً لأن مآله إلى النار والعياذ بالله ولهذا لا يجوز لأهله إذا مات على ترك الصلاة ولم يتب أن يقدموه إلى المسلمين ليصلوا عليه ولا يجوز أن يدفنوه مع المسلمين ولا يجوز لهم أن يدعو له بالرحمة والمغفرة هذا هو ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة.
أما بالنسبة للولد الذي حصل من هذا النكاح الذي أشار إليه السائل فالولد ولده لأن وطأه كان على أكبر تقدير وطء شبهة والولد يلحق أباه بوطء الشبهة وأما توبته الآن إلى الله هذا شيء يحمد عليه وهو من نعمة الله عليه والذي أرى له أن يجدد عقد النكاح حتى تطمئن نفسه وينشرح صدره ويبارك الله له في أهله ولكني أنبهه على مسألة إذا كان حين العقد يصلى ويخلي يعني لم يترك مطلقاً فإنه ليس بكافر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن تركها (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) لم يقل ترك صلاة بل ترك الصلاة وفرق بين رجل كسول يصلى أحياناً ويدع أحياناً ورجل كسول لا يصلى أبداً وقد عزم على ألا يصلى فالثاني هو الذي نرى أنه كافر وأما الأول فليس بكافر بل هو فاسق وعليه أن يتق الله عز وجل وأن يقوم بما فرضه الله عليه إن كان من المؤمنين (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) .
***(8/2)
المستمعة أم بشار العراق تقول زوجي تارك للصلاة ومعلوم أن تارك الصلاة كافر إلا أنني أحبه كثيراً ولي منه أولاد ونعيش سعداء وكثيراً ما رجوته بالعودة إلى الصلاة فيقول بعدين ربي يهديني ما حكم الشرع في نظركم في الارتباط مع هذا الرجل أفيدونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم الشرع في نظرنا في الإقامة مع هذا الزوج التارك للصلاة والذي ذكرت السائلة أن عندها علمٌاً من أن تارك الصلاة كافر أنه لا يجوز البقاء مع هذا الزوج الذي تعتقد زوجته أنه كافر لقول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فبين الله تعالى في الآية الكريمة أن المؤمنات حرام على الكفار كما أن الكفار حرام عليهنّ وعلى هذا فيجب عليها أن تفارق هذا الزوج فوراً وألا تعاشره ولا تجتمع معه في فراش ولا غيره لأنها محرمة عليه وأما حبها إياه وعيشتها معه عيشة حميدة فإنها إذا علمت أنها حرام عليه وأنه أجنبي عنها ما دام مصراً على ترك صلاته فإن حبها هذا سيزول لأن المؤمن محبة الله عنده فوق كل محبة وشرع الله تعالى عنده فوق كل شيء وأما الأولاد فإنه ليس له ولاية عليهم ما دام على هذه الحال لأن من شرط الولاية على الأولاد أن يكون الولي مسلماً وهذا ليس بمسلم ولكنني أضم صوتي إلى صوت هذه السائلة بتوجيه النصح إلى هذا الرجل بأن يرجع إلى رشده ويعود إلى دينه ويقلع عن كفره وردته ويقوم بأداء الصلاة وإقامتها على الوجه الأكمل مع الإكثار من العمل الصالح ولو صدق الله في نيته وعزيمته ليسر الله له الأمر كما قال تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) إنني أوجه النصيحة إلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله حتى تبقى زوجته معه ويبقى أولاده تحت ولايته وإلا فإنه لا حظ له في زوجته ولا في الولاية على أولاده.
***(8/2)
بارك الله فيكم في سؤال للمستمعة ج. ج. من الجمهورية العربية اليمنية تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ إذا كان الزوج لا يصلى وزوجته تصلى أو العكس ماذا يلزم على الذي يصلى تجاه الذي لا يصلى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الزوج لا يصلى أبداً لا في المسجد ولا في بيته فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه كافر كفراً مخرجاً عن الملة وذلك بدلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم فمن الكتاب قوله تعالى عن المشركين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) ومن السنة ما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) وفي السنن من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وأما الصحابة فقد قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) وعلى هذا فإنه يجب التفريق بين الزوج الذي لا يصلى وزوجته التي تصلى لأن المسلمة لا تحل للكافر قال الله تعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وإذا كان الأمر بالعكس بأن كان الزوج هو الذي يصلى والزوجة لا تصلى فالحكم كذلك أي يجب التفريق بينهما لأنه لا يحل للمسلم أن يتزوج كافرة إلا إذا كانت يهودية أو نصرانية فإنه يحل له أن يتزوجها والتي لا تصلى ليست يهودية ولا نصرانية وإنما هي مرتدة ولكن هذا الأمر أرجو الله ألا يكون أرجو الله أن يمن على من كان يترك الصلاة بالهداية والرجوع إلى الله وأن يصلى حتى تبقى الأمور على ما هي عليه فلا يحصل شيء من التفريق ولا سيما إذا كان بينهما أولاد فإن الأمر شديد وليس بالهين.
***(8/2)
من السيد خضر الخليفة العلي من الجمهورية العربية السورية محافظة دير الزور يقول إنه متزوج ولديه ثلاثة أولاد وهو مطبق للدين الإسلامي إن شاء الله وكذلك زوجتي مسلمة وتصوم رمضان ولكن لا تصلى ولا تفعل ولا تطيعني وتنقاد لأداء الصلاة هل يحق لي أن أطلقها شرعاً إذا لم تطعني أم لا أفيدونا لو تكرمتم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت زوجتك لا تصلى وتدع الصلاة ومصرة على ترك الصلاة فإنها كافرة والعياذ بالله هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة كافرٌ كفراً مخرجاً عن الملة وعلى هذا فهي حرام عليك حتى ترجع إلى دينها وتصلى ولا يجوز لك أن تبقيها عندك في هذه الحال لأن نكاحها انفسخ بردتها إلا إذا تابت ورجعت إلى دين الإسلام وصلت فإنها تكون زوجة لك.
***(8/2)
المستمع عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الحق من مصر يسأل ويقول تزوجت بامرأة مسلمة تصوم لكنها لم تتعلم الصلاة وبعد الزواج علمتها الوضوء والصلاة وأصبحت تصلى ومضى على الزواج ثلاث وعشرون سنة فهل عدم صلاتها قبل الزواج يضر بالعلاقة الزوجية وعقد الزواج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن عدم صلاتها يظهر لي من السؤال أنه كان عن جهل وليس عن تهاون وتكاسل ومثل هذه لا يحكم بكفرها فيكون عقد النكاح صحيحاً لا شبهة فيه ويدل لكون المرأة لم تدع الصلاة تكاسلاً وتهاوناً أنها لما علمها زوجها بها قامت تصلى على الوجه الذي علمها زوجها وعليه فإن نكاحك صحيح لا شبهة فيه وعلاقتك الزوجية معها علاقة صحيحة.
***(8/2)
المستمع ج. م. س. د. من إيران بعث يسأل يقول أنا شاب أبلغ الثلاثين من العمر الآن وقد ظللت مدة تسع عشرة سنة بلا صلاة ولا صيام وقد تزوجت بزوجة لا تصلى ولا تصوم والآن والحمد لله قد تبت لله توبة نصوحاً فما الحكم فيما مضى من عمري وما الحكم في زواجي من تلك المرأة التي لا تصوم ولا تصلى إلى الآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: سؤالك هذا يتضمن شيئين:
الشيء الأول بالنسبة إليك حيث كنت لا تصلى ولا تصوم في أول عمرك بعد بلوغك ولكنك تبت إلى الله الآن توبة نصوحاً فإني أبشرك بأن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فمتى تبت إلى الله توبة نصوحا فإن الله تعالى يقبل توبتك وما مضى من تركك للواجب فإن الله يعفو عنه فالإسلام يهدم ما قبله ولا يجب عليك قضاء شيء مما مضى لا صلاة ولا زكاة ولا صوماً ولا غيره.
وأما بالنسبة لزواجك من هذه المرأة فإن هذه المرأة كافرة لا يحل للمسلم أن يبقيها عنده ويجب عليك مفارقتها إلا إن هداها الله للإسلام ورجعت وتابت إلى الله سبحانه وتعالى فإنك تجدد عقد نكاحها وتتزوجها من الآن ونسأل الله تعالى لكما التوفيق لما يحب ويرضى وأن يهديها إلى الإسلام حتى تتم الحياة بينكما على ما يرام هذا هو الشيء الثاني الذي تضمنه سؤالك بالنسبة إلى مشكلة الزوجة.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا هذه السائلة م. ي. ع. من العراق الموصل بعثت بسؤالين تقول في سؤالها الأول إنها امرأة متزوجة ولها خمسة أطفال إلا أنها تشتكي زوجها الذي وصفته بأنه تارك للصلاة والصيام مدمن على شرب المسكرات والعياذ بالله مع أنه حج بيت الله وقد كان يؤدي الصلاة إلا أنه عاد وتركها واستمر على تركها والكفر بها وتقول إنها سمعت أن عليها مسؤولية كبيرة نحو زوجها هذا وتصرفه وأن عليها أن تصلح شأنه فكيف ذلك وهو الذي له السلطة والقوة في بيته ثم تسأل عن حكم بقائها معه بهذا الوضع هل تأثم أم لا كما تقول أيضاً أن زوجها يأمرها بالسجود له في حالة دخوله المنزل وخروجه عملاً بالحديث الذي يزعم أنه روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أوجب السجود على المرأة لزوجها فهل هو محق في ذلك أم لا وهل هذا الحديث صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما تركه للصلاة فإنه يقتضي أن يكون كافراً خارجاً من الإسلام ولا يجوز لك البقاء معه مادام مصراً على ذلك فإن أمكن نصيحته وإرشاده ورده إلى الإسلام فهذا هو الواجب وإذا لم يمكن فإنه يجب عليك مفارقته والخروج من بيته ولا يجوز لك البقاء معه لأنه انفسخ نكاحك منه بردته عن الإسلام وليس له ولاية على أولاده مادام على هذه الحال وأما أمره إياك بالسجود له فلا سمع له ولا طاعة في ذلك وهو أمر بالكفر والشرك وأما قوله إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن تسجد المرأة لزوجها فقد كذب في هذا بل قال النبي عليه الصلاة والسلام (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) من حقه عليها وهو كاذب فيما قاله وفيما نسبه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ونسأل الله له الهداية وأنتِ انظري إن هداه الله وإلا فاخرجي من بيته ولا تبقي عنده.
وحدود مسؤولية المرأة أن تنصحه وترشده وتبين له الحق وتدعوه إليه فإن رجع عن كفره وغيه فهي زوجته وإن لم يرجع فإنه يجب عليها أن تفارقه.
***(8/2)
يقول أنا متزوج من امرأتين وكل واحدة منهما قد أنجبت البنين والبنات ولكنهما لا تصلىان وأما الصيام فإنهما تصومان ولكن الصلاة ترفضان تأديتها حتى بعد أن علمتهما وبينت لهما أنها فرض ولا يجوز تركها إلا بأعذار شرعية بالنسبة للنساء ولكن دون جدوى فماذا يجب علي نحوهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك نحوهما أن تفارقهما وذلك لأن تركهما للصلاة موجب للكفر المخرج عن الملة فتكونان كافرتين بتركهما الصلاة والكافرة لا تحل للمؤمن لقوله تعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وقال تعالى (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) وقال تعالى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) فالواجب عليك ألا تمسك بعصمة هاتين المرأتين لأنهما كافرتان وليس لهما حق في حضانة أولادهما فأنت أخرجهما من بيتك وأولادهما عندك ليس لهما حق في حضانتهما لأنه لا ولاية لكافر على مسلم وإني أقول لهما ولعلهما تسمعان إن صيامكما رمضان غير مقبول وليس لكما منه إلا التعب والعناء ذلك لأن الكافر لا يقبل منه أي عمل صالح قال الله تعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً) وقال تعالى (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال سبحانه وتعالى (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) فإذا كانت النفقات ونفعها متعد لا تقبل فكيف بالعبادات الخاصة التي لا تتعدى فاعلها والحاصل أن هاتين المرأتين قد انفسخ نكاحهما منك إلا أن تتوبا إلى الله وترجعا إلى الإسلام وتصلىا فإن رجعتا وصلتا فهما زوجتاك وإلا فأخرجهما من بيتك وأبق أولادك عندك ونسأل الله لنا ولهما الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى.
***(8/2)
هذه المستمعة تقول امرأة لها زوج لا يصلى ولا يصوم ولا يفعل شيئاً من أمور الشرع فهو مسلم بالاسم فقط حاولت أن أنصحه وأوجهه إلى الطريق المستقيم ولكن دون جدوى ولا يوجد لهذه الزوجة أهل أو أقارب تذهب إليهم ولديها منه أطفال فما هو الحل في نظركم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في نظري إذا أيست هذه المرأة من صلاح زوجها ورجوعه للإسلام أن تمنعه من نفسها ولا يحل لها أن تمكنه من نفسها ولا أن تكشف له وجهها ولا أن تمكنه من الخلوة بها وذلك لأنه في هذه الحال أي في حال تركه الصلاة ينفسخ نكاحه لأن ترك الصلاة كفر دل على كونه كفراً كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال الصحابة رضي الله عنهم فالواجب على هذه المرأة أن تتخلص من زوجها بقدر الإمكان ولا يحل لها أن تمكنه من نفسها لأنه حرام عليها قال الله تبارك وتعالى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) .
***(8/2)
المستمع رمضان محمود أحمد يقول أنا أعمل بالعراق منذ حوالي ثلاث سنوات تقريباً وقد جمعت مبلغاً من المال ولكني لم أخرج زكاته لصعوبة أحوالي المادية فعلي الكثير من الدين وأهلي في بلدي ينتظرون مساعدتي لهم بإرسال المال إليهم فهل علي شيء في ذلك وكذلك بالنسبة للصلاة فعملي يستمر ثلاث عشرة ساعة متواصلة فلا أتمكن من أدائها ولو صليتها يوماً ما صليتها في اليوم الآخر فما الحكم في فعلي هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تضمن فعلك هذا أمرين أحدهما ترك الصلاة والثاني ترك الزكاة وهما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين فأما الصلاة فإنك لا تعذر بتركها أبداً بأي حال من الأحوال يجب عليك أن تصلى الصلاة لوقتها مهما كان الأمر حتى لو قدر أنك تفصل من هذه الوظيفة إلى وظيفة أخرى أو إلى أن تخرج إلى البر فتحتطب وتبيع الحطب وتأكله فإنه يجب عليك أن تؤدي الصلاة ولا يحق لك أن تؤجلها كما يفعله بعض الجهلة إلى أن ينام فإذا جاء إلى النوم صلى الصلوات الخمس فهذا محرم ولا يجوز وهو من كبائر الذنوب بل من أكبر الكبائر والعياذ بالله لأنه قد يؤدي إلى الكفر وأما الزكاة فإن هذا المال الذي تكتسبه إذا بقي عندك حتى تم عليه الحول فإنه يجب عليك أن تؤدي زكاته وكون أهلك ينتظرون ما ترسل إليهم من الدراهم لا يمنع وجوب الزكاة والزكاة ليست شيئاً صعباً وليست جزءاً كبيراً من المال ما هو إلا واحد في الأربعين فقط يعني اثنين ونصف في المائة وهو أمر بسيط وأمر يسير وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الصدقة لا تنقص المال فهي أي الصدقة تزيده بركة ونمواً ويفتح الله للإنسان من أبواب الخير ما لا يخطر على باله إذا أدى ما أوجب عليه الله في ماله فعليك أن تزكي كل مال تم عليه الحول عندك أما ما أنفقته أو قضيت به ديناً قبل أن يتم الحول عليه فإنه لا زكاة عليك فيه.
***(8/2)
زوجنا أختنا الكبيرة من شخص ونحن لا نعلم أنه لا يصلى وله ثلاثة أطفال ماذا نفعل يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنتم قد زوجتم هذا الرجل بأختكم وهو لا يصلى ولكنكم تجهلون هذا الأمر فإنكم معذورون والأولاد الذين جاؤوا بهذا العقد أولاد شرعيون ينسبون إلى أبيهم كما هم منسوبون إلى أمهم ولكن حلُّ هذه المشكلة الآن أن يفرَّق بين هذا الرجل وبين المرأة التي عقد له عليها حتى يسلم ويرجع إلى الإسلام بإقامة الصلاة فإذا أقام الصلاة فحينئذٍ نعقد له عقداً جديداً ولا يجوز أن تبقى هذه الزوجة معه بناءً على هذا العقد لأن هذا العقد باطل لمخالفتة لقول الله تعالى في المهاجرات (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وما أيسر الأمر عليه إذا كان يريد أهله ويريد أولاده فإنه ليس بينه وبين هذا إلا أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر نفسه ويقيم الصلاة وإني أنصح هذا الرجل بأن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يعلم أنه إنما خلق في هذه الدنيا لعبادة الله وأن يعلم أن الخسارة فادحة إذا مات على هذه الحال فإنه إذا مات على هذه الحال سوف يخلد في نار جهنم مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف كما جاء في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني أنصحه بأن يصدق النية ويعقد العزم على الصلاة ولينظر هل يضره ذلك شيئاً هل يمنعه ذلك من حوائجه الدنيوية هل يحول ذلك بينه وبين متعه التي أباحها الله له كل ذلك لم يكن بل إنه يعينه على مهامه وأموره كما قال الله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) وأسأل الله تعالى أن تبلغه هذه النصيحة وأن يوفق لقبولها فخلاصة الجواب أنه يجب أن يفرق بين هذا الرجل وبين من عقد له عليها وإن كان له منها أولاد هذه واحدة.
ثانياً: أن أولاده هؤلاء أولاد شرعيون يلحقون به وينسبون إليه كما هم منسوبون إلى أمهم وذلك لأنهم حصلوا من وطء شبهة حيث لم يُعلم أن تزويج من لا يصلى تزويج باطل.
ثالثاً: أنه إذا عاد إلى الإسلام وأقام الصلاة فإنه يعقد له من جديد
رابعاً: النصيحة الأكيدة التي أرجو الله سبحانه وتعالى أن تبلغ منه مبلغ النفع حتى يصلح له أمر دينه ودنياه.
***(8/2)
ما رأي فضيلتكم في الزوجة التي تؤخر الصلاة عن وقتها أو تصلى فرضاً ولا تصلى باقي الفروض وإذا قمنا بنصحها وجدنا منها الرفض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قولنا في هذه المرأة إنها على خطرٍ عظيم لأن بعض العلماء يقول من ترك صلاةً واحدة عمداً حتى خرج وقتها فهو كافر فهي على خطرٍ عظيم والواجب عليها أن تصلى الصلوات كلها في أوقاتها كل المفروضات ولا يحل لها أن تصلى شيئاً وتدع شيئاً فتكون ممن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض.
***(8/2)
أحسن الله إليكم السائل كحلاوي سيد يقول امرأة تتهاون في الصلاة فما هو واجب زوجها تجاهها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: واجب زوجها أن يأمرها بالصلاة أمراً وأن يؤدبها على ترك الصلاة حتى تصلى فإن أصرت على ترك الصلاة فإنها تكون كافرة والعياذ بالله خارجة عن الإسلام لا تحل له يجب أن يفرق بينه وبينها لأن الكافرة لا تحل للمسلم إلا الكتابية وإني أنصح هذه المرأة بنصيحة أرجو الله تعالى أن ينفع بها أقول لها توبي إلى الله واعتصمي بحبل الله وأدي ما فرض الله عليك من الصلاة ولا تتهاوني بها فإن ترك الصلاة على القول الراجح كفرٌ أكبر مخرج عن الملة نسأل الله السلامة والعافية وأما إذا بقيتي مصرة على ترك الصلاة فسيفسخ النكاح وتسقط حضانة أولادك وستكون العاقبة وخيمة والعياذ بالله.
***(8/2)
بارك الله فيكم السائلة س. م. أ. الزهراني تقول أسأل فضيلة الشيخ عن المرأة التي زوجها لا يصلى وهي متمسكة بالصلاة مع العلم بأنها بذلت مجهوداً كبيراً في إقناعه ولكن دون جدوى ليصلى ولديها أطفالٌ منه فماذا تعمل مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليها بعد أن بذلت ما تستطيع من نصح هذا الرجل أن تفارقه وأن تذهب بأولادها إلى أهلها لأن الزوج الذي لا يصلى كافرٌ مرتد خارجٌ عن الإسلام ومعلومٌ أن المرأة المسلمة لا تحل للكافر بالنص والإجماع قال الله تبارك وتعالى في المهاجرات (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) فلتذهب هي وأولادها إلى أهلها وسوف يجعل الله لها فرجاً ومخرجا ما دامت خرجت لله فإنها سوف تجد ما يغنيها عن هذا الزوج وربما إذا خرجت يهتدي هذا الزوج ويحاسب نفسه ويقول كيف أجعل نفسي سبباً في تمزق عائلتي ولا يحل لها أن تبقى مع هذا الزوج طرفة عين ما دام لا يصلى.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذه السائلة من مكة المكرمة تسأل وتقول زوجي يتسحر في رمضان ما يقارب الساعة الثالثة صباحاً وينام حتى الخامسة عصراً ثم يصلى الصلوات فهل يسمى ذلك كافراً وهل أبقى عنده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بكافر لكنه عاص وصومه ناقص جدا لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وأي شيء أعظم من ترك الصلاة وما هذا الرجل إلا شبيه بالمستهزئ بالله عز وجل كيف يعلم أن الله أوجب عليه الصلاة وجعلها موقوتة بأوقات معلومة لا يجوز تقديمها عليها ولا يجوز تأخيرها عنها ثم كيف يتقرب إلى الله تعالى بالصيام وهو يتباعد من الله في ترك الصلاة هذا قلب للأمور وقلب للحقائق فالواجب عليه أن يتوب إلى الله مما صنع وأن يجدد عزيمة صادقة على أداء الصلاة في أوقاتها مع الجماعة ومن تاب تاب الله عليه.
***(8/2)
ماحكم من تركت صلاة المغرب ليلة الزفاف وتقضيها في وقت آخر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز ذلك والواجب على المرأة أن تصلى المغرب والعشاء أيضاً لأنها سألت عن صلاة المغرب مع أن العشاء أقرب للترك ولكنه يجب عليها أن تصلى صلاة المغرب وصلاة العشاء ولا يجوز لها تأخيرها عن وقتها لأن هذا ينافي شكر نعمة الله عز وجل على الزفاف الذي حصل لها فالواجب أن تقوم بما أوجب الله عليها من فرائضه ولا يفوتها شيء من مقصودها في النكاح.
***(8/2)
رجل لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس وهذا عمله باستمرار وباقي الصلوات يصليها في المسجد فما حكم ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة أمرها عظيم وشأنها كبير وهي عمود الإسلام فلا إسلام لمن لا صلاة له وهذا الرجل المسؤول عنه الذي كان لا يصلى الفجر إلا بعد طلوع الشمس بصفة مستمرة ولكنه يصلى بقية الأوقات مع الجماعة نسأل الله تعالى له الهداية وأن يتم عليه نعمته حتى يصلى الفجر مع الجماعة فتكمل صلاته على الوجه المطلوب وكونه لا يصلى الفجر إلا بعد طلوع الشمس بصفة مستمرة يدل علي تهاونه بها وعدم اعترافه بها ونقول له إذا كانت هذه صلاتك بصفة مستمرة فإنه لا صلاة لك أي لا تقبل صلاة الفجر لأنها في غير وقتها بدون عذر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد) أي مردود عليه فلا شك أن الصلاة بعد وقتها بدون عذر شرعي لاشك أنها عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فتكون مردودة قد يقول هذا الرجل إني نائم والنائم مرفوع عنه القلم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فنقول له النوم الذي يعذر فيه الإنسان هو النوم الذي يكون عارضا لا دائما أما نوم يستديمه الإنسان في كل يوم ولا يصلى الفجر إلا بعد خروج وقتها فهذا ليس بالعذر فعلى أخينا أن يتقي الله عز وجل وأن يتم ما أنعم الله به عليه من الإسلام بأداء صلاة الفجر مع الجماعة نسأل الله لنا وله الإعانة
***(8/2)
ماحكم الابنة البالغة من العمر ثماني عشرة سنة ولم تصلِّ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الابنة التي تركت الصلاة ولها ثماني عشرة سنه إذا كانت تركتها متعمدة بدون عذر شرعي فإنه على ما رجحناه لا ينفعها القضاء ولو صلت آلاف المرات وعليها أن تتوب إلى الله توبة صالحة نصوحاً صادقة وتكثر من الأعمال الصالحة حتى يمحو الله عنها ما عملت من هذه السيئة الكبيرة وأما على رأي جمهور العلماء فإنه يجب عليها أن تقضي كل وقت كان بعد بلوغها فالأوقات التي تركتها بعد بلوغها يجب عليها قضاؤها هذا عند الجمهور سواءً تركتها عمداً أو لعذر شرعي ولكن الصحيح الذي اخترناه هو أنه إذا كانت تركتها عمداً بدون عذر شرعي فإنها لا تقضى لأنه لا ينفعها القضاء والبلوغ كما هو معروف عند أهل العلم يحصل بواحد من أمور أربعة بالنسبة للمرأة وهي إنزال المني وإنبات شعر العانة وتمام خمس عشرة سنة على القول الراجح والرابع الحيض.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج يقول بأنه رجل كفيف البصر وإمام لأحد المساجد ويسكن معي أولادي البعض منهم يصلى صلاة الفجر والبعض لا يصلى أحياناً أخرى هم يسكنون معي في بيت واحد عبارة عن شقق متصلة مع بعضها استخدمت معهم جميع الأساليب ولم أوفق هل يا فضيلة الشيخ أترك هذا السكن وأبتعد عنهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى ألا تترك السكن وتبتعد عنهم لأنك إذا ابتعدت عنهم ربما يزداد تهاونهم بالصلاة وكونك تبقى معهم ترعاهم وتغلبهم أحياناً ويغلبونك أحياناً خير من كونك تتخلى عنهم فإن الغالب في أمثال هؤلاء أنهم إذا خلوا وأنفسهم ازدادوا تهاوناً وكسلاً ثم إنه قد يكون في تخلفك عنهم تفرق العائلة وتمزقها فالذي أشير به عليك أن تبقى معهم وأن تناصحهم وتحذرهم أحياناً وترغبهم أحياناً وتسأل الله لهم الهداية.
***(8/2)
هل الأمر بالصلاة بالنسبة للولد أو البنت البالغين تجزئ عن الضرب أم يجب ضربهما علماً بأنهما لا يمتثلان للأمر بالصلاة وهل يجب أمرهما لكل فرض للصلاة أم يكتفى بأن أعظهما في الوقت الذي أجده مناسباً لهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يضرب الأولاد من ذكور وإناث على الصلاة لعشر سنوات وإن لم يبلغا ويكون الضرب أشد بعد البلوغ إذا لم يصلىا والأمر لهما بالصلاة يكون عند كل صلاة ولا يكتفى بالوعظ ممن كان ولياً على هؤلاء الأولاد سواء كان الأب أم الأم لكن إذا عجزت الأم وكان الأب موجوداً فالمسؤولية على الأب وتبرأ ذمة الأم وإلا تعلق أولادها بها يوم القيامة لأن الأب مفقود فما بقي إلا رعاية الأم فإن قدرت على إصلاحهم فهذا المطلوب وإلا استعانت بإخوانهم الكبار وأعمامهم فإن لم يفد فلابد من رفع الأمر إلى المسؤولين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا المستمع م. ع يقول لي ولد عمره حوالي تسع سنوات هل أوقظه لصلاة الفجر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان للإنسان أولاد ذكور أو إناث بلغوا عشر سنين فليوقظهم وما دون ذلك إن أيقظهم ليصلوا في الوقت فهذا هو الأفضل وإلا فلا إثم عليه ولكن الاختيار أن يوقظهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع) .
***(8/2)
باب الأذان والإقامة(8/2)
بارك الله فيكم ما حكم الصلاة بدون أذان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تبطل الصلاة بدون الأذان لأن الأذان خارج عنها لكن إذا كنت في البلد فأذن أهل البلد فإنه يكفيك وإن كنت خارج البلد فأذن لنفسك ولمن معك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يؤذن له في أسفاره من حين أن يخرج إلى أن يرجع ولا نعلم أنه أمر كل واحد من أصحابه أن يؤذن, لأن الأذان فرض كفاية وخلاصة القول أن الإنسان إذا كان في البلد فأذان أهل البلد كاف له وإن كان خارج البلد فإنه يؤذن إذا حضر وقت الصلاة فإن كان معه أحد فالأذان فرض كفاية وإن كان وحده فالأذان سنة.
***(8/2)
هل تصح الصلاة بدون أذان ولا إقامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذان والإقامة واجبان على الجماعة إذا لم يقم بهما أحد أثموا جميعاً فإن قام بهما أحد مثل أن يكونوا في بلد يسمعون الأذان فإن الأذان الذي في البلد يكفي ولكن الإقامة تجب عند فعل الصلاة على الجماعة وهما واجبان للصلاة وليسا واجبين في الصلاة ولهذا لو تركهما هؤلاء الجماعة أي لم يؤذنوا ولم يقيموا كانوا آثمين ولكن صلاتهم صحيحة لأن هذا الواجب واجب خارج الصلاة وليس فيها وهناك فرق بين الواجب للصلاة والواجب في الصلاة ولذلك كان القول الراجح في صلاة الجماعة أنها واجبة للصلاة وأن الإنسان لو ترك الجماعة من غير عذر وصلى منفرداً فهو آثم ولكن صلاته صحيحة وذهب بعض أهل العلم إلى أن من ترك صلاة الجماعة بلا عذر فهو آثم وصلاته غير صحيحة.
***(8/2)
ماحكم الأذان في غير اتجاه القبلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التوجه للقبلة حال الأذان سنة وليس بشرط لصحة الأذان فلو أذن ووجهه إلى اليمين أو الشمال أمام القبلة أو خلف القبلة فإن الأذان صحيح لكنه لا ينبغي أن يفعل ذلك لأن الأذان ذكر ودعاء ونداء إلى الصلاة والذي ينبغي أن يكون فيه مستقبل القبلة.
***(8/2)
من الأخ في الله محمد العبد الرحمن الوابل التويجري من بريدة يقول في رسالته هذه رجل أذن في وقت من الأوقات وهو متجه لغير القبلة فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن أذانه صحيح وذلك لأنه ليس من شرط الأذان استقبال القبلة.
***(8/2)
من الأحساء السائل الذي رمز لاسمه ب خ ج س يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ ما الواجب الذي يمكننا أن نتخذه حيال شخص يؤذن بمسجد في الحي الذي نقطن فيه عندما علمنا أن هذا الشخص من أهل الكبائر والعياذ بالله والأدهى أنه جاهر بمعصيته في المجالس بعد أن ستره الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا أوجه النصيحة إلى هذا المؤذن الذي وصف بما ذكره السائل وأقول له اتق الله عز وجل فإنك من الدعاة إلى الخير بأذانك فقد قيل في قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) إنه المؤذن فأقول لهذا بناء على ما جاء في السؤال اتق الله عز وجل وأخلص النية وأصلح العمل ولا تكن كالنار تحرق نفسها وتضيء لغيرها أما بالنسبة لأهل الحي فإنهم إذا نصحوا هذا المؤذن ولكنه لم يقبل النصيحة فالواجب عليهم أن يرفعوا أمره إلى الجهات المسؤولة من أجل أن يغيروه إلى من هو خير منه لأنه لا ينبغي أن يكون مثل هذا العاصي المجاهر والعياذ بالله مؤذناً يدعو المسلمين إلى الصلاة وإلى الفلاح.
***(8/2)
يوجد لدينا رجل كبير في السن نشك في طهارته وتحرزه من البول حيث إنه يدخل لقضاء الحاجة بدون حذاء في بعض الأحيان وهو يؤذن للصلاة فهل تجوز صلاتنا بهذا الأذان وعندما نقوم بنصحه يقول لا أريد أن أتعلم وإن الله غفور رحيم فهل علينا إثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم إثم في ذلك إذا أديتم النصيحة له ولكنني لا أدري هل هو أحق بالنصيحة منكم فقد تكونون أنتم أحق بالنصيحة منه وذلك لأن الحمامات في الوضع الحالي عند غالب الناس ليست نجسة في الواقع ولأن البول والغائط يقع في حوض معين ولا ينتشر إلى أرض المكان ثم هذا الحوض المعين يعقب البول فيه والغائط ماء يستنجي منه الإنسان فتبقى أرض المرحاض طاهرة ليس فيها شيء ينجسها ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يشدد على نفسه في مثل هذه الأمور وأن يتوهم النجاسة فيما ليس بنجس أو يتوهم رشاش البول وهو لم يرش عليه ولكن حتى لو فرض أن هذا المرحاض الذي يدخل فيه هذا الرجل ليس له حوض معين للبول وأن الإنسان يبول في نفس المكان ويجري البول تحت قدمه وما أشبه ذلك فإنه لا علاقة له بالصلاة ولو أذن وهو متلوث بالنجاسة فأذانه صحيح لا علاقة لهذا بصحة الطهارة وبصحة الصلاة.
***(8/2)
السائل عبد الله الشهري يقول يوجد في مسجدنا مؤذن لا يجيد الأذان شرعا فهو ينطق الشهادتين بحذف الألف فهل نطقه بذلك جائز وهو سليم النطق ولا يوجد لديه عاهة أو نحو ذلك فبماذا ترشدونه مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن السائل لم يذكر الهمزة التي تحذف فلا أدري هل الهمزة الأولى أشهد إن كان كذلك فهو لا يمكن النطق بها لأن الشين ساكنة والساكن لا يمكن أن ينطق به ابتداء وإن كانت همزة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله فهذا أيضا بعيد وعلى كل حال فليتأكد السائل من نطق هذا المؤذن بأذانه ثم بعد التأكد يسأل ويبين ويفصح في السؤال.
***(8/2)
سؤال عبد الرحمن مجرود عواد الشلالي يقول عن رجل مؤذن بالمسجد لا يتوضأ بالماء ويتعفر عفوراً بالصعيد هل يجوز لنا الصلاة على أذانه وإقامته علماً أنه يستطيع استعمال الماء والاغتسال به ولا يمنعه مانع أفيدونا عن ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول إنه لا يجوز لكم إقرار هذا الرجل على فعله بل الواجب عليكم أن تنصحوه وتبينوا له أن صلاته بغير طهارة مشروعة صلاة باطلة لم يقم فيها بأداء الفريضة وإذا هداه الله وصار يتوضأ من الحدث الأصغر ويغتسل من الجنابة فهو له ولكم وإن لم يتيسر ذلك وبقي على ما هو عليه يتطهر بالتيمم بدون عذر فإن عليكم أن ترفعوه إلى ولاة الأمور حتى يقوموا بما يجب عليه وعليهم من إلزامه بالطهارة المفروضة
ثانياً بالنسبة لأذانه اشترط العلماء لصحة الأذان أن يكون المؤذن عدلاً ولو ظاهراً فهذا الرجل إن كان معلناً لما هو عليه من هذه الحال التي وصفت فإن أذانه لا يصح على ما اقتضاه كلام أهل العلم وإن كان غير معلن بل هو مستور فإنه يصح أذانه على ما اقتضاه كلام أهل العلم على أننا نطمئنكم بأنكم إذا كنتم في بلد وكانت المآذن حولكم تسمعون أذان المؤذنين فيها فقد حصلت الكفاية بهم.
***(8/2)
بارك الله فيكم، المستمع فتحي محمد مصري يقول ما حكم رفع الأذان إذا كان المؤذن على غير وضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة (رفع الأذان) عبارة غريبة لأن الأذان لا يرفع، الذي يرفع هو الصوت، إلا أن يقال هذا من باب التوسع في الحذف، على كل حال العلماء رحمهم الله يعبرون عن مثل هذه الأمور بكلمة الأذان فيقولون مثلاً ما حكم أذان الإنسان وهو على غير وضوء، والجواب على ذلك أن أذان المؤذن وهو على غير وضوء صحيح لكن الأفضل أن يكون على وضوء لأن الأذان من ذكر الله وكل ذكر لله عز وجل فالأفضل أن يكون على طهارة فإذا تطهر أذن بل قال أهل العلم لو أذن وهو جنب فإن أذانه صحيح لكن كرهه بعضهم وقال يكره أذان الجنب حتى يغتسل.
***(8/2)
هل يجوز رفع الأذان بدون وضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمؤذن أن يؤذن بغير وضوء لأن الوضوء ليس شرطاً لصحة الأذان بل قال العلماء إن الشخص يصح أن يؤذن وهو جنب إذا كانت المنارة خارج المسجد ولكن يكره أن يؤذن وهو جنب لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب حتى يتوضأ.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا هل يجوز للمؤذن أن يؤذن من غير وضوء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يؤذن على غير وضوء لقول عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر الله على كل أحيانه والأذان ذكر.
***(8/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هل يجوز للمؤذن أن يؤذن قبل أن يتوضأ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمؤذن أن يؤذن قبل أن يتوضأ لأن الطهارة ليست شرطا للأذان والأذان من الذكر بلا شك وقد قالت أم المؤمنين عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) لكن أهل العلم رحمهم الله قالوا إنه يكره أذان الجنب ولا يحضرني الآن دليلهم لكن الأصل أن الذكر جائز للجنب.
***(8/2)
هذا السائل من اليمن إب قرية السبرة يقول وضع اليدين في الأذنين عند الأذان هل هو سنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قال بعض العلماء إنه من السنة لأن وضع الأصابع في الأذنين عند الأذان مما يقوي الصوت وكلما كان المؤذن أقوى صوتاً كان أفضل أولاً لأنه أبلغ في الإسماع وثانياً لا يسمع صوته شجرٌ ولا مدر ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة.
***(8/2)
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما معناه إذا كنت في البادية فارفع صوتك بالأذان فإنه ما من جن وإنس إلا يشهد لك فهل هذا الحديث صحيح ثانياً إذا كان صحيحاً هل وجود الميكرفون في وقتنا الحاضر مع أن مداه بعيد ووجود الراديو الذي يعم جميع الأماكن يدخل في مضمون الحديث؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث صحيح وهو في البخاري وعمومه يتناول الصوت المسموع بواسطة وبغير واسطة فإن المسموع بواسطة المكرفون هو نفس صوت المؤذن ولهذا يعرف الناس إذا سمعوا صوت المكرفون أن هذا فلان بن فلان وعلى هذا فظاهر الحديث العموم وأنه أي المؤذن إذا سُمِع صوته بواسطة أو بغير واسطة فإنه يُشهد له وفضل الله تعالى واسع وأما في الراديو فنقول أيضاً مثلما قلنا في مكبر الصوت بشرط أن يكون النقل مباشراً أما إذا كان مسجلاً فإن الظاهر أن ذلك لا يشمله.
***(8/2)
بالنسبة لصلاة النساء هل يلزمهن إقامة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء هل تشرع الإقامة لجماعة النساء أو لا والأقرب أنها تشرع لأنها إعلام بالقيام بالصلاة ومتى صلىن جماعة فهن محتاجات إلى الإعلان للقيام إلى الصلاة.
***(8/2)
أحسن الله إليكم يا شيخ يقول السائل هل على المرأة أذان وإقامة وإذا كان الجواب بلا فلماذا والنساء شقائق الرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة ليس عليها أذان ولا إقامة لأن الأذان والإقامة لا بد فيهما من جهر والمرأة مأمورة بالتستر وإخفاء الصوت حتى إن الإمام إذا أخطأ فإن المرأة لا ترد عليه باللسان بل بالتصفيق لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء) وأما هذه الكلمة النساء شقائق الرجال التي يريد بها مريدوها أحيانا أن يخالفوا سنة الله تعالى الكونية والشرعية بأن يجعلوا المرأة مساوية للرجل فهذه كلمة حق أريد بها باطل فالله تعالى قد ميز بين الرجال والنساء خلقة وخلقا وعقلا ودينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) يخاطب النساء قالوا (يا رسول الله ما نقصان دينها قال (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) قالوا وما نقصان عقلها قال (أليس شهادة الرجل بشهادة امرأتين) حتى الصوت يختلف بين المرأة والرجل حتى القوة والنشاط والتحمل يختلف بين المرأة والرجل حتى العقل والتفكير يختلف بين المرأة والرجل حتى في الأمور الشرعية العقيقة شاتان عن الذكر وشاة عن الأنثى حتى دية النفس الأنثى ديتها نصف دية الرجل وحتى العتق إذا أعتق الإنسان رجلا وأعتق امرأة فإعتاقه الرجل إعتاق امرأتين هذا في الشرع وفي القدر والخلقة والتكوين حدث ولا حرج في ظهور الفرق بينهما وأسأل أهل التشريح ماذا يكون الفرق بين الرجل والمرأة.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول راجح ضويحي وعبد الله جهز ما حكم مشروعية الأذان والإقامة للمنفرد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذان والإقامة للمنفرد سنة وليست بواجبة هكذا قال أهل العلم لأنه ليس لديه من يناديه بالأذان ولكن نظراً لكون الأذان ذكراً لله عز وجل وتعظيماً ودعوة لنفسه إلى الصلاة وإلى الفلاح وكذلك الإقامة رجح العلماء رحمهم الله فعله على تركه أظن في ذلك حديثاً مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحضرني الآن.
***(8/2)
الإقامة للصلاة بالنسبة للرجال إذا كان المصلى منفرداً هل يقيم لنفسه بنفسه وماذا عليه لو ترك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليه إذا ترك الإقامة وهو منفرد شيء لأن الإقامة في حقه سنة كما ذكر ذلك أهل العلم رحمهم الله.
***(8/2)
يقول في هذا السؤال هل يمكن أن أصلى بإقامة واحدة أكثر من صلاة إذا كان هناك فوائت من الصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإقامة تتعدد بتعدد الصلوات فإذا جمع الإنسان بين المغرب والعشاء أو بين الظهر والعصر لسبب يقتضي الجمع فإنه يؤذن أذاناً واحدا ولكنه يقيم لكل صلاة إقامة كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك لو كان على الإنسان فوائت فإنه يقيم لكل صلاة فإذا قدر أن عليه خمس صلوات فوائت فإنه يقيم لكل صلاة إقامة فيقيم خمس إقامات.
***(8/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول السائل دخل الإمام إلى المسجد ولم يؤذن للصلاة فأقام هذا الإمام الصلاة وصلى بدون أذان فما رأيكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان البلد فيه مؤذنون يسمعون في كل البلد فالأذان فرض كفاية وقد حصل الفرض بأذان الآخرين فإذا دخل الإمام وأقام الصلاة بدون أذان فلا حرج وأما إذا لم يكن في البلد سوى هذا المسجد الذي يؤذن فيه فلابد أن يؤذن حتى وإن فات أول الوقت فيؤذن متى حضر ويقيم الصلاة وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني المؤذنين والأئمة بأن يلاحظوا الأمانة ويراعوها في أداء ما يجب عليهم فيقوم المؤذن بالأذان على الوجه الأكمل يؤذن في الوقت ولا يتأخر ويقيم كلمات الأذان على ما ينبغي كذلك بعض الأئمة يتخلف عن الصلاة أحيانا لعذر وأحيانا تهاوناً فإن كان بعذر فلا بد أن يقيم من يصلى عنه حتى لا يبقى الناس يتناظرون من يصلى بنا ولينب عنه من هو أهل للإمامة في قراءته ودينه وأما إذا كان تخلفه تهاونا لأنه خرج إلى البر لنزهة أو ما أشبه ذلك فهذا غلط هذا خلاف الأمانة فولاة الأمر وكلوا إليه هذا العمل ليقوم به على الوجه المطلوب فلا يجوز له أن يتهاون في هذا الأمر المهم هذه نصيحتي لإخواني الأئمة والمؤذنين الذين هم أولى الناس بأن يطبقوا ما يجب عليهم نحو الوظيفة.
***(8/2)
ما رأي فضيلتكم في جماعة يصلون في المسجد فيكتفون في بعض الفروض على الأذان في المسجد الآخر حيث إنه قريب منه والمسجد الآخر له مكبر صوت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأنه يسأل أن هذا المسجد لا يؤذن فيه في بعض الفروض أما من حيث الإجزاء فيجزئ إذا وجد مؤذن يسمعه أهل الحي ولو كان في غير حيهم فإنه يجزئهم هذا الأذان لكن كونه مسجداً تقام فيه الجماعة كل وقت ليس له مؤذن هذا خلاف المعهود وخلاف المألوف وربما يكون في الحي من ينتظر أذان مؤذنه فيغتر بذلك.
***(8/2)
هذه المستمعة من مدرسة تحفيظ القرآن الكريم المدينة المنورة تقول هل يحوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذان والإقامة من العبادات بل هما من فروض الكفاية والعبادات لا يجوز أخذ الأجرة الدنيوية عليها ولكن ما يؤخذ الآن من بيت المال للأئمة والمؤذنين فإنه ليس بأجرة ولكنه رزق من بيت المال خصص لمن قام بهذا العمل العمومي الذي نفعه عام للناس جميعا فلا حرج في أخذ الراتب للإمام والمؤذن ولكن ينبغي للإمام أو المؤذن أن لا يكون همه الراتب وأن لا يجعل نيته أنه لولا الراتب لم يؤذن ولم يؤم الناس بل يجعل الراتب تبعاً وحينئذ لا ينقص من أجره شيء أما إذا كان ليس له إرادة إلا هذا الراتب الذي يتقاضاه من بيت المال فإنه ربما ينقص أجره كثيرا أو يحرم الأجر بالكلية.
***(8/2)
هل يجوز إقامة الصلاة مثل الأذان وفي أي مذهب هذا حيث أن بعض المساجد يقيمون الصلاة مثل الأذان وإذا جئت للنصح قالوا إن هذا مذهبنا وهو المذهب الذي يقيم الصلاة مثل الأذان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا المذهب هو مذهب أبي حنيفة فإنهم يجعلون الإقامة كالأذان بل هي أكثر منه لأنهم يزيدون فيها قد قامت الصلاة مرتين ولكن الصواب أن ما دل عليه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) وأن الإقامة إحدى عشرة جملة فقط.
***(8/2)
بارك الله فيكم المستمع قائد محمد من الدمام يقول إذا نسي المؤذن في أذان الفجر الصلاة خير من النوم هل يجب عليه الإعادة للأذان أم أن الأذان صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه إعادة الأذان إذا ترك قول الصلاة خير من النوم في أذان الفجر لأن قولها ليس بواجب بل سنة إن قالها أثيب عليها وإن لم يقلها فلا إثم عليه وهنا ينبغي التنبيه إلى أن هذه الجملة (الصلاة خير من النوم) إنما تقال في أذان الفجر الذي يكون بعد دخول الوقت أما الأذان الذي يكون في آخر الليل للتنبيه على قيام الليل لمن أراد أن يقوم فإنه لا يسمى أذان الفجر فإن أذان الفجر إنما يشرع إذا دخل وقتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) فجعل وقت الأذان وقت حضور الصلاة ولا تحضر الصلاة إلا بدخول الوقت وأما ما ورد في بعض ألفاظ الحديث مما ظاهره أنه في الأذان الأول فإنه قيد للأذان الأول لصلاة الصبح وإذا قيد بأنه لصلاة الصبح فإننا نعلم أن الأذان لا يكون إلا بعد دخول وقتها كما ذكرنا الآن وعلى هذا فهو أذان أول بالنسبة للإقامة والإقامة قد تسمى أذاناً كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم (بين كل أذانين صلاة) وأما الأذان الذي يكون في آخر الليل فليس أذاناً لصلاة الفجر بل هو أذان لتنبيه القائمين الذين يريدون قيام الليل ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في أذان بلال في آخر الليل قال (إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم) ليوقظ نائمكم للسحور وكذلك يرجع قائمكم للسحور وهذا نص صريح على أن هذا الأذان الذي يكون قبل الفجر ليس لصلاة الفجر بل هو لإيقاظ النائم ورجع القائم وبه يتبين أن تقييد الأذان بالأول لصلاة الصبح إنما هو ليخرج بذلك الأذان الثاني الذي يطلق عليه الأذان وهو الإقامة وأحببت أن أنبه على ذلك لأن بعض الناس ظن أن قول الصلاة خير من النوم إنما يكون في الأذان الذي يكون في آخر الليل ولكن بما ذكرنا يتبين إن شاء الله الأمر ويتضح وقد أيد بعض الناس قوله هذا بأنه قال الصلاة خير من النوم فقال خير من النوم والأذان لصلاة الفجر يوجب قيام الإنسان وجوبا لا خيريا وهذا أيضا استدلال ليس بصحيح لأن الخيرية قد تكون في الواجبات بل قد تكون في أصل الإيمان استمع إلى قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) والإشارة في قوله ذلكم إلى الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله وهذا أصل الإيمان وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) ومعلوم أن الذهاب إلى صلاة الجمعة بعد الأذان الثاني واجب وقال الله فيه (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) فالخيرية لا تختص بما كان نافلة بل تكون بما كان نافلة وبما كان فريضة وتكون حتى في أصل الإيمان وإنني بهذه المناسبة أود من إخواني طلبة العلم أن لا يتعجلوا في الحكم ولا يتسرعوا في الفتيا وأن يتأنوا وينظروا إلى النصوص من كل جانب لأن النصوص من الكتاب والسنة خرجت من منبع واحد فلا يمكن أن تتناقض ولا تتنافر فالواجب على طالب العلم أن لا يتسرع في الأمر بل ينظر إلى الأدلة من جميع أطرافها حتى إذا حكم بما يرى أنه الحق يحكم وهو على بينة من أمره فيهتدي ويهدي بأمر الله والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
***(8/2)
هذا السائل يقول هل التثويب في الأذان الأول أم في الأخير مع ذكر الأدلة فقد جاءت أحاديث قيدت التثويب بالأذان الأول وقد ذكر بعض أهل العلم أن المراد بالأذان الأول هو الأذان الذي يقال في المئذنة عند ابتداء الوقت والمراد بالثاني هو الإقامة فما الدليل على هذا التأويل والقاعدة أنه لا يصار إلى التأويل إلا إذا كانت القرائن قوية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم التثويب إنما هو في الأذان لصلاة الفجر ومعلوم أن الأذان لصلاة الفجر لا يكون إلا بعد دخول الوقت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) ولا تحضر الصلاة إلا بدخول وقتها وأما إطلاق الأذان الأول في مقابل الإقامة فهذا كثير كما في صحيح مسلم وكذلك أيضاً في الصحيحين أن عثمان بن عفان رضي الله عنه زاد الأذان الثالث في صلاة الجمعة ويعنون به الأذان الذي قبل جلوس الإمام على المنبر للخطبة وسماه ثالثاً لأنه هو الثالث مع الأذان الذي يحصل عند جلوس الإمام للخطبة والإقامة أما الأذان الذي يكون في آخر الليل ويسميه الناس الأذان الأول فهو اصطلاح حادث وليس لصلاة الفجر بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ليوقظ النائم ويرجع القائم) من أجل أن يتسحر الناس قبل أذان الفجر الثاني ولهذا كان عمل الناس على أن يكون التثويب في الأذان الذي بعد طلوع الفجر لكن فهم بعض الناس من طلبة العلم الذين لم يتوغلوا في العلم ولم يأخذوا بأطراف النصوص ظنوا أن هذا هو الأذان الذي أراده الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله (إذا أذنت لصلاة الفجر الأذان الأول فقل الصلاة خير من النوم) والمراد بالأذان الأول يعني الذي يكون بعد طلوع الفجر فيكون الأذان الثاني هو الإقامة.
***(8/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ يقول السائل أسمع في الراديو الأذان فهل أردد مع المؤذن الأذان وأدعو بدعاء الأذان بعد سماعي له من الراديو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان ينقل الأذان مباشرة فنعم تابع المؤذن وادع بالدعاء المعروف لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) وأما إذا كان مسجلا فلا تتابعه لأن التسجيل ليس أذانا ولهذا لا يجزئ عن الأذان أن يضع الإنسان شريطا في المنارة ويفتح على الأذان فيسمعه الناس لأن الأذان عبادة لا بد أن يفعلها الإنسان تعبدا لله عز وجل يدعو بها عباد الله إلى الصلاة والخلاصة إن كنت تسمع الأذان في الراديو من المؤذن مباشرة فتابعه وإن كان ذلك عن طريق التسجيل فلا تتابعه.
***(8/2)
السائلة أم محمد من السودان تقول إنها قد قامت ببناء مسجد خاص بالنساء في أحد الشوارع وفي هذا الشارع مسجد للرجال في أوله ومسجد النساء الذي بنته في آخره وقد قامت بتسجيل الأذان على شريط بصوت زوجها تضعه أمام مكبر الصوت عندما يحين وقت الصلاة فهل عملها هذا جائز أم لا من حيث تخصيص مسجد للنساء ومن حيث رفع الأذان بواسطة شريط مسجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بناؤها المسجد فلا شك أنها مأجورة عليه ومثابة مع الإخلاص لله تبارك وتعالى وقد ثبت في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة) وأما تخصيصها مسجداً للنساء فلا بأس به إذا كان هذا المسجد قد أحاط به سور المسجد العام لأن غاية ما فيه أنها جعلت ستراً بين الرجال والنساء وهذا لا بأس به وأما كونها قد سجلت صوت زوجها بالأذان من أجل أن تضعه عند مكبر الصوت حين يحين الوقت فإن هذا ليس بجائز وذلك لأن الأذان عبادة فيجب أن يتعبد به الإنسان على حسب ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوم الإنسان به بنفسه ولا يجعله مسجلاً فمثل هذه الحال ننصحها بأن ترتب مؤذناً لهذا المسجد إن كانت تستطيع وإلا فلتتصل بوزارة الشؤون الدينية حتى ترتب لهذا المسجد مؤذناً.
***(8/2)
السائل من سوريا ومقيم بالمملكة يقول عندنا إمام بالقرية يضع شريطاً مسجلاً فيه الأذان ويشغله عند دخول وقت الصلاة وبعد ذلك يغلق المسجل ويقيم الصلاة هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح أعني الأذان من مسجل ولا يجوز الاعتماد عليه لأن صوت المسجل ليس صوت مؤذن يباشر الأذان وإنما هو حكاية صوت مؤذن ربما يكون قد مات والأذان عبادة مقصودة بذاتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) يعني ثم لم يجدوا سبيلا إلى الوصول إليه إلا بالقرعة لاقترعوا على ذلك وهذا يدل على فضيلة الأذان وكونه يسمع من مسجل لا فرق بينه وبين أن يقال حان وقت الصلاة لأنه لم يقم الأذان المتعبد به في هذا المكان وعلى هذا فنقول إن هذا العمل لا يصح ولا تبرأ به الذمة في إقامة الأذان المشروع وسبحان الله أن يلعب الشيطان بعقول بني آدم وإلا فما الفرق بين أن يؤتى بالمسجل ثم يفتح عليه الكهرباء ثم يشغل أو رجل من المسلمين يقف ويؤذن أي فرق والأذان يصح حتى ممن لم يبلغ لكن العجز والشيطان يلعب ببني آدم نسأل الله السلامة والعافية.
***(8/2)
بارك الله فيكم المستمع فهد الصعب من القصيم يقول إذا سمعت المؤذن عبر الإذاعة فهل أقول مثل ما يقول وهل هناك فرق بين نقل الأذان عبر الهواء مباشرة وبين نقله بواسطة التسجيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن نقل الأذان بواسطة التسجيل لا يجزئ عن الأذان الشرعي وذلك لأن الأذان الشرعي ذكر وثناء على الله ولا بد فيه من عمل والتسجيل ليس بعمل فإنك إذا سمعت المسجل لا يعني ذلك أن المسجل يعمل عبادة يتقرب بها إلى الله وإنما هو سماع صوت شخص ربما يكون قد مات أيضاً فلا يجزئ عن الأذان الشرعي فلا بد من أذان شرعي يقوم به المكلف يكبر الله ويشهد له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة ويدعو إلى الصلاة وإلى الفلاح لا بد من هذا وإذا قلنا إن ما سجل ليس بأذان مشروع فإنه لا تشرع إجابته أي لا يشرع للإنسان أن يتابعه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ونحن في الحقيقة لم نسمع المؤذن وإنما سمعنا صوتاً مسجلاً سابقاً وأما قول السائل ما الفرق بين ما نقل على الهواء أو ما نقل بواسطة التسجيل فالفرق ظاهر لأن ما نقل على الهواء فهو صوت المؤذن الذي يؤذن الأذان الشرعي فهذا يجاب ويتابع ويدعو بعد المتابعة بما وردت به السنة وأما الأذان المسجل فليس أذاناً في الواقع كما أشرنا إليه.
***(8/2)
بارك الله فيكم المستمع من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يقول أعرف أنه يشرع للمؤذن عند الحيعلتين الالتفات يميناً ويساراً ولكن عندما انتشرت مكبرات الصوت والحمد لله هل يشرع ذلك وذلك لأنه عندما يلتفت المؤذن يضعف الصوت في الميكرفون لأنه ابتعد عنه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة عندي فيها توقف لأن مشروعية الالتفات من أجل أن يشترك الذين عن يمين المؤذن والذين عن يساره في سماع الأذان وإذا كان الإنسان يؤذن بمكبر الصوت فإن مخرج الأذان من السماعات العليا واحد سواءٌ التفت أم لم يلتفت بل إنه إذا التفت قد ينخفض الصوت كما قال السائل فالمسألة عندي محل توقف وأصل ذلك هل هذا الالتفات للتعبد أو من أجل إيصال الصوت لليمين والشمال فإن كان للتعبد فإن الالتفات باقٍ وإن كان من أجل إيصال الصوت لليمين والشمال فإنه لا يحتاج إلى الالتفات في هذه الحال.
***(8/2)
هل يجوز التغني في الأذان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان التغني يغير المعنى فلا يجوز وإن كان لا يغيره فهو مكروه والذي ينبغي هو أداء الأذان على حسب ما تقتضيه اللغة العربية.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول هل يجوز رفع أذان الصلاة بعد توقيتها بعشر دقائق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان السائل يريد الأذان فالأولى أن يعبر عنه بالأذان لأنه التعبير الشرعي عنه ولأنه أوضح للناس وأما الجواب على سؤاله فإنه إذا كان الإنسان في بلد فلا ينبغي أن يتأخر عن أول الوقت لأن ذلك يؤدي إلى الفوضى واختلاف المؤذنين والاشتباه على الناس أيهما أصوب هذا المتقدم أو المتأخر أما إذا كان في غير بلد وكانوا جماعة في سفر مثلاً فالأمر إليهم لكن الأفضل أن يؤذنوا في أول الوقت لأن تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل إلا ما شرع تأخيره فما شرع تأخيره فإنه يؤخر فيه الأذان ولهذا ثبت في صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقام المؤذن يؤذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أبرد ثم أراد أن يقوم فقال أبرد ثم أراد أن يقوم فقال أبرد حتى ساوى التل ظله ثم أذن) وهذا يدل على أن الأذان مشروع حيث تشرع الصلاة فإذا كانت الصلاة مما ينبغي تقديمه قدم الأذان في أول الوقت وإن كانت الصلاة مما ينبغي تأخيره كصلاة الظهر في شدة الحر وصلاة العشاء فإنه يؤخر إذا لم يشق هذا في غير المدن والقرى التي فيها مؤذنون فلا ينبغي للإنسان أن يتخلف عن الوقت الذي يؤذن فيه الناس.
***(8/2)
لاحظ المستمع خ. ط. من الباحة على بعض المؤذنين أنهم يؤخرون الأذان نصف ساعة عن موعد الأذان بسبب النوم والعمل ما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من تولى عملاً أن يكون فيه ناصحاً مؤدياً ما يجب عليه ولا سيما العمل الذي يتعلق به فعل الغير كالأذان مثلاً الواجب على المؤذنين أن يؤدوا عملهم على الوجه الأكمل بقدر ما يستطيعون لأنهم يؤذنون لأنفسهم ولغيرهم ولا يحل لمؤذن أن يتعمد تأخير الأذان إلى نصف ساعة بعد دخول الوقت لأنه بذلك يفوت على الناس فضيلة أول الوقت وربما يكون الأذان لصلاة الفجر ويكون هناك قوم صائمون فيتأخر أكلهم إلى أذانه بعد أن طلع الفجر أو يتأخر إفطارهم إذا كان في أذان المغرب إلى أن يؤذن هذا الرجل بعد أن يمضي وقت من غروب الشمس فنصيحتي لإخواني المؤذنين أن يتقوا الله عز وجل وأن يتقنوا عملهم أما ما يطرأ على الإنسان من العذر أحياناً كما لو غلبه النوم فهذا قد يعفى عنه وفي هذه الحال إذا كان يخشى أن يكون في أذانه تشويش وكان المؤذنون حوله قد أسمعوا أهل حيه فإنه لا يحتاج إلى أن يؤذن في هذه الحال لما يكون في أذانه من التشويش من وجه ولما يحصل عليه من الشماتة والغيبة ورحم الله امرأ كف الغيبة عن نفسه
أما لو كان أهل الحي لا يسمعون المؤذنين فإنه يؤذن ولو كان تأخر ثلث ساعة أو نصف ساعة ونحن نتكلم الآن عن الشخص المعذور لا عن الشخص الذي يكون تأخيره راتباً لأن من كان تأخيره راتباً بمعنى أنه لا يهتم بالأذان ويتأخر فإن ذلك حرام عليه وإذا كان لا يستطيع أن يقوم بالأذان إلا على هذا الوجه فليدع الأذان إلى غيره.
***(8/2)
يقول في شهر رمضان يتم الاختلاف بين أئمة المساجد في بيان طلوع الفجر مع العلم بأنه يوجد بهذه المساجد تقويم للأذان من قبل علماء فلكيين ومعتمدين من قبل وزارة الأوقاف والإرشاد ولكن بعض الأئمة لا يتبعون هذا التقويم وخاصة في صلاة الفجر فقط حيث يؤخرون الأذان بمعدل ما يزيد على ربع ساعة عن وقت التقويم مع العلم بأنه لا يشاهد طلوع الفجر للأسباب التالية وهي أنوار الكهرباء فما نصيحتكم لمثل هؤلاء وما هي وجهة نظركم عن علماء الفلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن علماء الفلك عندهم علم في الفلك ولكن الله عز وجل قال (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) فمادام الفجر لم يتبين فإن للإنسان أن يأكل ويشرب ولكن المشكلة الآن أن من كان في المدن أو القرى التي فيها الكهرباء لا يمكن أن يدرك طلوع الفجر من أول ما يطلع لوجود الأضواء فالاحتياط أن الإنسان إذا حل وقت الفجر حسب التوقيت أن يمتنع عن الأكل والشرب أما الصلاة فيحتاط لها بمعنى أنه لا يبادر بالصلاة ينتظر والحمد لله فانتظاره للصلاة من أجل أن يتحقق دخول الوقت لا يعد تأخيرا للصلاة عن أول وقتها فيكون الاحتياط هنا من جهة الصوم أن تمسك حسب التقويم ومن جهة الصلاة نقول الاحتياط أن تؤخر حتى يتبين لك الفجر.
***(8/2)
يقول هذا السائل عطية في شهر رمضان نؤخر أذان صلاة العشاء بمعدل ساعة ونصف الساعة من أذان المغرب وذلك من أجل راحة الصائمين ولكن بعض الإخوان يعارضون في ذلك بحجة مخالفة السنة وأن المؤذن يأثم على ذلك أفتونا عن ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أنه ليس هناك تأخير ما دام التأخير ساعة ونصف الساعة بعد الغروب فهذا هو العادة لكن عندنا هنا في السعودية جزاهم الله خيرا رأت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد أن يؤخر نصف ساعة يعني يكون أذان العشاء بعد غروب الشمس بساعتين رفقا بالناس لأن الناس بعد صلاة المغرب يخرجون إلى بيوتهم يتعشون ويحتاجون إلى شيء من الوقت فرأوا أن المصلحة تأخير أذان العشاء وتأخير أذان العشاء أفضل من تقديمه لأن صلاة العشاء الأفضل فيها التأخير إلا مع المشقة ولا مشقة على الناس في تأخير نصف ساعة بل هو من راحتهم.
***(8/2)
بارك الله فيكم السائل محمد علي المنطقة الجنوبية يقول في هذا السؤال هل يصح الأذان بعد خروج الوقت ببضع دقائق أو أكثر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً الأذان في القرية سواء كانت كبيرة أو صغيرة لابد أن يكون في الوقت لأن صلاة الناس مقترنة بهذا الأذان وأما إذا كان الإنسان في سفر ونام الناس ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس فإنهم يؤذنون لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمَّا نام وأصحابه في سفر حتى طلعت الشمس مشوا من مكانهم إلى مكان آخر ثم أذن المؤذن فصلوا سنة الفجر ثم صلوا صلاة الفجر جهراً كما يصلونها كل يوم فدل هذا على أنه يؤذن للصلاة ولو بعد خروج الوقت.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا يقول ما هو الوقت الشرعي بين الأذان والإقامة عند كل صلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك وقت مقدر شرعا لكن المبادرة بالصلاة في أول وقتها أفضل إلا في موضعين الموضع الأول صلاة العشاء فالأفضل فيها التأخير إذا لم يشق على الجماعة والثاني صلاة الظهر إذا اشتد الحر أما الأول فدليله قوله صلى الله عليه وسلم (حين خرج إلى أصحابه وصلى بهم وقد ذهب عامة الليل إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) وكان صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطؤوا أخر وأما الثاني وهو صلاة الظهر في شدة الحر فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم) والإبراد إنما يكون إبرادا إذا أخرت صلاة الظهر حتى تنكسر الأفياء ويبرد الجو وذلك بأن تكون قبل صلاة العصر أمّا الإبراد الذي يفعله بعض الناس سابقا بأن يؤخروا صلاة الظهر عن العادة بنصف ساعة أو ساعة فليس إبرادا في الحقيقة بل هذا لا يزيد الجو إلا حراً.
***(8/2)
أنا أعمل مؤذن وحدث أن جاءنا إمام جديد وعند صلاة الصبح كلما أردت أن أقيم الصلاة لعلمي بدخول الوقت طلب مني المصلون أن أجلس حتى يأذن لي الإمام رغم أن الوقت ضيق فهل صحيح أنه لا يجوز أن أقيم الصلاة حتى يأذن لي الإمام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المؤذن أملك بالأذان فإليه يرجع الأذان وأما الإقامة فإن الأملك بها هو الإمام فلا يقيم المؤذن إلا بحضور الإمام وإذنه وأما قوله لضيق الوقت فنعم إذا تأخر الإمام حتى كادت الشمس تطلع وضاق الوقت فحينئذٍ يصلون ولا ينتظرونه أما ما دام الوقت باقياً فإنهم لا يصلون حتى يحضر الإمام لكن ينبغي للإمام أن يحدد وقتاً معيناً للناس فيقول مثلاً إذا تأخرت عن هذا الوقت فصلوا ليكون في هذه الحال أيسر لهم وأيسر له هو أيضاً ولا يوقع الناس في حرج أو ضيق.
***(8/2)
أحسن الله إليكم يقول هذا السائل إذا تأخر الإمام في الحضور إلى المسجد عن موعده المحدد بدقيقة واحدة فإن المؤذن يقوم ويقيم ويصلى وأثناء الصلاة يدخل الإمام معنا وبعد الصلاة يحصل بين الإمام والمؤذن خلاف فهل الحق مع الإمام أو المؤذن علماً بأن المؤذن يطبق المدة التي حددتها وزارة الشؤون الإسلامية بين الأذان والإقامة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب أن نعلم أن لكلٍ من المؤذن والإمام وظيفة فوظيفة الأذان إلى المؤذن هو المسؤول عنه ووظيفة الإقامة إلى الإمام هو المسؤول عنها ولا يحل للمؤذن أن يقيم حتى يحضر الإمام وإن أقام قبل أن يحضر فمحرمٌ عليه ذلك وهو آثم ومن العلماء من يقول إن الصلاة لا تصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه) والسلطان في إقامة الصلاة هو الإمام نعم لو أذن الإمام وقال للمؤذن متى انتهى الوقت الذي حدد فأقم الصلاة فلا بأس وفي هذه الحال إذا حضر الإمام فهو بالخيار إن شاء تقدم فأتم بهم الصلاة وإن شاء دخل معهم مأموماً دليل ذلك (أن أبا بكر رضي الله عنه لما صلى بالناس والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مريض ثم حضر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تقدم وجلس إلى يسار أبي بكر وصار هو الإمام وأبو بكر إلى جنبه الأيمن) وإذا قال الإمام للمؤذن إذا انتهى الوقت المحدد فصلوا فينبغي أن ينتظر بعد ذلك دقيقتين أو ثلاثاً أو خمساً لأن الإمام قد يعرض له عارض في أثناء طريقه إلى المسجد ويتأخر هذه المدة القصيرة والناس إذا تأخروا هذه المدة القصيرة فهم على خير لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ولا يزال العبد في صلاةٍ ما انتظر الصلاة) .
***(8/2)
تقول السائلة إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن للصلاة فهل يجب علي أن أتابع المؤذن أم يجب علي أن أؤدي تحية المسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً كلمة يجب علي في المتابعة وتحية المسجد غير صحيحة لأن متابعة المؤذن سنة وتحية المسجد سنة لكن كأنها تريد هل أبدأ بتحية المسجد أو أتابع المؤذن فنقول إذا دخل الإنسان والمؤذن يؤذن في غير أذان الجمعة الثاني فإنه يجيب المؤذن أولا فإذا انتهى ودعا بالدعاء المعروف بعد الأذان أتى بتحية المسجد وأما في الأذان الثاني يوم الجمعة إذا دخل الإنسان والمؤذن يؤذن فإنه لا يتابع المؤذن بل يصلى تحية المسجد من أجل أن يتفرغ لاستماع الخطبة فإن استماع الخطبة واجب وإجابة المؤذن سنة وإذا تعارض واجب وسنة وجب تقديم الواجب فنقول إذا دخلت يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني فصل تحية المسجد من أجل أن تنتهي منها قبل أن يبدأ الخطيب في خطبته أو تنتهي منها بعد أن يبدأ بالخطبة لكن لا يأخذ منها شيئا كثيرا.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج يقول فضيلة الشيخ إذا أذن المؤذن أتابع المؤذن ولكن بعد فترة وجيزة تكثر أصوات المؤذنين وتتداخل الأصوات ولا أميز المؤذن الأول من الثاني فما العمل بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العمل في مثل هذه الحال إذا تداخلت أصوات المؤذنين ولم تعلم المؤذن الأول الذي كنت تابعته أن تتحرى بقدر الإمكان وتكمل الأذان أو إذا كنت تعرف أن هناك مؤذنا يكون أذانه أبين من غيره فتنتظر حتى يشرع هذا المؤذن ثم تجيب.
***(8/2)
هذه الرسالة وردتنا من المستمع محمد زيد بن مهنا من حوطة بني تميم من المعهد العلمي، يعرض فيه موضوعاً عن الأذان يقول أذان مكة أو مدينة الرياض الذي يرفع إلينا في المذياع، إذا كان الشخص فاتحاً المذياع، هل يجوز متابعته؟ وإذا انتهى هل نقول الدعاء الذي يقال بعد الفراغ من الأذان الذي يرفعه المؤذن أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذان الذي يُسمع لا يخلو إما أن يكون على الهواء أي إن الأذان كان لوقت الصلاة من المؤذن فهذا يجاب لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) إلا أن الفقهاء رحمهم الله قالوا إذا كان قد أدى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب،
وأما إذا كان الأذان مسجلاً وليس أذاناً على الوقت، يعني ليس على الهواء وهو الحالة الثانية، فإنه لا يجيبه لأن هذا ليس أذاناً حقيقياً، وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق.
***(8/2)
أحسن الله إليكم يقول إذا سمعت المنادي ينادي للصلاة في انتصاف الأذان هل أقول مثل ما يقول أم لابد من البداية من الأول وإذا كانت أصوات المؤذنين متداخلة بعضها مع بعض ولم أركز مع أحد ماذا أقول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا سمعت المؤذن في أثناء الأذان وهذا يقع كثيرا إما أن يكون مكبر الصوت لم يظهر منه الصوت إلا في أثناء الأذان أو لغير ذلك من الأسباب فأبدأ الأذان من الأول ثم تابع المؤذن وأما إذا اختلطت الأصوات فتابع من تسمعه أولا واستمر معه فإن أذن بعده مؤذن أعلى صوتاً منه وأخفى صوت الأول فأبدأ مع هذا وتابعه حتى ينتهي.
***(8/2)
يقول عندما يؤذن المؤذن هل أستمر في قراءة القرآن أم أسكت وأردد ما يقوله المؤذن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أذن المؤذن الأفضل أن تقطع القراءة وتجيب المؤذن لأن هذا ذكر خاص في وقت خاص وقراءة القرآن يمكن أن تقرأه في أي وقت فالذكر الخاص في وقته عند وجود سببه أفضل من الذكر العام وإن كان الذكر العام قد يكون أفضل في نفسه لكن الذكر الخاص في وقته الخاص عند سببه يفوت إذا لم تفعله وعلى هذا فإذا سمعت المؤذن وأنت تقرأ القرآن فاقطع القرآن وأجب المؤذن تقول مثل ما يقول إلا في حي على الصلاة حي على الفلاح فتقول لا حول ولا قوة إلا بالله وفي أذان الفجر إذا قال الصلاة خير من النوم تقول مثل ما يقول أيضا على القول الراجح ثم إذا فرغت فصل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم قل اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وأما قول رضيت بالله ربا وبمحمدا رسولا وبالإسلام دينا فيكون عند الانتهاء من الشهادتين يعني في أثناء الأذان.
***(8/2)
بماذا يجيب المؤذن في صلاة الصبح عند قوله الصلاة خير من النوم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجاب المؤذن في صلاة الصبح على قوله الصلاة خير من النوم بأن يقال مثلما يقول لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن) ولم يستثن من ذلك إلا الإجابة على الحيعلتين فإنه كان يقول لا حول ولا وقوة إلا بالله لأن الحيعلتين حي على الصلاة يعني أقبلوا إليها فيقول السامع لا حول ولا قوة إلا بالله لأن هذه الجملة لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة استعانة فهو إذا دعي إلى الصلاة وإلى الفلاح سأل الله تعالى الإعانة فقال لا حول ولا قوة إلا بالله وما عدا ذلك من ألفاظ الأذان فإنه يقال كما يقوله المؤذن.
***(8/2)
المستمع ضاوي معيض العتيبي يقول هل هناك دعاء يقال قبل الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء قبل الصلاة لا أعلم فيه دعاءً معيناً ولكن ما بين الأذان والإقامة موطن إجابة فإن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد ومن المعلوم عندنا جميعاً أنه بعد الأذان إذا تابع الإنسان المؤذن فقال مثل ما يقول فإنه يقول بعد ذلك (اللهم صلِّ على محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته) ويدعو بما أحب.
***(8/2)
عندما يقول مقيم الصلاة قد قامت الصلاة هناك بعض المسلمين يقولون أقامها الله وأدامها وبعضٌ منهم يقول اللهم أقمها وأدمها نريد أن نعرف شيئاً عن ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يقولون أقامها الله وأدامها يستندون إلى حديثٍ رواه أبو داود في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها حينما بلغ المقيم قد قامت الصلاة ولكن هذا الحديث ضعيف لأن أحد رواته مجهول وفيه أيضاً شهر بن حوشب والكلام فيه معروف وعليه يكون في هذا القول نظر لأنه مبنيٌ على هذا الحديث الضعيف والضعيف كما هو معلوم عند أهل العلم لا يحتج به لإثبات حكمٍ شرعي وأما الذين يقولون اللهم أقمها وأدمها فلا أعلم لهم شيئاً يستندون إليه اللهم إلا أن يقولوا إن هذا مثل قول الإنسان أقامها الله وأدامها ولكن عرفنا أن أقامها الله وأدامها في استحباب قولها نظر لأنه مبني على قولٍ ضعيف.(8/2)
فضيلة الشيخ: هل يجوز متابعة مقيم الصلاة فيما يقول؟
فأجاب رحمه الله تعالى: متابعة مقيم الصلاة فيما يقول مبنيٌ على هذا الحديث الذي أشرت إليه الذي رواه مجهول وضعيف متكلم فيه فنفسي لا تطيب باستحباب متابعة المقيم ولا بقول أقامها الله وأدامها.
***(8/2)
قول إنك لا تخلف الميعاد في الدعاء الذي يقال بعد الأذان ما حكمه وهل هو زائد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أن يقال لأنه قد روي الحديث فيه عن النبي عليه الصلاة والسلام وهي زيادةٌ لا تنافي المزيد وإذا كانت الزيادة لا تنافي المزيد من راو ثقة فإنها مقبولة عند أهل العلم.
***(8/2)
يقول بعضهم إن الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدعة حين تكون بعد الأذان فما قولكم في ذلك وهل حقا بأنه لا يجوز أن يقول المسلم بعد الأذان إنك لا تخلف الميعاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ماذا يريد السائل بقوله اللهم صلِّ على سيدنا محمد هل أن أحدا أنكر عليه أن يقول الصلاة بهذه الصيغة اللهم صلِّ على سيدنا محمد أو أن الذي أنكر عليه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولو بغير هذه الصيغة فإن كان الأول يعني إن كان أنكر عليه أن يقول اللهم صلِّ على سيدنا محمد فلعل هذا المنكر أنكر عليه لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يقولون هذه الصيغة أي لم يقولوا اللهم صلِّ على سيدنا محمد ومن المعلوم عند كل مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم أشد منا حبا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنهم أي الصحابة أقوى تمسكا بشريعة الله منا وأن الصحابة رضي الله عنهم أشد تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم منا ومع ذلك فلم يؤثر عنهم أنهم كانوا يقولون عند انتهاء الأذان اللهم صلِّ على سيدنا محمد نحن مأمورون باتباعهم بإحسان حتى ننال رضا الله كما رضي عنهم قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) والاتباع بإحسان هو ألا نقصر عنه ولا نزيد عليهم هذا الاتباع بإحسان فإذا كان الصحابة لا يقولون اللهم صلِّ على سيدنا محمد وهم كما وصفنا بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن المشروع لنا ألا نقوله فلعل الذي أنكر عليه وقال إنه بدعة لاحظ هذا المعنى وإلا فمن المعلوم عند كل مسلم أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم هو سيدنا بل سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام سيد الرسل سيد الأنبياء سيد الصديقين سيد الشهداء سيد الصالحين سيد الأولياء سيد كل بشر عليه الصلاة والسلام هذا أمر نؤمن به ونتقرب إلى الله تعالى باعتقاده لكن مقتضى السيادة حقيقة أن نلتزم بسنته وألا نتجاوزها وألا نقصر عنهم لأنه ما دام سيدا فيجب أن يكون هو الأسوة والقدوة لذلك أنصح إخواني المسلمين ألا يتجاوزوا الحدود فيما ورد في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فمثلا لو قال قائل إنني سأقول في التشهد اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد لو أراد أن يقول هكذا لأنكرنا عليه نقول أتعلمنا ما لم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الصلاة في هذا المكان وردت على هذا الوصف اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد فإذا قال أنا أقول هذا من شدة محبتي له وتعظيمي له قلنا له شدة المحبة والتعظيم تقتضي أن تجعله إماما لك بحيث لا تزيد على ما شرع لك ولا تنقص عنه أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه المشروع بعد الأذان فهي سنة ينبغي للإنسان إذا انتهى المؤذن وقد تابعه في أذانه أن يقول اللهم صلّ على محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وهذه الجملة الأخيرة (إنك لا تخلف الميعاد) اختلف علماء الحديث في تصحيحها وتحسينها وتضعيفها فمنهم المصحح ومنهم المحسن ومنهم المضعف والأمر في هذا واسع من قالها لا ينكر عليه ومن حذفها لا ينكر عليه لكن قولها أفضل لأن الله تعالى ذكر عن أولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم أنهم قالوا (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) فقولها أحسن من حذفها ولا ينكر على من قالها ولا على من حذفها.
***(8/2)
ماحكم قول المأمومين أو المصلىن لا إله إلا الله بعد إقامة الصلاة أي بعد أن يقول المؤذن الذي يقيم الصلاة لا إله إلا الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم رحمهم الله أن الإقامة يُتابع فيها المقيم كما يُتابع فيها المؤذن بمعنى أنه إذا قال المقيم الله أكبر الله أكبر تقول أنت الله أكبر الله أكبر وإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله تقول أشهد أن لا إله إلا الله وإذا قال أشهد أن محمداً رسول الله تقول أشهد أن محمداً رسول الله وإذا قال حي على الصلاة تقول لاحول ولا قوة إلا بالله وإذا قال حي على الفلاح تقول لاحول ولا قوة إلا بالله وإذا قال قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة تقول أقامها الله وأدامها وإذا قال الله أكبر تقول الله أكبر وإذا قال لا إله إلا الله تقول لا إله إلا الله وبناءً على هذا القول يكون قول المتابع لا إله إلا الله بعد قول المقيم لا إله إلا الله مشروعا ويرى آخرون أن الإقامة لا تتابع لأن الحديث الوارد فيها في صحته نظر حيث إن أحد رواته قد تكلم فيه وعلى هذا فلا يقول الإنسان بعد قول المقيم لا إله إلا الله لا يقول بعده لا إله إلا الله.
***(8/2)
يقول إذا أتيت بالدعاء الوارد بعد الأذان بصوت مرتفع في مكبر الصوت فهل في ذلك شيء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في هذا شيء لأنك إذا أتيت بهذا الدعاء المشروع بعد الأذان في مكبر الصوت صار كأنه من الأذان ثم إن هذا الأمر لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين فهو من البدع التي ينهى عنها حتى لو قلت مثلاً إنني أقصد التعليم بهذا ليعرف الناس مشروعية هذا الذكر نقول إن التعليم يمكن بعد أن تفرغ من الصلاة ويحضر الناس تنبههم إلى هذا ولو عن طريق مكبر الصوت وتقول إنه ينبغي للإنسان إذا فرغ من الأذان أن يقول كذا وكذا وأما أن تصله بالأذان بحيث يظن الظان أنه منه فإن هذا من البدع.
***(8/2)
ماحكم من يقول جهرا بعد كل أذان (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وذلك بصوت عالٍ وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا بدعة فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك ولا أنه فُعل في وقته ولا أنه فعل في عهد الخلفاء الراشدين والسنة أن يقتصر المؤذن على الأذان الذي أوله الله أكبر وآخره لا إله إلا الله ثم ينتهي ويقطع ثم بعد ذلك يصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نفسه بدون أن يجهر به أمام الناس ويدعو بالدعاء المشهور اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وكذلك أيضا المستمعون للأذان ينبغي لهم أن يتابعوا المؤذن فيقولوا مثل ما يقول إلا في حي على الصلاة حي على الفلاح فيقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله ثم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقولون الدعاء الذي ذكرته الآن.
***(8/2)
جزاكم الله خيراً تقول السائلة لقد سمعت وقرأت في كتبٍ شرعية بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان مباشرة جهراً بدعة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرغم من أن بعض المؤذنين في المساجد أصلحهم الله يفعلون ذلك فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما فعل المؤذنين في المساجد لهذا يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الفراغ من الأذان وكذلك يجهرون بالدعاء المأثور اللهم رب هذه الدعوة التامة فهذا لا شك أنه بدعة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما إذا قاله الإنسان سراً فلا شك أنه مسنون لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بإجابة المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم دعاء الله تعالى أن يجعل الوسيلة لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال عليه الصلاة والسلام إن من فعل ذلك حلت له شفاعته يوم القيامة أما الجهر به في المآذن وصلته بالأذان فهذا بدعة.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا أم خالد تستفسر عن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الأذان وبعد الأذان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الأذان ليست مشروعة إذا أراد الإنسان أن يجعلها تابعة للأذان لأنها مشروعة كل وقت وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الأذان فإنها مستحبة مطلوبة من الإنسان فالمؤمن إذا سمع المؤذن فليقل مثل ما يقول المؤذن ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم يقول اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد ثم يدعو بما شاء لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد وقولنا يقول مثل ما يقول المؤذن يستثنى منه حي على الصلاة حي على الفلاح فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله.
***(8/2)
حفظكم الله وسدد خطاكم هذا السائل و. أمن سوريا يقول بعد كل أذان يقول المؤذن الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله يا من في المدينة المنورة صلاة وسلاما دائما عليك هل هذا من البدع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا والله من البدع ويجب الكف عنه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما حث على الصلاة عليه ثم الدعاء بالوسيلة له فإذا فرغ المؤذن من الأذان قال اللهم صلّ على محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد وكذلك يقول من كان يتابع المؤذن ولكن لا يقوله في الميكرفون أو على منارة يقول ذلك سرا في نفسه لأن ألفاظ الأذان محفوظة منقولة بالتواتر بين المسلمين وليس في هذه زيادة فالدعاء يكون سراً ولا يكون جهراً.
فضيلة الشيخ: هل يأثم المؤذن إذا استمر على مثل هذه الصيغة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يأثم لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من البدع تحذيرا بالغا وقال (كل بدعة ضلالة) وهل يمكن للإنسان أن يتجرأ على الضلالة كل وقت ولا سيما وأنه ينادى للصلاة وللفلاح.
***(8/2)
يقول هذا السائل عندما أسمع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الصلوات غير مكتوبة كأن يقول المؤذن بعد الأذان الحمد لله رب العالمين (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فهل عليّ أن أصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قوله عن المؤذن أنه يقول الحمد لله رب العالمين (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فإن هذا قولٌ مبتدع بدعة لا يجوز للمؤذن أن يتخذه عادة ولا أيضا أن يقوله أحيانا لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن خلفائه الراشدين والصحابة المهديين وكفى بالأذان دعوة إلى الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل (هل تسمع النداء قال نعم قال أجب) والمؤذن يقول للناس حي على الصلاة فلا حاجة أن يأتي بذكر آخر هذا بالنسبة لما يقوله المؤذن من هذا القول أو غيره بعد الأذان أما بالنسبة لسماع المؤذن الذي يقول هذا القول فإنه لا يلزمه أن يتابعه في ذلك لكن قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن جبريل قال له رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل آمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين) ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أنه متى ما سمع الإنسان ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يصلى عليه لئلا يقع فيه هذا الدعاء الذي دعا به جبريل وأمَّنَ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
ماحكم الزيادة في الأذان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذان عبادة مشروعة بأذكار مخصوصة بينها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بإقراره لها فلا يجوز للإنسان أن يتعدى حدود الله تعالى فيها أو يزيد فيها شيئاً من عنده لم يثبت فيه النص فإن فعل كان ذلك مردوداً عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وإذا زاد الإنسان في الأذان شيئاً لم يرد به النص بل لم يثبت به النص كان خارجاً عما عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيما زاده والشرع كما يعلم جميع المسلمين توقيفي يتلقى من الشارع فما جاء به الشرع وجب علينا التعبد به استحباباً في المستحبات وإلزاماً في الواجبات وما لم يرد به الشرع فليس لنا أن نتقدم بين يدي الله ورسوله بزيادة فيه أو نقص.
***(8/2)
المستمع علي محمد من اليمن الشمالي يقول في هذا السؤال هل يجوز لي بعد الأذان أن أخرج من المسجد لإيقاظ أهلي وأولادي للصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يخرج من المسجد بعد الأذان لإيقاظ أهله وأولاده للصلاة ثم يرجع فيصلى مع الجماعة ولكن ليحرص على أن لا يتأخر عند أهله وأولاده فتفوته صلاة الجماعة وعليه أن يلاحظ هذا الأمر لأن الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية الرجوع هو محرم وأما إن كان لعذر أو كان بنية الرجوع فإن هذا لا بأس به.
***(8/2)
شروط الصلاة - الطهارة(8/2)
السائل مبارك من حليبان يقول إنه حج العام الماضي وأجل طواف الإفاضة مع طواف الوداع يقول وأديت طواف الإفاضة ولم أكن على وضوء وأديت صلاة العشاء والمغرب أيضاً ولم أكن على وضوء فأفيدوني بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نفيدك بأن صلاتك المغرب والعشاء على غير وضوء باطلة وأنك آثم بذلك إن كنت تعلم أن هذا حرام وعليك أن تعيدها الآن فتصلى المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً لأنك صلىت خلف الإمام والمسافر إذا صلى خلف الإمام وجب عليه الإتمام وأما بالنسبة للطواف فالراجح عندي أنه لا يلزمك إعادته لأنه ليس هناك دليل على وجوب الطهارة من الحدث الأصغر في الطواف وهذا هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وانتصر له وأيده ببراهين من راجعها علم أن الصواب هو هذا القول ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتساهل في هذا الأمر فيطوف بغير وضوء إنما لو وقع مثل هذه الحالة التي سأل عنها السائل فإنه لا يلزمه إعادة الطواف وحجه قد تم.
***(8/2)
السائلة أم خالد من الرياض تقول كيف تقضي المرأة الصلاة إذا طهرت قبل المغرب أو قبل الفجر أيُّ صلاة تقضيها أولاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طهرت قبل المغرب فإنها تقضي صلاة العصر ولا يلزمها أن تقضي صلاة الظهر لأن الظهر قد خرج وقتها وهي حائض والحائض لا تلزمها الصلاة وإذا طهرت قبل الفجر فإنه لا يلزمها شيء من الصلوات لأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل وما بين نصف الليل وصلاة الفجر ليس وقتاً لصلاة العشاء على القول الراجح حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وقت العشاء (إنها إلى نصف الليل) ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن وقتها يمتد إلى طلوع الفجر بخلاف العصر فإن العصر وقتت إلى أن تصفر الشمس أو إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ولكن ورد حديث يدل على أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ولم يرد مثل ذلك في العشاء فبقيت على الحد الأول وهو نصف الليل فإذا طهرت المرأة بعد نصف الليل فليس عليها صلاة لا عشاء ولا مغرب.
***(8/2)
إذا طهرت المرأة من الحيض وقت الظهر فماذا عليها أن تصلي؟ وإن طهرت وقت العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر ماذا عليها في قضاء الصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طهرت وقت الفجر اغتسلت وصلت الفجر وإذا طهرت وقت الظهر اغتسلت وصلت الظهر وإذا طهرت وقت العصر اغتسلت وصلت العصر ولا يلزمها صلاة الظهر على القول الراجح عندنا وإذا طهرت وقت المغرب اغتسلت وصلت المغرب وإذا طهرت وقت العشاء اغتسلت وصلت العشاء ولا يلزمها المغرب على القول الراجح عندنا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) قال أدرك الصلاة ولم يقل وأدرك ما يجمع إليها قبلها هذا القول الراجح عندنا وما روي عن بعض الصحابة من أنها تعيد الصلاة التي قبلها فلعل هذا على سبيل الاحتياط لأنها ربما كانت طهرت في وقت الأولى ولم تحس بها فقالوا من باب الاحتياط تصلى الأولى وهو لا يضرها إن شاء الله لكن إيجاب ذلك عليها لا دليل عليه فيما أعلم ولهذا لا يلزمها إذا طهرت في وقت العصر إلا صلاة العصر وفي صلاة العشاء إلا صلاة العشاء.
***(8/2)
امرأة قامت بعد الشمس ووجدت نفسها حائضاً هل تلزمها صلاة الفجر إذا طهرت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينظر هل يغلب على ظنها أن الحيض أتى عليها قبل الفجر أو يغلب على ظنها أن الحيض حصل لها بعد دخول وقت الفجر وإذا صلت احتياطاً فلا حرج يعني إذا صلت بعد طهرها الفجر احتياطاً فلا حرج.
***(8/2)
بارك الله فيكم امرأة عليها الدورة الشهرية فنامت أول الليل فلما استيقظت فجرا شاهدت الطهر ولا تدري متى حصل هذا الطهر فهل عليها صلاة العشاء أيضا لو استيقظت بعد طلوع الشمس وهل تصلى الفجر أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا نامت المرأة وهي حائض ثم استيقظت وهي طاهر ولا تدري هل حصل الطهر قبل منتصف الليل أو بعده فإنه لا يجب عليها قضاء صلاة العشاء لأن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل لكن عليها أن تبادر وأن تغتسل وتصلي الفجر في وقتها ولا يحل لها أن تؤخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الشمس كما يفعله بعض الجاهلات من النساء بل الواجب عليها أن تبادر وتغتسل لتصلي الصلاة في وقتها وإذا كانت تقول أني أريد أن أغتسل اغتسالاً يكون منظفا قلنا اغتسلي اغتسالا تقومين فيه بالواجب وصلي الفجر في وقتها وإذا أصبحتِ فلا حرج عليك أن تغتسلي اغتسالا منظفا بالصابون أو غيره.
***(8/2)
شروط الصلاة- المواقيت(8/2)
بارك الله فيكم السائل يقول فضيلة الشيخ تعلمون أن هناك أجزاء من الأرض لا تطلع الشمس عليها إلا وقتاً يسيراً ثم تحتجب فبماذا يكون ميقات الصلاة والفطر للصائم الذي يذهب إلى هناك مع العلم بأن أهل تلك البلاد كفرة لا يعرفون المواقيت وتحركات الشمس في الأيام التي تظهر فيها عليهم وجهونا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هؤلاء القوم لهم حكم من يأتي عليهم زمن الدجال فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدث أصحابه عن الدجال وقال إنه يمكث في الأرض أربعين يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع وسائر أيامه كأيامكم فبدأ الصحابة رضي الله عنهم يسألون عن الأمر الديني المتعلق بهذا الاختلاف في جريان الشمس فقالوا يا رسول الله أرأيت اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد قال لا اقدروا له قدره وعلى هذا فيكون اليوم الذي كسنة فيه صلاة سنة كاملة ويقدر له قدره بحسب السنة التي يكون فيها الليل والنهار أربعا وعشرين ساعة وعلى هذا فنقول لهؤلاء القوم الذين أشار إليهم السائل اقدروا قدر الصلوات والشهور المعتادة ثم ابنوا عباداتكم على هذا التقدير ولكن على أي شيء يقدرون على خط مكة أو على خط الاستواء بحيث يقدرون الليل اثنتي عشرة ساعة والنهار اثنتي عشرة ساعة أو على خط أقرب البلاد إليهم مما يكون فيها ليل ونهار كل هذا قال به بعض العلماء فمن العلماء من قال يقدرون حسب خط الاستواء الذي يكون فيه الليل والنهار اثنتي عشرة ساعة لكل منهما في كل السنة ومنهم من يقول يعتبرون بخط مكة لأن مكة أم القرى وهي وسط الأرض ومنهم من يقول يقدرون بأقرب البلاد إليهم سواء طال ليلها أم قصر مادام يوجد فيها ليل ونهار خلال أربع وعشرين ساعة وهذا القول عندي أقرب لأنه أقرب لطبيعة الأرض فإن من حولهم أقرب إلى ميقاتهم ممن كان بعيدا منهم ثم إني أقف لأبين الفرق بين منهج الصحابة رضي الله عنهم في تلقي الشرع وبين منهج من بعدهم فإن الصحابة رضي الله عنهم لما حدثهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الدجال يبقى في الأرض أربعين يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع لم يفكر أحد منهم في أن يسأل كيف يكون جريان الشمس في هذا اليوم وهل الشمس تحبس أو يضعف سيرها أم ماذا مع أنه ربما ينقدح في أذهان كثير من الناس هذا السؤال قبل السؤال الذي سأله الصحابة ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يهتموا بهذا الأمر اهتموا بالأمر المهم الأهم وهو السؤال عن دينهم ولهذا ينبغي للإنسان في هذه الأمور وأشباهها أن يكون موقفه منها موقف المسلم المستسلم بدون إيراد ولا تشكيك.
ثانيا الصحابة رضي الله عنهم لما حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث لم يشكوا في ذلك طرفة عين وصار كأنه أمر واقع بين أيديهم الآن ولهذا سألوا عن الصلاة ولم يستبعدوا وقوع هذا بل جعلوه كأنه رأي عين فدل ذلك على قوة استسلام الصحابة رضي الله عنهم لأمر الشرع وأنهم رضي الله عنهم لا يتوقفون في تنفيذ أمر الله ورسوله ولا يهتمون بشيء كاهتمامهم بأمور دينهم واعتبر هذا أيضا بما جرى لنساء الصحابة رضي الله عنهم حيث وعظهم النبي صلى الله عليه وسلم ذات عيد وقال (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فماذا فعلن جعلن يتصدقن بحليهن الذي بأيديهن وأذانهن وصدورهن فجعلت الواحدة تخلع خاتمها أو خرصها أو قرطها ثم تلقيه في ثوب بلال رضي الله عنه فنسأل الله تعالى أن يرزقنا اتباع هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم والأخذ بمنهجهم القويم فإنه الصراط المستقيم.
والخلاصة أن الجواب على سؤال السائل أن نقول لهؤلاء القوم اقدروا قدر الأيام والليالي في أقرب بلاد إليكم يكون فيها ليل ونهار في خلال أربع وعشرين ساعة.
***(8/2)
ماهي الصلاة الوسطى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال يوم الخندق (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) الصلاة الوسطى هي صلاة العصر بلا ريب ومعنى الوسطى ليس معناها من توسط العدد بل المراد بها الفضلى كما قال الله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) يعني عدلاً خياراً بين الأمم فالمراد بالصلاة الوسطى الصلاة الفضلى.
***(8/2)
أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هل الأذان الأول للصلاة يعتبر دخولاً لوقتها علماً بأن النساء عند سماع الأذان الأول يصلىن الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المؤذن الأول للصلوات موثوقاً يغلب على الظن أنه لا يؤذن إلا على الوقت فإنه معتبر أذانه تحل به الصلاة وإذا كان أذان المغرب حل به الفطر أما إذا كان ليس ثقة بمعنى أن نعلم أن الرجل يؤذن على الساعة ولا يضبط الساعة فإنه لا يؤخذ بأذانه والمرجع كله للثقة ثم إنه لا ينبغي للمؤذنين أن يبادروا من حين أن يدخل الوقت يؤذنون بل ينبغي التأخير لا سيما في أذان الفجر فإن من رأى التقويم الذي بين أيدي الناس وراقب الفجر يتبين أن فيه تقديم خمس دقائق والحمد لله إذا أخر الإنسان خمس دقائق لم يضر حتى في الصيام لا يضر ما دام الفجر لم يتبين لأن الله تعالى قال (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) (البقرة: من الآية187) والفقهاء رحمهم الله قالوا لو وصى اثنين يطالعان الفجر فقال أحدهما طلع الفجر وقال الثاني لم يطلع الفجر أخذ بقول الثاني وحل له أن يأكل حتى يتفقا على طلوع الفجر هذا إذا كان كلٌ منهما ثقة في بصره ونظره ومعرفته.
***(8/2)
يقول السائل في إحدى المرات صلىت صلاة الظهر قبل موعدها بخمس دقائق لعدم علمي بالوقت فهل صلاتي مقبولة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة قبل وقتها لا تجزئ حتى ولو كانت قبل الوقت بدقيقة واحدة ولو كبر للإحرام قبل الوقت فإنه لا تصح الصلاة لأن الله تعالى يقول (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) يعني موقتاً محدداً فلا تصح الصلاة قبل وقتها وعلى هذا فيجب عليك إعادة الصلاة التي صلىتها قبل الوقت بخمس دقائق.
***(8/2)
تقول السائلة في أحد الأيام صلىت العصر قبل الأذان وأنا لا أدري لأني كنت قلقة جداً بسبب أني مريضة وفي التحيات الأخيرة سمعت الأذان فهل تصح صلاتي أم أعيدها وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأذان على أول وقت الصلاة فإن صلاتك لا تصح والواجب عليك إعادتها ويكون ما وقع منك نفلاً تزيد به حسناتك وإن كان المؤذن يتأخر بعض الوقت فلا يؤذن في أوله فإن صلاتك صحيحة حيث تعلمين أو يغلب على ظنك أنك صلىت بعد دخول الوقت على أنك إذا كنت مريضة فإنه يجوز لك أن تجمعي بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء إذا كان يلحقك مشقة في إفراد كل صلاة في وقتها.
***(8/2)
إذا صلى الإنسان قبل وقت الصلاة بعشر دقائق أو أقل مثلاً مع العلم أنه لم يكن يعلم أنه تقدم الوقت فهل تبطل صلاته وهل عليه الإعادة بعد علمه بمخالفته للوقت أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاته التي صلاها قبل الوقت لا تجزئه عن الفريضة لأن الله تعالى يقول (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوقات في قوله (وقت الظهر إذا زالت الشمس) إلى آخر الحديث وعلى هذا فمن صلى الصلاة قبل وقتها فإن صلاته لا تجزئه عن الفريضة لكنها تقع نفلاً بمعنى أنه يثاب عليها ثواب نفل وعليه أن يعيد الصلاة بعد دخول الوقت.
فضيلة الشيخ: إذا استمر جهله بأنه صلى في غير الوقت هل تجزئه الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان حين أداها قبل الوقت شاكاً في دخول الوقت فإنها لا تجزئه ولو لم يتبين له أما إذا كان قد غلب على ظنه دخول الوقت فإنها تجزئه ولكن ينبغي للإنسان أن يحتاط ولا يتعجل حتى يتبين له الأمر.
***(8/2)
يقول السائل إذا صلت المرأة في بيتها قبل أذان المؤذن بدقائق أو وافقت المؤذن في منتصف الصلاة هل تعيد صلاتها أم لا أفتونا في ذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العبرة في الصلاة بدخول الوقت لا بأذان المؤذن وذلك لأن بعض المؤذنين قد يتقدم قليلاً بعض الوقت لظنه أن الوقت قد دخل إما بالنظر إلى الساعة أو لغير ذلك من العلامات وهو لم يدخل وبعض المؤذنين قد يتأخر بعد الوقت بدقيقتين أو ثلاث أو خمس أو عشر كما هو مسموعٌ الآن فالعبرة بدخول الوقت وإذا صلت المرأة أو الرجل قبل دخول الوقت ولو بدقيقة واحدة فصلاته غير مقبولة أي لا يسقط بها الفرض حتى لو أنه كبر للإحرام ثم دخل الوقت بعد تكبيرة الإحرام مباشرة فإن الصلاة لا تنعقد فرضاً ولا تبرأ بها الذمة مثال ذلك رجل يشاهد الشمس عند الغروب وقد غرب أكثر قرصها فقام يصلى المغرب فلما كبر تكبيرة الإحرام غاب بقية القرص فنقول لهذا الرجل إن صلاتك لا تقبل لا فريضة ولا نافلة أما كونها لا تقبل فريضة فلأنه كبر للإحرام قبل دخول الوقت وأما كونها لا تقبل نافلة فلأنه كبر لنافلةٍ في وقت النهي فلا تقبل لأن أوقات النهي لا يصح فيها النفل المطلق الذي لا سبب له هذا إذا كان عن جهل أما إذا كان متعمداً يعني يعلم أنه لا تصح صلاة المغرب إلا إذا غاب قرص الشمس كله ثم كبر تكبيرة الإحرام لصلاة المغرب قبل أن يغيب القرص كله فإن هذا يكون آثماً لأن في هذا استهزاء بالله عز وجل أي بشريعة الله وخلاصة الجواب أن نقول لهذه المرأة انتظري لا تصلى قبل أن يؤذن ولا تعتدّي بأذان يكون قبل الوقت وإذا شككتي في كون هذا الأذان قبل الوقت أو في الوقت فانتظري حتى تتيقني أو يغلب على ظنك أن الوقت قد دخل.
***(8/2)
هذه رسالة وصلت من الأردن من الأخوات المستمعات أم أمامة وأم البراء المستمعات يسألن ويقلن في رسالتهنّ توجد في مدينتا ثلاثة مساجد والحمد لله وعند رفع الأذان لا يكون هناك التزام في الوقت الواحد فكثيراً ما نصلى مباشرة بعد رفع الأذان من المسجد القريب منا وبعد أن ننتهي بفترة نسمع النداء من مسجد آخر فهل علينا إعادة الصلاة وما حكم الصلاة في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ننصح إخواننا المؤذنين في أي بلد من بلاد الإسلام أن يعتنوا بضبط الوقت لأنهم مسئوولون أمام الله عز وجل عن هذه الأمانة التي جعلهم الله من رعاتها فلا يؤذن قبل الوقت ولا يتأخر عن الوقت أي عن دخوله لأن أذانه قبل الوقت قد يقتدي به من يقتدي من الناس فيصلى وتقع صلاته قبل الوقت والصلاة قبل الوقت باطلة غير مقبولة لا تصح إلا نفلاًَ ولا تبرأ بها الذمة عن الفرض والمصلى صلاها على أنها فرض ولكنها لا تقبل منه على أنها فرض لأنها في غير وقتهِ بل تكون نفلاً وإن تأخر المؤذن عن الأذان في أول الوقت حبس الناس عن الصلاة في أول الوقت لأن كثيراً من الناس ينتظرون أذان المؤذن وربما يكون هذا الأذان أذان الفجر في أيام الصوم فيبقى الناس يأكلون وقد طلع الفجر والمهم أن المؤذن عليه مسؤولية كبيرة عظيمة فعليه أن يتقي الله تعالى في أداء مسؤوليته ويؤذن فور دخول الوقت حتى لا يَغُرّ الناس إن أذن قبله ولا يؤخر الناس إن أذن متأخراً عن دخول الوقت وإذا كان في البلد مؤذنان فأكثر وصار أحدهما يتأخر والثاني يتقدم فالمتبع منهما من عرف بالمحافظة وقوة أداء الأمانة فإن لم يعلم أيهما أشد محافظة وأقوى في أداء الأمانة فإن المعتبر المتأخر منهما ذلك لأن الرجلين إذا اختلفا في شيء فقال أحدهما حصل وقال الثاني لم يحصل فإن المقدم قول النافي لأن الأصل عدم ذلك وقد نص أهل العلم على أنه إذا وكل الرجل رجلين يرقبان الفجر له فقال الأول طلع الفجر وقال الثاني لم يطلع فإنه يقدم قول من يقول إن الفجر لم يطلع لأن الأصل معه.
***(8/2)
المستمعة الأخت ن. ع. ن. من المزاحمية لها سؤال تقول فيه عندما أستمع للأذان وينتهي المؤذن أقوم لأداء الصلاة وبعد ذلك أسمع مؤذناً آخر وبعد ذلك أسمع الإقامة والصلاة في مسجدٍ مجاور وأنا قد سمعت بأنه لا يجوز للنساء أن يصلىن قبل صلاة الرجال فهل صلاتي هذه جائزة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما سمعت هذه المرأة من أنه لا يصح للنساء صلاة حتى يصلى الرجال فإن هذا الذي سمعته ليس بصحيح أي أنه يجوز للنساء أن يصلىن وإن لم يصلِ الرجال ولا حرج عليهن في ذلك ولكن مبادرة المرأة بالصلاة من حين أن تسمع المؤذن هو الذي ينبغي للإنسان أن يحتاط فيه وأن لا يبادر لأن بعض المؤذنين قد يؤذن قبل الوقت إما جهلاً منه وإما أن ساعته غرته أو لغير ذلك من الأسباب فالذي ينبغي للإنسان أن يتأنى قليلاً بعد الأذان حتى يتيقن أو يغلب على ظنه أنه على صوابٍ فيما لو صلى لأنه كما قالت السائلة نرى بعض المؤذنين يؤذن قبل الوقت وبهذه المناسبة أود أن أنصح إخواني المؤذنين عن هذا العمل الذي يكون فيه إضاعةٌ للأمانة وتغريرٌ بالمسلمين وأحذرهم من أن يتسرعوا في الأذان فإن المؤذن لو أذن قبل دخول الوقت بدقيقة واحدة لم يصح أذانه بل لو كبر تكبيرةً واحدة قبل أذان الوقت لم يصح أذانه لأن من شروط صحة الأذان أن يكون في الوقت فجعله النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضرت الصلاة أي إذا دخل وقتها أما إذا أذن بعد دخول الوقت ولو بدقيقتين أو ثلاث أو خمس فإنه يصح أذانه لهذا نقول للإخوة المؤذنين احتاطوا لأنفسكم ولإخوانكم المسلمين ولا تتعجلوا في الأذان قبل الوقت.
***(8/2)
يقول هذا المستمع ع. ع. ط. المملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ قمت لكي أصلى صلاة الفجر والمؤذن لم يؤذن بعد وحينما انتهيت وصلىت الصلاة سمعت الأذان فهل عليّ أن أعيد الصلاة أم ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن الصلاة التي وقعت قبل وقتها لا تجزئ عن صلاة الفريضة ولكنك لم تحرم من الأجر فلك أجرها على أنها نافلة ولكن يجب عليك أن تعيد الفريضة فإن كنت أعدتها فهذا هو المطلوب وإن لم تعدها يجب عليك أن تعيدها وهنا سؤال حول هذا السؤال وهو أن الذي فهمت أن الأخ لم يكن يحدث نفسه أن يصلى في المسجد فلا أدري أهو مريض أو معذور بعذر آخر عن ترك الجماعة أو أن هذه عادته فإن كانت الأخيرة فإني أنصحه أن يتوب إلى الله وأن يحافظ على الصلاة مع الجماعة لأن ثقل الصلوات مع الجماعة إنما يكون من المنافقين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) ثم إنه مع تعرضه للتشبه بالمنافقين في ترك صلاة الجماعة يفوته خير كثير فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) وليس من العقل ولا من الحكمة أن يفوت الإنسان هذا الربح العظيم تكاسلاً وتهاوناً نحن نعلم أن الناس الآن يشدون الرحال ويقطعون الفيافي والقفار من أجل أن يحصلوا على ربح عشرة في المائة من الدنيا وهذا الربح العظيم الذي يكون فيه الواحد بسبع وعشرين ويكون الربح أعظم مما يتخيل الإنسان وهو أبقى يترك من أجل الكسل والتهاون فأنصح أخي السائل وإخواني المستمعين أن يحافظوا على صلاة الجماعة فإن ذلك خير لهم لو كانوا يعلمون.
***(8/2)
أحسن الله إليكم يقول هذا السائل هل يكون بعد اصفرار الشمس وبعد نصف الليل وقت لأداء العصر والعشاء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما العصر فنعم ما بين الاصفرار إلى الغروب من وقتها ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من أدرك ركعة أو قال سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) وأما العشاء فلا فإن العشاء ينتهي وقتها بنصف الليل جاء ذلك صريحاً في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره وعليه فما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً للعشاء لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه وقت للعشاء وقد حدده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنصف الليل والمحدد لا يدخل فيه ما بعد الحد وبناءً على ذلك لو أن المرأة طهرت من الحيض بعد منتصف الليل لم يلزمها صلاة العشاء ولا صلاة المغرب لأن الوقت قد خرج والمشهور عند كثير من العلماء أن وقت صلاة العشاء ينتهي بطلوع الفجر لكن ما بين نصف الليل وطلوع الفجر وقت ضرورة كما بين اصفرار الشمس وغروبها وقت ضرورة بالنسبة للعصر لكن القول الذي اخترناه هو الذي تدل عليه الأدلة ولا يمكن لأي إنسان أن يأتي بدليل يدل على أن ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر وقت للعشاء غاية ما هنالك أن من أخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى فهو مفرط وهذا ليس على عمومه بالإجماع في صلاة الفجر وصلاة الظهر فإن الضحى وقت فاصل بين صلاة الفجر وصلاة الظهر فكذلك نصف الليل الأخير فاصل بين العشاء وبين الفجر فعلى هذا يكون هناك فاصل بين الوقتين في النهار ما بين طلوع الشمس إلى زوالها وفي الليل ما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر.
***(8/2)
أحمد محمد عبد الرحمن يقول أنا شاب أصلى وأصوم ومطيع لله سبحانه وتعالى ولكن أنا أعمل بإحدى الشركات ولذلك يتعين علي أن أخرج من المنزل قبل صلاة الفجر بنصف ساعة وأصل إلى العمل بالسيارة بعد طلوع الشمس لكنني محتار في صلاة الفجر تارة أصلىها قبل أن أخرج ومرة أصلىها بعد وصولي إلى العمل ولا أعلم أيهما أصح أرشدونا وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كلاهما غير صحيح صلاتك الفجر قبل أن تخرج وأنت تخرج قبل الفجر بنصف ساعة غير صحيح لأنك صليتها قبل وقتها وصلاتك إياها بعد وصولك إلى مقر عملك بعد طلوع الشمس غير صحيح أيضاً لأنك أخرتها عن وقتها ولهذا يجب عليك وجوباً أن تقف إذا طلع الفجر وتبيّن وتصلى صلاة الفجر ثم تواصل سيرك ولا يجوز لك سوى هذا.
***(8/2)
هذا المستمع أأ من القصيم يقول فضيلة الشيخ تقام صلاة الفجر بعد الأذان بخمس وعشرين دقيقة ولكن ذكر أحد الإخوان أن الفجر لا يطلع إلا بعد التقويم بفترة ليست بالقصيرة فهل ترى يا فضيلة الشيخ تأخير الصلاة إلى خمس وأربعين دقيقة مثلا من الأذان حتى نتأكد من طلوع الفجر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي أن يوجه هذا السؤال إلى واضعي التقويم ومحددي دخول الأوقات فإذا كانوا قد علموا أو غلب على ظنهم دخول الوقت في الزمن الذي حددوه فإنه يعمل بهذا التقويم وإذا قالوا إننا وضعناها لا عن يقين ولا عن غلبة ظن وهذا بعيد فإن الإنسان يعمل بما يغلب على ظنه أو ما يتيقنه من دخول الوقت فالمهم أن مثل هذا يتوقف على صحة ما حدد في هذا التقويم فإذا كان صحيحا عمل به ولم ينظر إلى الأقوال التي تشاع في هذا الأمر أو ما أشبه ذلك وإذا قالوا إننا لم نحط علما بما وضعناه ولا غلب على ظننا وإنما هو حسابات قد تخطئ وقد تصيب ولا أظنهم يفعلون ذلك إن شاء الله تعالى فإن الإنسان يعمل على ما يغلب عليه ظنه وكل إنسان حسيب نفسه.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا يقول إذا طهرت المرأة بعد صلاة الظهر هل تصلى الصبح والظهر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تصلى إلا الظهر فقط لأنها لم تطهر إلا بعد زوال الشمس وكذلك لو طهرت بعد العصر فلا تصلى إلا العصر لأنها وقت الظهر كانت حائضا لا تجب عليها صلاة الظهر.
***(8/2)
ماحكم تأخير صلاة العشاء حتى منتصف الليل بالنسبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تأخير صلاة العشاء حتى منتصف الليل بالنسبة للرجل والمرأة أفضل بلا شك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء وخرج ذات ليلة إلى أصحابه وقد مضى عامة الليل فقال (إنه لوقتها لولا أن اشق على أمتي) لكن الرجل إذا كان يلزم من تأخيره إياها أن يدع الجماعة فإن تأخيره إياها حرامٌ عليه في هذه الحال لوجوب صلاة الجماعة عليه ويجب إذا أخرت أن لا تتجاوز نصف الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل فقط فلا يجوز أن تؤخر إلى ما بعد نصف الليل لأن ما بعد نصف الليل ليس وقتاً لها ولهذا كان القول الراجح أن ما بعد منتصف الليل ليس وقتاً للعشاء فلو أن المرأة طهرت من الحيض بعد منتصف الليل فإنه لا يلزمها قضاء صلاة العشاء لأنها طهرت بعد خروج الوقت ولهذا نقول إن صلاة الفجر منفصلة عما قبلها وعما بعدها فهي منفصلة عن صلاة العشاء لأن بينهما نصف الليل الأخير ومنفصلة عن صلاة الظهر لأن بينهما نصف النهار الأول ولهذا قال الله تعالى (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) ثم فصل وقال (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) ولم يقل أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى طلوع الشمس بل قال إلى غسق الليل وغسق الليل منتصفه لأنه هو الذي به يكون أشد الظلمة وهذا هو الذي دل عليه القرآن ودلت عليه السنة أيضاً أعني أن انتهاء وقت العشاء بنصف الليل هو ظاهر القرآن وصريح السنة.
***(8/2)
مستمعة رمزت لاسمها بإيمان م ع تقول في سؤالها بأنها فتاة تدرس وعند دخولها إلى فصل الدراسة يكون أذان الظهر قد حان ونخرج من الفصل بعد ساعتين وفي وقت الدرس لا أفهم ماذا يقول المدرس لأنني لا أفكر إلا في الصلاة وألوم نفسي على ذلك سؤالي هل أكون آثمة لهذا التأخير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فقبل الإجابة على السؤال أحب أن أنبه على اسم السائلة حيث قالت لنفسها إيمان واسم إيمان يحمل نوعاً من التزكية فلهذا لا تنبغي التسمية به لأن النبي صلى الله عليه وسلم غيّر اسم برّه لأنه دالٌ على التزكية والمخاطب في ذلك هم الأولياء الذين يسمون أولادهم بمثل هذه الأسامي التي تحمل التزكية لمن تسمى بها أما ما كان علماً مجرداً فهذا لا بأس به ولهذا نسمي بصالح وعلي وما أشبههما من الأعلام المجردة التي لا تحمل معنى للتزكية
ثم نعود إلى جواب سؤالها تقول أنها تدخل الفصل حين أذان الظهر وأن الحصة أو الدراسة تبقى لمدة ساعتين وأنها تبقى مشغولة في حال الدراسة بالتفكير في صلاتها فنشكرها على هذه اليقظة وعلى حياة قلبها ونسأل الله سبحانه وتعالى لها الثبات ونقول إن الساعتين لا يخرج بهما وقت الظهر فإن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر وهذا زمن يزيد على الساعتين فبإمكانها أن تصلى صلاة الظهر إذا انتهت الحصة لأنه سيبقى معها زمن هذا إذا لم يتيسر أن تصلى أثناء وقت الحصة فإن تيسر فهو أحوط وإذا قدر أن الحصة لاتخرج إلا بدخول وقت العصر وكان يلحقها ضرر أو مشقة في الخروج عن الدرس ففي هذه الحال يجوز لها أن تجمع بين الظهر والعصر تأخر الظهر إلى العصر لحديث بن عباس رضي الله عنهما قال (جمع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولامطر فقيل له في ذلك فقال رضي الله عنه أراد يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحرج أمته) فدل هذا الكلام من ابن عباس رضي الله عنهما على أن ما فيه حرج ومشقة على الإنسان يحل له أن يجمع فيه الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض في وقت إحداهما وهذا داخل في تيسير الله عز وجل لهذه الأمة دينها وأساس هذا قوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) وقوله تعالى (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) وقوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على يسر هذه الشريعة ولكن هذه القاعدة العظيمة ليست تبعاً لهوى الإنسان ومزاجه ولكنها تبع لما جاء به الشرع فليس كل ما يعتقده الإنسان سهلاً ويسراً يكون من الشريعة لأن المتهاونين الذين لا يهتمون بدينهم كثيراً ربما يستصعبون ما هو سهل فيدعونه إلى ما تهواه نفوسهم بناء على هذه القاعدة ولكن هذا فهم خاطئ فالدين يسر في جميع تشريعاته وليس يسر باعتبار أهواء الناس (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ) .
***(8/2)
يقول السائل بعض المرات يصادف صلاة العصر وأنا في المدرسة ولا يسمح لي الوقت أن أصلىها في وقتها لأن الجامع بعيد عن المدرسة فهل أصلىها مع المغرب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن تصلىها مع المغرب بل الواجب عليك أن تصلىها في وقتها لما أشرنا إليه سابقاً من قوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (وقت العصر ما لم تصفر الشمس) وقال (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) لأن ذلك يدل على أن تأخيرها إلى ما بعد الغروب لا يجوز ولا تصح.
***(8/2)
فخري عبد الله عبد السلام مصري ومقيم بالعراق الأنبار يقول في سؤاله الأول نحن جماعة نعمل في البحر ووقت عملنا ينتهي قبل ظهور الشمس بساعة هل من الأفضل أن نترك العمل ونصلى الفجر أم نكمل العمل ونصلى بعده ما دام وقت ظهور الشمس لم يأت أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أنه ما دمتم تنتهون من العمل قبل طلوع الشمس بساعة فإنه يمكنكم أن تؤدوا الصلاة في وقتها ولا حرج عليكم إذا أخرتم الصلاة حتى ينتهي العمل بشرط أن تنتهوا من الصلاة قبل أن تطلع الشمس وذلك لأن تقديم الصلاة في أول وقتها على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب وترككم العمل للصلاة ربما يربك العمل وربما يكون هناك شيء تتضررون به فإن لم يربك العمل ولم تتضرروا به فالأفضل لكم أن تقدموا الصلاة في أول وقتها لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم الفجر في أول وقتها.
***(8/2)
تقول المستمعة نحن في السودان يأتينا هذا البرنامج في وقت صلاة المغرب وينتهي بعد مضي عشر دقائق من الأذان فأنا أؤخر صلاة المغرب إلى أن ينتهي هذا البرنامج فهل علي إثم في هذا التأخير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها إثم في هذا التأخير ما دامت تصلى الصلاة قبل خروج وقتها ومن المعلوم أن وقت المغرب يمتد إلى دخول وقت العشاء أي إلى ما بعد ساعة وربع أونحوها من غروب الشمس وأحياناً إلى ساعة وثلاثين دقيقة وقد يقصر حتى يكون ساعة وربع ساعة المهم أن تأخير صلاة المغرب من أول وقتها من أجل استماع هذا البرنامج لا بأس به لأن استماع هذا البرنامج وغيره من البرامج الدينية استماع إلى حلقة علم ولا يخفى على أحد فضل طلب العلم والتماسه حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام (من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) وطلب العلم من أفضل العبادات والقربات حتى قال الإمام أحمد (العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته قالوا كيف تصح النية يا أبا عبد الله قال ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره) وطلب العلم نوع من الجهاد في سبيل الله لأن دين الله عز وجل قام بأمرين بالعلم والقتال لمن ناوأه وقام ضده وإذا علم الله عز وجل من نية هذه المرأة أنه لولا طلبها الاستماع لهذا البرنامج لصلت في أول الوقت فإنها قد تثاب ثواب من صلى في أول الوقت لأنها إنما أخرت الصلاة لمصلحة شرعية قد تكون أفضل من تقديم الصلاة في أول وقتها.
***(8/2)
هذا سائل اسمه صالح من العراق محافظة واسط يقول هل يجوز قضاء صلاة المغرب في وقت الصبح أوالعصر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فإذا نام عن الصلاة واستيقظ صلاها في أي وقت يستيقظ ومن نسيها صلاها في أي وقت ذكر ذلك لكن لا يحل له أن يؤخرها أي الصلاة عن وقتها بدون عذر فإن فعل وأخرها عن وقتها بدون عذر وصلاها فإنها لا تقبل منه ولو صَلَّى ألف مرة وكذلك في النوم يجب على الإنسان أن يحتاط عند نومه وأن يعمل ما يكون به اسيتقاظه من ساعة منبه أو الإيصاء من أحد من أهل البيت أو من خارج البيت يوقظه للصلاة ولا يجوز أن يتهاون كما يفعل بعض الناس ينام وهو يعرف أنه لن يقوم إلا بعد طلوع الشمس ولكنه لا يهتم بهذا فإن ذلك منكر ولا يجوز والإنسان لو كان له عمل دنيوي يحين عند طلوع الفجر لرأيته يراقب النجوم متى يطلع الفجر حتى يذهب إلى شغله.
***(8/2)
محمد عبد الله يسأل عن قضاء صلاة الصبح هل تقضى في أي وقت من الفروض أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يبدو لي أن تخصيصه صلاة الصبح يعني أنه نام عن صلاة الصبح ونقول له هذا لا يجوز لك أن تتخذ ذلك عادة بحيث تنام عن صلاة الصبح فإذا قمت من النوم صلىتها فإن الأصح من أقوال أهل العلم أن تأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر يقتضي بطلان الصلاة وإن صلىت وأنها غير مقبولة لأن كل عبادة مؤقتة بوقت لا تصح قبله ولا بعده إلا لعذر شرعي وعلى هذا فنقول إذا كنت أخرت صلاة الصبح حتى طلعت الشمس تكاسلاً وتهاوناً فإن صلاتك غير مقبولة منك وإن كنت تركتها لأنك لم تستطع أن تقوم من نومك إما لعدم من يوقظك وإما لأنك استغرقت استغراقاً كبيراً ما تمكنت من القيام فإنه لا حرج عليك أن تصلىها بعد الوقت.
***(8/2)
إذا استيقظ الإنسان قبل شروق الشمس بخمس دقائق مثلا فهل يبدأ بصلاة الفجر أم بسنة الفجر ثم الفرض وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يبدأ بالسنة ثم الفرض وذلك أن الإنسان إذا استيقظ فإن استيقاظه بمنزلة دخول الوقت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) يعني أو استيقظ فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقت الصلاة هو وقت الاستيقاظ أو وقت الذكر بعد النسيان فيصلى أولاً الراتبة ثم يصلى الفريضة كما كان يفعل ذلك كل يوم أي أنه يقدم النافلة على الفريضة.
***(8/2)
كثيراً من المرات ما تفوتني صلاة الفجر ماذا أعمل هل أصلىها صلاة فائتة أو غير ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فاتتك صلاة الفجر فإنك تقضيها كما كانت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) فتصلىها كما كنت تصلىها في وقتها ولكن يجب عليك أن تحرص غاية الحرص أن تصلىها في وقتها وأن تجعل عندك منبهاً ينبهك إذا حان وقت الصلاة حتى لا تكون متهاوناً مفرطاً.
***(8/2)
المستمعة خديجة تقول بأنها متزوجة وتبلغ من العمر تسعة عشر عاماً ولديها أطفال وحامل تقول أنا ملتزمة في صلاتي ولكن صلاة الصبح أحياناً لا أستطيع أن أصحو بسبب سهري على أطفالي فأصلى الفجر متأخرة هل عليّ إثمٌ في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على هذه المرأة وغيرها ممن تنام متأخرة أن تجعل عندها منبهاً كالساعة مثلاً أو تجعل عندها الهاتف وتقول لأحد أقاربها أوصاحباتها أيقظوني إذا أذن وأما التهاون بهذا ثم التكاسل فهذا لا يجوز بل الواجب عليها أن تأخذ الحيطة بقدر المستطاع وإذا عجزت فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ليس في النوم تفريط) وقال (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان في بعض أسفاره نام في آخر الليل وأمر بلالاً أن يكلأ الفجر يعني يحافظ عليه ولكن بلالاً غلبه النوم ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس فأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يؤذن للصلاة ثم صلى ركعتي الراتبة ثم صلى الفجر كما كان يصلىها في العادة أي صلاها جهراً لأنه يصلىها في العادة جهراً.
***(8/2)
يقول في الصباح كنت نائماً واستيقظت من نومي حوالي الساعة العاشرة صباحاً ولم يوقظني أحد حتى أصلى الصبح هل يجوز في هذا الوقت صلاة الصبح وما المفروض أن أفعله لأكفر عن نفسي حيث إن وقت الصلاة قد فاتني؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن تصلى الفجر إذا قمت ولو الساعة العاشرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ولا كفارة عليك سوى هذا هذه هي كفارتها ولكن يجب على الإنسان الذي ليس عنده من يوقظه أن يحتاط عند نومه بحيث يضع عنده ساعة منبهة له يكون توقيتها عند دخول الوقت حتى يستيقظ ويؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في وقتها.
***(8/2)
ما حكم من يؤخر صلاة الفجر بعد طلوع الشمس وذلك إذا كان جنبا ولم يجد مكاناً يغتسل فيه في بيته في فصل الشتاء وهل التيمم يجزئ عن الغسل في هذه الحالة وهل الصلاة جائزة بعد طلوع الشمس إذا لم يتمكن من الغسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحل للإنسان الجنب أن يؤخر الصلاة عن وقتها لعدم وجود الماء أو للتضرر من استعماله بل نقول إن وجدت الماء فاغتسلت به بدون ضرر فافعل وإلا فتيمم وصلّ الصلاة لوقتها وإذا دفىء الجو أو وجدت الماء فاغتسل وأما تأخير الصلاة لأجل الغسل فهذا حرام ولا يجوز.
***(8/2)
ما حكم تأخير صلاة الفجر حتى تطلع الشمس دائماً وفي بعض الأوقات عمداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذلك محرم حتى إن بعض أهل العلم يقول من ترك صلاةً مفروضة عمداً حتى خرج وقتها فهو كافر والعياذ بالله وإذا أخرها عمداً حتى خرج وقتها لم تقبل منه ولو صلى ألف مرة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردودٌ عليه فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في نفسه وأن لا يضيع الصلاة فيدخل في قوله تعالى (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) .
***(8/2)
يقول السائل إذا استيقظ الإنسان بالضبط وقت شروق الشمس فكيف يكون أداء الصلاة هل هو في وقتها أم بعد ارتفاع الشمس بقدر رمح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على الإنسان إذا استيقظ من نومه أن يصلى حين استيقاظه سواء عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو في أي وقت لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) يعني ليصلِّها إذا ذكرها حال النسيان أو إذا استيقظ حال النوم ولا يجوز له التأخير فعليه أن يتوضأ إذا استيقظ حين شروق الشمس ثم يصلى سنة الفجر وهذه أعني سنة الفجر مستحبة ليست واجبة ثم يصلى الفريضة وحينئذ أقف قليلا لأوجه نصيحة إلى هذا السائل وغيره ممن يتساهلون بتأخير صلاة الفجر من أجل النوم وأقول إنه يجب على الإنسان إذا كان لا يستيقظ إلا بموقظ أن يتخذ موقظا إما شخصا يعتمد عليه ويكون ثقة وحريصا على إيقاظه وإما آلة منبهة وهذه والحمد لله أعني الآلة المنبهة كثيرة يستطيع كل إنسان أن يدركها وأما أن يعطي نفسه مهلة متى استيقظ قام وصلى فهذا خطأ عظيم وعلى خطر أن لا تقبل صلاته لأن كل إنسان يتعمد تأخير الصلاة عن وقتها فإنه لا صلاة له إذا صلى ولو صلى مئة مرة لأن تأخير الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي يعني أنه عمل عملا ليس عليه أمر الله ورسوله وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود عليه.
***(8/2)
يقول السائل قد فاتني كثير من صلاة الصبح ولا أدري كم الذي فاتني هل يلزم ذلك كفارة وما هي الكفارة أفيدونا جزيتم خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كفارة الصلاة إذا تركها الإنسان لعذر أن يصلىها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) وإذا كنت لا تدري كم فاتك فأنك تتحرى وتعمل بما يغلب على ظنك من عدد الصلوات التي فاتتك فإذا شككت هل هي ثلاثة أيام أو أربعة وغلب على ظنك أنها أربعة فاجعلها أربعة وإن غلب على ظنك أنها ثلاثة فاجعلها ثلاثة.
***(8/2)
يقول هذا السائل ك ع أثناء الصلاة يحدث عندي نوع من الكسل من كثرة همومي وتعبي في العمل أثناء النهار بحيث لا أستطيع الصلاة في الوقت المحدد علما بأنني أخشع كثيرا عند سماعي لأي خطبة في يوم الجمعة لدرجة البكاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد أن تصلى في الوقت ولا يحل للإنسان أن يؤخر الصلاة عن وقتها بأي حال من الأحوال وعليه أن يصلى على حسب استطاعته قال النبي صلى الله علية وسلم لعمران بن حصين (صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب) لكن إذا كان الإنسان مريضا يشق عليه أن يصلى كل صلاة في وقتها فله أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما أو بين المغرب والعشاء في وقت إحداهما وأما تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر شرعي فإن ذلك حرام ولا يحل له بل إنها لا تقبل منه إذا أخرها عن وقتها لغير عذر شرعي لأنه إذا أخرها عن وقتها لغير عذر شرعي فقد أتى بها على وجه ليس عليه أمر الله ورسوله وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقد بلغني أن بعض العمال هدانا الله وإياهم يؤخرون الصلوات الخمس إلى أن يأتوا إلى فراش النوم فلا يصلون الفجر ولا الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء الا اذا جاؤوا ينامون وهذا حرام عليهم والصلاة التي لم يصلوها في وقتها لا تقبل منهم بل مردودة عليهم فعليهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن إقامة الصلاة من أسباب الرزق قال الله تبارك وتعالى (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) .
***(8/2)
إذا بدأ الطبيب بإجراء عملية جراحية وعلم أنها تستغرق وقتاً طويلا ًيخرج فيه وقت الصلاة فهل يجوز له أن يؤخر الصلاة عن الوقت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أراد أن يجري عملية يطول وقتها فإنه إن كان الوقت داخلاً وجب عليه أن يصلى تلك الصلاة ويحسن أن يصلى ما يجمع إليها بعدها مثال ذلك لو كانت العملية ستجرى له بعد الظهر فإنه يصلى الظهر والعصر فإذا أفاق صلى المغرب والعشاء وأما إذا أجريت له العملية في غير وقت الصلاة مثال إجراء العملية في الضحى وتستغرق يوم وليلة مثلاً فإنه إذا أفاق يلزمه أن يعيد ما فاته من الصلوات.
***(8/2)
أنا طالب في المدرسة في سن العشرين أدرس في خارج بلدي التي نشأت فيها والدراسة تنتهي بعد صلاة الظهر بنصف ساعة وأنا لا أشتغل أولاً هل يجوز لي أن أتأخر عن الصلاة أو عن صلاة الجماعة وأنا في المدرسة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الجماعة واجبة على الإنسان إلا إذا تضرر في معيشةٍ يحتاجها أو نحو ذلك فإذا كان يلحقه ضرر في مفارقة الفصل لصلاة الجماعة فلا حرج عليه أن يبقى في الفصل وإذا كان لا يلحقه ضرر وجب عليه أن يصلى مع الجماعة ثم إذا كان يمكن أن يصلى هو وزملاؤه بعد انتهاء الدرس جماعةً فهذا أسهل وأهون لأن كثيراً من أهل العلم يقولون إن الجماعة لا يجب فعلها في المساجد مع أن القول الراجح أن الجماعة يجب أن تصلى في المساجد المعدة لها كما هي عادة السلف الصالح من الصحابة والتابعين.
***(8/2)
السائل عبد القادر أحمد من اليمن يقول في هذا السؤال في قريتنا حضرت جنازة في وقت العصر فصلوا صلاة الجنازة ولم يصلوا العصر إلا قبل المغرب فهل يجوز لهم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا شيء عجيب أن يبدؤوا صلاة الجنازة قبل الفريضة لكن لعل هذا وقع لسبب من الأسباب لا ندري ما هو ولكننا نجيب على حسب السؤال نقول إذا جاءت الجنازة إلى المسجد فإنه يبدأ بصلاة الفريضة قبل ثم يصلى على الجنازة ولا يبدأ بالجنازة لأنه إذا صلى على الجنازة قبل صلاة الفريضة فإن الذين يشيعونها سيبقون مترددين أيبقون يصلون مع الناس أم يذهبون بالجنازة لدفنها أما إذا صلىت الفريضة ثم صلى على الجنازة فيصير الناس أحرارا.
***(8/2)
المرسلة نوال المحمد من الرياض تقول هل أداء صلاة الظهر في الساعة الواحدة والنصف يعتبر متأخرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا نستطيع أن نجيب على هذا السؤال لأن الساعة الواحدة والنصف قد تكون في بلد بعد دخول وقت العصر وقد تكون في بلدٍ قبل دخوله ولكن الجواب أن نقول إن وقت الظهر متصلٌ بوقت العصر فليس بينهما وقت فوقت الظهر يمتد من الزوال إلى دخول وقت العصر ليس بينهما شيء هذا هو الذي نستطيع أن نجيب به عن هذا السؤال.
***(8/2)
أنا شابٌ أعيش في إحدى قرى اليمن وتقام كل صلاةٍ في وقتها ما عدا صلاة العصر فإنهم يصلونها في تمام العاشرة بالتوقيت غروبي أي بعد أذان المدن بساعة فهل هذا جائزٌ أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب أن تصلى جميع الصلوات في أوقاتها وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة العصر إلى اصفرار الشمس فلا يجوز تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس إلا لعذر فإذا كان هناك عذرٌ فإنه يدرك وقتها بإدراك ركعةٍ قبل غروب الشمس وعلى هذا يلاحظ هؤلاء القوم الشمس إذا صلوها قبل أن تصفر أي إذا صلوا العصر قبل أن تصفر الشمس فلا حرج عليهم في ذلك لأنهم صلوها في وقتها وإن أخروها حتى تصفر الشمس فهذا حرامٌ عليهم.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا ما هو آخر وقت لصلاة العشاء هل هو نصف الليل أم ثلث الليل وإذا صلت المرأة بعد نصف الليل بقليل ساعة أو ساعتين هل عليها إثم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل والوقت الأفضل فيها ما بين الثلث والنصف فيجوز تقديمها على الثلث من حين أن يغيب الشفق الأحمر ولا يجوز تأخيرها عن النصف والأفضل ما بين الثلث والنصف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي) فإذا كانت المرأة في البيت وتضمن لنفسها أن تبقى إلى نصف الليل فالأفضل أن تؤخر الصلاة إلى ثلث الليل وإن كانت لا تضمن أن تبقى مستيقظة إلى نصف الليل فلتصلّ في أول الوقت وأما ما بعد نصف الليل فليس وقتا لصلاة العشاء ليس وقتا ضروريا ولا وقتا اختياريا لأن جميع النصوص كلها حددت وقت العشاء بنصف الليل ولم يرد فيما أعلم إلى ساعتي هذه أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر وهذا الذي قررته هو صريح الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر القرآن الكريم لقوله تعالى (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي إلى نصفه لأنه هو غاية الغسق إذ ما قبل النصف الشمس قريبة من الأفق الغربي وما بعد النصف الشمس قريبة من الأفق الشرقي ومنتهى غاية الغسق انتصاف الليل فيقول عز وجل (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) هذا وقت ممتد من زوال الشمس وهو نصف النهار إلى نصف الليل وفيه أربع صلوات الظهر وقتها من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله فيدخل وقت العصر مباشرة من ذلك الوقت إلى أن تصفر الشمس وهو وقت اختيار ثم إلى غروبها وقت ضرورة ويدخل وقت المغرب فورا إلى وقت العشاء وهو مغيب الشفق الأحمر فيدخل وقت العشاء فوراً إلى نصف الليل ثم قال الله عز وجل (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) فاستأنف لصلاة الفجر ولم يجعلها مع الصلوات الأخرى لم يقل أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى طلوعها بل قال (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) فوقف وحدد ثم قال (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) ففصل الفجر عما سبقه من الأوقات وقال (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) .
***(8/2)
يقول السائل من الجزائر إذا دخل الرجل المسجد ووجد الناس يصلون صلاة العشاء وهو لم يصلِ صلاة المغرب هل يصلى معهم أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة أنه يدخل معهم بنية المغرب فإن كانت الركعة الأولى فاتته دخل معهم في الركعة الثانية وسلم معهم فيكون صلى ثلاثاً وهم صلوا أربعاً وإن دخل معهم في الركعة الأولى جلس إذا قام الإمام إلى الرابعة وتشهد وسلم ثم قام مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء هذا أرجح الأقوال عندي وقيل يدخل معهم بنية العشاء فيقدمها على المغرب من أجل حصول الجماعة وقيل يصلى المغرب وحده ثم يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء فهذه ثلاثة أقوال أرجحها عندي القول الأول.
***(8/2)
هل الصلاة تقضى سواء كانت الفرض أو الواجب وهل تقضى في وقتها كمثل لو فاتتني صلاة المغرب ودخل وقت العشاء ولم أصلِّ المغرب فهل يجوز لي أن أصلى العشاء ثم أصلى المغرب بعدها مباشرة أو أصلى المغرب في اليوم الثاني في وقتها بعد الفرض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك قضاة الصلاة الفريضة إذا فاتتك لعذر كنسيان ونوم متى زال ذلك العذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) وفي المثال الذي ذكرت أنه فاتتك صلاة المغرب ودخل وقت العشاء تبدأ بصلاة المغرب أولاً ثم تصلى العشاء بعدها لأنه لابد من الترتيب بين الصلوات كما أمر الله تبارك وتعالى به فصلاة المغرب تصلى قبل العشاء والفجر يصلى قبل الظهر والظهر يصلى قبل العصر وهكذا وأما قولك أنك تقضيها في وقتها المماثل فهذا ليس بصحيح وإن كان بعض العامة يظنون أن الإنسان إذا فاته صلوات فإنه يقضي كل صلاة مع نظيرتها من اليوم الثاني ولكن هذا جهل أما صلوات النوافل فإنها تقضى إذا فاتت وذلك في الموقتات كالرواتب مع المفروضات إذا فاتت فإنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة نومهم عن صلاة الفجر أنه صلى صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر ثم صلى الفريضة وكذلك الوتر إذا فات بنوم أو مرض أو نحوه فإنه يقضى بالنهار لكنه يقضى غير وتر يقضى شفعاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان إذا غلبه نوم أو وجع عن صلاة الوتر صلى في النهار ثنتي عشر ركعة) فعلى هذا إذا فاتك الوتر بنوم مثل إن كنت أخرت وترك إلى آخر الليل ثم لم تقم وكان من عادتك أن توتر بثلاث فإنك تصلى الضحى أربع ركعات لا تصلىه ثلاثاً لأن الثلاث إنما كانت الحكمة منها أن توتر صلاة الليل وصلاة الليل قد انقضت وعلى هذا فتقضي أربع ركعات بدلاً عن الثلاث كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما النوافل المطلقة فإنه لا وقت لها حتى نقول إنها تقضى إذا فات وقتها وأما النوافل ذوات الأسباب كتحية المسجد وصلاة الكسوف فإنها لا تقضى إذا فات سببها فصلاة الكسوف مثلا إذا زال الكسوف وانجلت الشمس أو القمر فإنها لا تقضى وكذلك تحية المسجد إذا جلس الإنسان وطال الجلوس فإنه لا يقضيها لأنها فاتت عن وقتها وكذلك سنة الوضوء لو توضأ ثم لم يصل وتأخر وقت صلاته فإنه لا يصلىها فتبين بهذا أن الفرائض تقضى في كل حال في الوقت الذي يزول فيه العذر وكذلك الصلوات النوافل المؤقتة بوقت كالوتر والرواتب وأما النوافل المطلقة فلا تقضى لأنه لا وقت لها وإنما يصلى نفلاً متى شاء في غير وقت النهي وأما النوافل ذوات الأسباب وهو القسم الرابع فإنه إذا فاتت أسبابها لا تقضى أيضاً لأنها مربوطة بسببها فإذا تأخرت عنه لم تكن فعلت من أجله فلا تقضى وبهذه المناسبة أود أن أقول إنّ الصلوات الفائتة تنقسم إلى أقسام منها ما يقضى على صفته متى زال العذر المانع من أدائه مثل الصلوات الخمس ومنها مايقضى لكن يؤتى عنه ببدل كالجمعة إذا فاتت فإنها تقضى في وقتها متى زال العذر ويصلىها الإنسان ظهراً لا يصلىها جمعة ومنها ما يقضى في نظير وقته على صفته كصلاة العيد إذا فاتت بالزوال فإنها تقضى في اليوم الثاني في وقت صلاة العيد بالأمس ومنها ما يقضى متى ذكر لكن لا على صفته كالوتر كما أشرنا إليه قريباً ومنه ما لا يقضى كذوات الأسباب كما أشرنا إليه أيضاً قريباً ثم اعلم أنك إذا قضيت فائتة من الفرائض فإنما تقضيها على صفة ما وجبت عليه فإذا قضيت صلاة الليل في النهار فإنك تجهر فيها بالقراءة كما لو قضيت صلاة الفجر بعد طلوع الفجر فإنك تقرأ فيها جهراً كما لو أديتها لثبوت لذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا قضيت صلاة النهار في الليل فإنك تسر بها بالقراءة وإذا قضيت صلاة سفر وأنت في بلدك فإنك تقضيها ركعتين ولا تقضيها أربعاً لأنها وجبت عليك ركعتين والقضاء يحكي الأداء وإذا ذكرت صلاة حضر وأنت مسافر وقضيتها فإنك تقضيها أربعاً لأنها وجبت عليك أربعاً والقضاء يحكي الأداء والمهم أن المقضي من الفرائض من الصلوات الخمس يقضى على صفته كيفية وكمية.
***(8/2)
إذا فاتتني الصلاة الجهرية مثل صلاة المغرب ولم أذكر ذلك إلا في اليوم الثاني فهل أقضيها سرية أم جهرية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فاتت الصلاة الجهرية فإنها تقضى جهراً ولو كان قضاؤها في النهار لأن ذلك هو الذي جاء في السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن من المعلوم أن الجهر في صلاة الليل إنما يسن لمن يصلون جماعة أما المنفرد فإن جهره ليس بسنة وإسراره ليس بسنة بمعنى أنه إن شاء جهر وإن شاء أسر فلا نقول لمن قضى الصلاة وحده في النهار وهي صلاة ليلية اجهر فيها بل نقول إنه مخير كما أنه مخير فيما لو صلاها ليلا.
***(8/2)
المستمع عوض الرحمن يقول: ذات يوم فاتتنا صلاة العصر في وقتها ولم نتذكر إلا بعد سماع أذان المغرب فقمنا وصلىنا المغرب مع الجماعة ثم صلىنا بعده العصر فرآنا أحد الإخوة وقال كان يجب عليكم أن تصلوا المغرب أولاً ثم العصر ثم تصلوا المغرب ثانية فهل كلامه صحيح أم لا، وإن لم يكن صحيحاً فما هو الحكم إذاً في مثل هذه الحالة وماذا يجب علينا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال هو أن الإنسان إذا نسي صلاة أو نام عنها وليس عنده من يوقظه ولا من يذكره حتى خرج وقتها فإنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) وفي هذه المسألة التي وقعت للسائل الذي ينبغي أن يبدأ أولاً بصلاة العصر ثم بصلاة المغرب حتى يكون الترتيب على حسب ما فرض الله عز وجل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاتته الصلوات في أحد الأيام في غزوة الخندق قضاها مرتبة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (صلوا كما رأيتموني أصلى) . وبناء على هذا فلو أنكم حينما جئتم إلى المسجد وهم يصلون المغرب دخلتم معهم بنية العصر ثم إذا سلم الإمام من صلاة المغرب تأتون ببقية صلاة العصر فتكون الصلاة مغرباً للجماعة وتكون لكم عصراً وهذا لا يضر أعني اختلاف نية الإمام والمأموم لأن الأفعال واحدة والذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف فيه على الإمام هي الأفعال دون النية بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) قال (فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر) ثم ذكر الركوع والسجود فيكون قوله فإذا كبر فكبروا يكون تفسيراً لقوله فلا تختلفوا عليه أما النية فأمرها باطن لا يظهر فيها الاختلاف على الإمام ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أن نية الإمام إذا كانت مخالفة لنية المأموم فإنه لا بأس به فتصح صلاة من يصلى العصر خلف من يصلى الظهر وبالعكس وقد نصَّ الإمام أحمد رحمه الله في الرجل يأتي في ليالي رمضان والإمام يصلى التراويح أنه لا بأس أن يدخل مع الإمام بنية صلاة العشاء فتكون للإمام نافلة لأنها التراويح وهي لهذا الداخل فريضة لأنها صلاة العشاء ولكن ما حدث منكم بناءً على أنه وقع على سبيل الجهل حيث قدمتم المغرب على صلاة العصر فإنه لا حرج عليكم في ذلك ولا يلزمكم إعادة المغرب بعد صلاة العصر لأن الترتيب وقعت مخالفته عن جهل وإذا كانت عن جهل فلا حرج عليكم في ذلك بل إن من أهل العلم من يقول إن الترتيب يسقط بخوف فوت الجماعة وبناءً على هذا القول يصح لكم ويجوز أن تدخلوا مع الإمام بنية المغرب فإذا سلم أتيتم بعد ذلك بصلاة العصر من أجل المحافظة على إدراك صلاة الجماعة والله أعلم.
***(8/2)
يقول السائل إذا كان الإنسان قد فاته الكثير من الصلوات المفروضة في الماضي ويقوم الآن بقضاء ما يتيسر له من دون أن يصلى السنن طبعا بسبب ضيق الوقت للعمل من أجل ألا يتعب ومع العلم بأنه مصاب بمرض الدسك في الظهر لذلك لا يستطيع الوقوف طويلاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لابد أن نفصل في هذه المسألة، هذه الصلوات التي فاتته إن كانت لغير عذر فإن القول الراجح أن قضاءها لا ينفعه ولا يفيده وعليه فلا يقضيها ولكن يكثر من العمل الصالح الذي يمحو الله به ما حصل منه من سيئات أما إذا كانت قد فاتته لعذر مثل أن ينسى أو ينام ثم لا يقضي ظنا منه أنه إذا خرج الوقت فإنه لا قضاء فحينئذ يقضيها مرتبة يبدأ مثلا بصلاة اليوم الأول ثم بصلاة اليوم الثاني ثم بصلاة اليوم الثالث وهكذا أما السنن فهي سنن على السنة إن فعلها الإنسان فهو خير وإن تركها فلا شيء عليه.
***(8/2)
شروط الصلاة - ستر العورة(8/2)
ما هو الضابط في لباس المرأة في الصلاة من حيث الستر وعدم الرقاقة حيث إنه في بعض الأحيان قد تكون الملابس سميكة لكنها تظهر شيئاً من لون الشعر مثلا أو لون البشرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العلماء يقولون إن الثوب الساتر هو الذي لا يرى من ورائه لون الجلد وأما ظل الجلد يعني أن يرى الإنسان ظل الأعضاء من وراء الأكمام فإن ذلك لا يمنع لكنه فيه نقص فالثياب ثلاثة أقسام قسم سميك لا يرى منه ظل العضو ولا لون البشرة فهذا أفضل ما يكون من الثياب وقسم آخر يرى منه لون البشرة فهذا لا يجزئ وليس بساتر والقسم الثالث بين هذا وهذا لا يرى منه اللون ولكن يرى منه الحجم وهذا مجزئ لكنه لا ينبغي.
***(8/2)
الأخ السائل عبد الرحيم من المملكة المغربية يقول في سؤاله الأول أحياناً في فصل الصيف وفي شدة الحر بعض الناس يصلى وهو لا يرتدي من اللباس إلا سرولاً ونصف جسده الأعلى مكشوف فهل يؤثر هذا على صحة الصلاة إذا كان كذلك فماذا عليه أن يفعل وهل يلزمه إعادة صلواته السابقة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن من شروط الصلاة ستر العورة لقوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) وأجمع أهل العلم على بطلان صلاة من صلى عرياناً وهو يستطيع أن يستر عورته ومن شروط ستر العورة أن يكون الساتر صفيقاً لا خفيفاً فإن كان خفيفاً بحيث يرى من ورائه لون الجلد ويتميز به فإنه لا يكون ساتراً وبناءً على ذلك فإنه يجب على المسلم في أيام الحر أن يحترز من هذا النوع من اللباس أعني النوع الخفيف الذي يتبين من ورائه لون البشرة أي لون الجلد وعورة الرجل في صلاته ما بين سرته وركبته فلابد أن يستر هذه المنطقة كلها بثوب صفيق لا يتبين من ورائه لون البشرة وعلى هذا فإن ما ذكره السائل من كونه يصلى يقتصر على السروال بدون أن يكون عليه رداء أو قميص فإن صلاته صحيحة مادام قد ستر ما بين السرة والركبة لكن الأفضل والأولى أن يتخذ الزينة كلها أو أن يجعل اللباس على البدن كله ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يصلى أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فهذا هو الأفضل والأكمل ولو صلى مقتصراً على الإزار وحده الساتر ما بين السرة والركبة أجزأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر (إن كان الثوب واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به) .
***(8/2)
هل يجوز للنساء أن يرتدين الثوب الأبيض في الصلاة وهن في البيوت يصلىن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الثوب ساتراً مباحاً فإنه لا حرج لأنه لا عبرة باللون فالمرأة يجوز أن تلبس أبيض وأصفر وأحمر وأخضر ولكن لا تتشبه بالرجال في هذه الألبسة أي لا تلبس ثوباً يكون خياطته كخياطة ثياب الرجال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء وكما أن المرأة والرجل مفترقان قدراً فإنه يجب أن يفترقا شرعاً أيضاً كما أمر الله تبارك وتعالى فللمرأة خصائصها وللرجال خصائصهم.
فضيلة الشيخ: ما معنى يفترقن قدراً ويفترقن شرعاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يفترقن قَدَراً لأن الله سبحانه وتعالى فرق بين الرجل والمرأة في الخلقة وفي العقل وفي البصيرة وفي الشكل وفي النطق وفيما هو معلومٌ من الفرق بين الرجال والنساء في الخلقة وأما شرعاً فإن الله تعالى فرق بين الرجال والنساء في مسائل كثيرة من الدين وخصوصاً محاولة تشبه هؤلاء بهؤلاء فإنه كما أسلفنا قد لُعن الفاعل المتشبه من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ولهذا تجد أن المرأة ليس عليها جهاد وليس عليها جماعةٌ في المساجد وليس عليها جمعة وكذلك لا تسافر وحدها بل لا بد أن تسافر بمحرم إلى أشياء كثيرة اختلفت فيها المرأة عن الرجل بحسب ما يليق بخلقتها وخلقة الرجل.
***(8/2)
بارك الله فيكم تقول سمعت من بعض الناس بأن غطاء الرأس بالنسبة للنساء أثناء تأدية الصلاة يجب أن يكون أبيض اللون أو من الألوان الفاتحة ولا يجوز أن يكون من الألوان الغامقة فما حكم الشرع في نظركم بهذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي سمعتِ من أن المرأة تلبس عند الصلاة خماراً أبيض أو فاتح اللون لا أصل له بل إن المرأة تلبس خماراً على ما تعتاده في غير الصلاة إن كان أبيض فأبيض وإن كان أسود فأسود ولبسها للأسود أحسن لأن الذي عليها لباس أسود وهو العباءة فتناسب الخمار مع اللباس الآخر أبعد من التبرج وكلما كان أبعد من التبرج فهو أولى.
***(8/2)
هذه الرسالة وردتنا من المستمعة ابنتكم خ. فطاني السلام عليكم وبعد من المعلوم أن المرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة ونفهم من ذلك أن الأرجل عورة ولكني أرى معظم النساء لا يغطين الأرجل عندما يصلىن وكذلك الشعر يظهر مهما غطي بالطرحة لأنها خفيفة جداً فهل هذا يجوز وهل هناك مذاهب تسمح بظهور الأرجل والشعر في الصلاة ومذاهب أخرى لا تسمح كالشافعية مثلاً أو غيرهم أفتونا جزاكم الله عنا خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هناك مذاهب تسمح للمرأة بإخراج قدميها ويديها في الصلاة ويرون أن ذلك ليس بعورة وإنما الأفضل أن تغطى وليس ذلك بواجب ولا ريب أن تغطيتها أولى وأحوط ولكن إذا لم تغطها وصلت فنرجو أن تكون صلاتها صحيحة إن شاء الله وأما بالنسبة للشعر فلا بد من أن تكون الطرحة التي تلبسها صفيقة بحيث لا يُرى الشعر من ورائها.
***(8/2)
الرسالة التي بين يدينا وردتنا من العراق من الأخت م ع هـ تقول فيها هل تجوز الصلاة وكفايَ وقدماي مكشوفتان حيث أني أصلى الصلاة مكشوفة الكفين والقدمين لأني لا أعلم هل يجوز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم وهي: هل القدمان والكفان مما يجب على المرأة ستره في صلاتها أو لا والاحتياط أن تسترهما المرأة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) فإن لم تفعل فنرجو أن تكون صلاتها صحيحة.
***(8/2)
أحسن الله إليكم السائلة تقول هل يجوز كشف اليدين في الصلاة بالنسبة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في جواز كشف الكفين في الصلاة بالنسبة للنساء فمنهم من قال لابد من سترهما ومنهم من رخص في كشفهما والاحتياط ألا تكشفهما المرأة بل تصلى وفي يدها القفازان أو يكون الثوب ضافياً يمكن أن تغطي كفيها بهذا الثوب الضافي.
***(8/2)
المستمع ن. ن. س. العنزي يقول فضيلة الشيخ ما حكم إظهار الأقدام في الصلاة للمرأة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله في جواز كشف الكفين والقدمين للمرأة في الصلاة فمنهم من قال إنه لا بد من ستر الكفين والقدمين لأن المرأة عند هذا القائل كلها عورة في الصلاة إلا وجهها ومنهم من قال إنه يجوز للمرأة أن تكشف كفيها وقدميها في الصلاة كما يجوز لها كشف الوجه ولم يتحرر عندي أي القولين أولى وعلى هذا فنقول من أرادت أن تصلى فإن الأحوط في حقها أن تستر كفيها وقدميها ومن جاءت تسأل بعد أن صلت كاشفةً كفيها وقدميها فإننا لا نأمرها بالإعادة فيكون هناك فرق بين كون الشيء واقعاً أو كون الشيء لم يقع فمن لم يفعل الشيء نأمره بالاحتياط ومن فعله فإننا لا نلزمه بالإعادة مع تعارض الأدلة وهذا الذي قلناه من أن المرأة في الصلاة عورة إلا وجهها وكفيها وقدميها يراد به ما إذا صلت في بيتها أو صلت وليس عندها إلا رجالٌ من محارمها أما إذا صلت في المسجد أو كان حولها رجالٌ من غير محارمها فإن الواجب عليها أن تستر وجهها ولا يحل لها أن تكشفه وما يفعله بعض النساء من كشف الوجه إذا صلت في المسجد ولاسيما في المسجد النبوي أو المسجد الحرام زاعمةً أن المرأة في الصلاة كلها عورة إلا وجهها فهو خطأ في الفهم يعني هناك فرق بين العورة في الصلاة والعورة في النظر ويشبه هذا ما تتوهمه بعض النساء إذا أحرمت حيث إن المشروع في حق المحرمة أن تكشف وجهها فيظن بعض النساء أن هذا هو المشروع ولو كان عندها رجالٌ غير محارم فتجدها كاشفة وجهها من حين أن تحرم إلى أن تحل وهذا خطأ بل المحرمة إذا مرت من عند رجالٍ غير محارم أو مر من عندها رجالٌ غير محارم وجب عليها أن تستر وجهها ولا يضرها إذا لمس الستر وجهها لأنه لا دليل على أنه يحرم مس الوجه.
***(8/2)
هل ستر القدمين في الصلاة واجب حيث إنني لم ألبس الجوارب فيما مضى فهل عليّ إعادة الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في هذا خلاف بين أهل العلم فمن العلماء من يقول إن على المرأة في الصلاة أن تستر كفيها وقدميها ومنهم من يقول إنه لا يجب عليها أن تستر ذلك كما أنها لا تستر الوجه وبناءً على هذا نقول إذا صلت وهي كاشفة القدمين فصلاتها صحيحة لكننا نأمرها قبل أن تصلى أن تستر قدميها خروجاً من الخلاف والله أعلم.
***(8/2)
بارك الله فيكم رسالة وصلت من المستمعة رمزت لاسمها بـ أم ع م تقول في سؤالها الحديث الذي معناه عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين في الصلاة فهل يجوز أن تظهر القدم في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى الذي ذكرته السائلة وإنما هذه عبارة بعض الفقهاء أن المرأة في الصلاة عورة كلها وبعضهم يقول إلا وجهها وكفيها وقدميها فالعلماء رحمهم الله مختلفون في كفيها وقدميها هل هما عورة في الصلاة أم لا والاحتياط أن تستر المرأة جميع بدنها إلا الوجه ما لم يكن حولها رجال أجانب فإن كان حولها رجال أجانب فإنه يجب عليها أن تستر وجهها أيضاً عن هؤلاء الرجال وإذا سجدت على الأرض أزالت الغطاء عن الوجه حتى تباشر جبهتها الأرض لأن في هذه الحال لا يراها أحد وإذا قامت وحولها رجال أجانب سترت وجهها هذا هو الأفضل والأكمل والأحوط لدينها وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) .
***(8/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع مصري يعمل بالسعودية يقول هل يجوز للمرأة أن تكشف يديها وقدميها في الصلاة في بيتها في حالة عدم وجود أجانب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم هل كفا المرأة وقدماها عورةٌ في الصلاة أو لا وليس هناك شيء صريحٌ صحيح من السنة يبين ذلك ولكن الاحتياط أن تستر المرأة كفيها وقدميها إلا أنها لو لم تفعل وصلت فصلاتها صحيحة لأنه ليس هناك دليل على أن الكفين والقدمين عورةٌ في الصلاة.
***(8/2)
بارك الله فيكم، هذه المستمعة رمزت لاسمها بـ ف. ح. ع. تسأل وتقول فضيلة الشيخ إنها تصلى كل الفروض كاشفة للقدمين دون علم، تقول وقد سمعت من إحدى الصديقات بأنه يجب عليّ تغطية القدمين في الصلاة وهل ما سبق لي من الصلوات صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فأما ما سبق من الصلوات فإنه صحيح وأما ما يستقبل فإن الأولى والأكمل ستر القدمين وذلك لأن ستر القدمين في الصلاة مختلف فيه بين أهل العلم فمن العلماء من يقول إنه لابد من ستر القدمين والكفين، ومنهم من يقول إنه لا يجب ستر القدمين ولا الكفين وهذا أقرب إلى الصواب لكن الاحتياط أولى وهو أن تستر المصلىة كفيها وقدميها.
***(8/2)
السائل من اليمن منصور يقول هل يجوز للمرأة أن تأخذ من ثياب زوجها أو أخيها لكي تصلى به وهل هناك مواضع من جسم المرأة يمكن أن تظهر في وقت الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تلبس ثياب الرجل لا ثياب زوجها ولا أخيها ولا أبيها ولا ابنها لأنها إذا فعلت ذلك تشبهت بالرجال وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال لكن إن أخذت ثوبا لزوجها أو أبيها أو ابنها وهي تعلم أنهم يرضون بذلك وجعلته لفافة على صدرها فهذا لا بأس به وأما أن تلبسه كما يلبسه الرجل فإن ذلك حرام عليها ولو فعلت وصلت به فإن كثيراً من أهل العلم يقولون إن صلاتها باطلة لأنها صلت في ثوبٍ محرم عليها لبسه.
***(8/2)
المستمعة من دولة الكويت ع. ب. ج. تقول في هذا السؤال ما حكم صلاة المرأة وهي تلبس الذهب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة المرأة إذا كانت لا بسةً للذهب لا بأس بها ولا حرج عليها لأنه ليس من شرط الصلاة أن لا يكون على المرأة الحلي.
***(8/2)
المستمعة التي رمزت لاسمها بـ: أ. أ. من العراق تقول ماحكم المرأة التي تعبد الله وتصلى وتصوم وتقرأ القرآن وهي لا تخفي رأسها هل ما تفعله من قراءة القرآن والصلاة لها أجر عند الله أرشدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءة القرآن فإنه لا يشترط لها ستر الرأس وذلك لأنه لا يشترط ستر العورة لقراءة القرآن وأما الصلاة فإنها لا تصح إلا بستر العورة والمرأة الحرة البالغة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها فلا يجب عليها أن تستر وجهها في حال الصلاة إلا أن يكون حولها رجال غير محارم لها فإنه يجب عليها أن تستر وجهها عنهم إذ أن المرأة لا يحل لها أن تكشف وجهها لغير زوجها ومحارمها.
***(8/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل هل يجب تغطية الرأس بالنسبة للرجل عند الصلاة بقبعة أو نحوه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب تغطية الرأس لأن العورة الواجب سترها ما بين السرة والركبة ولكن ينبغي للإنسان إذا أراد أن يصلى أن يصلى بأحسن لبسة يلبسها الناس في زمانه ومكانه لقول الله تبارك وتعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فإذا كان عنده غترة فالأفضل أن يلبسها لأن ذلك من أخذ الزينة بالنسبة لعرفنا هنا في السعودية قد يكون في بعض البلاد لا يهتمون بتغطية الرأس وتتم الزينة عندهم بدون تغطيته فلكل بلد حكم لنفسه والمهم أن تأخذ الزينة عند كل صلاة.
***(8/2)
ما حكم تغطية الرأس في الصلاة إذا كان باستمرار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغطية الرأس في الصلاة إذا كان من تمام الزينة واللباس فهو مشروع لقول الله تبارك وتعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) هذا بالنسبة للرجل أما إذا تعذرت تغطيته كالمحرم فإن المحرم لا يحل له أن يغطي رأسه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الرجل الذي مات محرما (لا تخمروا رأسه) وإن كان غير محرم فإن كان في قوم جرت عادتهم أن يلبسوا على رؤوسهم شيئا لأن لباس الشيء على رؤوسهم من تمام الزينة فالأفضل أن يغطي رأسه وإن كان من قوم ليس من عادتهم أن يغطوا رؤوسهم فإننا لا نكلفه أن يغطي رأسه ونقول صل كما تكون الزينة في بلادكم أما بالنسبة للمرأة فلابد أن تغطي رأسها سواء كانت تصلى وهي محرمة أو تصلى وهي حلال.
***(8/2)
ما حكم الصلاة والرجل حاسر رأسه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الرجل وهو حاسر رأسه أي كاشف رأسه لا بأس بها لأن ستر الرأس ليس بواجب لكن إذا كان الإنسان في بلد من عادتهم أن يستروا رؤوسهم وهم يرون أن ذلك من كمال الزينة فإن الأفضل للإنسان أن يستر رأسه باللباس الذي يعتاده الناس لعموم قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) فنحن هنا في بلادنا في المملكة العربية السعودية نعتاد ستر الرأس بالطاقية والغترة وعليه فيكون ستر رؤوسنا بذلك أفضل من كشفها لأن هذا من تمام الزينة التي أمر الله تعالى بأخذها في قوله: (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) .
***(8/2)
جزاكم الله خيراً هل يجوز أن يكون غطاء الرأس الذي تلفه المرأة على رأسها أثناء الصلاة مغطياً لجبينها عند السجود بحيث لا يلامس جبينها الأرض مباشرة وإن كان غير جائز فما العمل عند تغطية الوجه لوجود الرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن تباشر الجبهة مكان السجود ولو دعت الحاجة لتغطية الوجه لوجود الرجال قريباً من المرأة فلا حرج مع أنه يمكنها أن تسفر عن وجهها إذا قاربت الأرض لكن قد يكون في هذا مشقة وربما تنسى والحاصل أنه إذا كانت تغطية الجبهة لحاجة فلا بأس بذلك وإن لم يكن لحاجة فلا بل تجعل الخمار يدور على وجهها ويبقى الوجه مكشوفاً.
***(8/2)
هل يجب على المرأة أن تغطي شعرها عند سجود التلاوة
فأجاب رحمه الله تعالى: الاحتياط أن تغطي شعرها وأن تغطي كل ما يلزم تغطيته في صلاة النفل لأن سجود التلاوة صلاة عند كثير من أهل العلم وهي في حكم صلاة النفل فكل ما يستر في صلاة النفل فإنه يستر في سجود التلاوة ويرى بعض العلماء أن سجدة التلاوة ليس لها حكم الصلاة وبناء على هذا القول لا بأس أن تسجد وهي مكشوفة الرأس لكن الاحتياط ألا تسجد إلا وقد سترت جميع ما تستره في صلاة النفل.
***(8/2)
السائلة من ليبيا س. م تقول ماحكم بروز الشعر من خلف غطاء الرأس في الصلاة مع أننا نعلم أن الخروج به خارج المنزل حرام ولكن ما حكمه في الصلاة مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر أهل العلم رحمهم الله أن المرأة عورة في الصلاة إلا وجهها وأنه يجب على المرأة البالغة الحرة أن تستر جميع بدنها في الصلاة إلا وجهها وبناء على هذا القول إذا خرج شيء من شعرها أي من شعر رأسها فإن عليها أن تستره في الحال لأن شعر الرأس تابع للرأس والرأس يجب ستره فيجب ستر الشعر أيضا لأنه تبع له.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول امرأة تخصص ثوباً للصلاة وهو من ثياب الرجال هل تجوز صلاتها وهل يدخل ذلك في باب التشبه بالرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الثوب الذي تلبسه المرأة من الثياب الخاصة بالرجال فإن لبسها إياه حرام سواء كان في حال الصلاة أو في غير حال الصلاة وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن المتشبهات من النساء بالرجال ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء) فلا يحل لامرأة أن تلبس ثوباً خاصاً بالرجل ولا يحل للرجل أن يلبس ثوباً خاصاً بالمرأة ولكن يجب أن نعرف ما هي الخصوصية ليست الخصوصية في اللون ولكنها في اللون والصفة ولهذا يجوز للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض إذا كان تفصيله ليس على تفصيل ثوب الرجل وإذا تبين أن لبس المرأة ثوباً يختص بالرجل حرام فإن صلاتها فيه لا تصح عند بعض أهل العلم الذين يشترطون في السترة أن يكون الساتر مباحاً وهذه المسألة مسألة خلاف بين أهل العلم فمن العلماء من اشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً ومنهم من لم يشترط ذلك وحجة القائلين باشتراطه أن ستر العورة من شروط الصلاة ولا بد أن يكون الشرط مما أذن الله فيه فإذا لم يأذن الله فيه لم يكن ساتراً شرعاً لوقوع المخالفة وحجة من قالوا بصحة الصلاة فيه مع الإثم أن الستر قد حصل والإثم خارج عن نطاق الستر وليس خاصاً بالصلاة فتحريم لبس الثوب المحرم في الصلاة وخارجها وعلى كل حال فالمصلى بثوب محرم على خطر في أن ترد صلاته ولا تقبل منه.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا هذا السائل يقول ماحدود العورة للرجل هل هي من السرة إلى حد الركبة من الأعلى أم إلى حد الركبة من الأسفل وما الحكم إذا لبست ثوبا ليس شفافا ولكن يظهر من تحته حدود الملابس الداخلية فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عورة الرجل بالنسبة للصلاة ما بين السرة والركبة فالسرة ليست من العورة والركبة ليست من العورة وإذا لبس الإنسان ثوبا خفيفا لكنه لا يصف البشرة وإنما يظهر به حدود الملابس الداخلية فإنه ساتر لأن الثوب الذي لا يستر هو الذي يرى من ورائه لون الجلد فيتميز الجلد أنه أحمر أو أصفر أو أسود أو ما أشبه ذلك.
***(8/2)
المستمع عاشور عوض لقمان يسأل ويقول بعض الناس يصلون وفي ثيابهم فتحات صغيرة يمكن أن يدخل عود الكبريت منها هل تضر بصلاتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الفتحات في غير موضع العورة فإنها لا تضر صلاتهم وإن كانت في محل العورة وينضم بعضها إلى بعض فإنها لا تضر أيضاً لأن بعض الثياب يكون فيها ثقب يسير إن حركته بيدك وفتحته انفتح وإن لم تحركه وتفتحه انضم بعضه إلى بعض فهذا لا يضر وإن كانت الفتحة ظاهرة فإن أهل العلم يقولون إن الانكشاف اليسير البسيط ولا سيما إذا لم يكن على السوءتين فإنه لا يضر ولكن يجب على المرء أن يحترز من هذه الأمور وأن يحتاط لدينه وأن يتفقد ثيابه عند صلاته حتى لا يقع في أمر محظور عليه.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا يستفسر هذا السائل عن حكم الصلاة في السروال الضيق للرجل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به ما دام ساترا فلا بأس به لكن فيه محظور وهو أن السروال الضيق لا يتمكن به الإنسان من السجود تماما ولا من الجلوس أيضا فيكون عليه نقص في صلاته من أجل هذا السروال.
***(8/2)
هل تجوز الصلاة بملابس ضيقة للرجال وهل هو حرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة في الثياب الضيقة إذا كانت كثيفة لا تصف البشرة صحيحة لكن لا ينبغي أن يلبس الإنسان ثياباً ضيقة تبين مقاطع جسمه بل يلبس ثياباً واسعة شيئاً ما حتى لا تتبين مقاطع الجسم سواءٌ كان رجلاً أو امرأة وقد نص أهل العلم رحمهم الله على كراهة اللباس الضيق الذي يتبين به مقاطع الجسم.
***(8/2)
هل يجوز للمصلى في بيته أن يصلى بملابس النوم مثل الفوطة والبيجامة والبنطلون ونحو ذلك وإنني أقصد بذلك قيام الليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كل ثيابٍ طاهرة مباحة إذا كانت تستر العورة فإنه تجوز الصلاة بها ولو كانت في ثياب النوم ولا يشترط ثيابٌ معينة إلا أنه لا بد أن تكون الثياب طاهرةً ومباحة وساترة فإذا توفرت هذه الشروط فلا بأس أن يصلى بها.
***(8/2)
هل تجوز الصلاة بكمامات اليد أي الدسوس لأني أرى بعض الإخوة في أيام البرد يصلون بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان إذا صلى في الدسوس في أيام البرد لأن ذلك حاجة والحاجة تبيح ما كان الأفضل تركه وكذلك لا حرج إذا كانت الأرض حارة أو باردة بردا يذهب الخشوع أو كان فيها حصى يذهب الخشوع أو ما أشبه ذلك أن يضع الإنسان بينه وبين هذه الأرض طرف ثوبه أو طرف غترته أو ما أشبه ذلك لأن هذا يؤذي الإنسان إذا سجد عليه ويذهب عنه الخشوع فإذا وضع على الأرض ما يذهب به ما يضر خشوعه فلا حرج.
***(8/2)
أسأل عن صلاة الرجل في سروال طويل دون أن يكون له لباس من الداخل فهل الصلاة صحيحة علماً بأن هذا الرجل يستطيع شراء غير ذلك من الملابس وهل تصح إمامته بجماعةٍ من المصلىن أرجو إفتائي والتوضيح لي ولمن يسمع جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ستر المرء ما يجب عليه ستره من العورة ولو في ثوبٍ واحد فإن ذلك كافٍ ومجزٍ لكن الأفضل أن يصلى في ثوبٍ ساتر يغطي منكبيه ويغطي عورته وهي للرجل ما بين السرة والركبة وعلى هذا فنقول إذا صلى الإنسان في سروالٍ يستر ما بين السرة والركبة أو بإزار فإن صلاته صحيحة إذا كان ساتراً أما إذا كان غير ساتر كما لو كان خفيفاً يصف البشرة من ورائه فإن ذلك لا يجزئ لأنه في الحقيقة لم يستر وهكذا ما يفعله بعض الناس من لباسهم السراويل القصيرة التي لا تستر ما بين السرة والركبة ثم يلبسون فوقها ثياباً خفيفة جداً بحيث يكون أسفل الفخذ مما يلي الركبة بادياً ظاهراً فهذا أيضاً لا يحل ولا يجوز بل الواجب عليهم أن يلبسوا إما ثياباً صفيقة تستر وإما سراويل ضافية تستر ما بين السرة والركبة وأما صلاته في الجماعة فإنه إذا كان أقرأ القوم فلا حرج عليه أن يصلى بهم وإلا فإن القوم يؤمهم من كان أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة.
***(8/2)
السائل يقول إذا كان الثوب والبنطلون طويلاً إلى أسفل الكعبين هل تصح الصلاة فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان البنطلون نازلاً عن الكعبين فإنه محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الإزار فإنه يكون في غيره وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يرفع بنطلونه وغيره من لباسه عما تحت كعبيه وإذا صلى به وهو نازل تحت الكعبين فقد اختلف أهل العلم في صحة صلاته فمنهم من يرى أن صلاته صحيحة لأن الرجل قام بالواجب وهو ستر العورة ومنهم من يرى أن صلاته ليست بصحيحة لأنه ستر عورته بثوب محرم وجعل هؤلاء من شروط الستر أن يكون الثوب مباحاً والإنسان على خطر إذا صلى في ثياب مسبلة فعليه أن يتقي الله عز وجل وأن يرفع ثيابه حتى تكون فوق كعبيه.
***(8/2)
ما حكم الصلاة بالثوب الطويل هل تبطل الصلاة أم لا علما بأن كثيراً من الناس يصلون بثياب طويلة ويتجاهلون حكم لبس الثوب الطويل فيما أسفل الكعبين جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يقتضي الجواب عليه أن نتكلم على مسألتين:
المسألة الأولى إطالة الثوب أو السروال أو المشلح حتى ينزل عن الكعبين نقول هذه الإطالة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ما أسفل من الكعبين ففي النار) ولا وعيد إلا على معصية من الكبائر ولا فرق بين أن ينزل عن الكعبين خيلاء وتيهاً أو رغبة بدون خيلاء وقد ظن بعض الناس أن هذا الوعيد لا يكون إلا إذا كان هناك خيلاء وقال أنا لم أصنعه خيلاء ولكن رغبة في ذلك وهذا ظن خطأ فإن الوعيد في الخيلاء أشد وأعظم من الوعيد على من نزل ثوبه أو سرواله أو مشلحه عن الكعبين لأن الوعيد على الخيلاء ألا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قالوا خابوا وخسروا يا رسول الله من هم قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فلما اختلف العقاب امتنع أن يلحق أحدهما بالآخر لأنه لو ألحق أحدهما بالآخر لزم من ذلك تكذيب أحد الخبرين بالثاني لأنه إذا كان العمل واحدا لم تختلف عقوبته، على كل حال أقول لهؤلاء الذين ابتلوا بتنزيل ثيابهم أو سراويلهم أو مشالحهم إلى أسفل من الكعبين اتقوا الله في أنفسكم واعلموا أن ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حق وأنكم إذا فعلتم أسبابه وموجباته فقد تعرضتم له وظلمتم أنفسكم
المسألة الثانية: بالنسبة للصلاة فقد اختلف العلماء رحمهم الله فيمن صلى في ثوب محرم عليه هل تصح صلاته أو لا تصح فمنهم من قال إن الصلاة صحيحة لأن النهي عن لبس الثوب المحرم عام لا يختص بالصلاة والنهي العام الذي يتناول ما إذا كان الإنسان في عبادة أو غير عبادة لا يبطل العبادة ولهذا لا تبطل الغيبة الصيام مع أنها محرمة في الصيام وغيره حيث إن تحريمها عام وأما إذا كان التحريم خاصا فإنه يبطل العبادة ولهذا بطل الصيام بالأكل والشرب لأن تحريمهما خاص بالصيام ومعلوم أن إنزال الثوب إلى ما تحت الكعب محرم في الصلاة وخارج الصلاة فتكون الصلاة في الثوب المحرم صحيحة لكن اللابس آثم بهذا اللبس فالذي ينزل ثوبه أو سرواله أو مشلحه إلى أسفل من الكعبين على خطر عظيم في صلاته حيث إن كثيراً من العلماء قال إن صلاته غير صحيحة.
***(8/2)
يقول فضيلة الشيخ يصلى البعض من الناس صلاة الفريضة وليس على عاتقيه شيء يسترهما وخصوصاً أيام الحج أثناء الإحرام فما الحكم في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن صلاته صحيحة وليس عليه إثم ولكن الأفضل أن يستر منكبيه أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (في الثوب إن كان واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به) وأما الثاني وهو أن الأفضل ستر المنكبين فلقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يصلى أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء) فإذا قدر أن الإنسان في حال الإحرام قد ألقى رداءه ولم يبقَ عليه إلا الإزار وصلى فإن صلاته صحيحة ولكن الأفضل أن يأخذ الرداء ليستر منكبيه.
***(8/2)
شروط الصلاة - اجتناب النجاسة(8/2)
يقول المرسل من الرياض ع ع م إلى من يهمه الأمر في برنامج نور على الدرب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا صلى شخص وفي ثوبه بقعة نجاسة فهل يعيد صلاته وإن كانت أكثر من قرش، وهل يصلىها في أوقات النهي أفيدوني جزاكم الله خير، وأفتوا المسلمين كذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ناسياً أن يغسلها أو جاهلاً بها لم يعلم بها إلا بعد صلاته فلا شيء عليه، وصلاته صحيحه لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) هذا الدعاء الذي أرشد الله عباده إليه، قال سبحانه وتعالى قد فعلت، ولقوله (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) فإذا صلى الإنسان وفي ثوبه نجاسة أو بدنه نجاسة وهو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة أو كان علم بها ثم نسي أن يغسلها قبل الصلاة فصلاته صحيحة ولا حرج عليه، أما إذا كان عالماً بها ولم ينسَ ولكن تهاون وصلى فإن صلاته على القول الراجح باطلة ويجب عليه أن يغسل النجاسة ويعيد الصلاة من جديد ويقضيها أي وقت كان حتى في أوقات النهي، لأن أوقات النهي ليست عامة لكل صلاة وإنما هي للصلوات التي ليس لها أسباب.
***(8/2)
أحسن الله إليكم هذه رسالة من المستمع صالح عمر الجرو من اليمن الديمقراطية محافظة حضر موت يقول ما حكم من تحضره الصلاة وهو يرتدي ملابس قد أصابتها بعض النجاسة ولا يجد ماءً لإزالتها وهو بعيد عن منطقة إقامته إذ لا يستطيع أن يغير هذه الملابس ووقت الصلاة قد أشرف على الانتهاء كأن يكون في سفر والمنطقة المقصودة بعيدة أيضاً أفيدوني عن ذلك أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت النجاسة في سؤال السائل الذي يقول إنه أتى عليه وقت الصلاة وهو في سفر وثيابه نجسة ولا يمكنه أن يطهرها ويخشى من خروج وقت الصلاة فإننا نقول له خفف عنك ما أمكن من هذه النجاسة فإذا كانت في ثوب وعليك ثوبان فاخلع هذا الثوب النجس وصلِّ في الطاهر وإذا كان عليك ثوبان كلاهما نجس أو ثلاثة وكل منها نجس فخفف ما أمكن من النجاسة وما لم يمكن إزالته أو تخفيفه من النجاسة فإنه لا حرج عليك فيه لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فتصلى بالثوب ولو كان نجساً ولا إعادة عليك على القول الراجح فإن هذا من تقوى الله تعالى ما استطعت والإنسان إذا اتقى الله ما استطاع فقد أتى بما أوجبه الله عليه ومن أتى بما أوجبه الله عليه فقد أبرأ ذمته.
فضيلة الشيخ: في مثل هذه الحالة ألا يجوز استعمال التراب لمحاولة التنظيف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه أن يحاول التخفيف ما أمكن بالتراب أو بغيره المهم إذا أمكن تخفيف النجاسة أو إزالتها فهو الواجب حتى كما قلت لك بخلع بعض الثياب التي كان فيها نجاسة أما إذا لم يمكن فإنه يصلى فيها ولا إعادة عليه.
فضيلة الشيخ: في الخلع هل لابد أن يراعي شرط ستر العورة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لابد أن يبقي عليه ما يستر به عورته.
***(8/2)
لقد صليت العصر والمغرب والعشاء في ملابس بها بعض النجاسة ولم أذكر ذلك إلا بعد فراغي من صلاة العشاء فهل يلزمني القضاء في هذه الحالة أم ما العمل أفيدوني شكر الله لكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا صلىت في ثياب نجسة وقد نسيت أن تغسلها قبل أن تصلى ولم تذكر إلا بعد فراغك من صلاتك فإن صلاتك صحيحة وليس عليك إعادة لهذه الصلاة وذلك لأنك ارتكبت هذا المحظور ناسياً وقد قال الله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم في نعليه وكان فيهما أذىً لما كان في أثناء الصلاة أخبره جبريل بذلك فخلعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ولم يستأنف الصلاة فدل هذا على أن من علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإنه يزيلها ولو في أثناء الصلاة ويستمر في صلاته إذا كان يمكنه أن يبقى مستور العورة بعد إزالتها وكذلك من نسي وذكر في أثناء الصلاة فإنه يزيل هذا الثوب النجس إذا كان يبقى عليه ما يستر به عورته وأما إذا فرغ من صلاته ثم ذكر بعد أن فرغ أو علم بعد أن فرغ من صلاته فإنه لا إعادة عليه وصلاته صحيحة بخلاف الرجل الذي يصلى وهو ناسٍ أن يتوضأ مثل أن يكون قد أحدث ونسي أن يتوضأ ثم صلى وذكر بعد فراغه من الصلاة أنه لم يتوضأ فإنه يجب عليه الوضوء وإعادة الصلاة وكذلك لو كان عليه جنابة ولم يعلم بها مثل أن يكون قد احتلم في الليل وصلى الصبح بدون غسل جهلاً منه ولما كان في النهار رأى في ثوبه منياً من نومه فإنه يجب عليه أن يغتسل وأن يعيد ما صلى والفرق بين هذا وبين المسألة الأولى أعني مسألة النجاسة أن النجاسة من باب ترك المحظور وأما الوضوء والغسل فهو من باب فعل المأمور أمر إيجابي لابد أن يقوم به الإنسان ولا تتم العبادة إلا بوجوبه أما إزالة النجاسة فهي أمر عدمي لا تتم الصلاة إلا بعدمه فإذا وجد في حال الصلاة نسياناً أو جهلاً فإنه لا يضر لأنه لم يفوت شيئاً يطلب حصوله في صلاته.
***(8/2)
إذا صلىت بثوب نجس وأنا أعلم بذلك ولكن وقت الصلاة كنت ناسية أن الثوب نجس وبعد الإنتهاء من الصلاة تذكرت فماذا أفعل إذا تذكرت بعد الانتهاء مباشرة أو بعد انتهاء وقت الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاتك صحيحة ولا تفعلين شيئا لأن كل من صلى بثوب نجس أو مكان نجس ناسياً أو جاهلاً فإنه ليس عليه إعادة الصلاة بخلاف من صلى بغير وضوء فإن عليه إعادة الصلاة سواء كان ناسياً أم جاهلاً ونضرب لذلك مثلين يتضح بهما الحكم رجل أحدث ولم يتوضأ ثم جاء وقت الصلاة فصلى ناسياً أنه أحدث فنقول له يجب عليك إعادة صلاتك رجل آخر كان في ثوبه نجاسة ولكنه نسي فصلى قبل غسلها نقول له صلاتك صحيحة ولا يجب عليك الإعادة ومثالان آخران في الجهل رجل أكل لحم إبل وهو لا يعلم به وكان على وضوء قبل أكله فقام وصلى ثم بعد صلاته تبين أنه قد أكل لحم إبل فيجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة لأنه صلى بغير وضوء ومثال الجهل في النجاسة رجل صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فلما فرغ من صلاته رآها فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه قد يقول قائل ما الفرق بين النجاسة والحدث حيث قلتم إنه إذا صلى محدثاً ولو كان جاهلاً أو ناسياً وجب عليه إعادة صلاته وقلتم إذا صلى بثوب نجس جاهلاً أو ناسياً فلا إعادة عليه نقول بأن الفرق بينهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) وهذا عام والوضوء أمر إيجابي يعني شرط إيجابي لابد من حصوله وأما اجتناب النجاسة فهو شرط عدمي والشرط العدمي معناه أن الإنسان مأمور بتركه واجتنابه لا بفعله فإذا فعله ناسياً أو جاهلاً فلا حرج عليه ولا إثم لقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (الأحزاب: من الآية5) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم فخلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم فلما انصرف سألهم عن السبب في خلع نعالهم فقالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى فخلعتهما ولم يعد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة من أولها فدل هذا على أن النجاسة إذا تلبس بها الإنسان المصلى وهو جاهل بها فصلاته صحيحة وإلا لأعاد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة من جديد.
***(8/2)
رسالة من السائل محمد علي أريتري الجنسية مقيم بجدة يقول بعض الناس عندما يريدون الوضوء يتوضؤون داخل الحمامات المخصصة لقضاء الحاجة فيخرجون وقد ابتلت ملابسهم ولا شك أن الحمامات لا تخلو من النجاسات فهل تصح الصلاة في ملابسهم تلك وهل يجوز فعلهم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أقول إن هذه الشريعة ولله الحمد كاملةٌ من جميع الوجوه وملائمةٌ لفطرة الإنسان التي فطر الله الخلق عليها حيث إنها جاءت باليسر والسهولة بل جاءت لإبعاد الإنسان عن المتاهات في الوساوس والتخيلات التي لا أصل لها وبناءً على هذا فإن الإنسان بملابسه الأصل أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته يعني الحدث فقال صلى الله عليه وسلم (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فالأصل بقاء ما كان على ما كان فثيابهم التي دخلوا بها الحمامات التي يقضون بها الحاجة كما ذكره السائل إذا تلوثت بماء فمن الذي يقول أن هذه الرطوبة هي رطوبة النجاسة من بولٍ أو ماءٍ متغير بغائط أو نحو ذلك فإذا كنا لا نجزم بذلك فالأصل الطهارة، صحيحٌ أنه قد يغلب على الظن أنها تلوثت بشيءٍ نجس ولكن ما دمنا لم نتيقن فإن الأصل بقاء الطهارة فنقول في الجواب على هذا السؤال إنهم إذا لم يتيقنوا أن ثيابهم أصيبت بشيءٍ نجس فأن الأصل بقاء الطهارة ولا يجب عليهم غسل ثيابهم ولهم أن يصلوا بها ولا حرج.
***(8/2)
مبروك علي أحمد مصري ويعمل في الأردن يقول في رسالته أنا أصلى وعلى ملابسي بعض من دم المواشي وهذا بسبب ظروف العمل فهل هذا يبطل الصلاة أفيدوني بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الدم من المواشي بعد الذبح وخروج النفس فإنه يكون طاهراً لأن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد موت المذكاة طاهر وحلال وأما إذا كان هذا الدم من البهيمة وهي حية أو كان هو الدم المسفوح الذي يكون عند الذبح فإنه نجس لقول الله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فإنه أي هذا الشيء فالضمير عائد على الضمير المستتر في قوله إلا أن يكون وليس عائداً على قوله أو لحم خنزير بل هو عائد على المستثنى كله وتقدير الآية إلا أن يكون الشيء المحرم الذي يطعمه ميتة أو دماً مسفوحاً (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) فإن ذلك الشيء يكون نجساً فقوله (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس وعلى هذا فنقول إن الدم الذي يخرج من البهيمة وهي حية أو يخرج منها عند الذبح دم نجس إلا أن العلماء رحمهم الله قالوا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه.
***(8/2)
هذا السائل أحمد عبد الله من الرياض يقول ما مقدار الدم الذي تصح فيه الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدم إن كان نجسا فإن الصلاة لا تصح فيه سواء كان قليلا أم كثيرا مثل الدم الخارج من السبيلين كدم الحيض والباسور وأما إذا كان غير نجس بأن يكون خرج من غير السبيلين فإن العلماء اختلفوا فيه فمنهم من قال إنه نجس يعفى عن يسيره ومنهم من قال إنه ليس بنجس مثل دم الرعاف ودم الجرح بزجاجة ونحوها لكن الاحتياط أن الإنسان يغسله درءا للخلاف لكن الذين قالوا بنجاسته قالوا إنه يعفى عن يسيره واليسير ما عده الناس يسيرا.
***(8/2)
يقول إذا صلى الإنسان صلاتين بثوب فيه نجاسة ولم يكن يعلم فهل يعيد تلك الصلوات ومتى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد تلك الصلوات ما دام لم يعلم إلا بعد ذلك أو كان عالماً ثم نسي أن يغسله فإنه لا يعيد الصلاة لعموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه ذات يومٍ فخلع نعليه فخلعوا نعالهم فلما سلم قال ما لكم خلعتم نعالكم قالوا يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعناها فقال لهم (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما) فدل هذا على أن الجاهل بالنجاسة لا يلزمه إعادة الصلاة ولو كان يلزمه لاستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة من أولها.
***(8/2)
جزاكم الله خيراً يقول وقع على ثوبي نجاسة لم أنتبه لها إلا بعد أن صلىت ثلاثة فروض هل أعيد الفروض الثلاثة أم ماذا أفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا إعادة عليك وكل من صلى بنجاسةٍ ناسياً أو جاهلاً فصلاته صحيحة مثال الناسي أن يكون في ثوبه نجاسة بول أو غائط وينسى أن يغسله ثم قام فصلى ناسياً ولما انتهى من الصلاة ذكره فلا شيء عليه يعني أن صلاته صحيحة كذلك أيضاً لو كان جاهلاً بأن يكون صلى في ثوبٍ نجس ولكنه لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته فصلاته صحيحة والدليل على هذا قول الله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت وقول الله تبارك وتعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وهذان دليلان عامان وهنالك دليلٌ خاص وهو أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلى يوماً بأصحابه وفي أثناء الصلاة خلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم فقالوا يا رسول الله إنك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما) ولم يبدأ الصلاة من جديد بل بنى على صلاته
خلاصة الجواب أن من صلى وفي ثوبه نجاسة أو في بدنه نجاسة فنسي أن يغسلها أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة فلا شيء عليه وصلاته صحيحة أما من صلى محدثاً ناسياً أو جاهلاً فعليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة من جديد مثال ذلك في الجاهل رجل أكل لحم إبل وهو لم يعلم أنه لحم إبل فصلى ثم قيل له إن اللحم لحم إبل فهنا يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة ومثال الناسي رجل أحدث بأن بال واستنجى وقام ثم صلى ناسياً أنه أحدث فهنا نقول يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة والفرق بينهما أن النجاسة من باب التخلي عن المحظور وأما الحدث فهو من باب فعل المأمور والمأمور لا يسقط بالنسيان والجهل وأما المحظور فيسقط بالنسيان والجهل.
***(8/2)
رجل صلى الأوقات كلها وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا من الغد هل يعيد الصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد أن صلى عدة صلوات فإنه لا تجب عليه الإعادة لقول الله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كان يصلى بأصحابه فأتاه جبريل فأخبره أن في نعليه قذرا فخلع النعلين ومضى في صلاته ولم يستأنفها) فدل ذلك على أن الصلاة صحيحة إذا كان لا يعلم بالنجاسة فإن علم بها قبل أن يصلى ولكن نسي أن يغسلها فكذلك تكون صلاته صحيحة لأنه لم يتعمد أن يصلى في ثوب نجس.
***(8/2)
استيقظت من نومي في الفجر وتوضئت وصليت الفجر وبعد الضحى رأيت على ملابسي الداخلية آثاراً للاحتلام مع العلم أني قد صلىت الفجر هل أعيد ما صلىت بعد أن عرفت ذلك أفيدونا وفقكم الله بما فيه الخير والصلاح للمسلمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك قضاء صلاة الفجر التي صلىتها بدون طهارة وكذلك يسن لك قضاء سنتها أيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حين فاتته صلاة الفجر لما ناموا عنها قضى الراتبة ثم صلاة الفريضة، وها هنا مسألة بهذه المناسبة يجب أن نتفطن لها وهي كل من صلى بغير طهارة سواء كان بغير وضوء أو بغير غسل، سواء كان ناسياً أم جاهلاً يجب عليه قضاء الصلاة التي صلاها بدون هذه الطهارة فلو أكل الإنسان لحماً وهو لا يدري أنه لحم إبل ثم صلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم إبل وجب عليه قضاء الصلاة التي صلاها بعد أكل اللحم، وكذلك لو نسى أنه أحدث فصلى ثم ذكر أنه كان محدثاً حين صلاته وجب عليه قضاء الصلاة التي صلاها بدون طهارة، هذا بالنسبة للطهارة، طهارة الحدث، أما طهارة النجاسة فإن الإنسان إذا كان ناسياً أو جاهلاً فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه مثال ذلك رجل صلى وفي ثوبه نجاسة ولكنه لم يعلم عنها إلا بعد انتهاء صلاته فصلاته صحيحة، أو رجل آخر كان في ثوبه نجاسة ونسى أن يغسلها وصلى في ثوبه، ثم بعد أن صلى ذكر أنه لم يغسل النجاسة فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، لأنه يفرق بين طهارة الحدث وطهارة الخبث فإن طهارة الحدث من باب فعل المأمور الذي لا تتم العبادة إلا بوجوده فهو شرط إيجابي وجودي، وأما الطهارة من الخبث فهي من باب ترك المحظور لأنه شرط سلبي عدمي، أي يشترط إزالته لا إيجاده وما كان من باب فعل المحظور فإنه يعفى عنه بالجهل والنسيان، وفي قصة خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعاله أثناء صلاته حين أخبره جبريل أن فيهما أذى دليل على تقرير هذه القاعدة التي ذكرناها، وهي: الفرق بين فعل المأمور وترك المحظور فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبره جبريل بأن في نعليه أذىً خلعهما واستمر في صلاته ولم يستأنفها، فدل ذلك على أن فعل المحظور إذا كان الإنسان ناسياً أو جاهلاً لا حرج عليه فيه، وعليه أيضاً لو ذكر الإنسان في أثناء الصلاة أن في ثوبه نجاسة فإن كان يمكنه أن يخلع هذا الثوب ويستمر في صلاته مثل أن يكون عليه ثياب أخرى سواه فيخلعه لأنه الأعلى من الثياب ويستمر في صلاته فهذا هو الواجب عليه، وإن كان لا يمكنه خلعه لكونه ليس عليه ثوب سواه فإنه ينصرف من صلاته، لأن صلاته لا تصح إذا علم النجاسة وهو في أثنائها.
***(8/2)
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ إذا وجد الشخص في ثوبه نجاسة بعد عدة صلوات هل يعيد هذه الصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وجد المصلى في ثوبه نجاسة بعد أن صلى فإنه لا إعادة عليه وكذلك لو كان يعلم بالنجاسة قبل الصلاة ولكن نسي أن يغسلها ثم صلى فلا إعادة عليه ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلى بأصحابه ذات يوم وكان لابسا نعليه وفي أثناء الصلاة خلعهما فخلع الصحابة نعالهم تأسيا برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلما قضى الصلاة سألهم لماذا خلعوا النعال فقالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا) فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً فخلعتهما) فهنا علم النبي صلى الله عليه وسلم بما في نعليه من القذر واستمر في صلاته بعد خلعهما ولم يستأنف الصلاة لأنه كان لا يعلم عليه الصلاة والسلام أن فيهما قذرا فدل ذلك على أن من جهل النجاسة في لباسه من نعال أو سروال أو قميص أو غترة حتى صلى فإن صلاته صحيحة وإن علم في أثناء الصلاة خلع النجس إن أمكنه خلعه واستمر في صلاته وإن لم يمكنه خلعه مثل أن تكون النجاسة في قميص ليس عليه غيره فإنه يقطع صلاته ليغسل النجاسة أو يبدل الثوب النجس بثوب طاهر وفي هذا الحديث حديث النعلين دليل واضح على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم الغيب كما أمره ربه عز وجل أن يعلن للأمة أنه لا يعلم الغيب فقال الله تعالى له (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) وقال الله تعالى له (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ولا يملك لغيره ضرا ولا رشدا ولا نفعا ولا ضرا لأنه بشر مخلوق لله عز وجل مربوب لله يصيبه ما يصيب البشر من المرض والجوع والعطش والحر والبرد كما قال عليه الصلاة والسلام حين نسي في صلاته قال (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) وبهذا نعرف ضلال من يدعون النبي صلى الله عليه وسلم أن يكشف ضرهم أو يجلب لهم النفع أو يظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب قال الله تبارك وتعالى (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) ولكن الإنسان الموفق هو الذي لا يدعو إلا الله ولا يعتمد إلا على الله ولا يطلب النفع إلا من الله ولا يطلب دفع الضرر أو رفعه إلا من الله عز وجل المهم أن نقول كل من صلى بثوب نجس وهو لا يعلم أنه نجس فصلاته صحيحة وكل من صلى بثوب نجس كان عالماً أنه نجس لكن نسي أن يغسل النجاسة فإنه لا يعيد صلاته أما من صلى بغير وضوء ناسيا أو جاهلا ثم تبين له فعليه أن يعيد الصلاة كما لو أكل الإنسان لحم إبل وهو لا يدري أنه لحم إبل فصلى ثم تبين له بعد الصلاة أنه أكل لحم إبل وجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة لأنه صلى بغير وضوء فيفرق بين من صلى بغير وضوء وبين من صلى في ثوب نجس وكذلك لو أن الإنسان أصابته جنابة في نومه فقام ولم يعلم بها فتوضأ وصلى الفجر ثم تبين له بعد ذلك أن في ملابسه جنابة كانت من الليل فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة لأنه صلى وهو محدث.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول ماذا أفعل إذا وجدت نجاسة في ملابسي وكنت قد صلىت عدة فروض ولم أفطن لوجود هذه النجاسة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا تفعل شيئا فإن صلاتك صحيحة إذ أن القول الراجح من أقوال العلماء رحمهم الله أن الإنسان إذا صلى في نجاسة على ثوبه أو بدنه أو مصلاه وهو لا يعلم بها فإن صلاته صحيحه ودليل ذلك قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت وقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وهذا لم يتعمد ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (صلى في أصحابه ذات يوم وفي أثناء الصلاة خلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما قضى الصلاة قال لهم ما بالكم يعني خلعتم النعال قالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا أي نجاسة) ولم يستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بل مضى في صلاته فدل ذلك على أن من صلى في نجاسة على ثوبه أو بدنه أو مكان صلاته وهو جاهل لا يعلم بها فإن صلاته صحيحة وكذلك أيضا لو صلى في النجاسة ناسيا أي نسي أن يغسلها وصلى ثم لما انتهى من صلاته ذكر أنه كان عليه نجاسة فإن صلاته صحيحة لأن النسيان أخو الجهل فإن الناسي لا يفعل المعصية عن عمد بل قد سمعت أيها السامع أن الله تعالى قال في قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال قد فعلت فإن قال قائل وهل مثل ذلك لو صلى الإنسان على حدث ولم يعلم أنه على حدث إلا بعد صلاته أو نقض وضوءه فنسي أن يتوضأ فصلى قلنا ليس كذلك يعني ليس نسيان الوضوء أو الجهل بالناقض كنسيان النجاسة أو الجهل بالنجاسة بل يجب عليه إذا ذكر أنه لم يتوضأ أن يتوضأ ويعيد الصلاة وكذلك لو انتقض وضوؤه وصلى ونسي أنه انتقض وضوؤه فإن صلاته غير صحيحة فإن قال قائل الرجل يستيقظ من نومه فيجد على ثوبه أثر جنابه ولكنه لا يدري أهو من هذه النومة الأخيرة أو من التي قبلها أو من التي قبل قبلها فهل يلزمه أن يعيد الصلوات من النومة الأخيرة أومن التي قبلها أو من التي قبل قبلها فالجواب أنه لا يلزمه أن يعيد إلا الصلاة التي صلاها بعد آخر نومة نامها وذلك لأن هذه الجنابة قد شك هل هي من النومة الأولى أو الثانية أو الثالثة التي هي الأخيرة والأصل الطهارة في النومة الأولى وفي النومة الثانية فلم يبق إلا النومة الأخيرة فعلى هذا لا تلزمه إلا إعادة الصلوات التي كانت بعد الأخيرة فيغتسل ثم يصلى ما صلاه في هذه الجنابة مثال ذلك رجل صلى الفجر ثم نام ثم قام فصلى الظهر ثم نام ثم استيقظ فصلى العصر ولما صلى العصر وجد أثر جنابة فلا يدري أهي من نومة الليل أو من النومة بعد الفجر أو من النومة بعد الظهر فنقول اجعلها من النومة التي بعد الظهر ولا يجب عليك إلا إعادة صلاة العصر فقط لأن النومة التي بعد الفجر والتي قبل الفجر مشكوك في وجود الجنابة فيهما والأصل عدم الجنابة ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما شكي إليه الرجل يجد في بطنه شيئا فيشكل عليه أخرج منه شيء أم لا قال (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) فلم يحكم عليه الصلاة والسلام بالحدث إلا باليقين.
***(8/2)
لقد أصبحت في أحد الأيام وأنا جنب ولم أغتسل فصلىت الفجر والظهر وأنا جنب فهل تقبل صلاتي أم علي أن أتوب وأعيد الصلاتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما إن كنت تعلم بالجنابة وصلىت متعمدا وأنت على جنابة فأنت على خطر عظيم لأن من العلماء من قال (من صلى على حدث عالما فهو كافر) نسأل الله العافية لأنه كالمستهزئ بآيات الله وأما إن كنت جاهلا لم تعلم بالجنابة إلا بعد أن صلىت الفجر والظهر فليس عليك شيء إلا أن تغتسل وتعيد الصلاتين وكذلك لو كنت عالما بالجنابة لكن نسيت فصلىت الفجر والظهر فليس عليك إلا أن تغتسل وتعيد الصلاتين وإنني بهذه المناسبة أود أن أوجه إخواني المسلمين إلى المبادرة في غسل النجاسة التي تصيبهم في ثيابهم أو أبدانهم أو مصلىاتهم وأن يبادروا كذلك في رفع الحدث عند إرادة الصلاة لأن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المبادرة بغسل النجاسة فقد أتي إليه بصبي لم يأكل الطعام يعني بصبي صغير فأقعده في حجره فبال عليه فبادر النبي صلى الله عليه وسلم ودعا بماء فأتبعه إياه ولما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحال أن يراق على بوله سجل من ماء فالإنسان ينبغي إليه أن يبادر بإزالة النجاسة ولا يقول سوف أزيلها إذا قمت أصلى أو ما أشبه ذلك لأنه ربما ينسى ولكنه لو أنه قال سأزيلها إذا قمت للصلاة ثم نسي وصلى فصلاته صحيحة وهذا بخلاف من صلى ناسيا الحدث فإن صلاته لابد من إعادتها والفرق أن رفع الحدث من باب فعل المأمور وإزالة النجاسة من باب ترك المحظور.
***(8/2)
يقول بعد صلاة الفجر وجدت على الملابس الداخلية بقع مني دون أن أشعر بذلك هل تكون صلاتي صحيحة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت لم تنم بعد صلاة الفجر فإن صلاة الفجر غير صحيحة لوقوعها وأنت جنب حيث تيقنت أنها مني، أما إذا كنت قد نمت بعد صلاة الفجر ولا تدري هل هذه البقعة من نومتك الأخيرة التي بعد الصلاة أو مما قبل الصلاة، فالأصل أنها مما بعد الصلاة، وأن صلاتك صحيحة وهكذا الحكم أيضاً فيما لو وجد الإنسان أثر مني، وشك هل هو من الليلة الماضية أو من الليلة التي قبلها، فليجعله من الليلة الماضية القريبة، يعني يجعله من آخر نومة نامها لأن ذلك هو المتيقن وما قبلها مشكوك فيه، والشك في الأحداث لا يوجب الطهارة منها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أو لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحاً) رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
***(8/2)
هذا السائل من تونس م. ن. ح. ش. يقول هل تجوز الصلاة في مسجد جزء منه على حافة الطريق والجزء الآخر في المقبرة مع العلم بأنه بني على ضريح ولي صالح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أن يصلى الإنسان في مسجد بني على ضريح أي على قبر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهذا المسجد مسجد محرم يجب هدمه أما لو كان المسجد قديما ثم دفن فيه ميت فإنه يجب أن ينبش الميت ويدفن مع الناس فإن لم يمكن نظرنا إن كان الميت في جهة القبلة فإنه لا يصلى إلى الميت وإن كان خلف القبلة أو عن اليمين أو عن اليسار فلا بأس أن يصلى في هذا المسجد.
***(8/2)
بارك الله فيكم ما حكم الصلاة في المساجد التي فيها قبور مع العلم بأنه لا يوجد حاجز يفصل بين القبور والمسجد وإذا كان هناك حاجز ما حكم الصلاة فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسجد الذي فيه قبر في صحة الصلاة فيه تفصيل فإن كان المسجد قد بني على القبر فالصلاة فيه باطلة لأنه مسجد يجب هدمه لأن البناء على القبور محرم وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبورا أنبيائهم مساجد) قال ذلك في آخر حياته تحذيرا لأمته أن تفعل كما فعلت اليهود والنصارى وأما إذا كان المسجد سابقا على القبر ودفن الميت فيه فإن الواجب نبش القبر ودفنه مع الناس فإن لم يفعل ذلك نظرنا إن كان القبر في قبلة المسجد فإن الصلاة لا تصح إلى القبر لأنه ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) وإن كان خلف المصلىن أو على يمينهم وشمائلهم فالصلاة في المسجد صحيحة.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا السائل أحمد من اليمن من محافظة إب يقول في هذا السؤال نرجو منكم أن تفتونا في هذا السؤال يوجد لدينا قبر رجل ويقولون بأنه ولي وقد بني عليه قبة وبجانبه ما يقارب من ثلاثة قبور أخرى والقبة المذكورة قد جعلوا فيها مقدمة ومكانا يصلى فيه والقبور المذكورة تقع خلف المصلىن ونحن نصلى في هذه القبة والقبور من خلفنا فنرجو من فضيلة الشيخ النصح والتوضيح هل صلاتنا صحيحة أم لا جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البناء على القبور محرم وكل بناء بني على قبر فإنه يجب هدمه ولا يجوز إقراره والصلاة فيه لا تصح بل هي باطلة فلا يحل لكم أن تصلوا في هذه الساحة وإن صلىتم فأنتم آثمون وصلاتكم باطلة مردودة عليكم ثم إني أقول من قال إن هذا قبر ولي؟ قد يكون دجلا وكذبا ثم أقول من هو الولي قد يكون دجالا دجل على الناس وقال إنه من أولياء الله وهو من أعداء الله وأولياء الله تعالى هم المؤمنون المتقون لقوله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فلابد من هذه المقدمات أن يعلم أن هذا من أولياء الله لكونه مؤمنا تقيا وأن يعلم أنه دفن في هذا وبعد هذا يجب أن تهدم القبة التي عليه ولا تصح الصلاة فيها.
***(8/2)
ماحكم الشرع في نظركم في الصلاة في مسجد به ضريح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الضريح يعني القبر والمسجد الذي فيه ضريح لا يخرج عن حالين إما أن يكون المسجد مبنياً على الضريح يعني على القبر فهذا مسجدٌ لا تصح الصلاة فيه لأنه مسجدٌ لا يجوز إقراره شرعاً بل يجب هدمه وتخلي المكان عنه وعن الصلاة حول القبر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تصلوا إلى القبور) والحال الثانية أن يكون المسجد سابقاً على القبر ولكن يدفن فيه الميت لسبب من الأسباب فهذا المسجد تصح فيه الصلاة بشرط أن لا يكون القبر في القبلة ولكن يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس في المقبرة ولا يحل إبقاؤه في المسجد لأن المساجد إنما بنيت للصلاة فيها لا للدفن فيها ثم إن الميت لا ينتفع بدفنه في المسجد والميت إن كان من أهل السعادة فهو في سعادة ولو دفن في أقصى البر وإن كان من أهل الشقاوة فهو من أهل الشقاوة ولو دفن في المسجد وإنا بهذه المناسبة ننصح إخواننا الذين ابتلوا بهذا أن يطالبوا إما بهدم المسجد إن كان مبنياً على القبر بأن يكون القبر سابقاً عليه ثم بني عليه المسجد وإما بإخراج الميت من قبره حتى يدفن مع الناس إذا كان المسجد سابقاً للقبر لأنه ليس لأهل الميت الحق في أن يدفنوه في المسجد الذي أعد للصلاة.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا السائل أخوكم في الله محمد محمد عبد الله من ليبيا يقول نود أن نستفسر عن حكم الصلاة بمسجد بقبلته مقبرة حيث تبعد القبور عن المسجد بمسافة لا تزيد على أربعة أمتار ولا يوجد حاجز بين المسجد والقبور ولا يمكننا طمس تلك القبور أو إنشاء حاجز بين المسجد والقبور كما نرجو من فضيلتكم بيان معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) هل المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام لا تصلوا إلى القبور هل هو الصلاة باتجاه القبر أو المقصود بها تعظيمها والتبرك بها وهذا رسم يا شيخ يوضح المسجد والمقبرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بعد النظر إلى الرسم تبين أن المقبرة في قبلة المسجد تماما وأنه ليس بينها وبين المسجد حاجز لأن باب المقبرة مفتوح في جدار المسجد في جناح خارج عن المسجد لكن هذا الجدار يمتد إلى جدار المسجد القبلي وعلى هذا فلابد من أن يوضع جدار يحول بين المسجد وبين المقبرة وهذا ليس بمتعذر فقول السائل إنه متعذر لا نرى له وجها وليس بمقبول بل يوضع الجدار ويرفع ولا حرج أن يكون أعلى الجدار مفتوحا من أجل الإضاءة والهواء وبذلك يزول الإشكال.
***(8/2)
يقول السائل البيت الذي بني في المقبرة ما حكم الصلاة فيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لا يجوز أن يبنى بيت في المقبرة لأن المقبرة مسبلة موقوفة لغرض معين فلا يجوز أن يفعل فيها ما يخالف هذا الغرض ومن المعلوم أنه إذا بني بها بيت فإنه سوف ينفرد صاحب البيت بمنفعته ولا يدفن فيه وعلى هذا فإذا بني بيت على المقبرة وجب هدمه ولا يجوز السكنى فيه وإذا لم تجز السكنى فيه لم تجز الصلاة فيه.
***(8/2)
جزاكم الله خيراً إذا صلى الشخص في مسجد به قبر ولم يعلم بذلك إلا بعد انتهاء الصلاة هل يعيد الصلاة مرةً أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد الصلاة مرةً أخرى ولكن هل تصح الصلاة في هذا المسجد أو لا بمعنى هل تحرم الصلاة في هذا المسجد أو لا الجواب إن كان المسجد مبنياً على القبر وجب هدم المسجد ولا تحل الصلاة فيه لأن هدمه أولى من هدم مسجد الضرار وأما إذا كان المسجد سابقاً على القبر بمعنى أن المسجد قائم ثم دفن فيه رجل فالصلاة في هذا المسجد صحيحة إلا أن يكون القبر في القبلة ويجب أن ينبش القبر على كل حال ويدفن مع الناس لأن دفنه في المسجد دفنٌ بغير حق والمساجد إنما بنيت لذكر الله والصلاة لا لدفن الأموات فيها فهو كالمدفون في أرضٍ مغصوبة يجب أن ينبش وأن يدفن مع الناس.
***(8/2)
المستمع خالد عبد الله الزهراني يقول نحن نعيش في إحدى قرى الجنوب وقد بنينا مسجداً للصلاة فيه ولكننا عندما بدأنا نبنيه وجدنا فيه قبوراً فقمنا بأخذ الجثث منها ووضعناها في مكان آخر علماً أنه يوجد لدينا مسجد قديم وليس فيه قبور ولكنه صغير ومبني من الطين فهل تجوز لنا الصلاة في هذا المسجد الجديد أم ماذا علينا أن نفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه قبور لا تخلو إما أن تكون قبور جاهلية قبور كفار فلا حرمة لها وإما أن تكون قبور مسلمين فإن كانت قبور مسلمين فإنه ليس لكم الحق في نبشها وبناء المسجد مكانها وما فعلمتموه من النبش وبناء المسجد قد أخطأتم فيه وعليكم الآن أن تراجعوا المسؤولين في بلادكم عن هذه المسألة والجهات المسؤولة في هذا إما المحكمة وإما وزارة الأوقاف حتى تنظر في هذا الأمر هل يهدم المسجد وترد الرمم إلى مكانها أو يقال إنه لما بني المسجد ونقلت الجثث إلى المقبرة مع الناس فإنه يبقى على ما هو عليه وما رأته الجهات المسؤولة في هذا الأمر فنرجو الله عز وجل أن تكون فيه موفقة للصواب كما أننا نرجو من عامة إخواننا المسلمين ألا يقدموا على مثل هذه الأعمال إلا بعد سؤال أهل العلم أو مراجعة المسؤولين في ذلك.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول المستمع من العراق ماحكم الصلاة في مسجد فيه قبر وهل يستوي الحكم إذا كان القبر ليس من ضمن الجامع أي في الحوش مثلاً فقد سمعنا فتوى تقول بأنه تجوز الصلاة إذا كان غير مستقبل القبر ونيتك إلى الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى في هذه المسألة أنه لا يخلو الأمر من حالين الأولى أن يكون المسجد سابقاً على القبر فإذا كان سابقاً على القبر فإن الصلاة تصح فيه إلا إن يكون القبر في القبلة فإنه لا يجوز استقبال القبور حال الصلاة لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) أما إذا كان القبر سابقاً على المسجد ولكن بني المسجد عليه فإن الصلاة في المسجد لا تصح سواء كان القبر في جوف المسجد أو في حوش المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور واتخاذها مساجد فإذا اتخذها الإنسان مسجداً فقد عصى الله ورسوله وفعل ما لم يرد به أمر الله ورسوله وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا هو التفصيل في مسألة الصلاة التي في المسجد الذي فيه قبر.
***(8/2)
المستمع محمد الجزار مصري مقيم بالعراق في بغداد يقول في رسالته ما حكم الشرع في مسجد بداخله مقام ولي من الأولياء ويصلى في هذا المسجد وهل الصلاة في هذه الحالة تعتبر باطلة أم لا أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال ذلك تحذيراً مما صنعوا فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا القبور مساجد سواء كانت تلك القبور قبور أولياء أم كانت قبور صالحين لم يصلوا إلى حد الولاية في زعم من اتخذ هذه المساجد عليها فإن فعلوا بأن بنوا مسجداً على قبر من يرونه ولياً أو صالحاً فإنه يجب أن يهدم هذا المسجد لأنه مسجد محرم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد أما إذا كان القبر بعد المسجد بأن أسس المسجد أولاً ثم دفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش هذا الميت ويدفن في المقابر ولا يحل إبقاؤه في المسجد لأن المسجد تعين للصلاة فيه فلا يجوز أن يتخذ مقبرة هذا هو الحكم في هذه المسألة وبقي لي تنبيه على صيغة السؤال الذي سأله السائل وهو قوله ما حكم الشرع في كذا وكذا فإن هذا على الإطلاق لا يوجه إلى رجل من الناس يخطئ ويصيب لأنه إذا أخطأ نسب خطؤه إلى الشرع حيث إنه يجيب باسم الشرع باعتبار سؤال السائل ولكن يقيد إذا جاءت الصيغة هكذا فيقال ما حكم الشرع في نظركم في رأيكم وما أشبه ذلك أو يقول صيغة ثانية ما رأيكم في كذا وكذا حتى لا ينسب الخطأ إذا أخطأ المجيب إلى شريعة الله عز وجل وهذا يرد كثيراً في الأسئلة الموجهة إلى أهل العلم ويرد أحياناً في الكتب المؤلفة فتجد الكاتب يقول نظر الشرع كذا وكذا حكم الإسلام كذا وكذا مع أنه إنما هو عنده فقط وحسب اجتهاده وقد يكون صواباً وقد يكون خطأ أما إذا كان الحكم حكماً منصوصاً عليه في القرآن واضحاً فلا حرج أن تقول حكم الشرع الحكم كذا وكذا كما لو قلت حكم الإسلام في الميتة أنها حرام لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) حكم الإسلام في نكاح الأم والبنت التحريم لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) وما أشبه ذلك وهذه المسألة ينبغي التفطن لها عند توجيه الأسئلة إلى أهل العلم وعند كتابة الأحكام في المؤلفات وكذلك في الخطب والمواعظ أن لا ينسب إلى الإسلام شيء إلا إذا كان منصوصاً عليه نصاً صريحاً بيناً وإلا فيقالُ فيما أرى أو يقول يحرم كذا مثلاً أو يجوز كذا بدون أن يقول أن هذا حكم الإسلام لأنه قد يخطئ فيه ولهذا كان بعض الأئمة من سلف هذه الأمة يحترزون من إطلاق التحريم على شيء لم ينص على تحريمه وهذا كثير في عبارات الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقول أكره هذا أو لا يعجبني أو لا أراه أو هو قبيح أو ما أشبه ذلك تحرزاً من أن يطلق التحريم على شيء ليس في الشرع ما يدل على التحريم فيه على وجه صريح.
***(8/2)
وجدت في كتاب الروض المربع للإمام أحمد بن حنبل أن سبعة أماكن لا تجوز فيها الصلاة ومن هذه الأماكن المقبرة وعندنا في بلدنا يصلون على الميت في المقبرة قبل الدفن فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السائل يقول وجدت في الروض المربع للإمام أحمد بن حنبل والكتاب المذكور ليس للإمام أحمد بن حنبل لكنه لأحد المنتسبين إلى الإمام أحمد بن حنبل وهو منصور بن يونس البهوتي شرح فيه زاد المستقنع للشيخ موسى بن سالم الحجاوي والكتاب المذكور وأصله كلاهما على المشهور من مذهب أحمد عند المتأخرين من أصحابه ومن جملة المواضع التي ذكر أن الصلاة لا تصح فيها المقبرة وهي مدفن الموتى وقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) وروى مسلم عن أبي مرثد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) وعلى هذا فإن الصلاة في المقبرة لا تجوز والصلاة إلى القبر لا تجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن المقبرة ليست محلاً للصلاة ونهى عن الصلاة إلى القبر والحكمة من ذلك أن الصلاة في المقبرة أو إلى القبر ذريعة إلى الشرك وما كان ذريعة إلى الشرك كان محرماً لأن الشارع قد سد كل طريق يوصل إلى الشرك والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فيبدأ به أولاً في الذرائع والوسائل ثم يبلغ به الغايات فلو أن أحداً من الناس صلى صلاة فريضة أو صلاة تطوع في مقبرة أو إلى قبر فصلاته غير صحيحة أما الصلاة على الجنازة فلا بأس بها فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه صلى على القبر في قصة المرأة أو الرجل الذي كان يقم المسجد فمات ليلاً فلم يخبر الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم بموته فلما أصبح قال صلى الله عليه وسلم دلوني على قبره أو قبرها فدلوه فصلى صلوات الله وسلامه عليه) فيستثنى من الصلاة الصلاة على القبر وكذلك الصلاة على الجنازة قبل دفنها لأن هذه صلاة خاصة تتعلق بالميت فكما جاءت الصلاة على القبر على الميت فإنها تجوز الصلاة عليه قبل الدفن.
***(8/2)
يقول هذا المسجد يحيط به سور وفي داخل هذا السور يوجد قبر. والقبر ليس داخل المسجد بل داخل السور المحيط بالمسجد فهل يجوز ذلك وهل يؤثر هذا على صحة الصلاة في المسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أنه يجب عليك فوراً من حين ما تسمع هذا الجواب أن تتصل بالمحكمة لديكم حتى ينظر القاضي ماذا يأمر به نحو هذا القبر لأنه لا يجوز أن يبقى القبر داخل رحبة المسجد ولينظر إذا كان القبر هو الأول فيقصر من سور المسجد ويخرج القبر من المسجد بتدخيل سور المسجد عنه حتى يكون خارجه وإذا كان المسجد هو الأول فإنه ينبش القبر ويدفن في مقابر الناس.
***(8/2)
أحسن الله إليكم هل تصح الصلاة في مسجد فيه قبر ويقال بأن صاحب هذا القبر ولي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ينظر هل المسجد بني على القبر أو أنه سابق على القبر ثم دفن فيه الميت فإن كان الأول فإن الصلاة فيه حرام لا تجوز يعني إن كان المسجد بني على القبر فالصلاة فيه لا تصح ويجب أن يهدم المسجد لأنه إذا كان الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسجد الضرار (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) فكيف بمسجد يكون وسيلة للشرك فلا تحل الصلاة فيه ولا تصح الصلاة فيه ويجب أن يحفر القبر وينقل الميت إلى المقابر أما إذا كان المسجد سابقا ثم دفن فيه هذا الميت فهنا يجب إخراج الميت من المسجد وجوبا لأنه لا حق لأحد أن يدفن ميته في بيت من بيوت الله والمسجد للمصلىن وليس للميتين فيجب أن ينبش القبر ويدفن الميت مع الناس فإن قدر أنه لم يكن هذا وأن نبشه غير ممكن لغلبة الجهل وضعف السلطة وضعف الدين فالصلاة في المسجد صحيحة بشرط ألا يكون القبر أمام المصلىن أي قبلتهم بل يكون عن اليمين أو الشمال أو الوراء.
***(8/2)
هل تجوز الصلاة في المساجد التي يوجد بداخلها مقامات للصحابة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل أن جميع ما على وجه الأرض محل للصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت الأرض مسجداً وطهورا) إلا ما دل في الشرع على المنع منه مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مرثد الغنوي (لا تصلوا إلى القبور) وفيما جاء في الترمذي (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) وعلى هذا فهذه المساجد التي فيها مقامات نحتاج إلى تحرير أمرين:
الأمر الأول هل صحيح أن هذا المسجد فيه مقام هذا الصحابي هذا يحتاج إلي دليل بيّن يثبت ذلك.
ثانياً ما هذا المقام هل هو قبر أو أن الصحابي قد صلى فيه مرة من المرات فإن كان معناه أن الصحابي قد صلى فيه مرة من المرات فإن هذا لا يوجب بطلان الصلاة في هذا المسجد ولا يوجب هدم ذلك المسجد وإن كان المراد أن في هذا المسجد قبراً لأحد من الصحابة فإنه يجب هدم المسجد لأنه لا يجوز بناء المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا القبور مساجد) وقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فإذا صح أن هذا المسجد فيه قبر لأحد من الناس فإن الواجب هدم ذلك المسجد وإقامة مسجد آخر ليس فيه قبر سواء كان حول هذا أو بعيداً عنه المهم ألا يكون فيه القبر.
***(8/2)
هل يجوز الصلاة في مساجد وفيها قبور بعض الصالحين والأولياء، كما في الحضرة وعلي الهادي، والغيبة، أو في سيدنا الزبير، وهل يعتبر شركاً بالله أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعرف أن بناء المساجد على القبور حرام، ولا يصح، يعني لا يجوز لأحد من ولاة الأمور وغير ولاة الأمور أن يبني المساجد على القبور، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) فإذا كانت اللعنة قد وجبت لمن بنى مسجداً على قبر نبي، فما بالك بمن بنى مسجداً على من هو دون النبي، بل على أمر قد يكون موهوماً لا محققاً، كما يقال في بعض المساجد التي بنيت على الحسين بن علي رضى الله عنه فإنها قد تكون في العراق وفي الشام وفي مصر، ولا أدرى كيف كان الحسين رضى الله عنه رجلاً واحداً ويدفن في ثلاثة مواضع، هذا شيء غير معقول فالحسين بن علي رضى الله عنه الذي تقتضيه الحال أنه دفن في المكان الذي قتل فيه، وأن قبره سيكون مخفي خوفاً عليه من الأعداء كما أخفى قبر علي ابن أبي طالب رضى الله عنه حينما دفن في قصر الإمارة بالكوفة خوفاً من الخوارج، لهذا نرى أن هذه المساجد التي يقال إنها مبنية على قبور بعض الأولياء نرى أنه يجب التحقق هل هذا حقيقة أم لا؟ فإذا كان حقيقة فإن الواجب أن تهدم هذه المساجد وأن تبنى بعيداً عن القبور، وإذا لم تكن حقيقة وأنه ليس فيها قبر، فإنه يجب أن يبصّر المسلمون، بأنه ليس فيها قبور وأنها خالية منها حتى يؤدوا الصلاة فيها على الوجه المطلوب، وأما اعتقاد بعض العامة أنهم إذا صلوا إلى جانب قبر ولي أو نبي أن ذلك يكون سبباً لقبول صلاتهم وكثرة ثوابها فإن هذا وهم خاطئ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور فقال (لا تصلوا إلى القبور) وكذلك قال (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) فالقبور ليست مكاناً للصلاة، ولا يجوز أن يصلى حول القبر أبداً إلا صلاة الجنازة على صاحب القبر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر وعلى كل حال نقول هذه المساجد إن كانت مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب هدمها وبناؤها في مكان ليس فيه قبر، وإن لم تكن مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب أن يبصر المسلمون بذلك وأن يبين لهم أن هذا لا حقيقة له وأنه ليس فيه قبر فلان ولا فلان حتى يعبدوا الله تعالى في أماكن عبادته وهم مطمئنون، أما الصلاة في هذه المساجد فإن كان الإنسان يعتقد أنها وهم وأنه لا حقيقة لكون القبر فيها فالصلاة فيها صحيحة، وإن كان يعتقد أن فيها قبراً، فإن كان القبر في قبلته فقد صلى إلى القبر، والصلاة إلى القبر لا تصح للنهي عنه، وإن كان القبر خلفه أو يمينه أو شماله فهذا محل نظر.
***(8/2)
أحسن الله إليكم يقول السائل من اليمن هناك مسجد يصلى فيه الناس وأمام قبلة هذا المسجد قبر من الخارج والقبر بني بعد المسجد فهل الصلاة صحيحة فيه أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة في هذا المسجد صحيحة لأن القبر خارج المسجد والقبر حادث بعد أن بني المسجد وحينئذٍ يجب أن نبين أن المسجد الذي فيه قبر إن كان مبنياً على القبر وجب هدمه والصلاة فيه غير صحيحة وإن كان المسجد سابقاً ودفن فيه الميت وجب أن ينبش ويخرج من المسجد ويدفن مع الناس فإن تعذر هذا فالصلاة في المسجد صحيحة لكن لا يجعل المصلى القبر أمامه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا تصلوا إلى القبور) .
***(8/2)
هذا السائل عامر محمود من الأردن يقول إنني أصلى في مسجد وهذا المسجد قريب من سور قبر يعني خارج المسجد وسمعت منهم أيضا أنهم يقولون بأن الصلاة فيه مكروهة مع العلم بأنه مسجد في سوق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأمر كما وصف السائل أن القبر خارج سور المسجد فلا بأس به إن كان على يمين المصلى أو عن يساره أو خلف ظهره أما إذا كان في قبلته فينظر إذا كان الجدار جداراً رفيعا بحيث لا يشاهد المصلى هذا القبر فإنه لا بأس بذلك لا سيما إذا كان القبر قبرا على الوجه المشروع لم يكن مشرفا مبنيا عليه أو ما أشبه ذلك وعلى هذا فلا بأس بالصلاة في هذا المسجد لكن المشكلة أن بعض المساجد فيها قبور في نفس المسجد فهذه نقول إن كان المسجد مبنيا على القبر فالمسجد غير شرعي ولا تجوز الصلاة فيه ويجب هدمه وإن كان المسجد سابقا على القبر ودفن فيه الميت بعد ذلك أي بعد أن بني فإنه يجب أن ينبش القبر وأن تخرج عظام الميت ورميم الميت وتدفن في المقابر العامة ويسوى قبره بالمسجد فإذا كان هذا غير ممكن أي لا يمكن نبش القبر الذي دفن صاحبه بعد بناء المسجد نظرنا إن كان القبر في قبلة المسجد فالصلاة إليه لا تصح لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي مرثد الغنوي الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم (نهى عن الصلاة إلى القبور) وإذا كان القبر خلف المصلىن أو عن أيمانهم أو شمائلهم فلا بأس بالصلاة في هذا المسجد أرجو أن يكون الجواب واضحا وهو أن يكون هناك فرق بين مسجد بني على قبر وبين ميت دفن في المسجد فالأول لا تصح الصلاة فيه والثاني تصح الصلاة فيه إذا كان الميت خلف المصلىن أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم وإن كان في قبلتهم فإن الصلاة إليه لا تجوز وعلى هذا فيمكن أن يصلى الناس في جهة أخرى من المسجد لا يكون القبر أمامهم على أنه يجب على أهل الميت أن يخرجوه من المسجد ويدفنوه مع الناس حتى لو لم يكن منه إلا عظام أو رميم حتى لو أوصى هذا الميت أن يدفن في المسجد لأن بعض الناس لجهلهم يوصون أن يدفنوا في المساجد التي بنوها وهذه الوصية لا يحل تنفيذها لأنها وصية بشيء محرم فإن الرجل إذا بنى المسجد لم يكن المسجد بيتا له بل هو بيت الله عز وجل وهو فيه كسائر المسلمين.
***(8/2)
المستمعة ل. ج. م. من الموصل العراق تقول في رسالتها عندنا عدد من المساجد بأسماء الأنبياء مثل جامع النبي يونس وغيرها من الجوامع ويوجد داخل المسجد مرقد لذلك النبي ويذهب الناس ويصلون في هذه المساجد وفي الحديث الذي معناه (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) ما حكم عملهم هذا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تسمية المساجد بأسماء الأنبياء لا تنبغي لأن هذا إنما يتخذ على سبيل التقرب إلى الله عز وجل أو التبرك بأسماء الأنبياء والتقرب إلى الله بما لم يشرعه أو التبرك بما لم يجعله سبباً للبركة لا ينبغي بل هو نوع من البدع وأما كون قبور الأنبياء في هذه المساجد فإنه كذب لا أصل له فلا يعلم قبر أحد من الأنبياء سوى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الأنبياء كلها مجهولة فمن زعم مثلاً أن مسجد النبي يونس كان مرقد يونس أو كان قبر يونس فإنه قد قال قولاً بلا علم وكذلك بقية المساجد أو الأماكن التي يقال عنها إن فيها شيئاً من قبور الأنبياء فإن هذا قول بلا علم وأما صحة الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور فإن كان القبر سابقاً على المسجد بأن بني المسجد على القبر فإن الصلاة فيه لا تصح ويجب هدم المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) وأما إذا كان المسجد سابقاً على القبر بأن كان المسجد قائماً مبنياً ثم دفن فيه أحد فإنه يجب أن ينبش القبر وأن يدفن فيما يدفن فيه الناس والصلاة في هذا المسجد السابق على القبر صحيحة إلا إذا كان القبر تجاه المصلىن فإن الصلاة إلى القبور لا تصح كما في صحيح مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) .
***(8/2)
المستمع فتح الرحمن علي صالح من السودان يقول في رسالته عندنا مسجد يوجد به خمس مقابر وهو المسجد الوحيد في القرية هل تجوز الصلاة فيه أفيدونا بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا المسجد الذي عناه السائل وذكر أن فيه خمس مقابر يعني قبوراً ينظر في أمره إن كانت القبور سابقة على المسجد وقد بني المسجد عليها فإن هذا المسجد محرم لا تجوز الصلاة فيه والصلاة فيه من وسائل الشرك وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى باتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد وإن كان المسجد سابقاً على هذه القبور ولكن القبور أدخلت فيه فإنه يجب أن تنبش هذه القبور وأن تخرج إلى قبور المسلمين ولا يجوز أن تبقى في المسجد لأن بقاءها في المسجد والناس يصلون فيه من أكبر وسائل الشرك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) ونصيحتي لهذا الأخ السائل أن يتصل بالوزارة المعنية بهذه الأمور في بلده لتتبين الأمر ولتتخذ الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك.
***(8/2)
السائل الذي رمز لاسمه بـ مصطفى أمصري يعمل بالمملكة يقول يوجد بجوار المسجد مقابر هل يجوز لنا الصلاة فيها علماً بأن الفاصل بين المقبرة والمسجد جدار المسجد فقط وهو تجاه القبلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت المقبرة عن يمين مستقبل القبلة أو يساره أو خلفه فلا بأس إلا إذا كان المسجد قد بني على المقبرة فإنه لا يجوز الصلاة فيه بل يجب هدمه وترك أرضه يدفن بها وهدمه ليس من مسؤولية أفراد الناس بل من مسؤولية ولاة الأمور بمعنى أنه لو لم يهدم فليس على الناس إثم الإثم على ولي الأمر الذي يستطيع أن يأمر بهدمه فيهدم وأما إذا كانت القبور في القبلة فإن الأمر أشد ولولا جدار المسجد الذي يحول بين المسجد وبين القبور لقلنا إن الصلاة لا تصح بكل حال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تصلوا إلى القبور) هذا هو جواب هذه المسألة وأكرر أن هدم المسجد فيما إذا وجب هدمه ليس إلى أفراد الشعب ولكنه إلى المسؤولين في الحكومة.
***(8/2)
ماحكم الصلاة في المساجد التي بداخلها مقابر أي بجوار المسجد المسمى بصاحب المقبرة الشيخ فلان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن بناء المساجد على القبور محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في مرض موته (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا عليه الصلاة والسلام واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله والرسول صلى الله عليه وسلم لم يلعن اليهود والنصارى من أجل بناء المساجد على قبور أنبيائهم إلا من أجل أن يحذر الأمة عن هذا العمل الذي هو من وسائل الشرك وإذا بني المسجد على القبر وجب هدم المسجد ولا تجوز الصلاة فيه حينئذٍ لأنه مسجد محرم وعمارته بالصلاة مضادة لله ورسوله فالواجب هدمه وأن لا يصلى حول القبر أما إذا كان القبر بعد المسجد أي أن الميت دفن في المسجد فإن الواجب نبش القبر ودفن الميت مع الناس فإن لم يمكن ذلك فإن الصلاة في هذا المسجد صحيحة لأنه أنشيء إنشاءً صحيحاً سليما ولكن لا يصلى خلف القبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تصلوا إلى القبور) فمن صلى في هذا المسجد وليس القبر بين يديه فصلاته صحيحة ومن صلى إلى القبر فإن صلاته غير صحيحة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا تصلوا إلى القبور) والواجب على المسلمين أن يعلموا أنه لا حق لباني المسجد في أن يدفن في المسجد بل باني المسجد مسلم كغيره من المسلمين يدفن مع المسلمين وها هو النبي عليه الصلاة والسلام يموت من أصحابه من يموت من أهل العلم والإيمان والجهاد ولم يكن يدفنهم إلا في المقبرة مع المسلمين ولولا أنه عليه الصلاة والسلام خشي أن يتخذ قبره مسجداً لدفن في البقيع ولكنه عليه الصلاة والسلام دفن حيث قبض في بيت عائشة رضي الله عنها ولم يكن إذ ذاك داخل المسجد بل كان خارجاً منه ولم تدخل بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام في المسجد إلا في حدود السنة الرابعة والتسعين من الهجرة حيث زيد في المسجد فأدخلت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فيه وبقي بيت عائشة رضي الله عنها الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر رضي الله عنهما بقي على ما هو عليه بناية مستقلة فهي مستثناةٌ من المسجد لكونها مستقلة سابقة على إدخالها إلى المسجد ولم يبن المسجد عليها وليس هذا بحجة لمن أراد البناء على القبور أو دفن الأموات في القبور لأن هذه الحال لا تحصل لأحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي يدفن حيث قبض وأما غيره من الناس فيدفن مع الناس.
وخلاصة الجواب أن نقول إن كان القبر سابقاً للمسجد فصلاتك في المسجد صحيحة لكن لا تصلى إلى القبر وإن كان القبر سابقاً على المسجد وبني المسجد عليه فصلاتك في هذا المسجد غير صحيحة فالواجب عليك أن تطلب مسجداً آخر خالياً من مثل ذلك.
***(8/2)
ما حكم الصلاة في مكان به تماثيل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه التماثيل تماثيل معظمين كالملوك والرؤساء والعلماء فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز وإذا لم يكن من المعظمين عادة كتمثال سبعٍ أو رجل عادي أو ما أشبه ذلك فإنه أيضاً لا يصلى في هذا المكان لأن عمر بن الخطاب قال في الكنائس (إنا لا ندخلها عليكم من أجل الصور) والواجب نحو هذه التماثيل والصور أن تكسر وأن لا تبقى لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة.
***(8/2)
هل تجوز صلاة المصلى وأمامه صورة حيوان كالحصان مثلا معلقة على الجدار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة صحيحة لكن أصل تعليق الصور على الجدران لا يجوز والصور إنما تجوز إذا كانت ممتهنة توطأ وأما إذا كانت معلقة فلا وقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة) .
***(8/2)
هذه الرسالة وردتنا من الزلفي من المرسلة ن. م. ع. م. تقول المكان الذي أصلى فيه في بيتي أمامه حمامان ولي حوالي خمسة أشهر وأنا أصلى وهنَّ قدامي، هل يجوز لي أن أصلى إليهن أم لا، وهل صلاتي التي فاتت صحيحة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي للمسلم أن يصلى إلى مثل هذه الأماكن القذرة النجسة، لأن المصلى إذا صلى فإن الله تعالى قبل وجهه، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلى أن يبصق أمامه ولا عن يمينه، وإنما يبصق عن يساره أو تحت قدمه، ولكن صلاتها الماضية صحيحة لأنها صلت في مكان طاهر لا نجس، ولكن إلى مكان نجس، وتصح الصلاة إلى المكان النجس أو إلى أي مكان لا تصح الصلاة فيه إذا كان في محل تصح الصلاة فيه، إلا ما جاء به النهي، كالصلاة إلى القبور فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما رواه مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) فالصلاة إلى القبور محرمة وباطلة، لكن الصلاة إلى ما لا تصح الصلاة فيه سوى القبر إذا كان من الأماكن القذرة لا تنبغي فليبتعد الإنسان عن ذلك ولكنها تصح الصلاة.
فضيلة الشيخ: قلتم لا يبصق أمامه ولا عن يمينه وإنما يبصق عن يساره أو تحت قدميه ألا يضطر المصلى إذا أراد أن يبصق عن يساره أن يلتفت في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: بلى، ولكن هذا الالتفات جائز هنا لا بأس به.
فضيلة الشيخ: وهل الالتفات في الفرض والنفل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في الفرض والنفل، لأنه لحاجة، وورد من بعض الوجوه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر من شكا إليه أنه يلبس عليه الشيطان صلاته، أمره أن يتفل على يساره ثلاثاً ويستعيذ بالله منه، وهو في صلاته، فهذا الالتفات لهذا الغرض لا بأس به، لأنه ثبتت به السنة، وهو عمل لا يضر. ولكن بالنسبة للنخامة، إذا كان في المسجد فإنه لا يمكن أن يتنخم في المسجد، لا عن يساره ولا عن يمينه ولا قبل وجهه، ولكن قال العلماء يبصق في ثوبه، أو في منديله ويحك بعضه ببعض لإذهاب صورته.
***(8/2)
نصلى في إحدى الغرف وتكون دورة المياه أمامنا أي باتجاه القبلة فما الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة في هذه الحال جائزة بمعنى أنها صحيحة ولا تبطل إذا كان الحمام أمام المصلى لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) ولكن قد يكون في الحمام رائحة كريهة تؤثر على المصلى وتشوش عليه فإذا تجنب استقباله من أجل هذا فهو أفضل لأن كل شيء يشوش على المصلى فإنه ينبغي للمصلى أن يبتعد عنه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ذات يوم بخميصة لها أعلام فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف من صلاته قال اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بإنجبانية أي بثياب أبي جهم لأنه صلى الله عليه وسلم نظر إليها وكان في هذا انشغال في الصلاة فمن ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تعطى هذه الخميصة إلى أبي جهم وتؤخذ انبجانيته فيستفاد من هذا الحديث أن كل شيء يلهي المصلى من تمام صلاته ويشغله فإنه ينبغي اجتنابه.
***(8/2)
سؤال وردنا من المرسلة الأخت م ع م من الزلفي تقول هل يجوز استقبال الحمام في الصلاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي أنه لا يُستقبل الحمام في حال الصلاة لأنه ربما تكون فيه رائحة خبيثة تؤذي المصلى وتشغله عن صلاته ولكن لو فعل الإنسان فإن صلاته صحيحة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا) فهو يصلى في مكان طاهر مباح فيكون مسجداً له.
***(8/2)
هل تصح الصلاة في مرابض الإبل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: مرابض الإبل تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول أن يكون مربضاً للإبل طارئا مثل أن ينزل مسافر في مكانٍ ما ومعه إبل تربض في هذا المكان وتروح فيه فهذا لا يمنع من الصلاة ويجوز أن يصلى فيه الإنسان.
والثاني أن يكون مربضا تأوي إليه وتبقى فيه كل يوم فهذا لا تصح الصلاة فيه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك وإذا صلى فيه الإنسان وهو عالم بالنهي فإن صلاته لا تصح وإن كان جاهلا لا يدرى فإن صلاته صحيحة وكذلك أيضا تختص الإبل بأمر آخر وهو وجوب الوضوء من أكل لحمها فمن أكل من لحم الإبل نيئاً أو مطبوخا وجب عليه أن يتوضأ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (توضؤوا من لحوم الإبل) ولأنه سئل (عن الرجل يأكل لحم الإبل أيتوضأ منه قال نعم ثم سئل عن لحم الغنم فقال إن شيءت) فقوله إن شيءت في لحم الغنم يدل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعا إلى مشيئة الإنسان بل هو ملزم به.
***(8/2)
سليمان إبراهيم سوداني ومقيم في العراق يقول في رسالته هل يجوز للإنسان أن يصلى في غرفة يوجد بها خمرة بارك الله فيكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يصلى في غرفة فيها خمر وذلك لأنه إذا صلى في هذه الغرفة ولم يخل بشيء من شروط الصلاة أو من أركانها وواجباتها ولم يوجد شيء من مبطلاتها فإن الصلاة تصح لتوفر أسباب الصحة وانتفاء موانعها ولكني أقول هل يمكن لمؤمن أن تكون في بيته خمرة وقد علم دين الإسلام بالضرورة أن الخمر محرم حيث دل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين على أن الخمر حرام قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وعلى هذا فلا يحل لمسلم بل لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون في بيته خمرة كما أنه لا يحل له بيع الخمر ولاشراؤه ولا المعاونة فيه بأي نوع من أنواع المعاونة ولا شربه ومن شربه مستحلاً لشربه أو استحل شربه وإن لم يشربه فإنه يكفر كفراً مخرجاً عن الملة إذا كان ممن عاش بين المسلمين لأنه أنكر تحريم ما علم بالضرورة من دين الإسلام تحريمه وإن نصيحتي لإخواني المسلمين عموماً أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم وفي أهليهم وفي مجتمعهم بأن يجتنبوا مثل هذه القاذورات التي لا تزيدهم من الله إلا بعداً ولا تزيدهم في حياتهم إلا قلقاً وتعباً ونقصاً في الدين والعقل والمال نسأل الله لنا ولهم الهداية.
***(8/2)
يقول السائل أشاهد بعض الناس يدخلون إلى المسجد لكي يصلوا وهم يحملون معهم السجائر في جيوبهم هل عليهم إثم في هذا وما نصيحتكم يا فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس عليهم إثم في حملهم لهذه السجائر بالنسبة للصلاة لأن حملها لا يؤثر في الصلاة حيث إن السجائر طاهرة وليست نجسة نجاسة حسية ولكن عليهم إثم بشرب هذه السجائر فإن شرب الدخان ثبت في وقتنا الحاضر أنه محرم وإن كان من قبل يختلف فيه أهل العلم فمنهم من يبيحه ومنهم من يكرهه ومنهم من يحرمه لكن بعد أن ثبت من الناحية الطبية أنه مضر وأنه سبب لحدوث أمراض مستعصية قد تؤدي إلى الهلاك بعد ثبوت هذا تبين أنه محرم لقول الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ولأن الله تعالى أمر المريض الذي يتضرر باستعمال الماء بالتيمم خوفاً من أن يستمر فيه المرض ويتضرر ولأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا ضرر ولا ضرار) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن لنفسك عليك حقاً) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن إضاعة المال) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه (نهى آكل البصل والثوم من قربان المساجد وقال إن ذلك مؤذ وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) وإذا نظرنا إلى التدخين وجدنا أن الدخان فيه ضرر على البدن وفيه إضاعة للمال وفيه أذية للناس في مجتمعاتهم وكل هذه أسباب تستلزم القول بتحريمه والذي أوجهه إلى إخواني المسلمين من هذا المنبر هو أن يتقوا الله عز وجل في أنفسهم وفي أموالهم وفي إخوانهم من المسلمين وأن يقلعوا عن هذه العادة التي مقتضى نصوص الكتاب والسنة تحريمها وليعلم أن قولنا هذا محرم ليس هو كلمة عابرة بل هو كلمة لها قيمتها فإن المحرم يجب على كل مسلم أن يحمي نفسه منه وأن يبتعد عنه لأن المحرمات معاصٍ لله ورسوله والمعاصي تحدث في القلب أمراضاً ربما تؤدي إلى موت القلب واستمع إلى قول الله تعالى (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فبين الله عز وجل أن ما يكتسبه الإنسان من المعاصي قد يران به على قلب العاصي حتى لا يعلم الحق وحتى يلتبس عليه الحق فهو لا ينتفع بالقرآن بل يرى أنه أساطير لا قيمة لها وإنما يتلى لإتلاف الوقت فالمعاصي خطيرة على القلب وما أحسن ما قاله كثير من أهل العلم إن الإصرار على الصغائر كبيرة من الكبائر فنصيحتي لإخواني عامة من هذا المنبر أن يتقوا الله وأن يحاولوا بقدر ما يستطيعون التخلص من هذا الشراب المضر المتلف للمال قد يقول قائل إن التخلص منه صعب ولكن أقول إن الإنسان إذا عزم على فعل الأمر مخلصاً لله واستعان بالله عز وجل وكان قوي النفس صادق العزيمة فإنه يمكنه التخلص منه وقد رأينا بعض الناس تخلصوا منه بصدق عزيمتهم واستعانتهم بالله عز وجل وإذا لم يمكنه التخلص منه فوراً فإنه يمكنه أن يتخلص منه بالتدرج فبدل أن يتناول عشرين سيجارة في اليوم والليلة يقلل شيئاً فشيئاً حتى يتمكن من الخلاص منه نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية والتوفيق والخير.
***(8/2)
يقول هل يجوز الصلاة في المكان الذي ينام فيه الإنسان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يصلى في المكان الذي ينام فيه بل له أن يصلى على فراشه إذا كان طاهراً أو فَرَش عليه شيئاً طاهراً لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فالأرض كلها مسجد إلا ما استثني وهذه الغرفة التي ينام فيها ليست مما استثني من جواز الصلاة فيها.
***(8/2)
يقول الأرض الواسعة التي يرتادها الناس ويجلسون فيها كثيراً ولست متأكداً من نظافتها هل تصح الصلاة فيها أو ما حكم الصلاة على السجادة التي نجلس عليها كثيراً وأحملها دائماً في سيارتي وقد تتعرض للأتربة والغبار وغير ذلك من الأوساخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأرض الواسعة التي يجلس فيها الناس كثيراً بأهليهم وغلمانهم الصغار طاهرة حتى يتيقن الإنسان نجاستها لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا) حتى لو غلب على الظن أنها نجسة فهي طاهرة ما لم يتيقن نجاستها وإن تيقن أنها نجسة ومضى عليها زمنٌ فإن الشمس والريح تطهرها إذا لم يبقَ للنجاسة أثر وكذلك للتي يجلس عليها ويلقيها في السيارة وفي الأرض ويطؤها الصبيان الصغار هي طاهرة أيضاً ما لم يتيقن نجاستها وليعلم أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يتيقن الإنسان نجاستها والأصل في الأشياء الحل حتى يتيقن الإنسان تحريمها إلا العبادات وهي ما يتقرب به إلى الله فالأصل فيها المنع والتحريم إلا إذا ثبتت مشروعيتها.
***(8/2)
هل تجوز الصلاة بالأحذية؟ وهل ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأحذيته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلى في نعليه (فقد سئل أنس بن مالك رضي الله عنه هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في نعليه قال نعم) فالصلاة في النعلين سنة في الشتاء وفي الصيف لكن إذا كان في ذلك أذية على الذين بجنبك فلا تفعل لأنه لا ينبغي إتيان الأذية من أجل فعل سنة وكذلك إن كان في الصلاة بها محظور مثل أن يقتدي العامة بك فيدخلوا المسجد بدون أن ينظروا في نعالهم فيحصل بذلك تلويثٌ على المسجد فلا تصلى فيهما لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح ويمكنك أن تقوم بفعل السنة إذا صلىت فيهما في بيتك فإنه يحصل لك بذلك الإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
هل يجوز الصلاة بالحذاء دائماً أم أن له أوقاتاً مخصصة مع إعطاء الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة في النعال جائزة بل هي من السنة فقد ثبت في الصحيحين (عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في نعليه فقال نعم) وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم (أنه كان يصلى بأصحابه ذات يوم بنعليه فخلع نعاله فخلع الناس نعالهم فلما انصرف من صلاته سألهم لماذا خلعوا نعالهم فقالوا يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال إن جبريل أتاني فقال إن فيهما أذى أو قذراً فخلعتهما) وهذا يدل على أن الصلاة في النعل سنة للإمام والمأمومين ولكن هذا إذا كان لابساً نعليه أما إذا لم يكن لابساً نعليه فإنه يصلى حافياً كما كان حافياً فالإنسان لا ينبغي له إذا أراد أن يدخل المسجد أن يخلع نعليه إلا إذا كان هناك سبب يقتضي ذلك واعلم أن السنة إذا ترتب عليها أذية فإن الأولى ترك هذه الأذية فإذا كانت النعال نعالاً قاسية من ذوات الجلود القاسية وأنت مأموم وصار لصلاتك بها أذى لمن يصلون إلى جنبك من الناس فإن دفع الأذية أولى من فعل السنة ويمكنك أن تأتي بالسنة إذا كنت تصلى وحدك إما في البيت أو في المسجد كتحية المسجد مثلاً وهاهنا أمر يخطئ فيه كثير من الناس يدخلون من الشارع إلى المسجد بنعالهم بدون أن ينظروا فيها وهذا خلاف أمر النبي صلى عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر داخل المسجد أن ينظر في نعليه أولاً فإذا رأى فيهما أذى أو قذراً أزاله وإلا دخل وصلى بهما.
***(8/2)
المستمع من عرعر يقول هل يجوز لي أكرمكم الله أن أصلى بالأحذية وهل صلى بها الرسول صلى الله عليه وسلم وما هي الحالة التي صلى فيها جزاكم الله خير
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة بالأحذية سنة سنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وقد ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أنه قيل له هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في نعليه قال نعم) وأمر صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالنعلين وقال (خالفوا اليهود صلوا في نعالكم) فالصلاة في النعلين سنة ثبتت بالقول والفعل ولكن إذا كان يترتب على هذه السنة مفسدة فإنها تترك من أجل المفسدة والمفسدة التي يمكن أن تقع بالصلاة في النعلين في وقتنا الحاضر هو تلويث فرش المسجد وإيذاء المصلىن على هذا الفرش والمسجد في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن مفروشاً باللباس بل هو حصباء والحصباء تتبع ما كان في الرجل ويزول ما كان في الرجل مع هذه الحصباء كما أن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية إذا دخل المسجد بنعليه لا ينظر فيهما ولا يهتم بأسفلهما مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر من دخل المسجد أن ينظر فيها وأكثر الناس يهملون هذا فمن ثم رأى المشايخ وفقهم الله أن لا يصلوا فيها أي في النعال لئلا تحصل هذه المفسدة.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع سوداني أحمد حسن يقول ما حكم الصلاة في النعال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة في النعال سنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى في نعليه وأمر بالصلاة في النعلين مخالفة لليهود الذين لا يصلون في نعالهم ولكن هذه السنة إذا كان يترتب عليها أذى بحيث لا يقوم الناس بما أمروا به من النظر في نعالهم عند دخول المسجد فإن وجدوا فيها أذى أماطوه وصلوا فيها فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفتح على الناس ما فيه الأذى وحينئذٍ يكون ترك السنة لتفادي ما يخشى من الأذى ولا حرج في ترك السنة لمثل هذا ولكن ينبغي أن تحيا هذه السنة بأن تذكر للناس أحياناً حتى يتبين الحق ولا ينسى وقد كان بعض العامة يستنكر استنكاراً عظيماً أن يصلى الإنسان في نعليه ولكنهم لا يستنكرون أن يصلى في خفيه لماذا لأنه كان من العادة عندهم أن يصلى الرجل في خفيه وليس من العادة أن يصلى الرجل في نعليه مع أن السنة في هذا وفي هذا سواء فمن كان عليه خفان فالأفضل أن يصلى فيهما ومن كان عليه نعلان فالأفضل أن يصلى فيهما ولكن إذا خشي المحذور الذي أشرت إليه فلا حرج في ترك هذه السنة ومن المعلوم أننا لو فتحنا للعامة هذا الباب لتهاونوا بالمساجد ودخلوا في نعالهم وكلها أذى وكلها ماء ولطخوا بها المسجد وأفسدوا بها الفرش فلهذا ترك الناس الصلاة في النعلين مخافة هذا المحذور لا رغبة عن السنة لأن كل مؤمن لا يمكن أن يرغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يخشى من ضرر أكبر وترك السنة خوفاً من الفتنة أو من الضرر قد جاءت به السنة فها هو النبي عليه الصلاة والسلام حدث عائشة رضي الله عنها قال لها (لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه) ولكنه ترك ذلك خوفاً من الفتنة وخوفاً مما يترتب عليه من مفسدة أكبر من إعادة بنائها على قواعد إبراهيم وكذلك ترك النبي عليه الصلاة والسلام الاستمرار في صيامه في رمضان وهو مسافر لأنه شق على الناس الصوم فقد ذكر للنبي عليه الصلاة والسلام وهو مسافر في رمضان أن الناس قد شق عليهم الصيام وأنهم ينتظرون ما تفعل وكان صلى الله عليه وسلم صائماً فدعا بماء بعد العصر وهو على راحلته فشربه والناس ينظرون إليه فأفطر الناس فهنا ترك النبي عليه الصلاة والسلام الاستمرار في الصوم مع أن ذلك والله أعلم هو رغبته من أجل حاجة الناس إلى الفطر فعلى كل حال يكون الجواب أن الصلاة في النعلين سنة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها ولكن إذا خيف من فعل هذه السنة أن تكون مفسدة تعود على المسجد أو أذية للمصلىن فلا حرج في ترك الصلاة في النعلين لكن يجب أن يكون ذلك معلوماً عند الناس بحيث يبين أهل العلم للناس أن الصلاة في النعلين سنة.
***(8/2)
ماحكم الدين في رجل يصلى بالحذاء (بالنعال) هل صلاته صحيحة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الرجل وعليه النعال أفضل من صلاته إذا لم يكن عليه النعال أي أن كون الإنسان يستمر في نعليه ويصلى فيهما إذا كانتا عليه أفضل لأن ذلك هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أنه سئل أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في نعليه فقال نعم كان يصلى في نعليه) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة بالنعلين فقال خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولكن الذي يُنتقد من فعل بعض الناس أنهم لا يقومون بما ينبغي أن يقوموا به من تفقدهم لنعالهم عند دخولهم المسجد فتجد الرجل يدخل المسجد بنعليه وهما ملوثتان بالأذى وربما بالشيء النجس فيمشي بهما في المسجد ويُلوث المسجد وهذا خلاف المشروع فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا أتى إلى المسجد أن ينظر في نعليه فإن رأى فيهما أذى دلكه بالتراب حتى يزول وإلا دخل بهما وصلى بهما فالمهم أنه لا يُنكر على من صلى في نعليه بل يحمد ويشكر اللهم إلا إذا كان ذلك يؤدي إلى مفسدة مثل أن يقتدي به الجهال الذين لا يعطون المسجد حقه والذين يدخلون بنعالهم على الوجه الذي وصفناه آنفاً لأنه قد يعرض للأمر الفاضل ما يجعله دون المفضول.
***(8/2)
ما حكم من يأتي من بيته بالحذاء ويصلى في المسجد دون خلعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة بالنعلين من السنة كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلى في نعليه ولكن المشروع أن الإنسان لا يصلى فيهما حتى ينظر فإن رأى فيهما أذى مسحه بالتراب حتى تطهرا ثم يصلى فيهما وهذه السنة إذا خشي الإنسان منها مفسدةً مثل أن يخشى أن يمتهن الناس المساجد بذلك ويدخلوها على غير وجهٍ مشروع أعني يدخلونها من غير أن ينظروا في نعالهم ويزيلوا عنها الأذى فإنه قد يترجح تركها لهذا الخوف وأما ما اعتاده بعض الناس من كونه يدخل بنعاله في المسجد ويمشي بها في المسجد وهو لم ينظر إليها عند دخوله للمسجد فهذا خطأ وهو مخالفٌ للسنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر داخل المسجد أن ينظر في نعليه قبل أن يدخل ثم إن من العجائب أن هؤلاء الذين يدخلون في نعالهم إذا وصلوا إلى مكان المصلى الذي تقام الصلاة فيه تجدهم يخلعونها فيخالفون السنة من وجهين:
أولاً أنهم يدخلون المسجد بنعالهم من غير نظرٍ فيها
وثانياً أنهم لا يصلون فيها بل يخلعونها عندما يقفون للصلاة فالذي يجب على المسلم أن يتمشى في فعله وتركه على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل المسجد في نعليه إلا بعد النظر فيهما وإذا نظر فيهما ووجد فيهما أذىً حكه بالتراب حتى يزول ثم دخل بهما إلى المسجد وإن كان لا يريد ذلك فليرفعهما من حين أن يدخل المسجد.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لحك الحذاء على التراب لا بد من إيذاء المسجد لأنها الآن مفروشة بالفرش الطيب وإذا مشى وهي محكوكة بالتراب ستتضح أقدام أو آثار الحذاء على هذا الفرش؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لو وجد ترابٌ يحمله الناس بحيث يؤثر في نظافة المسجد فلا بد من رفعهما أما إذا لم يبقَ أثر فلا حرج.
فضيلة الشيخ: أعتقد أنه يسمع بعض الإخوة فتواكم هذه فيحك الحذاء بالأرض ويدخل رغم أنها مفروشة بالفرش الطيب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد أن يحكها حكاً يزول به أثر النجاسة وأثر الأذى الذي يمكن أن يحدث من دخولهما المسجد.
***(8/2)
يقول أثناء تأدية فريضة عصر أحد الأيام رأيت طفلاً يصلى وهو يلبس نعله ومرة أخرى رأيت رجلاً يصلى وهو يلبس نعله وفي صلاة إحدى الجمع رأيت رجلاً يصلى بنعله أيضاً ولا أدري هل صلاتهم صحيحة أم غير صحيحة أرجو تبصيري بالحقيقة لأن الأمر قد التبس عليّ أفادكم الله وزادكم علما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن الصلاة في النعلين من السنن التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله ومن فعله ومن إقراره فقد قال صلى الله عليه وسلم (خالفوا اليهود فإن اليهود لا يصلون في نعالهم) وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إذا أتى المسجد أن ينظر في نعليه فإن رأى فيهما أذىً مسحه وإلا صلى فيهما أو كما أمر صلى الله عليه وسلم وثبت في الصحيحين من حديث أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى في نعليه) وصلى مرة بأصحابه فخلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما انصرف من صلاته قال ما شأنكم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك يا رسول الله خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذىً فخلعتهما) فهذه السنة ثبتت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره وهي من أقوى السنن ثبوتاً لكن العمل بها هجر الآن ولا يعمل بها إلا النادر من الناس ولعل من أسباب ذلك أن الناس لا يبالون إذا دخلوا في نعالهم يدخلون بها من الشوارع وهي متلوثة وغير نظيفة فمن أجل ذلك ترك الناس هذه السنة وصاروا إذا دخلوا المساجد خلعوا نعالهم وأخذوها بأيديهم أو أبقوها عند باب المسجد تنزيهاً للمساجد وخوفاً من أن يأتي أحد فيدخل المسجد على غير الوجه الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليه المسجد وإلا فلو أن الإنسان ضمن أن يدخل الناس المساجد بنعالهم على الوجه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من النظر فيهما وإزالة الأذى عنهما بالمسح ثم الصلاة بهما لكان الإنسان يدعو إلى ذلك بقوله وفعله لئلا تموت السنة وتهجر لكن الذي يمنع من هذا ويحول دونه هو إساءة بعض الناس لاستعمال النعلين في الصلاة حيث يدخلون فيهما المسجد بدون أن ينظروا فيهما وبدون أن ينقوهما من الأذى على كل حال أرجو أن يكون الجواب قد تبين وأن لباس النعلين في الصلاة من السنة ولكنه ينبغي كما قلنا أن لا يدخل الإنسان المسجد بهما إلا وقد استنقاهما ونظفهما.
***(8/2)
استقبال القبلة(8/2)
أبو عبد الله يقول خرجنا إلى البر قريباً من البلد فصلىنا العشاء جنوباً والقبلة غرباً جهلاً منا وفي الأسبوع التالي صلىنا في نفس الاتجاه فوقف أحد الإخوة جزاه الله خيراً ونبهنا على الخطأ فاستدرنا إلى القبلة فما حكم الصلاة الأولى والثانية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنتم مجتهدين في طلب القبلة وتحريتم وكان ليس لديكم معرفة بأدلة القبلة فلا حرج عليكم فصلاتكم صحيحة الأولى والثانية وأما إذا لم تكونوا كذلك فإن صلىتم هكذا بمجرد ما عنّ لكم فعليكم أن تعيدوا الصلاتين الأولى والثانية وذلك لأن الرجل إذا اجتهد في القبلة وتحرى ثم تبين له الخطأ فإنه لا شيء عليه لقول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهؤلاء أتوا بما استطاعوا فتحروا القبلة وقاموا بما يلزمهم من الاجتهاد فتبين خطؤهم فلا شيء عليهم.
***(8/2)
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع أحمد يقول إذا صلى جماعة إلى غير جهة القبلة وهم لم يعلموا جهتها تحديداً فهل عليهم أن يعيدوا الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة لا تخلو من حالين:
الحال الأولى أن يكونوا في موضع لا يمكن فيه العلم بالقبلة مثل أن يكونوا في سفر وتكون السماء مغيمة ولم يهتدوا إلى جهة القبلة فإنهم إذا صلوا بالتحري ثم تبين أنهم على خلاف القبلة فلا شيء عليهم لأنهم اتقوا الله ما استطاعوا وقد قال الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وقال الله تعالى في خصوص هذه المسألة (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
الحال الثانية أن يكونوا في موضع يمكن فيه السؤال عن القبلة ولكن فرطوا وأهملوا ففي هذه الحال يلزمهم قضاء الصلاة التي صلوها إلى غير القبلة لأنهم في هذه الحال مخطئون في القبلة لأنهم لم يتعمدوا الانحراف عنها لكنهم مخطئون في تهاونهم وإهمالهم السؤال عنها فتجب عليهم الإعادة حينئذٍ سواء كان ذلك في الوقت أو بعد خروج الوقت إلا أنه ينبغي أن نعلم أن الانحراف اليسير عن جهة القبلة لا يضر كما لو انحرف إلى جهة اليمين أو إلى جهة الشمال يسيراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل المدينة (ما بين المشرق والمغرب قبلة) فالذين يكونون شمالاً عن الكعبة نقول لهم ما بين المشرق والمغرب قبلة وكذلك من يكون جنوباً عنها ومن كانوا شرقاً عنها أو غرباًَ نقول ما بين الشمال والجنوب قبلة فالانحراف اليسير لا يؤثر ولا يضر وهنا مسألة أحب أن أنبه عليها في هذه المناسبة وهي أن من كان في المسجد الحرام يشاهد الكعبة يجب أن يتجه إلى عين الكعبة لا إلى جهتها لأنه إذا انحرف عن عين الكعبة لم يكن متجهاً إلى القبلة وأرى كثيراً من الناس في المسجد الحرام لا يتجهون إلى عين الكعبة تجد الصف طويلاً وتعلم علم اليقين أن كثيراً منهم لم يكن متجهاً إلى عين الكعبة هذا خطأ عظيم يجب على المسلمين أن ينتبهوا له وأن يتلافوه لأنهم إذا صلوا على هذه الحال صلوا إلى غير القبلة.
فضيلة الشيخ: إذا لم يعلموا بعدد الأوقات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يعلموا بعدد الأوقات التي أخطؤووا فيها في الحال التي تجب عليهم الإعادة فيها فإنهم يتحرون الأيام والصلوات التي أخطؤوا فيها فإذا قدر أنهم شكوا هل هي عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً فليجعلوها عشرة لأن هذا هو المتيقن وما زاد عليه فهو مشكوك فيه ولا تلزمهم إعادته.
***(8/2)
ما الحكم إذا صلىت إلى القبلة التي توصلت إليها بعد اجتهادي مع العلم أنني في منزل ولكن لا أعلم أين القبلة جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فعلت هذا في البر وليس حولك من تسأله فاجتهدت وأخطأت فإن صلاتك صحيحة لأنك فعلت ما تقدر عليه قال الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وأما إذا كنت في البلد فإنك غير معذور لأنك إذا جهلت القبلة سألت صاحب البيت أو الجيران أو ذهبت إلى المسجد لتنظر اتجاهه أو ما أشبه ذلك المهم أنه يفرق بين البر والبلد فالبلد يمكن للإنسان أن يسأل فيعرف القبلة وأما البر فلا يمكن فإذا اجتهد واتجه إلى جهةٍ معينة يظنها القبلة فتبين أنها إلى غير القبلة فصلاته صحيحة.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول صلىت أكثر من صلاة في غير اتجاه القبلة ولم أعلم عن ذلك إلا بعد فترةٍ طويلة فهل يجب علي الإعادة علماً بأنني متيقن في اتجاه القبلة ولكن يقيني صار خطأ أرجو منكم التوجيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان إذا كان في البلد وهو لا يعرف القبلة أن يسأل أهل البلد عنها أو أن يذهب إلى المساجد التي فيها إذا كانت البلد بلاداً إسلامية ويستدل بمحاربها على القبلة فإن لم يفعل وصلى في البلد دون أن يسأل وتبين له أنه صلى إلى غير القبلة فإن الواجب عليه إعادة ما صلاه متجهاً إلى غير القبلة لأن البلد ليست محل اجتهاد ولا سيما أن هذا الرجل كما يبدو لا يعرف علامة القبلة وإنما ظن في نفسه أن هذا الاتجاه إلى القبلة فصلى إليه فالواجب عليه الآن أن يحصي كل ما مر عليه من صلوات ويعيدها وإذا كان لا يدري كم عدد الصلوات التي فاتته فإنه يتحرى ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
***(8/2)
ما حكم الصلاة إذا تبين أنها تمت إلى غير القبلة بعد الاجتهاد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اجتهد الإنسان في موضع الاجتهاد وبذل وسعه لإصابة الصواب ولم يحصل له ذلك فإن صلاته صحيحة ولو كانت إلى غير القبلة لقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أما إذا كانت في غير موضع الاجتهاد كما لو كان في البلد ويمكنه أن يسأل أهل البلد أو يستدل على القبلة بمحاريب المساجد وما أشبه ذلك فإنه إذا أخطأ يجب عليه أن يعيد الصلاة لأنه اجتهد في مكانٍ ليس مكاناً للاجتهاد لأن من في البلد يسأل أهل البلد أو يستدل على ذلك بالمحاريب.
***(8/2)
بارك الله فيكم تقول هذه السائلة من الإمارات بأنها ذهبت مرة إلى بلد أجنبي تقول وكنت لا أعرف وقت الصلاة ولا القبلة ولكن كنت عندما يأتي وقت الصلاة في بلدي أتوضأ وأصلى في الاتجاه الذي ضمنت بأنه القبلة فهل علي شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من كان في بلد وهو لا يعرف القبلة أن يسأل عن القبلة لأنه يمكنه أن يهتدي إلى القبلة بالسؤال فلو صلى بدون سؤال مع إمكان السؤال ثم تبين أنه ليس على القبلة فإنه يجب عليه إعادة الصلاة لأن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة لقول الله تبارك وتعالى (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أما إذا كان في مكان لا يمكنه أن يسأل أو كان في البرية فإنه يتحرى اتجاه القبلة فيصلى إليه ولا حرج عليه بعد ذلك وصلاته صحيحة حتى لو تبين فيما بعد أنه على غير القبلة ولأنه ليس في وسعه أكثر مما فعل وقد قال الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
***(8/2)
هذه رسالة بعث بها المستمع ذكري فرج مسعود من جمهورية مصر العربية السلوم يقول يوجد لدينا مسجد تنحرف فيه القبلة عن اتجاهها الصحيح بحوالي ثلاث درجات حول البوصلة المعدة لتحديد جهة الكعبة وقد دأب الناس على الصلاة حسب اتجاه المسجد لعدم علم الكثيرين منهم بانحراف المسجد عن القبلة فهل هذا الأمر يؤثر على صحة الصلاة وهل يجب تعديل المسجد أم يصح إبقاؤه على حالته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الانحراف لا يخرج الإنسان عن الجهة فإن ذلك لا يضر والاستقامة أولى بلا ريب أما إذا كان هذا الانحراف يخرج الإنسان عن جهة القبلة مثل أن يكون متجهاً إلى الجنوب والقبلة شرقاً أو إلى الشمال والقبلة شرقاً أو إلى الشرق والقبلة جنوباً فلا ريب أن هذا يجب فيه تعديل المسجد أو يجب الاتجاه إلى جهة القبلة وإن خالفت جهة المسجد.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول كيف يكون الاتجاه للقبلة في الباخرة والقناة متعرجة والصلاة قد حان وقتها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاتجاه إلى القبلة في السفينة سهل جداً لأنه يمكن للإنسان أن يعرف اتجاه القبلة ثم يتجه إليه وإذا انحرفت السفينة عن اتجاهها الأول انحرف هو إلى القبلة ولا حرج عليه في هذه الحال أن ينحرف في أثناء الصلاة كما لو أن أحداً في البر اجتهد فاتجه إلى قبلة ما ثم جاءه رجل فقال إن القبلة على يمينك أو على يسارك فإذا اتجه إلى القبلة وهو في صلاته فصلاته صحيحة وهكذا من كان في السفينة إذا اتجه إلى القبلة عند ابتداء الصلاة ثم انحرفت السفينة عن مسيرها أو عن اتجاه سيرها فإنه ينحرف هو إلى اتجاه القبلة وكذلك نقول في الطائرة إذا مرت عليه أوقات وهو في الطائرة ولا يتمكن من الهبوط قبل خروج الوقت فإنه في هذه الحال يصلى في الطائرة فيتجه إلى القبلة وإذا انحرفت الطائرة عن جهة سيرها الأول الذي كان عند ابتداء صلاته فإنه ينحرف هو إلى القبلة.
***(8/2)
أبو تركي من الزلفي يقول السجادة إذا كانت رسومها معكوسة إلى غير القبلة فهل تجوز الصلاة عليها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الصلاة على السجادة جائزة سواء كان اتجاهها إلى القبلة أو إلى غير القبلة ما دمت أنت أيها المصلى متجها إلى القبلة ولكن هل يجب على الإنسان أن يصلى على السجادة أو يشرع له أن يتخذ سجادة يصلى عليها الجواب لا يجب عليه أن يصلى على السجادة ولا يشرع أن يتخذ سجادة يصلى عليها ولكن إذا كان البيت تكثر فيه النجاسات واتخذ السجادة ليصلى على مكان طاهر ليقيه فلا بأس وإلا فالأصل أنك تصلى في أي مكان من البيت وفي أي بقعة من البيت سواء كان مفروشا أو غير مفروشٍ وسواء كان مفروشا فرشا عاما أو خاصا فإن الأصل أنك تصلى في البيت حيثما أردت.
***(8/2)
يقول السجادة التي توضع للإمام يوجد بها صور مشهد هل يجوز أن ينكس السجاد وتوضع صور هذا المشهد في المسجد تحت رجلي الإمام فتكون لا قيمة لها أم ليس في ذلك شيء؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نرى أنه لا ينبغي أن يوضع للإمام مثل هذا لأنه ربما يشوش عليه ويلفت نظره، وهذا يخل بالصلاة ولهذا لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على خميصة لها أعلام ونظر إلى أعلامها نظرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجها إلى أبي جهم، وقال ائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني عن صلاتي، فإذا قدر أن الإمام لا ينشغل بذلك لكونه أعمى، أو لكون هذا الأمر قد مر عليه كثيراً فلا يلتفت إليه فإننا لا نرى بأساً أن يصلي عليها منكوسة أو غير منكوسة.
***(8/2)
النية(8/2)
يقول إنني أسمع بعض الناس وخصوصاً الإخوة المصريين يقول إذا جاء وقت الصلاة اللهم أني نويت أن أصلى لك صلاة كذا وكذا ويذكر الصلاة فرضاً حاضراً أربع ركعات أو ثلاث ركعات إذا كان في صلاة المغرب فهل هذا القول صحيح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول ليس بصحيح فالتكلم بالنية لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد السلف الصالح فهو مما أحدثه الناس ولا داعي له لأن النية محلها القلب، والله سبحانه وتعالى عليم بما في قلوب عباده، ولست تريد أن تقوم بين يدي من لا يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم إنما تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ويعلم مستقبلك وماضيك وحاضرك، فالتكلم بالنية من الأمور التي لم تكن معروفة عند السلف الصالح، ولو كانت خيراً لسبقونا إليها، فلا ينبغي للإنسان التكلم بنيته لا في الصلاة ولا في غيرها من العبادات لا سراً ولا جهراً.
***(8/2)
السائل من سوريا يقول فضيلة الشيخ إذا جلس الإنسان في وسط الليل والقصد من ذلك قبل صلاة الفجر وأراد أن يصلى هل يجوز له أن يقول نويت أن أصلى شكرا لله عز وجل ويتابع الصلاة أو عندكم ما تفيدوننا به؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نفيد السائل والسامع أن النطق بالنية سرا كان أم جهرا من البدع لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه والرب عز وجل يعلم دون أن تخبره بما في قلبك قال الله تعالى ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)) فلا حاجة إلى أن يقول نويت أن أصلى شكرا لله ولا أن يقول نويت أن أصلى فقط فليستقبل القبلة ويكبر ولهذا لما دخل رجل فصلى في المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكان لا يطمئن في صلاته (قال له ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كصلاته الأولى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ فصلى كما صلى أولا ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ارجع فصلِّ فإنك لم تصل قال والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر) ولم يقل ثم استقبل القبلة وقل اللهم إني نويت أن أصلى لك شكرا والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو المعلم الذي يجب اتباع تعليمه فالنية محلها القلب والنطق بها بدعة سواء كان ذلك سرا أم جهرا وسواء كان ذلك في الصلاة أو غيرها سواء كان ذلك في الفريضة أو غير الفريضة.
***(8/2)
هل يجوز لكل من يصلى ويتوضأ ويصوم أن ينوي ناطقا بلسانه أم يكفي بقلبه فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النية في العبادات شرط لا تصح العبادة إلا به لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) والنطق بها بدعة فلا يسن للإنسان إذا أراد أن يتوضأ أن يقول اللهم إني نويت أن أتوضأ ولا لمن أراد أن يصلى أن يقول اللهم إني نويت أن أصلى فإن قال قائل أنا أنطق بالنية تحقيقا لها قلنا هل هذا يخفى على الرسول عليه الصلاة والسلام لو كان خيرا لسبقونا إليه وإذا لم ينقل عنه أنه كان ينطق بالنية دل على أن ذلك ليس من سنته ولا عهده عليه الصلاة والسلام.
***(8/2)
جزاكم الله خيراً هذا السائل سليمان محمد من صبيا يقول أنا عند كل فرضٍ من الصلاة أقول اللهم إني نويت أن أصلى فرض صلاة الظهر الحاضرة أربع ركعات لله عز وجل فهل هذا جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا بدعة لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه فالنطق بالنية بدعة ينهى عنه وإذا قال الناطق أنا أريد أن أحقق النية بلساني كما حققتها بقلبي فنقول لو كان خيراً لسبقونا إليه لو كان هذا أمراً مشروعاً محبوباً إلى الله لكان أول من يفعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولأرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما دام لم يفعله لا هو ولا أصحابه فهو بدعة ينهى عنه ومن طريف ما يذكر أن عامياً صلى إلى جنب رجل يتحدث بالنية فقال الرجل اللهم إني نويت أن أصلى صلاة الظهر أربع ركعات لله عز وجل خلف إمام المسجد وعيِّن المسجد فلما أراد أن يكبر قال له العامي اصبر اصبر بقي عليك شيء قال ما الذي بقي قال التاريخ قل في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا فعرف الرجل أنه غلطان ولعله ترك ذلك إن شاء الله.
***(8/2)
أحسن الله إليكم السائل من سوريا يقول فضيلة الشيخ ماذا يقول الإنسان عندما يريد أن يصلى فرضاً بعدما تقام الصلاة هل ينوي في قلبه أم يذكر النية جهراً أم ينوي في قلبه ويكبر للإحرام ويذكر عدد الركعات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه أن يجهر بالنية بل ولا يسن له ذلك بل ولا يسن أن يقول النية ولو سراً لأن النية محلها القلب والله تعالى عالمٌ به كما قال الله عز وجل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ) ولا يحتاج إلى أن ينوي عدد الركعات ولا ينوي أنه يصلى خلف فلان بل يكفي أن ينوي أنه يريد أن يصلى صلاة الظهر مثلاً فإن غاب عن قلبه تعيين الصلاة بأن صلى فريضة الوقت وغاب عن ذهنه أنها الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر فالقول الراجح أن الصلاة مجزئة لأن الوقت يقوم مقام التعيين وهو قد نوى أنها فريضة الوقت فإن كان وقت الظهر فهي ظهر وإن كان وقت العصر فهي عصر وإن كان وقت المغرب فهي مغرب وإن كان وقت العشاء فهي عشاء وإن كان وقت الفجر فهي فجر.
***(8/2)
جزاكم الله خيراً من صلى بنية الفجر مع أناس يصلون صلاة الخسوف وهو لا يعلم وقد انتهى الإمام من الركوع الأول في الركعة الأولى ماذا يعمل في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يستمر مع الإمام حتى يعلم أنه في صلاة الكسوف فإذا علم أنه في صلاة الكسوف فلا بد من أن ينفصل عن الإمام ويكمل الصلاة وحده وحينئذ يستمر معهم في الركعة الأولى فإذا قام إلى الثانية وركع الركوع الأول ثم قام وقرأ فحينئذ علمنا أن هذه صلاة خسوف فينوي مفارقته ويكمل.(8/2)
فضيلة الشيخ: إذا دخل معه في الركعة الثانية في التشهد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ما فيها إشكال الإشكال فيما إذا دخل معه في حال تختلف فيه الصلاة.
***(8/2)
تأخرت ذات يومٍ عن صلاة الظهر فلم أصلها إلى أن جاء وقت العصر لسببٍ من الأسباب فأتيت المسجد وإذا الجماعة يصلون العصر فهل يجوز في هذه الحالة أن أصلى العصر معهم ثم أصلى بعدهم صلاة الظهر أم أصلى معهم بنية الظهر وهم بنية العصر ولا يؤثر اختلاف النية هنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن قولك أخرت صلاة الظهر إلى صلاة العصر لسببٍ من الأسباب لم يتبين لنا هذا السبب فإن كان هذا السبب عذراً شرعياً فإن له حكماً وإن كان السبب غير شرعيٍ فإن صلاتك الظهر لا تجزئك إذا أخرتها عن وقتها بدون عذرٍ شرعي وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل مما وقع منك ولا تنفعك الصلاة حينئذٍ لأنك تعمدت تأخيرها عن وقتها فإذا قدرنا أن السبب الذي أخرت من أجله صلاة الظهر إلى صلاة العصر كان سبباً شرعياً وأتيت إلى المسجد وهم يصلون صلاة العصر فأنت بالخيار إن شيءت فصلِّ معهم بنية العصر فإذا فرغوا فأت بالظهر ويسقط الترتيب حينئذٍ لئلا تفوت الجماعة وإن شيءت فصلّ معهم الظهر أي بنية الظهر وإن كانوا يصلون العصر ولا يضر اختلاف النية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا) فبين صلى الله عليه وسلم معنى الاختلاف عليه ولهذا جاءت لا تختلفوا عليه ولم يقل لا تختلفوا عنه بل قال لا تختلفوا عليه مما يدل أن المراد المخالفة في الأفعال وقد فسر ذلك في نفس الحديث وقال (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا) إلى آخره أما النية فإنها عملٌ باطن لا يظهر فيها الاختلاف على الإمام ولو اختلفت وعلى هذا فإنك تدخل معهم بنية الظهر وإن كانوا يصلون العصر ثم إذا انتهوا من الصلاة تأتي أنت بصلاة العصر وهذا عندي أولى من الوجه الذي قبله.
فضيلة الشيخ: لو فرضنا أن الجماعة يصلون النافلة وهو فاتته فريضة فانضم معهم هل يؤثر أيضاً اختلاف النية بين الفرض والنفل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً لا تأثير له فيجوز أن يصلى الإنسان فرضاً خلف من يصلى نافلةً ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة فتكون له نافلةً ولهم فريضةً وهذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإن قال قائلٌ لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فالجواب على ذلك من وجهين
الأول أن نقول يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به لا سيما وأنه قد شكي إليه في الإطالة حين صلى بهم ذات ليلةٍ فأطال ثم دعاه النبي عليه الصلاة والسلام ووعظه والقصة معروفة فيبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بحال معاذ رضي الله عنه
والوجه الثاني أنه على فرض أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بصنيع معاذ هذا فإن الله سبحانه وتعالى قد علم به ولم ينزل وحيٌ من الله تعالى بإبطال هذا العمل ولهذا كل ما جرى في عهد النبي عليه الصلاة والسلام فإنه حجة لإقرار الله له والله سبحانه وتعالى لا يقر أحداً على باطل وإن خفي عن النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) فلما كان هؤلاء القوم يبيتون ما لا يرضي الله عز وجل والناس لا يعلمون به بينه الله عز وجل ولم يقرهم عليه فدل هذا على أن ما وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حجة وإن لم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علم به حجة بإقرار الله له فالمهم أن فعل معاذٍ رضي الله عنه هذا حجة على كل تقدير وهو يصلى نافلة وأصحابه يصلون وراءه فريضةً إذاً فإذا صلى شخصٌ وراء قومٍ يصلون نافلة وهو يصلى فريضة فلا حرج في ذلك ولهذا نص الإمام أحمد على أن الرجل إذا دخل في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلى خلف الإمام بنية صلاة العشاء فإذا سلم الإمام من الصلاة التي هي التراويح أتى بما بقي عليه من صلاة العشاء وهذا فرضٌ خلف نافلة.
***(8/2)
يقول إذا جاء المأموم بعد الفراغ من المغرب وهم في صلاة العشاء وصلى على نية المغرب واتضح له أنهم يصلون العشاء عندما قاموا لاثنتين بعد التشهد الأول فماذا يصنع هل يستمر معهم ويصلى المغرب بعد العشاء أو يجلس ويسلم بعد الثالثة ثم يصلى العشاء وحده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في هذه المسألة أنهم إذا قاموا إلى الرابعة وجب عليه المفارقة فيجلس ويتشهد ويسلم ويلحق الإمام فيما بقي من صلاة العشاء ولا يجوز أن يستمر معهم بنية العشاء لأن نية الصلاة المعينة فريضةً كانت أم نافلة لا بد أن تكون من أول الصلاة أي من تكبيرة الإحرام وهنا ما نوى صلاة العشاء إلا عندما قام الإمام إلى الرابعة فلا يصح منه ذلك فعلى هذا نقول إذا قاموا إلى الرابعة فإنه ينوي المفارقة ويتشهد ويسلم ويلحق الإمام فيما بقي من صلاة العشاء.
فضيلة الشيخ: إذا استمر معهم في العشاء هل يلزمه إعادة العشاء بعد أن يصلى المغرب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا استمر معهم بنية العشاء فقد قلنا إنه لا تصح الصلاة لأنه لم ينوها من أولها وعلى هذا فتقع نافلة ثم يصلى المغرب بعد سلام الإمام ثم يأتي بصلاة العشاء؟
***(8/2)
المستمع ع. ع. ح. الشهري من تنومة بعث بهذه الأسئلة يقول إذا بدأت في صلاة فرض ومضى بعضها ثم دخل المسجد متأخر مثلي ولم يدخل معي في صلاتي فهل يجوز لي أن أشير إليه بيدي للدخول معي لنحظى بفضل الجماعة وهل ذلك أفضل أم صلاته وحده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لك إذا دخلت وحدك في الصلاة ودخل رجل آخر أن تشير إليه ليصلى معك ولا حرج في ذلك وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم فمنهم من قال إنه لا يصح أن يدخل مع المنفرد أحد بعد نية انفراده لأنه يشترط أن ينوي الإمامة قبل الدخول في الصلاة ومنهم من قال بجواز ذلك ومنهم من فرق بين الفرض والنفل والصواب أن ذلك جائز وأن الرجل إذا صلى وحده منفرداً ثم دخل رجل آخر فللآخر أن يصلى معه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلى من الليل وكان وحده فقام ابن عباس رضي الله عنهما فصف معه عن يساره فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه وهذا دليل على جواز نية الإمامة بعد الدخول في الصلاة منفرداً وهو في النفل ظاهر وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل ولا دليل على المنع وعلى هذا فلك أن تشير إليه ليصلى معك وإذا صلىتما جماعة في هذه الحال وقد أدرك معك ركعة فأكثر حصل لكما أجر الجماعة.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول المستمع جمال ماحكم الصلاة إذا كان الشخص نوى الصلاة فرضاً أو نفلاً وهو منفرد وفي نصف الصلاة جاء آخر ونوى الصلاة خلفه هل تكون صلاة الإمام جماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول إن بعض العلماء يرى أن من دخل في الصلاة منفرداً ثم جاء بعده آخر ودخل معه ليكون الأول إماماً للثاني فإن ذلك لا يصح لأنه لا بد أن تكون نية الإمامة من أول الصلاة إلا من دخل منفرداً وهو يعلم أن صاحبه سوف يلحقه ليصلى معه وبعض العلماء يرى أنه لا بأس أن يدخل الإنسان في الصلاة منفرداً فإذا حضر معه أحد صلى به جماعة
ثانياً أن نقول إن الإنسان إذا دخل في صلاة فريضة أو نافلة منفرداً وهذه النافلة مما يشرع للجماعة فجاء إنسان ودخل معه فإن ذلك من باب الجائز الذي ليس به بأس بل نقول إنه قد يكون مستحباً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) وأما قول السائل هل يدرك فضل الجماعة فنقول إن أدركه في ركعة من الصلاة فأكثر حصلت له الجماعة وإن لم يدركه إلا في الركعة الأخيرة بعد رفعه من الركوع فإن ثواب الجماعة لا يحصل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) .
***(8/2)
السائل يقول أدخل المسجد أحياناً وأجدهم قد انتهوا أو فرغوا من الصلاة وأثناء الصلاة تأتي جماعة أخرى فهل يجوز لي أن أحول هذه الفريضة إلى نافلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان إذا شرع في الصلاة منفردا ثم حضر جماعه أن يقلب هذه الصلاة التي كان يصلىها إلى نفل ويتمها ثم يدخل مع الجماعة وله أيضا أن يقطعها فورا من حين رأى القوم يقيمون الجماعة فهو بالخيار بل هناك خيار ثالث أن يمضي في صلاته ولا يقطعها فالخيارات إذن ثلاثة إن يقلبها نفلا ثم يتمها خفيفة ويدخل معهم أن يقطعها ثم يدخل معهم أن يستمر في صلاته لأنه حين شرع فيها كان معذورا فلا يلزمه إعادتها.
***(8/2)
يقول أتى رجل إلى الصلاة فوجد أن المصلين قد انتهوا من الصلاة في أي فرض فأقام الصلاة وصلى الركعتين الأوليين من الصلاة فدخل رجل آخر وهو قائم يصلى الركعة الثالثة فهل يصلى معه أم يقيم الصلاة ويصلى وحده؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مما اختلف فيه أهل العلم فمنهم من يرى أنه لا يجوز أن يدخل الثاني مع الأول لأن الأول لم ينو الإمامة من أول الصلاة ومنهم من يرى أنه يجوز للثاني أن يدخل مع الأول وإن لم ينو الإمامة من أول الصلاة وهذا القول هو الراجح ودليله ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم (حيث قام يصلى من الليل وحده فقام إليه ابن عباس رضي الله عنهما فصلى معه ولم ينهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا منعه من ذلك) والقاعدة أن ما ثبت في النفل ثبت في الفريضة إلا بدليل ويدل لتقرير هذه القاعدة وهي: أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم لما حكوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته في السفر قالوا غير أنه لا يصلى عليها الفريضة أو المكتوبة فلما استثنوا هذا دل ذلك على أن ما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة وإلاّ لما كان لاستثناء الفريضة في هذا المقام وجه وعلى هذا فيجوز إذا دخلت ووجدت إنساناً يصلى الفريضة وحده أن تصلى معه ثم إذا سلم قضيت ما فاتك إن كان قد فاتك شيء.
***(8/2)
السائل يقول إذا كان الرجل يصلى في المسجد سواء كان مدركاً لبعض صلاته مع الجماعة أو لا وأتى رجل فصلى خلفه فهل تصح صلاة هذا المقتدي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن صلاته تصح لكن لا يقف خلفه وهو واحد لأن موقف الواحد مع الإمام إنما يكون عن يمينه كما ثبت ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند خالته ميمونة أي خالة ابن عباس فلما قام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى من الليل قام ابن عباس عن يساره فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه فموقف المأموم الواحد أن يكون على يمين الإمام.
***(8/2)
السائل يقول رجلٌ فاتته بعض الركعات وأثناء قيامه ليأتي بما فاته بعد سلام الإمام دخل المسجد جماعة ثم قدموه للإمامة هل يصح هذا العمل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح هذا العمل ويكون هذا الرجل انتقل من كونه مأموماً إلى كونه إماماً وإذا أتم صلاته قام الداخلون وأتموا صلاتهم إذا كانوا أدركوه بعد الركعة الأولى.
***(8/2)
السائل يقول هل يشترط في الإمامة نية الإمامة في الصلاة وإذا دخل رجل فوجد رجلاً يصلى فهل يأتم به وهل يشرع الائتمام بالمسبوق؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ثلاث مسائل تضمنتها هذه الفقرة:
المسألة الأولى هل يشترط للإمام أن ينوي الإمامة وجواب ذلك أن المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لا بد للإمام أن ينوي الإمامة فلو صلى شخصٌ مع شخصٍ آخر ونوى أنه إمامٌ له ولكن الإمام لم ينوِ الإمامة فإن صلاة المأموم لا تصح في هذه الحال لأنه يشترط للجماعة أن ينوي الإمام الإمامة والمأموم الإئتمام وقال بعض أهل العلم إنه يصح أن يأتم بشخصٍ وإن لم ينوِ الإمامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يومٍ في رمضان وحده واحتجر عليه حجرة فصلى وراءه الناس ولم ينههم عليه الصلاة والسلام لكن هذا لا يدل على أن الرسول لم ينوِ الإمامة لأنه ربما نوى الإمامة حين أحس بهم والاحتياط ألا يصلى خلف شخص إلا وقد عرف أنه نوى الإمامة فإذا دخلت المسجد ورأيت شخصاً يصلى وحده فقف إلى جنبه وقل أنت إمامي وإذا لم تقل ذلك وكبرت فإنه هو ينبغي له أن ينوي أن يكون إماماً لك لتحصل الجماعة.
الفقرة الثانية من هذا السؤال وهي أنه إذا دخل المسجد ووجد إنساناً يصلى فهل يدخل معه والجواب أنه يدخل معه وتصح الصلاة جماعة على القول الراجح ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام ذات ليلةٍ يصلى وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما نائماً عنده فقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى وحده فقام ابن عباس رضي الله عنهما فصلى إلى جانبه لكنه صلى عن يساره فأخذ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه وهذا يدل على جواز نية الإمامة في أثناء الصلاة وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل
أما الفقرة الثالثة في السؤال فهو هل يأتم بشخصٍ يقضي ما فاته من الصلاة والجواب على هذا أن نقول لا بأس أن يأتم بشخصٍ يقضي ما فاته من الصلاة كما لو دخلت ووجدت الإمام قد سلم ووجدت رجلاً يقضي ما فاته مع إمامه فدخلت معه على أن يكون إماماً لك فإن هذا لا بأس به لكن الأولى تركه لأن الظاهر أن الصحابة لم يكونوا يفعلون هذا إذا فاتهم شيء من الصلاة.
***(8/2)
إذا صلى الإمام وأحدث في الصلاة أو صلى ناسياً وهو على غير طهارة ماذا يعمل وبالأخص إذا كان في الجلوس الأخير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا صلى الإمام بالجماعة وهو محدث ناسياً حدثه ولم يذكر إلا بعد تمام الصلاة وجبت عليه الإعادة وأما المأمومون فلا تجب عليهم الإعادة وأما إن ذكر في أثناء الصلاة فقد اختلف العلماء في هذا فمنهم من يقول يجب على المأمومين إعادة الصلاة من جديد ومنهم من يقول إنهم لا يجب عليهم الإعادة وحينئذٍ نقول للإمام خلِّف من يصلى بهم فقل تقدم يا فلان أكمل الصلاة بهم فإني لست على وضوء فإن لم يفعل فلهم أن يقدموا أحدهم ليتم بهم الصلاة ولهم أن يكملوا صلاتهم فرادى وصلاتهم صحيحة لأنهم معذورون حيث كانوا لا يعلمون بحدث الإمام وهم قد فعلوا الصلاة على الوجه الذي أمروا به فإذا فعلوا الصلاة على الوجه الذي أمروا به فإنه لا يمكن أن نفسد ما فعلوه على حسب المأمور إلا بدليلٍ من الشرع وليس هناك دليلٌ يدل على أن الإمام إذا بطلت صلاته بطلت صلاة المأموم وعلى هذا فالقول الراجح في هذه المسألة أن الإمام إذا ذكر أنه محدث في أثناء الصلاة قلنا له خلف من يتم بهم الصلاة فإن لم يفعل فللمأمومين أن يقدموا أحدهم ليتم بهم الصلاة ولهم أن يتموا صلاتهم فرادى ولا تجب عليهم إعادة الصلاة من أولها لعدم الدليل على إفساد الصلاة ووجوب إعادتها من أولها أما بالنسبة للإمام فقد عرفت أيها السائل أن صلاته باطلة لأنه كان محدثاً وبهذه المناسبة أود أن أبين أن هناك فرقاً بين من صلى محدثاً ناسياً أو جاهلاً وبين من صلى وعلى ثوبه نجاسة ناسياً أو جاهلاً فمن صلى وهو محدث ناسياً أو جاهلاً فإن عليه أن يتوضأ ويستأنف الصلاة من جديد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاةً بغير طهور) فمثال الناسي واضح ومثال الجاهل أن يأكل الإنسان لحم إبل ويجهل أنه لحم إبل ثم يصلى ثم يعلم بعد ذلك أن الذي أكله لحم إبل وهو لم يتوضأ قبل أن يصلى فقد صلى بحدثٍ جاهلاً به وعلى هذا فتلزمه إعادة الصلاة بعد الوضوء وأما من صلى وعلى ثوبه نجاسة ناسياً أو جاهلاً فلا إعادة عليه وصلاته صحيحة مثال الناسي أن يصيب الإنسان نجاسةٌ في ثوبه وينسى أن يغسلها أو ينسى أنها أصابته ثم يصلى وبعد صلاته ذكر أن على ثوبه نجاسة فلا إعادة عليه وكذلك لو كان جاهلاً بأن أصابه رشاش بولٍ لم يعلم به وبعد انتهائه من صلاته علم بذلك فإنه لا إعادة عليه لأنه كان جاهلاً والناسي والجاهل معذوران بنص الكتاب قال الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه وعليه نعلاه ثم خلعهما فخلع الناس نعالهم فلما انصرف من الصلاة سألهم لماذا خلعوا نعالهم فقالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال صلى الله عليه وسلم إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذىً أو قذراً فخلعتهما ولم يستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فدل ذلك على أن من صلى وعلى ثوبه أو شيء من ملابسه نجاسة وهو جاهلٌٍ بذلك فلا إعادة عليه فإن قال قائل ما الفرق بين كون الإنسان إذا صلى محدثاً ناسياً أو جاهلاً وجبت عليه الإعادة بعد الوضوء ومن صلى وعلى ثوبه نجاسة ناسياً أو جاهلاً فلا إعادة عليه فالجواب أن الفرق بينهما هو أن من صلى محدثاً فقد ترك مأموراً والعبادة إذا ترك المأمور فيها لم تصح وأما من صلى وعلى ثوبه نجاسة فإنه قد فعل محظوراً وهو تلبسه بالنجاسة وفعل المحظور إذا كان الإنسان فيه ناسياً أو جاهلاً فإنه لا يؤاخذ به ولا يترتب عليه إثم.
***(8/2)
السائل أبو الحنيفة اليماني السلفي من مكة المكرمة يقول في هذا السؤال إذا استبدل بالإمام واحد آخر لنقض وضوئه ودخل في الصلاة فهل صلاة المأمومين باطلة وكيف تكون الطريقة في هذه الحالة مع الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حصل على الإمام حدث أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن ينصرف ويوعز إلى بعض المأمومين أن يتم الصلاة بهم ويبني هذا المأموم الذي أتم الصلاة يبني على صلاة الأول فمثلاً لو كان هذا الإمام الذي انصرف قد قرأ الفاتحة وأمر من يتقدم ليكمل بهم الصلاة فإنه لا يقرأ الفاتحة هذا النائب لا يقرأ الفاتحة إلا إذا كان لم يقرأها هو بنفسه فليقرأها ثم يتم الصلاة فإذا كان الإمام قد انصرف بعد أن صلى ركعتين في الرباعية أتم بهم هذا النائب الركعتين الباقيتين وهكذا يكمل ما بقي من صلاة الأول وكذلك لو دخل بهم الإمام في الصلاة ثم نسي ثم ذكر في أثناء الصلاة أنه ليس على وضوء فإنه ينصرف ويطلب من أحد المأمومين أن يكمل بهم الصلاة فإن لم يطلب من أحد المأمومين أن يكمل بهم الصلاة فإنهم يجعلون أحدهم يكمل بهم الصلاة فيدفعون رجلاً منهم إلى الأمام ليكمل بهم الصلاة فإن لم يفعلوا وأتموا فرادى فلا حرج ولا بأس بذلك ودليل هذا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن أمر عبد الرحمن بن عوف أن يصلى بالناس ولأن المأمومين دخلوا في الصلاة على أنها صحيحة وعلى أن إمامهم ليس بمحدث وإذا دخلوا في صلاةٍ صحيحة بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا يمكن أن نبطل هذه الصلاة إلا بدليلٍ شرعي وليس هناك دليلٌ على بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام اللهم إلا فيما ناب الإمام فيه مناب المأمومين لو أن الإمام انقطعت سترته فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه فيكون بطلان صلاة الإمام بمرور من يقطع الصلاة بين يديه مبطلاً لصلاة المأمومين أيضاً أما ما يكون بطلان لصلاة الإمام بخاصة نفسه فإنه لا يكون مبطلاً لصلاة المأمومين.
***(8/2)
إذا قطع الإمام صلاته لأي سببٍ وخرج ولم يستخلف أحداً فما الحكم وهل في هذا فرقٌ فيما لو كانت الصلاة صلاة جمعةٍ أو غيرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة قوله إذا قطع الإمام صلاته لأي سبب لا بد أن يقيد هذا بالأسباب المسوغة لقطع الصلاة أما لأي سبب فلا يصح أن يقطع الإمام صلاته لأي سبب إن كانت فريضة فواضح وإن كانت نافلةً فإن الأولى أن لا يقطعها بل يستمر ولا يقطعها إلا لغرضٍ صحيح على كل حال إذا قطع الإمام صلاته لسببٍ شرعي فلا إثم عليه وإن كان لغير سببٍ شرعي فعليه الإثم فإن كان لم يستخلف في هذه الحال فإن للمأمومين واحداً من أمرين إما أن يكملوا فرادى وإما أن يقدموا أحدهم أو يتقدم أحدٌ منهم ويكمل بهم الصلاة ولا حرج عليهم في هذا مع أن الأولى إذا حصل للإمام ما يسوغ الخروج من الصلاة الأولى أن يستخلف هو بهم حتى لا يحصل ارتباكٌ بينهم.
***(8/2)
السائل عبد الرحيم مكي يقول اثنان من المصلىن أسرعا لأداء صلاة الظهر فأدركا ثلاث ركعات وحصل حدث للإمام وهم جماعة عددهم أربعة والخامس الإمام فأخذ واحداً من المتأخرين فكيف تتم الصلاة وصلاته ناقصة وزميله أيضاً صلاته ناقصة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حصل للإمام حدث في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن ينصرف ولا يحل له إتمام الصلاة وهو محدث وإن كان بعض الناس يغلب عليه الحياء والخجل فيبقي يصلى بالناس وهو محدث وهذا من التلاعب بدين الله عز وجل وهو عمل محرم الواجب على من أصابه حدث في أثناء صلاته أن ينصرف منها ويأمر أحداً خلفه ليتم الصلاة بالناس سواء كان ذلك في أول ركعة أو فيما بعدها وخليفته يكمل بالناس ما بقي من الصلاة وينبغي أن لا يستخلف إلا من كان معه من أول الصلاة حتى لا يحصل التشويش فإن استخلف مسبوقاً من الذين خلفه فإن هذا المسبوق يكمل حسبما عليه من الركعات والجماعة الذين كانوا قد أدركوا الإمام الأول من أول الصلاة إذا قام الخليفة إلى إكمال صلاته فإنهم لا يتابعونه في هذه الحال لأنهم قد أتموا صلاتهم ولكنهم يجلسون ينتظرونه ويسلمون معه هذا هو حكم المسألة.
***(8/2)
إذا جئتُ وإنسان يصلى ولحقت معه ركعتين وسلم وجاء شخص ثان هل يحق له أن يصلى خلفي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للشخص الثالث الذي أتى إليك بعدما قمت تقضي صلاتك بعد الأول يجوز له أن يدخل معك لأن القول الراجح أن الإنسان إذا صلى منفرداً ثم جاء آخر فصلى معه فنوى به الإمامة أن ذلك صحيح لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس (أنه قام يصلى من الليل فقام ابن عباس رضي الله عنهما فوقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأداره إلى يمينه واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته) فدل هذا على جواز انقلاب نية المنفرد إلى إمامة وما ثبت في النفل فإنه يثبت في الفرض لعدم الفرق بينهما إلا أن يدل دليل على التفريق بينهما.
***(8/2)
إذا دخل إنسان ووجد شخصاً يكمل صلاته وانضم معه حتى انتهى الأول وقام ليكمل هوثم دخل شخص آخر ووجد هذا الشخص أيضاً يكمل فانضم معه وهكذا الأمر قد يتسلسل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا بأس به ولكن لا نقول إنَّ هذا من المستحب لأن الأول قد أدرك جماعة وصلى في جماعة فكان مأموماً بالأول ولا أعلم في هذا سنة تدل عليه وإن كان بعض العلماء نصوا على جوازه وقالوا إنه لا بأس به والتسلسل الذي ذكرت ليس بمحرم ولا بممتنع.
فضيلة الشيخ: هل يشترط نية الائتمام أو نية الإمامة عند الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط.
فضيلة الشيخ: بعض الناس يقول إنه لم ينوِ أن يكون إماماً بل نوى لنفسه فقط أو إنه كان مأموماً في الأول فكيف يصح أن يصبح إماماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول هذا لا بأس به يعني انتقال الإنسان من انفراد إلى إمامة لا حرج فيه وانتقاله أيضاً من انفراد إلى ائتمام لا حرج فيه وذلك لأنه لا دليل على المنع وقد وردت مسائل تدل على جوازه فالرسول عليه الصلاة والسلام (قام يصلى من الليل وعنده ابن عباس رضي الله عنهما فقام ابن عباس فصلى معه) ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد الإمامة لابن عباس رضي الله عنهما والقصة هذه مشهورة وهي ثابتة في الصحيحين وغيرهما وهو دليل واضح على أنه يجوز للإنسان أن ينتقل من انفراد إلى إمامة وقد قال من منع ذلك إن هذا في صلاة الليل وهو نفل فيجوز في النفل دون الفرض والجواب عليه أن يقال ما ثبت في النفل فإنه يثبت في الفرض إلا بدليل ولهذا لما ذكر الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته حيث ما توجهت به قالوا غير أنه لا يصلى عليها المكتوبة فدل ذلك على أن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل يدل على تمييز أحدهما من الآخر وقد ثبت انتقال الإنسان من إمامة إلى ائتمام (حينما خلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يصلى بالناس فدخل في الصلاة وفي أثنائها وجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة من المرض فخرج وجلس إلى يسار أبي بكر رضي الله عنه وجعل يصلى بالناس وأبو بكر يبلغهم وهذا انتقال من إمامة إلى ائتمام والأصل الجواز حتى يقوم دليلٌ على المنع.
***(8/2)
السائل شيخي محمد من الجزائر ولاية المسيلة يقول إذا أتى رجلٌ للصلاة وقد سبق بشيء منها وكان قريباً من الإمام وحدث للإمام شيءٌ يمنعه من الاستمرار في الصلاة فاستخلف هذا المسبوق ليكمل الصلاة إماماً للباقين فما الحكم في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا ينبغي للإمام أن يستخلف مسبوقاً لما في ذلك من إرباك المأمومين الذين خلفه وإنما يستخلف من لا قضاء عليه حتى يسلم بالمأمومين عند تمام صلاة الجميع لكن إذا وقع مثل هذا الحادث وكان المستخلف مسبوقاً فإن هذا المسبوق يتم بهم الصلاة فإذا أتم المأمومون صلاتهم استمر هو في صلاته ولكن هم يجلسون لا يتابعونه فيما زاد على صلاتهم بل يجلسون ينتظرونه حتى يكمل صلاته ويسلم بهم مثال ذلك لنفرض أن هذا المسبوق المستخلف قد فاته ركعتان من صلاة العصر فإنه يصلى بالمأمومين ويجلس للتشهد وهو في حقه تشهدٌ أول وفي حق المأمومين تشهدٌ أخير فيبقون هم ثم هو يقوم ويأتي بما بقي من صلاته ثم يسلم بهم.
***(8/2)
تقول صلىت فريضة وبعد تكبيرة الإحرام غيرت النية إلى فريضة أخرى كانت علي قضاء فما الحكم علما بأن ذلك كان من زمن وكنت جاهلة بالحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تغيير النية من فريضة إلى فريضة يبطل الأولى التي نواها لأنه غير نيته ونوى الدخول في الأخرى أما الثانية فإن ابتدأها بتكبيرة الإحرام فإنها صارت صحيحة وإن لم يبتدئها بتكبيرة الإحرام ونوى أن التكبيرة الأولى هي تكبيرة الإحرام للثانية لم تصح هذه الفريضة لأن الفرائض لابد أن تنوى من أولها.
***(8/2)
بارك الله فيكم المستمع عبد الرحمن بن صالح الشايع من القصيم يقول ما حكم ما يفعله البعض من الناس إذا كبر لصلاة الفريضة ثم تذكر نسيانه لشيء أو ما شابه ذلك جعل هذه الفريضة نافلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دخل الإنسان في فريضة فإنه لا يحل له أن يقطعها لأن القاعدة الشرعية عند أهل العلم أن من شرع في فرض وجب عليه إتمامه إلا من عذر وأما تحويل الفريضة إلى نافلة فإن أقل أحواله أن يكون مكروهاً إلا لغرض صحيح وقد يكون محرماً إذا كان يقصد به التوصل إلى قطع هذه الفريضة فمثال ما فيه غرض صحيح أن يشرع الإنسان في الصلاة المفروضة وحده ثم تحضر جماعة فيقطعها أو يحولها إلى نافلة ليتمها سريعة ثم يدخل مع هؤلاء الجماعة فإن هذا غرض صحيح وانتقاله من الفريضة إلى النافلة إنما هو لمصلحة تعود إلى هذه الفريضة وهي صلاتها جماعة ومثال ما كان حيلة على قطع الفريضة أن يشرع في الفريضة ثم يبدو له شغل ويعلم أن قطع الفريضة حرام فيحولها إلى نافلة ليقطعها لأن قطع النافلة ليس بحرام فنقول له إن هذا حرام عليك لأنه حيلة على محرم والحيلة على المحرمات لا تقلبها إلى حلال بل لا تزيد تحريمها إلا شدة ومثال ما ليس فيه غرض صحيح ولا حيلة على قطع الفريضة أن يتحول من الفريضة إلى النافلة لزيادة النوافل التي يتقرب بها إلى الله فإن هذا الغرض لا يعود إلى مصلحة الصلاة المفروضة فنقول له لا تفعل استمر في فريضتك وإذا سلمت منها وأردت زيادة النافلة وكان الوقت ليس وقت نهي فلا حرج عليك أن تزيد من النوافل.
***(8/2)
هل يجوز تغيير النية في صلاة النفل مثلاً دخلت في الصلاة بنية صلاة أربع ركعات ولكني صليت اثنتين فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز مثل هذا العمل ولكن لا يجوز للإنسان أن يصلى أربع ركعات بتسليمة واحدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) فإذا أراد أن يتنفل ويتطوع في النهار أو في الليل فليصلِّ ركعتين ركعتين كل ركعتين بتسليمة ولكن لو غير النية من صلاةٍ إلى أخرى فإننا نقول إذا غير النية من صلاةٍ إلى أخرى فله أوجه:
الوجه الأول أن يغير النية من صلاةٍ معينة إلى صلاةٍ معينة ولا يجوز هذا ولاينفع مثل لو أراد أن يغير النية بعد أن شرع في صلاة الظهر ثم ذكر أنه صلى الفجر بغير وضوءٍ مثلاً وبعد أن شرع في صلاة الظهر انتقل بنيته إلى صلاة الفجر فهذا لا يجوز تبطل صلاة الظهر لأنه قطع نيتها ولا تنعقد صلاة الفجر لأنه لم ينوها من أولها بتكبيرة فإذا انتقل من معين إلى معين بطل الأول ولم ينعقد الثاني
الوجه الثاني أن ينتقل من مطلق إلى معين مثل أن يشرع في صلاة نافلة ثم يذكر أنه لم يصلِ الفجر أو أنه صلاها بغير وضوء فينوي في أثناء النفل أنه لصلاة الفجر فهذا أيضاً لا يصح لأن المعين لا بد أن ينويه من أوله
والثالث أن ينتقل من معين إلى مطلق مثل أن يشرع في صلاة الوتر ثم يبدو له أن يجعله نفلاً مطلقا وأن يوتر في آخر الليل فهذا جائز وذلك لأن الصلاة المعينة تتضمن في الحقيقة نيتين نية مطلق الصلاة ونية التعيين فإذا ألغى نية التعيين بقيت نية مطلق الصلاة وحينئذٍ يكون انتقاله من المعين إلى المطلق صحيحاً لأن المعين يتضمن المطلق ولاعكس.
***(8/2)
إذا جُمعت الصلاة وحضر البعض متأخراً واختلفت نيتهم مع نية الإمام فهل صلاتهم صحيحة ثم هل تسقط عنهم صلاة العصر مثلاً إذا جُمعت صلاة الظهر معها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حصل الجمع وجاء المتأخرون وهم في الصلاة الثانية فإنهم يدخلون معهم بنيتهم أي بنية القادمين الحاضرين فإذا كان الجماعة يصلون العشاء فيدخل هؤلاء معهم بنية صلاة المغرب فإن دخلوا من أول ركعة فإنهم إذا قام الإمام إلى الرابعة ينوون مفارقته ويسلمون لأنفسهم ثم يقومون ليدخلوا معه فيما بقي من صلاة العشاء وكذلك يقال في صلاة العصر إذا جاء هؤلاء وهم في صلاة العصر ولم يصلوا الظهر فإننا نقول ادخلوا معهم بنية الظهر وأتموا على نية الظهر ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على القول الراجح لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) يفسره قوله (فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا) إلى آخر الحديث فيكون المعنى لا تختلفوا عليه بالأفعال والمتابعة وليس المراد لا تختلفوا عليه في النية وإلا لقال فلا تختلفوا عنه فالاختلاف على الشيء بمعنى مخالفته في ظاهر الأفعال.
***(8/2)
من حضر لصلاة العشاء ووجد الجماعة يصلون التراويح فهل يجوز أن ينضم إليهم بنية الفرض أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز له أن ينضم إليهم بنية الفرض فإذا أتى الإنسان إلى المسجد وهو لم يصل الفرض ووجدهم يصلون صلاة التراويح فإنه يدخل معهم بنية الفرض ولو كان الإمام ناويا التراويح لأن لكل امرئ ما نوى وعليه فإذا أتم الإمام من صلاة التروايح قام هذا فأتى بما بقي عليه من صلاة العشاء وقد نص الإمام أحمد على جواز هذه المسألة.
***(8/2)
يقول السائل صلىت العصر أو المغرب أو العشاء وأتممتها منفرداً ثم وجدت جماعة هل أصلى مع الجماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا صلى الإنسان فريضته منفرداً ثم حضر جماعةٌ بعد تمام صلاته فقد أدى الفريضة بصلاته الأولى ولكنه يستحب أن يعيد الصلاة مع هؤلاء الجماعة الذين حضروا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا صلىتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلىا معهم فإنها لكما نافلة) فعلى هذا نقول تعيد الصلاة مع هؤلاء الحاضرين وتكون الصلاة الثانية نفلاً أما الصلاة الأولى فإنها فرض.
***(8/2)
بارك الله فيكم يقول إذا صلى الإمام وأسرع سرعةً بحيث لا أستطيع المتابعة فهل أنوي الانفراد وأطمئن في صلاتي ولو تقدم عني بحيث لا أركع إلا إذا سجد أم أتابع الإمام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لا يمكنك متابعة الإمام إلا بنقص الطمأنينة فالواجب عليك أن تنوي الانفراد وأن لا تتابعه لأن الجمع بين الطمأنينة ومتابعة هذا الإمام مستحيل ولا سبيل إلى صحة الصلاة إلا بأن ينوي المأموم الانفراد ويكمل لنفسه ودليل ذلك (أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة فلما كانت ذات ليلة وكبر شرع في سورة البقرة فانفرد عنه أحد المصلىن وصلى وحده فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لمعاذ أفتانٌ أنت يا معاذ ثم أرشده إلى أن يقرأ بـ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) والغاشية وما أشبه ذلك فإذا كان المأموم يجوز له أن ينفرد من أجل تطويل الإمام فجواز انفراده من أجل تخفيف الإمام التخفيف الذي لا يمكن معه الطمأنينة من باب أولى وعلى هذا فيكون الجواب إذا كان لا يمكنك متابعة الإمام لكونه مسرعاً فأنت تنوي الانفراد وتتم لنفسك صلاةً بطمأنينة.
***(8/2)
جزاكم الله خيرا يقول السائل من جمهورية مصر العربية هل تجوز الصلاة بدون نية وراء الإمام مع الجماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أنا أقول في الجواب هل يمكن أن يقع هذا هل يمكن أن يعمل العاقل المختار عملاً لا يريده هذا من المحال لو سألت المصلى أين تذهب الآن قال أذهب إلى المسجد لماذا قال: لأصلى مع الجماعة لا يمكن أن يريد سوى هذا فهذا السؤال غير وارد، نعم ربما يرد من أصحاب الوساوس الذين يشكون في كل شيء والموسوس لا حكم لوسوسته والواجب عليه تجاه هذه الوسوسة أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يعرض وينتهي عن الوساوس فإذا صنع ذلك فإنها سوف تذهب بإذن الله ولقد قال بعض أهل العلم قولاً سديداً صواباً قال (لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق) وصدق لو قال لنا الله اعملوا بلا نية ما استطعنا ولشق علينا ذلك مشقة شديدة وجاء رجل إلى أحد علماء الحنابلة البارزين وهو ابن عقيل رحمه الله فسأله يا سيدي يا شيخ أنا أذهب إلى نهر دجلة لأغتسل من الجنابة فأنغمس فيه ثم أخرج وأقول إن حدثي لم يرتفع فقال له الشيخ إنه لا صلاة لك ولا صلاة عليك فتعجب الرجل قال لماذا؟ قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق) وما أنت إلا مجنون كيف تذهب إلى النهر وتنغمس فيه وأنت أتيت إليه لترفع الجنابة عن نفسك ثم تخرج وتقول ما نويت وهذا مثل ينبغي لكل موسوس ابتلاه الله بذلك أن يجعله على باله نسأل الله تعالى أن يرفع عن إخواننا المسلمين كل ما لا خير لهم فيه المهم أننا نقول من جاء إلى المسجد ودخل المسجد وقام في الصف وكبر للصلاة فإنه لابد أن يكون ناوياً الدخول في الجماعة.
***(8/2)
بارك الله فيكم إذا تجشأ شخص في الصلاة في جانبي فإن رائحته تؤذيني فهل يحق لي أن أخرج من الصلاة لأنني أشعر بالتقيؤ من ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن التجشؤ في الغالب لا يستمر يحصل مرة واحدة إلا أن يكون عند الإنسان مرض فقد يتكرر ويستمر والمرة الواحدة لا أعتقد أنها تصل بالإنسان إلى حد التقيؤ وعلى هذا فلا تخرج من الصلاة إلا إذا تكرر منه وتأذيت فلا حرج عليك أن تنفصل من الصلاة وتكون في جانب آخر من الصف بعيد عن هذا الرجل وهكذا لو صلى إلى جانبك رجل فيه رائحة كريهة وعجزت أن تتحمل البقاء فلك أن تنصرف وتصلى في جانب آخر بعيداً عنه وبهذه المناسبة أود أن أقول إن كل إنسان ذي رائحة كريهة تؤذي الناس لا يحل له أن يأتي إلى المسجد فيؤذى الناس ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (فيمن أكل بصلاً أو ثوماً لا يقربن مساجدنا) ، وتعليل هذا بأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإن هذا الحديث يدل على أن من فيه رائحة كريهة لا يقرب المسجد لا في وقت الصلاة ولا في غيرها، لأنه إن كان في وقت الصلاة فإن الملائكة وبني آدم يتأذون بذلك وإن كان في غير وقت الصلاة فإن الملائكة تتأذى به، ومعلوم أن أذية المؤمنين حرام لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) وبعض الناس يأكل البصل والثوم ويأتي ورائحته تشمها من بعيد فيدخل المسجد ويصلى مع الناس ويؤذيهم أذية شديدة وهذا حرام عليه ولا يحل له، فإن قال قائل هل تجيزون له أن يأكل البصل ونحوه من ذوي الرائحة الكريهة إذا كان مباحاً في الشرع مع أنه يستلزم ترك المسجد؟ فجوابنا على هذا أن نقول إن أكله من أجل ترك المسجد فهذا حرام عليه وإن أكله لا لهذا الغرض ولكن لأنه يشتهيه أو لمنفعة فيه أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه أن يأكل وإن أدى ذلك إلى ترك المسجد، ونظير ذلك الرجل يسافر في رمضان وإن لم يكن مضطراً إلى السفر ومع هذا فإنه يلزم من سفره أن يستبيح الفطر فهل نقول إن السفر حرام لأنك تستبيح به الفطر لا نقول هذا بل نقول سافر وأفطر، إلا إذا قصد بسفره الإفطار فإنه في هذه الحال يحرم عليه الفطر ولو سافر بل قال أهل العلم يحرم عليه الفطر والسفر معاً لأن السفر لغرض محرم وما كان لغرض محرم فهو حرام.
***(8/2)
يقول السائل كنت ذات يوم أصلى وكان معي حقيبة فيها مبلغ من المال فوضعتها أمامي لأن جيبي لا يتسع لها وأثناء الصلاة تقدم إليها أحد ضعاف النفوس وخطفها وهرب بها مسرعا ولم أستطع أن أقطع الصلاة للحاق به فهل تركي له يأخذها ويهرب طمعا في أجر صلاة الجماعة عمل صحيح أم أنه كان يجب علي أن أقطع الصلاة وألحق به حتى لو كان المال قليلا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب في هذه الحال إن كانت الصلاة نفلا فلا شك في أنك يجوز لك قطعها لتحرز مالك وأما إذا كانت فريضة فلك أيضاً أن تقطع الصلاة من أجل الحفاظ على مالك وإحرازه من هذا الظالم المعتدي وإذا قطعتها في مثل هذا الحال فإن لك أجر صلاة الجماعة لأنك لم تقطعها إلا لعذر فلو أنك قطعتها لحميت مالك وحفظته لنفسك ثم أنجيت هذا الرجل من هذا الظلم والعدوان لقول النبي عليه الصلاة والسلام (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وبين أن نصر الظالم أن تمنعه من الظلم لو أنك فعلت هذا لكان أولى بك فالمهم أن قطع صلاة الفريضة أو النافلة في مثل هذه الحال لا بأس به لأنك تحرز مالك وتمنع غيرك من الظلم.
فضيلة الشيخ: حتى لو كان المال قليلا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ولو كان المال قليلا لأن فيه إضاعة للمال لو تركته وفيه أيضا إغراء لمثل هذا الظالم أن يعتدي مرة أخرى على غيرك.
فضيلة الشيخ: بهذه المناسبة ما هي الأشياء أو الحالات التي يجوز قطع الصلاة لها أو من أجلها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحالات كثيرة منها أن يخاف الضرر على نفسه إذا استمر في صلاته ومنها أن يخاف تلف ماله ومنها أن يخاف تلف معصوم مثل أن يشاهد شخصا يعتدي على إنسان ليقتله أو لينتهك حرمته أو يرى حية مقبلة على أحد أو سبعا أو ما أشبه ذلك ففي هذه الحال يقطع الصلاة لإنقاذ المعصوم لأن إنقاذ المعصوم واجب ويفوت إذا استمر في صلاته أما الصلاة فإن الاستمرار فيها واجب ولكنه يمكنه تداركها بعد أن ينقذ هذا المعصوم من هذه الهلكة.
***(8/2)
السائل يقول إذا كنت أصلى بجانب شخص مصاب بمرض الصرع -الإغماء- وأغمي عليه أثناء الصلاة فهل يصح لي أن أقطع صلاتي لمساعدته أرجو الإجابة على سؤالي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه يجوز لك أن تقطع الصلاة لمساعدته بل قد يجب إذا خفت أن يهلك إن لم تساعده لأن بقاءه يرفس في صرعته أمامك أمرٌ لا تطيقه وربما لو استمررت في صلاتك لا تدري ما تقول والله عز وجل يقول (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (النساء: من الآية43) فمثل هذا لا بأس أن تقطع صلاتك لتباشر على هذا الرجل المصروع بل قد يجب عليك أن تقطع الصلاة إذا خفت الهلاك عليه لو لم تباشر عليه.
***(8/2)
صفة الصلاة(8/2)
هل الصلاة هي أحب الأعمال إلى الله جل جلاله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال وهو يسأل النبي صلى الله عليه وسلم (أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله) قال رضي الله عنه ولو استزدته لزادني فهذا الحديث نص واضح في جواب هذه السائلة أن الصلاة على وقتها أحب العمل إلى الله عز وجل.
***(8/2)
متى فرضت الصلاة وكيف كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون قبل الهجرة بالرغم من عدم وجود المساجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: فرضت الصلاة في ليلة المعراج ليلة عرج بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد اختلف المؤرخون متى كان ذلك فقيل قبل الهجرة بثلاث سنوات وقيل بسنة ونصف وقيل قبل ذلك وفرضت على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أعلى مكان وصله النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم في السماء السابعة وفرضها الله على رسوله خمسين صلاة ثم نسخها سبحانه وتعالى إلى خمس صلوات بالفعل لكن هي في الأجر عن خمسين صلاة ولله الحمد أما كيف كان الصحابة يصلون وليس هناك مساجد قبل الهجرة؟ فهذا غلط لأن هناك مساجد فهناك أعظم المساجد وهو المسجد الحرام الذي يؤمه المسلمون ويصلون فيه.
***(8/2)
ما هي الصورة الصحيحة للصلاة المنقولة عن الرسول صلى الله وعليه وسلم من الوضوء وحتى السلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يحتاج إلى مجلد لأنه يريد من الوضوء إلى أن تنتهي الصلاة فنبدأ أولا بصفة الوضوء صفة الوضوء أن الإنسان ينوي الوضوء بقلبه دون أن يتلفظ به لسانه ثم يغسل كفيه ثلاث مرات ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاث مرات إن كان بثلاث غرفات فهو أفضل وإن لم يتمكن فلو بست غرفات ثم يغسل وجهه كاملا من الأذن إلى الأذن عرضا ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية طولا ثم يغسل يديه من أطراف أصابعه إلى مرفقيه والمرفقان داخلان في الغسل ثم يمسح رأسه يضع يديه على الناصية فيمسح من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يرد يديه مرة أخرى إلى ناصيته ثم يمسح أذنيه يدخل السبابتين في صماخ الأذنين ويمسح بإبهاميه ظاهر أذنيه ثم يغسل رجليه من أطراف أصابعه إلى الكعبين وهما العظمان الناتئان في أسفل الساق وهما داخلان في الغسل هذا هو الوضوء ويقول عند ابتدائه باسم الله وعند انتهائه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين أما الصلاة فيأتي إليها بسكينة ووقار وتعظيم لله عز وجل ويتهيأ لها على أكمل وجه كما قال تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ويتسوك لتكمل طهارته ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وهذه تكبيرة الإحرام التي بها يدخل في الصلاة ولا تنعقد الصلاة ألا بها يقول الله أكبر ثم يستفتح وأمامه صنفان من الاستفتاح الأول أن يقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد والثاني أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك يقول هذا مرة وهذا مرة لأن كل واحد منهما سنة ثم يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ويقرأ الفاتحة تامة ويقف عند كل آية يقول الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ثم يؤمن يقول آمين ثم يقرأ سورة بعد الفاتحة تكون في صلاة الفجر من طوال المفصل وفي المغرب من قصار المفصل وفي الباقي وهي الظهر والعصر والعشاء من أوساطه والمفصل طواله من ق إلى عم أي سورة النبأ وقصاره من سورة الضحى إلى آخر القرآن وأوساطه ما بين ذلك من عم إلى الضحى ويكون هذا هو الأغلب على صلواته ومن السنة أن يقرأ في صلاة المغرب من طوال المفصل أحيانا فقد ثبت عن النبي صلى الله وعليه وسلم أنه قرأ في المغرب بالطور وقرأ فيها بالمرسلات ثم يركع فيكبر حين هويه إلى الركوع ويبسط ظهره ويجعل رأسه حياله لا ينزل الرأس ولا يرفعه ويضع يديه علي ركبتيه مفرجتي الأصابع يجافي عضديه عن جنبيه ويقول سبحان ربي العظيم يكررها ويقول معها سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ويقول أيضا سبوح قدوس رب الملائكة والروح ثم يرفع رأسه قائلا سمع الله لمن حمده وإذا استتم قائماً قال ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شيءت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم يخر ساجدا مكبرا ويسجد على سبعة أعظم على الجبهة ويتبعها الأنف وعلى الكفين وعلى الركبتين وعلى أطراف القدمين ويرفع ظهره ويجافي عضديه عن جنبيه ويستقبل بأصابع يديه القبلة ويقول سبحان ربي الأعلى يكررها ويقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ويقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح ويدعو ويكثر الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإني نهيت أن اقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) ثم يرفع من السجود مكبراً ويجلس بين السجدتين مفترشا والافتراش أن ينصب رجله اليمنى خارجة من عند وركه وأن يجلس على بطن رجله اليسرى ويضع يديه على ركبتيه ويقول (رب اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني) ثم يسجد للسجدة الثانية كما سجد الأولى ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويفعل فيها كما فعل في الأولى إلا أنه لا استفتاح فيها لأن الاستفتاح إنما هو في الركعة الأولى وهل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أو يقتصر على الاستعاذة الأولى، على قولين للعلماء فإن فعل فقد أحسن وإن ترك فقد أحسن ثم يقرأ الفاتحة وسورة معها والذي ينبغي أن تكون هذه الركعة دون الركعة الأولى في قراءتها وفي ركوعها وسجودها فإذا أتم الركعة الثانية جلس للتشهد مفترشاً كما جلس بين السجدتين ويقرأ التشهد التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فإن كانت الصلاة ثنائية كالفجر أتم التشهد فقرأ اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ثم يسلم وإن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية قام بعد التشهد الأول أي قام حين يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأتى بركعتين يقتصر فيهما على الفاتحة ثم يجلس للتشهد الأخير لكنه يجلس متوركا بأن ينصب رجله اليمنى ويخرج رجله اليسرى من الجانب الأيمن من تحت ساق اليمنى ويقرأ التشهد كاملا ثم يسلم وعند السلام في الفريضة يقول أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وما جاء في السنة من أنواع الأذكار هذه صفة الصلاة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(8/2)
الخشوع في الصلاة(8/2)
ما الأسباب المعينة على الخشوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأسباب المعينة على الخشوع هي: أن الإنسان يفرغ قلبه للصلاة ويتناسى ما سواها ولا يفكر في شيء ويشعر بأنه الآن قائمٌ بين يدي الله عز وجل الذي يعلم ما في قلبه ويرى أفعاله ويسمع أقواله.
***(8/2)
أرشدونا إلى ما تحصل به المتابعة وعدم شرود الذهن في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما تحصل به المتابعة للإمام وعدم شرود الذهن في الصلاة فإن ذلك يكون باستحضار الإنسان عظمة الله عز وجل الذي هو الآن واقف بين يديه يناجيه فإن الإنسان في صلاته يناجي ربه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي نصفين وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فتجد الآن أن العبد كلما قال كلمة أجابه الله تعالى وهذه هي مناجاة وحينئذ يحضر قلب المرء إذا شعر هذا الشعور كذلك من أسباب عدم شرود الذهن أن يتتبع الإنسان ما يقوله أو يفعله ويتدبر المعاني العظمية التي من أجلها شرع هذا القول أو هذا الفعل ففي حال الركوع مثلاً شرع الركوع لتعظيم الإنسان ربه بفعله وقوله ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (أما الركوع فعظموا فيه الرب) فالانحناء له تعظيم بالفعل وقول سبحان ربي العظيم تعظيم له بالقول بقي أن يعظمه الإنسان بالقلب وهذا لا يحصل إلا بحضور القلب ففي الركوع تعظيم قولي وفعلي وقلبي لكن الذي يغيب كثيراً عن الإنسان هو التعظيم القلبي وكذلك أيضاً في السجود إذا سجد فإنه قد وضع أعلى ما فيه وهو الجبهة في أسفل شيء هو عليه حتى إن أعلاه حاذى أسفله فالقدمان والجبهة كلاهما في موضع واحد فبهذا النزول والسفول يستحضر علو الله عز وجل وأنه تبارك وتعالى فوق كل شيء على عرشه استوى ولهذا يقول في هذا السجود يقول سبحان ربي الأعلى لأنه يستشعر حينئذ أن الله تعالى فوق كل شيء بينما هو في هذه الحال قد وضع أعلى شيء في بدنه بحذاء أسفل شيء في بدنه وهو القدمان فإذا استحضر الإنسان هذه المعاني العظيمة فيما يقوله وفيما يفعله في صلاته أوجب ذلك له حضور القلب فإن أبى عليه الشيطان إلا أن يوسوس له فإن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى أن يتفل الإنسان عن يساره ثلاث مرات يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فليفعل الإنسان هذا فإذا فعله بإيمان واحتساب أذهب الله عنه هذا الشيء.
***(8/2)
هل السرحان في الصلاة يبطلها؟ وهل لها حد معين يؤدي إلى إعادة الصلاة مرة أخرى؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يريد السائل بالسرحان ذهول القلب وغفلته والوسوسة وحديث النفس هل هذا يبطل الصلاة أو لا والصحيح أنه لا يبطل الصلاة لكنه ينقصها نقصانا كبيرا حتى ينصرف من صلاته وما كتب له إلا نصفها أو ربعها أو عشرها وقد شكا الصحابة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأمرهم إذا أحسوا بذلك أن يتفلوا عن يسارهم ثلاث مرات ويستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم قال الرجل الذي روى ذلك وقد أصيب به ففعلت ذلك فأذهب الله عني ما أجد فدواء هذه الوساوس أن يتفل الإنسان عن يساره ثلاث مرات ويقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا فإذا فعل ذلك أزال الله هذا عنه.
***(8/2)
يقول السائل أحمد عمر عندما أصلى أشعر بوساوس من الشيطان مما يجعلني أتكلم في نفسي ورغم هذا فإني أتعوذ من الشيطان لكن دون فائدة فهل صلاتي مقبولة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعلم أن الشيطان أحرص ما يكون على العبد في إضلاله عند فعل العبادات ولا سيما الصلاة التي هي أعظم العبادات بعد الشهادتين فإنه يحاول أن يصده عن الصلاة عن فعلها أولاً ثم عن إكمالها ثانياً فيأتي إلى الإنسان إذا دخل في صلاته يوسوس له يفتح له من أبواب الوساوس ما لم يكن يخطر على باله من قبل أتذكر كذا أتذكر كذا اذكر كذا ثم يذكر له أشياء لا حاجة له بها ولذلك إذا سلم من صلاته طارت كل هذه الوساوس وكأنها لم تكن وعلاج هذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بكونه يتفل عن يساره ثلاث مرات ويقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإنه إذا فعل ذلك بإيمان ويقين ورجاء للنتيجة يذهب الله عنه ما يجد كما فعل الرجل الذي شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما سمعت قال ففعلت فأذهب الله عني ما أجد هذا هو دواء هذا الوسواس أما قوله إنني أتكلم في نفسي بكلام فهذا إن كان يتكلم بلسانه فإن صلاته تبطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس أو من كلام الآدميين) وإن كان لا يتكلم بلسانه بل في قلبه فإن ذلك لا يبطل الصلاة لكنه ينقصها كثيراً لأنه كلما غفل الإنسان في صلاته وصار يجول يميناً وشمالاً في قلبه فإن صلاته تنقص ولهذا جاء في الحديث (إن الرجل ليصلى وما كتب له من صلاته إلا نصفها أو ربعها أو عشرها) أو ما أشبه ذلك مما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
ما حكم التفكير في داخل الصلاة بعيداً عنها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب المصلى لأن الشيطان لنا عدو كما قال الله عز وجل (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ومن المعلوم أن عدوك الذي سلط على بني آدم إلا عباد الله المخلصين سوف يحرص غاية الحرص على إضلالك وتفويت الفرص بقدر ما يستطيع فهو يأتي إلى الإنسان في صلاته ويفتح عليه أبواب الوساوس من كل جانب فيفكر في أشياء ليس له فيها مصلحة لا في دينه ولا دنياه وإذا سلم وانصرف عن الصلاة تطايرت عنه هذه الوساوس وزالت وكأن لم تكن ويكفي في هذا موعظة للإنسان وبياناً بأن هذا من عدوه ولكن ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواءً ولله الحمد وقد شكي هذا الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم فأمر أن يتفل الإنسان عن يساره ثلاثة مرات ويقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم والتفل عن اليسار ممكن إذا كان الإنسان إماماً أو كان منفرداً لكن إذا كان مأموماً والناس على يساره فالتفل قد يكون متعذراً وحينئذٍ يكفي الالتفات وقد نقول لا حاجة أيضاً إلى الالتفات بل يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الظاهر أن الالتفات كان من أجل التفل الذي يكون عند تعوذه بالله من الشيطان الرجيم وذلك لأنه لا يمكن أن يتفل أمامه وهو يصلى فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
***(8/2)
تقول السائلة من القصيم دائماً أفقد الخشوع في صلاتي ولكنني أحاول كثيراً لكي أخشع وأتفكر فيما أقول فما العلاج الشافي الذي يؤدي إلى الخشوع والتفكر في الصلاة وهل تقبل الصلاة في مثل هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما دام الإنسان يعالج نفسه في طرد الوسواس والشكوك فإنه على خير وإلا فإن الشيطان يريد من العبد أن يتذبذب ويتردد ويقلق في عباداته بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يسهو في صلاته (إن كان صلى إتماماً كانتا أي السجدتان يعني سجدتي السهو ترغيماً للشيطان) .
***(8/2)
سمعت بأن حضور القلب في الصلاة سنة وأن الإنسان لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل منها فكيف يكون ذلك وهل عدم حضور القلب في الصلاة يبطل الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا لم يحضر القلب في الصلاة هل تبطل أم لا إذا كان أكثر صلاته لم يحضر فيها قلبه فمن العلماء من قال إن الوساوس يعني الهواجيس إذا غلبت على أكثر الصلاة بطلت الصلاة لكن قول الجمهور لا تبطل ولو غلب الوسواس على أكثرها واستدل هؤلاء أعني الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن الشيطان يأتي للإنسان في صلاته فيقول له اذكر كذا وكذا يوم كذا وكذا حتى لا يدري كم صلى وهذا يدل على أن الوساوس لا تبطل الصلاة وهذا القول أرفق بالناس وأقرب إلى ما تقتضيه الشريعة الإسلامية من اليسر والتسهيل لأننا لو قلنا ببطلان الصلاة في حال غفلة الإنسان وعدم حضور قلبه لبطلت صلاة كثير من الناس وإن كان القول بالبطلان لا يستلزم هذا لأنه ربما إذا قلنا إنه إذا غلبت الوساوس على أكثر الصلاة بطلت ربما يكون هذا سبباً لشد الناس إلى إحضار قلوبهم في الصلاة لكن على كل حال الذي يظهر أن رأي الجمهور هو الصحيح وأن الإنسان إذا لم يحضر قلبه في الصلاة فصلاته صحيحة لكنها ناقصة بحسب ما غفل عن صلاته.
***(8/2)
هل تصح الصلاة من غير خشوع وما المقصود بالخشوع أثناء الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة تصح بدون خشوع ولكنها ناقصة جداً لأن الخشوع هو لب الصلاة وروحها وقد أثنى الله على من كانوا خاشعين في صلاتهم حيث قال (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) والخشوع هو سكون النفس وحضور القلب وامتثال الجسد بحيث يكون حين صلاته خاشعاً لله عز وجل معرضاً عن كل ما سواه لا تحدثه نفسه بشيء وإنما هو مقبل على صلاته كل الإقبال يتدبر ما قرأ ويتأمل ما فعل ويتقرب إلى لله عز وجل بهذه الصلاة ويأتي بها على السنة التي جاءت بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما من شرع في صلاته وهو يحدث نفسه ويجول في قلبه يميناً وشمالاً فإن هذا ليس بخاشع وبهذا تكون صلاته ناقصة وقد جاء في الحديث أن الرجل ينصرف من صلاته وما كتب له إلا نصفها أو ربعها أو عشرها أو نحو ذلك كل هذا من أجل غفلته وتحديثه نفسه في أثناء الصلاة وقد شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجده في حديث النفس في صلاته فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفل عن يساره ثلاثة مرات ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ففعل الرجل فقال فأذهب عني ما أجد فإذا أصابك شيء في صلاتك من هذه الوساوس وحديث النفس فعليك بما أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم بأن تتفل عن يسارك ثلاث مرات وتستعيذ من الشيطان ثلاث مرات فإذا كنت في الصف في صلاة الجماعة فالتفل على اليسار متعذر ولكن استعذ بالله من الشيطان الرجيم كرر ذلك ثلاثاً فإن الله تعالى يذهب عنك ما وجدت.
***(8/2)
يقول عندما أصلى تحدثني نفسي أثناء الصلاة بأشياء وهواجس هل صلاتي صحيحة أم أعيد الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة صحيحة لا شك لأن هذا أمرٌ صعب التخلي منه ولكنها ناقصة بقدر ما حصل من الوساوس قد يستحضر الإنسان صلاته خمسة وسبعين في المائة فيكون له ثلاثة أرباع الصلاة الكاملة وقد يكون خمسة وعشرين في المائة حضر قلبه والباقي لم يحضر فيكون له ربع الصلاة الكاملة فالهواجيس تؤثر في كمال الصلاة لا في صحة الصلاة فالصلاة صحيحة على كل حال لكنها ناقصة فاحرص يا أخي أوصي نفسي وإياك بالحرص على حضور القلب في الصلاة حتى يؤديها الإنسان كاملة حتى تحصل له ثمراتها كاملة وهي أن تنهاه عن الفحشاء والمنكر.
***(8/2)
إنني أسهو في الصلاة وأنشغل بأمور الدنيا وقدر ما حاولت أتخلى عن هذه العادة السيئة لم أستطع وسألت رجلاً عالماً بعد أن صلى بنا وقال لي ما عندك صلاة فهل هذا صحيح أفيدونا جزاكم الله عنا كل خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قوله ما عندك صلاة إن أراد ما عندك صلاة تامة كاملة فصحيح لأن الهواجيس والوساوس في الصلاة تنقصها وإن أراد ما عندك صلاة معناها أن صلاتك باطلة فهذا قد ذهب إليه بعض أهل العلم وقالوا إن الوسواس إذا غلب على أكثر الصلاة وجبت إعادتها ولا أدري عن هذا الإمام هل هو إنسان عالم يرى هذا الرأي فهو رأيه وهو رأي قيل به ولكن جمهور أهل العلم على أن الوساوس لا تبطل الصلاة ولو كثرت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الشيطان يأتي الإنسان في صلاته ويقول اذكر كذا لما لم يكن يذكره ولم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الصلاة ولا بأكثرها ولكن مع هذا نقول إن الإنسان يدفع هذا الأمر عنه بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال أن يتعوذ بالله ويتفل عن يساره ثلاث مرات فإذا فعل ذلك أذهب الله عنه ما يجد قال الراوي وهو الصحابي قال ففعلت ذلك فأذهب الله عني ما أجده فهذا هو الدواء النافع الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
المستمع عثمان عبد الحليم سوداني مقيم بالرياض يقول لي صديق كثير النسيان ويشك دائماً في أداء صلاته هل هو أدى الصلاة بالكامل أم لا وهل قرأ التشهد أم لا وهل صلى صلاته سراً أم جهراً ونصحته كثيراً وقد نصحته أن يبني على اليقين ويكمل صلاته هل يجوز له ذلك نرجو نصحه بما فيه الكفاية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الشكوك والأوهام والوساوس التي ترد على الإنسان في صلاته وفي وضوئه أيضاً بل قد تنسحب على جميع تصرفاته حتى التصرفات الخاصة مع أهله وأولاده قد تنسحب هذه الأوهام والوساوس والشكوك عليها فيكون مذبذباًَ في جميع تصرفاته والطريق الوحيد إلى دفع هذه الوساوس والأوهام أن يكثر الإنسان من قراءة الأوراد الشرعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أحس بهذه الوساوس تعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتى وإن كان في صلاته ولا يلتفت إليها وينتهي عنها ولا تكون له على بال وهو سوف يشق عليه الأمر في بادئ الأمر ولكن إذا استعان بالله عز وجل وصمم وعزم على ألا يلتفت إلى ذلك فإنه يزول عنه ونصيحتي لهذا الأخ ولغيره ممن أصيبوا بهذه المصيبة أن يفعلوا ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم والانتهاء عن هذه الوساوس حتى تزول عنهم بإذن الله.
***(8/2)
السائل سامي بن عياضة من الطائف يقول حينما أبدأ في صلاة فريضة كثيراً ما ينشغل ذهني ويسرح بعيداً في عالم الدنيا وحركات الصلاة إنما أؤديها بدون حضور قلب وأحياناً أنتبه وأتذكر بعد فوات نصف الصلاة وأحياناً لا أنتبه إلا وأنا في التشهد الأخير فما الحكم في هذه الحالة سواء كنت مأموماً أم إماماً أم منفرداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا الحالة أن الإنسان إذا غلب على صلاته الوسواس أعني الهواجيس في أمور الدنيا أو في أمور الدين فمن كان طالب علم فصار ينشغل إذا دخل في الصلاة بالتدبر في مسائل العلم أقول إذا غلب هذا على أكثر الصلاة فإن أكثر أهل العلم يرون أن صلاته صحيحة وأنها لا تبطل بهذه الوساوس لكنها ناقصة جداً وقد ينصرف الإنسان من صلاته لم يكتب له إلا نصفها أو ربعها أو عشرها أو أقل أما ذمته فتبرأ بذلك ولو كثرت ولكن ينبغي للإنسان أن يكون حاضر القلب في صلاته لأن ذلك هو الخشوع والخشوع هو لب الصلاة وروحها ودواء ذلك أن يفعل الإنسان ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتفل عن يساره ثلاثاً ويستعيذ من الشيطان الرجيم فإذا فعل ذلك أذهبه الله وإذا كان مأموماً في الصف فإن التفل لا يمكنه لأن الناس عن يساره ولكن يقتصر على الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وإذا فعل ذلك وكرره أذهب الله ذلك عنه.
***(8/2)
يقول أريد حلاً لمشكلتي هذه وهي أنني قد تعلقت بفتاة غيابياً أي دون علم الطرف الثاني وقد أتت على كل أفكاري وأصبح ذكرها في أوقاتي الكثيرة وقد هداني الله ولله الحمد إلى الصلاة ودعوت الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في محنتي هذه وأدعو في صلاتي بنسيان كل شيء والابتعاد عن كل الأفكار السوداء لكن أحياناً تخطر ببالي في أوقات الصلوات وأحياناً تخطر في غير الصلاة فهل صلاتي مقبولة وهل ذكرها في ذلك يتنافى مع ديانتي أم لا وهل أجد لديكم الحل المريح وبماذا تنصحونني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن تعلقك بهذه الفتاة أمر قد يرد على الإنسان فإذا حمى الإنسان نفسه مع هذا التعلق عما حرم الله عليه من النظر إلى هذه الفتاة التي تعلق بها أو التحدث إليها أو التعرض لها فإن مجرد التفكير وحديث النفس لا يأثم به العبد لاسيما وأنت تحاول بكل جهدك أن تتخلى عن ذكرها قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) ونصيحتي لك أن تحاول أن تتزوج بها حتى يزول عنك ما في نفسك ويطمئن قلبك وترتاح وتتفرغ لعبادة الله عز وجل فكرياً وجسمياً وتتفرغ كذلك لمصالح دنياك فكرياً وجسمياً وهذه الأفكار التي ترد عليك بالنسبة لهذه المرأة مع محاولتك الابتعاد عنها لا تؤثر عليك في عبادتك على وجه يبطل العبادة فصلاتك لا تبطل وإن جرى ذكر هذه المرأة على قلبك وكذلك الصيام والحج ولكن حاول بقدر ما تستطيع أن تعرض عنها وأن تنتهي عن التفكير بها وعلم نفسك وقل لها إن التفكير في هذه المرأة لا يزيد الأمر إلا بلاء وشدة هذا إذا تعذر عليك الوصول إلى التزوج بها فإن تيسر ذلك فهو الحل الوحيد.
***(8/2)
محمد بن أحمد اليمن الحديدة يقول عندما أدخل في الصلاة أشعر بالخشوع في الركعتين الأولى والثانية وبعد ذلك أفقد الخشوع ولا أدرك ذلك إلا في نهاية الصلاة فأندم على ذلك فماذا أفعل وما السبيل إلى ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السبيل إلى إبقاء الخشوع أن تنتهي عن كل ما يرد على قلبك من الوساوس والهواجس وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وقد شكي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثرة الوساوس فأمر المصلى أن يتفل عن يساره ثلاث مرات ويقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ففعل الرجل ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأذهب الله عنه ما يجد فليكن دائما مستحضرا عظمة الله سبحانه وتعالى وأنه واقف بين يديه يناجيه بكلامه ويتقرب إليه بدعائه ويتملق إليه بإلحاحه بالدعاء فإن هذا كله مما يعين الإنسان على حضور القلب في الصلاة.
***(8/2)
الخروج إلى المسجد(8/2)
سمعت بأن تشبيك الأصابع غير مستحب أرجو تعليق الشيخ على ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تشبيك الأصابع لمن ذهب إلى الصلاة أو جلس في المسجد ينتظر الصلاة أو كان في الصلاة منهي عنه وليس من الأدب وأما فيما سوى ذلك فلا بأس به فيجوز أن يشبك الإنسان أصابعه بعد الصلاة لأن ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذلك حين سلم في إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر قبل أن يتم صلاته ثم تقدم إلى خشبة معروضة في المسجد واتكأ عليها وشبك بين أصابعه وما يظنه بعض الناس من أن تشبيك الأصابع محظور كل وقت فهو خطأ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
***(8/2)
أسمع من بعض الناس إذا دخلوا المسجد والإمام راكع يقولون إن الله مع الصابرين حتى يطيل الإمام في الركعة وحتى يدركها هل هذا جائز؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أصل له ولم يكن في عهد الصحابة رضي الله عنهم ولا من هديهم وفيه أيضاً تشويش على المصلىن الذين مع الإمام والتشويش على المصلىن منهي عنه لأنه يؤذيهم كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على أصحابه وهم يصلون ويرفعون أصواتهم بالقراءة فنهاهم عن ذلك وقال (لايجهرنّ بعضكم على بعض في القرآن) وفي حديث آخر (لايؤذين بعضكم بعضاً في القراءة) وهذا يدل على أن كل ما يشوش على المأمومين في صلاتهم فإنه منهي عنه لما في ذلك من الإيذاء والحيلولة بين المصلى وبين صلاته أما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء رحمهم الله يقولون إذا أحس الإمام بداخل في الصلاة فإنه ينبغي انتظاره ما لم يشق على المأمومين فإن شق عليهم فلا ينتظر ولاسيما إذا كانت الركعة الأخيرة لأن الركعة الأخيرة بها تدرك الجماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) .
***(8/2)
بعض الناس عندما يدخل المسجد والإمام راكع يظهر بعض التنحنح أو يقول إن الله مع الصابرين هل للإمام أن ينتقد هذا الشخص؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول يا داخل لا تفعل هذا لأن بعض الناس يشوش على المصلين إذا تنحنح أو قال إن الله مع الصابرين أو صار يركض ويسعى شديداً مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسعى الرجل سعياً شديداً إذا جاء إلى الصلاة، وقال عليه الصلاة والسلام (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) لكن بعض أهل العلم رحمهم الله قالوا إذا أدرك الإمام راكعاً فلا بأس أن يسرع ما لم تكن سرعة قبيحة وأما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء رحمهم الله يقولون إنه يسن انتظار الداخل إلا إذا شق على المأمومين، فإن شق على المأمومين الذين معه فلا ينتظر لأن الذين معه أعظم حرمة من الداخل الجديد وربما يستدل لهذا القول أي استحباب انتظار الداخل بما كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يوجز في الصلاة إذا سمع بكاء الصبي مخافة أن تفتتن أمه فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أسرع مراعاة لمن معه من النساء اللاتي يصلىن فيدل هذا على أن الإمام لا حرج عليه إذا رأى الداخل فانتظر في الركوع حتى يصل هذا الداخل إلى الصف ويركع لاسيما إذا كانت هي الركعة الأخيرة.
***(8/2)
ما حكم الرجل الذي يأتي إلى المسجد والإمام راكع ويقول إن الله مع الصابرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يقول هذا بل إذا دخل يدخل بسكينة ووقار حتى يقف في الصف فما أدركه من الصلاة فقد أدركه وما لم يدركه قضاه بعد ذلك وأما قوله اصبر إن الله مع الصابرين فتلاوتها في هذا المحل غير شرعية لأن الصحابة ما كانوا يفعلون هذا وهذا أبو بكر رضي الله عنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع فلم يقل اصبر إن الله مع الصابرين ثم إن في هذه الكلمة تشويشاً على المصلىن والتشويش على المصلىن إذا كان يلهيهم فهو محرم.
***(8/2)
بارك الله فيكم السائل م خ أالرياض يقول سؤالي هل قراءة القرآن عند أوقات الصلاة بصوت مرتفع تشويش على الآخرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الغالب أن فيه تشويشا على الآخرين لا سيما إذا كان الصوت قويا وكانت القراءة جيدة فإن الناس سوف يشتغلون باستماعها عما هم بصدده من قراءة أو صلاة ومثل هذا ينهى عنه فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على أصحابه ذات يوم أو ليلة وهم يقرؤون ويجهرون بالقراءة فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يؤذين بعضكم بعضا في القراءة أي في الجهر بها) فنقول لهذا الرجل الذي يرفع صوته بقراءة القرآن اخفض صوتك لئلا تؤذي إخوانك فتصدهم عما هم بصدده من صلاة أو قراءة.
***(8/2)
أنا آخذ أخي الصغير إلى المسجد بعض المرات فهل يجوز لي ذلك علماً بأنه لا يزعج المصلىن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الطفل مميزاً فإن الذهاب به إلى المسجد أمرٌ مطلوب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مروا صبيانكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) أما إذا كان لم يميز فالأحسن أن لا تذهب به لأنه لا يخلو من عبث وربما يبول في المسجد وربما يخرج منه الريح فتؤذي المصلىن وإذا ذهبت به وهو مميز فاجعله عندك أي إلى جنبك حتى لا يلعب في المسجد وفي هذه الحال ليس لأحدٍ حق في أن يؤخر الصبي عن مكانه في الصف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به) ولأن في طرد الصغار عن الصف الأول تنفيراً لهم عن المسجد وتكريهاً لهذا الرجل الذي طردهم وإزعاجاً للموجودين في المسجد وسبباً في العبث لأن الصغار إذا حشروا جميعاً كثر منهم اللعب والعبث وليس هناك دليل يدل على أن الصغار يطردون من الصف الأول وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) فالأمر فيه موجه إلى أهل العقول أن يتقدموا حتى يكونوا هم الذين يلون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيفهموا منه أكثر ويأخذوا عنه أكثر ولفظ الحديث (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) وليس فيه لا يلني إلا أولو الأحلام لو كان لفظ الحديث لا يلني إلا أولو الأحلام لقلنا نعم اطرد الأطفال من الصف الأول لكن الحديث أمرٌ لأولي الأحلام والنهى أن يتقدموا وأن يكونوا ممن يلي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والفرق بين اللفظين واضح.
***(8/2)
يوجد في قريتنا شاب مختل العقل ويقلد الناس في كل شيء ويحضر للجامع عند كل صلاة ويصف مع الناس للصلاة ولكنه يركع قبل الإمام ويسجد أيضاً كما يشاء وكل أفعاله تخالف أفعال المصلىن لدرجة أننا تضايقنا منه هل يجوز لنا أن نمنعه من الحضور للمسجد أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل المختل العقل لا شك أن حضوره إلى المسجد على هذا الوجه الذي ذكره السائل موجب لانشغال المصلىن به ولهذا أوجه النصيحة إلى وليه أن يمنعه من الحضور إلى المسجد لما في ذلك من أذية المصلىن، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي رآه يتخطى رقاب الناس وهو يخطب الناس يوم الجمعة فقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته وقال له أجلس فقد آذيت، فإن ما ذكره السائل عن هذا الرجل أشد إيذاءً من تخطي الرقاب لأن متخطي الرقاب غاية ما يكون منه أن يشغل الناس عن استماع الخطبة، أما هذا فإنه يشغل الناس عن الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها فأكرر النصيحة لوليه أن يمنعه من حضور المسجد تفادياً لإيذائه وإذا كان وليه لا يسمع ما أقول فإني أقول لكم أنتم أهل المسجد اتصلوا بوليه واطلبوا منه منعه فإن وافق على ذلك فهو المطلوب، وإن لم يوافق فاتصلوا بالجهات المسؤولة عن المساجد لمنعه فإن لم يكن هناك مسؤول عن المساجد فلكم أن تمنعوه وليكن هذا بواسطة الإمام أو المؤذن، لأنهما أقرب مسؤول عن المسجد ولئلا تحصل الفوضى والنزاع بينكم وبين وليه لأنه إذا كان الأمر قد أتى من إمام المسجد أو مؤذنه كان أهون على الناس.(8/2)
فضيلة الشيخ: ماحكم إحضار الأطفال دون سن السابعة للمسجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن إحضار الأطفال ولو كانوا دون سن السابعة إذا كان لا يحصل منهم أذية فإنه لا بأس به، لأن في ذلك تعريفاً لهم وتعويداً لهم على حضور المساجد وربما يكون في ذلك سرور لهم إذا حضروا مع الناس ورأوا المصلىن، أما إذا كان منهم أذية فالحكم فيهم كما قلنا في حكم هذا الرجل الذي وقع السؤال عنه.
***(8/2)
القيام للصلاة(8/2)
عندما يدخل الإنسان إلى المسجد ويشرع في صلاة ركعتي تحية المسجد وينتهي من الركعة الأولى يسمع صوت المؤذن ماذا عليه أن يفعل هل يتم أم يتوقف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر أن السائل أراد سماع الإقامة والجواب على هذا التقدير نقول أن الإنسان إذا شرع في نافلة سواء كانت تحية المسجد أم راتبة الصلاة أم نفلا مطلقا ثم أقيمت الصلاة فإن كان في الركعة الثانية أتمها خفيفة وإن كان في الركعة الأولى قطعها بدون سلام ودخل مع الإمام دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) فقوله (لا صلاة إلا المكتوبة) يحتمل أن المعنى لا ابتداء صلاة إلا المكتوبة التي أقيمت لها الإقامة ويحتمل فلا صلاة ابتداءً ولا استمرارا ولكنا إذا نزلناها على ما دلت عليه السنة من وجه آخر وجدنا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) فيكون هذا المتنفل الذي قام إلى الثانية قد أدرك ركعة من هذه النافلة في حال يجوز له فيها ابتداء النافلة فليستمر وليكمل وأما إذا كان في الركعة الأولى فهو لم يدرك ركعة فلا يكمل بل يقطعها بدون سلام ويدخل مع الإمام وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى شيء يفعله بعض الناس تجد المقيم يقيم الصلاة والرجل جالس إلى جنب أخيه يتحدثان ويبقيان في الحديث إلى أن يركع الإمام ثم يقومان ويركعان معه هذا لا شك أنه حرمان عظيم حيث إنه فاتهم إدراك تكبيرة الإحرام وفاتتهم قراءة الفاتحة وفاتهم الاجتماع إلى المسلمين وشذوا عن المسلمين وما يتحدثان فيه يمكنهم مواصلته بعد الصلاة فليحذر الإنسان من تغرير الشيطان وتثبيطه عن الخير وليقم إلى الصلاة من حين إقامة الصلاة ليدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام ويدرك قراءة الفاتحة وما تيسر وشيء آخر والشيء بالشيء يذكر كما يقولون فإننا نجد بعض الناس يأتون متقدمين إلى المسجد ثم يجلسون في آخر المسجد فإذا أقيمت الصلاة قاموا ودخلوا في الصف وهذا من الحرمان أن يتخلفوا عن الصف الأول مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصف الأول وقال (لو يعلم الناس ما في النداء يعني الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا) يعني لو لم يجد الناس في الحصول على الصف الأول إلا أن يقترعوا أيهم يكون في الصف الأول لاقترعوا فكيف والأمر سهل فنصيحتي لإخواني الذين يتأخرون على الوجه الذي ذكرناه أن يبادروا الخير وأن يستبقوا إليه وأحذرهم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين رأى في أصحابه تأخرا (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) .
***(8/2)
أرى بعض الأشخاص يبدأ في أداء ركعتين قبل الصلاة وهي قد تكون تحية المسجد أو سنة الظهر أو سنة الفجر وعند شروعه فيها وقراءته الفاتحة يقيم المؤذن للصلاة التي بعد هذه النافلة فيلجأ هذا الشخص إلى التسليم حالاً وهو واقف ثم يشرع مع الإمام في الصلاة فما حكم ذلك هل يجوز وهل عليه شيء في ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم إذا كان الإنسان في نافلة ثم أقيمت الصلاة فهل يقطع تلك النافلة ويدخل معهم أو يستمر في صلاة النافلة مخففاً لها وموجزاً لها وأصل اختلافهم هذا قوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث أبي هريرة (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) فإن قوله فلا صلاة إلا المكتوبة ذهب بعضهم إلى أن المعنى فلا ابتداء صلاة إلا المكتوبة لأن الإقامة إعلام بالقيام إلى الصلاة فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول إذا أقيمت الصلاة فلا تشرعوا في صلاة بعد هذه الإقامة التي قُصد بها الصلاة الحاضرة لا تشرعوا في صلاة بل اجعلوا الصلاة هي التي أقيمت لها ولهذا روي في الحديث فلا صلاة إلا التي أقُيمت وذهب آخرون إلى أن قوله فلا صلاة أي فلا صلاة ابتداءً ولا استمراراً فعلى الرأي الأول يكون المنهي عنه ابتداء الصلاة فإذا كان قد شرع في الصلاة فإنه يتمها خفيفة وعلى الثاني يكون المنهي عنه الصلاة ابتداءً واستمراراً فإذا أقيمت الصلاة وهو في نافلة وجب عليه قطعها وعندي والعلم عند الله سبحانه وتعالى أنه إذا أقيمت الصلاة والإنسان في الركعة الثانية من النافلة فإنه يتمها خفيفة وإن أقيمت وهو في الركعة الأولى فإنه يقطعها فأذهب إلى هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) وهذا الذي صلى ركعة من النافلة قبل وجود المانع وهو إقامة الصلاة يكون قد أدركها فليتمها وأما إذا كان لم يصل ركعةً كاملة فإن مفهوم قوله (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) أنه لم يدرك زمناً تكون فيه هذه الصلاة مباحة فيقطعها ويدخل مع الإمام وعند قطع الصلاة لهذا السبب أو لغيره فإنه يخرج منها بدون سلام لأنه لا أعلم سنة في أن الرجل إذا أراد أن يخرج من صلاته قبل تمامها يسلم ولهذا تقول عائشة رضي الله عنها فيما رواه مسلم وكان يختم الصلاة بالتسليم فالتسليم ختام الصلاة وكذلك في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم) وفي مسألتنا لم يصل إلى حد يتحلل منها ولم يصل إلى ختامها فلا يُشرع السلام بل ينصرف بدون أن يسلم.
***(8/2)
سمعنا من بعض الناس أنه إذا أذن المؤذن لا يستحب على المرء أن يقوم للصلاة إلا إذا قال حي على الفلاح حي على الفلاح فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بعض أهل العلم رحمهم الله قال إنه لا ينبغي القيام حين يسمع النداء حتى يقول جزءاً من الأذان قالوا لأن هذا يشبه الشيطان إذا أدبر حين سماعه الأذان فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط لشدة وقع ما سمعه عليه قال أهل العلم فلا ينبغي للإنسان أن يقوم من حين أن يسمع الأذان بل ينتظر حتى يكبر عدة تكبيرات هكذا قال بعض أهل العلم وفي نفسي من هذا شيء.
***(8/2)
كيف تكون الوقفة الصحيحة في الصلاة وكيف يكون مواضع الرجلين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الوقفة الصحيحة في الصلاة أن يعتمد الإنسان قائماً وأما وضع الرجلين حال القيام فإنهما يكونان على طبيعتهما من غير ضم ولا تفريق وقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا صفوا في صلاة الجماعة يلصق بعضهم كعبه بكعب أخيه وليس ذلك كما يفعله بعض الناس بأن يفتح رجليه أكثر من (الاعتدال) العادي لأنه إذا فتح رجليه أكثر من الاعتدال العادي انفصل ما بين المنكبين فحصل تفرق في المناكب والمشروع هو التصاق المناكب والتصاق الأكعب حتى تتحقق المراصة ولكن بشرط ألا يكون في ذلك أذية على من بجنبك فإن كان في ذلك أذية وتشويش عليه فلا تفعل اجعل الكعب حذاء كعب أخيك بدون أن تضيق عليه ويكفي هذا لأول مرة لأن المقصود من هذا هو تحقيق التسوية بين الصفوف.
***(8/2)
المسافة بين القدمين عند الوقوف في الصلاة وعند السجود بماذا نقدرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسافة في القيام لا أعرف في هذا سنة فيكون وضع القدمين على طبيعتهما لأن كل شيء لم يرد به صفة فإنه يبقى على ما تقتضيه الطبيعة وأما المسافة بين القدمين في حال السجود فإنه لا مسافة بينهما السنة أن يلزق إحدى القدمين في الأخرى كما جاء ذلك في صحيح ابن خزيمة وكما هو ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها حين فقدت النبي صلى الله عليه وسلم قال فالتمسته فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد فإن وقوع اليد الواحدة على القدمين جميعاً يدل على أن بعضهما لازقٌ لبعض وقد جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة فيكون المشروع في حال السجود أن يضم بعض القدمين إلى بعض.
***(8/2)
أحكام الصفوف(8/2)
قول الإمام قبل أن يكبر استووا واعتدلوا وتراصوا هل هذا وارد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن يجب أن نعلم أن هذه الكلمات لها معناها ومدلولها بمعنى أن الإمام لا يقولها إلا إذا رآهم لم يستووا ولم يتراصوا أما إذا رآهم متراصين متساوين فلا حاجة أن يقولها هذه واحدة
ثانيا على الإمام أن يلتفت إلى المأمومين لينظر هل استووا أم لا فإذا لم يكونوا استووا فليسوهم ولو بيده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يمسح مناكب أصحابه وصدورهم ويقول استووا ولما كثر المسلمون صار الخلفاء الراشدون يوكلون رجالا ينظرون إلى الصفوف فإذا أتوا وقالوا إنها مستقيمة مستوية كبروا وغالب الأئمة اليوم لا يقيمون لهذه الكلمات وزنا وإنما هي كلمات تقال حتى لو كان الصف من أقوم ما يكون كلمات تقال ولا يعقب عليها إذا كان الصف معوجا أو كان متباعدا ولذلك تجد المأمومين لا يقيمون لها وزنا ولا يهتمون بقوله استووا أو اعتدلوا أو تراصوا لكن لو أن الإمام اعتبر معنى هذه الكلمات وسوى الصفوف بيده إذا لم تستو لكان لها فائدة ثم إن بعض الأئمة لا يصبر على أذى المأمومين إذا رآهم قد أحدقوا به نظرا شزرا خاف ومباشرة كبَّر وهذا يعتبر جبنا فالواجب أن يكون الإنسان شجاعا في دين الله عز وجل لا يهمه أحد ويصبر لا يكبر للإحرام حتى يراهم استووا تماما وهو إذا عود المأمومين هذا ألفوه ولم يقع منهم منكر وقد جربنا هذا ورأينا أن الناس والحمد لله يحبون الخير لكنهم يحتاجون إلى عمل جد وليعلم الإمام أن من أعظم مسؤوليته هذه المسألة أن يأمر بإقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها والتقارب بينها.
***(8/2)
إذا انتهى المؤذن من الإقامة للصلاة فهل للإمام البقاء واقفاً يدعو بما شاء قبل الأمر بتسوية الصفوف والشروع في الصلاة وأيهما الأولى والأحسن في حقه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك دعاءً مشروعاً للإمام ولا لغيره بعد انتهاء إقامة الصلاة وإنما المشروع للإمام أن يحرص على تسوية الصفوف وإقامتها على الوجه المشروع بالتراص وتكميل الصف الأول فالأول وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيراً من الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية قد فرطوا في هذه المسألة فتجد الكثير منهم يلتفت يميناً وشمالاً استووا يقولها كلمةً عابرة كأنها ليس لها معنى فهو يقول هذه الكلمة ولو كان الصف مستوياً وهو يقولها ولا يحاول تعديل الصف المعوج إذا رآهم معوجين وإنما يكتفي بها وهذا من التفريط وعدم الحرص على اتباع السنة في ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على تسوية الصفوف حتى كأنما يسوي بها القداح عليه الصلاة والسلام حتى إنه رأى رجلاً بادياً صدره ذات يوم فغضب وقال (عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) وكان عليه الصلاة والسلام يمسح صدور أصحابه ومناكبهم ليسووا صفوفهم وكان يكبر إذا رآهم قد استووا كل هذه الأشياء التي ثبتت عن الرسول صلى الله عليه وسلم نرى كثيراً من الأئمة يهملونها فيكبرون وهم لا يرون أن الصف قد اعتدل أو استوى كما ينبغي ونصيحتي لهم أن يحرصوا على هذه الأمور وغيرها مما يتعلق بالصلاة ليكونوا أئمةً وقادة وموجهين وناصحين.
فضيلة الشيخ: إذاً ليس للإمام الوقوف بمقدار الفاتحة يدعو فيها بينه وبين نفسه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا سنة والذي ينبغي كما أشرنا إليه أن يحرص في هذا المقام على تسوية الصفوف ثم يكبر.
فضيلة الشيخ: لكن هل له أن يكل إلى بعض الجماعة أن يساعدوه في تسوية الصفوف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم له أن يفعل ذلك لأن هذا ثبت عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قد وكلا أحداً بتسوية الصفوف لا سيما مع كثرتها مثل صلاة الجمعة أو ما أشبه ذلك.
***(8/2)
إذا كنت أصلى النافلة وأقيمت الصلاة وصار هناك فراغ بيني وبين الصف هل يجوز أن أتزحزح حتى ألتصق بالصف أم أبقى في مكاني حتى لا أكثر الحركة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يتقدم الإنسان الذي يصلى النافلة إلى الصف الذي أمامه أو أن يذهب يمينا أو شمالا إذا تقلص الصف عنه ولكن يجب أن يلاحظ أنه إذا أقيمت الصلاة وهو في الركعة الأولى فليقطع الصلاة النافلة وليدخل مع الإمام وإن كانت الركعة الثانية فليتمها خفيفة.
***(8/2)
يقول السائل عبد الرحمن السيف إن بعض الناس يجيء إلى المسجد ويضع نعاله أو عصاه أو أي حاجة ليحمي له محلاً في الصف الأول لا سيما في يوم الجمعة فهل هذا جائز أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن نقول إن التقدم في الصف الأول فالأول هو المشروع الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحثهم على ذلك وقال (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) أي العقول البالغون ولكن المقصود من التقدم هو تقدم الإنسان بنفسه إلى المسجد حتى يحصل على فضيلة التقدم ثم من المهم أيضاً أن يحرص الناس على تكميل الصف الأول فالأول فإن الإنسان إذا أكمل الصف الأول فالأول صار كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم عن الملائكة وهي تصف عند الله عز وجل ومن المهم أيضاً في هذا المقام تسوية الصفوف بمحاذاة المناكب والأكعب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تسويتها حتى خرج ذات يوم وقد عقل الصحابة عنه ذلك فرأى رجلاً بادياً صدره فقال صلى الله عليه وسلم (عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي بين قلوبكم ووجهات نظركم وهذا وعيد شديد فيمن لم يسوِ الصفوف ومن المهم أيضاً في هذا الباب التراص بحيث لا يكون في الصف خلل وفرج فإن الشياطين تدخل من بين المصلىن إذا كان في الصف خلل وفرج وكل هذه الأمور يخل بها الناس وذلك لقلة الوعي وقلة الإرشاد وقلة ملاحظة الأئمة ذلك فإن كثيراً من الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية لا يعدو أن يكرر كلمة عابرة بقوله استووا اعتدلوا استقيموا وما أشبه ذلك من غير أن يتفقد الصف بنظره ويسويه تسوية حقيقية إذا رأى متقدماً قال تأخر أو متأخراً قال تقدم ومن غير أن ينظر إلى إتمام الناس للصف الأول فالأول ومن أجل هذا صارت هذه الكلمة لا تحرك في المأمومين ساكناً ولا تهمهم وكأنها كلمة تقال حتى أني بلغني أن رجلاً أراد أن يصلى بشخص وليس معهما سواهما فلما أقيمت الصلاة التفت هذا الرجل وقال استووا اعتدلوا مع أنه ليس وراءه أحد لكنها كانت كلمة تقال ومن هذا أيضاً أنه إذا كان إمام ومأموم ليس معهما غيرهما فإن السنة أن يقف المأموم على يمين الإمام وأن يكون محاذياً له لا متأخراً عنه خلافاً لما يفهمه بعض الناس من أنه ينبغي أن يتأخر المأموم عن الإمام قليلاً فيما إذا كان اثنين وليس هذا بصواب لأنهما إذا كان اثنين صارا صفاً والصف ينبغي فيه التسوية هذه الأمور نبهت عليها وإن لم ترد في سؤال الأخ عبد الرحمن لإنها مهمة جداً وأول من يخاطب بها في الحقيقة الإمام أما بالنسبة لوضع العصا والحذاء وما أشبهها في مكان الإنسان فهذا إن كان الإنسان يضعها ثم يخرج إلى بيته أو إلى سوقه ويبقى إلى قرب الصلاة ثم يأتي فهذا محرم عليه ولا يجوز له لأن الأماكن المعدة للعبادة إنما هي لمن سبق بنفسه ولهذا يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له ألا نبني لك يعني خيمة في منى فقال صلى الله عليه وسلم (منى مناخ من سبق) فدل هذا على أن الأماكن المعدة للعبادة الناس فيها سواء ولا يجوز لأحد أن يحتجر منها شيئاً أما إذا كان الذي وضع العصا أو الحذاء أو المنديل أو السجادة موجود في المسجد لكنه يحب أن يبتعد لأجل أن يراجع كتاباً أو يدرس أو يقرأ أو يصلى ثم إذا رأى أن الصفوف قد وصلت إلى مكانه تقدم إليه وجلس فيه فإن هذا لا بأس به ولكن يُلاحظ الحذر من فعل بعض الناس في هذه الحال فإنه يضع حذاءه أو عصاه في هذا المكان ويذهب في ناحية من المسجد ويتأخر إلى قرب مجيء الإمام بحيث لما يجيء إلى مكانه يتخطى رقاب الناس وهذا أمر يجب الحذر منه لأنه أذية فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال (اجلس فقد آذيت) إذاً خلاصة الجواب أن نقول إن وضع الإنسان هذه الأشياء وهو في المسجد فلا حرج عليه لكنه يجب أن يُلاحظ عدم تخطي الناس وإن كان وضعها وخرج فإن ذلك لا يجوز.
***(8/2)
رسالة وصلت من المستمع عبد الحميد السامرائي من العراق يقول إذا كان الصف الأول من المصلىن في المسجد يفصله عن بعضه منبر الخطيب فهل يعتبر صفاً أولاً في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الصف الأول هو الذي يلي الإمام فإذا كان هذا الصف الذي يفصله المنبر هو الذي يلي الإمام كان هو الصف الأول على كل حال والصف الثاني ما بعده وهكذا حتى تنتهي الصفوف لكن ينبغي إذا كان المسجد واسعاً أن يتأخر الإمام حتى يكون الصف الذي خلفه متصلاً بعضه ببعض غير مفصول بالمنبر لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتقون الصف بين السواري أي بين الأعمدة لأنها تقطع الصف فأما إذا لم يمكن بأن كان العدد كثيراً ولا بد من تقدم الإمام فحينئذ يكون قطع الصف بالمنبر لحاجة ولا بأس به.
***(8/2)
بارك الله فيكم السائل عبد الله ناصر القاسم الرياض يقول أيهما أفضل أن أجلس على يمين الإمام في الجهة اليمنى من المسجد في الصف الثاني أم على يسار الإمام في الصف الأول وذلك قبل إقامة الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل الصف الأول فهو أفضل من الثاني سواء كنت في اليسار منه أو في اليمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها) قالوا كيف ذلك يا رسول الله قال (يتراصون ويكملون الأول فالأول) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) فالصف الأول أفضل من الثاني مطلقا ولكن في الصف الواحد هل الأفضل اليمين وإن بعد أو الأقرب الجواب أن يقال الأقرب أولى إلا إذا تساويا اليمين والشمال في القرب فيكون اليمين أفضل وعلى هذا فالأقرب في اليسار أفضل من الأبعد في اليمين ويدل لذلك أن الناس يبدؤون الصف من وسطه ويتمونه من الجوانب جميعا وليسوا يتمون الأيمن أولا ثم يبدؤون بالأيسر ويدل لهذا أيضا أن المشروع في أول الأمر في صف الثلاثة أن يكون الإمام وسطهم أي بينهم أحد المأمومين عن يمينه والثاني عن يساره ولو كان الأيمن أفضل مطلقا ولو بعد لكان المأمومان كلاهما عن يمينه ومن المعلوم أن كون الإمام مع الاثنين بينهما قد نسخ وصارت السنة أن يكون الإمام متقدما.
***(8/2)
أحسن الله إليكم السائل عبد الله من الرياض يقول إذا وجدت شخصين في طرف الصف هل أصف معهما أم أقف وسط الصف أم أجذبهما لوسط الصف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع أن يبدأ الصف من وراء الإمام لأنه كلما كان الإنسان أقرب إلى الإمام كان أفضل فإذا وجدنا شخصين في أطراف الصفوف جذبناهما إلى وسط الصف ليدنوا من الإمام ومن المعلوم أنك إذا وجدت اثنين في طرف الصف ووجدت وسط الصف خالياً أنك لو وقفت وسط الصف صرت منفرداً لطول المسافة بينك وبين الاثنين لكن اجذبهما إلى وسط الصف وتصفون جميعاً ثم إني في الواقع أعجب من هذين الرجلين اللذين وقفا في جانب الصف ما الذي يحملهما على هذا أيحملهما العجز والتكاسل لكون طرف الصف مما يلي باب المسجد أم ماذا إن كان الأول فسبحان الله يأتيان من بيوتهما إلى المسجد ويعجزان أن يخطوا خطواتٍ حتى يصلا إلى وسط الصف ما هذا إلا من توهين الشيطان لبني آدم حتى لا يكون هناك ما هو أكمل.
***(8/2)
إذا كان يوجد صف كامل قد فاتته بعض الركعات فهل بعد سلام الإمام يجب عليهم أن يسووا الصف مثل ما كان عليه حال الجماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليهم أن يسووا الصف لأن كل واحد منهم سيصلى وحده فإن المسبوقين إذا قاموا لقضاء ما فاتهم فالمشروع أن يصلى كل إنسانٍ وحده وإذا كان كل إنسان يصلى وحده فإنه لا حاجة إلى تساويهم.
***(8/2)
بارك الله فيكم هل البلوغ شرطٌ لمصافة الصبي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البلوغ ليس شرطاً لمصافة الصبي في صلاة النفل فمثلاً لو صلى ناسٌ جماعة في قيام رمضان وكان خلف الصف رجلٌ بالغ وصبي فإن هذه المصافة صحيحة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأنس بن مالك فوقف أنس ويتيم وراء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهل يصح هذا في الفريضة اختلف فيه العلماء فمنهم من قال إنه لا يصح وذلك لأن صلاة الصبي نفل وصلاة البالغ فرض فيكون هذا الرجل المفترض قد صاف متنفلاً فلا تصح مصافته إياه ولكن الصحيح أنه يصح أن يصاف الرجل البالغ صبياً فيصلىا جميعاً خلف الصف ودليل ذلك ما ذكرناه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فإن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل ثم إنه قد ثبت في صحيح البخاري أن عمرو بن سلمة الجرمي رضي الله عنه صلى بقومه وهو ابن ست أو سبع سنين صلى بهم إماماً وهم بالغون فإذا صحت إمامة الصبي في الفريضة فصحة مصافته فيها من باب أولى فالصواب أن الصبي تصح مصافته في الفريضة وفي النافلة كما يصح أن يكون إماماً في الفريضة وفي النافلة وهنا مسألة أحب أن أتعرض لها بهذه المناسبة وهي أن بعض الناس إذا رأى الصبيان في الصف الأول طردهم منه وهذا خطأ لأن الصبي إذا لم يكن منه إساءة على المصلىن أو على المسجد وجلس في مكان كان أحق به من غيره لأن المساجد لمن سبق وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مكانه فيصلى فيه ولا شك أن هذا العمل سوف يؤثر في نفسية الصبي وسوف يكره الذي أقامه ويكره المجيء إلى المسجد ويؤثر ذلك في قلبه في المستقبل وأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى) فإن هذا أمرٌ لأولي الأحلام والنهى أن يتقدموا حتى يكونوا هم الذين يلونه ولم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام (لايلني منكم إلا أولو الأحلام والنهى) لو قال لا يلني إلا هؤلاء لكان ربما حجة لمن يطرد الصبيان من الصف الأول وإنما قال ليلني وهذا أمرٌ موجه للكبار العقلاء أن يتقدموا حتى يكونوا هم الذين يلونه ثم إن العبرة بالأكثر ومعلومٌ أنه لن يكون أكثر الصف صبياناً لا يفهمون ولا يعقلون فإن قال قائل لو مكناهم للعبوا فشوشوا على الناس نقول بل لو جمعناهم في صفٍ واحد خلف الصف لكانوا أقرب إلى التشويش وأقرب إلى اللهو ولكن إذا أبقيناهم في أمكنتهم وفرقنا بينهم زال هذا المحظور.
***(8/2)
هذا السائل أأ من القصيم يقول ما حكم مصافة الطفل غير المميز في الصف وعمره أقل من خمس سنوات وإذا كان لا يجوز فهل يعتبر قاطع للصف وإذا كان قاطعاً للصف هل على الإمام أن يؤخره إلى مؤخرة المسجد أفيدونا حفظكم الله حيث إن ذلك يكثر عندنا في المساجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تضمن هذا السؤال مسألتين:
المسألة الأولى مصافة هذا الصبي الذي لا يميز وجوابها أن مصافته لا تصح لأن صلاته لا تصح ومن لا تصح صلاته لا تصح مصافته وعلى هذا فلو كان رجلان تقدم أحدهما ليكون إماما وتأخر الثاني مع هذا الطفل الذي لم يميز فإنه يعتبر مصلىا منفردا لا تصح صلاته ويجب عليه أن يصف مع الإمام
أما المسألة الثانية فهو قطع الصف فلا يعتبر وقوف هذا الطفل قاطعا للصف لأن مسافته قصيرة فلا يكون قاطعا للصف لكن ينبغي لأولياء الأمور ألا يأتوا بمثل هذا الطفل الصغير لأنه يشغل المصلىن فإما أن يعبث حال وجوده في الصف فيشغل من حوله وإما ألا يعبث ولكن يشغل ولي أمره نعم إن دعت الضرورة إلى ذلك مثل ألا يكون في البيت أحد مع هذا الطفل الصغير أو ليس معه إلا أطفال لا يعتمد الإنسان على حفظهم له ويخشى وليه أن يعبث هذا الطفل بنار أو غيرها فهذه ضرورة لا بأس أن يحضره ولكن عليه أن يكف أذاه عن المصلين.
***(8/2)
ماحكم إذا وجد شخص طفلاً صغيراً في الصف الأول وقام هذا الشخص بإخراج الطفل ودخل مكانه هل يجوز له ذلك أم لا وهل الأطفال من الأفضل أن يصلوا في الخلف أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الطفل مميزا وقد جلس في مكان في الصف الأول أو فيما سواه فإنه لا يجوز لأحد أن يخرجه من الصف لأن ذلك جناية عليه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يقيم أخاه من مكانه ويجلس فيه ما لم يكن من الصبي حدث من لعب أو نحوه فحينئذٍ يتكلم مع وليه ويشير عليه أن لا يأتي به لأنه يؤذي المصلىن ويشوش عليهم فإن منعه وليه فهذا المطلوب وإن لم يمنعه فللقائم على المسجد أن يمنع هذا الطفل وأما مع أدب الطفل وعدم أذيته فإنه كغيره من المصلىن له الحق في المكان الذي يجلس فيه لما ذكرنا من الحديث ولأن إخراج الطفل من مكانه يجعل في نفسه عقدة لكراهة المسجد والحضور إليه وكراهة الشخص المعين الذي أقامه وكل هذا أمر لا ينبغي أن يحدث وأما حشر الأطفال في صف واحد وراء الكبار فهذا يؤدي إلى أن يتأذى المصلون منهم أكثر فأكثر لأنهم إذا اجتمعوا في صف واحد حصل منهم الكلام واللعب فيتأذى المصلون بهم ولا ينافي ما ذكرته الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليلني منكم أولي الأحلام والنهى) فإن هذا الحديث فيه الحث على تقدم البالغين ذوي العقول وليس فيه منع من دونهم من التقدم ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم منع من دونهم من التقدم لقال لا يلني إلا ذو الأحلام والنهى ومن المعلوم الفرق بين الصيغتين يعني قوله ليلني منكم ذوو الأحلام والنهى وقوله لا يليني منكم إلا أولو الأحلام والنهى.
***(8/2)
ما حكم وضع المولود أمام أمه وهي تصلى في المسجد وذلك بحجة تراص الصف حتى لا يفصل بينها وبين التي بجوارها وذلك في صلاة الجماعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا خطأ لأن وضع الصبي أمامها يشغلها ويشغل غيرها من النظر إليه وإذا كان بينها وبين المصلىة الأخرى فإنه لا يقطع الصلاة لأن المساحة التي يأخذها يسيرة وإذا كان مميزاً صلى مع الناس.
***(8/2)
التكبير ومواضع رفع اليدين ووضعها في الصلاة(8/2)
متى تبدأ تكبيرة الإحرام ومتى تنتهي هل قبل الركوع أو قبل الفاتحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال يريد به السائل إدراك تكبيرة الإحرام وإدراك تكبيرة الإحرام يكون بالتكبير بعدها مباشرة فإذا شرع الإمام بالاستفتاح فقد فاتت الإنسان تكبيرة الإحرام وذلك لأن إدراك الشيء يكون بالمتابعة عليه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (إذا كبر فكبروا) فجعل موضع تكبير المأموم بعد تكبير الإمام مباشرة وعليه فإذا دخل المأموم مع الإمام بعد أن كبر وشرع في الاستفتاح فقد فاتته تكبيرة الإحرام.
***(8/2)
ما هو الرفع الصحيح لليدين عند تكبيرة الإحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرفع الصحيح أن ترفع يديك إلى حذو منكبيك أو إلى فروع أذنيك كل هذا جاءت به السنة أو إلى شحمة الأذنين عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول ولا رفع فيما سوى ذلك لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفعل ذلك في السجود وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع فالظاهر والله أعلم أنه وهم من الراوي كما حقق ذلك ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
***(8/2)
ما هي المواضع التي ترفع فيها اليدان عند التكبير في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هي أربعة مواضع الموضع الأول عند تكبيرة الإحرام والموضع الثاني عند الركوع والموضع الثالث عند الرفع من الركوع والموضع الرابع عند القيام من التشهد الأول يعني إذا قام من التشهد الأول وليس كما ظنه بعض الناس أنه يرفع يديه وهو جالس ثم يقوم فإن هذا خطأ ولم تدل عليه السنة بل السنة إذا قام من التشهد الأول رفع يديه هذه أربعة مواضع وما سواها فإنه لا يشترط فيها رفع اليدين.
***(8/2)
ما موضوع رفع الأيدي في تكبيرة الإحرام هناك من يرفع يديه إلى صدره ومنهم إلى أسفل الصدر ما الصحيح في ذلك مع التوجيه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع اليدين في الصلاة يكون في أربعة مواضع الموضع الأول عند تكبيرة الإحرام والموضع الثاني عند الركوع والموضع الثالث عند الرفع من الركوع والموضع الرابع عند القيام من التشهد الأول وينتهي الرفع إلى فروع الأذنين أو إلى شحمة الأذنين أو المنكبين هذه السنة يعني إما أن ترفع يديك إلى فروع الأذنين أو إلى شحمة الأذنين أو إلى المنكبين وأما رفعهما إلى الصدر لا تبلغ المنكبين فهذا خطأ هذا في الحقيقة عبث لا يثاب عليه الإنسان لأنه لم يأت بالسنة ولم يأت بالسكون فهو تحرك حركة غير مشروعة فيكون ذلك من العبث في الصلاة لذلك نقول على الإخوة الحريصين على فعل السنة في رفع اليدين أن يرفعوا أيديهم إلى المناكب على الأقل أو إلى فروع الأذنين أو إلى شحمة الأذنين والأحسن أن يفعل هذا مرة وهذا مرة حتى يحيي السنة على جميع وجوهها.
***(8/2)
ما حكم رفع اليدين في الصلاة ومتى ترفع عند التكبيرات غير تكبيرة الإحرام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع اليدين يكون في أربعة مواضع عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وله أن يرفع ثم يكبر وأن يكبر ثم يرفع فبكل منها جاءت السنة وأما عند الركوع فإذا أراد أن يهوي إلى الركوع فيرفع يديه ثم يهوي ويضع يديه على ركبتيه وعند الرفع من الركوع يرفع يديه عن ركبتيه ثم يستمر رافعاً لهما حتى يستتم قائماً ثم يضعهما على صدره وفي القيام من التشهد الأول إذا قام رفع يديه إلى حذو منكبيه كما يكون ذلك عند تكبيرة الإحرام وما عدا هذه المواضع الأربعة فإنه لا يرفع يديه فيها وأما رفع اليدين في الصلاة على الجنازة فإنه مشروع في كل تكبيرة كما صح ذلك عن عبد الله بن عمر من فعله بل قد روي عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسند لا بأس به عند تأمله فالمشروع أن يرفع الإنسان يديه في تكبيرة الجنازة كلها في التكبيرة الأولى وغيرها.
***(8/2)
قول الله أكبر أو سمع الله لمن حمده بالنسبة للإمام أو المأموم هل هو مثل الركوع أو السجود عند أول حركة أو إذا ركع أو سجد تماما أو عند نصف الحركة وكيف يكون ذلك في سائر الحركات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول أهل العلم إن تكبيرات الانتقال وقول سمع الله لمن حمده تكون فيما بين الركنين سواء ابتدأها من حين تحرك أو في أثناء الحركة المهم أنها تكون فيما بين الركنين يعني لا يبدأ بقول الله أكبر قبل أن يشرع في الانحناء ولا في قول سمع الله لمن حمده قبل أن يشرع في النهوض.
***(8/2)
إذا أتيت والإمام راكع فهل تجزئ تكبيرة الإحرام تكبيرة واحدة أم لا بد من تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وكيف يقرأ المصلى دعاء الاستفتاح في هذه الحالة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دخل المصلى والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام ثم يركع ولا يستفتح وهل يجب أن يكبر للركوع أو لا يجب ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه لا يجب وأن التكبير للركوع في هذه الحال سنة وليس بواجب وعلى هذا فإذا كبر للركوع كان أفضل وإذا ترك التكبيرة فلا حرج عليه ولكن في هذه الحال ينبغي ألا يسرع الإنسان إسراعا يقبح ويكون له صوت ولا ينبغي كذلك أن يقول اصبروا أو اصبر إن الله مع الصابرين ولا أن يتنحنح تنحنحا يريد به تنبيه الإمام لأن هذا لم يكن من عمل السلف الصالح ولكن يمشي وعليه السكينة حتى يصل إلى الصف ثم يكبر تكبيرة الإحرام ثم يركع وفي هذه الحال إما أن يتيقن أنه أدرك الإمام وهو راكع فيكون حينئذ قد أدرك الركعة وإما أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يصل هو إلى الركوع وحينئذ يكون قد فاتته الركعة وإما أن يشك هل رفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يدركه فيه أو لا وفي هذه الحال إما أن يغلب على ظنه أنه أدركه أو أنه لم يدركه فإذا غلب على ظنه أنه أدركه فقد أدركه ولكنه يسجد للسهو بعد السلام إذا أتم صلاته وكذلك إذا غلب على ظنه إنه لم يدركه فإنه يلغي تلك الركعة ويحكم له أنه لم يدركها فيأتي بدلها بركعة ويسجد للسهو بعد السلام وإما أن يكون مترددا ليس عنده ترجيح للإدراك أو عدمه فيلغي تلك الركعة ويأتي بدلها بركعة ويسجد للسهو قبل السلام.
***(8/2)
المستمع عبد العزيز الرشيد المسعود الرئاسة العامة لتعليم البنات يطالب بتوجيه نصيحة لأئمة المساجد جزاهم الله خيراً في أثناء التكبير في الصلاة عند الجلوس للتشهد الأول أو الأخير تكون نبرة الصوت عندهم متساوية في جميع التكبيرات وهذا يحدث إرباكاً للمصلىن وخصوصاً الذين لم يلحقوا إلا الركعة الثانية فهو يجلس للتشهد الأول وهذا المصلى قد يقف ظناً منه أنه قام للركعة الثانية حيث إنه لم يغير من نبرة صوته لينتبه المصلون بالجلوس للتشهد الأول وكذلك الحال لو صف المأموم في بداية الركعة الثالثة أو الرابعة فسوف يتكرر هذا الإرباك بين المصلىن آمل من فضيلتكم إيضاح ذلك عموماً وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في هذا الموضع أعني تخفيض الصوت عند الجلوس للتشهدين أم أن هناك نصاً يمنع من ذلك مع الإيضاح والتفصيل جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل من أن بعض الأئمة لا يفرقون في التكبير بين القيام والجلوس والركوع والسجود هو ظاهر السنة فإني لا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرق بين التكبيرات بل ظاهر السنة أن تكبيراته سواء وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى عليه الصلاة والسلام ذات يوم على المنبر والمنبر كما هو معروف درج فكان عليه الصلاة والسلام يقوم ويركع وهو على المنبر فإنه إذا أراد السجود نزل من على المنبر وسجد على الأرض ثم قال (إنما فعلت هذا لتأتموا بي وتتعلموا صلاتي) وفي هذه إشارة إلى أنه لا يفرق بين التكبير لأنه لو فرق بين التكبيرات لكان الناس يعرفون أنه راكع أو ساجد أو جالس أو قائم في التكبيرات ولا أعلم أيضاً أن احداً من أهل العلم قال إنه يفرق بين تكبيرات الجلوس والسجود والركوع غاية ما اطلعت عليه من كلام العلماء أن بعض العلماء قال ينبغي أن يمد التكبير إذا سجد أو قام من السجود لطول الفصل بين السجود والقيام وأما أن يفرق بين الجلوس في التشهد الأخير والجلوس ما بين السجدتين أو التشهد الأول فهذا لا أعلم له أصلاً من السنة وعلى هذا فما كان يفعله الأئمة الذين شكاهم هذا السائل هو ظاهر السنة ولا ينكر عليهم وأما ارتباك المأمومين فإن ارتباكهم في الغالب يكون لغفلتهم حيث يسرحون في الوساوس وأحاديث النفس ولا يتابعون الإمام إلا على نبرات صوته لكن إذا كان الإمام لا يفرق بين التكبيرات كان هذا أدعى لحضور قلوبهم وانتباههم لأن الإنسان لا يحب أن يقوم والناس جلوس أو أن يجلس والناس قيام فتجده قد شد نفسه وانتبه إلى إمامه أشد مما لو كان يتابع مجرد نغمات الصوت وأما من دخل في أثناء الصلاة فهذا ربما يحصل منه ارتباك وإن كان حاضر القلب سيصلى إلى جنبه أناس قد سبقوه في الدخول في الصلاة فسوف يراهم ثم يتابع الإمام على حسب ما يرى المأمومين الذين خلفه ولا شك أن الإنسان كما يأتم بالإمام يأتم بمن خلفه إذا كانوا يأتمون بالإمام.
***(8/2)
هذا السائل الذي رمز لاسمه ب م م من القصيم يقول هل نراعي أحوال كبار السن حيث يرغبون بأن نمد تكبيرة التشهد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يشير هذا السائل إلى ما يفعله كثير من الأئمة يجعلون لكل تكبيرة من فعل من أفعال الصلاة خاصية فمثلا يمدون التكبير إذا جلسوا للتشهد ولا يمدونه إذا جلسوا بين السجدتين ويمدون التكبير إذا قاموا من التشهد الأول ولا يمدونه إذا قاموا من السجود إلى القيام وما أشبه ذلك وقد حرصت غاية الحرص على أن أجد لهذا أصلا من السنة وهل كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل ذلك فلم أجد واستعنت ببعض إخواني الذين لديهم علم واسع في الحديث فلم يجدوا وحينئذ يبقى التكبير على طبيعته في جميع الانتقالات على نمط واحد لأنه لو كان هناك يتغير لبينه الصحابة رضي الله عنهم كما بينوا قوله بعد الوتر سبحان الملك القدوس ثلاثا قالوا ويمد صوته بالثالثة ففرقوا حين فرق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إن في عدم التفريق مصلحة للمأموم وهو أن يشد نفسه ويعرف في أي ركعة هو لأنه يخشى أن يكون في محل القعود أو بالعكس وإذا كان الإمام يميز صار المأموم كأنه آلة تابعة متى مد التكبير جلس أو قام ومتى قصره جلس ولا يشكل على هذا شيء أبدا إلا المسبوق فالمسبوق ربما يشكل عليه لأن الإمام سوف يكبر تكبيرا واحدا لا يختلف فإذا جلس للتشهد الأول والمأموم قد دخل معه في الركعة الثانية أشكل على المأموم ولكن الجواب على هذا أن نقول المأموم إذا كان بجانبه أحد لم يكن مسبوقا فليقتد به كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم) لذلك أرى أن يبقى هذا الإمام على ما هو عليه من عدم التمييز بين التكبير لأنه أقرب إلى السنة وكبار السن يألفون هذه الطريق بعد ذلك.
***(8/2)
في الصلاة السرية هل يجوز رفع الصوت بالتكبير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في الصلاة السرية للإمام لا بد أن يرفع صوته حتى يقتدي الناس به وأما غير الإمام فلا يرفع صوته لأنه لا حاجة لذلك ثم هنا مسألة أنبه عليها وهي أن بعض المأمومين الذين يصلون وراء الإمام تسمعهم يجهرون إما بالتكبير وإما بقول سبحان ربي الأعلى وإما بقول سبحان ربي العظيم وإما بالقراءة فيشوشون على من حولهم وهذا أقل أحواله الكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يقرؤون ويجهرون بالقراءة فنهاهم وقال (لا يؤذين بعضكم بعضا) في القراءة فجعل صلى الله عليه وسلم هذا إيذاء وصدق فإن الإنسان الذي يجهر بالصلاة وحوله من يصلى يؤذيه بلا شك لهذا ننهى إخواننا الذين يصلون وراء الإمام أن يجهروا بشيء من أذكار الصلاة لا القراءة ولا التسبيح ولا الدعاء لئلا يشوشوا على من حولهم.
***(8/2)
أسمع كثيراً من الناس يقول الله واكبر وليس الله أكبر حتى في الأذان وحين نسأله نجده يفهمها الله وأكبر فما حكم ذلك وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في جوابنا على هذا السؤال أن إبدال الهمزة واواً جائز في اللغة فإذا قال الله واكبر فإن أذانه يصح لكن بشرط أن يكون معتقداً لمعناها المقصود بها وهو أن الله تعالى أكبر أما إذا كان يعتقد أن الواو للعطف وأن أكبر غير الله كما هو ظاهر السؤال يعني الله وشيء أكبر مثلاً فإن هذا لا يجوز لأنه لم يبدل الهمزة بواو وإنما أتى بواو يقصد بها العطف والعطف يقتضي المغايرة فعلى هذا يجب أن يُصحح مفهوم هذا المؤذن أو هذا القائل ثم يحاول أن ينطق باللغة الفصحى وهي أن يأتي بالهمزة دون الواو المبدلة منها وبهذه المناسبة أيضاً أود أن أشير إلى أن كثيراً من المؤذنين يقولون أشهد أن محمداً رسولَ الله بفتح رسول لكنهم يعتقدون أنها هي الخبر الذي حصلت به الفائدة وأن معنى هذه الجملة أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله فهم يريدون أن تكون رسول خبراً ولو كانت بالنصب ومثل هذه أيضاً وردت في اللغة وإن كانت خلاف المشهور من لغة العرب وعليها قول الشاعر:
إن حراسنا أسداً
فقد نصب الجزأين وعلى هذا فأذان مثل هذا المؤذن الذي يقول أشهد أن محمداً رسول الله صحيح لأنه يقصد أن رسول خبر ولكنه نصبها وما دام هذا جائزاً في اللغة العربية الفصحى وإن كان غير مشهور فإنه لا يُعد أذانه باطلاً ولكنه ينبغي أن يُعَّلم التعبير باللغة الفصحى وهي أشهد أن محمداً رسُولُ الله بالضم.
***(8/2)
هل يلزم التكبير لسجدة التلاوة في الصلاة أو في خارجها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التكبير لسجدة التلاوة داخل الصلاة واجب عند السجود وعند الرفع منه لأن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا يقولون إنه يكبر كلما خفض وكلما رفع ولم يستثنوا سجود التلاوة مع إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا مر بآية سجدة في الصلاة سجد وأما إذا كانت السجدة خارج الصلاة فقيل إنه يكبر إذا سجد وإذا رفع ويسلم تسليمة واحدة وقيل إنه لا يكبر إذا سجد ولا إذا رفع ولا يسلم وقيل يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا رفع ولا يسلم وهذا عندي أقرب الأقوال لورود حديثٍ في ذلك فيكبر عند السجود ولا يكبر إذا رفع ولا يسلم.
***(8/2)
شخص رأى عمالاً يشتغلون في وقت الصلاة وهو في طريقه إلى المسجد فوقف عندهم وأمرهم بالصلاة ونصحهم ثم فاتته تكبيرة الإحرام بسبب تأخره عند هؤلاء العمال فهل يعطى أجر من حضر لتكبيرة الإحرام أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعطي أكثر أجراً ممن حضر تكبيرة الإحرام لأن حضور تكبيرة الإحرام إنما هو سنة وأما نصح هؤلاء وأمرهم بالمعروف فإنه واجب فهو يثاب على ذلك أكثر مما يثاب على إدراك تكبيرة الإحرام.
***(8/2)
ماذا يجب على رجل يتأخر دائماً عن تكبيرة الإحرام بعد الإمام حتى يشرع الإمام في قراءة الفاتحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليه شيء لكنه حرم نفسه خيراً كثيراً لأنه إذا دخل في الصلاة كان في صلاة يكتب له أجر هذه المدة فإذا لم يدخل حتى شرع الإمام في قراءة الفاتحة فقد حرم نفسه حرم نفسه أولاً أنه لم يدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام وثانياً أنه بقي كل هذه المدة بغير صلاة فالذي ينبغي للإنسان أن يبادر من حين أن يكبر إمامه يكبر هو ومثل ذلك أن بعض الناس يأتي إلى المسجد والإمام ساجد فيقف حتى يقوم الإمام من السجدتين وهذا من الحرمان أيضاً وهو مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا) فإن هذا أدرك السجود والمشروع له أن يكبر تكبيرة الإحرام قائماً ثم يسجد مع الإمام لكنه إذا فاته الركوع فاتته الركعة.
***(8/2)
لو سها المصلى المنفرد عن ذكر لفظ الله أكبر بين الانتقال من ركن إلى ركن ماذا عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عليه أن يسجد للسهو قبل السلام لأن الأقرب إلى الصواب أن تكبيرات الانتقال من واجبات الصلاة وواجبات الصلاة إذا ترك الإنسان منها شيئا فإن عليه سجود السهو ويكون سجود السهو قبل السلام لأنه سجود عن نقص أما تكبيرة الإحرام فإنها ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها فلو نسي تكبيرة الإحرام وشرع بالفاتحة وأتم صلاته قلنا عليك إعادة الصلاة لأن الصلاة لم تنعقد حيث لم يكبر تكبيرة الإحرام.
***(8/2)
نرى كثيراً من المسلمين عند افتتاح الصلاة يرفعون أيديهم عند تكبيرة الإحرام ويطيلون رفعها حتى تصل في بعض الأحيان إلى مدة قراءة الفاتحة فهل هذا يوافق أحد المذاهب الأربعة أو جاء ذلك في أثرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته الكرام أو التابعين لهم بإحسان نرجو توضيح ذلك لأننا لا نملك التوجيه في ذلك لقصر اطلاعنا في هذه الأمور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين أن تبقى هكذا كما ذكر السائل إلى قرب منتصف الفاتحة وإنما الوارد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه كما في حديث ابن عمر ومالك بن الحويرث رضي الله عنهما ثم إنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه أولاً ثم يكبر فيرفع يديه حتى إذا انتهى من الرفع كبر وورد عنه أنه يرفعهما حين يكبر فيكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاء الرفع مع انتهاء التكبير وورد أيضاً صفةٌ ثالثة أنه يكبر ثم يرفع يديه وكل هذه الصفات الثلاث أن يكون الرفع قبل التكبير أو بعده أو معه كل هذا جائز والأمر فيه واسع ومنتهى الرفع كما أشرنا إليه إما المنكبان أو فروع الأذنين هذا هو منتهى الرفع لكنه مع ذلك لا يتأخر كما ذكر السائل لأنه ليس في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثم إن محل هذا الرفع في أربعة مواضع في الصلاة عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من التشهد الأول.
***(8/2)
أين يضع المصلى يديه في الصلاة هل هو على الصدر أم أسفل الصدر أم على البطن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب أنه يضعها على صدره هذا أحسن ما قيل في ذلك لحديث وائل بن حجر وهو حديث حسن.
***(8/2)
ما هو حكم السدل في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السدل لا أدري ماذا يريد هل يريد إرسال اليدين عند القيام أو يريد السدل سدل الرداء فلنجب عليهم جميعاً أما بالنسبة لسدل الرداء فإنه مكروه لا سيما إذا لم يكن تحت الرداء فنيلة أو نحوها وأما السدل الذي هو إرسال اليدين فهو خلاف السنة. السنة إذا قام الإنسان يصلى أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة سواءٌ كان قبل الركوع أو بعد الركوع هكذا جاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يعني إذا صلى يده اليمنى على ذراعه اليسرى يعني في الصلاة) .
***(8/2)
سئل الإمام أحمد رضي الله عن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الرفع من الركوع فأجاب إن شاء أرسل يديه بعد الرفع من الركوع وإن شاء وضعهما فنرجو منكم أن توضحوا لنا ما ثبت من السنة الرفع أم الوضع وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن ظاهر السنة أن المصلى بعد رفعه من الركوع يضع يده اليمنى على اليسرى وهو ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) فقوله في الصلاة عام لجميع أحوال الصلاة إلا ما دل الدليل على أن له صفة خاصة فنقول وضع اليد اليمنى على اليسرى قبل الركوع أمر لا إشكال فيه أما في الركوع فلهما وضع آخر يضعهما المصلى على ركبتيه وفي السجود لا يمكن وضع اليد اليمنى على اليسرى لأن موضعهما على الأرض وفي الجلوس بين السجدتين وفي التشهدين الأول والثاني أيضاً موضع وضعهما الفخذان فيضعهما الإنسان على فخذيه بقي عندنا وضعهما بعد الرفع من الركوع ليس هناك سنة خاصة فيه لكن عموم قول سهل في الصلاة يشمل هذا الموضع من الصلاة وعلى هذا فيكون الظاهر من السنة أن المرء يضع يده اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع وأما تخيير الإمام أحمد فلعله اطلع على أحاديث تدل على جواز الإرسال ولكننا لم نعلم بها لأن الظاهر أن الإمام أحمد لا يخير بين شيئين إلا وقد وردت فيهما السنة ولا يكون تخييره فيهما من أجل عدم علمه بذلك لأن موقف عدم العالم بالشيء أن يتوقف وليس أن يحكم والله أعلم.
***(8/2)
المستمعة تسأل عن موضع اليدين في صفة الصلاة عند الاعتدال والتشهد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائلة تريد عند الاعتدال من الركوع والسنة في وضع اليدين بعد القيام من الركوع كالسنة في وضعهما قبل الركوع أي أنه يسن أن يضع الإنسان يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة ودليل ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى في الصلاة وهذا الحديث عام لكنه يخرج منه حال الركوع فإن وضع اليدين على الركب وحال السجود فإن وضع اليدين على الأرض وحال الجلوس فإن وضع اليدين على الفخذين أما في التشهد فإن اليد اليمنى تكون على الفخذ اليمنى واليد اليسرى على الفخذ اليسرى وتكون اليمنى مقبوضة الخنصر والبنصر والوسطى ويضم إليها الإبهام وتبقى السباحة مفتوحة غير مضمومة ويحركها كلما دعا أما اليسرى فتكون مبسوطة على الفخذ اليسرى وإن شاء ألقمها ركبته فإن هذا من السنة
***(8/2)
هل وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر بعد الرفع من الركوع سنة أو بدعة وما هو الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح في ذلك أنها سنة لحديث سهل بن سعد وهو في صحيح البخاري قال (كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) وهذا الحديث عام وقوله في الصلاة أيضاً عام في جميع أحوالها إلا ما دل الدليل على استثنائه وليكن السائل معنا حتى ننظر هل يدخل في هذا الحديث القيام بعد الركوع أم لا فنقول كلمة في الصلاة عامة يدخل فيه أولاً القيام قبل الركوع ولا يدخل الركوع لأن وضع اليدين في الركوع معروف وهو أن يكونا على الركبتين ونسكت عن القيام بعد الركوع لأنه محل السؤال لا يدخل فيه السجود لأن وضع اليدين في السجود معروف على الأرض ولا يدخل فيه الجلوس بين السجدتين لأن وضع اليدين في الجلوس بين السجدتين معروف على الفخذين ولا يدخل فيه الجلوس في التشهد الأول ولا الثاني لأن وضع اليدين أيضاً فيه معروف وهما على الفخذين بقي القيام بعد الركوع فعموم حديث سهل يشمل حكم اليدين بعد الرفع من الركوع وعلى هذا يكون حكم اليدين بعد الرفع من الركوع كحكمهما قبل الركوع أي أن اليمنى توضع على اليسرى وأما من قال إنها بدعة أي وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع فإنه لم يتأمل هذا الحديث ولو تأمله لتبين له الأمر كما أوضحناه والإمام أحمد رحمه الله نص على أنه يخير بين أن يضع يده اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع وبين أن يرسلهما ولعله رحمه الله لم يتبين له الحكم في هذه المسألة فجعله مخيراً أو لعله اطلع على أحاديث غير حديث سهل بن سعد تدل على الإرسال فجعله مخير لأن الذي ينبغي لطالب العلم إذا لم يجد نصاً للمسألة أن يتوقف ولا يخير فإن القول بالتخيير حكم والحكم لا يجوز إلا بدليل والإمام أحمد رحمه الله لا يمكن أن يحكم بالتخيير إلا وعنده دليل في ذلك والمهم أن القول بأن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الركوع بدعة قول لا وجه له بل الصواب الذي يدل عليه حديث سهل وهو في البخاري هو وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع والله أعلم.
***(8/2)
المستمع من سوريا يقول بالنسبة لوضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع ما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وضع اليدين على الصدر سنة سواء كان ذلك قبل الركوع أو بعده ودليل هذا ما رواه البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) فهذا الحديث عام والعموم في قوله في الصلاة فخص منه السجود لأن اليدين توضعان على الأرض والركوع لأن اليدين على الركب والجلوس لأن اليدين على الفخذين فيبقى القيام ما قبل الركوع وما بعد الركوع وعن الإمام أحمد رحمه الله أن الإنسان مخير في وضع اليدين بعد الركوع إن شاء أرسلهما وإن شاء وضع اليد اليمنى على اليسرى.
***(8/2)
المستمع عصام يسأل عن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن وضع اليد اليمنى على اليسرى في القيام بعد الركوع سنة كما دل على ذلك حديث سهل بن سعد الذي رواه البخاري في صحيحه قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة فإذا تأملت هذا الحديث وهو أن الناس مأمورون بوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة تبين لك أن القيام بعد الركوع يشرع فيه هذا الفعل وهو وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة لأن الحديث عام يخرج منه الركوع لأن اليدين على الركبتين ويخرج منه السجود لأن اليدين على الأرض ويخرج منه الجلوس لأن اليدين على الفخذين أو الركبتين فيبقى ما عدا ذلك وهو القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع فتكون اليد اليمنى فيه موضوعة إما على الذراع وإما على الرسغ وهو المفصل الذي بين الكف وبين الذراع والأفضل أن تكونا على الصدر لأن حديث وائل بن حجر هو أحسن ما روي في ذلك أي في موضع اليدين في حال القيام وإن كان فيه مقال لأهل العلم ولكنه أحسن ما روي في هذا الموضوع
***(8/2)
الأخ سعيد أبو بكر من المدينة النبوية يقول إن القبض والإرسال في الصلاة مشكلة أحدثت خلافات حادة بين المسلمين فهل القبض أو الإرسال من أركان الصلاة أو واجباتها أو من شروط صحتها أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال ذو شقين أحدهما ما أشار إليه الأخ من الخلافات بين المسلمين في مثل هذه الأمور والثاني حكم هذه المسألة التي هي القبض أو الإرسال أما الأول فإننا نقول إن مما يدعو للأسف أن يقع مثل هذا النزاع بين المسلمين في هذه المسألة لأن هذه المسائل من المسائل التي لا تتعلق بالعقيدة وهي مسائل وجد جنسها في عهد الصحابة رضي الله عنهم فإنهم يختلفون في الفروع كثيراً ومع ذلك لا يحدث بينهم عداوة ولا بغضاء ولا أحقاد من أجل هذا بل إنه يجب على المؤمن إذا خالفه أخوه بمقتضى الدليل عنده أي عند هذا المخالف يجب عليه أن يزداد له حباً لأنه يعرف أنه ما خالفه لمقتضى الدليل إلا تمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه لم يتزحزح عن ذلك لمداهنة أحد أو مراعاة خواطر ففي الحقيقة إذا كان صاحبك الذي خالفك في مسألة من مسائل العلم خالفك لأن ذلك مقتضى الدليل عنده فإنه يجب عليك أن تزداد له محبة لا أن تزداد بغضاً له أو نفوراً لأنه كما أنه هو ليس معصوماً فأنت أيضاً لست بمعصوم وكونك تفرض على غيرك أن يقول برأيك هذا في الحقيقة مخالف لتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله لأنك كأنك جعلت نفسك رسولاً معصوماً واجب الاتباع وهذا أمر خطير جداً فالواجب على المرء كما قلنا وإن كنا قد كررنا ذلك لأنه مهم جداً إذا خالفه غيره لمقتضى الدليل عند هذا المخالف ألا يغضب من ذلك أو يحدث له بغضاء لهذا الرجل بل إن الواجب أن يزداد له محبة والهدف واحد إذا حسنت النية فإن الهدف هو التمشي على ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو هدف الجميع مع حسن النية أما إذا كان الإنسان يريد أن يتبع الناس قوله ويضلل من يخالفه فإن هذا ليس من مسالك السلف الصالح وهو خطير على الأمة الإسلامية ولا يختص هذا بمسألة القبض والإرسال في اليدين في الصلاة بل هو عام في كل مسائل الخلاف وما أكثر المسائل التي وقع فيها خلاف بين أهل العلم قديماً وحديثاً ولكن يجب على الإنسان أن يتخذ ما أشرنا إليه طريقاً ومنهاجاً بحيث لا يتأثر بالمخالفة.
فضيلة الشيخ: لكن هذه المسألة التي أشار إليها سعيد قد تبدو أكثر لأنها تُشاهد في اليوم عدة مرات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للقبض والإرسال فلا شك أن الذي دلت عليه السنة هو قبض اليد بمعنى وضع اليد اليمنى على اليسرى وقد ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد قال كانوا يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة وهذا ثابت في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمكن لأحد أن ينكره مع ثبوته عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عبرة بقول أي أحد من الناس مع وجود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فالتعبد بالإرسال ليس له وجه بل التعبد إنما هو بوضع اليد اليمنى على اليسرى ومع هذا فلا ينبغي لنا أن نبغض هؤلاء الذين يرسلون بل ندعو لهم بالهداية وندعوهم إلى الهداية ونبين لهم السنة والمؤمن إذا دعي إلى الله ورسوله لا يجد سبيلاً إلى الفرار من ذلك إنما وقع الخلاف في حكم قبض اليدين بعد الرفع من الركوع وقع الخلاف حتى عند القائلين بأن المشروع أن يضع يده اليمنى على اليسرى في حال القيام وقع الخلاف بينهم فيما إذا قام من الركوع هل يقبض بمعنى هل يضع يده اليمنى على اليسرى أو يرسلها فالإمام أحمد نص على أن الإنسان مخير بينهما إن شاء أرسل وإن شاء قبض وبعض الناس ينكر القبض إنكاراً بالغاً ويرى أنه بدعة وبعض الناس يرى أنه من السنة أن يقبض بعد القيام من الركوع والصواب من هذه الأقوال أنه يقبض إذا رفع من الركوع لعموم الأحاديث الدالة على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك وأن الناس كانوا يؤمرون به فإننا إذا أخذنا بحديث سهل بن سعد الذي أشرنا إليه قريباً كانوا يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة لفظ في الصلاة عام يشمل جميع أحوالها ولكنه يخرج منه السجود بلا شك ويخرج منه الجلوس بلا شك أيضاً ويخرج منه الركوع بلا شك لأن لها هيئات معينة بالنسبة لليدين فيبقى عندنا القيام فيشمل ما قبل الركوع وما بعد الركوع وأما إنكاره والدعوة بأنه بدعة فهذا لا وجه له وليس بصحيح فالأقرب إذن والأرجح أنه يضع يده اليمنى على اليسرى حتى بعد القيام من الركوع.
فضيلة الشيخ: ما دامت الأحاديث قد صحت وقد تناقلها الخلف عن السلف ونقصد بالخلف التابعين عن الصحابة وعن الرسول صلى الله عليه وسلم كيف نشأ هذا الخلاف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف أصل هذا الخلاف ولكنه مهما كان لا يهمنا أصله يهمنا الواقع.
***(8/2)
جاءت أحاديث كثيرة وصحيحة عن رفع اليدين في الصلاة في كل من الركوع والرفع منه والقيام للركعة الثالثة إلا أنه لم أعرف كيف أرفع عند القيام للثالثة هل في الجلوس أم بعد أن أستوي قائماً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث إذا قام من الجلسة للتشهد فإنه يرفع عند القيام معتمداً على ركبتيه فإذا انتصب قائماً رفع يديه.
***(8/2)
دعاء الاستفتاح(8/2)
هل دعاء الاستفتاح واجبٌ في كل صلاةٍ فرضاً أو نفلاً وهل يمكن الإتيان بأكثر من نوعٍ واحد من أدعية الاستفتاح في صلاةٍ واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الاستفتاح سنة وليس بواجب لا في الفريضة ولا في النافلة والذي ينبغي أن يأتي الإنسان في الاستفتاح بكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بهذا أحياناً وبهذا أحياناً ليحصل له فعل السنة على جميع الوجوه وإن كان لا يعرف إلا وجهاً واحداً من السنة واقتصر عليه فلا حرج لأن الظاهر أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينوع هذه الوجوه في الاستفتاح وفي التشهد من أجل التيسير على العباد وكذلك في الذكر بعد الصلاة كان الرسول عليه الصلاة والسلام ينوعها لفائدتين الفائدة الأولى أن لا يستمر الإنسان على نوعٍ واحد فإن الإنسان إذا استمر على نوعٍ واحد صار الإتيان بهذا النوع كأنه أمرٌ عاديٌ ولذلك لو غفل وجد نفسه يقول هذا الذكر وإن كان من غير قصد لأنه صار أمراً عادياً أتوماتيكياً كما يقولون فإذا كانت الأذكار متنوعة وصار الإنسان يأتي أحياناً بهذا وأحياناً بهذا صار ذلك أحضر لقلبه وأدعى لفهم ما يقوله ثانياً ما يظهر أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراده التيسير على الأمة بحيث أن يأتي الإنسان تارةً بهذا وتارةً بهذا على حسب ما يناسبه فمن أجل هاتين الفائدتين صارت بعض العبادات تأتي على وجوهٍ متنوعة مثل الاستفتاح والتشهد والأذكار بعد الصلاة.
***(8/2)
ما أصح الأدعية عند الاستفتاح للصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أصح الأدعية في الاستفتاح ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا كبر للصلاة سكت هُنَيهَة فقال له أبو هريرة رضي الله عنه بأبي أنت وأمي يا رسول الله أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول قال أقول (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) وإن قال غيره مما ورد فلا بأس مثل (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) والأفضل أن يقول هذا مرة وهذا مرة ليأتي بالسنتين جميعا.
***(8/2)
ما هوالمشهور من دعاء الاستفتاح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور هو (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) لكن أصح منه حديث أبي هريرة وهو أنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام ما يقول فقال (أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) فهذا أصح من الأول لكن لو أتى الإنسان بهذا مرة وبهذا مرة وبغيرها مما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام لكان أحسن.
فضيلة الشيخ: أو جمع بين الاثنين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا ما يجمع بين الاثنين لأنه لما سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما تقول ما أجابه إلا بواحدٍ فقط ما قال أقول كذا وكذا فدل هذا على أنه ليس من المشروع الجمع.
***(8/2)
يحدث من بعض المصلىن الجهر بتكبيرات الإحرام في الصلاة الجماعية ومنهم أيضا من يجهر بدعاء الاستفتاح لكن بصوت منخفض لكنه يسمع فما حكم الجهر ولو بصوت منخفض في الصلاة الجماعية بالنسبة لدعاء الاستفتاح وتكبيرة الإحرام من المأموم والمنفرد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المأموم فحقه الإسرار في التكبير والاستفتاح والدعاء في السجود والتسبيح وغير ذلك حقه الإسرار وليس له أن يرفع صوته لأن رفع صوته إخلال بالمتابعة ولأن رفع صوته يوجب التشويش على من حوله ولهذا كره العلماء رحمهم الله أن يبلغ أحد مع الإمام التكبير إلا لحاجة يعني كرهوا أن يتابع الإنسان الإمام في رفع صوته بالتكبير إلا لحاجة مثل أن يكون المسجد كبيرا لا يسمعون تكبير الإمام فيبلغ أحد عنه فهذا لا بأس به للحاجة كما صنع أبو بكر رضي الله عنه حين جاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى بالناس فوقف أبو بكر عن يمين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأكمل بهم النبي صلى الله عليه الصلاة لكنه بصوت منخفض فجعل أبو بكر يكبر بتكبير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والناس يتبعون صوت أبي بكر فالحاصل ينهى المأموم عن الجهر بالتكبير أو الاستفتاح أو الدعاء في السجود أو غير ذلك ومن عجب أن بعض الناس فهم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر أو العصر فظن أن جهر المأموم في القراءة أحيانا من السنة وهذا فهم مخطئ فإن المأموم ليس إماما ولا يتم الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المسألة إلا إذا كان الإنسان إماما أما إذا كان مأموما فإنه لو جهر لكان مخالفا لهدي الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا يصلون خلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواني طلبة العلم الذين لم يصلوا إلى حد الرسوخ في العلم من أن يتعجلوا في فهم النصوص من القرآن والسنة ثم أن يتعجلوا في إفتاء الناس بمقتضى هذا الفهم الذي بني على علم قليل وأقول لهم لا تستعجلوا السؤدد انتظروا فستكون لكم السيادة إذا من الله عليكم بالاستمرار في طلب العلم والاستفادة منه ولهذا يروى عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال (تفقهوا قبل أن تسودوا) يعني افقهوا العلم أولاً قبل أن يجعلكم الناس أسيادا يرجعون إليكم وهذا هو عين البصيرة وعين الحكمة فاصبر يا أخي طالب العلم اصبر حتى تبوأ منزلك من العلم بالعلم الواسع والفهم الثاقب ولا تتعجل قد تفتي الناس في أمر ضللت فيه فيضل كثير من الناس على يدك وربما ترجع إلى الصواب في يوم من الأيام فلا يمكنك مداواة الجرح الذي حصل بفتواك الأولى واعلم بأنك قادم على ربك وسائلك لم أضللت عبادي قبل أن تبذل الجهد في الوصول إلى العلم ثم في تحقيق الفهم لأن المفتي يعبر عن الله ورسوله فأهل العلم ورثة الأنبياء يدلون الناس على الخير ويأمرون الناس بالخير فسوف تلاقي ربك يوم القيامة وسيسألك لم أضللت عبادي قبل أن تبلغ من العلم مكانا تستحق أن تكون فيه من أهل الفتوى أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا وإخواننا من الزلل وأن يوفقنا لصالح القول والعمل.
***(8/2)
إذا دخلت مع الإمام وهو راكع فهل إذا قمت إلى الركعة الثانية أقرأ دعاء الاستفتاح أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دخل المسبوق مع الإمام وهو راكع فإنه أولاً يكبر تكبيرة الإحرام قائماً قبل أن يهوي ثم يهوي إلى الركوع وفي هذه الحال إن كبر للركوع فهو أفضل وإن لم يكبر فلا بأس عليه هكذا قال العلماء رحمهم الله ثم إذا قام إلى الركعة الثانية فإنه لا يستفتح لأن الاستفتاح إنما يكون في أول الصلاة وأول الصلاة قد مضى فهو سنة فات محلها فلا تقضى في غير مكانها ولكنه يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من أجل القراءة.
***(8/2)
هل تجوز قراءة الفاتحة والإمام يقرأ مع العلم بأنني بدأت في الصلاة وهو يقرأ أم أكتفي بدعاء الاستفتاح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دخلت والإمام يقرأ فإنك لا تقرأ الاستفتاح وإنما تشرع في الفاتحة وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح ذات يوم فقال لأصحابه (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا يدل على أن الإنسان إذا دخل والإمام يقرأ فإنه لا يستفتح بل يتعوذ ويبسمل ويقرأ الفاتحة، نعم لو دخل مع الإمام، والإمام يقرأ الفاتحة فإنه يكبر ويبقى منصتاً لقراءة الإمام حتى إذا فرغ من الفاتحة استفتح ثم تعوذ وقرأ الفاتحة وليستمر فيها حتى وإن قرأ الإمام فليستمر فيها حتى يكمّلها لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)
***(8/2)
بالنسبة لصلاة الجنازة وصلاة العيدين والكسوف أيضا هل يقال دعاء الاستفتاح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الجنازة قال العلماء إنه لا يستفتح لها لأنها ليس فيها ركوع ولا سجود ولا تشهد فهي مبنية على التخفيف وأما صلاة العيدين وصلاة الاستسقاء وصلاة الجمعة فهي كغيرها من الصلوات يستفتح لها
***(8/2)
إذا قرأت الاستفتاح في صلاة الفرض هل علي أن أعيده في صلاة السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دعاء الاستفتاح يكون في أول كل صلاة سواء كانت فريضة أو نافلة وإذا استفتحت في صلاة الفريضة فإنه لا يجزئك عن الاستفتاح في صلاة النافلة لأن لكل صلاة حكمها حتى لو كنت في نوافل متعددة كصلاة الليل فإنك إذا استفتحت في نافلة وأتيت بنافلة أخرى تستفتح فيها وبهذا نعرف أن ما يفعله بعض الأئمة في صلاة التراويح حيث يستفتح في أول تسليمه ولا يستفتح في البقية أنه تقصير منه أو قصور وقد يكون تقصيراً إن ترك الاستفتاح مع علمه بمشروعيته أو قصوراً إن كان لا يدري وإلا فلكل ركعتين تنفصل إحداهما عن الأخرى استفتاح خاص بها وبهذه المناسبة أيضاً أقول إن بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية في قيام رمضان يُسرعون إسراعاً فاحشاً بحيث لا يتمكن المأمومون من ملاحقتهم ومتابعتهم وهذا حرام عليهم لا يجوز لأن الإنسان إذا كان إماماً فهو مؤتمن فيجب عليه أن يأتي بأدنى الكمال الوارد لأجل ألا يفِّوت على المأمومين المشروع والسنة وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن فكيف بسرعة تمنع المأموم فعل ما يجب كما هو موجود في كثير من المساجد في قيام رمضان وهذا خطأ يجب على الأئمة التنبه له قد يقول بعض الأئمة إنني إذا اطمأننت ينفر الناس من ذلك فنقول نعم إن بعض الناس ينفر من ذلك ولكن هذا لا يهم وإنما ينفرون لأنهم يجدون أئمة يسرعون إسراعاً فاحشاً ويُعدُ إلى اللعب أقرب منه إلى الجد ولو أن الأئمة كلهم اتقوا الله عز وجل وقاموا بما يجب عليهم في هذا الأمر ما وجد الكسلان أو المهمل أو النقار منفذاً يذهب إليه ليتخلص من الصلاة الكاملة والله المستعان.
***(8/2)
هل هناك أدعية استفتاح مخصصة لصلاة الفريضة وأخرى مخصصة لصلاة النافلة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هنالك شيء مخصص إلا صلاة الليل فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستفتحها بقوله (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) والباقي يستوي فيه الفرض والنفل فيستفتح إما بقول (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) وإما بقول (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) .
***(8/2)
هل يقرأ دعاء التوجه اللهم إني وجهت وجهي ... الخ في صلاة الفريضة والتطوع أم في الفريضة فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يعرف أن الاستفتاح ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم على وجوهٍ متنوعة وهذه الوجوه السنة أن يأتي الإنسان بكل وجهٍ منها أحياناً من هذا وأحياناً من هذا ليكون فاعلاً للسنة فمما ورد قول (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) وكذلك (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) واستفتاحات أخرى وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام وأي استفتاح استفتح به الإنسان منها فإنه يجزئه سواءٌ في الفريضة أم في النافلة وسواءٌ في صلاة الليل أم في صلاة النهار.
***(8/2)
هل يكرر دعاء الاستفتاح في صلاة الليل في كل ركعتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: دعاء الاستفتاح مشروع عند كل تكبيرة إحرام فإذا كبرت للإحرام في فريضة أو نفل فاستفتح.
***(8/2)
الاستعاذة والبسملة(8/2)
السائل عبد الله أحمد من العراق بغداد بعث برسالة يقول فيها هل تكفي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة الفاتحة في الصلاة أم أنه لا بد من الإتيان بالبسملة وإذا استعذت وبسملت للفاتحة فهل تبسمل للسورة أو السور التي بعدها في الصلاة أم أنه لا بد من البسملة في قراءة كل سورةٍ بعد الفاتحة في الصلاة وإن تعددت السور التي نقرؤها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم مشروعٌ عند كل قراءة كلما أردت أن تقرأ شيئاً من القرآن في الصلاة أو غير الصلاة فإنه مشروعٌ لك أن تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) أما البسملة فإن كنت تريد أن تبتدئ السورة من أولها فبسمل لأن البسملة آيةٌ فاصلة بين السور يؤتى بها في ابتداء كل سورة ما عدا سورة براءة فإن سورة براءة ليس في أولها بسملة وعلى هذا فإذا أردت أن تقرأ الفاتحة في الصلاة فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم أولاً ثم اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وقد اختلف أهل العلم في البسملة في الفاتحة هل هي من الفاتحة أم لا؟ فذهب بعض أهل العلم أنها من الفاتحة ولكن الصحيح أنها ليست منها وأن أول الفاتحة هو (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لحديث أبي هريرة الثابت في الصحيح إن الله تعالى قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل وعلى هذا فتكون الفاتحة أولها الحمد لله رب العالمين وهي سبع آيات الأولى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الثانية (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الثالثة (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الرابعة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الخامسة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) السادسة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) والسابعة (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) أما على القول بأن البسملة منها فإن أول آيةٍ هي البسملة والثانية (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) والثالثة (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) والرابعة (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) والخامسة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) والسادسة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) والسابعة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) ولكن الراجح أن البسملة ليست من الفاتحة كما أنها ليست من غيرها من السور.
فضيلة الشيخ: ما حكم الجهر بالبسملة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح أن الجهر بالبسملة لا ينبغي وأن السنة الإسرار بها لأنها ليست من الفاتحة ولكنه لو جهر بها فلا حرج بل قال بعض أهل العلم إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً لأنه قد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يجهر بها ولكن الثابت عنه أنه كان لا يجهر بها وهذا هو الأولى أن لا يجهر بها لكن لو جهر بها تأليفاً لقومٍ مذهبهم الجهر فأرجو أن لا يكون به بأس.
فضيلة الشيخ: هل الجهر قبل الفاتحة وقبل السور أيضاً أو قبل الفاتحة فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السور التي غير الفاتحة لا أدري والذي أعرف الجهر بالبسملة في الفاتحة فقط.
***(8/2)
هل تشرع الاستعاذة والبسملة في كل ركعة أم في الركعة الأولى يكفي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاستعاذة فمن العلماء من قال إنها تسن في أول ركعة وفي الركعات الباقية وقال بعض العلماء أنها لا تسن إلا في أول ركعة وأما البسملة فإنها تابعة للفاتحة فيبسمل في كل ركعة إلا أن البسملة ليست من الفاتحة ولذلك إذا قرأ في صلاة جهر فإنه لا يجهر بالبسملة وإنما يقرؤها سرا ثم يجهر من قوله الحمد لله رب العالمين إلى آخره.
***(8/2)
المستمع من السودان أبو جديد يقول ما حكم قراءة البسملة قبل فاتحة الكتاب أثناء الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة البسملة قبل الفاتحة أثناء الصلاة إن كان السائل يريد الجهر بها فالصحيح أن عدم الجهر بها أفضل من الجهر بها وإن جهر بها الإنسان أحياناً فلا بأس إذا لم يحصل تشويش على المصلىن وإن كان يريد قراءتها سراً فإن العلماء مختلفون في وجوب قراءة البسملة فمن قال إنها من الفاتحة قال لا بد من قراءتها وجعلها إحدى آيات الفاتحة ومن قال إنها ليست من الفاتحة قال إن قراءتها سنة وليست واجبة والقول الراجح أنها ليست من الفاتحة لحديث أبي هريرة الثابت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله هذا بيني وبين عبدي نصفين وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل وهذا الحديث يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة لأنه لم يذكرها ويدل لذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها ولو كانت من الفاتحة لجهر بها حين يجهر بالقراءة ولأنها ليست آيةً من السور الأخرى فهي كذلك في الفاتحة إذ لا دليل على تخصيص الفاتحة بأنها آيةٌ منها.
***(8/2)
أبومحمد من الكويت يقول أحد أئمة المساجد يقول بأنه لا تجوز الصلاة بغير البسملة والرأي الآخر لأحد أئمة المساجد يقول بأنه تجوز الصلاة بغير البسملة فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن مراد السائل الجهر بالبسملة لا قراءة البسملة فليس مراده قراءة البسملة بل الجهر بها والجهر بالبسملة مختلفٌ فيه فمن العلماء من قال إنه يتبع القراءة فإذا كان الجهر بالقراءة هو السنة فالأفضل أن يجهر بالبسملة وإن كان الإسرار بالقراءة هو السنة فالأفضل أن يسر بها وعلى هذا فيسر بالبسملة في صلاتي الظهر والعصر ويجهر بها في صلاة المغرب والعشاء والفجر ومن العلماء من قال إن الأفضل الإسرار بالبسملة في الصلاة السرية والجهرية وهذا هو الصحيح لأن الذي صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يسر بالبسملة في الصلاة الجهرية لأن البسملة ليست من الفاتحة بل هي آيةٌ مستقلة تفتتح بها السور ومن أقوى الأدلة على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) قال الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) ولم يذكر البسملة وهذا دليل على أنها ليست من الفاتحة وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجهر بها ولو كانت من الفاتحة لجهر بها كباقي آياتها وخلاصة القول أن الإمامين اللذين اختلفا في البسملة أحدهما يجهر بها والثاني لا يجهر كلاهما قد اتبعا إماماً من الأئمة والصحيح أن السنة عدم الجهر بها.
***(8/2)
قراءة الفاتحة(8/2)
ما حكم صلاة الكثير من الناس الذين يتركون قراءة الفاتحة وما الفرق يا فضيلة الشيخ بين الركن والواجب في الصلاة حينما يتركه المصلى سهواً أو عمداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول إن الكثير يتركون قراءة الفاتحة ولا أدري عن صحة هذا القول لأن الناس قد اشتهر عندهم أنه لا بد من قراءة الفاتحة وقراءة الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا به فمن ترك قراءة الفاتحة في أي ركعةٍ من الصلوات بطلت صلاته يعني لو ترك قراءة الفاتحة في الركعة الأولى وأتم الصلاة فصلاته باطلة لا تقبل لأنه لا بد من قراءة الفاتحة في كل ركعة وإذا تركها سهواً فإن ذكر قبل أن يقوم إلى الثانية وجب أن يرجع إلى الأولى ويقرأ الفاتحة ثم يكمل يعني يستمر في صلاته ومن ذكرها أي الفاتحة بعد أن رفع للركعة الثانية صارت الركعة الثانية هي الأولى ولغت الركعة الأولى لأنه لم يقرأ فيها الفاتحة وأما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة فهما يشتركان في أن من تركهما عمداً بطلت صلاته فلو تعمد الإنسان ترك التشهد الأول بطلت صلاته كما لو تعمد ترك التشهد الأخير مع أن التشهد الأخير ركن والتشهد الأول واجب لو تركه سهواً فإن الواجب يسقط بالسهو ولكن عليه أن يسجد للسهو مثال هذا لو قام عن التشهد الأول إلى الركعة الثالثة ولم يجلس في التشهد الأول فليستمر في صلاته وليسجد سجدتين قبل أن يسلم وهاتان السجدتان تجزئان عن الواجب الذي تركه وأما الركن فإنه لا يسقط بالسهو إذا سهى عنه فلا بد أن يأتي به وبما بعده لأنه ركن ولا يقوم البناء إلا بأركان البيت هذا هو الفرق فلو فرض أن رجلاً ترك السجدة الثانية ثم قام وذكر بعد القيام أنه ترك السجدة الثانية نقول له ارجع واجلس بين السجدتين واسجد السجدة الثانية ثم أتم الصلاة وسلم ثم اسجد سجدتين بعد السلام ولو فرض أنه ترك السجدة الثانية ولم يتذكر إلا حين وصل إليها من الركعة الثانية فإن الركعة الأولى تلغى وتكون الركعة الثانية بدلاً عنها ويكمل عليها ويسجد للسهو بعد السلام.
***(8/2)
ماحكم قراءة الفاتحة في الصلاة وإذا أدرك الرجل الركوع مع الإمام ولم يقرأ الفاتحة هل تحسب له ركعة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح عندي أن قراءة الفاتحة في الصلاة ركن على الإمام والمأموم والمنفرد لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وسواء كانت الصلاة سرية أم جهرية لحديث عبادة بن الصامت الذي رواه أهل السنن أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم انفتل يوما من صلاة الفجر فقال (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وتجب قراءتها في كل ركعة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم المسيء في صلاته الصلاة ثم قال افعل ذلك في صلاتك كلها لكنها تسقط عن المأموم المسبوق فيما إذا جاء والإمام راكع فإنه يكبر للإحرام ثم يركع وتسقط عنه في هذه الحال قراءة الفاتحة وكذلك لو جاء قبيل الركوع ثم دخل في الصلاة فكبر واستفتح وشرع بقراءة الفاتحة ثم ركع الإمام قبل أن يتمكن من قراءتها فركع مع الإمام فإنها في هذه الحال يسقط عنه ما بقي من الفاتحة لأنه لم يدرك الركن الذي يتمكن فيه من القراءة ويدل لذلك أن أبا بكرة رضي الله عنه جاء والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكع فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم سأل من الفاعل فقال أبو بكرة أنا فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (زادك الله حرصا ولا تعد) ولم يأمره بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها فدل ذلك على أنه يكون مدركا للركعة وأنه لا تلزمه قراءة الفاتحة في مثل هذه الحالة.
***(8/2)
هل يجب على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام أم أن قراءة الإمام هي قراءة له ومتى تسقط الفاتحة عن المأموم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن المأموم يجب عليه أن يقرأ الفاتحة كما يجب ذلك على الإمام والمنفرد لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولا فرق بين الصلاة الجهرية والسرية لعموم الأدلة ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى ذات يوم بأصحابه صلاة الصبح فلما انصرف قال (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وصلاة الصبح صلاة جهرية فإن قال قائل ماذا تقول في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فالجواب أن هذه الآية عامة وحديث (لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) خاص فيخص به عموم الآية ويستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فإنه لا بد منها ولو كان الإمام يقرأ أما قراءة غير الفاتحة فلا تجوز إذا كان الإمام يقرأ لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تفعلوا إلا بأم القرآن) وتسقط الفاتحة عمن دخل مع الإمام وهو راكع ففي هذه الحالة يكبر الداخل تكبيرة الإحرام قائماً ثم يركع وكذلك لو دخل معه قبل الركوع ولكن لم يتمكن من إكمال القراءة لأن الإمام قريبٌ من الركوع فركع قبل أن يتم الداخل قراءة الفاتحة فإنها تسقط عنه في هذه الحال لأن قراءة الفاتحة إنما تجب حال القيام فإذا سقط القيام من أجل متابعة الإمام سقط الذكر الواجب فيه.
***(8/2)
كيف نقرأ الفاتحة والإمام يقرأ جهراً علماً بأن الإمام لا يعطي سكتة بين قراءة الفاتحة والسورة التي بعدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يوجه فيه الجواب إلى كل من الإمام والمأموم إما الإمام فإنه ينبغي له أن يسكت سكتة لطيفة بعد قراءة الفاتحة وقبل قراءة السورة التي بعدها كما روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سمرة بن جُنْدُبْ رضي الله عنه وهو حديث حسن بل وصفه الحافظ ابن حجر في فتح الباري بأنه ثابت ولأنه إذا سكت هذه السكتة اللطيفة شرع المأموم في قراءة الفاتحة واستمر عليها وأما السكوت سكوتاًَ طويلاً حتى يقرأ المأموم الفاتحة فإن هذا لا دليل عليه من السنة فيما أعلم فإذا شرعت في الفاتحة وهذا الذي يوجه إلى المأموم فاستمر عليها وأتمها ولو كان إمامك يقرأ لأن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الصبح وكانوا يقرؤون معه فلما انصرف قال لهم (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها) فالمأموم يقرأ الفاتحة ولو كان إمامه يقرأ أما ما سوى الفاتحة فلا يقرؤه المأموم إذا كان يسمع قراءة إمامه ولا تسقط الفاتحة عن المأموم إلا في حالة واحدة فقط وهي ما إذا جاء والإمام راكع فإنه في هذه الحال يكبر تكبيرة الإحرام ويركع مع الإمام حتى لا تفوته الركعة وتكبيرة الإحرام هنا واجبة بل ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها فيكبر وهو قائم معتدل ثم إن كبر عند هويه إلى الركوع فهو أفضل وإن لم يفعل فلا حرج فالمسبوق الذي يأتي والإمام راكع تسقط عنه الفاتحة وكذلك لو أتى ودخل مع الإمام وشرع في قراءة الفاتحة ثم ركع الإمام وخاف إن أتم الفاتحة أن تفوته الركعة ففي هذه الحال يركع مع الإمام وتسقط عنه الفاتحة ودليل ذلك حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع في المسجد فأسرع رضي الله عنه ودخل في الصلاة قبل أن يصل إلى الصف فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الفاعل فقال أبو بكرة أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ) أي لا تعد إلى ما فعلت والذي فعله أبو بكرة رضي الله عنه ثلاثة أمور أولاً أنه أسرع والثاني أنه ركع قبل أن يدخل في الصف والثالث أنه ركع مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يقرأ الفاتحة واعتَدَّ بالركعة ولننظر إلى أي شيء يعود النهي من هذه الثلاثة وذلك بأن نَرْجِعَ إلى السنة فإذا رجعنا إلى السنة وجدنا أنه يعود إلى الأمرين الأولين وهما الإسراع والدخول مع الجماعة قبل الوصول إلى الصف أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولاتسرعوا وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فقال ولا تسرعوا وأما الثاني فلأن المصافة واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمنفرد خلف الصف فإذا دخل في الصلاة قبل أن يصل الصف فقد دخل في الصلاة قبل أن يقوم بواجب المصافة وأما الثالث أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم حيثما أدركه فهذا لا نهي فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وبهذا التقرير يتبين أن الفاتحة تسقط عن المأموم في مثل هذه الحال.
***(8/2)
متى يقرأ المأموم ومتى يستمع لإمامه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المأموم لا يقرأ وإمامه يقرأ إلا سورة الفاتحة فقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الصبح فلما انصرف قال أيكم الذي نازعني القراءة أو كلمة نحوها ثم قال عليه الصلاة والسلام (لا تقرؤوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقرؤوا وهو يقرأ إلا الفاتحة وعلل ذلك بأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وعلى هذا إذا دخل الإنسان مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة فإنه يسكت لا يستفتح فإذا أتم الإمام الفاتحة استفتح وتعوذ ثم شرع في قراءة الفاتحة واستمر في قراءتها ولو بدأ الإمام يقرأ السورة التي بعد الفاتحة لأن الفاتحة مستثناة ولو دخل والإمام يقرأ في السورة التي بعد الفاتحة فهنا لا يستفتح لأن النبي صلى الله عليه وسلم (قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن) ولكن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقرأ الفاتحة لأن الاستعاذة تابعة للقراءة كما قال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
***(8/2)
حمود السبيعي من جدة المملكة العربية السعودية يقول كيف نجمع بين الأحاديث (لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وقول الرسول صلوات الله عليه وسلامه (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداجٌ. فهي خداجٌ) فهي خداج مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الأخرى (من كان له إمامٌ فقراءة الإمام له قراءة) وحديث (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن من المهم لطالب العلم خاصة أن يعرف الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض ليتمرن على الجمع بين الأدلة ويتبين له عدم المعارضة لأن شريعة الله لا تتعارض وكلام الله تبارك وتعالى وما صح عن رسوله لا يتعارض أيضاً وما ذكره السائل من الأحاديث الأربعة التي قد يظهر منها التعارض فيما بينها فإن الجمع بينها ولله الحمد ممكنٌ متيسر وذلك بأن نحمل الحديثين الأخيرين (من كان له إمامٌ فقراة الإمام له قراءة) إن صح فإن بعض أهل العلم ضعفه وقال لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مرسل فإن هذا العموم (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) يخصص بحديث الفاتحة (لاصلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) فيكون قراءة الإمام فيما عدا سورة الفاتحة له قراءة وكذلك أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا قرأ فأنصتوا) يحمل على ما عدا الفاتحة ويقال إذا قرأ في غير الفاتحة وأنت قد قرأتها فأنصت له ولا تقرأ معه لأن قراءة الإمام قراءةٌ لك هذا هو الجمع بين الحديثين والأخذ بالحديثين الأولين وهو (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) و (كل صلاة لا يقرأ فيها أم القرآن فهي خداج) أحوط لأن القارئ يكون قد أدى صلاته بيقين دون شك يقرأ الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ وفي السنن من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الصبح فلما انصرف قال لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها.
***(8/2)
من الجمهورية العراقية محافظة دهوك المستمع رمز لاسمه بـ م ج ح يقول في رسالته هل المأموم يقرأ الفاتحة أم ينصت ويسمع القرآن كما قال الله تعالى في كتابه العزيز (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إذا كبر الإمام فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا) رواه مسلم وعلى هذا يحمل حديث (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) أي أن قراءة الإمام له قراءة في الصلاة الجهرية نرجو من فضيلتكم أن تبينوا هذا للإخوة المستمعين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة وهي قراءة المأموم خلف الإمام مختلف فيها عند أهل العلم والراجح عندي فيها ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله وجماعة من أن قراءة الفاتحة لا بد منها على كل مأموم في الصلاة السرية والجهرية لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج فهي خداج فهي خداج) أي فاسدة وهذا في الصلاة عامة لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم منها شيئاً ألا أن أصحاب السنن أخرجوا من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الصبح فلما انصرف قال (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم قال لا تفعلوا ألا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وهذا يدل على أن قراءة الفاتحة واجبة حتى في الصلاة الجهرية وهو القول الراجح عندي فأما قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فهو عام ومن المعلوم أن العام قد يخصص فتكون الآية هنا مخصصة بحديث عبادة بن الصامت الذي أشرنا إليه آنفاً ولا تسقط قراءة الفاتحة عن المأموم إلا إذا لم يدركها حال قيام الإمام وهو المسبوق إذا جاء والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام قائماً ثم يركع بتكبيرة ثانية للركوع وإن لم يكبر فلا حرج عليه وفي هذه الحال تسقط عنه الفاتحة ودليل ذلك حديث أبي بكرة رضي الله عنه حين جاء والنبي عليه الصلاة والسلام راكع فأسرع ثم ركع قبل أن يدخل في الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي عليه الصلاة والسلام وسأل من فعل ذلك فقال أبو بكرة أنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (زادك الله حرصاً ولا تعد) أي لا ترجع إلى مثل هذا العمل ومراده صلى الله عليه وسلم ألا يرجع إلى الإسراع والركوع قبل أن يصل إلى الصف لا ألا يرجع إلى دخوله مع الإمام إذا أدركه راكعاً بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فإن قوله فإن (ما أدركتم فصلوا) يعم مثل هذه الصورة أي يعم إذا جاء والإمام راكع فإنه يركع ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرة أن يقضي تلك الركعة التي أدرك فيها الركوع وهو دليل على أن الفاتحة في مثل هذه الحال تسقط عن المأموم وهو الحق وعلى هذا فنقول إن قراءة الفاتحة واجبة على كل مصلى إماماًَ كان أو مأموماًَ أو منفرداًَ وفي الصلاة الجهرية والسرية إلا إذا أدرك الإمام راكعاً أو أدركه قائماً لكنه لم يقرأ الفاتحة حتى ركع الإمام وخاف أن يفوته الركوع ففي هذه الحال تسقط عنه.
***(8/2)
هذا السائل صلاح محمد يقول هل قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية واجبة على المأموم أم تكفيه قراءة الإمام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن قراءة المأموم الفاتحة واجبة سواء في الصلاة السرية أو الجهرية لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولما في السنن من حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم انصرف من صلاة الصبح وقال (مالي أنازع القرآن لعلكم تقرؤون خلف إمامكم) قالوا (نعم) قال (لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) وعلى هذا فيجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة كاملة سواء في الصلاة السرية أو في الجهرية إلا أنها تسقط عن المسبوق يعني إذا جاء الإنسان والإمام راكع فكبر تكبيرة الإحرام ثم ركع فإن الفاتحة في هذه الحال تسقط عنه لأنه لم يدرك القيام الذي تجب فيه الفاتحة ولهذا لما دخل أبو بكرة رضي الله عنه المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع أقبل مسرعا ثم ركع قبل أن يصل إلى الصف فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد انتهاء الصلاة (زادك الله حرصا ولا تَعُدْ) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقضاء الركعة التي لم يدرك قراءة الفاتحة فيها وكذلك لو جاء الإنسان والإمام قائم ثم كبر للإحرام واستفتح وشرع في الفاتحة ثم ركع الإمام فإنه يركع معه ويسقط عنه بقية الفاتحة لعدم إدراك قيام يتمكن فيه من قراءتها.
***(8/2)
السائل محمد الدعيجي من جدة يقول في هذا السؤال هل يجوز التوافق عند قراءة الفاتحة عندما يبدأ الإمام في القراءة في الصلاة وأبدأ أنا معه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن لا تقرأ مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة اقرأ إذا خلَّص وذلك أنه إذا خلص من الفاتحة فالغالب أنه يسكت سكوتاً ربما يتمكن المأموم من قراءة نصف الفاتحة قبل أن يبدأ في السورة التالية ثانياً أنه إذا قرأ والإمام يقرأ في السورة بعد الفاتحة فقد اشتغل بواجبٍ عن مستحب وأما إذا قرأ والإمام يقرأ الفاتحة فهنا قد اشتغل عن واجب بما ليس بواجب فلهذا نقول الأفضل للمأموم أن لا يقرأ مع الإمام وهو يقرأ سورة الفاتحة بل ينتظر حتى يخلص.
***(8/2)
من القصيم عنيزة سائل يقول ما حكم قراءة الفاتحة على المأموم وهل يشترط للقارئ أن يسمع نفسه في قراءة الفاتحة في الصلاة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن قراءة المأموم للفاتحة واجبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) وهو حديث ثابت صحيح وهو عام لم يستثن منه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، وكذلك في السنن من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم انصرف فقال لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم، قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، وأما إسماع القارئ نفسه فإنه لا يجب على القول الراجح إذا أبان الحروف، متى أبان الحروف ونطق بالحرف كاملاً فإنه يكون قد قرأ وتصح قراءته وإن لم يسمع نفسه، بل إنه إذا كان مأموماً وحاول أن يسمع نفسه فربما يشوش على غيره أحياناً، لأن بعض الناس عندما يقول أريد أن أسمع نفسي تجده يسمعه من بجنبه وهذا يشوش على إخوانه فقد خرج النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال صلى الله عليه وسلم (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة أو قال في القرآن) .
***(8/2)
يقول السائل مأموم نسي قراءة الفاتحة في إحدى الصلوات السرية فهل عليه بعد سلام إمامه أن يأتي بركعة أم تكفي قراءة الإمام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم وبناء عليه فإذا نسي المأموم أن يقرأ الفاتحة في إحدى الركعات فإن هذه الركعة تلغى ويأتي بدلها بركعة بعد سلام إمامه فإذا أدرك الإمام في أول ركعة ونسي أن يقرأ الفاتحة في هذه الركعة مثلاً فإنه إذا سلم الإمام يجب عليه أن يأتي بركعة بدلاً عن الركعة التي ترك فيها قراءة الفاتحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولقوله (كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج) يعني فاسدة وإنما لم نقل ببطلان الصلاة كلها لأنه كان ناسياً ولو تعمد أن يدع قراءة الفاتحة فإن صلاته تكون باطلة.
***(8/2)
يقول السائل إذا شك خلال قراءته في السورة أنه لم يأتِ بالفاتحة ولم يترجح عنده أنه أتى بها أم لم يأتِ فهل يأتي بالفاتحة دفعاً لهذا الشك أم يستمر في قراءة السورة ويسجد للسهو لدفع الشك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه أن يأتي بالفاتحة ما دام عنده شك ولكن بشرط أن لا يكون هذا كثير الشكوك فإن كان كثير الشكوك أو كان الشك عنده مجرد وهمٍ لا أصل له فإنه لا يعتبر بهذا الشك لأن من الناس من يكون كلما صلى شك في الزيادة أو في النقص أو في النية أو في التكبير وما أشبه ذلك فهذا إذا كان هذا شأنه في جميع صلواته فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك لأنه وسواس والوسواس ربما يفسد على الإنسان عبادته إذا استرسل معه.
***(8/2)
يقول السائل يحصل لي كثيراً في الصلاة خلف الإمام وخاصة الجهرية شك في كوني هل قرأت الفاتحة بعد انتهاء الإمام منها أم لا وأضطر لإعادتها والإمام يقرأ وهذا يحصل لي كثيراً وللأسف فهل علي شيء في ذلك وما حكم الصلوات الماضية التي صلىتها بهذه الصفة هل يخل بها هذا الشيء أم لا وأرشدونا بارك الله فيكم إلى ما تحصل به المتابعة وعدم شرود الذهن في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السائل كما سمع الناس يقول إن هذا الشك يحصل معه كثيراً والشكوك الكثيرة يجب تركها وعدم الالتفات لها لأنها تلحق الإنسان بالموسوس ولا يقتصر الشيطان على تشكيكه في ذلك بل يشككه في أمور أخرى حتى أنها قد تبلغ به الحال إلى أن يشككه في طلاق زوجته وبقائها معه وهذا خطير على عقل الإنسان وعلى دينه ولهذا قال العلماء إن الشكوك لا يلتفت إليها في ثلاث حالات الأولى أن تكون مجرد وهم لا حقيقة لها فهذه مطرحة ولا يلتفت إليها إطلاقاً والثانية أن تكثر الشكوك ويكون الإنسان كلما توضأ شك وكلما صلى شك وكلما فعل فعلاً شك فهذا أيضاً يجب طرحه وعدم اعتباره والحال الثالثة إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة فإنه لا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر مثال ذلك لو شك بعد أن سلم من صلاته هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في رباعية فإنه لا يتلفت إلى هذا الشك لأن العبادة قد فرغت إلا إذا تيقن أنه لم يصلّ إلا ثلاثاً فليأتِ بالرابعة ما دام الوقت قصيراً وليسجد للسهو بعد السلام المهم أن هذه ثلاث حالات لا يلتفت إلى الشك فيها الأولى أن يكون الشك وهماً لا حقيقة له والثانية أن تكثر الشكوك مع الإنسان الثالثة أن يكون ذلك بعد الفراغ من العبادة وعلى هذا فنقول لهذا السائل لا تلفت إلى هذا الشك وإذا شككت هل قرأت الفاتحة بعد قراءة الإمام لها أم لم تقرأ فلا تلتفت إلى هذا والأصل أنك قرأت ولا تعدها مرة أخرى لأن الشيطان قد يلقي في قلبك أنك لم تقرأها من أجل أن يلهيك عن استماع قراءة الإمام
***(8/2)
سائل يقول كثرة الهواجس في الصلاة والسرحان ما أسبابها وهل الصلاة في هذه الحالة تكون صحيحة وما الأسباب المعينة للخشوع في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أسباب كثرة الوساوس من الشيطان فإن الشيطان إذا دخل للإنسان في الصلاة أشغل قلبه فقال له اذكر كذا اذكر كذا في يوم كذا فإذا أحس به الإنسان فليتفل عن يساره ثلاث مرات يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهذا الدواء أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومتى فعله الإنسان بصدق وإيمان أذهب الله عنه ما يجده من الوسوسة في صلاته هذا هو سبب الهواجس في الصلاة وهذا هو الدواء منه أما هل تصح الصلاة مع الوسواس فإذا كان الإنسان يدافعه فإنه لا يضره وصلاته صحيحة وإن استرسل معه فإن أكثر أهل العلم يقولون إن صلاته صحيحة وبعض العلماء يقول إذا غلب على أكثر الصلاة فصلاته باطلة والصواب أن الصلاة صحيحة لكنها ناقصة بقدر ما حصل من الوساوس التي فعلها والتي حصلت لهذا المصلى.
***(8/2)
المستمعة ص. ق. من الخرج تقول في سؤالها بأنها فتاة تحمد الله بأنها مؤمنة ولكن مشكلتها بأنها في أثناء أداء الصلاة تسهو وتقرأ في الجلوس والسجود الفاتحة وبعض السور وتأخذها السرعة في أثناء تأديتها للصلاة فهل عليها شيء في ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أنه يجب على الإنسان أن يحاول طرد هذه الشكوك وهذه الوساوس حتى يكون حاضر القلب في صلاته مطمئناً فيها يعلم ما يقول وما يفعل، ولهذا نهى الله تعالى أن يقرب الإنسان الصلاة حتى يعلم ما يقول، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بحضرة الطعام وعن الصلاة حال مدافعة الأخبثين البول والغائط كل هذا من أجل تحقيق حضور القلب والخشوع في الصلاة، ونصيحتي لهذه المرأة المصابة بهذا الداء أن تفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أحست بالوسوسة والهواجيس فلتتفل عن يسارها ثلاث مرات وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعلت ذلك بإيمان وإخلاص واحتساب للشفاء من هذا المرض فإن ذلك ينفعها، وأما إن انسابت مع هذه الهواجيس والوساوس فإن الشيطان سوف يلعب عليها ويبقيها دائماً في حيرة وقلق حتى ربما تذهب الصلاة كلها وهي لا تدري ما تقول.
***(8/2)
المستمعة ن. ع. من الزلفي تقول أنا أعاني من كثرة الوساوس وبالخصوص في الصلاة والوضوء فعندما أتوضأ أشك في وضوئي فأعيده كذلك في الصلاة أحياناً أشك بعدم قراءتي للفاتحة أو غير ذلك ما الحل أرشدوني مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحل أن يتعوذ الإنسان من الشيطان الرجيم إذا حصلت له هذه الشكوك وألا يلتفت إليها وأن يعرض عنها إعراضاً تاماً وقد أرشد إلى مثل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين (شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فإذا توضأت وشككت هل أنت أتممت الوضوء أم لم تتميه فالأصل الإتمام لا تلتفتي وإذا شككت أنك نويت أم لم تنوي فالأصل النية وإذا شككت سميت أم لم تسمي فالأصل التسمية وأقول هذا فيمن ابتلي بالوسواس لأن الذي ابتلي بالوسواس لا تكون شكوكه إلا وهماً ليس لها أساس وعلى هذا فلا تلتفتي إلى مثل هذه الشكوك أبداً لا في الصلاة ولا في الوضوء وأنا أظن كما هو الواقع كثيراً أنك إذا ضغطتي على نفسك ولم تلتفتي إلى هذا الوسواس فستجدين مشقة وضيقاً وألماً نفسياً ولكن هذا يزول قريباً فاصبري عليه وفي مدة يسيرة يزول.
***(8/2)
السائلة تقول بأني أغسل العضو المراد غسله في الوضوء أكثر من المطلوب بسبب الوسواس وأيضا في الصلاة أعيد قراءة الفاتحة أكثر من مرة وأكرر أيضا التسليم عدة مرات وفي إحدى المرات دار خلاف بيني وبين زوجي حول هذا الموضوع فقال بأن هذا محرم فما رأيكم فضيلة الشيخ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن الزيادة في الوضوء على ثلاث من تعدي حدود الله وقد قال الله تبارك وتعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه توضأ مرة مرة) (ومرتين مرتين) (وثلاثا ثلاثا) وقال (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) وكذلك يقال في الصلاة لا يكرر المصلى أذكار الصلاة أكثر من مرة إلا ما وردت به السنة فلا يكرر الفاتحة ولا التكبيرة ولا قراءة سورة مع الفاتحة وأما ما ورد فيه التكرار كالتسبيح في الركوع وفي السجود فلا بأس به يكرر ما شاء وإني أنصح هذه المرأة من التمادي في الوسواس وأقول إنه ربما تصل إلى حال شديدة لأن الشيطان يستدرج بني آدم من الأصغر إلى الأكبر والعياذ بالله فعليها أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وألا تزيد على ما جاءت به الشريعة لا في وضوئها ولا في صلاتها.
***(8/2)
السائل علي حمدي يقول في هذا السؤال الصلاة الجهرية إذا كان المصلى منفرداً هل يجهر في موضع الجهر وهل للنساء الجهر وإذا ترك الجهر بدرجاته المعروفة هل يسجد للسهو وكيف مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة الجهرية في الجماعة السنة فيها أن يجهر الإمام بالقراءة قراءة الفاتحة وما تيسر وأما المنفرد فإنه بالخيار إن شاء جهر وإن شاء أسر لكن إذا كان يقضي ما فاته فإن القول الراجح أن ما أدركه مع الإمام هو أول صلاته فإن كان أدرك مع الإمام ركعتين فقد فاته محل الجهر وإن كان أدرك ركعة فإن الجهر عنده في أول ركعة يقضيها فإن شاء أسر وإن شاء جهر لكن الأفضل الإسرار لئلا يشوش على الناس أما بالنسبة للنساء فالأفضل في حقهن الإسرار لكن إذا كن يصلىن في بيوتهن فلهن أن يجهرن بالصوت إذا كان لا يسمعهن أحد من غير المحارم.
***(8/2)
المستمع راشد منصور محمد يعمل بالعراق مصري الجنسية يقول فضيلة الشيخ إنسان جاهل لا يكتب ولا يقرأ ويريد أن يصلى ولم يحفظ من القرآن الكريم إلا الفاتحة فقط هل تجوز صلاته بدون قراءة التحيات وبعض آيات من القرآن وهل بذلك تكون صلاته مقبولة عند الله عز وجل أرجو التفضل بالإجابة مشكورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن لدينا قاعدة ثابتة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين وهي أن الإنسان يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، قال الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن: من الآية16) وقال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: من الآية286) وقال تعالى (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (المؤمنون: من الآيتين61-62) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا السائل ذكر أنه لا يعرف من أقوال الصلاة المشروعة إلا الفاتحة فعليه أن يقرأ الفاتحة لأنها ركن، ولكن لا أدري كيف يعرف الفاتحة ولا يعرف أن يقول سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود والله أكبر في الانتقالات وسمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد في الرفع من الركوع، كيف يكون هذا فلعل السؤال كان فيه شيء من الالتباس نعم ربما لا يعرف التحيات لأنها طويلة فإذا كان لا يعرفها فإنها تسقط عنه، لكن يجب عليه أن يتعلمها بقدر المستطاع ولا يحل له أن يفرط ويدعها والذي سهل عليه قراءة الفاتحة فإنه سيسهل عليه قراءة التشهد ولكن يظهر أن الرجل لم يتيسر له من يعلمه التشهد فليطلب من يعلمه التشهد ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرا.
***(8/2)
يقول السائل أصيبت والدتي بارتفاع في ضغط الدم فنتج عن ذلك شلل نصفي بحيث إنها لا تستطيع أن تحرك أعضاءها اليمنى وضعفت ذاكرتها فأصبحت تنسى بعض الآيات القرآنية وكذلك الفاتحة وكذلك بعض الأذكار التي تقال في الصلاة وثقل لسانها عن الكلام بحيث إنها لا تستطيع التفوه بالكلمة إلا بعد جهد كبير فالسؤال ما حكم صلاة والدتي إن تركت بعض الآيات أو الفاتحة أو بعض الأذكار الواجبة في الصلاة بعد اجتهادها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إذا كانت لا تستطيع إلا هذا فهي معذورة لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) لكن لتحرص غاية الحرص على أن تأتي بالفاتحة والأذكار الواجبة بقدر المستطاع ولو أن يكون عندها أحد يذكرها أما الشيء المستحب كقراءة ما زاد على الفاتحة وقراءة ما زاد على سبحان ربي الأعلى في السجود وسبحان ربي العظيم في الركوع وما أشبه ذلك فلا بأس بتركه.
***(8/2)
يقول السائل لديه عمة لا تسمع وصلاتها عبارة عن تكبير وتحميد ودعاء دون أن تقرأ بأي سورة ولا فاتحة الكتاب ولا غير ذلك يقول وأنا عاجز عن تعليمها لعدم سمعها فهل صلاتها صحيحة وهل آثم في أني لم أعلمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما صلاتها فصحيحة لقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وأما أنت فلا تأثم لأنك تقول لو علمتها لم تفهم فكيف تؤاخذ على شيء لا تقدر عليه ولا فائدة منه ويكفيها أن تسبح وتهلل وتكبر ونسأل الله لها ولنا القبول.
***(8/2)
يقول عندنا عجوزكبيرة في السن ما يقارب من ثمانين عاماً صحتها جيدة تصوم وتصلى ولكن عند سؤالها ماذا تقرأ في الصلاة تبين لهم أنها لا تعرف قراءة الفاتحة ولا التحيات ولا التسبيح ولا عدد الركعات وعند محاولة تعليمها لم تستجب لذلك وكذلك حاول معها بقية الإخوة ولكنهم لم يجدوا نتيجة وقالت هذه صلاتي لا أعرف غيرها أرجو النصح والتوجيه في مثل هذه المسألة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة قد تقع لأن الناس في أزمنة مضت عندهم جهل كثير لا يعرفون من العبادات إلا ما توارثوه بينهم وبعد أن انتشر العلم واتجه الناس إلى تحقيق العمل به تبين خلل كثير في العبادات السابقة فنقول ما مضى من هذه المرأة من الصلوات فصحيح وإن لم تكن قد قامت بما يجب عليها فيها لأنها معذورة بالجهل وأما ما يستقبل فالواجب عليها أن تتعلم أمر دينها وأن تعمل بما علمت من دين الله ونصيحتي لها أن تتقي الله عز وجل وألا تتهاون بالصلاة فإنها إن ماتت على هذه الحال بعد أن بلغها العلم وعرفت الحق فإنها على خطر عظيم لأنها لن تموت على السنة فمن صلى وهو لم يقرأ الفاتحة ولا التشهد ولا يعرف كيف يسبح فلا صلاة له لا شك في هذا لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولقوله في حديث المسيء في صلاته (اركع حتى تطمئن راكعاً واسجد حتى تطمئن ساجداً) وأنصح من يقومون على هذه المرأة أن يكرروا عليها تكراراً أكيداً ملزماً بأن تقوم بما يجب عليها من الصلاة المفروضة حسب ما جاءت به الشريعة ومع التكرار والنصح والترغيب في الخير والترهيب من المخالفة يهدي الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده.
***(8/2)
حسين عبد الرحمن عبد الله من أبها من سراة عبيدة يقول إن لدي جدة جاوز عمرها مائة وأربعين عاما ولا تزال على قيد الحياة وتسير على مسافات قصيرة ولكنها تجهل بعض واجبات الصلاة وحاولت أن أعلمها التشهد والفاتحة وبعض سور القرآن القصيرة وما تقول في صلاتها لكن لم يعد بوسعها أن تفهم جيداً وذلك لأنها تنسي بعد يومين ما أقوله لها فهل يلحقني منها ذنباً حيث إنني متعلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلحقك منها ذنب إذا قمت بواجب التعليم عليك فإذا علمتها ونسيت فإنه ليس عليك منها ذنب لكن أعد التعليم عليها مرةً بعد أخرى وينبغي أن تحرص عليها حرصاً بالغاً لا سيما وهي بلغت من الكبر عتياً فتحتاج إلى متابعة وإلى تعليم حتى لا تنسى وما ليس في وسعك من تعليمها فإن الله تعالى لا يكلفك به لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) .
***(8/2)
رسالة بعث بها مستمع للبرنامج غرم الله المالكي يقول إذا قال الإمام إياك نعبد وإياك نستعين في قراءة الفاتحة قال المأموم استعنا بالله ما مدى صحة ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع في حق المأموم أن ينصت لقراءة إمامه ويستمع إليها لقوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قرأ فأنصتوا) فهذا هو المشروع في حق المأموم ولا يدعو بين الآيات التي يقرأ بها إمامه لأن ذلك خلاف الإنصات ثم إن قوله استعنا بالله لا معنى له في هذا المكان لأن الإمام يخبر بأنه يعبد الله ويستعينه وهو يؤم هؤلاء فخبره خبرٌ عن نفسه وعمن وراءه فيكون الإمام بقوله إياك نعبد وإياك نستعين قائلاً بذلك عن نفسه وعن من وراءه ولهذا إذا ختم الفاتحة قال آمين وقلنا نحن آمين أيضاً مما يدل على أن قراءته التي يجهر بها قراءةٌ لنا ثم إن المأموم سوف يقرأ الفاتحة بعد فراغ إمامه منها لأنها ركن في حقه كما هي ركن في حق غير المأموم لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم صلاة الفجر فلما انصرف قال (لعلكم تقرؤون خلف إمامكم قالوا نعم قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) فإذا كنت ستقرؤها أيها المأموم فلا حاجة إلى أن تقول استعنت بالله ثم إنا نقول الآية فيها عبادةٌ واستعانة فكيف تقول استعنا بالله ولا تقول عبدنا الله فتفرق بين شيئين جمع الله بينهما والحاصل أن هذه الكلمة لا معنى لها إطلاقاً وينبغي لمن سمع أحد المأمومين يقولها أن يبين له أن ذلك غير مشروع.
***(8/2)
يقول إذا كان الإمام في صلاةٍ جهرية فإنه يوجد بعض المصلىن يقول عند قول الإمام (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يقول استعنت بالله وعند الإقامة يقولون أقامها الله وأدامها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول وهو قول المأموم إذا قرأ الإمام (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فإن هذا لا أصل له ولا نحتاج أن نقوله ولأن الإمام سوف يختم قراءة الفاتحة ويؤمن المأمومون على دعائه فلا حاجة إلى أن يقول السائل استعنا بالله وأما الثاني وهو أن يقول عند الإقامة أقامها الله وأدامها فإن هذا قد روي فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفه بعض أهل العلم وحسنه بعضهم فإذا قالها الإنسان فلا حرج وإن ترك ذلك فلا حرج.
***(8/2)
عبد الله ناصر يقول أسمع كثيراً من المصلىن في كثير من المساجد عندما يذكر الإمام الآية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يقولون استعنا بالله ويقومون برفع أصواتهم عندما يقرأ الإمام وأيضاً عند قول الإمام (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) يقولون عليهما السلام،كما أنه عندما ينتهي الإمام من أي سورة في القرآن ليركع يقول أكثر المأمومين رب اغفر لي وارحمني وهكذا في كثير من الآيات فهل هذا من البدع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المأموم مشروع له أن ينصت لقراءة إمامه لقوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) (الأعراف: من الآية204) قال الإمام أحمد أجمعوا على أن هذا في الصلاة وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى الصحابة عن القراءة فيما يجهر فيه الإمام إلا بأم القرآن وعلى هذا فينبغي للمأموم أن ينصت لقراءة الإمام وأن لا يقول شيئاً، نعم لو سكت الإمام وقد مر بآية رحمة أو آية وعيد فللمأموم أن يستعيذ عند آية الوعيد وأن يسأل عند آية الرحمة، وأما قولهم استعنا بالله عند قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فهذه لا أصل لها ولا داعي لها ولا حاجة إليها لأنه سيقول الإمام (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7) وسيؤمنون على هذا الدعاء فلا حاجة إلى قول استعنا بالله، وأما قولهم عند قراءة الإمام (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الأعلى:19) عليهما السلام فهذا لا بأس به لأن هذا موضع سكوت الإمام ولا حرج في أن يقول المأموم عليهما السلام، وأما سؤال بعضهم المغفرة عند الانتهاء من القراءة قبل الركوع فهذا لا أصل له ولا وجه له ولا مناسبة له وتركه هو المشروع.
***(8/2)
عندما أقرأ سورة الفاتحة في الصلاة أقول في نهايتها آمين هل يجوز هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يشرع للإنسان إذا أتم قراءة الفاتحة في الصلاة أن يقول آمين لأن آخرها دعاء (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:6-7) والدعاء ينبغي أن يختم بآمين لأن آمين معناها اللهم استجب ثم إني أذكر إخواني المستمعين بأن الفاتحة هي أم القرآن والسبع المثاني وهي التي لا بد من قراءتها في الصلاة فلا صلاة لمن لم يقرأ بها وذلك لما تشتمل عليه من المعاني العظيمة ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فينبغي للإنسان حال قراءة الفاتحة في الصلاة أن يستحضر هذا المعنى العظيم فإن هذا من أسباب حضور القلب في الصلاة.
***(8/2)
هذا المستمع من السودان يقول هل أقرا سورة الفاتحة بعد ما يقول المأمومون آمين أم أقرأ الفاتحة بعدما يبدأ الإمام قراءة السورة التي بعد الفاتحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقرأ الفاتحة بعد أن تؤمن عليها مع الإمام يعني إذا قال الإمام ولا الضالين فقيل له آمين فاقرأ الفاتحة مباشرة من أجل أن يتوفر لك وقت أكثر لاستماع قراءة الإمام إذا قرأ بعد الفاتحة.
***(8/2)
التأمين على قراءة الإمام هل يكون بصوت مرتفع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التأمين خلف الإمام يكون بصوت مرتفع بالنسبة للرجال أما النساء فلا يرفعن أصواتهن بذلك لأنهن مأمورات بالستر وبعدم ظهور الصوت ويشير إلى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء) ولكن ليعلم أن الجهر بالتأمين ليس على سبيل الوجوب بل على سبيل الاستحباب فقط فلو أسر الإنسان بقول آمين فإنه لا يعد آثماً.
***(8/2)
هناك أناس لا يرفعون أصواتهم بالتأمين بعد قول الإمام ولا الضالين فما الأفضل في ذلك رفع الصوت أم خفضه في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الأفضل الجهر بآمين كما يذكر ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم خلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن وجد إنسانٌ يسر بذلك فهذا قد ذهب إليه بعض أهل العلم ولا ينكر عليه لكن يبين له أن الأفضل أن يجهر بقول آمين.
***(8/2)
القراءة في الصلاة(8/2)
المستمع محمد خير من سوريا يقول في رسالته هل يشترط الجهر بالصلوات الجهرية كلها وما هو الحكم فيما لو جهر الإنسان في الركعة الأولى وأسر في الثانية؟
الشيح: الإسرار بالقراءة في موضعه والجهر بالقراءة في موضعه من الصلوات سنة وليس بواجب لأن الواجب القراءة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) فإذا جهر الإنسان في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر فإن كان غرضه مخالفة السنة فلا شك أن هذا محرم وخطير جداً وإن كان لغرض آخر إما تهاوناً بالسنة وإما لسبب يقتضي الإسرار أو الجهر والظروف التي تقتضي ذلك لا نستطيع أن نحصرها في هذا المقام فإنه لا بأس به بل لو تعمد ترك الإسرار في موضع الإسرار أو ترك الجهر في موضع الجهر وليس قصده الرغبة عن السنة والهجر لها فإنه لا يأثم ولكنه فاته الأجر ولكن قد ثبت في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في السرية ربما يجهر بالآية حتى يسمعها من خلفه أحياناً فإذا فعل الإمام ذلك فلا حرج هذا بالنسبة للإمام أما بالنسبة للمأمومين فإنهم لا يجهرون بالقراءة لأن ذلك يشوش على الآخرين وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يقرؤون ويجهرون بالقراءة فقال صلى الله عليه وسلم (لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) أو قال في القراءة فمتى كان في رفع الصوت تشويش على الغير فإنه ينهى عنه وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس يفعلون شيئاً يحصل به التشويش وهم يريدون الإحسان إن شاء الله تعالى إذا أقاموا الجماعة فتحوا مكبر الصوت من على المنارة فتجدهم يشوشون على المساجد التي بقربهم وعلى المصلين في البيوت وربما أضروا بأناس آخرين يريدون الراحة لأنهم أدوا ما وجب عليهم فلنفرض أن في البيوت منهم مرضى وقد أدوا الصلاة ويريدون أن يستريحوا فتكون هذه الأصوات مقلقة لهم أحياناً وإذا كانت هذه الأصوات تشوش على المساجد الأخرى فإن الحديث الذي أشرنا إليه وقد رواه مالك في الموطأ وصححه ابن عبد البر حالهم هذه تنطبق عليه والذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام (لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) أو قال في القراءة ثم إن في رفع الصوت من على المنارة سبباً للكسل والتواني فإن الذين يسمعون هذا من أهل البيوت يقول الواحد في نفسه الإقامة (توها ويمديني) أدرك آخر ركعة ثم يمضي به الأمر حتى تفوته الصلاة لأنه يسمع الإمام فتجده يتهاون وتدعوه نفسه للكسل أما إذا كان ذلك لا يسمع فإن كل واحد يسمع الأذان سوف يتأهب للصلاة ويخرج إليها فالذي أرى في هذه المسألة أن لا ترفع الصلاة من على مكبرات الصوت فوق المنارة لما ذكرت من الحديث ومن العلل التي تستلزم أن لا ترفع الصلاة من هذه المنائر أما إذا أقيمت الصلاة بمكبر الصوت من أعلى المنارة فأرجو أن لا يكون في هذا شيء على أن بعض الناس اعترض وقال إن رفع الإقامة من على المنارة فيه أيضاً سبب للكسل لأن الإنسان إذا سمع الأذان انتظر وقال أبقى حتى تقام الصلاة ولكن الذي أرى أنه لا بأس به ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا) وهذا دليل على أن الإقامة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام تسمع من خارج المسجد فإن قيل قد تكون الجماعة كثيرة والمسجد واسعاً وصوت الإمام ضعيفاً لا يبلغ المأمومين فنقول يمكن أن يكون هناك مكبر صوت من داخل المسجد لا من على المنارة يحصل به المقصود.
***(8/2)
لماذا شرع الجهر بالتلاوة في صلاة المغرب والعشاء والفجر دون بقية الفرائض وما الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الدليل على جهر الإمام بالقراءة في هذه الصلوات الثلاث فأشهر من أن يذكر فالسنة مستفيضةٌ في ذلك مشهورة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء وكذلك يجهر في الفجر وأما الحكمة في ذلك فهي والله أعلم أنها صلاة ليلٍ ينبغي أن يتواطأ عليها الإمام والمأموم لأنه ربما يكون هذا أخشع للقلب وأبلغ للالتئام والتوافق ولهذا شرع الجهر في الصلاة النهارية إذا كان ذلك مجتمعاً كبيراً كصلاة الجمعة وصلاة العيدين والكسوف وأقول الكسوف لأن الأفضل في الكسوف أن يجتمع الناس على إمامٍ واحد كصلاة الجمعة فلو أن الناس في صلاة الكسوف اجتمعوا في الجوامع لكان أوفق وأفضل.
***(8/2)
عندما يصلى الإنسان وحده في صلاة جهرية هل يجهر بالقراءة أم هو مخير بذلك لأن كثيراً من الناس نراهم يجهرون بصلاتهم عندما يصلون وحدهم وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء رحمهم الله أن الإنسان إذا صلى وحده في صلاة الليل فهو مخير بين أن يجهر بالقراءة أو يسر بها ولكن إذا كان معه أحد يصلى فلابد من الجهر ودليل ذلك حديث حذيفة بن اليمان أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرع في سورة البقرة وكان لا تمر به آية رحمة إلا سأل ولا آية وعيد إلا تعوذ وقال حذيفة فظننت أنه يركع عند المائة أي عند إتمام مائة آية من البقرة فمضى حتى أتمها ثم قرأ بعدها سورة النساء وآل عمران يعني قرأ النساء بعد البقرة ثم آل عمران ثم ركع وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بذلك ولولا هذا ما علم حذيفة بما كان يقوله عند آية الرحمة وآية العذاب وآية التسبيح فإنه كان إذا مر بآية تسبيح سبح وهنا إشكالان في هذا الحديث.
الإشكال الأول هل تشرع صلاة التهجد جماعة أو لا وجواب هذا الإشكال أن يقال لا تشرع صلاة التهجد جماعة على وجه الاستمرار أما أحيانا فلا بأس فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى معه حذيفة كما في هذا الحديث ومرة أخرى صلى معه ابن عباس رضي الله عنهما ومرة ثالثة صلى معه عبد الله بن مسعود ولكنه عليه الصلاة والسلام لا يتخذ هذا سنة راتبه دائما ولا يشرع ذلك إلا في قيام رمضان فإذا كان أحيانا يصلى جماعة في التهجد فلا بأس وهو من السنة وأما ما يفعله بعض الإخوة من الشباب الساكنين في مكان واحد من إقامة التهجد جماعة في كل ليلة فهذا خلاف السنة.
الإشكال الثاني في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ سورة النساء بعد البقرة ثم آل عمران والذي بين أيدينا أن آل عمران بعد البقرة والنساء بعد آل عمران فكيف يكون الأمر الجواب أن نقول استقر الأمر على أن تكون آل عمران بعد البقرة ولهذا تأتي الأحاديث في بيان فضائل القرآن بجمع البقرة وآل عمران مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غماماتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما يوم القيامة) فكان الأمر على الترتيب الموجود الآن في المصحف.
***(8/2)
ما حكم أداء الصلوات الجهرية سراً مع العلم أن الذي يقرأ سراً هو الإمام فهل يجوز ذلك أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز ذلك لأن الواجب قراءة الفاتحة وقد حصل لكن الأفضل الجهر في الصلاة الجهرية والإسرار في الصلاة السرية على أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة السرية صلاة الظهر والعصر أنه يسمع الآية أحياناً فينبغي أن يسمع الإمام الآية أحياناً في صلاتي الظهر والعصر وأما الصلاة الجهرية فيصلىها جهراً أفضل من كونها سراً حتى لو قضاها في النهار فإنه يجهر بها كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ناموا عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم وصلى بهم كما يصلى كل يوم فجهر بالقراءة في قضائه.
***(8/2)
هل الركعتان الأوليان في صلوات المغرب والعشاء والفجر جهريتان أي واجب رفع الصوت فيهما بالقراءة حتى لو كان المصلى منفرداً وبماذا نحكم على صلاة من لم يجهر بالقراءة فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية فلو أن الإنسان قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً فإذا قرأ الإنسان ما تجب قراءته سراً أو جهراً فقد أتى بالواجب لكن الأفضل فيما يسن فيه الجهر أن يجهر الإمام كالركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء وكصلاة الفجر وصلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الاستسقاء وصلاة التراويح وما أشبه ذلك مما هو معروف ولو تعمد الإنسان وهو إمام أن لا يجهر فصلاته صحيحه لكنها ناقصة أما المأموم إذا صلى صلاة جهرية فإنه يخير بين الجهر والإسرار وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به.
***(8/2)
عندما يكون الشخص في صلاة جهرية ولم يجهر بها ناسياً ولم يتذكر إلا في الركعة الثانية ماذا يلزمه حيال ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يتذكر أنه أسر في الركعة الأولى إلا في الركعة الثانية فليجهر في الركعة الثانية وأما في الثالثة أو الرابعة إن كانت الصلاة عشاءً فإنه لا يجهر لأن ما بعد التشهد الأول ليس فيه جهر ولكنه يسن له أن يسجد للسهو من أجل ترك الجهر لأن الجهر سنة تركها الإنسان سهواً فليسجد لذلك على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب.
***(8/2)
السائل مفلح عسيري من منطقة عسير يقول كنت أصلى وحدي صلاة المغرب سراً بمفردي ثم لحق بي مأموم وصلى بجانبي ولا أعلم به حتى وجدت أنه بجانبي وربما كان أكثر من شخص هل أجهر في الصلاة علماً بأنني قد تعديت الفاتحة أم أصلى صلاتي سراً أرجو الاجابة حول هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا شرع الإنسان في الصلاة وحده ثم دخل معه آخر أو أكثر فإنه لا حرج أن ينوي الإمامة بهم وإذا نوى الإمامة فإنه يفعل ما يفعله الإمام فإذا كانوا قد أدركوه في أول ركعة في صلاة جهرية فإنه يجهر بالقراءة وإذا أدركوه في الثانية جهر بالقراءة أيضاً وإذا أدركوه في الثالثة فإنه لا يجهر بالقراءة ولكن العلماء اختلفوا رحمهم الله فيما إذا بدأ الإنسان الصلاة منفرداً ثم دخل معه آخر أو أكثر هل يصح أن ينوي الإمامة بهم أو لا والصحيح أن ذلك جائز وأن الإنسان إذا شرع في صلاته منفرداً ثم دخل معه شخص أو أكثر فلا حرج أن ينوي بهم الجماعة.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج بقي له هذا السؤال يقول إذا أدركت الإمام في الركعة الثانية من صلاة العشاء هل أقضي هذه الركعة بفاتحة الكتاب وسورة جهراً باعتبار الركعة الأولى لي أم أقضيها بالفاتحة سراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن المسبوق يقضي ما فاته على أنه آخر صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وإتمام الشيء يكون في آخر الشيء وعلى هذا فإذا أدرك الإمام في الركعة الثانية من صلاة العشاء فقد أدرك مع الإمام ثلاثاً فإذا قام يقضي الباقي عليه وهي ركعة واحدة فإنه يقتصر فيها على قراءة الفاتحة فقط وتكون قراءته سراً لأن هذه الركعة هي آخر ركعة.
***(8/2)
المستمع إدريس من السودان يقول هل تجوز القراءة سراً في صلاة العصر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: القراءة في صلاة العصر سرية وكذلك في صلاة الظهر ولكنها في المغرب والعشاء والفجر والجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوف جهرية أما صلاة الليل فكانت جهرية من أجل أن يستمع الناس إلى قراءة إمامهم فتتواطأ القلوب كلها على هذه القراءة وأما في الجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوف فلأنها محل اجتماع الناس فكان اجتماعهم على قراءة إمامهم وحدها أدعى للنشاط والاستماع.
***(8/2)
أنا أصلى صلاة الظهر أو العصر بصوت عال حتى لا أخرج من جو الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غلط لأن السنة في صلاة الظهر والعصر الإسرار وكون الإنسان لا يخشع إلا بمخالفة السنة غلط بل يمرن نفسه على موافقة السنة ويحاول أن يخشع بقدر ما يستطيع وهذا كما يذكر بعض الناس أنه لا يخشع إلا إذا أغمض عينيه فهذا أيضا من الغلط بل نقول لا تغمض عينيك وحاول ما استطعت أن تخشع في صلاتك نعم لو فرض أن أمامك شيئاً يشغلك ويلهيك إذا لم تغمض فحينئذ وجد السبب لتغميض العينين فيجوز أن يغمضهما للحاجة إلى ذلك.
***(8/2)
مدرسة تأمر الطالبات بالصلاة في المدرسة ويجعلون مدرسة تؤمنا بالصلاة وهي تجهر بالقراءة علماً أنها صلاة الظهر وهي تجهر بجميع الركعات ماذا نفعل هل نصلى معها وصلاتنا صحيحة أم نعيد الصلاة في المنزل أرشدونا أرشدكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاتكم معها صحيحة ولكن يجب أن تنصحوها عن الجهر بالقراءة فإن المشهور في صلاة الظهر وفي صلاة العصر أن يسر المصلى بقراءته فهنا نقول ينبغي أن تنصح وتبلغ بالسنة وهو أن لا تجهر وحتى لو جهرت فصلاتها هي صحيحة وصلاة من خلفها صحيحة أيضاً.
***(8/2)
بارك الله فيكم هل يجوز للمرأة أن تجهر بصلاتها علماً بأنها تصلىها بمفردها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع في حق المرأة أن تكون قراءتها في الصلاة سراً ولكن لو جهرت وهي في بيتها ولا يسمعها أجنبي لو جهرت بذلك إذا كان أنشط لها كما يكون هذا في صلاة الليل مثلاً فلا حرج عليها في هذا.
***(8/2)
هل يجوز للمرأة أن تجهر بالقراءة في الصلوات الجهريه إن كانت منفردة وفي غرفة وحدها لا أحد يسمعها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينظر أيما أنشط وأخشع لها أن تسر بالقراءة أو تجهر فإن كان الأخشع لها أن تسر أسرت وإن كان الأنشط لها أن تجهر جهرت هذا إن لم يكن حولها من يسمعها من غير محارمها من الرجال وإلا فإنها تسر في قراءتها لأنه لا ينبغي للمرأة أن تجهر بصوتها عند الرجال ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء) .
***(8/2)
هذا مستمع للبرنامج أبو عبد الله من المنطقة الشمالية يسأل عن عدد ركعات صلاة قيام الليل وهل تكون القراءة بالجهر أم بالسر وهل يجوز أن أقرأ من كتاب عندما لا أكون حافظاً للقرآن أرجو الإفادة جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل الأولى عدد صلاة الليل فصلاة الليل ليس لها عدد محدد لا تجوز الزيادة عليه ولا النقص منه بل يصلى الإنسان نشاطه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الليل فقال (مثنى مثنى) ولم يحدد لكن الاقتصار على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة أفضل من الزيادة لأن عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان قالت (ماكان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) وأما كيفية هذا العدد هل يطيلها أو لا فهذا يرجع إلى نشاط الإنسان وقوته وتحمله.
أما الجهر بالقراءة فهي على حسب نشاط الإنسان إذا كان أنشط له الجهر وليس حوله من يشوش عليه أو ينغص عليه فليجهر وإن كان الإسرار أشد إخلاصاً أو كان عنده من يشوش عليه أو ينغِّص عليه فليسر.
***(8/2)
في معظم صلواتي أجد نفسي باكياً بصوت مرتفع هل هذا يبطل صلاتي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: البكاء في الصلاة إذا كان من خشية الله عز وجل والخوف منه وتذكر الإنسان أمور الآخرة وما يمر به في القرآن الكريم من آيات الوعد والوعيد فإنه لا يبطل الصلاة وأما إذا كان البكاء لتذكر مصيبة نزلت به أو ما أشبه ذلك فإنه يبطل الصلاة لأنه حدث لأمر خارج عن الصلاة وعليه فيحاول علاج نفسه من هذا البكاء حتى لا يتعرض لبطلان صلاته ويشرع له أن لا يكون في صلاته مهتماً بغير ما يتعلق بها فلا يفكر في الأمور الأخرى لأن التفكير في غير ما يتعلق بالصلاة في حال الصلاة ينقصها كثيرا ًفإن ذلك من عمل الشيطان ومن وساوسه ومن سرقته لصلاة العبد وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد وكما أن هذا واضح في الالتفات بالرأس فهو كذلك شامل للالتفات بالقلب فإن الشيطان هو الذي يأتي للإنسان في صلاته ويقول له اذكر كذا يوم كذا وكذا حتى يصبح لا يدري ماذا صلى.
***(8/2)
هل يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الثالثة أو الرابعة ما يتيسر من القرآن أم تجزئ سورة الفاتحة ولا يقرأ بعدها شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة اختلف فيها العلماء فمنهم من قال لا يشرع قراءة شيءٍ سوى الفاتحة فيما بعد التشهد الأول أي في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر والعشاء أو في الركعة الثالثة من المغرب ومنهم من قال لا بأس بالقراءة أحياناً والأرجح عندي أنه لا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين في الظهر والعصر والعشاء أو في الركعة الثالثة من المغرب لأن هذا مقتضى حديث أبي قتادة رضي الله عنه أما حديث أبي سعيدٍ الخدري الذي فيه ما يدل على أنه يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر فقد أجيب عنه بأن حديثه أقل رتبةً في الصحة من حديث أبي قتادة وبأنه ليس بصريح بل هو ظنٌ وتخمين وعلى هذا فيقتصر على الفاتحة فيما كان بعد التشهد الأول في الصلاة أي في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر والعشاء وفي الركعة الثالثة من المغرب.
ولكن إذا كان الإنسان مأموماً وانتهى من قراءة الفاتحة قبل أن يركع الإمام فلا حرج عليه أن يقرأ ما تيسر من القرآن حتى يركع إمامه.
***(8/2)
هل في صلاة الفروض أو في غيرها من السنن تكون قراءة بعض الآيات بعد قراءة الفاتحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي للإنسان إذا كان يصلى نافلة أن يقرأ مع الفاتحة شيئاً من القرآن وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ في راتبة الفجر في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الركعة الثانية قل هو الله أحد وأحياناً يقرأ (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) الآية في البقرة يقرأها في الركعة الأولى من سنة الفجر وفي الثانية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) الآية في آل عمران، وفي ركعتي الطواف يقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثانية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وقام ليلة يتهجد ومعه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقرأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفاتحة ثم قرأ سورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة واحدة، وقدم النساء على آل عمران لكن في الأخير صارت آل عمران تلي البقرة والنساء هي السورة الثالثة من السور الطوال المهم أن النافلة يشرع فيها قراءة زائد على الفاتحة.
***(8/2)
الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب هل يجوز له أن يقرأ بسورةٍ واحدة بعد الفاتحة في جميع الركعات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كان الإنسان لا يحفظ من كتاب الله إلا سورةً احدة فلا حرج أن يرددها في جميع الصلوات بعد الفاتحة لعموم قوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للرجل (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) .
***(8/2)
هل يجوز أن أصلى بسور معدودة حيث أنني لا أحفظ إلا القليل من القرآن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يصلى بسور محدودة لقول الله تبارك وتعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للرجل (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم أقرا ما تيسر معك من القرآن) .
***(8/2)
السائل محمد دياب من الدمام هل من حرجٍ شرعي إذا كان الإمام يقرأ القرآن في صلاة الفجر أو العشاء بتتابع بدءاً من البقرة إلى نهاية القرآن يقصد بذلك أن يتعاهد القرآن وأن يسمعه للمصلىن على مدار السنة تقريباً علماً بأنه يحرص على قراءة السجدة والإنسان فجر الجمعة ويقرأ أحياناً من جزء عم في العشاء تحقيقاً للسنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى هذا لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد عن أصحابه أيضاً ولا شك أن هذا الإمام ليس أحرص من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن يسمع الناس جميع القرآن ثم هل الذين معه يصلون معه كل يوم من أول القرآن إلى آخره الغالب أو الثابت لا، فقد يصلى أحدهم اليوم في هذا المسجد واليوم الثاني في مسجدٍ آخر وهكذا فلا يحصل إسماع الجميع جميع القرآن وعلى كل حال أرى أن لا يفعل الإمام هذا فإذا قصد به التعبد صار من البدع لأن البدع هي التعبد لله تبارك وتعالى بما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أصحابه ويكفي إخواننا أن يقرؤوا كما جاءت به السنة ثم إن هناك شيئاً آخر يعتاده بعض الأئمة تجده دائماً يقرأ من أواسط السور أو أواخرها وهذا يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد إنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فليقرأ الإنسان من المفصل لما في ذلك من راحة المصلىن ولأنه إذا كرر المفصل على الناس ربما يحفظونه لأن سوره قصيرة وآياته غالباً قصيرة فإذا تكرر على المصلىن حفظوه ولهذا تجد كثيراً من العوام يحفظون كثيراً من المفصل بواسطة قراءة الإمام له ثم إن الإمام إذا قرأ من وسط السورة ولا سيما السور الطوال ربما يوجد تشويشاً على حافظ القرآن لأنه إذا ابتدأ الآية من وسط السورة ولنقل من وسط سورة البقرة تجد الإنسان يشوش يعني يفكر إلى متى يقرأ هل سيكمل البقرة فيقرأ جزءً فأكثر أو سيقرأ آيات قليلة ويقف فالسامع الذي قد حفظ القرآن يبقى مع نفسه في تشويش متى يركع ومتى ينتهي فلهذا أرى أن ينتبه أخوتنا الأئمة إلى هذه المسألة أن يحرصوا على القراءة بالمفصل الذي أوله ق وآخره سورة الناس يقرأ في الفجر من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره غالباً وفي الباقي من أوساطه قال العلماء طواله من ق إلى عم وقصاره من الضحى إلى الناس وأوساطه من عم إلى الضحى.
***(8/2)
هل يجوز للإمام قراءة القرآن من أوله إلى آخره في الصلوات الجهرية أي يبدأ بسورة البقرة وينتهي بسورة الناس مثل شهر رمضان ولكن لا يختم مثل شهر رمضان بل يكتفي بقراءة القرآن في الصلوات الجهرية فهل في ذلك شيء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس فيه شيء إذا كان الفاعل لا يعتقد أن ذلك أمر مشروع لعموم قوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وكثير من الأئمة يفعل ذلك يقول لأني أحب أن يمر القرآن كله على أسماع المأمومين فإذا كان الإنسان لا يعتقد أن ذلك من السنن فلا حرج عليه في قراءة ما شاء من كتاب الله عز وجل
***(8/2)
يقول السائل هل يجب على الإمام أن يقرأ سورة من منتصف السور الطويلة بعد الفاتحة عند كل صلاة أم الأفضل أن يقرأ السور القصيرة من أولها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن يقرأ السور القصيرة ولتكن قراءته في المفصل من سورة (ق) إلى آخر سورة (الناس) ويكون قراءته في الفجر من طوال المفصل وفي المغرب من قصار المفصل وفي الباقي من أوساط المفصل قال أهل العلم المفصل طواله من سورة (ق) إلى سورة (عم) وقصاره من سورة (الضحى) إلى آخر القرآن وأوساطه ما بين ذلك وسمي مفصلا لقصر سوره وكثرة فواصله ومن الحكمة في الاستمرار بقراءة المفصل أن المأمومين كلما تكررت عليهم السور حفظوها وسهل عليهم قراءتها بخلاف ما إذا كان يقرأ من كل سورة آيتين أو ثلاثا فإنه يبعد أن يحفظها العوام ثم إن ابن القيم رحمه الله قال في زاد المعاد ليس من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعني في الفريضة أنه يقرأ من أواسط السور وأظنه قال أو أواخرها فلا ينبغي العدول عما ذكره أهل العلم واستدلوا له بالآثار النبوية وأما كون بعض الناس لا يقرأ إلا من أواسط السور دائما فينبغي أن يراجع نفسه ويراجع ما قاله أهل العلم في هذا الباب ثم إن في قراءة الإنسان من أوساط السور ولا سيما إذا كانت السورة طويلة تشويشا على المصلىن الذين يحفظون القرآن لأنه إذا قرأ من أوسط السورة الطويلة سيبقى هذا متشوشا هل سيقرأ إلى آخر السورة هل سيقرأ آيتين أو ثلاثا ثم يكون في نفسه نوع من الاضطراب أما إذا قرأ من السور القصيرة عرف المبتدأ والمنتهى فاطمأن.
فضيلة الشيخ: في الآية (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) ما ينطبق هذا على منتصف السور؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تنطبق ونحن لا نقول هذا حرام لكن الأفضل ما ذكرنا.
***(8/2)
هذا سؤالٌ من المستمع محمد الذياب من الدمام يقول نرجوا توجيهاً للمصلىن في كيفية الفتح على الإمام عند خطئه في التلاوة خصوصاً أن ذلك يربك الإمام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفتح على الإمام في الفاتحة واجب يعني لو نسي الإمام آية من الفاتحة أو كلمة من الفاتحة أو حرفاً من الفاتحة وجب على من خلفه أن يفتحوا عليه لأن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فعليهم أن يفتحوا على الإمام ويردوا عليه ولكن يكون بهدوءٍ ويكون الراد واحداً لأنه إذا تعدد الذين يردون عليه اختلفت أصواتهم فلم يفهم الإمام ماذا عليه أما في غير الفاتحة فإن كان يحيل المعنى وجب الرد أيضاً وإن كان لا يحيل المعنى فالأمر فيه سهل إن ردوا فهو أفضل وإن لم يردوا فلا حرج عليهم وينبغي أن لا يتقدم للإمامة إلا من كان أهلاً لها بحيث يؤدي كلام الله عز وجل على اللسان العربي المبين لأن القرآن نزل بلسانٍ عربيٍ مبين كما قال عز وجل (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ولا يجب أن يقرأه الإنسان بالتجويد حسب القواعد المعروفة بل إذا أقام الحروف والكلمات مع الإعراب كفى لأن التجويد ما هو إلا تحسين للقراءة وليس بواجب.
***(8/2)
هل هناك حرج أو كراهية أن يداوم المصلى على قراءة سور معينة في الصبح وكذا في الظهر وهل يشترط أن تكون على ترتيب القرآن الكريم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان أن يلزم سورة معينة يقرأ بها الصلاة إذا لم يعتقد أن ذلك سنة ولكن في الصلاة الجهرية إذا التزم سورة معينة في صلاة معينة فإن الناس يظنونها سنة فيكون في ذلك تلبيس على الناس فلا يفعل لكن فيما بينه وبين نفسه إذا لم يتخذها سنة فلا حرج عليه وينبغي أن يعلم أن هناك سوراً معينة يقرؤها الإنسان في صلوات معينة مثل سورة (الم تنزيل) السجدة و (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ) في صلاة الفجر من يوم الجمعة ومثل (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) و (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ) في صلاة العيدين أو (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) ومثل سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة وسورة سبح والغاشية أيضاً فهذه السور التي عينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلوات معينة إذا حافظ عليها الإنسان فلا حرج عليه بل ذلك من السنة إذا تبين للناس أن هذه السور المعينة في تلك الصلوات من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما قول السائل هل يشترط أن تكون على ترتيب المصحف فإن أراد الآيات فإنه لا بد أن تكون على ترتيب المصحف لأن ترتيب الآيات توقيفي بنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمثلاً لا يقرأ قول الله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) إِلَهِ النَّاسِ (2) مَلِكِ النَّاسِ) بل يجب أن يرتب الآيات كما هي فيقول (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ) وهكذا بقية الآيات في القرآن الكريم لا بد أن يقرأها مرتبة لما أشرنا إليه آنفاً من كون تريب الآيات توقيفياً بنص الرسول صلى الله عليه وسلم وأما ترتيب السور فما وردت به السنة مرتباً فليرتبه مثل سورة (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) ومثل سورة الجمعة والمنافقون فهذه وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم مرتبة فتقرأ مرتبة وما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرتباً فإن أهل العلم يقولون إنه يكره أن يخالف ترتيب المصحف فلا يقرأ قل أعوذ برب الفلق قبل قل هو الله أحد ولا يقرأ سورة الماعون قبل سورة الفيل لأن ذلك خلاف ما عمل به الصحابة رضي الله عنهم حين وحد عثمان رضي الله عنه المصحف على هذا الترتيب المعروف.
***(8/2)
المستمع عثمان عبد الحليم سوداني مقيم بالرياض يقول هل يجوز يا فضيلة الشيخ أن أكمل الصلاة بسورة الكوثر بمعنى أن أقرأ آية من هذه السورة الكريمة في الركعة الأولى وأكمل في الركعة الثانية بقية الآيات أم يجب إكمال السورة كل ركعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى في القرآن الكريم (فَاقْرؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (المزمل: من الآية20) وقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي علمه كيف يصلى (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ولا يجب على المصلى أن يقرأ شيئاً معيناً من القرآن إلا سورة الفاتحة فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فإذا قرأت الفاتحة وقرأت معها ما تيسر من القرآن فلا إثم عليك ولا حرج عليك سواء قرأت آية أو آيتين أو أكثر وسواء قرأت سورة كاملة في كل ركعة أو قسمت السورة بين الركعتين أو قرأت أكثر من سورة في ركعة كل هذا جائز ولا حرج عليك فيه.
***(8/2)
هل يجوز لي أن أردد سورة قل هو الله أحد بعد كل ركعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز ذلك ولا حرج فيه كما فعل صاحب السرية الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم وكان إذا قرأ لأصحابه يختم بقل هو الله أحد.
***(8/2)
ما حكم إعادة السورة نفسها في الركعة الأولى والركعة الثانية سهواً وليس عمداً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس من إعادة السورة مرة أو مرتين سواء في ركعة أو في ركعتين وسواء كان سهواً أو عمداً لعموم قوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى في الليل فكان يردد قوله تعالى (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بقي يرددها حتى أصبح.
***(8/2)
هل يجوز جمع السورتين في الفريضة في الركعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج أن يجمع الإنسان بين سورتين في صلاة الفريضة ولا في صلاة النافلة لعموم قوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) .
***(8/2)
سائل رمزلاسمه بـ م ل م من مصر يقول عندنا في مصر يقولون لمن يخرج من الخلاء شفيتم فيقال لهم شفاكم الله وعافاكم فهل في هذا حرج أم أن ذلك يعد من البدع وإن كان من البدع فنرجو الدليل وما الذي يفعله المصلى إذا فرغ من قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ولم يبدأ الإمام في قراءة السورة هل يسكت أم يعيد قراءة الفاتحة مرة أخرى أم يبدأ في قراءة السورة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما المسألة الأولى وهي أنهم إذا خرج الخارج لقضاء حاجته قالوا له: شفاك الله، فإن هذا لا أصل له ولم يكن السلف الصالح يفعلون ذلك وهم خير قدوة لنا والإنسان مشروع له إذا أراد دخول الخلاء ليقضي حاجته من بول أو غائط أن يقدم رجله اليسرى ويقول عند الدخول (باسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث) وإذا خرج قدم اليمنى وقال: (غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) وإن اقتصر على قول (غفرانك) فحسن أما هذا الدعاء الذي أشار إليه السائل فلا أصل له ولا ينبغي أن يتخذه الناس عادة لأن مثل هذه الأمور إذا اتخذت عادة صارت سنة وظنها الناس مشروعة وهي ليست مشروعة.
وأما المسألة الثانية وهي إذا سكت الإمام بعد قراءة الفاتحة ثم قرأها المأموم قبل أن يشرع الإمام بقراءة السورة فماذا يصنع المأموم بعد قراءته الفاتحة والإمام لم يزل على سكوته، فالجواب على ذلك أننا نقول للإمام أولاً لا ينبغي لك أن تسكت هذا السكوت الطويل بين قراءة الفاتحة وقراءة ما بعدها والمشروع لك أن تسكت سكتة لطيفة بين الفاتحة والسورة التي بعدها ليتميز بذلك القراءة المفروضة والقراءة المستحبة والمأموم يشرع في هذه السكتة اللطيفة بقراءة الفاتحة ويتم قراءة الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ وأما السكوت الطويل من الإمام فإن ذلك خلاف السنة ثم على فرض أن الإمام كان يفعل ذلك ويسكت هذا السكوت الطويل فإن المأموم إذا قرأ الفاتحة وأتمها يقرأ بعدها سورة حتى يشرع الإمام في قراءة السورة التي بعد الفاتحة وحينئذ يسكت لأنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا قراءة الفاتحة فقط.
***(8/2)
شخص فاتته من الصلاة الرباعية ركعتان فماذا يفعل في الركعتين الأخريين هل يقرأ الفاتحة فقط أم يقرأ الفاتحة وسورة بعدها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة مختلف فيها عند أهل العلم هل ما يقضيه المسبوق أول صلاته أو آخر صلاته فإن قلنا إنه أول صلاته فإنه يقرأ الفاتحة وسورة وإن قلنا أنه آخر صلاته فإنه يقتصر على الفاتحة فقط وهذا القول هو الصحيح أن ما يقضيه المسبوق هو آخر صلاته وأنه يقتصر فيه على الفاتحة فقط بدون زيادة إذا كان ما يقضيه مما لا يسن فيه قراءة زائد على الفاتحة مثل المثال الذي ذكر السائل يكون أدرك مع الإمام ركعتين من الظهر ثم قام يقضي الركعتين الباقيتين فنقول في هذه الحال لا تقرأ أما لو كان قضى ما تسن فيه القراءة مثل أن يدرك من المغرب ركعة ففي هذه الحال يقوم فيقضي ركعة ويقرأ مع الفاتحة شيئا من القرآن ثم يتشهد ثم يقوم ويأتي بالثالثة يقتصر فيها على الفاتحة وتعبيري في هذه الإجابة بالقضاء أريد به قضاء ما بقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فأتموا) .
***(8/2)
بعض الناس هدانا الله وإياهم إذا جاء إلى الصلاة وصف يصلى مع الجماعة فإنه يجهر في الصلاة بالفاتحة وبالسجود والركوع وهذا يخلف بالذي بجنبه فهل هذا جائز أم لا أفتونا جزاكم الله خير؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمصلى أن يجهر بالقراءة إذا كان مأموماً ولا بالتسبيح ولا بالدعاء على وجه يشوش به على من حوله لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه ذات يوم وهم يقرؤون ويجهرون فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لايجهر بعضكم على بعض في القرآن أو قال في القراءة) ولأن في هذا أذية لإخوانه المصلىن وقد قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) ولأن هذا الرجل لا يرضى أن يفعله غيره معه وإذا كان لا يرضاه لنفسه فيكف يرضاه لغيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فبهذه الأدلة الثلاثة يتبين أنه لا يجوز للمرء المأموم أن يجهر جهراً يشوش به على من حوله من المصلىن لا في القراءة ولا في التسبيح ولا في الدعاء.
***(8/2)
ما حكم متابعة الإمام بالمصحف أثناء قراءته في صلاة التراويح والقيام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع للمأموم أن ينصت لقراءة أمامه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وإذا تابع إمامه بالنظر في المصحف فإذا كان لا يشغله عن الإنصات فإنه لا بأس به لما في ذلك من المصلحة لا سيما إذا كان الإمام كثير الغلط والنسيان وأما إذا كان يشغله عن الاستماع وربما يتوقف حينما يقع بصره على آية ليتأمل معناها ويكون الإمام قد استمر في قراءته فإن هذا لا ينبغي لأنه يشغله عن الاستماع والإنصات الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من المستمع أخيكم في الله خليفة طالب ليبي مقيم ويدرس في يوغسلافيا يقول أبعث إليكم بهذه الرسالة لأطرح عليكم بعضاً من الأسئلة راجياً من الله التوفيق يقول في السؤال الأول هل يجوز للإنسان أن يصلى ويتلو القرآن مباشرة من المصحف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن من المصحف وهو يصلى إذا كان لا يحفظ القرآن أما إذا كان يحفظ القرآن فإن الأولى أن يقرأ عن ظهر قلب وذلك لأن حمل المصحف في الصلاة يؤدي
أولاً إلى عدم وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر وهذا تفويتٌ لسنة.
ثانياً انشغال العين عن رؤية محل السجود فإن العين ستكون ناظرةً إلى المصحف.
ثالثاً حركة النظر وانتقاله من سطرٍ إلى سطر ومن جانبٍ إلى جانب وهذا نوع عمل للطرف.
رابعاً الحركة في حمل المصحف ووضعه وتقليبه فإذا كان الإنسان في غنىً عن هذه الأشياء فإن تركها بلا شك أولى أما إذا كان محتاجاً كما لو كان لا يحفظ القرآن فلا حرج أن يحمل المصحف ويقرأ منه.
***(8/2)
هل تجوز القراءة من المصحف في الصلاة الجهرية وهي الصلاة المفروضة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز الصلاة في المصحف نظراً لأن ذلك ليس فيه شغلٌ كثير بالنسبة للمصلى ثم إن اشتغال النظر هنا اشتغالٌ فيما يتعلق بمصلحة الصلاة فلا ينافي الصلاة وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم أنه يجوز للإنسان أن يقرأ بالمصحف في صلاة الفريضة وفي صلاة النافلة.
***(8/2)
تقول بأنها تصلى التروايح في رمضان وحدها في المنزل وتقرأ من المصحف أي تمسكه في يدها وتقرأ منه وتجهر في قراءتها لأنها لا تخشع إلا عندما تجهر في القراءة فهل الصلاة صحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الصلاة صحيحة ولا حرج عليها أن تجهر في صلاة الليل إذا لم يكن عندها من الرجال من يسمعها وهم غير محارم لها.
***(8/2)
من الجمهورية العراقية وصلتنا هذه الرسالة من المستمع سعيد عبد حمود يقول في رسالته في إحدى الجماعات كان أحد الناس يؤم جماعةً وقرأ سورة بعد الفاتحة وقبل أن يتم السورة تحول إلى آيةٍ في سورةٍ أخرى غير السورة الأولى وأكمل السورة الأولى فهل هذا جائز وهل بطلت صلاته وهل أنه على وهم انصحوني جزاكم الله عني خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أبين أنه إذا كانت الكتابة للاسم صحيحة فإن هذه التسمية يجب تغييرها إما إلى عبد الحميد أو عبد المحمود أو ما أشبه ذلك من أسماء الله تبارك وتعالى وأما عبد حمود فهذا لا يجوز لقول ابن حزم رحمه الله اتفقوا على تحريم كل اسمٍ معبدٍ لغير الله وهذا إذا قلت عبد حمود فهو معبدٌ لغير الله.
أما الجواب على السؤال فنقول إن هذا القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مرتباً بكلماته ومرتباً بآياته بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يشير إلى موضع الآية من الآية الأخرى فترتيب الآيات توقيفي ولهذا يُحرم على الرجل أن ينكس الآيات فيبدأ بآيةٍ قبل آية أو أن يدخل آيات أخرى بين آياتٍ ثانية لأن ذلك يخالف نظم القرآن الكريم لكن إن وقع منه على وجه النسيان بأن قرأ آيةٍ من سورة بين آيتين من سورة آخرى نسياناً فإنه لا حرج عليه والظاهر أن هذا الإمام الذي قرأ بهؤلاء القوم وأدخل آيةً بين آيتين من سورةٍ أخرى أنه فعل ذلك نسياناً وعلى هذا فصلاته صحيحة وصلاة من خلفه صحيحة أيضاً.
***(8/2)
إذا كنت أصلى وحدي وأخطأت في قراءة آية ولم أستطع أن أكملها واختلطت علي بآية أخرى فماذا علي أن أفعل وأنا في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لك أن تفعلي واحداً من أمرين أما أن تنتقلي إلى الآية التي بعدها وإما أن تركعي لأن الأمر في هذا واسع.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذه المستمعة من سوريا رمزت لاسمها بـ أ. هـ. تقول فضيلة الشيخ أثناء الصلاة وأثناء قراءتي لإحدى السور من القرآن أنسى كلمة ما أو أخطئ في لفظها فما حكم صلاتي تلك مع العلم بإنني عندما أواجه مثل هذه الحالة لا أتابع القراءة في السورة بل أركع وأكمل الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الشك الذي يصيبك كثيراً فإنه لا عبرة به لأنه يشبه الوسواس والأوهام التي لا أصل لها وإذا كان الشك أحياناً فإنه إن كان في الفاتحة فلا بد من أن تتيقني أنك قرأت الفاتحة تامة بدون إسقاط وأما إذا كان من غيرها فالأمر فيها سهل لأن قراءة ما زاد على الفاتحة ليست بواجبة وإنما هي سنة.
***(8/2)
صلىت مع الجماعة الركعتين الأخيرتين من صلاة الظهر هل أكمل الركعتين الباقيتين بالفاتحة وسورة بعدها أم بالفاتحة فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكمل الباقي بالفاتحة فقط لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) فجعل قضاء الفائت إتماما وهذا هو المعقول من حيث الترتيب لأن ما يدركه الإنسان فهو أول صلاته وعليه فإذا أدركت الإمام في الركعتين الأخيرتين وأمكنك أن تقرأ الفاتحة وسورة فافعل لأن هاتين الركعتين هما الركعتان الأوليان لك أيها المسبوق.
***(8/2)
إذا قرأت المرأة آية فيها سجدة وكانت تكرر هذه الآية عدة مرات لقصد الحفظ هل تسجد في كل مرة أم لمرة واحدة فقط من خلال التكرار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تسجد للتلاوة في التلاوة الأولى فقط والباقي لا تسجد فيه لأنها نفس الآية التي سجدت من أجلها.
***(8/2)
المستمع من العراق مدينة الموصل سمى نفسه عبدا من عباد الله يقول في سؤاله الأول إذا كان الإمام في الصلاة الجهرية وقرأ بعد سورة الفاتحة سورة يوجد في آخر آياتها سجدة للتلاوة كسورة النجم أو العلق مثلا فهل يسجد للتلاوة ثم ينهض ويأتي بالركوع مباشرة وباقي أركان الصلاة أم لا يسجد للتلاوة في هذه الحالة وكذلك ما الحكم في حالة قراءة الإمام لآية السجدة في الصلاة السرية هل يسجد للتلاوة أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما السؤال الأول وهو إذا كانت السجدة آخر قراءة الإمام سواء كانت في آخر السورة أو في أثناء السورة فإن الإمام إذا أتى على السجدة يكبر فيسجد فيقول سبحان ربي الأعلى ويقول ما ورد ثم يقوم بالتكبير يكبر للنهوض من السجود ثم يركع إذا شاء أن يركع ويكبر للركوع وقوله إذا شاء أن يركع لأنه ربما إذا رفع من السجدة يقرأ شيئاً من القرآن ولا حرج عليه في ذلك إنما إذا شاء ألا يقرأ وكبر للركوع فركع فلا حرج عليه في هذا وأما قراءة الإمام سجدة في صلاة السر فإن هذه المسألة ذهب بعض أهل العلم أنه يكره له أن يقرأ سجدة في صلاة السر لأنه إما أن يدع السجود فيكون تاركاً لسنة وإما أن يسجد والمأموم يلتبس عليه الأمر حيث أنه لم يسمع قراءته فيقع المأموم في حيرة فلهذا قالوا أنه يكره أن يقرأ سجدة في صلاة سر ويكره أن يسجد فيها وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك ليس بمكروه وأن له ذلك ولا حرج أن يقرأ في صلاة السر بآية سجدة وأن التشويش على المأموم يمكن أن يزول بجهره بقراءة السجدة عند الوصول إليها وعلى هذا فلا حرج أن يقرأ آية سجدة في صلاة السر وقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في صلاة الظهر سورة (الم تنزيل) السجدة ولا يحضرني الآن الحكم عليه بصحة أو ضعف.
***(8/2)
صفة الركوع وأذكاره(8/2)
يقول السائل أين ينظر المصلى أثناء ركوعه ??وهل يجب عليه أن يقيم الصلب أثناء الجلوس بين السجدتين والتشهد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكثر العلماء على أن المصلى ينظر إلى موضع السجود في حال القيام وفي حال الركوع وفي حال السجود معروف أن نظره إلى الأرض أما في حال التشهد والجلوس بين السجدتين فإنه ينظر إلى موضع إشارته أي إلى إصبعه حين يشير به والإنسان يشير بإصبعه في الدعاء كلما دعا وهو جالس للتشهدين أو الجلوس بين السجدتين كلما دعا رفع إصبعه فينظر إلى الإصبع وما عدا ذلك فينظر إلى موضع سجوده وقال بعض أهل العلم ينظر إلى تلقاء وجهه وقال آخرون ينظر إلى تلقاء وجهه وعند الركوع ينظر إلى قدميه وكل هذه استحسانات لا أعلم لها دليلاً إلا النظر إلى موضع السجود أو موضع الإشارة في التشهد والجلوس بين السجدتين وذكر بعض أهل العلم أنه إذا كان في المسجد الحرام ينظر إلى الكعبة وهذا لا دليل عليه ولا صحة له لأنه لا علاقة بين الصلاة والكعبة ثم النظر إلى الكعبة يؤدي إلى أن يشرد ذهنه وربما يفكر في كسوتها من الكتابات وربما ينظر إلى الطائفين فيتشوش ذهنه لهذا نقول لا صحة لاستحباب النظر إلى الكعبة حال الصلاة.
***(8/2)
في حالة الركوع في الصلاة هل يكون النظر إلى موضع السجود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: النظر إلى موضع السجود هو قول أكثر أهل العلم ومنهم من قال ينظر المصلى إذا كان قائماً إلى تلقاء وجهه وإذا كان راكعاً ينظر إلى قدميه وإذا كان جالساً إلى يده اليمنى ولكن النظر إلى اليد اليمنى حين الإشارة هو الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والنظر إلى موضع السجود هو الذي فسر به كثير من العلماء قول الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) فقال هم الذين ينظرون إلى موضع سجودهم وهذا أقرب الأقوال أن الإنسان ينظر إلى موضع سجوده راكعاً وقائماً وإلى موضع إشارته في حال الجلوس وقد قال بعض العلماء رحمهم الله إن الإنسان إذا كان يصلى في المسجد الحرام فإنه ينظر إلى الكعبة وعللوا ذلك بأن النظر إليها عبادة ولكن هذا فيه نظر من وجهين:
الوجه الأول أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النظر إلى الكعبة عبادة ولا يجوز إثبات حكم شرعي إلا بدليل عن الشارع.
الثاني أنه لو ثبت أن النظر إليها عبادة فإنها عبادة مستقلة لا تتعلق بالصلاة فالصلاة عبادة خاصة بها لا يمكن أن نثبت أن النظر إلى الكعبة عبادة في الصلاة إلا إذا ورد ذلك بخصوصه ثم إن نظر المصلى إلى الكعبة وهو في المسجد الحرام يؤدي إلى انشغال قلبه لأن الكعبة غالباً لا تخلو من الطائفين ومن المعلوم أن حركة الطائفين وتنقلهم واختلاف أجناسهم وألوانهم يؤدي إلى انشغال القلب فلهذا نرى أن النظر إلى الكعبة حال الصلاة في المسجد الحرام ليس بمشروع وأنه لا ينبغي للإنسان أن ينظر إليها في حال صلاته لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام ولأنه كما أشرنا إليه آنفاً يوجب أن ينشغل المصلى عن صلاته.
***(8/2)
يقول السائل لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود فهل يجوز الدعاء في الركوع والسجود ببعض الأدعية الواردة من القرآن خصوصاً بأنها أدعية جامعة مثل ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني نهيت أن اقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) ولم يقل أن أدعو بالقرآن فإذا دعا الإنسان بشيء من القرآن فلا حرج عليه كالآية التي ذكرها السائل (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وكقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) أما إذا قصد بذلك قراءة القرآن كأن يقرأ الفاتحة مثلاً أو الكافرون أو ما أشبه ذلك فهذا منهيٌ عنه ونظير ذلك الجنب. الجنب لا يقرأ القرآن حتى يغتسل فلو دعا بشيء من القرآن فلا بأس لو قال الجنب بسم الله الرحمن الرحيم يقصد البسملة لم يقصد القراءة فلا حرج بل لو قال الجنب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب فلا حرج عليه ما دام قد قصد الدعاء.
***(8/2)
هذه المستمعة م م من مصر تقول ما حكم الدعاء في الركوع أثناء الصلاة مثل قوله تعالى اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وكذلك اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم الحساب.
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الدعاء في الركوع بما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بأس به وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) وأما فيما سوى ذلك فالأفضل أن يقتصر فيه على تعظيم الله وأن يجعل الدعاء في السجود لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ألا وأني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) .
***(8/2)
لماذا لا يجوز قراءة الدعوات الواردة في القرآن الكريم أثناء الركوع والسجود في الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن السؤال ينبغي أن يكون لماذا لا تجوز قراءة القرآن أثناء الركوع والسجود نعم نقول لا تجوز لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) وأما إذا دعا بما يوافق القرآن في أثناء سجوده مثل (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فهذا لا بأس به لأنه قصد به الدعاء دون التلاوة فإذا دعا الإنسان في ركوعه وسجوده بما يوافق القرآن فلا حرج عليه في ذلك والمنهي عنه أن يقرأ القرآن أثناء الركوع أو السجود.
***(8/2)
إذا قرأ المصلى آيات من القرآن الكريم في الركوع أو السجود ناسياً فماذا عليه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الناسي لا شيء عليه لأن جميع المحظورات في كل عبادة إذا فعلها الإنسان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه.
***(8/2)
هل التسبيح في الركوع والسجود يكفي ثلاث مرات أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الكفاية الواجبة فيكفي مرة واحدة أن يقول سبحان ربي العظيم مرة واحد في الركوع وسبحان ربي الأعلى مرة واحدة في السجود وأما الكمال فلا حد له لو سبح الإنسان ألف مرة فهو على خير إلا أن يكون إماما فإن الإمام لا ينبغي له أن يزيد على ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعله وأما المأموم فهو تبعٌ لإمامه لا يتخلف عنه.
***(8/2)
ماهي الأدعية والأذكار التي تقال في سجود وركوع صلاة التهجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ينبغي أن نعلم أن الإنسان إذا قام من الليل فإنه سوف ينظر في الوقت الذي بينه وبين طلوع الفجر فإذا كان الوقت واسعاً فإنه يطيل الصلاة في قراءتها وركوعها وسجودها وقعودها ففي الركوع ينبغي الإكثار من تعظيم الله عز وجل وفي السجود ينبغي الإكثار من الدعاء والاجتهاد فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء أو فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) ومن الأدعية الواردة في الركوع والسجود أن يقول (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر ذلك في ركوعه وسجوده بعد أن أنزل الله عليه قوله (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) وإذا دعا بما يريد من أمور الدنيا والآخرة فلا حرج عليه في ذلك لأن الدعاء عبادة سواء في أمور الدنيا أو في أمور الدين وأما قول بعض أهل العلم إنه لا يجوز للمصلى أن يدعو بشيء يتعلق بالدنيا وأنه لو فعل ذلك لبطلت صلاته فإنه قول ضعيف مخالف لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه حين علمه التشهد فقال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وفي لفظ (ما أحب) فإن هذا يدل على أنه لا حجر على الإنسان في دعائه وأن له أن يدعو بما شاء من أمور الدنيا والآخرة وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن الدعاء عبادة واستدلوا بقوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فأمر بالدعاء ثم قال إن الذين يستكبرون عن عبادتي فدل ذلك على أن الدعاء من العبادة وإذا كان من العبادة وقد أذن الشارع بجنسه فإنه يشمل دعاء الإنسان ربه فيما يتعلق بأمور دينه أو أمور دنياه.
***(8/2)
المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن طول ركوعه مقاربٌ لطول قيامه وطول رفعه من الركوع أي أن اطمئنانه في الوقوف بعد الركوع مقاربٌ لركوعه وطول سجوده مقاربٌ لطول ركوعه بمعنى أن الركوع أقصر قليلاً من القيام والرفع من الركوع أقصر قليلاً من الركوع والسجود أقصر قليلاً من الركوع فهل هذا صحيح وإذا كانت السنة كذلك فهل إذا قرأت بعد الفاتحة سورة الحجرات وق والملك ون مثلاً هل سيكون ركوعي قريباً من مدة هذا القيام وماذا ستكون أذكار الرفع من الركوع هل أقتصر على ذكر ربنا ولك الحمد ثم أكرر هذا الذكر عدة مراتٍ إلى أن أتيقن أنه قارب زمن قيامي وطوله أم نكرر الذكر ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً عدة مرات أم نذكر أنواعاً أخرى خاصةً بالرفع من الركوع ونجمعها في وقفةٍ واحدة وباختصار هل نأتي بجميع أذكار الركوع وأذكار الرفع من الركوع أم نقتصر على ذكر نوعٍ واحدٍ ونكرره حتى يكون ركوعنا ورفعنا من الركوع قريباً أحدهما من الآخر وهل إن السجدتين بمجموعهما هو المصطلح عليه لقول العلماء كان سجوده صلى الله عليه وسلم قريباً لركوعه أم أن كل سجدةٍ كان طولها مقارباً للركوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يشتمل على وهمين الوهم الأول أنه ذكر أن الركوع أطول من القيام بعده وأن القيام بعده أطول من السجود وهكذا وهذا خطأ فإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كان الركوع والقيام من الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين قريباً من السواء كما صح ذلك عنه فهذه الأركان الأربعة قريبة من السواء الركوع والقيام منه والسجود والجلوس بين السجدتين هذه قريبةٌ من السواء وليست مقرونةً بالقيام قبل الركوع وهذا هو الوهم الثاني في سؤاله حيث ظن أن القيام الذي قبل الركوع يكون مساوياً للركوع وليس الأمر كذلك بل إن القيام قبل الركوع له سنةٌ خاصةٌ به ويكون أطول من الركوع والحاصل أننا نقول إن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن الركوع والرفع منه والسجود والجلوس بين السجدتين هذه الأركان الأربعة متقاربة كما ثبت ذلك عنه وليست مساويةً للقيام قبل الركوع وحينئذٍ لا إشكال ولكن إذا كان الرجل يطيل الركوع كما في صلاة الليل فإنه ينبغي له أن يطيل القيام بعده بحيث يكون قريباً منه وحينئذٍ يقول ما ورد (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات والأرض وما بينهما وملء ما شيءت من شيء بعد أهل الثناء والمجد) إلى آخر ما هو معروف ثم إن كان القيام يقصر عن الركوع إما أن يكرر هذا الحمد مرةً أخرى أو يأتي بما وردت به السنة أيضاً في هذا المقام وكذلك في الجلوس بين السجدتين يدعو الله تعالى بما ورد ثم يدعوه بما شاء من الأدعية.
***(8/2)
يقول السائل نرى الإمام يطيل الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين في صلاة التهجد صلاة القيام في آخر رمضان فماذا يقول المصلى أثناء فترة الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما في الركوع فليكثر من تعظيم الله عز وجل وليكرر سبحان ربي العظيم وما أشبهها مما يدل على تعظيم الله عز وجل وأما في السجود فليكثر من الدعاء فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فإنه قمنٌ -أي حريٌ- أن يستجاب لكم) وأما الجلوس بين السجدتين فكذلك أيضاً يكرر الدعاء.
***(8/2)
يقول السائل هل يجوز التسبيح عند الركوع والسجود بصوت مرتفع وفي قراءة التشهد وهل هو خشوع أو خروج عن الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع للإنسان أن يسر بأذكار الركوع والسجود والقيام والقعود إلا القراءة فالقراءة يشرع الجهر بها في صلاة العيد وصلاة الجمعة وصلاة الاستسقاء وصلاة المغرب وصلاة العشاء وصلاة الفجر إذا كان الإنسان يصلى في جماعة وهو إمام وأما إذا كان يصلى وحده فهو مخير في الجهر والإسرار فيصلى المغرب إن شاء بجهر وكذلك العشاء والفجر وصلاة الليل وإن شاء أسر هذا إن لم يكن حوله من يشوش عليهم أو يؤذيهم برفع الصوت فإن كان حوله من يشوش عليهم أو يؤذيهم فلا يجهرن بقراءته.
***(8/2)
يقول هذا السائل أرجو أن تذكروا بعض صيغ الدعاء بعد الرفع من الركوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا رفع الإنسان من الركوع فإن كان إماماً أو منفرداً قال سمع الله لمن حمده ثم قال ربنا ولك الحمد وإن كان مأموماً قال ربنا ولك الحمد ولا يقول سمع الله لمن حمده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإمام (إذا كبر فكبروا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) وفي قوله ربنا لك الحمد أربع صفات:
الصفة الأولى ربنا لك الحمد.
الصفة الثانية ربنا ولك الحمد.
الصفة الثالثة اللهم ربنا لك الحمد.
الصفة الرابعة اللهم ربنا ولك الحمد.
فينبغي للإنسان العارف بها أن يقول مرةً بهذا ومرةً بهذا وإذا قال اللهم ربنا ولك الحمد فليقل ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شيءت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
***(8/2)
مستمع رمز لاسمه بـ ح. م. من حائل يقول هل صحيح أن يقال أثناء الصلاة مثل بعد الركوع يقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد سبحانك ملء السماوات والأرض وملء ما شيءت من شيء وبعد السجود يقال سبوح قدوس رب الملائكة والروح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان في صلاته أن يدعو الله تعالى بما شاء لكن ينبغي أن يجتهد في الدعاء في حال السجود لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال عليه الصلاة والسلام (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) وكذلك يدعو بعد التشهد الأخير وكذلك يدعو بين السجدتين وأما إذا رفع رأسه من الركوع فيقول سمع الله لمن حمده حين الرفع فإذا استقام قال ربنا ولك الحمد بدون أن يقول سبحانك لأن سبحانك لا أعلم أنها وردت في هذا المقام وكذلك يقول السائل إذا قام من السجود قال سبوحٌ قدوس وليس كذلك بل يقول سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح في حال الركوع وفي حال السجود أيضاً كما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
هذا السائل علي يقول في سؤاله بعض الناس يقولون لا تقل ربنا ولك الحمد ولك الشكر في الرفع من الركوع فهل هذا وارد أم غير وارد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما قوله ربنا ولك الحمد فهو وارد ومعلوم وأما زيادة الشكر فالأولى عدم زيادتها لأن الأدعية والأذكار الواردة على وجهٍ معين لا ينبغي أن يزيد فيها الإنسان على ما جاء في السنة لكننا لا نقول إن الإنسان فعل خطأً بل نقول الأفضل أن يقتصر على ربنا ولك الحمد كما جاءت به السنة ولا يزيد على ذلك.
***(8/2)
صفة السجود وأذكاره(8/2)
الإنسان عندما يصلي ويريد السجود هل يكبر ثم يسجد أو يسجد ثم يكبر أم يكبر وهو نازل للسجود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التكبير أعني تكبير الانتقالات من ركن إلى آخر يكون فيما بين الركنين فإذا أراد السجود فليكبر ما بين القيام والسجود وإذا أراد القيام من السجود فليكبر ما بين السجود والقيام هذا هو الأفضل وإن قدر أنه ابتدأ التكبير قبل أن يهوي إلى السجود وكمله في حال الهبوط فلا بأس وكذلك لو ابتدأه في حال الهبوط ولم يكمله إلا وهو ساجد فلا بأس.
***(8/2)
ما هو وضع أصابع اليدين أثناء السجود الفرد الكامل أو الوسط بين الفرد والقبض؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قال العلماء إن وضع اليدين في حال السجود أن يضم الأصابع بعضها إلى بعض وأن يوجهها إلى القبلة وأن تكون اليد بحذاء المنكب أو بحذاء الأذنين كل ذلك أعني كونها بحذاء المنكب أو بحذاء الأذنين جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة للذراع والعضد فإن الذراع يكون قائماً لا منبطحاً على الأرض ولا مقرباً منها ولكنه يكون قائماً والعضد يكون منفرجاً عن الجنب إلا إذا كان في الصف وكان تفريجه يؤذي من إلى جانبه فإنه لا يفعل ذلك لأن إيذاء الغير إما مكروه أو محرم والتفريج تفريج العضدين عن الجنبين أمر مستحب ولا ينبغي للإنسان أن يقع في مكروه أو محرم من أجل المحافظة على أمر مستحب.
***(8/2)
ما السنة في وضع اليدين في السجود هل توضع حذو المنكبين أم حذو الأذنين مع الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السنة في وضع اليدين عند السجود أن يضعها الإنسان على الأرض مستقبلاً بأطراف أصابعهما القبلة مجافياً عضديه عن جنبيه وقد وردت السنة بكون الإنسان يسجد بينهما بمعنى أن الجبهة تكون بين الكفين وذكر أهل العلم أنه يجعلهما أيضاً بحذاء منكبيه وكلا الأمرين جائز لأن القاعدة أنه إذا جاءت العبادة على وجوه متنوعة فإن هذه الوجوه كلها تكون جائزة بل إن الأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة ليأتي بالسنة على وجوهها الواردة وهذا النوع له أمثلة منها هذا ومنها التشهد فإنه ورد بألفاظ متنوعة ومنها الاستفتاح ورد بألفاظ متنوعة.
***(8/2)
ما هي الأدعية الواردة في السجود وما هو أفضل الدعاء.
فأجاب رحمه الله تعالى: النبي صلى الله عليه وسلم قال (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) ولم يعين لكن من الوارد أن يقول الإنسان سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي وأن يقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح فإن هذا ذكر يتضمن الدعاء وأما قول سبحان ربي الأعلى فأمر مفروغ منه لأنه واجب ويدعو كذلك بقوله اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني في أيام العشر من رمضان لأن عائشة سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) والباب مفتوح والحمد لله لا يحول بينك وبين ربك أحد والناس تختلف حاجاتهم هذا يحتاج زوجة وهذا يحتاج ذرية وهذا يحتاج مالاً وهذا يحتاج بيتاً وهذا يحتاج سيارة كل إنسان يدعو بما يحتاج.
***(8/2)
هل يجوز أن أدعو في السجود بآيات من القرآن الكريم مثلا (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان في حال السجود أن يدعو بأدعية القرآن الكريم إذا قصد الدعاء دون القراءة أما إذا قصد القراءة فإن ذلك لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (ألا وإني نهيت أن أقرا القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) فلا يحل للإنسان أن يقرأ شيئا من القرآن في حال ركوعه وسجوده إلا إذا كانت الآيات تتضمن الدعاء وقصد بذلك الدعاء ومثل هذا الجنب لو قرأ آية على أنها قراءة القرآن كان ذلك حراماً عليه ولو قرأها على أنها دعاء كان ذلك جائزا.
***(8/2)
في السجود أدعو بهذا الدعاء رب اجعل قبري نورا رب اجعل قبري روضة من رياض الجنة وكذلك بعد التحيات عند التسليم أقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما ذكره من الدعاء بعد التشهد وقبل التسليم فهذا دعاء وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليقل اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) وأما ما يدعو به في سجوده اللهم اجعل قبري نورا اللهم اجعله روضة من رياض الجنة اللهم افسح لي فيه وما أشبه ذلك من الكلام فهذا لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ولم يقيده بشيء معين فيجوز أن تدعو بأمر يتعلق بالآخرة أو بأمر يتعلق بالدنيا حتى لو دعوت الله في سجودك أن ييسر لك بيتا واسعا نظيفا أو سيارة مريحة وما أشبه ذلك فلا بأس به لأن الدعاء عبادة لله عز وجل سواء دعوت في شيء من أمور الدنيا أو في شيء من أمور الآخرة فإن مجرد دعائك الله عز وجل عبادة تقربك إلى الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وأما من قال من أهل العلم إن الإنسان لا يدعو في صلاته بأمر يتعلق بالدنيا فإن قوله ضعيف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في التشهد إذا فرغ الإنسان منه (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ثم إن مجرد الدعاء عبادة حتى في أمور الدنيا فلذلك نقول ادع الله تعالى بما شيءت في سجودك وبعد التشهد ولكن لا تدع الله تعالى بإثم أو قطيعة رحم لقوله تعالى (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) فلا تعتد في دعائك بإثم بأن تدعو على شخص بما لا يستحق أو قطيعة رحم.
***(8/2)
هل يجوز الدعاء بأمور الدنيا في صلاة الفريضة أو في صلاة الليل أو في السجود أو قبل السلام؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يدعو بأمور الدنيا في صلاته سواء كان ذلك في السجود أو في التشهد الأخير لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما علم ابن مسعود رضي الله عنه التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ثم إن الدعاء نفسه عبادة حتى وإن كان في أمور الدنيا فلو قلت اللهم ارزقني دارا واسعة وزوجة جميلة وما أشبه ذلك كان ذلك جائزا لأن نفس الدعاء عبادة لله عز وجل وأما قول من قال من أهل العلم إنه لا يدعى في الصلاة بأمور الدنيا فإنه قول ضعيف معارض لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) .
***(8/2)
تقول السائلة هل يجوز أثناء الصلاة أن ندعو بالأمور الدنيوية كطلب الزوج الصالح وهل يجوز أن ندعو بهذا الدعاء اللهم يا جامع الناس يوم القيامة اجمع شملي مع فلان كزوج لي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يدعو الإنسان بما أحب في حال الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ألا وإني نهيت أن اقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ولم يقيده بشيء معين وثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد أن الإنسان إذا فرغ من التشهد يدعو بما أحب بما شاء من خيري الدنيا والآخرة فليدع الله تعالى بأن ييسر له بيتا فسيحا جديدا أو ييسر الله له زوجة صالحة أو ييسر الله لها زوجا صالحا أو ييسر له مركوبا جميلا مريحا وما أشبه ذلك المهم إن الدعاء عبادة حتى في أمور الدنيا.
***(8/2)
قرأت في كتاب أن هناك دعاء يقال في السجود بعد سبحان ربي الأعلى وهو اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري فهل هذا الدعاء صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء صحيح لكن كونه في السجود فقط لا بل هذا يقال في السجود وغير السجود وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد) وأنه قال (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) أي حريٌ أن يستجاب لكم لأن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد فأنت إذا سبحت الله قلت سبحان ربي الأعلى مرةً واحدة أتيت بالواجب وأدنى الكمال ثلاث وإن زدت إلى عشر فحسن وإن قلت مع ذلك (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) فحسن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يكثر أن يقولها في سجوده وفي ركوعه أيضاً وإن زدت مع ذلك سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح فحسن لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول ذلك في ركوعه وسجوده ثم ادع الله تعالى بما شيءت من أمور الدين وأمور الدنيا حتى أمور الدنيا لك أن تدعو الله بها في صلاتك لأن الدعاء نفسه عبادة سواءٌ دعوت بأمرٍ يتعلق بالدنيا أو دعوت بأمرٍ يتعلق بالآخرة ما لم يكن إثماً فادع الله تعالى بما شيءت في صلاتك وفي غير صلاتك وأما قول بعض أهل العلم إنه لا يدعو في صلاته بما يختص بالدنيا فقولٌ ضعيف لأن الدعاء نفسه عبادة ولا علاقة للمدعوِّ به إلا أن يكون إثماً فإن دعا الإنسان بإثم فإنه حرامٌ عليه ولا يستجاب له.
***(8/2)
ماحكم الإطالة في السجدة الأخيرة عن باقي أركان الصلاة للدعاء فيها والاستغفار؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإطالة في السجدة الأخيرة ليست من السنة لأن السنة أن تكون أفعال الصلاة متقاربة الركوع والرفع منه والسجود والجلوس بين السجدتين كما قال ذلك البراء بن عازب رضي الله عنه قال (رمقت الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركوعه فسجوده فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء) هذا هو الأفضل ولكن هناك محلٌ للدعاء غير السجود وهو التشهد فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما علم عبد الله بن مسعود التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فليجعل الدعاء قل أو كثر بعد التشهد الأخير قبل أن يسلم.
***(8/2)
يقول هذا السائل اسأل عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ما معناه نهيت أن اقرأ القرآن وأنا ساجد فهل هذا النهي يشمل الأدعية الموجودة في القرآن بمعنى هل يجوز للمسلم أن يدعو بهذه الأدعية وهو ساجد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قول النبي عليه الصلاة والسلام (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى أن يقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً لا أنه نهي أن يدعو بالقرآن ففرق بين الدعاء بالقرآن وبين القراءة بالقرآن فالداعي بالقرآن لم يقصد التلاوة وإنما قصد الدعاء فلو قال الإنسان في سجوده ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار لا يقصد بذلك التلاوة لكان هذا جائزاً ولو قال في السجود ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب يريد الدعاء لا التلاوة لم يكن قارئاً للقرآن في السجود ولهذا كان الجنب لا يقرأ القرآن لكن لو دعا بدعاءٍ من القرآن كان ذلك جائزاً فلو قال الجنب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب لا يريد القراءة وإنما يريد الدعاء فلا حرج عليه فيجب أن نعرف الفرق بين قراءة القرآن التي قصد بها التلاوة وبين الدعاء بما جاء في القرآن فالأول لا يكون في الركوع والسجود والثاني يكون في السجود أما الركوع فالأفضل فيه أن يكرر الإنسان ما فيه تعظيم الرب جل وعلا.
***(8/2)
إذا سجد الإمام سجود التلاوة ولم أتابعه فهل تصح صلاتي أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الإمام متبوع يجب على الإنسان أن يفعل ما يفعله إمامه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا) فإذا سجد الإمام للتلاوة وجب على المأموم متابعته امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (وإذا سجد فاسجدوا) وإن تخلف عن سجدة التلاوة عالما فإن صلاته تبطل لأنه ترك الواجب عمدا أما إذا كان غافلا أو كان بعيدا لم يسمع إمامه فإن صلاته صحيحه لأن هذه السجدة ليست من أركان الصلاة حتى نقول أنه لابد للمأموم من فعلها بل هي للتلاوة استحبابا للإمام ووجوباً على المأموم من أجل متابعة الإمام ولكنها ليست بركن فإذا تركها عمدا بطلت صلاته من أجل تعمد مخالفة الإمام وإذا تركها سهوا أو غفلة أو بعدا فلا شيء عليه.
***(8/2)
هل يجوز للإمام في صلاة الظهر أن يسجد إذا مر بآية سجدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الفقهاء رحمهم الله يقولون إن هذا يكره لأنه يوجب التشويش على المصلىن ولأنه يسجد سجدةً بقراءةٍ لم يسمعها المأمومون فيقال إنه يكره للإمام في صلاة السر أن يقرأ آيةً فيها سجدة وإذا قرأها يكره أن يسجد ولكن إذا قدر أنه قرأ فإنه ينبغي إذا مر بآية السجدة أن يجهر بها بعض الشيء حتى يعرف الناس أنه سجد للتلاوة والجهر في بعض الآيات في قراءة السر جائز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسمع الصحابة القراءة في صلاة السر أحياناً.
***(8/2)
إذا مر الإنسان على سجدتين في الصلاة هل يسجد لهما معاً على حسب ترتيبهما أم يسجد لواحدة ويترك الأخرى وكذلك في غير الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مر الإنسان بسجدتين فمن المعلوم أن بين السجدتين سوراً كثيرة لأنه ليس هناك سورة فيها سجدة وتليها مباشرةً سورةٌ أخرى وإن كان قد وجد في السورة الواحدة سجدتان المهم أن السجدتين لا يمكن أن تتصادما وتكونا في وقتٍ واحد لا بد أن يكون بينهما وقت فيسجد للأولى ويسجد للثانية سواء كان في صلاة أو في غير صلاة نعم لو كان الإنسان يردد القرآن فصار يردد آية السجدة مرتين أو ثلاثا أو أكثر فإن سجوده أول مرة يغني عن السجود للمرات التالية.
***(8/2)
ماحكم نزول الشعر في موضع السجود على الجبهة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يريد أنه إذا كان له شعر طويل ونزل شعره إلى جبهته فسجد عليه فإذا كان هكذا فلا أعلم لحاله مانعاً لأن هذا الشعر متصل به بأصل الخلقة ولكن المحذور أن يسجد على يديه كما يفعله بعض الجهلة يعني يضع كفيه على الأرض ثم يضع جبهته على ظهور الكفين فإن هذا محظور وقد صرح أهل العلم بأن ذلك لا يجزئ الإنسان في سجوده فالواجب الحذر منه، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أن السجود على حائل ينقسم إلى ثلاثة أقسام قسم لا يجزئ السجود معه وهو ما إذا كان الحائل من أعضاء السجود بأن يسجد بجبهته على كفيه أو يسجد بكفيه على ركبتيه فسجود هذا غير مجزئ ومن المعلوم أنه إذا بطل السجود فقد بطل ركن من أركان الصلاة فتبطل الصلاة، والقسم الثاني ما يكره السجود معه ولكنه يجزئ وهو ما إذا سجد على شيء متصل به كالثوب والمشلح والغترة فإن هذا مكروه إلا لحاجة، ودليل ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنا نصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه، والقسم الثالث مباح لا بأس به وهو أن يسجد على شيء منفصل عنه كما لو وضع منديلاً يسجد عليه بجبهته ويديه ونحو ذلك فإن هذا لا بأس به لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على الخمرة، والخمرة خصيف من سعف النخل يتمكن الإنسان من السجود عليه في كفيه وجبهته فقط.
***(8/2)
عند القيام للركعة الثانية من السجود هل يعتمد المصلى في القيام على كفيه أم على ركبتيه وإن كان على يديه فهل يقبضهما أم يبسطهما؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن يقوم من السجود ناهضاً على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه هذا هو الأفضل فإن لم يستطع لكبرٍ أو مرض فإنه يعتمد بيديه على الأرض إما مبسوطتين أو ملمومتين الأمر في هذا واسع لكن متى قدر أن يقوم بدون اعتماد فهو الأفضل كما أن العكس كذلك إذا أراد السجود فليبدأ بركبتيه قبل يديه إلا أن يكون عاجزاً فلا حرج أن يقدم يديه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) يعني لا يقدم يديه لأن البعير كما هو مشاهد إذا أراد البروك قدم اليدين ثناهما ثم برك فإن قال قائل إن آخر الحديث الذي سقتم فيه وليبدأ بيديه قبل ركبتيه والجواب أن هذه الجملة منقلبة على الراوي لأنها تنافي أول الحديث فأول الحديث يقول لا يبرك كما يبرك البعير وإذا نظرنا إلى البعير وجدنا أنه يقدم اليدين وأن صواب العبارة وليبدأ بركبتيه قبل يديه فإن قال قائل ركبة البعير بيديه وإذا سجد على ركبتيه أولاً فقد شابه البعير حيث إن البعير يضع الركبتين قبل فالجواب أن هذا غفلة عن معنى الحديث لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما نهى عن الكيفية لا عن العضو المسجود عليه قال (لا يبرك كما يبرك البعير) ولم يقل لا يبرك على ما يبرك عليه البعير والفرق بين التعبيرين واضح يعني لو قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) قلنا لا تبدأ بالركبتين لكن قال فلا يبرك كما يبرك البعير وهذا نهيٌ عن الكيفية لا عن العضو الذي يسجد عليه وهذا أمرٌ واضح لكنه يحتاج إلى تأمل وتطبيق على ما يبرك عليه البعير.
***(8/2)
يقول السائل بأنه رجل كبير في السن لا يستطيع أن يسجد على ركبتيه وذلك لمرض يلازمه فهل عليه حرج في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان لا يستطيع أن يسجد على ركبتيه فليجلس متربعاً عند السجود ويومئ بالسجود حتى يكون قريباً من الأرض ويكفي هذا وإن أمكنه أن يضع جبهته ويديه على الأرض فهذا هو الواجب عليه لأنه يكون أقرب إلى هيئة السجود من الإيماء.
***(8/2)
تقديم الركبتين على اليدين(8/2)
هذا المستمع أ. خ. من السودان يقول أيهما يجب وضعه أولاً الركبتان أو اليدان عند الإتيان بالسجود؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً تعبير السائل بقول أيهما يجب فإنني أفيده بأنه لا يجب أن يسجد على ركبتيه أولاً أو على يديه أولاً وإنما الخلاف أيهما أفضل أن يسجد على ركبتيه أولاً ثم على يديه أو على يديه أولاً ثم على ركبتيه وهذا محل نزاع بين العلماء والصحيح أنه يبدأ أولاً بالركبتين ثم باليدين وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) ومن المعلوم أن البعير إذا برك يقدم يديه أولاً فتجده ينحني في مقدم جسمه قبل مؤخره وعلى هذا فإن الإنسان إذا سجد وقدم يديه صار مشابهاً للبعير والنبي عليه الصلاة والسلام لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير لو قال فلا يبرك على ما بيرك عليه البعير لقلنا ابدأ باليدين لأنك لو بدأت بالركبتين لبركت على الركبتين كما يبرك البعير وهناك فرق بين التعبيرين بين أن يقول فلا يبرك كما يبرك وأن يقول فلا يبرك على ما يبرك فإن قوله فلا يبرك كما بيرك نهي عن الكيفية والهيئة التي يبرك عليها البعير بقطع النظر عن العضو الذي يبرك عليه وأما فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير فهذا نهي عن البروك بالعضو الذي يكون مشابهاً للبعير وعليه فلا يرد علينا ما قاله بعض القوم الذين يرون السجود على اليدين أولاً من أن ركبتي البعير في يديه فإننا نقول نعم إن ركبتي البعير في يديه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن البروك على ما يبرك عليه البعير حتى نقول لا تبرك على ركبتيك وإنما نهى عن البروك كما يبرك البعير يعني في الكيفية والهيئة وبهذا نعرف أن آخر الحديث الذي فيه النهي عن البروك كما يبرك البعير وهو قوله وليضع يديه قبل ركبتيه فيه انقلاب على الرواي وأن صوابه وليضع ركبتيه قبل يديه لأن هذه الجملة الأخيرة هي التي تناسب أول الحديث أما الجملة الأولى وليضع يديه قبل ركبتيه فإنها تناقض الحديث والخلاصة الآن أن الساجد إذا سجد يبدأ بركبتيه ثم كفيه ثم جبهته وأنفه وإذا كان الإنسان ثقيلاً أو عاجزاً أو ما أشبه ذلك فأراد أن يبدأ بيديه قبل ركبتيه فلا حرج عليه في هذا.
***(8/2)
السائل عبد اللطيف من الرياض يقول قد كثر الكلام هذه الأيام عن صفة الهبوط للسجود وهل ينزل على ركبتيه أم على يديه وكذلك أيضاً صفة القيام من الركعة هل يقوم على يديه أم على ركبتيه نرجو التفصيل في هذا مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام على هاتين المسألتين من الكلام الذي يكون للاجتهاد فيه كلام والعلماء رحمهم الله اختلفوا في هذا ولكن المهم أنه لا ينبغي أن يكون هذا الخلاف سبباً للتعادي والبغضاء والجدال والأخذ والرد بين طلبة العلم لأن ما يسوغ فيه الاجتهاد أمره واسع وما زال الناس منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يختلفون في مثل هذه المسائل ولا يحدث من بعضهم لبعض شيء من العداوة ولا من البغضاء وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعنف واحدةً من الطائفتين في اجتهادها دل ذلك على أن مثل هذه الأمور الصادرة من طلبة العلم على سبيل الاجتهاد لا ينبغي أن يعنف فيها المخالف بل الواقع أن المخالف لغيره بمقتضى الدليل لا يعد خلافه هذا خلافاً لأنه خالف بمقتضى الدليل عنده ومن المعلوم أن الغير المخالف يرى وجوب إتباع الدليل على من تبين له الدليل ولو كان مخالفاً لغيره من الناس في اجتهادهم وحينئذٍ تكون الحقيقة أن لا خلاف لأن كلاً من الطائفتين أو من العالمين المختلفين كلاً منهم يريد الوصول إلى الحق ويرى أن الإنسان إذا أداه اجتهاده إلى قولٍ من الأقوال أو رأيٍ من الآراء فإن الواجب عليه الأخذ بذلك ولا يلزمه أكثر من هذا لقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد) وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشرع للأمة وهو أحرص الناس على التزام الشرع وتحكيم شريعة الله إذا كان يقول مثل هذا القول فما بالنا نحن نقول للمجتهد الذي أخطأ في نظرنا إنك مخطئ وإنك ضال وما أشبه ذلك من العبارات ثم نأخذ بالتحذير منه والتحريض عليه وشحن قلوب الناس بالبغضاء لهذا الرجل الذي خالفنا في الرأي فهذه نصيحة أسديها إلى إخواني طلبة العلم وأرجو منهم أن يكونوا قائمين لله بالقسط فكما أنهم لا يرضون أن أحداً يلومهم أو يوبخهم على اجتهادهم المخالف له فإنه يجب أن يكونوا مقسطين فلا يرضون لأنفسهم أن يلوموا غيرهم المخالف لهم أو أن يوبخوه على مخالفتهم فإن هذا بلا شك من الجور والأنانية المنبوذة أما موضوع السؤال وهو الانحدار من القيام إلى السجود فإن العلماء في هذه المسألة اختلفوا فمنهم من قال إنه ينبغي أن يقدم يديه عند الانحدار ثم ركبتيه ثم جبهته وأنفه واستدلوا لذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) قالوا فهذا نهي أن يفعل الإنسان في حدوره للسجود كما يفعل البعير وبين ذلك بقوله (وليضع يديه قبل ركبتيه) وقالوا ينهى الإنسان أن يبدأ بركبتيه عند السجود لأن البعير إذا برك برك على ركبتيه كما هو مشاهد وركبتا البعير في يديه والحقيقة أن الأمر كما قالوا من جهة أن ركبتي البعير في يديه وأن البعير إذا برك يبرك على ركبتيه ولكن إذا تأملنا الحديث حق التأمل وأعطيناه حقه من التدبر وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَ في هذا الحديث عن وضع الركبتين قبل اليدين بل نهى عن وضع اليدين قبل الركبتين ولهذا كان لفظ الحديث فلا يبرك كما يبرك والكاف هنا للتشبيه والتشبيه في الهيئة وليس المقصود العضو المسجود عليه ولو كان المقصود العضو المسجود عليه لكان قال فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير وأنت تعلم الفرق بين التعبيرين وإذا تأملنا بروك البعير وشاهدناه وجدنا أنه يحط يديه قبل رجليه فينزل مقدم جسده قبل مؤخره وهذه الصفة تنطبق تماماً على الساجد إذا قدم يديه قبل ركبتيه كما هو معلوم وعلى هذا فيكون في آخر الحديث انقلاباً على الراوي وكأن الصواب وليضع ركبتيه قبل يديه لئلا يكون مشابهاً للبعير في بروكه وإلى هذا ذهب العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد فمن أراد الاطلاع على ما قاله فليرجع إليه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وعلى هذا فالقول الراجح عندي أن الإنسان إذا سجد يبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبدأ بيديه قبل ركبتيه لأنه إن بدأ بيديه قبل ركبتيه صار مشابهاً لبروك البعير الذي صدر النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بالنهي عنه وقد كتب أحد الأخوة من طلبة العلم هذه الأيام رسالةً بين فيها خطأ تفسير الحديث بأن المراد النهي عن تقديم الركبتين قبل اليدين وأتى بمقولة جيدة أثرية ونظرية فجزاه الله تعالى خيراً على ما بين.
أما المسألة الثانية وهي عند القيام من السجود فهل يقوم الإنسان معتمداً على ركبتيه أو يقوم معتمداً على يديه فيه خلاف بين أهل العلم منهم من قال إنه إذا قام من السجود جلس مستريحاً لينهض بقوة ثم عند النهوض يعتمد على يديه واستدل بحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك والحديث ثابتٌ في الصحيح ولا إشكال في سنده ولكن هل الرسول عليه الصلاة والسلام فعل ذلك لحادثٍ طرأ من الكبر لأن مالك بن الحويرث من الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لغزوة تبوك فقدم متأخراً أو أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك متعبداً اختلفوا في هذا فمنهم من قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تعبداً وأنه يسن للإنسان أن يجلس ثم يقوم معتمداً على يديه ومنهم من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم فعله لا على سبيل التعبد ولكن على سبيل الارتياح وعدم المشقة على النفس لأن هذا الدين الإسلامي دين يسر وسهولة ومن المعلوم أن القولين متجاذبان فقد يقول قائل إن الأصل عدم المشروعية حتى يثبت دليل المشروعية لأن العبادة لا تثبت مشروعيتها إلا بدليلٍ واضحٍ بين لأن الأصل في العبادات الحظر والمنع ويقابل هذا الأصل أن الأصل فيما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة هو العبادة وأنه فعله تعبداً فيكون مشروعاً لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم له وقوله (صلوا كما رأيتموني أصلى) ولكن هذا الأصل قد يعارض بكون الرسول عليه الصلاة والسلام يعتمد على يديه ومعلومٌ أن الاعتماد على اليدين عند القيام إنما يكون عند الحاجة إلى الاعتماد وإذا لم يكن محتاجاً للاعتماد فإنه لا حاجة به إليه ثم إن هذه الجلسة ليست جلسةً مقصودة بدليل أنه لا يشرع فيها ذكر ولا ذكر انتقال منها وإليها وإذا لم يكن لها ذكرٌ مشروع في الانتقال منها وإليها أو مشروعٌ فيها نفسها دل هذا على أنها غير مقصودة وهذا عندي أرجح أي أن الإنسان لا يجلس هذه الجلسة إلا إذا كان محتاجاً إليها لكبرٍ في سنه أو ثقلٍ في بدنه أو وجعٍ في ركبتيه أو ما أشبه ذلك من الحاجات وهذا الذي ذكرته هو اختيار ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد واختيار صاحب المغني موفق الدين قال وبه تجتمع الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا ولكن مع ذلك إذا كان الإمام الذي تقتدي به لا يجلس ولا يرى الجلوس فالأفضل لك أن لا تجلس وإن كنت ترى مشروعية الجلوس لأن نهوضك مع الإمام مباشرة أقوم في اتباع الإمام والاهتمام به فيكون الأفضل أن لا تجلس إذا كان إمامك لا يجلس وإن كنت لو صلىت وحدك أو صلىت إماماً جلست وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على ذلك في الفتاوى وقال إن الأفضل للإنسان أن يتابع إمامه في ترك الجلوس إذا كان الإمام لا يجلس وإذا كان الأمر بالعكس كان الإمام يرى مشروعية الجلوس وأنت ترى عدم الجلوس فمن الأفضل أن تتابع إمامك وأن تجلس لأن هذا أتم بالمتابعة وإني أقول لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام عن التشهد الأول ولم يجلس فتابعه الناس على ذلك ومن المعلوم أن التشهد الأول واجبٌ من واجبات الصلاة ومع هذا سقط عن المأموم من أجل المتابعة وقد يقول قائل إن سقوطه عن المأموم لأنه لو تخلف ليقرأ التشهد صارت المخالفة ظاهرة بينة طويلة بخلاف ما إذا تخلف لجلسة الاستراحة فإنها جلسةٌ يسيرة لا تظهر فيها المخالفة على وجهٍ تام فأقول نعم هذا هو الواقع ولهذا قلنا إنه يستحب للإنسان إذا كان إمامه لا يرى الجلوس أن لا يجلس وأن يتابعه ولم نقل يجب وأما التشهد الأول إذا قام عنه الإمام فإنه يجب على المأموم أن يتابعه فإنه لو تخلف لجلس جلوساً طويلاً ظاهر المخالفة وفي النهاية أقول وأكرر ما ابتدأت به أولاً إنه لا ينبغي لطلبة العلم أن يتخذوا من مثل هذه الخلافات وسيلةً للتشنيع ولإلقاء العداوة بين الناس وللكلام في العلماء في المجالس فإن ما يترتب على مثل هذه الأشياء أعظم ضرراً بكثير مما يترتب على من خالف في هذه السنة إذا كان المخالف فيها يعتقد أنها سنة فكيف إذا كان لا يعتقد أنها سنة فما في اللوم عليه سبيل إن هذا لعدوانٌ على إخوته المؤمنين.
***(8/2)
يقال إنه على المرء أثناء الصلاة وخاصة عند السجود أن يهم بوضع ركبتيه أولاً ثم يديه وأنا لا أقوى على تطبيق هذا الأمر فهل من الممكن ألا ألتزم بذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأفضل للإنسان عند السجود أن يسجد أولاً على ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه هذا هو الأفضل لأنه جاء به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته أنه كان يفعل ذلك ونهى صلى الله عليه وسلم أن يبرك الإنسان عند سجوده كبروك البعير فقال صلى الله عليه وسلم (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) وهذا يقتضي أن لا نقدم اليدين عند السجود ثم إذا قدمنا اليدين عند السجود فهذا هو البروك كبروك البعير ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير حتى نقول إن الحديث دال على النهي عن تقديم الركبتين بل قال فلا يبرك كما يبرك البعير فالنهي عن الكيفية والصفة وبناء على هذا فلا يقدم الساجد يديه قبل ركبتيه بل يبدأ بالركبتين ثم باليدين ثم الجبهة والأنف نعم لو فرض أن المصلى كثير اللحم أو فيه وجع في مفاصله أو فيه مرض أو ما أشبه ذلك مما يشق عليه أن يبدأ بركبتيه فلا حرج حينئذ أن يسجد على يديه أولاً لأن هذا الدين يسر وما جعل الله علينا في الدين من حرج ولأن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره كان إذا أراد أن يقوم للثانية أو إلى الرابعة جلس ثم نهض وهذا والله أعلم لأنه أريح له وأهون عليه كما أشار إلى ذلك صاحب المغني وزاد المعاد وخلاصة القول أن الأفضل للمصلى أن يقدم عند السجود ركبتيه ثم يديه فإن شق عليه ذلك فلا حرج أن يبدأ بيديه قبل ركبتيه.
***(8/2)
جلسة الاستراحة(8/2)
ما هي صفة جلسة الاستراحة وأين موقعها في الصلاة ولمن تشرع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جلسة الاستراحة كغيرها من الجلسات أي أن الإنسان يفترش ويستقر ثم يقوم وهذه الجلسة مشروعة إذا كان الإنسان في وتر من صلاته يعني إذا قام إلى الثانية أو إلى الرابعة فإنه يجلس يستقر يستوي قاعدا ثم يقوم لكن العلماء اختلفوا فيها منهم من قال إنها سنة بكل حال ومنهم من قال إنها ليست بسنة بكل حال ومنهم من قال إنها سنة عند الكبر وعند الضعف وعند المرض حتى لا يشق على الإنسان أن يقوم من السجود إلى القيام مباشرة وهذا القول المفصل أصح فالإنسان الذي يحتاج إلى أن يستريح ولا ينهض من السجود إلى القيام يسن له أن يفعل ذلك ومن لا فلا ولكن هنا مسألة وهي إذا كان الإمام يرى سنية الجلوس فهل المأموم يتابعه؟ أو يبقي ساجدا حتى يظن أنه قد قام؟ أو يقوم قبل أن يقوم الإمام؟ نقول يجب أن يتابعه ويجلس معه لأن الإنسان مأمور بمتابعة إمامه لقوله عليه الصلاة والسلام (إنما جعل الإمام ليؤتم به) حتى وإن كنت ترى إنها ليست بسنة فاجلس مع الإمام تبعا له وإذا كان بالعكس مأموم يرى إنها سنة والإمام لا يرى أنها سنة ولا يجلس فإن المأموم لا يجلس وإن كان يرى إنها سنة متابعة لإمامه لكن هل يجب عليه أن يدع الجلوس من أجل المتابعة هذا محل نظر ولهذا نقول الأفضل أن لا يجلس ولا نقول بالوجوب لأن التخلف هنا تخلف يسير ليس تخلفا طويلا حتى نقول إنه حرام بل هو تخلف يسير وعلى كل فإذا كان الإمام لا يرى الجلوس والمأموم يرى الجلوس فليقم مع إمامه ولا يجلس فإن ذلك خير له وأقرب إلى اتباع السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المأموم أن يسجد فور سجود إمامه وأن يركع فور ركوع إمامه وأن يكبر فور تكبير إمامه لكن يكون بعده.
***(8/2)
سائل يقول بالنسبة لجلسة الاستراحة ما حكمها وهل تشرع للإمام والمأموم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جلسة الاستراحة هي جلسة تكون عند القيام إلى الركعة الثانية أو الرابعة في الرباعية يعني تكون في الرباعية في موضعين عند القيام للركعة الثانية وعند القيام للركعة الرابعة وفي الثنائية والثلاثية في موضعٍ واحد وهو القيام إلى الركعة الثانية وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا كان في وتر من صلاته فإنه لا ينهض حتى يستوي قاعداً أي أن هذه الجلسة ثبتت عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم كما في حديث مالك بن الحويرث وقد اختلف العلماء رحمهم الله هل هي جلسةٌ للراحة أو جلسةٌ للتعبد فمن قال إنها جلسة للراحة قال إنها لا تسن إلا عند الحاجة إليها كأن يكون الإنسان كبير في السن لا يستطيع النهوض مرةً واحدة أو في ركبتيه وجع أو مريض أو ما أشبه ذلك فإذا كان محتاجاً إليها فإنه يجلس وفي هذه الحال تكون مشروعةً من جهة أن ذلك أرفق به وما كان أرفق بالمرء فهو أولى ومن العلماء من قال إنها جلسة عبادة وأنها مشروعة لكل مصل سواءٌ كان نشيطاً أم غير نشيط ومنهم من قال إنها غير مشروعة مطلقا فالأقوال إذاً ثلاثة وأرجح الأقوال عندي إنها جلسة راحة ودليل ذلك أنها ليس لها تكبيرٌ عند الجلوس ولا عند القيام منها وليس فيها ذكرٌ مشروع وكل ركن مقصود فإنه يكون فيه ذكرٌ مشروع فعلم بهذا إنها جلسة راحة وأن الإنسان إذا كان محتاجاً إليها فليرح نفسه اقتداءً بنبيه صلى الله عليه وسلم وإلا فلا يجلس وهذا اختيار صاحب المغني وهو اختيار ابن القيم في زاد المعاد وهو أرجح الأقوال فيما أرى ولكن يبقى النظر إذا كان الإمام يرى هذه الجلسة والمأموم من ورائه لا يراها لأنه نشيط فهل يجلس تبعاً لإمامه أو يقوم وإن كان إمامه جالساً أو ينتظر في السجود إذا كان يعلم أن إمامه يجلس حتى يغلب على ظنه أن إمامه استتم قائماً والجواب على هذا أن نقول إذا كان الإمام يرى الجلسة وجلسها فإن المأموم يجلس معه وإن لم يكن يراها مشروعة اتباعاً لإمامه وإذا كان الإمام لا يرى الجلسة والمأموم يراها فإن المأموم لا يجلس في هذه الحال اتباعاً للإمام لأن موافقة المأموم للإمام أمرٌ مطلوب حتى إن الإمام لو قام عن التشهد الأول ناسياً وجب على المأموم متابعته مع أن الأصل أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله هذه المسألة في الفتاوى وقال إن المأموم لا يجلس إذا كان إمامه لا يجلس للاستراحة.
***(8/2)
هل تجوز جلسة الاستراحة خلال الصلاة وهل هي من السنة النبوية وما حكم من لا يفعل ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جلسة الاستراحة هي أن يجلس الإنسان في صلاته إذا قام إلى الثانية وإذا قام إلى الرابعة في الرباعية وهذه مسألة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأول أنها ليست بسنة لكن إذا اضطر الإنسان جلس للضرورة لا تعبدا بذلك.
القول الثاني أنها سنة بكل حال وأن الإنسان ينبغي له إذا قام إلى الثانية أو الرابعة أن يجلس قليلا ثم يقوم.
القول الثالث الوسط وهو أن من احتاج إليها جلس تعبدا واقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن لم يحتج إليها فإنه يقوم من السجود قياما واحدا إلى الوقوف وهذا القول أصح الأقوال وبه تجتمع الأدلة ولكن إذا كنت تصلى خلف إمام لا يراها ولا يجلس فلا تجلس حتى ولو كنت ترى أنها سنه.
***(8/2)
المستمع فايز م. أ. الكويت يقول في رسالته بعض المصلىن يجلسون جلسة قصيرة بعد الاعتدال من السجدة الثانية وقبل القيام للركعة الثانية ما مشروعية ذلك وهل هو سنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الجلسة التي يجلسها المصلى إذا قام إلى الثانية وإلى الرابعة في الرباعية هذه الجلسة يعبر عنها أهل العلم بجلسة الاستراحة وقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث مالك بن الحويرث أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً والعلماء اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال وأعدل الأقوال عندي فيها ما ذهب إليه صاحب المغني من أنه إذا كان الإنسان كبير السن أو ثقيل البدن أو فيه وجع في ركبتيه يحتاج إلى أن يستقر أولاً ثم يقوم ثانياً كانت مشروعة في حقه وإن لم يكن فيه سبب يقتضيها فإن الأفضل أن ينهض من السجود إلى القيام بدون جلوس هذا أقرب الأقوال عندي فيها وإن كان ليس بذلك الراجح الجيد لأن في حديث مالك بن حويرث أنه كان إذا جلس وأراد أن يقوم اعتمد على يديه والاعتماد على اليدين لا يحتاج إليه غالباً إلا لمشقة النهوض مباشرة من السجود إلى القيام وأياً كان الأمر فإن من جلسها لا ينكر عليه ومن تركها لا ينكر عليه لأن غاية ما فيها أنها سنة وليست بواجبة ولقد كان بعض الناس يتخذ من هذه السنن وأمثالها مثاراً للجدل وسبباً للفرقة فتجده إذا خالفه أحد فيها يرى أنه خالف في أمر كبير ويحدث بذلك تشويهاً لسمعة أخيه المؤمن ولا ريب أن هذا من الجور والظلم فإن كون الإنسان يريد من الناس أن يلتزموا قوله وأن يتابعوه ظلم وجور لأننا نقول له لماذا لا تلتزم أنت أقوالهم وتتابعهم إذا لم يكن في المسألة نص واضح بين يجب المصير إليه فمسائل الاجتهاد كهذه ينبغي للإنسان أن لا يتخذها مثاراً للعداوة والبغضاء والفرقة فمن اجتهد وأداه اجتهاده إلى كون هذا العمل مشروعاً ففعل لم ينكر عليه ولمن اجتهد فأداه اجتهاده إلى كون هذا العمل غير مشروع فتركه فإنه لا ينكر عليه إلا في مخالفة نص صريح لا يسوغ فيه الاجتهاد لظهوره وصراحته فينكر على من خالف.
***
التشهد الأول وصفته(8/2)
المستمعة رمزت لاسمها بـ أ. أ. ب. من الرياض تقول ما هو التشهد الصحيح للصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد الصحيح للصلاة كل ما جاءت به السنة سواء كان تشهد ابن مسعود رضي الله عنه أو تشهد ابن عباس رضي الله عنهما فكل ما صحت به السنة من أنواع التشهدات فإنه صحيح وتشهد ابن مسعود مشهور عند الناس معلوم عند الخاصة والعامة (التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) هذا هو التشهد الأول التشهد الأخير يضيف إلى هذا (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ثم يدعو بما شاء من الأدعية الواردة في السنة أو من الأدعية التي يريدها لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ولا حرج عليه أن يدعو في شيء يتعلق بالدنيا مثل أن يقول اللهم ارزقني بيتاً واسعاً جديداً أو سيارة جديدةً أو زوجة أو ما أشبه ذلك لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ولأن الدعاء نفسه عبادة مشروعة لك في الجملة في الصلاة فلا تبطل الصلاة وأما قول بعض أهل العلم رحمهم الله أنه إذا دعا بشيء من أمور الدنيا فإن صلاته تبطل فإنه قول ضعيف لا معول عليه.
***(8/2)
يقول هذا السائل ع ع من ليبيا ما معنى قولنا في التشهد التحيات لله والصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التحيات يعني جميع التعظيمات مستحقة لله عز وجل وخالصة لله عز وجل لأن التحية بمعنى التعظيم والإكرام فجميع أنواع التعظيمات وجميع أنواع الإكرامات مستحقة لله عز وجل وخالصة لله عز وجل والصلوات يعني الصلوات المعروفة لله لا يصلى لأحد غير الله والطيبات يعني الطيب من أعمال بني آدم لله فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً كذلك الطيبات من الأقوال والأفعال والأوصاف كلها لله فقول الله كله طيب وفعل الله كله طيب وأوصاف الله كلها طيبة فكان لله الطيب من كل شيء وهو بنفسه جل وعلا طيب ولا يقبل إلا طيباً.
***(8/2)
السائل شرف الدين من الجزائر يقول هل نقرأ التحيات في الركعة الثانية وذلك بزيادة الصلاة الإبراهيمية وما الدليل على ذلك نريد التفصيل وجزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد الأول في الثلاثية والرباعية يقتصر فيه على قول التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده رسوله هذا هو الأفضل وإن زاد وقال اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد فلا بأس ومن العلماء من استحب هذه الزيادة لكن الأقرب عندي هو الاقتصار على الحد الأول وإن زاد فلا بأس لا سيما إذا أطال الإمام التشهد فحينئذٍ يزيد الصلاة التي ذكرناها.
***(8/2)
هل على الإنسان أن يتم قراءة التشهد في أول ركعتين في الصلاة الرباعية كصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أم يقف عند قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه يقف عند قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لأن هذا هو التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته لكن التشهد الأخير محل دعاء ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا تشهد أحدكم التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع) فلما كان محل دعاء كان من المناسب أن يؤخر الدعاء إلى التشهد الأخير ومن الدعاء الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتؤخر الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأخير ومن العلماء من قال إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكون في التشهد الأول لأن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب: من الآية56) ولكن القول الأول أصح وأرجح وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يخفف هذا التشهد وذكر حديثاً فيه شيء من الضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخففه كأنما هو جالس على الرضف أي على الحجارة المحماة.
***(8/2)
هل يجوز للمصلى في الصلاة الرباعية أو الثلاثية أن يقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد من الركعة الثانية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة الثلاثية والرباعية فيها تشهدان تشهد في الركعة الثانية وتشهد في الركعة الأخيرة أما التشهد في الركعة الأخيرة فإنه يسن فيه تطويل الدعاء إذا لم يكن إماما يشق على المأمومين بتطويل دعائه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بعد التشهد أن يدعو الإنسان بهذا الدعاء (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) ورخص للإنسان أن يدعو بما شاء من أمر الدين والدنيا وأما التشهد الأول الذي بعد الركعة الثانية فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو يقتصر على قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله فمنهم من اختار الأول أي أن يضيف إلى هذا التشهد الصلاة والتبريك على النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من اختار الاقتصار على قوله وأشهد أن محمد عبده ورسوله وهذا أقرب إلى الصواب لكن لو أن الإنسان زاد فلا حرج عليه أي لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم وبرك عليه فلا حرج.
***(8/2)
هل يستحب في التشهد الأول أن أكمل الصلاة الإبراهيمية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم أن الأفضل قراءة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التشهد الأول كما هي في التشهد الأخير ويرى آخرون أن الأفضل الاقتصار على قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله وهذا عندي أرجح لأن حديث ابن عباس وحديث ابن مسعود رضي الله عنهم في صفة التشهد ليس فيهما ذكر الصلاة الإبراهيمية فالذي يترجح عندي أن الصلاة الإبراهيمية وهي اللهم صلّ على محمد إلخ إنما تقال في التشهد الأخير
***(8/2)
هل الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في التشهد الأوسط تأتي بلفظ اللهم صلّ على محمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن التشهد الأوسط وهو الأول في الحقيقة وليس الأوسط لأن الصلاة ليس فيها ثلاثة تشهدات حتى نقول أوسط وطرف وطرف والتشهد الأول الصحيح أنها لا تشرع وأن المشروع فيها التشهد والتخفيف فإن حديث ابن مسعود وابن عباس أيضاً ليس فيهما ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما جاء ذلك في حديث كعب بن عجرة أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيف يصلون على الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال قولوا كذا وكذا أما التشهد الأخير فنعم تشرع فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك الدعاء المأثور المعروف الذي أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أن يقول المصلى أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال بعد ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقول اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
***(8/2)
المستمع ف. خ. ش. من الدمام يقول لو انتهى المأموم من الصلاة في التشهد الأول والإمام لم ينتهِ بعد فهل يكمل باقي التشهد أم يصمت أم يدعو بعض الأدعية في هذه الفترة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أضف عليه قسم رابع نقول إذا انتهى المأموم من التشهد الأول قبل أن يقوم الإمام فأمامه أربعة أشياء إما أن يعيد التشهد مرةً أخرى وإما أن يكمله وإما أن يسكت وإما أن يدعو بأدعيةٍ يختارها وأقرب شيء أن يكمل التشهد ولا حرج عليه فكثيراً من أهل العلم يرون أن التشهد الأول يشرع فيه أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وهي اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وهذا خيرٌ من السكوت أو الدعاء بأدعيةٍ لم ترد بها السنة وأحسن من تكرار التشهد الأول وقولي خيرٌ من الأدعية التي لم ترد بها السنة ليس مقتضاه أن الإنسان لا يدعو في صلاته إلا بدعاءٍ جاءت به السنة بل الإنسان يدعو في صلاته بما شاء لكن يحافظ أولاً على الأدعية الواردة ثم يدعو بما شاء والدعاء لله عز وجل عبادة حتى وإن دعوت بأمرٍ يتعلق بالدنيا ولهذا جاء في الحديث الدعاء هو العبادة قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقول بعض الفقهاء إن الإنسان لا يدعو في صلاته بأمرٍ من أمور الدنيا قولٌ ضعيف والصواب أنه يجوز أن تدعو في صلاتك بما شيءت ما لم تدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم فإذا دعوت بشيء يتعلق بالدنيا فلا حرج عليك كما لو دعوت بشيء يتعلق بالآخرة.
***(8/2)
في السنن هل يضاف للتشهد الأول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة الإبراهيمية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السنن ما فيها تشهد أول أصلاً التشهد الأول إنما هو في الفرائض في الثلاثية والرباعية والظاهر أنه لا يضيف إليه شيئاً بل إذا انتهى إلى قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله قام ومن العلماء من قال إنه يسن أن يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الواردة وهي اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
***(8/2)
أبو علي يقول هل يجوز الدعاء في التشهد الأول من الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد الأول ينبغي للإنسان أن يخففه وأن يقتصر على قول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأما الدعاء فإنه يكون في التشهد الأخير لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا تشهد أحدكم التشهد الأخير فليقل اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل (لا تدعنّ أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك) ومعنى دبر كل صلاة أي في آخرها قبل السلام وهكذا كل ما جاء بلفظ دبر كل صلاة إذا كان دعاء لأن محل الدعاء في الصلاة ما بعد التشهد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وأما إذا كان المقيد بعقب الصلاة أو دبر الصلاة ذكراً فإنه يكون بعد السلام لقول الله تبارك وتعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) فقول الرسول عليه الصلاة والسلام (تسبحونه وتحمدونه وتكبرونه دبر كل صلاة ثلاث وثلاثين) مراده بالدبر هنا ما بعد السلام لأن هذا ذكر.
***(8/2)
في جلسة التشهد أين يضع كفيه هل هو على الفخذين أم على الركبتين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر في هذا واسع إن شاء وضعهما على الفخذين وإن شاء ألقمهما ركبتيه لأن السنة وردت بهذا وهذا.
***(8/2)
من تشاد السائل محمد علي يقول أثناء التشهد هل تحرك السبابة إلى نهاية التشهد أم تحرك عند التوحيد فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السبابة ترفع يعني لا تضم مع الأصابع الأربعة لأن الأصابع الأربعة الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام يضم بعضها إلى بعض وتبقى السبابة مرفوعة أو تحلق الإبهام مع الوسطى وتبقى السبابة مفتوحة وأما تحريكها فأقرب ما يكون عندي أن تحرك عند ذكر الدعاء فقط كما جاء في الحديث (يحركها يدعو بها) فإذا قلت السلام عليك أيها النبي فهذا دعاء تحركها السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين كذلك اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كذلك اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كذلك أعوذ بالله من عذاب جهنم وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال كذلك ترفعها وإنما ترفع عند الدعاء إشارة إلى علو المدعو وهو الله سبحانه وتعالى وما سوى ذلك فإنها تبقى مفتوحة غير مضمومة ولا مرفوعة.
***(8/2)
يقول عند قراءة التشهد نرفع الإصبع السبابة عند قولنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهل ننزل الإصبع بعد الانتهاء من ذلك أم يبقى مرفوعاً حتى نهاية التشهد أو نهاية التسليم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المشروع في حق المصلى إذا كان جالساً للتشهد أو بين السجدتين أن يضع يده اليسرى على فخذه الأيسر أو ملقماً ركبته إياها وأما اليمنى فهي على الفخذ الأيمن يقبض منها الخنصر والبنصر والوسطى ويضع الإبهام عليها وإن شاء حلقها مع الوسطى فوضع رأس الإبهام على رأس الوسطى حتى تكون كالحلقة وأما السبابة وهي الإصبع التي بين الإبهام والوسطى فإنها تبقى مرفوعة لا مضمومة وكلما دعا حركها يرفعها إلى أعلى إشارة إلى علو المدعو وهو الله عز وجل فإذا قال السلام عليك أيها النبي رفعها إشارة إلى علو الله وإذا قال السلام علينا كذلك يرفعها إشارة إلى علو الله عز وجل لأن قولك السلام عليك أيها النبي السلام علينا دعاء فإنك تدعو الله تعالى بحصول السلامة وكذلك إذا قال اللهم صلّ على محمد اللهم بارك على محمد يشير بها إلى أعلى وكذلك إذا قال أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال يشير بها إلى أعلى يحركها يدعو بها هذا هو المشروع في حال اليدين في التشهد وبين السجدتين.
***(8/2)
البعض من الناس يحركون السبابة في التشهد إلى آخره هل يجوز ذلك أم أن تحريك السبابة يقتصر على أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تحريك السبابة إنما يكون عند الدعاء وليس في جميع التشهد فإذا دعا حركها كما جاء ذلك في بعض الأحاديث (يحركها يدعو بها) ووجه ذلك أن الداعي إنما يدعو الله عز وجل والله سبحانه وتعالى في السماء لقوله تعالى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) (الملك:16-17) وقال النبي عليه الصلاة والسلام ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء فالله تعالى في السماء أي في العلو فوق كل شيء فإذا دعوت الله فإنك تشير إلى العلو ولهذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه خطب الناس في حجة الوداع وقال (ألا هل بلغت قالوا نعم فرفع أصبعه إلى السماء وجعل ينكتها إلى الناس يقول اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاثاً) وهذا يدل على أن الله تعالى فوق كل شيء وهو أمر واضح بالفطرة والعقل والسمع والإجماع وعلى هذا فكلما دعوت الله عز وجل فإنك تحرك السبابة تشير بها إلى السماء وفي غير ذلك تجعلها ساكنة فلنتتبع الآن مواضع الدعاء في التشهد في السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اللهم صلّ على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، هذه ثمانية مواضع للدعاء فتشير بها نحو السماء.
***(8/2)
إذا قام المصلى بعد التشهد الأول فما السُنة في طريقة قيامه بمعنى هل يقوم متكئاًَ على فخذيه أو متكئاً على الأرض مع رجائي بتوضيح ذلك مع الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: السنة أن يقوم من التشهد الأول معتمداً على ركبتيه ناهضاً على صدور قدميه إلا إذا كان الإنسان ثقيلاً أو ضعيفاً أو كبير السن واحتاج إلى أن يعتمد على يديه فإنه يعتمد على يديه لتساعده في القيام وذلك لأن ظاهر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلام هو هذا والإنسان عليه أن يأخذ بظاهر النصوص ما لم يأت دليل على خلافه فإذا أتى الدليل على خلاف الظاهر تخصيصاً أو تقييداً أو تفصيلاًَ وجب العمل به.
***(8/2)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد(8/2)
ما هي الصيغة الصحيحة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصيغة الصحيحة للصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما علمه أمته حيث قالوا يا رسول الله علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلى عليك قال (قولوا اللهم صلّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد) هذه الصيغة الواردة ووردت صيغ أخرى فمن صلى عليه بها فهو على خير لأن هذا مما تنوعت فيه السنة وأما ما يوجد في بعض الكتب من صلوات مبنية على أسجاع وعلى أوصاف وقد تكون أوصافاً لا تصح إلا على رب العالمين فاحذر منها فر منها فرارك من الأسد ولا يغرنك ما فيها من السجع الذي قد يبكي العين ويرقق القلب عليك بالأصيل والأصول ودع عنك هذا الذي ألف على غير هدىً وسلطان.
***(8/2)
السائل فوزي المتولي السيد من جمهورية مصر العربية يقول ماذا يقول المصلى في التشهد اللهم صل على محمد أو يقول اللهم صلّ على سيدنا محمد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن يقول اللهم صل على محمد لأن هذه هي الصفة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حين قالوا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلى عليك فقال (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) فالتزام ما جاء به الشرع أولى ولكن مع ذلك لا شك أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو سيد ولد آدم وسيد العالمين على الإطلاق قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) ولكن عقيدتنا هذه لا تستلزم أن نذكر هذه السيادة في كل صلاة عليه وفي كل مناسبة بل نقف على ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في كيفية الصلاة عليه وفي غيرها هذا هو الأولى وهذا هو الاتباع وهذا هو موجب كونه سيدنا عليه الصلاة والسلام أن يتأدب بين يديه وأن لا يُتعبد لله إلا بما شرع لأننا ما دمنا نعتقد أنه سيد فمعنى ذلك أننا نلتزم بما قال ونتجه حيث وجهنا إليه عليه الصلاة والسلام.
***(8/2)
فضيلة الشيخ إضافة السيد عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هل هي واردة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم أنها واردة والمعروف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم علم أمته كيف يصلون عليه بقوله (قولوا اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ولم يذكر فيها سيدنا ولا شك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيد ولد آدم وأنه إمامنا وقدوتنا وأنه لا خير لنا إن خرجنا عن سنته قيد أنملة لكن أن نضيف إلى شيء علمه أمته فليس من حقنا هذا مع إيماننا بأنه سيدنا وأنه خليلنا وأحب البشر إلينا وأحب إلينا من أنفسنا وأمهاتنا وآبائنا ويجب تقديم محبته واعتقاد سيادته ومن محبته وسيادته التزام سنته ألا نقصر عنها ولا نتجاوزها.
***(8/2)
السائل يقول قول بعض المصلىن في التحيات اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فما رأيكم بقولهم سيدنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يرتاب عاقل أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم فإن كل عاقل مؤمن يؤمن بذلك وأن النبي صلى الله عليه وسلم سيد البشر والسيد هو ذو الشرف والطاعة والإمرة وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم من طاعة الله سبحانه وتعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله ونحن وغيرنا من المؤمنين لا نشك أن نبينا صلى الله عليه وسلم سيدنا وخيرنا وأفضلنا عند الله تعالى وأنه المطاع فيما يأمر به صلوات الله وسلامه عليه ومن مقتضى اعتقادي أنه السيد المطاع عليه الصلاة والسلام ألا نتجاوز ما شرع لنا من قول أو فعل أو عقيدة ومما شرعه لنا في كيفية الصلاة عليه في التشهد أن نقول (اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) أو نحوها من الصفات الواردة في كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ولا أعلم أن صفة وردت بالصفة التي ذكرها السائل وهي: اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وإذا لم ترد هذه الصيغة عن النبي عليه الصلاة والسلام فإن الأفضل ألا نصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بها وإنما نصلى عليه بالصيغة التي علمنا إياها وإنني أود بهذه المناسبة أن أنبه إلى أن كل إنسان يؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم سيدنا فإن مقتضى هذا الإيمان ألا يتجاوز الإنسان ما شرعه وألا ينقص عنه فلا يبتدع في دين الله ما ليس منه ولا ينقص عن دين الله ما هو منه فإن هذا هو حقيقة السيادة التي هي من حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا وعلى هذا فإن أولئك المبتدعين لأذكار أو صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم لم يأت بها شرع الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تنافي دعوى أن هذا الذي ابتدع يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيدنا لأن مقتضى هذه العقيدة ألا يتجاوز ما شرع وألا ينقص منه فليتأمل الإنسان وليتدبر ما يعنيه بقوله حتى يتضح له الأمر ويعرف أنه تابع لا مُشرع.
***(8/2)
السائل حميد السامرائي من العراق يقول في هذا السؤال أرشدونا كيف نصلى على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد انتشرت البدع في كل الأمور ونخشى أن تكون في صلاتنا عليه بدعة هل صحيح الصلاة عليه بهذه العبارات اللهم صلّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم صلّ وسلم اللهم صلّ على أسعدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم صلّ على حببينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم صلّ على شفيعنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم صلّ وسلم وبارك على روح سيدنا محمد في الأرواح وعلى جسده في الأجساد وعلى قلبه الشريف وهو نور وعلى قبره المنير في القبور وعلى اسمه بين الأسماء عدد معلوماتك ومداد كلماتك كلما ذكرك الذاكرون وسها وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون وهل يجوز في الدعاء أن نقول اللهم اجعلنا إلى قبره من الزائرين أم إلى مسجده من الزائرين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال كما قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه وأخبر أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله بها عليه عشراً وخير صيغة يقولها الإنسان في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه بها مثل قوله (اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وغيرها من صيغ الصلوات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن خير ما ألف في ذلك كتاب ابن القيم رحمه الله المسمى جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام فليرجع إليه السائل وغيره من الإخوة المستمعين للاستفادة منه أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي ذكرها السائل فإنها صلاة بدعية وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) وهذه الصيغ من الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم وأذكار الله عز وجل التي يدأب عليها من يدأب وهي مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم كلها من البدع والضلال ولا أدري كيف يليق بالمؤمن أن يعدل عما جاءت به السنة إلى هذه الألفاظ المبتدعة وما ذلك إلا من تزيين الشيطان وتلبيسه والذين يدعون ما جاءت به السنة من صحيح الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ابتدع فيها من البدع لهم نصيب من قوله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) فإذا كنت أخي المسلم تريد أن تتعب نفسك بل تريد أن تتقرب إلى ربك بشيء من الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فعليك بما جاءت به الشريعة فإن ذلك هو الهدى والنور والشفاء وإياك ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وأكثر الناس ولاسيما طلبة العلم يعلمون أن العبادة لا تصح إلا بشرطين أحدهما الإخلاص لله والثاني المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قول السائل هل يجوز أن نقول اللهم اجعلنا إلى قبره من الزائرين أو إلى مسجده فالمشروع أن تقول اللهم اجعلني إلى مسجده من الزائرين لأن مسجده هو الذي تشد إليه الرحال وليس قبره قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) وهاهنا نقطة أحب أن أنبه عليها وهي أن كثيراً من الناس يتشوقون إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما يتشوقون إلى زيارة مسجده بل أكثر مما يتشوقون إلى زيارة الكعبة بيت الله عز وجل وهذا من الضلال البين فإن حق النبي عليه الصلاة والسلام لا يشك أحد في أنه دون حق الله فالرسول عليه الصلاة والسلام بشر مرسل من عند الله ولولا أن الله اجتباه برسالته لم يكن له من الحق هذا الحق الذي يفوق حق كل بشر أما أن يكون مساوياً لحق الله عز وجل أو يكون في قلب الإنسان محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تزيد على محبة الله فإن هذا خطأ عظيم فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله وتعظيمنا له تابع لتعظيم الله عز وجل وهو دون تعظيم الله تعالى ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نغلو فيه وأن نجعل له حقاً مساوياً لحق الله عز وجل قال له رجل مرة ما شاء الله وشيءت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (أجعلتني لله نداً بل ما شاء الله وحده) والخلاصة أنه يجب على الإنسان أن يكون تعظيم الله ومحبة الله في قلبه أعظم من محبة كل أحد وتعظيمة وأن تكون محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في قلبه أعظم من محبة كل مخلوق وتعظيمة وأما أن يساوي بين حق الرسول صلى الله عليه وسلم وبين حق الله تعالى فيما يختص الله به فهذا خطأ عظيم.
***(8/2)
من نسي الصلاة علي النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ماذا يلزمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ينبني علي حكم الصلاة علي النبي في التشهد الأخير فمن قال إنها سنة قال لا يلزمه شيء لأن ترك السنن في الصلاة لا يلزمه به شيء ومن قال أنها واجب قال إن تعمد تركها بطلت صلاته وإن نسيها جبرها بسجود السهو ومن قال أنها ركن قال إن تعمد تركها بطلت صلاته وإن نسيها فلا بد أن يأتي بها وعليه سجود السهو والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله عند أصحابه أن الصلاة على النبي صلى الله علية وسلم ركن لا تصح الصلاة إلا به.
***(8/2)
التشهد الأخير وصفته(8/2)
بعض الإخوة لا يعرف صفة التورك فما هي صفته وحكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة فيها ثلاث صفات في القعود كلها مشروعة.
الصفة الأولى التورك.
الصفة الثانية الافتراش.
والصفة الثالثة التربع أما التربع فإنه سنة لمن صلى جالساً في محل القيام بمعنى أنه إذا صلى جالساً فإنه يكون في الحالة التي يكون فيها قائماً يكون متربعاً فعلى هذا يكون متربعاً قبل الركوع وحال الركوع وإذا رفع من الركوع هذا للذي يصلى قاعداً وأما الافتراش فيسن في الجلوس بين السجدتين وفي التشهد في كل صلاة ليس فيها إلا تشهد واحد وفي التشهد الأول في كل صلاة فيها تشهدان وأما التورك فيكون في التشهد الثاني من كل صلاة فيها تشهدان فيكون التورك في الشهد الثاني أما التربع فإن التربع أن يجلس على إليته وأن يضم ساقه إلى فخذيه وأما الافتراش فأن يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى وأما التورك فأن يجلس كالافتراش إلا أنه يضع إليتيه على الأرض ويخرج رجله اليسرى من تحت ساق رجله اليمنى.
***(8/2)
بارك الله فيكم هذا السائل يقول أسأل عن جلسة التورك ما حكمها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التورك هو أن ينصب المصلي رجله اليمنى فتكون بطون أصابعها إلى الأرض ويكون عقبها نحو السماء ويخرج الرجل اليسرى من الجانب الأيمن ويقعد على الأرض على مقعدته هذه صفة.
الصفة الثانية أن يفرش الرجلين جميعا ويخرجهما من يمينه.
والصفة الثالثة أن يفرش الرجل اليمنى ويدخل اليسرى بين الفخذ والساق كل هذه الصفات وردت في التورك فإذا فعل الإنسان هذا مرة وهذا مرة كان حسنا والتورك إنما يكون في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان وعلى هذا فلا يشرع في صلاة الفجر ولا في صلاة التطوع لأنها مثنى مثنى.
***(8/2)
أبو عبد الله من جازان يسأل عن جلسة التورك ما حكمها ومتى تفعل وهل تشمل النساء والرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى: جلسة التورك سنة في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان كصلاة المغرب والعشاء والظهر والعصر وأما الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد فليس فيها تورك بل تفترش هذا عن حكم التورك أما كونه للرجال والنساء فنعم هو ثابت في حق الرجال وثابت في حق النساء لأن الأصل تساوي النساء والرجال في الأحكام الشرعية إلا بدليل وليس هناك دليل صحيح يدل على أن المرأة تختلف عن الرجل في هيئات الصلاة بل هي والرجل على حدٍ سواء.
***(8/2)
السائل أحمد عبد الله عبد الهادي القحطاني من خميس مشيط يقول التورك في الصلاة أليس هو في كل تشهد يليه سلام كما قال الإمام الشافعي وفي أحد القولين عن أحمد ولو كان في ركعتين وإذا كان لا يسن إلا في الرباعية عملاً بحديث أبي حميد فهلا نقيس على القبض بعد الرفع من الركوع التورك الركعتين والركعة فما رأيكم في ذلك أثابكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأخ السائل يسأل عن حكم التورك هل يكون في كل تشهد يعقبه سلام أو يكون في التشهد الثاني من كل صلاة فيها تشهدان والصواب أنه يكون في التشهد الثاني في كل صلاة فيها تشهدان يكون في التشهد الثاني الذي يعقبه السلام هذا هو الصحيح الذي به تجتمع الأدلة وهو أيضاً مقتضى الحكمة لأنه إنما جعل في التشهد الثاني ليكون التميز بينه وبين التشهد الأول بخلاف الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد فإنه لا حاجة إلى التورك الذي يحصل به التمييز بين التشهد الأول والتشهد الثاني وعلى هذا فصلاة الفجر ليس فيها تورك والنوافل ليس فيها تورك لأنها ركعتان وأما قول السائل فهلا يقاس على القبض فيما قبل الركوع وبعد الركوع فأنا لا أدري ما معنى هذه العبارة ولا وجه القياس الذي يريده هذا السائل ولكنني أتعرض لمسألة وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد القيام من الركوع فأقول إن الإمام أحمد رحمه الله خير بينهما قال إذا قام من الركوع فإن شاء قبض يعني وضع اليد اليمنى على اليسرى وإن شاء أرسلهما ولكن مقتضى حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري أن السنة أن يضع يده اليمنى على اليسرى بعد الركوع وذلك لأنه قال رضي الله عنه (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) وهذا يقتضي أن يكون القيام بعد الركوع داخلاً في ذلك لأن قوله في الصلاة يشمل كل الصلاة لكننا نخرج منها الركوع لأن اليدين موضوعتان على الركب والسجود لأن اليدين على الأرض والجلوس لأن اليدين على الفخذين فيبقى القيام الذي قبل الركوع والقيام الذي بعده فيكون داخلاً في هذا الحديث فالصواب أنه إذا قام من الركوع يضع يده اليمنى على اليسرى كما يضعهما كذلك قبل الركوع.
***(8/2)
أحسن الله إليكم إذا ترك المصلى التورك في التشهد الأخير هل يأثم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأثم لأن التورك في التشهد الأخير في الثلاثية والرباعية سنة والافتراش في التشهد الأول وفي التشهد الأخير في صلاةٍ ليس فيها إلا تشهد واحد كذلك سنة وليس بواجب إن فعل فهو أفضل وإن لم يفعل فلا حرج.
***(8/2)
نعلم بأن التورك سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني لا أتورك إلا إذا كان موضع جلوسي يسمح لي وذلك خوفاً من أن أوذي المسلمين في الجلوس أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: التورك كما قال السائل سنة لكنه في التشهد الأخير من كل صلاة فيها تشهدان فيكون في المغرب ويكون في الظهر وفي العصر وفي العشاء أما الفجر وكل صلاة ثنائية فليس بها تورك والتورك يكون في التشهد الذي يعقبه سلام فلو قدر أن أحداً من الناس دخل مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فإنه إذا تشهد الإمام التشهد الأخير سيبقى على هذا المسبوق ركعة فلا يتورك في هذه الحال لأن توركه وإن كان تشهداً أخيراً بالنسبة لإمامه لكنه ليس تشهداً أخيراً بالنسبة له فلا يتورك فيه مع الإمام ولكنه إذا قضى مع الإمام الصلاة تورك وللتورك ثلاث صفات:
الصفة الأولى: أن ينصب رجله اليمنى أي ينصب القدم ويظهر الرجل اليسرى من تحت الساق لتكون الرجل اليسرى عن يساره.
والصفة الثانية: أن يسدل رجله اليمنى واليسرى من الجانب الأيمن وتكون الرجل اليسرى تحت ساق الرجل اليمنى.
الصفة الثالثة: أن يسدل رجليه من الجانب الأيمن وتكون الرجل اليسرى بين ساق الرجل اليمنى وفخذها. هكذا ثبت في صحيح مسلم فإذا فعل هذا مرة وهذا مرة كان خيراً وإن اقتصر على واحدة كان خيراً لكن ينبغي أن نبين قاعدة مهمة وهي أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة الأفضل فيها أن يفعلها على هذه الوجوه كلها هذه مرة وهذه مرة لفوائد ثلاث:
الفائدة الأولى العمل بكل من السنتين.
والفائدة الثانية أن يحفظ كلتا السنتين لأنه إذا عمل بواحدة وهجر الأخرى نسيها.
الفائدة الثالثة أن هذا أقوى لاستحضار القلب لأنه إذا استمر على سنة واحدة صارت كالعادة له وعلى هذا فيكون التورك مرة بهذا ومرة بهذا أما كون الإنسان لا يتورك إذا كان في الصف لئلا يؤذي غيره فهذا حق إذا كان هناك ضيق ولم يتمكن الإنسان من التورك إلا بأذية أخيه فإنه لا يتورك وهنا يكون ترك سنة اتقاء أذية.
***(8/2)
سائل يقول ما الأصل في رفع إصبع اليد اليمنى أثناء قراءة التشهد أثناء الصلاة وهل هي من أركان الصلاة أم هي سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما المقصود منها وكيفيتها الصحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: وضع اليدين في حال الجلوس للتشهد أو بين السجدتين أن تكون اليد اليسرى مبسوطة على الفخذ اليمنى وأن تكون اليد اليمنى على الفخذ اليمنى ينضم منها الخنصر والبنصر والإبهام والوسطى وتبقى السبابة مفتوحة وكلما دعا حركها ورفعها إلى أعلى إشارة إلى علو الله سبحانه وتعالى الذي وجه الدعاء إليه فمثلاً إذا قال السلام عليك أيها النبي يرفع الإصبع إذا قال اللهم صلّ على محمد يرفعه إذا قال اللهم بارك على محمد يرفعه إذا قال أعوذ بالله من عذاب جهنم يرفعه في كل جملة من الجمل الأربع أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال وله أيضاً أن يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم أنه بسط اليد اليمنى على الفخذ اليسرى بين السجدتين بل النصوص عامة في إنه يقبض الأصابع الثلاثة الخنصر والبنصر والوسطى ويضم إليها الإبهام أو يحلق الإبهام مع الوسطى عامة وبعضها قيد بالتشهد والمعروف عند جمهور العلماء إن ذكر بعض أفراد العام بالحكم الشامل له ولغيره لا يعد تخصيصاً فإذا قلت مثلاً أكرم طلبة العلم ثم قلت أكرم فلاناً وهو من الطلبة فإن ذلك لا يقتضي تخصيص الإكرام بفلان والتخصيص إنما يكون إذا ذكر بعض أفراد العام بحكم مخالف لحكم العام فهذا هو الذي يكون فيه التخصيص وعلى هذا فنقول إن وضع اليد اليمنى في التشهد الأول والثاني والجلوس بين السجدتين واحد لا يختلف ومن اطلع على نص يدل على أن اليد اليمنى مبسوطة على الفخذ اليمنى بين السجدتين أو في التشهد فليبلغنا به ونحن له شاكرون أما كون هذه الإشارة ركناً أو سنة فإنها سنة وليست بركن بل وليست بواجب أيضاً فلو تركها الإنسان فلا حرج عليه وتصح الصلاة بدونها.
***(8/2)
السائل يقول ماحكم رفع السبابة أثناء التشهد في الصلاة ومتى يجب خفضها هل هو عند انتهاء قولنا أشهد أن لا إله إلا الله أم عند الانتهاء من قولنا وأشهد أن محمد رسول الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع السبابة في التشهد إنما هو عند الدعاء يعني عند كل جملة دعائية يرفع المتشهد إصبعه السبابة فمثلاً إذا قال السلام عليك أيها النبي فإن هذا دعاءٌ بالسلامة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيرفع إصبعه وإذا قال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو أيضاً دعاء يرفع إصبعه فيه وإذا قال اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد فهو دعاء يرفع إصبعه فيه وإذا قال اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد فهو دعاء يرفع إصبعه فيه وإذا قال أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال فهو دعاء يرفع إصبعه فيه وأما ما عدا الجمل الدعائية فإنه لا يرفع إصبعه بل يبقيها لا مضمومة إلى راحته ولا مرفوعة إلى فوق هذا هو الذي يتبادر لي من السنة النبوية وأما من رفع الإصبع رفعاً دائماً من حين أن يبدأ التشهد إلى آخره أو صار يحركها تحريكاً دائماً بدون ملاحظة الجمل الدعائية فلا أعلم لذلك أصلا من السنة.
***(8/2)
هل ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في تحريك الإصبع في التشهد والإشارة به أنه أشد على الشيطان من وقع الحديد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد هذا ولكنني لا يحضرني الآن الحكم على سنده بصحة ولا ضعف إنما لاشك أن تحريك الإصبع في الصلاة في الجلوس بين السجدتين وفي التشهدين الأول والثاني أنه من الأمور المشروعة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
إذا أخطأ المصلى أو سها في التشهد الأخير فهل يعيد التشهد من أوله أو من حيث أخطأ وكذلك في بقيه الأركان؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يعيد من حيث أخطأ ثم يأتي بما أخطأ فيه وبما بعده لأن الترتيب لا بد منه وعلى هذا فلو أن الإنسان وقف يصلى ونسي أن يقرأ الفاتحة ثم ركع وذكر أنه نسي أن يقرأ الفاتحة فليقم ليقرأ الفاتحة وسورة معها إن كانت السورة مشروعة في تلك الوقفة ثم يركع والمهم أن من ترك ركنا فعليه أن يأتي به وبما بعده إلا إذا وصل إليه في الركعة التالية فإن الركعة التالية تقوم مقام الأولى ويأتي بعد ذلك بركعة بدل الأولى.
***(8/2)
هل الدعاء قبل السلام يكون بدعاءٍ واحد أم للإنسان أن يدعو بعدة أدعية؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء قبل السلام بما شيءت هكذا جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سواءٌ من أمور الدين أو أمور الدنيا من الأمور الخاصة بك أو العامة للمسلمين أو التي لك ولأقاربك أو لأبويك المهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحدد قال (فليتخير من الدعاء ما شاء) لكن من المعلوم أنه لا يجوز أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم.
***(8/2)
قول الشخص اللهم ارزقني زوجة جميلة وهو في الصلاة ما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به لكن أحب أن أضيف إلى ذلك شيئاً آخر ذات دين نقول اللهم ارزقني زوجة جميلة ذات دين لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يمينك) قال بعض أهل العلم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يؤخر ذكر الدين إلا لحكمة يعني أن تسأل أولاً عن جمالها أجميلة هي أم لا إذا قالوا جميلة حصّلت الجمال فاسأل عن مالها أفقيرة هي أم غنية فإذا قالوا غنية حصّلت المال فاسأل عن حسبها أهي ذات شرف في قومها أم لا قالوا حسبها طيب حصّلت الحسب كم حصلت ثلاث فاسأل عن دينها قالوا الدين وسط إذن لا أتزوجها فيكون إقدامه وإحجامه مبني على دين المرأة وهذا لا شك إنه حكمة بالغة وعلى كل حال إذا كان الإنسان يختار الجميلة فليضف إلى ذلك ذات الدين اللهم ارزقني امرأة جميلة ذات دين أو امرأة جميلة دينة أو ما أشبه ذلك وأما قول بعض العلماء إنه لا يجوز للإنسان أن يدعو بشيء في صلاته مما يتعلق بأمر الدنيا فهو قول ضعيف لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فجعل الأمر موكولاً إلى ما يريد الإنسان.
***(8/2)
هذه الرسالة وردت من المرسل عبد الله من الطائف يقول فيها يقول الفقهاء لا يجوز السؤال لملاذ الدنيا في الصلاة اللهم ارزقني جارية حسناء أو دابة هملاجة وتبطل الصلاة بذلك، فهل هذا صحيح وهل هناك فرق بين الفريضة والنفل في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: كون الإنسان لا يجوز أن يدعو في صلاته بملاذ الدنيا ليس بصحيح فللإنسان أن يدعو في صلاته وخارج صلاته بما شاء، وفي الحديث (ليسأل أحدكم ربه حتى شراك نعله) وفي حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين لما ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) وقوله ما شاء، لفظ عام، لأن ما اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم فيتضمن أو يقتضي جواز الدعاء بما شاء من أمور الدين وأمور الدنيا والآخرة، فيجوز للإنسان أن يسأل في صلاته الفريضة والنافلة ما يتعلق بأمور الدنيا مثل أن يقول اللهم ارزقني زوجة حسناء أو سيارة طيبة أو ما أشبه ذلك، لأن عموم الأحاديث تدل على هذا، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) ولم يخص دعاء دون دعاء، فالصواب في هذه المسألة جواز دعاء الإنسان بما شاء من خير الدنيا والآخرة في صلاته.
***(8/2)
هل يجوز أن أرفع يديّ إلى السماء في الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة لطلب المغفرة من الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع اليدين في الصلاة في الدعاء توقيفي لا يجوز إلا حيث ورد به النص ولا أعلم رفع اليدين في الصلاة إلا في القنوت ففي القنوت يشرع للإنسان أن يرفع يديه في الدعاء لكن لا يرفع وجهه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة واشتد قوله في ذلك حتى قال (لينتهين أقوام عن هذا أو لتخطفن أبصارهم) فرفع البصر إلى السماء في الصلاة حال القراءة أو حال الدعاء محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم اشتد قوله فيه وتوعد على من فعله وبهذا نعرف خطأ بعض الناس الذين إذا رفعوا من الركوع مدوا أيديهم إلى السماء ورفعوا أبصارهم فإن هذا خطأ والمشروع عند الرفع من الركوع أن ترفع يديك كما ترفعها عند تكبيرة الإحرام ترفعها إشارة عند قول سمع الله لمن حمده ثم تضعها على صدرك فتضع اليمنى على اليسرى ورأسك غير مرفوع إلى السماء.
***(8/2)
التسليم(8/2)
السائل من جمهورية مصر العربية إبراهيم محمد يقول إذا أراد إنسان أن يخرج من الصلاة فما كيفية الخروج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أراد إنسان أن يخرج من الصلاة بعد تمامها فإنه بعد التشهد الأخير يلتفت عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله ثم عن يساره السلام عليكم ورحمة الله فإن افتتاح الصلاة التكبير واختتامها التسليم.
***(8/2)
في التسليم في الصلاة بعض أئمة المساجد يقولون السلام عليكم ثم يلتفت ثم يقول ورحمة الله ثم يقول ويفعل مثل ذلك على الجانب الأيسر فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أصل له يعني أنه يقول السلام عليكم ووجهه إلى القبلة ثم يقول ورحمة الله وهو ملتفت فهذا لا أصل له ولا وجه له أيضاً فليس له حظٌ من السنة وليس له حظٌ من النظر والإنسان من حين أن يقول السلام عليكم يبدأ بالالتفات حتى تكون كاف الخطاب حين التفاته تماماً لأنه يخاطب المأمومين الذين وراءه فمن حين أن يقول السلام من حين أن يبدأ بالهمزة يبدأ بالالتفات حتى ينتهي إلى قول وبركاته ثم يلتفت أيضاً مباشرة إلى الجانب الأيسر ويقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وقد رأيت بعض الأئمة إذا أراد أن يسلم جعل يومئ برأسه السلام عليكم فيومئ برأسه مرتين أو ثلاثة ثم يلتفت وهذا أيضاً لا أصل له كما أني رأيت بعض الأئمة يقول السلام عليكم ورحمة الله على اليمين السلام عليكم أيضاً على اليمين لأن مكبر الصوت على يمينه فيخشى إذا قال السلام عليكم ورحمة الله التي على الشمال أن يضعف صوت المكبر وهذا أيضاً لا أصل له ولا ينبغي أن يلاحظ هذا بل يسلم السلام عليكم ورحمة الله على اليمين ثم يلتفت على اليسار ويقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولو كان مكبر الصوت عن يمينه أو عن يساره لا يهتم بهذا المهم فعل السنة ولا بد أن يسمع الناس إلا أن الصوت يضعف فقط.
***(8/2)
بعض المسلمين عندما يسلم يتجه بيده اليمنى إلى جهة اليمين ثم إذا سلم على الشمال أيضاً يوجه الشمال إلى جهة اليسار فهل في هذا شيءٌ من الدين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا له أصلٌ لكنه نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام كان الصحابة رضي الله عنهم إذا سلموا أشاروا بأيديهم نحو اليمين ونحو الشمال ورفعوها فقال النبي عليه الصلاة والسلام (ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس) ثم بين لهم أنه يكفي أحدهم أن يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله.
***(8/2)
السائل يقول بعض الناس الذين يتأخرون عن صلاة الجماعة وبعد انتهاء الصلاة بتسليمة الإمام يقومون لتكملة ما فاتهم وذلك يكون عند تسليمة الإمام التسليمة الأولى فقط وقبل شروعه في التسليمة الثانية ويستعجلون بذلك قبل سكوت الإمام عن التسليمتين فما الحكم في ذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن المشروع ألا يقوموا حتى يسلم التسليمة الثانية لأن صلاة الإمام لا تنتهي إلا بالتسليمة الثانية وهم مأمومون خلفه فلا ينفردون عنه حتى تنتهي صلاته وقد قال بعض العلماء إن المأموم إذا قام إلى قضاء ما فاته بعد التسليمة الأولى وقبل الثانية قالوا إن صلاته تنقلب نفلا ويعني هذا أن صلاته لا تجزئ عن الفرض فالواجب أن ينتظر المأموم حتى يسلم الإمام التسليمتين كلتيهما ثم يقوم.
***(8/2)
ما مدى صحة الزيادة في التسليم بالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أكثر العلماء على أنه لا يسن أن يقول وبركاته لأنه لم يصح هذا الحديث عندهم ومن العلماء من قال أنه يسن والله أعلم.
***(8/2)
السائل يقول لدينا إمام يصلى بنا وفي أثناء السلام يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على اليمين وكذلك اليسار هل هذه الزيادة صحيحة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال المصلى السلام عليكم ورحمة الله اكتفى بذلك وأما زيادة وبركاته فقد اختلف الحفاظ فيها هل هي محفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شاذة فعلى رأي من يرى أنها محفوظة وأن سندها صحيح تكون صفة ثانية للسلام أي أنه يقول أحياناً السلام عليكم ورحمة الله وأحياناً يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى رأي من يرى أنها شاذة أو سندها ضعيف فإنه لا يشرع قولها ولكن من الخطأ أن يداوم الإنسان عليها لأن الأحاديث الكثيرة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام ليس فيها هذه الزيادة فكون الإنسان يصر على أن يحافظ عليها دائماً مخالفة للسنة فنبهوا إمامكم هذا على أنه لا بد أن يتحرى في هذه الزيادة هل ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لم تثبت ثم إذا تبين له أنها قد ثبتت فلا يستمر عليها دائماً لأن الأحاديث الكثيرة الثابتة الصحيحة ليس فيها هذه الزيادة ولكنها إذا ثبتت عنده فلتكن صفة أخرى للسلام يفعل هذا مرة وهذا مرة ثم أنه أيضاً يجب على كل إمام فعل شيئاً من السنن التي تخفى على العامة ويستنكرونها أن يبين لهم أنها من السنة حتى يقتنعوا بذلك وحتى يسلم من الكلام في عرضه ورحم الله امرء كفّ الغيبة عن نفسه أما كون بعض الأئمة يفعل السنة التي لا يعرفها الناس ثم لا يبين لهم أنها من السنة فإن هذا يعتبر من قصوره أو من تقصيره.
***(8/2)
السائل يقول صلى بنا رجلٌ مسلم وسلم بنا تسليمة واحدة عن يمينه هل يجوز الاقتصار على واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض العلماء أنه يجوز الاقتصار على تسليمة واحدة ويرى بعضهم أنه لا بد من التسليمتين ويرى آخرون أن التسليمة الواحدة تكفي في النفل دون الفرض والاحتياط للإنسان أن يسلم مرتين لأن هذا أكثر فيما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أحوط وأكثر ذكراً ولكن إذا سلم الإمام مرةً واحدة وكان المأموم لا يرى الاقتصار على واحدة فليسلم المأموم مرتين ولا حرج عليه في هذا أما لو سلم الإمام مرتين والمأموم يرى تسليمة واحدة فليسلم مع الإمام ليكون متابعاً له.
***(8/2)
رجل جالس في التشهد الأخير في فريضة ما وبعد أن انتهى من التشهد بدأ بالتسليم من اليسار ناسيا فما حكم الصلاة وماذا عليه أن يفعل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاته صحيحة لأن كونه يبدأ باليمين أفضل فقط ما لم يتعمد مخالفة السنة ببدئه من اليسار فإن تعمد ذلك بطلت صلاته لكنه يقول في السؤال إنه كان ناسيا وعلى هذا فلا شيء عليه لا سجود السهو ولا بطلان صلاته.
***(8/2)
المصافحة بعد الصلاة(8/2)
هل تجوز المصافحة بعد السلام من الصلاة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المصافحة بين الرجل وأخيه سنة عند الملاقاة فقط وأما بعد السلام من الصلاة المفروضة فإنها ليست بسنة إذ لم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا إذا سلموا من الفريضة صافح بعضهم بعضاً وأما بعد السلام من النافلة فهي سنة إذا كان ذلك من الملاقاة مثل أن يأتي رجل فيقف في الصف فيصلى تحية المسجد فإذا سلم من الصلاة صافح من على يمينه ويساره فإن هذا يدخل في المصافحة عند الملاقاة ولا يعد هذا بدعة.
***(8/2)
ماحكم السلام بعد الصلاة على من يجلس عن يمينك وشمالك هل هو بدعة أحدثتها بعض الفرق كما سمعنا وما الواجب عليّ في هذه الحالة بالرغم من انتشارها بين الناس جزاكم الله خيراً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما السلام على من على يمينك ويسارك بعد الانتهاء من الصلاة مباشرة كما يفعله بعض الناس بحيث يبدأ به قبل أن يقول أستغفر الله وقبل أذكار الصلاة فهذا لا شك أنه ليس بمشروع وأنه ينبغي أن ينبه الناس عليه، وأما إذا انتهى من أذكار الصلاة وفرغ منها ثم سلم على من على يمينه وعلى شماله للتودد والتحبب لا من أجل أن ذلك مشروع عقب الصلاة فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه، لكن من اعتقد أن هذا مشروع وفعله على سبيل التعبد والمشروعية فإن ذلك بدعة ينهى عنه، ففرق بين من يتخذ الشيء للتودد والتحبب دون أن يعتقد مشروعيته، وبين من يفعله على سبيل التودد والتحبب بعد أن يفعل ما شرع دبر الصلاة فالأول بدعة والثاني لا يظهر أن فيه بأساً، ولكن يظهر من فعل بعض الناس أنهم يعتقدون أنه سنة لأنهم يبادرون به بعد السلام مباشرة ولأن بعضهم قد يكون هو وأصحابه قد دخلوا جميعاً ثم إذا سلم من الصلاة سلم عليهم وهذا يدل على أنه يظن أو يعتقد أن ذلك من السنة وهو ليس من السنة.
***(8/2)
المسمتع عبد الله من الرياض يقول اعتاد بعض الناس بعد كل فريضة أن يسلم على من بجانبه اليمين أو اليسار وكذلك بعد الفريضة على الإمام وهناك عادة أخرى سمعت أنها ليست بواجبة وهي رفع اليدين بعد النافلة للدعاء فما حكم هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول وهو السلام بعد الصلاة فهذا إن وقع مباشرة كما يفعله بعض الناس من حين أن يسلم من على يمينه وعن يساره وربما يضيف إلى ذلك أن يقول تقبل الله أو ما أشبه هذا فإن هذا العمل لا أصل له ولم يكن من هدي السلف الصالح وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأما إذا وقع بعد النافلة وسلم الإنسان على من على يمينه أو عن شماله لا لقصد أن هذا أمر مستحب أو أنه أمر مشروع فأرجو أن لا يكون فيه بأس لأن فيه مصلحة وهو تأليف القلوب وربما يحتاج إلى السؤال عن حاله وأما الدعاء بعد الصلاة النافلة والفريضة فليس له أصل عن النبي عليه الصلاة والسلام فإن الله تعالى قال (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) ولم يقل فادعو الله والدعاء إنما يكون قبل السلام هكذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليه فقال حين ذكر التشهد ثم ليتخير من الدعاء ما شاء وكما أن هذا هو مقتضى ما أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام فهو أيضاً القياس والنظر الصحيح لأن كون الإنسان يدعو قبل أن يسلم أولى من كونه يدعو بعد أن يسلم لأنه قبل أن يسلم يناجي الله عز وجل لأنه في صلاة وإذا سلم انقطعت المناجاة الخاصة بالصلاة وحينئذٍٍ نقول إذا كنت تريد أن تدعو الله فادع الله سبحانه وتعالى بعد التشهد وقبل أن تسلم ولو طولت إطالة كثيرة ما دمت لست إماماً ولا مأموماً فلك أن تطيل ماشيءت لو تبقى نصف ساعة أو أكثر وأنت تدعو قبل أن تسلم فلا حرج عليك أما إذا كنت إماماً فلا ينبغي أن تطيل في الناس أكثر مما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل وإذا كنت مأموماً فلا بد أن تكون تابعاً لإمامك متى سلم وقد أتيت بما يجب عليك من التشهد فسلم معه.
***(8/2)
سائل يقول إذا فرغ المصلون من الصلاة يقوم بعض المصلىن بمصافحة الذين بجوارهم هل هذا وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بوارد يعني كون المصلىن إذا سلموا من الصلاة صافح بعضهم بعضاً ليس بوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم بل هو مما أحدث والإنسان يسلم من الصلاة فيقول السلام عليكم ورحمة الله يسلم على كل من معه من المصلىن فالإمام يسلم على المأمومين والمأمومون يسلم بعضهم على بعض وربما يشمل سلامهم الإمام أيضاً ولا حاجة إلى إعادة السلام مرةً ثانية لأن الجماعة واحدة أما ما يفعله بعض الناس الذين يدخلون المسجد ويصلى تحية المسجد أو الراتبة مثلاً فإذا فرغ صافح من على يمينه ويساره فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه لكن بشرط أن لا يقصد الإنسان به التعبد وأن هذا مشروع وإنما يقصد بذلك الإيناس.
***(8/2)
يقول السائل يقوم بعض المصلىن بالمصافحة بعد الانتهاء من الصلاة قائلين لبعضهم تقبل الله ويرد الآخر عليهم فهل لهذا أصل في السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس له أصل في السنة لا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في سنة الخلفاء الراشدين وما علمنا أحداً من أئمة المسلمين استحبه أو فعله وإنما المشروع للإنسان بعد صلاة الفريضة أن يستغفر الله ثلاثاً وأن يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يأتي بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان قال الله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) لكن لو فرض أن شخصاً له حاجة إلى أخيه فلما انتهى من التسبيح سلم عليه وتكلم معه في حاجته فإن هذا لا بأس به ولا يعد من مخالفة السنة.
***(8/2)
السبحة وعدّ التسبيح(8/2)
السائل يقول ما حكم استخدام السبحة في التسبيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن يسبح الإنسان بأصابعه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لنساء كن يسبحن بالحصا قال (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) فلا ينبغي للإنسان أن يسبح بالمسبحة لا في أذكار الصلوات ولا في الأذكار المطلقة بل يسبح بأصابعه.
***(8/2)
استخدام السبحة في التسبيح ما رأيكم فيها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: استخدام السبحة جائز لكن الأفضل أن يسبح بالأصابع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) ولأن حمل السبحة يكون فيه شيء من الرياء ولأن الذي يسبح بالسبحة غالباً تجده لا يحضر قلبه لأنه يسبح بالمسبحة وهو ينظر الناس يميناً وشمالاً فالأصابع هي الأفضل والأولى.
***(8/2)
السائل يقول ما حكم عقد التسبيح باليسرى مع اليمنى ويقولون أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح باليسرى فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسبح باليسرى وإنما جاء عنه أنه كان يعقد التسبيح بيمناه، ولكن مع هذا لا ينكر على من سبح باليسرى وإنما يقال إن السنة الاقتصار على التسبيح باليمنى.
***(8/2)
السائل طارق يوسف من مصر يقول أيهما أفضل ختام الصلاة بالسبحة أم على الأصابع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ختام الصلاة؟! كان الأولى أن يقول في السؤال أيهما أفضل عد التسبيح بالأصابع أم بالسبحة فالأولى عد التسبيح بالأصابع لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بأصابعه بيده اليمنى وقال النبي عليه الصلاة والسلام لنساء من الصحابة (اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات) وأما العد بالسبحة فإنه وإن كان جائزاً لكنه فيه بعض المفاسد منها أنه قد يكون سبباً في الرياء لا سيما في هؤلاء الذين يظهرون سبحاتهم أمام الناس ويعدونها أمامهم ولا سيما إذا كانت السبحة فيها خرز كثير كأنهم يقولون للناس إننا نسبح الله بعدد هذه الخرز ولأن السبحة قد يقوم الإنسان بالتسبيح وهو يعدها غافل القلب بخلاف الأصابع فإن عد التسبيح بالأصابع أقرب لحضور القلب من عده بالمسبحة.
***(8/2)
الذكر والدعاء بعد الصلاة(8/2)
ما هي الأذكار والأدعية المشروعة التي تقال بعد الانتهاء من كل صلاة وهل هناك فرق بين الأدعية بالنسبة للصلوات بمعنى هل لكل صلاة دعاء خاص بها أم هو دعاء واحد وذكر واحد يقال بعد كل صلاة وما هو؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذكار الواردة بعد الصلوات متنوعة فإذا أتى الإنسان بنوع منها كان كافياً لأن العبادات المتنوعة يشرع للإنسان أن يفعلها على تلك الوجوه التي أتت عليها مثال ذلك الاستفتاح فيه استفتاحات متنوعة إذا استفتح بواحد منها أتى بالمشروع ففيه ما دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) وفيها أيضاً (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) فإذا استفتح بالأول أو بالثاني أو بغيرهما مما ورد في الاستفتاح وهو الذي يقال في أول ركعة قبل الفاتحة فلا حرج عليه بل هو الأفضل أن يستفتح بهذا تارة وبهذا تارة وكذلك ما ورد في التشهد وكذلك ما ورد في أذكار الصلاة فإذا فرغ الإنسان من الصلاة فإنه يستغفر ثلاثاً فيقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ويقول أيضاً اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ويقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة فهذه تسع وتسعون ويقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ويجوز أن يقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة جميعاً والحمد لله والحمد لله والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة جميعاً بمعنى أنه يسبح ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها ويحمد ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها ويكبر أربع وثلاثين جميعاً فهذه مائة ويجوز أيضاً أن يقول بدلاً عن ذلك سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة فهذه مائة فهذه الأنواع الأفضل أن يأتي الإنسان منها مرة بهذا ومرة بهذا ليكون قد أتى بالسنة أما في صلاة المغرب وصلاة الفجر فإنه ورد أنه يقول بعدها عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير وكذلك يقول ربي أجرني من النار سبع مرات واعلم أن تنوع العبادات والأذكار من نعمة الله على الإنسان ذلك لأنه يحصل بها عدة فوائد منها أن تنوع العبادات يؤدي إلى استحضار الإنسان ما يقوله من الذكر فإن الإنسان إذا داوم على ذكر واحد صار يأتي به كما يقولون روتينياً بدون أن يحضر قلبه فإذا تعمد وتقصد تنويعها فإنه بذلك يحصل له حضور القلب ومن فوائد تنوع العبادات أن الإنسان قد يختار الأسهل منها والأيسر لسبب من الأسباب فيكون كذلك تسهيل عليه ومنها أن في كل نوع منها ما ليس في الآخر فيكون بذلك زيادة ثناء على الله عز وجل والحاصل أن الأذكار الواردة في الصلوات متنوعة كما سمعتم إلى بعض منها.
***(8/2)
الأذكار التي تقال بعد الفراغ من الصلاة هل تتساوى فيها جميع الصلوات الخمس أم أن هناك صلوات يقال فيها أكثر من غيرها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: في الجملة هي تتساوى إلا أن صلاة الفجر وصلاة المغرب تتميز عن غيرها بزيادة (التوحيد) حيث يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات وليس ذلك مما ورد في غيرهما من الصلوات.
***(8/2)
هل التسبيح بعد الصلاة يجب أن يكون في نفس المكان الذي يصلى فيه الشخص تقول لأني امرأة متزوجة ولي أولاد فلا أستطيع أن أجلس حتى أكمل التسبيح فأكمله وأنا أقوم بشأن أفراد أسرتي؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط في الذكر خلف الصلوات أن يكون في المكان قال الله عز وجل (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وقال عز وجل في صلاة الجمعة (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لكن أهم شيء أن يكون قلبها حاضرا عند الذكر.
***(8/2)
هل الأفضل أن تقال الأذكار بعد الفريضة أم بعد السنن وإذا كان لدي عمل ولا أستطيع أن أصلى السنن في البيت من أجل العمل هل أصلى السنن ثم أقول الأذكار بعد السنن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أذكار الفريضة تلي الفريضة ولا تؤخر عنها ثم يصلى الإنسان الراتبة لكن إذا كان لا يتمكن من هذا وأتى بالراتبة أولا ثم ذكر الله تعالى بعد ذلك فأرجو ألا يكون في هذا بأس.
***(8/2)
تقول المستمعة بعدما أنتهى من صلاة الفرض هل أقوم أصلى السنة أم أسبح وأحمد الله وأكبر وأقرأ المأثورات ثم أصلى السنة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا هو الأفضل أن الإنسان إذا صلى الفريضة اتبعها بما يشرع بعدها لقول الله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) فتأتي الاستغفار وقول اللهم أنت السلام ومنك السلام والذكر والتسبيح والتكبير والتحميد حسب ما ورد ثم بعد ذلك تصلى النافلة والأفضل للإنسان أن يصلى النافلة في بيته الراتبة وغير الراتبة إلا ما شرع في المسجد كقيام رمضان وكصلاة الكسوف عند القائلين بأنها سنة وليست بواجبة وعلى هذا فالأفضل للرجل أن يصلى الراتبة في بيته سواء التي قبل الصلاة أو التي بعد الصلاة إلا أن يخاف أن تقام الصلاة إذا صلى في بيته فحينئذٍ يؤخر الصلاة حتى يصل إلى المسجد فيصلى الراتبة.
***(8/2)
الاستغفار بعد الصلاة هل هو عام في جميع الصلوات الفرض والنفل أم هو خاص بالفرائض فقط؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي من السنة أن الاستغفار وقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وبقية الأذكار إنما تكون في الفريضة فقط لأن الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل لم يذكروا إنه فعل ذلك بعد أن ختم صلاته لكن جاء حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الوتر أن يقول سبحان الملك القدوس ثلاث مرات يمد صوته في الثالثة.
***(8/2)
ما مناسبة الاستغفار بعد الصلاة مباشرة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المناسبة ظاهرة أي إنسان تخلو صلاته من خلل يمكن الإنسان ينفتح عليه باب الوسواس والهواجيس يمكن يقصر في الركوع أو في السجود أو في القيام أو في القعود فالصلاة لا تخلو من خلل فناسب أن يبادر بالاستغفار من بعد السلام مباشرة ليمحو الله بهذا الاستغفار ما كان من خلل في صلاته.
***(8/2)
ما الدليل على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة وما هو الدليل على الدعاء دبر الصلوات المكتوبة كذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأول فقد ورد فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت) وهذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من قال إنه ضعيف ومنهم من حسنه والذين قالوا بضعفه قالوا إنه من فضائل الأعمال وأجازوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وأما من حسنه فإن الحديث الحسن من الأحاديث المقبولة التي يعمل بها لاسيما في مثل هذا الموضع فمن قرأ آية الكرسي دبر الصلاة فإنه يرجى أن ينال خيراً وأما الدعاء أدبار الصلوات فإن المراد بأدبار الصلوات في الحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الدعاء أسمع قال (جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبة) المراد بأدبار الصلوات أواخر الصلوات وليس المراد به ما بعد الصلاة لأن دبر الشيء يكون منه كما في دبر الحيوان فإنه الجزء المؤخر من الحيوان وقد يكون المراد بالدبر ما بعد العمل ففي مثل قول صلى الله عليه وسلم تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين المراد بدبر الصلاة هنا ما بعدها بدليل قوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وأما إذا لم يدل دليل على أن المراد بالدبر ما بعد العبادة ولا سيما دبر الصلاة فإن المراد بدبرها آخرها لأنه هو محل الدعاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه في التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء في آخر التشهد وكما أنه مقتضى الدليل أعني كما أن الدعاء في آخر الصلاة مقتضى الدليل فهو مقتضى النظر أيضاً فإن كونك تدعو الله تعالى وأنت في صلاتك قبل أن تنصرف من مناجاة الله أولى من كونك تدعوه بعد أن تنصرف من صلاتك لكن ما دل الدليل عليه فإنه يتبع ولهذا كان من المشروع بعد السلام أن تقول أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ثلاثاً أي تقول أستغفر الله ثلاثاً وهذا من الدعاء بلا شك لكن وردت به السنة وما وردت به السنة فإنه ثابت.
***(8/2)
لقد قرأت في حديث بأن من قرأ آية الكرسي بعد كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث في صحته نظر لكن حسنه بعض أهل العلم والعمل بذلك طيب لأنه لا يضر الإنسان شيئاً بل له أجر في كل حرفٍ حسنة والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعافٍ كثيرة وفيه أيضاً زيادة الحفظ لأن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطانٌ حتى يصبح لكن يبدأ بالأذكار الواردة في الأحاديث الصحيحة قبل آية الكرسي.
***(8/2)
هل ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم قول (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) بعد الاستغفار ثلاثاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ثابت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا سلم استغفر الله فقال: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله ثم يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ووجه ذلك أن الإنسان مهما كان لابد أن يكون في صلاته تقصير يتمم بالاستغفار وأيضاً اللهم أنت السلام يعني كأنك تقول اللهم أنت السلام ومنك السلام فيا ربي سلم لي صلاتي وأتمم أجرها وثوابها فهذان النوعان من الذكر ثابتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
***(8/2)
في هذا الدعاء اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ما حكم كلمة تعاليت في هذا الدعاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن لا يقولها في هذا المكان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقولها في هذا المكان إذا فرغ من الصلاة بل كان يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وأما في غير هذا المكان فلا حرج أن يقول تباركت ربنا وتعاليت وما أشبه ذلك لأن الجمع بين البركة والتعالي لم يرد منعٌ منه ولا يقتضي معنىً فاسداً لكن الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم على صفةٍ معينة الأفضل للإنسان أن يلتزم بها وأن لا يزيد عليها ولا ينقص ولكن إن زاد عليها في موضعٍ ليس فيه نهي فلا بأس به.
فضيلة الشيخ: يقصد السائل إضافة تباركت وتعاليت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: تعاليت لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الموطن لكن وردت في موطن آخر والأولى في الأذكار أن يُقتصر فيها على الوارد ويجعل كل شي في موطنه.
***(8/2)
نسمع بعض المصلين يقول بعد السلام أستغفر الله العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والاكرام فما صحة هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن يقول المصلى بعد السلام أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام ثم يشرع في الأذكار الواردة هذا هو السنة فإذا سمعت أحداً يأتي بما يخالف هذا أنصحه وبين له أن السنة كذا وكذا والمؤمن الذي يريد الخير لا بد أن يفعل ما هو أصوب وأرضى لله عز وجل.
***(8/2)
هل حددت الأذكار بثلاثة وثلاثين أم الزيادة عليها جائزة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الأذكار بعد الصلاة أنواع:
النوع الأول أن يقول الإنسان سبحان الله عشر مرات والحمد لله عشر مرات والله أكبر عشر مرات
والنوع الثاني أن يقول سبحان الله ثلاثاً وثلاثين والحمد لله ثلاثاً وثلاثين والله أكبر أربعاً وثلاثين
النوع الثالث أن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين ثم يختم المائة بقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
النوع الرابع أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمساً وعشرين مرة ولا ينبغي للإنسان أن يزيد على هذا على أنه ذكرٌ من أذكار الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدد ذلك أما إذا نواه ذكراً مطلقاً يعني بغير نية أنه ذكرٌ من أذكار دبر الصلاة فلا بأس لأن ذكر الله تعالى في كل وقت من الأمور المشروعة قال الله عز وجل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران: من الآية190-191) .
***(8/2)
ما هو التهليل الذي يقال بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الفجر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الله تعالى بعد الصلوات قد أمر الله به في قوله (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وهذا الذكر الذي أمر الله به مجملاً بينه النبي صلى الله عليه وسلم فتقول إذا سلمت استغفر الله استغفر الله استغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وتسبح الله تعالى بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك أن تسبح الله وتحمده وتكبره ثلاثاً وثلاثين تقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين وتقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وسواءٌ سبحتها مجموعة سبحان الله والحمد لله والله أكبر أو سبحت التسبيح وحده والتحميد وحده والتكبير وحده فقلت سبحان الله سبحان الله سبحان الله حتى تكمل ثلاثاً وثلاثين الحمد لله الحمد لله الحمد لله حتى تكمل ثلاثاً وثلاثين الله أكبر الله أكبر الله أكبر حتى تكمل ثلاثاً وثلاثين وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كذلك يجوز أن تسبح وتحمد وتكبر عشراً عشراً بدلاً من الثلاثة والثلاثين فتقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله عشر مرات الحمد لله الحمد لله الحمد لله عشر مرات الله أكبر الله أكبر الله أكبر عشر مرات فهذه ثلاثون أيضاً هذا مما جاءت به السنة ومما جاءت به السنة في هذا أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هذه الأربع خمساً وعشرين مرة فيكون المجموع مائةً فأي نوع من هذه الأنواع سبحت به فهو جائز لأن القاعدة الشرعية أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يجوز فعلها بل يسن فعلها على هذه الوجوه كلها هذه مرة وهذه مرة لأجل أن يأتي الإنسان بالسنة بجميع وجوهها هذه الأذكار التي قلت عامةٌ في الصلوات المغرب والفجر والظهر والعصر والعشاء وفي المغرب والفجر أيضاً يزاد التهليل عشر مرات وكذلك ربي أجرني من النار سبع مرات.
***(8/2)
صلاح محمد مقيم بالكويت يقول عندما يقرأ الإنسان بعد صلاة المغرب والصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات هل على الإمام أن يقول ذلك قبل أن يلتفت ناحية المصلىن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على الإمام أن يقول ذلك قبل أن يلتفت إلى المصلىن بل وليس من السنة له ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس بعد سلامه مستقبل القبلة إلا بمقدار ما يقول (استغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ثم ينصرف ولا ينبغي للإمام أن يطيل أكثر من ذلك لأن انصراف المأمومين مقيد به حيث جاء في الحديث (لا تسبقوني بالانصراف) ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله يكره للإمام أن يطيل الجلوس مستقبل القبلة بعد سلامه وعلى هذا فالسنة أن يقول الإمام بعد السلام (أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف) حتى يعطي المأمومين مهلة فينصرفوا.
***(8/2)
هل ورد الحث على قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد في ذلك حديث حسن مقبول يعمل به فيقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات وفي غيرها يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات يعني يهلل ثلاثة مرات بعد الظهر والعصر والعشاء وعشر مرات بعد المغرب والفجر.
***(8/2)
رسالة وصلت من المستمع خالد ع. م. من الكويت بعث بسؤال يقول فيه ما هي الأفعال والأقوال التي من السنة القيام بها بعد صلاة العشاء؟
فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة العشاء كغيرها من الصلوات لها أذكار مشروعة فأول ما يسلم يستغفر الله ثلاثاً ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام ثم يذكر الله ثلاث مرات ثم يأتي بما جاءت به السنة من الأذكار الأخرى ومنها أن يسبح الله تعالى ثلاثاً وثلاثين ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين ويكبر الله أربعاً وثلاثين، ومنها أن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين ويتمم المائة بقوله لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ومنها أن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر خمساً وعشرين مرة ومنها أن يقول سبحان الله عشر مرات والحمد لله عشر مرات والله أكبر عشر مرات ثم يصلى بعد ذلك الراتبة سنة العشاء ركعتين، ثم ينام ولا يشتغل بشيء من أمور الدنيا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها إلا الحديث اليسير مع الأهل والأصحاب أو المذاكرة في العلم فإن هذا لا بأس به وأما ما يفعله كثير من الناس اليوم يسهرون الليل سهراً طويلاً على غير فائدة بل ربما على شيء يضرهم ثم ينامون عن الصلاة في آخر الليل وربما ناموا عن صلاة الفجر أيضاً، فهذا بلا شك خطأ وخلاف السنة، وإذا استيقظ من نومه فينبغي له أن يجعل له ورداً في صلاة الليل حسب ما تقتضيه حاله من النشاط أو الكسل فيصلى ما شاء الله ثم يختم صلاته بالوتر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الليل فقال (مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الفجر صلى واحدة أوترت له ما قد صلى) هذا ما ينبغي فعله بعد صلاة العشاء وإن كان له أهل فينبغي أن يتحدث معهم بعد صلاة العشاء يسيراً للإيناس ولإزالة الوحشة فإن خير الناس خيرهم لأهله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) .
***(8/2)
هذا سائل يقول بأنه إمام في أحد المساجد وبعد التسليم أسبح بالطريقة المشروعة بصوتٍ مرتفع فأنكر علي بعض العامة ذلك بقولهم إنك قد تشوش على الذين فاتتهم الصلاة فما رأيكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المكتوبة مشهور لما صح في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رفع الصوت بالذكر حين يفرغ الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لكن إذا كان يصلى إلى جنبك شخص وخفت أن تشوش عليه برفع الصوت فالأفضل أن لا تفعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال (لا يجهر بعضكم على بعضٍ في القراءة أو قال في القرآن) ولكن هذا إذا كان إلى جنبك أما إذا كان بعيداً عنك فالغالب أنك لا تشوش عليه لا سيما إذا كانت الأصوات متداخلة كلهم يرفعون أصواتهم فإنها إذا كانت متداخلة لا يحصل فيها التشويش إنما يحصل إذا كان إلى جنبك مباشرة أو إذا كان هناك أصواتاً متميزة جهورية وأما إذا تداخلت الأصوات فلا تشويش.
***(8/2)
السائل م. م. ش. من سوريا دمشق يقول كان الإمام عندنا يقرأ الأوراد بعد كل صلاة مع المصلىن ولكن بعض المصلىن يقومون مباشرة ويصلون السنة وعندما رأى ذلك الإمام قال لنا إن قراءة الأوراد جهرا فيها تشويش على المصلىن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يشوش القارىء على المصلى) وامتنع عن قراءة هذه الأوراد وقال لنا اقرؤوها سرا كل واحد على حده ولكن بعد ذلك حصل خلاف كبير بين الإمام والمأمومين وظهرت الفوضى في المسجد من قبل المصلين وطالبوا الإمام بإعادة قراءة الأوراد جهرا ولكن الإمام أصر على الإسرار بها فما هو الصحيح عمل الإمام أم عمل المأمومين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: عمل الإمام وهو قراءته الأوراد جهرا بعد السلام بدعة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر بها ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بالأذكار بعد الصلاة قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يجهرون بالذكر بعد الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بالتكبير أي بالتكبير الذي يكون مع الذكر لأن الذكر مشتمل على قول سبحان الله والحمد لله والله أكبر وأما الأوراد والأدعية فلم يكن صلى الله عليه وسلم يجهر بها وأما صلاة المأمومين الراتبة بعد انقضاء الصلاة فورا فهذا أيضا خلاف السنة إذا أن السنة بعد الصلاة أن يشتغل الإنسان بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إنه من السنة أن يفصل الإنسان بين الفريضة والنافلة فإن الناس كانوا يؤمرون ألا يصلوا صلاة بصلاة حتى يخرجوا أو يتكلموا.
***(8/2)
السائل يقول أمّيت الناس في صلاة العشاء وفي الركعة الأخيرة وبعد الرفع من الركوع دعوت الله سبحانه أن يسقينا الغيث وفي آخر الدعاء قلت وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ولما انتهينا من الصلاة انتقدني أحد المصلىن بقوله أنا لا أسود الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة ويجب أن تقول وصلى الله على نبينا محمد فقط واستدل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تسودوني في الصلاة) فما قولكم في هذا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً نقول إن قنوتك للاستسقاء غير مشروع لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما ورد الاستسقاء عنه إما في خطبة الجمعة أو في خطبة صلاة الاستسقاء أو في وقت غير مقيد بعمل وأما القنوت لذلك فليس مشروعا.
ثانيا قول القائل اللهم صلِّ على سيدنا محمد لا حرج فيه ولا بأس به وأما الحديث الذي ذكر فيه النهي عن التسويد في الصلاة فحديث باطل لا أصل له ولكن ينبغي مع ذلك ألا يذكر الإنسان كلمة سيدنا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا حيث وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه لا يذكر كلمة سيدنا بل لما قالوا يا رسول الله أمرنا الله أن نصلى عليك فكيف نصلى عليك فقال قولوا (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) وهذا لا يعني أن الذي لم يذكر سيدنا قد تنقص من حق الرسول عليه الصلاة والسلام بل إن الذي لم يذكرها في الموضع الذي لم ترد فيه أعظم إجلالا ممن يذكرها في موضع لم ترد فيه لأن الذي لم يذكرها في الموضع الذي لم ترد فيه أشد اتباعا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن ذكرها في موضع لم تذكر فيه وعلى هذا فيكون هذا الذي حذفها في موضع لم تذكر فيه هو الذي جعل محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيداً حقا بحيث لا نتجاوز ما أرشدنا إليه ولا نتعدى ما شرعه لنا ولا يفهم فاهم من قولنا هذا أننا لا نعتقد أن محمداً سيدنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل هو سيدنا بل سيد ولد آدم كما ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن كلما عظمت السيادة في قلب المؤمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم عظم اتباعه لسنته بحيث لا يزيد فيها ولا ينقص عنها.
***(8/2)
السائل أخوكم في الله أبو فراس من حلب يستفسر ويقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في الصلاة خلف إمام يدعو بالدعاء التالي اللهم صلِّ على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها حيث أن بعض الأخوة قالوا بأن هذا لا يجوز وجهونا في ضوء ذلك مأجورين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً هل هو يدعو بهذا الدعاء في نفس الصلاة أو في غيرها إن كان يدعو بذلك في نفس الصلاة فإن صلاته تكون باطلة فيما يظهر لي لأن هذا دعاء يقرب أن يكون شركاً فالنبي عليه الصلاة والسلام ليس طب القلوب ودواءها على وجه حسي بمعنى إذا مرض القلب مرضاً حسياً جسمانياً فإن النبي صلى الله عليه وسلم ليس طبيبه إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات الآن ولا يمكن أن ينتفع به أحد من الناحية الجسمية أما إذا أراد أن الإيمان به طب القلوب ودواء القلوب فهذا حق ولاشك أن الإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام يشفي القلوب من أمراضها الأمراض الدينية وأنه دواء لها وكذلك يقال في عافية الأبدان فالنبي عليه الصلاة والسلام ليس عافية الأبدان بل هو عليه الصلاة والسلام يدعو للمرضى أن يشفيهم الله عز وجل وليس هو الذي يعافيهم بل الذي يعافيهم هو الله عز وجل وهو نفسه صلوات الله وسلامه عليه يدعو بالعافية يقول اللهم عافني فكيف يكون هو العافية هذا أيضا دعاء باطل لا يصح وكذلك نور الأبصار وضياؤها هذا خطأ فنور الأبصار صفة من صفات الجسم الذي خلقه الله عز وجل فنور الأبصار من خلق الله سبحانه وتعالى وليس هو الرسول عليه الصلاة والسلام وليس هو الذي خلق نور الأبصار فنصيحتي لهذا الإمام ولغيره ممن يدعو بهذا الدعاء أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن يعلم أن أفضل الأدعية ما جاء في القرآن والسنة لأنه جاء من لدن حكيم خبير فياليت هؤلاء يجمعون أدعية القرآن التي جاءت في القرآن وكذلك الأدعية التي جاءت في السنة ويدعون الله بها لكان خيرا لهم من هذه الأسجاع التي قد تكون من الكفر وهم لا يدرون عنها نصيحتي لهذا الداعي بهذا الدعاء وغيره أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى وأن يرجع إلى الدعاء الذي في الكتاب والسنة فإنه أجمع الأدعية وأفضلها وأنفعها للقنوت.
***(8/2)
ما حكم رفع اليدين بالدعاء بعد صلاة الفرائض والسنن والمسح على الوجه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه في الحقيقة ثلاث مسائل:
المسألة الأولى مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فقد اختلف العلماء رحمهم الله في استحبابه فمنهم من استحبه ومنهم من رأى إنه بدعة وهذا الخلاف مبني على الأحاديث الواردة في أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا رفع يديه بالدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه وجميع الأحاديث الواردة في هذه ضعيفة لكن بعض العلماء رفعها إلى درجة الحسن لغيره فجعل هذه الأحاديث المتعددة مجموعها يقضي أن يكون الحديث حسناً لغيره ومن العلماء من رأى أنها ضعيفة وأنها وردت على وجوه لا توصلها إلى أن يكون الحديث حسناً لغيره وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقوله أقرب إلى الصواب وعلى هذا فلا يمسح الداعي وجهه بيديه بعد انتهاء دعائه فإذا انتهى من دعائه وقد رفعهما أرسلهما بدون مسح ولكن لو وجدنا أحداً يمسح فإنا لا ننهاه عن ذلك لاحتمال أن تكون الأحاديث الواردة في هذا وهي ضعيفة ترتقي إلى درجة الحسن.
المسألة الثانية رفع اليدين في الدعاء فرفع اليدين في الدعاء الأصل فيه الاستحباب لأنه من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة وذلك لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك فجعل النبي عليه الصلاة والسلام رفع اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة وكذلك ذكر عنه صلى الله عليه وسلم (إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفراً) أي خالية فالأصل في الدعاء أن رفع اليدين فيه سنة ومن آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة ولهذا يجد الإنسان فرقاً بين دعائه وهو رافع يديه وبين دعائه وهو مرسل يديه فإنه يجد أن الحالة الأولى أشد خشوعاً وأظهر استكانة وفقراً إلى الله عز وجل مما لو دعى مرسل يديه لكن ما وردت السنة فيه بعدم الرفع فالأفضل فيه عدم الرفع ولهذا أنكر الصحابة رضي الله عنهم على بشر بن مروان حين رفع يديه وهو يدعو في خطبة الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه إذا دعا في خطبة الجمعة إلا في موضعين الموضع الأول إذا استسقى أي إذا طلب نزول الغيث والثاني إذا استصحى أي إذا طلب الصحو ووقوف المطر ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا الله أغثنا قال أنس فوالله ما في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار وسلع هو جبل صغير في المدينة معروف إلى الآن تأتي من نحوه السحب يقول أنس رضي الله عنه فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء أي صارت فوق الرؤوس انتشرت وتوسعت بأمر الله عز وجل ورعدت وبرقت وأمطرت فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته وبقي المطر أسبوعاً كاملاً لا يرون الشمس وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول وقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها عنا فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر وجعل يشير إلى النواحي فما يشير إلى ناحية إلا انفرج السحاب منها فتأمل يا أخي هذا الحديث العظيم يتبين لك فيه آيتان عظيمتان:
الآية الأولى قدرة الله عز وجل حيث أنشأ الله هذه السحابة في هذه المدة الوجيزة وأمطرت وجعل المطر يبقى أسبوعاً كاملاً.
والآية الثانية آية صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقاً حيث استجاب الله دعاءه في الاستسقاء والاستصحاء ثم تأمل كيف طلب هذا الرجل من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدعو الله تعالى أن يمسكها ولكنه عليه الصلاة والسلام دعا الله أن يجعل المطر فقال حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر فلم يدع بأن يمسكها الله عز وجل بل دعا بأن يبقى المطر لكن على وجه لا ضرر فيه بل فيه النفع ونستفيد من هذه الفائدة أن الإنسان إذا أصابه ما يضره فليدع الله عز وجل أن يصرفه عنه إلى وجه لا ضرر فيه لأنه قد يكون الشيء ضاراً من وجه نافعاً من وجه آخر وفي هذا الحديث الذي ذكرناه حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين الاستسقاء ورفع الناس أيديهم معه وعلى هذا فالناس الذين يستمعون إلى خطبة الجمعة لا يرفعون أيديهم إلا حيث رفع الإمام يديه والإمام لا يرفع يديه في خطبة الجمعة إلا في الاستسقاء أو الاستصحاء ومن هنا نعرف إن ما يفعله بعض الأخوة إذا دعا الإمام في خطبة الجمعة للمسلمين يرفعون أيديهم في حال الخطبة فإننا نقول لهم السنة أن لا ترفعوا أيديكم بل أمنوا سراً وإن لم ترفعوا أيديكم بل لا ترفعوا أيديكم لأنكم تبعاً للخطيب والخطيب لا يرفع يديه في الدعاء إلا في الموضعين اللذين أشرنا إليهما فالخلاصة أن رفع اليدين في الدعاء سنة وأنه من آداب الدعاء ومن أسباب الإجابة إلا في المواضع التي وردت السنة بعدم الرفع فيها فالأفضل عدم الرفع المسألة الثالثة الدعاء بعد الصلاة فالمشروع بعد الصلاة هو الذكر لقول الله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) ولا يشرع الدعاء إلا فيما قصد به تنقية الصلاة مثل الاستغفار ثلاثاً بعد السلام مباشرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم من المكتوبة استغفر الله ثلاثاً مباشرة لأن هذا الدعاء يقصد منه تنقية الصلاة مما حصل فيها من خلل وأما ما عدا ذلك من الدعاء فليس مشروعاً بعد الصلاة وإنما يشرع قبل أن يسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود حين علمه التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فجعل الدعاء قبل السلام ولأن هذا هو المعقول الذي يقتضيه النظر فإن كونك تدعو الله عز وجل وأنت بين يديه وهو قبل وجهك أولى من أن تدعوه بعد الانصراف من هذه الحال التي كنت عليها وعلى هذا فنصيحتي لإخواني أن يجعلوا دعاءهم الذي يريدون أن يدعو الله فيه قبل السلام لأن هذا هو المحل الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتم التشهد إلا في حال واحدة فإن الدعاء يكون فيها بعد السلام وذلك في دعاء الاستخارة إذا هم الإنسان بالشيء وتردد فيه فإنه يصلى ركعتين ثم يدعو بدعاء الاستخارة المعروف (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم إلى آخر الدعاء المعروف فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يكون هذا الدعاء بعد الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام إذا هم أحدكم بأمر يعني اهتم به ولكنه لم يتبين له الصواب فيه قال إذا هم أحدكم بأمر فليصلّ ركعتين ثم ليقل ومعلوم أن الركعتين لا تتمان إلا بالسلام منهما وعلى هذا فيكون دعاء الاستخارة بعد السلام وما عدا ذلك فإن الأفضل أن يكون الدعاء قبل السلام كما أشرنا إليه آنفاً فهذه الثلاث مسائل التي تضمنها سؤاله المسألة الأولى مسح الوجه باليدين بعد الدعاء والثانية رفعهما عند الدعاء والثالثة الدعاء بعد الصلاة وقد تبين بما سبق حكم كل من هذه المسائل الثلاثة وإذاً فالمشروع لمن انتهى من صلاة الفريضة أن يقوم بالأذكار الواردة بعدها والمشروع لمن انتهى من النافلة أن ينصرف بدون رفع اليدين وبدون الدعاء لأن الدعاء إنما يكون قبل السلام ولكن لو أن أحداً من الناس دعا أحياناً بعد السلام فأرجو ألا يكون في ذلك ابتداعاً لأنه يفرق بين الأمور الراتبة التي يجعلها الإنسان كالسنة وبين الأمور العارضة التي قد تعترض للإنسان فيفعلها أحياناً.
***(8/2)
هل يجوز رفع الأيدي بالدعاء بعد الفراغ من صلاة الفريضة وهل يجوز أن نستخدم المسبحة في التسبيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن من آداب الدعاء وأسباب إجابته أن يرفع الإنسان يديه إلى الله عز وجل حين الدعاء ولكن ينبغي أن يعلم أن رفع اليدين في الدعاء أقسام:
قسمٌ بدعة ينهى عنه مثل رفع الخطيب يديه حال خطبة الجمعة فإن الصحابة أنكروا على بشر بن مروان رفع يديه في الخطبة إلا أنه يستثنى من هذا ما إذا دعا الخطيب بنزول الغيث أو بإمساكه فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه دخل رجلٌ يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس بن مالك رضي الله عنه فوالله ما نرى في السماء من سحابٍ ولا قزعة وما بيننا وبين سلعٍ من بيت ولا دار فنشأت من ورائه سحابةٌ مثل الترس فارتفعت فلما توسطت السماء انتشرت فرعدت وبرقت ثم أمطرت فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ثم دخل رجل في يوم الجمعة الثانية فقال يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادع الله يمسكها فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر وعلى هذا فينكر على الخطيب إذا دعا في خطبة الجمعة أن يرفع يديه إلا في الاستسقاء والاستصحاء لورود النص بهما
الثاني من أقسام رفع اليدين بالدعاء ما دلت السنة على عدم الرفع فيه وذلك كالدعاء بين السجدتين وبعد التشهد فإن السنة تدل على أن الإنسان يضع يديه على فخذيه في الجلوس بين السجدتين وكذلك في الجلوس للتشهد وأنه لا رفع في الدعاء في هذه الحال
والثالث ما دل الدليل على أن الرفع من آداب الدعاء فيه وهو ما عدا المواضع التي ثبت فيها عدم الرفع وحينئذٍ نقول إن الإنسان إذا دعا بعد الصلاة فإنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه إذا فرغ من صلاته لا صلاة الفريضة ولا صلاة النافلة فلم يرد عنه عليه الصلاة والسلام أنه إذا فرغ من الصلاة رفع يديه وجعل يدعو أبداً فليس من السنة إذاً أن ترفع يديك في الدعاء بعد صلاة الفريضة وبعد صلاة النافلة بل ولا ينبغي أن تؤخر الدعاء إلى أن تسلم من الصلاة بل الأفضل أن تدعو الله عز وجل قبل أن تسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى هذا في قوله في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد قال ثم يتخير من الدعاء ما شاء فالإنسان مأمور أن يدعو الله تعالى قبل أن يسلم أما إذا سلم وانصرف وفارق المقام بين يدي الله عز وجل فإن ذلك ليس من الحكمة أن يؤخر الدعاء إلى هذه الحال التي يكون فيها قد انصرف من صلاته والخلاصة أن الأفضل لمن أراد الدعاء أن يدعو الله عز وجل قبل أن يسلم إذ أن هذا هو الذي جاء الأمر به عن النبي صلى الله عليه وسلم.
***(8/2)
السائل من سلطنة عمان يقول لقد استمعنا إلى برنامجكم نورٌ على الدرب وسمعنا بأن رفع اليدين للدعاء بعد الفريضة بدعة فمتى يستحب رفع اليدين هل بعد صلاة السفر أم في النوافل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: رفع اليدين مقرونٌ بالدعاء وهو من آدابه ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أحمد في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً) وفي حديثٍ صحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ففي هذين الحديثين دليلٌ على أن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة ولكن ينبغي أن يعلم أن رفع اليدين بالدعاء على أقسام:
القسم الأول ما وردت السنة برفع اليدين فيه
والقسم الثاني ما وردت السنة بعدم رفع اليدين فيه
والقسم الثالث ما كان الظاهر فيه عدم رفع اليدين
والقسم الرابع ما سكتت السنة عنه أما الأول وهو ما وردت السنة بعدم الرفع فيه كالدعاء في الخطبة يوم الجمعة أو يوم العيد فإنه لا ترفع الأيدي في الدعاء في الخطبة إلا إذا دعا بالاستسقاء بأن ينزل الله الغيث أو بالاستصحاء بأن يجعل الله الغيث حوالينا ولا علينا فهذا قد ثبتت السنة فيه برفع اليد وما سوى ذلك فلا ترفع فيه اليد ولهذا أنكر الصحابة على من رفع يديه في الخطبة عند الدعاء وأما ما الظاهر فيه عدم الرفع فمثل الدعاء بعد الصلاة بقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله بعد الفريضة إذا سلم من السلام قال استغفر الله استغفر الله استغفر الله فهذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه رفع يديه فيه فيكون الأفضل فيه عدم الرفع وكذلك لم يرد رفع اليدين في الدعاء بين السجدتين ولا في الدعاء بعد التشهد فهذا لا ترفع فيه الأيدي وأما ما وردت السنة بالنهي عنه فكما ذكرنا قبل قليل إلا في الاستسقاء فقد وردت السنة برفع اليد فيه وما عدا ذلك فالأصل فيه رفع اليد إلا ما دل الدليل على عدم الرفع ولكن يقال أن الدعاء بعد الصلاة لا وجه له فإن الدعاء قبل أن تسلم أفضل ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد لما ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فجعل الدعاء قبل السلام أما بعد السلام فإنه موضعٌ للذكر كما قال الله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) فنحن لا ننهى عن رفع اليدين بعد الصلاة ولكن نقول الدعاء بعد الصلاة ليس من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وإنما هديه أن يقول استغفر الله استغفر الله استغفر الله وإنما هديه أن يكون الدعاء قبل أن يسلم فإن قال قائل أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (لاتدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة اللهم أعنا على ذكرك) قلنا بلى ولكن المراد بدبر الصلاة هنا آخرها لأن دبر كل شيء قد يكون بعده وقد يكون منه ولكن في آخره كما يقال دبر الحيوان لأنه في مؤخره وهو منه كما في قوله لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة وإنما حملناه على آخر الصلاة لأن آخر الصلاة موضعٌ للدعاء كما سبقت الإشارة إليه في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذاً خلاصة الجواب أن يقال إن الدعاء بعد الصلاة المفروضة أو التطوع لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء والدعاء المشروع أن يكون قبل أن يسلم لا في الفريضة ولا في النفل.
***(8/2)
هذا السائل يقول ذكر ابن القيم في كتاب الداء والدواء والمسمى بـ (الجواب الكافي) في فصل أوقات الدعاء ومن بين الأوقات دبر الصلوات أي بعد نهاية الصلاة ولكنه لم يقل قبل السلام وأيضا لم يذكر آية أو حديثا أو مرجعا فهل الدعاء برفع اليدين بعد الصلاة جائز أم لا وما الدليل؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن النصوص القرآنية والنبوية يفسر بعضها بعضا فإذا جاءت كلمة دبر الصلاة نظرنا إن كان المقيد بدبر الصلاة دعاء فالمراد بدبر الصلاة آخرها قبل السلام وإن كان القيد بدبر الصلاة ذكرا فالمراد به ما بعد السلام دليل ذلك أما الأول فلأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فدل هذا على أن ما بعد التشهد وقبل السلام محل للدعاء فليغتنمه الإنسان بأن يدعو الله تعالى بما أحب فما جاء من الدعاء مقيدا بدبر الصلاة حملناه على ما كان في آخر الصلاة فإن قال قائل هل دبر الشيء من الشيء أو دبر الشيء ما جاء بعده قلنا حسب السياق قد يكون ما بعده وقد يكون ما قبله فدبر الصلاة إذن يفسر بحسب ما تقتضيه الأدلة فالدعاء إذا علق بدبر الصلاة فالمراد آخرها قبل السلام ومن ذلك ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً حيث قال (إني أحبك فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) فهذا الدعاء يكون قبل السلام أما إذا كان المقيد بدبر الصلاة ذكرا فهو بعد الصلاة لقول الله تبارك وتعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) فهذا هو الضابط في هذه المسالة فقول الرسول عليه الصلاة والسلام (من سبح الله ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير دبر كل صلاة يعني مكتوبة غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) المراد بالدبر هنا ما بعد السلام لأنه هو محل الذكر.
***(8/2)
هل في رفع اليدين بعد ختام الصلاة أو في أي دعاء حرج؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ختام الصلاة قبل التسليم نعم لا ترفع الأيدي فإن ظاهر السنة الذي كأنما تشاهده أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يرفع يديه في الدعاء في الصلاة اللهم إلا في القنوت وأما إن كان بعد الصلاة فبعد الصلاة في الفريضة المشروع هو الذكر لقوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) وبعد النافلة لا ذكر فيما نعلم ولا دعاء أيضاً فيما نعلم فلا حاجة إلى الدعاء لا مع رفع اليدين ولا مع عدم الرفع.
***(8/2)
هل تجوز مفارقة من يختم دعاؤه بقراءة الفاتحة دبر الصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: ما معنى المفارقة هل يريد أن لا يصلى معه في الجماعة أو يريد أنه يصلى في الجماعة لكن إذا شرع هذا في الدعاء وفي قراءة الفاتحة فارقه وترك المكان وعلى كل تقدير فإني أنصح هذا الإمام بأن يتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في صلاته ولم يكن من هديه ولا من سنته أن تقرأ الفاتحة بعد الصلوات الخمس لا سيما إذا كانت بصوت عال جماعي فإن هذا لا شك إنه من البدع وقد أرشد الله تبارك وتعالى عباده فيما يفعلون بعد الصلوات فقال جل وعلا (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) ولم يذكر قراءة بل ذكر ذكراً وقد ورد أنه يسن أن يقرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس.
***(8/2)
الذكر الجماعي(8/2)
السائل من جمهورية مصر العربية يقول في رسالته ما حكم الشرع في نظركم في الدعاء الجماعي بعد أداء الصلوات؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء الجماعي بعد أداء الصلوات ليس من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه الراشدين ولا من سنة الصحابة رضي الله عنهم وإنما هو عمل محدث وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة) وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة فهذا الدعاء الجماعي أو الذكر الجماعي بعد الصلوات محدث بدعة وكل بدعة ضلالة والمشروع في حق المصلى أن يدعو قبل أن يسلم لأن هذا هو محل الدعاء الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال فيما صح عنه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه حين ذكر التشهد قال (ثم يتخير من الدعاء ما شاء) وهو دليل على أن محل الدعاء آخر الصلاة وليس ما بعدها وهو كذلك الموافق للنظر الصحيح لأن كون الإنسان يدعو في صلاته قبل أن ينصرف من بين يدي الله أولى من كونه يدعو بعد صلاته والمشروع بعد الصلوات المفروضة الذكر كما قال الله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وكما كان ذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشروع أيضاًَ أن يجهر بهذا الذكر لأن هذا هو المعروف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما صح ذلك في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من الذكر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إلا إذا كان بجانبك رجل يقضي صلاته وتخشى أن تشوش عليه ففي هذه الحال ينبغي عليك أن تسر بقدر ما لا تشوش على أخيك لأن التشويش على الغير إيذاء له ولهذا لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يصلون في المسجد ويجهرون نهاهم عن ذلك وقال (لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) وفي حديث آخر قال لا (يؤذين بعضكم بعضاً في القراءة) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن جهر الإنسان بالقراءة إذا كان حوله من يتأذى به لايجوز والخلاصة أن ما بعد الصلاة موضع ذكر وما قبل السلام في التشهد الأخير موضع دعاء هكذا جاءت به السنة وأن الذكر الذي يكون بعد الصلاة يشرع الجهر به ما لم يتاذى به من بجانبه والله أعلم.
***(8/2)
السائل من الجزائر يقول ما حكم رفع الأيدي في الدعاء جماعةً وقول الإمام في الأخير وسلامٌ على المرسلين ويقول الجماعة آمين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا في الصلاة فلا بأس كما لو قنت الإمام في صلاة الوتر في قيام رمضان فإنه سوف يدعو والناس يؤمنون خلفه وكذلك لو نزل بالمسلمين نازلة يقنت لها فإن الإمام يقنت والمأمومون خلفه يؤمنون أما رفع الأيدي في الدعاء فهو من آداب الدعاء أن يرفع الإنسان يديه في الدعاء إلا ما جاءت السنة بخلافه ومما جاءت السنة بخلافه الدعاء في خطبة الجمعة فإنه لا يسن للخطيب أن يرفع يديه ولا للمستمع له أن يرفع يديه إلا في حال الدعاء بالغيث أي المطر فإن الخطيب يرفع يديه والناس يرفعون أيديهم وكذلك الدعاء بالاستصحاء أي بأن يعود الصحو وينجلى الغيم فقد وردت السنة بأن الخطيب يرفع يديه فيه فقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجلٌ فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا وكانت السماء صحواً ليس فيها سحاب ولا قطع من سحاب فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال اللهم أغثنا ثلاث مرات قال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس فخرجت سحابةٌ من وراء سلع وسلع جبل في المدينة تأتي من جهته السحاب خرجت مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت قال فما نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته - سبحان الله - وبقي المطر أسبوعاً كاملاً ليلاً ونهاراً وفي الجمعة الثانية دخل رجلٌ أو الرجل الأول وقال يا رسول الله غرق المال وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا فرفع يده وقال اللهم حوالينا ولا علينا وجعل يشير بيده يميناً وشمالاً فرأى الناس السحاب يتمزق حسب إشارة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمطرت السحاب حوالي المدينة وخرج الناس في تلك الجمعة يمشون في الشمس فالمهم أن رفع الأيدي في الدعاء الأصل فيه الاستحباب إلا ما قام الدليل على عدمه.
***(8/2)
السائل يقول في كثير من البلدان الإسلامية بعد السلام من الصلاة يسبح الإمام ويسبح من خلفه من المأمومين ويفعلون ذلك في التحميد والتكبير ثم يرفع الجميع الأيدي ويدعو الإمام والمأمومون يأمنون على الدعاء فهل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير صحيح لا من جهة التكبير والتسبيح والتحميد على وجه جماعي ولا من جهة رفع الأيدي بعد ذلك ثم الدعاء لأن هذا لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو بدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وحذر من البدع وقال (كل بدعة ضلالة) وعلى هذا فنقول لهؤلاء الإخوة المصلىن إذا سلمتم من الصلاة فاستغفروا الله ثلاثا وقولوا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم اذكروا الله تعالى بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وانتهى الأمر.
***(8/2)
يقول السائل ما حكم ترديد عبارة أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أستغفر الله نسألك الجنة ونعوذ بك من النار بصوت جماعي ومرتفع دبر الصلوات المكتوبة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا بدعة لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة والأمور التعبدية لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة ولاتؤخذ بالرأي ولا بعمل الناس لأن الأصل في العبادات التحريم حتى يقوم دليل على أنها عبادة مشروعة كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) ولقول الله تعالى منكرا على المشركين (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ولقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) فالواجب الكف عن هذه البدعة وأن يشتغل المصلون بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكل منهم يذكر الله وحده.
***(8/2)
هل يجوز الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جماعة بعد الصلاة المكتوبة كأن نقول في دعائنا اللهم أحسن عاقبتنا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا غير مشروع المشروع بعد صلاة الفريضة الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكل إنسان يقولها لنفسه لا يشاركه أحد فيها.
***(8/2)
من سوريا السائل دحام يقول في هذا السؤال بالنسبة للدعاء جماعة بعد الصلاة في الأيام العادية ما حكمه؟
فأجاب رحمه الله تعالى: حكمه أنه بدعة ينهي عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) فينهى عن ذلك ويقال لهؤلاء إننا متبعون لا مبتدعون فهل كان الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه يفعلون ذلك؟ هل كان الخلفاء يفعلون ذلك؟ هل كان الصحابة يفعلون ذلك؟ والجواب كله بلا شك بالنفي وعلى هذا فينهى عن هذا الدعاء الذي يكون جماعة بعد الصلوات المفروضة والصلاة المفروضة ذكر الله ماذا نفعل بعدها فقال جل وعلا (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) هذا هو المشروع والدعاء إذا أراده الإنسان ينبغي أن يكون قبل السلام أي قبل أن ننصرف عن الله عز وجل لأن المصلى ما دام يصلى فإنه يناجي ربه فإذا سلم انتهت المناجاة فهل الأفضل واللائق بالإنسان أن يدعو الله تعالى حال مناجاته أو بعد أن يفرغ؟ لاشك أن الأولى والأفضل أن يكون قبل أن ينصرف المؤمن من مناجاته ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام أرشدنا فقال في التشهد لما ذكره وعلمه قال (ثم تتخير من الدعاء ما شاء) فجعل الدعاء قبل السلام أما بعد السلام فهو الذكر كما قال تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) وعلى هذا فلا يسن الدعاء لا بعد الفريضة ولا بعد النافلة لا جماعة ولا أفراداً.
***(8/2)
ما حكم الدعاء بعد الصلوات برفع اليدين جماعة مع الإمام وقراءة الفاتحة بعد ذلك؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل من البدع التي ينهى عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله مع أصحابه وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي) وكان يقول في خطبة الجمعة أما بعد (فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وعلى هذا الإمام وجماعته أن يدعوا هذا العمل وأن يتحروا ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم خير الهدي وأقوم الهدي وأكمله وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (من رغب عن سنتي فليس مني) نسأل الله لنا ولهم الهداية.
***(8/2)
هذا السائل محمد فتحي يقول في هذا السؤال عندنا عادة في ختام الصلاة خاصة صلاة الفجر والمغرب بعدما يسلم الإمام وينتهى من صلاته وقبل أن يلتفت للمصلىن يقرأ هو أو المؤذن أو أحد المصلىن مثلاً بقراءة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) الخ.... ثم يقرأ في سره اللهم صلِ وسلم عليه وكذا باقي المصلىن إلى عدد قد يصل إلى المائة تقريباً بعد ذلك يقرأ آية الكرسي فقط ثم التسبيح والتحميد والتكبير ثم يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثم يدعو بأعلى صوته رافعاً يديه وأما المصلىن فيدعون سراً والملاحظة يا شيخ أن الإمام أو من قام مقامه في ختام الصلاة يدعون جهراً أما بقية المصلىن يدعون سراً أو يأمنون على الدعاء سراً فهل ختام الصلاة بهذه الكيفية وارد في الشرع؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصفة ليست واردة في الشريعة الإسلامية بل كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثاً وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وكذلك الأذكار الأخرى الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما هذه الكيفية فبدعة منكرة قبيحة فيها العدول عما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يرجعوا إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو موجود والحمد لله في كتب الحديث وفي كتب الفقهاء وليعلم أن من استمر على بدعة بعد علمه بها فإنه لا يزداد بها إلا ضلالة وبعداً من الله عز وجل فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين إلى صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والمأمومون ندعوهم ونحثهم على أن لا يلتفتوا لهذا إذا سلموا استغفروا ثلاثاً وقالوا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام وذكروا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الذكر وانصرفوا وتركوا الإمام وحده وإن حصل أن الإمام نفسه يعود إلى السنة ويقرأ الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا فإنه يكون بذلك إماماً للمتقين لأن عمله هذا أعني رجوعه من البدع إلى السنة من تقوى الله عز وجل والناس سيتبعون أئمتهم فيكون بذلك إماماً للمتقين أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والصلاح وأن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
***(8/2)
من السودان يقول هناك البعض من المسلمين في صلاة العشاء بعد انتهائهم من الفريضة يقوم واحد منهم يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يقوم الجميع قبل التسبيح ويأتون بالسنة والوتر بعد ذلك يبدأ واحد منهم بالتسبيح وهم يرددون وراءه هل هذا العمل صحيح أم أنه بدعة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا عملٌ مبتدع منكر لم يكن عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه وإنما المشهور أن يسبح كل إنسانٍ بنفسه فيقول بعد السلام أستغفر الله ثلاثاً اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ويذكر الله تعالى ثلاثاً يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير إلا في صلاتي المغرب والفجر فإنه يذكر الله عشر مرات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ويذكر الأذكار الواردة في هذا وهي على أربعة أوجه:
فالوجه الأول أن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون ويقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
الوجه الثاني أن يقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين ثم يقول الحمد لله الحمد لله حتى يكمل ثلاثاً وثلاثين ثم يقول الله أكبر الله أكبر أربعاً وثلاثين فيكون الجميع مائة.
الوجه الثالث أن يقول سبحان الله سبحان الله عشر مرات الحمد لله الحمد لله عشر مرات الله أكبر الله أكبر عشر مرات الجميع ثلاثون.
الوجه الرابع أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمسٌ وعشرون مرة فيكون الجميع مائة فتارةً يقول هذا وتارةٌ يقول هذا ثم بعد هذا يصلى الراتبة إن أحب أن يصلىها في المسجد وإن أحب يصلىها في البيت فهي أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) حتى وإن كان في المسجد الحرام أو المسجد النبوي فإن الأفضل أن يصلى الراتبة في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى الرواتب في بيته مع أن الصلاة في مسجده خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام بل يقول لأصحابه (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) يكلمهم بذلك وعندهم المسجد النبوي وهو دليلٌ على أن صلاة النافلة في البيت أفضل حتى وإن كنت في المسجد الحرام أو في المسجد النبوي لما في الصلاة في البيت من المصالح الكثيرة فمنها أي من الفضائل الكثيرة للصلاة في البيت
أولاً: أن الإنسان يتبع الأفضل دون ما يهواه واتباع الإنسان ما هو أفضل مع دعاء نفسه إلى خلافه أعظم أجرا فكثيرٌ من الناس يهوى ويرغب أن يصلى في المسجد الحرام حتى الرواتب أو أن يصلى في المسجد النبوي حتى الرواتب وتدعوه نفسه إلى ذلك دعاءً حثيثاً فإذا ترك هذا إلى ما هو أفضل كان له في ذلك أجر.
ثانياً أن في صلاة النوافل في البيت اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً أن الصلاة في البيت خير للبيت لأن العبادة في مكان يكون فيها تأثيراً لهذا المكان ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) أي لا تخلوها من الصلاة كما تخلى القبور من الصلاة
رابعاً أن العائلة والأولاد الصغار إذا رأوك تصلى ألفوا الصلاة وأحبوها وفهموها وعلموها وفيها أيضاً فضائل أخرى لا تحضرني الآن لكن المهم أن الصلاة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد في النوافل فقط إلا إذا دل الدليل على أن النافلة في المسجد أفضل فليتبع الدليل كالقيام في رمضان مثلاً فإن صلاتها في المساجد أفضل لأن هذا هو الذي جاءت به سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في المسجد جماعة ثلاث ليالٍ في رمضان ثم تركها خوفاً من أن تفرض على الناس المهم إن الصلاة في البيت أفضل.
***(8/2)
هناك البعض من المسلمين بعد صلاة العشاء بعد انتهائهم من صلاة الفريضة يقوم واحد منهم بقوله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يقوم الجميع قبل التسبيح ويأتوا بالسنة والوتر ثم يقوم بعد ذلك واحد منهم بالتسبيح وهم يرددون وراءه ذلك هل هذا صحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذا بدعة منكرة والسنة أن يسبح كل إنسانٍ بنفسه دون أن يكون بصوتٍ جماعي وأما الراتبة فالأفضل أن تكون في البيت لأن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وكذلك أيضاً كونهم يصلون الراتبة قبل أن يسبحوا هذا أيضاً ليس بصواب لأن التسبيح تبعٌ لصلاة الفريضة فلا ينبغي أن يفصل بينه وبين الفريضة بنافلة.
***(8/2)
هذا السائل عبد الله أحمد من العراق بغداد يقول الأذكار بعد الصلاة هل تردد بشكلٍ جماعي من قبل المصلىن وهل ورد أن الإمام أو من يساعده يقولون وبصوتٍ عالٍ بعد الصلاة جل ربنا الكريم سبحانك يا عظيم سبحان الله يعني قولوا سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة ثم يقول سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا يا ربنا دائماً نشكرك شكراً كثيراً الحمد لله يعني قولوا الحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة ثم يقول الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله جل شأنه الله أكبر يعني قولوا الله أكبر أربعاً وثلاثين مرة ثم يقول بعدها لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد هو على كل شيء قدير هل من السنة أن يصوت والمصلون يستمعون إليه ثم يسبحون ويحمدون ويكبرون أم أن السنة أن يستغفر المصلى ربه فيقول ثلاث مرات استغفر الله العظيم ثم يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام ثم يقول اللهم أعني على ذكر وشكرك وحسن عبادتك ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثاً وثلاثين مرة بشكلٍ منفرد هل تقال هذه الأذكار بشكلٍ منفرد أم ورد أن الإمام يأمر بها واحدةً واحدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصفات التي ذكرها السائل من كون الإمام يقول سبحان الجليل العظيم وما أشبهها بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما الوارد أن كل إنسانٍ يستغفر ويذكر لنفسه لكن السنة الجهر بالذكر بعد الصلاة فقد ثبت عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان يعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعه وهذا دليلٌ على أن السنة الجهر به خلافاً لما كان عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به وبعضهم يجهر بالتهليلات دون التسبيح والتحميد والتكبير ولا أعلم لهذا أصلاً من السنة في التفريق بين هذا وهذا فإنما السنة الجهر وقال بعض الناس إن الرسول عليه الصلاة والسلام جهر به من أجل أن يعلمه الناس فقط وهذا مردود وذلك لأن التعليم من النبي عليه الصلاة والسلام حصل بالقول كما قال للفقراء من المهاجرين تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ثم إننا نقول هب أن المقصود بذلك التعليم فالتعليم كما يكون في أصل الدعاء أوفي أصل الذكر يكون أيضاً في صفته فالرسول علمنا هذا الذكر أصله وصفته وهو الجهر وكون الرسول عليه الصلاة والسلام يداوم على ذلك يدل على أنه سنة ولو كان من أجل التعليم فقط لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقتصر على أن يعلم الناس ثم يقول الناس هذا الذكر سراً المهم أن القول الراجح في هذه المسألة أنه يسن الذكر أدبار الصلاة على الوجه المشروع وأنه يسن الجهر به أيضاً أعني رفع الصوت. وقصدنا برفع الصوت دبر الصلاة ألا يكون رفعاً مزعجاً فإن هذا لا ينبغي ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد النبي عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال أيها الناس ارفقوا على أنفسكم أي خففوا عليها ولا تزعجوها فهذا المقصود برفع الذكر حتى في حديث ابن عباس في أدبار الصلوات الرفع الذي لا يكون في إزعاجٌ ومشقة على المرء.
***(8/2)