س 272: ما حكم لقطة الحرم؟ وهل يجوز أن يعطيها للفقراء؟ أو ينفقها في بناء مسجد مثلا؟ (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية) ونشر في هذا المجموع ج6 ص 398(19/439)
ج: الواجب على من وجد لقطة في الحرم أن لا يتبرع بها لمسجد، ولا يعطيها الفقراء ولا غيرهم، بل يعرفها دائما في الحرم في مجامع الناس قائلا: من له الدراهم من له الذهب، من له كذا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل ساقطتها إلا لمعرف (1) » وفي رواية: «إلا لمنشد (2) » وهو الذي ينادي عليها، وكذلك حرم المدينة، وإن تركها في مكانها فلا بأس وإن سلمها للجنة الرسمية التي وقد وكلت لها الدولة حفظ اللقطة برئت ذمته.
__________
(1) صحيح البخاري في اللقطة (2434) ، صحيح مسلم الحج (1355) ، سنن أبو داود المناسك (2017) ، مسند أحمد بن حنبل (2/238) ، سنن الدارمي البيوع (2600) .
(2) رواه البخاري في (اللقطة) باب كيف تعرف لقطة أهل مكة بلفظ: ''.. إلا لمنشد'' ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها برقم (1355)(19/440)
لا تحل لقطة الحرم إلا لمعرف
س 273: ذهبت للحج مع أبي ووجدت نقودا مقدارها ألفان ومائتان وخمسون ريالا سعوديا عند الجمرة الوسطى وأبي تبرع بها لمسجده فما حكم ذلك؟ .(19/440)
ج: الواجب على من وجد لقطة في الحرم ألا يتبرع بها لمسجد ولا غير مسجد بل يعرفها دائما في الحرم فيقول من له الدراهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولا تحل ساقطتها إلا لمعرف (1) » ، فلا تصرف في شيء من المصالح بل ينادي عليها حتى يأتي صاحبها، وإذا كان لا يستطيع واجدها التعريف بها فعليه أن يسلمها للمحكمة في مكة أو للهيئة المعدة لهذا الشيء وتبرأ ذمته حتى يأتي أهلها يسألون عنها.
__________
(1) رواه البخاري في (اللقطة) باب كيف تعرف لقطة أهل مكة بلفظ: ''.. إلا لمنشد'' ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها برقم (1355)(19/441)
يجوز أخذ لقطة
الحرم إذا كانت يسيرة
س 274: وجدت لقطة في مكة حوالي عشرة إلى خمسة عشر ريالا، ما حكمها؟ (1) .
ج: اللقطة الحقيرة لا قيمة لها، إن عرفها فلا بأس وإن أكلها فلا بأس وإن تصدق بها فلا بأس؛ لأنها حقيرة ما تتحمل التعريف العشرة والعشرين والثلاثين أو ما أشبه ذلك، هذه
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في حج عام 1407هـ(19/441)
اللقطة اليوم ليس لها أهمية فإن تصدق بها عن صاحبها فلا بأس وإن استعملها فلا بأس وإن تركها فلا بأس، والحذاء كذلك أمرها سهل إذا كانت رميت في محلات لا يرغب فيها.(19/442)
س 275: حصل معي قبل سنتين أن وجدت قلما على باب المسجد النبوي. فهل لي الحق بالاحتفاظ بهذا القلم أم علي تسليمه لمكتب المفقودات في المسجد؟ (1) .
ج: إن كان له قيمة فأعطه مكتب المفقودات وإن كان حقيرا مثل العصا الحقيرة أو النعل الحقيرة فلا بأس بأخذه والانتفاع به، أما إذا كان له قيمة فعرفه دائما وإلا سلمه مكتب المفقودات.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في حج عام 1418هـ(19/442)
لا بد من تعريف
اللقطة في مجامع الناس
س 276: وجدت خمسين ريالا، وسألت شيخا: وقال: تصدق بها عن صاحبها، وشيخا آخر قال: سلمها للأمن ونحن ساكنون في الضيافة العسكرية ويوجد أمن عند الباب ماذا أفعل؟ (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في حج عام 1415هـ(19/442)
ج: عرفها عند المسجد في مجامع الناس قل: من له الدراهم من له الدراهم؛ لأن لقطة مكة ما تملك، ليس لك إلا التعريف بها وخمسين ريالا لها بعض الأهمية وإلا أعطها الأمن لأنهم هم المسئولون أو تعطي المحكمة أحسن، لكن تعريفها أولى تعرفها أنت: من له الدراهم من له الدراهم كل شهر مرتين أو ثلاث أو أربع أو خلها في مكانها وإلا أعطها للمحكمة أحوط أعطها المحكمة تضعها مع اللقطات.(19/443)
من تصرف في الضالة
ببيع فهل يرد قيمتها أو يرد مثلها
س 277: والدي اشترى ناقة منذ ثلاثين سنة وأصلها لقطة وباعها بثمانية آلاف ريال واشترى بقيمتها ناقة بسبعة آلاف. فهو حائر في الناقة التي اشتراها بدل الناقة السابقة وأنتجت الناقة الأخيرة، هل يرد القيمة أو الناقة وإنتاجها أم ماذا؟ (1) .
ج: عليهم أن يردوا الدراهم على صاحب الناقة إن وجدوه وعرفوه؛ لأنهم أخطأوا في بيعها، وإن لم يجدوه
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في حج عام 1415هـ(19/443)
تصدقوا بقيمة الناقة الثمانية آلاف على نية صاحبها ويكفي، وناقته التي اشتراها أخيرا وأنتجت يبقيها فهي ناقته.
انتهى الجزء التاسع عشر ويليه بمشيئة الله تعالى الجزء العشرون وأوله (كتاب الوقف)(19/444)
صفحة فارغة(20/1)
صفحة فارغة(20/2)
بسم الله الرحمن الرحيم(20/3)
صفحة فارغة(20/4)
كتاب الوقف(20/5)
صفحة فارغة(20/6)
حكم نقل الوقف إذا تهدم وأصبح لا يصلح للسكن
س1: لوالدتي بيت وقف، وقد مضى زمن طويل على هذا البيت حتى أصبح لا يصلح للسكن، وأود أن أنقل الوقف وأبيع البيت، وأضع ثمنه في مسجد أو جمعية بر أو أي طريق من طرق الإحسان فهل يجوز لي ذلك؟
ج: ليس لك التصرف في الوقف ولا نقله إلى غير ما عينه الواقف، وإذا تعطلت مصالحه جاز نقله في مثله أو فيما يقوم مقامه من أرض أو دكان أو نخل تصرف غلته مصرف غلة البيت المذكور، على أن يكون ذلك بواسطة المحكمة في بلد الوقف.(20/7)
2 - حكم نقل الوقف إذا تعطلت مصالحه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم غ. غ. ع. سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
كتابكم الكريم المؤرخ في 15\2\1395 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن وجود مشهد يؤدي فيه الناس صلاة العيدين والاستسقاء كان يبعد عن القرى بنحو كيلو، ثم تطورت البنايات وقربت منه حتى لم يبق بينه وبينها إلا نصف متر، وبذلك صار ملعبا للأطفال، ومبيتا للكلاب، فهل يجوز نقله إلى مسافة تبعد عن المنازل بحوالي نصف كيلو وفي حالة جواز نقله، هل يجوز التصرف في مكانه الأول لأي غرض خاص كان معلوما.
والجواب: يجوز نقله من مكانه الحالي إلى مكان أنسب منه وأبعد عن البناء إذا رأى فضيلة قاضي البلد وأعيانها أن نقله أصلح، وإذا جاز نقله جاز بيع الأول وصرف ثمنه في مصالح المشهد الأخير؛ كتسوية أرضه وإحاطته بما يصونه عن الكلاب والبهائم ونحو ذلك، ويجوز لمشتري المكان الأول أن يستعمله بيتا أو غيره؛ لأن حكم المسجد انتقل عنه بالبيع والمسوغ(20/8)
الشرعي، ولكن لا يجوز لأحد من أهل البلد أن يتصرف في بيعه إلا بمشاورة فضيلة قاضي البلد وإفتائه بذلك؛ لأنه أعلم بمصالح البلاد، وبالحكم الشرعي في بيع الوقف، وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/9)
3 - حكم نقل المسجد إذا تعطلت منفعته
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ورد إلي سؤال مضمونة أن جماعة من المسلمين القاطنين في جنوب أفريقيا قد بنوا مسجدا في حيهم يصلون فيه الجمعة والجماعة والعيد، وقد أمرتهم حكومتهم بإخلاء ذلك الحي من السكان المسلمين وإبعادهم إلى جهة أخرى، فهل يجوز بيع المسجد المذكور بواسطة القاضي أو المتولي عليه وعمارة مسجد آخر في الحي الجديد الذي يسكنون فيه؟ وهل يباع بشكله مسجدا أو يغير فيه كرفع المحراب والمنبر والمئذنة، وكل شيء يدل على كونه مسجدا، أو يهدم ويباع أرضا بيضاء، مع العلم أنه في هذه الحالة تنقص قيمته كثيرا، بل لا يساوي شيئا؟ (1)
والجواب: لا ريب أن المسجد المذكور سوف تتعطل منفعته إذا ارتحل المسلمون عن الحي الذي هو فيه، وإذا تعطلت منفعة الوقف سواء كان مسجدا أو غيره جاز بيعه في أصح
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته عندما كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية، وأجاب عنه سماحته برقم (3146) .(20/10)
أقوال العلماء، وتصرف قيمته في وقف آخر بدل منه مماثل للوقف الأول، حيث أمكن ذلك، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بنقل مسجد الكوفة إلى مكان آخر؛ لمصلحة اقتضت ذلك. فتعطل المنفعة أولى بجواز النقل، والمسألة فيها خلاف بين العلماء؛ ولكن القول المعتمد جواز ذلك؛ لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأمرت بحفظ الأموال، ونهت عن إضاعتها، ولا ريب أن الوقف إذا تعطل لا مصلحة في بقائه، بل بقاؤه من إضاعة المال، فوجب أن يباع ويصرف ثمنه في مثله إلا أن يكون بيع بعضه يكفي لإصلاحه، فإنه يباع بعضه ويصرف الثمن في إصلاح الباقي، أما هذه الصورة المسئول عنها فلا يمكن حصول المنفعة إلا ببيع الجميع، فيباع المسجد كله على حاله من دون نقص، ويصرف ثمنه في عمارة المسجد الجديد في الحي الذي تحول إليه المسلمون، وإذا بيع زال عنه حكم المسجد وصار كسائر البقاع يجوز اتخاذه مزرعة وحوانيت ونحو ذلك، وانتقل حكم المسجد إلى المسجد الجديد.
وأما إزالة ما يدل على أنه مسجد بعد العزم على بيعه كالمئذنة ونحوها فلم أقف فيه على كلام لأحد من أهل العلم، والأقرب والله أعلم أن إزالة ذلك أولى ولا سيما إذا كان بين الكفرة؛ لأنهم قد يقصدون إغاظة المسلمين(20/11)
بامتهانه نظرا إلى أنه كان مسجدا، وإن كان حكمه قد زال لكنهم لا ينظرون إلى الأحكام، وإنما ينظرون إلى الصورة الظاهرة، فإذا أزيلت أمارات المسجد البارزة كالمئذنة والمحراب زال هذا المحذور، والله سبحانه وتعالى أعلم، ونسأل الله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين، ويولي عليهم خيارهم، ويرفع شأنهم في كل مكان، وأن يذل أعداء الإسلام، ويكفي المسلمين شرهم إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/12)
حكم صرف المال المبذول لإصلاح جهة في المسجد إلى جهة أخرى في المسجد
س4: رجل دفع مالا للجنة قائمة على مسجد وقال: هذا المال يصرف في إنشاء دورات مياه مثلا، ولكن اللجنة رأت فيما بعد بالأغلبية أنهم بحاجة لصرفه في غير ما خصصه صاحب المال. فما الحكم؟ (1)
ج: الأولى والأحوط أن يصرف فيما خصصه له باذله إذا كان الموضوع أمرا مشروعا، كدورة المياه أو أمرا مباحا، لكن إذا رأت اللجنة القائمة على تعمير المسجد أن الحاجة أو الضرورة تدعو إلى صرفه في تعمير المسجد فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن تعمير المسجد أفضل وأعظم نفعا من تعمير دورات المياه حول المساجد؛ وما ذاك إلا لأن تعمير المسجد هو المقصود الأول، أما تعمير الدورات فهو من باب الوسائل والإعانة على تسهيل أداء الصلاة وكثرة المصلين. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج1 ص114، وفي كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج3 ص25.(20/13)
حكم نقل مال مسجد لآخر
س5: يوجد مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية جمع له مال وبني، وبقي من المال كثير، ويوجد في منطقة أخرى مسجد وحوله جالية إسلامية كبيرة، ويتطلب بناء مكتبة ومدرسة وبعض الملاحق، ويريد بعض القائمين عليه أخذ شيء من المال الموجود عند القائمين على المسجد الأول، ويمانع أصحاب المسجد الأول بحجة أن المال للمسجد الأول، ويقولون: إذا أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز في جواز نقل المال من ذاك إلى هذا فلا مانع لدينا من ذلك. نرجو الإفادة عن ذلك؟ (1)
ج: إذا كان المسجد الأول الذي جمع له المال قد كمل واستغنى عن المال، فإن الفاضل من المال يصرف لتعمير مساجد أخرى، مع ما يضاف إليها من مكتبات ودورات مياه ونحو ذلك، كما نص على ذلك أهل العلم في كتاب الوقف؛ ولأنه من جنس المسجد الذي تبرع له، ومعلوم أن المتبرعين إنما قصدوا المساهمة في تعمير بيت من بيوت الله فما فضل عنه يصرف في مثله، فإن لم يوجد مسجد محتاج صرف الفاضل
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 24.(20/14)
في المصالح العامة لله والمسلمين، كالمدارس والأربطة والصدقات على الفقراء ونحو ذلك، والله ولي التوفيق.(20/15)
حكم نقل المصاحف من مسجد إلى مسجد إذا دعت الحاجة
س6: وجدنا في يوم من الأيام صاحب أحد المساجد الصغيرة يحمل سبعة مصاحف مطبوعة من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وبعضها مطبوع على نفقة أحد المحسنين وهي تابعة للأوقاف، وعندما سألناه عنها قال: إنه يريد فعل الخير، وذلك بنقل تلك المصاحف إلى مسجد كبير في مدينة أخرى لعدم وجود مصاحف فيه، ولكثرة المصلين فيه. فما حكم هذا العمل يا سماحة الشيخ؟ (1)
ج: إذا كان المسجد الصغير مستغنيا عن بعض المصاحف التي فيه، فلا بأس بنقل ما لا تدعو الحاجة إليه في ذلك المسجد إلى مسجد آخر محتاج إلى ذلك؛ إذ المقصود من ذلك انتفاع المصلين بهذه المصاحف، والأحوط استئذان الإمام في ذلك؛ لأنه أعلم بحاجة المسجد. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية) وأجاب عنه سماحته بتاريخ 12 \ 10 \ 1414 هـ.(20/15)
7 - حكم الوقف على الأولاد دون البنات
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اطلعت على إجابتكم على معروضي السابق بشأن عمارة الوقف بالطائف، وسوف نعمل بما رأيتم إن شاء الله، وجزاكم الله خيرا، وبهذه المناسبة أحب أستشير سماحتكم في موضوع مماثل، وهو أنني أمتلك بفضل الله عمارة بمكة المكرمة، وأريد أن أوقفها علي أولا للسكن والاستغلال ثم على أولادي ثم على أولاد أولادي أبدا، ما تناسلوا أولاد الظهور دون أولاد البطون الطبقة العليا تحجب الطبقة السفلى، وإذا انقرضوا والعياذ بالله يكون وقفا للفقراء والمساكين، فهل في ذلك محذور شرعي في أن أوقف على أولاد الظهور دون أولاد البطون، هذا ما أحببت استشارتكم فيه، حفظكم الله ورعاكم ونفع بعلمكم ومتعكم بالصحة والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مع علم سماحتكم بأنني متمسك بمذهب الإمام أبي حنيفة(20/16)
النعمان رحمه الله (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرى أن يكون الوقف على المحتاج من الذرية سواء كانوا من أولاد الذكور أو البنات، بطنا بعد بطن، ومن أغناه الله لا يشارك الفقيرة، فإن انقرضوا تصرف الغلة في وجوه الخير من الصدقة على الفقراء وتعمير المساجد ونحو ذلك من وجوه الخير، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق لكل خير إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته من السائل ع. ص. ب. وأجاب عنه سماحته برقم (217\1 \ ش) في 15\12 \ 1415هـ.(20/17)
8 - الراجح عدم حرمان أولاد البنات من الوقف
من س. ع. ع. أ. إلى حضرة فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز سلمه الله تعالى وأسبغ عليه نعمه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ما قولكم فيمن يوصي ويوقف ويحرم أولاد البنات، وبعضهم يوصي بجميع ما خلف أنه وقف، ويحرم أولاد البنات، فهل يصح الوقف ويثبت الحرمان، وما حجة المجيز لذلك الوقف الجنف؟ ورأيت لإمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - كلاما مغلظا فيه، وقد أبطله والناس تمادوا في مثل هذا الوقف، وبعض علماء هذا الوقت يجيزونه ويسجلون عليه. فأطلب من فضيلتكم لازلتم موفقين لبذل العلم والعمل به توضيح ذلك؛ لأني مشكل علي، والله يعينك ويثبتنا وإياك، ولا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، إنه قريب مجيب، اللهم صل على محمد (1)
ج: أن الأقرب عندي عدم حرمان أولاد البنات من
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته من السائل س. ع. ع. أ. أجاب عنه سماحته بتاريخ 20 \ 9 \ 1388 هـ.(20/18)
الوقف، ولكن عندي توقف في الحكم بأن حرمانهم جنف وباطل، ولهذا أخرت الجواب رجاء أن أجد من كلام أهل العلم ما يزيل الإشكال؛ ولكن بسبب كثرة المشاغل وضيق الوقت على أخيكم لم يتيسر لي المطالعة الكافية لكلام أهل العلم، ولم أجد ما يطمئن القلب للحكم ببطلان وقف من حرم أولاد البنات، وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم وسائر المسلمين الفقه في دينه، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه سميع قريب.(20/19)
حكم أخذ الأجرة على سحب الماء من البئر الموقوفة
س9: ما رأيكم في رجل أتى على بئر أوقفت في سبيل الله فجعل عليها ماطورا يخرج به الماء، ويقوم بتوصيل الماء إلى من يريده في مكانه، ولكنه لا يعطي أحدا شيئا من الماء حتى يتقاضى منه بعض الأجر على قدر ما يطلبه من الماء؟ (1)
ج: إذا كان ولاة الأمر قد أقروه على هذا، أو كان في
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته بعد محاضرة ألقاها سماحته بعنوان: '' الأمر بالمعروف ''.(20/19)
بلد قد وافق أهلها على ذلك، أو كانت متعطلة، فجاء الله به وأصلحها وركب عليها الماطور، وبذل الماء للمحتاجين إليه، فلا بأس في ذلك، ويعتبر بذلك مصلحا ومحسنا، ولو أخذ أجرة على ذلك بقدر عمله، أما إن كان ظالما في هذا، بأن كان يوجد من يريد إيصال الماء بغير ثمن ومنعه من ذلك، وفرض أمره حتى يأخذ من أموال الناس ما يريد فهذا لا يجوز، وعلى ولاة الأمر وأهل البلد منعه، والله الموفق.(20/20)
جواز استبدال الإبل الموقفة بالسيارات
س10: إن جدي له إبل يسبلها، ويحج عليها الناس، وصار الحج الآن على السيارة فتكاثرت هذه الإبل. فهل نبيعها فنجعلها في بناء المساجد؟ (1)
ج: بيعوها وضعوها في سيارات حججوا الناس عليها مثل ما قال والدكم، إذا كان جعلها للحج فبيعوها واشتروا بها سيارة أو سيارتين أو ثلاثة جموس أو غيرها، وضعوها للحجاج الذين يريدون الحج من الفقراء تعطوهم إياها حتى يحجوا، فيكون لأبيكم مثل أجرهم إن شاء الله.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في حج عام 1407 هـ.(20/20)
11 - حكم تنمية مال الوقف
سماحة والدنا الشيخ المكرم عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرجو تفضلكم وإجابتي عن هذا السؤال:
الوقف الذي فيه أضحية والوكيل على هذا الوقف يرى وضعها في شركة مساهمة ليضحى من ريعه فهل يجوز؟ (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
لا بأس من وضع هذا الوقف في شركة مساهمة لا تتعامل بالربا إذا كانت هذه الشركة مأمونة ويضحى من الريع، والله الموفق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) من ضمن أسئلة شخصية مقدمة لسماحته من السائل م. م، وأجاب عنه سماحته بتاريخ 4 \9\1418هـ.(20/21)
التوكيل في الوقف
س12: الوكيل على الوقف أضحية أو غيرها أحب أن يجعل عنه وكيلا فمن الأولى: الأولاد أم الإخوة. . وإذا لم ينص على تفويضه بالتوكيل فماذا يعمل؟ (1)
ج: إذا لم ينص الموصي بحق الوكيل للتوكيل فإن التوكيل للحاكم، وللوكيل الحق أن يرشح من فيه الكفاءة أخا أو ابنا.
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) من ضمن أسئلة شخصية مقدمة لسماحته من السائل م. م، وأجاب عنه سماحته بتاريخ 4\9\ 1418هـ.(20/22)
زكاة عائدات الوقف
س13: عائدات الوقف كالأضحية هل تزكى سواء قبل وضعها في شيء صريح أم في ريعها؟ (1)
ج: مال الوقف لا زكاة فيه. والله الموفق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) من ضمن أسئلة شخصية مقدمة لسماحته من السائل م. م، وأجاب عنه سماحته بتاريخ 4\9\ 1418هـ.(20/23)
حكم تغيير مصرف الوقف
س14: هناك مزرعة موقوفة على تفطير الصوام في أحد المساجد، ولا يخفى أن الناس في هذا العصر ليسوا في حاجة إلى ذلك، فما هي الجهة التي يمكن أن تصرف غلة الوقف المذكور عليها (1)
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فالواجب صرف غلة الوقف في فقراء البلدة؛ لأن مقصود الواقف نفع الفقراء ومواساتهم في أيام رمضان المبارك، فإذا لم يوجدوا في المسجد وجب صرفها لهم في بيوتهم في شهر رمضان؛ ليستعينوا بذلك على الصيام والقيام، وليحصل النفع للواقف بإجراء الصدقة المذكورة لمستحقيها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته من الأخ ع. ح. ع. ونشر في مجلة (الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة.(20/24)
هل يجوز وقف المباني التي بنيت بقرض من البنك العقاري
س15: هل يجوز وقف العمائر التي بنيت بقرض من صندوق التنمية العقاري وهي لا تزال مرهونة لدى الصندوق؟ (1)
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج1 ص159، وفي كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج3 ص25.(20/24)
ج: في هذه المسألة خلاف بين العلماء مبني على مسألة أخرى، وهي هل يلزم الرهن بدون قبض أم لا؟ فمن قال: لا يلزم إلا بالقبض، قال: يصح الوقف وغيره من التصرفات التي تنقل الملك؛ لكون الرهن لم يقبض، ومن قال: إن الرهن يلزم ولو لم يقبض المرهون، لم يصح الوقف ولا غيره من التصرفات الناقلة للملك، وبذلك يعلم أن الأحوط عدم وقفه حتى يسدد ما عليه للبنك خروجا من خلاف العلماء وعملا بالحديث الشريف: «المسلمون على شروطهم (1) » (2) .
__________
(1) سنن الترمذي الأحكام (1352) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2353) .
(2) رواه الترمذي في (الأحكام) باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح برقم (1352) .(20/25)
صفحة فارغة(20/26)
باب الهبة والعطية(20/27)
صفحة فارغة(20/28)
حث المسلمين على التبرع
ومساعدة إخوانهم المحتاجين (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه، أما بعد:
فإني أشكر إخواني العاملين في هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية على جهودهم الطيبة، وأعمالهم المباركة، في مساعدة المسلمين في كل مكان، وإغاثة الملهوفين، ومواساة الفقراء والمساكين، وتعليم الناس ما يلزمهم في دينهم، وما أوجب الله عليهم، وما حرم عليهم. كما أشكرهم على ما يقومون به من العناية بالمساجد، والمدارس، والملاجئ، وغير ذلك مما ينفع المسلمين في سائر أنحاء المعمورة. وبلغني من أخبارهم وأعمالهم وجهودهم الطيبة ما سرني وسر كل مسلم بلغه ذلك، وإني بهذه المناسبة أوصيهم بمضاعفة الجهود لجميع المسلمين والإخلاص لله في العمل، وأداء الأمانة على خير وجه، وأكمل وجه في محلها وفي جهتها، لأن الله عز وجل يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (2)
__________
(1) كلمة ألقاها سماحته في حفل هيئة الإغاثة الإسلامية لجمع التبرعات في الرياض في 15 \ 9 \ 1416هـ.
(2) سورة النساء الآية 58(20/29)
ويقول سبحانه في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (1) ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) ويقول عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (3) ويقول جل وعلا: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (4) وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} (5) والمتقون هم الذين أدوا الأمانة واتقوا الله وعظموه وأخلصوا له العبادة، وأدوا حقه، وأدوا حق عباده، وابتعدوا عن محارمه عز وجل، هؤلاء هم المتقون، وهم المؤمنون وهم أصحاب الأمانة الذين قال فيهم سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (6)
كما أوصيهم أيضا بالعناية بجميع الفقراء، واللاجئين المسلمين والعناية بالمسلمين أكثر من غيرهم، ولا مانع في
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 8
(2) سورة الأنفال الآية 27
(3) سورة الأحزاب الآية 72
(4) سورة الحجر الآية 45
(5) سورة الدخان الآية 51
(6) سورة المؤمنون الآية 8(20/30)
إعانة غير المسلمين على وجه الترغيب في الإسلام والتأليف؛ لأن الله عز وجل جعل للمؤلفة قلوبهم حقا في الزكاة، وحقا في بيت المال، ترغيبا في الإسلام وتقوية للإيمان ودعوة إلى إسلام غيرهم ممن لم يسلم. ومن أهم الأمور أيضا العناية بالتعليم، تعليم الجهال وإرشادهم، وتعليمهم العقيدة الصحيحة العقيدة الإسلامية، والعناية بتفقيههم في دين الله، وتوزيع الكتب المفيدة وأهم ذلك توزيع القرآن العظيم، فإن توزيع كتاب الله بين المسلمين من أهم المهمات؛ لأن كتاب الله فيه الهدى والنور، وهو أشرف كتاب، وأصح وأصدق كتاب، يقول الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1) ويقول تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) ويقول تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (3) ويقول سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (4) ويقول جل وعلا: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (5)
ويقول جل وعلا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (6)
__________
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة الأنعام الآية 155
(3) سورة ص الآية 29
(4) سورة محمد الآية 24
(5) سورة إبراهيم الآية 1
(6) سورة النحل الآية 89(20/31)
ويقول سبحانه: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (1) ولما خطب الناس قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله (2) » . بين عليه الصلاة والسلام أن الناس لن يضلوا إذا اعتصموا بالقرآن، والاعتصام بالقرآن اعتصام به وبالسنة؛ لأن السنة هي الوحي الثاني، وقد أمر الله سبحانه بالتزامها في القرآن. كما أمر بطاعة الرسول والاستقامة على دينه. قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (3) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (4) فطاعة الرسول من طاعة الله، من يطع الرسول فقد أطاع الله، والوصية بالقرآن: وصية به وبالسنة المطهرة، ولا طريق للنجاة ولا سبيل للسعادة إلا باتباع كتاب
__________
(1) سورة الأنعام الآية 19
(2) رواه مسلم في (الحج) باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) ، والترمذي في (المناقب) باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم برقم (3788) ، ومالك في الموطأ في (كتاب الجامع) باب النهي عن القول بالقدر برقم (1661) .
(3) سورة النور الآية 54
(4) سورة النساء الآية 59(20/32)
الله الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وعقيدة.
فالواجب على الهيئة، وعلى العلماء أينما كانوا، وعلى كل مسلم التعاون في هذا الأمر وفي هذا السبيل بإيصال الحق إلى أهله، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذا هو طريق الله، وهذا هو سبيل الله، وهذا هو الصراط المستقيم الذي قال فيه جل وعلا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1) وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} (2) وقال تعالى في حق النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (3)
فإصلاح عقائد الناس وتوجيههم إلى الخير، وتعليمهم ما أوجب الله عليهم، وتحذيرهم مما حرم الله عليهم، أهم من إصلاح أبدانهم وإعاشة أبدانهم فصلاح الدين مقدم. فالواجب على الهيئة، وعلى الدعاة والعلماء، وعلى ولاة الأمور في كل مكان، وعلى ولاة أمر المسلم في كل مكان، أن يعنوا بإصلاح دين شعوبهم وبتعليمهم، وتوجيههم، وإرشادهم إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعة الله والاستقامة على دين الله والحذر من محارم الله والوقوف
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 6
(2) سورة الأنعام الآية 153
(3) سورة الشورى الآية 52(20/33)
عند حدود الله. هذا هو الواجب على جميع ولاة الأمور، وهذا هو الحق اللازم لهم؛ أن يطيعوا الله ورسوله، وأن يعلموا الناس دين الله، وأن يرشدوهم للحق، وأن يلزموهم به، وأن يأخذوا على أيديهم حتى يلتزموا بالحق، هذا هو الواجب على جميع ولاة الأمور. نسأل الله أن يوفقهم، وأن يعينهم وأن يصلح أحوالهم، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد إلى كل خير.
والمقصود أن على الهيئة وعلى المسئولين بالهيئة والعاملين فيها: العناية التامة بالدين والتعليم، وذلك أهم من العناية بإصلاح الأبدان، وإنقاذ الفقراء والمحتاجين من الجوع والحاجة، فيهتمون بهذا وهذا، ويكون الاهتمام بالدين وإصلاح الدين والأخلاق أهم وأعظم؛ لأن في ذلك النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1) ويقول تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (2) {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (3)
ويقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه (4) » ويقول أيضا: «اقرءوا
__________
(1) سورة محمد الآية 7
(2) سورة الحج الآية 40
(3) سورة الحج الآية 41
(4) رواه البخاري في (فضائل القرآن) باب خيركم من تعلم العلم وعلمه برقم (5027) .(20/34)
القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه (1) » ويقول جل وعلا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2)
فتعليم الناس بكتاب الله الكريم وتعليمهم بالسنة التي يضطرون إلى معرفتها مما أوجب الله عليهم، وذلك هو الأعز والأعظم، وهو الفرض على جميع العلماء، وعلى ولاة الأمور، وعلى جميع المسئولين، وعلى العاملين في هذه الهيئة وفي غيرها، عليهم أن يهتموا بأمر الدين قبل كل شيء، وهكذا توزيع الكتب المفيدة، وتشجيع الدعاة والحرص على تكثير الدعاة وبثهم بين المسلمين؛ لأن في ذلك الخير العظيم، ولأن ذلك وسيلة إلى أن يتفقهوا في الدين، وأن يعرفوا ما جهلوا وأن يتعلموا ما يلزمهم في دينهم، وفي ذلك لهم السعادة والفضل العظيم والعاقبة الحميدة إذا أخلصوا لله واستقاموا على دينه جل وعلا، هذا هو طريق النجاة وطريق السعادة، مع العناية بالإحسان إلى الفقراء والمساكين، وتوزيع الطعام واللباس وغير ذلك بالعدل وتحري الحق، ومن رحمة الله ونعمة الله أن نفع بهذه الهيئة وبهيئات أخرى وبالجهود الكبيرة للمسلمين في سائر أنحاء الدنيا.
__________
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة برقم (804) .
(2) سورة الأنعام الآية 155(20/35)
نسأل الله لمن قام بهذا الواجب التوفيق والعون والتسديد وعظيم الأجر، ثم إني بهذه المناسبة أشكر حكومتنا وفقها الله وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين عافاه الله وشفاه، ووفقه لكل خير ونائبه سمو الأمير عبد الله، وكذلك النائب الثاني سمو الأمير سلطان، وهكذا أصحاب السمو الأمراء جميعا، وهكذا الوزراء والمسئولون فينا، نشكرهم جميعا على كل ما يبذلونه من جهود طيبة لصالح الإسلام والمسلمين وفي مساعدة هذه الهيئة وفي كل سبيل ينفع المسلمين ويعينهم على طاعة الله، نشكر لهم جهودهم.
ونسأل الله لهم جميعا المزيد من كل خير، ونسأل الله لنا ولهم التوفيق والإخلاص في كل قول وعمل، كما أشكر إخواني الذين ساهموا في هذه الهيئة قديما وحديثا، نشكر لهم جهودهم وأعمالهم ونسأل الله أن يضاعف لهم المثوبة، وأن يخلف الله عليهم ما أنفقوا، قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) ويقول جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} (2) {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} (3) وقال سبحانه:
__________
(1) سورة سبأ الآية 39
(2) سورة فاطر الآية 29
(3) سورة فاطر الآية 30(20/36)
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) ويقول جل وعلا: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) ويقول سبحانه: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) فكل من أنفق في سبيل الله يخلف عليه الله عز وجل بأكثر من ذلك، وله الأجر والمثوبة.
نسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يرضيه، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم. كما أسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمرنا وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن ينصر بهم الحق، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين الصالحين المصلحين إنه جل وعلا جواد كريم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
__________
(1) سورة سبأ الآية 39
(2) سورة البقرة الآية 274
(3) سورة المزمل الآية 20(20/37)
دعوة إلى دعم
الهيئة العليا للبوسنة والهرسك
[دعوة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء إلى دعم الهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك ومساعدتها من الزكاة وغيرها لتستمر في نشاطها المبارك.
جاء ذلك في نصيحة وجهها سماحته فيما يلي نصها] (1) :
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من إخواني المسلمين الراغبين في الإحسان ومواساة المحتاجين والمساهمة في تعمير المساجد والمشاريع الخيرية وفقهم الله ونصر بهم دينه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فيسرني أن أفيد الجميع بما تقوم به الهيئة العليا لجمع التبرعات لإغاثة المسلمين في البوسنة، ومواساة المحتاجين
__________
(1) نشرت في جريدة الجزيرة يوم الاثنين الموافق 10 \ 8 \ 1416هـ عدد 8495.(20/38)
والفقراء، وتعمير المساجد والمدارس، والمستشفيات، إلى غير ذلك مما يحتاجه المسلمون هناك، وهذه الهيئة يرأسها سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وفقه الله، وقد نفع الله بها نفعا كبيرا.
فأرجو ممن يطلع على كتابي هذا، احتساب الأجر في دعم الهيئة ومساعدتها من الزكاة وغيرها، لتستمر في نشاطها المبارك ودعمها للمسلمين، وتأليف قلوبهم، ونشر الدعوة الإسلامية بينهم، وتعليم أبنائهم وعلاج مرضاهم، وتعمير وترميم مساجدهم، ومدارسهم. ولا يخفى ما في ذلك من الأجر العظيم والفضل الكبير.
ونرجو لكم في ذلك جزيل الخلف، وعظيم المثوبة، لقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) وقوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (2) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) وقوله عز وجل:
__________
(1) سورة المائدة الآية 2
(2) سورة العصر الآية 1
(3) سورة العصر الآية 2
(4) سورة العصر الآية 3
(5) سورة التغابن الآية 16(20/39)
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) وقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (2)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل (3) » وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدم وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة (4) » .
والآيات والأحاديث في الحث على الصدقة والإنفاق في
__________
(1) سورة سبأ الآية 39
(2) سورة المزمل الآية 20
(3) رواه البخاري في (الزكاة) باب الصدقة من كسب طيب برقم (1410) ، ومسلم في الزكاة باب الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم (1014) .
(4) رواه البخاري في (التوحيد) باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء برقم (7512) ، ومسلم في (الزكاة) باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة برقم (1016) .(20/40)
وجوه الخير كثيرة جدا، مع العلم بأن الهيئة لديها حساب خاص للزكاة وحساب خاص لغير الزكاة.
والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لكل ما يرضيه وأن يجعلنا وإياكم من المسارعين إلى كل خير، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن مضلات الفتن، وأن يبارك لكم فيما أعطاكم وأن يزيدكم من فضله وأن يوفق الهيئة ورئيسها لكل خير، وأن يضاعف لهم المثوبة، وأن يبارك في جهودهم، وأن ينصر بهم الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية،
ورئيس هيئة كبار العلماء
ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء(20/41)
حكم هبة الأخت لأخيها
س18: أبي متوفى منذ مدة ويوجد لدينا بيت باسمه، وقررنا بيعه، وتقسيم التركة، وتريد إحدى أخواتي التنازل عن حقها في الميراث لي لمساعدتي على الزواج علما أنها متزوجة وفي حالة ميسورة هي وزوجها، فهل يجوز ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله. (1)
ج: لا حرج عليك في قبول هبة أختك لك نصيبها من البيت مساعدة لك في الزواج إذا كانت رشيدة؛ لأن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة قد دلت على جواز تبرع المرأة بشيء من مالها لأقاربها وغيرهم.
كما يشرع لها الصدقة إذا كانت رشيدة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج3 ص29.(20/42)
جمع مال الزوجين لحاجة الأسرة
س19: أنا موظف وزوجتي كذلك، ومنذ أن تزوجنا أصبح مالنا مشتركا، يعني بعد صرف المعاشات أقوم أنا مما تحصلنا من المعاشين بواجبات البيت، ثم باقي ما(20/42)
تبقى من مال يدخل في أشياء تخص مستقبل الأسرة كبناء منزل أو شراء عربة نقل وغير ذلك فهل هذا المال (مال الزوجة) حرام للزوج علما بأن الزوجة موافقة على ذلك؟ أرجو أن تدلوني على الصواب حتى أخرج من مشكلة الكسب الحرام، ولكم الشكر الجزيل (1)
ج: إذا سمحت الزوجة بالاشتراك على الوجه المذكور وهي رشيدة فلا بأس؛ لقول الله سبحانه: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2) أما إن كانت سفيهة غير رشيدة، فلا تأخذ من مالها شيئا، واحفظه لها. وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
__________
(1) نشر في جريدة (البلاد) العدد (15377) في 19\4\ 1419هـ.
(2) سورة النساء الآية 4(20/43)
أخذ راتب الزوجة برضاها
س20: إذا تزوجت من فتاة مدرسة هل يحق أخذ راتبها برضاها للحاجة ولمصلحة الاثنين، كبناء منزل مثلا، ولا أعطيها سندا بذلك على ما أخذته وهي لم تطلب ذلك، مع العلم أنني موظف وأتقاضى راتبا شهريا؟ (1)
__________
(1) نشر في جريدة (البلاد) العدد (15376) في 18 \4\1419 هـ.(20/43)
ج: لا حرج عليك في أخذ راتب زوجتك برضاها إذا كانت رشيدة، وهكذا كل شيء تدفعه إليك من باب المساعدة لا حرج عليك في قبضه إذا طابت نفسها بذلك وكانت رشيدة؛ لقول الله عز وجل في أول سورة النساء: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (1) ولو كان ذلك بدون سند لكن إذا أعطتك سندا بذلك فهو أحوط إذا كنت تخشى شيئا من أهلها وقراباتها، أو تخشى رجوعها. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النساء الآية 4(20/44)
21 - جواز الهبة للولد للزواج إذا كان عاجزا
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية وفقه الله لكل خير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأرجو من سماحتكم إفتائي في الموضوع التالي:
سمعت لسماحتكم فتوى حول إعانة الأولاد في الزواج ورأيتم - حفظكم الله - أن إعانتهم جائزة ولا تتناقض مع نص(20/44)
الحديث: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » فإذا كان عندي ستة أولاد تزوج منهم أربعة وأعنتهم، وبقي الأخيران وهما صغيران، فهل يجوز لي أن أودع عند أحد الموثوقين إعانتهما على أن لا تعطى لكل منهما إلا عند الزواج وإن لم يتزوجا، أو أغناهما الله عن هذه الإعانة ترجع لإخوانهم جميعا كالميراث؟ (2)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
لا يجوز لك تخصيص الصغيرين بشيء إذا كانا ليسا متأهلين للزواج لصغرهما، فإذا كبرا واستحقا الزواج وجب عليك أن تساعدهما إذا كانا عاجزين كما ساعدت إخوتهما الأربعة، والله الموفق.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ومسلم في (الهبات) باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .
(2) سؤال مقدم من ع. ع. ع. ج. وأجاب عنه سماحته بتاريخ 27 \ 5 \ 1419 هـ.(20/45)
22 - هبة الوالد لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين
إلى سماحة شيخنا الجليل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو الله لسماحتكم دوام التوفيق والسداد وبعد:
أعطيت أولادي هبة من مالي، ورأيت أن العدل بينهم إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين كما هو مقتضى الإرث الشرعي في حقهم، ولكن البنات أبدين بعض التساؤل عن تفضيل الذكر عليهن في العطاء، والتمسن مني أن أساوي في العطية بين الذكر والأنثى من أولادي وأستفتي سماحتكم هل ما فعلته هذا هو العدل الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «اعدلوا بين أولادكم (1) » . أم أن العدل مساواة الأنثى بالذكر في العطية بين الأولاد؟ أرجو تكرم سماحتكم على ابنكم بالإجابة عن السؤال؟ حفظكم الله (2)
__________
(1) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (2587) ، سنن أبو داود البيوع (3544) .
(2) سؤال مقدم لسماحته من فضيلة الشيخ ع. س. م وأجاب عنه سماحته بتاريخ 2 \ 8 \ 1410 هـ.(20/46)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
فالذي فعله فضيلتكم هو العدل فيما نعتقده وفيما نفتي به وهو الموافق لقسمة الله في الميراث وهو سبحانه الحكم العدل في شرعه وقدره. وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/47)
س23: ورد في الحديث: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » فهل المقصود المساواة المطلقة أم للذكر مثل حظ الأنثيين أسوة في الميراث، فالحديث على ما أظن يقول: "أكلهم أعطيتهم مثل ذلك " فكلمة مثل إن صحت توحي بالمساواة المطلقة اللهم إلا إن كان يتكلم عن الذكور فقط، أفيدونا أفادكم الله؟ (2)
ج: الحديث صحيح رواه الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أعطاه غلاما فقالت أمه: لا أرضى حتى يشهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فذهب بشير بن سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل فقال: «أكل ولدك أعطيته مثل ما أعطيت النعمان؟ فقال: لا؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (3) » ، فدل ذلك على أنه لا يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطايا، أو تخصيص بعضهم بها فكلهم ولده، وكلهم يرجى بره، فلا يجوز أن يخص بعضهم بالعطية دون بعض، واختلف
__________
(1) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (2587) ، سنن النسائي النحل (3681) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2375) ، مسند أحمد بن حنبل (4/270) ، موطأ مالك الأقضية (1473) .
(2) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (53) ونشر في هذا المجموع ج 6 ص 377.
(3) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ومسلم في (الهبات) باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/48)
العلماء رحمة الله عليهم هل يسوى بينهم، ويكون الذكر كالأنثى أم يفضل الذكر على الأنثى كالميراث على قولين لأهل العلم، والأرجح أن العطية كالميراث، وأن التسوية تكون بجعل الذكر كالأنثيين، فإن هذا هو الذي جعل الله لهم في الميراث، وهو سبحانه الحكم العدل، فيكون المؤمن في عطيته لأولاده كذلك كما لو خلفه لهم بعد موته للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا هو العدل بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى أمهم وأبيهم، وهذا هو الواجب على الأب والأم أن يعطوا الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين، وبذلك يحصل العدل والتسوية كما جعل الله ذلك في الميراث وهو عدل من أبيهم وأمهم.(20/49)
وجوب العدل بين الأولاد
س24: رجل له أربعة أولاد منهم واحد موظف ومتزوج وله خمسة أولاد وجزء من المال الذي بيد والده توفير من رواتب الولد المذكور، مع العلم بأن هذا الولد قائم بنفقة أولاده ووالديه وإخوانه؛ لأنهم في بيت واحد فأحب والده أن يتبرع لابنه المذكور بخمس المال الذي بيده مقابل عن عمله ودخله(20/49)
ج: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » متفق على صحته.
فليس للوالد أن يخص بعض أولاده بشيء إلا برضا الباقين المكلفين المرشدين في أصح قولي العلماء؛ لكن إذا أحب أن يجعل ما قبضه من رواتبه في المستقبل قرضا عليه أو أمانة عنده فلا بأس، وعليه أن يوضح ذلك في وثيقة معتمدة، وبذلك يكون قد حفظ له حقه الذي دخل عليه أو بعضه، ولا يكون أعطاه شيئا، وإنما هو ماله حفظه له، والله أعلم.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ، ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/50)
العدل بين الأولاد واجب
س25: هل يجوز لي أن أعطي أحد أبنائي ما لا أعطيه لآخر لكون الآخر غنيا؟ (1)
ج: ليس لك أن تخصي أحد أولادك الذكور والإناث بشيء دون الآخر بل الواجب العدل بينهم حسب الميراث أو
__________
(1) نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (18) عام 1407 هـ.(20/50)
تركهم جميعا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » متفق على صحته. لكن إذا رضوا بتخصيص أحد منهم بشيء فلا بأس إذا كان الراضون بالغين مرشدين، وهكذا إن كان في أولادك من هو مقصر عاجز عن الكسب لمرض أو علة مانعة من الكسب وليس له والد ولا أخ ينفق عليه، وليس له مرتب من الدولة يقوم بحاجته، فإنه يلزمك أن تنفقي عليه قدر حاجته حتى يغنيه الله عن ذلك.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ، ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/51)
س26: والدي لديه بيت قديم جدا في موقع ممتاز، ويريد والدي تسجيل هذا البيت باسم شقيقي، وأنا راض عن ذلك، ولكن لي أخوات، وقد سألت الوالد عن نصيبهن فقال: ما عليك منهن، وقد استأذنتهن في ذلك، وأخشى أن تكون موافقتهن وسماحهن بذلك خجلا من الوالد، أفيدونا ما حكم الشرع في ذلك؟ (1)
ج: يجب على الوالد العدل بين أولاده ذكورهم وإناثهم حسب الميراث، ولا يجوز له أن يخص بعضهم بشيء دون
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) عدد (1535) في 9\11\1416 هـ، وفي هذا المجموع ج 9 ص 452.(20/51)
البقية إلا برضى المحرومين إذا كانوا مرشدين، ولم يكن رضاهم عن خوف من أبيهم، بل عن نفس طيبة ليس في ذلك تهديد ولا خوف من الوالد، وعدم التفضيل بينهم أحسن بكل حال، وأطيب للقلوب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » ، متفق على صحته.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/52)
س27: هل يجوز للوالد أن يهب لأحد أولاده مالا أو عقارا دون بقية الأولاد، حيث إن هذا الولد ينفع والده دون بقية الأولاد، وما تفسير حق الوالد على الولد، وحق الولد على الوالد؟ (1)
ج: ليس للوالد أن يخص بعض أولاده بشيء من المال على سبيل التخصيص والإيثار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (2) » ، رواه البخاري ومسلم، لكن إذا كان بعض الأولاد في حاجة أبيه، وبعضهم قد
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته في مجلسه.
(2) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ، ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/52)
يخرج عنه، فإنه يجوز للوالد أن يجعل لابنه المطيع القائم بأعماله راتبا شهريا أو سنويا بقدر عمله، كالعامل الأجنبي أو أقل، مع مراعاة نفقته إذا كان ينفق عليه، وليس في هذا ظلم لبقية الأولاد؛ لكونهم هم الذين تباعدوا عن والدهم ولم يقوموا بحقه، هذا هو الذي يظهر لي من الشرع المطهر الذي جاء بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، والذي جاء بشرعية مجازاة المحسن على إحسانه والمسيء بإساءته، أما بيان حق الوالد على ولده وحق الولد على الوالد فهذا مقام يحتاج إلى بسط وتطويل، وقد ألف فيه العلماء.
وجاء في الكتاب والسنة ما يدل على أصول ذلك، وهما المرجع في كل شيء، وجماع هذا الأمر باختصار أنه يجب على الولد بر والديه والإحسان إليهما وشكرهما على عملهما العظيم، والسمع والطاعة لهما في المعروف، ويجب على الوالد لولده الإنفاق عليه حتى يبلغ رشده، ويستطيع الكسب والعمل، أو يستغني عن إنفاق والده عليه بإرث أو وقف أو إنفاق من بيت المال أو من بعض المحسنين، ويلزم الوالد أيضا توجيه ولده وتعليمه ما ينفعه دينا ودنيا، وتربيته التربية الإسلامية حسب الاستطاعة، وتفصيل هذا الأمر واضح لمن له أدنى بصيرة وعلم من الكتاب والسنة المطهرة، جعلني الله وإياكم من الموفقين لفهمهما والعمل بهما إنه خير مسئول.(20/53)
حكم تخصيص الأولاد الذكور بأثاث المنزل
س28: هل يجوز أن أخص أولادي الذكور ببعض أثاث المنزل مثل الثلاجات والمسجلات والأشياء المعمرة؛ كي تكون ملكا لهم بعد وفاتي؛ لأن البنات سبق وأن جهزتهن فهل هذا جائز أو لا؟ (1)
ج: ليس لك ولا لغيرك تخصيص الذكور بشيء دون البنات، بل الواجب العدل بين الجميع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (2) » ، ولا يجوز أن توصي بشيء للبنين دون البنات، إلا إذا كن رشيدات، ورضين بذلك فلا حرج في ذلك، والأحوط عدم الوصية للبنين ولو رضيت البنات؛ لأنهن قد يرضين حياء منك، وهن في الحقيقة لا يرضين بذلك، فالأحوط لك ألا تخصي البنين أبدا حتى لو فرضنا أن البنات رضين بذلك؛ لأني أخشى أن يرضين بذلك مكرهات حياء منك، بل اجعلي ما خلفك للجميع على قسمة الله سبحانه وتعالى، للذكر مثل حظ الأنثيين.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ، ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/54)
29 - حكم تخصيص الابن الوحيد بالهبة
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
أرجو من سعادتكم الإفتاء في موضوع خاص بي وهو: أنني وحيد على أربع أخوات، ووالدي والحمد لله ميسور الحال. وعنده أملاك أراض زراعية وبيتان. وأراد والدي أن يهب لي قطعة أرض مساحتها (2 قيراط) أي لا تشكل من أملاكه إلا القليل (أقل من الثلث بكثير) . وذلك على سبيل البيع، وذلك بعقد بيع، مع العلم أنني لم أدفع ثمنا لهذه الأرض باعتباري ابنه الوحيد. وإنني أثق تماما من حب أخواتي البنات لي، وسوف لا يعترضن، مع العلم أنني لم أشاورهن في ذلك. فهل يجوز لوالدي أن يفعل ذلك باعتبار أنني ابنه الوحيد. أم لا بد أن أدفع له فعلا ثمن هذه الأرض. أم لا بد من أخذ موافقة من أخواتي على طيب ورضا على هذا البيع دون أن أدفع ثمنا للأرض. أفيدوني أفادكم الله. وجزاكم الله خير الجزاء (1)
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته من السائل ط. ع. ج.(20/55)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
لا يجوز لأبيك أن يخصك بعطية دون أخواتك ولو باسم البيع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » متفق على صحته. لكن إذا رضي أخواتك وهن مرشدات أن يخصك بشيء فلا بأس، بشرط أن يكون رضاهن صحيحا لا بالتهديد والتخويف أو نحو ذلك مما يسبب موافقتهن على تخصيصك بغير رضاهن. وصفة التعديل أن يساوي بين الأبناء والأولاد، فإن كانوا مختلفين ذكورا وإناثا فإنه يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث للحديث المذكور. وفق الله الجميع.
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ، ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/56)
س30: هل يجوز الإهداء لبعض الأبناء دون الآخرين، وهل يجوز لمن يملك عقارات وغيرها أن يسجل بعضها لولده الوحيد، علما بأن والدته وبعض الأرحام على قيد الحياة؟ (1)
ج: إذا كان له أولاد ليس له أن يعطيهم متفاوتين، أو يعطي بعضهم ويترك بعضا، بل لا بد من العدل. سواء تسمى هدية أو تسمى عطية كله سواء، لا بد من العدل؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (2) » ، وقال: «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء. قال: نعم. قال: فهكذا يجب أن تعدل بينهم (3) » ، وجاء بشير بن سعد الأنصاري قال: أعطيت الولد غلاما. قال: «أعطيت أولادك كلهم؟ قال: لا. قال: رده (4) » .
لا بد من التسوية والعدل في العطية بين الرجال والنساء للذكر مثل حظ الأنثيين كالإرث، ولا يوصى لهم أيضا، لا بد أن يكونوا سواء في العطية، لا يخص أحدا دون أحد ولو كان بعضهم أبر به أو فقيرا؛ فإنه يجزيه حقه الذي كتب الله له من
__________
(1) من الأسئلة المقدمة لسماحته في حج عام 1415 هـ.
(2) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .
(3) صحيح مسلم الهبات (1623) ، سنن النسائي النحل (3680) ، سنن أبو داود البيوع (3542) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2375) ، مسند أحمد بن حنبل (4/269) .
(4) صحيح البخاري الهبة وفضلها والتحريض عليها (2587) ، صحيح مسلم الهبات (1623) ، سنن الترمذي الأحكام (1367) ، سنن النسائي النحل (3680) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2376) ، مسند أحمد بن حنبل (4/269) ، موطأ مالك الأقضية (1473) .(20/57)
الإرث، لكن النفقة لا بأس إذا كان عنده عيال صغار ينفق عليهم وكبار مغنيهم الله من فضله لا ينفق عليهم، النفقة واجبة عليه على الصغار الفقراء أو على غيرهم من الفقراء إذا كان أولاده بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء، يجب أن ينفق على الفقراء حتى يغنيهم الله ولا في هذا تعديل؛ لأن هؤلاء نفقتهم واجبة لفقرهم.(20/58)
حكم تخصيص الذكور دون الإناث في قسم الأموال
س31: رجل قسم أملاكه على أبنائه الذكور واستثنى الإناث وزوجاته من هذه الأملاك، وبعد التقسيم وحصول كل من الذكور على نصيبه تخلوا عنه، ولم يعودوا يسألون عن أبيهم كالسابق، ولم يعد لديه أموال يصرفها على نفسه وزوجاته، فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل يأثم على هذه القسمة؟ وما واجب الأبناء تجاه أبيهم؟ خصوصا أنهم تملكوا كل ما يملكه أبوهم؟ وما نصيحتكم لمن يستثني الإناث من الإرث؟ وهل يكون الأب مستحقا للصدقة أو الزكاة؟ (1)
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1695) في26\2\1420 هـ.(20/58)
ج: لا يجوز لأحد أن يخص أولاده الذكور بشيء من المال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم (1) » ، إلا إذا كان أولاده مرشدين وسمحوا لأبيهم بأن يخص بعضهم بشيء فلا بأس، والواجب على الأبناء أن ينفقوا على أبيهم إذا كان فقيرا، وهم قادرون فإن تنازعوا فالمرجع المحكمة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة وفضلها) باب الإشهاد في الهبة برقم (2587) ومسلم في (الهبات) باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة برقم (1623) .(20/59)
32 - لا حرج في الشفاعة لأحد الأبناء
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أعرض على فضيلتكم سؤالي هذا راجيا إفتائي خطيا حفظكم الله ونفع بكم المسلمين.
رجل عنده مبلغ من المال أراد أن يشتري به عمارة، ولكن قيمة العمارة تزيد على المبلغ الموجود عنده، فذهب لأبيه وطلب منه الذهاب معه إلى شخصين ممن وسع الله عليهم للشفاعة له عندهما بإكمال ما تبقى هبة، فذهب الأب مع ابنه وشفع له عندهما، فوافقا على هبته ما تبقى، وبالفعل أعطي الولد المبلغ واشترى العمارة، ولكن الأب الآن يساوره الشك بأنه فضل ابنه هذا على إخوانه بهذا الفعل، والسؤال هل الأب بشفاعته المذكورة قد جار على أولاده الآخرين؟ وهل الهبة التي حصل عليها الابن بواسطة أبيه سيشاركه فيها إخوانه، أفتونا مأجورين، وجزاكم الله خيرا (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته في مكتبه وأجاب عنه في 1\4\1418هـ.(20/60)
لا نعلم حرجا في الشفاعة المذكورة ولا حرج عليك ولا عليه في ذلك إن شاء الله؛ لأن المحرم عليه هو التفضيل في العطية، أما الشفاعة منه لك ولغيرك فلا حرج عليه فيها إذا كانت في أمر مباح أو مشروع؛ لعموم الأدلة في ذلك، وفق الله الجميع.
المفتي العام للمملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/61)
جواز قبول الهبة لفاعل المعروف
س33: في حالة اختلاف شخصين على مال وتحكيم ثالث بينهما، واغتصاب الثالث شيئا من هذا المال بموافقتنا هل يحل له ذلك أم يحرم عليه؟
ج: إذا حكم شخصان ثالثا بينهما في مال فأخذ منه شيئا بإذنهما وموافقتهما فلا أعلم فيه بأسا، ولا يسمى ذلك اغتصابا بل هو هبة منهما له. أما إن شرط عليهما أن لا يحكم بينهما إلا بجعل فهذا في حله نظر وتفصيل.(20/62)
قبول الهدية
س34: ما ردكم على من تهدي علبة عطر لامرأة أخرى، هل يجوز هذا؟ علما بأن المرأة المهدى إليها تذهب إلى الشارع وهي متعطرة بهذا العطر، وهل يلحق صاحب الهدية إثم؟ (1)
ج: إهداء الطيب إلى المرأة لا بأس به؛ لأن الهدية تجلب المودة والمحبة، وللمهدي أجر، وإذا استخدمت المرأة المهدى إليها هذا الطيب على وجه محرم فالإثم عليها، لكن
__________
(1) نشر في (جريدة عكاظ) العدد (10877) في 7 \ 7\1417 هـ.(20/62)
إذا كانت المهدية قد عرفت أن المهدى إليها تستعمل من هذا الطيب في الخروج إلى السوق فلا يجوز ذلك لها؛ لأن ذلك من باب المعونة على الإثم والعدوان؛ وقد قال تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1)
__________
(1) سورة المائدة الآية 2(20/63)
ترك قبول الهدايا للمدرسات
س35: هل يجوز للمعلمة قبول الهدية من الطالبات؟ وإذا كان لا يجوز لها ذلك هل يجوز قبولها بعد انتهاء العام الدراسي وتسليم النتائج؟ وإذا كان ذلك أيضا لا يجوز فهل يجوز لها قبولها من الطالبات بعد انتهاء مدة تدريسها في تلك المدرسة إذا أرادت الانتقال من هذه المدرسة لمدرسة أخرى؟ (1)
ج: الواجب على المعلمة ترك قبول الهدايا؛ لأنها قد تجرها إلى الحيف وعدم النصح في حق من لم يهد لها، والزيادة بحق المهدية والغش، فالواجب على المدرسة أن لا تقبل الهدية من الطالبات بالكلية؛ لأن ذلك قد يفضي إلى ما لا تحمد
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في برنامج (نور على الدرب) .(20/63)
عقباه، والمؤمن والمؤمنة عليهما أن يحتاطا لدينهما، ويبتعدا عن أسباب الريبة والخطر، أما بعد انتقالها من المدرسة إلى مدرسة أخرى فلا يضر ذلك؛ لأن الريبة قد انتهت حينئذ، والخطر مأمون، وهكذا بعد فصلها من العمل أو تقاعدها إذا أهدوا إليها شيئا فلا بأس.(20/64)
جواز قبول الهدية بعد الفراغ من العمل
س36: أقوم بتدريس القرآن الكريم في جمعية خيرية، وبعد إعطاء الشهادات للطلبة يقدمون لي هدية جماعية هذه الهدية لا تؤثر في تقدير الطالب، فهل أقبل هديتهم؟ (1)
ج: إذا كانت الهدية بعد الفراغ من النظر في درجاتهم، وبعد الفراغ من الشهادات، وبعد الانتهاء من العمل في هذه الجمعية فلا حرج في ذلك؛ لعموم الأدلة الدالة على شرعية قبول الهدية، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (جريدة المسلمون) ، وأجاب عنه في 12\6\1419هـ.(20/64)
تحريم الهدية على سبيل الرشوة
س37: ما حكم من يسلم أشياء ثمينة بدعوى أنها هدية لمن يرأسه في العمل؟
ج: هذا خطأ ووسيلة لشر كثير، والواجب على الرئيس أن لا يقبل الهدايا، فقد تكون رشوة ووسيلة إلى المداهنة والخيانة، إلا إذا أخذها للمستشفى ولمصلحة المستشفى لا لنفسه، ويخبر صاحبها بذلك فيقول له: هذه لمصلحة المستشفى لا آخذها أنا، والأحوط ردها ولا يقبلها له ولا للمستشفى؛ ذلك قد يجره إلى أخذها لنفسه، وقد يساء به الظن، وقد يكون للمهدي بسببها جرأة عليه، وتطلع لمعاملته أحسن من معاملة غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث بعض الناس لجمع الزكاة قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وخطب في الناس وقال: «ما بال الرجل منكم نستعمله على أمر من أمر الله فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي، ألا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر هل(20/65)
يهدى إليه (1) » أخرجه مسلم في صحيحه. وهذا الحديث يدل على أن الواجب على الموظف -في أي عمل من أعمال الدولة- أن يؤدي ما وكل إليه، وليس له أن يأخذ هدايا فيما يتعلق بعمله، وإذا أخذها فليضعها في بيت المال، ولا يجوز له أخذها لنفسه؛ لهذا الحديث الصحيح، ولأنها وسيلة للشر والإخلال بالأمانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة) باب من لم يقبل الهبة لعلة برقم (2597) و (الأيمان والنذور) باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم برقم (6636) ، ومسلم في (الإمارة) باب تحريم هدايا العمال برقم (1832 و1833) .(20/66)
تحريم الرجوع في الهبة أو شرائها
س38: وهبت ابن أخي بعض إبلي ثم اشتريتها منه؟ (1)
ج: عليك عدم العود فيها ولو بالثمن؛ لما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال له صلى الله عليه وسلم: «لا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «العائد في
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في مكتبه وأجاب عنه سماحته في 13\5\1419هـ.
(2) رواه البخاري في (الزكاة) باب هل يشتري الرجل صدقته برقم (1490) ومسلم في (الهبات) باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به برقم (1620) .(20/66)
هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل للرجل أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده (2) » ، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على تحريم الرجوع في الصدقة والهبة ولو بالثمن والله المسئول أن يوفقنا وإياك وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل به إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة) باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها برقم (2589) ومسلم في (الهبات) باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض برقم (1622) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باب باقي مسند عبد الله بن عمر برقم (5469) ، والترمذي في (الولاء والهبة) باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة برقم (2132) .(20/67)
تحريم الرجوع في الهبة إلا للوالد مع ولده
س39: ما حكم من رجع في هبته، وهو أنه أعطى رجلا مبلغا من المال على سبيل الهبة ثم رجع فيه؟ (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (جريدة المسلمون) وأجاب عنه في 5\6 \ 1419هـ.(20/67)
ج: حكمه أنه آثم وعليه التوبة من ذلك. ورد الهبة إلى صاحبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه (1) » ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده (2) » والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الهبة) باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها برقم (2589) ، ومسلم في (الهبات) باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض برقم (1622) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باب باقي مسند عبد الله بن عمر برقم (5469) والترمذي في (الولاء والهبة) باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة برقم (2132) .(20/68)
حكم الرجوع في عطية الوالد لابنه
س40: هل يجوز للوالد استعادة ما سبق وأعطاه لابنه؟ (1)
ج: يجوز ذلك إذا رأى المصلحة في ذلك، واستطاع الابن ردها على والده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (صحيفة المسلمون) في 9\7\1416هـ، ونشر في هذا المجموع ج 9 ص 300.(20/68)
يعطي ولده (1) » رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باب باقي مسند عبد الله بن عمر برقم (5469) والترمذي في (الولاء والهبة) باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة برقم (2132) .(20/69)
تحريم مطالبة الوالد بإنفاذ عطائه
س41: هل يجوز للولد أن يطالب والده بإنفاذ عطائه له مكرها والده على ذلك؟ (1)
ج: ليس له ذلك؛ لأن ذلك يخالف ما دل عليه الحديث المذكور، ولأن ذلك من العقوق، والله سبحانه قد حرم العقوق وجعله من أكبر الكبائر؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين " وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور (2) » .
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (صحيفة المسلمون) في 9\7\1416هـ، ونشر في هذا المجموع ج 9 ص 300.
(2) رواه البخاري في (الأدب) باب عقوق الوالدين من الكبائر برقم (5976) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان الكبائر وأكبرها برقم (87) .(20/69)
فالواجب على الولد ذكرا كان أو أنثى أن يحذر عقوق والديه، وأن يجتهد في برهما؛ لهذا الحديث الصحيح، ولقول الله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (1) وقوله سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (2) والأدلة من الكتاب والسنة في هذا كثيرة.
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة لقمان الآية 14(20/70)
ما يتصدق به على اليتيم لا يأخذ كافله منه إلا ما كان مثل نفقته عليه
س42: يتيم توفي أهله وقمنا برعايته وحفظه، وحيث إن له عمين إضافة إلى أن هناك من يريد الخير فيعطونه مالا، ويمكن أن يدخل علينا منه شيء مع العلم أن دخلنا الخاص أكثر من ذلك، إلا أننا نعتبر اليتيم واحدا من عيالنا، أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرا؟(20/70)
ج: لا حرج عليكم في أخذ ما يدفع إليه من الصدقات إذا كانت مثل نفقتكم عليه أو أقل، أما ما زاد على ذلك فعليكم أن تحفظوه له، وأبشروا بالأجر الجزيل على حضانته والإحسان إليه.(20/71)
حكم التبرع بالدم
س43: حكم التبرع بالدم (1)
ج: لا بأس في ذلك ولا حرج فيه عند الضرورة.
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) لشهر رجب عام 1420 هـ.(20/71)
صفحة فارغة(20/72)
كتاب الوصايا(20/73)
صفحة فارغة(20/74)
مقدار الوصية ووقتها
س44: متى تشرع الوصية؟ وهل حدد الشرع مبلغا من المال في ذلك؟ (1)
ج: الوصية مشروعة دائما إذا كان للإنسان شيء يوصي فيه وينبغي له البدار بها، وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده (2) » رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، فهذا يدل على أنه يشرع البدار بالوصية إذا كان عنده شيء يحب أن يوصي فيه. وأكثر ما يجوز الثلث فقط، وإن أوصى بالربع أو بالخمس أو بأقل فلا بأس، لكن أكثر ما يجوز الثلث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سعد رضي الله عنه: «الثلث والثلث كثير (3) » ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن الناس
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص35.
(2) رواه البخاري في (الوصايا) باب الوصايا برقم (3827) ومسلم في (الوصايا) الباب الأول برقم (1627) .
(3) رواه البخاري في (الجنائز) باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة برقم (1296) ، وفي (الوصايا) باب الوصية بالثلث برقم (2743) و (2744) ، ومسلم في (الوصية) باب الوصية بالثلث برقم (1628) و (1629) .(20/75)
غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «الثلث والثلث كثير (1) » وأوصى الصديق رضي الله عنه بالخمس، فإذا أوصى الإنسان بالربع أو بالخمس كان أفضل من الثلث ولا سيما إذا كان المال كثيرا، وإن أوصى بالثلث فلا حرج.
__________
(1) صحيح البخاري الوصايا (2742) ، صحيح مسلم الوصية (1628) ، سنن الترمذي الوصايا (2116) ، سنن النسائي الوصايا (3628) ، سنن أبو داود الوصايا (2864) ، مسند أحمد بن حنبل (1/176) ، موطأ مالك الأقضية (1495) ، سنن الدارمي الوصايا (3196) .(20/76)
حكم الوصية ونصها الشرعي
س45: هل كتابة الوصية واجبة؟ وهل يلزم لها شهود؟ وحيث إنني لا أعرف النص الشرعي أرجو إرشادي إليه جزاكم الله خيرا (1)
ج: تكتب الوصية حسب الصيغة التالية: أنا الموصي أدناه أوصي بأنني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، أوصي
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 35.(20/76)
من تركت من أهلي وذريتي وسائر أقاربي بتقوى الله، وإصلاح ذات البين، وطاعة الله ورسوله، والتواصي بالحق والصبر عليه، وأوصيهم بمثل ما أوصى به إبراهيم عليه السلام بنيه ويعقوب {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1) ثم يذكر ما يحب أن يوصي به من ثلث ماله أو أقل من ذلك أو مال معين، لا يزيد على الثلث ويبين مصارفه الشرعية، ويذكر الوكيل على ذلك.
والوصية ليست واجبة بل مستحبة إذا أحب أن يوصي بشيء؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر. رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده (2) » ، لكن إذا كانت عليه ديون أو حقوق ليس عليها وثائق تثبتها لأهلها وجب عليه أن يوصي بها حتى لا تضيع حقوق الناس، وينبغي أن يشهد على وصيته شاهدين عدلين، وأن يحررها من يوثق بتحريره من أهل العلم حتى يعتمد عليها، ولا ينبغي أن يكتفي بخطه فقط؛ لأنه قد يشتبه على المسئولين، وقد لا يتيسر من يعرفه من الثقات. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 132
(2) رواه البخاري في (الوصايا) باب الوصايا برقم (3827) ، ومسلم في (الوصايا) الباب الأول برقم (1627) .(20/77)
س46: هل صحيح أنه يجب على المسلم أن يكتب وصيته وعلى الأم والأب كتابتها ووضعها يوميا تحت المخدة، وإذا كان ذلك صحيحا. ماذا أكتب فيها وأنا ليس عندي ما أوصي به من مادة لأولادي؟ (1)
ج: يستحب للمسلم إذا كان له سعة من المال، أن يوصي بالثلث فأقل في وجوه الخير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده (2) » متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والله الموفق.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1651) في 29\3\1419 هـ.
(2) رواه البخاري في (الوصايا) باب الوصايا برقم (3827) ، ومسلم في (الوصايا) الباب الأول برقم (1627) .(20/78)
47 - تعريف وصية الجنف
صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز سلمه الله تعالى آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أكثر الله إفادتكم أفيدونا عن وصية الجنف ما هي؟ وفقكم الله لما يحبه ويرضاه والسلام (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فوصية الجنف تفسر بأنواع؛ منها: أن يوصي بأكثر من الثلث فيجوز للورثة عدم إنفاذ الزيادة على الثلث. ومنها: أن يوصي لبعض الورثة دون بعض فلا تنفذ هذه الوصية إلا برضا بقية الورثة المكلفين المرشدين.
ومنها: أن يوصي لبعض الورثة بأكثر من وصيته للوارث الآخر، وحكمها حكم التي قبلها، ومثل ذلك لو وقف في مرض الموت وقفا يتضمن أكثر من الثلث أو على بعض الورثة دون بعض في أصح أقوال العلماء، والحجة في ذلك على منع الزيادة على الثلث، ما ثبت
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته من السائل ع. ع. س. وأجاب عنه سماحته في 30\5\1398 هـ.(20/79)
في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أراد أن يتصدق بماله أو نصفه في مرضه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «الثلث والثلث كثير (1) » ، والحجة على المسائل الأخيرة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث (2) » ، وأسأل الله أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه. إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) رواه البخاري في (الجنائز) باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة برقم (1296) ، وفي (الوصايا) باب الوصية بالثلث برقم (2743) و (2744) ، ومسلم في (الوصية) باب الوصية بالثلث برقم (1628) و (1629) .
(2) رواه الترمذي في (الوصايا) باب ما جاء لا وصية لوارث برقم (2120) و (2121) ، والنسائي في (الوصايا) باب إبطال الوصية للوارث برقم (3641) ، وأبو داود في (الوصايا) باب ما جاء في الوصية للوارث برقم (2870) ، وابن ماجه في (الوصايا) باب لا وصية لوارث برقم (2713) .(20/80)
48 - أفضل مصارف الوصية
سماحة الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأخبر سماحتكم أن والدتي أوصت بثلث مالها ولم تحدد مصرفه والسؤال: ما هو الأفضل وضعه في بناء مسجد أو شراء عقار وصرف ريعه في أعمال البر، والله يحفظكم (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
بعده: نرى أن يشترى به عقار تصرف غلته في مساعدة الفقراء والمساكين من الأقارب وغيرهم، ويصرف منها ما تيسر في تعمير المساجد والمشاركة فيها. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته من السائل ع. ظ. وأجاب عنه في 25\11\1419هـ.(20/81)
الوصية بوجوه البر
س49: سماحة الشيخ كثير من الناس يكتب في وصيته " وقفا" ثم تتعطل منافع هذا الوقف، ويحصل النزاع بين الورثة حول هذا الوقف. بماذا تنصحون المسلم إذا أراد أن يكتب وصيته، لا سيما إن كان من أهل الأموال؟ (1)
ج: يوصي بالشيء الذي يناسب، يوصي بالثلث، بالربع، بالخمس في وجوه البر وأعمال الخير، إذا كان من ذريته محتاج يعطى من الغلة حتى لا يقع النزاع، ويوصي بالثلث، بالربع بالخمس في وجه البر وأعمال الخير، وإذا جعل في ضحية فلا بأس، وإذا قال: من احتاج من ذريتي يعطى قدر حاجته فلا بأس، أو من أقاربي، حتى لا يقع النزاع، يكون الشيء واضحا على بصيرة للناظر الذي يتولى الوقف، حتى يفرق غلته على الوجه الذي بينه في الوصية، على وجه واضح ليس فيه شبهة؛ لأن بعض الناس قد يتشدد في وصيته، وقد يقول: للورثة الباقي، ثم يحصل مشقة بينهم، قد لا يبقى إلا القليل، ثم يبطن ويروح بطن، ويتوالى الناس ويكثرون، فيحصل
__________
(1) نشر في (جريدة الرياض) العدد (10763) في 12\8\1418 هـ.(20/82)
مشقة كبيرة، لكن إذا قال في غلة مثل ما قال الزبير بن العوام رضي الله عنه وجماعة في وصيتهم وابن عمر: للمحتاج من الذرية، إذا قال المحتاج من الذرية يعطى من غلة الوقف كذا وكذا، هذا لا بأس به.(20/83)
50 - لا تعتبر الوصية إذا خالفت الشرع
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. ع. ع. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 5\11\1970م وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الاستفسار عما نراه في موضوع قانون الوصية المرفقة صورته بخطابكم نحن والإخوان من أساتذة الجامعة كان معلوما.
ونفيدكم أنا قد بحثنا الموضوع بحضرة جماعة من الأساتذة منهم فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وفضيلة الدكتور تقي الدين الهلالي، وفضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد، وقرأنا النسخة المرفقة بخطابكم، فأجمع الجميع على أن هذا القانون منكر مخالف لشرع الله، لا يجوز إقراره بوجه من الوجوه؛ لأن الله سبحانه لم يشرع في الوصية بالثلث أن توزع على ما ذكر في القانون، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه(20/84)
وسلم ولا صحابته المرضيون بل جعل الأمر في ذلك إلى الموصي نفسه هو الذي يعين مصرف الثلث، فإن عين جهة مشروعة قبل منه، وإن عين ما يخالف الشرع لم يقبل منه، وصارت وصيته باطلة سواء قلنا: إن الوصية واجبة لغير الوارث، كما قاله بعض أهل العلم أم قلنا: إنها غير واجبة بل منسوخة كما هو رأي الجمهور، ومما يدل على بطلان القانون المذكور قول الله سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (1) وقوله سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} (2) الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » متفق على صحته. وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » والأدلة في هذا كثيرة.
وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية؛ لأن الحق في هذا
__________
(1) سورة الشورى الآية 21
(2) سورة المائدة الآية 3
(3) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(4) رواه البخاري معلقا في باب النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(20/85)
الأمر واضح، وكل من له أدنى بصيرة بشرع الله إذا تأمل المقام ونظر في الأدلة علم يقينا أن هذا القانون من أبطل الباطل.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يعيذنا جميعا من أن نشرع في دينه ما لم يأذن به، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يوفق هذه الحكومة وغيرها من الحكومات الإسلامية لتحكيم الشرع المطهر، والحذر مما خالفه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وقد كان في ودي تعجيل الإجابة ولكن كثرة المشاغل أوجبت التأخير فأرجو المعذرة سامح الله الجميع وإليكم برفقه كامل الأوراق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة(20/86)
توفي ولم يوص
س51: رجل ذو مال وعيال، وأولاده جميعهم قاصرون، وأكبرهم سنا عمره ثماني سنوات، توفي فجأة، ولم يوص بشيء من ماله، علما أنه لو ذكر قبل موته الوصية وشأنها لأوصى، هل يخرج من ماله شيء أم يكتفي بأعمال البر كالحج والعمرة والأضحية وغيرها؟ أفيدونا
ج: لا يلزم الورثة أن يخرجوا له شيئا من ماله، ولكن متى فعلوا فأخرجوا له شيئا مشاعا معينا كالثلث، أو الربع، أو نحو ذلك، أو أخرجوا دراهم معلومة يتصدق بها عنه، أو يشترى له بها عقار يكون وقفا لوجه الله سبحانه وتعالى، تصرف غلته في وجوه البر وأعمال الخير، فهم مأجورون في ذلك، وهذا من البر بوالدهم، ولكن إنما يصح ذلك من المرشدين، أما القاصرون والبالغ غير الرشيد فلا يجوز لوليهم أن يخرج من نصيبهم شيئا. والله ولي التوفيق.(20/87)
حكم الوصية بأقل من الثلث
س52: معلوم أنه يجوز للشخص أن يوصي بثلث ماله فهل تجوز الوصية بأقل من الثلث إذا كانت ثروة الشخص كبيرة؟ وما الوجوه التي يجب أن تصرف بها تلك الوصية؟ وهل تعتبر الأضحية واجبا يجب أن تشتمل عليه الوصية؟ (1)
ج: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لما سأله سعد وهو مريض هل يتصدق بثلثي ماله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا" فقال سعد: فالشطر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا " فقال سعد: فالثلث، فقال عليه الصلاة والسلام: الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس (2) » الحديث متفق على صحته.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 37.
(2) رواه البخاري في (الجنائز) باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة برقم (1296) وفي (الوصايا) باب الوصية بالثلث برقم (2743) و (2744) ، ومسلم في (الوصية) باب الوصية بالثلث برقم (1628) و (1629) .(20/88)
وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الثلث والثلث كثير (1) » ، وأوصى الصديق رضي الله عنه بالخمس، فعلم مما ذكرنا أن الثلث هو الحد الأعلى للوصية والصدقة في المرض.
أما الوصية بأقل من ذلك فلا حد له فيجوز للموصي أن يوصي بما يرى من ماله بشرط أن لا يزيد عن الثلث، وإذا أوصى بأقل من الثلث كالربع والخمس والسدس ونحو ذلك فهو أفضل، ولا سيما إذا كان ماله كثيرا، والأفضل أن تكون الوصية في وجوه البر كالفقراء والمساكين وأبناء السبيل والمجاهدين في سبيل الله، وتعمير المساجد والمدارس الإسلامية والصدقة على الأقارب، ونحو ذلك من وجوه الخير، وإذا عين أضحية له ولمن شاء من أهل بيته في وصيته فلا بأس بذلك؛ لكونها من القربات الشرعية. ومن ذلك الوصية بمساعدة المحتاجين للزواج العاجزين عن مؤونته، والغارمين العاجزين عن قضاء ديونهم وما أشبه ذلك، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الوصايا (2742) ، صحيح مسلم الوصية (1628) ، سنن الترمذي الوصايا (2116) ، سنن النسائي الوصايا (3628) ، سنن أبو داود الوصايا (2864) ، مسند أحمد بن حنبل (1/176) ، موطأ مالك الأقضية (1495) ، سنن الدارمي الوصايا (3196) .(20/89)
53 - من أوصى بعتق رقبة فمن الثلث
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة ورئيس البحوث العلمية والدعوة والإفتاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
سماحة الشيخ: هناك رجل قتل آخر وحكم عليه بالقتل قصاصا، وقبل قتله أوصى لأحد أقاربه أن يصوم عنه شهرين متتابعين، أو يؤجر من يصوم عنه شهرين من ثلث ماله، وأن يحج عنه، وأن يشتري من ثلث ماله الباقي رقبة وتعتق. وقد توفي الوصي. ولم ينفذ شيئا من الوصية المرفق صورتها.
ويوجد للقاتل عادة سنوية تصرف من الدولة، وله من الورثة ابن ابن عم يرثه تعصيبا، وقد توفي أيضا، وللوارث أخ لأم يرثه فرضا وورثة آخرون يرثون تعصيبا.
نأمل من سماحتكم - حفظكم الله - إفادتنا خطيا إن أمكن:
- ما الحكم في وصية القاتل المذكور من ناحية الصيام والحج والإعتاق، وإذا تلزم وصية المذكور بالإعتاق فما مقدار قيمة الإعتاق؟ وكيف الحصول على ذلك؟
- وهل يرث " أخو الوارث لأمه في العادة السنوية بعد وفاة مورثه؟(20/90)
نأمل إفادتنا عن ذلك أثابكم الله وجزاكم خير الجزاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
إذا كان الصيام ثابتا في ذمة القاتل عن نذر أو كفارة فإنه يصام عنه سواء أوصى بذلك أو لم يوص. ووصيته بالحج والعتق يجب أن تنفذ من الثلث إذا تحملها الثلث، أما العادة التي من جهة الحكومة فأمرها إلى الجهات المختصة، وفي الإمكان إذا كتب إلينا الوصي من جهة العتق أن نشتري له رقبة من إحدى الدول ونعتقها؛ لأنها يوجد فيها عبيد بالتوارث، والقيمة في الغالب حوالي عشرة آلاف ريال تزيد قليلا أو تنقص قليلا، وإذا كان الوصي قد مات فعليكم مراجعة المحكمة حتى تعين وصيا آخر. وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) أسئلة مقدمة لسماحته وأجاب عنها في 1\5\1416هـ.(20/91)
54 - لا وصية لوارث
سماحة والدنا الحبيب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قد تنازلت عن أجرة سكنى الفلة التي في ملكي، والواقعة في حي محمد بن تركي الشفا القديم لزوجتي مدة حياتها، وليس لأحد مزاحمتها ولا إخراجها وبعد موتها ترجع الفلة إلى الورثة كالمعتاد. أفتونا وفقكم الله وحفظكم بعنايته (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
بعده: ليس لأحد أن يوصي لأحد الورثة بشيء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث (2) » وبهذا تعلم
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته من السائل ع. أ. م. وأجاب عنه سماحته في 3\8\1419هـ.
(2) رواه الترمذي في (الوصايا) باب ما جاء لا وصية لوارث برقم (2120) و (2121) ، والنسائي في (الوصايا) باب إبطال الوصية للوارث برقم (3641) ، وأبو داود في (الوصايا) باب ما جاء في الوصية للوارث برقم (2870) وابن ماجه في (الوصايا) باب لا وصية لوارث برقم (2713) .(20/92)
أن الوصية المذكورة غير صحيحة إلا بإذن الورثة المرشدين، فإذا سمحوا لها بالسكن في الفلة بعد موتك سقط حقهم، ويبقى حق غير المرشدين وحق من لم يسمح من المرشدين. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/93)
لا يجوز تخصيص أحد الأبناء بالإرث
س55: فتاة ورثت من أبيها مالا، وقد خصها بكامل الإرث دون أخيها وأوصى بوصية في ذلك المال، وقد حرم الأب على الابنة أن تعطي أخاها من هذا المال بعد وفاته، ولكن الذي حصل بعد وفاة الأب أن عطفت الأخت على أخيها فوكلته على كامل الإرث مع كامل الوصية ليقوم بها شأنه؛ لأنه ضعيف وذو عيال وليس لديه مال، وقد أصيب هذا الابن بحادث، وقيل: إنه فقد جزءا من عقله، فأنكر الابن أنه أخذ من أخته مالا. . فلا هو الذي رد المال ولا هو الذي قام بوصية أبي. . فهل علي حرج في مخالفة وصية أبي إذا أعطيت (أخي) كامل الإرث ليتصرف به رغم رفض أبي لذلك؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: لا يجوز للمسلم أن يخص بعض ورثته بشيء زيادة عن حقه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث (2) » ، فالواجب قسم التركة
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1672) في 9\8\1419هـ.
(2) رواه الترمذي في (الوصايا) باب ما جاء لا وصية لوارث برقم (2120) و (2121) والنسائي في (الوصايا) باب إبطال الوصية للوارث برقم (3641) وأبو داود في (الوصايا) باب ما جاء في الوصية للوارث برقم (2870) وابن ماجه في (الوصايا) باب لا وصية لوارث برقم (2713) .(20/94)
بينهما على قسمة الله، وإن كان معهما ورثة فكل يعطى حقه، وإن كان في الموضوع نزاع فهو إلى المحكمة، والله ولي التوفيق.(20/95)
56 - لا مانع من مساعدة الورثة الفقراء من الزيادة الربوية
صاحب الفضيلة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء حفظه الله تعالى وأبقاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرجو أن تجيبوني على سؤالي هذا بصورة مستعجلة؛ لأن عملي متوقف على ورود جوابكم الكريم.
أنا وصي على ثلث تركة متوفى لجعله في صدقة جارية؛ لكن الذي حدث أن الدولة أعزها الله تعالى حجزت التركة في أحد البنوك العاملة في المملكة لمدة أربع سنوات مما زاد في أصل التركة قبل القسمة زيادة ربوية بلا شك.
وسؤالي الآن منصب على تلك الزيادة؛ لأنها قد أصبحت مظلمة من المظالم الملتبس أهلها؛ لأنه من المتعذر معرفة من أخذت منه. فمن العلماء من يرى صرف المظالم الملتبسة في مصالح المسلمين العامة، وهو رأي قوي، ومنهم من يرى صرفها في الفقراء وهو أقل نفعا من القول السابق. كما أن تركها للبنك إعانة له على تكرار المعصية وإعادة استعمالها في الربا(20/96)
إلى ما لا نهاية، وهو ذنب عظيم لا يجوز فعله أبدا. كما أن موظفي المتوفى كان لهم منحة يمنحهم إياها في رأس كل سنة والورثة امتنعوا عن دفع أي شيء لهم بعد وفاته، فهل لي أن أدفع لهم ما كانوا يعتادونه من هذه الزيادة الربوية. أرجو أن أتلقى جوابكم الشافي في أقرب وقت أثابكم الله تعالى وأجزل لكم المثوبة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرى أخذ الزيادة وصرفها في وجوه الخير، وتنفيذ ما أوصى به الموصي حسب ما أوصى إذا كانت الوصية شرعية ليس فيها ما يخالف الشرع، وأنت مأجور في ذلك إن شاء الله ضاعف الله مثوبتكم، وإذا كان في الورثة فقراء فلا مانع من مساعدتهم من الزيادة الربوية من دون إخبارهم بذلك؛ لأن الفقراء من المصارف الشرعية للأموال التي ليس لها مالك شرعي أو جهل مالكها. وفق الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته من السائل ح. ع. س. وأجاب عنه سماحته في 27 \ 3 \ 1414 هـ.(20/97)
حكم الوصية بإقامة الولائم بعد الموت
س 57: يقيم بعض الناس ولائم وذبائح عند موت بعض أقاربهم، وتصرف قيمة هذه الولائم من مال المتوفى ما حكم ذلك؟ وإذا أوصى الميت بإقامة مثل هذه الولائم بعد موته هل يلزم الشرع الورثة بإنفاذ هذه الوصية؟ (1)
ج: الوصية بإقامة الولائم بعد الموت بدعة، ومن عمل الجاهلية، وهكذا عمل أهل الميت للولائم المذكورة ولو بدون وصية منكر لا يجوز؛ لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة. خرجه الإمام أحمد بإسناد حسن؛ ولأن ذلك خلاف ما شرعه الله من إسعاف أهل الميت بصنعة الطعام لهم؛ لكونهم مشغولين بالمصيبة، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة قال لأهله: «اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم (2) » .
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 44.
(2) سنن الترمذي الجنائز (998) ، سنن أبي داود الجنائز (3132) ، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1610) ، مسند أحمد (1/205) .(20/98)
يجب التقيد بما أوصى به الموصي في وصيته
س 58: أوصى رجل قبل وفاته بربع ماله يقسم كما يلي: أضحية تذبح له كل عام - صدقات للفقراء والمساكين - أعمال بر ووجوه خير، وماله الذي أوصى بربعه هو عبارة عن عقارات وأرصدة قليلة في بعض البنوك. وسؤالي هل يجوز أن نصرف ما أوصى به في بناء مسجد فقط أم نتقيد بالأشياء التي حددها الموصي فقط؟ (1)
ج: الواجب في مثل هذه الوصية التقيد بما ذكره الموصي، وهكذا جميع الوصايا الشرعية يجب التقيد فيها بما ذكره الموصي وتنفيذ ذلك حسب الإمكان. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 36.(20/99)
س 59: توفي رجل وقد أوصى بأن يصرف ريع (غلة) أحد بيوته في أضاح وحجة عنه كل سنة إن تيسرت أو سنة بعد سنة، وإن زاد على ذلك يصرف في أعمال البر،(20/99)
والسؤال هل الحج الموصى به لازم التنفيذ مع توفر من ينوب في الحج، لكن لا تطمئن إليه النفس حيث إنه لم يحج إلا لأجل العوض المادي، أوليس من الأفضل أن يصرف مقابل هذا المال في أعمال خيرية كبناء مساجد وما إلى ذلك أم لا؟ (1) .
ج: الواجب تنفيذ ما أوصى به الموصي، لأن الحج من القربات وعلى الوكيل أن يجتهد ويتوب من ظاهره الخير والصلاح والرغبة في الحج من أجل التقرب إلى الله سبحانه لا من أجل المال والله سبحانه هو الذي يتولى السرائر ويجازي عليها.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 36، وفى (كتاب الدعوة) ج 1 ص 160.(20/100)
س 60: ترك أبي لنا بعد موته ميراثا ومن ضمن الميراث عمارة أوصى أن تباع، ويبنى بثمنها مسجد، فقدرنا التركة ووجدنا العمارة أقل من الثلث، وقد عرض علينا أحد الأقارب الرأي، بأن يتكفل هو ببناء المسجد مقابل العمارة، أو أن يشتريها ويؤدي ثمنها بالتقسيط، فما رأي سماحتكم؟ (1)
__________
(1) سؤال موجه لسماحته في حج عام 1415 هـ.(20/100)
ج: يجب عليكم التنفيذ، تنفيذ ما أوصى به والدكم ما دامت العمارة قدر الثلث أو أقل، فعليكم أن تنفذوا، وأن تعمروا المسجد الذي أوصى به إن كان في مكان فتعمرونه فيه، وإلا تعمرون مسجدا في أي مكان، تصرفون قيمة العمارة في تعمير المسجد الذي يحتاج إليه الناس، يحتاج إليه أهل الحارة، أو توكلون على هذا الرجل الثقة الأمين، حتى يقوم بالواجب، ولا تتساهلوا في هذا، بل تباع العمارة وينفق ثمنها في تعمير المسجد، في المحل المناسب، الذي يحتاج أهله إلى مسجد، ولا تبيعوها بالتقسيط، بيعوها بالناجز، أي بيعوها بثمن معجل، حتى تعجلوا تنفيذ ما قال والدكم، وأصرفوا ثمنها في تعمير المسجد ولا تبيعوها بالتقسيط.(20/101)
الوصية بتزويج البنت من ابن عمتها
س61: ترك والدي - رحمه الله - وصية فحواها أن يعقد قراني لابن عمتي ولم يسألني والدي قبل مماته عن رأيي في هذا الشخص؛ إذ إن المرض ومن ثم الوفاة حالت دون معرفته رأيي. أما الشخص المعني فقد صارحته حين فتح معي الموضوع بأنني لا أكن له سوى مشاعر الإخوة والقربى.(20/101)
سماحة الشيخ: هل أكون مخالفة للشرع؟ أو هل من عقوق إذا لم أتزوج هذا الرجل؟ علما بأن قلبي يميل لقريب آخر يحترمني ويكن لي كل المودة والتقدير. أفيدوني جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم (1)
ج: لا يلزمك تنفيذ الوصية المذكورة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح البكر حتى تستأذن (2) » ، وفي لفظ آخر: «والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صماتها (3) » ، ونوصيك باستخارة الله سبحانه، ومشاورة من تطمئنين إليه من أقاربك أو غيرهم من العارفين بأحوال الشخصين، يسر الله لك كل خير.
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته في مجلسه وأجاب عنه سماحته في 26 \ 10 \ 1419 هـ.
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها برقم (5136) ومسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت برقم (1419) .
(3) رواه مسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت برقم (1421) .(20/102)
تحديد أجرة الموصى إليه
س62: شخص وصي على مجموعة من الأيتام القصر منذ مدة حوالي عشر سنوات، وقد ترك لهم والدهم مبلغا(20/102)
قليلا، ونماه هذا الوصي حتى أصبح مئات الآلاف بالبيع والشراء هل يجوز لهذا الوصي أن يشتري لنفسه من مال هؤلاء القصار كبقية الناس دون محاباة لنفسه؟ علما بأنه يبيع للآخرين بالأقساط كالسيارات ومواد البناء وغيرها من أموال هؤلاء القصار، والوصي في حاجة لشراء سيارة أو بناء منزل. مع ملاحظة أن الوصي لا يتقاضى أي مقابل على تنمية مال العقار وما يقوم به من جهد لهم، وإنما يقوم بذلك ابتغاء الأجر من الله (1)
ج: يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم في حق أولياء اليتامى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (2)
وقد أوجب الله الإحسان إلى اليتامى والإصلاح لهم بقوله سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (3) الآية. وقال سبحانه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} (4)
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته في مجلسه أجاب عنه سماحته في 9\4 \ 1417 هـ.
(2) سورة النساء الآية 6
(3) سورة النساء الآية 36
(4) سورة البقرة الآية 220(20/103)
الآية. فإذا أراد الولي أن يأخذ أجرة على أعماله أو جزءا من الربح في تجارته في أموالهم فعليه مراجعة الحاكم الشرعي حتى يحدد له ما يقتضيه الشرع المطهر في ذلك. والله ولي التوفيق.(20/104)
يعمل الموصي إليه بالأصلح للصغار
س 63: لي عم توفي وأنا في السجن، وترك ثروة مالية وعقارية وأسرة كبيرة، أنا المسئول عنهم بعد الله عند خروجي، فهل يجوز تقسيم الثروة على الورثة، قبل أن يبلغ الأولاد الصغار سن الرشد أم تبقى إلى أن يبلغوا؟ وعندما أريد أن أستثمر أموالهم في أي مشروع، فهل يجوز لي أن أدخل معهم كشريك على أن أقوم بتسديد حصتي من رأس مالي ومن دخلي المشروع؛ حيث إنني فقير وليس عندي ما أصرف به على نفسي وأسرتي، ويوجد من ضمن التركة سيارة مكيفة بمبلغ كبير وهي التي يستخدمونها الآن، وكذلك أنا بعد خروجي أريد استخدامها في متابعة الديون التي لعمي التي عند الناس؛(20/104)
لأنها بعيدة وفي أماكن صعبة، فهل يجوز ذلك؟ وأنا بعثت بهذا حتى أخرج وأنا على بينة من أمري، أفيدوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: الحمد لله، هذا السؤال له شأن عظيم والواجب عليك أيها الأخ إذا كنت أنت الولي للصغار، وقد أوصى إليك المتوفى بذلك فإن عليك أن تجتهد، وأن تعمل بالأصلح بحق القاصرين، إذا رأيت أنت وكبار المرشدين أنه أصلح فلا مانع من أن تبقى الثروة مشتركة، وأن تعمل فيها ما تراه أصلح من البيع والشراء ونحو ذلك، وأن تحسم ما يكون لحصتك، وتعرف ذلك وتضبطه بالكتابة هذا لا بأس به، وإن رأيت القسمة أنت والكبار قسمتم المال، وأخذ كل واحد حصته، وجعلتم حصة القاصرين فيما ينفعهم من عقار أو دفعتموها إلى من يتجر فيها أو اتجرت فيها أنت، ولكن لا تأخذ شيئا من الربح إلا بالاتفاق مع محكمة البلاد على ما تراه لك المحكمة؛ لأن الإنسان لا يؤمن فيما يتعلق بحق نفسه أن يزيد أو يتساهل، فاتصل بالمحكمة واتفق معها على ما يبرئ ذمتك من جهة القاصرين، وهذا هو الذي ينبغي لك، والحاصل أن هذا المقام مقام عظيم فيه تفصيل كما تقدم، وإذا اتصلت بالمحكمة وأخذت رأيها بما
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(20/105)
يشكل عليك فهذا هو الذي تبرؤ به الذمة إن شاء الله، وهو الذي يجب عليك أن تعتني به، وأما القسمة فتراعون فيها الأصلح كما تقدم إن رأيتم أن الأصلح بقاء المال والتصرف فيه بحظ الجميع والفائدة للجميع فلا بأس، وإن رأيت أنت والمكلفون تسليم المال وعزل مال القاصرين، وأخذت فيه رأي المحكمة فيما يشكل عليك، فهذا أفضل.(20/106)
كتاب الفرائض(20/107)
صفحة فارغة(20/108)
64 - الفوائد الجلية
في المباحث الفرضية
بسم الله الرحمن الرحيم به نستعين، وعليه نتوكل، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فهذه نبذة وجيزة مفيدة في علم الفرائض على مذهب الإمام أحمد بن حنبل قدس الله روحه ونور ضريحه، جمعتها للقاصرين مثلي، ولخصت أكثرها من تقريرات شيخنا الشيخ العلامة محمد ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ عبد اللطيف، أسكنه الله فسيح جناته، ونفعنا والمسلمين بعلومه وإفاداته آمين، وقد جردتها من الدليل والتعليل في غالب المواضع؛ طلبا للاختصار وتسهيلا على من يريد حفظها، وربما أشرت إلى بعض الخلاف لقوته، ورجحت ما يقتضي الدليل ترجيحه إما في صلب الكتاب، وإما في الحواشي وسميتها (الفوائد الجلية في المباحث الفرضية) والله المسئول أن يعمم النفع بها، وأن(20/109)
يجعل السعي فيها خالصا لوجهه الكريم، وسببا للفوز لديه بجنات النعيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.(20/110)
65 - مقدمة في ذكر بعض
ما ورد في فضل هذا الفن
اعلم - رحمك الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على علم الفرائض ورغب فيه في أحاديث كثيرة منها: ما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العلم ثلاث: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة، وما كان سوى ذلك فهو فضل (1) » .
وروى ابن ماجه والدارقطني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي (2) » قال سفيان بن عيينة رحمه الله: معنى كونه نصف العلم أنه يبتلى به الناس كلهم. وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وجه كونه نصف العلم أن أحكام المكلفين نوعان: نوع يتعلق بالحياة، ونوع يتعلق بما بعد الموت، وهذا الثاني هو الفرائض. اهـ.
ولا بد قبل الشروع في أسباب الميراث وما بعدها من
__________
(1) سنن أبو داود الفرائض (2885) ، سنن ابن ماجه المقدمة (54) .
(2) سنن الترمذي الفرائض (2091) ، سنن ابن ماجه الفرائض (2719) .(20/110)
معرفة أمور مهمة:
الأول منها: معرفة حد هذا الفن. الثاني: معرفة موضوعه. الثالث: معرفة ثمرته. الرابع: معرفة حكمه في الشرع. الخامس: معرفة أركان الإرث. السادس: معرفة شروطه. السابع: معرفة أكثر ما يرد في تركة الميت من الحقوق.
فأما حد هذا الفن: فهو العلم بفقه المواريث وما ضم إلى ذلك من حسابها.
وأما موضوعه: فهو التركات.
وأما ثمرته: فهي إيصال ذوي الحقوق حقوقهم.
وأما حكمه في الشرع: فهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي ساقط الإثم عن الباقين.
وأما أركان الإرث: فهي ثلاثة: وارث ومورث وحق موروث.
وأما شروطه: فهي ثلاثة:
الأول: تحقق حياة الوارث حين موت المورث، أو إلحاقه بالأحياء حكما كالحمل، فإنه يرث بشرطين: أحدهما: تحقق وجوده في الرحم حين موت المورث ولو نطفة. الثاني: انفصاله حيا حياة مستقرة.(20/111)
الثاني من شروط الإرث: تحقق موت المورث بمشاهدة أو استفاضة أو شهادة عدلين أو إلحاقه بالأموات حكما كالمفقود أو تقديرا كالجنين إذا جني على أمه فسقط ميتا، فإنه يجب فيه غرة عبد أو أمة فيقدر حيا، ثم يقدر أنه مات لتورث عنه تلك الغرة.
الثالث: العلم بمقتضى التوارث. والمراد به معرفة سبب الإرث وجهة الوارث ودرجته ونحو ذلك.
وأما أكثر ما يرد في تركة الميت: فهو خمسة حقوق وهي مرتبة إن ضاقت التركة:
الأول: مؤنة التجهيز كالكفن وأجرة الحفر ونحوهما.
الثاني: الديون المتعلقة بعين التركة كالدين الذي به رهن والأرش المتعلق برقبة العبد الجاني ونحوهما.
الثالث: الديون المطلقة سواء كانت لله أو لآدمي.
الرابع: الوصايا بالثلث فأقل لأجنبي، فإن كانت بأكثر من الثلث أو لوارث مطلقا فلا بد من رضى الورثة.
الخامس: الإرث.(20/112)
66 - باب أسباب الميراث
الأسباب جمع سبب، وهو لغة: ما يتوصل به إلى الغرض المقصود، واصطلاحا: ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته. وأسباب الميراث ثلاثة: نكاح وولاء ونسب.
فالنكاح: هو عقد الزوجية الصحيح، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة، ويتوارث به الزوجان من الجانبين، وفي عدة الطلاق الرجعي.
الثاني ولاء العتاق: وهو عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، فيرث بها المعتق هو وعصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم ولا مع غيرهم دون العتيق، وكما يثبت الولاء(20/113)
على العتيق فكذلك على فرعه. ولا يثبت على الفرع إلا بشرطين: أحدهما: أن لا يكون أحد أبويه حر الأصل.
الثاني: أن لا يمسه رق لأحد، والمولود تبع لأمه حرية ورقا. وأما في الدين فيتبع خير أبويه دينا. والولاء يتبع الأب كالنسب، وقد يكون لموالي الأم في صورة واحدة وهي ما إذا تزوج رقيق محررة فولدت منه، فإن ولاء أولادها لمواليها، وقد ينجر إلى موالي الأب بثلاثة شروط: أحدها: أن تكون الأم محررة. الثاني: أن يكون الأب حال الولادة رقيقا. الثالث: أن يعتق الأب قبل أن يموت.
الثالث من الأسباب النسب: وهو القرابة، والقرابة تشمل أصولا وفروعا وحواشي، فالأصول: الآباء والأمهات والأجداد والجدات وإن علوا. والفروع: الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا. والحواشي: الإخوة وبنوهم وإن نزلوا، والعمومة وإن علوا، وبنوهم وإن نزلوا.(20/114)
67 - باب موانع الإرث
المانع لغة: الحائل بين الشيئين، واصطلاحا: هو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته، عكس الشرط وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. وموانع الإرث ثلاثة: رق وقتل واختلاف دين.
فالأول: الرق: وهو عجز حكمي يقوم بالإنسان، سببه الكفر، فالرقيق لا يرث ولا يورث ولا يحجب، والمبعض يرث ويورث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية.
الثاني: القتل: وهو ما أوجب قصاصا أو دية أو كفارة وما لا فلا.
الثالث: اختلاف الدين: فالمسلم لا يرث الكافر إلا بالولاء، والكافر لا يرث المسلم إلا بالولاء وإلا إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة فإنه يورث؛ ترغيبا له في الإسلام،(20/115)
والكفر ملل شتى، ولا توارث بين أهل ملتين للحديث.(20/116)
68 - باب الوارثين من الرجال
الوارثون من الرجال على سبيل البسط خمسة عشر:
الابن وابن الابن وإن نزل، والأب والجد من قبل الأب وإن علا بمحض الذكور، والأخ الشقيق والأخ لأب والأخ لأم وابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب وإن نزلا، والعم الشقيق والعم لأب وإن عليا، وابن العم الشقيق وابن العم لأب وإن نزلا، والزوج والمعتق.(20/116)
69 - باب الوارثات من النساء
الوارثات من النساء على سبيل البسط إحدى عشرة:
البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها، والأم والجدة من قبلها،(20/116)
والجدة من قبل الأب، والجدة من قبل أبي الأب، والأخت الشقيقة، والأخت لأب والأخت لأم، والزوجة والمعتقة، فتبين بهذا أن جملة الورثة من الذكور والإناث ستة وعشرون.(20/117)
70 - باب الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى
الفرض لغة يطلق على معان: أصلها الجز والقطع، واصطلاحا: نصيب مقدر شرعا لوارث مخصوص لا يزيد إلا بالرد ولا ينقص إلا بالعول. والإرث نوعان: فرض وتعصيب. والورثة باعتبار النوعين منقسمون إلى أربعة أقسام: قسم يرث بالفرض فقط؛ وهم سبعة: الأم وولداها والزوجان والجدتان. وقسم يرث بالتعصيب فقط وهم اثنا عشر: الابن وابن الابن وإن نزل، والأخ الشقيق والأخ لأب وابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب وإن نزلا، والعم الشقيق والعم لأب وإن عليا، وابن العم الشقيق وابن العم لأب وإن نزلا، والمعتق والمعتقة. وقسم يرث بالفرض تارة وبالتعصيب(20/117)
تارة، ويجمع بينهما تارة وهم اثنان: الأب والجد. وقسم يرث بالفرض تارة وبالتعصيب تارة، ولا يجمع بينهما أبدا، وهم أربعة: البنت فأكثر، وبنت الابن فأكثر وإن نزل أبوها، والأخت الشقيقة فأكثر، والأخت لأب فأكثر. والفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة: نصف وربع وثمن وثلثان وثلث وسدس، والسابع ثبت بالاجتهاد وهو ثلث الباقي في العمريتين.(20/118)
71 - باب من يرث النصف
أهل النصف خمسة أصناف: الزوج والبنت وبنت الابن وإن نزل أبوها، والأخت الشقيقة والأخت لأب.
فالزوج يستحق النصف بشرط عدمي، وهو عدم الفرع الوارث، والفرع الوارث الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا.
الثاني: البنت، وتستحقه بشرطين عدميين: وهما عدم المعصب وهو أخوها، وعدم المشارك وهو أختها.
الثالث: بنت الابن وإن نزل أبوها، وتستحقه بثلاثة شروط عدمية: عدم المعصب وهو أخوها أو ابن عمها الذي في درجتها، وعدم المشارك وهو أختها أو بنت عمها التي في درجتها، وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منها.(20/118)
الرابع: الأخت الشقيقة وتستحقه بأربعة شروط عدمية:
عدم المعصب وهو أخوها الشقيق، وعدم المشارك وهو أختها الشقيقة، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث، والمراد به الأب وأبو الأب وإن علا بمحض الذكور.
الخامس: الأخت لأب وتستحقه بخمسة شروط عدمية:
عدم المعصب، وعدم المشاركة، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث، وعدم الأشقاء والشقائق.(20/119)
72 - باب من يرث الربع
أهل الربع صنفان: الزوج والزوجة فأكثر، فالزوج يستحق الربع بشرط وجودي وهو وجود الفرع الوارث، والزوجة فأكثر تستحقه بشرط عدمي وهو عدم الفرع الوارث.(20/119)
73 - باب من يرث الثمن
أهل الثمن صنف واحد وهو الزوجة فأكثر، فتستحق الثمن بشرط وجودي، وهو وجود الفرع الوارث.(20/119)
74 - باب من يرث الثلثين
أهل الثلثين أربعة أصناف: البنات وبنات الابن والأخوات الشقائق والأخوات لأب.
فالبنات يأخذن الثلثين بشرطين: شرط وجودي وهو أن يكن اثنتين فأكثر، وشرط عدمي وهو عدم المعصب.
وبنات الابن يأخذنهما بثلاثة شروط: شرط وجودي وهو أن يكن اثنتين فأكثر، وشرطين عدميين: وهما عدم المعصب وعدم الفرع الوارث الذي أعلا منهن.
والشقائق يأخذنهما بأربعة شروط: شرط وجودي هو أن يكن اثنتين فأكثر، وثلاثة شروط عدمية، عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث.
والأخوات لأب يأخذنهما بخمسة شروط: شرط وجودي وهو أن يكن اثنتين فأكثر، وأربعة عدمية عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث، وعدم الأشقاء والشقائق.(20/120)
75 - باب من يرث الثلث
أهل الثلث صنفان: الأم والإخوة لأم.
فالأم تستحق الثلث بثلاثة شروط عدمية: عدم الفرع الوارث، وعدم الجمع من الإخوة، والجمع اثنان فأكثر سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو خنثيين أو مختلفين شقيقين أو لأب أو لأم وارثين أو محجوبين بشخص. الثالث: أن لا تكون المسألة إحدى العمريتين وهما زوج وأم وأب، أو زوجة فأكثر وأم وأب، فإنها تأخذ فيهما ثلث الباقي وهو في الأولى سدس وفي الثانية ربع.
الثاني: الإخوة لأم ويستحقونه بثلاثة شروط: شرط وجودي، وهو أن يكونوا اثنين فأكثر، وشرطين عدميين وهما عدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارث، ويختص ولد الأم بأحكام منها كون الذكر والأنثى سواء انفرادا واجتماعا، ومنها أن ذكرهم يدلي بأنثى ويرث، ومنها أنهم يحجبون من أدلوا به نقصانا، ومنها أنهم يرثون مع من أدلوا به، وهذا الأخير تشاركهم فيه أم الأب وأم أبي الأب.(20/121)
76 - باب من يرث السدس
أهل السدس سبعة أصناف:
الأول: الأب، ويستحق السدس بشرط وجودي وهو وجود الفرع الوارث.
الثاني: الأم، وتستحقه بشرط وجودي وهو وجود الفرع الوارث أو وجود جمع من الإخوة، والجمع اثنان فأكثر.
الثالث: الجد، ويستحقه بشرطين: وجودي وهو وجود الفرع الوارث، وعدمي وهو عدم الأب.
الرابع: بنت الابن فأكثر، وتستحقه بشرطين عدميين:
وهما عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث الذي أعلا منها سوى صاحبة النصف فإنها لا ترث السدس إلا معها (1) .
الخامس: الأخت لأب فأكثر، وتستحقه بشرطين: الأول: أن تكون مع أخت شقيقة وارثة النصف فرضا. والثاني: عدم المعصب.
__________
(1) وحكم بنت الابن النازل مع بنت الابن العالي حكم بنت ابن الميت مع البنت.(20/122)
السادس: الجدة فأكثر، وتستحقه بشرط عدمي وهو عدم الأم، وشرط وجودي وهو أن تكون مدلية بوارث.
السابع: ولد الأم ذكرا كان أو أنثى ويستحقه بثلاثة شروط: الأول: عدم الفرع الوارث. الثاني: عدم الأصل من الذكور الوارث. الثالث: انفراده. وأكثر من يرث من الجدات ثلاث: أم الأم وإن علت بمحض الإناث، وأم الأب وإن علت بمحض الإناث، وأم أبي الأب وإن علت بمحض الإناث، فإن تساوين في الدرجة فالسدس بينهن أثلاثا ومن قربت منهن فهو لها وحدها، وإذا أدلت جدة بقرابتين ورثت بهما ثلثي السدس كما لو تزوج رجل بنت عمته فولدت ولدا فجدته أم أم أمه وأم أبي أبيه، وكذا لو تزوج بنت خالته فأتت بولد، فجدة الولد أم أم أمه وأم أم أبيه، وكل جدة أدلت بذكر بين أنثيين كأم أبي أم فلا شيء لها، وكذا كل جدة أدلت بأب أعلا من الجد كأم أبي الجد، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنها ترث كأم الجد.(20/123)
77 - باب التعصيب
التعصيب: مصدر عصب يعصب تعصيبا، وهو مشتق من العصب بمعنى الشد والتقوية أو الإحاطة؛ وعصبة الرجل بنوه وقرابته من الذكور من جهة أبيه، سموا بذلك لإحاطتهم به أو لشد بعضهم أزر بعض. والعاصب اصطلاحا من يرث بلا تقدير، والتعصيب هو النوع الثاني من نوعي الإرث.
والعصبة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
فالعصبة بالنفس أربعة عشر: الابن وابن الابن وإن نزل، والأب والجد من قبل الأب وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ لأب وأبناؤهما وإن نزلا، والعم الشقيق والعم لأب وإن عليا وأبناؤهما وإن نزلا، والمعتق والمعتقة.
وأحكام العصبة بالنفس ثلاثة:
الأول: أن من انفرد منهم حاز جميع المال.
الثاني: أنه يأخذ ما أبقت الفروض.
الثالث: أنه يسقط إذا استغرقت الفروض إلا ثلاثة الابن والأب والجد.(20/124)
وجهات العصبة بالنفس ست: بنوة ثم أبوة ثم جدودة وأخوة، ثم بنو إخوة ثم عمومة وبنوهم ثم ولاء، فتقدم كل جهة على الجهة التي بعدها، ثم بعد الاستواء في الجهة يعتبر التقديم بالقرب أي قرب الدرجة، ثم بعد استوائهم في القرب يعتبر التقديم بالقوة، كما قال الجعبري - رحمه الله تعالى -:
فبالجهة التقديم ثم بقربه ... وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
وعصبة المعتق وأحكامهم وجهاتهم كعصبة الميت.
وهنا ثلاث قواعد مهمة ذكرها الفرضيون - رحمهم الله -:
الأولى: لا ميراث لعصبة عصبات المعتق إلا أن يكونوا عصبة للمعتق.(20/125)
الثانية: لا ميراث لمعتق عصبات المعتق إلا من أعتق أباه أو جده.
الثالثة: لا يرث النساء بالولاء إلا من أعتقن أو أعتقه من أعتقن.
القسم الثاني من العصبة: العصبة بالغير، وهم أربعة أصناف: البنت فأكثر مع الابن فأكثر، وبنت الابن فأكثر مع ابن الابن فأكثر الذي في درجتها سواء كان أخاها أو ابن عمها أو مع ابن الابن الذي أنزل منها إن احتاجت إليه، والأخت الشقيقة فأكثر مع الأخ الشقيق فأكثر، والأخت لأب فأكثر مع الأم لأب فأكثر.
القسم الثالث من العصبة: العصبة مع الغير، وهم صنفان: الأخت الشقيقة فأكثر، والأخت لأب فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت الابن فأكثر.
وهنا مسألتان مهمتان:
المسألة الأولى: إذا هلك هالك عن أبي معتق وعن(20/126)
معتق أب فالمال لأبي المعتق؛ لأن الميت عتيق ابنه. وأما معتق الأب فليس له ولاء عليه؛ لأن من شرط ثبوت الولاء على فرع العتيق أن لا يمسه رق لأحد كما تقدم.
المسألة الثانية: إذا اشترى ابن وأخته أباهما فعتق عليهما ثم ملك الأب قنا فأعتقه، ثم مات الأب فورثاه بالنسب، ثم مات العتيق وليس له عصبة من النسب ولا أصحاب فرض من المال يستغرقون المال فميراثه للابن دون أخته؛ لكونه ابن معتق لا لكونه معتق معتق؛ لأن جهة بنوة المعتق مقدمة على جهة الولاء. ويروى أن مالكا -رحمه الله تعالى- قال: سألت عنها سبعين قاضيا من قضاة العراق فأخطئوا فيها، ولهذا تسمى مسألة القضاة، والله تعالى أعلم.(20/127)
78 - فوائد
الأولى: إذا اجتمع في شخص جهتا تعصيب فأكثر ورث بالجهة المقدمة. مثال ذلك ابن هو معتق فيرث بكونه ابنا لا بكونه معتقا، وكذا ابن هو ابن ابن عم وابن معتق، فيرث بكونه ابنا لا بكونه ابن ابن عم، ولا بكونه ابن معتق؛ لأن جهة البنوة ما قدمة على غيرها.
الثانية: إذا اجتمع في شخص جهة فرض وجهة تعصيب(20/127)
ورث بهما، وذلك كزوج هو ابن عم وأخ لأم هو ابن عم.
الثالثة: إذا اجتمع في شخص جهتا فرض ورث بهما إن لم تحجب إحداهما الأخرى، فإن حجبت إحداهما الأخرى ورث بالحاجبة دون المحجوبة. مثال ذلك جدة هي أم أم أم وأم أم أب، فترث ثلثي السدس بالجهتين، ويتصور هذا أيضا في نكاح المجوس وفي الوطء بشبهة. مثال ذلك ما لو تزوج مجوسي أمه فأتت ببنت، وكذا لو وطئ رجل أمه بشبهة فأتت ببنت فالبنت في المثالين قد اجتمع فيها جهتا فرض إحداهما كونها بنتا للواطئ، والأخرى كونها أخته من أمه فترث الواطئ بكونها بنتا لا بكونها أختا من أم؛ لأن البنت تحجب أولاد الأم.(20/128)
79 - باب الحجب
اعلم أن الحجب باب عظيم في الفرائض، حتى قال بعضهم: يحرم على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض. والحجب لغة: المنع، واصطلاحا: منع من قام به سبب الإرث من إرثه بالكلية أو من أوفر حظيه.
وينقسم إلى قسمين:
أحدهما: حجب أوصاف وهي موانع الإرث الثلاثة التي تقدمت، ويتأتى على جميع الورثة، والمحجوب بوصف(20/128)
وجوده كعدمه.
والثاني: حجب أشخاص، وينقسم إلى قسمين: حجب حرمان، ويتأتى على جميع الورثة إلا ستة، وهم الأبوان والولدان والزوجان، وحجب نقصان، ويتأتى على جميع الورثة وهو منحصر في سبعة أقسام:
الأول: انتقال من فرض إلى فرض أقل منه، كالزوج ينتقل من النصف إلى الربع وكذلك الزوجة فأكثر تنتقل من الربع إلى الثمن.
الثاني: انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه كانتقال الأخت الشقيقة والأخت لأب من كونهما عصبة مع الغير إلى كونهما عصبة بالغير.
الثالث: انتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه؛ كانتقال ذوات النصف منه إلى التعصيب بالغير.
الرابع: انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه؛ كانتقال الأب والجد من الإرث بالتعصيب إلى الإرث بالفرض.
الخامس: ازدحام في فرض؛ كازدحام الزوجات في الربع والثمن، وازدحام أهل الثلث وأهل الثلثين فيهما.
السادس: ازدحام في تعصيب؛ كازدحام العصبات في المال أو في الباقي بعد الفروض.(20/129)
السابع: ازدحام في عول؛ كازدحام أهل الفروض في الأصول الثلاثة العائلة، فإن كل صاحب فرض يأخذه اسما لا حقيقة.
تنبيهان: التنبيه الأول:
الأصول لا يحجبهم إلا أصول، والفروع لا يحجبهم إلا فروع، والحواشي يحجبهم أصول وفروع وحواش، فالأجداد يسقطون بالأب، وكل جد قريب يسقط الجد البعيد، والجدات يسقطن بالأم، وكل جدة قريبة تسقط الجدة البعيدة. وأولاد البنين يسقطون بالابن فأكثر، وكل ابن ابن قريب يسقط ابن الابن البعيد. والإخوة الأشقاء يسقطهم الأب والجد على الصحيح، والابن وابن الابن وإن نزل. والإخوة لأب يسقطهم هؤلاء المذكورون، والإخوة الأشقاء والأخت الشقيقة إذا كانت عصبة مع الغير. والإخوة لأم يسقطهم ستة: الأب والجد والابن والبنت وابن الابن وبنت الابن.
وبنات الابن يسقطن بالابن فأكثر، وباستكمال البنات الثلثين إن لم يوجد مع بنات الابن معصب، فإن وجد معهن معصب ورثن معه ما فضل بعد الثلثين والمعصب لهن هو أخوهن أو ابن عمهن الذي في درجتهن أو الذي أنزل منهن إذا احتجن إليه، وحكم بنات ابن الابن النازل مع بنات ابن الابن الذي أعلا منه حكم بنات ابن الميت مع البنات. والأخوات لأب يسقطن بالأخ الشقيق(20/130)
فأكثر، وبالأخت الشقيقة فأكثر إذا كانت عصبة مع الغير، وباستكمال الشقائق الثلثين إن لم يوجد مع الأخوات لأب معصب وهو الأخ لأب، فإن وجد معهن معصب ورثن معه ما فضل بعد الثلثين.
التنبيه الثاني:
ينقسم جميع الورثة بالنسبة إلى حجب الحرمان بالأشخاص إلى أربعة أقسام: قسم يحجبون ولا يحجبون وهم الأبوان والولدان. وقسم يحجبون ولا يحجبون وهم الإخوة لأم. وقسم لا يحجبون ولا يحجبون وهم الزوجان. وقسم يحجبون ويحجبون وهم بقية الورثة.(20/131)
80 - باب المشركة
أركانها: زوج وأم أو جدة فأكثر وإخوة لأم وإخوة أشقاء ذكور محض أو ذكور وإناث، وأقلهم ذكر واحد أو ذكر وأنثى لا إناث فقط ولا إخوة لأب، وسميت هذه المسألة بالمشركة؛ لقول بعض أهل العلم بتشريك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث، وتسمى أيضا بالحمارية واليمية، وإنما أفردت بباب لشهرة الخلاف فيها. إذا عرف هذا، فأصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة، وللأم أو الجدة السدس واحد، وللإخوة لأم(20/131)
الثلث اثنان، ولا شيء للإخوة الأشقاء لاستغراق الفروض المسألة، وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة رحمهما الله، ويروى هذا القول عن علي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبي موسى رضي الله تعالى عنهم، وقضى به عمر رضي الله تعالى عنه أولا.
وذهب الشافعي ومالك رحمهما الله إلى تشريك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في الثلث، ويكون بينهم على عدد رءوسهم، ويروى هذا القول عن عثمان وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهما، وبه قضى عمر آخرا. والقول الأول أصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر (1) » وإذا أعطي الزوج والأم أو الجدة والإخوة لأم فروضهم لم يبق في المسألة شيء، فيسقط الإخوة الأشقاء، والله أعلم.
__________
(1) صحيح البخاري الفرائض (6732) ، صحيح مسلم الفرائض (1615) ، سنن الترمذي الفرائض (2098) ، سنن أبو داود الفرائض (2898) ، سنن ابن ماجه الفرائض (2740) ، مسند أحمد بن حنبل (1/292) .(20/132)
81 - باب الجد والإخوة
المراد بالجد أبو الأب وإن علا بمحض الذكور، وبالإخوة الإخوة الأشقاء والإخوة لأب.
اعلم أن هذه المسألة فيها قولان للسلف رحمهم الله تعالى:(20/132)
أحدهما: توريث الإخوة مع الجد، وهو قول علي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم على اختلاف بينهم في كيفية التوريث، وهو مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى، والمشهور عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
الثاني: جعله أبا فيسقط جميع الإخوة، وهو قول بضعة عشر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، منهم أبو بكر الصديق وابنته عائشة أم المؤمنين وابن عباس وجابر وأبو موسى وعمران بن حصين رضي الله تعالى عنهم، وذهب إليه جماعة من التابعين، وهو قول أبي حنيفة وإسحاق وداود والمزني وابن سريج وابن المنذر، وهو رواية عن الإمام أحمد أخذ بها بعض أصحابه كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم والشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى، وهو الصحيح -إن شاء الله تعالى- لأدلة كثيرة محلها الكتب المطولة. إذا تقرر هذا فعلى القول الأول: إذا اجتمع الجد والإخوة فلا يخلو؛ إما أن يكون معهم صاحب فرض أو لا، فإن لم يكن معهم صاحب فرض فله معهم ثلاث حالات، ويخير في شيئين(20/133)
ثلث المال والمقاسمة فيعطى الأحظ منهما.
فالحالة الأولى: أن تكون المقاسمة أحظ له من ثلث المال، وضابطها أن يكون الإخوة أقل من مثليه، وينحصر ذلك في خمس صور: الأولى: جد وأخت. الثانية: جد وأخ. الثالثة: جد وأختان. الرابعة: جد وأخ وأخت. الخامسة: جد وثلاث أخوات.
الحالة الثانية: استواء الأمرين: المقاسمة وثلث المال، ويعبر له بالمقاسمة، وضابطها أن يكونوا مثليه. وينحصر ذلك في ثلاث صور: الأولى: جد وأخوان. الثانية: جد وأخ وأختان. الثالثة: جد وأربع أخوات.
الحالة الثالثة: أن يكون ثلث المال أحظ له من المقاسمة فيأخذه فرضا، وضابطها أن يكونوا أكثر من مثليه ولا تنحصر صورها.
وأما إن كان معهم صاحب فرض فأكثر فله معهم سبع حالات ويخير في ثلاثة أمور: المقاسمة، وثلث الباقي، وسدس المال فيأخذ الأحظ له.
فالحالة الأولى: أن تكون المقاسمة أحظ له من ثلث الباقي ومن سدس المال؛ كجدة وجد وأخ شقيق.
الثانية: أن يكون ثلث الباقي أحظ له من المقاسمة ومن(20/134)
سدس المال؛ كأم وجد وثلاثة إخوة لغير أم.
الثالثة: أن يكون سدس المال أحظ له من المقاسمة ومن ثلث الباقي؛ كزوج وجد وجدة وأخوين لغير أم.
الرابعة: أن تستوي له المقاسمة وثلث الباقي، ويكونان أحظ له من سدس المال؛ كأم وجد وأخوين لغير أم.
الخامسة: أن تستوي له المقاسمة وسدس المال، ويكونان أحظ له من ثلث الباقي؛ كزوج وجدة وجد وأخ شقيق.
السادسة: أن يستوي له ثلث الباقي وسدس المال، ويكونان أحظ له من المقاسمة؛ كزوج وجد وثلاثة إخوة لغير أم.
السابعة: أن تستوي له ثلاثة الأمور: المقاسمة وثلث الباقي وسدس المال؛ كزوج وجد وأخوين لغير أم. والذي يتأتى معه من الفروض في صور المعادة؛ إما السدس وحده، أو الربع وحده، أو النصف وحده، أو الربع والسدس، وذلك أنه إذا اجتمع مع الإخوة الأشقاء إخوة لأب؛ فإن الأشقاء يعادون الجد بهم إذا احتاجوا إليهم، فإذا أخذ الجد نصيبه رجع الأشقاء على أولاد الأب فأخذوا ما بأيديهم، وإن كان الموجود شقيقة واحدة أخذت كمال فرضها وما بقي فلولد الأب.
وتنحصر صور المعادة في ثمان وستين صورة، وهي مبنية على(20/135)
أصلين:
أحدهما: أن يكون الأشقاء أقل من مثلي الجد.
ثانيهما: أن يجعل معهم من أولاد الأب ما يكمل مثلي الجد فأقل، وذلك منحصر في الخمس الصور السابقة، وهي جد وشقيقة، جد وشقيق، جد وشقيقتان، جد وشقيق وشقيقة، جد وثلاث شقائق، فيتصور مع الشقيقة خمس صور: الأولى: جد وأخت شقيقة وأخت لأب. الثانية: جد وشقيقة وأخ لأب. الثالثة: جد وشقيقة وأختان لأب. الرابعة: جد وشقيقة وأخ لأب وأخت لأب. الخامسة: جد وشقيقة وثلاث أخوات لأب.
ويتصور مع الشقيق ثلاث صور: الأولى: جد وأخ شقيق وأخت لأب. الثانية: جد وشقيق وأختان لأب. الثالثة: جد وشقيق وأخ لأب.
ويتصور مع الشقيقتين ثلاث صور كالشقيق.
ويتصور مع الشقيق والشقيقة صورة واحدة وهي: جد وشقيق وشقيقة وأخت لأب.
ويتصور مع الثلاث الشقائق صورة واحدة كالشقيق والشقيقة.
فهذه ثلاث عشرة صورة تضرب في خمس الحالات(20/136)
المتقدمة وهي أن لا يكون مع الجد والإخوة صاحب فرض.
الثانية: أن يكون معهم صاحب سدس فقط.
الثالثة: أن يكون معهم صاحب ربع فقط.
الرابعة: أن يكون معهم صاحب سدس وربع.
الخامسة: أن يكون معهم صاحب نصف فقط؛ فتبلغ خمسا وستين صورة.
والصورة السادسة والستون: أن يكون مع الجد والإخوة صاحبا نصف وسدس كبنت وبنت ابن وجد وأخت شقيقة وأخت لأب.
والسابعة والستون: أن يكون معهم صاحبا نصف وثمن كبنت وزوجة وجد وشقيقة وأخت لأب.
والثامنة والستون: أن يكون معهم أصحاب ثلثين كبنتين وجد وشقيقة وأخت لأب.
ويلتحق بالصور المذكورة أربع صور إذا كان الموجود معه من الفروض نصفا وثمنا تعرف بالتأمل:
ثنتان: مع الشقيقة وهما أخ لأب وأختان لأب.
والثالثة: مع الشقيق وهي أخت لأب.
والرابعة: مع الشقيقتين وهي أخت لأب.(20/137)
والمقصود من ذلك إلجاء الجد إلى أخذ السدس، وتكون المسألة في الصور الأربع من أربعة وعشرين لأجل فرض السدس، وبذلك تكون صور المعادة اثنتين وسبعين صورة. والله أعلم.(20/138)
82 - باب الأكدرية
أركانها: زوج وأم وجد وشقيقة أو أخت لأب. سميت بالأكدرية؛ لأنها كدرت على زيد بن ثابت أصوله، وقيل غير ذلك؛ وذلك لأن الأصل في باب الجد والإخوة أن لا يفرض للأخوات معه ولا يرث الإخوة شيئا إذا لم يبق إلا السدس، لكنهم استثنوا هذه الصورة، ففرضوا لها النصف وله السدس.
وأصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم الثلث اثنان وللأخت النصف ثلاثة وللجد السدس واحد فعالت إلى تسعة، ثم يرجع الجد والأخت فيقتسمان ما بأيديهما للذكر مثل حظ الأنثيين وهو أربعة أسهم ورءوسهما ثلاثة فلا تنقسم عليهم بل تنكسر وتباين فتضرب رءوسهما، وهي ثلاثة في أصل المسألة مع عولها، فتبلغ سبعة وعشرين؛ للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة.(20/138)
83 - باب الحساب
أي حساب الفرائض، وهو تأصيل المسائل وتصحيحها لا علم الحساب المعروف الذي حده علم بأصول يتوصل بها إلى استخراج المجهولات العددية، فإنه يشمل حساب الفرائض وغيره. وحساب الفرائض يشتمل على تأصيل وتصحيح ومسائل وصور. فالتأصيل هو تحصيل أقل عدد يخرج منه فرض المسألة أو فروضها بلا كسر، والتصحيح هو تحصيل أقل عدد ينقسم على الورثة بلا كسر، والمسألة هي تعيين الفرض مع قطع النظر عن مستحقه، والصورة هي بيان مستحق الفرض. والأصول المتفق عليها سبعة: الأول: أصل اثنين. الثاني: أصل ثلاثة. الثالث: أصل أربعة. الرابع: أصل ستة. الخامس: أصل ثمانية. السادس: أصل اثني عشر. السابع: أصل أربعة وعشرين. وأصلان اختلف فيهما وهما: أصل ثمانية عشر، وأصل ستة وثلاثين في باب الجد والإخوة(20/139)
خاصة.
والصحيح أنهما أصلان لا مصحان. وأصل المسألة هو أقل عدد يخرج منه فرضها أو فروضها بلا كسر، ومصح المسألة هو أقل عدد ينقسم على الورثة بلا كسر. وجملة المسائل المتفرعة على هذه الأصول التسعة تسع وخمسون مسألة، وكل مسألة تتضمن صورا، والصور قريبة من ستمائة صورة أو أكثر، وهذه الأصول المذكورة تنقسم باعتبار العول وعدمه إلى قسمين: عائل، وغير عائل، فالذي يعول ثلاثة أصول: الأول: أصل ستة. الثاني: أصل اثني عشر. الثالث: أصل أربعة وعشرين.
فأصل ستة يعول إلى عشرة شفعا ووترا. وأصل اثني عشر يعول إلى سبعة عشر وترا فقط. وأصل أربعة وعشرين يعول بثمنه فقط. ففي أصل ستة غير عائل إحدى عشرة مسألة: الأولى: سدس فقط؛ كجدة وعم. الثانية: سدسان؛ كأبوين وابن. الثالثة: سدس وثلث كأم وأخ لأم. الرابعة: سدس وثلثان؛ كأم وشقيقتين.
الخامسة: سدسان وثلثان؛ كبنتين وأبوين. السادسة: نصف وسدس؛ كبنت وبنت ابن. السابعة: نصف وسدسان؛ كبنت وبنت ابن وأم. الثامنة: نصف وثلاثة أسداس؛ كبنت وبنت ابن وأبوين. التاسعة: نصف وثلث؛ كزوج وأم. العاشرة: نصف وثلث باق؛ كزوج وأم وأب. الحادية عشرة: نصف وثلث وسدس؛ كزوج وأم وأخ لأم. وفي أصل اثني عشر غير(20/140)
عائل ست مسائل: الأولى: ربع وسدس؛ كزوجة وجدة. الثانية: ربع وثلث؛ كزوجة وأم. الثالثة: ربع وسدسان؛ كزوج وأبوين وابن. الرابعة: ربع وثلث وسدس؛ كزوجة وأم وأخ لأم. الخامسة: ربع ونصف وسدس؛ كزوج وبنت وبنت ابن. السادسة: ربع وثلثان؛ كزوج وبنتين. وفي أصل أربعة وعشرين غير عائل ست مسائل: الأولى: ثمن وسدس؛ كزوجة وأم وابن. الثانية: ثمن وسدسان؛ كزوجة وابن وأبوين. الثالثة: ثمن وثلثان؛ كزوجة وبنتين. الرابعة: ثمن وثلثان وسدس؛ كزوجة وبنتين وأم. الخامسة: ثمن ونصف وسدس؛ كزوجة وبنت وبنت ابن. السادسة: ثمن ونصف وسدسان؛ كزوجة وبنت وبنت ابن وأم.
وفي أصل ستة عائلا إلى سبعة أربع مسائل: الأولى: نصف وثلثان؛ كزوج وأختين لغير أم. الثانية: ثلثان وثلث وسدس؛ كأختين لغير أم وأخوين لأم وأم. الثالثة: نصفان وسدس؛ كزوج وشقيقة وأخت لأب. الرابعة: نصف وثلث وسدسان؛ كشقيقة وأخت لأب وأخوين لأم وأم. وفيه عائلا إلى ثمانية ثلاث مسائل: الأولى: نصفان وثلث؛ كزوج وأخت شقيقة وأم. الثانية: نصفان وسدسان؛ كزوج وشقيقة وأخت لأب وأخ لأم. الثالثة: ثلثان ونصف وسدس؛ كأختين لغير أم وزوج وأم. وفيه عائلا إلى تسعة أربع مسائل: الأولى: ثلثان ونصف(20/141)
وثلث؛ كأختين لغير أم وزوج وإخوة لأم. الثانية: ثلثان ونصف وسدسان؛ كأختين لغير أم وزوج وأخ لأم وجدة. الثالثة: نصفان وثلث وسدس؛ كزوج وشقيقة وإخوة لأم وأم. الرابعة: نصفان وثلاثة أسداس؛ كزوج وشقيقة وأخت لأب وأخ لأم وأم.
وفيه عائلا إلى عشرة مسألتان: الأولى: نصفان وثلث وسدسان؛ كزوج وشقيقة وأخت لأب وإخوة لأم وأم. الثانية: الثلثان ونصف وثلث وسدس؛ كأختين لغير أم وزوج وإخوة لأم وأم.
وفي أصل اثني عشر عائلا إلى ثلاثة عشر ثلاث مسائل: الأولى: ثلثان وربع وسدس؛ كبنتين وزوج وأم. الثانية: نصف وثلث وربع؛ كشقيقة وأم وزوجة. الثالثة: نصف وسدسان وربع؛ كبنت وبنت ابن وأم وزوج.
وفيه عائلا إلى خمسة عشر أربع مسائل: الأولى: ثلثان وثلث وربع؛ كأختين لغير أم وأخوين لأم وزوجة. الثانية: ثلثان وسدسان وربع؛ كأختين لغير أم وأخ لأم وأم وزوجة. الثالثة: نصف وثلث وسدس وربع؛ كشقيقة وأخت لأب وإخوة لأم وزوجة. الرابعة: نصف وثلاثة أسداس وربع؛ كشقيقة وأخت لأب وأخت لأم وأم وزوجة.
وفيه عائلا إلى سبعة عشر مسألتان: الأولى: ثلثان وثلث وسدس وربع؛ كثمان أخوات لغير أم وأربع أخوات لأم وجدتين وثلاث زوجات. وتلقب هذه المسألة بأم الفروج وأم الأرامل؛ لكون الورثة فيها إناثا.(20/142)
الثانية: نصف وثلث وسدسان وربع؛ كشقيقة وأخت لأب وإخوة لأم وأم وزوجة.
وفي أصل أربعة وعشرين عائلا مسألتان: الأولى: ثلثان وسدسان وثمن؛ كبنتين وأبوين وزوجة. الثانية: نصف وثلاثة أسداس وثمن؛ كبنت وبنت ابن وأبوين وزوجة. فجملة ما في هذه الأصول الثلاثة عائلة وغير عائلة سبع وأربعون مسألة.
والذي لا يعول ستة أصول: الأول: أصل اثنين. الثاني: أصل ثلاثة. الثالث: أصل أربعة. الرابع: أصل ثمانية. الخامس: أصل ثمانية عشر. السادس أصل ستة وثلاثين. ففي أصل اثنين مسألتان: الأولى: نصف فقط؛ كبنت وعم. الثانية نصفان؛ كزوج وأخ لغير أم. وفي أصل ثلاثة ثلاث مسائل: الأولى: ثلث؛ كأم وعم. الثانية: ثلثان؛ كبنتين وأخ. الثالثة: ثلثان وثلث؛ كأختين لغير أم وأخوين لأم.
وفي أصل أربعة ثلاث مسائل: الأولى: ربع؛ كزوج وابن. الثانية: ربع ونصف؛ كزوج وبنت. الثالثة: ربع وثلث باق؛ كزوجة وأبوين. وفي أصل ثمانية مسألتان: الأولى: ثمن؛ كزوجة وابن. الثانية: ثمن ونصف؛ كزوجة وبنت.
وفي أصل ثمانية عشر مسألة واحدة، وهي سدس وثلث باق؛ كجدة وجد وثلاثة إخوة لغير أم. وفي أصل ستة وثلاثين مسألة واحدة، وهي ربع وسدس وثلث باق؛ كزوجة وأم وجد وثلاثة إخوة لغير أم. ففي هذه(20/143)
الأصول الستة اثنتا عشرة مسألة تضاف إلى المسائل التي في الأصول المتقدمة، وهي سبع وأربعون مسألة، فيكون الجميع تسعا وخمسين مسألة.
وهذا الحصر في الأصول التسعة إنما هو بالنسبة إلى ما كان فيه فرض فأكثر؛ فأما ما كان تعصيبا محضا فأصوله لا تنحصر؛ لأن أصل مسألة العصبة هو أقل عدد ينقسم عليهم من غير كسر.
ثم اعلم أن المسألة إما أن تنقسم على الورثة أو لا، فإن انقسمت صحت من أصلها، وإن لم تنقسم فلا يخلو إما أن يكون الكسر على فريق أو فريقين فأكثر، فإن كان على فريق واحد فلا يخلو إما أن تباينه سهامه أو توافقه، فإن باينته أخذت رءوسهم وهي جزء السهم فضربته في أصل المسألة مع عولها إن عالت فما بلغ فمنه تصح، فيكون لواحدهم مثل ما لجماعتهم من أصلها، وإن وافقته أخذت وفق رءوسهم وهو جزء السهم فضربته في أصل المسألة مع عولها إن عالت، فما بلغ فمنه تصح ويصير لواحدهم مثل ما لوفق جماعتهم من أصلها.
فمثال المباينة زوج وخمسة بنين أصلها من أربعة للزوج الربع واحد والباقي ثلاثة للبنين ورءوسهم خمسة مباينة سهامهم، فتضرب الرءوس وهي جزء السهم في أصل المسألة أربعة فتبلغ عشرين للزوج من أصلها واحد يضرب في جزء(20/144)
السهم خمسة فيحصل له خمسة. وللبنين من أصلها ثلاثة تضرب في جزء السهم خمسة، فيحصل لهم خمسة عشر لكل واحد منهم ثلاثة وهي التي لجماعتهم من أصلها.
ومثال الموافقة زوجة وستة أعمام أصلها من أربعة للزوجة الربع واحد والباقي ثلاثة للأعمام توافق رءوسهم بالثلث، فتضرب وفق الرءوس اثنين وهو جزء السهم في أصل المسألة أربعة فتبلغ ثمانية للزوجة اثنان وللأعمام ستة لواحدهم مثل ما لوفق جماعتهم من أصلها وهو واحد، وإن كان الكسر على فريقين فأكثر، ولا يتأتى على أكثر من أربع فرق فلا يخلو إما أن تباين كل فريق سهامه أو توافقه، فإن باينته أثبت جميع رءوس الفرق، وإن وافقته أثبت الوفق ثم تنظر بين المثبتات بالنسب الأربع وهي المماثلة والمداخلة والموافقة والمباينة، فالمماثلة هي أن يستوي عدد رءوس الفريقين فأكثر كاثنين واثنين مثلا، والمداخلة هي أن ينقسم الأكبر على الأصغر من غير كسر، أو أن يفني الأصغر الأكبر، أو يكون الأصغر جزءا مفردا من الأكبر، وكل واحد من التعاريف الثلاثة صحيح، وذلك كاثنين وأربعة مثلا، والموافقة هي أن يتفق الفريقان فأكثر بجزء من الأجزاء، ولا يصدق عليهما حد المداخلة وذلك كأربعة وستة مثلا، والمباينه هي أن لا يتفقا بجزء من الأجزاء بل يختلفان وذلك كخمسة وثلاثة مثلا، فإن كانت متماثلة اكتفيت بأحد(20/145)
المتماثلين أو المتماثلات، وهو جزء السهم فتضربه في أصل المسألة وعولها إن عالت فما بلغ فمنه تصح، وإن كانت متداخلة اكتفيت بالأكبر وهو جزء السهم فتضربه في الأصل مع العول إن عالت فما بلغ فمنه تصح، وإن كانت متوافقة ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر فما بلغ فهو جزء السهم، فتضربه في الأصل مع العول إن عالت فما بلغ فمنه تصح، وإن كانت متباينة ضربت بعضها في بعض فما تحصل فهو جزء السهم فتضربه في الأصل مع العول إن عالت فما بلغ فمنه تصح.
فمثال المماثلة: أربع زوجات وأربعة أعمام، أصلها من أربعة للزوجات الربع واحد مباين رءوسهن، والباقي للأعمام مباين رءوسهم، فتنظر بين رءوسهم ورءوس الزوجات، فتجد بينهما مماثلة فتكتفي بأحدهما أربعة وهي جزء السهم فتضربه في أصلها أربعة تبلغ ستة عشرة للزوجات أربعة لواحدتهن مثل ما لجماعتهن من أصلها وهو واحد، وللأعمام اثنا عشر لواحدهم مثل ما لجماعتهم من أصلها وهو ثلاثة.
ومثال المداخلة: أخوان لأم وثمانية إخوة لأب، أصلها من ثلاثة للأخوين لأم الثلث واحد يباين رءوسهما والباقي اثنان للإخوة لأب يوافق رءوسهم بالنصف، فتثبت وفقهم أربعة، فتنظر بينه وبين رءوس الأخوين لأم تجد بينهما مداخلة، فتكتفي بالأكبر أربعة، وهي جزء السهم فتضربه في أصل المسألة(20/146)
ثلاثة تبلغ اثني عشر، للأخوين لأم أربعة لكل واحد اثنان وللإخوة لأب ثمانية لواحدهم ما لوفق جماعته من أصلها وهو واحد.
ومثال الموافقة: أربع زوجات وأخت شقيقة واثنتا عشرة أخت لأب وعشرة أعمام، أصلها من اثني عشر للزوجات الربع ثلاثة يباين رءوسهن فتثبتها، وللشقيقة النصف ستة، وللأخوات لأب السدس اثنان تكملة الثلثين يوافق رءوسهن بالنصف، فتثبت وفق رءوسهن وهو ستة، والباقي واحد للأعمام يباين رءوسهم فتثبتها، ثم تنظر بين المثبتات وهي أربعة وستة وعشرة فتجدها متوافقة بالأنصاف، فتضرب وفق الأربعة اثنين في وفق العشرة خمسة، فيتحصل عشرة فتضربها في الستة تبلغ ستين وهي جزء السهم، فتضربه في أصلها اثني عشر فتبلغ سبعمائة وعشرين، ومنها تصح؛ للزوجات من أصلها ثلاثة تضرب في جزء السهم ستين فيحصل لهن مائة وثمانون، لكل واحدة خمسة وأربعون، وللشقيقة من أصلها ستة تضرب في جزء السهم ستين فيحصل لها ثلاثمائة وستون، وللأخوات لأب من أصلها اثنان يضربان في جزء السهم ستين، فيحصل لهن مائة وعشرون لكل واحدة عشرة، وللأعمام من أصلها واحد يضرب في جزء السهم ستين فيحصل لهم ستون لكل واحد ستة.
ومثال المباينة خمس بنات وثلاث جدات وأربع زوجات(20/147)
وسبعة أعمام، أصلها من أربعة وعشرين للبنات الثلثان ستة عشر تباين رءوسهن فتثبتها، وللجدات السدس أربعة تباين رءوسهن فتثبتها، وللزوجات الثمن ثلاثة تباين رءوسهن فتثبتها، والباقي واحد للأعمام يباين رءوسهم فتثبتها، ثم تنظر بين المثبتات فتجدها متباينة فتضرب بعضها في بعض، فيحصل أربعمائة وعشرون وهي جزء السهم، فتضربه في أصلها أربعة وعشرين فتبلغ عشرة آلاف وثمانين ومنها تصح؛ للبنات ستة آلاف وسبعمائة وعشرون لكل واحدة ألف وثلاثمائة وأربعة وأربعون، وللجدات ألف وستمائة وثمانون لكل واحدة منهن خمسمائة وستون، وللزوجات ألف ومائتان وستون لكل واحدة منهن ثلاثمائة وخمسة عشر، وللأعمام أربعمائة وعشرون لكل واحد منهم ستون.
واعلم أن الأصول التسعة المتقدمة، منها ما لا يتصور فيه الانكسار إلا على فريق واحد وهو أصل اثنين، ومنها ما يتصور فيه الانكسار على فريقين وهو أصل ثلاثة وأربعة وثمانية وثمانية عشر وستة وثلاثين، ومنها ما يتصور فيه الانكسار على ثلاث فرق وهو أصل ستة، ومنها ما يتصور فيه الانكسار على أربع فرق وهو أصل اثني عشر وأربعة وعشرين ولا يتصور الانكسار على أكثر من أربع فرق كما تقدم، والله أعلم.(20/148)
84 - باب المناسخة
مشتقة من النسخ، وهو لغة: النقل والإزالة والتغيير، واصطلاحا: هي أن يموت شخص فلم تقسم تركته حتى مات من ورثته واحد فأكثر. ولها ثلاث حالات:
إحداها: أن يكون ورثة الثاني هم بقية ورثة الأول، ويكون إرثهم منه كإرثهم من الأول، وهذه الحالة تختصر قبل العمل، ويسمى اختصار المسائل سواء ورثوه تعصيبا محضا أو تخلله فرض ثم تحول تعصيبا، وذلك كأن يموت شخص عن عشرة بنين ثم يموتوا واحدا بعد واحد حتى لم يبق إلا اثنان، فتجعل مسألتهما من عدد رءوسهما اثنين، وكذا لو كان معهم زوجة هي أمهم فماتوا واحدا بعد واحد ثم ماتت عن الباقين، وكذا لو ورثوه بالفرض والتعصيب معا كأن يموت شخص عن خمسة إخوة لأم هم بنو عمه، فيموتوا واحدا بعد واحد حتى لم يبق إلا اثنان فتختصر من عدد رءوسهما اثنين لكل واحد منهما واحد فرضا وتعصيبا، فإن ورثوه بالفرض فقط فلا بد من ثلاثة شروط الشرطين المتقدمين: وهما أن يكون ورثة الثاني هم بقية ورثة الأول، وأن لا تختلف أسماء فروضهم.
الشرط الثالث: أن تعول المسألة الأولى بمثل نصيب الميت الثاني(20/149)
فأكثر، مثال ذلك: أن تموت امرأة عن زوج وشقيقة وأخت لأب، ثم لم تقسم التركة حتى ماتت الأخت لأب بعد أن تزوجها الزوج فتختصر من اثنين للزوج واحد وللشقيقة واحد.
وأما الاختصار بعد العمل ويسمى اختصار السهام فهو أن تتفق الأنصباء بجزء كنصف وثلث ونحوهما، فترد المسألة إلى وفقها وكل نصيب إلى وفقه؛ وذلك كأن يموت شخص عن زوجة وابن وبنت منها، ثم تموت البنت عن أمها وأخيها، فالأولى أصلها من ثمانية وتصح من أربعة وعشرين؛ للزوجة ثلاثة وللبنت سبعة وللابن أربعة عشر، والثانية أصلها من ثلاثة تباين سهام الميت الثاني وهو البنت، فتضرب الثانية في الأولى فتبلغ اثنين وسبعين وهي الجامعة، للزوجة التي هي أم في الثانية ستة عشر وللابن ستة وخمسون وبين السهام توافق بالثمن فترد الجامعة إلى ثمنها وهو تسعة، وكل نصيب إلى ثمنه، فثمن نصيب الابن سبعة، وثمن نصيب الزوجة اثنان.
الحالة الثانية: أن يكون ورثة كل ميت لا يرثون غيره فحينئذ تصحح الأولى وتعرف ما بيد كل وارث، ثم تجعل لكل ميت مسألة وتقسمها على ورثته ثم تنظر بينها وبين سهامه فلا يخلو: إما أن تنقسم أو تباين أو توافق، فإن انقسمت سهامه على مسألته صحت مسألته مما صحت منه الأولى، وإن لم تنقسم فأثبت أصل مسألته إن باينت أو وفقها إن وافقت ثم تنظر(20/150)
بين المثبتات بالنسب الأربع المتقدمة، فما تحصل بعد النظر فهو كجزء السهم يضرب في الأولى، فما بلغ فمنه تصح المسائل، ثم من له شيء من الأولى أخذه مضروبا فيما هو كجزء السهم، وكذا كل سهام ميت تضرب فيما هو كجزء السهم، فما حصل فهو لورثته منقسما عليهم؛ مثال ذلك: أن يموت شخص عن ثلاثة بنين ثم لم تقسم التركة حتى مات أحدهم عن ابنين، والثاني عن ثلاثة والثالث عن أربعة، فالأولى من ثلاثة لكل واحد واحد، ومسألة الأول من البنين من اثنين والثاني من ثلاثة والثالث من أربعة ومسائلهم مباينة سهامهم، فتنظر بين المسائل الثلاث بالنسب الأربع فتجد الأولى داخلة في الثالثة والثانية مباينة للثالثة، فتضرب الثانية وهي ثلاثة في الثالثة وهي أربعة فيحصل اثنا عشر وهي كجزء السهم، فتضربه في الأولى فتبلغ ستة وثلاثين، للميت الأول واحد في اثني عشر باثني عشر لابنيه لكل واحد ستة، وللثاني كذلك فيحصل لكل واحد من بنيه أربعة، وللثالث كذلك فيحصل لكل واحد من بنيه ثلاثة.
الحالة الثالثة: أن يكون ورثة الثاني هم بقية ورثة الأول، لكن اختلف إرثهم أو ورث معهم غيرهم؛ فطريق العمل أن تصحح الأولى وتعرف ما بيد كل وارث، ثم تجعل للثاني مسألة وتقسمها على ورثته، وتصححها إن لم تصح من أصلها، ثم تنظر بعد ذلك بينها وبين سهامه فلا يخلو: إما أن تنقسم سهامه(20/151)
على مسألته أو توافق أو تباين، فإن انقسمت صحت الثانية مما صحت منه الأولى، وإن وافقت ضربت، وفق الثانية في الأولى فما بلغ فمنه تصح، وهي الجامعة، فمن له شيء من الأولى أخذه مضروبا في وفق الثانية، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروبا في وفق سهام مورثه؛ وإن باينت ضربت الثانية في الأولى فما بلغ فمنه تصح، وهي الجامعة، فمن له شيء من الأولى أخذه مضروبا في الثانية، ومن له شيء من الثانية أخذه مضروبا في سهام مورثه.
فمثال الانقسام: أن يموت شخص عن زوجة وبنت وأخ شقيق ثم تموت البنت عن زوج وابن، فالأولى من ثمانية للزوجة الثمن واحد وللبنت النصف أربعة والباقي للأخ، والثانية من أربعة للزوج الربع واحد والباقي ثلاثة للابن وسهام البنت أربعة منقسمة على مسألتها.
ومثال الموافقة: أن تموت امرأة عن زوج وبنت وأخ، ثم تموت البنت عن زوج وابن، فالأولى من أربعة للزوج الربع واحد وللبنت النصف اثنان والباقي واحد للأخ. والثانية من أربعة أيضا؛ للزوج الربع واحد والباقي للابن فتنظر بين الثانية وبين سهام الميت فتجد بينهما موافقة بالنصف، فتأخذ وفق الثانية اثنين فتضربه في الأولى أربعة فتبلغ ثمانية للزوج من الأولى واحد يضرب في وفق الثانية اثنين باثنين، وللأخ(20/152)
كذلك، وللزوج في الثانية واحد يضرب في وفق سهام المورثة واحد بواحد، وللابن ثلاثة تضرب في وفق سهام المورثة واحد بثلاثة.
ومثال المباينة: أن يموت شخص عن أم وأخت لأب وعم، ثم تموت الأخت لأب عن زوج وابن، فالأولى من ستة للأم الثلث اثنان وللأخت النصف ثلاثة والباقي واحد للعم،. والثانية من أربعة للزوج الربع واحد والباقي ثلاثة للابن، فتنظر بين الثانية وبين سهام الميتة وهي ثلاثة فتجد بينهما مباينة، فتضرب الثانية أربعه في الأولى ستة فتبلغ أربعة وعشرين للأم في الأولى اثنان يضربان في الثانية أربعة بثمانية، وللعم في الأولى واحد مضروب في الثانية أربعة بأربعة، وللزوج في الثانية واحد يضرب في سهام المورثة ثلاثة بثلاثة، وللابن ثلاثة في سهام المورثة ثلاثة بتسعة. وهكذا تعمل لو مات ثالث فأكثر، وكل جامعة بالنسبة إلى ما بعدها تسمى أولى وما بعدها يقال لها: الثانية.(20/153)
85 - باب قسمة التركات
التركة هي تراث الميت، وقسمة التركات هي الثمرة المقصودة بالذات من علم الفرائض، وما تقدم من التأصيل والتصحيح وسيلة إليها، والتركة لا تخلو: إما أن تكون مما(20/153)
تمكن قسمته أو لا، فإن كانت مما تمكن قسمته كالدراهم والدنانير والمكيلات والموزونات ونحوها قسمتها بواحد من أوجه خمسة، وهي مبنية على أعداد أربعة متناسبة نسبة هندسية منفصلة، نسبة أولها إلى ثانيها كنسبة ثالثها إلى رابعها، وهي أصل كبير في استخراج المجهولات، وذلك أن نسبة نصيب كل وارث من المسألة إلى مصح المسألة كنسبة نصيبه من التركة إلى التركة فهذه أربعة أعداد: الأول نصيب كل وارث من المسألة، الثاني مصح المسألة، الثالث نصيبه من التركة وهو المجهول، والرابع التركة.
فالوجه الأول: من الأوجه الخمسة: أن تنسب نصيب كل وارث من المسألة إلى المسألة فتعطيه من التركة بمثل تلك النسبة، وهذا الوجه هو أنفع الأوجه وأعمها لصلاحيته فيما تمكن قسمته وفيما لا تمكن. ففي زوج وأم وأخت شقيقة أو لأب أصل مسألتهم من ستة وتعول إلى ثمانية، للزوج النصف ثلاثة، وللأخت كذلك، وللأم الثلث اثنان، والتركة عشرون درهما، فتنسب نصيب الزوج وهو ثلاثة إلى المسألة، فتجده ربعها وثمنها فتعطيه من التركة ربعها وثمنها وهما سبعة ونصف، وتفعل بنصيب الأخت كذلك، وتنسب نصيب الأم وهو اثنان إلى المسألة فتجده ربعها فتعطيها من التركة ربعها وهو خمسة.(20/154)
الوجه الثاني: أن تضرب العدد الأول وهو نصيب كل وارث من مصح المسألة في العدد الرابع وهو التركة فما بلغ قسمته على العدد الثاني وهو مصح المسألة فما خرج فهو نصيبه من التركة وهو العدد الثالث المجهول، ففي المثال السابق تضرب نصيب الزوج ثلاثة في التركة عشرين فيحصل ستون فتقسمها على المسألة فيخرج سبعة ونصف وهي نصيبه من التركة، وتفعل بنصيب الأخت كذلك فيحصل لها ما ذكر، وتضرب نصيب الأم اثنين في التركة عشرين فيحصل أربعون فتقسمها على المسألة، فيخرج خمسة وهي نصيبها من التركة.
الوجه الثالث: أن تقسم العدد الرابع وهو التركة على العدد الثاني وهو مصح المسألة، فما خرج كان كجزء السهم فتضرب فيه العدد الأول وهو نصيب كل وارث، فما بلغ فهو نصيبه من التركة وهو العدد الثالث المجهول، ففي المثال السابق تقسم التركة عشرين على المسألة ثمانية، فيخرج اثنان ونصف فتضرب فيها نصيب الزوج ثلاثة فيحصل ما تقدم، وتعمل في نصيب الأخت ونصيب الأم كذلك.
الوجه الرابع: أن تقسم العدد الثاني وهو مصح المسألة على العدد الرابع، وهو التركة فما خرج فلا يخلو: إما أن يكون صحيحا فقط أو صحيحا وكسرا أو كسرا فقط، فإن كان صحيحا فقط قسمت نصيب كل وارث عليه فما خرج فهو(20/155)
الثالث المجهول وهو نصيبه من التركة، وإن كان صحيحا وكسرا بسطت الصحيح من جنس الكسر، ثم بسطت نصيب كل وارث مثل ذلك، ثم قسمته عليه فما خرج فهو نصيبه من التركة، وإن كان كسرا فقط بسطت نصيب كل وارث من جنسه، ثم قسمته عليه فما خرج فهو نصيبه من التركة؛ ففي المثال السابق تقسم المسألة وهي ثمانية على التركة عشرين، فيخرج خمسان فتأخذ نصيب الزوج ثلاثة فتبسطها أخماسا ثم تقسمها على الخارج اثنين فيخرج سبعة ونصف، وكذلك تعمل في نصيب الأخت والأم.
الوجه الخامس: أن تقسم العدد الثاني، وهو مصح المسألة على العدد الأول وهو نصيب كل وارث من المسألة، فما خرج فلا يخلو: إما أن يكون صحيحا فقط أو صحيحا وكسرا، فإن كان صحيحا فقط فاقسم عليه العدد الرابع وهو التركة، فما خرج فهو نصيب الوارث الذي قسمت مصح المسألة على سهامه من التركة وهو العدد الثالث المجهول، وإن كان صحيحا وكسرا بسطت الصحيح من جنس الكسر، ثم بسطت العدد الرابع وهو التركة من جنسه ثم قسمته على الكسر مع بسط الصحيح، فما خرج فهو العدد الثالث المجهول، ففي المثال السابق تقسم المسألة وهي ثمانية على نصيب الأم اثنين فيخرج أربعة فتقسم عليها التركة وهي عشرون فيخرج خمسة(20/156)
وهو نصيبه من التركة، وكذلك تقسم المسألة على نصيب الزوج ثلاثة فيخرج اثنان وثلثا واحد، فتبسط الاثنين من جنس الكسر، فيكون الجميع ثمانية ثم تبسط التركة أثلاثا فتكون ستين فتقسمها على الثمانية فيخرج سبعة ونصف، وهكذا تعمل في نصيب الأخت.
وأما إن كانت التركة مما لا تمكن قسمته كالعقار والحيوان ونحوهما فلك في ذلك طريقان:
أحدهما: طريق النسبة وهو أن تنسب نصيب كل وارث من المسألة إلى المسألة ثم تعطيه من التركة بمثل تلك النسبة، وهذا هو الوجه الأول من الأوجه الخمسة المتقدمة.
والثاني: طريق القيراط وهو ثلث الثمن ومخرجه من أربعة وعشرين، فإذا أردت أن تعرف قيراط المسألة فاقسمها على مخرج القيراط فما خرج فهو قيراطها، وإذا أردت معرفة ما بيد كل وارث من القراريط فاقسم نصيبه من المسألة على القيراط إن كان صامتا كالثلاثة والخمسة ونحوهما، وهو ما لا يتركب من ضرب عدد في عدد ويسمى أيضا الأصم، فما خرج فهو له قراريط، وإن كان ناطقا وهو ما تركب من ضرب عدد في عدد كالأربعة والستة ونحوهما حللته إلى أضلاعه وهي أجزاؤه التي يتركب منها، ثم قسمت نصيب كل وارث على تلك الأضلاع مبتدئا بالأصغر، ثم ما يليه فما خرج على آخرها وهو(20/157)
الأكبر فهو له قراريط أو أجزاء من القيراط.
فمثال ما كان فيه القيراط صامتا: زوجة وبنتان وثلاثة أعمام أصل المسألة من أربعة وعشرين وتصح من اثنين وسبعين وقيراطها ثلاثة: للزوجة تسعة تقسم على القيراط فيخرج لها ثلاثة قراريط، وللبنتين ثمانية وأربعون تقسم على ثلاثة فيخرج لهما ستة عشر قيراطا لكل واحدة ثمانية قراريط، ولكل واحد من الأعمام خمسة تقسم على ثلاثة فيخرج له قيراط وثلثا قيراط.
ومثال ما كان فيه القيراط ناطقا: أربع زوجات وبنتان وثلاثة أعمام أصلها من أربعة وعشرين، وتصح من مائتين وثمانية وثمانين، قيراطها اثنا عشر وأضلاعه ثلاثة وأربعة، فلكل واحدة من الزوجات تسعة تقسم على الضلع الأصغر فيخرج ثلاثة، ثم تقسم الثلاثة على الأكبر فيخرج ثلاثة أرباع قيراط، ولكل واحدة من البنتين ستة وتسعون تقسم على الأصغر فيخرج اثنان وثلاثون، ثم تقسم على الأكبر فيخرج ثمانية قراريط، ولكل واحد من الأعمام عشرون تقسم على الأصغر فيخرج ستة ويبقى اثنان فيثبتان تحته، ثم تقسم الستة على الأكبر فيخرج واحد ويبقى اثنان فيثبتان تحته وينسبان إليه فيكونان نصفه فيكون الخارج قيراطا ونصفا، ثم تنسب الاثنين اللذين تحت الأصغر إليه فتجدهما ثلثيه ثم تنسبه أي الأصغر إلى(20/158)
الأكبر فتجده ربعه؛ لأن نسبة كل واحد من الأضلاع إلى ما فوقه كواحد منه، فيصير الذي تحت الأصغر ثلثي ربع قيراط وهما سدس قيراط، فيكون جميع ما حصل لكل واحد من الأعمام قيراطا وثلثي قيراط، وإن كان القيراط كسرا فقط فابسط نصيب كل وارث من جنسه، ثم اقسمه عليه فما خرج فهو له قراريط، مثاله: زوج وبنتان وعم، أصل مسألتهم من اثني عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنتين الثلثان ثمانية والباقي واحد للعم، وقيراطها نصف سهم فتبسط نصيب الزوج من جنسه، فيكون ستة ثم تقسمها عليه فيخرج له ستة قراريط؛ لأن المقسوم على الواحد يخرج كله.
وهكذا تعمل في نصيب البنتين والعم. وأما إن كان صحيحا وكسرا فابسط الصحيح من جنس الكسر، ثم ابسط نصيب كل وارث من جنس ذلك الكسر، ثم اقسمه على جميع القيراط فما خرج فهو له قراريط. مثاله زوجة: وأختان وثلاثة أعمام أصلها من اثني عشر للزوجة الربع ثلاثة وللأختين الثلثان ثمانية والباقي واحد للأعمام لا ينقسم عليهم بل ينكسر ويباين فتضرب رءوسهم ثلاثة، وهي جزء السهم في أصل المسألة اثني عشر فيحصل ستة وثلاثون للزوجة تسعة، وللأختين أربعة وعشرون، وللأعمام ثلاثة لكل واحد واحد، وقيراط مصح المسألة واحد ونصف فابسط الواحد من جنس النصف فيكون(20/159)
الجميع ثلاثة، ثم ابسط نصيب الزوجة تسعة من جنس الكسر فيكون الجميع ثمانية عشر، ثم اقسمه على القيراط ثلاثة فيخرج لها ستة قراريط، وهكذا تعمل في نصيب الأختين والأعمام. وإن أردت معرفة ما بيد كل وارث من القراريط بوجه من الأوجه الخمسة المتقدمة فلك ذلك فتجعل مخرج القيراط في محل التركة التي هي العدد الرابع وتعمل كما سبق.(20/160)
86 - باب ميراث الخنثى
المشكل، والحمل، والمفقود
الخنثى المشكل هو من له آلة ذكر وآلة أنثى أو ثقب لا يشبه واحدا منهما، وهو لا يوجد إلا في الأولاد وأولاد البنين، وفي الإخوة وبنيهم، وفي العمومة وبنيهم وأصحاب الولاء. والخنثى لا يخلو من حالين: إما أن يرجى انكشاف حاله أو لا، فإن كان يرجى بأن كان صغيرا عومل هو ومن معه من الورثة بالأضر إن طلبوا القسمة، ووقف الباقي إلى أن يتضح أمره. والأمور التي تتبين بها حاله كثيرة: منها بوله من إحدى آلتيه، فإن بال منهما فبأسبقهما، فإن استويا فبأكثرهما. ومنها حيضه وتفلك ثدييه ونبات لحيته. وإن لم يرج انكشاف حاله بأن مات وهو صغير، أو بلغ ولم يتضح أمره أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى إن ورث بهما متفاضلا، وإن ورث(20/160)
بهما على السواء أعطي نصيبه كاملا، وإن ورث بالذكورية فقط أعطي نصف ميراث ذكر، وإن ورث بالأنوثية فقط أعطي نصف ميراث أنثى.
ففي الحالة الأولى: وهي أن يرجى انكشاف حاله، ويطلبوا القسمة تجعل له مسألتين إن كان الخنثى واحدا، وتنظر بينهما بالنسب الأربع ثم تعطي كل واحد اليقين، وتقف الباقي حتى يتضح أمره، مثال ذلك: أن يموت شخص عن ابن وبنت وولد خنثى صغير، فمسألة الذكورية من خمسة للابن اثنان وللبنت واحد وللخنثى اثنان، ومسألة الأنوثية من أربعة، للابن اثنان وللبنت واحد وللخنثى واحد، وبينهما مباينة فتضرب إحداهما في الأخرى فيحصل عشرون، فالأضر في حق الابن الواضح والبنت أن يكون الخنثى ذكرا فتعطيهما من مسألة الذكورية، فللابن منها اثنان مضروبان في مسألة الأنوثية أربعة بثمانية، وللبنت منها واحد مضروب في مسألة الأنوثية أربعة بأربعة، والأضر في حق الخنثى كونه أنثى فتعطيه من مسألة الأنوثية فله منها واحد مضروب في مسألة الذكورية خمسة بخمسة فيبقى ثلاثة توقف حتى يتضح أهره. فإن بان أنه ذكر ردت عليه، وإن بان أنه أنثى رد على الابن منها اثنان وعلى البنت واحد.
وفي الحالة الثانية: وهي أن لا يرجى انكشاف حاله بأن(20/161)
مات صغيرا أو بلغ ولم يتضح أمره تجعل له مسألتين كما تقدم في الحالة الأولى، ثم تنظر بينهما بالنسب الأربع، فما حصل بعد النظر ضربته في حالتي الذكورية والأنوثية فما بلغ فمنه تصح، ثم تأخذ جميع ما بيد كل واحد مما صحت منه المسألتان بعد الضرب في حالة الذكورية والأنوثية، فتقسمه على الحالتين فما خرج فهو نصيبه، فمثال إرثه بالذكورية والأنوثية متفاضلا. ابن وولد خنثى مسألة الذكورية من اثنين لكل واحد واحد، ومسألة الأنوثية من ثلاثة للابن الواضح اثنان وللخنثى واحد، وبين المسألة مباينة فتضرب إحداهما في الأخرى فيحصل ستة، فتضرب في الحالتين فيحصل اثنا عشر للابن الواضح من مسألة الذكورية نصف مال ستة، ومن مسألة الأنوثية ثلثا مال ثمانية ومجموعهما أربعة عشر تقسم على الحالتين فيخرج له سبعة، وللخنثى من مسألة الذكورية نصف مال ستة، ومن مسألة الأنوثية ثلث مال أربعة، ومجموعهما عشرة تقسم على الحالتين فيخرج له خمسة. وأما إن ورث بالذكورية والأنوثية على السواء كولد الأم فأعطه حقه كاملا سواء رجي انكشاف حاله أم لم يرج.
ومثال إرث الخنثى بالذكورية فقط، بنتان وابن أخ لأب خنثى وابن عم لغير أم، مسألة الذكورية من ثلاثة للبنتين الثلثان اثنان وللخنثى واحد، ومسألة الأنوثية من ثلاثة أيضا للبنتين(20/162)
الثلثان اثنان والباقي واحد لابن العم، وبين المسألتين مماثلة فيكتفي بإحداهما، وتضرب في الحالتين فيحصل ستة للبنتين من مسألة الذكورية ثلثا مال أربعة، ومن مسألة الأنوثية كذلك، ومجموعهما ثمانية يقسم على الحالتين فيخرج لهما أربعة، وللخنثى من مسألة الذكورية ثلث مال اثنان يقسمان على الحالتين فيخرج له واحد، ولابن العم من مسألة الأنوثية ثلث مال اثنان يقسمان على الحالتين، فيخرج له واحد، ومثال إرثه بالأنوثية فقط زوج وشقيقة وولد أب خنثى، مسألة الذكورية من اثنين للزوج النصف واحد وللشقيقة النصف واحد، ومسألة الأنوثية من ستة للزوج النصف ثلاثة وللشقيقة النصف ثلاثة، وللخنثى السدس واحد تكملة الثلثين فتعول إلى سبعة، وبين المسألتين مباينة فتضرب إحداهما في الأخرى، فيحصل أربعة عشر تضرب في الحالتين فيحصل ثمانية وعشرون للزوج من مسألة الذكورية نصف مال أربعة عشر، ومن مسألة الأنوثية ثلاثة أسباع مال اثنا عشر ومجموعهما ستة وعشرون يقسم على الحالتين، فيخرج له ثلاثة عشر وللأخت الشقيقة كذلك، وللخنثى من مسألة الأنوثية سبع مال أربعة تقسم على الحالتين فيخرج له اثنان، وإن كان في المسألة خنثيان فأكثر جعلت لهم من المسائل بعدد أحوالهم، فللاثنين أربع مسائل؛ لأن أحوالهما أربع، وللثلاثة ثمان مسائل؛ لأن أحوالهم ثمان، وهكذا كلما(20/163)
زادوا واحدا زادت أحوالهم بعدد ما كانت قبل، فللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنان وثلاثون وهكذا.
وطريق العمل أن تنظر بين مسائلهم بالنسب الأربع كما تقدم فيما إذا كان الخنثى واحدا، فما حصل بعد النظر فمنه تصح مسائلهم، ثم إن كان يرجى انكشاف حالهم عاملتهم ومن معهم من الورثة بالأضر، ووقف الباقي إلى أن يتضح أمرهم، وإن كان لا يرجى انكشاف حالهم ضربت ما صحت منه المسائل في عدد أحوالهم فما حصل فهو الجامعة للمسائل كلها، ثم تأخذ نصيب كل واحد من المسائل من جملة الجامعة، فتقسمه على أحوالهم، فما خرج فهو نصيبه كما تقدم فيما إذا كان الخنثى واحدا، وإن شئت قسمت الجامعة على كل مسألة من مسائل الخناثى، فما خرج فهو جزء سهمها، فاضرب فيه نصيب كل وارث منها، فما حصل فهو نصيبه منها، ثم اجمع حصص كل وارث فاقسمها على عدد الأحوال فما خرج فهو نصيبه؛ مثال ذلك: ابن وولدان خنثيان أحدهما أكبر من الآخر، مسألة الذكورية من ثلاثة، ومسألة الأنوثية من أربعة، ومسألة كون الأكبر ذكرا والأصغر أنثى من خمسة، ومسألة العكس كذلك، وبين المسألة الأولى والثانية مباينة فتضرب إحداهما في الأخرى فيحصل اثنا عشر، وبين المسألة الثالثة والرابعة مماثلة فتكتفي بإحداهما وهي خمسة، ثم تنظر بينها وبين الاثني عشر(20/164)
فتجد بينهما مباينة فتضرب إحداهما في الأخرى فيحصل ستون ومنها تصح المسائل الأربع، فإن كان يرجى انكشاف حالهما أعطيت الابن الواضح من مسألة الذكورية؛ لأنه الأضر في حقه وأعطيت كل واحد من الخنثيين من مسألة كونه أنثى والآخر ذكرا؛ لأنه الأضر في حق كل واحد منهما، ووقفت الباقي إلى أن يتضح الأمر، وإن كان لا يرجى انكشاف حالهما ضربت ما صحت منه المسائل وهو ستون في عدد أحوال الخنثيين الأربع فيحصل مائتان وأربعون.
فعلى الطريقة الأولى المتقدمة فيما إذا كان الخنثى واحدا تقول للابن الواضح من مسألة الذكورية ثلث مال ثمانون، ومن مسألة الأنوثية نصف مال مائة وعشرون، ومن مسألة كون الأكبر ذكرا والأصغر أنثى خمسا مال ستة وتسعون، ومن مسألة العكس كذلك، والجميع ثلاثمائة واثنان وتسعون تقسم على الأحوال الأربع، فيخرج ثمانية وتسعون، وهكذا تعمل لكل واحد من الخنثيين.
وعلى الطريقة الثانية تقسم الجامعة وهي مائتان وأربعون على مسألة الذكورية، فيخرج جزء سهمها ثمانون فتضرب فيه نصيب الابن واحدا، فيحصل له ثمانون، وكذلك تضرب فيه نصيب كل واحد من الخنثيين فيحصل لكل واحد منهما ثمانون، ثم تقسم الجامعة أيضا على مسألة الأنوثية فيخرج جزء سهمها ستون، فتضرب فيه نصيب الابن اثنين فيحصل له(20/165)
مائة وعشرون، وتضرب فيه نصيب كل واحد من الخنثيين وهو واحد فيحصل له ستون، ثم تقسم الجامعة على مسألة كون الأكبر ذكرا والأصغر أنثى، فيخرج جزء سهمها ثمانية وأربعون، فتضرب فيه نصيب الابن اثنين فيحصل له ستة وتسعون، وتضرب فيه نصيب الأكبر اثنين فيحصل له كذلك، وتضرب فيه نصيب الأصغر واحدا فيحصل له ثمانية وأربعون، ثم تقسم الجامعة أيضا على مسألة كون الأصغر ذكرا والأكبر أنثى، فيخرج جزء سهمها ثمانية وأربعون فتضرب فيه نصيب الابن اثنين فيحصل له ستة وتسعون كما في التي قبلها، وتضرب فيه نصيب الأكبر واحدا فيحصل له ثمانية وأربعون، وتضرب فيه نصيب الأصغر اثنين فيحصل له ستة وتسعون، ومجموع حصص الابن الواضح ثلاثمائة واثنان وتسعون، تقسم على الأحوال الأربع فيخرج له ثمانية وتسعون كما تقدم، ومجموع حصص الخنثى الأكبر مائتان وأربعة وثمانون، تقسم على الأحوال فيخرج واحد وسبعون، ومجموع حصص الخنثى الأصغر مائتان وأربعة وثمانون أيضا تقسم على الأحوال فيخرج له واحد وسبعون.(20/166)
87 - فصل في حكم الحمل
وأما الحمل فلا يرث ولا يورث إلا بالشرطين المتقدمين في أول هذه النبذة: وهما تحقق وجوده في الرحم حين موت المورث ولو نطفة، ويعرف ذلك بأن تلده لأقل من ستة أشهر من حين موت المورث، سواء كانت فراشا لزوج أو سيد أو غير فراش، وكذا إن ولدته لأكثر من ستة أشهر، ودون أربع سنين وهي غير فراش؛ فإن كانت فراشا لزوج يطأ أو سيد يطأ فهو غير متحقق الوجود؛ لاحتمال أن يكون من وطء حادث، وإن كان الزوج أو السيد لا يطأ لغيبة أو امتناع أو غيرهما فهو متحقق الوجود كما لو كانت غير فراش، وإن ولدته لأكثر من أربع سنين من حين موت المورث فهو غير متحقق الوجود مطلقا؛ لأن أكثر مدة الحمل على المذهب أربع سنين، وذهب بعض أهل العلم إلى أن مدة الحمل لا حد لأكثرها وهو الأرجح دليلا.
والشرط الثاني: أن ينفصل كله حيا حياة مستقرة، ويعرف ذلك بأن يستهل صارخا أو يعطس أو يرضع أو نحو ذلك، فإذا مات شخص وخلف ورثة فيهم حمل يرثه، وطلبوا القسمة وقف للحمل الأكثر من ميراث ذكرين أو أنثيين، وأعطي كل واحد(20/167)
اليقين، ومن لا يحجبه يعطى نصيبه كاملا كالجدة، ومن ينقصه الحمل شيئا يعطى اليقين، ومن لا يرث إلا في بعض التقادير لا يعطى شيئا، فإذا ولد الحمل أخذ نصيبه وما بقي فهو لمستحقه، وإن أعوز شيء بأن وقف لاثنين فولد ثلاثة فأكثر رجع على الورثة إن كان ينقصهم. والحمل له ستة تقادير: وذلك لأنه إما أن ينفصل كله حيا حياة مستقرة أو لا، وعلى الأول إما أن يكون ذكرا فقط أو أنثى، فأنثى أو ذكرا وأنثى أو ذكرين أو أنثيين فهذه ستة تقادير. وأما كون الحمل أكثر من اثنين فنادر لا يحتاج إلى تقدير.
والقاعدة في حساب مسائل الحمل أن تعمل لكل تقدير مسألة على حدة، ثم تنظر بين المسائل بالنسب الأربع، فما حصل بعد النظر والعمل فهو الجامع للمسائل كلها فاقسمه على كل مسألة فما خرج فهو جزء سهمها، ثم اضرب نصيب كل وارث من كل مسألة في جزء سهمها، فما بلغ فهو نصيبه منها، ثم اعرف نصيب كل وارث من كل مسألة، فمن لا يختلف نصيبه يعطاه كاملا، ومن اختلف نصيبه أعطي الأقل لأنه اليقين، ومن لا يرث إلا في بعض التقادير لا يعطى شيئا، ومن علم ما سبق في التصحيح والتأصيل لم يخف عليه طريق تصحيح مسائل الحمل.
ولنمثل ذلك بمثال تتضح به هذه القاعدة؛ وهو أن يموت(20/168)
شخص عن أم حامل من أبيه وأخوين لأم، فمسألة تقدير انفصال الحمل ميتا من ستة، وترجع بالرد إلى ثلاثة للأم واحد وللأخوين لأم اثنان، ومسألة تقدير انفصاله حيا حياة مستقرة إن كان ذكرا فقط من ستة للأم السدس واحد وللأخوين لأم الثلث اثنان والباقي ثلاثة للحمل، وإن كان أنثى فقط فمسألته أيضا من ستة: للأم السدس واحد، وللأخوين لأم الثلث اثنان، وللحمل النصف ثلاثة، وإن كان ذكرا وأنثى فمسألته كذلك، للأم السدس واحد وللأخوين لأم الثلث اثنان والباقي ثلاثة للحمل، وإن كان ذكرين فكذلك أيضا، وتصح من اثني عشر للأم اثنان وللأخوين لأم أربعة وللحمل ستة. وإن كان أنثيين فكذلك أيضا، وتعول إلى سبعة للأم السدس واحد وللأخوين لأم الثلث اثنان وللحمل الثلثان أربعة، وبين المسألة الأولى والثانية مداخلة فتكتفي بالكبرى وهي ستة، ثم تنظر بينها وبين المسألة الثالثة والرابعة فتجد بينهن مماثلة فتكتفي بإحداهن وهي ستة، ثم تنظر بينها وبين المسألة الخامسة فتجد بينهما مداخلة فتكتفي بالكبرى وهي اثنا عشر، ثم تنظر بينها وبين المسألة السادسة وهي سبعة فتجد بينهما مباينة فتضرب إحداهما في الأخرى، فتبلغ أربعة وثمانين وهي الجامعة للمسائل كلها، فإذا أردت أن تعطي الأم والأخوين لأم فاقسم الجامعة على مسألة تقدير انفصال الحمل أنثيين؛ لأنه الأضر في حقهم(20/169)
فيخرج اثنا عشر وهي جزء سهمها فاضرب فيه نصيب الأم واحدا، يحصل لها اثنا عشر، واضرب فيه نصيب الأخوين لأم اثنين يحصل لهما أربعة وعشرون، ويوقف الباقي وهو ثمانية وأربعون إلى وضع الحمل، فإن ظهر أنه أنثيان فهي لهما، وإن ظهر أنه ذكر أعطيته من الموقوف اثنين وأربعين؛ لأنها هي التي تحصل له إذا قسمت الجامعة على مسألته، ثم ضربت نصيبه منها في جزء سهمها، والباقي من الموقوف ستة ترد على الأم والأخوين لأم، للأم اثنان تتمة فرضها وللأخوين لأم أربعة تتمة فرضهما، وكذا إن ظهر أنه أنثى فقط، وإن ظهر أنه ذكر وأنثى فكذلك أيضا، وتكون الاثنان والأربعون بينهما أثلاثا؛ للذكر ثمانية وعشرون وللأنثى أربعة عشر، وإن ظهر أنه ذكران فكذلك أيضا، وتكون الاثنان والأربعون بينهما نصفين لكل واحد منهما واحد وعشرون، وإن انفصل الحمل ميتا رددت الموقوف كله على الأم والأخوين لأم، للأم منه ستة عشر تضاف إلى ما في يدها وهو اثنا عشر، فيكون الجميع ثمانية وعشرين وللأخوين لأم اثنان وثلاثون تضاف إلى ما في أيديهما وهو أربعة وعشرون، فيكون الجميع ستة وخمسين لكل واحد منهما ثمانية وعشرون، وعلى هذا المثال فقس تصب إن شاء الله تعالى.(20/170)
88 - فصل في أحكام المفقود
وأما المفقود وهو من خفي خبره فلم يدر أحي هو أم ميت؛ لأسر أو سفر أو نحوهما، فله حالتان: حالة يكون الغالب عليه السلامة؛ كمن سافر لتجارة أو سياحة أو طلب علم أو نحو ذلك، فيضرب له تسعون سنة منذ ولد، وحالة يكون الغالب عليه الهلاك كمن غرق في مركب فسلم بعض وتلف بعض أو فقد من بين أهله، أو من بين الصفين أو نحو ذلك، فيضرب له أربع سنين منذ فقد، ثم بعد مضي المدتين يقسم ماله بين ورثته الأحياء حين الحكم بموته دون من مات منهم قبل ذلك، وإن مات مورثه في مدة التربص عومل ورثته بالأضر ووقف الباقي إلى أن يتبين أمر المفقود أو تمضي مدة التربص،(20/171)
فإن ظهر أنه حي دفع إليه نصيبه ورد الباقي إن كان على مستحقه، وكذا إن مضت المدة ولم يعلم خبره، وإن بان موته قبل مورثه رد الموقوف على مستحقه.
فإذا مات شخص وخلف ورثة أحدهم مفقود فطريق العمل أن تجعل له مسألتين مسألة حياة ومسألة موت، ثم تنظر بينهما بالنسب الأربع فما حصل بعد النظر والعمل فهو الجامع للمسألتين، فمن ورث فيهما على السواء أعطي نصيبه كاملا، ومن اختلف إرثه أعطي الأقل؛ لأنه اليقين، ومن سقط في إحداهما لم يعط شيئا، ففي زوج وشقيقة وأخت لأب مفقودة، مسألة الموت من اثنين للزوج النصف واحد وللشقيقة النصف واحد، ومسألة الحياة من ستة وتعول إلى سبعة، للزوج النصف ثلاثة، وللشقيقة النصف ثلاثة، وللأخت لأب السدس واحد تكملة الثلثين.
وبين المسألتين مباينة فنضرب إحداهما في الأخرى فيحصل أربعة عشر وهي الجامعة؛ للزوج من مسألة الحياة ثلاثة تضرب في مسألة الموت اثنين فيحصل له ستة، وللشقيقة مثله؛ لأنه الأضر في حقهما ويوقف اثنان للمفقودة؛ فإن بان أنها حية دفعا إليها، وإن بان موتها قبل موت مورثها ردا على الزوج والأخت نصفين، وإن بان موتها بعد موت مورثها، أو مضت مدة التربص ولم يعلم خبرها قسما على ورثتها كسائر مالها.
وفي زوج وأختين لأب وأخ لأب مفقود(20/172)
مسألة الموت من ستة وتعول إلى سبعة للزوج ثلاثة وللأختين أربعة، ومسألة الحياة من اثنين وتصح من ثمانية للزوج أربعة وللأخ اثنان ولكل أخت واحد، والمسألتان متباينتان تضرب إحداهما في الأخرى فتبلغ ستة وخمسين وهي الجامعة للزوج من مسألة الموت ثلاثة؛ لأنه الأضر في حقه، تضرب في مسألة الحياة ثمانية فيحصل له أربعة وعشرون، ولكل واحدة من الأختين من مسألة الحياة واحدة؛ لأنه الأضر في حقهما، يضرب في مسألة الموت سبعة بسبعة ويوقف ثمانية عشر، فإن تبينت حياته أخذ نصيبه منها وهو أربعة عشر، ورد الباقي وهو أربعة على الزوج؛ لأنها كمال فرضه، وكذا لو مضت مدة التربص ولم يعلم خبره، وترجع الجامعة بالاختصار إلى سبعها ثمانية لتوافى الأنصباء بالأسباع، وإن تبين موته قبل موت مورثه رد الجميع على الأختين؛ لأنه كمال فرضهما، وللزوج والأختين أن يصطلحوا على الأربعة الزائدة على نصيب المفقود فيقتسموها؛ لأنها لا تخرج عنهم.(20/173)
89 - باب ميراث الغرقى ونحوهم
إذا مات متوارثان فأكثر بهدم أو غرق أو حرق أو طاعون أو نحو ذلك فلهما خمس حالات:
إحداهن: أن يتأخر موت أحد المتوارثين ولو بلحظة(20/173)
فيرث المتأخر إجماعا.
الثانية: أن يتحقق موتهما معا فلا إرث إجماعا.
الثالثة: أن تجهل الحال فلا يعلم أماتا معا أم سبق أحدهما الآخر.
الرابعة: أن يعلم سبق أحدهما الآخر لا بعينه.
الخامسة: أن يعلم السابق ثم ينسى، ففي الثلاث الأخيرة إذا لم يدع ورثة كل ميت تأخر موت مورثهم يرث كل واحد من تلاد مال الآخر دون ما ورثه منه دفعا للدور، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم، وبه قال شريح وابن أبي ليلى وإبراهيم النخعي رحمهم الله تعالى، وذهب زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه إلى عدم التوريث، وهو مذهب الأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى (1) .
إذا عرفت ذلك فطريق العمل على مذهب أحمد -رحمه الله- أن تقدر أن أحد الميتين أو الأموات مات أولا، ثم تقسم
__________
(1) واختاره جمع من الحنابلة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وجده المجد، وهو أرجح دليلا، والله أعلم.(20/174)
جميع ماله الأصلي - ويسمى التلاد - على من يرثه من الأحياء ومن مات معه، فما حصل لكل واحد ممن مات معه - ويسمى الطريف - فاقسمه على الأحياء من ورثته بعد أن تجعل لهم مسألة وتقسمها عليهم، فإن انقسم عليهم صحت مسألتهم مما صحت منه الأولى، وإن لم ينقسم نظرت بينه وبين مسألتهم كنظرك بين الفريق وسهامه، فإن باينها أثبت جميعها، وإن وافقها أثبت وفقها، ثم بعد هذا تقسم طريف الميت الثالث إن كان على الأحياء من ورثته بعد أن تجعل لهم مسألة وتقسمها عليهم، فإن انقسم عليهم صحت مسألتهم مما صحت منه الأولى، وإن لم ينقسم نظرت بينه وبين مسألتهم كنظرك بين الفريق وسهامه، فإن باينها أثبت جميعها، وإن وافقها أثبت وفقها، ثم إن كان هناك ميت رابع قسمت طريفه على الأحياء من ورثته وعملت كما سبق وهكذا إلى أن تنتهي الأموات، ثم تنظر بعد ذلك بين المثبتات من المسائل أو وفقها بالنسب الأربع فما حصل بعد النظر والعمل فهو كجزء السهم يضرب في مسألة الميت الأول فما حصل فمنه تصح مسألة الميت الأول ومسائل الأحياء من ورثة من مات معه، ومن له شيء من الأولى أخذه مضروبا في جزء السهم، ومن له شيء من المسائل الأخيرة أخذه مضروبا في سهام مورثه أو وفقها، ثم(20/175)
بعد هذا تنتقل إلى الميت الثاني فتقدر أنه مات أولا وتعمل في تلاد ماله وطريف من مات معه مثل عملك في الميت الأول، وهكذا تعمل إن وجد ثالث فأكثر، فلو ماتت امرأة وابنها وجهل الحال، أو علم السبق ولم يعلم عين السابق منهما أو علم ثم نسي، وخلفت المرأة أبوين وخلف الابن بنتا، فمسألة المرأة من ستة لكل من أبويها السدس واحد والباقي أربعة للابن، ومسألة ورثة الابن الأحياء من ستة، للجدة أم الأم السدس واحد وللبنت النصف ثلاثة والباقي اثنان للعاصب، وبين المسألة وسهام الابن توافق بالنصف فتأخذ وفق المسألة ثلاثة وهو جزء السهم فتضربه في مسألة المرأة ستة فتبلغ ثمانية عشر، لكل واحد من أبوي المرأة واحد من مسألتها يضرب في جزء السهم ثلاثة فيحصل له ثلاثة وللجدة التي هي أم في الأولى من مسألة ورثة الابن واحد يضرب في وفق السهام اثنين باثنين فيكون جميع ما لها من المسألتين خمسة، ولبنت الابن من مسألة ورثة الابن ثلاثة تضرب في وفق السهام اثنين بستة(20/176)
وللعاصب منها اثنان يضربان في وفق السهام اثنين بأربعة، ومسألة تلاد الابن من ستة لأمه السدس واحد ولبنته النصف ثلاثة والباقي اثنان للعاصب، ومسألة ورثة الأم الأحياء من ستة لكل واحد من أبويها السدس واحد ولبنت ابنها النصف ثلاثة والباقي واحد لأبيها تعصيب، وبين مسألة ورثة الأم وسهامها تباين فتضرب المسألة ستة وهي جزء السهم في مسألة الابن ستة فتبلغ ستة وثلاثين لبنت الابن من مسألته ثلاثة تضرب في جزء السهم ستة فيحصل لها ثمانية عشر، ولعاصب الابن من مسألته اثنان يضربان في جزء السهم ستة فيحصل له اثنا عشر، ولبنت الابن من مسألة ورثة الأم ثلاثة تضرب في سهام الأم واحدة بثلاثة فيكون جميع ما لها من المسألتين واحدا وعشرين، ولأبي الأم من مسألة ورثتها اثنان يضربان في سهمها واحد باثنين ولأمها واحد يضرب في سهمها واحد بواحد. ولو مات أخوان أحدهما عتيق لعمرو والآخر عتيق لزيد فمال عتيق عمرو لزيد ومال عتيق زيد لعمرو، والله تعالى أعلم.(20/177)
90 - باب الرد وبيان من يستحقه
الرد نقص في سهام المسألة زيادة في أنصباء الورثة ضد العول، وشرطه عدم جميع العصبة ويرد على جميع أهل الفروض إلا الزوجين، وأصول مسائل أهل الرد المختلف(20/177)
إرثهم أربعة كلها مقتطعة من أصل ستة، وهي أصل اثنين وأصل ثلاثة وأصل أربعة وأصل خمسة.
إذا عرفت هذا فاعلم أنه إن كان من يرد عليه شخصا واحدا كأم أو بنت أو نحوهما أخذ جميع المال فرضا وردا، وإن كانوا عددا قد استوى إرثهم كإخوة لأم أو بنات أو بنات ابن ونحو ذلك فمسألتهم من عدد رءوسهم فرضا وردا، وإن اختلف إرثهم فاجمع أنصباءهم من أصل ستة فما اجتمع فهو أصل مسألة الرد فاقسمه عليهم ثم انظر بين كل فريق وسهامه فلا يخلو من أن تنقسم أو توافق أو تباين، فإن انقسم على كل فريق سهامه فالأمر واضح، وإن لم تنقسم أو انقسمت على بعض دون بعض فاعمل كما سبق في باب الحساب، مثال ذلك لو هلك هالك عن أم وأختين من أم، أصل مسألتهم من ستة وترجع بعد الرد إلى ثلاثة للأم واحد فرضا وردا وللأختين لأم اثنان فرضا وردا ونصيب الأختين منقسم عليهما.
ولو هلك هالك عن بنت وخمس بنات ابن فأصل المسألة من ستة وترجع بعد الرد إلى أربعة للبنت ثلاثة فرضا وردا ولبنات الابن واحد فرضا وردا، وهو لا ينقسم عليهن بل ينكسر ويباين فتضرب رءوسهن خمسة وهي جزء السهم في أصل مسألة الرد أربعة فتبلغ عشرين للبنت من أصلها ثلاثة تضرب في جزء السهم خمسة فيحصل لها خمسة عشر، ولبنات(20/178)
الابن منها واحد يضرب في جزء السهم خمسة فيحصل لهن خمسة لكل واحدة منهن واحد، ولو هلك هالك عن جدتين وخمس أخوات لغير أم فأصل المسألة من ستة وترجع بعد الرد إلى خمسة للجدتين واحد فرضا وردا لا ينقسم عليهما بل ينكسر ويباين، وللأخوات أربعة فرضا وردا لا تنقسم عليهن بل تنكسر وتباين فتضرب رءوسهن خمسة في رءوس الجدتين فيحصل عشرة وهي جزء السهم فيضرب في أصل مسألة الرد خمسة فيحصل خمسون للجدتين من أصلها واحد يضرب في جزء السهم عشرة فيحصل لهما عشرة لكل واحدة خمسة، وللأخوات من أصلها أربعة تضرب في جزء السهم عشرة فيحصل لهن أربعون لكل واحدة ثمانية، وهذا العمل فيما إذا لم يكن مع أهل الرد أحد الزوجين.
فأما إن كان معهم أحد الزوجين فطريق العمل أن تعطي الموجود من الزوجين فرضه من مخرجه وما بقي فهو لأهل الرد، فإن كان من يرد عليه واحدا أخذه فرضا وردا كزوج أو زوجة مع بنت أو بنت ابن أو أم أو نحو ذلك، وإن كان من يرد عليه عدد قد استوى إرثهم فاقسم الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين عليهم كما لو كانوا عصبة، فإن انقسم عليهم فواضح، وإن لم ينقسم فاضرب رءوسهم إن باينت أو وفقها إن وافقت في أصل مسألة الموجود من الزوجين فما حصل فمنه تصح.(20/179)
مثال ذلك زوج وثلاث بنات، أصل المسألة من أربعة للزوج الربع واحد وللبنات الباقي ثلاثة فرضا وردا، وهي منقسمة عليهن ولو كن خمسا لم تنقسم الثلاثة عليهن بل تنكسر وتباين فتضرب رءوسهن خمسة وهي جزء السهم في أصل المسألة أربعة فتبلغ عشرين، للزوج من أصلها واحد يضرب في جزء السهم خمسة فيحصل له خمسة، وللبنات من أصلها ثلاثة تضرب في جزء السهم خمسة فيحصل لهن خمسة عشر لواحدتهن مثل ما لجماعتهن من أصلها وهو ثلاثة.
ولو مات ميت عن زوجة وأربع عشرة بنتا، فأصل المسألة من ثمانية للزوجة الثمن واحد والباقي للبنات فرضا وردا لا ينقسم عليهن بل ينكسر ويوافق رءوسهن بالسبع فيضرب سبع رءوسهن اثنان وهو جزء السهم في أصل المسألة ثمانية فيحصل ستة عشر للزوجة من أصلها واحد يضرب في جزء السهم اثنين فيحصل لها اثنان وللبنات من أصلها سبعة تضرب في جزء السهم اثنين فيحصل لهن أربعة عشر لواحدتهن مثل ما لوفق جماعتهن من أصلها وهو واحد، وإن اختلف إرث أهل الرد فاجعل لهم مسألة أخرى واقسمها عليهم وأعطها ما تستحقه من التصحيح إن احتاجت إليه، ثم انظر بينها وبين الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين فإن انقسم الباقي على مسألة أهل الرد صحت مسألتهم مما صحت منه مسألة الموجود من الزوجين.(20/180)
مثال ذلك زوجة وأم وأخوان لأم، مسألة الزوجة من أربعة للزوجة الربع واحد والباقي لأهل الرد، ومسألة أهل الرد من ثلاثة، للأم واحد وللأخوين لأم اثنان والباقي بعد فرض الزوجة منقسم على مسألة أهل الرد فصحت مسألتهم مما صحت منه مسألة الزوجة، وإن لم ينقسم الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين على مسألة أهل الرد فلا يخلو إما أن يوافق أو يباين، فإن وافق ضربت وفق مسألة أهل الرد في كامل مسألة الموجود من الزوجين فما بلغ صحت منه المسألتان، وإن باين الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين مسألة أهل الرد ضربت جميع مسألتهم في كامل مسألة الموجود من الزوجين فما بلغ فمنه تصح المسألتان، ثم بعد هذا تضرب نصيب الموجود من الزوجين في مسألة أهل الرد عند المباينة وفي وفقها عند الموافقة فما حصل فهو له، وتضرب نصيب كل واحد من أهل الرد في الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين عند المباينة وفي وفقه عند الموافقة فما حصل فهو له.
فمثال الموافقة زوجة وجدتان وأخوان لأم، مسألة الزوجة من أربعة للزوجة الربع واحد والباقي لأهل الرد، ومسألة أهل الرد أصلها من ستة وترجع بالرد إلى ثلاثة، للجدتين واحد وللأخوين لأم اثنان، ونصيب الجدتين لا ينقسم عليهما بل ينكسر ويباين فتضرب رءوسهما وهي جزء السهم في(20/181)
مسألة أهل الرد ثلاثة فتبلغ ستة، للجدتين واحد في جزء السهم اثنين باثنين لكل واحدة واحد، وللأخوين لأم اثنان يضربان في جزء السهم اثنين فيحصل أربعة لكل واحد اثنان، وبين الباقي من مسألة الزوجة وما صحت منه مسألة أهل الرد توافق بالثلث، فيضرب وفق مسألة أهل الرد وهو اثنان في مسألة الزوجة فيحصل ثمانية، للزوجة واحد مضروب في وفق مسألة أهل الرد اثنين باثنين، ولكل واحدة من الجدتين واحد مضروب في وفق الباقي بعد فرض الزوجة واحد بواحد، ولكل واحد من الأخوين اثنان مضروبان في وفق الباقي بعد فرض الزوجة واحد باثنين.
ومثال المباينة زوج وبنت وبنت ابن، مسألة الزوج من أربعة للزوج الربع واحد والباقي لأهل الرد، ومسألة أهل الرد من أربعة للبنت ثلاثة ولبنت الابن واحد، وبين الباقي بعد فرض الزوج ومسألة أهل الرد مباينة، فتضرب مسألة أهل الرد في كامل مسألة الزوج فتبلغ ستة عشر، للزوج واحد مضروب في مسألة أهل الرد أربعة فيحصل له أربعة، وللبنت ثلاثة مضروبة في الباقي من مسألة الزوج وهو ثلاثة فيحصل لها تسعة ولبنت الابن واحد مضروب في الباقي من مسألة الزوج ثلاثة فيحصل لها ثلاثة، وعلى هذه الأمثلة يقاس ما أشبهها، والله تعالى أعلم.(20/182)
91 - باب ميراث ذوي الأرحام
وهم كل قريب ليس ذا فرض ولا تعصيب، وإرثهم مشروط بعدم أهل الفروض إلا الزوجين وبعدم العصبة، ويرث ذوو الأرحام بالتنزيل الذكر والأنثى سواء، وهم أحد عشر صنفا:
الأول: أولاد البنات وأولاد بنات البنين وإن نزلوا.
الثاني: أولاد الأخوات مطلقا.
الثالث: بنات الإخوة لغير أم وبنات بنيهم.
الرابع: أولاد الإخوة لأم.
الخامس: العم لأم سواء كان عم الميت أو عم أبيه أو عم جده.
السادس: العمات مطلقا سواء كن عمات للميت أو لأبويه أو لأجداده أو جداته.
السابع: بنات الأعمام مطلقا وبنات بنيهم.
الثامن: الأخوال والخالات مطلقا.
التاسع: الأجداد الساقطون من جهة الأم أو الأب كأبي الأم وأبي أم الأب ونحوهما.(20/183)
العاشر: الجدات السواقط من جهة الأم أو الأب كأم أبي الأم وأم أبي الجد على القول بأنهما من ذوي الأرحام ونحوهما.
الحادي عشر: كل من أدلى بأحد هذه الأصناف العشرة؛ كعمة العمة وخالة الخالة وأبي أبي الأم وأخي العم لأم وعمه وعمته ونحو ذلك، فينزل كل واحد من هذه الأصناف بمنزلة من أدلى به من الورثة، فأولاد البنات وإن نزلوا بمنزلة البنات وأولاد بنات البنين وإن نزلوا بمنزلة بنات البنين وأولاد الأخوات بمنزلة الأخوات وبنات الإخوة وبنات بنيهم بمنزلة آبائهن، وأولاد الإخوة لأم ذكورا كانوا أو إناثا بمنزلة الإخوة لأم، والعم لأم والعمات مطلقا بمنزلة الأب، والأخوال والخالات مطلقا بمنزلة الأم، وأخوال الأب وخالاته مطلقا بمنزلة أم الأب، وأخوال الأم وخالاتها مطلقا بمنزلة أم الأم، وأبو الأم وكل من أدلى به منزلة الأم، وأبو أم الأب وكل من أدلى به منزلة أم الأب وهكذا، فيجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به، فإن لم يوجد من ذوي الأرحام إلا شخص واحد أخذ جميع المال.
وإن أدلى جماعة بوارث واستوت منزلتهم منه بلا سبق كأولاده فنصيبه لهم الذكر والأنثى سواء، فلو خلف شخص ثلاثة بني بنت فالمال بينهم أثلاثا، وفي ثلاثة بني أخت وأختهم(20/184)
المال بينهم أرباعا، وإن اختلفت منازلهم ممن أدلوا به جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم على حسب منازلهم منه، ففي ثلاث خالات متفرقات مسألتهم من خمسة للشقيقة ثلاثة وللخالة لأب واحد، وللخالة لأم واحدة؛ لأن التي أدلين بها وهي الأم لو ماتت عنهن ورثنها كما ذكر. وفي ثلاث عمات متفرقات مسألتهن من خمسة كالخالات، للشقيقة ثلاثة وللعمة لأب واحد وللعمة لأم واحد؛ لأن الأب لو مات عنهن ورثنه كذلك، وفي ثلاثة أخوال متفرقين مسألتهم من ستة لذي الأم السدس والباقي للشقيق، والخال لأب يسقط بالشقيق، ولو كان مع الأخوال أو الخالات أبو أم أسقطهم؛ لأنها لو ماتت عنه وعنهم ورثها دونهم.
وإن أدلى جماعة بجماعة قسمت المال بين المدلى بهم فما صار لكل وارث بفرض أو تعصيب أخذه المدلى به، وإن سقط بعضهم ببعض عملت به، ففي ثلاث بنات أخوات متفرقات مسألتهن من خمسة لبنت الأخت الشقيقة ثلاثة ولبنت الأخت لأب واحد ولبنت الأخت لأم واحد، وفي بنت بنت وبنت بنت ابن مسألتهن من أربعة لبنت البنت ثلاثة ولبنت بنت الابن واحد، وفي ثلاث بنات أخ شقيق وبنت أخ لأب وبنت أخ لأم مسألتهن من ستة لبنت الأخ لأم واحد نصيب أبيها والباقي لبنات الأخ الشقيق ولا شيء لبنت الأخ لأب؛ لأن(20/185)
بنات الشقيق بمنزلته وبنت الأخ لأب بمنزلته والشقيق يسقط الأخ لأب، ونصيب بنات الأخ الشقيق لا ينقسم عليهن بل ينكسر ويباين فتضرب رءوسهن ثلاثة وهي جزء السهم في أصل المسألة ستة فتبلغ ثمانية عشر لبنت الأخ لأم من أصلها واحد يضرب في جزء السهم ثلاثة فيحصل لها ثلاثة ولبنات الشقيق من أصلها خمسة تضرب في جزء السهم ثلاثة فيحصل لهن خمسة عشر لكل واحدة خمسة.
ويسقط بعيد من وارث بأقرب منه إلى الوارث إذا اتحدت الجهة، ففي ابن بنت بنت وبنت بنت ابن المال لبنت بنت الابن؛ لأنها أقرب إلى الوارث، وفي ابن بنت أخ وبنت ابن أخ لغير أم المال لبنت ابن الأخ؛ لأنها أقرب إلى الوارث، فإن اختلفت الجهة نزل كل واحد من ذوي الأرحام وإن بعد بمنزلة من أدلى به من الورثة سواء سقط به من هو أقرب منه أم لا، ففي بنت بنت بنت وبنت أخ لأم، المال لبنت بنت البنت؛ لأنها بمنزلة جدتها، وبنت الأخ لأم بمنزلته، والبنت تسقط الأخ لأم، وفي ابن بنت بنت بنت وبنت ابن أخ لغير أم مسألتهم من اثنين لابن بنت بنت البنت واحد نصيب جدة أمه؛ لأنه بمنزلتها ولبنت ابن الأخ واحد نصيب أبيها؛ لأنها بمنزلته.
وجهات ذوي الأرحام ثلاث: إحداها: أبوة، ويدخل فيها فروع الأب من الأجداد الساقطين والجدات السواقط من(20/186)
جهته كأبي أم الأب وأم أبي أم الأب وأم أب الجد على القول بسقوطها عند وجود ذي فرض من الأقارب أو عصبة، وكذا العم لأم والعمات مطلقا وأخوال الأب وخالاته مطلقا وبنات الإخوة وبنات بنيهم وأولاد الأخوات وبنات الأعمام وبنات بنيهم.
الثانية: أمومة، ويدخل فيها فروع الأم من الأجداد الساقطين والجدات السواقط من جهتها كأبيها وأمه وأبي أمها وأمه، وكذا أعمام الأم وعماتها وعمات أبيها وأمها وأعمامهما وأخوال الأم وخالاتها مطلقا وكذا أخوال أبيها وأمها وخالاتهما.
الثالثة: بنوة، ويدخل فيها أولاد البنات وأولاد بنات البنين وإن نزلوا؛ فلو مات شخص عن ابن بنت بنت وبنت أخ لغير أم وخال، فمسألتهم من ستة لابن بنت البنت ثلاثة نصيب جدته، وللخال واحد نصيب أخته وهي الأم، والباقي اثنان لبنت الأخ وهما نصيب أبيها. وفي بنت بنت أخت شقيقة وخالة، مسألتهم من خمسة لبنت بنت الأخت ثلاثة، وللخالة اثنان. وفي بنت أخ وعم لأم أو عمة مطلقا، المال للعم لأم أو العمة؛ لأن كلا منهما بمنزلة الأب وهو يسقط الأخ. وفي ابن بنت بنت بنت وبنت أخ لأم، المال لابن بنت بنت البنت؛ لأنه بمنزلة جدته العليا وهي البنت، وبنت الأخ لأم بمنزلة أبيها(20/187)
والبنت تسقط الأخ لأم.
ومن أدلى من ذوي الأرحام بقرابتين ورث بهما، ففي بنت أخ لأم هو ابن عم وبنت ابن عم، مسألتهما من ستة، لبنت الأخ لأم واحد نصيب أبيها بالإخوة، والباقي خمسة بينها وبين بنت ابن العم لا تنقسم عليهما بل تنكسر وتباين فتضرب رءوسهما اثنان وهما جزء السهم في أصلها ستة باثني عشر لبنت الأخ لأم من أصلها السدس واحد مضروب في جزء السهم اثنين باثنين، ولهما جميعا من أصلها خمسة تضرب في جزء السهم اثنين بعشرة لكل واحدة خمسة. وفي ابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى مع بنت بنت بنت أخرى، المال بينهما أثلاثا لابن بنت البنت اثنان وهما نصيب جدتيه أم أمه وأم أبيه، ولبنت بنت البنت الأخرى واحد نصيب جدتها.
وإذا كان مع ذوي الأرحام أحد الزوجين أعطي فرضه كاملا بلا حجب ولا عول والباقي لذوي الرحم، فإن كان الموجود من ذوي الأرحام واحد أخذه وإن كان الموجود منهم جماعة وانقسم عليهم فكذلك.
مثال ذلك زوجة وثلاثة بني بنت أو أخت، مسألتهم من أربعة، للزوجة الربع واحد، والباقي لذوي الأرحام لكل واحد منهم واحد.(20/188)
وإن لم ينقسم الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين على ذوي الأرحام فاجعل لهم مسألة أخرى واقسمها عليهم فإن احتاجت إلى تصحيح فأعطها ما تستحقه، ثم انظر بينها وبين الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين فلا يخلو: إما أن يوافق، أو يباين، فإن وافق الباقي بعد فرض الموجود من الزوجين مسألة ذوي الأرحام فاضرب وفق مسألتهم في مسألة الموجود من الزوجين، وإن باينها فاضرب جميع مسألتهم في كامل مسألة الموجود من الزوجين، فما حصل بعد الضرب فمنه تصح المسألتان.
فمثال الموافقة زوجة وبنت أخت شقيقة وبنت أخت لأب وبنتا أختين لأم، مسألة الزوجة من أربعة، للزوجة الربع واحد، والباقي لذوي الأرحام، ومسألة ذوي الأرحام من ستة لبنت الشقيقة ثلاثة، ولبنت الأخت لأب واحد، ولبنتي الأختين لأم اثنان، وبين الباقي بعد فرض الزوجة ومسألة ذوي الأرحام موافقة بالثلث فيضرب وفق مسألتهم اثنان في مسألة الزوجة أربعة فيحصل ثمانية، للزوجة واحد مضروب في وفق الثانية اثنين باثنين، ولبنت الأخت الشقيقة ثلاثة تضرب في وفق الباقي بعد فرض الزوجة واحد فيحصل لها ثلاثة، ولبنت الأخت لأب واحد مضروب في وفق الباقي بعد فرض الزوجة واحد بواحد، ولبنتي الأختين لأم اثنان مضروبان في وفق(20/189)
الباقي بعد فرض الزوجة واحد باثنين.
ومثال المباينة زوج وبنت أخت شقيقة وبنت أخت لأب وبنت أخت لأم؛ مسألة الزوج من اثنين للزوج النصف واحد، والباقي واحد لذوي الأرحام، ومسألة ذوي الأرحام من خمسة لبنت الشقيقة ثلاثة، ولبنت الأخت لأب واحد، ولبنت الأخت لأم واحد، وبين الباقي بعد فرض الزوج ومسألة ذوي الأرحام مباينة، فتضرب مسألتهم وهي خمسة في مسألة الزوج اثنين فيحصل عشرة، للزوج من مسألته واحد مضروب في مسألة ذوي الأرحام خمسة بخمسة، ولبنت الشقيقة ثلاثة تضرب في الباقي بعد فرض الزوج وهو واحد فيحصل لها ثلاثة، ولبنت الأخت لأب واحد يضرب في الباقي بعد فرض الزوج واحد بواحد، ولبنت الأخت لأم كذلك.
ولا يعول في هذا الباب من أصول المسائل إلا أصل ستة فإنه يعول إلى سبعة فقط. مثال ذلك لو خلف شخص خالا وبنتي أختين شقيقتين أو لأب وبنتي أختين لأم، فمسألتهم من ستة وتعول إلى سبعة للخال واحد، ولبنتي الأختين لغير أم أربعة، ولبنتي الأختين لأم اثنان، وكذا لو هلك هالك عن أبي أم وبنت أخت شقيقة وبنت أخت لأب وابني أخوين لأم، مسألتهم من ستة وتعول إلى سبعة، لأبي الأم واحد، ولبنت الشقيقة ثلاثة، ولبنت الأخت لأب واحد ولابني الأخوين لأم(20/190)
اثنان لكل واحد واحد.
هذا آخر ما تيسر جمعه والله أعلم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.(20/191)
صفحة فارغة(20/192)
باب الحجب(20/193)
صفحة فارغة(20/194)
الأب يحجب الإخوة عن الميراث
س 92: توفي ابني الأكبر البالغ من العمر عشر سنوات إثر حادث مروري وتم استلام الدية. فهل من حق والده التصرف في نصيب الأخوين الصغيرين للمتوفى أم لا بد من إيداعها حتى يبلغا ويتصرفا فيها؟ علما بأننا قررنا صرف الدية في عمل الخير من أجل الولد ويخشى الوالد أن يتصرف الولدان بعد أن يكبرا في المال بغير التصدق به؟ (1) .
ج: الدية كلها بينك وبين أبيه لك السدس ولأبيه الباقي، أما أخواه فليس لهما حق في الدية بإجماع أهل العلم؛ لأن الأب يحجبهم عن الإرث. وبالله التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 56.(20/195)
الأخت تحجب أبناء الأخ
س 93: امرأة تقول: توفيت أمي عني وعن أختها من أمها وأبيها وعن ثلاثة أبناء أخ لأمي من أبيها وأمها(20/195)
وأخت لهم. فما الحكم؟ .
ج: إذا كان الواقع هو كما ذكرت فإن التركة التي خلفتها أمك - رحمها الله - تكون بينك وبين أختها نصفين وليس لأولاد أخيها شيء؛ لأن أختها في مثل هذه المسألة تحجب أبناء الأخ، وإن كانت أمك أوصت بشيء فوصيتها مقدمة عليك وعلى أختها إذا كانت بالثلث أو أقل على وجه شرعي، وإن كان عليها دين ثابت فابدئي بقضاء دينها قبل الوصية وقبل قسم الميراث بينك وبين أختها.(20/196)
94 - الأخت الشقيقة أو لأب تحجب أبناء الإخوة
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - مفتي عام المملكة العربية السعودية - حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
نرجو من فضيلتكم جزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين إفتاءنا في كيفية قسمة الميراث التالية:
توفي رجل وترك وراءه بنتا وأختا شقيقة وزوجة، وأولاد أخ شقيق وأولاد إخوة لأب. أثابكم الله وأدام توفيقكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فالتركة تجعل ثمانية سهام متساوية: سهم منها وهو الثمن للزوجة، وللبنت النصف أربعة، والباقي للأخت الشقيقة. وليس لأولاد الإخوة شيء؛ لأن الأخت الشقيقة في هذه المسألة وأمثالها تحجب أبناء
__________
(1) سؤال شخصي مقدم لسماحته من الأخ ح. خ. وأجاب عنه سماحته بتاريخ 26 \ 1 \ 1418 هـ.(20/197)
الإخوة لأب وأم أو لأب. وهكذا الأخت لأب في مثل هذه المسألة تحجب أبناء الإخوة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وذلك مستثنى من قوله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر (1) » متفق على صحته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) رواه البخاري في (الفرائض) باب ميراث الولد من أبيه وأمه برقم (6732) ومسلم في (الفرائض) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فللأولى برقم (1615) .(20/198)
95 - الإخوة الأشقاء يحجبون الإخوة لأب
سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
أكتب لكم هذا المعروض وهو بخصوص فتوى وهي كالتالي:
- توفي رجل عن زوجة وأخوين أحدهما شقيق والثاني أخ لأب فقط، وأختين شقيقة وأخت لأب، أعطيت الحصة أو الإرث للشقيق والأخت الشقيقة ولم يعط الأخ لأب وأخته شيئا من الإرث، فما فتوى سماحتكم في هذا مأجورين؟ (1) .
وفقكم الله لما فيه خدمة شرعه المطهر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بعده: إذا كان الواقع هو ما ذكرتم في السؤال، وهو: أن الميت هلك عن زوجة وأخ شقيق وأخت شقيقة وأخ لأب
__________
(1) سؤال شخصي مقدم لسماحته من الأخ م. و. أ. أجاب عنه سماحته في 2 \ 12 \ 1413 هـ.(20/199)
وأخت لأب، فإن الإرث يكون للزوجة والشقيق والشقيقة إذا كان دينهم واحدا وهو الإسلام أو ضده. أما الأخ لأب والأخت لأب فلا حظ لهما في الإرث؛ لأن الشقيق والشقيقة يحجبانهما بالإجماع لكونهما أقوى قرابة منهما، والزوجة تعطى الربع فقط وهو سهم من أربعة أسهم متساوية، والباقي ثلاثة أسهم، للشقيق والشقيقة، للشقيق سهمان وللشقيقة سهم؛ لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (1) الآية في آخر سورة النساء. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) سورة النساء الآية 176(20/200)
96 - الأخ الشقيق يحجب الإخوة لأب
من عبد العزيز بن باز إلى حضرة الأخت في الله الكريمة م. ت. ع. ت. وفقها الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 23 \ 2 \ 1415 هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من بيان ورثة البنت ن. س. س. ع. والرغبة في بيان إرثهم منها كان معلوما، وهم أمها وشقيقها وشقيقتها وإخوانها من أمها أولاد س. ع. ت. (1) .
والجواب: تجعل التركة ستة سهام متساوية، سهم لأمها وهو السدس، وسهمان لإخوانها من أمها وهما الثلث بينهم على السواء، والباقي ثلاثة أسهم وهي النصف، لشقيقها وشقيقتها للذكر مثل حظ الأنثيين، وأرجو إبلاغ سلامي للأخت والعم وجميع العيال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
__________
(1) سؤال شخصي مقدم لسماحته أجاب عنه برقم (476 \ خ) وتاريخ 6 \ 3 \ 1415 هـ.(20/201)
97 - أبناء الابن يحجبون الإخوة
حضر عندي من سمى نفسه ج. م. ن. ج. وذكر أن جدته ل. ن. ص. توفيت عن ثلاث بنات وعن أولاد ابنها وهم سبعة ثلاثة ذكور وأربع بنات وأخت شقيقة وأخ لأم وعن زوجها هكذا قال، وطلب مني قسمة التركة (1) .
والجواب: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فإن تركة جدته المذكورة تجعل اثني عشر سهما متساوية، للزوج منها الربع ثلاثة، ولبناتها ثمانية وهي الثلثان، والباقي واحد لأولاد ابنها المذكورين بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، أما أختها وأخوها فليس لهما شيء؛ لأن أبناء ابنها يحجبون الإخوة بإجماع أهل العلم، قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي أجاب عنه سماحته بتاريخ 1 \ 5 \ 1407 هـ.(20/202)
الإخوة لأم يرثون مع وجود الأم والإخوة الأشقاء
س 98: تزوجت امرأة من رجلين، توفيا: لها من الرجل الأول ولد واحد وأربع بنات، ولها من الرجل الثاني ولدان وبنت، توفي أحد أبنائها من الزوج الثاني وترك إرثا له. هل أبناؤها من زوجها الأول يرثون من أخيهم لأمهم المتوفى، والأم على قيد الحياة، وكم نصيب الولد من الرجل الأول وأخواته الأربع، ونصيب الإخوة الأشقاء لأخيهم المتوفى، وقيمة الإرث مائتان وخمسون ألف ريال لا غير (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده.
إذا كان الواقع هو كما ذكر في السؤال فإن تركة الابن المتوفى تجعل ستة أسهم متساوية أحدها للأم وهو السدس واثنان لإخوته لأمه ذكورهم وإناثهم سواء، بينهم على خمسة أسهم متساوية والباقي ثلاثة لأخيه الشقيق وأخته الشقيقة للذكر مثل حظ الأنثيين، والمعنى أن الذكر له سهمان والأنثى سهم. وفق الله الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي أجاب عنه سماحته في 29 \ 12 \ 1418 هـ.(20/203)
لا يرث أبناء الأبناء مع أعمامهم
س 99: توفي رجل قبل والده وله أولاد وإخوان وبعد ذلك توفي والده فهل يحق للأولاد أن يرثوا جدهم أم لا؟ (1) .
ج: ليس لأولاد البنين إرث مع أعمامهم أبناء الميت بإجماع المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر (2) » متفق على صحته. ومعنى قوله: «أولى رجل ذكر (3) » أقرب. ولا شك أن البنين أقرب إلى الميت من أولاد البنين إلا أن يوصي لهم بشيء بقدر الثلث فأقل، فلا مانع من ذلك إذا ثبتت الوصية بالبينة الشرعية.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 55.
(2) رواه البخاري في (الفرائض) باب ميراث الولد من أبيه وأمه برقم (6732) ومسلم في (الفرائض) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فللأولى برقم (1615) .
(3) صحيح البخاري الفرائض (6732) ، صحيح مسلم الفرائض (1615) ، سنن الترمذي الفرائض (2098) ، سنن أبو داود الفرائض (2898) ، سنن ابن ماجه الفرائض (2740) ، مسند أحمد بن حنبل (1/292) .(20/204)
أبناء العم الشقيق يحجبون أبناء العم لأب
س 100: توفيت امرأة عن أبناء أخ غير شقيق وأبناء عم، فمن يرث ومن لا يرث وما نصيب كل منهم؟ .
ج: إذا كان أبناء أخيها الموجودون أبناء أخ من أب فهم العصبة وليس لأبناء عمها شيء، أما إن كانوا أبناء أخ من أم فقط فليس لهم شيء؛ لأنهم من ذوي الأرحام، والعصب يكون لبني عمها إذا كانوا أبناء عم شقيق أو أبناء عم لأب. فإن كان بعضهم أبناء عم شقيق والآخرون أبناء عم لأب فالعصب لأبناء العم الشقيق إذا كانوا في درجة واحدة. فإن كان بعضهم أقرب من بعض فالعصب للقريب فقط والبعيد لا شيء له، سواء كان ابن عم شقيق أم ابن عم لأب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحرز الولد أو الوالد فهو لعصبته من كان (1) » ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر (2) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد (1 \ 27) وأبو داود في (الفرائض) باب في الولاء برقم (2917) وابن ماجه في (الفرائض) باب ميراث الولاء برقم (2722) .
(2) رواه البخاري في (الفرائض) باب ميراث الولد من أبيه وأمه برقم (6732) ومسلم في (الفرائض) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فللأولى برقم (1615) .(20/205)
متفق على صحته. ومعنى أولى: " أقرب ". والله ولي التوفيق.(20/206)
بنات الأخ الشقيق لا يرثن العم المتوفى عند وجود الذكور
س 101: رجل توفاه الله ولم يكن له زوجة ولا ذرية لكن له أولاد أخ شقيق متوفى من قبل، فهل أولاد الأخ ذكورهم وإناثهم يرثون العم المتوفى؟ (1) .
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فالإرث كله لأبناء الأخ الشقيق دون البنات بإجماع المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر (2) » متفق على صحته؛ ولأن بنات الأخ لسن من أهل الفروض ولا من العصبة بل من ذوي الأرحام بإجماع أهل العلم.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 56.
(2) رواه البخاري في (الفرائض) باب ميراث الولد من أبيه وأمه برقم (6732) ومسلم في (الفرائض) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فللأولى برقم (1615) .(20/206)
باب العصبات
إذا استغرقت الفروض المسألة فليس للعصبة شيء
س 102: هلكت امرأة عن زوج وبنتين وأم وأخوين؟ (1) .
ج: تقسم المسألة من (13) سهما من أجل العول: ثلاثة للزوج، وثمانية للبنتين، وسهمان للأم.
أما الأخوان فليس لهما شيء؛ لأنهما عاصبان ولم يبق لهما شيء، بل استغرقت الفروض المسألة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفروض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر (2) » متفق على صحته. وفي هذه المسألة لم يبق للعاصب شيء، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
الرئيس العام
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) أجاب سماحته عن المسألة بتاريخ 17 \ 1 \ 1409 هـ.
(2) رواه البخاري في (الفرائض) باب ميراث الولد من أبيه وأمه برقم (6732) ومسلم في (الفرائض) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فللأولى برقم (1615) .(20/207)
الأخوات مع البنات عصبات
س 103: توفي ابن عمي وترك زوجة وخمس بنات وإخوة كلهم إناث، وله تركة من الأرض كيف يقسم الميراث، مع العلم بأننا نحن أولاد عمه من أب وأم، وله أولاد عم من الأب هل نرث نحن؟ (1) .
ج: تقسم التركة من أربعة وعشرين سهما، للزوجة الثمن ثلاثة، وللبنات الثلثان ستة عشر بينهن على السواء، والباقي خمسة للأخوات إذا كن شقائق أو أخوات من الأب على سبيل التعصيب؛ لأن الأخوات مع البنات عصبات، إذا كن شقائق أو أخوات من أب، وإن كان بعضهن شقائق، وبعضهن أخوات من أب، فالعصب المذكور للشقائق، والأخوات لأب يسقطن؛ لأن الشقائق أقوى منهن، لإدلائهن بالأب والأم. . وهكذا يسقط الأخ لأب بالأخ الشقيق، أما إن كانت الأخوات، أخوات للميت من أمه فقط، فإنهن يسقطن بالبنات، ولا إرث لهن مع البنات في جميع الصورة؛ لأن من شرط إرث الإخوة لأم، عدم وجود الفرع الوارث، وعدم وجود
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (جريدة المسلمون) وأجاب عنه سماحته في 29 \ 2 \ 1418 هـ.(20/208)
الأصل من الذكور الوارث، ويكون الباقي في هذه المسألة إذا كان الأخوات كلهن أخوات من أم لأبناء عم الميت الأشقاء إذا كانوا في درجة واحدة، وإن كان بعضهم أقرب من بعض، فالعصب للأقرب، وأما أبناء العم من أب فيسقطون بأبناء العم الشقيق؛ لكونهم أقوى منهم إدلاء وأقرب إلى الميت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر (1) » متفق على صحته، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى في بنت وبنت ابن، وأخت شقيقة: «أن للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين والباقي للأخت (2) » أخرجه البخاري في صحيحه، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الفرائض) باب ميراث الولد من أبيه وأمه برقم (6732) ومسلم في (الفرائض) باب ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فللأولى برقم (1615) .
(2) رواه البخاري في (الفرائض) باب ميراث بنت الابن مع البنت برقم (6736) .(20/209)
صفحة فارغة(20/210)
باب قسمة التركات(20/211)
صفحة فارغة(20/212)
الحقوق المتعلقة بالتركة ومؤونة تجهيز الميت
س 104: هل أول ما يؤخذ من تركة الميت قيمة الحنوط والكفن؟ (1) .
ج: أول ما يؤخذ من التركة مؤونة التجهيز كقيمة الكفن وأجرة الغاسل وحافر القبر ونحو ذلك، ثم الديون التي فيها رهن، ثم الديون المطلقة التي ليس فيها رهن، ثم الوصية بالثلث فأقل لغير وارث، ثم الإرث.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من الجمعية الخيرية بشقراء.(20/213)
105 - مال الميت حق للورثة ولا ينفق في المشاريع الخيرية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ن. س. ع. وفقه الله إلى ما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني سؤالك من طريق جريدة الجزيرة ونصه:
إن أخاك توفي وترك مبالغ عند بعض الناس، وتم جمع هذه الأموال، وهي عندك الآن وتريد إنفاقها في المشاريع الخيرية، وقد حججت عنه من مالك إلى آخره.
والجواب: حجك عنه من مالك كاف وهو مسقط للواجب عليه، جزاك الله خيرا وضاعف مثوبتك.
أما الأموال المذكورة فالواجب تقسيمها بين الورثة، وما أشكل عليكم في ذلك من وصية أو غيرها فراجعوا فيه المحكمة وفيما تراه المحكمة الكفاية إن شاء الله. وفق الله(20/214)
الجميع لما يرضيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(20/215)
106 - لا يجوز التصرف بمال الميت إلا بإذن الورثة
إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في ذمة والدي لبنك التسليف (الصندوق العقاري) مبلغ وقدره تسعة وسبعون ألف ريال، ولأن والدي قد هرم ولم يعد يعلم من أمره شيئا، وكان قد أمنني على جميع أمواله أنا ابنته الكبرى فهل أسدد عنه من ماله بدون علم أبنائه؛ لأنهم قد يمنعون تصرفي بحجة تأجيل التسديد بعد وفاته تمهيدا للإعفاء الذي ليس في الأصل من نظام البنك ولكنه من اختصاص الديوان الذي له شروط في الإعفاء لا أراها تطبق على عائلتنا. وأخشى أن تطول فترة انشغال ذمة والدي أو يحبس عن الجنة حتى يقضى دينه.
فآمل الحصول على فتوى منكم ومشورتكم هل لي أن أتصرف إبراء لذمته، أم لكونه قد خلف سدادا فقد يعفو الله عنه؟ جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) سؤال شخصي أجاب عنه سماحته بتاريخ 7 \ 2 \ 1419 هـ.(20/216)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: ليس لك التصرف في شيء من ماله إلا بعد مراجعة المحكمة، وفق الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/217)
رد المال لورثة الميت
س 107: أنا رجل اكتسبت مالا عن طريق غير مشروع، وقد تبت الآن من ذلك فماذا علي تجاه هذا المال الذي جمعته، خاصة أنه يستحيل علي رد المال لأهله؛ لأنهم قد ماتوا، وكيف أتصدق به إذا كان المتصدق عليه يعرف أن هذا المال حرام؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الواجب عليك أن ترد المال لورثة الميت إذا كان له ورثة، أما إذا كان ليس له ورثة أو لا تعرفهم فإنك تتصدق به على الفقراء من أهله من دون أن تخبرهم بمصدر المال، وتبرأ الذمة مع التوبة، والحمد لله.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1645) في 17 \ 2 \ 1419 هـ.(20/218)
108 - دية المقتول جزء من تركته
سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأرجو تفضل سماحتكم بالإجابة على هذا السؤال:
شخص قتل قتل خطأ واستحقت على قاتله دية الخطأ، فهل هذه الدية تعتبر جزءا من التركة بحيث يجوز ضمها إلى التركة، وقضاء دين المقتول منها، ودخول وصيته فيها، أم أنها حق للورثة لا علاقة لها بالتركة. جزاكم الله خيرا (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هذه الدية تعتبر جزءا من التركة يقضى منها دينه الذي لله والذي لعباده، وتنفذ منها وصاياه، الثلث فأقل، وهكذا دية العمد، والباقي للورثة، ولا أعلم في هذا خلافا بين أهل العلم، والله ولي التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته من السائل ع. س. م. أجاب عنه سماحته بتاريخ 8 \ 2 \ 1418 هـ.(20/219)
س 109: هل دية المقتول تقسم بين ورثته؟ (1) .
ج: الدية مثل التركة تقسم بين الورثة جميعهم إلا إذا كان أحدهم قاتلا فليس له شيء، لكن الورثة الذين ليس منهم القاتل تقسم بينهم التركة. الدية مثل التركة.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(20/220)
110 - لا يجوز التحيل لحرمان المرأة من الميراث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ م. ي. أ. وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم المؤرخ في 29 \ 1 \ 1416 هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من السؤال عما يفعله بعض الناس من التحيل على إسقاط حق المرأة من الميراث (1) .
والجواب: لا يجوز لأحد من الناس أن يحرم المرأة من ميراثها أو يتحيل في ذلك؛ لأن الله سبحانه قد أوجب لها الميراث في كتابه الكريم وفي سنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام وجميع علماء المسلمين على ذلك، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (2)
__________
(1) فتوى صدرت من سماحته للشيخ م. ي. أ. عام 1416 هـ.
(2) سورة النساء الآية 11(20/221)
الآية من سورة النساء، وقال في آخر السورة: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (1) فالواجب على جميع المسلمين العمل بشرع الله في المواريث وغيرها والحذر مما يخالف ذلك، والإنكار على من أنكر شرع الله، أو تحيل في مخالفته في حرمان النساء من الميراث أو غير ذلك مما يخالف الشرع المطهر. وهؤلاء الذين يحرمون النساء من الميراث أو يتحيلون في ذلك مع كونهم خالفوا الشرع المطهر وخالفوا إجماع علماء المسلمين قد تأسوا بأعمال الجاهلية من الكفار في حرمان المرأة من الميراث. نسأل الله لنا ولكم ولهم ولجميع المسلمين العافية من كل ما يخالف شرعه. والواجب عليكم وعلى غيركم الرفع إلى ولاة الأمور عمن يدعو إلى حرمان المرأة من الميراث أو تحيل في ذلك حتى يعاقب بما يستحق بواسطة المحاكم الشرعية. وفقنا الله وإياكم وجميع المسلمين
__________
(1) سورة النساء الآية 176(20/222)
لما يرضيه، وأصلح حال المسلمين، وهداهم لما فيه نجاتهم وسعادتهم، ووفق ولاة أمرنا لكل خير ونصر بهم الحق إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(20/223)
الإرث لا يكون إلا بعد أداء الدين
س 111: مات رجل وعليه دين، وليس له إلا بيت ومزرعة، وله أولاد فقراء ويسكنون هذا البيت، ويأكلون من المزرعة، فهل يجب عليهم بيع البيت والمزرعة ليسددوا ما على والدهم وهم فقراء؟ وهل هناك فرق بين الدين الذي للأشخاص والدين الذي للحكومة؟ (1) .
ج: يجب تسديد دين الميت من تركته، سواء كان هذا الدين للحكومة أو لسائر الناس؛ لما جاء في الحديث: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ولا يجوز لأولاده أو غيرهم من الورثة أن يستغلوا ممتلكات الميت ويتركوا تسديد الدين الذي عليه؛ لأن الإرث لا يكون إلا بعد أداء الدين، لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر المواريث قال:
__________
(1) نشر في (نشرة التوعية الإسلامية للقوات البرية) العدد (18) جمادى الأولى عام 1415 هـ.(20/224)
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1) وقد «قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية (2) » فأول شيء يبدأ به قضاء الدين، ثم تنفيذ الوصية الشرعية، ثم الإرث.
__________
(1) سورة النساء الآية 12
(2) سنن الترمذي الفرائض (2094) ، سنن ابن ماجه الوصايا (2715) ، مسند أحمد بن حنبل (1/144) .(20/225)
حكم الصدقة من الميراث دون علم الورثة
س 112: توفيت والدتي ولها عندي مبلغ (14000) أربعة عشر ألف ريال سلف لوجه الله، فأرجو إرشادي كيف أقوم بتصريفها وتقسيمها على الورثة، عدد الأولاد (3) ذكور كل ولد من رجل (أب) وعدد البنات واحدة، وتوفيت وهي في ذمة زوج أي غير مطلقة، فكيف أوزع المبلغ المذكور على الورثة وهم ما ذكر بعاليه، زوج وثلاثة أولاد وبنت، وهل أتصدق منه بشيء بدون رضا الورثة أو علمهم. أفيدوني جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: يجب عليك أن تدفعها للورثة وأنت واحد منهم. للزوج ربعها ثلاثة آلاف وخمسمائة، والباقي بين الأولاد الثلاثة
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 52.(20/225)
والبنت، للبنت ألف وخمسمائة ولكل ابن ثلاثة آلاف، وليس لك أن تتصدق منها بشيء إلا برضا الورثة، إلا أن تكون أمك أوصت بشيء، فالواجب تنفيذ وصيتها إذا شهد بها عدلان وكانت بقدر ثلث تركتها أو أقل، والله ولي التوفيق.(20/226)
تسديد الدين مقدم على الإرث
س 113: هل قرض البنك العقاري والزراعي يعتبر دينا على الشخص إذا استقرضه وتوفي قبل أن يسدده. ثم ماذا يجب على الورثة تجاه ذلك لأنهم يريدون في الواقع راحة الميت إذا لم يستطيعوا أن يسددوا البنك بسرعة فما الحكم؟ (1) .
ج: القرض الذي للبنك العقاري ولغيره مثل غيره من الديون يجب أن يسدد في وقته في حق الحي والميت، فإذا مات الإنسان وعليه دين للبنك وجب تسديده من التركة في أوقاته إذا التزم به الورثة فإن لم يلتزموا سدد في الحال من التركة حتى يستريح الميت من تبعة الدين. وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة السلام أنه قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (16) .(20/226)
عنه (1) » لكن إذا كان الدين مؤجلا والتزم الورثة أو بعضهم بأنه يؤدى في وقته فإنه يتأجل ولا يحل ولا يضر الميت لأنه مؤجل. فإن لم يلتزم به أحد في وقته وجب أن يسدد من التركة حتى يسلم الميت من تبعة ذلك.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (10221) والترمذي في (الجنائز) باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: '' نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه '' برقم (1078) .(20/227)
نفس المؤمن معلقة بدينه
س 114: الأخ ع. س. ع. من الرياض، يقول في سؤاله: توفي والدي - رحمه الله -، وعليه قرض لصندوق التنمية العقارية، وبعد مراجعة الصندوق وجدنا أن هناك أقساطا واجبة التسديد قبل مدة وعددها سبعة أقساط لم تسدد، وهناك أقساط لم تحل بعد، فما هو الواجب علينا نحو الأقساط الواجبة التسديد، والتي لم يجب تسديدها بعد، وهل الوالد - عليه رحمة الله - معلق بهذه الأقساط سواء السابقة أو اللاحقة؟ نرجو بيان حكم الشريعة في ذلك جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية) .(20/227)
ج: الواجب على الورثة تسديد الأقساط الحالة من التركة، ولا يجوز التساهل في ذلك مع القدرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه (1) » .
أما الأقساط التي لم تحل فإن الواجب أداؤها في وقتها وليس على الميت حرج في ذلك كما لو كان حيا؛ لكونها لم يحل أجلها. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (10221) والترمذي في (الجنائز) باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: '' نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه '' برقم (1078) .(20/228)
مات وعليه دين
فهل تبقى روحه مرهونة
س 115: حكم من مات وعليه دين لم يستطع أداءه لفقره هل تبقى روحه مرهونة معلقة؟ (1) .
ج: أخرج أحمد وابن ماجه والترمذي عن أبي هريرة
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى البيوع في الإسلام) من نشر جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت ص 109.(20/228)
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه (1) » ، وهذا محمول على من ترك مالا يقضى به عنه، أما من مات عاجزا فيرجى ألا يتناوله هذا الحديث؛ لقوله سبحانه وتعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) وقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (3) كما لا يتناول من بيت النية الحسنة بالأداء عند الاستدانة ومات ولم يتمكن من الأداء؛ لما روى البخاري - رحمه الله - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله (4) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (10221) والترمذي في (الجنائز) باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: '' نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه '' برقم (1078) .
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) سورة البقرة الآية 280
(4) صحيح البخاري في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس (2387) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2411) ، مسند أحمد بن حنبل (2/361، 2/417) .(20/229)
متى تبرأ ذمة الميت المدين من تبعة الدين
س 116: من المعلوم أن صندوق التنمية العقارية يمنح المواطنين قروضا طويلة الأجل لبناء مساكن لهم يتم سدادها على مدى خمسة وعشرين عاما، فإذا توفي المقترض ولم يسدد من الأقساط المذكورة سوى قسطين فقط، وقام ورثته من بعد وفاته بالتسديد في المواعيد المحددة فهل تبرأ ذمة الميت حينئذ ولا يكون هذا داخلا فيما ورد في الحديث: «نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه (1) » أو أنه مرتهن بهذا الدين حتى يتم سداد جميع الأقساط؟ آمل إيضاح الموضوع من سماحتكم (2) .
ج: إذا مات الإنسان وعليه دين مؤجل فإنه يبقى على أجله إذا التزم الورثة بتسديده واقتنع بهم صاحب الدين، أو قدموا ضمينا مليئا أو رهنا يفي بالدين، وبذلك يسلم الميت من التبعة إن شاء الله.
__________
(1) سنن الترمذي كتاب الجنائز (1078) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2413) ، مسند أحمد بن حنبل (2/440) ، سنن الدارمي البيوع (2591) .
(2) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع وترتيب الشيخ محمد المسند ج 2 ص 418.(20/230)
لا يلزم تعجيل أقساط البنك العقاري إذا التزم ورثة الميت أو غيرهم بتسديدها
س 117: والدي عليه دين من البنك العقاري وقد توفي - رحمه الله - فهل يجب علينا تسديد المبلغ كاملا أم على حسب الأقساط التي أقرها البنك وتبرأ ذمته بذلك؟ (1) .
ج: لا يلزم تعجيل قضائها إذا التزم الورثة أو غيرهم بتسديدها في أوقاتها على وجه لا خطر فيه على صاحب الحق؛ لأن الأجل من حقوق الميت يرثه ورثته، وليس على الميت حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأن الدين المؤجل لا يجب قضاؤه إلا في وقته، والورثة يقومون مقام الميت إذا التزموا بذلك أو التزم به غيرهم على وجه لا خطر فيه على صاحب الحق كما ذكر آنفا.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع وترتيب الشيخ محمد المسند ج 2 ص 419.(20/231)
هل يعتبر قرض البنك العقاري دينا على المتوفى يلزم تسديده؟
س 118: هل يعتبر قرض البنك العقاري دينا على والدي المتوفى ويلزم تسديده؟ (1) .
ج: نعم يجب عليكم أداء الدين للبنك من التركة حسب التعليمات المتبعة في ذلك.
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج 1 ص 161.(20/232)
جواز مطالبة القريب بالإرث
س 119: ماتت أمي ولم تأخذ حقها الشرعي من أخيها، وذلك خوفا منها على قطيعة الرحم، ولكن كانت تريده فهل يحق لنا نحن أبناؤها مطالبة خالنا بحق أمنا حتى لو وصل الأمر إلى قطيعة الرحم بيننا وبينه، أو الوصول إلى المحاكم؟ (1) .
ج: لكم أن تطالبوه بحق الوالدة من الميراث ولو بالوصول إلى المحاكم، إلا إذا كانت الوالدة سمحت، فإن
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418 هـ، الشريط السادس.(20/232)
كانت أبرأت أخاها من حقها فليس لكم ذلك. الحق لها، أما إذا كانت ما أبرأت ولكنها تركت المطالبة والمخاصمة فلكم أن تطالبوا وتخاصموا في طلب حقكم ولا حرج في ذلك والحمد لله.(20/233)
لا يجوز تخصيص أحد الأبناء بالإرث
س 120: فتاة ورثت من أبيها مالا، وقد خصها بكامل الإرث دون أخيها وأوصى بوصية في ذلك المال، وقد حرم الأب على الابنة أن تعطي أخاها من هذا المال بعد وفاته، ولكن الذي حصل بعد وفاة الأب أن عطفت الأخت على أخيها فوكلته على كامل الإرث مع كامل الوصية ليقوم بها شأنه، لأنه ضعيف وذو عيال وليس لديه مال، وقد أصيب هذا الابن بحادث، وقيل إنه فقد جزءا من عقله، فأنكر الابن أنه أخذ من أخته مالا، فلا هو الذي رد المال ولا هو الذي قد قام بوصية أبي، فهل علي حرج في مخالفة وصية أبي إذا أعطيت أخي كامل الإرث ليتصرف به رغم رفض أبي لذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1672) في 28 \ 8 \ 1419 هـ.(20/233)
ج: لا يجوز للمسلم أن يخص بعض ورثته بشيء زيادة عن حقه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث (1) » ، فالواجب قسم التركة بينهما على قسمة الله، وإن كان معهما ورثة فكل يعطى حقه، وإن كان في الموضوع نزاع فهو إلى المحكمة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الترمذي في (الوصايا) باب ما جاء لا وصية لوارث برقم (2120) و (2121) والنسائي في (الوصايا) باب إبطال الوصية للوارث برقم (3641) وأبو داود في (الوصايا) باب ما جاء في الوصية للوارث برقم (2870) وابن ماجه في (الوصايا) باب لا وصية لوارث برقم(20/234)
121 - لا وصية لوارث
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام للدعوة والإفتاء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ودعوات إلى الله أن يحفظكم ويرعاكم إنه سميع مجيب وبعد:
أرجو الإجابة عن السؤال الآتي: توفي صهري (والد زوجتي) - رحمه الله - وهو من علماء الأزهر وله ذكر واحد (وهو أكبر أبنائه) وأربع إناث منهم زوجتي، فبعد موته وجدناه ترك وصية يوصي فيها لابنه الذكر بثلث الميراث، ثم يقسم الباقي تقسيما شرعيا {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (1) فهل هذا جائز شرعا، سواء كان ذلك بموافقة أو دون موافقة من بناته الإناث المتضررين بهذه الوصية؟ أفتونا جزاكم الله خيرا. (2) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
إذا كان الواقع كما ذكره السائل فالوصية باطلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق
__________
(1) سورة النساء الآية 11
(2) صدر من مكتب سماحته برقم (1010 \ 1 \ ش) في 13 \ 11 \ 1413 هـ.(20/235)
حقه فلا وصية لوارث (1) » فإن كان بينهم دعوى في ذلك فمرجعها المحكمة الشرعية وفيما تراه المحكمة الشرعية الكفاية إن شاء الله على ضوء الأدلة الشرعية. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) رواه الترمذي في (الوصايا) باب ما جاء لا وصية لوارث برقم (2120) و (2121) والنسائي في (الوصايا) باب إبطال الوصية للوارث برقم (3641) وأبو داود في (الوصايا) باب ما جاء في الوصية للوارث برقم (2870) وابن ماجه في (الوصايا) باب لا وصية لوارث برقم(20/236)
122 - مات عن والديه
وزوجته وأربع بنات
فضيلة الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرفق لفضيلتكم الصك الصادر من المحكمة الشرعية الكبرى بالرياض برقم (299 \ 7) في 21 \ 8 \ 1409 هـ بشأن ثبوت وفاة ع. ع. ع. ق. وانحصار إرثه في والده ووالدته وزوجته وبناته لا وارث له سواهم؛ لذا نرغب إيضاح استحقاق كل واحد من الورثة على حده من التركة لإمكان صرف استحقاقهم من حقوقه لدينا. والسلام عليكم (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
اطلعت على الصك المرفق المتضمن بيان ورثة ع. ع. ع. ق. الصادر من فضيلة الشيخ إ. ث. القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض برقم (299) في 21 \ 8 \ 1406 هـ، واتضح من ذلك أن المذكور توفي عمن ذكرتم أعلاه، وهم: والداه
__________
(1) سؤال شخصي أجاب عنه سماحته بتاريخ 28 \ 2 \ 1410 هـ.(20/237)
وزوجته وبناته الأربع، وبناء على ذلك تقسم التركة بينهم على سبعة وعشرين سهما للزوجة ثلاثة، وللبنات ستة عشر سهما بينهن على السواء، ولكل واحد من والديه أربعة أسهم. والسلام عليكم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/238)
123 - مات عن زوجة
وأختين لأم وأخ شقيق وأخت شقيقة
فضيلة الشيخ المكرم عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة وفقه الله لكل خير آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرجو تفضلكم بالإفادة عن كيفية توزيع هذه التركة: توفي رجل عن زوجة وأخ شقيق وأخت شقيقة وأختين لأم. جزاكم الله خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالمسألة تقسم من اثني عشر سهما متساويا، للزوجة الربع ثلاثة أسهم وللأختين من الأم الثلث أربعة بينهما، والباقي خمسة للأخ الشقيق والأخت الشقيقة بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، وفق الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي أجاب عنه سماحته في 8 \ 7 \ 1417 هـ.(20/239)
مات عن أب وابنة
وأخ شقيق وإخوان لأب وأخت شقيقة
س 124: توفي شخص عن أب وابنة وأخ شقيق وإخوان من الأب وأخت شقيقة فكيف يكون تقسيم ميراثه؟ (1) .
ج: تقسم التركة نصفين أحدهما: للبنت فرضا والثاني للأب فرضا وتعصيبا وليس للإخوة شيء؛ لأن الأب يحجبهم بإجماع أهل العلم.
لكن إن كان عليه دين ثابت قضي من التركة مقدما على الورثة، فإن فضل شيء فهو للورثة على القسمة المذكورة، وهكذا إن كان للميت وصية شرعية ثابتة وجب إخراجها قبل قسمة التركة على الورثة في حدود الثلث فأقل، وليس للميت أن يوصي بأكثر من الثلث فإن أوصى بأكثر من ذلك لم ينفذ الزائد إلا برضا الورثة المكلفين المرشدين، والدليل على تقديم الدين والوصية على الورثة قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (2) إلى أن قال سبحانه: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (3) .
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج 1 ص 162.
(2) سورة النساء الآية 11
(3) سورة النساء الآية 11(20/240)
مات عن زوجة
وبنتين وأخ من الأم
س 125: توفي رجل وترك زوجة وبنتين وأخا من الأم فقط، فهل يرث أخوه هذا أم لا؟ وإذا كان يرث فعلا فما هو نصيب كل واحد من الورثة، علما بأن التركة التي خلفها هي من ماله الخاص؟ (1) .
ج: هذا الميت تقسم تركته من أربعة وعشرين، للبنتين الثلثان (16) ، وللزوجة الثمن (3) ، ويبقى خمسة يعطاها العاصب إذا كان له عاصب ولو بعيد، فإن لم يكن له عاصب فإنها ترد عند أهل العلم للبنتين، أما الأخ فلا يرث مع وجود الفرع؛ لأن الله جل وعلا قال في كتابه العظيم: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (2) والكلالة من لا والد له ولا ولد، وهاتان البنتان وجودهما يجعل المسألة ليست كلالة، فيسقط بذلك الأخ من الأم لفقد
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) سورة النساء الآية 12(20/241)
شرطه؛ لأن شرط إرث الأخ للأم أن تكون المسألة كلالة كما في هذه الآية الكريمة، وهي قوله سبحانه وتعالى في سورة النساء: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} (1) يعني من أم {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (2) وهذا ميت له بنات فلم تكن المسألة كلالة فيكون الأخ من الأم لا حق له في الإرث، والباقي بعد الزوجة والبنتين يكون لأقرب العصبة، فإن لم يكن له عصبة فإنه يعطى الباقي للبنتين ويكون إرثهما فرضا وردا، (16) فرضا وخمسة ردا، هذا هو الصواب الذي نفتي به، وهو قول أهل العلم.
__________
(1) سورة النساء الآية 12
(2) سورة النساء الآية 12(20/242)
لا حرج على من
تبرع بإرث من أبيه لإخوته
س 126: عندي قطعة أرض ميراث من أبي المتوفى وهذا الميراث لم يوزع حتى الآن، وقد تركتها لإخوتي يزرعونها ويأكلون ما يأتي منها، وقد يسر الله لي رزقا غيرها، فهل أكون بهذا مقصرا في حق أولادي بأحقيتهم في هذه الأرض؟ (1) .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(20/242)
ج: لا حرج عليك ولست مقصرا بل محسنا، وأولادك لهم الله، وأنت موجود حي تقوم عليهم الآن ولا حق لهم بذلك. الحق لك فإذا سمحت بذلك لإخوتك مراعاة لحاجتهم أو لصلة الرحم فأنت مأجور ولا شيء عليك، ولا حق لأولادك بهذا.(20/243)
حكم صرف المرأة من مال زوجها المتوفى أيام حدادها
س 127: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن زوجي قد توفي في 24 \ 7 \ 1411 هـ وقد ترك مبلغا من المال، هل يجوز لي أن أصرف منه شيئا أثناء مدة الحداد والعدة؟ أرجو الإفادة حفظكم الله (1) .
ج: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
جميع ما صرفت من المال يكون من إرثك إلا أن يسمح باقي الورثة بذلك. وفق الله الجميع لما يرضيه والسلام عليكم.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) سؤال شخصي مقدم لسماحته من السائلة س. م. ف. من المملكة العربية السعودية.(20/244)
لا تجوز الزيادة
على الثلث إلا بإجازة الورثة
س 128: سائلات يذكرن أن لهن خالة توفيت عن زوجها وعن ابن وبنتي أختها الشقيقة ويسألن عن قسمة تركتها ويذكرن أن خالتهن قبل وفاتها أودعتهن مبلغ خمسمائة وثمانين ريالا، وأوصت أن تجعل صدقة وأضحية لها ولوالديها مع العلم أنها لم تقض فرضها؟ (1) .
ج: حيث ذكر في السؤال أن المتوفاة لم تقض فرضها، فإذا كانت مستكملة لشروط وجوب الحج وتوفيت قبل أن تحج، فيتعين أن يؤخذ من تركتها ما يحج عنها به، ويقضى دينها مما تخلفه إن كان عليها دين، فإن بقي شيء وكانت الخمسمائة والثمانون ريالا تعادل ثلث ما بقي فما دون فتنفذ وصيتها إذا ثبتت شرعا في المبلغ المذكور، فإن كان المبلغ أكثر من الثلث فلا ينفذ ما زاد على الثلث منه إلا بإجازة الورثة، وما بقي فإذا لم يكن لها صاحب فرض وارث إلا الزوج ولم يكن لها عاصب فتقسم تركتها إلى ستة أسهم للزوج
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة) ص 41.(20/245)
النصف ثلاثة والباقي ثلاثة أسهم لأولاد أختها يستوي ذكرهم وأنثاهم لكل واحد منهم سهم واحد، وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(20/246)
لا يجوز تخصيص
أحد الورثة بشيء
س 129: أنا امرأة والدتي حرمتني من الميراث هل يجوز ذلك علما بأن الميراث لأختي فقط. أفيدوني أفادكم الله؟ (1) .
ج: إذا مات الميت وجب الإرث للذرية كلهم ذكورا وإناثا، والواجب على الأم وعلى غيرها أن ينصفوا فلا يخصوا أحد الورثة بشيء له دون غيره، ولا يحرموا أحدا من حقه الذي فرضه الله. وإذا كان الورثة ولدا وبنتا بعد إخراج نصيب الزوجة الثمن فالمال بينهما أثلاثا للذكر مثل حظ الأنثيين، وإذا كانوا ذكرين وأنثى يصير أخماسا أربعة للذكرين لكل واحد سهمان وواحد للأنثى، وإذا كانوا ثلاثة ذكور وبنتا يكون المال سبعة أسهم للذكور ستة أسهم وللبنت سهم واحد، وأما الزوجة
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418 هـ.(20/246)
فلها الثمن على كل حال، وإذا كان وراءه أم لها السدس أو أب له السدس مع وجود الأولاد.
والمقصود لا بد من إعطاء البنت حقها للذكر مثل حظ الأنثيين يقول الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (1) ولا يجوز للإخوة أن يأخذوا حق أخواتهم ولا للأم أن تظلم البنت وتعطي الذكر قسطها. بل الواجب الإنصاف وأن يعطى كل ذي حق حقه؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (2) وهكذا الإخوة، قال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (3)
__________
(1) سورة النساء الآية 11
(2) سورة النساء الآية 11
(3) سورة النساء الآية 176(20/247)
الصلح جائز بين الورثة
س 130: ترك لنا والدنا أسهما في عدة شركات. ثم أعطانا جميعا أسهما في جميع الشركات. ما عدا عدة شركات، ولم يتم إعطاء أخوين من إخواني الأكبر سنا. مع العلم بأنهم مستدينين من الوالد كل واحد منهم ما(20/247)
يعادل (700.000) ريال.
فهل يجب علينا إعادة الأسهم جميعا وتوزيعها التوزيع الحق؟ أم نتركها كما تركها الوالد وتعتبر هبة؟ (1) .
ج: عليكم مراجعة المحكمة وفيما تراه المحكمة الكفاية إن شاء الله، إلا إذا اصطلحتم على شيء وأنتم جميعا مكلفون مرشدون فلا بأس؛ لقوله سبحانه: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (2) ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما (3) » . وفق الله الجميع.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (مجلة الدعوة) وأجاب عنه سماحته في 15 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) سورة النساء الآية 128
(3) رواه الترمذي في (الأحكام) باب ما ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلح برقم (1352) وابن ماجه في (الأحكام) باب الصلح برقم (2353) .(20/248)
131 - مات عن زوجة وأخت وابنة عم
صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أفيد فضيلتكم أنه توفي المدعو ن. م. ع. عن أخته وزوجته وابنة عمه وحيث إن ابنة عمه هي أخت والدي من أمه ولا يوجد للمذكور أي معصب سواها، أرجو من فضيلتكم إفادتي هل لابنة عم المتوفى نصيب في الإرث أم لا؟ علما أن أخت المتوفى قد توفيت بعد وفاته بثلاثة أشهر تقريبا.
أرجو أن تكون الفتوى مكتوبة ومصدقة من فضيلتكم أثابكم الله، كما نسأله أن لا يحرمكم الأجر والثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل من وفاة المذكور عن
__________
(1) سؤال شخصي مقدم لسماحته من الأخ ع. م. ع. ق. أجاب عنه سماحته في 26 \ 10 \ 1413 هـ.(20/249)
زوجته وأخته وابنة عمه، فإن التركة تقسم من أربعة: للزوجة الربع واحد، والباقي للأخت سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم فرضا وردا إذا لم يكن للميت عاصب كما ذكرتم في السؤال، أما ابنة عمه فليس لها شيء؛ لأنها ليست من العصبة والسلام.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(20/250)
باب الخنثى
يحكم على الخنثى بعد البلوغ
س 132: الخنثى هل يعامل معاملة الأنثى، علما بأنه لم يتضح أمره، وهل ينطبق عليه جميع ما ينطبق على الأنثى من انقضاء العدة وغيرها من الأمور المتعلقة بالنساء؟ .
ج: الخنثى فيه تفصيل، فالخنثى قبل البلوغ يشتبه هل هو ذكر أو أنثى؛ لأن له آلتين، آلة امرأة وآلة رجل، لكن بعد البلوغ يتبين في الغالب ذكورته أو أنوثته. فإذا ظهر منه ما يدل على أنه امرأة، مثل أن يتفلك ثدياه، أو ظهر عليه ما يميزه عن الرجال بحيض أو بول من آلة الأنثى، فهذا يحكم بأنه أنثى وتزال منه آلة الذكورة بالعلاج الطبي المأمون. وإذا ظهر منه ما يدل على أنه ذكر، كنبات اللحية والبول من آلة الذكر وغيرها(20/251)
مما يعرفه الأطباء فإنه يحكم بأنه ذكر ويعامل معاملة الرجال، وقبل ذلك يكون موقوفا حتى يتبين الأمر، فلا يزوج حتى يتبين الأمر هل هو ذكر أو أنثى، وهو بعد البلوغ كما قال العلماء يتبين أمره.(20/252)
باب أهل الملل
لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
س 133: هل يجوز أن يرث المسلم الإنسان الذي يطوف حول القبور ويستغيث بها؟ وهل يجوز أن يرث المسلم تارك الصلاة؟ (1) .
ج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (2) » فالذي يطوف بالقبور ويستغيث بأهلها ويطلب منهم المدد لا يرث من المسلم ولا يرثه المسلم؛ لهذا الحديث الصحيح. وإنما يرث هذا الذي يطوف بالقبور أمثاله من عباد القبور لأنهم كفار مثله.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (10) .
(2) رواه البخاري في (الفرائض) باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم برقم (6764) ومسلم في (الفرائض) باب (أول الكتاب) برقم (1614) .(20/253)
ويرث المسلم أمثاله من المسلمين. فالمسلم يرث المسلم ولا يرث الكافر وهكذا بالعكس الكافر يرث الكافر ولا يرث المسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (1) » متفق على صحته من حديث أسامة رضي الله عنه.
وكذلك تارك الصلاة؛ لأن الصحيح أنه كافر كفرا أكبر، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه كفر أصغر وأنه لا يكفر بذلك إذا كان يقر بالوجوب ولا يجحد وجوبها، ولكن الصواب أنه كافر كفرا أكبر وأن ورثته المسلمين لا يرثونه - يعني أقاربه المسلمين - وإنما يكون إرثه لبيت المال؛ لأنه مرتد بهذا، إلا إذا كان له أقارب مثله في ترك الصلاة فهم يرثونه كما يرث الكفار بعضهم بعضا.
__________
(1) صحيح البخاري الفرائض (6764) ، صحيح مسلم الفرائض (1614) ، سنن الترمذي الفرائض (2107) ، سنن أبو داود الفرائض (2909) ، سنن ابن ماجه الفرائض (2730) ، مسند أحمد بن حنبل (5/208) ، موطأ مالك الفرائض (1104) ، سنن الدارمي الفرائض (2998) .(20/254)
إذا أسلم الكافر تكون أمواله لورثته المسلمين
س 134: ما مصير الإرث الذي تتحصل عليه من والدك بعد وفاته وأنت تعلم أنه كسبه بالحرب والنهب مع أقربائه؟ (1) .
__________
(1) سؤال شخصي مقدم إلى سماحته وأجاب عنه في 12 \ 8 \ 1418 هـ.(20/254)
ج: إذا كان مال المورث مكسوبا بطريق محرم كالنهب والسرقة والحروب الجاهلية لم يحل للوارث أكله ولزمه رده إلى أهله، فإن لم يعرفهم تصدق به عنهم إذا كانوا مسلمين إلا أن يكون المورث كافرا حين كسبه الأموال ثم أسلم وهي في يده فإنها تكون لورثته المسلمين، إلا أن يعرف منها شيء بعينه لأحد من المسلمين فإنه يرد إلى مالكه المعين في أصح قولي العلماء.(20/255)
باب المطلقة
المطلقة طلاقا رجعيا ترث زوجها إذا كانت في العدة
س 135: هل ترث امرأة مطلقة من أموال زوجها الذي مات قبل أن تنتهي عدتها؟ (1) .
ج: إذا كان الطلاق رجعيا ومات زوجها قبل خروجها من العدة فإنها ترث منه فرضها الشرعي، أما إن كانت قد خرجت من العدة فلا إرث لها، وهكذا إن كان الطلاق بائنا لا رجعة فيه، كالمطلقة على مال والمطلقة آخر ثلاث ونحوهما من البائنات، فليس لهن إرث من مطلقهن؛ لأنهن حين موته لسن بزوجات له، لكن يستثنى من ذلك من طلقها زوجها في مرض موته متهما بقصد حرمانها من الإرث، فإنها ترث منه في العدة وبعدها ما لم تتزوج ولو كان الطلاق بائنا في أصح قولي العلماء معاملة له بنقيض قصده. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد المسند ج 3 ص 54.(20/256)
حكم إرث المطلقة طلاقا رجعيا إذا ماتت في العدة
س 136: ما حكم الشرع في رجل تزوج من امرأة وطلقها الطلقة الأولى وفي أثناء العدة توفيت المرأة فهل يستحق الزوج إرثه منها؟ (1) .
ج: إذا توفيت المرأة وهي لم تخرج من عدة الطلاق الرجعي فإن زوجها يرثها بإجماع المسلمين؛ لأنها في حكم الزوجات ما دامت في العدة، وهكذا لو مات فإنها ترثه، أما إذا كان الطلاق غير رجعي كالطلاق الواقع على مال بذلته المرأة للزوج ليطلقها، وهكذا إذا خالعته على مال فخلعها على ذلك بغير لفظ الطلاق، وهكذا المرأة التي يفسخ الحاكم نكاحها من زوجها لمسوغ شرعي يقتضي ذلك، وهكذا من طلقها زوجها الطلقة الأخيرة من الثلاث ولم يكن متهما بقصد حرمانها من الميراث فإن هذه الفرقة في الصور الأربع فرقة بائنة ليس فيها توارث بين الزوجين مطلقا.
__________
(1) سؤال مقدم إلى سماحته من السائل أ. ع. ب. أجاب عنه سماحته برقم (956) في 2 \ 6 \ 1391 هـ.(20/257)
امرأة عقد عليها ثم مات من عقد له عليها
س 137: لي أخت تبلغ من العمر 14 سنة وعقد لها على ابن عمها بعقد قران ولكن الله قضى على ابن عمها فتوفي، أرجو إفادتي هل يحق لها الحداد كاملا أو نصفه أو لا يحق لها، وهل ترث من ملكه، علما أنه لم يدخل عليها بتاتا، ولم يأتها منه أي شيء لا حلي ولا غير ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا مات الرجل قبل الدخول بزوجته فإن عليها الإحداد ولها الإرث؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (2) فلم يفرق سبحانه بين المدخول بها وغير المدخول بها بل أطلق الحكم في الآية فعمهن جميعا، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة أنه قال: «لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا (3) » .
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته من الأخ م. ع. من الرياض، نشر في (كتاب الدعوة) ج 1 ص 162.
(2) سورة البقرة الآية 234
(3) رواه مسلم في (الطلاق) باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة. . . برقم (938) .(20/258)
ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين المدخول بها وغير المدخول بها، وقال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (1) ولم يفرق عز وجل بين المدخول بها وغيرها فدل ذلك على أن جميع الزوجات يرثن أزواجهن سواء كن مدخولا بهن أو غير مدخول بهن ما لم يمنع مانع شرعي من ذلك كالرق والقتل واختلاف الدين.
__________
(1) سورة النساء الآية 12(20/259)
المرأة ترث زوجها إذا مات عنها وهي عاصية له
س 138: هناك امرأة دعاها زوجها للفراش فامتنعت عنه؛ وذلك لأسباب نفسية أي لا ترغب في ذلك من 6 سنوات تقريبا، وهي معه منذ خمسين عاما، ولم يحصل لها ذلك إلا بعد الفترة التي ذكرتها، توفي زوجها إلى رحمة الله(20/259)
فهل يحق لها أن ترث من الميراث شيئا؟ .
ج: إذا كان لم يطلقها فإنها ترث ولو كانا متهاجرين هو وهي حتى مات، وعليها التوبة والاستغفار والندم والدعاء له.(20/260)
من تسبب في قتل مورثه بقصد إنقاذه فالمرجع في إرثه المحكمة إذا نازعه الورثة فيه
س 139: كنت أقود سيارة فصادفت في طريقي سيارة سائرة في الطريق المعد لسيري فنبهت قائدها بالمنبه وبالنور فلم ينتبه واتضح لي أنه نائم فاضطررت إلى الخروج عن الطريق فانقلبت سيارتي وتوفي على أثر ذلك والدي وابنة عمي هل تجب علي الكفارة؟ (1) .
ج: الذي يظهر لي من الشرع عدم وجوب الكفارة عليك إذا كان الذي حملك على الخروج من الطريق هو قصد إنقاذ نفسك وإنقاذ الركاب من خطر السيارة المقبلة الذي هو أكبر من
__________
(1) نشر في مجلة (الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة ص 126.(20/260)
خطر الخروج، أما إرثك من والدك فذلك راجع إلى المحكمة إن نازعك الورثة.(20/261)
ليس للقاتل من الميراث شيء
س 140: إذا قتل الرجل أخاه وعفى الأب عن هذا القاتل، فهل يرث القاتل من المقتول؟ (1) .
ج: لا يرث القاتل من المقتول إذا كان قتله عمدا عدوانا فإنه لا يرث منه (2) ، وهكذا لو كان خطأ أوجب عليه الدية أو الكفارة فإنه لا يرث منه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس للقاتل من الميراث شيء (3) » ، وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أن القاتل لا يرث من المقتول إذا كان قتله عدوانا، لكن لو سمح الورثة الباقون أن يشركوه فلا حرج عليهم إذا كانوا مكلفين مرشدين وسمحوا بأن يرث معهم هذا القاتل؛ لأن الحق لهم وقد أسقطوه.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) هذا لا يرث بكل حال لأن والد الميت موجود ولا ميراث للأخ مع وجوده
(3) رواه النسائي في السنن الكبرى (4 \ 79) باب توريث القاتل برقم (6367) والدارقطني (4 \ 96) برقم (87) .(20/261)
صفحة فارغة(20/262)
كتاب العتق
141 - عتق الأمة لا يخرجها من عصمة زوجها ولها الخيار إن كان زوجها رقيقا
حضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أقدم لفضيلتكم سؤالي هذا، أفيدكم أن لي فتاة كانت بملكي، وحينما تكرمت الحكومة بمعاوضة أرباب الرقيق، تقدمت بها وأخذت المعاوضة فيها وخرجت من ملكي. اهـ.
ألفت نظر فضيلتكم أن هذه الأمة كانت مزوجة إبان هي بملكي واستلمت فيها المعاوضة من الحكومة وهي مزوجة. فالآن أسترشد فضيلتكم هل تحل للزوج المذكور وهي قد جرى فيها البيع والشراء أم بمجرد ذلك أصبحت مطلقة؟ أفيدونا جزيتم خيري الدنيا والآخرة (1) .
__________
(1) سؤال مقدم من السائل ع. م. هـ. أجاب عنه سماحته في 3 \ 11 \ 1383 هـ.(20/263)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إذا كان الحال كما ذكرتم فالفتاة المذكورة باقية في عصمة زوجها وبيعها وعتقها لا يخرجانها من عصمته، إلا أن يكون زوجها رقيقا فلها الخيار بعد العتق إن شاءت بقيت معه وإن شاءت اختارت نفسها أو فارقته؛ لما ثبت في الحديث الصحيح «عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت جارية يقال لها بريرة وأعتقتها وكانت ذات زوج رقيق فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم (1) » ولم يجعل بيعها ولا عتقها ناسخا لنكاحها. وفقني الله وإياكم لما يرضيه ومن علينا جميعا بالفقه في دينه والثبات عليه، إنه سميع قريب، والله يتولاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) رواه بنحوه البخاري في (الشروط) باب الشروط في الولاء برقم (2729) ومسلم في (العتق) باب إنما الولاء لمن أعتق برقم (1504) .(20/264)
142 - التوكيل في العتق
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أفيد سماحتكم الكريم بأنه تسببت بقتل أخي الصغير خطأ عندما كنت أرجع بسيارتي إلى الخلف، وفي ذمتي كفارة قتل الخطأ وحاولت صيام شهرين متتابعين ولكني فشلت ولا أستطيع، لذا بحثت على عتق رقبة وأخيرا وجدت رقيقا في بلد إسلامي بأفريقيا بواسطة بعض المشايخ الثقات في تلك البلد وطلبت منهم شراء رقيق بنية العتق، فأخبروني بأنه يوجد بعشرة آلاف ريال سعودي في بلده ومعروف لديهم وسيده يملك البيع ولا يستطيع الإرسال إلى المملكة نظرا لقوانين تلك البلد، ولكنه يستطيع إخبار رقيقه بأنه تم البيع لي وأنه تم العتق بنيتي.
- هل يجوز لي شراء الرقيق والتوكيل للعتق في تلك البلد نيابة عني؟
أرجو إفادتي، والله يحفظكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
__________
(1) سؤال مقدم من السائل ت. ع. ت. أجاب عنه سماحته في 26 \ 2 \ 1417 هـ.(20/265)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إذا كان الواسطة ثقة تطمئن إليه، فلا بأس في توكيله في شراء الرقيق وإعتاقه عنك وبذلك تبرأ الذمة إن شاء الله؛ لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقوله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة البقرة الآية 286(20/266)
كتاب النكاح(20/267)
صفحة فارغة(20/268)
143 - الأنكحة المحرمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد (1) :
فإن الله جل وعلا شرع لعباده النكاح، وحرم عليهم السفاح، وحرم أيضا أنكحة فاسدة، كانت تعتادها الجاهلية، وبعضها شرع في الإسلام ثم نسخ، أما النكاح الشرعي الذي هو ضد السفاح هو النكاح الذي يكون عن رضى من المرأة، وعن واسطة الولي، وبواسطة الإعلان والشاهدين، وغير هذا من الإعلان فهذا هو النكاح الشرعي الباقي الذي قال الله فيه جل وعلا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (2) وقال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء (3) » ، وقال عليه الصلاة
__________
(1) محاضرة لسماحته بعنوان (الأنكحة المحرمة كالشغار والمتعة) بالجامع الكبير بالرياض.
(2) سورة النور الآية 32
(3) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (3352) .(20/269)
والسلام: «تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة (1) » . وفي لفظ: «الأنبياء يوم القيامة» وقال صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع، لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (3) » ، وفي لفظ: «وفساد عريض (4) » .
والأحاديث في المعنى للحث على النكاح والترغيب فيه كثيرة، والقرآن الكريم كذلك، دل على شرعية النكاح، ورغب فيه، قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (5) يعني أن لا تجوروا.
فالله سبحانه شرع لنا النكاح؛ لما فيه من إعفاف الفروج، ولما فيه من تكثير الأمة، فإن الأمة إذا لم يكن هناك نكاح
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه باب النهي عن التزويج من لم يلد من النساء.
(2) أخرجه البخاري برقم (4802) 5 \ 1958، ومسلم في صحيحه باب استحباب نكاح ذات الدين برقم (1466) 2 \ 1086.
(3) كتاب السنن حديث رقم (590) 1 \ 190.
(4) أخرجه الترمذي في سننه باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه برقم (1084) 3 \ 394.
(5) سورة النساء الآية 3(20/270)
انقرضت، ولكن من رحمة الله أن شرع النكاح، وجعل في الرجل الميل إلى المرأة، وجعل في المرأة الميل إلى الرجل، وكتب بينهما ما كتب، لوجود الذرية، حتى يبقى هذا النسل، وتبقى هذه الأمة، إلى الأمد الذي حدده الله عز وجل، وشرع لهذه الأمة التمسك بما بعث الله به أنبياءه، من عهد آدم إلى يومنا هذا، شرع النكاح وشرع التمسك بما خلقوا له، من دين الله وعبادته سبحانه وتعالى، حتى لا يزال في الأرض من يعبد الله ويتقيه، ويكثر من ذكره سبحانه، ويطيع أوامره، وينتهي عن نواهيه، وجعل لهذه الدنيا أمدا تنتهي إليه، فإذا جاء الأمد قامت القيامة، وانتهى أمر هذا العالم، وصار الناس إلى الدار الأخرى، وهي الجنة أو النار، على حسب أعمالهم، فمن كان من أهل الإحسان في هذه الدار، من أهل طاعة الله ورسوله، صار إلى دار النعيم والكرامة، وإلى دار أهل الإحسان وهي الجنة، ومن كان في هذه الدار من أهل الانحراف والفساد، وطاعة الشيطان، أو عصيان الرحمن، صار إلى دار الهوان، ودار العذاب والنكال، وهي النار نعوذ بالله من ذلك.
وشرع في النكاح أمورا منها: أن تكون المرأة والرجل خاليين من الموانع، صالحين للزواج، بأن يكونا مسلمين أو كافرين، أو الزوج مسلما والمرأة كتابية، من اليهود والنصارى المحصنات، فإنه يكون النكاح هكذا، إما مسلمان أو كافران،(20/271)
أو مسلم وكتابية محصنة، من اليهود والنصارى، فإذا اختل الأمر صار هناك مانع، إذا كان الزوج مسلما، والمرأة غير كتابية ولا مسلمة، وثنية مجوسية شيوعية، لم يصح النكاح، كذلك لا بد أيضا من كون المرأة خالية من الموانع ليست في عدة، ولا في عصمة نكاح، بل تكون خالية مطلقة أو متوفى عنها، قد انتهت من العدة أو لم تزوج أصلا، ثم هناك أيضا موانع أخرى من القرابة والرضاعة والمصاهرة، تكون سليمة من ذلك، والرجل سليما من ذلك، ليس بينهما ما يحرم النكاح، لا قرابة مثل كونها أخته أو عمته، أو خالته أو بنت أخيه أو ما أشبه ذلك، من رضاع أو من نسب، ولا كونها أيضا محرمة بالمصاهرة، كأن تكون بنت زوجته المدخول بها، أو أم زوجته أو جدتها، فلا يجوز له نكاحها، فإذا صار الزوجان خاليين من الموانع، وتوافرت الشروط الشرعية، من رضا الزوجين: الزوج والزوجة، الزوج بالمرأة والمرأة بالزوج، إلا ما استثني من حال صغر المرأة، إذا زوجها أبوها في حال صغرها، وهي ابنة تسع، واختار لها الزوج الصالح، فهذا يجوز إذا كان دون التسع، إذا اختار أبوها لها الزوج الصالح، كما زوج الصديق رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صغيرة بنت ست أو سبع سنين، بغير مشورتها؛ لأنها صغيرة جدا، أما إذا بلغت تسع سنين فأكثر، فإنها تستشار(20/272)
وتخبر، وإذنها صمتها يعني سكوتها، هذا إذا كانت بكرا، أما الثيب فلا بد من نطقها، ولا بد من مؤامرتها، حتى تنطق وحتى تصرح بالرضا، ولا بد أيضا من وجود الولي، ووجود الشاهدين، فإذا توافرت الشروط: الزوج والزوجة وما يجب في ذلك صح النكاح، وصار نكاحا شرعيا، بشرط أن يكون هذا النكاح للرغبة لا للتحليل، ولا مؤقتا بوقت، وأن يتزوجها راغبا فيها، يريد الاستمتاع بها، والبقاء معها ليعفها وتعفه، ولما يسر الله من أولاد، والمصالح الأخرى.(20/273)
144 - وهناك أنكحة تخالف النكاح الشرعي، من ذلك نكاح المتعة:
وهو أن يتزوجها لمدة معينة، ثم بعد ذلك يزول النكاح، كأن يتزوجها شهرا أو شهرين أو ثلاثة، أو ما أشبه ذلك، لمدة يتفقان عليها، هذا يقال له: نكاح المتعة، وقد أبيح في الإسلام وقتا ما، ثم نسخ الله ذلك وحرمه على الأمة سبحانه وتعالى، بأن جاء في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (1) » ، وثبت من حديث علي رضي الله عنه، وسلمة بن الأكوع وابن
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1406) 2 \ 1025.(20/273)
مسعود وغيرهم، أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المتعة، فاستقرت الشريعة على تحريم نكاح المتعة، وأنه محرم، وأن النكاح الشرعي هو الذي يكون فيه الرغبة من الزوج للزوجة، ليس بينهم توقيت، بل يتزوجها على أنه راغب فيها، لما يرجو وراء ذلك من العفة، والنسل والتعاون على الخير، فهذا هو النكاح الشرعي، أن ينكح لرغبة فيها، ليستمتع بها ويستعف بها، ولما يرجو من النسل والذرية، فهذا هو النكاح الشرعي، الذي أباحه الله، وتقدم بيان شروطه، وما ينبغي فيه، وجعله سبحانه وتعالى خيرا للأمة، فيه تعاونها، وفيه تكثير نسلها، وفيه إعفاف رجالها ونسائها، وفيه الإحسان إلى الجنسين، فالزوج يحسن إلى المرأة، بإعفافها والإنفاق عليها، وصيانتها وحمايتها من ذئاب الرجال، إلى غير ذلك، والمرأة تساعده على دينه ودنياه، وتعفه وتراعي مصالحه، وتعينه على نوائب الدنيا والآخرة. وهذا النكاح الذي سمعتم، هو نكاح المتعة، قد نسخ في الإسلام، واستقر تحريمه، وكان عمر رضي الله عنه يتوعد من فعله بأن يرجمه، رجم الزاني؛ لأن الله قد حرمه واستقر تحريمه في الشريعة، ولكن لم يزل في الناس من يستبيحه، وهم الرافضة يستبيحون نكاح المتعة، ويفعلونه وهو مشهور في كتبهم، وذلك مما أخذ عليهم، ومما ضلوا فيه عن سواء السبيل، فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بهم، بل(20/274)
يجب الحذر مما هم عليه من الباطل، وأن يعلم المؤمن يقينا أن هذا النكاح باطل، وأنه مما حرمه الله، ومما استقرت الشريعة على تحريمه، وسبق لكم حديث سمرة بن معبد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا (1) » . خرجه مسلم في صحيحه.
هذا النص وما جاء في معناه، يبين أن هذا النسخ مستمر إلى يوم القيامة وأنه انتهى أمر هذا النكاح، ولا يبقى له محل إباحة، بل قد نسخه الله، واستمر تحريمه إلى يوم القيامة، وهو كما تقدم نكاح المتعة، النكاح المؤقت، الذي يتفق عليه الرجل والمرأة، لمدة معلومة، هذا هو نكاح المتعة، ومن عاداتهم أنه إذا مضت المدة، انتهى ولا يحتاج إلى طلاق ولا غير ذلك، ولكن لو جعلوا فيه طلاقا، فهو أيضا طلاق متعة، لو اتفقوا على شهرين أو ثلاثة، ثم يطلقها، ثم تعتد كله نكاح متعة، فالنكاح المؤقت نكاح متعة مطلقا، سواء كان فيه طلاق أو بمجرد انتهاء المدة، ينتهي الأمر فيما بينهم، أو شرطوا فيه الطلاق أو الفسخ، كله نكاح متعة وهو محرم بالنص، ومكان
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1406) 2 \ 1025.(20/275)
إجماع من أهل العلم، فلا يوجد بين أهل العلم خلاف فيه، بل محرم عند أهل السنة والجماعة قاطبة.(20/276)
145 - النكاح الثاني من الأنكحة التي حرمها الله عز وجل، وقد وقع فيها بعض الناس نكاح التحليل:
وهو نكاح يفعله من حرمت عليه زوجته بالطلاق، بالطلقة الأخيرة الثالثة، بعض الناس لضعف إيمانه، وقلة خوفه من الله عز وجل، يتفق مع شخص آخر ليتزوجها، فإذا دخل بها ووطأها، فارقها حتى يعود إليها زوجها الأول، وهذا هو النكاح الذي يسمى نكاح التحليل، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه لعن المحلل والمحلل له (1) » المحلل هو التيس المستعار، والزوج هو الذي يطلبه لتحليلها، والمحلل له هو الزوج الأول المطلق، هذا نكاح باطل وحرام، إذا اتفقا عليه للتواطؤ، أو بالشرط اللفظي، أو بالكتابة، كل ذلك محرم للأحاديث التي جاءت في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلل له، جاء في ذلك عدة أحاديث منها: حديث ابن مسعود وأبي هريرة وغيرهما، وفي لفظ يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه برقم (1936) 1 \ 623.(20/276)
له (1) » سمي تيسا مستعارا؛ لأنه جيء به للضراب، ليس زوجا وإنما جيء به ليدخل بها مرة، يجامعها مرة ثم يفارقها؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال في المطلقة آخر الثلاثة: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2) فهذا المطلق الطلقة الثالثة لما رأى أنه لا حيلة له إلا بزوج، وهو يريدها وتريده، زين لهم الشيطان هذا العمل السيئ، وهو الاتفاق مع شخص: يسمى المحلل، ويعطونه ما شاء الله من المال، وترضى به الزوجة رضا مؤقتا، ليحللها لزوجها، فلا تنظر في حاله ولا نسبه ولا أهليته في الغالب؛ لأنه لا يهمهم إلا أنه يدخل عليها مرة، ثم يخرج وينتهي الأمر ليحللها للزوج الأول، وهذا من أقبح الباطل، ومن أعظم الفساد، وهو زان في المعنى؛ لأنه ما تزوجها لتكون زوجة، لتعفه ولتبقى لديه لتحصنه، ليرجو منها وجود الذرية لا، إنما جاء تيسا مستعارا، ليحللها لمن قبله، بوطء مرة واحدة، ثم يفارقها وينتهي منها، هذا هو المحلل، ونكاحه باطل، وليس بشرعي، ولا تحل للزوج الأول إذا علم هذا، فإنه يستحق أن يؤدب ويعزر بالتعزير البليغ، الذي يردعه وأمثاله، وهذه الزوجة لا تحل بذلك، بل يعزر أيضا المحلل وهي كذلك، إذا كانت راضية، كلهم يعزرون لهذا العمل السيئ؛ لأنه نكاح فاسد، نكاح خبيث، نكاح منكر ومعصية، فوجب أن يعزر القائمون به: المحلل والمحللة،
__________
(1) سنن ابن ماجه النكاح (1936) .
(2) سورة البقرة الآية 230(20/277)
والمحلل له أيضا، كلهم سواء فالمرأة إذا كانت راضية وعالمة بهذا الشيء فهي أيضا تستحق التعزير والتأديب، لرضاها بالمعصية، ومواطأتها عليها، ولو أراد أن يبقى عندها لم تحل له، ما دام نكحها بهذه النية، وبهذا القصد، فإنه نكاح فاسد ولا تحل له، ولا تحل للزوج الأول؛ لأن هذا ليس بزواج، والله قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1) وهذا تيس مستعار، وليس بزوج شرعي، فلا يحللها للزوج الأول.
__________
(1) سورة البقرة الآية 230(20/278)
146 - والنكاح الثالث الفاسد أيضا: نكاح يسمى نكاح الشغار، ويسمى عند بعض الناس نكاح البدل، وهو نكاح يشترط فيه كل واحد من الوليين، نكاح الأخرى، فيقول أحدهما للآخر: زوجني وأزوجك، زوجني بنتك وأزوجك بنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، أو زوج ابني وأنا أزوج ابنك، أو زوجني وأنا أزوج ابنك، أو زوج ابني وأنا أزوجك، أو أزوج أخاك أو ما أشبه ذلك، هذا هو الشغار قالوا: سمي شغارا من الخلو؛ لأنه في الغالب لا يهمهم المهر، وإنما يهمهم الاتفاق على هذا العمل، يقال: بلاد شاغرة: يعني خلت من أهلها، ويقال: مكان شاغر: خالي. ويقال: شغر الكلب برجله، إذا رفعها ليبول، فأخلى مكانها، وقيل: سمي شغارا من شغور الكلب برجله، المعنى كأنه يقول: لا تمسها، ولا تمس رجلها، حتى أمس أو حتى أباشر(20/278)
رجل أختك، أو بنتك أو عمتك، وما أشبه ذلك، وبكل حال فهو منكر وفاسد، وإن لم يخل من المهر، وإن سمي فيه مهر؛ لما ثبت «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار (1) » في حديث ابن عمر، ومن حديث جابر رضي الله تعالى عنه، ومن حديث معاوية ومن أحاديث أخرى، في النهي عن الشغار، وفي حديث أبي هريرة، والشغار هو أن يقول الرجل: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، هذا هو الشغار، أما ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بقوله: إن الشغار هو أن يزوج هذا هذا، وهذا هذا وليس بينهما صداق، هذا من كلام نافع مولى ابن عمر، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال جماعة: هو من كلام مالك بن أنس الراوي، عن نافع وبكل حال فهو ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام من دون النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نافع مولى ابن عمر أو مالك، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في البلوغ: واتفقا من وجه آخر على أن تسمية الشغار من كلام نافع، فليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وقد اتفق الشيخان على أنه من تفسير نافع وليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وبعض الفقهاء - رحمة الله عليهم -، أخذ بما قال نافع، وقالوا: إنه لا يكون شغارا إلا إذا خلا من المهر، أما إذا كان فيه المهر كاملا
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5112) ، صحيح مسلم النكاح (1415) ، سنن الترمذي النكاح (1124) ، سنن النسائي النكاح (3337) ، سنن أبو داود النكاح (2074) ، سنن ابن ماجه النكاح (1883) ، مسند أحمد بن حنبل (2/62) ، موطأ مالك النكاح (1134) ، سنن الدارمي النكاح (2180) .(20/279)
فليس فيه حيلة، والمهر كاملا لهذه ولهذه، فإنه لا يكون شغارا، وهذا قول ضعيف ومرجوح، والصواب أنه يكون شغارا مطلقا، إذا كان فيه الشرط؛ لظاهر الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه في حديث أبي هريرة قال: والشغار أن يقول الرجل: زوجني أختك وأزوجك أختي أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي (1) . ولم يقل: وليس بينهما صداق، بل أطلق؛ ولما ثبت في المسند وسنن أبي داود بسند صحيح عن معاوية رضي الله عنه، «أنه رفع إليه أمير المدينة، أن شخصين تزوجا شغارا، وقد سميا مهرا، فكتب معاوية رضي الله عنه إلى أمير المدينة أن يفرق بينهما، وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام (2) » مع أنهما قد سميا مهرا، فدل ذلك على أن الشغار هو ما فيه مشارطة، سواء سمي فيه المهر، أم لم يسم فيه المهر، والحكمة في ذلك والله أعلم، أنه وسيلة إلى ظلم النساء، وإجبارهن على أزواج لا ترضاهم النساء، وسبب أيضا لعدم المبالاة بمهورهن، وسبب أيضا للنزاع المتواصل والخصومات الكثيرة، فمن رحمة الله أن حرم الله ذلك، حتى لا يجبر النساء بغير حق، وحتى لا يظلمن، وحتى يسد باب النزاع والخصومات، فإن الذين فعلوا هذا قد جربوا ما فيه من الشر، فإنه تكثر بينهم النزاعات
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1416) 2 \ 1035.
(2) سنن أبو داود النكاح (2075) ، مسند أحمد بن حنبل (4/94) .(20/280)
والخصومات، وإذا جرى بين هذا وزوجته شيء، وخرجت لعلة خرجت الأخرى، أو طلب وليها بإخراجها، حتى تعود هذه، وهكذا في النزاع، متى ساءت الحال بين هذا وزوجته، لحقتها الأخرى؛ لأنه مشروط على هذا، وهذا مشروط عليه أن ينكح هذا هذه، وهذا هذه، فكل ما جرى نزاع، ساءت الحال بين الجميع، ثم الولي لا يبالي، بل يحبسها ويؤذيها، حتى يجد امرأة أخرى، ويشترطها لنفسه، أو لولده أو لابن أخيه أو لأخيه، فتكون النساء حبسا مظلومات لحاجات الأولياء، ولمصالح الأولياء، ولظلم الأولياء، ومن أجل هذا حرم الله الشغار، ونهى عنه نبيه عليه الصلاة والسلام، حتى لا تظلم النساء، وحتى لا يتخذ تزويجهن للهوى والظلم، وإرضاء الأولياء، وتحصيل مقاصدهم وأهوائهم، بل على الولي أن يطلب لها الزوج المناسب، الزوج الشرعي، ولا يعلق ذلك، بأن يزوج ابن هذا، أو أخا هذا، أو عم هذا وما أشبه ذلك، فهذا هو نكاح الشغار، وهو المسمى نكاح البدل، والصواب أنه لا يجوز مطلقا سواء كان فيه مهر أم لم يكن فيه مهر، هذا هو أرجح قولي العلماء في هذه المسألة، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة، وهو الموافق للمعنى الذي من أجله حرم الله الشغار، الذي هو البدل، ونهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة، وإن سمي فيه(20/281)
مهر، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، أسأل الله أن يمن على المسلمين بالعافية من كل ما يغضبه، والواجب على من يستمع مثل هذه الفائدة أن يبلغها إلى غيره؛ لأن هذا كثير عند بعض الناس، فمسألة الشغار هذه موجودة في الحاضرة والبادية، ولعله في البادية أكثر، وفي القرى، فينبغي تبليغ ذلك لمن يستطيعه الإنسان، ولا سيما في هذا الوقت عند غلاء المهور، صار كل واحد يحبس ابنته أو أخته، يقول: لعله يحصل لي من يزوجني، بأخته أو بنته، فتبقى عنده بنته إلى أن تبلغ الأربعين سنة، أو الثلاثين سنة يرجو وجود من يزوجه، أو يزوج ولده، وهذا من الظلم الظاهر، والمعصية الظاهرة، فيجب على الإخوان أن يبلغوا من علموا ذلك منه، وأن يخوفوه من الله، وأن يحذروه نقمة الله، فإن هذا ظلم للنساء، لا يجوز هذا النكاح في هذه الصفة، أمر لا يجوز أيضا. ونسأل الله للجميع الهداية والعافية.(20/282)
س 147: في برنامج نور على الدرب - وهو برنامج ينتشر - حلل الموضوع هذا ما دام سمي المهر، فالواجب نشر تعميم أو تعقيب على الكلام هذا، أنه ما يجوز لأن بعض الناس يأخذ به يسمع هالكلام أنه إذا كان فيه مهر فإنه جائز؟
ج: هذا على كل حال غلط ولا بد، سنسأل عن الذي قال،(20/282)
ونتفق معه على أمر إن شاء الله، يعلن هذا الشيء؛ لأن هذا فيه مضار كثيرة، ومسائل إذا تأملها العاقل عرف ما فيها من الشر، ثم هو مخالف لنص النبي عليه الصلاة والسلام وإطلاقه عليه الصلاة والسلام، فأقوال العلماء واجتهاداتهم رضي الله عنهم، ورحمهم، تعرض على الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة منها قبل، وما خالف الكتاب والسنة، من أقوالهم وآرائهم، وجب أن يرد، قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) هذا هو الواجب على أهل العلم، أن يردوا ما تنازع فيه الناس إلى حكم الله ورسوله، حتى ينتهي النزاع، وحتى تجتمع الأمة على الحق والهدى الذي ينفعها ولا يضرها.
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10(20/283)
س 148: ما مصير الأولاد نتيجة الشغار هذا؟
ج: يلحقون بآبائهم؛ لأنه نكاح شبهة، بسبب أن بعض أهل العلم يبيحه، إذا كان فيه مهر، فهذا يكون شبهة، أو بعض الناس يفعله جاهلا، ما سأل ولا استفتى، يحسب أن هذا لا بأس به، فيكون الأولاد لاحقين بآبائهم، بسبب الشبهة، ولا(20/283)
شك في ذلك، ولكن على من فعل ذلك أن ينتبه ويجدد النكاح، إذا انتبه يجدد النكاح، يقول للمرأة: ترى في بقائك معي شبهة، ويجدد النكاح بعقد جديد، من دون حاجة إلى طلاق، يجدد عقد النكاح من وليها بدون شرط، ويجدد نكاح المرأة الأخرى، فيزول المحذور، وإن كانت لا تريده طلقها طلقة واحدة، وكل يغنيه الله من سعته، يقول سبحانه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (1)
__________
(1) سورة النساء الآية 130(20/284)
س 149: إذا اتفق الإخوة أن يزوجوا عيالهم، كل واحد ابنة الثاني، بدون مهر هل يدخلون في ذلك في الشغار؟
ج: ليس هذا من الشغار، إذا كان ما هو بشرط بل هذا خطب هذه، وهذا خطب هذه، واتفق آباء الأولاد والنساء، على ذلك من دون شرط، فلا بأس بذلك، ولكن لا بد من المهر، لكل واحدة مهر المثل، وإن لم يسموه، فلا بد من المهر؛ لأن الله جل وعلا قال: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) فالنكاح صحيح، ثم قال بعده: {وَمَتِّعُوهُنَّ} (2) وفي الحديث الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة التي لا يفرض لها، قال: لها مهر
__________
(1) سورة البقرة الآية 236
(2) سورة البقرة الآية 236(20/284)
نسائها لا وكس ولا شطط (1) » .
__________
(1) صحيح ابن حبان رقم (4099) 9 \ 409.(20/285)
س 150: إذا كان هذا المهر عند الاتفاق قالوا: لها مهر من الكسوة والذهب والثياب؟
ج: إذا تراضوا به فلا بأس، إذا تراضوا على الكسوة أو على الدراهم أو على الحلي، من الذهب والفضة كفى.(20/285)
س 151: عندي شقيقتي تبلغ من العمر عشرين سنة ولم تتزوج، وكلما تقدم رجل إلى خطبتها امتنعت من الزواج منه، وتقول أنا لا آخذ إلا أولاد عمي، علما أن أولاد عمها أكثرهم ما يصلي، نرجو أن تدلونا إلى مخرج من هذا المأزق؟
ج: الحاجة لها فإن كانت إذا خطبت، لا تريد وتأبى إلا أولاد عمها، تنصح ويقال لها: ليس من الشرط أولاد عمك، أولاد عمك أولا قد لا يرغبون فيك، قد يكون لهم رغبة أخرى، فيمن هي أجمل منك، أو غير ذلك، من الأسباب، وقد يكون أولاد عمك لا خير فيهم؛ لأنهم لا يصلون فساق لا يصلون، فلا وجه لانتظارهم، وإن كانوا قد يهديهم الله ويتوبون، لكن لا وجه لانتظارهم؛ لأن المرأة على خطر، والشاب على خطر، فينبغي البدار بالزواج، وعدم الانتظار، إذا(20/285)
جاء الزوج المناسب، فأولياء المرأة ينصحونها، ويوجهونها إلى الخير، حتى تقبل الخاطب الطيب، ولو كان من غير أولاد عمها، هذا هو الواجب، وأيضا على الأولياء أن لا يحبسوها لأولاد عمها، بعض الأولياء يقول: لا أبدا إلا ولد عمك، وإلا تبقى عندي، يحبسها ويلزمها ويكرهها على أولاد عمها، وقد يكونون غير صالحين، وقد يكونون فيهم علل أخرى غير عدم الصلاح، لا ترضاها المرأة، فلا يجوز لأبيها أن يرغمها على أولاد عمها، ولا يجوز لأولاد عمها أن يرغموها ويتوعدوها، ويقولون: لو تزوجت فعلنا وفعلنا، هذا كله ما يجوز، وكله من أمر الجاهلية لا يجوز لا لأبيها أن يرغمها، ولا لأولاد عمها أن يرغموها، وليس لهم أن يتوعدوا من تزوجها بقتله، أو ضربه أو ما أشبه ذلك، كل هذا من أمر الجاهلية، وعلى ولاة الأمور إذا علموا هذا، أن يعزروا من فعل ذلك، وأن يؤدبوا من فعل ذلك، ردعا للظلم وحسما لمادة الفساد.(20/286)
س 152: إذا تزوج بنتا وبعد الدخول عليها لم يجدها بكرا فماذا يفعل؟
ج: هذا له أسباب، قد تكون البكارة ذهبت بأسباب غير الزنا، فيجب حسن الظن إذا كان ظاهرها الخير، وظاهرها الاستقامة، فيجب حسن الظن في ذلك، أو كانت قد فعلت(20/286)
الفاحشة ثم تابت، وندمت وظهر منها الخير ما يضره ذلك، وقد تكون البكارة زالت من شدة الحيض، فإن الحيضة الشديدة تزيل البكارة، ذكره العلماء وكانت تزول البكارة ببعض الوثبات، إذا وثبت من مكان إلى مكان، أو نزلت من محل مرتفع إلى محل سافل بقوة قد تزول البكارة، فليس من لازم البكارة أن يكون زوالها بالزنا، لا، فإذا ادعت أنها زالت البكارة في أمر غير الفاحشة، فلا حرج عليه، أو بالفاحشة ولكنها ذكرت له أنها مغصوبة ومكرهة، فإن هذا لا يضره أيضا، إذا كانت قد مضى عليها حيضة بعد الحادث، أو ذكرت أنها تابت وندمت، وأن هذا فعلته في حال سفهها وجهلها ثم تابت وندمت، فإنه لا يضره، ولا ينبغي أن يشيع ذلك، بل ينبغي أن يستر عليها، فإن غلب على ظنه صدقها واستقامتها، أبقاها وإلا طلقها مع الستر وعدم إظهار ما يسبب الفتنة والشر.(20/287)
س 153: متى يعرف الزوج أن عدم وجودها بكرا من غير الزنا؟
ج: هذا لا يلزم، إلا إذا عرف أنها عن فاحشة؛ لأن البكارة قد تزول بالحيض، وقد تزول بأسباب أخرى، من الوثبة ونحو ذلك، وقد تكون مكرهة والمكرهة حكمها حكم من لم تفعل شيئا، وقد تكون أيضا لأمر رابع فعلته عن موافقة، ولكن(20/287)
الله تاب عليها وتحسنت حالها بحسن توبتها وندمها.(20/288)
س 154: في بعض البلدان يحبون أن يروا دم البكارة في الثوب، فيعلنونها في النهار، وإذا وجد رجل امرأته ليس فيها البكارة وأراد أن يسترها كلفوه بتركها وطلقها، هل لهم أن يردوا عليه ماله؟
ج: هذا إذا كان ضروريا، يمكن أن يفعل هذا بشيء آخر، يمكن أن يجعل دما من غير البكارة، إذا كان ضروريا أنه لا بد من إظهار شيء عندهم، في عاداتهم وإذا لم يفعل قد يرمونها بالزنا، في إمكانه أن يضع شيئا من دم آخر، ويجعله على الثوب من باب الستر على الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة (1) » (2) .
__________
(1) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699) ، سنن الترمذي القراءات (2945) ، سنن أبو داود الأدب (4946) ، سنن ابن ماجه الحدود (2544) ، مسند أحمد بن حنبل (2/252) .
(2) أخرجه ابن ماجه في سننه باب الستر على المؤمنين ودفع الحدود بالشبهات برقم (2544) 2 \ 850.(20/288)
س 155: هل الزوجة التي طلقها زوجها ثلاث طلقات، ثم تزوجت زوجا آخر، ثم طلقها ثم تزوجها الأول هل لهذا الزوج ثلاث طلقات جديدة؟
ج: نعم إذا طلقها الزوج آخر الثلاث، ثم تزوجت زوجا شرعيا ووطئها، دخل بها ثم عادت لزوجها الأول بعد الطلاق،(20/288)
أو بعد الموت نعم يكون له ثلاث طلقات مثل ما كان في النكاح الأول، لكن إن كان ما طلقها إلا واحدة، أو طلقها ثنتين ثم تزوجت ثم عادت إليه فليس لها إلا ما بقي بطلاقها الأول، واحدة أو ثنتين، الذي بقي لها يبقى لها، أما إذا كان قد استوفى الطلقات الثلاث ثم طلقها ثم نكحت نكاحا شرعيا، ثم طلقت أو مات زوجها بعد الدخول بها، بعد وطئها، يعني فإن الزوج الأول يتزوجها، وترجع له بعدد ثلاث طلقات كالنكاح الأول.
والبائنة بينونة صغرى وهي من طلقها زوجها واحدة أو ثنتين ثم رجعت إليه بالمراجعة أو بنكاح جديد كالمخلوعة المفسوخة فإنها ترجع على الطلاق الباقي كما ذكرنا.(20/289)
س 156: هل زوج الأخت يعتبر محرما للأخت الأخرى مؤقتا بحيث يجوز أن يختلي بها وكذلك عمة البنت؟
ج: لا، زوج الأخت ليس محرما لها، زوج الأخت والخالة وكذلك العمة لا تكون عمتها التي يحرم عليه نكاحها مع البنت فلا يجمع بينهما، وهكذا خالتها إنما هذا تحريم مؤقت، ولم يكن محرما لها زوج أختها وهكذا زوج عمتها، وهكذا زوج خالتها، وهكذا نفس العمة عمة الزوجة، وأخت الزوجة وخالة الزوجة لسن محارم للزوج المذكور، لأنهن محرمات عليه متى طلق أختهن أو بنت أخيهن أو بنت أختهن(20/289)
جاز له النكاح بعد العدة، فالحاصل أن بعض الناس يتساهل مع بعض النساء، مع زوج أختها، ويتساهل بعض الناس مع أخي زوجها، أو عم زوجها، وهذا غلط لا يجوز، فلا يجوز للمرأة أن تتساهل مع أخي زوجها، فإنه ليس محرما لها، وليس عمه محرما لها، ولا خاله وإنما المحرم أبوه وابنه هما المحارم، أما أخو الزوج وعم الزوج، وابن عم الزوج وخال الزوج فليسوا محارم، كذا زوج الأخت وزوج العمة وزوج الخالة ليسوا محارم، المحرم زوج بنتها، زوج أمها، هذا هو المحرم، أما زوج أختها وزوج عمتها، وزوج خالتها فليسوا محارم، يجب الحجاب والتحرز وعدم الخلوة.(20/290)
157 - متعة النساء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبوتا لا شك فيه الإذن في نكاح المتعة، ثم تحريمه تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، وحكي إجماع من سوى الشيعة على ذلك، وما يشبه الإجماع من أئمة العلم نذكر منهم من يلي:
1 - أبو عبيد: قال: " المسلمون اليوم مجمعون على أن متعة النساء قد نسخت بالتحريم، نسخها الكتاب والسنة، وهذا قول أهل العلم جميعا من أهل الحجاز والشام والعراق من أصحاب الأثر والرأي، وأنه لا رخصة فيها لمضطر ولا لغيره ".(20/291)
2 - الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المعروف بأبي جعفر النحاس نص في كتابه الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ص 105 على اجتماع من تقوم به الحجة على أن المتعة حرام بكتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الخلفاء الراشدين المهديين وتوقيف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس وقوله: إنك رجل تائه «وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم المتعة (1) » ، قال: " ولا اختلاف بين العلماء في صحة الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصحة طريقه وروايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم المتعة " وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه، ثم قال في ص 106: " قرأ علي أحمد بن محمد الأزدي عن إبراهيم بن داود قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال: حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس: إنك رجل تائه، يعني: مائل، «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في (كتاب النكاح) باب نكاح المتعة برقم (2510) .(20/292)
نهى عن المتعة (1) » قال أبو جعفر: ولهذا الحديث طرق اخترنا هذا؛ لصحته ولجلالة جويرية؛ ولأن ابن عباس لما خاطبه علي رضي الله عنه بهذا لم يحاججه، فصار تحريم المتعة إجماعا؛ لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس " اهـ.
3 - الطحاوي قال في شرح معاني الآثار ج 3 ص 27 بعد روايته نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن متعة النساء قال: " فهذا عمر رضي الله عنه قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليه منهم منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك دليل على نسخها وحجة " اهـ.
4 - البغوي قال في شرح السنة ج 9 ص 100: " اتفق العلماء على تحريم نكاح المتعة وهو كالإجماع بين المسلمين، وروي عن ابن عباس شيء من الرخصة للمضطر إليه بطول الغربة ثم رجع عنه حيث بلغه النهي " اهـ.
5 - الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي قال في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 138: بعد ما روى من طريق الشافعي أنه قال: أنبأنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فأردنا أن
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/293)
نختصي فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (1) » قال بعد أن رواه وقال: " هذا طريق حسن صحيح، وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام، وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود، وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة، حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت، فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة، ويروى أيضا عن ابن جريج جوازه " اهـ.
6 - الإمام محمد بن علي الشوكاني قال في كتابه السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: " اعلم أن النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة هو النكاح الذي يعقده الأولياء للنساء، وقد بالغ الشارع في ذلك حتى حكم بأن النكاح الواقع بغير ولي باطل وكرر ثلاثا، ثم النكاح الذي جاءت به هذه الشريعة
__________
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في (كتاب تفسير القرآن) باب قوله تعالى: '' يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات '' برقم (4249) .(20/294)
هو النكاح الذي أوجب الشارع فيه إشهاد الشهود؛ لما ثبت ذلك بالأحاديث، ثم النكاح الذي شرعه الشارع هو النكاح الذي يحصل به التوارث ويثبت به النسب ويترتب عليه الطلاق والعدة، وإذا عرفت هذا فالمتعة ليست بنكاح شرعي، وإنما هي رخصة للمسافر مع الضرورة ولا خلاف في هذا، ثم لا خلاف في ثبوت الحديث المتضمن للنهي عنها إلى يوم القيامة، وليس بعد هذا شيء ولا تصلح معارضته بشيء مما زعموه. وما ذكروه من أنه استمتع بعض الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم فليس هذا ببدع، فقد يخفى الحكم على بعض الصحابة؛ ولهذا صرح عمر بالنهي عن ذلك وأسنده إلى نهيه صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن بعض الصحابة تمتع، فالحجة إنما هي فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا فيما فعله فرد أو أفراد من الصحابة، وأما المراوغة بأن التحليل قطعي والتحريم ظني، فذلك مدفوع بأن استمرار ذلك القطعي ظني بلا خلاف، والنسخ إنما هو للاستمرار لا لنفي ما قد وقع، فإنه لا يقول عاقل بأنه ينسخ ما قد فرغ من فعله، ثم قد أجمع المسلمون على التحريم ولم يبق على الجواز إلا الرافضة، وليسوا ممن يحتاج إلى دفع أقوالهم ولا هم ممن يقدح في الإجماع، فإنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، قال ابن المنذر:(20/295)
" أجمع العلماء على تحريمها إلا الروافض " وقال ابن بطال: " وأجمعوا الآن على أنه متى وقع - يعني المتعة - أبطل، سواء كان قبل الدخول أو بعده " وقال الخطابي: " تحريم المتعة كالإجماع إلا عند بعض الشيعة " اهـ (1) .
وعبارات أئمة العلم التي تنحو هذا المنحى في حكاية إجماع من سوى الشيعة أو ما يشبه الإجماع كثيرة، لكن بعد إعطائنا الموضوع ما يستحق من الدراسة وجدنا مع المجيزين لمتعة النساء من الأمور ما لا بد من عرضه والإجابة عليه فنقول وبالله التوفيق:
__________
(1) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ج 2 ص 267، 268 طبعة القاهرة.(20/296)
158 - تعلق المجيزون لمتعة النساء بما يلي:
1 - قول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) ؛ لما ورد عن بعض السلف من يفسره بنكاح المتعة، ولقراءة طائفة من السلف (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) .
2 - اختلاف الروايات الواردة في بيان أول وقت لتحريم المتعة، حيث ذكر مسلم من رواية سلمة بن الأكوع إباحتها يوم
__________
(1) سورة النساء الآية 24(20/296)
أوطاس (1) ، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح وتحريمها فيه (2) ، ومن حديث علي تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح (3) ، وذكر غير مسلم من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك (4) » ، وروى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع (5) ، وقال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك، وروي عن سبرة أيضا: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها في حجة الوداع ثم نهى عنها حينئذ إلى يوم القيامة (6) » وجاء عن الحسن البصري أنه قال: " ما حلت قط إلا في عمرة القضاء " (7) قال المتعلقون بهذا الاختلاف: إن هذا الاختلاف يعتبر قادحا في كل رواية من روايات التحريم؛ لذلك نرى البقاء على الإباحة.
__________
(1) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1405) ص 1023.
(2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1406) ص 1025.
(3) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1407) ص 1027.
(4) شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180.
(5) أخرجه أبو داود في سننه باب في نكاح المتعة ج 2 برقم (2072) ص 226.
(6) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1409) ص 1025.
(7) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ج 7 برقم (14040) ص 503.(20/297)
3 - ما ثبت من حديث همام عن قتادة عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في متعة النساء ومتعة الحج: «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج (1) » وما روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث (2) » قال المتعلقون بهاتين الروايتين: إنهما دالتان على أن عمر هو الذي حرم نكاح المتعة.
4 - ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من إباحة نكاح المتعة في روايات بعضها مطلق وبعضها مقيد بالضرورة.
5 - ما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي، فنهانا ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (4) » .
__________
(1) رواه سعيد بن منصور في كتابه السنن ج ابرقم (853) ص 252.
(2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ج 2 برقم (1405) ص 1023.
(3) صحيح البخاري تفسير القرآن (4615) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/420) .
(4) سورة المائدة الآية 87 (3) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(20/298)
6 - ما ذكره ابن حزم في المحلى ونقله عنه الحافظ ابن حجر في (ج 9) من فتح الباري ص 174 حيث قال: " ثبت على إباحتها - متعة النساء - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف وجابر وعمرو بن حريث. ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، قال: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة " هذا ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح، وبعد مراجعة المحلى وجدنا فيه ابن حزم قد ذكر أسماء بنت أبي بكر ضمن أولئك الصحابة الذين ادعى ابن حزم أنهم ثبتوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإباحة، كما ذكر أن هناك رواية أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه إنما أنكر متعة النساء إذا لم يشهد عليها عدلان فقط وإباحتها بشهادة عدلين.
7 - ما عزي إلى عطاء وابن جريج ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وابن جرير من إباحة متعة النساء فقد جاء في المنتقى شرح الموطأ " أن عطاء كان يقول بإباحتها، وقال الخطابي: يحكى عن ابن جريج جوازها، وحكى بعض الحنفية عن مالك إباحتها، وحاول بعض أهل العلم نقل رواية عن الشافعي بمثل مذهب ابن عباس فيها، ورويت عن الإمام(20/299)
أحمد بن حنبل رواية ظاهرها الكراهة دون التحريم فقد سأله ابن منصور عن متعة النساء فقال: يجتنبها أحب إلي " وورد في نيل الأوطار للشوكاني ما نصه: يروى عن ابن جرير جوازه - نكاح المتعة -.(20/300)
159 - لهذا نلتزم الإجابة عن جميع هذه الأمور، ونضيف إلى ذلك تعريف المتعة، وهل يترتب الحد على ارتكابها بعد إعلان تحريمها؟ فنقول وبالله التوفيق.
أما الاستدلال بقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) الآية على إباحة نكاح المتعة فقد أجيب عنه بأمور:
- أحدها: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 155، 156 ونصه: " أما متعة النساء المتنازع فيها فليس في الآية نص صريح بحلها - المتعة - فإنه قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (2) {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} (3) الآية، فقوله:
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 24
(3) سورة النساء الآية 25(20/300)
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (1) متناول لكل من دخل بها، أما من لم يدخل بها فإنها لا تستحق إلا نصفه، وهذا كقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (2) فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق فبين ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى، بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى فلا بد أن تدل الآية على المؤبد إما بطريق التخصيص وإما بطريق العموم، يدل على ذلك أنه ذكر بعد هذا نكاح: الإماء، فعلم أن ما ذكر في نكاح الحرائر مطلقا، قال: فإن قيل: ففي قراءة طائفة من السلف (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) قيل: أولا: ليست هذه
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 21(20/301)
القراءة متواترة وغايتها أن تكون كأخبار الآحاد، ونحن لا ننكر أن المتعة أحلت في أول الإسلام، لكن الكلام في دلالة القرآن على ذلك.
الثاني: أن يقال: إن كان هذا الحرف نزل فلا ريب إنه ليس ثابتا من القراءة المشهورة فيكون منسوخا ويكون لما كانت المتعة مباحة فلما حرمت نسخ هذا الحرف، أو يكون الأمر بالإيتاء في الوقت تنبيها على الإيتاء في النكاح المطلق، وغاية ما يقال: أنهما قراءتان، وكلاهما حق، والأمر بالإيتاء في الاستمتاع إلى أجل واجب إذا كان ذلك حلالا، وإنما يكون ذلك إذا كان الاستمتاع إلى أجل مسمى حلالا، وهذا كان في أول الإسلام فليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع بها إلى أجل مسمى حلال فإنه لم يقل: وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل مسمى، بل قال: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1)
__________
(1) سورة النساء الآية 24(20/302)
فهذا يتناول ما وقع من الاستمتاع سواء كان حلالا أم وطئ شبهة؛ ولهذا يجب المهر في النكاح الفاسد بالسنة والاتفاق، والمستمتع إذا اعتقد حل المتعة وفعلها فعليه المهر، وأما الاستمتاع المحرم فلم تتناوله الآية، فإنه لو استمتع بالمرأة من غير عقد مع مطاوعتها لكان زنا ولا مهر فيه، وإن كانت مستكرهة ففيه نزاع مشهور " اهـ.
وهذا الجواب الذي أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية هنا من عدم دلالة آية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) على إباحة متعة النساء رواه الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري في تفسيره " جامع البيان عن تأويل القرآن " عن ابن عباس والحسن ومجاهد وابن زيد وجزم بأنه الأولى بالصواب.
قال ابن جرير: حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) يقول: إذا تزوج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله، والاستمتاع هو النكاح، وهو قوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (3) حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (4) النكاح.
حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 24
(3) سورة النساء الآية 4
(4) سورة النساء الآية 24(20/303)
عن ابن جريج عن مجاهد قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) قال: النكاح أراد.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) الآية قال: هذا النكاح وما في القرآن إلا نكاح إذا أخذتها واستمتعت بها فأعطها أجرها الصداق، فإن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ فرض الله عليها العدة وفرض لها الميراث، قال: والاستمتاع هو النكاح هاهنا إذا دخل بها، ثم ذكر ابن جرير القول بأن المراد بالآية متعة النساء، وتعقبه بقوله: وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من تأوله فما نكحتموه منهن فجامعتموه فآتوهن أجورهن؛ لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح، أو الملك الصحيح على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: حدثني الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «استمتعوا من هذه النساء (3) » والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج.
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 24
(3) صحيح مسلم النكاح (1406، 1406، 1406، 1406، 1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/406) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .(20/304)
وقد دلنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام من غير هذا الموضع من كتبنا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأضاف ابن جرير إلى ذلك رواية ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما من قراءتها، فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، وعلق عليه بقوله: أما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتها فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى، فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه. اهـ.
كما ذكر ابن جرير ضمن أقوال المفسرين في قول الله(20/305)
تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (1) ذكر قول السدي معناها: ولا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمعتم بهن إلى أجل مسمى إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهن في الفراق، أن يزدنكم في الأجل وتزيدوا من الأجر، والفريضة قبل أن يستبرئن أرحامهن، وتعقبه بقوله: " فأما الذي قاله السدي فقوله لا معنى له لفساد القول بإحلال جماع امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين، واختار ابن جرير قول من قال في معنى الآية: ولا حرج عليكم أيها الناس فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن من حط ما وجب لهن عليكم أو إبراء أو تأخير أو وضع وقال: وذلك نظير قوله جل ثناؤه: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2) اهـ.
وممن أيد القول بأن آية: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (3) لا دلالة فيها على إباحة متعة النساء من أئمة التفسير: أبو جعفر النحاس وأبو بكر الجصاص وابن خويز منداد وابن العربي وابن الجوزي وفيما يلي نصوصهم: قال أبو جعفر النحاس في (الناسخ والمنسوخ من القرآن) ص 105،
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 4
(3) سورة النساء الآية 24(20/306)
106: قال قوم - أي في الكلام على الآية المذكورة -: هو أي الاستمتاع النكاح بعينه وما أحل الله المتعة قط في كتابه، فممن قال هذا من العلماء: الحسن ومجاهد كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا الفريابي عن ورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1) قال: النكاح، وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الحسن: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (2) قال: النكاح، قال أبو جعفر: وكذا يروى عن ابن عباس وسنذكره بإسناده وشرحه، ووفى بهذا الوعد في ص 106، 107 حيث قال: حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: وقوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (3) يقول: إذا تزوج الرجل المرأة فنكحها مرة واحدة وجب لها الصداق كله. والاستمتاع: النكاح، قال: وهو قوله عز وجل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} (4) قال أبو جعفر: فبين ابن عباس أن الاستمتاع هو النكاح بأحسن بيان والتقدير في العربية فما استمتعتم به ممن قد تزوجتموه بالنكاح مرة، أو أكثر من ذلك، فأعطوها الصداق كاملا إلا أن تهبه أو تهب منه، وقيل: التقدير فمن استمتعتم به منهن
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 24
(3) سورة النساء الآية 24
(4) سورة النساء الآية 4(20/307)
و (ما) بمعنى: من، وقيل: فما استمتعتم به من دخول بالمرأة فلها الصداق كاملا أو النصف إن لم يدخل بها، وقال أبو جعفر: قد روى الربيع بن سبرة عن أبيه «عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه حرم المتعة يوم الفتح (1) » .
وقد صح من الكتاب والسنة التحريم ولم يصح التحليل من الكتاب، بما ذكر من قول من قال: إن الاستمتاع النكاح. على أن الربيع بن سبرة قد روى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: «استمتعوا من هذه النساء (2) » . قال: والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج. اهـ.
وقال أبو بكر الجصاص في الباب الذي عقده في أحكام القرآن لمتعة النساء ج 2 ص 148، 149 قال: من فحوى الآية أي قول الله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (3) من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه عطف على إباحة النكاح في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (4) وذلك إباحة لنكاح من عدا المحرمات لا محالة؛ لأنهم لا يختلفون أن النكاح مراد بذلك فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بيانا لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق.
الثاني: قوله تعالى: {مُحْصِنِينَ} (5) والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح؛ لأن الواطئ بالمتعة لا يكون محصنا ولا
__________
(1) سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2196) .
(2) صحيح مسلم النكاح (1406، 1406، 1406، 1406، 1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/406) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .
(3) سورة النساء الآية 24
(4) سورة النساء الآية 24
(5) سورة النساء الآية 24(20/308)
يتناوله هذا الاسم. فعلمنا أنه أراد النكاح.
الثالث: قوله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (1) فسمي الزنا سفاحا لانتفاء أحكام النكاح عنه من ثبوت النسب ووجوب العدة وبقاء الفراش إلى أن يحدث له قطعا، ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا ويشبه أن يكون من سماها سفاحا: ذهب إلى هذا المعنى إذ كان الزاني إنما سمي مسافحا؛ لأنه لم يحصل له من وطئها فيما يتعلق بحكمه إلا على سفح الماء باطلا من غير استلحاق نسب فمن حيث نفى الله تعالى بما أحل من ذلك، وأثبت به الإحصان فاسم السفاح وجب ألا يكون المراد به الاستمتاع هو المتعة، إذ كانت في معنى السفاح، بل المراد به النكاح، وقوله تعالى: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (2) شرط في الإباحة المذكورة، وفي ذلك دليل على النهي عن المتعة إذا كانت المتعة في معنى السفاح من الوجه الذي ذكرنا. اهـ.
وأجاب الجصاص عن القراءة المنسوبة إلى أبي إلى أجل مسمى بأنه لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين بها؛ لعدم ثبوت تلك القراءة، وبأنه لو كان في الآية إلى أجل مسمى، لما دل أيضا على متعة النساء؛ لأن الأجل يجوز أن يكون داخلا على المهر، فيكون تقديره فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فأتوهن مهورهن عند حلول الأجل.
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 24(20/309)
وقال ابن خويز منداد المالكي: " لا يجوز أن تحمل الآية أي: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) على جواز المتعة أي متعة النساء؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وحرمها؛ ولأن الله تعالى قال: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (2) ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين. ونكاح المتعة ليس كذلك " نقل ذلك عن ابن خويز منداد، الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) ص 129، 130.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن: فيه أي قول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (3) الآية قولان:
أحدهما: أنه أراد استمتاع النكاح المطلق، قاله جماعة منهم: الحسن ومجاهد وإحدى روايتي ابن عباس.
الثاني: أنه متعة النساء بنكاحهن إلى أجل. روي عن ابن عباس أنه سئل عن المتعة فقرأ: (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) ، قال ابن عباس: " والله لأنزلها الله كذلك "، وروي عن حبيب بن ثابت قال: أعطاني ابن عباس مصحفا وقال: هذه قراءة أبي وفيه مثل ما تقدم. أي إلى أجل مسمى ولم يصح ذلك عنهما فلا تلتفتوا إليه. وقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (4) يعني النكاح الصحيح. اهـ.
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 25
(3) سورة النساء الآية 24
(4) سورة النساء الآية 24(20/310)
وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 53، 54 المكتب الإسلامي: " قد تكلف قوم من مفسري القراء فقالوا: المراد بهذه الآية نكاح المتعة ثم نسخت بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن متعة النساء، وهذا تكلف لا يحتاج إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز المتعة ثم منع منها، فكان قوله منسوخا بقوله: وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة؛ لأنه تعالى قال فيها: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (1) فدل ذلك على النكاح الصحيح، قال الزجاج: ومعنى قوله: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (2) فما نكحتم، وهن على الشريطة التي جرت، وهو قوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (3) أي عاقدين التزويج: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (4) أي مهورهن، ومن ذهب في الآية إلى غير هذا فقد أخطأ وجهل اللغة ". اهـ.
وبما بيناه يتبين أن ما نقله القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن) عن أبي بكر الطرطوشي وهو أنه قال بعد أن ذكر من يدعي أنه قد رخص في نكاح المتعة: " وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالح على أن هذه الآية أي: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (5) منسوخة وأن المتعة حرام " غير مسلم بالنسبة إلى الدعوى في الآية.
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 24
(3) سورة النساء الآية 24
(4) سورة النساء الآية 24
(5) سورة النساء الآية 24(20/311)
الثاني: مما أجيب به عن الاستدلال بقول الله تعالى:(20/311)
{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (1) الآية لجواز متعة النساء ما ذكره شيخ الإسلام في ج 2 من منهاج السنة حيث قال بعد ذكر الجواب المتقدم: " وأيضا فإن الله تعالى إنما أباح في كتابه الزوجة وملك اليمين، والمستمتع بها ليست واحدة منهما فإنها لو كانت زوجة لتوارثا ولوجب عليها عدة الوفاة، وللحقها الطلاق الثلاث، فإن هذه أحكام الزوجة في كتاب الله تعالى، فلما انتفى عنها لوازم النكاح دل على انتفاء النكاح؛ لأن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، والله تعالى إنما أباح في كتابه الزواج وملك اليمين وحرم ما زاد على ذلك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (2) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (3) {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (4) والمتمتع بها بعد التحريم ليست زوجة ولا ملك يمين فتكون حراما بنص القرآن، أما كونها ليست مملوكة فظاهر، وأما كونها ليست زوجة فلانتفاء لوازم النكاح فيها، فإن من لوازم النكاح كونه سببا للتوارث وثبوت عدة الوفاة فيه والطلاق الثلاث وتنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول وغير ذلك من اللوزام، قال: فإن قيل: فقد تكون زوجة لا ترث كالذمية والأمة، قيل: عندهم نكاح الذمية لا يجوز ونكاح الأمة إنما يجوز عند الضرورة وهم يبيحون المتعة مطلقا. ثم
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة المؤمنون الآية 5
(3) سورة المؤمنون الآية 6
(4) سورة المؤمنون الآية 7(20/312)
يقال: نكاح الذمية والأمة سبب للتوارث ولكن المانع قائم وهو الكفر والرق، كما أن النسب سبب للتوارث إلا إذا كان الولد رقيقا أو كافرا فالمانع قائم؛ ولهذا إذا أعتق الولد أو أسلم ورث أباه، وكذلك الزوجة إذا أسلمت في حياة زوجها ورثته باتفاق المسلمين، وكذلك إذا أعتقت في حياته واختارت بقاء النكاح ورثته باتفاق المسلمين، بخلاف المستمتع بها، فإن نفس نكاحها لا يكون سببا للإرث فلا يثبت التوارث فيه بحال، فصار هذا النكاح كولد الزنا الذي ولد على فراش زوج، فإن هذا لا يلحق بالزاني بحال فلا يكون ابنا يستحق الإرث، قال: فإن قيل: النسب قد تبعض أحكامه فكذلك النكاح، قيل: هذا فيه نزاع والجمهور يسلمونه. ولكن ليس في هذا حجة لهم، فإن جميع أحكام الزوجة منتفية في المستمتع بها، لم يثبت فيها شيء من خصائص النكاح الحلال، فعلم انتفاء كونها زوجة، وما ثبت فيها من الأحكام من لحوق النسب ووجوب الاستبراء ودرء الحدود ووجوب المهر ونحو ذلك فهذا يثبت في نكاح الشبهة فعلم أن وطء المستمتع بها ليس وطئا لزوجة لكنه مع اعتقاد الحل مثل الوطء بشبهة، وأما كون الوطء حلالا فهذا مورد النزاع فلا يحتج به أحد المتنازعين وإنما يحتج على الآخر بموارد النص والإجماع. اهـ.
وممن سبق شيخ الإسلام إلى هذا الجواب أبو بكر(20/313)
الجصاص في أحكام القرآن: ج 2 ص 149 قال: " الدليل على تحريمها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (1) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (2) {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (3) فقصر إباحة الوطء على أحد هذين الوجهين وحظر ما عداهما بقوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (4) والمتعة خارجة عنها فهي إذن محرمة. فإن قيل: ما أنكرت أن تكون المرأة المستمتع بها زوجة وأن المتعة غير خارجة عن هذين الوجهين الذين قصر الإباحة عليهما؟ قيل له: هذا غلط؛ لأن اسم الزوجة إنما يقع عليها ويتناولها إذا كانت منكوحة بعقد نكاح، وإذا لم تكن المتعة نكاحا لم تكن هذه زوجة. فإن قيل: ما الدليل على أن المتعة ليست بنكاح؟ قيل له: الدليل على ذلك أن النكاح اسم يقع على أحد معنيين: الوطء والعقد، وقد بينا فيما سلف أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد، وإذا كان الاسم مقصورا في إطلاقه على أحد هذين المعنيين، وكان إطلاقه في العقد مجازا على ما ذكرنا، ووجدناهم أطلقوا الاسم على عقد تزويج مطلق أنه نكاح، ولم نجدهم أطلقوا اسم النكاح على المتعة، فلا يقولون: إن فلانا تزوج فلانة، إذا شرط التمتع بها لم يجز لنا إطلاق اسم النكاح على المتعة إذ المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 5
(2) سورة المؤمنون الآية 6
(3) سورة المؤمنون الآية 7
(4) سورة المؤمنون الآية 7(20/314)
يكون مسموعا من العرب أو يرد به الشرع. فلما عدمنا إطلاق اسم النكاح على المتعة في الشرع واللغة جميعا وجب أن تكون المتعة ما عدا ما أباحه الله، وأن يكون فاعله عاديا ظالما لنفسه، مرتكبا لما حرمه الله، وأيضا فإن النكاح له شرائط قد اختص بها، متى فقدت لم يكن نكاحا، ومنها: أن مضي الوقت لا يؤثر في عقد النكاح، ولا يوجب رفعه والمتعة عند القائلين بها توجب رفع النكاح بمضي المدة، ومنها: أن النكاح فراش يثبت به النسب من غير دعوة، ولا ينتفي الولد المولود على فراش النكاح إلا باللعان، والقائلون بالمتعة لا يثبتون النسب منه فعلمنا أنها ليست بنكاح ولا فراش، ومنها: أن الدخول بها على النكاح يوجب العدة عند الفرقة، والموت يوجب العدة دخل بها أو لم يدخل، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (1) والمتعة لا توجب عدة الوفاة، وقال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (2) ولا توارث عندهم في المتعة. فهذه هي أحكام النكاح التي تختص بها إلا أن يكون هناك رق أو كفر يمنع التوارث، فلما لم يكن في المتعة مانع من الميراث من أحدهما بكفر أو رق ولا سبب يوجب الفرقة ولا مانع من ثبوت النسب مع كون الرجل ممن يستفرش، ويلحقه
__________
(1) سورة البقرة الآية 234
(2) سورة النساء الآية 12(20/315)
الأنساب لفراشه ثبت ذلك أنها ليست بنكاح، فإذا خرجت عن أن تكون نكاحا أو ملك يمين كانت محرمة بتحريم الله إياها في قوله: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (1) فإن قيل انقضاء المدة الموجبة للبينونة هو الطلاق، قيل له: إن الطلاق لا يقع إلا بصريح لفظ أو كناية ولم يكن منه واحد منهما فكيف يكون طلاقا؟ ومع ذلك فيجب على أصل هذا القائل أن لا تبين لو انقضت المدة، وهي حائض؛ لأن القائلين بإباحة المتعة لا يرون طلاق الحائض جائزا، فلو كانت البينونة الواقعة بمضي المدة طلاقا لوجب ألا يقع في حيض، فلما أوقعوا البينونة الواقعة بمضي الوقت وهي حائض، دل ذلك على أنه ليس بطلاق وإن كانت تبين بغير طلاق ولا سبب من قبل الزوج يوجب الفرقة، ثبت أنها ليست بنكاح. فإن قيل على ما ذكرنا من نفي النسب والعدة والميراث ليس انتفاء هذه الأحكام بمانع من أن تكون نكاحا؛ لأن الصغير لا يلحق به نسب ويكون نكاحا صحيحا والعبد لا يرث والمسلم لا يرث الكافر، ولم يخرجه انتفاء هذه الأحكام عنه من أن يكون نكاحا، قيل له: إن نكاح الصغير قد تعلق به النسب، إذا صار ممن يستفرش ويتمتع وأنت لا تلحقه نسب ولدها مع الوطء الذي يجوز أن يلحق به النسب في النكاح، والعبد والكافر إنما لم يرثا للرق والكفر، وهما يمنعنان التوارث بينهما. وذلك غير موجود في المتعة؛ لأن كل واحد منهما من أهل الميراث من صاحبه فإذا لم يكن بينهما ما يقطع الميراث ثم لم يرث مع وجود المتعة،
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 7(20/316)
علمنا أن المتعة ليست بنكاح؛ لأنها لو كانت نكاحا لأوجب الميراث، مع وجود سببه من غير مانع من قبلهما. اهـ.(20/317)
الثالث: مما أجيب به دعوى بأن المراد بقول الله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) متعة النساء النسخ فإن الذين قالوا ذلك من العلماء جزموا بنسخها ثم اختلفوا في ناسخها هل هو القرآن أو الحديث أو هما معا كما أوضحه الإمام أبو جعفر النحاس في كتاب: (الناسخ والمنسوخ من القرآن) حيث قال بعد استعراضه أقوال أهل العلم في تلك الآية: " قال جماعة من العلماء: كانت المتعة حلالا ثم نسخ الله جل ثناؤه ذلك بالقرآن، وممن قال هذا سعيد بن المسيب، وهو يروي عن ابن عباس وعائشة وهو قول القاسم وسالم وعروة كما قرأ علي أحمد بن محمد بن الحجاج، عن يحيى بن سليمان، قال: حدثنا علي بن هشام عن عثمان عن عطاء الخراساني عن أبيه، عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) قال: نسختها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (3) يقول الطلاق للطهر الذي لم يجامعها فيه. قرأ علي محمد بن جعفر عن
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة النساء الآية 24
(3) سورة الطلاق الآية 1(20/317)
يوسف بن موسى، قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: نسخت المتعة آية الميراث يعني {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (1) قال أبو جعفر: وذلك أن المتعة لا ميراث فيها، فلهذا قال بالنسخ وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوما وما أشبه ذلك على أنه لا عدة عليك ولا ميراث بينهما ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك، وهذا هو الزنا بعينه، ولذلك قال عمر بن الخطاب: لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة. قرأ علي أحمد بن محمد بن الحجاج عن يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: قال لي سالم بن عبد الله وهو يذاكرني: يقولون بالمتعة هؤلاء، فهل رأيت نكاحا لا طلاق فيه ولا عدة له ولا ميراث فيه. وقال: قال لي القاسم بن محمد بن أبي بكر: كيف تجترئون على الفتيا بالمتعة وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (2) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (3) {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (4) قال أبو جعفر: وهذا قول بين؛ لأنه إذا لم تكن تطلق ولا تعتد ولا ترث فليست بزوجة، وقال قوم من العلماء: الناسخ للمتعة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأ علي أحمد بن محمد الأزدي عن إبراهيم بن أبي داود، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء،
__________
(1) سورة النساء الآية 12
(2) سورة المؤمنون الآية 5
(3) سورة المؤمنون الآية 6
(4) سورة المؤمنون الآية 7(20/318)
قال: حدثنا جويرية عن مالك بن أنس عن الزهري، أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس: إنك رجل تائه يعني مائل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة، قال أبو جعفر: ولهذا الحديث طرق فاخترنا هذا لصحته، ولجلالة جويرية من طريق أسماء؛ ولأن ابن عباس لما خاطبه علي رضي الله عنه بهذا لم يحاججه، فصار تحريم المتعة إجماعا؛ لأن الذين يحلونها اعتمادهم على ابن عباس، وقال قوم: نسخت المتعة بالقرآن والسنة جميعا وهذا قول أبي عبيد. اهـ.
وقد روى الربيع بن سبرة عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المتعة يوم الفتح (1) » وقد صح من الكتاب والسنة التحريم (2) .
مواقف أئمة العلم من اختلاف الروايات في الوقت الذي حرمت فيه المتعة، مع اتفاقهم على أن هذا الاختلاف لا يقدح فيها قدحا يقتضي تركها والاستمرار على الإباحة، وأما دعوى أن اختلاف الروايات الواردة في تاريخ تحريم متعة النساء يقدح فيها قدحا يقتضي البقاء على أصل الإباحة، فقد أجيب عنها بما يلي:
__________
(1) سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2196) .
(2) الناسخ والمنسوخ ص 105، 106.(20/319)
1 - قال القاضي عياض في شرح صحيح مسلم في تلك الأحاديث ما نصه: " ذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح، وهما واحد ثم حرمت يومئذ، وفي حديث علي تحريمها يوم خيبر وهو قبل الفتح، وذكر غير مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك، من رواية إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي، ولم يتابعه أحد على هذا، وهو غلط منه، وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ وسفيان ابن عيينة والعمري، ويونس وغيرهم عن الزهري وفيه يوم خيبر وكذا ذكره مسلم عن جماعة عن الزهري وهذا هو الصحيح. وقد روى أبو داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه النهي عنها في حجة الوداع، قال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك، وقد روي عن سبرة أيضا إباحتها في حجة الوداع، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها حينئذ إلى يوم القيامة. وقد روي عن الحسن البصري أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء، وروي هذا عن سبرة الجهني أيضا ولم يذكر مسلم في روايات حديث سبرة تعيين وقت إلا في رواية محمد بن سعيد الدارمي، ورواية إسحاق بن إبراهيم ورواية يحيى بن يحيى فإنه ذكر فيها يوم فتح مكة قالوا: وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطأ؛ لأنه لم يكن يومئذ(20/320)
ضرورة ولا عزوبة وأكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح أن الذي جرى في حجة الوداع مجرد النهي كما جاء في غير رواية ويكون تجديده صلى الله عليه وسلم النهي عنها لاجتماع الناس، وليبلغ الشاهد الغائب ولتمام الدين، وتقرر الشريعة كما قرر كل شيء وبين الحلال والحرام يومئذ وبت تحريم المتعة حينئذ؛ لقوله: " إلى يوم القيامة " قال القاضي: ويحتمل ما جاء من تحريم المتعة يوم خيبر، وفي عمرة القضاء ويوم الفتح، ويوم أوطاس أنه حدد النهي، في هذه المواطن؛ لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح، لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات، لكن في رواية سفيان أنه نهى عن المتعة، ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فقال بعضهم هذا الكلام فيه انفصال، ومعناه أنه حرم المتعة، ولم يبين زمن تحريمها ثم قال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فيكون يوم خيبر لتحريم الحمر خاصة ولم يبين وقت تحريم المتعة ليجمع بين الروايات قال هذا القائل: وهذا هو الأشبه أن تحريم المتعة كان بمكة، وأما تحريم لحوم الحمر فبخيبر بلا شك، قال القاضي: وهذا أحسن لو ساعده سائر الروايات عن غير سفيان، قال: والأولى ما قلناه: أنه قرر التحريم لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء، ويوم الفتح ويوم أوطاس فتحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم(20/321)
للضرورة بعد التحريم ثم حرمها تحريما مؤبدا فيكون حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء ثم أباحها يوم الفتح للضرورة ثم حرمها يوم الفتح أيضا تحريما مؤبدا وتسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع؛ لأنها مروية عن سبرة الجهني، وإنما روى الثقات الأثبات عنه الإباحة يوم فتح مكة، والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم، فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم، من النهي عنها يوم الفتح، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع، تأكيدا وإشاعة له كما سبق. وأما قول الحسن: إنما كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها، فترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر، وهي قبل عمرة القضاء وما جاء من إباحتها يوم فتح مكة، ويوم أوطاس مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة الجهني وهو راوي الروايات الأخرى، وهي أصح، فيترك ما خالف الصحيح، وقد قال بعضهم: هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين، والله أعلم " انتهى كلام القاضي عياض ونقله عنه النووي في شرح صحيح مسلم ج 9 ص 180، 181 وتعقبه ص 181 بقوله: " والصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة(20/322)
واستمر التحريم ولا يجوز أن يقال: إن الإباحة مختصة، بما قبل خيبر والتحريم يوم خيبر للتأبيد كما اختاره المازري والقاضي؛ لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحة يوم الفتح صريحة في ذلك فلا يجوز إسقاطها ولا مانع يمنع تكرير الإباحة، والله أعلم " اهـ.
الثاني: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة، وشمس الدين ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد. فقد قال شيخ الإسلام في الجزء الثاني من منهاج السنة. (ج 2 ص 156) : " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لابن عباس رضي الله عنهما لما أباح المتعة: «إنك امرؤ تائه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر (1) » رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها أئمة الإسلام في زمانهم مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وغيرهما ممن اتفق على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول ليس في أهل العلم من طعن فيه، وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها في غزاة الفتح إلى يوم القيامة وقد تنازع
__________
(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/323)
رواة حديث علي رضي الله عنه، هل قوله: عام خيبر، توقيت لتحريم الحمر فقط، أو له ولتحريم المتعة؟ والأول قول ابن عيينة، وغيره قالوا: إنما حرمت عام الفتح ومن قال بالآخر قال: إنها حرمت ثم أحلت، وادعت طائفة ثالثة: أنها أحلت بعد ذلك ثم حرمت في حجة الوداع، والروايات المستفيضة المتواترة متواطئة على أنه حرم المتعة بعد إحلالها. وأنها بعد أن حرمت لم تحل، وأنها لما حرمت عام فتح مكة لم تحل بعد ذلك ولم تحرم عام خيبر، بل عام خيبر حرمت لحوم الحمر الأهلية وكان ابن عباس يبيح المتعة وأكل لحوم الحمر الأهلية فأنكر علي بن أبي طالب ذلك عليه، وقال له: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر يوم خيبر (1) » فقرن بينهما في الذكر، لما روى ذلك لابن عباس رضي الله عنهما؛ لأن ابن عباس كان يبيحها، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه رجع عن ذلك لما بلغه حديث النهي عنها، فأهل السنة يتبعون عمر وعليا رضي الله عنهما، وغيرهما من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والشيعة خالفوا عليا فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا قول من خالفه " اهـ.
وقال الإمام ابن القيم في فوائد غزوة فتح مكة من زاد المعاد في هدي خير العباد حيث قال: " ومما وقع في هذه
__________
(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .(20/324)
الغزوة إباحة متعة النساء، ثم حرمها أي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من مكة، واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة، على أربعة أقوال:
أحدهما: أنه يوم خيبر وهذا قول طائفة من العلماء، منهم: الشافعي وغيره.
والثاني: أنه عام فتح مكة وهذا قول ابن عيينة وطائفة.
والثالث: أنه عام حنين، وهذا في الحقيقة هو القول الثاني لاتصال غزاة حنين بالفتح.
والرابع: أنه عام حجة الوداع وهو وهم من بعض الرواة، سافر فيه وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع كما سافر وهم معاوية من عمرة الجعرانة إلى حجة الوداع حيث قال: قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص على المروة في حجته، وقد تقدم في الحج، وسفر الوهم من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان ومن واقعة إلى واقعة، كثيرا ما يعرض للحفاظ فمن دونهم. والصحيح أن المتعة إنما حرمت عام الفتح؛ لأنه قد ثبت في صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام(20/325)
الفتح مع النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه ولو كان التحريم زمن خيبر للزم النسخ مرتين، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة البتة ولا يقع مثله فيها، وأيضا فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنما كن يهوديات، وإباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد، إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة، بقوله تعالى:(20/326)
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1) وهذا متصل بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (2) وبقوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} (3) وهذا كان في آخر الأمر بعد حجة الوداع أو فيها فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة زمن خيبر، ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح، وبعد الفتح استرق من استرق منهن وصرف إماء للمسلمين ".
ثم قال ابن القيم: " فإذا قيل: فما تصنعون بما ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (4) » وهذا صحيح صريح قيل هذا الحديث قد
__________
(1) سورة المائدة الآية 5
(2) سورة المائدة الآية 3
(3) سورة المائدة الآية 3
(4) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .(20/327)
صحت روايته بلفظين هذا أحدهما. والثاني: الاقتصار على نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر هذه رواية ابن عيينة عن الزهري قال: قاسم بن أصبغ: قال سفيان بن عيينة - يعني - أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا عن نكاح المتعة ذكره أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد ثم قال: على هذا أكثر الناس " اهـ. فتوهم بعض الرواة أن يوم خيبر ظرف لتحريمهن فرواه حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر والحمر الأهلية. واقتصر بعضهم على رواية بعض الحديث فقال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة زمن خيبر فجاء بالغلط البين.(20/328)
قال ابن القيم: " فإن قيل: فأي فائدة في الجمع بين التحريمين إذا لم يكونا قد وقعا في وقت واحد وأين المتعة من تحريم الحمر؟ قيل: هذا الحديث رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه محتجا به على ابن عمه عبد الله بن عباس في المسألتين فإنه كان يبيح المتعة ولحوم الحمر فناظره علي بن أبي طالب في المسألتين، وروى له التحريمين وقيد تحريم لحوم الحمر الأهلية بزمن خيبر، وأطلق تحريم المتعة وقال: «إنك امرؤ تائه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (1) » كما قاله سفيان بن عينية وعليه أكثر الناس، فروى الأمرين محتجا عليه بهما لا مقيدا لهما بيوم خيبر والله الموفق ".
__________
(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/329)
وقال ابن القيم في كلامه على ما في غزوة خيبر من الأحكام الفقهية فقال: " فصل ولم يحرم - أي النبي صلى الله عليه وسلم - المتعة يوم خيبر وإنما كان تحريمها عام الفتح هذا هو الصواب، وقد ظن طائفة من أهل العلم أنه حرمها يوم(20/329)
خيبر، واحتجوا بما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (1) » وفي الصحيحين أيضا «أن عليا رضي الله عنه سمع ابن عباس يلين في متعة النساء فقال: مهلا يا ابن عباس فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية (2) » وفي لفظ البخاري عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (3) » ولما رأى هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباحها عام الفتح ثم حرمها قالوا: حرمت ثم أبيحت ثم حرمت. قال الشافعي رضي الله عنه: ولا أرى شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة. قالوا: نسخت مرتين وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا: لم تحرم إلا عام الفتح وقبل ذلك كانت مباحة. قالوا: وإنما جمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الإخبار بتحريمها وتحريم الحمر الأهلية؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان يبيحها فروى له علي تحريمهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ردا عليه، وكان تحريم الحمر يوم خيبر، وقد ذكر يوم خيبر ظرفا لتحريم الحمر وأطلق تحريم المتعة ولم يقيده بزمن، كما جاء ذلك في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية
__________
(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .
(2) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(3) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .(20/330)
يوم خيبر، وحرم متعة النساء (1) » وفي لفظ: «حرم متعة النساء وحرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (2) » هكذا رواه سفيان بن عيينة مفصلا مميزا، فظن بعض الرواة أن يوم خيبر زمن للتحريمين فقيدهما به، ثم جاء بعضهم فاقتصر على أحد المحرمين وهو تحريم الحمر، وقيده بالظرف، من هاهنا نشأ الوهم، وقصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات ولا استأذنوا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة، لا فعلا ولا تحريما بخلاف غزاة الفتح فإن قصة المتعة كانت فيها فعلا وتحريمها مشهور وهذه الطريقة أصح الطريقتين " انتهى كلام الإمام ابن القيم.
ويقرر منه ما بينه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ج 9 ص 170 حيث قال: " لا يصح من الروايات - أي في وقت تحريم متعة النساء - شيء بغير علة إلا غزوة الفتح، وأما غزوة خيبر وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم، وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها؛ لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة؛ لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر؛ لأنهما
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/331)
كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس سواء. وأما قصة تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديما ثم وقع التوديع منهن حينئذ والنهي. أو كان النهي وقع قديما فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة؛ فلذلك قرن النهي بالغضب لتقدم النهي في ذلك على أن في حديث أبي هريرة مقالا فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال.
وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير وهو متروك. وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع ابن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر، فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع، ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك، فلم يبق من المواطن كما قلنا صحيحا صريحا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح. وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم، وزاد ابن القيم في الهدي أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات يعني فيقوى أن النهي لم يقع يوم خيبر، أو لم يقع هناك نكاح متعة، لكن يمكن أن يجاب بأن يهود(20/332)
خيبر كانوا يصاهرون الأوس والخزرج قبل الإسلام، فيجوز أن يكون هناك من نسائهم وقع التمتع بهن فلا ينهض الاستدلال بما قال، ثم أعاد الحافظ ابن حجر الكلام على رواية حجة الوداع فقال ص 171: " وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجردا، إن ثبت الخبر في ذلك؛ لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد ما وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول غربة وإلا فمخرج حديث سبرة رواية هو من طريق ابنه الربيع عنه، وقد اختلف عليه في تعيينها والحديث واحد في قصة واحدة فتعين الترجيح. والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها، والله أعلم " ومن كلام الحافظ حول اختلاف روايات الباب قوله فيما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث - أي حديث النهي عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر - قال: " حنين " بمهملة أوله ونونين أخرجه النسائي والدارقطني ونبها على أنه وهم تفرد به عبد الوهاب "، وقوله فيما رواه إسحاق بن راشد عن الزهري عنه بلفظ " نهي في غزوة تبوك عن نكاح المتعة " قال بعد ذكره: إنه أغرب مما روى عبد الوهاب " وهو - أي ذكر تبوك فيه - خطأ أيضا " اهـ.
وأما في " تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير " فيقول ج 3 ص 154، 155: فائدة: حكى العبادي(20/333)
في طبقاته عن الشافعي قال: " ليس في الإسلام شيء أحل ثم حرم ثم أحل ثم حرم إلا المتعة " وقال بعضهم: نسخت ثلاث مرات، وقيل: أكثر. ويدل على ذلك اختلاف الروايات في وقت تحريمها. وإذا صحت كلها فطريق الجمع بينهما الحمل على التعدد، والأجود في الجمع ما ذهب إليه جماعة من المحققين أنها لم تحل قط في حال الحضر والرفاهية بل في حال السفر والحاجة. والأحاديث ظاهرة في ذلك ويبين ذلك حديث ابن مسعود: «كنا نغزو وليس لنا نساء فرخص لنا أن ننكح (1) » .
فعلى هذا كل ما ورد من التحريم في المواطن المتعددة يحمل على أن المراد بتحريمها في ذلك الوقت أن الحاجة انقضت ووقع العزم على الرجوع إلى الوطن فلا يكون في ذلك تحريم أبدا إلا الذي وقع آخرا، وقد اجتمع من الأحاديث في وقت تحريمها أقوال ستة أو سبعة نذكرها على الترتيب الزماني:
الأول: عمرة القضاء قال عبد الرزاق في مصنفه: عن معمر عن عمرو عن الحسن قال: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها. وشاهده ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث سبرة بن معبد قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضينا عمرتنا قال لنا: ألا تستمتعوا من هذه النساء (2) » فذكر الحديث.
__________
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4615) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/385، 1/390، 1/420، 1/432، 1/450) .
(2) صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/406) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .(20/334)
الثاني: خيبر متفق عليه عن علي بلفظ «نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر (1) » واستشكله السهيلي وغيره ولا إشكال، وقد وقع في مسند ابن وهب من حديث ابن عمر مثله وإسناده قوي أخرجه البيهقي وغيره.
الثالث: عام الفتح رواه مسلم من حديث سبرة بن معبد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نهى في يوم الفتح عن متعة النساء (2) » . وفي لفظ له «أمر بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج حتى نهانا عنها (3) » وفي لفظ له: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة (4) » .
الرابع: يوم حنين رواه النسائي من حديث علي والظاهر أنه تصحيف من خيبر، وذكر الدارقطني أن عبد الوهاب الثقفي تفرد عن يحيى بن سعيد عن مالك بقوله: " حنين " وفي رواية لسلمة بن الأكوع أن ذلك كان في عام أوطاس قال: السهيلي هي موافقة لرواية من روى " عام الفتح " وأنهما كانا في عام واحد.
الخامس: غزوة تبوك رواه الحازمي من طريق عباد بن كثير عن ابن عقيل عن جابر قال: «خرجنا مع رسول الله إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما يلي الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، مسند أحمد بن حنبل (3/404) .
(3) صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) .
(4) صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن أبو داود النكاح (2072) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .(20/335)
عنهن وأخبرناه، فغضب وقام فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبدا، فبها سميت يومئذ ثنية الوداع» .
وهذا إسناده ضعيف. لكن عند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة ما يشهد له، وأخرجه البيهقي من الطريق المذكورة بلفظ: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فنزلنا ثنية الوداع (1) » فذكره. . ويمكن أن يحمل على أن من فعل ذلك لم يبلغه النهي الذي وقع يوم الفتح. ولأجل ذلك غضب صلى الله عليه وسلم.
السادس: حجة الوداع رواه أبو داود من طريق الربيع بن سبرة قال: «أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع (2) » ويجاب عنه بجوابين: أحدهما: أن المراد بذكر ذلك في حجة الوداع إشاعة النهي والتحريم لكثرة من حضرها من الخلائق. والثاني: احتمال أن يكون انتقل ذهن أحد رواته من فتح مكة إلى حجة الوداع لأن أكثر الرواة عن سبرة أن ذلك كان في الفتح والله أعلم.
الثالث: ما ذكره الإمام البيهقي في باب نكاح المتعة. من السنن الكبرى ج 7 ص 201، 202 حيث " أخبر أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ الربيع بن سليمان، أنبأ الشافعي، أنبأ سفيان عن
__________
(1) صحيح البخاري المغازي (4428) ، سنن الترمذي الجهاد (1718) ، سنن أبو داود الجهاد (2779) ، مسند أحمد بن حنبل (3/449) .
(2) سنن أبو داود النكاح (2072) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .(20/336)
إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فأردنا أن نختصي، فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (1) » زاد أبو عبد الله في روايته بإسناده، قال: قال الشافعي: ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أو بعدها، وأشبه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة أن يكون - والله أعلم - ناسخا له، قال الشيخ ابن البيهقي - رحمه الله -: وقد روي في حديث ابن مسعود أنه قال: «كنا ونحن شباب (2) » أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا عبد الله بن محمد الكعبي، ثنا محمد بن أيوب، أنبأ أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله رضي الله عنه قال: «وكنا ونحن شباب فقلنا يا رسول الله: ألا نختصي؟ قال: لا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله: (4) » رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .
(2) صحيح مسلم النكاح (1404) .
(3) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .
(4) سورة المائدة الآية 87 (3) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}(20/337)
قال الشيخ البيهقي: وفي هذه الرواية ما دل على كون ذلك قبل فتح خيبر أو قبل فتح مكة، فإن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة، وكان يوم مات ابن بضع وستين سنة، وكان الفتح فتح خيبر في سنة سبع من الهجرة، وفتح مكة سنة ثمان، فعبد الله سنة الفتح كان ابن أربعين سنة أو قريبا منها، والشباب قبل ذلك، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء زمن خيبر، وذلك بين فيما أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني مالك بن أنس ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثهم عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ الربيع بن سليمان أنبأ الشافعي أنبأ مالك (ح) وأخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ إسماعيل بن قتيبة ثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (1) » - لفظ حديث الشافعي
__________
(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407، 1407، 1407، 1407) ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، الأطعمة (1794) ، سنن النسائي النكاح (3365، 3366) ، الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/103، 1/142، 1/79) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) ، النكاح (2197) .(20/338)
ويحيى بن يحيى - وفي رواية ابن وهب: «نهى يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية (1) » رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف وغيره عن مالك ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك وعن أبي الطاهر وحرملة عن ابن وهب عن يونس أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أخبرني عبد الله بن محمد الكعبي ثنا محمد بن أيوب أنبأ مسدد ثنا يحيى عن عبيد الله بن عمر قال: حدثني الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما «أن عليا رضي الله عنه قيل له: إن ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى بمتعة النساء بأسا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية (2) » رواه البخاري في الصحيح عن مسدد، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنبأ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الحسن بن محمد وعبد الله بن محمد عن أبيهما أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: «إنك رجل تائه أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية (3) » رواه البخاري في الصحيح عن مالك بن إسماعيل عن ابن عيينة، وزاد في آخر الحديث: «زمن خيبر (4) » ورواه مسلم عن جماعة
__________
(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3366) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي الأضاحي (1990) .
(3) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(4) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/339)
عن ابن عيينة وابن عيينة يذهب في رواية الحميدي عنه إلى أن هذا التاريخ إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في النهي عن نكاح المتعة، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري ثنا حسن وعبد الله ابنا محمد بن علي وكان حسن أرضى من عبد الله عن أبيهما أن عليا رضي الله عنه قال لابن عباس رضي الله عنهما: «إنك امرؤ تائه إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (1) » قال سفيان يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر لا يعني نكاح المتعة، قال البيهقي: " وهذا الذي قاله سفيان محتمل فلولا معرفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنسخ نكاح المتعة وأن النهي عنها كان البتة بعد الرخصة لما أنكره على ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم ".
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/340)
وروى ابن عمر تحريمها يوم خيبر: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر بن الحسن قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبد الله «أن رجلا سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن المتعة، فقال: حرام، قال: فإن فلانا يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين (1) » . قال البيهقي: " ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في نكاح المتعة زمن الفتح فتح مكة ثم حرمها إلى يوم القيامة " ثم ذكر النصوص الثابتة في الإذن في المتعة عام الفتح وتحريمها في ذلك العام.
4 - ما مال إليه الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمداني في كتابه " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ " ص 138 - 140 حيث قال تحت عنوان " باب نكاح المتعة ":
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/95) .(20/341)
أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر أنا مكي بن منصور أنا أحمد بن الحسن القاضي أنا محمد بن يعقوب أنا الربيع أنا الشافعي أنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت ابن مسعود يقول: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فأردنا أن نختصي فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (1) » وهذا طريق حسن صحيح. وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم لهم للسبب الذي ذكره ابن مسعود وإنما كان ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم؛ ولهذا نهاهم عنه غير مرة ثم أباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة، إلا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة، ويروى عن ابن جريج جوازه.
وسنذكر ما يدل على صحة ما ادعيناه أخبرني محمد بن عمر بن أبي عيسى الحافظ أنا الحسن بن أحمد أنا أحمد بن عبد الله أنا محمد بن بكر في كتابه، أنا داود حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء، فقال له رجل يقال له
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .(20/342)
الربيع بن سبرة: «أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع (1) » قرأت على محمد بن ذاكر بن محمد بن أحمد المستملي أخبرك الحسن بن أحمد أنا محمد بن أحمد الكاتب أنا علي بن عمر أنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا ابن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة (2) » . قال: " وإنما كان لمن لم يجد. فلما أنزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت ".
هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد صح الحديث عن علي في هذا الباب من غير وجه، ورواه عنه الكوفيون من طرق وهو أشهر من أن ينكر وأكثر من أن يحصر.
__________
(1) نقل القرطبي عن أبي داود أنه قال في هذا الحديث: '' هذا أصح ما روي في ذلك '' وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني ج 9 ص 167: قد رويت أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عنها - أي متعة النساء - بعد الإذن فيها وأقرب ما فيها عهدا بالوفاة النبوية ما أخرجه أبو داود من طريق الزهر
(2) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/343)
أخبرني محمد بن إبراهيم بن علي الخطيب أنا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد أنا محمد بن أحمد الكاتب أنا عبد الله بن محمد، أنا أبو يعلى ثنا أبو خيثمة حدثنا سفيان عن الزهري عن حسن وعبد الله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية (1) » وهذا الحديث لا ينافي حديث الربيع بن سبرة عن أبيه حيث ذكر أن النهي كان في حجة الوداع لما ذكرنا بأن ذلك كان عدة مرات غير أن النهي الأخير كان في حجة الوداع.
ويدل على صحة ما ذكرنا أيضا ما أخبرنا به أبو الفضل الأديب أنا سعد بن علي العجلي أنا القاضي أبو الطيب، أنا علي بن عمر ثنا عبد الله بن داود، حدثنا محمد بن يحيى حدثنا يونس بن محمد، حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة عن أبيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها (2) » قال: " ذكر أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن القزويني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل الطبري حدثنا هناد بن السري حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عباد بن كثير حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح البخاري كتاب النكاح (5119) ، صحيح مسلم النكاح (1405) ، مسند أحمد بن حنبل (4/55) .(20/344)
تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جئن نسوة فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا، فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهن فقال: " من هؤلاء النسوة؟ " فقلنا يا رسول الله: نسوة تمتعنا منهن، قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، وتغير لونه واشتد غضبه وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد ولا نعود لها أبدا، فبها سميت يومئذ ثنية الوداع» اهـ.
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 - 132: " اختلف العلماء كم مرة أبيحت المتعة ونسخت، ففي صحيح مسلم عن عبد الله قال: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل (1) » قال أبو حاتم البستي في صحيحه: قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا نختصي، دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن يبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنى، ثم رخص لهم في الغزو أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى أجل، ثم نهى عنها عام خيبر، ثم أذن فيها عام الفتح، ثم حرمها بعد ثلاث فهي محرمة إلى يوم القيامة.
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .(20/345)
وقال ابن العربي: وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة؛ لأنها أبيحت في صدر الإسلام، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك، واستقر الأمر على التحريم، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة فإن النسخ طرأ عليها مرتين، ثم استقرت بعد ذلك.
وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها: إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات. فروى ابن أبي عمرة: أنها كانت في صدر الإسلام، وروى سلمة بن الأكوع: أنها كانت عام أوطاس، ومن رواية علي: تحريمها يوم خيبر.
ومن رواية الربيع بن سبرة إباحتها يوم الفتح، قلت: القائل القرطبي، وهذه الطرق كلها في صحيح مسلم. وفي غيره عن علي نهى عنها في غزوة تبوك رواه إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه عن علي ولم يتابع إسحاق بن راشد على هذه الرواية عن ابن شهاب قاله أبو عمر - رحمه الله.
وفي مصنف أبي داود من حديث الربيع بن سبرة النهي عنها في حجة الوداع. وذهب أبو داود إلى أن هذا أصح ما روي في ذلك وقال عمرو عن الحسن: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء ما حلت قبلها ولا بعدها، وروي هذا عن سبرة أيضا. فهذه سبعة مواطن أحلت فيها المتعة وحرمت.(20/346)
قال أبو جعفر الطحاوي: كل هؤلاء الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاقها أخبروا أنها كانت في سفر، وأن النهي لحقها في ذلك السفر بعد ذلك فمنع منها، وليس أحد منهم يخبر أنها كانت في حضر، وكذلك روي عن ابن مسعود.
فأما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لها في حجة الوداع فخارج عن معانيها كلها. وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إلا في رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خاصة وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فذكر أن ذلك كان في فتح مكة وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها. ومحال أن يشكوا إليه العزبة في حجة الوداع؛ لأنهم كانوا حجوا بالنساء، وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم، ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة، أنه لما كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم تكرير مثل هذا في مغازيه وفي المواضع الجامعة ذكر(20/347)
تحريمها في حجة الوداع؛ لاجتماع الناس حتى يسمعه من لم يكن سمعه فأكد ذلك حتى لا تبقى شبهة لأحد يدعي تحليلها، ولأن أهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا " اهـ.
6 - ما قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ج 4 ص 193: قد تكلم الناس في الحديث الوارد في الصحيحين من طريق الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية (1) » . هذا لفظ الصحيحين من طريق مالك وغيره عن الزهري وهو يقتضي تقييد تحريم نكاح المتعة بيوم خيبر وهو مشكل من وجهين: أحدهما: أن يوم خيبر لم يكن ثم نساء يتمتعون بهن إذ قد حصل لهم الاستغناء بالسباء عن نكاح المتعة.
الثاني: أنه قد ثبت في صحيح مسلم عن الربيع بن سبرة عن معبد عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم في المتعة زمن الفتح ثم لم يخرج من مكة حتى نهى عنها. وقال: " إن الله قد حرمها إلى يوم القيامة (2) » . فعلى هذا يكون قد نهى عنها، ثم أذن فيها، ثم حرمت فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد. وعلى هذا فقد نص الشافعي على أنه لا يعلم شيئا أبيح ثم حرم، ثم أبيح ثم حرم، غير نكاح المتعة، وما حداه على
__________
(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .(20/348)
هذا إلا اعتماده على هذين الحديثين كما قدمناه، وقد حكى السهيلي وغيره: عن بعضهم أنه ادعى أنها أبيحت ثلاث مرات وحرمت ثلاث مرات، وقال آخرون: أربع مرات وهذا بعيد جدا، والله أعلم.
واختلفوا أي وقت أول ما حرمت فقيل: في خيبر، وقيل: في عمرة القضاء، وقيل: في عام الفتح وهذا يظهر، وقيل: في أوطاس وهو قريب من الذي قبله، وقيل: في تبوك، وقيل: في حجة الوداع. رواه أبو داود.
وقد حاول بعض العلماء أن يجيب عن حديث علي رضي الله عنه بأنه وقع فيه تقديم وتأخير، وإنما المحفوظ فيه ما رواه الإمام أحمد ثنا سفيان عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد عن أبيهما وكان حسن أرضاهما في أنفسهما أن عليا قال لابن عباس: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (1) » قالوا: فاعتقد الراوي أن قوله يوم خيبر ظرف للمنهي عنهما، وليس كذلك إنما هو ظرف للنهي عن لحوم الحمر الأهلية.
فأما نكاح المتعة فلم يذكر له ظرفا، وإنما جمعه معه؛ لأن عليا رضي الله عنه بلغه أن ابن عباس أباح نكاح المتعة ولحوم الحمر الأهلية، كما هو المشهور عنه، فقال له أمير المؤمنين علي: «إنك تائه، إن رسول الله نهى عن نكاح
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/349)
المتعة ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (1) » فجمع له النهي ليرجع عما كان يعتقده في ذلك من الإباحة. وإلى هذا التقرير كان ميل شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي تغمده الله برحمته آمين، ذكر ابن كثير هذا في كلامه على غزوة خيبر، وقال في بيانه كما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم بمكة من الأحكام في فتح مكة قال ج 4 ص 318: " في صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخل مكة، ثم لم يخرج حتى نهى عنها (2) » . وفي رواية فقال: «ألا إنها حرام حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة (3) » . وفي رواية مسند أحمد والسنن: أن ذلك كان في حجة الوداع. فالله أعلم.
وفي صحيح مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس ابن محمد عن عبد الواحد بن زياد عن أبي العميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أنه قال: «رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في متعة النساء ثلاثا ثم نهانا عنه (4) » قال البيهقي: وعام أوطاس عام الفتح فهو وحديث سبرة سواء. قلت: القائل ابن كثير من أثبت النهي عنها في غزوة خيبر قال: إنها أبيحت مرتين وحرمت مرتين وقد نص على ذلك الشافعي وغيره، وقد قيل: إنها أبيحت وحرمت أكثر من مرتين، فالله أعلم. وقيل: إنها إنما حرمت مرة واحدة وهذه
__________
(1) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي الصيد والذبائح (4334) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن النسائي النكاح (3368) ، مسند أحمد بن حنبل (3/405) .
(3) صحيح مسلم النكاح (1406) ، سنن ابن ماجه النكاح (1962) ، سنن الدارمي النكاح (2195) .
(4) صحيح مسلم النكاح (1405) ، مسند أحمد بن حنبل (4/55) .(20/350)
المرة في غزوة الفتح. اهـ.(20/351)
160 - الجواب عما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يتوهم منه أنه أول من حرم المتعة:
أما ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أنا أنهى عنهما متعة النساء ومتعة الحج (1) » . فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى ج 7 ص 206 من حديث همام عن قتادة عن ابن نضرة عن جابر رضي الله عنه، قال: «قلت: إن ابن الزبير ينهى عن المتعة وإن ابن عباس يأمر بها، قال: على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر رضي الله عنه فلما ولي عمر خطب الناس فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرسول وإن هذا القرآن هذا القرآن، وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما؛ إحداهما: متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته بالحجارة، والأخرى متعة الحج افصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم (2) » رواه البيهقي هكذا، وقال: أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن همام، ثم أجاب عنه البيهقي بقوله: نحن لا نشك في كونها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح بعد
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (1/52) .
(2) مسند أحمد بن حنبل (1/52) .(20/351)
الإذن فيه، ثم لم نجده أذن فيه بعد النهي عنه حتى مضى لسبيله صلى الله عليه وسلم، فكان نهي عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن نكاح المتعة، موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا به، ولم نجده صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة الحج في رواية صحيحة عنه، ووجدنا في قول عمر رضي الله عنه ما دل على أنه أوجب أن يفصل بين الحج والعمرة ليكون أتم لهما فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه وعلى(20/352)
اختيار الإفراد على غيره لا على التحريم، وبالله التوفيق. اهـ.
وأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية في ج 2 في منهاج السنة ص 156 عما يتعلق من الحديث المذكور بنهي عمر عن متعة النساء بقوله: " وأما ما ذكره الرافضي من نهي عمر عن متعة النساء، حيث قال الرافضي: استمرت - أي المتعة - زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومدة خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر إلى أنه صعد المنبر وقال: متعتان كانتا محللتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه حرم متعة النساء بعد الإحلال (1) » . هكذا رواه الثقات في الصحيحين وغيرهما عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما محمد بن الحنفية «عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لابن عباس رضي الله عنه لما أباح المتعة: إنك امرؤ تائه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم المتعة ولحوم الحمر الأهلية عام خيبر (2) » رواه عن الزهري أعلم أهل زمانه بالسنة وأحفظهم لها أئمة الإسلام في زمنهم مثل مالك بن أنس وسفيان بن عيينة، وغيرهما ممن اتفق على علمهم وعدلهم وحفظهم، ولم يختلف أهل العلم بالحديث في أن هذا حديث صحيح متلقى بالقبول، ليس في أهل العلم من طعن فيه. وكذلك ثبت في الصحيح أنه حرمها في غزوة الفتح إلى يوم القيامة " واستمر
__________
(1) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3366) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/353)
شيخ الإسلام إلى أن قال: " فأهل السنة يتبعون عمر وعليا رضي الله عنهما وغيرهما من الخلفاء الراشدين فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والشيعة خالفوا عليا فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا قول من خالفه " اهـ.
أما ما رواه مسلم في صحيحه قال: " حدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: «كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (1) » . فقد أجاب ابن القيم: وعما ثبت من قول عمر: «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما: متعة النساء ومتعة الحج (2) » أجاب عنهما في زاد المعاد في هدي خير العباد. بقوله في فوائد
__________
(1) قصة عمرو بن حريث المشار إليها في هذا الحديث قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص 172: أخرجها عبد الرزاق في مصنفه بهذا الإسناد عن جابر قال: قدم عمرو بن حريث الكوفة فاستمتع بمولاة، فأتى بها عمر وهي حبلى فسأله فاعترف، قال: فذلك حين نهى عنها
(2) مسند أحمد بن حنبل (1/52) .(20/354)
صفحة فارغة(20/355)
فتح مكة: " الناس في هذا طائفتان، طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلا من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به، قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى يروي أنهم فعلوها، ويحتج بالآية(20/356)
أي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1) وأيضا لو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه صلى الله عليه وسلم حرمها ونهى عنها، قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقا. والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة ولو لم يصح، فقد صح حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «حرم متعة النساء (2) » فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، فلما وقع النزاع ظهر تحريمها واشتهر وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ج 9 من فتح الباري ص 172 نقلا عن البيهقي: " ثبت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها - أي متعة النساء - في حديث الربيع بن سبرة بن معبد عن أبيه بعد الإذن فيه ولم نجد عنه الإذن فيه بعد النهي عنه، فنهي عمر موافق لنهيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال الحافظ: " قلت: وتمامه أن يقال: لعل جابرا ومن نقل عنه استمرارهم
__________
(1) سورة المائدة الآية 87
(2) صحيح البخاري المغازي (4216) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/357)
على ذلك بعده صلى الله عليه وسلم إلى أن نهى عنها عمر لم يبلغهم النهي، ومما يستفاد أيضا أن عمر لم ينه عنها اجتهادا وإنما نهى عنها مستندا إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقع التصريح بذلك فيما أخرجه ابن ماجه من طريق أبي بكر بن حفص عن ابن عمر قال: لما ولي عمر خطب فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها (1) » . . وأخرج ابن المنذر والبيهقي من طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: «صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال رجال ينكحون هذه المتعة بعد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها» وفي حديث أبي هريرة الذي أشرت إليه في صحيح ابن حبان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث» وله شاهد صحيح عن سعيد بن المسيب أخرجه البيهقي. اهـ.
__________
(1) سنن ابن ماجه النكاح (1963) .(20/358)
161 - نظرة ابن عباس حينما أباح متعة النساء وهل رجع عنها أم لا؟
وأما ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في إباحة متعة النساء فقد ذكر الإمام ابن القيم في ثلاثة مواضع من كتابه: (زاد المعاد في هدي خير العباد) : أنه كان يرى تحريم متعة النساء إنما هو عند الاستغناء عنها فأباحها عند الحاجة إليها، فلما توسع الناس فيها رجع عنها، قال في بيانه(20/358)
لما في غزوة خيبر من الأحكام: " فيها - أي متعة النساء - طريقة ثالثة هي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمها تحريما عاما البتة، بل حرمها عند الاستغناء عنها، وأباحها عند الحاجة إليها، وهذه كانت طريقة ابن عباس حتى كان يفتي بها ويقول: هي كالميتة والدم ولحم الخنزير تباح عند الضرورة، وخشية العنت. فلم يفهم عنه أكثر الناس في ذلك، وظنوا أنه أباحها إباحة مطلقة وشببوا ذلك بالأشعار فلما رأى ابن عباس ذلك رجع إلى القول بالتحريم ". وقال في كلامه على لطائف غزوة فتح مكة وفقهها: " هنا نظر آخر أي: في متعة النساء وهو: أنه هل حرمها تحريم الفواحش التي لا تباح بحال، أو حرمها عند الاستغناء عنها وأباحها للمضطر، هذا هو الذي نظر فيه ابن عباس وقال: أنا أبحتها للمضطر كالميتة والدم، فلما توسع فيها من توسع ولم يقف عند الضرورة أمسك ابن عباس عن الإفتاء بحلها ورجع عنه " وقال في كلامه على تحريم المتعة في ذكر أقضية النبي صلى الله عليه وسلم وأحكامه في النكاح قال: " هل هو - أي تحريم متعة النساء - تحريم بتات أو تحريما مثل تحريم الميتة والدم، وتحريم نكاح الأمة، فيباح عند الضرورة وخوف العنت، هذا هو الذي لحظه ابن عباس وأفتى بحلها للضرورة، فلما توسع الناس فيها ولم يقتصروا على موضع الضرورة أمسك عن فتياه ورجع عنها " انتهى ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد.(20/359)
وقال في تهذيب سنن أبي داود (1) : " إنه أي ابن عباس رضي الله عنهما سلك هذا المسلك في إباحتها عند الحاجة والضرورة، ولم يبحها مطلقا فلما بلغه إكثار الناس منها رجع، وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها. وقال الخطابي: حدثنا ابن السماك حدثنا الحسن بن سلام حدثنا الفضل بن دكين حدثنا عبد السلام عن الحجاج عن أبي خالد عن المنهال عن ابن جبير قال: قلت لابن عباس: هل ترى ما صنعت وبما أفتيت، قد سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء. قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه ... يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك حتى رجعة الناس
فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما بهذا أفتيت ولا هذا أردت، ولا أحللت إلا مثل ما أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير (2) ، وقد تعقب الإمام الخطابي في معالم
__________
(1) المطبوع مع مختصر سنن أبي داود معالم السنن للخطابي ط. مطبعة أنصار السنة المحمدية ص 19.
(2) المطبوع مع مختصر المنذري وتهذيب سنن أبي داود ص 19.(20/360)
السنن تلك النظرة من ابن عباس، فإنه قال بعد الرواية التي ساقها ابن القيم من طريقه: " فهذا يبين لك أنه إنما سلك فيه مذهب القياس وشبهه بالمضطر إلى الطعام وهو قياس غير صحيح؛ لأن الضرورة في هذا الباب لا تتحقق كهي في باب الطعام الذي به قوام الأنفس، وبعدمه يكون التلف. وإنما هذا من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر " انتهى كلام الخطابي، وقد نقله عنه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار وتلقاه بالقبول.
وممن لم ترقه هذه النظرة من ابن عباس أبو بكر الجصاص، قال في أحكام القرآن ج 2 ص 148: " روي عنه أي عن ابن عباس أنه جعلها - متعة النساء - بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم، وأنها لا تحل إلا لمضطر، وهذا محال؛ لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة؛ وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف(20/361)
النفس إن لم يأكل وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء من أعضائه التلف، بترك الجماع وفقده، وإذا لم تحل في حال الرفاهية، والضرورة لا تقع إليها، فقد ثبت خطرها واستحال قول القائل أنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم فهذا قول متناقض مستحيل وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس، وهما من رواتها؛ لأنه كان - رحمه الله - أفقه من أن يخفى عليه مثله، فالصحيح إذا ما روي عنه من خطرها وتحريمها، وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها " انتهى كلام أبي بكر الجصاص، فلما ذكره هو والخطابي والحازمي يقتصر بعض أهل العلم على القول بالتحريم.
أما رجوع ابن عباس عن إباحته متعة النساء فقد ذكره كثير من أهل العلم منهم من يلي:
1 - الترمذي قال في جامعه في باب تحريم نكاح المتعة ج 5 ص 49 بعد أن ذكر أن العمل عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم على تحريم نكاح المتعة، قال: " وإنما روي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة، ثم رجع عن قوله حيث أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها ".
2 - أبو بكر الجصاص قال في أحكام القرآن ج 2 ص 148، 149: " روي عن جابر بن زيد أن ابن عباس نزل(20/362)
عن قوله في الصرف. وقوله في المتعة، ثم قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ} (1) قال: نسختها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) قال: وهذا يدل على رجوعه عن القول بالمتعة. واستمر الجصاص إلى أن قال: فالذي حصل من أقاويل ابن عباس القول بإباحة المتعة في بعض الروايات من غير تقييد لها بضرورة، ولا غيرها.
والثاني: أنها كالميتة تحل للضرورة، والثالث: أنها محرمة. وقد قدمنا ذكر سنده وقوله أيضا: أنها منسوخة. ومما يدل على رجوعه عن إباحتها ما روى عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن أبا إسحاق مولى بني هاشم حدثه أن رجلا سأل ابن عباس فقال: كنت في سفر ومعي جارية لي ولي أصحاب فأحللت جاريتي لأصحابي يستمتعون منها، فقال: ذلك السفاح. وقال الجصاص أيضا: كان الذي شهر عنه إباحة المتعة من الصحابة عبد الله بن عباس واختلفت الروايات عنه في ذلك، فروي عنه
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) سورة الطلاق الآية 1(20/363)
إباحتها بتأويل الآية {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (1) وقد قدمنا أنه لا دلالة في الآية على إباحتها بل دلالات الآية ظاهرة في حظرها وتحريمها، من الوجوه التي ذكرنا، ثم روي عنه أنه جعلها بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم، وأنها لا تحل إلا لمضطر، وهذا محال؛ لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة، وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف النفس إن لم يأكل، وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء من أعضائه التلف، بترك الجماع وفقده، وإذا لم تحل في حال الرفاهية، والضرورة لا ترقى إليها، فقد ثبت حظرها واستحال قول القائل: إنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم، فهذا قول متناقض مستحيل. وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس وهما من رواتها؛ لأنه كان - رحمه الله - أفقه من أن يخفى عليه مثله. فالصحيح إذا ما روي عنه من حظرها وتحريمها، وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها ". اهـ.
3 - الباجي قال في المنتقى شرح الموطأ ج 3 ص 334 في كلامه على نكاح المتعة: قد روى ابن حبيب أن ابن عباس وعطاء كانا يجيزان المتعة ثم رجعا عن ذلك، ولعل عبد الله بن عباس إنما رجع لقول علي له. والله أعلم.
4 - أبو بكر بن العربي نقل القرطبي في الجامع لأحكام
__________
(1) سورة النساء الآية 24(20/364)
القرآن ج 5 ص 132 أنه قال: " قد كان ابن عباس يقول بجوازها - أي متعة النساء - ثم ثبت رجوعه عنه فانعقد الإجماع على تحريمها ".
5 - الحازمي قال في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 141: " أما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته - أي نكاح المتعة - للمضطرين إليه بطول العزبة وقلة اليسار والجدة. ثم توقف عنه وأمسك عن الفتوى به ويوشك أن يكون سبب رجوعه قول علي له رضي الله عنه ".
6 - البغوي قال في شرح السنة ج 9 ص 100: " روي عن ابن عباس شيء، جواز نكاح المتعة مطلقا، وقيل عنه بجوازها عند الضرورة، والأصح عنه الرجوع إلى تحريمها، واتفق على تحريمها سائر فقهاء الأمصار ".
7 - شيخ الإسلام ابن تيمية في ج 2 من منهاج السنة ص 156 قال في إباحة ابن عباس المتعة وأكل لحوم الحمر: " روي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك لما بلغه النهي عنها " اهـ.
لكن رغم هذا كله نرى من أئمة العلم، من لا يثبت رجوع ابن عباس عن إباحته لها، فقد قال الحافظ ابن كثير في الجزء الرابع من البداية والنهاية بعد إيراده في غزوة خيبر من طريق مسند الإمام أحمد بن حنبل حديث سفيان عن الزهري(20/365)
عن الحسن وعبد الله ابني محمد عن أبيهما أن عليا قال لابن عباس: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر (1) » . قال ج 4 ص 194: " ومع هذا ما رجع ابن عباس عما كان يذهب إليه من إباحة الحمر والمتعة، أما النهي عن الحمر فتأوله بأنها كانت حمولتهم، وأما المتعة فإنه كان يبيحها عند الضرورة في الأسفار، وحمل النهي عن ذلك في حال الرفاهية والوجدان، وقد تبعه على ذلك طائفة من أصحابه وأتباعهم، ولم يزل ذلك مشهورا عن علماء الحجاز إلى زمن ابن جريج ".
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص 173: " أما ابن عباس فروي عنه أنه أباحها - أي متعة النساء - وروي عنه أنه رجع عن ذلك، قال ابن بطال: روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة، وروي عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنده أصح " اهـ.
وقال العلامة علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج 3 ص 427: " قال ابن الهمام: ويدل على أنه - ابن عباس - لم يرجع حين قال له علي ذلك: «مهلا يا ابن عباس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأهلية (2) » - ما في صحيح مسلم عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال: «إن ناسا
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5115) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/79) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .
(2) صحيح البخاري الحيل (6961) ، صحيح مسلم النكاح (1407) ، سنن الترمذي النكاح (1121) ، سنن النسائي النكاح (3365) ، سنن ابن ماجه النكاح (1961) ، مسند أحمد بن حنبل (1/142) ، موطأ مالك النكاح (1151) ، سنن الدارمي النكاح (2197) .(20/366)
أعمى الله قلوبهم، كما أعمى أبصارهم، يفتون بالمتعة - يعرض برجل - فناداه، فقال: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل في عهد إمام المتقين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ابن الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك (1) » . . . " الحديث، ورواه النسائي أيضا ولا تردد في أن ابن عباس هو الرجل المعرض به وكان قد كف بصره، فلذا قال ابن الزبير: " كما أعمى أبصارهم " وهذا إنما كان في حال خلافة عبد الله بن الزبير وذلك بعد وفاة علي كرم الله وجهه، فقد ثبت أنه مستمر القول على جوازها ولم يرجع إلى علي " اهـ.
ومما جاء في الرد على ابن عباس ما رواه الطبراني في الأوسط من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري عن سالم: «أتي ابن عمر فقيل له: إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة فقال: معاذ الله، ما أظن ابن عباس يفعل هذا. فقيل: بلى، قال: وهل كان ابن عباس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا غلاما صغيرا. ثم قال ابن عمر: نهانا عنها رسول الله وما كنا مسافحين» . قال الحافظ في تلخيص الحبير ج 3 ص 154: " إسناده قوي " وما رواه عبد الرزاق في باب المتعة من مصنفه ج 7 ص 502 عن معمر عن الزهري عن سالم قال: " قيل لابن عمر: إن ابن عباس يرخص في متعة النساء
__________
(1) صحيح مسلم كتاب النكاح (1406) .(20/367)
فقال: ما أظن ابن عباس يقول هذا. قالوا: بلى والله إنه ليقوله. قال: أما والله ما كان ليقول هذا في زمن عمر، وإن كان عمر لينكلكم عن مثل هذا وما أعلمه إلا السفاح " وروى ابن أبي شيبة في نكاح المتعة من مصنفه ج 4 ص 293 عن عبيدة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر سئل عن المتعة فقال: حرام. فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها. فقال: فهلا تزمزم بها في زمن عمر. وما رواه عبد الرزاق في مصنفه ج 4 ص 502 عن معمر قال: «أرخص ابن عباس في المتعة فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: ما هذا يا ابن عباس؟ فقال ابن عباس: فعلت مع إمام المتقين. فقال ابن أبي عمرة: اللهم غفرا، إنما كانت المتعة رخصة كالضرورة إلى الميتة والدم ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين بعد (1) » .
__________
(1) صحيح مسلم كتاب النكاح (1406) .(20/368)
162 - تخصيص الترخيص في المتعة حينما رخص فيها بالعزبة في حال السفر:
قال الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: " إنما كان ذلك - أي الترخيص فيها - أولا: يكون في(20/368)
أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحه لهم وهم في بيوتهم ".
وأما ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه. . . " الحديث. فمدار إسناده على موسى بن عبيدة الربذي من طريقه رواه إسحاق بن راهويه والترمذي. قال إسحاق بن راهويه: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا موسى بن عبيدة، سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن ابن عباس، قال: كانت المتعة في أول الإسلام متعة النساء، فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ عليه ضيعته، ويضم إليه متاعه، فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته، وقد كانت تقرأ: " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن " الآية حتى نزلت: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (1)
__________
(1) سورة النساء الآية 23(20/369)
إلى قوله: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (1) فتركت المتعة وكان الإحصان، إذا شاء طلق وإذا شاء أمسك، ويتوارثان، وليس لهما من الأمر شيء. ومن طريق إسحاق هذا رواه أبو بكر محمد بن موسى الحازمي في الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 140 طبعة المطبعة المنيرية، قال: قرأت على محمد بن عمر الحافظ أخبرنا أبو علي أنبأنا أبو نعيم أنا أبو أحمد العبدي أنا عبد الله بن محمد أنا إسحاق الحنظلي أنا روح بن عبادة فساقه الحافظ الحازمي بسنده ومتنه المذكورين ثم قال في إسناده: " هذا إسناد صحيح لولا موسى بن عبيدة وهو الربذي، كان يسكن الربذة ". اهـ.
ومن طريق إسحاق بن راهويه أيضا، أورد ابن القيم هذه الرواية في تهذيب سنن أبي داود (2) جنب رواية الخطابي المتقدمة وقال: " هاتان الروايتان المقيدتان عن ابن عباس تفسران مراده - أي ابن عباس - من الرواية المطلقة، ولم يتعرض ابن القيم لا لتضعيفها الذي ذكره هذا الحافظ، ولا لشذوذها الذي سيأتي في كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني إضافة إلى تضعيف السند.
__________
(1) سورة النساء الآية 24
(2) المطبوع مع مختصر المنذري ومعالم السنن للخطابي طبعة أنصار السنة.(20/370)
وقال الترمذي في باب تحريم نكاح المتعة من (جامعه) (1) : حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا سفيان بن عقبة أخو قبيصة ابن عقبة، حدثنا سفيان الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد ابن كعب عن ابن عباس، قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه حتى نزلت الآية: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (2) قال ابن عباس: فكل فرج سوى هذين حرام، وهذه الرواية قال فيها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص 171، 172 ونص الفتح: (وأما ما أخرجه الترمذي من طريق محمد ابن كعب عن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له فيها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يقيم، فتحفظ له متاعه. فإسناده ضعيف، وهو شاذ، مخالف لما تقدم من علة إباحتها، يشير الحافظ بقوله: مخالف لما تقدم من علة إباحتها إلى ما رواه البخاري في باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة، أخيرا من صحيحه حيث قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس يسأل عن متعة
__________
(1) ج 5 ص 49، 50 بشرح العارضة.
(2) سورة المؤمنون الآية 6(20/371)
النساء فرخص، فقال مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة، أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم. وإلى ما في رواية الإسماعيلي: إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قليل، وإلى ما أورده الحافظ في شرح ذلك الحديث أي حديث البخاري، من أحاديث فقد قال: وعند مسلم من طريق الزهري عن خالد بن المهاجر أو ابن أبي عمرة الأنصاري قال: قال رجل - يعني ابن عباس وصرح به البيهقي في روايته - إنما كانت - يعني المتعة - رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم ولحم الخنزير، قال: ويؤيده ما أخرجه الخطابي والفاكهي من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان وقال فيها الشعراء - يعني في المتعة - فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن سعيد بن جبير وزاد في آخره: " ألا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير "(20/372)
وأخرجه محمد بن خلف المعروف بوكيع في كتاب الغرر من الأخبار بإسناد أحسن منه، عن سعيد بن جبير بالقصة، لكن ليس في آخره قول ابن عباس المذكور، وفي حديث سهل الذي أشرت إليه قريبا نحوه، ثم قال الحافظ ابن حجر: فهذه أخبار يقوي بعضها ببعض، وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر، وهو يوافق حديث ابن مسعود الماضي في أوائل النكاح، وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن: إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا) . اهـ.(20/373)
163 - الجواب عما جاء عن ابن مسعود في متعة النساء:
أما ما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (2) » .
__________
(1) ذكر السيوطي في الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور ج 2 ص 140: أن حديث ابن مسعود هذا أخرجه عنه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم، وقال البيهقي في السنن الكبرى ج 7 ص 200 في هذا الحديث: '' أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن إسماعيل بن أبي خال
(2) سورة المائدة الآية 87 (1) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(20/373)
فإن في قراءة عبد الله لهذه الآية عقب هذا الحديث ردا على من يحرم المتعة، وإيضاحا أنها لو لم تكن من الطيبات لما أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجيب عن الاستدلال به بأمور:
أحدها: ما أورده ابن القيم في كلامه على ما في غزوة فتح مكة من الفقه واللطائف، في زاد المعاد، وهو أن قراءة ابن مسعود لهذه الآية عقب ذلك الحديث تحتمل أن يكون المراد بها آخر الآية يرد ابن مسعود على من أباح المتعة مطلقا، ويبين أنه معتد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رخص فيها للضرورة، وعند الحاجة في الغزو، وعند عدم النساء وشدة الحاجة إلى المرأة، فمن رخص فيها في الحضر مع كثرة النساء، وإمكان النكاح المعتاد فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين.(20/374)
الثاني: ما أورده ابن القيم في أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنكحة، من زاد المعاد حيث قال: ظاهر كلام ابن مسعود إباحتها - أي متعة النساء - فإن في الصحيحين عنه - أي ابن مسعود رضي الله عنه -: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء فقلنا: يا رسول الله ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (2) » . ولكن في الصحيحين عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء، وهذا التحريم إنما كان بعد الإباحة وإلا لزم منه النسخ مرتين ولم يحتج به على ابن عباس رضي الله عنهم. اهـ.
الثالث: أجاب به البيهقي في (السنن الكبرى) ج 7 ص 201 عنه، وهو أنه قد روي في حديث ابن مسعود هذا أنه قال: كنا ونحن شباب. قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا عبد الله بن محمد الكعبي، ثنا محمد بن أيوب، أنبأ أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع عن إسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله رضي الله عنه، قال: «كنا ونحن
__________
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4615) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/420) .
(2) سورة المائدة الآية 87 (1) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(20/375)
شباب. . . فقلنا: يا رسول الله ألا نختصي؟ قال: لا. ثم رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله: (2) » . رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال البيهقي: وفي هذه الرواية ما دل على كون ذلك قبل فتح خيبر أو قبل فتح مكة، فإن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة وكان يوم مات ابن بضع وستين سنة، وكان الفتح فتح خيبر في سنة سبع من الهجرة وفتح مكة سنة ثمان، فعبد الله سنة الفتح كان ابن أربعين سنة أو قريبا منها، والشباب قبل ذلك. هذا ما قاله البيهقي مؤيدا به قول الشافعي، في حديث ابن مسعود: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فأردنا أن نختصي، فنهانا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشيء (3) » . فقد قال الشافعي فيه: ذكر ابن مسعود الإرخاص في نكاح المتعة ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر، أو بعدها، وأشبه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة أن يكون ناسخا له (4) .
__________
(1) صحيح مسلم النكاح (1404) .
(2) سورة المائدة الآية 87 (1) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}
(3) صحيح البخاري النكاح (5076) ، صحيح مسلم النكاح (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (1/432) .
(4) أطال البيهقي في تأييد القول بوقوع النهي عن متعة النساء زمن خيبر.(20/376)
الرابع: ما ذكره القرطبي وهو أن ابن مسعود لم يكن حين يقول هذا القول قد بلغه الناسخ ثم بلغه، فرجع بعد، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ج 9 ص 119 (في باب ما يكره من التبتل والخصاء) قال - أي الإسماعيلي -: (وفي رواية لابن عيينة عن إسماعيل، ثم جاء تحريمها بعده، وفي رواية معمر عن إسماعيل ثم نسخ) وممن مال إلى القول بأن ابن مسعود حين كان يقول هذا القول لم يبلغه النسخ، الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، قال: (وقوله أي ابن مسعود في حديثه المذكور ثم قرأ عبد الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (1) فيه إشارة إلى أنه كان يعتقد إباحتها، كقول ابن عباس، وأنه لم يبلغه نسخها) اهـ.
الجواب عن دعوى ابن حزم ثبوت عدد من الصحابة على إباحة المتعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإباحة عدد من التابعين:
أما ما نقله الحافظ في الفتح عن ابن حزم أنه قال: ثبت على إباحتها - أي متعة النساء - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود ومعاوية وأبو سعيد وابن عباس وسلمة ومعبد ابنا أمية بن خلف، وجابر وعمرو بن حريث ورواه جابر عن جميع الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر، قال: ومن التابعين طاوس
__________
(1) سورة المائدة الآية 87(20/377)
وسعيد بن جبير وعطاء وسائر فقهاء مكة، فقد تعقبه الحافظ ابن حجر العسقلاني في ج 9 من فتح الباري ص 174 بقوله: قلت: وفي جميع ما أطلقه نظر. أما ابن مسعود فمستنده فيه الحديث الماضي في أوائل النكاح.
وقد بينت فيه ما نقله الإسماعيلي من الزيادة فيه المصرحة عنه بالتحريم، وقد أخرجه أبو عوانة من طريق أبي معاوية عن إسماعيل ابن أبي خالد، وفي آخره ففعلنا ثم ترك ذلك، وأما معاوية فأخرجه عبد الرزاق من طريق صفوان بن يعلى بن أمية، أخبرني يعلى أن معاوية استمتع بامرأة بالطائف، وإسناده صحيح، لكن في رواية أبي الزبير عن جابر عند عبد الرزاق أيضا أن ذلك كان قديما ولفظه: استمتع معاوية(20/378)
مقدمه الطائف بمولاة لبني الحضرمي، يقال لها: معانة، قال جابر: ثم عاشت معانة إلى خلافة معاوية فكان يرسل إليها بجائزة كل عام، وقد كان معاوية متبعا لعمر مقتديا به، فلا يشك أنه عمل بقوله بعد النهي، ومن ثم قال الطحاوي: (خطب عمر فنهى عن المتعة، ونقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه ذلك منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه. وأما أبو سعيد فأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج أن عطاء قال: أخبرني من شئت عن أبي سعيد قال: لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقا، وهذا مع كونه ضعيفا للجهل بأحد رواته، ليس فيه التصريح بأنه كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ابن عباس فتقدم النقل عنه والاختلاف هل رجع أم لا؟) .
وأما سلمة ومعبد فقصتهما واحدة اختلف فيها هل وقعت لهذا أو لهذا؟ فروى عبد الرزاق بسند صحيح عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: " لم يرع عمر إلا أم أراكة قد خرجت وهي حبلى، فسألها عمر، فقالت: استمتع بي سلمة بن أمية وأخرج من طريق أبي الزبير عن طاوس فسماه معبد بن أمية، وأما جابر فمستنده قوله: " فعلناها " وقد بينته قبل، ووقع في رواية أبي نضرة عن جابر عند مسلم " فنهانا عمر فلم نفعله بعد " فإن كان قوله: " فعلنا " يعم(20/379)
جميع الصحابة فقوله: " ثم لم نعد " يعم جميع الصحابة فيكون إجماعا، وقد ظهر أن مستنده الأحاديث الصحيحة التي بيناها، وأما عمرو بن حريث، وكذلك قوله: " رواه جابر عن جميع الصحابة " فعجيب وإنما قال جابر: " فعلناها " وذلك لا يقتضي تعميم جميع الصحابة بل يصدق على فعل نفسه وحده. وأما ما ذكره عن التابعين فهو عند عبد الرزاق عنهم بأسانيد صحيحة، وقد ثبت عن جابر عند مسلم " فعلناها " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهانا عمر فلم نعد لها فهذا يرد، عده جابرا فيمن ثبت على تحليلها، وقد اعترف ابن حزم مع ذلك بتحريمها لثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: «إنها حرام إلى يوم القيامة (1) » قاله فأمنا بهذا القول نسخ التحريم. والله أعلم. انتهى كلام الحافظ في فتح الباري.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى ج 9 ص 519: أسماء
__________
(1) صحيح البخاري العلم (104) ، صحيح مسلم الحج (1354) ، سنن الترمذي الديات (1406) ، سنن النسائي مناسك الحج (2876) ، مسند أحمد بن حنبل (4/32) .(20/380)
بنت أبي بكر رضي الله عنهما ضمن أولئك الصحابة الذين ثبتوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحليل متعة النساء، وذكر أيضا رواية أخرى عن عمر بن الخطاب بأنه أنكر متعة النساء إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين، ولم يتعرض لأي واحد من الأمرين، وإنما ذكرهما في تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، وأفرد ما ذكره عن أسماء بالتخريج، حيث قال ج 3 ص 59: وأما ما ذكره - أي ابن حزم - عن أسماء فأخرجه النسائي من طريق مسلم القرى قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر فسألناها عن متعة النساء، فقالت: فعلناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجب عن هذه الرواية؛ فلذلك أذكر مستند ابن حزم في دعواه أن هناك رواية أخرى عن عمر بن الخطاب أنكر فيها متعة النساء إذا لم يشهد عليها عدلان، وأباحها بشهادة عدلين ثم أجيب عن الروايتين. فأقول: أما الرواية عن عمر بذلك فعند عبد الرزاق في مصنفه ج 7 ص 500، 501 روي عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم أن محمد بن الأسود بن خلف أخبره أن عمر بن حوشب استمتع بجارية بكر من بني عامر بن لؤي، فذكرت ذلك لعمر، فسألها فقالت: استمتع منها عمر بن حوشب، فسأله فاعترف، فقال عمر: من أشهدت؟ قال: لا أدري قال أمها أو أختها، أو(20/381)
أخاها وأمها. فقام عمر على المنبر فقال: " ما بال رجال يعملون بالمتعة ولا يشهدون عدولا ولم يبنها إلا حددته " قال: أخبرني هذا القول من تحت منبره سمعه حين يقوله، قال: فتلقاه الناس منه " اهـ. وفي سندها محمد بن الأسود ابن خلف، قال فيه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال ج 3 ص 485: لا يعرف هو ولا أبوه تفرد عنه عبد الله بن عثمان بن خثيم. وأما الرواية عن أسماء فقد أجاب عنها الحسين بن أحمد السياغي في الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 4 ص 218 بقوله: ليس فيها زيادة على حكاية ما وقع في وقته صلى الله عليه وسلم، ولا يدل السياق على أنها تقول بجوازها. اهـ كلامه، وقد قال مسلم في صحيحه: " حدثنا محمد بن حاتم حدثنا روح بن عبادة حدثنا شعبة عن مسلم القرى قال: «سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن متعة الحج،(20/382)
فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها فإذا امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها (1) » وحدثناه ابن المثنى حدثنا عبد الرحمن (ح) وحدثناه ابن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر جميعا عن شعبة بهذا الإسناد فأما عبد الرحمن ففي حديثه المتعة ولم يقل متعة الحج. وأما ابن جعفر فقال: قال شعبة: قال مسلم القرى: لا أدري متعة الحج أو متعة النساء! وما دام الأمر هكذا ففي كون لفظ " متعة النساء " في رواية النساء من طريق مسلم القرى محفوظا نظر. ومن غرائب ابن حزم دعواه في تلك العبارة التي في المحلى الاختلاف في المتعة عن علي وعمر وابن الزبير بدون مستند صالح، ورغم النصوص الصحيحة الصريحة عنهم بالتحريم.
__________
(1) صحيح مسلم الحج (1238) ، مسند أحمد بن حنبل (6/348) .(20/383)
164 - الجواب عما عزي إلى عطاء وابن جريج ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وابن جرير من إباحة المتعة:
أما ما روي عن عطاء أنه يجيز المتعة فقد قال الباجي في المنتقى ج 3 ص 334 في كلامه على المتعة ما نصه: قد روى ابن حبيب أن ابن عباس وعطاء كانا يجيزان المتعة ثم رجعا عن ذلك. وأما حكاية الخطاب عن ابن جريج إباحة متعة النساء(20/383)
فقد روى أبو عوانة في صحيحه كما في تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر ج 3 ص 160، روي عن ابن عوانة أنه قال لهم بالبصرة: اشهدوا أني قد رجعت عنها بعد أن حدثهم بثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها، ولو لم يرجع فالأمر ما قاله الأوزاعي. . . فقد قال الحاكم في النوع الثاني والعشرين من الأنواع المشتمل عليها كتابه: معرفة علوم الحديث ص 65: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا العباس بن الوليد البيروني قال: حدثنا أبو عبد الله بن بحر قال: سمعت الأوزاعي يقول: يجتنب أو يترك من قول أهل العراق خمس، ومن قول أهل الحجاز خمس. من قول أهل العراق: شرب المسكر، والأكل عند الفجر في رمضان، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار، وتأخير صلاة العصر حتى يكون ظل كل شيء أربعة أمثاله، والفرار يوم الزحف. ومن قول أهل الحجاز: استماع الملاهي، والجمع بين الصلاتين من غير عذر، والمتعة بالنساء والدرهم بالدرهمين، والدينار بالدينارين يدا بيد، وإتيان النساء في أدبارهن، وممن أجاب عن إباحة ابن جريج متعة النساء بهذا، الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير قال أيضا: ومن المشهورين بإباحتها - متعة النساء - ابن جريج فقيه مكة؛ ولهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم في علوم الحديث: ويترك من قول أهل الحجاز خمس فذكر فيها متعة النساء من قول أهل مكة وإتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة. اهـ.(20/384)
وأما ما حكاه بعض الحنفية عن مالك بن أنس من إباحة متعة النساء، فقد تعقبه الإمام ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، بعد أن جزم بأن فقهاء الأمصار كلهم على المنع قال ج 4 ص 194: " وما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز فهو خطأ قطعا، وأكثر الفقهاء على الاقتصار على التحريم على العقد المؤقت، وعداه مالك إلى توقيت الحل وإن لم يكن في عقد، فقال: إذا علق طلاق امرأته بوقت لا بد من مجيئه وقع عليها الآن. وعلله أصحابه بأن ذلك توقيت للحل وجعلوه في معنى نكاح المتعة " اهـ كلام ابن دقيق العيد، ولخصه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص 173 حيث قال: " قال ابن دقيق العيد: ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ، فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى أبطلوا توقيت الحل بسببه، فقالوا: لو علق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن؛ لأنه توقيت للحل فيكون في معنى نكاح المتعة " اهـ.
وأما ما نقل عن الشافعي من إباحة متعة النساء فقد قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية ج 5 ص 194: " حاول بعض من صنف في الحلال نقل رواية عن الإمام الشافعي بمثل ذلك أي ما روي عن ابن عباس في إباحة المتعة ولا يصح والله أعلم ".(20/385)
وأما رواية ابن منصور أنه سأل أحمد بن حنبل عن متعة النساء، قال: يجتنبها أحب إلي، وقوله: ظاهر هذا الكراهة دون التحريم، فقد قال ابن عقيل فيها: رجع عنها الإمام أحمد، وقال تقي الدين: توقف الإمام أحمد - رحمه الله - أي في تلك العبارة عن لفظ الحرام ولم ينفه، وقال صاحب المحرر: يتخرج أن يصح النكاح ويلغو التوقيت، وأجاب عنها ابن قدامة في (المغني) ج 6 ص 644 حيث قال: " وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا، ويقول في المسألة رواية واحدة في تحريمها، وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء، وممن روي عنه القول بتحريمها عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير، قال ابن عبد البر: وعلى تحريم المتعة مالك وأهل المدينة، وأبو حنيفة من أهل الكوفة، والأوزاعي من أهل الشام، والليث من أهل مصر، والشافعي وأصحاب الآثار " اهـ.
وأجاب الإمام ابن كثير في البداية والنهاية عن نقل الإمام أحمد بقوله ج 4 ص 194: " وقد حكي عن الإمام أحمد بن حنبل رواية كمذهب ابن عباس وهي ضعيفة " اهـ.
وأما قول الشوكاني في نيل الأوطار ج 6 ص 1306 الطبعة العثمانية بمصر: " وروي أيضا عن ابن جرير جوازه " فغلط والصواب " ابن جريج " كما هو نص الاعتبار للحازمي الذي نقل عنه الشوكاني العبارة التي وقع فيها هذا الخطأ،(20/386)
وممن تنبه لهذا الخطأ الشيخ محمد نجيب المطيعي في الجزء الخامس عشر من شرح المهذب وهو الجزء الرابع من تكملته لهذا الشرح قال ص 141: " قد ورد اسم ابن جريج خطأ في نيل الأوطار بابن جرير، والصواب ما ذكرنا أي ابن جريج " لكن فات المطيعي أن يذكر أن ذلك الخطأ إنما وقع في العبارة المذكورة.(20/387)
165 - تعريف المتعة:
قال الشيخ علي القاري في (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح) ج 3 ص 422 طبعة بومباي: " المتعة أن تقول لامرأة: أتمتع بك كذا مدة بكذا من المال ".
قال الباجي في المنتقى في شرح حديث ابن أبي طالب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية (1) » . والمتعة المذكورة في هذا الحديث هي النكاح المؤقت مثل أن يتزوج الرجل المرأة سنة أو شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا انقضت المدة فقد بطل حكم النكاح وكمل أمره، قاله ابن المواز وابن حبيب، زاد ابن حبيب أو مثل أن يقول المسافر يدخل البلد: أتزوجك ما أقمت حتى أقفل.
__________
(1) ج 3 ص 334.(20/387)
ثم قال الباجي (1) بعد ذلك: " ومن تزوج امرأة لا يريد إمساكها إلا أنه يريد أن يستمتع بها مدة ثم يفارقها فقد روى محمد عن مالك أن ذلك جائز وليس من الجميل ولا من أخلاق الناس، ومعنى ذلك ما قاله ابن حبيب: إن النكاح وقع على وجهه ولم يشترط شيئا وإنما نكاح المتعة ما شرطت فيه الفرقة بعد انقضاء مدة. قال مالك: وقد يتزوج الرجل المرأة على غير إمساك فيسره أمرها فيمسكها وقد يتزوجها يريد إمساكها ثم يرى منها ضد الموافقة فيفارقها، يريد أن هذا لا ينافي النكاح فإن للرجل الإمساك أو المفارقة، وإنما ينافي النكاح التوقيت " اهـ.
وقال ابن عبد البر في الكافي ج 2 ص 533: " ونكاح المتعة باطل مفسوخ وهو أن يتزوج الرجل المرأة بشيء مسمى إلى أجل معلوم يوما أو شهرا أو مدة من الزمان معلومة على أن الزوجية تنقضي بانقضاء الأجل ".
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في كلامه على الآية الكريمة: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} (2) قال في الجامع لأحكام القرآن (3) : " قال
__________
(1) ج 3 ص 335.
(2) سورة النساء الآية 24
(3) ج 5 ص 132.(20/388)
أبو عمر: لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق ".
وقال ابن عطية: " وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين، وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى ألا ميراث بينهما ويعطيها ما اتفقا عليه، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ويستبرئ رحمها؛ لأن الولد لاحق فيه بلا شك، فإن لم تحمل حلت لغيره، وفي كتاب النحاس في هذا خطأ وأن الولد لا يلحق في نكاح المتعة. قلت: هذا هو المفهوم من عبارة النحاس، فإنه قال: وإنما المتعة أن يقول لها أتزوجك يوما، أو ما أشبه ذلك على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهدين على ذلك، وهذا هو الزنا بعينه ولم يبح قط في الإسلام؛ ولذلك قال عمر: " لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة ".
وقال الشافعي في (الأم) (1) تحت عنوان: (نكاح المحلل ونكاح المتعة) : " جماع نكاح المتعة المنهي عنه كل نكاح كان إلى أجل من الآجال قرب أو بعد، وذلك أن يقول الرجل للمرأة: نكحتك يوما أو عشرا أو شهرا، أو نكحتك
__________
(1) ج 5 ص 71.(20/389)
حتى أخرج من هذا البلد، أو نكحتك حتى أصيبك، فتحلين لزوج فارقك ثلاثا أو ما أشبه هذا، مما لا يكون فيه النكاح مطلقا لازما على الأبد، أو يحدث لها فرقة. ونكاح المحلل الذي يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لعنه عندنا والله تعالى أعلم ضرب من نكاح المتعة؛ لأنه غير مطلق إذا شرط أن ينكحها حتى تكون الإصابة فقد يستأخر ذلك أو يتقدم " وأصل ذلك: أنه عقد عليها النكاح إلى أن يصيبها، فإذا أصابها فلا نكاح له عليها، مثل أنكحها عشرا ففي عقد أنكحك عشرا ألا نكاح بيني وبينك بعد عشر، كما في عقد أنكحك لأحللك إني إذا أصبتك فلا نكاح بيني وبينك بعد أن أصبتك، كما يقال: أتكارى منك هذا المنزل عشرا، أو أستأجر هذا العبد شهرا، وفي عقد شهر أنه إذا مضى فلا كراء ولا إجارة لي عليك، وكما يقال: أتكارى هذا المنزل مقامي في البلد، وفي هذا العقد أنه إذا خرج من هذا البلد فلا كراء له، وهذا يفسد في الكراء، فإذا عقد النكاح على واحد مما وصفت فهو داخل في نكاح المتعة، وكذلك كل نكاح إلى وقت معلوم أو مجهول، فالنكاح مفسوخ لا ميراث بين الزوجين، وليس بين الزوجين شيء من أحكام الأزواج لا طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان إلا بولد. وإن كان لم يصبها فلا مهر لها، وإن كان أصابها فلها مهر مثلها إلا ما سمى لها، وعليها العدة، ولا نفقة لها في العدة وإن كانت(20/390)
حاملا، وإن نكحها بعد هذا نكاحا صحيحا فهي عنده على ثلاث.
قال الشافعي: وإن قدم رجل بلدا وأحب أن ينكح امرأة، ونيته ونيتها ألا يمسكها إلا مقامه بالبلد أو يوما أو اثنين أو ثلاثة، كانت على هذا نيته دون نيتها، أو نيتها دون نيته أو نيتهما معا ونية الولي، غير أنهما إذا عقد النكاح مطلقا لا شرط فيه، فالنكاح ثابت ولا تفسد النية من النكاح شيئا؛ لأن النية حديث نفس، وقد وضع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم، وقد ينوي الشيء ولا يفعله وينويه ويفعله، فيكون الفعل حادثا غير النية، وكذلك لو نكحها ونيته ونيتها أو نية أحدهما دون الآخر أن لا يمسكها إلا قدر ما يصيبها، فيحللها لزوجها ثبت النكاح، وسواء نوى ذلك الولي معهما أو نوى غيره أو لم ينوه ولا غيره والوالي والولي في هذا لا معنى له يفسد شيئا ما لم يقع النكاح بشرط يفسده.
قال الشافعي: " ولو كانت بينهما مراوضة فوعدها إن نكحها أن لا يمسكها إلا أياما أو مدة مقامه بالبلد، أو إلا بقدر ما يصيبها، كان ذلك بيمين أو غير يمين فسواء، وأكره له المراوضة على هذا، ونظرت إلى العقد، فإن كان العقد مطلقا لا شرط فيه فهو ثابت؛ لأنه انعقد لكل واحد منهما على صاحبه ما للزوجين، وإن انعقد على ذلك الشرط فسد، وكان(20/391)
كنكاح المتعة، وأي نكاح كان صحيحا وكانت فيه الإصابة أحصنت الرجل والمرأة إذا كانت حرة، وأحلت المرأة للزوج الذي طلقها ثلاثا، وأوجبت المهر كله، وأقل ما يكون من الإصابة حتى تكون هذه الأحكام أن تغيب الحشفة في القبل نفسه. قال الشافعي: وأي نكاح كان فاسدا لم يحصن الرجل ولا المرأة ولم يحللها لزوجها، فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها " اهـ.
وقال الموفق بن قدامة في (المغني) ج 6 ص 644: " معنى نكاح المتعة: أن يتزوج المرأة مدة مثل أن يقول: زوجتك ابنتي شهرا أو سنة، أو إلى انقضاء الموسم، أو قدوم الحاج وشبهه سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة " اهـ.
وقال ابن حزم في المحلى ج 9 ص 519 في تعريف نكاح المتعة: " هو النكاح إلى أجل ".
وقال الحسن بن أحمد السياغي في الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 4 ص 214 في تعريف نكاح المتعة: " هو النكاح المؤقت إلى أمد مجهول أو معلوم، وغايته إلى خمسة وأربعين يوما. ويرتفع النكاح بانقضاء الوقت المذكور في المنقطعة الحيض، والحائض بحيضتين، والمتوفى عنها بأربعة أشهر وعشر، ولا يثبت لها مهر ولا نفقة ولا توارث ولا عدة، إلا الاستبراء بما ذكر، ولا نسب يثبت به، إلا أن(20/392)
يشترط، وتحرم المصاهرة بسببه. ثم قال السياغي هكذا ذكره في بعض كتب الإمامية " اهـ.
قال القاضي أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ ج 3 ص 335: " روى ابن مزين عن عيسى بن دينار، عن يحيى بن يحيى عن ابن نافع أنه يرجم من فعل ذلك - أي متعة النساء - اليوم إن كان محصنا ويجلد من لم يحصن، وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ عن ابن القاسم: لا رجم فيه، وإن دخل على معرفته منه بمكروه ذلك، ولكن يعاقب عقوبة موجعة لا يبلغ بها الحد. وروي عن مالك أنه يدرأ فيه الحد ويعاقب إن كان عالما بمكروه ذلك. وجه قول عيسى بن دينار: ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال ذلك للناس وخطبهم به، وخطبه تنتشر وقضاياه تنتقل، ولم ينكر عليه ذلك أحد ولا حفظ له مخالف. ووجه القول الثاني: ما احتج به أصبغ من رواية ابن مزين عنه أن كل نكاح حرمته السنة، ولم يحرمه القرآن فلا حد على من أتاه عالما عامدا، وإنما فيه النكال، وكل نكاح حرمه القرآن أتاه رجل عالما عامدا فعليه الحد - قال -: وهذا الأصل الذي عليه ابن القاسم. قال القاضي أبو الوليد رضي الله عنه: وعندي أن ما حرمته السنة ووقع الإجماع والإنكار على تحريمه يثبت فيه الحد كما يثبت فيما حرمه القرآن - قال -: والذي عندي في(20/393)
ذلك أن الخلاف إذا انقطع ووقع الإجماع على أحد أقواله بعد موت قائله وقبل رجوعه عنه فإن الناس مختلفون فيه. فذهب القاضي أبو بكر إلى أنه لا ينعقد الإجماع بموت المخالف، فعلى هذا حكم الخلاف باق، هذا في حكم قضية المتعة، وبذلك لا يحد فاعله. وقال جماعة: إنه ينعقد الإجماع بموت إحدى الطائفتين، فعلى هذا قد وقع الإجماع على تحريم المتعة؛ لأنه لم يبق قائل به. فعندي هذا يحد فاعله، وهذا على قولنا: إنه لم يصح رجوع عبد الله بن عباس عنه، ومما يدل على أنه لم ينعقد الإجماع على تحريمه أنه يلحق به الولد، ولو انعقد الإجماع بتحريمه، وأتاه أحد عالما بالتحريم لوجب ألا يلحق به الولد والله أعلم. ذكر الباجي هذا في شرح ما رواه مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير: " أن خولة بنت حكيم دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت: إن ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه، فخرج عمر بن الخطاب فزعا يجر رداءه، فقال: هذه المتعة ولو كنت تقدمت فيها لرجمت ".
وقال الباجي قبل ذلك: " إن وقع - نكاح المتعة - يفسخ، زاد الشيخ أبو القاسم قبل البناء وبعده. ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه. ومن جهة المعنى أنه عقد نكاح فسد بعقده،(20/394)
فوجب أن يفسخ قبل البناء وبعده كالنكاح بغير ولي " اهـ.
وقال ابن عبد البر في الكافي ج 2 ص 533: " نكاح المتعة باطل مفسوخ، وهو: أن يتزوج الرجل المرأة بشيء مسمى إلى أجل معلوم يوما أو شهرا، أو مدة من الزمان معلومة، على أن الزوجية تنقضي بانقضاء الأجل، والفرقة في ذلك فسخ بغير طلاق، قبل الدخول وبعده، ويجب في المهر المسمى بالدخول عند مالك، فإن لم يسم شيئا أو سمى ما لا يكون صداقا عنده وجب فيه صداق المثل يسقط فيه الحد، ويلحق الولد، وعليها العدة كاملة، وكذلك عند مالك نكاح النهارية حكمه عنده حكم المتعة في لزوم المهر ولحوق الولد ووجوب العدة مع الفسخ، وهي: التي تنكح على أنها تأتي زوجها نهارا ولا تأتيه ليلا " وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132، 133: " قد اختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد ولا يلحق به الولد، أو يدفع الحد للشبهة ويلحق به الولد؟ على قولين، ولكن يعزر ويعاقب إذا لحق اليوم الولد في نكاح المتعة في قول بعض العلماء مع القول بتحريمه، فكيف لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح، فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح، ويفارقه في الأجل والميراث. وحكى المهدوي عن ابن عباس: أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعف لما(20/395)
ذكرنا. قال ابن العربي: وقد كان ابن عباس يقول بجوازها، ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها. فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب، وفي رواية أخرى عن مالك: " لا يرجم؛ لا لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء، وهو: أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك: أنهما ليسا بسواء، وهذا ضعيف " اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني ج 8 ص 183، 184: " ولا يجب الحد بالوطء في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة - قال -: وهذا قول أكثر أهل العلم؛ لأن الاختلاف في إباحة الوطء فيه شبهة، والحدود تدرأ بالشبهات. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبه. . . " اهـ.
والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.(20/396)
166 - الترغيب في الزواج
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. ع. م.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: (1)
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم (1790) وتاريخ 11 \ 5 \ 1407 هـ، الذي تسأل فيه عن عدد من الأسئلة. وأفيدك بأن الصلاة بدون إقامة صحيحة؛ لأنها من فروض الكفاية، ولكن لا ينبغي تعمد تركها. ونوصيك بالمبادرة بالزواج؛ لما فيه من إحصان الفرج وغض البصر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (2) » ، وما عللت به والدتك من عدم قدرتك على
__________
(1) فتوى صدرت من مكتب سماحته برقم (1762\2) وتاريخ 13 \ 6 \ 1407 هـ.
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' من استطاع منكم الباءة فليتزوج '' برقم (5065) ، ومسلم في (النكاح) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم (1400) .(20/397)
المسئولية ولا تقدر على الصرف على زوجتك لا يعتبر مبررا للامتناع عن الزواج؛ لأن الأرزاق بيد الله، والله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2) والمبلغ الذي ذكرت أنك تحصل عليه شهريا فيه خير وبركة إن شاء الله، وعليك أن تحاول إقناع والدتك وإرضاءها، وإذا أصرت على الامتناع فلا يلزمك طاعتها في ترك الزواج مع الحاجة إليه؛ لأن الطاعة في المعروف. وما ذكره الأستاذ من أن اشتراط الطهارة لمس المصحف لا يشمل طلاب المدارس غير صحيح؛ لأن الأمر باشتراط الطهارة جاء مطلقا، فيعم حكمه كل من أراد مس المصحف، وسبق أن صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتاوى في بعض ما سألت عنه، فنرفق لك نسخا منها وفيها الكفاية إن شاء الله. وفق الله الجميع لما فيه رضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة الطلاق الآية 3(20/398)
نصيحة لمن يريد الزواج ولم يقدر عليه
س 167: أنا شاب في المرحلة الثانوية، وأحاول قدر المستطاع أن أحافظ على الفرائض، وما يأمر به الدين، ولكنني أعاني من مشكلة، وهي أني لا أستطيع الزواج، نظرا للظروف المادية في هذا العصر، وأخاف أن أقع فيما حرمه الله. فهل من نصائح وتوجيهات خاصة للشباب مثلي؟ (1)
ج: أوصيك وإخوانك في الله من الشباب بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (2) » ، متفق على صحته. فعليك يا أخي بتقوى الله، والاستقامة على دينه، والإكثار من
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (جريدة المسلمون) وأجاب عنه سماحته في 5 \ 4 \ 1419 هـ.
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' من استطاع منكم الباءة فليتزوج '' برقم (5065) ، ومسلم في (النكاح) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم (1400) .(20/399)
الصوم حتى يتيسر لك الزواج، وسل ربك العافية والثبات على الحق، وأن يسهل أمرك، وأبشر بالخير، والعاقبة الحميدة؛ كما قال الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2) الآية. يسر الله أمرك وأمر كل مسلم إنه سميع قريب.
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة الطلاق الآية 3(20/400)
168 - لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ب. أ. ح. هـ سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اطلعت على كتابكم الموجه إلى أ. م. خ. المتضمن أمره بسؤال أهل العلم عن حكم تزوج الإنسان بامرأة من غير قبيلته. . إلخ.
وقد طلب مني المذكور بواسطة أ. ح. ب. الإجابة عن هذا السؤال.
ولما أوجب الله من بيان الحق ونشر العلم، رأيت الإجابة عن ذلك فأقول: (1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد: فقد أجمع علماء الإسلام على جواز نكاح الرجل امرأة من غير قبيلته إذا اتحد الدين. وأجمعوا أيضا على جواز نكاح المسلم للمحصنة من أهل الكتاب ولو كانت من غير العرب، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة كثيرة، منها: قوله تعالى:
__________
(1) فتوى صدرت من مكتب سماحته عندما كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(20/401)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1) فأوضح الله في هذه الآية الكريمة لعباده أنه لا ميزة لأحد على أحد ولا فضل لأحد على أحد عند الله سبحانه إلا بالتقوى، فأكرم الناس عند الله أتقاهم، «وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس، فقال: " أتقاهم (2) » .
فدلت الآية المذكورة، والحديث المذكور على أن القبائل فيما بينها متكافئة، وأنه يجوز للقرشي والهاشمي أن ينكح من تميم وقحطان وغيرهما من القبائل وهكذا عكس ذلك. وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل بني هاشم زينب بنت جحش وهي من بني أسد بن خزيمة وليست قرشية، وتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وحفصة بنت عمر وجويرية بنت الحارث وسودة بنت زمعة وأم سلمة وعائشة وهن لسن من بني هاشم، وتزوج عليه الصلاة والسلام صفية بنت حيي وهي من بني إسرائيل. وتزوج عمر بن الخطاب رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وهو من بني عدي وهي من بني هاشم، وتزوج عثمان رضي الله عنه رقية وأم كلثوم ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من بني أمية وهما ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بني هاشم،
__________
(1) سورة الحجرات الآية 13
(2) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3353) ، صحيح مسلم الفضائل (2378) ، مسند أحمد بن حنبل (2/431) .(20/402)
والوقائع في هذا الباب كثيرة جدا وكلها تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يكونوا يبالون بأمر النسب إذا استقام أمر الدين.
ومما يدل على ذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج أسامة بن زيد فاطمة بنت قيس وهي قرشية وأسامة مولى من بني كلب، وهكذا أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس زوج ابنة أخيه الوليد على مولاه سالم وهي قرشية وسالم مولى. وهكذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه زوج أخته الأشعث بن قيس وهو تيمي قرشي والأشعث كندي يمني من قحطان، وهكذا عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه زوج أخته بلال بن رباح المؤذن وهي زهرية قرشية وبلال من الحبش.
وهذا كله يدل طالب العلم على جواز نكاح الإنسان من غير قبيلته إذا استقام الدين، وفيما ذكرناه من الأدلة والوقائع كفاية إن شاء الله، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في الدين والتمسك بشريعة سيد المرسلين، والسير على سيرته وسيرة أصحابه المرضيين، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20/403)
اختيار الزوجة الصالحة
س 169: ما الطريقة المثلى في اختيار الزوجة الصالحة؟ (1)
ج: سؤال أهل العلم والأمانة عنها وعن أهلها حتى يثبت لدى الخاطب أنها من ذوات الدين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك (2) » ، متفق على صحته. وقوله صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة (3) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل (4) » ، وقوله عليه الصلاة والسلام: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فإن حامل المسك إما أن يحذيك
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته من (مجلة الدعوة) وأجاب عنه سماحته في 19 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الدين برقم (5090) ومسلم في (الرضاع) باب استحباب نكاح ذات الدين برقم (1466) .
(3) رواه مسلم في (الرضاع) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة برقم (1467) .
(4) رواه الإمام أحمد (2 \ 334) والحاكم في المستدرك (4 \ 188) برقم (7319) .(20/404)
وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثا (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الذبائح والصيد) باب المسك برقم (5534) ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب استحباب مجالسة الصالحين برقم (2628) .(20/405)
تقديم الزواج على الحج إذا خيف العنت
س 170: هل لي أن أتزوج أو لا أم أساعد أمي وأنفق عليها لأداء العمرة هي بنفسها وأنا معها محرم؟ (1)
ج: إذا كنت تستطيع هذا وهذا أحسن إلى أمك وتزوج، وأما إذا كنت لا تستطيع إلا أحدهما فالزواج أهم وأمك ليس عليها شيء حتى تستطيع. تزوج إلا إذا كنت لا تخشى على نفسك، وليس عندك مبالاة بالزواج، وما عندك شهوة تخشى منها وأردت تقديم أمك لا بأس. أما إذا كنت تخشى على نفسك فوات الزواج فقدم الزواج، واعتذر لأمك عن الحج حتى تستطيعا جميعا.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(20/405)
لا يجوز للمحرم
عقد النكاح له أو لغيره
س 171: ما صحة عقد النكاح للمحرم وهو في الحج، هل يجوز، وهل يصح هذا العقد أم لا؟ (1)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ينكح المحرم ولا ينكح (2) » - يعني لا ينكح لا يتزوج، ولا ينكح لا يزوج غيره ما دام محرما؛ لأن عقده غير صحيح لا لنفسه ولا لبناته أو غيرهن من مولياته ما دام محرما؛ لأن هذا أصل النهي، أصل النهي التحريم والإبطال.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) مسند عثمان بن عفان برقم (464) ، والنسائي في (النكاح) باب النهي عن نكاح المحرم برقم (3275) .(20/406)
جواز رفض الزواج إذا وجد عذر شرعي
س 172: ما حكم الشرع في فتاة ترفض الزواج وهي فتاة مسلمة ملتزمة صائنة لعفافها ولذلك فهي ترى لا حاجة لها(20/406)
للزواج بالإضافة إلى أنها تعيش في مجتمع يهزأ بالدين ويسخر من الملتزمين به؛ لذلك فهي تحرص ألا تكون أسرة في مثل هذا المجتمع خوفا من الانحراف والضياع؟ (1)
ج: المشروع للمرأة والرجل هو الزواج، لما فيه من إحصان الفرج وغض البصر وتكثير النسل وتكثير الأمة، وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (2) وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (3) » . وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التبتل ويأمر بالزواج فيقول: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة (4) » . فالمشروع
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم 10.
(2) سورة النور الآية 32
(3) رواه البخاري في (النكاح) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' من استطاع منكم الباءة فليتزوج '' برقم (5065) ، ومسلم في (النكاح) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم (1400) .
(4) رواه أبو داود في (النكاح) باب النهي عن تزوج من لم يلد من النساء برقم (2050) والنسائي في (النكاح) باب كراهية تزويج العقيم برقم (3227) .(20/407)
للشباب والشابات المبادرة إلى الزواج والحرص على الزواج كما أرشد النبي عليه الصلاة والسلام وأمر به، وللمصالح التي سبق ذكرها، والجلوس بدون زواج فيه خطر عظيم فلا يليق بالشاب وهو قادر أن يتأخر في الزواج، ولا يليق بالفتاة التأخر عن الزواج إذا خطبها الشخص المناسب. لكن إذا كان لها عذر لا تحب أن تبديه للناس فهي أعلم بنفسها، بأن كان لا شهوة لها أو كان بها عيب يمنع الزواج من سدد في الفرج أو ما أشبه ذلك، فالمقصود هي أعلم بنفسها إذا كان لها عذر شرعي لا ترغب في الزواج ولا تريده فهي أعلم بنفسها، لكن ما دام ليس بها مانع فإن السنة والمشروع لها أن تبادر بالزواج إذا كان الخاطب كفئا مناسبا في دينه، أما إذا لم يتيسر لها الكفء فهي معذورة، إذا خطبها الأشرار المعروفون بالفساد وترك الصلوات أو السكر أو بغير هذا من المعاصي فهؤلاء لا يرغب فيهم، والكافر التارك للصلاة لا يجوز له نكاح المسلمة.
المقصود إذا خطبها كفء فالمشروع لها أن تبادر وأن ترحب بذلك، ولا تبقى عانسة بدون زواج؛ لما فيه من الخطر، ولما في ذلك من مخالفة السنة. أما إن كان لها عذر شرعي تعرفه من نفسها فهي أعلم بنفسها، أو لم يتيسر لها خاطب يصلح لها والمجتمع مجتمع فاسد لم تجد فيه من يصلح لأن تتزوجه فهي معذورة.(20/408)
النهي عن تزويج النساء إلا بإذنهن
س 173: إن والدي عقد نكاح شقيقتي البالغة من العمر ست عشرة سنة إجباريا على رجل لا ترغبه، وأنها تحاول قتل نفسها بكل طريقة وتقول الموت أحب إلي منه (1) .
ج: مثل هذا الزواج منكر لا يجوز ولا يصح في أصح أقوال العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن تزويج النساء إلا بإذنهن» وأخبر أن البكر إذنها سكوتها، ولما أخبرته صلى الله عليه وسلم جارية أن أباها زوجها وهي كارهة خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين البقاء معه أو الترك، وما اعتاده بعض البادية وغيرهم من تزويج الأبكار دون مشاورتهن فهي عادة سيئة باطلة، والغصب لا يأتي بخير، بل يضر الجميع. والذي أرى أن توسطوا أهل الخير في فسخ هذا النكاح، فإن أجدت الوساطة فذلك المطلوب وإلا فاعرضوا الموضوع على المحكمة وهي إن شاء الله تحل المشكل، وفق الله الجميع.
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة.(20/409)
لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن
س 174: ما قولكم في امرأة زوجت قبل بلوغها، وبعد بلوغها رفضت قبول هذا الزواج، هل يجوز لها أن تتزوج بدون طلاق الزوج، أم لا بد من الطلاق، وما هو الدليل في هذه المسألة إن كان معلوما؟ (1)
ج: إذا كانت المرأة قد زوجت بإذنها فعليها السمع والطاعة للزوج وتنفيذ مقتضى النكاح، وليس لها أن تتزوج سوى زوجها الذي تم له العقد عليها قبل بلوغها والمزوج لها أبوها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: أن تسكت (2) » متفق على صحته، وهو يعم البالغة ومن دونها، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأيم أحق
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة.
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها برقم (5136) ومسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق برقم (1419) .(20/410)
بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها (1) » ، وخرجه أبو داود والنسائي بإسناد جيد بلفظ: «ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها (2) » ، وهذا صريح في صحة نكاح غير البالغة إذا أذنت ولو بالسكوت.
أما إذا كانت لم تستأذن والمزوج لها غير أبيها فالنكاح فاسد في أصح قولي العلماء، لكن ليس لها أن تتزوج إلا بعد تطليقه لها، أو فسخ نكاحها منه بواسطة الحاكم الشرعي؛ خروجا من خلاف من قال إن النكاح صحيح، ولها الخيار بعد البلوغ وحسما لتعلقه بها، وليس لها أيضا نكاح غيره حتى تستبرئ بحيضة إن كان قد وطئها، أما إذا كان المزوج لها بدون إذنها هو أبوها فهذه المسألة فيها خلاف أيضا بين العلماء، فكثير منهم يصحح هذا النكاح إذا كانت البنت بكرا؛ لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «واليتيمة تستأمر (3) » قالوا: فهذا يدل على أن غير اليتيمة لا تستأمر، بل يستقل أبوها بتزويجها بدون إذنها، وذهب جمع من أهل العلم إلى أن الأب ليس له إجبار ابنته البكر، ولا تزويجها بدون إذنها إذا كانت قد بلغت
__________
(1) رواه مسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق برقم (1421) .
(2) رواه أبو داود في (النكاح) باب في الثيب برقم (2100) والنسائي في الكبرى برقم (5374) .
(3) سنن النسائي النكاح (3261) ، سنن أبو داود النكاح (2100) ، مسند أحمد بن حنبل (1/261) .(20/411)
تسع سنين. كما أنه ليس له إجبار الثيب، ولا تزويجها بغير إذنها؛ للحديث السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن (1) » ، وهو يعم اليتيمة وغيرها، وهو أصح من الحديث الذي احتجوا به على عدم استئذان غير اليتيمة، وهو منطوق وحديث اليتيمة مفهوم، والمنطوق مقدم على المفهوم؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام صرح في رواية ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: «والبكر يستأذنها أبوها (2) » ، وهذا اللفظ لا يبقي شبهة في الموضوع؛ ولأن ذلك هو الموافق لسائر ما ورد في الباب من الأحاديث، وهو الموافق للقواعد الشرعية في الاحتياط للفروج، وعدم التساهل بشأنها، وهذا القول هو الصواب؛ لوضوح أدلته. وعلى هذا القول يجب على الزوج الذي عمد له والد البكر عليها بدون إذنها أن يطلقها طلقة واحدة؛ خروجا من خلاف العلماء وحسما لتعلقه بها بسبب الخلاف المذكور، وهذه الطلقة تكون بائنة ليس فيها رجعة؛ لأن المقصود منها قطع تعلق المعقود له بها والتفريق بينه وبينها، ولا يتم
__________
(1) رواه البخاري في (النكاح) باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها برقم (5136) ومسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق برقم (1419) .
(2) رواه مسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت برقم (1421) .(20/412)
ذلك إلا باعتبارها طلقة مبينة لها بينونة صغرى كالطلاق على عوض. ويجب أن يكون ذلك بواسطة قاض شرعي يحكم بينهما ويريح كل واحد منهما من صاحبه على مقتضى الأدلة الشرعية؛ لأن حكم القاضي يرفع الخلاف في المسائل الخلافية ويحسم النزاع. أما إذا كانت البنت دون التسع فقد حكى ابن المنذر إجماع العلماء على أن لأبيها تزويجها بالكفء بغير إذنها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها بدون إذنها وعلمها وكانت دون التسع.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه إنه خير مسؤول، والسلام عليكم.(20/413)
لا يجوز إرغام البنت على الزوج الذي لا ترغبه
س 175: ما حكم من يرغم ابنته على الزواج من رجل لا ترضاه؟ (1)
ج: لا يجوز ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صمتها (2) » ، فليس له أن
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه مسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق برقم (1421) .(20/413)
يرغمها على شخص لا ترضاه ولو كان تقيا، وإنما ينصح لها ويشير عليها بما يراه خيرا لها، ويشرع لها أن تطيع والدها في الخير والمعروف إذا كان الخاطب رجلا صالحا، فيسن لها أن تطيعه، وأن تقدر عطفه وحنوه عليها، وإحسانه إليها، لكن لا يلزمها طاعته إذا كانت لا ترضى هذا الخاطب للحديث المذكور، والله ولي التوفيق.(20/414)
س 176: هل يجوز للأب أن يرغم ابنته على الزواج من شخص لا تريده؟ (1)
ج: ليس للأب ولا غير الأب أن يرغم موليته على الزواج ممن لا تريده، بل لا بد من إذنها؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " (3) » وفي لفظ آخر قال: «إذنها صمتها» وفي اللفظ الثالث: «والبكر يستأذنها أبوها وإذنها سكوتها (4) » .
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1678) في 18 شوال 1419 هـ.
(2) صحيح البخاري النكاح (5136) ، صحيح مسلم النكاح (1419، 1419) ، سنن الترمذي النكاح (1107) ، سنن النسائي النكاح (3267) ، سنن أبو داود النكاح (2092) ، سنن ابن ماجه النكاح (1871) ، مسند أحمد بن حنبل (2/434) ، سنن الدارمي النكاح (2186) .
(3) (2) . قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: " أن تسكت
(4) صحيح مسلم النكاح (1421) ، سنن الترمذي النكاح (1108) ، سنن النسائي النكاح (3260) ، سنن أبو داود النكاح (2098) ، سنن ابن ماجه النكاح (1870) ، مسند أحمد بن حنبل (1/274) ، موطأ مالك النكاح (1114) ، سنن الدارمي النكاح (2190) .(20/414)
فالواجب على الأب أن يستأذنها إذا بلغت تسعا فأكثر، وهكذا أولياؤها لا يزوجونها إلا بإذنها. هذا هو الواجب على الجميع، ومن زوج بغير إذن فالنكاح غير صحيح؛ لأن من شرط النكاح الرضا من الزوجين، فإذا زوجها بغير رضاها وقهرها بالوعيد الشديد أو بالضرب، فالزواج غير صحيح، إلا الأب فيما دون التسع، لو زوجها وهي صغيرة أقل من التسع فلا حرج على الصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم «تزوج عائشة بغير إذنها وهي دون التسع (1) » كما جاء به الحديث الصحيح، أما إذا بلغت تسعا فأكثر فلا يزوجها إلا بإذنها ولو أنه أبوها.
وعلى الزوج إذا عرف أنها لا تريده ألا يقدم على ذلك ولو تساهل معه الأب، فالواجب عليه أن يتقي الله وألا يقدم على امرأة لا تريده، ولو زعم أبوها أنه لم يجبرها، فالواجب عليه أن يحذر ما حرم الله عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالاستئذان، ونوصي المخطوبة بتقوى الله والموافقة إذا رأى والدها أن يزوجها، إذا كان الخاطب طيبا في دينه وفي أخلاقه، ولو كان المزوج غير الأب؛ لما في النكاح من الخير الكثير والمصالح الكثيرة، ولأن العزوبة فيها خطر، فالذي نوصي به جميع الفتيات بالموافقة متى جاء الكفء، وعدم الاعتذار بالدراسة أو بالتدريس أو بغير ذلك، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5158) ، صحيح مسلم النكاح (1422) ، سنن أبو داود الأدب (4933) ، سنن ابن ماجه النكاح (1876) ، مسند أحمد بن حنبل (6/211) .(20/415)
وجوب تزويج البنت بكرا أو ثيبا بمن ترضاه
س 177: أنا أب لفتاة تقدم لخطبتها شاب أرتضي دينه وخلقه، وقد وافقت أمها وابنتي المخطوبة وإخوانها وجدها وجدتها من قبل الأم وجميع الأهل، إلا والدتي وهي تعتبر جدة البنت من جهة الأب، هل أزوج البنت من هذا الشاب الذي ارتضيناه جميعا، أم آخذ برأي والدتي، أفيدونا مأجورين؟ (1)
ج: إن الواجب عليك وعلى جميع الأسرة المساعدة على تزويج الفتاة بالرجل الصالح المرضي في دينه وأخلاقه. ومن خالف في ذلك فلا يعتبر خلافه، سواء كان المخالف الجدة أم غيرها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت (2) » .
__________
(1) هذا السؤال والذي يليه من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (14) .
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها برقم (5136) ومسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق برقم (1419) .(20/416)
متفق على صحته. وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (1) » ، وفي لفظ آخر: «وفساد عريض (2) » . وهذا يدل على أن الواجب تزويج الكفء وعدم رده إذا رضيت به المخطوبة. وما دامت رضيته فالحمد لله. وأنت رضيته أيضا فهذا من نعم الله العظيمة. ولا يجوز أن يعترض على ذلك بقول الجدة ولا غيرها.
__________
(1) ذكره البيهقي في السنن الكبرى بلفظ: '' إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. . . '' في باب الترغيب في التزويج من ذي الدين والخلق المرضي برقم (13259) .
(2) رواه الترمذي في (النكاح) باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه برقم (1084) .(20/417)
س 178: كثيرا ما يحدث بين الناس مثل هذا في كثير من البيوت، وهو عضل البنت عن الزواج بسبب رأي أحد أفراد الأسرة حبذا لو تفضلتم بتوجيه عام في هذا؟
ج: الواجب على الأسرة وبالأخص على وليها أن يختار لها الرجل الصالح الطيب في دينه وخلقه، فإذا رضيت وجب أن تزوج ولا يجوز لأحد أن يعترض في ذلك؛ لهوى في نفسه أو لغرض آخر من الدنيا أو لعداوة وشحناء. كل ذلك لا يجوز(20/417)
اعتباره. وإنما المعتبر كونه مرضيا في دينه وأخلاقه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في شأن المرأة: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك (1) » . وهكذا يقال في الرجل سواء بسواء. فالواجب الحرص على الظفر بصاحب الدين وإن أبى بعض الأسرة فلا يلتفت إليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير (2) » .
__________
(1) رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الدين برقم (5090) ومسلم في (الرضاع) باب استحباب نكاح ذات الدين برقم (1466) .
(2) ذكره البيهقي في السنن الكبرى بلفظ: '' إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه. . . '' في باب الترغيب في التزويج من ذي الدين والخلق المرضي برقم (13259) .(20/418)
س 179: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأفيد سماحتكم بأن لي بنتا تقدم لخطبتها ابن خالتها للزواج منها وهو رجل كفء، وامتنع من ذلك أخواها وحاولت إقناعهم فلم أستطع، أرجو من سماحتكم بيان حكم عملهم هذا، ونصحهم جزاكم الله خيرا وأعظم أجركم، علما بأن أم الخاطب صاحبة معروف على أختها أم البنت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ليس الأمر لهما، وإنما الأمر لك لأنك أبوها وأنت وليها. فإذا كان الخاطب كفئا في دينه، وقد رضيت به. فالواجب عليك تزويجها وإن لم يرض أخواها وإن كان لهما شبهة فاحضر معهما لدى المحكمة حتى تنظر المحكمة في ذلك. ولا يجوز لك تعطيل البنت من أجلهما؛ لأنها أمانة في ذمتك. والله المسؤول أن يوفق الجميع لما يرضيه. والسلام.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي أجاب عنه سماحته في 10 \ 3 \ 1418 هـ.(20/419)
لا يجوز تأخير زواج البنت الصغرى
س 180: عندنا عادة في بلدتنا لا أدري أهي عادة، أم مشروعة، وأود أن أرى الرأي الشرعي فيها، وهي يعتمد بعض الأسر عدم تزويج البنت الصغرى إذا تقدم لها خاطب، مجاملة لأختها الكبرى التي لم يتقدم لها خاطب؟ (1)
ج: هذه العادة سيئة لا يجوز فعلها، والواجب على ولي المرأة تزويجها إذا خطبها الكفء المرضي في دينه وخلقه، إذا رضيت بذلك، ولو كانت الصغرى ولا يجوز أن يؤجل تزويجها إلى أن تتزوج الكبرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض (2) » ولأن تأخير تزويج الصغرى إلى أن تتزوج الكبرى ظلم للصغرى، وسبب لتعطيلهما جميعا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة (3) » .
__________
(1) نشر في (جريدة المسلمون) العدد (711) في 28 \ 5 \ 1419 هـ.
(2) رواه الترمذي في (النكاح) باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه برقم (1084) .
(3) رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب الظلم ظلمات يوم القيامة برقم (2447) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب تحريم الظلم برقم (2578) .(20/420)
فوصيتي لجميع الأولياء تقوى الله، والحرص على تزويج مولياتهم بالأكفاء، والحذر من ظلمهن وتأخير تزويجهن بغير حق. . وفق الله الجميع.(20/421)
فضل المبادرة إلى الزواج
س 181: راتب البنت ووظيفتها والحالة المادية والاجتماعية للخاطب ودراسة المخطوبة أيضا كل هذا يكون أسبابا أحيانا لتأخير الزواج، فكيف توجهون ذلك لو تكرمتم؟ (1)
ج: الواجب البدار بالزواج، ولا ينبغي أن يتأخر الشاب عن الزواج من أجل الدراسة، ولا ينبغي أن تتأخر الفتاة عن الزواج للدراسة. فالزواج لا يمنع شيئا من ذلك. ففي الإمكان أن يتزوج الشاب ويحفظ دينه وخلقه ويغض بصره. ومع هذا يستمر في الدراسة. وهكذا الفتاة إذا يسر الله لها الكفء. فينبغي البدار بالزواج وإن كانت في الدراسة سواء كانت في الثانوية أو في الدراسات العليا كل ذلك لا يمنع.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (14) .(20/421)
فالواجب البدار والموافقة على الزواج إذا خطب الكفء والدراسة لا تمنع من ذلك. ولو قطعت من الدراسة شيئا فلا بأس. المهم أن تتعلم ما تعرف به دينها والباقي فائدة. والزواج فيه مصالح كثيرة ولا سيما في هذا العصر؛ ولما في تأخيره من الضرر على الفتاة وعلى الشاب. فالواجب على كل شاب وعلى كل فتاة البدار بالزواج إذا تيسر الخاطب الكفء للمرأة. وإذا تيسرت المخطوبة الطيبة للشاب فليبادر عملا بقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (1) » ، متفق على صحته، وهذا يعم الشباب من الرجال والفتيات من النساء، وليس خاصا بالرجال، بل يعم الجميع، وكلهم بحاجة إلى الزواج. نسأل الله للجميع الهداية.
__________
(1) رواه البخاري في (النكاح) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' من استطاع منكم الباءة فليتزوج '' برقم (5065) ، ومسلم في (النكاح) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم (1400) .(20/422)
182 - إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه
سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن باز.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرفع لمقام سماحتكم مشكلتي، حيث إنني إنسانة ضعيفة وأبي متوفى وليس لي سوى أختي وأمي وعمة، وقد تقدم لي شخص للزواج على سنة الله ورسوله، وهو ابن خالتي، لكن أهل الشر وقفوا في طريقنا بحجة أني شريفة ولا أتزوج إلا من الأشراف، وقد تقدمت إلى محكمة القنفذه بمعاملة ومنها صدرت إلى محافظة القنفذه وعن طريقها إلى مركز الشاقة للسؤال هل لدي عصبة، ولكن شيخ القبيلة رفض أن يرد على الخطاب المرسل من المحكمة، وأنا إنسانة ضعيفة وأريد الستر وأبي متوفى وليس لي قرابة، أرجو من سماحتكم النظر إلي بعين العطف، وأرجو منكم مخاطبة رئيس محكمة القنفذه أو من ينوب عنه بإجراء عقدي على من أرغب بالزواج منه، والله يرعاكم، وقد سبق من سماحتكم إفتاؤنا وكتب سماحتكم(20/423)
لمكتب قاضي محكمة القنفذه برقم (3384) في 17 \10 \ 1418 هـ ولم يطرأ شيء على ذلك (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
هذا الموضوع يتعلق بالمحكمة، وفيما تراه المحكمة الكفاية إن شاء الله، وليس هناك حرج في تزوج الهاشمية بغير هاشمي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج عثمان ابنتيه رقية وأم كلثوم، وهو ليس بهاشمي، والأحاديث كثيرة في ذلك، وقد قال الله سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض (3) » ، وفق الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) استفتاء شخصي أجاب عنه سماحته في 5\12\1418 هـ.
(2) سورة الحجرات الآية 13
(3) رواه الترمذي في (النكاح) باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه برقم (1084) .(20/424)
لا يجوز للأولياء التساهل في أمور الدين
س 183: من المؤسف أن بعض أولياء الأمور يتساهلون في مسائل تعد من الأهمية بمكان وذلك كالتقوى وكالصلاة وكإقامة شعائر الإسلام، بينما يتمسكون بأمور أخرى لعل لسماحتكم في هذا وجهة نظر، ومن ذلك تكون البنت مخطوبة لابن عمها والواقع ليس كذلك، بل يقولون هي موقوفة لابن عمها ولا يجوز لأحد أن يتزوجها من الخارج، فما توجيهكم حول هذا الأمر يا سماحة الشيخ؟
ج: التساهل بأمور الدين؛ كالصلاة والزكاة والصيام والحج، أو بالمعاصي؛ كالزنا والربا وشرب المسكر وغير ذلك من المعاصي، أو بر الوالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر خطير، وليس للأولياء ولا غيرهم التساهل بأمور الدين.
وإن وقع التساهل من بعض الناس؛ لضعف دينه وإيمانه وقلة تقواه حيث يتساهل في أمور الدين ويشدد في أمور أخرى؛ مجاراة لجماعته وقبيلته وهذا من ضعف الإيمان فمثل هذا لا تفيد به الموعظة. كأن يقول: إن بنتي تبقى لابن عمها أو(20/425)
أختي تبقى لابن عمها. وهذا ظلم وغلط ومنكر. والواجب على الولي تزويج موليته إذا خطبها الكفء ولو من غير أقاربها؛ لقول الله سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض (2) » ، بل يجب تزويجها على الكفء الذي ترضاه. ولو كان من غير أقاربها ولا يجوز إجبارها على التزوج بمن لا ترضاه ولو كان كفؤا من أقاربها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت (3) » ، متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: «البكر يستأذنها أبوها وإذنها صمتها والأيم أحق بنفسها من وليها (4) » ، وبذلك يعلم أن الأب ليس له أن يجبرها على من
__________
(1) سورة الحجرات الآية 13
(2) رواه الترمذي في (النكاح) باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه برقم (1084) .
(3) رواه البخاري في (النكاح) باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها برقم (5136) ومسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق برقم (1419) .
(4) رواه مسلم في (النكاح) باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق برقم (1421) .(20/426)
لا ترضى، وإن كانت بكرا فلا يجوز إجبار البكر ولا الثيب، بل يجب استئذانهما وأخذ موافقتهما. والثيب تنطق وتقول: نعم، والبكر يكفي سكوتها؛ للأحاديث المذكورة. والواجب أن يختار لها وليها الرجل الصالح ولو كان من غير قبيلتها. حتى ولو كان غير قبيلي، أي غير عربي ولو كان عجميا إذا كان ذا دين وخلق، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1) وإذا كانت قبيلته لا ترضى بذلك أو يخشى من أذى في ذلك، فعليه أن يلتمس من قبيلتها أو من القبائل العربية المعروفة من يرضى دينه وخلقه؛ لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (3) ومعلوم أن البنت والأخت ونحوهما أمانة يجب على الولي أن يرعاهما حق رعايتهما. وذلك بالتعليم والتوجيه إلى الخير والتماس الزوج الصالح ولو من غير قبيلته، والله الموفق.
__________
(1) سورة الحجرات الآية 13
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) سورة المؤمنون الآية 8(20/427)
حكم الزواجات الخارجة عن الشرع
س 184: الأخت ص. م. ح. من طنطا في جمهورية مصر العربية تقول في سؤالها: نسمع عن الزواج السري، والزواج العرفي، وزواج المتعة وزواج المسيار، فما حكم الشرع في هذه الزواجات. نأمل الإفادة وشكرا؟ (1) .
ج: هذه الأنواع كلها لا تجوز؛ لكونها مخالفة للشرع المطهر، إنما النكاح الشرعي هو المعلن المشتمل على أركان النكاح وشروطه المعتبرة شرعا. والله ولي التوفيق.
__________
(1) استفتاء شخصي مقدم لسماحته وأجاب عنه في 14\4\1419 هـ.(20/428)
دبلة الفضة مباحة
س 185: ما حكم لبس خاتم الفضة في أصابع اليد للرجل؟ (1)
ج: لا حرج في لبس خاتم الفضة للرجال والنساء؛ لأن
__________
(1) من نشرة صادرة عن رابطة العالم الإسلامي في 13 - 19 رجب 1419 هـ.(20/428)
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لبسوا خاتم الفضة، أما خاتم الذهب فيجوز للنساء دون الرجال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم «نهى عن التختم بالذهب (1) » ولما «رأى رجلا بيده خاتم من ذهب طرحه بيده وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيجعلها في يده (2) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
والأفضل للرجل جعله - أعني - الخاتم من الفضة في الخنصر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسه في خنصره.
__________
(1) صحيح مسلم اللباس والزينة (2078) ، سنن الترمذي اللباس (1737) ، سنن النسائي الزينة (5178) ، سنن ابن ماجه اللباس (3642) ، مسند أحمد بن حنبل (1/114) ، موطأ مالك النداء للصلاة (177) .
(2) أخرجه مسلم في (كتاب اللباس والزينة) باب تحريم خاتم الذهب على الرجال ونسخ ما كان، برقم (3897) .(20/429)
جواز النظر إلى المخطوبة بدون خلوة
س 186: يقول هذا السائل حفظك الله أحببت فتاة حبا شديدا، وكذلك هي أحبتني وتعلقت بي كثيرا رأيتها مرة واحدة فقط وأصبح حديثي معها عن طريق سماعة الهاتف في حدود المعقول، واتفقنا معا على الزواج، وكان معظم حديثي معها عن الحياة الزوجية وما تتطلبه الحياة الزوجية(20/429)
من تفاهم بين الزوجين، وطريقة معاملة الزوجة لزوجها وحفظها لبيتها وأمور أخرى كهذه، وبعد فترة أخبرت والدتي بعلاقتي مع من أحببت، كذلك أخبرت والدي بهذا الموضوع، وطلب مني أن أتريث قبل أن أطلب يدها من أبيها، نظرا لظروفنا المادية الآن، وبعد أن حججت بيت الله الحرام وتبت إليه من أشياء كثيرة والحمد لله، هل يجوز أن أرد على مكالمتها إن اتصلت بي وأن أتحدث معها، أو لا يجوز ذلك، أفيدونا أثابكم الله؟
ج: يجوز للرجل إذا أراد خطبة المرأة أن يتحدث معها وأن ينظر إليها من دون خلوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يستشيره: «أنظرت إليها، قال: لا، قال: اذهب فانظر إليها، قال: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل (1) » ، والنظر أشد من الكلام فإذا كان الكلام معها فيما يتعلق بالزواج والمسكن، وسيرتها حتى تعلم هل تعرف كذا، فلا بأس بذلك إذا كان يريد خطبتها، أما إذا كان لا يريد خطبتها فليس له
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) باب مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه برقم (14059) ، وأبو داود في (كتاب النكاح) باب في الرجل ينظر إلى المرأة يريد تزويجها برقم (1783) .(20/430)
ذلك، فما دام يريد الخطبة، فلا بأس أن يبحث معها فيما يتعلق بالخطبة، والرغبة في تزوجه بها، وهي كذلك من دون خلوة؛ بل من بعيد أو بحضرة أبيها أو أخيها أو أمها ونحو ذلك.(20/431)
لبس النظارة أمام الخاطب
س 187: إذا كانت الفتاة تلبس نظارة هل يلزمها أن تخرج للخاطب بالنظارة، وهل من حقه الشرعي أن يخبروه بأنها تلبس نظارة، مع العلم أن العدسات اللاصقة الآن حلت محل النظارة فما توجيهكم جزاكم الله خيرا؟ (1)
ج: لا حرج في خروجها إليه بالنظارة وعدمها. . والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1689) في 13 \ 1 \ 1420 هـ.(20/431)
زواج المسيار وشروطه
س 188: سماحة الشيخ ما الفرق بين زواج المسيار والزواج الشرعي وما الشروط الواجب توافرها لزواج المسيار؟ جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1693) في 12 \ 2 \ 1420 هـ.(20/431)
ج: الواجب على كل مسلم أن يتزوج الزواج الشرعي وأن يحذر ما يخالف ذلك سواء سمي زواج مسيار أو غير ذلك. ومن شرط الزواج الشرعي الإعلان فإذا كتمه الزوجان لم يصح؛ لأنه والحال ما ذكر أشبه بالزنى، والله ولي التوفيق.(20/432)
جواز النكاح إذا اتحد الدين
س 189: ما حكم الإسلام في رجل لم يصل وامرأة لم تصل أيضا هل يجوز عقد زواجهما؟ (1)
ج: إذا كانا لا يصليان فزواجهما صحيح كسائر الكفرة وإذا هداهما الله وأقاما الصلاة وتابا بقيا على نكاحهما كما يبقى الكفار إذا أسلموا على أنكحتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لم يأمر الذين أسلموا أن يجددوا أنكحتهم.
__________
(1) من فتاوى حج عام 1407 هـ.(20/432)
حكم نكاح التحليل
س 190: الأخ أ. ع. أ. من القاهرة يقول في سؤاله: علمت أن شخصا عزيزا علي طلق امرأته ثلاث مرات(20/432)
وبذلك حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فهل يجوز لي أن أتزوج امرأته ثم أطلقها بعد مدة لعله يتزوجها بعدي، علما بأنني لن أخبر أحدا بنيتي هذه، أرشدوني جزاكم الله خيرا وأعظم مثوبتكم (1)
ج: لا يجوز لك هذا العمل؛ لأن هذا العمل يسمى نكاح التحليل، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وسماه التيس المستعار، فالواجب عليك الحذر من ذلك، وهو نكاح باطل لا يحلها لزوجها الأول، وفق الله الجميع لما يرضيه.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية) .(20/433)
191 - إنما الطاعة في المعروف
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. ع. ف. من الرياض وفقه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد جاء في رسالتك استفسار مضمونه حسبما تقول: إحدى قريباتي امرأة ثيب وعندها ثلاثة أولاد ذات دين وتمسك بسنة محمد صلى الله عليه وسلم. هل أؤجر من الله سبحانه وتعالى على زواجي منها ومساعدتها على تربية أولادها وعفتها، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم حث على زواج البكر، وقال بمعنى: إنهن أطهر أفواها، وكذلك أن والدي لا يوافقان على زواجي من تلك المرأة مع علمهم تماما أنها ذات دين ولكن خوفا علي من أن أرهق نفسي في النفقات على أولادها. وهل مخالفة الوالدين في هذا الأمر يعتبر عقوقا لهما. مع العلم أنني ولله الحمد أعطاني الله من فضله الخير الكثير وكذلك الوالدان يعيشان في رغد من العيش. أفتوني في أمري، جزاكم الله عني وعن المسلمين كل خير؟ (1)
ج: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم إلى يوم الدين. وبعد:
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (568\1) في 10 \ 3 \ 1405هـ.(20/434)
فمتى تزوجت المذكورة بالنية المذكورة فأنت مأجور إن شاء الله؛ لأنك جامع بين الإحسان إليها بالنكاح وبصلة الرحم. وأبشر بالخير والخلف الجزيل عما تنفقه عليها وعلي أولادها؛ لقول الله سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) ولكن نرى أن تستأذن والديك بأسلوب حسن حتى لا يكون بينك وبينهما شيء من الوحشة أو العقوق. يسر الله أمرك وهداهما لموافقتك.
أما الكتب التي طلبت في رسالتك فنرى إفرادها برسالة خاصة منك يشفع بها مؤهلاتك العلمية حتى ننظر في ذلك. وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
انتهى الجزء العشرون ويليه بمشيئة
الله تعالى الجزء الواحد والعشرون
وأوله باب المحرمات في النكاح
__________
(1) سورة سبأ الآية 39(20/435)
صفحة فارغة(21/1)
صفحة فارغة(21/2)
بسم الله الرحمن الرحيم(21/3)
صفحة فارغة(21/4)
باب المحرمات في النكاح(21/5)
صفحة فارغة(21/6)
هل يتزوج الرجل أخت
زوجته إذا طلقها وهي في العدة
س1: إذا كان عند شخص زوجة وطلقها، فهل له أن ينكح أختها في عدتها؟ وإذا ماتت فهل له أن يتزوج أختها في الحال؟ أفيدونا أفادكم الله (1) .
ج: إذا طلق الرجل امرأته فليس له نكاح أختها، ولا عمتها، ولا خالتها، إلا بعد انتهاء العدة إن كانت رجعية، وهذا بإجماع المسلمين؛ لأن الرجعية زوجة. أما إذا كان طلاقا بائنا؛ مثل: إن كانت الطلقة الأخيرة هي الثالثة، أو كان طلقها على مال وهي المخلوعة، فهذا فيه خلاف، ولكن الأرجح أنه لا يتزوجها إلا بعد انتهاء عدة أختها، أو بنت أختها، أو بنت أخيها. أما إذا ماتت فلا بأس أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها في الحال ولو بعد يوم أو يومين من موتها؛ لأنه انتهى الزواج بالموت، ففي هذه الحال لا حرج أن يتزوج أختها، أو عمتها، أو خالتها، في الحال من حين ماتت الزوجة.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1638) في 26 \ 12 \ 1418 هـ.(21/7)
الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها
س 2: قارئ من مكة المكرمة يسأل: هل يجوز للرجل أن يتزوج من بنت أخ زوجته؟ (1)
ج: لا يجوز للرجل أن يتزوج بنت أخي زوجته إذا كانت عمتها في عصمته، كما لا يجوز له أيضا أن يتزوج بنت أخت زوجته، إذا كانت خالتها في عصمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها.
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم ذلك لهذا الحديث الصحيح. أما إن كانت العمة أو الخالة قد ماتت أو فارقها وخرجت من العدة، فإنه لا بأس أن يتزوج بنت أخيها أو بنت أختها؛ لعدم وجود الجمع حينئذ.
__________
(1) نشر في (جريدة المسلمون) العدد (607) في 8 \ 5 \ 1417 هـ.(21/8)
س 3: شخص يريد أن يتزوج ابنة أخي زوجته من الرضاع، فما الحكم؟(21/8)
ج: ليس له ذلك حتى يطلق زوجته وتخرج من العدة؛ لأنه لا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه نهى أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، والرضاع حكمه حكم النسب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1) » متفق على صحته.
__________
(1) رواه البخاري في (الشهادات) باب الشهادة على الأنساب والرضاع برقم (2645) .(21/9)
يحرم من الرضاعة
ما يحرم من النسب
س 4: الأخ الذي رمز لاسمه بـ أ. ب. من تونس يقول في سؤاله: أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة، لما أردت خطبة ابنة عمي، فاجأني الجميع أني عم لها من الرضاعة، حيث إن أختي الكبرى رضعت مع ابن عمي، الذي هو أبو البنت، وكذلك هو رضع مع أختي، أي من أمي، فهل يجوز لي شرعا الزواج بها أم لا؟ أتمنى أن(21/9)
تجيبوني بسرعة؛ لأني في حيرة من أمري، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا ثبت أن أباها رضع من أمك خمس رضعات أو أكثر، حال كونه في الحولين، فإنك بذلك تكون أخا له من الرضاعة، وعما لابنته من الرضاعة، وبذلك يحرم عليك نكاحها؛ لقول الله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (2) الآية من سورة النساء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (3) » متفق على صحته.
وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن بنت الأخ من النسب تحرم على عمها، فهكذا بنت الأخ من الرضاعة تحرم على عمها من الرضاعة؛ للحديث المذكور وبإجماع أهل العلم على ذلك والله ولى التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية) وأجاب عنه سماحته في 28\1\ 1417 هـ.
(2) سورة النساء الآية 23
(3) رواه البخاري في (الشهادات) باب الشهادة على الأنساب والرضاع برقم (2645) .(21/10)
5 - حكم الزواج ممن رضع أمها من لبن زوج قبل أبيها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ص. أ. ق. وفقه الله لكل خير آمين.
سلالم عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب، كتابكم الكريم المؤرخ 19\12\1388هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن رجل تزوج امرأة قد رضع من أمها في لبن زوج قبل أبيها، وسؤالكم عن الحكم في ذلك كان معلوما؟ (1)
والجواب: هذا الزواج باطل؛ لأن الرجل المذكور أخ للمرأة المذكورة؛ لكونه رضع من أمها، وتحريم ذلك معلوم بالكتاب والسنة وبإجماع المسلمين، إذا كانت أمها قد أرضعته خمس رضعات حال كونه في الحولين، ويجب التفريق بينهما حالا، إذا كان الأمر كما ذكرنا، أما إن كان في الواقع إشكال، فالواجب عليهما الاتصال بمن حولهما من العلماء، وسؤاله عما أشكل عليهما. وفق الله الجميع لما فيه رضاه واجتناب محارمه، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) خطاب صدر من مكتب سماحته في شهر محرم من عام 1389 هـ.(21/11)
تحريم الزواج من بنت المطلقة بعد الدخول
س 6: نطلب الإفادة عن رجل تزوج بنت مطلقته هل يجوز ذلك؟ (1)
ج: لا يجوز للرجل أن يتزوج بنت مطلقته إذا كان قد دخل بها؛ لأنها ربيبة، وقد حرم الله الربائب على عباده، كما قال الله تعالى في بيان المحرمات من النساء: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (2) الآية، والدخول هو الجماع، أما إن كان لم يدخل بأمها، بل عقد عليها ثم طلقها، فلا حرج عليه في تزوج بنتها؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (3) .
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة.
(2) سورة النساء الآية 23
(3) سورة النساء الآية 23(21/12)
زوج الأم الأول محرم
لبناتها من الزوج الثاني
س 7: الأخ ع. ن. م. من الرياض يقول في سؤاله:(21/12)
تزوج رجل من امرأة وأنجب منها ولدا ثم طلقها، وبعد مدة تزوجت المرأة برجل آخر وأنجبت منه بنتين، فهل يجوز للبنتين الكشف لزوج أمهن الأول، الذي هو والد أخيهن من الأم؟ أفتونا مأجورين (1) .
ج: إذا تزوج رجل امرأة ودخل بها، والدخول هو الوطء، ثم طلقها، وتزوجت غيره، وأنجبت منه بنات، فإنهن يكن محارم لزوج أمهن الأول؛ لقول الله سبحانه وتعالى في بيان المحرمات في النكاح في سورة النساء: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (2) الآية. أما قوله سبحانه: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} (3) فهو وصف أغلبي، وليس شرطا عند أهل العلم؛ لأن الله سبحانه قال: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (4) ولم يقل سبحانه: فإن لم يكن في حجوركم فلا جناح عليكم؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأزواجه: «لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن (5) » . . . وهكذا بنات الزوجات المدخول
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) سورة النساء الآية 23
(3) سورة النساء الآية 23
(4) سورة النساء الآية 23
(5) صحيح البخاري النكاح (5101) ، صحيح مسلم الرضاع (1449) ، سنن النسائي النكاح (3285) ، سنن أبو داود النكاح (2056) ، سنن ابن ماجه النكاح (1939) ، مسند أحمد بن حنبل (6/428) .(21/13)
بهن إذا كن من زوج سابق، حكمهن حكم البنات اللاتي ولدن من زوج بعد الفرقة والدخول. والله ولي التوفيق.(21/14)
هل أكون محرما لبنت مطلقتي
س 8: أنا تزوجت امرأة وطلقتها، ثم تزوجت بشخص آخر وأنجبت من الزوج الثاني بنتا فهل أكون محرما للبنت، مع أني لست محرما لأمها لأني طلقتها؟ وهل ذلك سواء كان في الطلقة الأولى أو الثانية، أو كان بعد الطلقة الثالثة؟ وإذا كنت محرما لها، فهل يوجد دليل قاطع لمقابلة الخصوم أمامي؟ أفيدونا وجزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا كنت قد دخلت بأمها، والدخول هو الوطء، فإن بناتها من الأزواج بعدك يعتبرن من الربائب، وهن محارم لك؛ لقول الله عز وجل في بيان المحارم من النساء: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (2) والدخول هو الوطء كما قدمنا.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة (الدعوة) .
(2) سورة النساء الآية 23(21/14)
أما قوله سبحانه: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} (1) فهو وصف أغلبي وليس بشرط في أصح قولي العلماء؛ ولهذا قال سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (2) ولم يعد لفظ: {اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (3) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة رضي الله عنها: «لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن (4) » . يعني بذلك للتزوج بهن، ولم يشترط في البنات اللاتي في الحجور. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النساء الآية 23
(2) سورة النساء الآية 23
(3) سورة النساء الآية 23
(4) رواه البخاري في (النكاح) باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم برقم (5101) ومسلم في (الرضاع) باب تحريم الربيبة وأخت المرأة برقم (1449) .(21/15)
زوجة الأب لا تكون محرما لزوج البنت من غيرها
س 9: أبي تزوج من امرأة ثانية وله منها ولد، فهل يجوز أن تكون محرما لزوجي وتكشف أمامه، مع العلم أن أبي يكون خال زوجي وتكون هي زوجة خاله؟ أفتونا جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة (الدعوة) .(21/15)
ج: زوجة الأب لا تكون محرما لزوج ابنته من غيرها، وإنما المحرمية تكون لأم الزوجة بالنسبة إلى زوج ابنتها؛ لقول الله عز وجل في بيان المحرمات من النساء: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (1) وزوجة الأب ليست أما لابنته من غيرها، ويستوي في ذلك أم الزوجة من النسب وأمها من الرضاع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (2) » متفق على صحته، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النساء الآية 23
(2) رواه البخاري في (الشهادات) باب الشهادة على الأنساب والرضاع برقم (2645) .(21/16)
ربيب الأخ ليس محرما لأخواته
س15: مجموعة من الأخوات المستمعات يسألن فيقلن، أخواتكم في الإسلام من أسئلتهن: أخي تزوج من امرأة، وكانت قد أنجبت من رجل آخر ولدا، وقد تربى هذا الولد في حجر أخي، وهو يبلغ من العمر سنتين، والآن بلغ من العمر خمسا وعشرين سنة، فهل لي أن احتجب، عنه مع العلم أن أخي قد رباه وصرف عليه(21/16)
وهو يتيم؟ (1)
ج: الولد المذكور ليس بولد لأخيك إلا إذا كانت زوجة أخيك قد أرضعته من لبن أخيك، فإذا كان هذا الولد قد رضع من زوجة أخيك أو زوجة أبيك، فيكون أخا لك من الرضاعة، أما إذا كان لم يرضع من زوجة أخيك ولا من زوجة أبيك ونحوهما خمس رضعات في الحولين فهو أجنبي منك. أما كون أخيك رباه فلا يكون محرما لك بذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(21/17)
حكم الجمع بين مطلقة رجل وابنته من غيرها
س 11: هل يجوز الجمع بين مطلقة رجل وابنته من غيرها، وما حكم القاعدة المشهورة التي نصها: (كل امرأتين بينهما قرابة لو كانت إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى حرم الجمع بينهما) (1) .
ج: قد نص أهل العلم في باب المحرمات في النكاح
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة، العدد الثالث، السنة السابعة عام 1395 هـ.(21/17)
على هاتين المسألتين، وأوضحوا أنه لا حرج في جمع الرجل بين امرأة رجل توفي عنها أو طلقها، وبين ابنته من غيرها، وذكروا في ذلك أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما جمع بين إحدى زوجات عمه علي رضي الله عنه بعد وفاته، وبين ابنته من غيرها، وهذا الجمع لا يخالف القاعدة المذكورة؛ لأن المرأتين المذكورتين ليس بينهما قرابة تحريم النكاح إحداهما للأخرى لو كانت إحداهما ذكرا، وإنما الذي بينهما مصاهرة، والمصاهرة في هذا لا تمنع الجمع، أما المرأتان اللتان بينهما قرابة تمنع نكاح إحداهما للأخرى لو كانت إحداهما ذكرا، فهي تتصور في الأختين، والمرأة وخالتها، والمرأة وعمتها نسبا ورضاعا، وفي مسائل أخرى، وقد جاء النص القرآني في تحريم الجمع بين الأختين في قوله سبحانه في سورة النساء: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (1) الآية.
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، أخرج حديث أبي هريرة الشيخان وانفرد البخاري عن مسلم بحديث جابر، وذكر
__________
(1) سورة النساء الآية 23(21/18)
البخاري رحمه الله في كتاب النكاح، في باب ما يحل ويحرم من النساء، أثر عبد الله بن جعفر الذي ذكرنا معلقا بصيغة الجزم، ولفظه: وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي، ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حل الجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها عن الأئمة الأربعة، وأكثر أهل العلم، ذكر ذلك عنه العلامة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله في المجلد الثاني والثلاثين من مجموع الفتاوى (ص 71) ، ونقل الحافظ ابن حجر في (الفتح) مثل ما فعل عبد الله بن جعفر عن صحابي يدعى جبلة تولى إمرة مصر، ونقل مثل ذلك نسبا عن عبد الله بن صفوان بن أمية.
وبذلك يتضح لكم أنه لا وجه للتوقف في حل هذه المسألة؛ لأن من ذكر فعلوا ذلك من غير نكير؛ ولأن الأصل حل ذلك، فلا يحرم من الفروج إلا ما حرمه الله سبحانه؛ لأن الله عز وجل لما ذكر المحرمات في النكاح في سورة النساء قال بعد ذلك: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (1) فعلم بذلك أنه لا يحرم من النساء إلا ما قام الدليل على تحريمه، وهكذا الجمع بين النساء لا يحرم منه إلا ما نص الشرع على تحريمه، وينبغي أن يعلم أن الخئولة والعمومة لا فرق فيهما بين القرب والبعد،
__________
(1) سورة النساء الآية 24(21/19)
فيحرم على الرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها وإن علت، وبينها وبين ابنة أخيها وإن سفلت وهكذا يحرم عليه أن يجمع بين المرأة وخالتها وإن علت، وبين المرأة وابنة أختها وإن سفلت، كما نص على ذلك أهل العلم، ووجه ذلك أن عمة الرجل والمرأة تعتبر عمة لأولادهما وإن سفلوا وهكذا الخالة.(21/20)
بطلان نكاح خامسة فأكثر
س 12: إذا كان عند رجل أربع نسوة وتزوج خامسة وأنجبت منه ولدا فأكثر فهل ينسب ولدها إليه (1) .
ج: لا شك في بطلان نكاح الخامسة، وهو كالإجماع من أهل العلم رحمهم الله، وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره: إن أهل العلم ما عدا الشيعة قد أجمعوا على تحريم نكاح الخامسة، وفي وجوب إقامة الحد على ناكح الخامسة خلاف مشهور، ذكره القرطبي رحمه الله في تفسيره، وغيره من أهل العلم.
أما إلحاق الولد به ففيه تفصيل، فإن كان يعتقد حل هذا
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة، العدد الثالث، السنة السابعة عام 1395 هـ.(21/20)
النكاح لجهل أو شبهة أو تقليد لحق به، وإلا لم يلحق به. وقد ذكر صاحب المغني وغيره هذا المعنى فيمن تزوج امرأة في عدتها، ومعلوم أن نكاح المرأة في عدتها باطل بإجماع أهل العلم، ومع ذلك يلحق النسب بالناكح إذا كان له شبهة، كالجهل بكونها في العدة، وكالجهل بتحريم نكاح المعتدة إذا كان مثله يجهل ذلك، فإذا لحق النسب في هذه المسألة بالناكح إذا كان له شبهة فلحوقه بناكح الخامسة أولى؛ لأن نكاح المعتدة لا خلاف في بطلانه بخلاف نكاح الخامسة، فقد خالف في تحريمه وبطلانه الشيعة، وإن كان مثلهم لا ينبغي أن يعتد بخلافه، وخالف فيه أيضا بعض الظاهرية، كما ذكر ذلك القرطبي في تفسيره؛ ولأن الأدلة الشرعية قد دلت على رغبة الشارع في حفظ الأنساب وعدم إضاعتها، فوجب أن يعتني بذلك وألا يضاع أي نسب مهما وجد إلى ذلك سبيل شرعي.
ولا شك أن الشبهة تدرأ الحدود، وتقتضي إلحاق النسب، وقد يدرأ الحد بالشبهة، ولا يمنع ذلك تعزير المتهم بما دون الحد، مع القول بلحوق النسب جمعا بين المصالح الشرعية. والله ولي التوفيق.(21/21)
13 - والد زوجك السابق محرم لك
سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز، حفظه الله تعالى ومتع به.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
تسأل امرأة فتقول: تزوجت من رجل وأنجبت منه، ثم إنه طلقني واحتفظ بالأولاد ووضعهم عند أبيه، وأنا أحتاج إلى زيارة أولادي عند أبي زوجي السابق، فأنا أذهب بين وقت وآخر إليهم وأكشف على هذا الرجل، وأذهب بصحبة زوجي الحالي الذي لا يمانع في ذلك، ولكن إخواني يحاولون منعي ويقول بعضهم: بأن أبا زوجي السابق لم يعد محرما علي وأنا أسأل:
أولا: هل انتهت محرمية هذا الرجل علي بطلاقي من ابنه أم لا؟
ثانيا: إذا كانت لم تنته وكان محرما علي فهل له علي حق الصلة والزيارة؟
ثالثا: هل في ذهابي إليهم وكشفي على هذا الرجل الذي هو جد أولادي حرج إذا احتجبت لذلك، خاصة وأني لا أكشف(21/22)
على زوجي السابق فقد تزوج وسكن في مكان آخر؟ أفتونا في ذلك، وجزاكم الله خيرا ومتع بكم وحفظكم (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
لا حرج عليك في الكشف لوالد زوجك السابق؛ لأنه محرم لك ولو طلقك ابنه، وزيارته في الأوقات المناسبة مع زوجك أو محرمك مناسبة، إذا كان من أهل الصلاح والخير، وهكذا لو زرته وحدك إذا كان منزله قريبا لا يحتاج إلى سفر ولا كلفة، بشرط أن يرضى زوجك بذلك، وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال أجاب عنه سماحته بتاريخ 23\ 8 \ 1412 هـ.(21/23)
14 - التربية لا توجب المحرمية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ح. أ. ح. ق. سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم (513) وتاريخ 5\2\1407 هـ الذي تسأل فيه عن جملة من الأسئلة (1) .
وأفيدك بأنه يلزمك منع زوجتك من حضور الاحتفال الذي فيه اختلاط بالرجال الأجانب، ولو لم يرض والدها بالمنع؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليك إبلاغ الجهة المختصة بطرفكم وهي هيئة الأمر بالمعروف لمنع وجود الرجال مع النساء في الاحتفالات.
وأما البنت التي رباها والدكم منذ صغرها، فإنكم لا تكونون بذلك محارم لها، ولا يجوز لكم أن تقبلوها، ويلزمها الحجاب عنكم، إلا إذا كانت رضعت من أمكم أو من زوجة
__________
(1) سؤال من الأخ ح. أ. ح. ق. وأجاب عنه سماحته بتاريخ 27\3\1407 هـ.(21/24)
لأبيكم أو من أي أخت من أخواتكم، خمس رضعات فأكثر في الحولين، وكذلك إذا كنتم رضعتم من أمها خمس رضعات فأكثر، أو أرضعتكم أنتم وإياها امرأة أخرى خمس رضعات فأكثر في الحولين، فإنها تصير أختا لكم من الرضاع، يجوز لكم أن تسلموا عليها، وتكونون محارم لها في غير عقد النكاح.(21/25)
زوج البنت من المحارم
س 15: هناك امرأة عندها بنت متزوجة، وهذه المرأة تتستر عن زوج ابنتها، ولا تأكل معه، وحتى أيام المناسبات لا تسلم عليه، فما الحكم في ذلك؟ (1)
ج: زوج البنت من المحارم لأمها؛ لقول الله سبحانه في بيان المحرمات: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} (2) وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم، فأم المرأة وجداتها من جهة أبيها وأمها كلهن محارم لزوجها للآية المذكورة. لكن لا يلزمها كشف الحجاب له أو الأكل معه، فإن فعلت فهو الأحسن والأفضل حتى تسود المحبة والألفة بينهما، وحتى تمتثل حكم الله الذي أباح لها ذلك.
__________
(1) نشر في مجلة (اقرأ) العدد (802) في 7\16\ 1411 هـ.
(2) سورة النساء الآية 23(21/26)
الحجاب عند زوج البنت
س 16: أنا امرأة لي ثمان بنات، وتزوج منهن أربع، أما اثنتان فأتحجب عن زوجيهما، والأخريان أكشف الحجاب لزوجيهما. أرجو منكم الإفادة، هل علي شيء(21/26)
في ذلك، وهل الحجاب جائز أم لا؟ (1)
ج: أزواج بناتك محارم لك، فلا حرج في الكشف لهم ما جرت به العادة، كالوجه واليدين والقدمين، وليس ذلك بواجب، لكن هو المشروع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم برخصة الله التي رخص لكم (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه (3) » ، ولأن الحجاب عنهم مخالف للشرع، ومسبب للوحشة والبغضاء، فالذي ينبغي تركه، والعمل بالرخصة الشرعية، والكشف لبعضهم دون البعض الآخر يوجب الريبة والتساؤل ويسبب الوحشة والتكدر، فالمشروع تركه، أو أن تكشفي للجميع.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1477) بتاريخ 25 شعبان 1415 هـ.
(2) رواه مسلم في (الصيام) باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر برقم (1115) .
(3) رواه الإمام أحمد (2\ 108) وابن حبان في باب ذكر استحباب قبول رخصة الله برقم (2742) .(21/27)
أبناء زوجك قبلك وبعدك محارم لك
س 17: سائلة تقول: تزوجت برجل له أولاد من غيرها. ثم طلقها وتزوج أخرى، وولدت له ولدا،(21/27)
وطلقها ووضع الولد عندها، فقامت بتربيته، ولم ترضعه، وتسأل هل الجميع من محارمها؟ (1)
ج: كل أبناء زوجك قبلك وبعدك يعتبرون محارم لك، ولا يلزمك الحجاب عنهم؛ لقول الله جل وعلا في سورة النور: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} (2) الآية- والبعولة: هم الأزواج- أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن آباء الأزواج وأبناء الأزواج كلهم محارم للمرأة.
__________
(1) سؤال من الأخت م. ع. ق. أجاب عنه سماحته برقم (1318 \ 1) في 15\5\1410 هـ.
(2) سورة النور الآية 31(21/28)
باب الشروط والعيوب في النكاح(21/29)
صفحة فارغة(21/30)
18 - النهي عن نكاح الشغار
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ص. ع. ي. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
كتابكم الكريم المؤرخ في 18\6\1393 هـ، وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال كان معلوما، وهذا نصه وجوابه: (أخوان شقيقان، لكل واحد منهما ابن وبنت، فطلب أحد الأخوين من أخيه أن يزوج ابنه ابنته فامتنع أولا، وقال له: لا أزوج ابنك ابنتي، إلا بشرط أن تزوج ابني ابنتك، فاتفقا وتراضيا على ذلك، فدفع أحدهما مبلغا من المال مقابل زواج ابنه، فرد الأخ المدفوع إليه ذلك المبلغ مقابل زواج ابنه كذلك، وعقد كل واحد منهما على ابنته لابن أخيه في مجلس واحد، وصادف أن أحد الابنين كان غائبا والآخر موجودا فتزوج الحاضر وبقي الغائب مؤجلا زواجه حتى يصل، نطلب من فضيلتكم سرعة رد الجواب، وحكم الشرع الشريف في هذه القضية، حتى نتلافى الموضوع قبل أن يسافر الغائب ويتزوج ابنة عمه) انتهى (1) .
__________
(1) سؤال من الأخ ص. ع. ي. أجاب عنه سماحته برقم (1758) في 6\ 8\ 1393 هـ.(21/31)
ج: العقد الذي تم في هذا النكاح غير صحيح؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الشغار، والنكاح المذكور هو عين الشغار، فالواجب التفريق بين المذكورين، ومن كانت لها رغبة في زوجها فلا مانع من تجديد العقد عليها، من غير شرط تزويج الثانية الشخص الثاني، ومن ليس لها رغبة وجب على زوجها طلاقها طلقة واحدة، حسما لمادة التعلق بها، وقد كتبنا في هذه المسألة رسالة إليكم بطيه نسخة منها، وفق الله الجميع للفقه في دينه، والثبات عليه، إنه خير مسئول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/32)
19 - الواجب التوبة من نكاح
الشغار وتجديد النكاح عند الرغبة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. ع. م. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد (1) :
فقد حضر عندي من رمز لاسمه بـ ع. ل. م. وذكر أنه خطب منك أختك، فأجبته إلى ذلك بشرط أن يزوجك بنته، فأجاب إلى ذلك، وتم العقد له على أختك ولك على بنته، هكذا قال، واستفتاني في ذلك، فأخبرته أن هذا العقد على هذا الوجه لا يجوز؛ لكونه من نكاح الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المسمى عند البادية نكاح البدل، والواجب عليكما جميعا التوبة من ذلك، والندم على ما وقع، إذا كان الواقع هو ما قاله، ويلزمكما جميعا أيضا تجديد النكاح إذا كانت كل واحدة ترغب في صاحبها، على أن يكون التجديد بدون شرط البدل في حق كل واحدة، أما إن كانتا لا ترغبان
__________
(1) إجابة من سماحته للأخ ع. ع. م. برقم (2032\ 1خ) في 15\ 7\1394 هـ.(21/33)
في البقاء مع أزواجهما، فالواجب طلاقهما طلقة واحدة، وليس لك مهر إذا كنت قد دخلت ببنته، كما أنه ليس له مهر إذا كان قد دخل بأختك؛ لأن كل واحدة تستحق ما دفع إليها بما استحل من فرجها، ويذكر أنك لم تدخل ببنته فعلى هذا إذا كانت لا ترغب في تجديد النكاح لك عليها فليس لها مهر، وإذا أشكل عليكما شيء في الموضوع، فاحضرا عندي أو عند فضيلة قاضي عفيف، أو غيره من القضاة لسؤاله عما أشكل عليكم، وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/34)
20 - نكاح الشغار فاسد ويلحقه الطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة قلوة، وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم رقم (226) وتاريخ 2\5\ 1393 هـ، وصل وصلكم الله بهداه، وهذا نصه: (أفيدكم أنه يوجد لدي قضية بمحكمة قلوة وهي: جاءني شخصان وذكرا أنه حصل بينهما زواج، فزوج أحدهما الآخر على أخته على أن يزوجه ابنته عند بلوغها، ولما بلغت بنت المتزوج الأول، مما يظهر أنه حصل بينهما خلاف وطلق المتزوج زوجته ثلاثا، وتنازل الخاطب عن خطوبته، وعذرهما لدي أنهما أقدما على ما حصل في البداية، وهما يجهلان الحكم في ذلك، ولما علما أن ما حصل بينهما شغار لا يجوز، حصل بينهما ما حصل من طلاق المتزوج لزوجته، وتنازل الخاطب عن خطبته، وأفادا أن المطلق يرغب زوجته ويزيد بمهرها، وطلبا مني الحكم في ذلك وقد وضعت المرأة بعد الطلاق حملا كان بها وقت الطلاق، وأشكل علي حكم هذا الطلاق، هل يعتبر وتحرم عليه(21/35)
به أم لا؟ وأوجب هذا أن أحرر لكم الواقع وآمل إفادتي من قبلكم بما يصح اتباعه في القضية) انتهى (1) .
وأفيد فضيلتكم بأن النكاح المذكور على الوجه المذكور نكاح فاسد في أصح قولي العلماء، والأرجح لحوق الطلاق في النكاح الفاسد كما لا يخفى، لكن لا يقع بهذا الطلاق إلا طلقة واحدة؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن مثل هذا الطلاق كان يعتبر طلقة واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر، وسنتين من خلافة عمر. . . الحديث، وقد أفتى بذلك جمع من السلف والخلف، وهو الذي نفتي به، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله، وعليه لا مانع من ردها عليه بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، ويبقى له طلقتان. وأسأل الله أن يوفق الجميع لإصابة الحق في القول والعمل، إنه خير مسئول والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سؤال من م. ح. م. أجاب عنه سماحته برقم (343\ خ) في 27\ 2\ 1393 هـ.(21/36)
جواز الاصطلاح على
تعزير المتشاغرين بمبلغ من المال
س 21: نحن قبيلة إذا صار عندنا زواج الشغار، تأخذ القبيلة مبلغا وقدره خمسة عشر ألف ريال على المتشاغرين، جزاء لهما وردعا، فهل أخذ هذا المبلغ من المتزوجين يكون حلالا أم لا علما بأن القبيلة تضعه في صندوقها الذي تنفقه على المحتاج؟
ج: إذا اصطلحت القبيلة، واتفقت فيما بينها، على تعزير المتشاغرين، بمبلغ من المال، حتى يرتدعوا عن نكاح الشغار، هذا إن شاء الله في محله، من باب إنكار المنكر بالمال، وإنكار المنكر بالمال، والتعزير بالمال أمر معروف في الشريعة، في أصح قولي العلماء، فإذا اتفقت القبيلة على أن من تزوج شغارا، يعاقب بمال معين، فلا بأس إذا كانت الدولة أقرت على ذلك، ولم يحصل من الدولة، ولا من المحكمة معارضة، بل أقروهم على ذلك، فلا بأس إن شاء الله.
والشغار هو أن يقول كل واحد: زوجني وأزوجك، زوجني بنتك وأنا أزوجك بنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، أو بنتي. هذا نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام،(21/37)
والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، قال: «والشغار أن يقول الرجل: زوجني بنتك وأزوجك بنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي (1) » هذا معناه جعل كل واحدة مهرا للأخرى، وهذا يفضي إلى فساد كبير، وإلى ظلم للنساء، وإلى تعطيل للمال، الذي هو مطلوب في الزواج، حيث قال الله سبحانه وتعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (2) فالمقصود أن الشغار منكر، فإذا اصطلح أهل القرية أو القبيلة على معاقبة من فعله، ولم تعترض الدولة ولا المحكمة على ذلك، بل أقروهم وسكتوا عنهم، فإن هذا التعزير مناسب، وفي محله، ويجعل في المصلحة العامة، في الصندوق الذي فيه مصلحة عامة: تزويج الفقراء، أو في وجوه الإصلاح، أو ما أشبه ذلك.
__________
(1) صحيح مسلم النكاح (1416) ، سنن النسائي النكاح (3338) ، سنن ابن ماجه النكاح (1884) ، مسند أحمد بن حنبل (2/439) .
(2) سورة النساء الآية 24(21/38)
وجوب موافقة الولي في عقد النكاح
س 22: هل تجب موافقة الولي في حالة زواج المرأة الثيب مرة أخرى؟ وما شروط الزواج الصحيح في حالتها؟ (1)
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1640) بتاريخ 11 محرم 1419 هـ.(21/38)
ج: من شرط صحة النكاح: صدوره عن ولي، سواء كانت المرأة بكرا أو ثيبا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي (1) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزوج المرأة المرأة، ولا المرأة نفسها (2) » ، ولكن الأيم لا بد من إذنها صريحا، وهي الثيب، أما البكر فيكفي سكوتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت (3) » متفق على صحته.
وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها وإذنها صماتها (4) » ، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «الأيم أحق بنفسها من وليها (5) » أنه ليس لوليها تزويجها إلا بإذن صريح
__________
(1) رواه الإمام أحمد (1\ 250) وابن حبان باب (ذكر نفي إجازة النكاح بغير ولي) برقم (4075) .
(2) رواه ابن ماجه في (النكاح) باب (لا نكاح إلا بولي) برقم (1882) .
(3) رواه البخاري في (النكاح) باب (لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها) برقم (5136) ومسلم في (النكاح) باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق) برقم (1419) .
(4) رواه مسلم في (النكاح) باب (استئذان الثيب في النكاح بالنطق) برقم (1421) .
(5) صحيح مسلم النكاح (1421) ، سنن الترمذي النكاح (1108) ، سنن النسائي النكاح (3260) ، سنن أبو داود النكاح (2098) ، سنن ابن ماجه النكاح (1870) ، مسند أحمد بن حنبل (1/274) ، موطأ مالك النكاح (1114) ، سنن الدارمي النكاح (2188) .(21/39)
منها؛ جمعا بين الأحاديث في هذا الباب، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، وهو الحق الموافق للأحاديث الصحيحة. والله ولي التوفيق.(21/40)
الزواج يشرع إعلانه
س23: ما حكم اللعب في الزواج وهو مثل الخطوة والرقص من غير طبل وما يشابه ذلك؟ (1)
ج: الزواج يشرع إعلانه بالدف والأغاني المعتادة بين النساء في الليل. وهذا من باب إعلان النكاح حتى لا يكون سفاحا، فالنساء فيما بينهن إذا غنين بينهن بغنائهن المعتاد بين النساء في مدح الزوج، أو أهل الزوجة ونحو ذلك، أو ضربن الدف بينهن من دون اختلاط بالرجال، فلا بأس بذلك، والرقص إذا رقصت المرأة بين نسائها بين أخواتها ليس فيه بأس، أما الخطوة فلا نعرف الخطوة. الخطوة هذه لا نعرفها لكن إذا كانت الخطوة معناها الرقص بين النساء أو معناها إيجاد الوليمة للأقارب، فهذا لا بأس به، ينبغي للسائل أن يبين الخطوة. ما هي الخطوة، يبينها ما هي صفتها.
__________
(1) من أسئلة الحج في منى يوم التروية.(21/40)
المسلمون على شروطهم
س24: لقد اتفقت مع والد زوجتي على أنني بعد الزواج سوف أسكن بجوارهم، ولكن بعد زواجي اضطررت أن أسكن بعيدا عنهم في بلد آخر ونظرا لظروف معيشتي وعملي فقد وافقت زوجتي على أن تنتقل معي، غير أن والد زوجتي رافض بشدة، فهل في هذه الحالة أكون نقضت العهد وأكون آثما، على أن زوجتي لا تمانع. أفتونا مأجورين؟ (1)
ج: إذا رضيت زوجتك فلا بأس أن تنتقل بها، أما إذا لم ترض، فالمسلمون على شروطهم، وأما إذا رضيت فلك أن تنتقل، وليس لأمها ولا أبيها منعها من ذلك؛ لأنك قد تحتاج لها فلا حرج، أما إذا صارت مع والديها تريد الوفاء بالشرط فعليك أن توفي بالشرط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) سؤال موجه لسماحته بعد الدرس الذي ألقاه في المسجد الحرام بتاريخ 27\ 12\ 1418 هـ.
(2) رواه الترمذي في (الأحكام) باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح برقم (1352) .(21/41)
«إن أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج (1) » متفق على صحته.
__________
(1) رواه البخاري في (الشروط) باب الشروط في المهر برقم (2721) ومسلم في (النكاح) باب الوفاء بالشروط في النكاح برقم (1418) .(21/42)
النكاح بدون ولي منكر
س 25: امرأة تزوجت بدون إذن وليها من تارك الصلاة، ونصحت مرارا، وهي مسلمة وتصلي، فما الحكم؟ (1)
ج: جمعت منكرين: المنكر الأول: زواجها بدون ولي، والمنكر الثاني: زواجها من تارك الصلاة وهي مسلمة، وهذا لا يجوز؛ لأن تارك الصلاة كافر إذا كان يجحد وجوبها.
__________
(1) من فتاوى حج عام 1407 هـ، الشريط الخامس.(21/42)
مسألة
س 26: هل مثل هذا الزواج المذكور في السؤال السابق، لا يعد زواجا، وإن أنجب من هذا الزواج، فما حكمه؟ وحكم عشرته؟ (1)
__________
(1) من فتاوى حج عام 1407 هـ، الشريط الخامس.(21/42)
ج: هذا الزواج لا يصح؛ لأن هذا فيه شبهة، وعليه أن يطلقها طلقة واحدة، حتى لا يكون له شبهة عليها وإلا ما يصح؛ لأن الكثيرين من أهل العلم يرون أن ترك الصلاة ليس بكفر إذا كان لم يجحد وجوبها، وإن كان يجحد وجوبها فهو كافر بالإجماع، وعدم الولي عند الجمهور أيضا مبطل للنكاح، واجتمع فيه مبطلان: عدم الولي، وعدم كونه مسلما وهي مسلمة، وهذا نكاح غير صحيح، لكن للشبهة أولادهم تلحقهم من أجل الشبهة، وعليه أن يفارقها حتى يتوب إلى الله، ويعقد عقدا جديدا، ولا يجوز له البقاء معها، وعليه أن يجدد التوبة، وأن يعقد من جديد إذا كان يرغبها وهي ترغبه، إذا كان وليها مسلما، أو من ينوب عنه بالولاية الشرعية.(21/43)
من تزوج من كسب حرام فزواجه صحيح إذا تاب
س27: رجل ماله كله حرام، وتزوج منه، وحج منه، وعمل تجارة ويريد التوبة، فماذا يصنع؟ (1)
ج: إذا تاب تاب الله عليه، والمال محل نظر، بعض
__________
(1) من فتاوى حج عام 1407 هـ، الشريط الخامس.(21/43)
أهل العلم يراه له؛ لقول الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1) فإذا أخذ منه ما يسد حاجته وتصدق منه إن شاء الله يكفي، وإن تطهر منه كله وتصدق به في وجوه البر وجدد كسبا طيبا، فهذا أحوط وأحسن، لكن إذا كان فقيرا ينتفع به؛ لأن الله قال: {فَلَهُ مَا سَلَفَ} (2) وهذا يعم الكفار الذين أسلموا وقد كانوا يستعملون الربا وهو حرام وترك لهم، ولم يقل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا المال الربوي، بعد أن تابوا وأسلموا عليه، فهذا المسلم قال بعض أهل العلم: إنه مثل الكافر، لا يكون أردى من الكافر، فهو أولى من الكافر إذا تاب؛ لأن منعه من المال قد ينفره من التوبة أيضا، وإن تيسر إخراجه والصدقة به فهذا أحوط؛ خروجا من خلاف العلماء، والحج صحيح؛ لأنه عمل بدني ليس له تعلق بالمال.
__________
(1) سورة البقرة الآية 275
(2) سورة البقرة الآية 275(21/44)
إذا كان الشاهد لا يصلي يعاد عقد النكاح
س28: رجل مسلم ملتزم بدينه، محافظ على الصلوات الخمس، تزوج من امرأة مسلمة، فكان أحد الشاهدين(21/44)
على عقد النكاح رجل لا يصلي، وربما وقع في الكبائر كشرب الخمر، فهل عقد النكاح في مثل هذه الحالة صحيح من الناحية الشرعية؟ علما بأنه قد حضر لكتابة العقد عدد كبير من الرجال المسلمين المصلين، وشهدوا بأنفسهم إجراءات الصك للزواج. فما حكم ما وقع بين الزوجين من النكاح، وهل يلزم أن نعيد كتابة العقد؟ (1)
ج: إذا كان عند العقد عند قول الولي: زوجتك، وعند قول الزوج: قبلت، لم يحضرهما إلا شاهدان أحدهما لا يصلي، فيعاد العقد؛ لأنه ليس بعدل؛ لأن العقد لا بد فيه من شاهدي عدل مع الولي، فإذا كان عند إجراء العقد، حين قال الولي: زوجتك، وحين قال الزوج: قبلت، لم يحضرهما إلا شاهدان، أحدهما فاجر معروف الفجور، أو كافر كتارك الصلاة، فإنه يجدد العقد.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1644) في 10 صفر 1419 هـ.(21/45)
حكم النكاح بدون عقد
س 29: رجل تزوج امرأة بدون عقد نكاح، وبدون أي شهود، بعد أن تحقق من أنها حامل في ثلاثة أشهر،(21/45)
فعمل عقد النكاح، ثم ولدت، ثم حملت للمرة الثانية، وهي حامل طلقها طلقة واحدة، ثم بعد أسبوع طلقها بثلاث، وسأل رجلا ليس بعالم، قال له: ليس عليك شيء استمر بزوجتك. فكيف حال الولد الأول؟ وكيف طلاقها بالثلاث؟ وبعد طلاق الثلاث استمرت الحياة الزوجية، ومعها الآن ثلاثة أطفال؟ (1)
ج: إذا كان فعله الأول بغير عقد، فهو- نسأل الله العافية - زنا صريح، والزنا ولده لا يلحق الزاني، بل يتبع المرأة، وعليه الحد الشرعي، حد الزنا، إن كان محصنا يرجم حتى يموت، وإن كان بكرا يجلد مائة ويغرب عاما، وعليه أن يراجع المحكمة في بلده، حتى يفهموه ويعلموه ما يلزم.
نسأل الله لنا وله الهداية.
__________
(1) سؤال موجه إلى سماحته بعد الدرس الذي ألقاه بالمسجد الحرام في 28\ 12\1412 هـ.(21/46)
شرط الطلاق بيد المرأة غير صحيح
س 30: امرأة اشترطت قبل عقد الزواج على الخاطب أن لا يطلقها، وقبل الزوج هذا الشرط، فهل هذا الشرط(21/46)
صحيح أم لا؟ وهل يحق للمرأة أن تشترط أن يكون حل عقدة النكاح بيدها؟ (1)
ج: هذا الشرط ليس بصحيح، له أن يطلقها متى شاء، ولا يجوز شرط الطلاق بيدها، الصواب لا يجوز شرط الطلاق بيدها، ولا شرط أنه لا يطلقها، يعني قد تأتي أمور توجب الطلاق، وإذا شرط أن لا يطلقها، فله أن يطلقها، نعم إذا دعت الحاجة إلى طلاقها؛ لأن الشرط غير صحيح.
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418 هـ، الشريط السادس.(21/47)
الأولى عدم تزويج من يعمل في البنوك الربوية
س31: تقدم شاب لخطبة ابنتي البالغة من العمر (27) عاما، وحصل بيننا توافق من جميع النواحي، إلا أن الشاب يعمل في أحد البنوك الربوية، وعندما طلبنا منه ترك البنك قال: لو وجد عملا آخر فإنه ليس لديه مانع، بشرط أن يكون قريبا من راتبه الحالي في البنك، كما أن لديه أسرتين يصرف عليهما، كما أن عمله في قسم (الصرف) في البنك، أفتوني هل علي إثم في تزويج هذا الشخص؟ (1)
ج: إذا كان حال الخاطب ما ذكر، فالنصيحة ألا يزوج ما دام في العمل المذكور. وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
__________
(1) نشر في هذا المجموع ج (19) سؤال رقم (237) ص (387) .(21/48)
زوجي مدمن على التدخين
س 32: زوجي مدمن على التدخين، وهو يعاني من الربو، ووقعت بيننا مشكلات عدة من أجل الإقلاع عنه، وقبل خمسة أشهر صلى زوجي ركعتين لله وحلف بألا يعود إلى التدخين، ولكنه عاد للتدخين بعد أسبوع من حلفه، وعادت المشكلات بيننا، وطلبت منه الطلاق، ولكنه وعدني بعدم العودة إليه وتركه للأبد، لكنني غير واثقة منه تماما، فما رأيكم السديد؟ وما كفارة حلفه؟ وبماذا تنصحونني؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الدخان من الخبائث المحرمة، ومضاره كثيرة، وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم في سورة المائدة: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (2) وقال في سورة الأعراف في وصف النبي محمد عليه الصلاة والسلام: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (3) ولا شك أن الدخان من الخبائث، فالواجب على زوجك تركه والحذر منه
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1697) في 10\3 \ 1420هـ.
(2) سورة المائدة الآية 4
(3) سورة الأعراف الآية 157(21/49)
طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحذرا من أسباب غضب الله، وحفاظا على سلامة دينه، وصحته، وعلى حسن العشرة معك.
والواجب عليه عن حلفه كفارة يمين، مع التوبة إلى الله سبحانه من عوده إليه، والكفارة هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة مؤمنة، ويكفي في ذلك أن يعشيهم، أو يغديهم، أو يعطي كل واحد نصف صاع من قوت البلد، وهو كيلو ونصف تقريبا. وإذا لم يستطع فصيام ثلاثة أيام.
ونوصيك بعدم مطالبته بالطلاق إذا كان يصلي وسيرته طيبة وترك التدخين، أما إن استمر على المعصية فلا مانع من طلب الطلاق، ونسأل الله له الهداية والتوفيق للتوبة النصوح.(21/50)
33 - نكاح الفاسق صحيح
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ س. د. ك. رئيس جمعية الثقافة الإسلامية في كمبالا أوغندا، وفقه الله لما فيه رضاه، وزاده وإخوانه أعضاء الجمعية من العلم والإيمان، ونصر به دينه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 5\5\1406 هـ وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق، وقد تضمن سؤالين أحدهما: السؤال عن صحة ما بلغكم عني أني أقول: إن المسلم إذا كان فاسقا، ونكح امرأة ثم تاب إلى الله، يكون نكاحه الأول غير شرعي، ولا بد أن يعيد نكاح تلك المرأة نكاحا شرعيا.
والجواب: هذا الخبر على هذا الوجه لا صحة له؛ لأن نكاح الفاسق للمرأة المسلمة أو الكتابية المحصنة صحيح، وإنما الصادر مني أن الكافر إذا نكح المسلمة ثم أسلم، فإن نكاحه غير صحيح؛ لأن الله جل وعلا قال في كتابه الكريم في
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (994\ خ) في 4\9\1406 هـ.(21/51)
سورة البقرة: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (1) والمعنى لا تزوجوهم على المسلمات حتى يؤمنوا، وقال سبحانه في سورة الممتحنة: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (2) الآية. فإذا تاب ورجع إلى الإسلام فلا مانع من تزويجه المسلمة، التي أبطلنا نكاحه لها لما كان كافرا.
__________
(1) سورة البقرة الآية 221
(2) سورة الممتحنة الآية 10(21/52)
باب نكاح الكفار(21/53)
صفحة فارغة(21/54)
ما حكم نكاح نساء أهل الكتاب؟ (1)
ج: حكم ذلك الحل والإباحة عند جمهور أهل العلم لقول الله سبحانه: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2) والمحصنة هي: الحرة العفيفة في أصح أقوال علماء التفسير.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه:
وقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} (3) أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات وذكر هذا توطئة لما بعده وهو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (4) فقيل: أراد المحصنات الحرائر دون الإماء حكاه ابن جرير عن مجاهد وإنما قال مجاهد: المحصنات الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة
__________
(1) نشر في مجلة البحوث العدد 21 عام 1408 هـ.
(2) سورة المائدة الآية 5
(3) سورة المائدة الآية 5
(4) سورة المائدة الآية 5(21/55)
العفيفة كما في الرواية الأخرى عنه وهو قول الجمهور هاهنا، وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: حشف وسوء كيل، والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا كما قال تعالى في الآية الآخرى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (1) ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (2) هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ممن فسر المحصنة بالعفيفة، وقيل: المراد بأهل الكتاب هاهنا الإسرائيليات وهو مذهب الشافعي، وقيل: المراد بذلك الذميات دون الحربيات لقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (3) الآية، وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ويقول: لا أعلم شركا أعظم من أن تقول: إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (4) الآية، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب، حدثنا القاسم
__________
(1) سورة النساء الآية 25
(2) سورة المائدة الآية 5
(3) سورة التوبة الآية 29
(4) سورة البقرة الآية 221(21/56)
بن مالك - يعني المزني - حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي مالك الغفاري قال: نزلت هذه الآية: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (1) قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (2) فنكح الناس نساء أهل الكتاب، وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى، ولم يروا بذلك بأسا أخذا بهذه الآية الكريمة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (3) فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (4) إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} (5) وكقوله: {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} (6) الآية، انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله.
وقال أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة الحنبلي رحمه الله في كتابه المغني ما نصه: ليس بين أهل العلم بحمد الله اختلاف في حل حرائر نساء أهل الكتاب،
__________
(1) سورة البقرة الآية 221
(2) سورة المائدة الآية 5
(3) سورة المائدة الآية 5
(4) سورة البقرة الآية 221
(5) سورة البينة الآية 1
(6) سورة آل عمران الآية 20(21/57)
وممن روي عنه ذلك عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وسلمان وجابر وغيرهم، قال ابن المنذر: ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وروى الخلال بإسناده أن حذيفة وطلحة والجارود بن المعلى وأذينة العبدي تزوجوا نساء من أهل الكتاب، وبه قال سائر أهل العلم، وحرمته الإمامية تمسكا بقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (1) ، {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (2) ولنا قول الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (3) إلى قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (4) وإجماع الصحابة فأما قوله سبحانه: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (5) فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نسخت بالآية التي في سورة المائدة، وكذلك ينبغي أن يكون ذلك في الآية الأخرى لأنهما متقدمتان، والآية التي في المائدة متأخرة عنهما.
وقال آخرون: ليس هذا نسخا فإن لفظ المشركين بإطلاقه لا يتناول أهل الكتاب بدليل قوله سبحانه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} (6)
__________
(1) سورة البقرة الآية 221
(2) سورة الممتحنة الآية 10
(3) سورة المائدة الآية 5
(4) سورة المائدة الآية 5
(5) سورة البقرة الآية 221
(6) سورة البينة الآية 1(21/58)
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} (1) وقال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (2) وقال: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ} (3) وسائر القرآن يفصل بينهما فدل على أن لفظة المشركين بإطلاقها غير متناولة لأهل الكتاب، وهذا معنى قول سعيد بن جبير وقتادة، ولأن ما احتجوا به عام في كل كافرة وأيقنا خاصة في حل أهل الكتاب، والخاص يجب تقديمه، إذا ثبت هذا فالأولى أن لا يتزوج كتابية لأن عمر رضي الله عنه قال للذين تزوجوا من نساء أهل الكتاب: طلقوهن. فطلقوهن إلا حذيفة، فقال له عمر: طلقها قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي خمرة طلقها. قال: تشهد أنها حرام؟ قال: هي خمرة. قال: قد علمت أنها خمرة ولكنها إلي حلال. فلما كان بعد طلقها، فقيل له: ألا طلقتها حين أمرك عمر. قال: كرهت أن يرى الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي لي. ولأنه ربما مال إليها قلبه فتفتنه وربما كان بينهما ولد فيميل إليها (4) . انتهى كلام صاحب المغني رحمه الله.
__________
(1) سورة البينة الآية 6
(2) سورة المائدة الآية 82
(3) سورة البقرة الآية 105
(4) المغني لابن قدامة (6\ 589) .(21/59)
والخلاصة مما ذكره الحافظ ابن كثير وصاحب المغني رحمة الله عليهما أنه لا تعارض بين قوله سبحانه في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (1) الآية وبين قوله عز وجل في سورة المائدة: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (2) الآية لوجهين أحدهما: أن أهل الكتاب غير داخلين في المشركين عند الإطلاق لأن الله سبحانه فصل بينهم في آيات كثيرات مثل قوله عز وجل: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ} (3) الآية، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} (4) الآية، وقوله عز وجل: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (5) الآية، إلى غير ذلك من الآيات المفرقة بين أهل الكتاب والمشركين وعلى هذا الوجه لا تكون المحصنات من أهل الكتاب داخلات في المشركات
__________
(1) سورة البقرة الآية 221
(2) سورة المائدة الآية 5
(3) سورة البينة الآية 1
(4) سورة البينة الآية 6
(5) سورة البقرة الآية 105(21/60)
المنهي عن نكاحهن في سورة البقرة فلا يبقى بين الآيتين تعارض، وهذا القول فيه نظر، والأقرب أن أهل الكتاب داخلون في المشركين والمشركات عند الإطلاق رجالهم ونساؤهم، لأنهم كفار مشركون بلا شك، ولهذا يمنعون من دخول المسجد الحرام لقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (1) لآية، ولو كان أهل الكتاب لا يدخلون في اسم المشركين عند الإطلاق لم تشملهم هذه الآية ولما ذكر سبحانه عقيدة اليهود والنصارى في سورة براءة قال بعد ذلك: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) فوصفهم جميعا بالشرك لأن اليهود قالوا: عزير ابن الله والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، ولأنهم جميعا اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وهذا كله من أقبح الشرك والآيات في هذا المعنى كثيرة والوجه الثاني: أن آية المائدة مخصصة لآية البقرة والخاص يقضي على العام ويقدم عليه كما هو معروف في الأصول وهو مجمع عليه في الجملة، وهذا هو الصواب،
__________
(1) سورة التوبة الآية 28
(2) سورة التوبة الآية 31(21/61)
وبذلك يتضح أن المحصنات من أهل الكتاب حل للمسلمين غير داخلات في المشركات المنهي عن نكاحهن عند جمهور أهل العلم بل هو كالإجماع منهم لما تقدم في كلام صاحب المغني، ولكن ترك نكاحهن والاستغناء عنهن بالمحصنات من المؤمنات أولى وأفضل لما جاء في ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنه عبد الله وجماعة من السلف الصالح رضي الله عنهم. ولأن نكاح نساء أهل الكتاب فيه خطر ولا سيما في هذا العصر الذي استحكمت فيه غربة الإسلام وقل فيه الرجال الصالحون الفقهاء في الدين وكثر فيه الميل إلى النساء والسمع والطاعة لهن في كل شيء إلا ما شاء الله فيخشى على الزوج أن تجره زوجته الكتابية إلى دينها وأخلاقها كما يخشى على أولادهما من ذلك والله المستعان فإن قيل: فما وجه الحكمة في إباحة المحصنات من أهل الكتاب للمسلمين وعدم إباحة المسلمات للرجال من أهل الكتاب، فالجواب عن ذلك والله أعلم أن يقال: إن المسلمين لما آمنوا بالله وبرسله وما أنزل عليهم ومن جملتهم موسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام ومن جملة ما أنزل على الرسل التوراة المنزلة على موسى والإنجيل المنزل على عيسى لما آمن المسلمون بهذا كله أباح الله لهم(21/62)
نساء أهل الكتاب المحصنات فضلا منه عليهم وإكمالا لإحسانه إليهم، ولما كفر أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من الكتاب العظيم وهو القرآن حرم الله عليهم نساء المسلمين حتى يؤمنوا بنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، فإذا آمنوا به حل لهم نساؤنا وصار لهم ما لنا وعليهم ما علينا، والله سبحانه هو الحكم العادل البصير بأحوال عباده العليم بما يصلحهم الحكيم في كل شيء تعالى وتقدس وتنزه عن قول الضالين والكافرين وسائر المشركين. وهناك حكمة أخرى وهي أن المرأة ضعيفة سريعة الانقياد للزوج فلو أبيحت المسلمة لرجال أهل الكتاب لأفضى بها ذلك غالبا إلى دين زوجها فاقتضت حكمة الله سبحانه تحريم ذلك.(21/63)
ترك الصلاة يبطل عقد النكاح
س35: ما حكم تارك الصلاة؛ لأني سمعت في برنامج نور على الدرب، من أحد المشايخ، أنه إذا عقد المسلم عقد نكاح على إحدى الفتيات المسلمات وهي لا تصلي، يكون العقد باطلا، ولو صلت بعد الزواج، وعندنا في قريتنا (50%) لا يصلون قبل الزواج، نرجو التوضيح؟ (1)
ج: لقد دل الكتاب والسنة على أن الصلاة أهم وأعظم عبادة بعد الشهادتين، وأنها عمود الإسلام، وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها وإقامتها كما شرع الله تعالى، قال سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (2) وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (3) وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (4) فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله، بل يقاتل، وقال تعالى:
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة التوبة الآية 5
(4) سورة البقرة الآية 43(21/64)
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (1) فدل على أن من لم يصل ليس بأخ في الدين، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (2) » ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » ، خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (4) » ، والتعبير بالرجل لا يخرج المرأة، فإن الحكم إذا ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك، وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل، إلا بدليل يخص أحدهما، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها
__________
(1) سورة التوبة الآية 11
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث معاذ بن جبل برقم (21511) والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في حرمة الصلاة برقم (2616) .
(3) رواه الإمام الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(4) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(21/65)
تدل على أن تارك الصلاة يكون كافرا من الرجال والنساء بعد التكليف، وثبت في الحديث الصحيح أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم «لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي هل نقاتلهم؟ قال: لا، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (1) » ، وفي لفظ آخر: «ما أقاموا فيكم الصلاة (2) » ، فدل على أن من لم يقم الصلاة فقد أتى كفرا بواحا، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال بعضهم: إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة يراد بها الزجر والتحذير، وكفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء، وذهب جمع من أهل العلم إلى أن تركها كفر أكبر، على ظاهر الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (3) » والكفر متى عرف بأداة التعريف وهي (أل) وهكذا الشرك، فالمراد بهما الكفر الأكبر والشرك
__________
(1) رواه البخاري في (الفتن) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' سترون بعدي أمورا تنكرونها '' برقم (7056) ومسلم في (الإمارة) باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية برقم (1709) .
(2) رواه مسلم في (الإمارة) باب خيار الأئمة وشرارهم برقم (1855) .
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(21/66)
الأكبر، وقال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » فدل ذلك على أن المراد الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه صلى الله عليه وسلم على أمر واضح وهو أمر الصلاة، وهي عمود الإسلام، فكون تركها كفرا أكبر لا يستغرب، ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة، فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر لكنه كفر دون كفر، مثل: البراءة من النسب، ومثل: القتال بين المؤمنين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (2) » فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن كفرا بكم التبرؤ من آبائكم (3) » ، وقوله عليه الصلاة والسلام: «اثنتان
__________
(1) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله برقم (48) ومسلم في (الإيمان) باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' سباب المسلم فسوق '' برقم (64) .
(3) رواه البخاري في (الحدود) باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت برقم (6830) بلفظ: '' أن تركبوا عن آبائكم ''.(21/67)
في الناس هما بهم كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت (1) » فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم، لأنه جاء منكرا غير معرف بأل، وجاءت الأدلة الأخرى دالة على أن المراد به غير الكفر الأكبر، بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أعظم شيء بعد الشهادتين، وعمود الإسلام، وقد بين الرب عز وجل حكمها لما شرع قتال الكفار، فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (2) وقال عليه الصلاة والسلام: «نهيت عن قتل المصلين (3) » فدل على أن من لم يصل يقتل، ولا يخلى سبيله إذا لم يتب.
والخلاصة، أن القول الصواب الذي تقتضيه الأدلة هو: أن ترك الصلاة كفر أكبر، ولو لم يجحد وجوبها، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة، وليس المناط كثرة القائلين، فالحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفرا أكبر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا
__________
(1) رواه مسلم في (الإيمان) باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب برقم (67) .
(2) سورة التوبة الآية 5
(3) رواه أبو داود في (الأدب) باب في الحكم في المخنثين برقم (4928) .(21/68)
إله إلا الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها (1) » فيفسره قوله في الحديث الآخر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام (2) » ، متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة، ولأن من لم يقم الصلاة لم يؤد حق لا إله إلا الله. ولو أن إنسانا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويصلي ويصوم ويتعبد، ثم جحد تحريم الزنا، وقال: إن الزنا حلال، كفر عند الجميع، أو قال: إن الخمر حلال أو اللواط، أو بال على المصحف متعمدا، أو وطئه متعمدا استهانة به، كفر، ولم تعصمه الشهادة أو نحو ذلك، مما يعتبر ناقضا من نواقض الإسلام، كما أوضح ذلك العلماء في باب حكم المرتد، في كل مذهب من المذاهب الأربعة.
__________
(1) رواه ابن حبان في (فرض الإيمان) باب ذكر البيان بأن المرء إنما يحقن دمه برقم (218) والبيهقي في السنن الكبرى في (الفيء والغنيمة) باب التسوية في الغنيمة والقوم يهبون الغنيمة برقم (13087) .
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة برقم (25) ومسلم في (الإيمان) باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم (22) .(21/69)
وبهذا يعلم أن المسلم الذي يصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوج امرأة لا تصلي، فإن النكاح باطل وهكذا العكس؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة من غير أهل الكتابين، كما لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر؛ لقول الله عز وجل في سورة الممتحنة في نكاح الكافرات: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (1) الآية، وقوله سبحانه في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (2) الآية.
__________
(1) سورة الممتحنة الآية 10
(2) سورة البقرة الآية 221(21/70)
حكم عقد الزواج لزوجين أحدهما لا يصلي
س36: سؤال من: ل. ع. يقول فيه: أعمل مأذون أنكحة، وقد سمعت من بعض المنتسبين للعلم أن عقد الزواج لزوجين أحدهما لا يصلي باطل، ولا يجوز العقد لهما، فهل هذا صحيح؟ وماذا أعمل إذا طلب مني عقد قران؟ هل أسأل عن حال الزوجين من ناحية صلاتهما؟(21/70)
أو أعقد القران دون السؤال؟ أفتونا مأجورين (1) .
ج: بسم الله، والحمد لله، إذا علمت أن أحد الزوجين لا يصلي فلا تعقد له على الآخر؛ لأن ترك الصلاة كفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2) » خرجه مسلم في صحيحه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يهدي ضالهم، إنه سميع قريب.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) في العدد (1466) بتاريخ 7\ 6\ 1415 هـ.
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(3) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .(21/71)
إذا كان الزوج لا يصلي
فلا يجوز أن تبقي معه
س 37: عقد قراني على شاب، ولم يدخل بي بعد، وأنا الآن أريد الطلاق منه لأسباب عديدة؛ منها: أنه(21/71)
رجل غير مؤدب، وغير مثقف، فأثناء جلوسنا في المجلس يشتمني، ويسبني أمام الناس، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى؛ مضى على عقد النكاح بيننا أكثر من خمسة أشهر، لكنه لا يصرف علي، ولا يعطيني فلسا واحدا، فأضطر إلى أن أمد يدي إلى والدي ووالدتي، وأطلب النقود منهما، ومن ناحية ثالثة؛ فهو رجل لا يصلي، وإن صلى فيصلي يومين ويتركها شهرا. فما عساي أن أفعل؟ فقد نصحته مرارا ولم يفد معه. أفيدوني أفادكم الله، أيجوز لي طلب الطلاق أم أنا آثمة في ذلك؟ بارك الله فيكم (1) .
ج: إذا كانت هذه حاله كما ذكرت- أيتها السائلة- من كونه يصلي بعض الأحيان، ولا يصلي في أكثر الأحيان، فإن هذا لا يجوز لك أن تبقي معه؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر، في أصح قولي العلماء، ولو لم يجحد وجوبها.
فالواجب عليك التخلص منه، ولا يجوز لك الدخول عليه، ولا يجوز بقاء هذا النكاح، بل هو والحال كما ذكر عقد باطل في أصح قولي العلماء، وعليك أن تحذري أن يمسك أو يقربك، إذا لم يتيسر الطلاق ففي إمكانك أن ترفعي الأمر إلى
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1652) في 7 ربيع الثاني 1419 هـ.(21/72)
المحكمة لهذه العلة، مع كونه أيضا خبيث اللسان سبابا شتاما، فهذه علة أخرى. لكن علة ترك الصلاة أكبر وأعظم. نسأل الله السلامة والعافية.(21/73)
يريد الزواج وهو لا يصلي
س38: لي ابن يرغب في الزواج، وهو لا يصلي وعليه بعض المعاصي، وأنا أرغب في تزويجه لعل وعسى أن يكون في ذلك تعديل لمسار حياته، فهل يجوز لي ذلك؟ وما نصيحتكم جزاكم الله خيرا، مع رجائنا الدعاء له وفقكم الله (1) .
ج: الواجب عليك نصيحته وتأديبه حتى يصلي، وليس لك تزويجه حتى يصلي؛ لأن ترك الصلاة كفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه أحمد وأهل
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1578) في 21 رمضان 1417 هـ.
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(3) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .(21/73)
السنن الأربعة بإسناد صحيح. نسأل الله لنا وله الهداية ونسأل الله أن يعينك على إصلاحه، ومن أسباب صلاحه تحذيره من جلساء السوء، ووصيته بمجالسة الأخيار. نسأل الله لك وله الإعانة على كل ما فيه صلاحه.(21/74)
39 - وجوب تجديد العقد إذا كان أحد الزوجين لا يصلي ثم تاب
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. ع. ص. سلمه الله (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم (499) وتاريخ 6\ 2\1408 هـ. الذي تسأل فيه عن عدد من الأسئلة. وأفيدك بأن سؤال العبد ربه بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة أن يوسع عليه رزقه، ويصلح له ذريته، ونحو ذلك، لا بأس به فيما بينه وبين ربه، دون رفع الصوت واليدين. وأما الرجل الذي تزوج بامرأة تصلي وهو لا يصلي، ثم تاب بعد ذلك، فإنه يجب تجديد العقد بولي وشاهدي عدل إذا رضيت المرأة بذلك، في أصح قولي العلماء وفق الله الجميع لما فيه رضاه إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) سؤال موجه إلى سماحته برقم (499) وتاريخ 6\2\1408 هـ، وأجاب عنه سماحته برقم (523\ 2) في 9\ 3\1408 هـ.(21/75)
حكم الزواج من امرأة لا تصلي
س 40: شاب مسلم يريد الزواج من فتاة لا يعلم هل هي تصلي أم لا، هل يجوز ذلك الزواج؟ وما حكم ذلك أفيدونا بارك الله فيكم؟ (1)
ج: الواجب أن يتثبت في الأمر، ويسأل عنها أهل الخبرة، فإن الزواج من كافرة إذا كانت من غير أهل الكتاب لا يجوز، والله سبحانه يقول: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (2)
ومن ترك الصلاة كفر على الصحيح من أقوال العلماء، ولو كان مقرا بالوجوب، إذا تركها تهاونا وكسلا كفر بذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (3) » ، رواه مسلم في صحيحه، وقال عليه
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1635) في 28 ذي القعدة 1418 هـ.
(2) سورة الممتحنة الآية 10
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(21/76)
الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » ، خرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح، فإذا كانت لا تصلي لم يحل له أن يتزوجها حتى تتوب؛ للحديثين السابقين، ويشرع للمسلم الحرص على التماس المرأة الطيبة في دينها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك (2) » ، متفق على صحته.
__________
(1) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الذين برقم (5095) ومسلم في (الرضاع) باب استحباب نكاح ذات الدين برقم (1466)(21/77)
41 - يبطل النكاح إذا انتسب الزوج إلى ملل الكفر
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ق. ق. وفقه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى سؤالكم الوارد إلينا بواسطة فضيلة الشيخ م. ن. ع. برقم (42 \ ت) وتاريخ 24\ 1\ 1407 هـ، وسؤالكم الآتي نصه: أن ثمة قضية مرفوعة لدى المحكمة العليا بكيب تاون - جنوب أفريقيا، من قبل قادياني اسمه أ. م. س. ضد زوجته المسلمة السيدة ر. س. بمطالبتها باستمرار عقد الزواج بينهما، وأنه إذا أصرت على المطالبة بفسخ الزواج بسبب انتمائه مؤخرا للقاديانية، عليها التخلي عن أبنائها الثلاثة منه وإعطاؤهم له ليعيشوا معه؟ (1)
وأفيدكم بأن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية. تأملت السؤال وأفتت
__________
(1) سؤال موجه لسماحته من فضيلة الشيخ ق. ق. وأجاب عنه سماحته برقم (234\2) في 5\2\1407هـ.(21/78)
بأن النكاح المسئول عنه يبطل بانتساب الزوج بعد عقد النكاح إلى الطائفة القاديانية واعتناقه نحلتهم، والواجب على الحاكم أن يفرق بينهما، وتكون المرأة حلا لمن يريد الزواج بها، بعد خروجها من العدة؛ لأنه بذلك يكون مرتدا، لإجماع أهل العلم على كفر الطائفة القاديانية؛ لأن من معتقداتهم أن مرزا غلام أحمد القادياني نبي يوحى إليه، وقد دل الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن كل من ادعى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كافر، وأن من صدقه فهو مثله، وأفتت أيضا بأن زوجته المسلمة أولى بحضانة أولادها القاصرين؛ لأنه ليس للكافر على المسلم ولاية لعموم قوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (1) وقوله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (2) الآية. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) سورة النساء الآية 141
(2) سورة التوبة الآية 71(21/79)
42 - حكم معاشرة الزوج الذي لا يصلي ولا يصوم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخت في الله و. س. ح. ف. وفقها الله لما فيه رضاه ومنحها الفقه في الإسلام والثبات عليه، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابك الذي شرحت فيه حال زوجك، وذلك في يوم الاثنين 14\6\1411 هـ الموافق 31\12\1990 م وفهمت ما شرحت فيه من حال زوجك وأنه ادعى الإسلام، ومن أجل ذلك وافقت على الزواج عليه، ولك منه ولدان، ولكنه اتضح لك من سيرته أنه يستهزئ بالإسلام ويسبه، ويقول: إن الأديان خرافة، ولا يصلي، ولا يصوم، ولا يزكي، ولا يحج، ويشرب الخمر، ويأكل الخنزير. وإذا كنت صادقة فيما ذكرت فالمذكور ليس بمسلم ولا نصراني، بل هو كافر ملحد لا دين له، نسأل الله لك العافية والسلامة منه، ولا
__________
(1) صدر من مكتب سماحته ردا على رسالة من الأخت و. س. ح. ف. من أسبانيا، ونشر في هذا المجموع ج (6) ص 311.(21/80)
يجوز لك البقاء معه، بل يجب عليك أن تطلبي منه صك الطلاق، وسوف يعوضك الله خيرا منه إن شاء الله؛ لقول الله سبحانه في سورة الطلاق: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2) وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (3) وأنت أحق بولديك منه، لأنه كافر وأنت مسلمة، والولد الصغير يتبع خير الأبوين دينا، ودين الإسلام هو الدين الحق، وما سواه من الأديان باطل؛ لقول الله عز وجل في سورة آل عمران: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (4) وقوله سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) وقوله عز وجل في سورة المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (6)
وأسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياك على الإسلام، وأن يجعل لك من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، وأن يعوضك عن هذا الزوج زوجا مسلما صالحا خيرا منه كما
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة الطلاق الآية 3
(3) سورة الطلاق الآية 4
(4) سورة آل عمران الآية 19
(5) سورة آل عمران الآية 85
(6) سورة المائدة الآية 3(21/81)
أسأله سبحانه أن يهدي زوجك هذا للإسلام، وأن يرده إلى الحق، وأن يعيذه من شر نفسه وشر الشيطان وشر جلساء السوء، إنه جل وعلا جواد كريم وعلى كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(21/82)
ليس من البر بأبيك
طاعته في الزواج ممن لا تصلي
س 43: رجل يعلم أن طاعة الوالدين واجبة، لكن والده خطب له إحدى الفتيات، وعلم أنها لا تصلي، فإذا ما رفض هذه المخطوبة، هل يكون هذا من العقوق أو لا؟ (1)
ج: ليس هذا من العقوق، ولا يجوز نكاح امرأة لا تصلي؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » ، وحديث: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة (3) » رواه مسلم. ولأنها عمود الإسلام.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أن تركها تهاونا وكسلا كفر أصغر ومعصية، وأنه لا يكفر بذلك، إذا كان يقر بالوجوب، ويعلم أنها واجبة، والأصح هو القول الأول، وهو
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(21/83)
أن تاركها يكفر، ولو لم يجحد وجوبها؛ للأحاديث الصحيحة السابقة. وقد حكى بعض أهل العلم إجماع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم على ذلك.
وبكل حال فالتي لا تصلي لا تنكح، حتى ولو قلنا بعدم كفرها فلا ينبغي للمسلم أن يتزوجها، ولا يطاع الوالد في ذلك، ولا الوالدة ولا غيرهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف (1) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2) » والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الأحكام) باب السمع والطاعة للأمام ما لم تكن معصية برقم (7145) ومسلم في (الإمارة) باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية برقم (1840) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) بلفظ: '' لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل '' في مسند علي بن أبي طالب برقم (1098) وذكره ابن أبي شيبة في مصنفه في (الجهاد) باب في إمام السرية يأمرهم بالمعصية برقم (29452) وفي مسند الشهاب برقم (872) ج2 ص 55.(21/84)
باب الصداق(21/85)
صفحة فارغة(21/86)
كراهة التغالي في مهور النساء
س 44: التغالي في مهور النساء هل يحل لأهل المرأة أكله أم لا؟ وما الدليل؟ (1)
ج: يكره التغالي في مهور النساء، ويسن التخفيف في ذلك والتيسير، ولكن لا يحرم المهر على المرأة ولو كان فيه مغالاة؛ لقول الله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} (2) الآية، والقنطار هو المال الكثير، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بأربعمائة دينار، سلمها لها النجاشي عنه صلى الله عليه وسلم، قيمتها أربعة آلاف درهم في ذلك الوقت.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) سورة النساء الآية 20(21/87)
جواز اصطلاح القبيلة على تحديد المهر
س 45: نحن قبيلة عندنا المهر (25) ألف ريال، وإذا أخذ أبو البنت أو أخوها زيادة عن خمسة وعشرين ألف ريال، تأخذه القبيلة، أي المبلغ الزائد، وتضعه في(21/87)
صندوق القبيلة، الذي يدفع على المحتاجين، فهل يجوز أخذ المبلغ الزائد، أو ترجيعه إلى المتزوج، حيث إن أخذه يكون جزاء رادعا لإخلاله بما اشترطته القبيلة؟ (1)
ج: إذا اصطلحت القبيلة في هذا الأمر، على مهر اتفقوا عليه لصالح نسائهم وشبابهم، فلا يجوز لواحد أن يخالف هذا الاصطلاح، والاتفاق الذي وقع في مصلحة الجميع، إذا اتفقت القبيلة أو أهل القرية على مهر معين، لصالح شبابهم وفتياتهم، فالواجب على كل واحد منهم أن ينفذ هذا الأمر، الذي اتفقوا عليه، وأن لا يخل به؛ لأن الإخلال به فيه إخلال بالمصلحة العامة لأهل القرية، أو القبيلة، فإن زاد على الحد المحدود، فإنها تؤخذ منه الزيادة، وتجعل في مصلحة القبيلة، أو مصلحة القرية التي اتفقت على هذا المهر المعين، وهذا نوع من التعزير، للذي يخالف المصلحة العامة.
__________
(1) من أسئلة حج عام 1407 هـ.(21/88)
البنت أحق بمهرها
س 46: عندما يتقدم شخص لابنتي للزواج ويقدم مهرا قدره مثلا خمسون ألف ريال، أرده عليه، وأكتفي بألفين(21/88)
أو ثلاثة، كما يفعل بعض الناس، فهل لي حق في رده، مع أنه حق للبنت، وهل لو أعنتها ببعض جهازها يعتبر مثل إعانة الأولاد؟ أرجو من سماحتكم توجيهنا وإفتاءنا في مثل هذه الأمور التي أحوجت إليها الأوضاع، والسلام عليكم (1) .
ج: ليس لك أن ترد شيئا من مهرها إلا بإذنها إذا كانت رشيدة؛ لأن الحق لها في ذلك، ويجوز لك أن تعينها في شئون الزواج إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما أعنت إخوانها. والله الموفق.
__________
(1) استفتاء مقدم لسماحته من السائل ع. ج. وأجاب عنه سماحته في 27\ 5\ 1419 هـ.(21/89)
حكم
تقديم بعض المهر أو تأخيره
س 47: هل يجب أن يقبض صداق المرأة عند تسميته أو عند العقد، أم يكتفي بتسميته، ويجوز تأجيله إلى وقت لاحق بعد الزواج؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذه المسألة ترجع إلى اتفاق الزوجين، أو الزوج
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الأول.(21/89)
وولي المرأة، إذا اتفقا على شيء فلا بأس به، من تعجيل أو تأجيل، كل ذلك واسع والحمد لله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم (1) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج (2) » .
فإذا اتفقا على أن المهر يقدم أو يؤخر، أو يقدم بعضه ويؤخر بعضه فكل ذلك لا بأس به، لكن السنة أن يسمي شيئا عند العقد؛ لقوله سبحانه وتعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (3) فيسمي شيئا من المهر، فإن سمى شيئا فهو حسن، وإن قال: على مهر مؤجل، وهو معلوم بينهما فلا بأس، أو مؤجل نصفه أو ثلثه أو ربعه، ويبين المعجل والمؤجل فلا بأس، كل ذلك واسع، والحمد لله.
__________
(1) رواه الترمذي في (الأحكام) باب ما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح برقم (1352) .
(2) رواه البخاري في (الشروط) باب الشروط في المهر برقم (2721) .
(3) سورة النساء الآية 24(21/90)
باب وليمة العرس(21/91)
صفحة فارغة(21/92)
48 - المكسر منكر وظلم
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
يحدث في بعض قرى الجنوب، أن الرجل إذا زوج ابنته أو قريبته خارج القرية، فإنه يدفع مبلغا من المال وقدره: ألفا ريال (2000 ريال) يسمى المكسر، ليذهبوا معه للزواج، يدفعه إجباريا، ومن لا يدفع هذا المبلغ فإنهم لا يذهبون معه رجالا ونساء، ولا تجاب الدعوة لحضور الوليمة، ومن يذهب معه فإنه يعاقب بمبلغ مادي تقدره الجماعة، ويعتبر عاصيا لجماعة القرية، علما بأن هذا المبلغ قد يأخذه والد البنت من صداقها، وهذا غالب، وقد يدفعه من ماله.
فما توجيهكم نحو هذا الأمر، وما الحكم في أخذ الجماعة هذا المبلغ لقاء الذهاب معه للقرية التي تزوجت فيها البنت، سواء أخذ والدها هذا المبلغ من صداق البنت، أو من ماله يدفعه للجماعة، علما بأن من يدفع ذلك المبلغ يكون مكرها على ذلك، لكن ليذهب معه جماعته يدفع هذا المبلغ، أفتونا جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) استفتاء شخصي أجاب عنه سماحته في 26\1\1419 هـ.(21/93)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
هذه العادة منكر وظلم، والواجب ترك ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » ، فالواجب على الجماعة التوبة إلى الله من ذلك، والتعاون على البر والتقوى، وعدم التعاون على الإثم والعدوان، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق لكل خير، والعافية من العادات الجاهلية، إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) رواه البخاري معلقا في باب النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(21/94)
إقامة حفلات الزواج في الفنادق وقصور الأفراح تكلف وإسراف
س 49: الحفلات التي تقام في الفنادق، وتكلف أموالا طائلة هل هي إسراف، وإن كانت إسرافا فنأمل من سماحتكم التنبيه على ذلك؟(21/94)
ج: الحفلات التي تقام في الفنادق فيها أخطاء، وفيها مؤاخذات متعددة منها أن الغالب أن بها إسرافا وزيادة لا حاجة إليها.
الأمر الثاني: أن ذلك يفضي إلى التكلف في اتخاذ الولائم، والإسراف في ذلك، وحضور من لا حاجة إليه.
والثالث: أنه قد يؤدي إلى اختلاط الرجال بالنساء من عمال الفندق وغيرهم، فيكون في هذا اختلاط مشين ومنكر، وهكذا قصور الأفراح التي تستأجر بنقود كثيرة، ينبغي تركها وعدم التكلف في ذلك رفقا بالناس، وحرصا على الاقتصاد وعدم الإسراف والتبذير، وحتى يتمكن المتوسطون في الدخل من الزواج وعدم التكلف؛ لأنه إذا رأى ابن عمه أو قريبه يتكلف في الفنادق وفي الولائم الكبيرة: إما أن يماثله ويشابهه فيتكلف الديون والنفقات الباهظة، وإما أن يتأخر ويتقاعس عن الزواج خوفا من هذه التكلفات.
فنصيحتي لجميع الإخوان المسلمين ألا يقيموها في الفنادق، ولا قصور الأفراح الغالية، بل تقام إما في قصر نفقته قليلة أو في البيوت، فهذا لا بأس به، وعدم إقامتها في قصور الأفراح، والاكتفاء بإقامتها في البيت حيث أمكن، ذلك أولى، وأبعد عن التكلف والإسراف. والله المستعان.(21/95)
الإسراف في الحفلات
س 50: ما رأي فضيلتكم فيما نراه من إسراف شديد في الأطعمة التي تقدم في الحفلات، والتي يكون مصيرها أكياس النفايات. وهل هناك حل؟
وأين توضع بقايا الأكل؟
ج: تقدمت الإجابة عن هذا الأمر في أنه لا يجوز؛ لأن الإسراف لا يجوز لا في الولائم بالزواج ولا في غير ذلك.
وينبغي على صاحب الوليمة أن يتحرى المطلوب الذي لا بد منه، أما الأشياء التي لا حاجة إليها فينبغي أن يتركها، والباقي يسلم للجهات التي تقبله مثل الجمعيات الخيرية، أو بعض الفقراء، أو العمال، ينقل إليهم.
فالواجب أن ينقل إلى من يستفيد منه، ولا يلقى في النفايات، ولا مع القمامات، ولا بقرب النجاسات، بل ينقل(21/96)
إلى المحتاجين، وإذا لم يكن هناك محتاجون فينقل إلى محل سليم، ليس في الطرقات ولا مع القاذورات، فلعله أن يأتي من يأكله من الناس أو الدواب، وحتى لا يمتهن.
وهذا عند الضرورة، أما إذا وجد من يأكله من عمال أو فقراء. فالواجب إيصاله إليهم، أو تجفيفه حتى ينقل لمحتاجين إليه، ولو علفا للدواب. وإذا حصل اقتصاد وعدم تكلف قلت الأطعمة الباقية.(21/97)
51 - وجوب شكر النعم والحذر من صرفها في غير مصارفها
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:
فقد يبتلي الله عباده بالفقر والحاجة كما حصل لأهل هذه البلاد في أول القرن الرابع عشر قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (1) {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (2)
كما يبتليهم بالنعم وسعة الرزق كما هو واقعنا اليوم ليختبر إيمانهم وشكرهم قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (3) والعاقبة الحميدة في كل ذلك للمتقين الذين تكون أعمالهم وفق ما شرع الله كالصبر والاحتساب في حال الفقر وشكر الله على النعم وصرف المال في مصارفه في حال الغنى.
ومن الاقتصاد صرف المال في مصارفه في المأكل والمشرب من غير تقتير على النفس والأهل، ولا إسراف في تضييع المال من غير حاجة وقد نهى الله عن ذلك
__________
(1) سورة البقرة الآية 155
(2) سورة البقرة الآية 156
(3) سورة التغابن الآية 15(21/98)
كله قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (1) وقال تعالى في النهي عن إضاعة المال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (2) الآية.
نهى الله جل وعلا في هذه الآية عن إعطاء الأموال للسفهاء؛ لأنهم يصرفونها في غير مصارفها فدل ذلك على أن صرفها في غير مصارفها أمر منهي عنه، وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (3) وقال سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (4) {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} (5) الآية.
والإسراف هو: الزيادة في صرف الأموال على مقدار الحاجة.
والتبذير: صرفها في غير وجهها.
وقد ابتلي الناس اليوم بالمباهاة في المآكل والمشارب خاصة في الولائم وحفلات الأعراس فلا يكتفون بقدر الحاجة وكثير منهم إذا انتهى الناس من الأكل ألقوا باقي الطعام في الزبالة والطرق الممتهنة.
وهذا من كفر النعمة وسبب في تحولها وزوالها، فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحاجة وإذا فضل شيء عن
__________
(1) سورة الإسراء الآية 29
(2) سورة النساء الآية 5
(3) سورة الأعراف الآية 31
(4) سورة الإسراء الآية 26
(5) سورة الإسراء الآية 27(21/99)
الحاجة بحث عمن هو في حاجته وإذا تعذر ذلك وضعه في مكان بعيد عن الامتهان لتأكله الدواب ومن شاء الله ويسلم من الامتهان.
والواجب على كل مسلم أن يحرص على تجنب ما نهى الله عنه وأن يكون حكيما في تصرفاته مبتغيا في ذلك وجه الله شاكرا لنعمه، حذرا من التهاون بها وصرفها في غير مصارفها قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (1) وقال عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (2) وأخبر سبحانه أن الشكر يكون بالعمل لا بمجرد القول فقال سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (3) فالشكر لله سبحانه يكون بالقلب واللسان والعمل، فمن شكر الله قولا وعملا زاده من فضله وأحسن له العاقبة، ومن كفر بنعم الله ولم يصرفها في مصارفها فهو على خطر عظيم وقد توعده الله بالعذاب الشديد.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ويمنحهم الفقه في دينه وأن يوفقنا وإياهم لشكر نعمه والاستعانة بها على طاعته ونفع عباده إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) سورة إبراهيم الآية 7
(2) سورة البقرة الآية 152
(3) سورة سبأ الآية 13(21/100)
التذكير في مناسبات الزواج
س 52: هل يشرع تذكير الناس في حفلات الزواج، ولا سيما أنه تجتمع فئات كثيرة قد لا تسمع الذكر إلا نادرا؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: من المناسب جدا تذكير المجتمعين في حفلات الزواج، من الرجال والنساء، بما يجب عليهم من حق الله، وطاعته، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والحذر من كل ما نهى الله عنه، مع التشجيع على الزواج، والحث على تقليل التكاليف، حتى يكثر الزواج والإعفاف للرجال والنساء.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1561) في 21\ 5\ 1417 هـ.(21/101)
53 - الأدلة من الكتاب والسنة
تحرم الأغاني والملاهي وتحذر منها.
لقد اطلعت على ما نشرته مجلة الرائد، في عددها السابع والستين، والثامن والستين، بقلم أبي تراب الظاهري، تحت عنوان: " الكتاب والسنة لم يحرما الغناء ولا استعمال المعازف والمزامير والاستماع إليها " وتأملت ما ذكره في هذا المقال من الأحاديث والآثار، وما اعتمده في القول بحل الغناء وآلات الملاهي، تبعا لإمامه أبي محمد ابن حزم الظاهري، فتعجبت كثيرا من جرأته الشديدة، تبعا لإمامه أبي محمد على القول بتضعيف جميع ما ورد من الأحاديث في تحريم الغناء وآلات الملاهي، بل على ما هو أشنع من ذلك، وهو القول بأن الأحاديث الواردة في ذلك موضوعة، وعجبت أيضا من جرأتهما الشديدة الغريبة على القول بحل الغناء، وجميع آلات الملاهي، مع كثرة ما ورد في النهي عن ذلك، من الآيات والأحاديث والآثار عن السلف الصالح رضي الله عنهم، فنسأل(21/102)
الله العافية والسلامة من القول عليه بغير علم، والجرأة على تحليل ما حرمه الله من غير برهان. ولقد أنكر أهل العلم قديما على أبي محمد هذه الجرأة الشديدة وعابوه بها، وجرى عليه بسببها محن كثيرة، فنسأل الله أن يعفو عنا وعنه وعن سائر المسلمين. ولقد حذر الله عباده من القول عليه بغير علم، ونهاهم سبحانه أن يحرموا أو يحللوا بغير برهان، وأخبر عز وجل أن ذلك من أمر الشيطان وتزيينه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1) وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (2) {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (4) {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (5) فحذر الله سبحانه عباده في هذه الآيات الكريمات من التحليل والتحريم بغير علم، وبين سبحانه أن القول عليه بغير علم في رتبة رهيبة فوق الشرك، ونبه عباده على أن الشيطان يحب منهم
__________
(1) سورة الأعراف الآية 33
(2) سورة النحل الآية 116
(3) سورة النحل الآية 117
(4) سورة البقرة الآية 168
(5) سورة البقرة الآية 169(21/103)
القول على الله بغير علم، ويأمرهم به؛ ليفسد عليهم بذلك دينهم وأخلاقهم ومجتمعهم، فالواجب على كل مسلم أن يحذر القول على الله بغير علم، وأن يخاف الله سبحانه، ويراقبه فيما يحلل ويحرم، وأن يتجرد من الهوى والتقليد الأعمى، وأن يقصد أيضا حكم الله لعباد الله، على الوجه الذي بينه الله في كتابه، أو أرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، نصحا لله ولعباده، وحذرا من كتمان العلم، ورغبة في ثواب الله على ذلك، فنسأل الله لنا ولسائر إخواننا التوفيق لهذا المسلك، الذي سلكه أهل العلم والإيمان، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه على كل شيء قدير، وأنا ذاكر لك أيها القارئ - إن شاء الله - ما وقع في كلام أبي تراب وإمامه أبي محمد من الأخطاء، وموضح لك ما ورد من الآيات والأحاديث الصحيحة والآثار في تحريم الغناء وآلات الملاهي، وذاكر من كلام أهل العلم في هذا الباب ما يشفي ويكفي، حتى تكون من ذلك على صراط مستقيم، وحتى يزول عن قلبك- إن شاء الله- ما قد علق به من الشبه والشكوك، التي قد يبتلى بها من سمع مقال أبي تراب وأضرابه من الكتاب، وبالله نستعين، وعليه نتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال أبو تراب: " وتحقيق المسألة أن الغناء وآلاته والاستماع إليه مباح، لم يرد في الشريعة - التي جاء بها محمد(21/104)
صلى الله عليه وسلم- نص ثابت في تحريمه البتة، والأدلة تؤخذ من الأصلين هما الكتاب والسنة، وما سواهما فهو شغب وباطل مردود، ولا يحل لمؤمن أن يعدو حدود الله قطعا. . . إلى أن قال في أثناء مقاله:. . . قال الحافظ أبو محمد ابن حزم: بيع الشطرنج والمزامير والعيدان والمعازف والطنابير، حلال كله، من كسر شيئا من ذلك ضمنه إلا أن يكون صورة مصورة، فلا ضمان على كاسرها، لما ذكرنا من قبل، لأنها مال من مال مالكها ". أقول: لقد أخطأ أبو محمد، وأخطأ بعده أبو تراب في تحليل ما حرم الله من الأغاني وآلات الملاهي، وفتحا على الناس أبواب شر عظيم، وخالفا بذلك سبيل أهل الإيمان، وحملة السنة والقرآن، من الصحابة وأتباعهم بإحسان، وإن ذلك لعظيم، وخطره جسيم، فنسأل الله لنا وللمسلمين العافية من زيغ القلوب ورين الذنوب، وهمزات الشيطان، إنه جواد كريم.
ولقد ذهب أكثر علماء الإسلام، وجمهور أئمة الهدى إلى تحريم الأغاني وجميع المعازف، وهي آلات اللهو كلها، وأوجبوا كسر آلات المعازف وقالوا: لا ضمان على متلفها، وقالوا: إن الغناء إذا انضم إليه آلات المعازف، كالطبل والمزمار والعود وأشباه ذلك، حرم بالإجماع، إلا ما يستثنى من ذلك من دق النساء في العرس ونحوه، على ما يأتي بيانه -(21/105)
إن شاء الله تعالى- وقد حكى أبو عمرو بن الصلاح إجماع علماء المسلمين على ما ذكرنا من تحريم الأغاني والمعازف إذا اجتمعا، كما سيأتي نص كلامه فيما نقله عنه العلامة ابن القيم رحمه الله، وما ذلك إلا لما يترتب على الغناء وآلات اللهو من قسوة القلوب، ومرضها، وصدها عن القرآن الكريم، واستماع العلوم النافعة، ولا شك أن ذلك من مكائد الشيطان، التي كاد بها الناس، وصاد بها من نقص علمه ودينه، حتى استحسن سماع قرآن الشيطان ومزموره، بدلا من سماع كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد اشتد نكير السلف على من اشتغل بالأغاني والملاهي، ووصفوه بالسفه والفسق، وقالوا: لا تقبل شهادته، كما سيأتي بعض كلامهم في ذلك- إن شاء الله- وما ذلك إلا لما ينشأ عن الاشتغال بالغناء والمعازف من ضعف الإيمان، وقلة الحياء والورع، والاستخفاف بأوامر الله ونواهيه، ولما يبتلى به أرباب الغناء والمعازف من شدة الغفلة، والارتياح إلى الباطل، والتثاقل عن الصلاة، وأفعال الخير، والنشاط فيما يدعو إليه الغناء والمعازف من الزنا واللواط وشرب الخمور، ومعاشرة النسوان والمردان، إلا من عصم الله من ذلك. ومعلوم عند ذوي الألباب ما يترتب على هذه الصفات من أنواع الشر والفساد، وما في ضمنها من وسائل الضلال والإضلال، وإليك- أيها(21/106)
القارئ الكريم - بعض ما ورد في تحريم الأغاني والمعازف من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هاتين الآيتين ما نصه: لما ذكر حال السعداء، وهم الذين يهتدون بكتاب الله، وينتفعون بسماعه، كما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (3) الآية، عطف بذكر حال الأشقياء، الذين أعرضوا عن الانتفاع بسماع كلام الله، وأقبلوا على استماع المزامير والغناء والألحان وآلات الطرب، كما قال ابن مسعود في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (4) قال: هو والله الغناء. وروى ابن جرير، حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي،
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 7
(3) سورة الزمر الآية 23
(4) سورة لقمان الآية 6(21/107)
عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (1) فقال عبد الله بن مسعود: الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات (2) . حدثنا عمرو بن علي، حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا حميد الخراط، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء، أنه سأل ابن مسعود عن قول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (3) قال: الغناء؛ وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعلي بن بذيمة، وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (4) في الغناء والمزامير. وقال قتادة: قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (5) والله، لعله لا ينفق فيه مالا، ولكن شراؤه استجابة، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع، انتهى كلامه.
فتأمل- أيها القارئ الكريم- هاتين الآيتين الكريمتين، وكلام هذا الإمام في تفسيرهما، وما نقل عن أئمة السلف في
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) ذكره القرطبي في تفسيره (14\ 52) والطبري في تفسيره (21\ 61) وابن كثير في تفسيره (3\ 443) .
(3) سورة لقمان الآية 6
(4) سورة لقمان الآية 6
(5) سورة لقمان الآية 6(21/108)
ذلك، يتضح لك ما وقع فيه أرباب الأغاني والملاهي من الخطر العظيم، وتعلم بذلك صراحة الآية الكريمة في ذمهم وعيبهم، وأن اشتراءهم للهو الحديث، واختيارهم له، من وسائل الضلال والإضلال، وإن لم يقصدوا ذلك، أو يعلموه؛ وذلك لأن الله سبحانه مدح أهل القرآن في أول السورة، وأثنى عليهم بالصفات الحميدة، وأخبر أنهم أهل الهدى والفلاح، حيث قال عز وجل: {الم} (1) {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (2) {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} (3) {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (4) {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) ثم قال سبحانه بعد هذا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (6) الآية، وذلك يدل على ذم هؤلاء المشترين، وتعرضهم للضلال بعد الهدى، وما كان وسيلة للضلال والإضلال فهو مذموم، يجب أن يحذر ويبتعد عنه، وهذا الذي قاله الحافظ ابن كثير في تفسير الآية، قاله غيره من أهل التفسير، كابن جرير والبغوي والقرطبي وغير واحد، حتى قال الواحدي في تفسيره: أكثر المفسرين على أن لهو الحديث هو الغناء، وفسره آخرون بالشرك، وفسره جماعة بأخبار الأعاجم، وبالأحاديث الباطلة التي تصد عن الحق، وكلها
__________
(1) سورة لقمان الآية 1
(2) سورة لقمان الآية 2
(3) سورة لقمان الآية 3
(4) سورة لقمان الآية 4
(5) سورة لقمان الآية 5
(6) سورة لقمان الآية 6(21/109)
تفاسير صحيحة، لا منافاة بينها، والآية الكريمة تذم من اعتاد ما يصد عن سبيل الله ويلهيه عن كتابه، ولا شك أن الأغاني وآلات الملاهي من أقبح لهو الحديث الصاد عن كتاب الله وعن سبيله، قال أبو جعفر ابن جرير رحمه الله في تفسيره- لما ذكر أقوال المفسرين في لهو الحديث- ما نصه: والصواب من القول في ذلك أن يقال: عني به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله، مما نهى الله عن استماعه، أو رسوله؛ لأن الله تعالى عم بقوله {لَهْوَ الْحَدِيثِ} (1) ولم يخصص بعضا دون بعض، فذلك على عمومه، حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك. انتهى كلامه.
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (2) " من " في موضع رفع بالابتداء، {لَهْوَ الْحَدِيثِ} (3) الغناء، في قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، ثم بسط الكلام في تفسير هذه الآية، ثم قال: المسألة الثانية: وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به الذي يحرك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل والمجون، الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن، وذكر
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 6
(3) سورة لقمان الآية 6(21/110)
الخمور والمحرمات، لا يختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، كما كان في حفر الخندق، وحدو أنجشة وسلمة بن الأكوع، فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع الأغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام، انتهى كلامه.
وهذا الذي قاله القرطبي كلام حسن، وبه تجتمع الآثار الواردة في هذا الباب، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: «دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر رضي الله عنه، فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " دعهما " فلما غفل غمزتهما فخرجتا (1) » ، وفي رواية لمسلم: «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا (2) » . وفي
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب الحراب والدرق يوم العيد برقم (950) ومسلم في (صلاة العيدين) باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد برقم (892) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) باب سنة العيدين لأهل الإسلام برقم (952) ومسلم في (صلاة العيدين) باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد برقم (892) .(21/111)
رواية له أخرى: فقال صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد (1) » وفي بعض رواياته أيضا: «جاريتان تلعبان بدف (2) » ، فهذا الحديث الجليل يستفاد منه، أن كراهة الغناء وإنكاره وتسميته مزمار الشيطان، أمر معروف مستقر عند الصحابة رضي الله عنهم؛ ولهذا أنكر الصديق على عائشة غناء الجاريتين عندها، وسماه مزمار الشيطان، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم تلك التسمية، ولم يقل له: إن الغناء والدف لا حرج فيهما، وإنما أمره أن يترك الجاريتين، وعلل ذلك بأنها أيام عيد، فدل ذلك على أنه ينبغي التسامح في مثل هذا للجواري الصغار في أيام العيد؛ لأنها أيام فرح وسرور، ولأن الجاريتين إنما أنشدتا غناء الأنصار الذي تقاولوا به يوم بعاث، فيما يتعلق بالشجاعة والحرب، بخلاف أكثر غناء المغنين والمغنيات اليوم، فإنه يثير الغرائز الجنسية، ويدعو إلى عشق الصور، وإلى كثير من الفتن الصادة للقلوب عن تعظيم
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين برقم (988) ومسلم في (صلاة العيدين) باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد برقم (892) .
(2) رواه مسلم في (صلاة العيدين) باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد برقم (892) .(21/112)
الله ومراعاة حقه، فكيف يجوز لعاقل أن يقيس هذا على هذا، ومن تأمل هذا الحديث علم أن ما زاد على ما فعلته الجاريتان منكر، يجب التحذير منه حسما لمادة الفساد، وحفظا للقلوب عما يصدها عن الحق، ويشغلها عن كتاب الله وأداء حقه، وأما دعوى أبي تراب أن هذا الحديث حجة على جواز الغناء مطلقا، فدعوى باطلة؛ لما تقدم بيانه، والآيات والأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، كلها تدل على بطلان دعواه.
وهكذا الحديث الذي رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي، عن عامر بن سعد البجلي، أنه رأى أبا مسعود البدري وقرظة بن كعب وثابت بن يزيد، وهم في عرس وعندهم غناء، فقلت لهم: هذا وأنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: «إنه رخص لنا في الغناء في العرس، والبكاء على الميت من غير نوح (1) » ، فهذا الحديث ليس فيه حجة على جواز الغناء مطلقا، وإنما يدل على جوازه في العرس، لإعلان النكاح، ومن تأمل هذا الحديث عرف أنه دليل على منع الغناء، لا على جوازه، فإنه صلى الله عليه وسلم لما رخص لهم أغنية في العرس لحكمة معلومة، دل على منعه فيما سواه
__________
(1) ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (3\ 1306) وابن حزم في المحلى (9\62) .(21/113)
إلا بدليل خاص، كما أن الرخصة للمسافر في قصر الرباعية يدل على منع غيره من ذلك، وهكذا الرخصة للحائض والنفساء في ترك طواف الوداع يدل على منع غيرها من ذلك، والأمثلة لهذا كثيرة، وأيضا فإنكار عامر بن سعد على هؤلاء الصحابة الغناء وإقرارهم له على ذلك، دليل على أن كراهة الغناء والمنع منه أمر قد استقر عند الصحابة والتابعين وعرفوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله المستعان.
قال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان) ما نصه: ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين، سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن القرآن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسنه لها مكرا وغرورا، وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه، فقبلت وحيه، واتخذت لأجله القرآن مهجورا. . . إلى أن قال - رحمه الله -. . . ولقد أحسن القائل:
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة ... لكنه إطراق ساه لاهي(21/114)
وأتى الغناء, فكالحمير تناهقوا ... والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن ... فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا ... تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى ... زجرا وتخويفا بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن ... شهواتها يا ذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقا أغراضها ... فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع ... أسبابه, عند الجهول الساهي
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه ... خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه ... وانظر إلى النسوان عند ملاهي
وانظر إلى تمزيق ذا أثوابه ... من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي(21/115)
واحكم فأي الخمرتين أحق بالت ... حريم والتأثيم عند الله
وقال آخر:
برئنا إلى الله من معشر ... بهم مرض من سماع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على ... شفا جرف ما به من بنا
شفا جرف تحته هوة ... إلى درك كم به من عنا
وتكرار ذا النصح منا لهم ... لنعذر فيهم إلى ربنا
فلما استهانوا بتنبيهنا ... رجعنا إلى الله في أمرنا
فعشنا على سنة المصطفى ... وماتوا على تنتنا تنتنا
ولم يزل أنصار الإسلام وأئمة الهدى، تصيح بهؤلاء من أقطار الأرض، وتحذر من سلوك سبيلهم واقتفاء آثارهم من جميع طوائف الملة. انتهى كلامه رحمه الله.(21/116)
شبهة يجب أن تكشف:
زعم أبو تراب، تبعا لابن حزم، أن قوله سبحانه: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} (1) الآية. دليل على أن مشتري لهو الحديث من الأغاني والملاهي، لا يستحق الذم إلا إذا اشتراها لقصد الضلال أو الإضلال، أما من اشتراها للترفيه والترويح عن نفسه فلا بأس في ذلك، والجواب أن يقال: هذه شبهة باطلة من وجوه ثلاثة:
الأول: أن ذلك خلاف ما فهمه السلف الصالح من الصحابة والتابعين من الآية الكريمة، فإنهم احتجوا بها على ذم الأغاني والملاهي والتحذير منها، ولم يقيدوا ذلك بهذا الشرط الذي قاله أبو تراب، وهم أعلم الناس بمعاني كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم أعرف بمراد الله من كلامه ممن بعدهم.
الوجه الثاني: أن ذلك خلاف ظاهر الآية لمن تأملها؛ لأن الله سبحانه قال: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (2) فدل ذلك على أن هذا الصنف المذموم من الناس قد اشترى لهو الحديث، ليضل به عن سبيل الله بغير علم ولا شعور بالغاية، ولا قصد للإضلال أو الضلال، ولو كان اشترى لهو الحديث
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 6(21/117)
وهو يعلم أنه يضل به أو يقصد ذلك، لم يقل الله عز وجل: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1) ؛ لأن من علم أنه اشترى لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله، لا يقال له: إنه لا يعلم، وهكذا من قصد ذلك، لا يقال: إنه اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم؛ لأن من علم أن غايته الضلال أو قصد ذلك، قد اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بعلم وقصد، لا ليضل بغير علم، فتأمل وتنبه- أيها القارئ الكريم - يتضح لك الحق، وعليه تكون "اللام" في قوله {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (2) لام العاقبة، أو لام التعليل، آي تعليل الأمر القدري. ذكر ذلك الحافظ ابن كثير وغيره، وعلى كونها للعاقبة، يكون المعنى أن من اشترى لهو الحديث من الغناء والمعازف، تكون عاقبته الضلال عن سبيل الله، والإضلال واتخاذ سبيل الله هزوا، والإعراض عن آيات الله، استكبارا واحتقارا، وإن لم يشعر بذلك، ولم يقصده.
وعلى المعنى الثاني: وهو كونها لتعليل الأمر القدري، يكون المعنى أن الله سبحانه قضى وقدر على بعض الناس أن يشتري لهو الحديث ليضل به عن سبيل الله، وعلى كلا التقديرين فالآية الكريمة تفيد ذم من اشترى لهو الحديث، ووعيده بأن مصيره إلى الضلال والاستهزاء بسبيل الله، والتولي عن كتاب الله، وهذا هو الواقع الكثير، والمشاهد ممن اشتغل بلهو الحديث من
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 6(21/118)
الأغاني والمعازف، واستحسنها وشغف بها، يكون ماله إلى قسوة القلب والضلال عن الحق إلا من رحم الله، وقد دلت الشريعة الإسلامية الكاملة في مصادرها ومواردها على وجوب الحذر من وسائل الضلال والفساد والتحذير منها، حذرا من الوقوع في غاياتها، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب القليل الذي لا يسكر، حذرا من الوقوع في المسكر، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ما أسكر كثيره فقليله حرام (1) » . ونهى عن الصلاة بعد الصبح، وبعد العصر؛ لئلا يكون ذلك وسيلة إلى الوقوع فيما وقع فيه بعض المشركين من عبادة الشمس عند طلوعها وغروبها، ونظائر ذلك كثيرة يعرفها من له أدنى علم بالشريعة المطهرة، والله المستعان.
الوجه الثالث: أنه لو كان الذم مختصا بمن اشترى لهو الحديث لقصد الضلال أو الإضلال، لم يكن في تنصيص الرب عز وجل على لهو الحديث فائدة؛ لأن الذم حينئذ لا يختص به، بل يعم كل من فعل شيئا يقصد به الضلال أو الإضلال، حتى ولو كان ذلك الشيء محبوبا إلى الله سبحانه وتعالى، كمن اشترى مصحفا يقصد به التلبيس على الناس وإضلالهم، فإن
__________
(1) رواه الترمذي في (الأشربة) باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرام برقم (1865) والنسائي في (الأشربة) باب تحريم كل شراب أسكر كثيره برقم (5607) .(21/119)
المصحف محبوب إلى الله؛ لاشتماله على كلامه عز وجل، ولكنه سبحانه لا يحب من عباده أن يشتروه للتلبيس والإضلال، وإنما يشترى للاهتداء والتوجيه إلى الخير، وقد اعترف ابن حزم وأبو تراب بهذا الوجه، وزعما أن الآية تختص بهذا الصنف، وهو خطأ بين، وعدول بالآية عن معناها الصحيح، وإضاعة لمعناها الأكمل. فعرفت - أيها القارئ الكريم - من هذه الأوجه الثلاثة، كشف شبهة أبي تراب وبطلانها، واتضح لك أن الآية الكريمة حجة ظاهرة على ذم الأغاني والملاهي وتحريمها، وأنها وسيلة للضلال والإضلال والسخرية بسبيل الله، والإعراض عن كتابه، وإن لم يشعر مشتروها بذلك، وهذا هو الذي فهمه السلف الصالح من الآية الكريمة، وهم أولى بالاتباع رضي الله عنهم، وسبق لك كشف شبهة أبي تراب في تعلقه بحديث الجاريتين، وكشف شبهته الأخرى في تعلقه بحديث أبي مسعود البدري وصاحبيه في الرخصة لهم في الغناء وقت العرس، وأوضحنا فيما تقدم أن الحديثين المذكورين حجه ظاهرة على أبي تراب، وإمامه ابن حزم في النهي عن الأغاني والمنع منها، لا على جوازها. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وقد تكلم العلامة ابن القيم رحمه الله على الآية المتقدمة، وهي قوله تعالى:(21/120)
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (1) الآية، بكلام حسن يؤيد ما تقدم، وهذا نصه، قال رحمه الله: (قال الواحدي وغيره: أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء، قاله ابن عباس في رواية سعيد بن جبير ومقسم عنه، وقاله عبد الله بن مسعود في رواية أبي الصهباء عنه، وهو قول مجاهد وعكرمة، وروى ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (2) قال: هو الرجل يشتري الجارية تغنيه ليلا ونهارا.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: هو اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير، والاستماع إليه وإلى مثله من الباطل، وهذا قول مكحول، وهذا اختيار أبي إسحاق أيضا، وقال: أكثر ما جاء في التفسير، أن لهو الحديث هاهنا هو الغناء، لأنه يلهي عن ذكر الله تعالى، قال الواحدي: قال أهل المعاني: ويدخل في هذا كل من اختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن، وإن كان اللفظ قد ورد بالشراء، فلفظ الشراء يذكر في الاستبدال والاختيار، وهو كثير في القرآن، قال: ويدل على هذا ما قاله قتادة في هذه الآية: لعله أن لا يكون أنفق مالا، قال: وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 6(21/121)
الباطل على حديث الحق، قال الواحدي: وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء، قال: وأما غناء القينات، فذلك أشد ما في الباب، وذلك لكثرة الوعيد الوارد فيه، وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استمع إلى قينة صب في أذنيه الآنك يوم القيامة (1) » ، والآنك: الرصاص المذاب، وقد جاء تفسير لهو الحديث بالغناء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففي مسند الإمام أحمد، ومسند عبد الله بن الزبير الحميدي، وجامع الترمذي من حديث أبي أمامة، والسياق للترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبيعوا القينات، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام وفي مثل هذا نزلت هذه الآية (3) » .
وهذا الحديث وإن كان مداره على عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد الألباني عن القاسم، فعبيد الله بن زحر ثقة، والقاسم ثقة، وعلي ضعيف، إلا أن للحديث شواهد ومتابعات، سنذكرها إن شاء الله تعالى. ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث
__________
(1) ذكره المناوي في فيض القدير (6\ 60) .
(2) رواه الترمذي في (البيوع) باب ما جاء في كراهية بيع المغنيات برقم (1282) .
(3) سورة لقمان الآية 6 (2) {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(21/122)
بأنه الغناء، فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (1) فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء (2) ، يرددها ثلاث مرات، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء، قال الحاكم أبو عبد الله في التفسير من كتاب المستدرك: ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين: حديث مسند، وقال في موضع آخر من كتابه: هو عندنا في حكم المرفوع، وهذا وإن كان فيه نظر، فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله عز وجل في كتابه، فعليهم نزل، وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول صلى الله عليه وسلم علما وعملا، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة، فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل، ولا تعارض بين تفسير لهو الحديث بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكها وملوك الروم ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة، يشغلهم به عن القرآن، فكلاهما لهو الحديث.
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) ذكره القرطبي في تفسيره (14\ 52) والطبري في تفسيره (21\ 61) وابن كثير في تفسيره (3\ 443) .(21/123)
ولهذا قال ابن عباس: لهو الحديث، الباطل والغناء. فمن الصحابة من ذكر هذا، ومنهم من ذكر الآخر، ومنهم من جمعها، والغناء أشد لهوا، وأعظم ضررا من أحاديث الملوك وأخبارهم؛ فإنه رقية الزنا، ومنبت النفاق، وشرك الشيطان، وخمرة العقل، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل، لشدة ميل النفوس إليه، ورغبتها فيه. إذا عرف هذا، فأهل الغناء ومستمعوه لهم نصيب من هذا الذم، بحسب اشتغالهم بالغناء عن القرآن، وإن لم ينالوا جميعه، فإن الآيات تضمنت ذم من استبدل لهو الحديث بالقرآن؛ ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا، وإذا يتلى عليه القرآن ولى مستكبرا كأن لم يسمعه كأن في أذنيه وقرا، وهو الثقل والصمم، وإذا علم منه شيئا استهزأ به، فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا، وإن وقع بعضه للمغنين ومستمعيهم فلهم حصة ونصيب من هذا الذم، يوضحه أنك لا تجد أحدا عني بالغناء وسماع آلاته، إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى علما وعملا، وفيه رغبة عن استماع القرآن إلى استماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن، عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرآن، وربما حمله الحال على أن يسكت القارئ، ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني، ويستقصر نوبته، وأقل ما في هذا أن يناله نصيب وافر من هذا الذم إن لم(21/124)
يحظ به جميعه.
والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يحس بها، فأما من مات قلبه، وعظمت فتنته، فقد سد على نفسه طريق النصيحة {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1) انتهى كلامه رحمه الله.
ومن الآيات الدالة على ذم الأغاني والمعازف، وهي آلات الملاهي، قوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} (2) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (3) وقد فسر الصوت والزور بالغناء وآلات الملاهي، وفسر الصوت أيضا بكل صوت يدعو إلى باطل، وفسر الزور بكل منكر، ولا منافاة بين التفاسير، ومدلول الآيتين يعم ذلك كله، ولا ريب أن الأغاني والملاهي من أقبح الزور، ومن أخبث أصوات الشيطان؛ لما يترتب عليها من قسوة القلوب، وصدها عن ذكر الله وعن
__________
(1) سورة المائدة الآية 41
(2) سورة الإسراء الآية 64
(3) سورة الفرقان الآية 72(21/125)
القرآن، بل وعن جميع الطاعات إلا من رحم الله، كما قد سلف بيان ذلك. وأما الأحاديث الواردة في ذم الأغاني والملاهي فكثيرة، وأصحها ما رواه البخاري في صحيحه، حيث قال: وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن من أمتي أقوام، يستحلون الحر والحرير، والخمر والمعازف (1) » ، وهو صريح في ذم مستحلي المعازف، حيث قرنهم مع مستحلي الزنا والخمر والحرير، وحجة ظاهرة في تحريم استعمال المعازف، وهي آلات الملاهي، كالطنبور والعود، والطبل وغير ذلك من آلات الملاهي، وقد أجمع أهل اللغة على تفسير المعازف بآلات الملاهي، وما ذاك إلا لما يترتب عليها من قسوة القلوب ومرضها، واشتغالها عن الصلاة والقرآن، وإذا انضم إليه الغناء، صار الإثم أكبر، والفساد أعظم، كما سيأتي كلام أهل العلم في ذلك، وقد تقدم لك بعضه. وأما الحر، فيروى بالحاء المهملة والراء، وهو الفرج، والمراد به الزنا، ويروى
__________
(1) رواه البخاري معلقا، في (كتاب الأشربة) باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه. فتح الباري 10\ 52.(21/126)
بالخاء المعجمة والزاي، وهو نوع من الحرير، وقد أخذ علماء الإسلام بهذا الحديث، وتلقوه بالقبول، واحتجوا به على تحريم المعازف كلها، وقد أعله ابن حزم وأبو تراب بعده، تقليدا له بأنه منقطع بين البخاري رحمه الله وبين شيخه هشام بن عمار، لكونه لم يصرح بسماعه منه، وإنما علقه عنه تعليقا، وقد أخطأ ابن حزم في ذلك، وأنكر عليه أهل العلم هذا القول وخطئوه فيه؛ لأن هشاما من شيوخ البخاري، وقد علقه عنه جازما به، وما كان كذلك فهو صحيح عنده، وقد قبل منه أهل العلم ذلك، وصححوا ما علقه جازما به إلى من علقه عنه. وهذا الحديث من جملة الأحاديث المعلقة الصحيحة، ولعل البخاري لم يصرح بسماعه منه؛ لكونه رواه عنه بالإجازة، أو في معرض المذاكرة أو لكونه رواه عنه بواسطة بعض شيوخه الثقات، فحذفه اختصارا، أو لغير ذلك من الأسباب المقتضية للحذف.
وعلى فرض انقطاعه بين البخاري وهشام، فقد رواه عنه غيره متصلا، عن هشام بن عمار. . إلخ. . بأسانيد صحيحة، وبذلك بطلت شبهة ابن حزم ومقلده أبي تراب، واتضح الحق لطالب الحق، والله المستعان.
وإليك- أيها القارئ الكريم - كلام أهل العلم في هذا الحديث، وتصريحهم بخطأ ابن حزم في تضعيفه، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله- في فتح الباري لما ذكر هذا الحديث،(21/127)
وذكر كلام الزركشي، وتخطئته ابن حزم في تضعيفه، قال ما نصه: (وأما دعوى ابن حزم التي أشار إليها - يعني الزركشي - فقد سبقه إليها ابن الصلاح في علوم الحديث، فقال: التعليق في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها، وصورته صورة الانقطاع، وليس حكمه حكمه، ولا خارجا ما وجد ذلك فيه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف، ولا الثقات إلى أبي محمد ابن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (1) » الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا: "قال ابن هشام بن عمار " وساقه بإسناده، فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف، وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال، بشرط الصحيح، والبخاري قد يفعل مثل ذلك، لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا، وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب، التي لا يصحبها خلل الانقطاع) انتهى.
ثم قال الحافظ بعدما نقل كلام ابن الصلاح المذكور
__________
(1) رواه البخاري معلقا، في (كتاب الأشربة) باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه. فتح الباري 10\ 52- 54.(21/128)
بأسطر ما نصه: (وقد تقرر عند الحفاظ أن الذي يأتي به البخاري من التعاليق كلها بصيغة الجزم، يكون صحيحا إلى من علق عنه، ولو لم يكن من شيوخه، لكن إذا وجد الحديث المعلق من رواية بعض الحفاظ موصولا، إلى من علق بشرط الصحة، أزال الإشكال، ولهذا عنيت في ابتداء الأمر بهذا النوع، وصنفت كتاب " تعليق التعليق " وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي، وفي كلامه على علوم الحديث أن حديث هشام بن عمار، جاء عنه موصولا في مستخرج الإسماعيلي، قال: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا هشام بن عمار، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين، فقال: حدثنا محمد بن يزيد بن عبد الصمد، حدثنا هشام بن عمار، قال وأخرجه أبو داود في سننه، فقال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا بشر بن بكر، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بسنده) انتهى.
وقال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه في الإغاثة، لما ذكر هذا الحديث ما نصه:
(هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به، فقال: باب فيمن يستحل الخمر، ويسميه بغير اسمه، وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال:(21/129)
حدثني أبو عامر، أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني. . أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا كدا، فيبيتهم الله تعالى، ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة (1) » . ولم يصنع من قدح في صحة هذا الحديث شيئا كابن حزم، نصرة لمذهبه الباطل في إباحة الملاهي، وزعم أنه منقطع؛ لأن البخاري لم يصل سنده به، وجواب هذا الوهم من وجوه:
أحدها: أن البخاري قد لقي هشام بن عمار وسمع منه، فإذا قال: قال هشام، فهو بمنزلة قوله عن هشام.
الثاني: أنه لو لم يسمع منه فهو لم يستجز الجزم به عنه، إلا وقد صح عنده أنه حدث به، وهذا كثيرا ما يكون لكثرة ما رواه عنه، عن ذلك الشيخ وشهرته، فالبخاري أبعد خلق الله من التدليس.
الثالث: أنه أدخله في كتابه المسمى بالصحيح محتجا به، فلولا صحته عنده لما فعل ذلك.
__________
(1) رواه البخاري معلقا، في (كتاب الأشربة) باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.(21/130)
الرابع: أنه علقه بصيغة الجزم دون صيغة التمريض، فإنه إذا توقف في الحديث أو لم يكن على شرطه، يقول: ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر عنه، ونحو ذلك فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جزم وقطع بإضافته إليه.
الخامس: أنا لو أضربنا عن هذا كله صفحا، فالحديث صحيح متصل عند غيره، قال أبو داود في كتاب " اللباس ": حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس، قال سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثنا أبو عامر وأبو مالك، فذكره مختصرا، ورواه أبو بكر الإسماعيلي في كتابه " الصحيح " مسندا، فقال أبو عامر: ولم يشك. ووجه الدلالة منه: أن المعازف هي آلات اللهو كلها لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كان حلالا لما ذمهم على استحلالها، ولما قرن استحلالها باستحلال الخمر والخز، فإن كان بالحاء والراء المهملتين فهو استحلال الفروج الحرام، وإن كان بالخاء والزاي المعجمتين فهو نوع من الحرير، غير الذي صح عن الصحابة رضي الله عنهم لبسه، إذ الخز نوعان: أحدهما: من حرير، والثاني: من صوف، وقد روي هذا الحديث من وجهين، وقال ابن ماجه في سننه: حدثنا عبد الله بن سعيد،(21/131)
عن معاوية بن صالح، عن حاتم بن حريث، عن ابن أبي مريم، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير (1) » . وهذا إسناد صحيح، وقد توعد مستحلي المعازف فيه، بأن يخسف الله بهم الأرض، ويمسخهم قردة وخنازير، وإن كان الوعيد على جميع هذه الأفعال، فلكل واحد قسط في الذم والوعيد. وفي الباب عن سهل بن سعد الساعدي وعمران بن حصين، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة وأبي أمامة الباهلي، وعائشة أم المؤمنين وعلي بن أبي طالب وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن سابط، والغازي بن ربيعة. ونحن نسوقها لتقر بها عيون أهل القرآن، وتشجى بها حلوق أهل سماع الشيطان) ثم ساقها كلها. ولولا طلب الاختصار، لنقلتها لك- أيها القارئ الكريم- ولكني أحيل الراغب في الاطلاع عليها على كتاب الإغاثة، حتى يرى ويسمع ما تقر به عينه، ويشفى به قلبه، وهي على كثرتها، وتعدد مخارجها، حجة ظاهرة وبرهان
__________
(1) رواه ابن ماجه، في (كتاب الفتن) باب العقوبات، حديث رقم (4010) .(21/132)
قاطع على تحريم الأغاني والملاهي، والتنفير منها، تضاف إلى ما تقدم من الآيات والأحاديث الدالة على تحريم الأغاني والمعازف، ويدل الجميع على أن استعمالها والاشتغال بها من وسائل غضب الله، وحلول عقوبته، والضلال والإضلال عن سبيله، نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من ذلك، والسلامة من مضلات الفتن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأما كلام العلماء في الأغاني والمعازف، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فهو كثير جدا، وقد سبق لك بعضه، وإليك جملة من كلامهم على سبيل التكملة والتأييد لما تقدم، والله ولي التوفيق.
روى علي بن الجعد وغيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا، والمحفوظ أنه من كلام ابن مسعود رضي الله عنه. قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الإغاثة لما ذكر هذا الأثر ما نصه: (فإن قيل: فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي؟ قيل: هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها، ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها، وأنهم هم أطباء القلوب، دون المنحرفين عن طريقتهم، الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها، فكانوا كالمداوي من السقم(21/133)
بالسم القاتل، وهكذا والله فعلوا، بكثير من الأدوية التي ركبوها أو بأكثرها، فاتفق قلة الأطباء وكثرة المرضى، وحدوث أمراض مزمنة، لم تكن في السلف، والعدول عن الدواء النافع الذي ركبه الشارع، وميل المريض إلى ما يقوي مادة المرض، فاشتد البلاء وتفاقم الأمر، وامتلأت الدور، والطرقات والأسواق من المرضى، وقام كل جهول يطبب الناس. فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه، كنبات الزرع بالماء، فمن خواصه: أنه يلهي القلب، ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدا، لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانية شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صنو الخمر ورضيعه ونائبه وحليفه، وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما شريعة الوفاء التي لا تفسخ، وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب على محل التخيل، فيثير ما(21/134)
فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة؛ فبينما ترى الرجل وعليه سمة الوقار، وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن، فإذا استمع الغناء ومال إليه، نقص عقله وقل حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه وتخلى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى إيمانه، وثقل عليه قرآنه، وقال: يا رب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد. فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب، والزهزهة والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وثبة الذباب، ويدور دوران الحمار حول الدولاب، ويصفق بيديه تصفيق النسوان، ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران، وتارة يتأوه تأوه الحزين، وتارة يزعق زعقات المجانين، ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول:
أتذكر ليلة قد اجتمعنا ... على طيب السماع إلى الصباح؟
ودارت بيننا كأس الأغاني ... فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا نشاوى ... سرورا, والسرور هناك صاحي(21/135)
إذا نادى أخو اللذات فيه ... أجاب اللهو: حي على السماح
ولم نملك سوى المهجات شيئا ... أرقناها لألحاظ الملاح
وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم.
وأكثر ما يورث عشق الصور، واستحسان الفواحش، وإدمانه يثقل القرآن على القلب، ويكرهه إلى سماعه بالخاصية، وإن لم يكن هذا نفاقا، فما للنفاق حقيقة.
وسر المسألة: أنه قرآن الشيطان - كما سيأتي- فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبدا، وأيضا فإن أساس النفاق: أن يخالف الظاهر الباطن، وصاحب الغناء بين أمرين:
إما أن يتهتك فيكون فاجرا، أو يظهر النسك فيكون منافقا، فإنه يظهر الرغبة في الله والدار الآخرة، وقلبه يغلي بالشهوات، ومحبة ما يكرهه الله ورسوله من أصوات المعازف وآلات اللهو، وما يدعو إليه الغناء ويهيجه، فقلبه بذلك معمور، وهو من محبة ما يحبه الله ورسوله، وكراهة ما يكرهه قفر، وهذا محض النفاق. وأيضا فإن الإيمان قول وعمل: قول بالحق، وعمل بالطاعة، وهذا ينبت على الذكر وتلاوة(21/136)
القرآن. والنفاق قول الباطل وعمل البغي، وهذا ينبت على الغناء، وأيضا فمن علامات النفاق: قلة ذكر الله، والكسل عند القيام إلى الصلاة، ونقر الصلاة، وقل أن تجد مفتونا بالغناء إلا وهذا وصفه.
وأيضا: فإن النفاق مؤسس على الكذب، والغناء من أكذب الشعر، فإنه يحسن القبيح ويزينه ويأمر به، ويقبح الحسن ويزهد فيه، وذلك عين النفاق.
وأيضا: فإن النفاق غش ومكر وخداع، والغناء مؤسس على ذلك.
وأيضا: فإن المنافق يفسد من حيث يظن أنه يصلح، كما أخبر الله سبحانه بذلك عن المنافقين، وصاحب السماع يفسد قلبه وحاله من حيث يظن أنه يصلحه، والمغني يدعو القلوب إلى فتنة الشهوات، والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات. قال الضحاك: الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: (ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق في القلب، كما ينبت العشب على الماء. فالغناء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج فيه النفاق) .(21/137)
وبالجملة فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء، وحال أهل القرآن، تبين له حذق الصحابة ومعرفتهم بأدواء القلوب وأدويتها، وبالله التوفيق.
وقال ابن القيم في موضع آخر من (الإغاثة) : (قال الإمام أبو بكر الطرطوشي - وهو من أئمة المالكية - في خطبة كتابه في تحريم السماع: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونسأله أن يرينا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا فنجتبيه، وقد كان الناس فيما مضى يستتر أحدهم بالمعصية إذا واقعها، ثم يستغفر الله ويتوب إليه منها، ثم كثر الجهل، وقل العلم، وتناقص الأمر، حتى صار أحدهم يأتي المعصية جهارا، ثم ازداد الأمر إدبارا، حتى بلغنا أن طائفة من إخواننا المسلمين- وفقنا الله وإياهم- استزلهم الشيطان واستغوى عقولهم في حب الأغاني واللهو، وسماع الطقطقة والنقير، واعتقدته من الدين الذي يقربهم إلى الله، وجاهرت به جماعة المسلمين، وشاقت سبيل المؤمنين، وخالفت الفقهاء وحملة الدين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1) فرأيت أن أوضح الحق، وأكشف عن شبه
__________
(1) سورة النساء الآية 115(21/138)
أهل الباطل، بالحجج التي تضمنها كتاب الله وسنة رسوله، وأبدأ بذكر أقاويل العلماء، الذين تدور الفتيا عليهم في أقاصي الأرض ودانيها، حتى تعلم هذه الطائفة أنها خالفت علماء المسلمين في بدعتها، والله ولي التوفيق.
ثم قال: أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردها بالعيب، وسئل مالك رحمه الله عما رخص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفساق، قال: وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب. وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم، لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه) انتهى كلام الطرطوشي.
قلت: مراده بالطائفة التي أحبت الغناء واعتقدته من الدين، الذي يقربهم إلى الله، جماعة من الصوفية أحدثوا بدعة سمع الغناء، وزعموا أنه ينشطهم على العبادة، والتقرب إلى الله بأنواع القربان، فأنكر علماء زمانهم عليهم ذلك، وصاحوا بهم في كل جانب، وأجمع علماء الحق على أن ما أحدثته هذه الطائفة بدعة منكرة. وألف الطرطوشي كتابه المشار إليه في الرد عليهم، وبيان بطلان مذهبهم. ومن هنا يعلم القارئ أن المفتونين بسماع الغناء والملاهي طائفتان:(21/139)
الطائفة الأولى: اتخذته دينا وعبادة وهم شر الطائفتين، وأشدهما إثما وخطرا؛ لكونهم ابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله، وجعلوا الغناء والملاهي اللذين هما أداة الفسق والعصيان، دينا يتقربون به إلى الملك الديان.
والطائفة الثانية: اتخذوا الغناء والملاهي لهوا ولعبا، وترويحا عن النفوس، وتسليا بذلك عن مشاغل الدنيا وأتعابها، وهم مخطئون في ذلك، وعلى خطر عظيم من الضلال والإضلال، ولكنهم أخف من الطائفة الأولى؛ لكونهم لم يتخذوا ذلك دينا وعبادة، وإنما اتخذوه لهوا ولعبا وتجميما للنفوس، وقد صرح أهل العلم بتحريم هذا وهذا، وإنكار هذا وهذا.
ثم قال العلامة ابن القيم رحمة الله عليه بعدما نقل كلام الطرطوشي المتقدم ما نصه:
(قلت: مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب، وقوله فيه أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر. هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه، قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به، أو كان في جواره. وقال(21/140)
أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي: ادخل عليهم بغير إذنهم؛ لأن النهي عن المنكر فرض. فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض. قالوا: ويتقدم إليه الإمام إذا سمع ذلك من داره، فإن أصر حبسه، أو ضربه سياطا، وإن شاء أزعجه عن داره، وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.
وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه، وأنكروا على من نسب إليه حله، كالقاضي أبي الطيب الطبري، والشيخ أبي إسحاق، وابن الصباغ.
قال الشيخ أبو إسحاق في التنبيه: ولا تصح- يعني الإجارة- على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر، ولم يذكر فيه خلافا. وقال في المهذب: ولا يجوز على المنافع المحرمة كالغناء؛ لأنه محرم، فلا يجوز أخذ العوض عنه، كالميتة والدم.
فقد تضمن كلام الشيخ أمورا
أحدها: أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة.
الثاني: أن الاستئجار عليها باطل.
الثالث: أن أكل المال به أكل مال بالباطل، بمنزلة أكله عوضا عن الميتة والدم. الرابع: أنه لا يجوز لرجل بذل ماله للمغني، ويحرم عليه ذلك، فإنه بذل ماله في مقابلة محرم،(21/141)
وأن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة. الخامس: أن الزمر حرام. وإذا كان الزمر الذي هو أخف آلات اللهو حراما، فكيف بما هو أشد منه كالعود والطنبور واليراع. ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك، فأقل ما فيه أنه من شعار العشاق وشاربي الخمور.
وكذلك قال أبو زكريا النووي في روضته: القسم الثاني: أن يغني ببعض آلات الغناء بما هو من شعار شاربي الخمر، وهو مطرب، كالطنبور والعود والصنج وسائر المعازف والأوتار، يحرم استعماله واستماعه، قال: وفي اليراع وجهان، صحح البغوي التحريم. ثم ذكر عن الغزالي الجواز. قال: والصحيح تحريم اليراع وهو الشبابة.
وقد صنف أبو القاسم الدولعي كتابا في تحريم اليراع. وقد حكى أبو عمرو بن الصلاح الإجماع على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة والغناء، فقال في فتاويه:
وأما إباحة هذا السماع وتحليله، فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب، وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتبر بقوله في الإجماع والاختلاف، أنه أباح هذا السماع. والخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي، إنما نقل في الشبابة منفردة، والدف منفردا، فمن لا يحصل أو لا(21/142)
يتأمل ربما اعتقد اختلافا بين الشافعيين في هذا السماع الجامع هذه الملاهي، وذلك وهم بين من الصائر إليه، تنادي عليه أدلة الشرع والعقل، مع أن ليس كل خلاف يستروح إليه ويعتمد عليه، ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد. قال: وقولهم في السماع المذكور إنه من القربات والطاعات قول مخالف لإجماع المسلمين، ومن خالف إجماعهم، فعليه ما في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1)
وأطال الكلام في الرد على هاتين الطائفتين اللتين بلاء المسلمين منهم، المحللون لما حرم الله، والمتقربون إلى الله بما يباعدهم عنه. والشافعي وقدماء أصحابه والعارفون بمذهبه من أغلظ الناس قولا في ذلك، وقد تواتر عن الشافعي أنه قال: خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير، يصدون به الناس عن القرآن. فإذا كان هذا قوله في التغبير، وتعليله: أنه يصد عن القرآن وهو شعر يزهد في الدنيا يغني به مغن، فيضرب بعض الحاضرين بقضيب على نطع أو مخدة على توقيع غنائه، فليت شعري ما يقول في سماع التغبير عنده كتفلة في بحر، قد اشتمل على كل مفسدة وجمع كل محرم، فالله بين دينه وبين كل متعلم مفتون وعابد جاهل.
__________
(1) سورة النساء الآية 115(21/143)
قال سفيان بن عيينة: كان يقال: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.
ومن تأمل الفساد الداخل على الأمة وجده من هذين المفتونين. وأما مذهب الإمام أحمد، فقال عبد الله ابنه: سألت أبي عن الغناء، قال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق.
قال عبد الله: وسمعت أبي يقول: سمعت يحيى القطان يقول: لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع، وأهل مكة في المتعة، لكان فاسقا.
قال أحمد: وقال سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله. ونص على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره إذا رآها مكشوفة وأمكنه كسرها، وعنه في كسرها إذا كانت مغطاة تحت ثيابه وعلم بها روايتان منصوصتان، ونص في أيتام ورثوا جارية مغنية وأرادوا بيعها، فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة، فقالوا: إذا بيعت مغنية ساوت عشرين ألفا أو نحوها، وإذا بيعت ساذجة لا تساوي ألفين. فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة. ولو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الأيتام. وأما سماعه من المرأة الأجنبية أو الأمرد، فمن أعظم المحرمات(21/144)
وأشدها فسادا للدين. قال الشافعي رحمه الله: وصاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيه ترد شهادته، وأغلظ القول فيه، وقال: هو دياثة، فمن فعل ذلك كان ديوثا.
قال القاضي أبو الطيب: وإنما جعل صاحبها سفيها؛ لأنه دعا الناس إلى الباطل، ومن دعا الناس إلى الباطل كان سفيها فاسقا. قال: وكان الشافعي يكره التغبير وهو الطقطقة بالقضيب، ويقول: وضعته الزنادقة ليشغلوا به عن القرآن. قال: وأما العود والطنبور وسائر الملاهي فحرام، مستمعه فاسق، واتباع الجماعة أولى من اتباع رجلين مطعون عليهما. قلت: يريد بهما إبراهيم بن سعد، وعبيد الله بن الحسن، فإنه قال: وما خالف في الغناء إلا رجلان إبراهيم بن سعد، فإن الساجي حكى عنه أنه كان لا يرى به بأسا. والثاني عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة، وهو مطعون فيه) انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
ونقل القرطبي في تفسيره عن الطبري ما نصه: فقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه، وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري. انتهى.
قلت: وإبراهيم بن سعد، وعبيد الله بن الحسن العنبري، من ثقات أتباع التابعين، ولعل ما نقل عنهما من سماع الغناء إنما هو في الشيء القليل، الذي يزهد في الدنيا، ويرغب في(21/145)
الآخرة، وحملوهما على سماع الغناء المحرم، وهكذا ما يروى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، من سماع الغناء، وشراء الجواري المغنيات، يجب أن يحمل على الشيء اليسير، الذي لا يصد عن الحق، ولا يوقع في الباطل، مع أن ابن عمر والحسن البصري قد أنكرا عليه ذلك.
ومعلوم عند أهل العلم والإيمان أن الحق أولى بالاتباع، وأنه لا يجوز مخالفة الجماعة، والأخذ بالأقوال الشاذة من غير برهان، بل يجب حمل أهلها على أحسن المحامل، مهما وجد إلى ذلك من سبيل، إذا كانوا أهلا لإحسان الظن بهم؛ لما عرف من تقواهم وإيمانهم، وسبق لك أيها القارئ قول سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
وذكر القرطبي في تفسيره ما نصه، قال أبو الفرج: وقال القفال من أصحابنا: لا تقبل شهادة المغني والرقاص. قلت: وإذ قد ثبت أن هذا الأمر لا يجوز فأخذ الأجرة لا يجوز، وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على تحريم الأجرة على ذلك. انتهى ما نقله القرطبي.
وهذا آخر ما تيسر إملاؤه في هذه المسألة، أعني مسألة الأغاني والمعازف. ولو ذهبنا نتتبع ما جاء في ذلك من الأحاديث والآثار وكلام أهل العلم لطال بنا الكلام، وفيما(21/146)
تقدم كفاية ومقنع لطالب الحق. وأما صاحب الهوى فلا حيلة فيه، ونسأل الله لنا ولسائر المسلمين التوفيق لما يرضيه، والسلامة من أسباب غضبه، وموجبات نقمه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ونصيحتي لأبي تراب وغيره من المشغوفين بالغناء والمعازف، أن يراقبوا الله ويتوبوا إليه وأن ينيبوا إلى الحق؛ لأن الرجوع إلى الحق فضيلة، والتمادي في الباطل رذيلة، ولولا طلب الاختصار لنبهنا على جميع ما وقع في مقال أبي تراب من الأخطاء، وصاحب البصيرة يعرف ذلك مما تقدم، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم.(21/147)
حكم الغناء
س 54: قرأت في صحيفة عكاظ في العدد 6101 السبت 29 ربيع الثاني 1403 هـ في خبر مفاده: أن هناك مطربا سعوديا اعتزل الغناء، وفي إحدى الرحلات الجوية بين القاهرة وباريس التقى هذا المطرب بأحد رجال الدين وتجاذب معه أطراف الحديث حول الغناء ومشروعيته، ولم ينزل المطرب من الطائرة إلا وقد أقنعه رجل الدين بمشروعية الغناء بالأدلة والبراهين وعاد وقام بعدة أغان تعتبر باكورة إنتاجه.
هل الغناء مشروع في الإسلام وبالأدلة والبراهين أيضا خصوصا هذا النوع الخليع في الوقت الحاضر والمصحوب بالموسيقى؟ (1) .
ج: الغناء محرم عند جمهور أهل العلم وإذا كان معه آلة لهو كالموسيقى والعود والرباب ونحو ذلك حرم بإجماع المسلمين.
ومن أدلة ذلك قول الله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} (2)
__________
(1) نشر في مجلة الدعوة العدد (907) يوم 21 \ 11 \ 1403 هـ. وفي ج3 من هذا المجموع ص 433.
(2) سورة لقمان الآية 6(21/148)
فسره جمهور المفسرين: بالغناء، وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقسم على ذلك ويقول: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) .
وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (1) » الحديث رواه البخاري في صحيحه معلقا مجزوما به ورواه غيره بأسانيد صحيحة، والمعازف هي: الغناء وآلات اللهو وبهذا يعلم أن هذا الذي أفتى - إن صح النقل - بمشروعية الغناء قد قال على الله بغير علم وأفتى فتوى باطلة؛ سوف يسأل عنها يوم القيامة والله المستعان.
__________
(1) رواه البخاري معلقا في كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.(21/149)
حكم الاستماع إلى الأغاني
س55: ما حكم الاستماع إلى الأغاني؟ (1)
ج: الاستماع إلى الأغاني لا شك في حرمته وما ذاك إلا لأنه يجر إلى معاص كثيرة وإلى فتن متعددة، ويجر إلى
__________
(1) نشر في المجلة العربية وفي ج3 من هذا المجموع ص 434.(21/149)
العشق والوقوع في الزنا والفواحش واللواط ويجر إلى معاص أخرى كشرب المسكرات ولعب القمار وصحبة الأشرار، وربما أوقع في الشرك والكفر بالله على حسب أحوال الغناء واختلاف أنواعه، والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2)
فأخبر سبحانه أن بعض الناس يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله قرئ ليضل بضم الياء وقرئ ليضل بفتح الياء مع كسر الضاد فيهما، واللام للتعليل والمعنى أنه بتعاطيه واستعاضته لهو الحديث وهو الغناء يجره ذلك إلى أن يضل في نفسه ويضل غيره، يضل بسبب ما يقع في قلبه من القسوة والمرض فيضل عن الحق لتساهله بمعاصي، الله ومباشرته لها، وتركه بعض ما أوجب الله عليه مثل ترك الصلاة في الجماعة وترك بر الوالدين ومثل لعب القمار والميل إلى الزنا والفواحش واللواط إلى غير ذلك مما قد يقع بسبب الأغاني.
قال أكثر المفسرين: (معنى لهو الحديث في الآية الغناء) وقال جماعة آخرون: (كل صوت منكر من أصوات الملاهي
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 7(21/150)
فهو داخل في ذلك كالمزمار والربابة والعود والكمان وأشباه ذلك وهذا كله يصد عن سبيل الله ويسبب الضلال والإضلال) .
وثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل أحد علماء الصحابة رضي الله عنهم أنه قال في تفسير الآية (إنه والله الغناء وقال إنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) والآية تدل على هذا المعنى فإن الله قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) يعني: يعمي عليه الطريق كالسكران؛ لأن الغناء يسكر القلوب ويوقع في الهوى والباطل فيعمى عن الصواب إذا اعتاد ذلك حتى يقع في الباطل من غير شعور بسبب شغله بالغناء وامتلاء قلبه به وميله إلى الباطل وإلا عشق فلانة وفلان وإلى صحبة فلانة وفلان، وصداقة فلانة وفلان {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} (2) معناه: هو اتخاذ سبيل الله هزوا، وسبيل الله هي دينه، والسبيل تذكر وتؤنث فالغناء واللهو يفضي إلى اتخاذ طريق الله لهوا ولعبا وعدم المبالاة في ذلك وإذا تلي عليه القرآن تولى واستكبر وثقل عليه سماعه لأنه اعتاد سماع الغناء وآلات الملاهي فيثقل عليه سماع القرآن ولا يستريح لسماعه وهذا من العقوبات
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 6(21/151)
العاجلة.
فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك وهكذا على كل مؤمنة الحذر من ذلك، وجاء في المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب وأنها وسيلة إلى شر كثير وعواقب وخيمة وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه [إغاثة اللهفان] الكلام في حكم الأغاني وآلات اللهو فمن أراد المزيد من الفائدة فليراجعه فهو مفيد جدا والله المستعان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(21/152)
حكم الاستماع إلى الموسيقى
س56: ما حكم الاستماع إلى الموسيقى؟ (1)
ج: الموسيقى وغيرها من آلات اللهو كلها شر وبلاء، ولكنها مما يزين الشيطان التلذذ به والدعوة إليه حتى يشغل النفوس عن الحق بالباطل، وحتى يلهيها عما أحب الله إلى ما كره الله وحرم فالموسيقى والعود وسائر أنواع الملاهي كلها منكر ولا يجوز الاستماع إلا وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) وفي ج3 من هذا المجموع ص 436(21/152)
الحر والحرير والخمر والمعازف (1) » والحر هو: الفرج الحرام - يعني الزنا - والمعازف هي: الأغاني وآلات الطرب.
وأوصيك وغيرك من النساء والرجال بالإكثار من قراءة القرآن الكريم والاستماع لبرنامج [نور على الدرب] ، ففيهما فوائد عظيمة وشغل شاغل عن سماع الأغاني وآلات الطرب، وفق الله الجميع لكل ما يحب ويرضى إنه سميع مجيب.
__________
(1) رواه البخاري معلقا في (كتاب الأشربة) باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.(21/153)
حكم الأغاني في الإسلام
لقد اطلعت على ما كتبته بعض الصحف المحلية عن بعض الكتاب من الدعوة إلى تزويد الإذاعة السعودية بالأغاني والمطربين المشهورين والمطربات المشهورات، تأسيا باليهود وأشباههم في ذلك ورغبة في جذب أسماع المشغوفين بالغناء والراغبين في سماعه من الإذاعات الأخرى إلى سماعه من الإذاعة السعودية، وقرأت أيضا ما كتبه فضيلة الشيخ عبد الملك بن إبراهيم والشيخ حسن بن عبد الله، وكاتب آخر لم يفصح عن اسمه من الرد على هذه الدعوة الحمقاء والفكرة النكراء والرغبة المنحرفة إلى أسباب الردى، فجزى الله أنصار الحق كل خير وهدى الله من حاد عنه إلى رشده وكفى المسلمين شره وفتنته.
أيها القارئ الكريم إن الإذاعة في حد ذاتها أداة ذات حدين إن أحسنت استعمالها فهي لك وإن أسأت استعمالها فهي عليك.
ولا شك أن الواجب في نفس الأمر شرعا وعقلا أن تكون هذه الأداة أداة تعمير وتوجيه وإرشاد إلى ما ينفع الأمة(21/154)
في الدين والدنيا، ولا يجوز بوجه من الوجوه أن تكون أداة تخريب وإفساد وإشغال للأمة بما يضرهم ولا ينفعهم، ولا ريب أيضا عند ذوي العقول الصحيحة والفطر السليمة أن تزويد الإذاعة بالأغاني والمطربين والمطربات من سبل الفساد والتخريب لا من سبل الإصلاح والتعمير ويا ليت هؤلاء الذين دعوا إلى التأسي باليهود وأشباههم في الأغاني ارتفعت همتهم فدعوا إلى التأسي بهم في إيجاد المصانع النافعة والأعمال المثمرة، ولكن وياللأسف انحطت أخلاق هؤلاء ونزلت همتهم حتى دعوا إلى التأسي بأعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المسلمين عموما والعرب خصوصا في خصلة دنيئة من سفاسف الأخلاق وسيئ الأعمال، بل من الأمراض المخدرة للشعوب والسالبة لحريتها وأفكارها، والصارفة لها عن معالي الأمور ومكارم الأخلاق وعن النشاط في ميادين الإصلاح إلى ضد ذلك ومن أراد أن يعرف مثالا لسقوط الهمم وضعف التفكير وانحطاط الأخلاق فهذا مثاله، دعوة من بلاد إسلامية إلى خلق من أحط الأخلاق يتأسى فيه بأمة من أحط الأمم وأشدها عداوة للإسلام والعرب وقد غضب الله عليها ولعنها، فالمتأسي بها له نصيب من ذلك، ولا شك أن هذا من آيات الله التي ميز بها بين عباده(21/155)
وجعلهم أصنافا متباينة، هذا همته فوق الثريا ينشد الإصلاح أينما كان، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويدعو إلى الأعمال المثمرة والمصانع النافعة للأمة في دينها ودنياها في عصر العلم المادي والجموح الفكري والتيارات الجارفة المتنوعة، وشخص آخر قد انحطت همته إلى الثرى يدعو إلى سفاسف الأمور وخبيث الأخلاق، يدعو إلى ما يضعف الأمة ويشغلها عن طرق الإصلاح وكسب القوة وعمارة البلاد بكل عمل جدي مثمر، يدعو إلى التأسي بالأمة العاملة في الخسيس لا في الحسن وفي الفساد لا في الإصلاح وفي الشر لا في الخير وفي ما يضر لا ما ينفع، هذه والله العبر التي لا يزال الله سبحانه يوجدها بين عباده؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة، فسبحان الله ما أعظم شأنه وسبحان الله ما أحكمه وأعلمه بأحوال عباده.
أيها القارئ الكريم إن تزويد الإذاعة بالأغاني والطرب وآلات الملاهي فساد وحرام بإجماع من يعتد به من أهل العلم، وإن لم يصحب الغناء آلة اللهو فهو حرام عند أكثر العلماء.
وقد علم بالأدلة المتكاثرة أن سماع الأغاني والعكوف عليها ولا سيما بآلات اللهو كالعود والموسيقى ونحوهما من أعظم مكائد الشيطان ومصائده التي صاد بها قلوب الجاهلين وصدهم بها عن سماع القرآن الكريم، وحبب إليهم(21/156)
العكوف على الفسوق والعصيان، والغناء هو قرآن الشيطان ومزماره ورقية الزنا واللواط والجالب لأنواع الشر والفساد.
وقد حكى أبو بكر الطرطوشي وغير واحد من أهل العلم عن أئمة الإسلام ذم الغناء وآلات الملاهي والتحذير من ذلك، وحكى الحافظ العلامة أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن جميع العلماء تحريم الغناء المشتمل على شيء من آلات الملاهي كالعود ونحوه وما ذاك إلا لما في الغناء وآلات الطرب من إمراض القلوب وإفساد الأخلاق والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ولا شك أن الغناء من اللهو الذي ذمه الله وعابه، وهو مما ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، ولا سيما إذا كان من مطربين ومطربات قد اشتهروا بذلك فإن ضرره يكون أعظم وتأثيره في إفساد القلوب أشد، قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) قال: الواحدي وغيره: (أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء انتهى) .
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 7(21/157)
وكان ابن مسعود رضي الله عنه - وهو أحد كبار الصحابة وعلمائهم - يحلف بالله الذي لا إله إلا هو على أن لهو الحديث هو الغناء.
وقال رضي الله عنه: (الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع) وقد ورد عن السلف من الصحابة والتابعين أثار كثيرة بذم الغناء وآلات الملاهي والتحذير من ذلك، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليكونن من أمتي أقواما يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (1) » رواه البخاري والحر هو الفرج الحرام والمراد بذلك الزنا، وأما المعازف فهي آلات الملاهي كلها كالموسيقى والطبل والعود والرباب والأوتار وغير ذلك.
قال: العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب: [الإغاثة] لا خلاف بين أهل اللغة في تفسير المعازف بآلات اللهو كلها) وخرج الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في أمتي قذف وخسف ومسخ فقال: رجل من المسلمين متى ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور (2) » ،
__________
(1) رواه البخاري معلقا في (كتاب الأشربة) باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.
(2) رواه الترمذي في (كتاب الفتن) باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف.(21/158)
وخرج أحمد في مسنده بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر (1) » والكوبة هي: الطبل، قاله سفيان أحد رواة الحديث.
وقد روي في ذم الغناء والملاهي أحاديث وآثار كثيرة لا تحتمل هذه الكلمة ذكرها، وفيما ذكرنا كفاية ومقنع لطالب الحق ولا شك أن الداعين إلى تزويد الإذاعة بالأغاني وآلات الملاهي قد أصيبوا في تفكيرهم حتى استحسنوا القبيح واستقبحوا الحسن، ودعوا إلى ما يضرهم ويضر غيرهم، ولم ينتبهوا للأضرار والمفاسد والشرور الناتجة عن ذلك، وما أحسن قول الله تعالى حيث يقول: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (2) وصدق الشاعر حيث يقول:
يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن.
__________
(1) رواه الإمام أحمد (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن عباس، الحديث رقم (2494) .
(2) سورة فاطر الآية 8(21/159)
وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن من دعا إلى ضلالة فعليه إثمها ومثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا.
ومن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا (1) » فيا له من خطر عظيم ووعيد شديد لمن حبذ الباطل.
ودعا إليه وإن نصيحتي لهؤلاء الداعين إلى الغناء والملاهي أن يتوبوا إلى الله من معصيتهم وأن يراجعوا الحق ويسألوا الله الهداية فهو خير لهم من التمادي في الباطل والله سبحانه يتوب على من تاب ويحلم على من عصى ويملي ولا يغفل.
نسأل الله لنا ولهم ولسائر المسلمين الهداية والعافية من نزغات الشيطان.
ومما تقدم من الأدلة والآثار وكلام أهل العلم يعلم كل من له أدنى بصيرة أن تطهير الإذاعات مما يضر الأمم واجب متحتم لا يسوغ الإخلال به سواء كانت الإذاعة شرقية أو
__________
(1) رواه مسلم في كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، حديث رقم (4831) .(21/160)
غربية إذا كانت تحت ولاية المسلمين، فكيف إذا كانت الإذاعة في مهبط الوحي ومنبع النور ومحل القبلة التي يوجه المسلمون إليها وجوههم أينما كانوا في اليوم والليلة خمس مرات، لا شك أنها أولى وأحق بالتطهير والصيانة من كل ما يضر المسلمين في دينهم أو دنياهم.
ولا ريب أن تزويدها بالأغاني وآلات الملاهي مما يضر المسلمين ضررا ظاهرا في دينهم ودنياهم، فوجب أن تصان وسائل إعلامنا من ذلك، وأن تكون وسائل إعلام إسلامية محضة تنشر الحق وتدعو إليه وتحذر من الباطل وتنفر منه، تزود الناس ما ينفعهم ويرضي الله عنهم في الدنيا والآخرة وتكون نبراسا يهتدي به المسلمون أينما كانوا، فتارة تزودهم بالعلوم النافعة والتوجيهات السديدة وتلاوة القرآن الكريم وتفسيره بما جاء عن الرسول والسلف الصالح، ونشر محاسن الإسلام وبيانه لهم سليما من شوائب الشرك والبدع، وطورا تسمعهم أحاديث طبية وأحاديث زراعية وتوجيهات تجارية وتعليمات تربوية وإرشادات منزلية إلى غير ذلك من أوجه النفع وطرق الإصلاح الديني والدنيوي.
هكذا يجب أن تكون وسائل إعلامنا، وهكذا يجب على المسئولين أن يوجهوها ويطهروها مما لا يليق بها، وأنهم والله مسئولون عن ذلك يوم القيامة أمام العزيز الجبار يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من(21/161)
أتى الله بقلب سليم.
ولقد أحسنت حكومتنا وفقها الله في إيجاد إذاعة خاصة بالقرآن الكريم والتفسير والأحاديث الدينية، وصارت بذلك قدوة لكثير من الدول الإسلامية، كما أحسنت في إيجاد البرنامج العظيم الفائدة، وهو برنامج نور على الدرب لما يشتمل عليه من استقبال أسئلة المسلمين في أنواع العلوم والإجابة عليها من جماعة من خواص أهل العلم والفقه في الدين، والسير على منهج السلف الصالح، فجزى الله حكومتنا عن ذلك أحسن الجزاء وأفضله وأدام توفيقها لكل خير وإني أتوجه بهذه الكلمة بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن جميع العلماء وعن جميع المسلمين الذين يغارون لله ويغضبون إذا انتهكت محارمه، أتوجه بذلك إلى جميع ولاة أمور المسلمين وأسألهم أن يصونوا وسائل الإعلام عن البرامج الهدامة ويطهروها من كل ما يضر المسلمين وأن لا يولوا على شئونها إلا من يخاف الله ويتقيه، وذلك مما أوجب الله عليهم وهم الرعاة للمسلمين، وكل راع مسئول عن رعيته.
فأسأل الله أن يوفقهم لإصلاح هذه الوسائل الإعلامية وأن يعينهم على صيانتها من كل ما يضر العباد والله المسئول بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين لكل خير وأن ينصر بهم الحق وأن(21/162)
يصون بهم الشريعة ويحمي بهم حماها من جميع البدع والمنكرات، وأن يصلح لهم البطانة ويمنحهم التوفيق في كل ما يأتون ويذرون، بأن يوفق جميع المسئولين في حكوماتهم للتمسك بالشرع والتعظيم لحرماته والحذر مما يخالفه إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه.(21/163)
حكم الغناء واجتماع الناس على آلات الملاهي والأغاني
س58: ما حكم الأغاني هل هي حرام أم لا، رغم أنني أسمعها بقصد التسلية فقط؟
وما حكم العزف على الربابة والأغاني القديمة؟
وهل القرع على الطبل في الزواج حرام بالرغم من أنني سمعت أنها حلال ولا أدري؟
أثابكم الله وسدد خطاكم.
ج: إن الاستماع إلى الأغاني حرام ومنكر، ومن أسباب مرض القلوب وقسوتها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة. وقد فسر أكثر أهل العلم قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين} (1) الآية: بالغناء. وكان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - يقسم على أن لهو الحديث هو: الغناء. وإذا كان مع الغناء آلة لهو كالربابة والعود والكمان
__________
(1) سورة لقمان الآية 6(21/164)
والطبل صار التحريم أشد، وذكر بعض العلماء أن الغناء بآلة لهو محرم إجماعا.
فالواجب الحذر من ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (1) » والحر هو: الفرج الحرام - يعني الزنا - والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب. وأوصيك وغيرك بسماع إذاعة القرآن الكريم وبرنامج نور على الدرب ففيهما فوائد عظيمة، وشغل شاغل عن سماع الأغاني وآلات الطرب.
أما الزواج فيشرع فيه ضرب الدف مع الغناء المعتاد الذي ليس فيه دعوة إلى محرم ولا مدح لمحرم في وقت من الليل للنساء خاصة لإعلان النكاح والفرق بينه وبين السفاح كما صحت السنة بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الطبل فلا يجوز ضربه في العرس، بل يكتفي بالدف خاصة، ولا يجوز استعمال مكبرات الصوت في إعلان النكاح وما يقال فيه من الأغاني المعتادة لما في ذلك من الفتنة العظيمة والعواقب الوخيمة وإيذاء المسلمين، ولا يجوز
__________
(1) رواه البخاري معلقا في كتاب الشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.(21/165)
أيضا إطالة الوقت في ذلك بل يكتفي بالوقت القليل الذي يحصل به إعلان النكاح، لأن إطالة الوقت تفضي إلى إضاعة صلاة الفجر والنوم عن أدائها في وقتها وذلك من أكبر المحرمات ومن أعمال المنافقين.(21/166)
س59: ما حكم ما يتعاطاه بعض الناس من الاجتماع على آلات الملاهي كالعود والكمان والطبل وأشباه ذلك وما يضاف إلى ذلك من الأغاني ويزعم أن ذلك مباح.
ج: قد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذم الأغاني وآلات الملاهي والتحذير منها، وأرشد القرآن الكريم إلى أن استعمالها من أسباب الضلال واتخاذ آيات الله هزوا، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) وقد فسر أكثر العلماء لهو الحديث: بالأغاني وآلات الطرب وكل صوت يصد عن الحق وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون
__________
(1) سورة لقمان الآية 6(21/166)
الحر والحرير والخمر والمعازف (1) » والمعازف هي: الأغاني وآلات الملاهي.
«أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي آخر الزمان قوم يستحلونها كما يستحلون الخمر والزنا والحرير» وهذه من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم فإن ذلك وقع كله، والحديث يدل على تحريمها وذم من استحلها، كما يذم من استحل الخمر والزنا، والآيات، والأحاديث في التحذير من الأغاني وآلات اللهو كثيرة جدا.
ومن زعم أن الله أباح الأغاني وآلات الملاهي فقد كذب وأتى منكرا عظيما نسأل الله العافية من طاعة الهوى والشيطان.
وأعظم من ذلك وأقبح وأشد جريمة من قال: إنها مستحبة، ولا شك أن هذا من الجهل بالله والجهل بدينه، بل من الجرأة على الله والكذب على شريعته، وإنما يستحب ضرب الدف في النكاح للنساء خاصة لإعلانه والتمييز بينه وبين السفاح، ولا بأس بأغاني النساء فيما بينهن مع الدف إذا كانت تلك الأغاني ليس فيها تشجيع على منكر ولا تثبيط عن واجب، ويشترط أن يكون ذلك فيما بينهن من غير مخالطة
__________
(1) رواه البخاري معلقا في كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه(21/167)
للرجال، ولا إعلان يؤذي الجيران، ويشق عليهم، وما يفعله بعض الناس من إعلان ذلك بواسطة المكبر فهو منكر لما في ذلك من إيذاء المسلمين من الجيران وغيرهم ولا يجوز للنساء في الأعراس ولا غيرها أن يستعملن غير الدف من آلات الطرب كالعود والكمان والرباب وشبه ذلك، بل ذلك منكر وإنما الرخصة لهن في استعمال الدف خاصة.
أما الرجال فلا يجوز لهم استعمال شيء من ذلك لا في الأعراس ولا في غيرها، وإنما شرع الله للرجال التدرب على آلات الحرب كالرمي وركوب الخيل والمسابقة بها وغير ذلك من أدوات الحرب كالتدرب على استعمال الرماح والدرق والدبابات والطائرات وغير ذلك كالرمي بالمدافع والرشاش والقنابل وكل ما يعين على الجهاد في سبيل الله.
وأسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يوفقهم للفقه في دينه وتعلم ما ينفعهم في جهاد عدوهم والدفاع عن دينهم وأوطانهم، إنه سميع مجيب.(21/168)
حكم سماع الأغاني الدينية والوطنية
س 60: سبق أن استفسرنا من فضيلتكم عن سماع الأغاني وأجبتمونا بأن الأغاني الماجنة حرام سماعها، لهذا ما حكم سماع الأغاني الدينية والوطنية وأغاني(21/168)
الأطفال وأعياد الميلاد، علما بأنها تكون دائما مصحوبة بعزف سواء في الراديو أو التلفزيون؟ (1)
ج: العزف حرام مطلقا، وجميع الأغاني إذا كانت مصحوبة بالعزف فهي محرمة، وأما أعياد الميلاد فهي بدعة، ويحرم حضورها والمشاركة فيها لقول الله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (2) الآية، قال أكثر المفسرين- لهو الحديث- هو الغناء ويلحق به أصوات المعازف، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (3) » والحر: بالحاء المهملة والراء الفرج الحرام، والحرير: معروف، والخمر: كل مسكر، والمعازف: الغناء وآلات اللهو، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما
__________
(1) نشر في ج1 من هذا المجموع ص 438.
(2) سورة لقمان الآية 6
(3) رواه البخاري في كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.(21/169)
ليس منه فهو رد (1) »
والاحتفال بالموالد من المحدثات: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولا أمر به وهو أنصح الناس للأمة وأعلمهم بشرع الله. وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوه، وهم أحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم، وأحرصهم على اتباع السنة ولو كان خيرا لسبقونا إليه، والأدلة في هذا كثيرة والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(21/170)
حكم استماع الأغاني العاطفية
سائلة من العراق تقول أنا أقوم بالواجبات الدينية من الصلاة والصوم وقراءة القرآن بكل إخلاص ومع ذلك استمع للأغاني العاطفية والخالية من ذكر الخمر وما شابه ذلك من المحرمات هل يصح ذلك أفيدونا أفادكم الله؟ (1) .
__________
(1) نشر في هذا المجموع ج 4 ص 147(21/170)
ج: ننصحك بألا تسمعي الأغاني مطلقا؛ لأنها شر ولأنها تفضي إلى فساد كبير في القلوب وننصحك بسماع إذاعة القرآن فإن فيها الخير الكثير، وسماع برنامج نور على الدرب، وسماع الأحاديث النافعة المفيدة، أما سماع الأغاني فاتركيها واحذريها، لأن شرها كبير وقد قال الله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (1) الآية. قال أكثر أهل العلم أن لهو الحديث هو الغناء وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) .
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه هو من أصحاب الرسول رضي الله عنه ومن علمائهم رضي الله عنهم أجمعين وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليكونن من أمتي أقواما يستحلون الحر والحرير والمعازف (2) » فأخبر أنه يكون في آخر الزمان قوم يستحلون المعازف وهي الملاهي والأغاني.
فنسأل الله أن يحمينا وإياكم وجميع المسلمين من شرها، وأن يثبت الجميع على الهدى إنه سميع قريب.
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) رواه البخاري معلقا في كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.(21/171)
الحكم على أمور مخالفة تحدث في ليلة الزفاف
س 62: تفضلتم وذكرتم أن إطالة الثوب بالنسبة للرجل محرم، وأيضا إذا كان بالنسبة للمرأة إذا كان تفاخرا فهو محرم. فما رأيكم بفستان الفرح الذي تسحبه العروس وراءها بطول 3 أمتار تقريبا، وما رأيكم أيضا في الأموال التي تدفع للمطربات في الزفاف؟
ج: أما ما يتعلق بالمرأة، فالسنة أن تضفي ثوبها شبرا، ولا تزيد على ذراع لأجل الستر وعدم إظهار القدمين، وأما الزيادة على ذراع فمنكر للعروس أو غيرها لا يجوز، وهذا إضاعة للأموال بغير حق في الملابس ذات الأثمان الغالية. فينبغي التوسط في الملابس، لا حاجة إلى ترصيعها بأشياء تهدر الأموال العظيمة، التي تنفع الأمة في دينها ودنياها.
وأما ما يتعلق بالمطربات فلا يجوز إحضارهن بالأموال الغالية، أما المغنية التي تغني غناء معتادا بسيطا خفيفا في وقت(21/172)
من الليل لإظهار الفرح، وإظهار السرور، وإظهار العرس فلا بأس، فالغناء في العرس والدف في العرس أمر جائز، بل مستحب إذا كان لا يفضي إلى شر لكن بين النساء خاصة في وقت من الليل ثم ينتهي بغير سهر أو مكبر صوت، بل بالأغاني المعتادة التي بها مدح للعروس، ومدح للزوج بالحق، أو أهل العروس، أو ما أشبه ذلك من الكلمات التي ليس فيها شر، ويكون بين النساء خاصة ليس معهن أحد من الرجال، ويكون بغير مكبر، هذا لا بأس به.
كالعادة المتبعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الصحابة. وأما التفاخر بالمطربات وبالأموال الجزيلة للمطربات فهذا منكر لا يجوز. وهكذا بالمكبرات؛ لأنه يحصل به إيذاء للناس، والسهر بالليل حتى تضيع صلاة الفجر، وهذا منكر يجب تركه.
نصيحة لمن يستمع إلى الأغاني من النساء
س 63: إن النساء عندنا يستمعن إلى الأغاني، فنرجو من سماحة الشيخ النصيحة؟ (1)
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، شريط رقم (11) . ونشر في هذا المجموع ج9 ص385.(21/173)
ج: نصيحتي لجميع الرجال والنساء عدم استماع الأغاني، فالأغاني خطرها عظيم وقد بلي الناس بها في الإذاعات والتلفاز وفي أشياء كثيرة كالأشرطة وهذا من البلاء، فالواجب على أهل الإسلام من الرجال والنساء أن يحذروا شرها، وأن يعتاضوا عنها بسماع ما ينفعهم من كلام الله عز وجل، ومن كلام رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن كلام أهل العلم الموفقين في أحاديثهم الدينية وندواتهم ومقالاتهم، كل ذلك ينفعهم في الدنيا والآخرة.
أما الأغاني فشرها عظيم وربما سببت للمؤمن انحرافا عن دينه والمؤمنة كذلك، وربما أنبتت النفاق في القلب، ومن ذلك كراهة الخير وحب الشر؛ لأن النفاق كراهة الخير وحب الشر، وإظهار الإسلام وإبطان سواه، فالنفاق خطره عظيم فالأغاني تدعو إليه، فإن من اعتادها ربما كره سماع القرآن وسماع النصائح والأحاديث النافعة وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وربما جرته إلى حب الفحش والفساد وارتياد الفواحش والرغبة فيها، والتحدث مع أهلها والميل إليهم، فالواجب على أهل الإيمان من الرجال والنساء الحذر من شرها، يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2)
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 7(21/174)
يقول علماء التفسير: إن لهو الحديث هو الغناء ويلحق بها كل صوت منكر كالمزامير وآلات الملاهي، هكذا قال أكثر علماء التفسير رحمة الله عليهم.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (هو والله الغناء) وكان يقسم على ذلك ويقول: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) يعني الزرع، ومعنى ذلك: أنه يسبب للإنسان كراهة الخير وحب الشر، وكراهة سماع الذكر والقرآن ونحو ذلك، وحب الأغاني والملاهي وأشباه ذلك، وهذا نوع من النفاق.
لأن المنافق يتظاهر بالإسلام وكراهة الباطل، يتظاهر أنه مؤمن وهو في الباطن ليس كذلك، يتظاهر بحب القرآن وهو في الباطن ليس كذلك، فالأغاني تدعو إلى ذلك، تدعو إلى كراهة سماع القرآن والاستماع له، وتدعو إلى كراهة سماع الذكر والدعوة إلى الله وتدعو أهلها إلى خلاف ذلك، وإلى حب المجون وحب الباطل وحب الكلام السيئ وحب الكلام بالفحش والفسوق ونحو ذلك، مما يسببه الغناء، ومما يجر إلى انحراف القلوب ومحبتها لما حرم الله وكراهتها لما شرع الله سبحانه وتعالى، وهذا واضح لكل من جرب ذلك، فإن من جرب ذلك وعرف ذلك يعلم هذا وهكذا الذين عرفوا أصحاب الغناء، وعرفوا أحوالهم وما يظهر عليهم من الانحراف والفساد بسبب حبهم للغناء وما فيه من شر عظيم وفساد كبير لمن اعتاد ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(21/175)
تحريم اختلاط الرجال بالنساء في الحفلات والعلاج بالموسيقى
س 64: ما حكم حفلات التوديع المختلطة من الجنسين، وما حكم العلاج بالموسيقى؟
ج: الحفلات لا تكون بالاختلاط، بل الواجب أن تكون حفلات الرجال للرجال وحدهم وحفلات النساء للنساء وحدهن، أما الاختلاط فهو منكر ومن عمل أهل الجاهلية نعوذ بالله من ذلك.
أما العلاج بالموسيقى فلا أصل له بل هو من عمل السفهاء، فالموسيقى ليست بعلاج ولكنها داء، وهي من آلات الملاهي، فكلها مرض للقلوب وسبب لانحراف الأخلاق، وإنما العلاج النافع والمريح للنفوس إسماع المرضى القرآن والمواعظ المفيدة والأحاديث النافعة، أما العلاج بالموسيقى وغيرها من آلات الطرب فهو مما يعودهم الباطل ويزيدهم مرضا إلى مرضهم، ويقل عليهم سماع القرآن والسنة والمواعظ المفيدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(21/176)
س 65: هل يجوز الاختلاط في الزواج ورقص الرجال مع النساء المحارم وغير المحارم؟ وإذا كان الرجال لوحدهم هل في ذلك شيء؟
ج: الزواج مشروع فيه الإعلان والإظهار والدف للنساء، أما اختلاط الرجال بالنساء فلا يجوز إذا كانوا أجانب لا يجوز بل هذا منكر يجب منعه. أما وجود بعض المحارم مع أخواته أو خالاته هذا لا يضر وجوده مع محارمه لكن كونه يرقص معهن هذا لا ينبغي لأنه قد يفضي إلى فساد وهذا من التخنث ولا يليق هذا بالرجل، وقد يفضي إلى شر وإن كان محرما لكن لا ينبغي أن يفعل ذلك. ينبغي أن يكون هذا للنساء خاصة ولا يتعرضن للرجال ولا يكون مع الرجال ثم هذا قد يفضي إلى سوء الظن وإلى التهمة لهذا الرجل ولهؤلاء النساء اللاتي يلعبن مع إخوانهن أو مع أخوالهن والإنسان على خطر فالشيطان يدعو إلى الفحشاء ولا يليق بالرجل أن يكون مع أخواته يرقص معهن أو خالاته بل ينبغي أن يبتعد عن هذا ويترفع عن هذا، أما مع الأجنبي فهذا حرام ومنكر بلا شك نسأل الله السلامة، والرجال وحدهم إذا كان بالسلاح والرمي أو بالأشعار العربية لا بأس وحدهم على حده، أما الطبول فلا، أو بالأغاني المنكرة(21/177)
جواز ضرب الدف للنساء في الزواج
س 66: ما هو الدف وهل يجوز استعماله في غير العرس وتغني النساء في غيره وما هو الطبل وهل يجوز استخدامه في عرس أو غيره؟
ج: الدف فيما ذكر العلماء أنه الطار الذي يكون له وجه واحد والوجه الثاني مفتوح يستعمله النساء في الأعراس هذا يجوز لهن في الأعراس؛ لأنه من باب إعلان النكاح يغنين معه بالغناء المعتاد الذي فيه مدح الزوج وأهله والزوجة وأهلها ونحو ذلك، أما إذا استعمل الطار والغناء فيما حرم الله في مدح الخمور أو مدح الزنا فهذا منكر ولو من النساء إنما الجائز الغناء المعتاد عادة النساء يمدحن أهل المرأة وأنهم كذا وأهل الزوج هذا لا بأس به، وهذا هو الجاري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس به ولا يجوز أن يكون فيه اختلاط بل يكون بين النساء خاصة ولا مانع من فعل الجواري الصغار للطار في العيد للجواري الصغار كما أذن لهن النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، أما الطبل فلا يجوز لأن شره أكثر وفتنته أكبر فلا يجوز استعمال الطبل.(21/178)
وضع الماء على قبر الزوجة الأولى ليلة الزواج بالثانية بدعة
س 67: عندنا في قريتنا عندما تتوفى زوجة الرجل ويتزوج غيرها يذهبون إلى قبرها ليلة زواجه بالزوجة الجديدة ويضعون عليه ماء، فما حكم هذا؟ (1)
ج: لا أصل لهذا وهو بدعة.
__________
(1) ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته بعد المحاضرة في جامع الطائف بتاريخ 5\ 2\ 1412 هـ(21/179)
صفحة فارغة(21/180)
باب عشرة النساء(21/181)
صفحة فارغة(21/182)
إنما الطاعة في المعروف
س 68: لي زوج وسافرت إلى الحج ولم يرض، ويقول إنه لن يحللني ولم يوافق وإني امرأة تحب الحج، فما الواجب طاعة الزوج أو الحج؟ (1)
ج: إن كان الحج فريضة. فالواجب تنفيذ أمر الله، وعليك حج الفريضة إذا استطعت-، ولو لم يرض الزوج. أما النافلة فلا، لا تحجين إلا بإذنه ولا تسافرين إلا بإذنه ولا تخرجين من البيت إلا بإذنه. أما حج الفريضة فلا، إنما الطاعة في المعروف لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إذا استطعت الحج فحجي.
__________
(1) من ضمن أسئلة حج عام 1418 هـ، سؤال رقم (25)(21/183)
وجوب طاعة الزوج في غير معصية الله
س 69: أنا متزوجة وزوجي يرفض أن آكل حبوب منع الحمل. حيث لا يحس بالتعب الذي ألاقيه، أنا متضررة، وقد أكلت حبوب منع الحمل دون علم زوجي، هل في ذلك حرج. علما بأنه يقول أرضعي الطفل وإلا ستحملين(21/183)
وقد نويت أن أتركها بعد الحج، فماذا علي؟ (1)
ج: إذا تيسر تركها فهو أحوط، أما إذا كان الضرر عظيما والمشقة كبيرة فلا بأس وإلا فتركها أحوط، وطاعة الزوج واجبة إلا إذا كان الضرر كبيرا ويشق عليك؛ لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) .
__________
(1) من ضمن أسئلة حج عام 1418 هـ سؤال رقم (13) .
(2) سورة التغابن الآية 16(21/184)
70 - لا يجوز لبس الثياب التي تصف البشرة
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا امرأة متزوجة أقوم أحيانا في منزلي بلبس الملابس الخفيفة التي تصف البشرة أو القصيرة التي تظهر إذا جلست ما فوق الركبة، وذلك لتسهيل الحركة عند تأدية أعمال المنزل ولتخفيف شدة الحر وكذلك لأتزين أمام زوجي، غير أن زوجي نصحني بعدم لبس تلك الملابس بسبب وجود أطفالنا الذين تتراوح أعمارهم من 3 إلى 9 سنوات وخشية ألا تزول المشاهد التي يرونها الآن عن ذاكرتهم إذا كبروا، لكنني لم أقبل نصيحته(21/184)
على أساس أن أطفالنا ما زالوا صغارا وكذلك لا يخشى عليهم الفتنة.
وحيث إن هذا الأمر قد شغل تفكيري ورغبة في أن أرضي ربي ولا أسخطه كتبت إليكم راجية تبيين الحكم الشرعي في ذلك والتوجيه بما ترون. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا يجوز لك لبس الثياب الرقيقة التي تصف العورة، ولو لم يكن عندك أحد، وهكذا اللباس القصير الذي فوق الركبة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك وقال: «الله أحق أن يستحيا منه من الناس (2) » .
وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
__________
(1) سؤال شخصي مقدم من السائلة ص. ن. س. وقد أجاب عنه سماحته في 3\ 8\ 1418 هـ
(2) أخرجه البخاري في (كتاب الغسل) باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر، والترمذي في (كتاب الأدب) باب ما جاء في حفظ العورة برقم (2693) وأبو داود في (كتاب الحمام) باب ما جاء في العري برقم (3501) وابن ماجه في (كتاب النكاح) باب التستر عند الجماع برقم (1910(21/185)
إتيان المرأة في دبرها من الكبائر
س 71: ما حكم إتيان الزوج امرأته في دبرها، وإذا حدث هذا عدة مرات، هل تطلق، وإذا كان الزوجان قد تابا من هذا العمل، فما حكمهما؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب؛ لكونه مخالفا لقوله سبحانه وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (2) ومحل الحرث هو القبل، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأته في دبرها (3) » . ومن تاب تاب الله عليه، والمرأة لا تطلق بذلك. لكن عليهما جميعا التوبة النصوح من ذلك. لقول الله عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (4) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التوبة تجب ما قبلها» ، وقوله صلى الله عليه
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1660) بتاريخ 4 جمادى الآخرة 1419هـ.
(2) سورة البقرة الآية 223
(3) أخرجه أبو داود في (النكاح) باب جامع النكاح برقم (1847) وابن ماجه في (كتاب النكاح) برقم (1913) وأحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7359) .
(4) سورة النور الآية 31(21/186)
وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (1) » ، والله ولي التوفيق.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في (كتاب الزهد) باب ذكر التوبة برقم (4240) .(21/187)
مباشرة الحائض فيما دون الفرج
س 72: إذا كانت هناك امرأة حائض ويريد زوجها أن يستمتع بها. ولكن هي تخاف من أن يتعدى الاستمتاع إلى ما هو ممنوع لذلك هي تبتعد عنه في فترة الاستمتاع، فهل تعتبر ناشزا؟ (1) .
ج: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح مع الحائض (2) » . فله أن يستمتع بالنوم معها وتقبيلها دون الوطء فإذا كانت تعرف أنه يتساهل فلا بأس أن تبتعد عنه لئلا تقع الجريمة المنكرة إذا كانت تعرف عنه التساهل وقلة الدين، أما إذا كانت تعرف عنه غير ذلك فلا بأس أن يستمتع بها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا الجماع (3) » .
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418 هـ، الشريط السادس
(2) أخرجه مسلم في (كتاب الحيض) باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله برقم (455) .
(3) أخرجه ابن ماجه في (كتاب الطهارة وسننها) برقم (286) .(21/187)
يجوز للرجل تعاطي ما يخفف شهوة النكاح
س 73: هل يجوز للرجل تعاطي بعض الأدوية لتخفيف شهوة النكاح؟ (1)
ج: لا بأس بذلك، ولكن لا يجوز له أن يتعاطى ما يقطعها، أما التخفيف فلا بأس به لما في ذلك من المصلحة الظاهرة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الصوم يخفف الشهوة، في قوله عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (2) » .
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1520) بتاريخ 15 \ 7\ 1416 هـ
(2) صحيح البخاري النكاح (5065) ، صحيح مسلم النكاح (1400) ، سنن الترمذي النكاح (1081) ، سنن النسائي الصيام (2240) ، سنن أبو داود النكاح (2046) ، سنن ابن ماجه النكاح (1845) ، مسند أحمد بن حنبل (1/378) ، سنن الدارمي النكاح (2166) .(21/188)
يجوز للزوج إلزام زوجته العاملة بالقرار في البيت
س 74: أنا مدرس وتزوجت بمدرسة منذ أربع سنوات ورزقنا بطفلة، ونحن خلال المدة المذكورة نعيش في مشاكل بسبب أهلها وأقاربها وأصحابها ولا أرى حلا(21/188)
سوى منعها عن العمل، هل يجوز لي ذلك؟ (1)
ج: يجوز لك منع زوجتك من العمل، وإلزامها بالقرار في بيتها، والتفرغ لتربية أولادها والعناية بأمرك، وليس لها أن تعمل خارج المنزل إلا برضاك وإذنك إذا قمت بما تحتاج إليه؛ لأنك القيم عليها كما في الآية من سورة النساء: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (2) .
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) العدد الرابع السنة الثالثة عام 1391هـ.
(2) سورة النساء الآية 34(21/189)
75 - الأولى للمرأة
أن تقوم بالعمل داخل البيت
س: إذا التزمت المرأة بالحجاب، فهل للزوج أو الوالي عليها إلزامها بإحضار الحطب من الوادي، وكذا إحضار الماء ورعي الغنم ومساعدته على الزراعة، كحصد الزرع ومختلف أنواع الزراعة، وهي متحجبة، أم أن عليه إبقاءها في البيت ويكلف بإحضار ما كان خارج البيت؟ .(21/189)
ج: إذا كان مثلها يقوم بهذه الأعمال، فإن عليها أن تقوم بها وهي متحجبة؛ لأن نساء المهاجرين والأنصار رضي الله عن الجميع، كن يساعدن أزواجهن في بعض الأعمال التي يقدرن عليها، وهم القدوة في الخير، والأولى للزوج أن يقوم بما هو خارج البيت، والمرأة تقوم بما هو داخل البيت، حيث تيسر ذلك، وهذه المسألة تختلف بحسب اختلاف عرف الناس. والواجب مراعاة الحدود الشرعية في جميع الأمور، وكل عرف يخالف الشرع المطهر يجب تركه، وأسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في الدين والثبات عليه إنه جواد كريم.
رئيس الجامعة الإسلامية(21/190)
حكم استعمال وسائل تنظيم الحمل
س 76: استعملت زوجتي وسيلة لتنظيم الحمل والنسل، وذلك لكونها أرهقت بالإنجاب المتتالي كل عام لعدة أعوام، وقد عزمت أنها بعد مرور خمس سنوات تترك هذه الوسيلة، علما بأنها قد وضعت أربعة أطفال أكبرهم عنده أربع سنوات ونصف، فما هو توجيهكم. جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: لا حرج في استعمال وسائل تنظيم النسل، لدفع الضرر، ولكن أن يكون ذلك في وقت الرضاع في السنة الأولى والثانية، حتى لا يضرها الحمل المتتابع، وحتى لا تمنع من التربية الشرعية لأطفالها، فإذا كانت تتضرر في الحمل على الحمل بتربية الأولاد أو صحتها فلا حرج في هذا التنظيم في حدود السنة والسنتين أيام الرضاع؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث على كثرة النسل، ويباهي بأمته الأمم يوم القيامة بقوله - صلى الله عليه ويسلم -: «تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم (2) » .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الأول.
(2) سنن النسائي النكاح (3227) ، سنن أبو داود النكاح (2050) .(21/191)
ترك التلقيح
الصناعي أولى من فعله
س 77: أنجبت زوجتي أربعة أطفال ولم تعد قادرة على الإنجاب مرة أخرى منذ أربع سنوات، واتفق الأطباء على تلقيحها صناعيا. علما بأنه لا يوجد في مستشفياتنا الحكومية، بل فقط في جدة، وقد رفضت إجراء العملية، فما الحكم؟ (1) .
ج: إن التلقيح الصناعي أجازه بعض أهل العلم المعاصرين، بشروط مهمة واحتياطات حتى لا يقع ما حرم الله عز وجل، ولكن أنا ممن توقف في ذلك وأنصح بعدم فعله؛ لأنه قد يفتح باب شر لا نهاية له، ولكن إذا كانت لا تستطيع الإنجاب، فالأربعة الذين حصلوا فيهم الكفاية والحمد لله، وفي إمكانه أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة ويأتي الله له برزق آخر من غير هذه المرأة فتركه أفضل.
__________
(1) من ضمن أسئلة حج عام 1406هـ، الشريط الثالث.(21/192)
78 - استعمال حبوب
منع الحمل عند الحاجة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. ق. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ في 23\9\1388هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن جواز استعمال حبوب منع الحمل كان معلوما.
والجواب: هذه المسألة فيها تفصيل: فإن كان الداعي إلى استعمالها هو تحديد من النسل فهذا حرام. أما إن كان استعمالها لأمر عارض كمرض المرأة وتضررها بالحمل أو لإيقاف الحمل حتى يفطم الطفل فهذا جائزة؛ لكونه لسبب عارض، وهذا الجواز رهن ببقاء ذلك السبب. أما في الحالة التي ذكرتها وهي عدم عناية المرأة بتربية أطفالها فهذه الحالة لا توجب استعمال تلك الحبوب، وبإمكانك توجيه المرأة ومساعدتها بقدر(21/193)
الإمكان على القيام بواجباتها تجاه أطفالها والصبر على ذلك، وإن أمكن وجود خادمة إن كنت ممن يقدر على ذلك لتعينها على مهمات البيت والأطفال فهو حسن.
ومن المعلوم أن المرأة ضعيفة، وقد أوصى بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - خيرا حيث قال: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم (1) » . ووصفها - صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر فقال: «إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، فإن حاولت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها (2) » ، والذي أرى للمحب احتساب الأجر في توجيهها والصبر عليها، وسوف يؤثر ذلك فيها في المستقبل إن شاء الله.
واعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حث على إنجاب الأولاد وقال: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة (3) » .
ولا شك أن ابن آدم «إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له (4) » ، أخبر
__________
(1) أخرجه الترمذي في (كتاب الرضاع) ما جاء في حق للمرأة على زوجها برقم (1083) وابن ماجه في (كتاب النكاح) برقم (1841) .
(2) أخرجه مسلم في (كتاب الرضاع) برقم (2670) .
(3) أخرجه أبو داود في (كتاب النكاح) برقم (1754) والنسائي في (كتاب النكاح) باب كراهية تزويج العقيم برقم (3175) .
(4) صحيح مسلم الوصية (1631) ، سنن الترمذي الأحكام (1376) ، سنن النسائي الوصايا (3651) ، سنن أبو داود الوصايا (2880) ، مسند أحمد بن حنبل (2/372) ، سنن الدارمي المقدمة (559) .(21/194)
بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولن تعدم إن شاء الله الولد الصالح من هؤلاء الأولاد الذين يتمناهم كثير من الناس، وقد ضقت بهم ذرعا فلا تدع لوساوس الشيطان طريقا إلى قلبك، واسأل الله سبحانه أن ينبتهم نباتا حسنا، وابذل وسعك بكل ما تستطيع من المساعدة في تربيتهم الإسلامية الصالحة، ولا مانع من استعمال الحبوب بين كل طفلين بقدر الحاجة الملحة لتربية الطفل والتفرغ له؛ لأن ذلك مصلحة ظاهرة.
وفقني الله وإياك وسائر إخواننا لما فيه رضاه، ورزقنا جميعا العلم النافع، إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(21/195)
س 79: ما حكم تعاطي بعض الحبوب الخاصة بمنع الحمل مؤقتا؟ (1) .
ج: إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولم يترتب على ذلك ضرر، وكان ذلك برضا الزوجين فلا حرج.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1661) بتاريخ 11 جمادى الآخرة 1419هـ.(21/196)
عند الضرورة لا بأس
بأخذ حبوب منع الحمل
س 80: أخت مسلمة تقول عندي خمسة أولاد وأنا أتضرر عند كل ولادة، وذهبت إلى أحد المستشفيات بالمملكة فلم أجد علاجا إلا استعمال حبوب توقف الحمل. علما بأني أصلي وأصوم وأخاف الله أن يكون علي شيء في ذلك، أفتوني جزاكم الله خيرا؟
ج: عند الضرورة لا بأس بأخذ الحبوب مؤقتا إذا كان هناك ضرر أو تعب للرحم بسبب الولادة أو إجراء عملية فلا(21/196)
مانع من أخذ الحبوب وقتا دون وقت كوقت الرضاعة سنة أو سنتين حتى يستريح الرحم بعض الراحة، فهذا يحتاج إلى مراجعة الأطباء العارفين، واتفاق مع الزوج في ذلك، فإذا اتفقتما وصار هناك ضرر فيوقت؛ وتؤخذ الحبوب بقدر محدود حتى يزول الأثر الذي يحدث به الضرر.(21/197)
حكم استئصال الرحم لمنع الإنجاب
س 81: ما الحكم في استئصال الرحم لمنع الإنجاب، أي منع الحمل لأسباب طبية حاضرة ومستقبلية كما تتوقعها الجهات الطبية والعلمية؟ .
ج: إذا كان هناك ضرورة فلا بأس، وإلا فالواجب تركه؛ لأن الشارع يحبذ النسل ويدعو إلى أسبابه لتكثير الأمة، لكن إذا كان هناك ضرورة فلا بأس، كما يجوز تعاطي أسباب منع الحمل مؤقتا للمصلحة الشرعية.(21/197)
82 - جواز ربط
الرحم ضد الحمل للضرورة
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتي الديار السعودية، حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا امرأة متزوجة، ولدي مرض الضغط والسكر، وعند الحمل لا أستطيع الولادة إلا بتعب ومشقة شديدة؛ لأن الولادة لا تكون طبيعية، وإنما بعملية وشق للبطن؛ لذا قرر الأطباء إجراء عملية ربط للرحم مما يعني عدم مقدرتي على الإنجاب، وذلك يوم السبت القادم الموافق 11\11\1419هـ، وزوجي موافق على إجراء العملية، ولكن إدارة المستشفى طلبت مني إحضار فتوى منكم قبل إجراء العملية.
آمل من سماحتكم الإجابة على سؤالي هذا عاجلا. لا حرمكم الله المثوبة والجنة، ووفقكم الله لما فيه خيرا الدنيا والآخرة (1) .
__________
(1) سؤال شخصي موجه لسماحته عن الأخت أم محمد، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 7\11\1419هـ.(21/198)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إذا كان الواقع كما ذكر في السؤال أعلاه فلا مانع من ربط الرحم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار (1) » . وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) أخرجه ابن ماجه (كتاب الأحكام) باب من بنى في حقه ما يضر بجاره برقم (2340) وأحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21714) .(21/199)
83 - حكم المرأة الناشز
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي محكمة خيبر، وفقه الله لكل خير، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد - يا محب - وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 3\4\1389هـ وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن جواز قصر الصلاة وجمعها لمن طبيعته دوام السفر من المملكة إلى خارجها، أو من بعض مدن المملكة إلى بعضها التي يجوز للمسافر فيها القصر والجمع، كسائقي السيارات، ومن في حكمهم من الباعة والمشترين المتجولين كان معلوما (1) .
والجواب: هؤلاء في حكم المسافرين ويشرع لهم قصر الصلاة، ويجوز لهم الجمع كسائر المسافرين عند جمهور العلماء؛ لعموم الأدلة الشرعية في ذلك، ولا نعلم دليلا يعارض ذلك، أما قول بعض الفقهاء: إن المكاري الذي معه أهله ولا ينوي الإقامة ببلد معين لا يترخص برخص السفر فهو
__________
(1) سؤال موجه لسماحته من قاضي محكمة خيبر، وقد أجاب عنه سماحته برقم (1142) وتاريخ 15\6\1389هـ.(21/200)
قول ضعيف لا نعلم له وجها من الشرع كما نبه على ذلك أبو محمد ابن قدامة رحمه الله في (المغني) .
أما سؤالكم عن الحكم في المرأة الناشز بقطع النفقة والكسوة والمسكن عنها حتى ترجع إلى طاعة زوجها، وهل لذلك مدة محدودة إذا لم تعد المرأة إلى طاعة زوجها في خلالها يفرق بينهما بالمخالعة؟
فالجواب عن ذلك: لا شك أن الناشز لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة حتى ترجع إلى الطاعة إذا كان نشوزها بغير حق، وتقدير المدة يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم، أما ما يفعله بعض القضاة من الحكم على الناشز بإسقاط نفقتها وحبسها في ذمة زوجها سنين طويلة، فلا أعلم له أصلا في الشرع، وفيه ظلم لها؛ فقد يكون لنشوزها أسباب أوجبت ذلك منها كراهيتها للزوج وعدم رغبتها في معاشرته، ومنها سوء معاملته لها إلى غير ذلك من الأسباب.
والواجب في مثل هذا الأمر هو التثبت والنظر في أسباب النشوز والتوسط في الصلح، فإن لم يتيسر ذلك وجب التحكيم أي بعث الحكمين؛ عملا بقول الله سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (1) الآية.
__________
(1) سورة النساء الآية 35(21/201)
والصحيح أنهما حكمان يعملان ما يريانه أصلح من جمع أو تفريق بدون إذن الزوجين، وليسا وكيلين لهما؛ لأن الله سماهما حكمين ولم يسمها وكيلين، ولأن المقصود حل النزاع بينهما ولا يحصل ذلك إلا بكونهما حكمين، كما لا يخفى عند التأمل؛ فإن توقف الحكمان اجتهد الحاكم بتأجيل الموضوع بعض الوقت أو المبادرة بالتفريق بينهما بما يرى من العوض أو عدمه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لامرأة ثابت بن قيس: «أتردين عليه حديقته. قالت: نعم. فقال -صلى الله عليه وسلم- لثابت: " اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة (1) » . رواه البخاري في صحيحه، ولم يخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الطلاق وعدمه، بل أمره بالطلاق أمرا مطلقا، والأصل في الأمر الوجوب، ومن قال بخلافه فعليه الدليل، وليس هناك دليل يصرفه عن ظاهره فيما نعلم.
أما أن تحبس المرأة سنين طويلة بدون نفقة وتحرم من الاستمتاع بمباهج الحياة؛ لكونها سئمت من عشرة زوجها، فهذا فيه مفاسد كثيرة وضرر عليها وعلى الزوج، والزوج له حق محدود، وهي كذلك لها حق مثله، فلو كرهها زوجها وألزم بمعاشرتها، فهل يرضى ذلك؟ لا أظنه يرضى، والعدل في الحقوق واجب على الحاكم
__________
(1) أخرجه البخاري في (كتاب الطلاق) برقم (4867) والنسائي في (كتاب الطلاق) برقم (3409) .(21/202)
كما أن عليه النظر في القضايا المقدمة إليه، والاجتهاد في إنهاء الخصومة فيها، حتى تحفظ الحقوق وتصان الدماء والأموال والأعراض، ويقف كل أحد عند حده.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، ونفع عباده وتنفيذ أمره، إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة(21/203)
الواجب عدم إسقاط الجنين
س 84: سماحة الوالد: امرأة حامل في الشهر السادس، ونصحها الدكتور أن الجنين سيموت قريبا، أو سيكون الجنين بعد الولادة معوقا، ونصحها الدكتور بالإجهاض بالإضافة إلى أن رأس الجنين كبير الحجم فما رأيكم؟ (1) .
ج: الواجب عدم إسقاط الجنين، وإحسان ظنها بالله، وستكون العاقبة حميدة إن شاء الله.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي موجه لسماحته من بريطانيا، وقد أجاب عنه سماحته في 6\2\1419هـ.(21/204)
الولد للفراش
س 85: سماحة الشيخ: امرأة (من إسكوتلندة) متزوجة ولها ثلاثة أطفال، وحملت بالطفل الرابع سفاحا، فهل يجوز لها أن تجهض الجنين، أو تحتفظ به. وإذا احتفظت به فهل تخبر زوجها أم لا؟ ثم ما هو الواجب على الزوج في هذه الحالة؟ أفتونا مأجورين حيث إننا لا ندري ماذا نفعل وجزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: لا يجوز لها إجهاض الجنين. والواجب عليها التوبة إلى الله سبحانه، وعدم إفشاء الأمر، والولد لاحق بالزوج؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الولد للفراش وللعاهر الحجر (2) » . أصلح الله حال الجميع.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي موجه لسماحته من إسكوتلندة، وقد أجاب عنه سماحته في 6\2\1419هـ.
(2) أخرجه البخاري في (كتاب البيوع) برقم (1912) ومسلم في (كتاب الرضاع) برقم (2645) .(21/205)
ولد الزنا ينسب لأمه
س 86: سماحة الشيخ: شاب مسلم أراد التزوج من امرأة نصرانية، وهو قد عاشرها معاشرة الأزواج بلا عقد، وهي الآن حامل، فما هو الواجب مع التفصيل؟ وجزاكم الله خيرا، حيث إن هذه الحالات تتكرر كثيرا في بلاد الغربة، ولا حول ولا قوة إلا بالله (1) .
ج: إذا كانا قد تابا جميعا إلى الله سبحانه، فلا حرج أن يتزوجها بعد وضع الحمل. والحمل ينسب إلى أمه ولا ينسب إليه؛ لأنه ولد من سفاح لا من نكاح. أما إذا لم يتوبا جميعا فليس له نكاحها، نسأل الله أن يمن عليهما بالتوبة النصوح، وأن يهدي النصرانية للإسلام، إنه سميع قريب.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) من ضمن مجموعة أسئلة شخصية مقدمة لسماحته، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 6\2\1419هـ.(21/206)
جواز جماع الزوجة بعد العقد
س 87: شاب عقد زواجه على فتاة وقبل إشهار الزواج جامعها، فهل هذا حرام، وهل هذا يعتبر إثما؟ (1) .
ج: ليس بحرام، ولكن تركه أولى حتى يدخل عليها ما دام عقد العقد واشتهر، لا بأس، لكن كونه يصبر حتى يدخل عليها هذا هو الذي ينبغي.
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418هـ، الشريط السادس، سؤال رقم (36) .(21/207)
مسألة
س 88: أنا عاقد للزواج، ولم أدخل على زوجتي بعد؛ لعدم التمكن من إتمام بيت الزوجية، فإذا تمتعت بها وهي في بيت أهلها، تمتعا دون الدخول بها فهل أكون فعلت شيئا ليس من حقي أن أفعله. ما الحكم أفتونا أثابكم الله؟ (1) .
ج: لا بأس بالتمتع بها في بيت أهلها إذا مكنوك من
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418هـ، الشريط السادس، سؤال رقم (44) .(21/207)
ذلك، وجعلوك تخلو بها فلا بأس أن تتمتع بها، في كل شيء من الجماع وغيره، وليس من شرط الجماع أن تكون في بيت مستقل، حتى ولو كنت عند أهلها، إذا خلوت بها عند أهلها فلا بأس ما دام تم النكاح، أي تم العقد، فأنت لك الاتصال بزوجتك والتمتع بها من جميع ما يجوز لك، من قبلة ولمس وجماع وغير ذلك ولو كانت عند أهلها، والحمد لله.(21/208)
ما يجوز للرجل
من زوجته بعد عقد النكاح
س 89: ماذا يجوز للرجل من زوجته بعد عقد النكاح، وقبل الدخول والبناء بها؟ (1) .
ج: يجوز له منها ما يجوز للرجال مع زوجاتهم، لكن ينبغي أن يصبر حتى يتيسر الدخول، فإن احتاج إلى زيارتها والاتصال بها بإذن أهلها لأمر واضح فلا حرج في ذلك، إذا اجتمع بها وخلا بها بإذن أهلها فلا حرج في ذلك، أما على وجه سري لا يعرف فهذا فيه خطر، فإنها قد تحمل منه ثم يظن بها السوء، أو ينكر اتصاله بها، فيكون فتنة وشر كبير،
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (9) .(21/208)
فالواجب عليه أن يمتنع ويصبر، حتى يتيسر الدخول والبناء بها، وإذا دعت الحاجة إلى اتصاله بها، والاجتماع بها فليكن ذلك مع أبيها أو أمها أو أخيها، حتى لا يقع شيء يخشى منه العاقبة الوخيمة. وفق الله الجميع.(21/209)
حكم سفر الزوجة
مع زوجها قبل الدخول بها
س 90: شاب من خارج السعودية عقد قرانه على فتاة ولم يبن بها، فهل له أن يسافر هو وهي لأداء عمرة قبل الزفاف؟
ج: نعم لا بأس، فهي زوجته، الحمد لله.(21/209)
91 - العلاقات الزوجية (1) .
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا جميعا هذه الندوة المباركة الطيبة التي اشترك فيها أصحاب الفضيلة المشايخ فيما يتعلق بالعلاقات الزوجية، ولقد أجاد أصحاب الفضيلة وأفادوا وأوضحوا ما ينبغي في هذا الموضوع العظيم، الذي هو جدير جدا بالعناية والبسط والتنبيه على ما قد وقع من الناس من التفريط في هذه العلاقة، وعدم العناية بها على الوجه المرضي إلا من شاء الله، ولقد أوضح المشايخ في هذه العلاقة الجوانب الكثيرة التي ينبغي للزوج والزوجة العناية بها، وكذلك أقاربهما ومن حولهما، ومن يتصل بهما، فينبغي أن يكون لهما نصيب من التشجيع والحث على الالتزام بالعلاقة الصالحة، والتحذير من العلاقة المنحرفة، وأن هذه الندوة المباركة بحق ندوة عظيمة مفيدة جديرة بأن تنشر وتبث للمجتمع من طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وأن تنشر في كتيب خاص يحرره أصحاب الفضيلة
__________
(1) تعليق لسماحته على ندوة بعنوان: (العلاقات الزوجية) أقيمت في الجامع الكبير بالرياض عام 1397هـ.(21/210)
الثلاثة، ويعتنون به ويطبع ويوزع بين الناس؛ لأن هذا المقام مقام عظيم، والحاجة ماسة إلى كل ما يبصر الناس في هذه العلاقة العظيمة التي كادت تنفصم سريعا، من كثير من الناس أو من أكثر الناس، بأسباب انحراف الزوج وانحراف الزوجة، وعدم التزام أمر الله في ذلك، ولقد أوضح أصحاب الفضيلة أن الأمر الجامع في ذلك هو التزام كل منهما بما يجب عليه وتأدبه بالآداب التي تنبغي منه، وأن يكون للزوج حقه وللزوجة حقها، وأن يحرص كل واحد منهما على أداء ما عليه بالأسلوب الحسن، وبالخلق الكريم وبالطرق الطيبة والوسائل الحسنة، حتى إذا أدى كل واحد ما عليه، استقامت الأحوال، وصار البيت روضة طيبة من رياض الجنة فيما بينهما، وأن هذه العلاقات تنبني على آيات ثلاث إذا التزم بها المؤمن والمؤمنة استقامت الأحوال، وحصل كل خير.
الآية الأولى: قوله جل وعلا: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1)
والآية الثانية: قوله جل وعلا: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (2)
الآية الثالثة: قوله جل وعلا: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (3)
__________
(1) سورة النساء الآية 19
(2) سورة البقرة الآية 228
(3) سورة النساء الآية 34(21/211)
فهذه الآيات الثلاث قد نظمت أمر الزوجين والعلاقة بينهما؛ فالواجب عليهما أداء الواجب، وهناك آية رابعة يجب أن يعتنى بها أيضا، وأن تلاحظ كما ذكر أصحاب الفضيلة. وهي قوله جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (1)
الرجل يعرف واجبه وأنه قوام، والمرأة تعرف حقها وأن الرجل قوام عليها، وأن على الرجل أن يعدل في قوامته، وأن يستقيم في قوامته، وأن يحرص على الخير، وأن ينصف وأن يتحرى الحق، وعليها هي أن تعنى بالسمع والطاعة، والقيام بواجبها، وأن تعلم أن للزوج عليها درجة، فعليها أن تعنى بهذا الأمر وأن تعاشره بالمعروف، كما يعاشرها بالمعروف، وأن تعلم له درجته وفضله عليها، ومزيته الزائدة، فإذا التزم الرجل بالحق والإنصاف في كسوتها وفي مخالفته لها وإيناسه إياها ومعاشرتها بالمعروف، وقوامه عليها بما يلزم من جهة الدين والدنيا، ثم هي كذلك قامت بما عليها بالمعروف من طاعته، والسمع والطاعة بالمعروف، وإيناسه وقضاء حاجته، وحسن التصرف
__________
(1) سورة النساء الآية 34(21/212)
في رعاية بيته وأولاده، إلى غير ذلك؛ فإنهما بذلك تستقيم أحوالهما، وتحسن العلاقة بينهما، وكل واحد يكون معلما ومرشدا ومعينا لصاحبه في كل ما ينفعه في الدنيا والآخرة، فهذا الزوج يعتني، وهي تعتني أيضا، وهو يعتني بأمر الله في نفسه، وفي أولاده وفيما يتعلق بها ومصالحها وحاجاتها، وهي تعتني أيضا بحاجاته والسمع والطاعة له، وإنصافه وحسن التبعل والمعاشرة، وهكذا مع أولادها ومع بيتها، كل ذلك من المهمات العظيمة التي بين أصحاب الفضيلة شأنها.
ومن المهمات التي تسبب شرا كثيرا بين الزوجين، في الوقت الحاضر بأسباب كثيرة، تخلف الزوج عن البيت، وسهره الكثير، حتى لا يأتي إلى البيت إلا في آخر الليل، أو في الصباح ويدعها وحدها، أو مع أطفالها، أو وحدها ليس عندها أطفال، فإذا جاء إليها فإذا هو قد تعب وانتهت قوته لما حصل منه بالليل مما يعلمه الله عز وجل من سهره على كذا، وسهره على كذا، إما في المعاصي والسيئات والخمور، وإما في أمور أخرى غير ذلك، فيأتي وقد تعب وقد انتهت قوته، فيطرح نفسه ويضيع الصلاة ويضيع حق الزوجة، ويضيع كل شيء حتى ينتفع من هذه النومة، والمقصود أن هذا خطر عظيم، وهو واقع فيه كثير من الناس، وهو من أعظم الأسباب في كراهيتها له وبغضها له، ومن أعظم الأسباب في الانفصام والمفارقة.(21/213)
وهكذا هي خروجها من البيت، وإضاعة البيت وإضاعة الأطفال، إلى الأسواق وإلى الجيران وإلى كذا وإلى كذا، ولا تبالي بأمره، هذا أيضا من أسباب الفساد، وعن أسباب الفرقة والاختلاف، والخلاصة أن الواجب على كل منهما أن يتقي الله، وأن يراقب الله، وأن يتناصحا، وأن يتعاونا على البر والتقوى، وأن يقوم كل منهما بما عليه، يعنى الزوج في إكرامها، والإحسان إليها وإيناسها وأداء حقها، من غير إسراف ولا إفراط، وهي كذلك تقوم بما يلزم، والله جل وعلا يعينهما إذا صدقا في ذلك، وأرادا الخير، وأخلصا لله في ذلك، فإن الله يعينهما ويسهل أمرهما، أما إذا كان كل واحد لا يبالي إلا بحقه، ولا يبالي إلا بمصلحته، ولا تهمه مصلحة الآخر، فإن هذا هو طريق النزاع الكامل، والمشاكل التي لا تنتهي، ثم الفراق بعد ذلك.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية وجزى الله المشايخ عن هذه الندوة خيرا، فإن الندوة ليس عليها مزيد، هي وافية شاملة جيدة طيبة، نسأل الله أن ينفع المستمعين بها، وينفع غيرهم أيضا، فإنها جديرة بأن تعلن وتنشر، حتى يستفيد منها الأكثر بتوفيق الله وهدايته جل وعلا، وما أصابنا إلا بإعراضنا عن ديننا في كل شيء، وما أصاب الناس: الزوجين وغير الزوجين ما أصابهم إلا بسبب الإعراض عن دين الله، وعدم التفقه في(21/214)
الدين، لا في مسألة الزوجين، ولا في المسائل الأخرى، وكثير من الناس الآن لا يبالي بالصلاة، وتشكو زوجته من حاله، من جهة الصلاة وإضاعة الصلاة، وشرب الخمور، يأتي معربدا ليس عنده عقل، وليس عنده عناية بالصلاة ولا بالصيام، وهي امرأة فيها خير فلا ترى فيه إلا الشر والبلاء، فتضطر إلى المفارقة والذهاب إلى أهلها، إذا كان فيها خير، والزوج كذلك قد يكون طيبا، والزوجة ليس فيها خير، مضيعة للصلوات، ليس عندها أخلاق، فيحتاج إلى إصلاحها، وإلى توجيهها، وقد يتعب ولا يستطيع، فتنتهي المسألة إلى المفارقة؛ لإصرارها على حالها السيئة، أو لإصراره هو على حاله السيئ، وقل من الناس من يصلح بالخير، قل من الناس اليوم من يتولى الإصلاح بالمعروف، وحسن التدخل وحسن التوجيه، فلهذا يعظم النزاع، ويكثر النزاع، ويكثر الطلاق، وتسوء الحال بين الزوجين في الدين والدنيا، ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، وإن أعظم سبب للصلاح والإصلاح التفقه في الدين والرجوع إلى الله، وسؤاله الهداية سبحانه وتعالى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » ، فالتفقه في دين الله وقصد
__________
(1) رواه البخاري في (كتاب العلم) باب من يرد الله به خير يفقهه في الدين، حديث رقم (69) ، ورواه مسلم في (كتاب الزكاة) باب النهي عن المسألة، حديث رقم (1719) .(21/215)
الخير وقصد الإنصاف من النفس، هذا من أعظم الأسباب في صلاح الزوج، وصلاح الزوجة، وصلاح الأسرة، وانخذال الشيطان، فنوصي الجميع بالتفقه في الدين، والحرص على سماع الأحاديث الدينية في الإذاعة، وفي غير الإذاعة، سماع الأحاديث الدينية والحلقات العلمية النافعة، وسماع القرآن الكريم من إذاعة القرآن، فإن في سماع القرآن والإنصات له الخير العظيم، والفائدة الكبيرة؛ فنوصي الجميع بأن يهتم كل واحد بالعناية بسماع كتاب الله، والإنصات لكتاب الله، والاستفادة من القرآن في الأوقات المناسبة، والاستفادة من الأحاديث الدينية التي تنشر في إذاعة القرآن، وفي غير ذلك، والاستفادة من حلقات العلم، في أي مكان كانت، ولو سافر إليها فيما بين وقت وآخر، ليستفيد وليتعلم، وهكذا يرشد زوجته إلى أن تسمع الشيء الذي ينفعها، ويعطيها كتابات نافعة، والكتب المختصرة التي تفيدها إذا كانت تقرأ، ويتحدث معها في كل خير في أوقات مناسبة، حتى تستفيد وحتى يفيدها، وحتى يستصلحها، وفق ما يكون، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، ويكون له مثل أجرها، إذا هداها الله على يديه.
رزق الله الجميع التوفيق، وهدانا صراطه المستقيم، وجزى الله المشايخ عن ندوتهم خيرا، وضاعف مثوبتهم، وزادنا وإياكم وإياهم علما وهدى وتوفيقا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه.(21/216)
غلاء المهور سبب في تأخر النكاح
س 92: تعثر الشاب والشابة عن الدخول في الزواج، وعن العلاقة الزوجية، بسبب غلاء المهور، ما رأي أصحاب الفضيلة وسماحتكم في ذلك؟ .
ج: لا شك أن غلاء المهور من أعظم الأسباب في تأخر النكاح، وتعطل الكثير من الشباب والفتيات بسبب مغالاة المهور، وهذا أيضا مما يتعلق بالموضوع، موضوع العلاقات الزوجية، فإن تأخر الشباب وتأخر الفتيات عن النكاح يسبب مشاكل كثيرة، فالواجب العناية بهذا الأمر، والحرص على عدم المفاخرة والمباهاة في المهور وغيرها، والولائم وغير ذلك؛ فإن المباهاة في هذه الأمور والمفاخرة في هذه الأمور من جهة إغلاء المهور، ومن جهة التوسع في الولائم، كل هذا يضر الجميع، ويسبب مشاكل كبيرة واقعة، ووصيتي للجميع العناية بتسهيل المهور، وتخفيفها وتقليلها حسب الإمكان، مع العناية بتقليل الولائم وتخفيفها وتخفيضها، وعدم التوسع فيها، والناس الآن بخير ونعمة، يشق عليهم التوسع في الولائم، ينبغي لك يا أخي أن لا تتوسع في الولائم، وأن تختصر على الشيء القليل الذي تحصل(21/217)
به السنة، من دون تعب على نفسك، وتعب على المدعوين الذين هم في غنية عن الحضور، فإذا ذبح الإنسان ما تيسر واحدة أو ثنتين أو ثلاثا، في وليمة العرس فيها خير كثير، وكذلك ما يتعلق بأمور النساء، وما يتعلق بإعلان النكاح، ودعوة النساء الكثيرات، وإعلان ذلك بالمكبرات، وسهر الليل كل هذا شره عظيم، وفساده كبير، فالاختصار فيه الخير العظيم، وفيه تسهيل الزواج، وتكثير النكاح، وتكثير الأولاد، والحرص على الخير، ولعل الدولة توفق لعمل ينفع الله به الأمة، ويكون سببا لكثرة النكاح، وقلة السفاح، من الإعانة على المهور، ومن الاقتصاد فيها، وعدم التوسع فيها، وفي الولائم؛ نسأل الله أن يوفق الحكومة وولاة الأمور، وعلماء المسلمين وأعيان المسلمين، لكل ما ينفعهم وينفع مجتمعهم، وينفع فقراءهم وضعفاءهم، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه صلاحهم ونجاتهم، ومساعدتهم في العاجل والآجل.(21/218)
فضل المبادرة بالزواج
س 93: ماذا تأمرون الشاب إذا لم يستطع الزواج وإذا لم يتزوج؟
ج: عليه أولا، أن يتقي الله وأن يحذر شر النفس، من الوقوع في الفواحش المحرمة، وأن يستعين بالله على حفظ عفته، وحفظ فرجه، ومن ذلك الاستعانة بالصيام، يصوم كما(21/218)
أمره النبي - صلى الله عليه وسلم -، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء (1) » . من استطاع الباءة وهو الزواج فليبادر بالزواج، وليبادر أبوه وإخوانه على معاونته، وهكذا غيرهم، وإذا لم يستطع الزواج، ولم يتيسر الزواج، فليتق الله، وليسأل ربه العون، وليحذر من نزغات الشيطان، في قضاء الوطر فيما حرم الله عز وجل، وليستعن بالصوم، فإن الصوم يعين، كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام، فيصوم ويجتهد في أسباب العفة والعافية، من غض البصر عن النظر إلى النساء، والعناية بأسباب حفظ الفرج، والله يعينه ويوفقه، إذا صدق وأخلص، يسر الله أمره ويسر له النكاح.
__________
(1) رواه البخاري في (كتاب النكاح) باب من لم يستطع الباءة فليصم، حديث رقم (4678) ورواه مسلم في (كتاب النكاح) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، حديث رقم (2485) .(21/219)
ليس لتحديد المهور
أصل شرعي يعتمد عليه
س 94: أليس من حق الدولة أن تحدد الصداق إذا رأت الناس تجاوزوا الحد في الصداق أليس ذلك من السياسة(21/219)
الشرعية لصالح الناس لما ينتج عن غلاء المهور من مفاسد من الزنا والفساد وعدم تكاثر المسلمين؟ ج: ليس لتحديد المهور أصل يعتمد عليه من شرع الله، لم يرد في الشرع ما يقتضي تحديد المهور؛ ولهذا فقد همت الدولة مرة، بل غير مرة، ولكن لم يتيسر ذلك، فإنه ليس هناك أصل في الشرع، لا في الكتاب ولا في السنة يعتمد عليه، في تحديد المهور بعشرة آلاف أو عشرين أو ثلاثين أو أقل أو أكثر، ثم إن تحديدها قد لا يتم له إذا حددت فقد يخالف الناس، فماذا يفعل بهم، يضربون على شيء ما حرمه الله، ماذا يفعل بهم، يسجنون، المسألة فيها خطر، فالتحديد فيه صعوبة، لكن إذا تجمع أناس أو قبيلة، فيما بينهم، أو أهل قرية أو أهل مدينة فيما بينهم، واصطلحوا فيما بينهم على شيء معين، لا حرج إن شاء الله في ذلك، أما أن الدولة بنفسها تفرض على الناس مهرا خاصا، لا يزاد فيه في جميع أجزاء المملكة، فإن هذا فيه صعوبة، وليس له أصل شرعي معروف يعتمد عليه، حتى تقوم الدولة به، وحتى تعاقب من خالفه، ولكن في النصائح والتوجيه وتعاون أهل الخير، وأعيان الناس وعلمائهم وأمرائهم على التخفيف والتخفيض، في ذلك خير كثير، وأما انتشار الدنيا بين الناس، وتوسع الناس بالدنيا، فقد صار بعض الناس يقدم أموالا جزيلة، إذا رغب في بنت أحد، وآخر لا يستطيع ذلك، وجاء البلاء من هذه الحيثية،(21/220)
بعض الناس عندهم أموال كثيرة لا يبالون، وبعض الناس لا يستطيع، فالحاصل أن التحديد بمال معين، فيه نظر، ولا أعلم في الشرع المطهر ما يقتضي التحديد، ولم يعرف هذا، لا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد الصحابة، ولا من بعدهم، وقد جاءت مهور كثيرة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل في عهد عمر وفي عهد عثمان وبعده، أما في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانت المهور قليلة، ولم يكن النبي يوسع في ذلك ولا أصحابه، في عهده عليه الصلاة والسلام، ولكن بعد ذلك، لما فاض المال في عهد عمر، وفي عهد عثمان، وبعد ذلك ارتفعت المهور، وصار الرجل يمهر بمائة ألف وما يقاربها، أو بزيادة، وهذا واقع قديما، وهكذا اليوم لما انتشرت الدنيا، وفاضت الدنيا على كثير من الناس، توسعوا في المهور، فالواجب على كل مسلم أن يعنى بالأمر، وأن يجتهد في أسباب تحصيل ما يعفه، وأن يسأل الله العون على ذلك، ويسلك الطرق الممكنة التي أباح الله عز وجل، وكل داء له دواء، فارتفاع المهور من الأدواء، ولها دواء بالنصيحة والتوجيه، وقيام الدولة بإعانة المحتاجين على الزواج، بإعانتهم من مال الله، ونرجو أن توفق لهذا الأمر، حتى تعين المحاويج في كل عام، بشيء كبير يعينهم على الزواج، ويعينهم على إعفاف أنفسهم، نسأل الله لها الإعانة والتوفيق وللمسلمين(21/221)
الذي أنصح به هو الزواج المبكر
س 95: ما رأي سماحتكم في زواج الطالب القادر على الزواج، والذي يدرس في الجامعة، هل في ذلك تأثير على دروسه؟
ج: الذي أنصح به هو الزواج المبكر؛ لأنه لا يؤثر على الدروس، وقد كان السلف الصالح من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا، يدرسون ويتعلمون ويتزوجون، فالزواج يعينه على الخير، إذا كان عنده قدرة، يعينه على الخير ولا يصده عن الدراسة، ولا يعطله عن الدراسة، بل يسبب غض بصره، وطمأنينة نفسه، وراحة ضميره، وكفه عما حرم الله عليه، فإذا تيسر له الزواج، فالنصيحة له أن يتزوج، وأن يتقي الله في ذلك، وأن يعمل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج (1) » الحديث.
__________
(1) صحيح البخاري النكاح (5066) ، صحيح مسلم النكاح (1400) ، سنن الترمذي النكاح (1081) ، سنن النسائي الصيام (2240) ، سنن أبو داود النكاح (2046) ، سنن ابن ماجه النكاح (1845) ، مسند أحمد بن حنبل (1/378) ، سنن الدارمي النكاح (2166) .(21/222)
لا بأس أن نأخذ من الغرب
أو الشرق ما ينفعنا وندع ما يضرنا
س 96: هل يجوز للمرأة أن تتزين لزوجها باستعمال المساحيق التي تلون الخدود والشفاه والجفون، والرجاء توضيح ذلك في ضوء أن هذه المساحيق من زينة نساء(21/222)
مجتمع الغرب؟
ج: المرأة يشرع لها التزين لزوجها بما شرعه الله، وبما أباحه الله، تتزين بالملابس الحسنة عنده، والنظافة بالصابون وغيره، الصابون مما يحسنها وينظفها، ويزيل الأوساخ عنها، وإذا كان هناك مساحيق مباحة، ليس فيها محرم ولا نجاسة، ولا شيء يضر الوجه، ولا يسبب عاقبة وخيمة، فلا بأس، نأخذ من الغرب والشرق ما ينفعنا، وندع ما يضرنا، إذا جاءنا من الغرب أو الشرق شيء ينفعنا، نأخذه ونستفيد منه، كما نأخذ منهم ما أخذنا من سلاح، ومن طائرات ومن سيارات، ومن بواخر وغير ذلك، نأخذ منهم من الدواء ومن غير الدواء، ومن وجوه الزينة ما ينفعنا، ولا يكون فيه مشابهة لغيرنا من أعداء الله، بل نأخذ الشيء الذي ينفع، وندع ما يضر، والزينة مطلوبة منها لزوجها، لا في الخروج بين الرجال الأجانب، بل في بيتها وعند زوجها، والله المستعان.(21/223)
الاكتفاء في الزواج بالمسلمات أولى
س 97: أريد أن أتزوج من شابة غير ملتزمة الالتزام التام بالإسلام، وهذه كعادة الدول الإسلامية الأخرى، هل يجب أن أضع لها شروطا قبل الزواج؟ وما هي؟
ج: المهم أن تكون مسلمة، إذا كانت مسلمة تعبد الله وحده، ليست كافرة، فالأمر الثاني يعدل، كوجود معصية ونحو(21/223)
ذلك، يمكن تعديله إلا أن تكون غير محصنة، بل زانية فلا تتزوجها؛ لأن الله شرط في النكاح، أن تكون محصنة: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1) لا بد أن تكون محصنة، يعني عفيفة، فإذا كانت عفيفة ومسلمة، فالتعديل بعد ذلك يتم إن شاء الله، يعدل ما فيها من خلل بعد ذلك، وإذا شرط عليها أشياء من لزوم بيته، ومن القيام بخدمته، وأداء حقه ونحو ذلك، من باب الإيضاح، من باب التأكيد، فلا بأس، ولكن أهم شيء أن تكون مسلمة، فإن نكاح المسلم للكافرة غير صحيح بل باطل، ونكاح أهل الكتاب من المحصنات لا بأس به، يهودية ونصرانية، محصنة لا بأس، لكن تركها أولى، والاكتفاء بالمسلمات أولى وأولى، ولا سيما في هذا العصر، فإنهن يجذبن الزوج إلى دينهن، ويجررن أولادهن إلى دينهن، وهن الآن قويات، وكثير من الرجال ضعفاء مع النساء، فيخشى عليهم من الخطر في ذلك، فينبغي له أن يتحرى الزوجة الطيبة المحصنة المسلمة، ويكتفي بذلك ويحذر سواها.
__________
(1) سورة المائدة الآية 5(21/224)
شرط الزواج بالكتابية أن تكون محصنة
س 98: كثرت فتنة النساء، وكثر الزنا في أمريكا وبعض الشباب يريد أن يتزوج من امرأة، ولعله بعد ذلك يحمي نفسه من الزنا، ولعله بعد ذلك يدعوها إلى الإسلام(21/224)
فما رأي سماحتكم؟
ج: ما فيه حرج إذا وجد الكتابية المحصنة السليمة، بشرط أن تكون محصنة، معروفة يسأل عنها، وإذا كانت معروفة بالإحصان، ودعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس، ولكن كونه يترك ذلك، ولا يسافر إلى الخارج، بل يقيم في بلاده، ويتعلم في بلاده، ففي البلد بحمد الله الخير الكثير، فيه الجامعات وفيه المعاهد العلمية، وفيه كل خير، بحمد الله، فالواجب أن يكتفي بذلك؛ لأن السفر إلى الخارج فيه فساد عظيم، وشر كثير، فلا يجوز له أن يسافر إلى هناك، بل يجب أن يكتفي بما عنده في بلاده، فعنده خير كثير بحمد الله، ولا حاجة إلى السفر إلى هناك، فإذا بلي بالسفر، أو دعته الضرورة للسفر، فالواجب أن يتقي الله، فيأخذ زوجته معه، ويكتفي بها، فإذا دعت الضرورة إلى نكاح امرأة صالحة مسلمة هناك وجدها، أو محصنة كتابية للضرورة، فنرجو أن لا حرج عليه، إذا عرف أنها محصنة سليمة عفيفة، بعيدة عن السفاح، فلا بأس إن شاء الله؛ لأن الله أباح ذلك.(21/225)
حكم هبة الزوجة لزوجها
س 99: إذا اشترى الرجل لامرأته ذهبا أو فضة، واحتاج إليه وأعطته زوجته الذي اشتراه لها، هل عليه أن يرجع إليها في فلك ما أخذه منها؟(21/225)
ج: إذا أعطته ذهبها وحليها فضلا منها عطية، فالله جل وعلا يقول: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (1) إذا طابت بها نفسها فلا حرج، أما إن أعطته إياه قرضا؛ ليقضي حاجته ثم يرد ذلك عليها، فيجب عليه أن يرده، إذا أيسر، يجب عليه رد ما أخذه منها، وإن رد عليها ذلك، حتى ولو ما قالت ذلك، عن طيب نفس، هو أحسن لما أحسنت، فإنها ينبغي أن تكافأ بالمعروف، حتى ولو كانت أعطته إياه ليسر قرضا، ولكن من باب الإعانة، إذا أيسر ورد عليها ما أخذ، يكون أفضل ومن مكارم الأخلاق، ومن المكافأة الحسنة، لكن لا يلزمه إذا كان عطية منها، عن طيب نفس، لا يلزمه أن يرده، أما إذا كانت استحيت منه، وخافت من شره بأن يطلقها، وأعطته إياه لهذا، فالأولى أنه يرده عليها إذا أيسر ولو ما قالت شيئا، ينبغي له أن يرده؛ لأنها أعطته إياه، تخاف من كيده وشره، أو تخاف أن يطلقها، هذا يقع من النساء كثيرا، فينبغي للزوج أن يكون عنده مكارم أخلاق، وإذا أيسر يعيد إليها ما أخذ منها.
__________
(1) سورة النساء الآية 4(21/226)
فضل الإحسان إلى البنات
س 100: أرجو من فضيلتكم توجيه نصيحة لمن ابتلي بالبنات، وفضل تربيتهن وحسن معاملتهن؟ (1) . ج: الواجب لمن رزق بالبنات أن يحسن إليهن ويحسن تربيتهن. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من ابتلي بشيء من هذه البنات، فأحسن إليهن كن له حجابا من النار (2) » . والسنة أن يحسن تربيتهن ويدعو لهن بالصلاح. ويرفق بهن، وله البشرى في إحسانه للبنات أو الأخوات. ويدعو الله لهن بالأزواج الصالحين، الذين يحسنون رعايتهن ويأتمرون بأمر الله فيهن.
__________
(1) من ضمن أسئلة حج عام 1418هـ.
(2) رواه الترمذي في (كتاب البر والصلة) باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات، بلفظ: '' من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن كن له حجابا من النار '' وقال: حديث حسن، ورواه ابن ماجه في (كتاب الأدب) باب بر الولد والإحسان إلى البنات، بلفظ: '' من كان له ثلاث(21/227)
الاستيصاء بالنساء خيرا
س 101: امرأة تسأل وتقول: في الحديث: «استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج(21/227)
ما في الضلع أعلاه (1) » . . . الرجاء توضيح معنى الحديث مع توضيح أعوج ما في الضلع أعلاه.
ج: هذا الحديث صحيح، رواه الشيخان في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «استوصوا بالنساء خيرا (2) » هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا، وأن يحسنوا إليهن، وأن لا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن، هذا واجب على الرجال من الآباء والإخوة والأزواج وغيرهم أن يتقوا الله في النساء، ويعطوهن حقوقهن، هذا هو الواجب ولهذا قال: «استوصوا بالنساء خيرا (3) » . وينبغي ألا يمنع من ذلك كونهن قد يسئن إلى أزواجهن وإلى أقاربهن بألسنتهن أو بغير ذلك من التصرفات التي لا تناسب؛ لأنهن خلقن من ضلع كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإن أعوج ما في الضلع أعلاه (4) » . ومعلوم أن أعلاه مما يلي منبت الضلع، فإن الضلع يكون فيه اعوجاج، هذا هو المعروف، والمعنى أنه لا بد أن يكون في تصرفاتها شيء من العوج والنقص، ولهذا ثبت في الحديث الآخر في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل
__________
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3331) ، صحيح مسلم الرضاع (1468) ، سنن الدارمي النكاح (2222) .
(2) رواه البخاري في (كتاب النكاح) باب الوصاة بالنساء، حديث رقم (4787) ورواه مسلم في (كتاب الرضاع) باب الوصية بالنساء، حديث رقم (2671) .
(3) سنن الترمذي الرضاع (1163) ، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1851) .
(4) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3331) ، صحيح مسلم الرضاع (1468) .(21/228)
الحازم من إحداكن (1) » . وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - نقص العقل بأن شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل، وذلك من نقص العقل والحفظ، وفسر نقص الدين بأنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي، يعني من أجل الحيض وهكذا النفاس، وهذا النقص كتبه الله عليهن، ولا إثم عليهن فيه، ولكنه نقص واقع لا يجوز إنكاره، كما لا يجوز إنكار كون الرجال في الجملة أكمل عقلا ودينا، ولا ينافي ذلك وجود نساء طيبات خير من بعض الرجال؛ لأن التفضيل يتعلق بتفضيل جنس الرجال على جنس النساء، ولا يمنع أن يوجد في أفراد النساء من هو أفضل من أفراد الرجال علما ودينا كما هو الواقع. فيجب على المرأة أن تعترف بذلك وأن تصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، وأن تقف عند حدها، وأن تسأل الله التوفيق، وأن تجتهد في الخير، أما أن تحاول مخالفة الشريعة فيما بين الله ورسوله فهذا غلط قبيح، ومنكر عظيم، لا يجوز لها فعله، والله المستعان.
__________
(1) رواه البخاري واللفظ له، في (كتاب الحيض) باب ترك الحائض الصوم، حديث رقم (293) ورواه مسلم في (كتاب الإيمان) باب نقصان الإيمان بنقصان الطاعات، حديث رقم (114) .(21/229)
الواجب على الأزواج معاشرة زوجاتهم بالمعروف
س 102: إذا كان الزوج لا يرى في زوجته إلا عيوبها ولا يتصدق عليها بكلمة حلوة، وهي لا تشعر معه بالأمان والاستقرار، وأصبحت لا تطيق هذه المعاملة، وقد يئست من إصلاح هذه المعاشرة. وحاولت إصلاح نفسها بشتى الطرق كي تعجب زوجها، ولكن الأمور خارج إرادتها، فهل إذا طلبت الطلاق تقع تحت طائلة الحديث الذي معناه: إن المرأة إذا طلبت الطلاق بغير عذر لا تدخل الجنة ولا تشم ريحها. وهل الأسباب المذكورة سابقا تعتبر شرعا تجيز الطلاق ولا يكون عليها إثم؟ (1)
ج: الواجب على الأزواج جميعا معاشرة زوجاتهم بالمعروف؛ لقول الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وقوله سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (3) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «استوصوا بالنساء خيرا (4) » . والأدلة كثيرة في ذلك. فإذا لم يقم الزوج بذلك وأساء
__________
(1) سؤال شخصي موجه من الأخت ح. م. من مصر، أجاب عنه سماحته في 15\12\1416هـ.
(2) سورة النساء الآية 19
(3) سورة البقرة الآية 228
(4) سنن الترمذي الرضاع (1163) ، سنن ابن ماجه كتاب النكاح (1851) .(21/230)
العشرة بمثل ما ذكرت السائلة فلها طلب الطلاق، وهي معذورة في ذلك. وفق الله الجميع.(21/231)
وجود الخادمة بدون محرم: فيه خطر
س 103: أنا لي زوجة تعمل في التدريس وعندها أطفال ويسبب ذلك لها إرهاقا مع أعمال البيت الأخرى، وتطالبني بإيجاد خادمة، وأنا لا أزال مترددا؛ لأن أكثرهن يأتين بدون محرم، وإذا أتيت بخادمة بمحرم فلن نستطيع منعها من زوجها، وربما يقع عليها الحمل، وأيضا نحتاج إلى من يخدمها، فأنا رفضت ذلك، فقلت: سأقوم بفصلك من التدريس ولا آتي بخادمة أبدا، علما بأنها مدرسة تربية إسلامية. فأرجو توجيهي في هذه الأمور؛ لأنه سيحصل لأناس كثير غيري؟ (1)
ج: فصلها أولى، ولا تأت بالخادمة ولا حاجة أن تتولى التدريس، تبقى في بيتها عند أولادها، وابعد عن الشر وأهله، وجود الخادمة خطر عظيم عليك، وعلى أهلك فافصلها والحمد لله. ويعينك الله على النفقة، وهي تستريح مع أولادها
__________
(1) من ضمن أسئلة حج عام 1415هـ، الشريط رقم (49\9) .(21/231)
في بيتها، وحاجة بيتها، وأنت بهذا تربح دينك ودنياك جميعا، هذه وصيتي لك ولأمثالك.(21/232)
س 104: أنا شخص أعمل في إحدى الدوائر الحكومية، وزوجتي تعمل مدرسة، ولدينا أولاد ولله الحمد، فأتينا بخادمة من الخارج من غير محرم فما الحكم؟ (1)
ج: وجود الخادمة في البيت الذي ليس فيه إلا الزوجة خطر؛ الأحوط لك أن لا تطلب الخادمة فقد تخلو بها ويحصل شر بينك وبينها وبين الزوجة، أما إذا كانتا خادمتين فهذا أحوط، أو في البيت أمك أو أخوات غير الزوجة فهذا أسهل. وأما المحرم فلا بد من المحرم إذا تيسر ذلك، لا بد من المحرم والواجب على أهلها أن لا يرسلوها إلا مع محرم، وعليك أن تلتزم بذلك إذا يسر الله ذلك؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام عمم فقال: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم (2) » . والواجب على أهلها أن لا يرسلوها إلا مع محرم، لكن الغالب عليهم الطمع، وقلة المبالاة يرسلونها هكذا، نسأل الله السلامة.
__________
(1) من ضمن أسئلة حج عام 1415هـ، شريط رقم (6\49) .
(2) رواه البخاري في (كتاب الحج) باب حج النساء، حديث رقم (1729) ورواه مسلم في (كتاب الحج) باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، حديث رقم (2391) .(21/232)
لا يطيل الغياب عن زوجته إلا برضاها
س 105: إذا كانت ظروفي تحكم علي أن أغيب عن البيت سنتين ونصف حسب ظروف عملي في العراق، وحسب ظروفي المادية، فما رأي سماحتكم. هل حرام أن أغيب كل تلكم المدة؟ وجهوني جزاكم الله خيرا (1) . ج: هذه مدة طويلة. فينبغي لك أن تذهب إلى أهلك بين وقت وآخر. ثم ترجع إلى عملك. أما إذا كانت الزوجة سامحة بذلك ولا خطر عليها. وأنت تعلم أنها سامحة في ذلك. وأنها امرأة مصونة لا خطر عليها في ذلك. فلا حرج إن شاء الله. ولكن نصيحتي لك أن لا تفعل لا أنت ولا أمثالك. وعليك الذهاب إلى الزوجة بين وقت وآخر، وألا تطيل المدة. فطول المدة فيه خطر عظيم عليك وعليها. فينبغي لك أن تذهب إليها بين وقت وآخر، وأن تقيم عندها بعض الوقت وترجع إلى عملك كل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وعلى الأكثر ستة أشهر ثم ترجع إلى عملك. والمقصود أنك تذهب إلى أهلك بين وقت وآخر. وكلما قصرت المدة فهو أولى؛ لأن الموضوع خطير والشر كثير. والفتن متنوعة في هذا العصر. فينبغي للزوج أن يراعي هذه الأمور. وأن يحرص على سلامة عرضه وعرض أهله، وأن يبتعد عن أسباب
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الخامس عشر.(21/233)
الفتنة. وينبغي لمن يعمل عندهم أن يسمحوا له وأن يساعدوه على الخيرة؛ لأن هذه أمور عظيمة يجب فيها التعاون على البر والتقوى والتساعد على الحق بين العامل وبين أصحاب العمل.(21/234)
جواز إطالة المدة عن الزوجة لأجل طلب الرزق
س 106: ما حكم من يطيل السفر حتى يغيب عن زوجته وأولاده لمدة سنة أو سنتين بسبب البحث عن الرزق، وأيضا ارتباطات العمل، وبعض الديون؟ (1) .
ج: لا حرج إذا سافر لطلب الرزق أو طلب العلم، لا حرج في ذلك ولو طالت مدته، لكن إذا تيسر أن يأتي بين وقت وآخر إلى أهله؛ حرصا على السلامة والعفة، هذا ينبغي له مهما أمكن، ولو في كل ستة أشهر مرة أو أربعة أشهر، إذا استطاع ذلك يجمع بين المصالح، يأتي إليهم بعد ستة أشهر أو أربعة أشهر، يقيم عندهم بعض الأيام ثم يرجع، وإن شق عليه ذلك فهو معذور.
__________
(1) من أسئلة حج عام 1415هـ شريط رقم (49\7) .(21/234)
وجوب العدل بين الزوجات
س 107: أنا رجل متزوج زوجتين ولم أقدر أعدل بينهما، وكثرت علي المشكلات، فما رأي فضيلتكم جزاكم الله خيرا، وهل علي ذنب إذا سرحت واحدة مع العلم أن لديها أطفالا؟ (1) . ج: الواجب عليك العدل يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل (2) » . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين زوجاته ويعدل، ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (3) » . فالواجب عليك أن تعدل بينهما حسب الطاقة في القسم ليلا ونهارا، في النفقة، إذا كانتا
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418هـ الشريط السادس.
(2) رواه الترمذي في (كتاب عشرة النساء) باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، بلفظ: '' من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل ''، ورواه أبو داود في (كتاب النكاح) باب في القسم بين النساء، حديث رقم (1821) بلفظ: '' من كانت
(3) رواه أبو داود في (كتاب النكاح) باب في القسم بين النساء، حديث رقم (1822) .(21/235)
مستويتين، أما إذا كانت واحدة عندها عيال، والأخرى ما عندها عيال، تعطي كل واحدة حسب حاجتها، أما المحبة والجماع فغير لازمة، وهذا من عند الله، لكن تعدل في القسم، هذه لها ليلة، وهذه لها ليلة، وكذلك النهار. أما كونك تحب هذه أكثر أو تجامع هذه أكثر لا يضرك. وننصحك أن لا تعجل في الطلاق إلا إذا طابت نفسك من إحداهما فطلقها، ولا تظلمها إلا إذا رضيت بحيفك، وعدم عدلك، إذا رضيت فقالت: أنا راضية تأتيني متى شئت، تفعل متى شئت إذا كانت راضية فلا بأس.(21/236)
س 108: رجل عنده زوجتان إحداهما تقوم بواجبات الزوج والبيت والأولاد، والأخرى لا تقوم بأي واجب لزوجها وأولادها أو منزلها، وإنما تعتمد على الخادمة. فهل يحق لهذه المرأة التي لا تقوم بواجب زوجها القسم في الليالي والنفقة أسوة بالمرأة الثانية التي تقوم بكل ما أوجبه الله عليها لزوجها؟ وهل يأثم الزوج في المساواة بين الزوجتين في النفقة والقسم؟ أم أنه يستمر في ذلك علما أن المرأة المقصرة في حقوقها لا يرجى تحسنها؛ لأن لها مدة طويلة على هذا الحال.
ج: يجب على الزوج أن يعدل بين الزوجتين أو الزوجات، وينفق على كل واحدة منهن بقدر حاجتها وحاجة أولادها بالمعروف؛ لقول الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (1) ومن قصر منهن
__________
(1) سورة النساء الآية 19(21/236)
في حقه، أو في حق الأولاد فيجب نصيحتها وتوجيهها إلى الخير. وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في خطبته في حجة الوداع، في بيان حق الزوجات: «ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف (1) » . وفق الله الجميع.
__________
(1) رواه الترمذي في (كتاب الرضاع) باب ما جاء في حق المرأة على زوجها رقم (1083) .(21/237)
س 109: أنا رجل متزوج منذ أربعة عشر عاما، ولي خمسة أطفال والحمد لله، وبعد ذلك تزوجت الزوجة الثانية وهي من الأقارب، وعند الزواج لم يشترط علي خالي سوى الملابس، والآن أريد أن أشتري لها ذهبا، وأخاف أن أظلم الأولى إذا اشتريت للثانية دون أن أشتري للأولى. أرشدوني حتى لا أقع في الظلم؟ (1) . ج: يجب عليك العدل بين الزوجتين في النفقة والملابس والحلي، إلا أن ترضى إحداهما بزيادة ضرتها عليها فلا بأس، ومن يكن عندها من الأطفال أكثر من ضرتها فعليك أن تزيدها في النفقة على قدر حاجتها، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على وجوب العدل بين الزوجات، وكان - صلى الله عليه وسلم - يعدل بينهن ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (2) » .
__________
(1) نشر في (جريدة المسلمون) العدد (711) بتاريخ 28\5\1419هـ.
(2) رواه أبو داود في (كتاب النكاح) باب في القسم بين النساء، حديث رقم (1822) .(21/237)
وقد قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) الآية. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21(21/238)
س 110: هل يشترط للعدل بين الزوجتين أن يعدل بينهما في السفر أيضا؟ وجزاكم الله خيرا (1) . ج: يجب أن يعدل بينهما في السفر بالتراضي أو بالقرعة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، وسافر بمن حصلت لها القرعة، والواجب التأسي به في ذلك عليه الصلاة والسلام؛ لقول الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2) ولأن في سفره بإحدى زوجتيه أو زوجاته بدون تراض ولا قرعة، ظلما للمتروكة أو المتروكات، والله سبحانه قد حرم الظلم على عباده وأمر بالعدل.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1640) بتاريخ 11 محرم 1419هـ.
(2) سورة الأحزاب الآية 21(21/238)
تعدد الزوجات
وحقوق المرأة في الإسلام
س 111: نرجو من فضيلتكم التكرم بإفادتنا عن تعدد الزوجات. وحقوق المرأة في الإسلام (1) .
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة.(21/238)
ج: إن الكتاب العزيز والسنة المطهرة جاءا بالتعدد، وأجمع المسلمون على حله، قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (1) الآية. وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين تسع من النساء، ونفع الله بهن الأمة، وحملن إليها علوما نافعة، وأخلاقا كريمة، وآدابا صالحة، وكذلك النبيان الكريمان داود وسليمان عليهما السلام، فقد جمعا بين عدد كثير من النساء بإذن الله وتشريعه، وجمع كثير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان، وقد كان التعدد معروفا في الأمم الماضية ذوات الحضارة، وفي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحدد ذلك وقصر المسلمين على أربع، وأباح للرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ذلك لحكم وأسرار ومصالح اقتضت تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - بالزيادة على أربع، وفي تعدد الزوجات - مع تحري العدل - مصالح كثيرة، وفوائد جمة، منها عفة الرجل وإعفافه عددا من النساء، ومنها كثرة النسل الذي يترتب عليه كثرة الأمة وقوتها، وكثرة من يعبد الله منها، ومنها إعالة الكثير من النساء والإنفاق
__________
(1) سورة النساء الآية 3(21/239)
عليهن، ومنها مباهاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم الأمم يوم القيامة، إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة التي يعرفها من يعظم الشريعة وينظر في محاسنها وحكمها وأسرارها، وشدة حاجة العباد إليها بعين الرضا والمحبة والتعظيم والبصيرة، أما الجاهل أو الحاقد الذي ينظر إلى الشريعة بمنظار أسود، وينظر إلى الغرب والشرق بكلتا عينيه، معظما مستحسنا كل ما جاء منهما، فمثل هذا بعيد عن معرفة محاسن الشريعة وحكمها وفوائدها، ورعايتها لمصالح العباد رجالا ونساء. وقد ذكر علماء الإسلام أن تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية، ومن رعايتها لمصالح المجتمع وعلاج مشكلاته، وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر، واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة، رغم عداوتهم لها، إقرارا بالحق واضطرارا للاعتراف به، فمن ذلك ما نقله صاحب المنار في الجزء الرابع من تفسيره صفحة (360) عن جريدة (لندن ثروت) بقلم بعض الكاتبات ما ترجمته ملخصا: (لقد كثرت الشاردات من بناتنا، رغم البلاء، وقل الباحثين عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة، تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وتفجعي وإن شاركني فيه الناس جميعا، إذ لا فائدة إلا في العمل بما ينفع هذه الحالة الرجسة، ولله در العالم (توس)(21/240)
فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء، وهو الإباحة للرجل التزويج بأكثر من واحدة، وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوروبي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجل، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين، أصبحوا كلا وعالة على المجتمع الإنساني، فلو كان تعدد الزوجات مباحا لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان، ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين) . ونقل صاحب المنار أيضا في صفحة (361) من الجزء المذكور عن كاتبة أخرى أنها قالت: (لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم، خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والعفاف، والطهارة حيث الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد عيش، ويعاملان(21/241)
كما يعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراءها بجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية، من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها) انتهى. وقال غيره، قال غوستاف لوبون: إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه، ويزيد الأسر ارتباطا، وتمنح المرأة احتراما وسعادة لا تجدهما في أوروبا. ويقول برناردشو الكاتب: (إن أوروبا ستضطر إلى الرجوع إلى الإسلام قبل نهاية القرن العشرين شاءت أم أبت) . هذا بعض ما اطلعت عليه من كلام أعداء الإسلام في محاسن الإسلام وتعدد الزوجات، وفيه عظة لكل ذي لب، والله المستعان.(21/242)
ليس هناك تعارض
في آيات تعدد الزوجات
س 112: ورد في القرآن الكريم آية كريمة في مجال، تعدد الزوجات تقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} (1) الآية،
__________
(1) سورة النساء الآية 3(21/242)
وورد في مكان آخر قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (1) الآية، ففي الأولى اشتراط العدل للزواج بأكثر من واحدة، وفي الثانية أوضح أن شرط العدل غير ممكن، فهل يعني هذا نسخ الآية الأولى وعدم الزواج إلا من واحدة؛ لأن شرط العدل غير ممكن؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (2) . ج: ليس بين الآيتين تعارض، وليس هناك نسخ لإحداهما بالأخرى، وإنما العدل المأمور به هو المستطاع، وهو العدل في القسمة والنفقة، أما العدل في الحب وتوابعه من الجماع ونحوه فهذا غير مستطاع، وهو المراد في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (3) الآية، ولهذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (4) » . رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النساء الآية 129
(2) نشر في (المجلة العربية) .
(3) سورة النساء الآية 129
(4) رواه أبو داود في (كتاب النكاح) باب في القسم بين النساء، حديث رقم (1822) .(21/243)
113 - حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. اطلعت على ما نشرته صحيفة اليمامة في عددها الصادر في 18\3\1385هـ تحت عنوان: حول مشكلة الأسبوع، وقرأت ما كتبه الأستاذ ن. ع. في حل مشكلة الأخت في الله م. ع. ل. المنوه عنها في العدد الصادر في 11\3\1385هـ تحت عنوان: (خذني إلى النور) وقرأت أيضا ما كتبه أ. س. في حل المشكلة ذاتها، فألفيت ما كتبه الأستاذ ن. حلا جيدا، مطابقا للحق؛ فينبغي للأخت صاحبة المشكلة أن تأخذ به، وأن تلزم الأخلاق الفاضلة والأدب الصالح، والصبر الجميل، وبذلك تتغلب على جميع الصعوبات وتحمد العاقبة، وإذا كان الضرر الذي تشكو منه من جهة الزوج، وعدم عدله فلتطلب منه إصلاح السيرة بلطف وإحسان وصبر جميل، وبذلك نرجو أن تدرك مطلوبها، وبقاؤها في البيت عنده أقرب إلى العدل إن شاء الله. أما إن كان الضرر من الضرة، فالواجب على الزوج أن يمنع ضرر الضرة، أو يسكن صاحبة المشكلة في بيت وحدها، ويقوم بما يلزم لها من النفقة، وإيجاد مؤنسة إذا كانت لا تستطيع البقاء في البيت وحدها، والواجب عليه أن ينصف من نفسه، وأن(21/244)
يتحرى العدل، ويبتعد عن جميع أنواع الضرر، فإن لم يقم بذلك ولم تجد في أقاربه وأصدقائه من يحل المشكل، فليس أمامها سوى رفع أمره إلى المحكمة. وينبغي لها قبل ذلك أن تضرع إلى الله سبحانه وتسأله بصدق أن يفرج كربها، ويسهل أمرها ويهدي زوجها وضرتها للحق والإنصاف، وعليها أيضا أن تحاسب نفسها، وأن تستقيم على طاعة ربها، وأن تتوب إليه سبحانه من تقصيرها في حقه وحق زوجها، فإن العبد لا تصيبه مصيبة إلا بما كسبت يداه من سيئات، كما قال الله سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1) وقال تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (2) وأما حل أ. س. للمشكلة، فهو حل صادر من جاهل بالشريعة وأحكامها، وهو في أشد الحاجة إلى أن يؤخذ إلى النور ويوجه إلى الحق؛ لأنه قد وقع فيما هو أشد خطورة، وأكثر ظلمة فيما وقعت فيه صاحبة المشكلة، وما ذاك إلا لأنه عاب تعدد الزوجات، وزعم أنه داء خطير، يجب أن نحاربه بكل وسيلة من شأنها الحد من تفشي هذا الداء العضال، الذي يهدد استقرار مجتمعنا، وأهاب بالحكومة إلى منعه، وزعم أيضا أن الذي يسعى في تعدد
__________
(1) سورة الشورى الآية 30
(2) سورة النساء الآية 79(21/245)
الزوجات جاهل، يجب علينا أن نتعاون على الحيلولة دون تحقيق رغباته الحيوانية، واستئصال هذا الداء من شأفته. وزعم أيضا أنه ما دخل في أسرة إلا وشتت شملها وأقض مضجعها. . . إلخ. وأقول إن هذا الكلام لا يصدر من شخص يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أن الكتاب العزيز والسنة المطهرة جاءا بالتعدد، وأجمع المسلمون على حله، فكيف يجوز لمسلم أن يعيب ما نص الكتاب العزيز على حله بقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (1) الآية. وقد شرع الله لعباده في هذه الآية أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء: مثنى ثلاث ورباع، بشرط العدل وهذا الجاهل يزعم أنه داء خطير، ومرض عضال مشتت للأسر، ومقض للمضاجع يجب أن يحارب، ويزعم أن الراغب فيه مشبه للحيوان، وهذا كلام شنيع يقتضي التنقص لكل من جمع بين الزوجتين فأكثر، وعلى رأسهم سيد الثقلين محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد جمع بين تسع من النساء ونفع الله بهن الأمة، وحملن إليهم علوما نافعة وأخلاقا كريمة وآدابا صالحة، وفي تعدد النساء مع تحري العدل مصالح
__________
(1) سورة النساء الآية 3(21/246)
كثيرة، وفوائد جمة، منها عفة الرجل وإعفافه عددا من النساء، ومنها كفالته لهن وقيامه بمصالحهن، ومنها كثرة النسل الذي يترتب عليه كثرة الأمة وقوتها، وكثرة من يعبد الله منها، ومنها مباهاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم الأمم يوم القيامة، إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة التي يعرفها من يعظم الشريعة، وينظر في محاسنها وحكمها وأسرارها، وشدة حاجة العباد إليها بعين الرضا والمحبة والتعظيم والبصيرة، أما الجاهل الذي ينظر إلى الشريعة بمنظار أسود، وينظر إلى الغرب والشرق بكل عينيه، معظما مستحسنا كل ما جاء منهما، فمثل هذا بعيد عن معرفة محاسن الشريعة وحكمها وفوائدها، ورعايتها لمصالح العباد رجالا ونساء. وقد كان التعدد معروفا في الأمم الماضية، ذوات الحضارة، وفي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام، فجاء الإسلام وحد من ذلك، وقصر المسلمين على أربع، وأباح للرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ذلك؛ لحكم وأسرار ومصالح اقتضت تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - بالزيادة على الأربع، وقد اقتصر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على تسع كما في سورة الأحزاب. ومنهم النبيان الكريمان داود وسليمان عليهما السلام فقد جمعا بين عدد كثير من النساء، بإذن الله وتشريعه، وجمع كثير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان.(21/247)
وقد ذكر علماء الإسلام أن تعدد الزوجات من محاسن الشريعة الإسلامية ورعايتها لمصالح المجتمع، وعلاج مشكلاته ولولا ضيق المجال وخوف الإطالة لنقلت لك أيها القارئ شيئا من كلامهم لتزداد علما وبصيرة. وقد تنبه بعض أعداء الإسلام لهذا الأمر، واعترفوا بحسن ما جاءت به الشريعة في هذه المسألة، رغم عداوتهم لها إقرارا بالحق واضطرارا للاعتراف به، وأنا أنقل لك بعض ما اطلعت عليه من ذلك، وإن كان في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وكلام علماء الإسلام ما يشفي ويغني عن كلام كتاب أعداء الإسلام، ولكن بعض الناس قد ينتفع من كلامهم أكثر مما ينتفع من كلام علماء الإسلام، بل أكثر مما ينتفع من الآيات والأحاديث، وما ذاك إلا لما قد وقع في قلبه من تعظيم الغرب وما جاء عنه؛ فلذلك رأيت أن أذكر هنا بعض ما اطلعت عليه من كلام كتاب وكاتبات الغرب: قال في المنار الجزء الرابع صفحة 360 منه، نقلا عن جريدة (لندن ثروت) ، بقلم بعض الكاتبات ما ترجمته ملخصا: (لقد كثرت الشاردات من بناتنا وعم البلاء، وقل الباحثون عن أسباب ذلك، وإذ كنت امرأة تراني أنظر إلى هاتيك البنات وقلبي يتقطع شفقة عليهن وحزنا، وماذا عسى يفيدهن بثي وحزني وتفجعي، وإن شاركني فيه الناس جميعا،(21/248)
لا فائدة إلا في العمل بما ينفع هذه الحالة الرجيسة، ولله در العالم (توس) فإنه رأى الداء ووصف له الدواء الكافل للشفاء، وهو الإباحة للرجل التزوج بأكثر من واحدة، وبهذه الواسطة يزول البلاء لا محالة، وتصبح بناتنا ربات بيوت، فالبلاء كل البلاء في إجبار الرجل الأوربي على الاكتفاء بامرأة واحدة، فهذا التحديد هو الذي جعل بناتنا شوارد، وقذف بهن إلى التماس أعمال الرجال، ولا بد من تفاقم الشر إذا لم يبح للرجل التزوج بأكثر من واحدة، أي ظن وخرص يحيط بعدد الرجال المتزوجين الذين لهم أولاد غير شرعيين، أصبحوا كلا وعالة وعارا على المجتمع الإنساني، فلو كان تعدد الزوجات مباحا، لما حاق بأولئك الأولاد وأمهاتهم ما هم فيه من العذاب والهوان ولسلم عرضهن وعرض أولادهن، فإن مزاحمة المرأة للرجل ستحل بنا الدمار، ألم تروا أن حال خلقتها تنادي بأن عليها ما ليس على الرجل، وعليه ما ليس عليها، وبإباحة تعدد الزوجات تصبح كل امرأة ربة بيت وأم أولاد شرعيين) اهـ. ونقل في ص 361 عن كاتبة أخرى أنها قالت: (لأن تشتغل بناتنا في البيوت خوادم أو كالخوادم خير وأخف بلاء من اشتغالهن في المعامل، حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تذهب برونق حياتها إلى الأبد، ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين فيها الحشمة والعفاف والطهارة، حيث الخادمة والرقيق يتنعمان بأرغد(21/249)
عيش، ويعاملان كما يعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء، نعم إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلا للرذائل، بكثرة مخالطة الرجال، فما بالنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية من القيام في البيت وترك أعمال الرجال للرجال سلامة لشرفها) . وقال غيرها مثل ذلك، كما قال غوستاف لوبون: (إن نظام تعدد الزوجات نظام حسن، يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تمارسه، ويزيد الأسر ارتباطا، ويمنح المرأة احتراما وسعادة لا تجدهما في أوربا) . ويقول برنارد شو الكاتب: (إن أوربا ستضطر إلى الرجوع إلى الإسلام، قبل نهاية القرن العشرين شاءت أم أبت) اهـ. هذا بعض ما اطلعت عليه من كلام أعداء الإسلام، في محاسن الإسلام وتعدد الزوجات، وفيه عظة لكل ذي لب، والله المستعان. أما حكم ا. س. فلا شك أن الذي قاله في تعدد النساء تنقص لإسلام وعيب للشريعة الكاملة، واستهزاء بها وبالرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك من نواقض الإسلام، فالواجب على ولاة الأمور استتابته عما قال، فإن تاب وأعلن توبته في الصحيفة التي أعلن فيها ما أوجب كفره فالحمد لله، ويجب مع ذلك أن يؤدب بما يردعه وأمثاله، وإن لم يتب وجب أن يقتل مرتدا،(21/250)
ويكون ماله فيئا لبيت المال، لا يرثه أقاربه قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) الآية، وقال تعالى في حق الكفرة: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (3) فنبه سبحانه عباده إلى أن من استهزأ بدينه، أو كره ما أنزل الله كفر وحبط عمله، وقال سبحانه في آية أخرى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} (4) ولا ريب أن ا. س. قد كره ما أنزل الله، من إباحة تعدد النساء وعاب ذلك، وزعم أنه داء عضال، فيدخل في حكم هذه الآيات، والأدلة على هذا المعنى كثيرة، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لمحبة ما شرع لعباده والتمسك به والحذر مما خالفه، وأن ينصر دينه وحزبه ويخذل الباطل وأهله، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66
(3) سورة محمد الآية 9
(4) سورة محمد الآية 28(21/251)
حكم الزوج الذي لا يعاشر بالمعروف
س 114: إنني متزوجة منذ حوالي 25 سنة، ولدي العديد من الأبناء والبنات، وأواجه كثيرا من المشكلات من قبل زوجي، فهو يكثر من إهانتي أمام أولادي وأمام القريب والبعيد، ولا يقدرني أبدا من دون سبب، ولا أرتاح إلا عندما يخرج من البيت، مع العلم أن هذا الرجل يصلي ويخاف الله، أرجو أن تدلوني على الطريق السليم؟ جزاكم الله خيرا.
ج: الواجب عليك الصبر، ونصيحته بالتي هي أحسن، وتذكيره بالله واليوم الآخر لعله يستجيب ويرجع إلى الحق، ويدع أخلاقه السيئة، فإن لم يفعل فالإثم عليه ولك الأجر العظيم على صبرك وتحملك أذاه، ويشرع لك الدعاء له في صلاتك وغيرها بأن يهديه الله للصواب، وأن يمنحه الأخلاق الفاضلة، وأن يعيذك من شره وشر غيره.
وعليك أن تحاسبي نفسك، وأن تستقيمي في دينك، وأن تتوبي إلى الله سبحانه مما قد صدر منك من سيئات وأخطاء في حق الله أو في حق زوجك أو في حق غيره، فلعله إنما سلط عليك لمعاص اقترفتيها؛ لأن الله سبحانه يقول:(21/252)
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1)
ولا مانع أن تطلبي من أبيه أو أمه أو إخوته الكبار أو من يقدرهم من الأقارب والجيران أن ينصحوه ويوجهوه بحسن المعاشرة؛ عملا بقول الله سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وقوله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (3) الآية.
__________
(1) سورة الشورى الآية 30
(2) سورة النساء الآية 19
(3) سورة البقرة الآية 228(21/253)
وعاشروهن بالمعروف
س 115: إن زوجي يضربني ويبصق في وجهي عند أمور لا تستحق هذا، فما رأي فضيلتكم؟ (1) .
ج: الواجب على الزوج تقوى الله، وأن لا يضرب أو يبصق إلا عن بصيرة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «استوصوا بالنساء خيرا، فإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله (3) » .
__________
(1) من أسئلة حج عام 1418هـ.
(2) سورة النساء الآية 19
(3) أخرجه الإمام أبو داود في كتاب (المناسك) باب صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم (1905) . وابن ماجه في (المناسك) باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم (3074) بلفظ: '' اتقوا الله في النساء '' بدلا من: '' استوصوا بالنساء خيرا ''.(21/253)
فاستوصوا بالنساء خيرا.
فالواجب على الزوج أن يتقي الله، ويراقب الله وأن يعاشر زوجته بالمعروف، بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، لا يضرب ولا يقبح، وأن يكون كلامه طيبا وفعله طيبا. هذا هو الواجب عليه، لكن إذا عصت الزوجة وخالفت الأوامر، له ضربها ضربا غير مبرح ضربا خفيفا، قال الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (1) هذا إذا خاف نشوزها وصارت تعصي عليه، وتخالف أوامره، له هجرها ووعظها، والضرب يصير في الأخير، يعظها أولا، كأن يقول: يا بنت فلان خافي الله، عليك بطاعة الزوج، اتقي الله، راقبي الله، اتركي هذا العمل، أو يهجرها يوما أو يومين أو ثلاثة في المضجع، لا بأس بهذا، فإذا ما نفع الهجر ولا نفع الكلام، له ضربها ضربا غير مبرح ضربا خفيفا، لا يكسر عظما، ولا يجرح بدنها، إذا كان الهجر ما أجدى والموعظة ما نفعت، أما كون الزوج عادته التأسد على الزوجة، والاكفهرار وسوء الكلام، فهذا ليس من أخلاق
__________
(1) سورة النساء الآية 34(21/254)
المؤمن، والواجب أن يكون الزوج خلقه طيبا مع زوجته، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس أخلاقا مع أزواجه. فالواجب على الزوج التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ويكون طيب الخلق مع زوجته حسن المعاشرة، ونسأل الله للجميع الهداية.(21/255)
هجر الزوج أو الزوجة
س 116: إذا غضبت الزوجة من زوجها لسبب دنيوي، وقاطعته في الحديث والمجالسة لفترة معينة تمتد لأيام، ما حكم ذلك؟ وهل من كلمة عن حقوق الزوج على زوجته؟ (1) .
ج: الواجب على الزوجة السمع والطاعة لزوجها في المعروف، ولا يجوز لها هجره إلا لموجب شرعي، وعليه هو أيضا معاشرتها بالمعروف، وعدم هجرها إلا لأمر شرعي؛ لقول الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) وقوله سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (3) الآية.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1540) في 22\12\1416هـ.
(2) سورة النساء الآية 19
(3) سورة البقرة الآية 228(21/255)
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «استوصوا بالنساء خيرا (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (كتاب النكاح) باب الوصاة بالنساء، حديث رقم (4787) ورواه مسلم في (كتاب الرضاع) باب الوصية بالنساء، حديث رقم (2671) .(21/256)
بعث الحكمين عند اختلاف الزوجين
س 117: هل إذا بعثنا حكمين لأجل شقاق الزوجين فأبى الحكمان أن يطلقا عند وجود جوازه لهما؛ لأنهما عاميان لا يتجاسران هل يجوز للقاضي أن يطلق أم لا؟
ج: هذه المسألة قد اختلف فيها العلماء رحمهم الله، فذهب بعضهم إلى أن الحكمين وكيلان عن الزوجين ليس لهما أن يفرقا إلا برضا الزوجين، وهذا القول محكي عن أبي حنيفة والشافعي وهو المشهور في مذهب أحمد، فعلى هذا القول ليس للحكمين ولا للقاضي التفريق بين الزوجين إلا برضا الزوج بالطلاق، ورضا المرأة ببذل العوض إن رأى الحكمان الطلاق على عوض. والقول الثاني أن للحكمين أن يفرقا إذا رأيا ذلك بطلاق خال من العوض أو بعوض تبذله المرأة، وهذا قول علي وابن عباس - رضي الله عنهم -، وروي عن عثمان - رضي الله عنه -(21/256)
وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد، واختاره الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وهو الأقرب من جهة الدليل؛ لأن الله سبحانه سماهما حكمين، والحاكم يجوز له أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه، ولأنه قول من ذكر من الصحابة - رضي الله عنهم - فعلى هذا القول إذا لم يطلق الحكمان لكونهما عاميين ويهابان من ذلك، فهل يطلق القاضي إذا أخبره الحكمان أن حال الزوجين لا تتفق، هذا محل نظر، ولم أر من صرح من الفقهاء أنه يجوز للقاضي ذلك، وأعني بذلك من وقفت على كلامه منهم بعد البحث والتفتيش، وذكر ابن حزم أنه قد صح عن سعيد بن جبير أن أمر الفرقة للقاضي لا للحكمين إذا أخبره الحكمان بما يقتضي الفرقة، فعلى قول سعيد المذكور يجوز للقاضي أن يفرق إذا أخبر الحكمان بما يقتضي التفريق، والأحوط عندي أن يمسك القاضي عن التفريق ويجتهد في المشورة على الحكمين بالتفريق إذا رأيا ذلك، فإن أبيا بالكلية أشار على الزوج بالفراق، وأشار على الزوجة ببذل ما يرضي الزوج من العوض، فإن تيسر ذلك وحصلت الفرقة فهو المطلوب، وإن أبى الزوج الطلاق أو رضي بالطلاق بشرط العوض وأبت المرأة تسليم العوض أخرهما القاضي مدة على حسب ما يقتضيه اجتهاده فلعلهما أن يصطلحا أو يسمح الزوج بالطلاق أو تسمح المرأة ببذل العوض، فإن لم ينفع ذلك، ولم تحصل الفرقة وترادا إلى(21/257)
الحاكم في ذلك جاز للقاضي أن يجبر الزوج على الفراق بلا عوض، إن ظهر له ظلمه، وإن اشتبه الأمر أجبر المرأة على تسليم العوض الذي دفع إليها الزوج من دراهم وقيمة لحم وبشت ونحو هذا، والصباحة تدخل في حكم الجهاز فيما يظهر لي، وأعني باللحم ما يدفع للزوجة عند النكاح دون ما يأكله الزوج في بيته، وقد حكمت بهذا مرتين، والدليل في هذا قصة ثابت بن قيس مع زوجته وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة (1) » . رواه البخاري.
قال العلامة ابن مفلح في الفروع: وقد اختلف كلام شيخنا في وجوبه، وقد ألزم به بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء انتهى، ويعني بشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ومراده أن شيخ الإسلام أوجبه مرة ولم يوجبه أخرى، والقول بوجوبه على الزوج هو الأقرب عندي كما تقدم، وهو أحوط من كون القاضي يتولى ذلك، وأحسم لمادة نزاع الزوج، وقصة ثابت مع زوجته حجة ظاهرة في هذا، ولله الحمد، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
__________
(1) أخرجه البخاري (كتاب الطلاق) باب الخلع وكيف الطلاق فيه برقم (4867) .(21/258)
باب الخلع
إذا كرهت الزوجة زوجها
ولم تطقه وجب التفريق بينهما
س 118: امرأة تزوجت ابن عمها ولم يكتب الله في قلبها له مودة، وقد خرجت من بيته منذ ثلاث عشرة سنة، وحاولت منه الطلاق أو المخالعة أو الحضور معه إلى المحكمة فلم يرض بذلك، وهي تبغضه بغضا كثيرا، تفضل معه الموت على الرجوع إليه، وقد أسقطت نفسها من السطح لما أراد أهلها الإصلاح بينها وبينه، فما الحكم؟ (1) .
ج: مثل هذه المرأة يجب التفريق بينها وبين زوجها المشار إليه، إذا دفعت إليه جهازه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس لما أبغضته زوجته وطلبت فراقه، وسمحت برد حديقته إليه: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة (2) » . رواه
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة.
(2) أخرجه البخاري في (كتاب الطلاق) برقم (4867) والنسائي في (كتاب الطلاق) برقم (3409) .(21/259)
البخاري في صحيحه، ولأن بقاءها في عصمته، والحال ما ذكر يسبب عليها أضرارا كثيرة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار (1) » ، ولأن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولا ريب أن بقاء مثل هذه المرأة في عصمة زوجها المذكور من جملة المفاسد التي يجب تعطيلها وإزالتها والقضاء عليها، وإذا امتنع الزوج عن الحضور مع المرأة المذكورة إلى المحكمة وجب على الحاكم فسخها من عصمته، إذا طلبت ذلك وردت عليه جهازه للحديثين السابقين وللمعنى الذي جاءت به الشريعة واستقر من قواعدها، وأسأل الله أن يوفق قضاة المسلمين؛ لما فيه صلاح العباد والبلاد؛ ولما فيه ردع الظالم من ظلمه، ورحمة المظلوم وتمكينه من حقه، وقد قال الله سبحانه: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} (2) .
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في (كتاب الأحكام) باب من بنى في حقه ما يضر بجاره برقم (2340) وأحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21714) .
(2) سورة النساء الآية 130(21/260)
119 - حكم من طلق بالثلاث على عوض
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ القاضي بمحكمة ينبع، وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم رقم (1664) وتاريخ 24\7\1393هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما، وهذا نصها وجوابها:
س 1: شخص خالع زوجته مدخولته أو غير مدخولته، بقوله: قد طلقتها بالثلاث مقابل ما استلمته منها، وهو مبلغ ألف ريال، وبعد قبولها لذلك حكمت بصحة الخلع وأفهمت المخالع بأن ليس له على مخالعته هذه رجعة حتى تنكح زوجا غيره، حيث وقع الخلع بلفظ الطلاق بالثلاث، وهذا الإفهام بناء على أن الخلع إذا حصل بلفظ الخلع والفسخ، فلا ينقص به عدد الطلاق، وتحل له مخالعته بعقد جديد بشرطه، وكذا لو حصل بلفظ الطلاق بأقل من ثلاث.(21/261)
ج: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء كما لا يخفى، والجمهور على ما ذكرتم من تحريمها على المطلق، حتى تنكح زوجا غيره؛ لكونه طلقها بالثلاث، ولو كان ذلك بكلمة واحدة بناء على ما رآه عمر - رضي الله عنه - في إمضاء الثلاث الواقعة بكلمة واحدة، وذهب ابن عباس - رضي الله عنه - في رواية صحيحة عنه، وجماعة من السلف والخلف إلى أنه لا يقع من الطلقات الثلاث التي أوقعها الزوج، بكلمة واحدة إلا طلقة واحدة؛ عملا بحديث ابن عباس الثابت في صحيح مسلم رحمه الله، وبحديثه الثاني المخرج في مسند الإمام أحمد بسند جيد، في قصة أبي ركانة، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله، وهو الذي نفتي به من نحو ثلاثين سنة لظهور دليله، ولما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين، وحل مشكلات عائلية كثيرة، والله سبحانه ولي التوفيق، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله القول في ذلك في كتبه: (زاد المعاد) و (إعلام الموقعين) و (إغاثة اللهفان) وغيرها.(21/262)
120 - المخالعة لا تعود لزوجها إلا بنكاح جديد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم الأحساء، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يا محب كتابكم الكريم رقم (3421) وتاريخ 26\4\1392هـ وصل وهذا نصه: (وبعد نرفق الخطاب الوارد إلينا من فضيلتكم برقم (668) في 22\4\1392هـ بخصوص طلاق الزوج ع. لزوجته، وطلب فضيلتكم حضور ولي الزوجة لأخذ ما لديه. حضرت لدي الزوجة المذكورة، وحضر معها والدها، وأبرزا ورقة الطلاق وهذا نصها: بسم الله، نعم أنا الزوج ع. قد خلعت زوجتي من ذمتي، طالقة بالثلاث، تحرم علي وتحل لغيري من الرجال، وهذه سنة الله في خلقه، والله يشهد على ذلك، وقد أشهدت على ذلك جماعة من المسلمين، الشاهد الأول: والد الزوج، والشاهد الثاني: ع. وشهادة ق. وتاريخ الورقة 23\1\1392هـ، وقد قررت المرأة ووالدها أنه لم يسبق أن طلقها الزوج غير هذه المرة، لا قبلها ولا بعدها، وأن هذا الطلاق حصل منه في مجلس واحد، وفي كلمة واحدة، وأن(21/263)
هذا الطلاق صدر منه في حالة غضب بينه وبين والدته، وأخيه، وزوجة أخيه، كما قررت الزوجة أنها حبلى من زوجها المذكور، وأنها الآن في الشهر السادس، وقالت: إنها لا تمانع في الرجوع إلى زوجها، إذا صح ذلك شرعا؛ لأن لديها منه أطفالا تخشى ضياعهم، كما قرر والدها أيضا مثل ذلك، جرى ذلك بحضور وشهادة العارفين للطرفين كما يجد فضيلتكم برفقة ورقة الطلاق المذكور. نأمل من فضيلتكم الاطلاع وإفتاءهما بما ترون، وإعادة الأوراق لإفهامهما بما يصدر من فضيلتكم) انتهى.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله مراجتعها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك، كما لا يخفى، وعليه التوبة من طلاقه؛ لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم، أما إن كان الطلاق المذكور، وقع منه على عوض، فإنها لا تحل له إلا بنكاح جديد، بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكون الطلاق على عوض تعتبر بينونة صغرى، لا يملك المطلق معها المراجعة كما هو معلوم. فأرجو من فضيلتكم إكمال اللازم، وإبلاغ الجميع بالفتوى المذكورة، أثابكم الله وشكر سعيكم، وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/264)
- طلاق الخلع يقع بينونة صغرى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم الحدود الشمالية وفقه الله، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
خطابكم الكريم المؤرخ 15\6\1391هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن صفة الطلاق الواقع من الزوج م. س. على زوجته، وهو: أنه طلقها بالثلاث بكلمة واحدة على عوض أربعمائة ريال كان معلوما، وقيد أفاد الزوج المذكور أنه لم يطلقها قبل ذلك، وأن زوجته ترغب العود إليه، وإنما قالت عند فضيلتكم: إنها لا ترغب العود إليه، خوفا من بعض أوليائها، وعرض علي ورقة تتضمن هذا المعنى.
وبناء عليه فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد؛ لأن طلاقها في حكم الخلع، وهو يبينها بينونة صغرى، كما لا يخفى إذا لم يثبت لدى فضيلتكم أنه طلقها قبل هذا الطلاق طلقتين، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) صدرت برقم (1157) في 21\6\1391هـ.(21/265)
من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يدل على أن طلاقه المذكور يعتبر طلقة واحدة. فأرجو من فضيلتكم إشعار المرأة ووليها بذلك. وفق الله الجميع لما يرضيه وبارك في جهود فضيلتكم، إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/266)
122 - العفو عما في ذمة الزوج
من باقي المهر في حكم الخلع
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي قنا، والبحر، سلمه الله وتولاه، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعده يا محب كتابكم الكريم رقم (435) وتاريخ 20\8\1392هـ وصل وصلكم الله برضاه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به، وهذا نصها: (لدي أنا قاضي قنا والبحر حاليا بناء على الخطاب الوارد من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز برقم (1457) في 4\8\1392هـ المتضمن أنه حضر لديه الزوج إ. وذكر له أنه غضب على زوجته وطلقها بالثلاث بكلمة واحدة، ولم يطلقها قبل ذلك، وقد قرر فضيلته حضور الزوج المذكور مع امرأته ووليها إلى
__________
(1) صدرت برقم (1810) في 4\12\1392هـ.(21/266)
المحكمة، وأخذ ما لدى المرأة ووليها عما ذكره الزوج، وعن رغبة الزوجة في العودة إليه إذا أباح له الشرع ذلك، وإفادة فضيلته بالنتيجة انتهى، ولحضور المرأة ووليها قررت أنه وقع بينها وبين زوجها المذكور مخاصمة، وأدى الحال إلى أن قال لها: مطلقة ثلاثا، وكان ذلك من بعد أن اتفقا هو وإياها أنها تسمح عنه بما كان لها عنده من مهر، وقدره ثلاثمائة ريال ومصاغ وقدره خصلتان، وقالت: هذا هو الواقع كما أفاد وليها أنه في يوم من الأيام حضر الزوج المذكور، ومعه شاهدان ومعه ورقة وكاتب، وتلفظ قائلا أمام المذكورين: (إن زوجتي مطلقة بالثلاث تحرم علي وتحل للكلاب) وقد أعطاها الورقة اللازمة، وفي الحال حضر الشاهدان وشهدا لله أن الزوج أحضرنا عند زوجته وطلقها ثلاثا، وقال: (تحرم عليه وتحل للكلاب) وكان ذلك مبنيا على عفوها عنه عما كان بذمته من باقي المهر والمصاغ، وقالا: هذا ما حضرنا عليه) انتهى كما اطلعت على التكميل الذي ذيلتم به كتابكم المشار إليه آنفا، وفيه أن الذي يظهر لكم من حال الزوجة أنها ترغب العودة.
وبناء على جميع ما ذكرتم، أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بالطلاق المذكور طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأن الطلاق المذكور في حكم الخلع كما لا يخفى، وقد صح عن رسول(21/267)
الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، وإخبار الزوج أن التطليق بالثلاث لا يجوز، وأن عليه التوبة منه، أثابكم الله، وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/268)
133 - الطلاق على عوض
يعتبر بينونة صغرى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ مساعد رئيس محاكم الحدود الشمالية وفقه الله لكل خير، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعده يا محب: كتابكم الكريم رقم (2141) وتاريخ 17\8\1398هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن جواز مراجعة المطلقة على عوض كان معلوما، وأفيدكم بأن الطلاق على عوض يعتبر بينونة صغرى لا يملك معها المطلق الرجعة، ولكنه يجوز له العود إليها بنكاح جديد
__________
(1) صدرت برقم (1359) في 16\9\1398هـ.(21/268)
بشروطه المعتبرة شرعا إذا كان لم يطلقها قبل ذلك طلقتين.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات
البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(21/269)
124 - حكم من طلق
زوجته على عوض ولم يدخل بها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعده يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 28\7\1388هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن الحكم في مسألة رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها ثم طلقها على عوض، ثم تزوجها بعد ذلك. . إلى آخر ما ذكرتم في كتابكم كان معلوما؟ (1) .
__________
(1) صدرت برقم (1315) في 16\8\1388هـ.(21/269)
والجواب: إذا كان الواقع ما ذكرتم فلا بأس بعودته إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا مع مراعاة احتساب الطلقة السابقة عليه، أما الرؤيا التي رأيتم فلا يترتب عليها حكم، بل هي من تحزين الشيطان وتلاعبه بالناس، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلينفث عن يساره ثلاثا، وليتعوذ بالله من شر ما رأى ومن الشيطان، ثم ينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضره (1) » وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري التعبير (6995) ، صحيح مسلم الرؤيا (2261) ، سنن الترمذي الرؤيا (2277) ، سنن أبو داود الأدب (5021) ، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3909) ، مسند أحمد بن حنبل (5/303) ، موطأ مالك الجامع (1784) ، سنن الدارمي الرؤيا (2142) .(21/270)
كتاب الطلاق(21/271)
صفحة فارغة(21/272)
125 - بيان الطلاق الموافق للسنة وحكم
الطلاق الثلاث وطلاق الغضبان في مجلس واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ح. وفقه الله، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
أخبركم بأني قد اطلعت على الورقة الواردة منكم المتضمنة بعض الأسئلة وهذا نصها وجوابها:
أولا: ما هي الطريقة المشروعة للطلاق في ضوء القرآن والسنة؟
الجواب: الطريقة المشروعة لذلك هي: أن يطلق الرجل زوجته طلقة واحدة حال كونها حاملا أو في طهر لم يجامعها فيه؛ لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (2) الآية. وفي الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ من ذلك، وقال:
__________
(1) أسئلة أجاب عنها سماحته برقم (121) في 30\1\1400هـ.
(2) سورة الطلاق الآية 1(21/273)
«مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء (1) » . وفي رواية لمسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا (2) » .
ثانيا: الطلاق الثلاث في مجلس واحد يعتبر طلاقا واحدا أم ثلاثا؟
الجواب: الطلاق الثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان الطلاق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر - رضي الله عنهما - طلاق الثلاث واحدة) فقال عمر - رضي الله عنه -: (إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم) فأمضاه عليهم، فيتضح من هذا أن إمضاءها كان باجتهاد عمر - رضي الله عنه - والأخذ بالسنة الصحيحة أولى من الاجتهاد من عمر وغيره وأرفق بالأمة وأنفع لها، ويؤيد ذلك ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند بسند جيد عن ابن عباس أن أبا ركانة طلق امرأته ثلاثا فحزن عليها فردها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إنها واحدة» .
ثالثا: رجل في حالة الغضب الشديد قال لزوجته: طلقتك ثلاثا، وهو الآن متأسف على هذا، ويريد إرجاعها ما هو
__________
(1) صحيح البخاري الطلاق (5252) ، صحيح مسلم الطلاق (1471) ، سنن الترمذي الطلاق (1175) ، سنن النسائي الطلاق (3390) ، سنن أبو داود الطلاق (2179) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2019) ، مسند أحمد بن حنبل (2/64) ، موطأ مالك الطلاق (1220) ، سنن الدارمي الطلاق (2262) .
(2) صحيح البخاري تفسير القرآن (4908) ، صحيح مسلم الطلاق (1471) ، سنن الترمذي الطلاق (1176) ، سنن النسائي الطلاق (3392) ، سنن أبو داود الطلاق (2185) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2019) ، مسند أحمد بن حنبل (2/130) ، موطأ مالك الطلاق (1220) ، سنن الدارمي الطلاق (2262) .(21/274)
الحكم الشرعي في هذا؟
الجواب: الطلاق في حال الغضب الشديد لا يقع سواء كان ثلاثا أم واحدة في أصح قولي العلماء إذا ثبت ما يدل على صحة الدعوى من ظاهر الحال التي نشأ عنها الطلاق، أما إن كان الغضب أفقده شعوره حتى لم يعرف ما وقع منه، فإنه لا يقع الطلاق منه إجماعا كالمجنون والسكران غير الآثم، أما السكران الآثم فالأصح عدم وقوع الطلاق منه في حال سكره وتغير عقله كما أفتى بذلك عثمان - رضي الله عنه - وذهب إليه جمع من أهل العلم، وهو مقتضى الأدلة الشرعية.
وأسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دينه، والثبات عليه، إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(21/275)
126 - حكم طلاق الحامل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. إ. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابكم المؤرخ 22\8\1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن رجل طلق زوجته في حال الحمل وردها بعد الوضع، ثم طلقها في طهر لم يمسها فيه وردها ثم طلقها في حال الحمل، ورغبتكم في الفتوى كان معلوما.
والجواب: الذي أرى عدم حل المرأة المذكورة لزوجها المذكور حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ويطأها لكونه استوفى الطلقات الثلاث في أوقات متفرقة، أما قولكم: إن الطلاق الأول بدعي فغير صحيح؛ لأنه وقع في حال الحمل، وتطليق المرأة في حال الحمل أو في طهر لم يجامعها فيه هو الموافق للسنة، ثم الطلاق البدعي واقع عند الجمهور(21/276)
مع الإثم؛ لأن المشهور أن ابن عمر - رضي الله عنهما - حسب عليه الطلاق الذي وقع منه في الحيض، كما رواه البخاري في الصحيح، وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه، إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة(21/277)
127 - مسألة في وقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه
من م. س. أ. إلى حضرة شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رعاه الله، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله أن يمتعكم بالصحة والعافية، وأن يرزقنا وإياكم الشكر لنعمه والثبات على الدين. وبعد: (1)
إنني كنت أعلم أنكم تفتون بوقوع الطلاق الثلاث واحدة، إن كان في مجلس واحد. وكنت سابقا لا يطمئن قلبي للإجابة وفق هذا. ولكن حديثا جدا تبين لي وضوح دلالة القرآن على ذلك، وجسرت على ذلك، وخاصة بعد ما تبين لي عظم المآسي التي تنتج من التفريق الدائم بين الزوجين إذا تعلق ذلك بكلمة واحدة تخرج من فم الزوج. ولكن سؤالي الآن هو: هل أنتم تفتون بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي حصل فيه اتصال بين الزوجين، أو أنكم تفتون بعدم وقوعه؟
__________
(1) سؤال موجه لسماحته من الشيخ م. س. أ. بتاريخ 20 ذي الحجة 1389هـ.(21/278)
فإن كنتم تفتون بوقوعه فما الفرق عندكم بينه وبين الطلاق الثلاث في مجلس واحد؟ إذ كلاهما مخالف للوجه المشروع، فينبغي أن يكون الحكم فيهما واحدا. وإن كنتم تفتون بعدم وقوعه، فهل ينبغي للمفتي والحاكم أن يستفسر من المطلق عن حال المرأة عند التلفظ بالطلاق؟
كما أنني أود أن أعلم قولكم في مسألة الحلف بالطلاق. ومسألة طلاق المغضب غضبا يخرج الإنسان عن طوره الطبيعي دون أن يصل به إلى الإغلاق، ولست في هاتين المسألتين بحاجة إلى معرفة الاستدلال، وإنما قصدي معرفة قولكم.
هذا ما لزم، وتحياتي إلى الأبناء، والمشايخ، والإخوان، وسائر الأحبة لديكم. والسلام.(21/279)
128 - حكم الطلاق في الحيض والطهر
الذي جامع فيه، والحلف بالطلاق، وطلاق الغضبان.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. س. أ. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم الكريم المؤرخ 10\12\1389هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن رغبتكم في معرفة رأيي في حكم الطلاق في الحيض والطهر الذي جامع الرجل امرأته فيه والحلف بالطلاق وطلاق الغضبان. . . إلخ كان معلوما.
والجواب الذي أرى في الطلاق في الحيض والطهر الذي
__________
(1) صدرت برقم (80) في 11\1\1390هـ.(21/280)
حصلت فيه المجامعة، وأفتي به هو: وقوع الطلاق لأمرين: أحدهما: حديث ابن عمر، وكون الطلقة حسبت عليه. والثاني: أني لا أعلم في شيء من الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استفسر من المطلق عند سؤاله عن الطلاق هل كان طلق في الحيض، أو في طهر جامع فيه، ولو كان الحكم يختلف لوجب الاستفسار، ولا أعلم أني أفتيت بعدم الوقوع إلا مرة واحدة، ولا أزال ألتمس المزيد من الأدلة على وقوعه أو عدم وقوعه، وطالب العلم ينبغي له أن يكون دائما طالبا للحق بأدلته حتى يلقى ربه عز وجل.
أما الحلف بالطلاق فقد كنت فيما مضى أفتي بالوقوع، ثم ظهر لي أخيرا من نحو سنة أو أكثر قليلا عدم الوقوع، وأفتيت بذلك مرات كثيرة إذا كان المطلق لم يرد إيقاع الطلاق عند وقوع الشرط، وإنما أراد معنى آخر من حث، أو منع، أو تصديق، أو تكذيب، ولا يخفى أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما.
وأما طلاق الغضبان، فالذي أفتي به الوقوع ما لم يشتد حتى يغير الشعور، أو يذكر المطلق أنه لا يعلم ما وقع منه إلا بقول الحاضرين معه، أما الفرق بين القول بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي وقعت فيه المجامعة، والقول بعدم وقوع الثلاث، الصادرة من الزوج بلفظ واحد فهو: أن النص جاء(21/281)
صريحا في عدم وقوع الثلاث، وأنها كانت تجعل واحدة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر - رضي الله عنه - وأول عهد عمر - رضي الله عنه - ولم يأت مثل هذا في الطلاق في الحيض، والطهر الذي وقع فيه المسيس، ولما كان الحديث في عدم وقوع الثلاث ليس بالصريح في عدم إيقاع الثلاث المفرقة، حملته على ما إذا وقعت بلفظ واحدة؛ لأن ذلك أقل ما يدل عليه؛ ولأن ابن عباس - رضي الله عنهما - أفتى بذلك في الرواية التي جاءت عنه في عدم إيقاع الثلاث، ولأني لم أجد عن أحد من السلف إلى وقتي هذا لفظا صريحا يدل على أن الثلاث المفرقة لا تقع.
هذا خلاصة ما لدي في الموضوع، ومتى ظهر لفضيلتكم خلاف ما ذكرته بدليل اطمأننتم إليه، فأرجو الإفادة بذلك؛ لأن الحق ضالة المؤمن، والفائدة مطلوبة مني ومنكم، ومن كل طالب علم، يتحرى الحق. وفقني الله وإياكم وسائر إخواننا، لإصابة الحق في القول والعمل والثبات عليه، إنه خير مسئول.(21/282)
129 - طلاق الحائض يقع مع الإثم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ أ. م. م. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصل إلي كتابكم المؤرخ 16\5\1390هـ وصلكم الله بهداه، واطلعت على السؤال المرفق، به المتضمن سؤالكم عن رجل طلق زوجته وهي حائض هل تطلق أم لا، وأن الطلقة هي آخر طلقة، كان معلوما.
والجواب الذي عليه جمهور أهل العلم أنها تحسب عليه مع الإثم؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - لما طلق امرأته في الحيض طلقة واحدة أنكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره بالمراجعة، ولم يقل له: إن الطلاق غير واقع، بل ثبت في صحيح البخاري أن الطلقة حسبت عليه، ولم يثبت فيما نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسأل المستفتين في الطلاق هل طلقوا في الحيض أم لا؟ ولو كان طلاقهم في الحيض لا يقع لاستفصلهم، وهذا هو الأظهر. والله سبحانه وتعالى أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (1129) في 23\6\1390هـ.(21/283)
130 - حكم الطلاق في طهر جامعها فيه
في ليلة الأربعاء 2\10\1413هـ حضر عندي الزوج م. ج. وزوجته، وذكر أنه طلقها طلقة واحدة صادفها في طهر جامعها فيه ولم تكن حبلى ولا آيسة،
فأفتيتهما بأن الطلاق المذكور غير واقع، وزوجته باقية في عصمته، في أصح قولي العلماء؛ لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وفق الله الجميع، والسلام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله (1) .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) الإجابة صدرت من مكتب سماحته برقم (2090\خ) في 2\10\1413هـ.(21/284)
131 - حكم طلاق النفساء
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. ع. م. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 25\1\1389هـ وصل وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة طلاق الزوج س. لزوجته وهو أنه قال: إن شربت الدخان لمدة سنة فزوجتي طالق واحدة، وذلك أثناء نفاسها، وأنه شربه وهي لم تزل نفساء. واستفتانا فأفتيناه أنها لغو، ثم حصل نزاع بينهما فاشتد غضبه. فحلف بالطلاق أن لا يكلمها خمسة عشر يوما ناويا طلقة واحدة لتأديبها، وأنها قالت: لا تكلمني أبدا فكلمها بعد يومين في اعتقاده أنها لما كلمته انحلت يمينه ولا يذكر أنها لم تعترف لديه أنها بدأته بالكلام، إلا أنه جازم في نفسه؛ لأنه نوى بقلبه ما لم تبدأه بالكلام ولم يتلفظ به حالة الحلف، ثم طلقها طلقة واحدة، وأن والدها أفادكم أنه لا يعلم شيئا إلا الورقة الأخيرة، وأنه وابنته لا يمانعان في الرجعة إذا(21/285)
أجازها الشرع المطهر، وأنه راجعها وأشهد على رجعتها عدلين.
وبناء على ذلك فقد أفتيت المذكور بأن مراجعته صحيحة؛ لكون الطلقة الأولى لم تقع لكونها صادفتها نفساء: وينبغي سؤال الزوج عن قصده بالتعليق في المرة الأولى والثانية، فإن كان قصده في المرة الأولى منع نفسه من الدخان، وفي المرة الثانية منع نفسه من كلامها، وليس مقصوده الطلاق، ولم تطب نفسه بطلاقها ذلك الوقت عند وقوع الشرط كما هو الظاهر في حاله وحال أكثر الناس، فإن الطلقتين المعلقتين على الشرطين لم تقعا لكونهما لم تقصدا في الحقيقة، وإنما قصد منع النفس من الدخان والكلام، وعليه كفارتا يمين عن شربه الدخان وعن تكليمه أهله، فتكون الطلقة الأولى قد حصل مانعان من وقوعها؛ كونها في النفاس وكونها لم تقصد، أما الثانية فمانع واحد. فأرجو من فضيلتكم إشعارهما بذلك، وإكمال اللازم، كما أرجو وصية الزوج بعدم التساهل بالطلاق والاجتهاد في علاج الغضب بالاستعاذة بالله من الشيطان ومفارقة محل الغضب إلى محل آخر. أثابكم الله وسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/286)
132 - الطلاق يقع كتابة ولفظا
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. ف. ع. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 3\6\1388هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عما أمرك به والداك من تطليق زوجتك، وأنك طلقتها كتابة لا لفظا بقولك: قد طلقت زوجتي على سنة الله ورسوله، ولم تزد على هذا الكلام، وسؤالك لنا عما إذا كان يحل لك الرجوع إليها بعقد جديد، كان معلوما.
والجواب: إذا كان الواقع كما ذكرت في خطابك فهو طلاق شرعي موافق للسنة ولا يقع به إلا طلقة واحدة، ولك مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة حلت لك بنكاح جديد إذا رضيت بالعود إليك ولم يسبق أن طلقتها قبل هذا الطلاق طلقتين. وفق الله الجميع لما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (997) في 22\6\1388هـ.(21/287)
133 - ليس من المعروف أن تطلق
زوجتك بدون جرم ولو بأمر والدتك
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. ع. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 5\2\1389هـ وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حصول خلاف بين والدتك ووالدة زوجتك أدى إلى أن تطلب والدتك منك طلاق زوجتك، وإصرارها على أنك إذا لم تطلقها فلن تدخل بيتك. ولن تقبل منك شيئا، وأنك سبق أن طلقت زوجتك بناء على إلحاح والدتك بطلب طلاقها وخروجها من بيتك حتى تطلقها، ثم استرجعتها بعد ذلك، ثم عاد الخلاف والخيار من جديد. وسؤالك عن الحكم الشرعي في وجوب طاعة والدتك في مثل هذا الأمر؟ كل ذلك كان معلوما.
والجواب: إذا كانت هذه الزوجة لم تؤذ والدتك، وكانت والدتك لا تخشى عليك مضرة في نفسك أو دينك أو
__________
(1) صدرت برقم (331) في 19\2\1389هـ.(21/288)
مالك من هذه المرأة، فليس لها الحق في أن تفرق بينكما، كما لا يلزمك والحالة هذه أن تطيعها في هذه المسألة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار (1) » ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الطاعة في المعروف (2) » وليس من المعروف أن تطلق زوجتك بدون جرم منها على والدتك ولا فساد في دينها، ولعلك تشعر الوالدة بهذه الفتوى، وتبين لها الحكم الشرعي، رجاء أن ترجع عن رأيها، وتسمح عنك في إبقائها وتعود إلى بيتك، وعلى كل حال فالواجب عليك الحرص على برها إرضائها حسب المكان بغير طلاق زوجتك. أما الطلاق فلا يلزمك والحالة هذه، وينبغي أن تكثر من سؤال الله وسبحانه أن يهدي الوالدة ويشرح صدرها للسماح عنك وعن زوجتك، والله سبحانه على كل شيء قدير، ومن يتق الله يجعل له مخرجا. فعليك بتقوى الله والاجتهاد في طاعته والحذر مما نهى عنه، وأبشر بعد ذلك بالفرج، والتيسير والعاقبة الحميدة، أحسن الله لنا ولك العاقبة، ويسر الله أمرنا وأمرك وشرح صدر والدتك لما فيه الخير لكم جميعا إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحيمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن ابن ماجه الأحكام (2340) ، مسند أحمد بن حنبل (5/327) .
(2) صحيح البخاري الأحكام (7145) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/82) .(21/289)
134 - حكم تنازل الزوج عن حقه في الطلاق لزوجته
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. ف. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 17\1\1389هـ وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن جواز تنازل الزوج عن حقه في الطلاق لزوجته كان معلوما.
ج: لا يجوز للرجل أن يتنازل للمرأة عن هذا الحق مطلقا؛ لأن المرأة ليست أهلا لأن تتبوأ هذه المنزلة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (1) فإعطاء المرأة؛ هذه الميزة خلاف الكتاب والسنة وعكس للأوضاع ولو كان الطلاق بيد النساء لحصل شر كثير وفساد كبير، ولكن حكمة الله فوق كل حكمة.
أما لو أراد الرجل أن يطلق امرأته فقال: أنت وكيلة نفسك فطلقت نفسها لجاز ذلك. أما أن يكون لها هي أن تطلق
__________
(1) سورة النساء الآية 34(21/290)
نفسها على أساس شرط سابق فهذا الشرط باطل حتى ولو حصل الاتفاق عليه؛ لأن الشروط الباطلة لا عبرة لها في الشرع.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك (1) » . روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أن قال: «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق (2) » .
وأبلغ من هذا كله الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (3) وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} (4) الآية.
والآيات الدالة على أن الطلاق بيد الرجال كثيرة في كتاب الله عز وجل. والمعنى شاهد بذلك كما سبق.
__________
(1) أخرجه الترمذي في (كتاب الطلاق) برقم (1101) وأبو داود في (كتاب الطلاق) برقم (1873) وأحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (6491) .
(2) أخرجه ابن ماجه في (كتاب الطلاق) باب طلاق العبد برقم (2072) .
(3) سورة النساء الآية 34
(4) سورة الأحزاب الآية 49(21/291)
والجواب على ما ذكرتم بما رد به هذا المسئول: لا أعلم له أصلا في كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا كلام العلماء، وإنما هو شيء بدا له فقاله عن ظن واجتهاد أو تقليد لقول بلغه لم نعرفه ولا أصل له في شرع الله سبحانه، والله المستعان.
ولكن لو تضررت المرأة ببقائها مع الزوج لبغضها له أو سوء عشرته أو أسباب أخرى فقد جعل الله لها فرجا بالمخالعة. وإذا لم تتفق مع الزوج على ذلك رفعت ذلك إلى الحاكم الشرعي، وعلى الحاكم أن ينظر في أمرها عملا بقوله سبحانه: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1) وقوله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (2)
وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتردين عليه حديقته، قالت: نعم،
__________
(1) سورة البقرة الآية 229
(2) سورة النساء الآية 35(21/292)
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثابت: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة (1) » .
وقد لاحظنا أنكم ذكرتم في كتابكم: تحية عربية سداها الإسلام، ولحمتها الإيمان. والصواب أن يقال: تحية إسلامية بالأدلة الشرعية، وتأسيا بالسلف الصالح. وإذا صرح بها فهو أكمل؛ لأن التحية العربية في الجاهلية غير التحية التي جاء بها الإسلام؛ فينبغي التنبه لمثل هذا الأمر.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
__________
(1) أخرجه البخاري في (كتاب الطلاق) باب الخلع، وكيف الطلاق فيه برقم (4867) .(21/293)
135 - الوكيل ليس له أن يطلق
أكثر من واحدة إلا بإذن الموكل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكرنتينة بجدة، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 28\3\1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على الورقة المرفقة به المتضمنة إثباتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته، وفيها للزوج ومطلقته وأبيها لديكم، واعترافه بأنه أمر كاتبا أن يكتب طلاقها فكتب الورقة المرفقة، وأنه لم يطلقها قبل ذلك، ولم يكن الطلاق على عوض، وأنه لم يتلفظ بالطلاق لا عندها ولا عند الكاتب، وإنما أمر الكاتب أن يكتب صدقة الطلاق يقصد بذلك طلاق زوجته المذكورة، وفيها مصادقة المرأة له في ذلك، وإفادة أبيها بأنه لم يعلم عن الطلاق المذكور شيئا سوى ما في ورقة الطلاق، وفيها أنه لا مانع لدى المرأة وأبيها من عودها إليه
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (758) في 19\4\1393هـ.(21/294)
إذا أباح الشرع ذلك، وفيها أنه راجعها أمامكم، وقد اطلعت على ورقة الطلاق المؤرخة 24\3\1393هـ فوجدتها تنص على ما يأتي: ابنة أبيها مطلاقة الثلاث المحرمات مطلقة. انتهى.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بالطلاق المنوه عنه طلقة واحدة ومراجعته لها صحيحة؛ لأن الوكيل ليس له أن يطلق أكثر من واحدة إلا بإذن الموكل، وهو لم يأمره إلا بالطلاق من غير بيان عدد حسب ما ذكرتم في الإفادة المرفقة بهذا. فأرجو إشعار الجميع بذلك. أثابكم الله، وأصلح حال الجميع، وجزاكم عن جهودكم الطيبة خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/295)
136 - قول الزوج اكتب طلاقها، في حكم التوكيل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) .
يا محب اطلعت على الإفادة المرفقة بكتابكم رقم (2277) وتاريخ 28\12\1388هـ، وعلى كتابكم رقم (256) وتاريخ 13\2\1389هـ وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته، وهو أنه: اعترف لديكم بأنه عمد المطوع أن يكتب طلاق زوجته، ولم يذكر له صفة الطلاق، ثم استرجعها، ثم طلقها بالثلاث بكلمة واحدة من نحو سنتين، وأنه لم يحصل منه طلاق سوى ذلك، واعتراف الزوجة لديكم بأنه طلقها طلاقا لا تعلم صفته بواسطة المطوع، ثم استرجعها، ثم طلقها الطلاق الأخير ولا تعلم عن صفته، وذلك من نحو سنتين، واعتراف ولي المرأة المذكورة الشرعي بأنه لا يعلم شيئا عن الطلاق المذكور، واعتراف
__________
(1) صدرت برقم (430) في 4\3\1389هـ.(21/296)
المطوع بأنه جاء إليه الزوج المذكور وقال له: اكتب طلاق زوجتي، وأنه لم يكتب ذلك، وإنما أمره بالذهاب إلى الشيخ ليكتب له الطلاق.
وبناء على ذلك أفتيت المذكور بأنه قد وقع على زوجته، بالطلاق الأخير طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكونها قد خرجت من العدة، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة كما لا يخفى، أما الطلاق الأول الذي أمر الزوج المطوع أن يكتبه. فينبغي سؤاله عنه، فإن كان قد تلفظ به وقعت به طلقة واحدة يضاف إليها الطلاق الأخير وتكون زوجته بذلك قد وقع عليها طلقتان. أما إن كان الزوج لم يقع منه إلا قوله للمطوع: اكتب طلاقها، فإن هذا في حكم التوكيل وقد امتنع المطوع من الكتابة فلم يقع بذلك شيء. فأرجو من فضيلتكم العناية وإكمال اللازم وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه الأخير وإخباره بالطلاق الشرعي والبدعي. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/297)
137 - حكم من سئل هل أنت متزوج
فقال لا على سبيل المزاح وهو متزوج
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. ع. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 15\1\1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عمن سئل هل تزوجت؟ فقال: لا على سبيل المزاح أو النسيان، والواقع أنه متزوج ثم راجعها على سبيل الاحتياط، وسؤالك هل يكفي في الرجعة إشهاد العدل أم لا بد من عدلين؟ وإذا قلنا بوقوع الطلاق هل يقع به واحدة أم كثر؟ وهل يكون هذا الكلام في حكم الكناية الخفية أم الظاهرة؟ وهل هناك فرق بين حال الخصومة والغضب وغيرهما؟ كان معلوما.
الجواب: إذا كان الواقع هو ما ذكر لم يقع على زوجة قائله شيء من الطلاق؛ لكونه في حكم الكناية الخفية، وهو لم ينو به الطلاق فلا يقع به الطلاق، ولو كان في حال الخصومة
__________
(1) فتوى صدرت من سماحته برقم (296) في 18\2\1393هـ.(21/298)
والغضب في أصح أقوال العلماء لو كان متذكرا، أما إن كان ناسيا كونه متزوجا فكذلك لا يقع به شيء؛ لعدم النية، ولقول الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) الآية، فقال الله سبحانه: (قد فعلت) كما صح بذلك الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه مسلم في صحيحه. أما الإشهاد في الرجعة فلا يكفي فيه إلا شهادة عدلين؛ لقول الله عز رجل في سورة الطلاق: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} (2) الآية، ولا ينبغي للمؤمن أن يمزح بأمور الطلاق وكناياته، بل يجب عليه الحذر من ذلك. وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 286
(2) سورة الطلاق الآية 2(21/299)
138 - حكم طلاق الهازل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي باللحمر وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (575) وتاريخ 8\9\1398هـ. وصل وصلكم الله بهداه، وما به علم، وقد اطلعت على الوثيقة المرفقة به المثبتة من قبل فضيلتكم وفيها اعتراف الزوج بأنه يعتريه أحيانا نوبات صدرية وتبرم فيتغير شعوره بذلك، وأنه طلق زوجته طلقتين وهو في غير شعوره بسبب هذا المرض، ثم طلقها طلقة ثالثة عن طريق المزح، وفيها مصادقتها ووليها له في ذلك.
وعليه أفيدكم: أفتيت أحمد المذكور بعدم وقوع الطلقتين اللتين صدرتا منه في حال تغير شعوره حسب اعترافه لديكم؛ لتصديق زوجته ووليها له في ذلك، أما الطلقة الأخيرة فهي واقعة لكون الطلاق هزله كجده كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بذلك، ونصيحة أحمد بأن لا يعود إلى الهزل بالطلاق. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (6444\خ) في 2\10\1398هـ.(21/300)
139 - ليس عليك طاعة الأم في الطلاق إذا لم تتأذ من زوجتك
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الجوف، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 3\11\1389هـ وصلكم الله بهداه، وما أشرتم عن الرجل الذي عنده زوجتان أو أكثر وأن إحداهن لها حظوة لديه؛ لحسن طباعها ولكن والدته وأخاه لم يرغبا فيها، وقالا له: لا نصلح ولا نرضى عليك ما دامت معك، وذلك خشية أن تميل به عنهما، وسؤالكم: هل يطاوع أمه وأخاه ويطلقها أم يجعلها في دهيت وحدها إذا كانا يرغبان ذلك، فقد فهمته.
والجواب: ليس عليه طاعتهما في طلاقها إذا كانت لم تؤذهما، ولا بأس بجعلها في بيت غير البيت الذي يقيمان فيه إذا كان في ذلك تهدأة للحالة، وبالجملة فليس عليه إثم في عدم إطاعة والدته في ذلك إذا كانت المرأة لم تضرها وليس فيها ما يوجب فراقها من جهة دينها.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (183) في 25\1\1490هـ.(21/301)
140 - إذا اختلف الزوجان في صيغة الطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. ز. ص. وفقه الله لكل خير، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم رقم (417) وتاريخ 19\11\1390هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنه تخاصم عندكم الزوج م. وزوجته فادعى أن زوجته أزعلته، فطلقها بالثلاث بكلمة واحدة، ثم راجعها في اليوم الثاني لوقوع الطلاق، وأن زوجته أجابت بأنه طلقها بقوله: تراك طالق ثم طالق ثم طالق، وأن أخاها صدقها في ذلك، والزوج ينكر ذلك ويدعي أن أخاها خصم؛ ولا بينة لهما غير ما ذكر، ورغبتكم في الإفادة بما نراه في ذلك، كان معلوما.
والجواب: لا يخفى على فضيلتكم أن القاعدة في مثل هذا الأمر هي: إن القول قول المنكر بيمينه، وعليه فالقول قول الزوج المذكور إذا حلف على ذلك، ولا تقبل دعوى
__________
(1) صدرت برقم (2417) في 18\12\1390هـ.(21/302)
المرأة وأخيها إلا ببينة عادلة، أما قول بعض الفقهاء: إنه لا يمين في النكاح والطلاق، ومسائل أخرى كما في مختصر المقنع والروض وغيرهما فهو قول يخالف الدليل، فلا ينبغي أن يعول عليه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعطى الناس بدعواهم (1) » الحديث. ولم يستثن - صلى الله عليه وسلم - نكاحا ولا طلاقا، وفق الله الجميع لإصابة الحق إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4552) ، صحيح مسلم الأقضية (1711) ، سنن النسائي آداب القضاة (5425) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2321) .(21/303)
141 - حكم قول الزوج: هي طالق
هي طالق، هي طالق، وقصده إيقاع الثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وفقه الله لما فيه رضاه، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فأشفع لفضيلتكم نسخة من المعاملة الواردة إلي من فضيلة رئيس محاكم المنطقة الشرقية المساعد حول إفتائكم للزوج ر. ع. بجواز رجوعه إلى زوجته بعقد جديد إلخ، بعد طلاقه لها طلقة واحدة وهي حامل، ثم بعد أيام طلقها بقوله: (هي طالق، هي طالق، هي طالق) وقصده إيقاع الثلاث. وقد حكم ببينونتها فضيلة الشيخ القاضي بالمحكمة الكبرى بالدمام.
والذي أرى أن هذه الفتوى غلط وخلاف الصواب، فالواجب عليكم الرجوع عنها لأمور منها:
أولا: أن الزوج قد طلقها طلقة واحدة ثم أتبعها بإكمال الثلاث بعد أيام.(21/304)
ثانيا: إجماع أهل العلم على أن الرجعية يلحقها طلاق الزوج. كما ذكر ذلك صاحب المغني.
ثالثا: أن الأدلة الشرعية تقتضي ذلك؛ لقول الله عز وجل: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (1) ثم قال سبحانه بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2) الآية ومعلوم أن من قال لغيره: السلام عليكم، السلام عليكم، فقد كلمه مرتين، ومن قال ذلك ثلاثا فقد استأذن ثلاثا. وهكذا من قال لزوجته: (هي طالق، هي طالق، هي طالق) لو قال: (تراك طالق، تراك طالق، تراك طالق) فقد طلقها ثلاثا ما لم ينو تأكيدا أو إفهاما.
وإنما الخلاف فيما إذا قال الزوج: (أنت طالق بالثلاث) أو (هي طالق بالثلاث) ولم يكرر ذلك. فالجمهور على وقوع الطلاق كما لا يخفى والراجح أنه لا يقع بذلك إلا واحدة؛ لحديث ابن عباس الصحيح المشهور، وأما اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية لعدم وقوع الطلاق على الرجعية إلا بعد عقد أو رجعة فقول ضعيف مخالف للأدلة الشرعية، ولا أعلم له سندا ولا سلفا. وإن قدر أن أحدا من التابعين أو غيرهم قال بقوله فهو قول غلط مخالف لما ذكرناه من الأدلة الشرعية كما لا يخفى، والحق ضالة المؤمن، متى وجدها أخذها، ولا يخفى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كغيره من أهل العلم
__________
(1) سورة البقرة الآية 229
(2) سورة البقرة الآية 230(21/305)
يخطئ ويصيب، فيؤخذ من قوله ما وافق الحق كغيره.
وقد بسط ابن القيم - رحمه الله - الكلام في هذه المسألة في (إعلام الموقعين صفحة 38 وما بعده من المجلد الثالث من الطبعة ذات الأجزاء الأربعة) وأوضح في ذلك الفرق بين إيقاع الثلاث بكلمة واحدة وبين إيقاعه بكلمات، واستدل على ذلك بآية الاستئذان وآية اللعان وأحاديث التسبيح بعد الصلوات الخمس وعند النوم، فيحسن مراجعة كلامه لعظيم الفائدة.
فأرجو العناية بالموضوع وإبلاغ فضيلة الشيخ القاضي بالمحكمة الكبرى بالدمام برجوعكم عن الفتوى إيثارا للحق ووقوفا مع الأدلة الشرعية. سدد الله خطاكم ومنحنا وإياكم وسائر إخواننا إصابة الحق في القول والعمل، إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
لإدارة البحوث العلمية والإفتاء(21/306)
142 - الكناية إذا لم
تصاحبها النية لا يقع بها طلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة مدير عام فرع وزارة العدل بحائل، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (1021) وتاريخ 24\8\1398هـ الجوابي لكتابي رقم (1157\خ) وتاريخ 11\8\1398هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج ر. ش. وزوجته ووالدها لدى فضيلتكم، وإفادته بأنه لم ينو الطلاق في قوله لها: (تغشي) كما لم ينو في قوله لها: إذا وافقها خير توافقه، دائما قصد بذلك تخويفها وتأديبها إلى آخر ما ذكرتم، كان معلوما.
وأفيدكم أنه بناء على ذلك وعلى اعترافه في كتابه المرفق بأنه طلقها طلاق الشريعة وهي حبلى، وراجعها في الحال ومصادقتها له في صفة الواقع وعدم ادعاء والدها ما يخالف
__________
(1) صدرت برقم (1323) في 12\9\1398هـ.(21/307)
ذلك.
أفتيته بأنه لم يقع عليها سوى طلقة واحدة، وهي التي أوقعها بصريح الطلاق، ومراجعته لها صحيحة، أما قوله لها: تغشي، وقوله لهما: إذا وافقها خير توافقه، فلا يقع بهما عليها شيء من الطلاق؛ لكونهما كنايتين لم تصاحبهما نية الطلاق، فلا يقع بهما طلاق في أصح قولي أهل العلم، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بالفتوى المذكورة، أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية الإفتاء والدعوة والإرشاد(21/308)
143 - الكناية لا يقع بها
إلا طلقة واحدة على الراجح
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم حائل، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده: (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (593) وتاريخ 21\3\1394هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من حضور الزوج م. س. لديكم واعترافه أنه طلق زوجته بقوله لها: تقلعي، تراك ما أنت بذمتي، ولما قالت له: ما يكفي قال لها: تراك بستين طلقة، ومراجعته لها بعد ذلك بيوم وعدم وقوع طلاق منه لها سوى ما ذكر ومصادقة والدها له في ذلك، وإفادته برغبة ابنته في العود إلى زوجها المذكور إذا وجد فتوى شرعية وشهادة الشاهدين الذين أثبتم شهادتهما لديكم بمراجعته لها بعد الطلاق بيوم.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع بطلاقه المنوه عنه على زوجته المذكورة طلقتان إحداهما بقوله لها:
__________
(1) صدرت برقم (603\خ\1) في 22\3\1394هـ.(21/309)
تراك ما أنت بذمتي، والثانية بقوله: تراك بستين طلقة، ويبقى لها طلقة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن طلاقه الثاني يعتبر طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة الواقعة بقوله: ما أنت بذمتي؛ لأنها في حكم الكناية، والراجح أن الكنايات لا يقع بها إلا واحدة ومراجعته لها صحيحة.
فأرجو إشعار الجميع بذلك، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه المذكورة لكونه طلاقا منكرا كما لا يخفى، شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/310)
144 - كناية مع القرينة تعد طلاقا
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي محائل، سلمه الله وتولاه، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (955) وتاريخ 5\9\1392هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الورقة المرفقة به التي أثبتم فيها صفة الطلاق الواقع من الزوج ع. م. به على زوجته وهذا نصها: (الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد فلدي أنا قاضي محكمة محائل حضر الزوج ع. م. وحضر لحضوره أ. ش. ولي الزوجة ومطلقته، وبعد حضورهم لدي تقدم لي الزوج بخطاب موجه له من سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز برقم (1674) في 12\9\1390هـ يتضمن حضوره ومطلقته والولي والكاتب لمناقشة ما جاء بخطاب سماحته، وبناء على ذلك فقد قرر المطلق ع. قائلا: إن م. ش. كانت زوجتي فوقع بيني وبينها خلاف أدى إلى قولي لها: مطلقة، فقال الكاتب: أسمعها
__________
(1) صدرت برقم (1857) في 5\10\1392هـ.(21/311)
الطلاق، فقلت: مطلقة، وأردت بذلك تأكيدا للطلقة الأولى، ثم رجعت في عصمتي، ثم وقع بيني وبينها خلاف وخصام، فقلت للكاتب: اكتب لها فإنني قد سمحتها، وأردت بذلك درأ شرها عني، ثم بعد مدة أربعة أشهر رجعت عليها، ثم لبثت لدي مدة ومرضت؛ فأرسلت لها بالطلاق حيث طلقتها، أما كتاب الطلاق فقد توفوا هكذا قرر، وقد صادقته المطلقة ووليها على ذلك بحضور الشاهدين) انتهى.
وبناء على ذلك لا أرى له سبيلا عليها حتى تنكح زوجا غيره؛ لأن الظاهر من الواقع أنه طلقها ثلاثا في أوقات مختلفة، وقوله: إنه لم يقصد الطلاق في المرة الثانية ليس بظاهر؛ لأنها طلبته الطلاق، فأمر الكاتب أن يكتب لها فكتب، وهذا واضح في أنه كتب لها الطلاق سواء كان ذلك بلفظه الصريح أو الكناية، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/312)
145 - النية إذا خالفت صريح الطلاق لا تقبل
صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله، آمين، وبعد: أفيدكم بأن لي زوجة، ولها مني ستة أولاد، ما بين ذكور وإناث. وأفيدكم بأنه قد جرى على زوجتي المذكورة طلقة واحدة في عام 1385هـ مع غضب واقع بتلك الطلقة تأديبا لها؛ لعلها تعاشرني معاشرة حسنة، ثم في عام 1386هـ زعلتني فطلقتها بالثانية، ولم أخرجها من بيتي أقصد بذلك أيضا تأديبا لها، ثم في عام 1387هـ وتاريخ 27\11\1387 عادت في معاندتي حتى إنه ازداد غضبي عليها - فقلت لها: روحي إلى أهلك، واعتبري نفسك مطلقة والله ما ترجعين لي مرة أقصد بذلك تبعد عني وقت الغضب والفرار من الطلقة الثالثة، كما أني مكره بهذا اللفظ: (فإنا لله وإنا إليه راجعون) ونستغفر الله من كل ذنب ونتوب إليه، ثم إنها قالت حينذاك: تعوذ بالله من الشيطان ولا تخرجني من بيتي وأولادي، فتعوذت بالله من الشيطان ولم أقصد بذلك اللفظ طلاقا لزوجتي المذكورة معتمدا على الله ثم على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » . . . وأقسم لكم بالله الذي لا إله غيره إني لم أنو بهذا اللفظ طلاقا لزوجتي المذكورة. فهل يعتبر هذا اللفظ طلاقا
__________
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .(21/313)
بدون نية مني؟ أفتونا أحسن الله عملكم وعظم الله أجركم.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 26\2\1388هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن الطلقات التي وقعت منكم كان معلوما، والذي يظهر لي أن المرأة المسئول عنها قد بانت منكم، وحرمت عليكم حتى تنكح زوجا آخر؛ لأنك طلقتها بالثلاث كل واحدة على حدة، وقولك في الطلقة الأخيرة: إنك لم تقصد الطلاق لا يستقيم؛ لأنك قلت لها: روحي إلى أهلك واعتبري نفسك مطلقة، وهذا صريح في الطلاق، والنية إذا خالفت الصريح لا تقبل دعواها. وأسأل الله عز رجل أن يبدلك خيرا منها، ويبدلها خيرا منك، وأن يصلح حال الجميع، إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (365) في 16\3\1388هـ.(21/314)
146 - حكم قول: خذها
وعفشها لأن نفسي طابت منها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. ع. سلمه الله وتولاه، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم رقم (1968) وتاريخ 17\12\1392هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على الإفادة التي تقدم بها إلى فضيلتكم الزوج س. ب. وصهره واتضح منها أن الزوج المذكور لم يصرح بطلاق زوجته، إنما تلفظ بلفظ محتمل، وقد سألته عن ذلك، فأجاب بأن الواقع منه هو ما ذكره لفضيلتكم وهو أنه قد قال لأبيها: (خذها وعفشها؛ لأن نفسي طابت منها) هذا قوله له، وقد حلف على أنه لم يقصد بذلك الطلاق، وإنما أراد بقاءها عند أبيها ليربيها وينصحها.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأن زوجته المذكورة باقية في عصمته ولم يقع عليها شيء من الطلاق؛ لأن اللفظ المذكور ليس صريحا في الطلاق والزوج المذكور
__________
(1) صدرت برقم (2324) في 18\12\1392 هـ.(21/315)
أعلم بنيته، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » فأرجو من فضيلتكم إشعار أبيها بذلك، والمشورة عليها بالمعاشرة الطيبة والتعاون على البر والتقوى، وحث صهره على وصية ابنته بالمعاشرة الطيبة، أثابكم الله، وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .(21/316)
147 - قول: تراك حرام، من كنايات الطلاق
حضر عندي الزوج ع. وحضر معه شاهدان حسب اعترافهما، وحضرت معهم عمة أحد الشهود حسب اعتراف الجميع، واعترف عندي الزوج المذكور بأنه غضب على زوجته المذكورة من نحو ثمان سنين أو أكثر فقال لها: تراك حرام، يقصد بذلك طلاقها ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وبسؤال الزوجة المذكورة عن الواقع أجابت بأن الواقع هو ما قاله الزوج، وبسؤال الشاهدين أجابا بأنهما لا يعلمان أنه وقع من الزوج طلاق سوى ما اعترف به.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور وزوجته المذكورة بأنه قد وقع على زوجته بهذا الكلام طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأن هذا اللفظ من كناية الطلاق على الراجح من أقوال العلماء، وقد نوى به الزوج الطلاق؛ فيقع ما نواه ولا يقع بالكناية المذكورة وغيرها من الكنايات إلا طلقة واحدة في أصح أقوال أهل العلم.
قاله وأثبته الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه (1) .
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (675) في 12\4\1393هـ.(21/317)
148 - حكم من قال لزوجته: خالصة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخت في الله ز. م. ح. ألهمها الله رشدها، وكفاها شر نفسها.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد (1) :
اطلعت على كتابك المرفق بهذا، وعلمت ما شرحت فيه من صفة الطلاق الواقع من زوجك، وهو أنه حلف بالطلاق لا يدخل بيت أخته ثم دخل، ثانيا حلف بالطلاق عليك أن لا تخرجي من عتبة الباب، فقالت له بنته الطفلة: إنك قد خرجت فصدقها. ثالثا: رأى ابنته خرجت من بيت الجار: كيف تخرج بنتي من بيتي، فقال له الجار: أذنت لها أمها، فقال عند ذلك وهو غضبان: (أمها خالصة) يعني بذلك الطلاق وذكرت أنك لم تخرجي من عتبة البيت، ولم تأذني للبنت، وقد سألت زوجك عن ذلك، فأجاب بأنه لا يعلم الواقع، وأنه؛ إنما طلق المرة الأخيرة ظانا صدق الجار، ويذكر زوجك أن الجار ليس عنده علم من إذنك، وإنما قال ظنا منه أنك أذنت للبنت.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته بتاريخ 18\11\1386هـ.(21/318)
وبناء على هذا كله فقد أفتينا الزوج بأنه لم يقع عليك من طلاقه إلا الطلقة الأولى، أما الطلقة الثانية والثالثة فلم تقع إذا كنت صادقة فيما قلت، والأمر بينك وبين الله سبحانه، وهو الذي يعلم السرائر.
أما زوجك فليس عليه حرج من مباشرتك إذا كان الأمر كما قال، والله هو الذي يحاسب الجميع، وأنت باقية في عصمته؛ لأن الأعمال بالنيات، فإذا كان حين قوله المرة الأخيرة: أمها خالصة، إنما أراد بذلك إذا كنت أذنت وأنت لم تأذني فالشرط لم يقع، فلا يقع الطلاق، وأسأل الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/319)
149 - مسألة في أن
الكناية لا يقع بها الطلاق إلا بالنية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أمير الصويدرة وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (42) وتاريخ 2\2\1387هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما أشرتم إليه كان معلوما من خصوص ولي الزوجة وزوجها، وسألنا الولي المذكور عن الذي أخفاه الزوج فأجاب بأنه سبق أن شرد زوجته إلى أهلها ولا يدري هل ذلك عن زعل أو عياف، ثم ردها، ثم بعد ذلك قال لها: روحي لأهلك لا شانوا بوجهك، حسب ما بلغه عن الذين عرفوا الواقع، ثم رجع إلى أهله ثم طلق الطلاق الأخير الموضع في خطابنا إليكم رقم (64) وتاريخ 13\1\1387هـ المرفق بهذا وبسؤال الزوج عما ذكر الولي أجاب بأنه صحيح قد أرسلها لأهلها عن زعل، ثم ردها بدون صدور طلاق منه، أو هكذا قال لها بعد ذلك وبعدما ردها من الزعل الأول، تنازعا
__________
(1) صدرت برقم (194) في 4\2\1387هـ.(21/320)
بعد ذلك وطلبت أهلها فقال لها: أهلك شانوا بوجهك، هكذا قال، وقد أخبرنا بهذا سابقا وسألناه عن نيته، فأجاب بأنه لم يقصد بهذا الطلاق، وهو أعلم بنيته ولا يحكم عليه بالطلاق بمثل هذا الكلام، إلا بنيته؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » .
أما الذي جرى أولا من الزعل وذهابها إلى أهلها، فإنه لا يترتب عليه شيء؛ لكونه بقوله لم يصدر منه طلاق والولي المذكور لا يدعي أنه صدر منه طلاق، وإنما يذكر أنه أرسلها لأهلها فقط إما عن عياف أو زعل كما سبق، وليس إرسالها لأهلها طلاقا إذا لم يصدر من الزوج طلاق، وإنما الاعتبار بالطلاق الأخير وقد أخبرناكم أنه يعتبر طلقة واحدة وأنه قد راجعها عندي بشهادة جماعة من المسلمين؛ وبذلك بقي الأمر على حاله، والمرأة في عصمة زوجها. فأرجو اعتماد ذلك. تولاكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .(21/321)
150 - الطلاق لا يقع بالنية دون اللفظ أو الكتابة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. م. أ. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
كتابكم المؤرخ 24\1\1392هـ وصل وما تضمنه من الإفادة أنك غضبت على زوجتك فنويت فراقها ولم تنطق بالطلاق واعتزلتها، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
والجواب: إذا كان الواقع ما ذكرت فإن الطلاق غير واقع؛ لأن الطلاق لا يقع بالنية وإنما يقع باللفظ أو الكتابية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم (1) » أصلح الله حال الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري الطلاق (5269) ، صحيح مسلم الإيمان (127) ، سنن الترمذي الطلاق (1183) ، سنن النسائي الطلاق (3435) ، سنن أبو داود الطلاق (2209) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2040) ، مسند أحمد بن حنبل (2/393) .(21/322)
151 - حكم قول الرجل
لزوجته: تغشي واقلبي وجهك
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الجوف، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (123) وتاريخ 16\1\1392هـ وصل وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبتموه من صفة الطلاق الواقع من الزوج ع. على زوجته، وذلك أنه حضر لدى فضيلتكم هو وزوجته ووليها وهو أخوها، واعترف أنه في 25\11\1391هـ حصل بينه وبين زوجته المذكورة نزاع، وعلى أثره قال لها: والله على الطول ما تصيرين لي امرأة، وأنه يقصد بذلك الطلاق ولو بعد حين، وليس في الوقت الحاضر، وأنها طلبته الطلاق فطلقها بقوله لها: تغشي واقلبي وجهك، وأنكم سألتموه عن قصده بقوله: تغشي واقلبي وجهك هل أراد به الطلاق؟ فقال: نعم، أردت به طلقة واحدة، ولم يسبق له أن طلقها قبل هذا ولا بعده، وأنه راجعها في 29\11\1391 هـ
__________
(1) صدر من سماحته بتاريخ 20\2\1392هـ.(21/323)
وأن الولي اعترف لدى فضيلتكم بأنه ليس عنده اعتراض على إفادة الزوج، ولا مانع عنده من رجوع زوجته إليه، كما اعترفت الزوجة بأنه بعد النزاع الذي حصل بينها وبين زوجها قال لها: تغشي ولم تتغش، فما زال يرددها حتى قالها ثلاث مرات وخرج، فخرجت إلى بيت أهلها، ولا مانع لديها من الرجوع إليه وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المذكور طلقة واحدة، ومراجعته لها صحيحة، وقد بقي لها طلقتان. فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله.(21/324)
152 - حكم قول (بنتك ما هي بذمة)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرم فضيلة قاضي الحايط وملحقاته، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب حضر عندي من سمى نفسه ع. وذكر أنه غضب على زوجته في حال مرضه، وقال لوالدها: (يا عم بنتك ما هي بذمة) ولم يعلم بكلامه هذا حسب قوله إلا من عمه ثم راجعها بعد الطلاق بعشرين يوما.
وقد عرض علي جواب فضيلتكم عن هذه المسألة ضمن اعتباركم ما صدر منه من الكناية طلاق ثلاث ولو نوى واحدة، وبناء على كون الرجل حسب قوله لم يعلم بما قال إلا من عمه، وبناء أيضا على اختلاف أهل العلم فيما يقع بالكناية الظاهرة واختلافهم أيضا في ألفاظ الكناية الظاهرة والخفية واختلاف الصحابة ومن بعدهم في ذلك، وبناء على ما ثبت من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في كون الطلاق الثلاث كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر يعتبر طلقة واحدة. وبناء على
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (2604) في 22\12\1389هـ.(21/325)
ما ذهب إليه الإمام أحمد في إحدى الروايتين وهو مذهب الشافعي رحمه الله وأبي حنيفة وأصحاب الرأي من أن الكناية يقع بها ما نوى الإنسان وإن كانت ظاهرة، فإن لم ينو إلا جنس الطلاق لم يقع إلا واحدة، وبناء أيضا على اختيار الشيخ تقي الدين والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله أن الكنايات كلها لا تقع بها إلا واحدة. وبناء أيضا على الكلمة التي قالها الزوج المذكور الأظهر فيها أنها من الخفيات لو كان الرجل قد حفظها وقصد بها الطلاق. بناء على هذا كله رأيت أن أكتب لفضيلتكم وأشير عليكم بسحب الفتوى التي بيد الزوج ثم إحضاره وعمه وسؤالهما عن صفة الواقع، وهل كان الزوج قد حفظ ما قال ونوى به الطلاق أم لم يعلم ذلك إلا من عمه، وهل سبق هذا طلاق ثم الإفادة بالنتيجة حتى أنظر في إفتائه والقصد من ذلك كله، محبة الخير لكم وللمسلمين والحرص على لم شعث الزوجين، مهما أمكن السبيل إلى ذلك بوجه شرعي، لا سيما والأصل بقاء النكاح، فلا يجوز أن يقاطع ولا سيما القطع المبين للمرأة بينونة كبرى، إلا بحجة متيقنة يطمئن لها القلب لوضوحها وظهورها، وأسأل الله أن يبرئ ذمة الجميع، وأن يجعلنا وإياكم ممن يذعن للحق، وأن يمنحنا الفقه في دينه، والنصح له ولعباده إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/326)
153 - حكم قول:
شيلي قشك وتوكلي على الله لأهلك
حضر الزوج وولي الزوجة واعترف الزوج المذكور بأنه غضب على زوجته في يوم الثلاثاء الموافق 14\3\1393هـ فقال لها: شيلي قشك وتوكلي على الله لأهلك، وكرر ذلك ثلاثا بنية الطلاق ولم ينو الثلاث ولا غيرها، وإنما قصد جنس الطلاق وكرر ذلك لإفهامها هكذا قال، ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وبسؤال أبيها المذكور أجاب بأنه لم يحضر الواقع، ولكن بنته المذكورة أخبرته بأنها سمعت زوجها المذكور يقول: شيلي قشك وتوكلي على الله لأهلك، وأنه كرر ذلك ثلاث مرات كما قاله الزوج ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده فيما يعلم ولي الزوجة المذكور وبنته.
وبناء على ذلك أفتيتهما بأنه قد وقع على الزوجة المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على ذلك، وقد راجعها عندي الزوج المذكور بحضرة أبيها وجمع من المسلمين، وبذلك استقرت في عصمته، وقد أوصيناه بتقوى الله والمعاشرة بالمعروف والحذر من أسباب الغضب والتعوذ بالله من الشيطان(21/327)
الرجيم عند وجوده.
قاله الفقير إلى غفور ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، سامحه الله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه (1) .
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (512) في 23\3\1393هـ.(21/328)
154 - حكم قول:
حرمت علي، وطابت نفسي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي العرض الجنوبية، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (262) وتاريخ 10\3\1390هـ الجوابي على كتابي الموجه لفضيلة قاضي حجاز بالقرن برقم (2526\1) وتاريخ 12\12\1389هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج ح. م. على زوجته وهو أنه جرى بينه وبينها زعل فتكلم عليها قائلا لها: إنك حرمت علي وطابت نفسي منك، ولم يطلقها سوى ذلك، وذلك من نحو ثلاث سنوات، ومصادقة ولي زوجته وهو أخوها الشقيق له في ذلك بعد سماعكم لأقوال الزوج وأخيها المذكورين وشاهدي الحادث والمزكيين لهما.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على
__________
(1) صدرت برقم (729) في 4\5\1390هـ.(21/329)
زوجته المذكورة بكلامه المنوه عنه طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا لكونها قد خرجت من العدة، إلا أن يكون الزوج المذكور أراد بقوله هذا تحريمها وطلاقها جميعا، فإنه يكون عليه كفارة ظهار، وترتيبها لا يخفى على فضيلتكم، مع وقوع الطلقة المذكورة التي قد دل عليها قوله وطابت نفسي، فأرجو سؤاله، والتحقق من قصده، ثم إشعاره والولي بالفتوى المذكورة، شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم، وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/330)
155 - حكم قول الرجل
لزوجته تغشي (غطي وجهك)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. ع. م. وفقه الله لكل خير، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده (1) :
يا محب سبق أن كتب إلي الأخ ن. م. مفيدا أنه حرم زوجته ثم كتب لها الطلاق بالثلاث، واستفتاني في ذلك فأجبته (2163) وتاريخ 7\12\1392هـ بالحضور مع وليها لدى فضيلتكم لإثبات صفة الواقع، وهل الطلاق بكلمة، أو كلمات، وإذا كان بكلمات، فيما هي صفتها، وهل سبق ذلك، أو لحقه طلاق، وهل لها رغبة في العود إليه إذا أباح الشرع، ذلك وقد وردني كتابكم المرفق المتضمن إفادتكم أن الزوج المذكور حضر لدى فضيلتكم مع ولي مطلقته وهو عمه وأدى التحقيق مع عمه المذكور ذكر أنه غاب وقت الطلاق وأن ابنته تقول: إن زوجي حضر بعد الدوام فضرب واحدا من أولادها فنازعته في ذلك واشتد النزاع، فقال تغشي (أي غطي وجهك) ولم يحصل غير هذا، وذكر فضيلتكم أن الظاهر أن المرأة لم
__________
(1) صدرت برقم (387) في 8\3\1393هـ.(21/331)
تحفظ الواقع لضعف؛ عقلها، أو لقصدا سيئ، وأنها ووالدها يرغبان الرجعة، إذا أجازها الشرع كما ذكر فضيلتكم أن الزوج أفاد أنه تكلم أولا بلفظ الحرام لتهدئة غضبها، ولم ينو به طلاقا، وبعد مدة شهر تقريبا طلقها ثلاثا بلفظ واحد، وقد سبق أن طلقها طلقة واحدة فقط. وقد اطلعت على ورقة الطلاق المرفقة التي بقلم ع. م. المؤرخة 28\6\1392هـ وهذا نصها: (لقد اعترف الزوج وهو بحالته المعتبرة شرعا أنه طلق بالثلاث زوجته وذلك في 1\8\1391هـ وقد كلفني بكتابة هذه الورقة بغيابه فأثبت ذلك) انتهى.
وبناء على كل ما تقدم أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه الأخير طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة، ويبقى لها طلقة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يدل على أن الطلاق بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة، كما لا يخفى وعليه كفارة الظهار عن تحريمها، كما أن عليه التوبة من طلاقه الأخير، ومن التحريم؛ لأن كليهما لا يجوز كما يعلم ذلك فضيلتكم، فأرجو إشعارهما بالفتوى المذكورة، أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/332)
156 - حكم لفظ روحي بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. ص. ص. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 6\4\1390هـ الجوابي على كتابي رقم (521) وتاريخ 2\4\1390هـ وصل وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج ع. على زوجته، وهو أنه قال لها: روحي بالثلاث، ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وأنه راجعها حال طلاقها المذكور، وذلك بعد سماعكم لأقوال المطلق، ووالد مطلقته.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة ومراجعته لها صحيحة إذا ثبتت لديكم البينة أو بإقرار المرأة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بذلك، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه؛ لكونه خلاف السنة، كما يعلم ذلك فضيلتكم، أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (647) وتاريخ 23\4\1390هـ.(21/333)
صفحة فارغة(21/334)
باب ما يختلف به عدد الطلاق(21/335)
صفحة فارغة(21/336)
157 - حكم قول الرجل
لزوجته محرمة طالقة، طالقة، طالقة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. م. ش. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 17\7\1390هـ الجوابي على كتابي رقم (1224) وتاريخ 9\7\1390هـ وصل وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج أ. خ. على زوجته، وهو أنه قال لها في حال الغضب محرمة طالقة طالقة طالقة، ولم يطلقها قبل ذلك، وذلك بعد سماعكم لأقوال المذكور ومطلقته وابنها منه ع. البالغ من العمر عشرين عاما، وأخيها ع. ع. الذي كان وليها قبل بلوغ ابنها ع. الرشد، ولكون الزوج المذكور قد اعترف لدي كما هو مدون في كتابي المرفق رقم (1224) وتاريخ 9\7\1390هـ بأنه لم يقصد الثلاث ولا غيرها، ولم يطلقها قبل ذلك.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، ويعتبر اللفظ(21/337)
الثاني والثالث مؤكدين للفظ الأول وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل إلا بنكاح جديد بشروط المعتبرة شرعا، وعليه كفارة الظهار عن تحريمه وترتيبها لا يخفى على فضيلتكم، ولا يقربها حتى يقوم بالكفارة المشار إليها، فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/338)
158 - حكم من قصد
بتكرار الطلاق التأكيد أو الإفهام
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم رئيس محاكم منطقة الباحة، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (3019) وتاريخ 7\11\1398هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما به علم، وقد اطلعت على الورقة المرفقة به المثبتة من قبل فضيلتكم، وفيها اعتراف الزوج ع. ح. بأنه طلق زوجته بقوله لها: (أنت طالق، أنت طالق) وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وفيها مصادقتها له في ذلك، وفيها إفادة وليها وهو أخوها بأنه لم يكن حاضرا حين الطلاق، وأنه لا يعلم أنه سبق ذلك أو لحقه طلاق؟
وأفيدكم أنه بناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقتان بكل جملة طلقة، إلا أن كان قصد بتكرار الطلاق التأكيد أو الإفهام، فإنه لا يقع به إلا طلقة واحدة، ويعتبر اللفظ الثاني مؤكدا للفظ
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (83\2) في 25\1\1400هـ.(21/339)
الأول ولا يقع به شيء من الطلاق، نص على ذلك أهل العلم في باب ما يختلف به عدد الطلاق، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا كما لا يخفى. فأرجو من فضيلتكم إكمال اللازم وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة، أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية الإفتاء والدعوة الإرشاد(21/340)
159 - حكم من قال
لزوجته: (طالقة، طالقة)
حضر عندي الزوج ع. أ. ي. واعترف الزوج المذكور بأنه غضب على زوجته المذكورة، وقال لها: (طالقة، طالقة) وذلك من نحو سنة ثم استرجعها، ثم غضب عليها في 14\1\1390هـ فطلقها طلقة واحدة، وبسؤال والدها أجاب بأنه لا يعلم الطلاق الأول، وقد سأل ابنته عن ذلك، فاعترفت به، وأنه وقع باللفظ الذي قال زوجها، وبسؤال الزوج عن قصده بالتكرار في الطلاق الأول، أجاب بأنه لم يقصد شيئا، وإنما كرر ذلك بسبب الغضب، واعترفا جميعا بأنه لم يقع من الزوج المذكور سوى ذلك (1) .
وبناء على اعترافها أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بالطلاق الأول طلقة واحدة، وأن اللفظ الثاني يعتبر تأكيدا للأول لا يقع به شيء يضاف إلى ذلك الطلقة الأخيرة، ويبقى لزوجته طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، وقد راجعها عندي بحضرة أبيها وجماعة من المسلمين
__________
(1) صدرت برقم (134) في 17\1\1390هـ.(21/341)
وأصبحت، بذلك في عصمة زوجها المذكور، قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، سامحه الله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.(21/342)
160 - حكم قول
(طالق، طالق، طالق) ولم يرد الثلاث
حضر عندي الزوج أ. ي. أ. وحضرت معه زوجته، وحضر معهما الشيخ م. ف. واعترف الزوج المذكور بأنه قال لزوجته المذكورة من نحو ثمان سنين: (إن خرجت من الباب فأنت طالق) وقصده تحذيرها ومنعها لا إيقاع الطلاق، فخرجت واعترف أيضا بأنه قال لها: (علي الطلاق لا تذهبين لبيت أبيك إلا بعد ثلاثة أشهر) فذهبت إليه بعد خمسة عشر يوما. وذكر أن منعها وتخويفها لا إيقاع الطلاق، واعترف أيضا أنه قال لها: أنت طالق، طالق، طالق، وليس له نية الثلاث وراجعها، واعترف أيضا بأنه قال لها: (إن فتحت فاك على أمي تكوني طالقا) ففتحت فاها على أمه، وذكر أن قصده منعها وتخويفها لا إيقاع الطلاق، وذكر أيضا أنه أخرجها إلى أهلها ولم يتلفظ بالطلاق، ثم أعادها، ولكن كانت نيته عند إخراجها الطلاق، لكنه لم يتلفظ بشيء يريد به الطلاق فيما يذكر، وبسؤال زوجته عن جميع ما ذكره زوجها صدقته في ذلك وذكرت أنها لا تعلم أنه صدر منه طلاق أو ما يدل عليه في المرة الأخيرة؟ (1)
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (940\خ) في 19\8\1408هـ.(21/343)
وبناء على ذلك أفتيتهما بأن على الزوج المذكور ثلاث كفارات يمين عن طلاقه الأول والثاني والرابع؛ لأنه في حكم اليمين، وأفتيته أيضا بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بالطلاق الثالث طلقة واحدة، وهو قوله: طالق، طالق، طالق، ويعتبر اللفظ الثاني والثالث مؤكدين للفظ الأول، ولا يقع بهما شيء؛ لكونه لم ينو الثلاث، كما نص على ذلك أهل العلم في مثل هذه الألفاظ في باب ما يختلف به عدد الطلاق. أما الحادثة الخامسة فرغب أن تعتبر طلقة واحدة على سبيل الاحتياط تضاف إلى الطلقة الأولى، ويبقى لها طلقة، ومراجعته لها صحيحة، وقد أوصيتهما بحسن المعاشرة والاستقامة على تقوى الله والحذر من أسباب الطلاق. نسأل الله أن يصلح حالهما جميعا، وأن يحسن العاقبة للجميع. قاله وأثبته الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(21/344)
161 - من قصد بتكرار الطلاق الإفهام لا يقع إلا واحدة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي بلجرشي، وفقه الله، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
وصلني خطابكم الكريم رقم (864) وتاريخ 6\2\1392هـ الجواب لخطابي رقم (1069) في 15\6\1392هـ وصلكم الله بهداه، وقد اطلعت على صورة الضبط المرفقة المتضمنة بيان حضور الزوج وصهره وشهادة الصهر المذكور بأن زوج أخته قال له: أختك مطلقة أختك مطلقة، ثم ذهب إلى زوجة صهره فقال لها: زوجتي مطلقة، فقالت له: تعوذ بالله من الشيطان، فقال: زوجتي مطلقة، وأنكم سألتم الزوج عن ذلك، فأجاب: بأنه لم يقصد بالتكرار إلا إفهام صهره وزوجته، ولم يقصد أكثر من طلقة.
وبناء على ما ذكر من الشهادة وجواب الزوج أفيد فضيلتكم أن الزوج مصدق فيما قال، ولا يقع على زوجته
__________
(1) صدرت برقم 1350 في 14\7\1392هـ.(21/345)
بذلك إلا طلقة واحدة؛ لأنه أعلم بنيته، وقد نص أهل العلم على ذلك كما لا يخفى، وعلى سبيل الاحتياط لا مانع من تحليفه على ذلك إذا طلبت الزوجة ذلك. فأرجو إشعارها ووليها بالفتوى المذكورة. أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تنبيه: وقد راجعها الزوج عندي كما في الخطاب السابق المؤرخ 15\6\1392هـ فأرجو سؤالها عن حالها ذلك الوقت هل كانت في العدة أم قد خرجت منها؟ ثم إكمال الواجب شرعا. شكر الله سعيكم.
رئيس الجامعة الإسلامية(21/346)
162 - مسألة: تعتبر ألفاظ الطلاق التي وقعت بعد اللفظ الأول مؤكدة ولا يقع بها شيء
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (676) وتاريخ 3\4\1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته، وهو أنه طلقها بقوله: طالق، طالق، طالق طالق، وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، ومصادقة زوجته له في ذلك، وإفادتها أنها حاضت ثلاثة حيض بعد الطلاق المذكور، أما وليها وهو أخوها فقد صادقه في عدم وقوع طلاق منه قبل ذلك ولا بعده، وأفاد أنه لم يكن حاضرا الطلاق الذي وقع، ولكن أخته أخبرته به، وهو كما ذكر، وذلك بعد سماعكم لأقوال المطلق ومطلقته ووليها؛ ولكون الزوج قد اعترف عندي بأن زوجته أمسكته بجيبه وخنقته خنقا شديدا تطلب طلاقها،
__________
(1) صدرت برقم (645) في 23\4\1390هـ.(21/347)
فطلقها الطلاق المذكور؛ لقصد التخلص من شرها؛ لأنه لم يستطع دفعها، وكرر الطلاق من شدة الغضب ولم يرد الثلاث ولا غيرها؛ ولكونه شهد لديكم شاهدان أنهما لا يعلمان عن الزوج المذكور إلا الخير كما هو مثبت في صورة الضبط المشار إليها آنفا.
وبناء على كل ما تقدم أفتيت الزوج بأنه قد وقع على زوجته بهذا الطلاق طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديدة؛ لكونها قد خرجت من العدة وتعتبر ألفاظ الطلاق التي وقعت بعد اللفظ الأول مؤكدة له، ولا يقع بها شيء سوى الطلقة المذكورة كما نص على ذلك أهل العلم في مثل هذا، وكما لا يخفى، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بالفتوى المذكورة. أثابكم الله، وشكر سعيكم، وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/348)
163 - حكم من طلق بقوله (مطلقة، مطلقة، مطلقة) ولم يقصد الثلاث ولا غيرها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالطائف، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (1676) وتاريخ 12\10\1394هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على ما أثبته فضيلتكم من حضور الزوج وزوجته ووليها لديكم، ومصادقة الزوجة ووليها لزوجها في صفة الطلاق الذي أوقعه عليها، وهو أنه طلقها بقوله مطلقة، مطلقة، مطلقة؛ بسبب شدة غضبه، وقد سألنا الزوج عن قصده بالتكرار، فأجاب بأنه لم يقصد الثلاث ولا غيرها، وإنما كرر ذلك من أجل الغضب.
وبناء على ذلك أفتيته بأنه قد وقع على زوجته بهذا الطلاق طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة، ويعتبر اللفظ الثاني والثالث من ألفاظ الطلاق المذكور مؤكدين اللفظ
__________
(1) صدرت برقم (2948) في 13\10\1394هـ.(21/349)
الأول لا يقع بهما شيء كما نص على ذلك أهل العلم في باب ما يختلف به عدد الطلاق كما لا يخفى. فأرجو إشعار المرأة ووليها بذلك. شكر الله سعيكم، وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/350)
164 - حكم من طلق بقوله طالق، طالق، طالق، وحارمة علي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة خيبر، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم رقم (156) وتاريخ 6\4\1389هـ وهو الجوابي على كتابنا رقم (516) وتاريخ 19\3\1389هـ، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الأوراق المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته، وهو أن امرأته تنازعت مع أخته في أثناء حفل عرس أخيه بحضرة ضيوف كثيرين، فأدى ذلك إلى غيبة شعوره فأخذ عصا ليضربهما، فتلقاه بعض الناس ليمنعوه من ذلك، فصار يضرب كل من تلقاه، ولما حيل بينه وبين ضربهما طلقها بقوله: طالق؛ طالق؛ طالق ثلاث مرات وحارمة علي، وإفادة ولي المرأة وهو شقيقها بأنه لا يعلم بما جرى من الطلاق إلا من شقيقته، قالت له: إن زوجها طلقها ثلاثا بقوله:
__________
(1) صدرت برقم (745) في 24\4\1389هـ.(21/351)
أنت طالق وحارمة علي ثلاث مرات، وأنه لم يطلقها قبل هذا الطلاق، وذلك بعد سماعكم لأقوال المطلق ومطلقته ووليها، وأن ما ذكره في الحفل صحيح، وأنكم سمعتم من بعض الناس أن ما ذكره من ضرب الأشخاص صحيح.
وبناء على كل ما ذكر أفتيت الزوج بأنه قد وقع على زوجته بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، ويعتبر اللفظان الثاني والثالث مؤكدين للفظ الأول كما صرح بذلك أهل العلم، وكما في الشرح الكبير والكشاف وغيرهما، وأما قوله: وحارمة علي. فعليه عن ذلك كفارة الظهار، وترتيبها لا يخفى على فضيلتكم، وهذا كله إن لم يثبت لديكم ما يدل على عدم شعور. حين الطلاق، فإن ثبت لديكم ما يدل على عدم شعوره لم يقع الطلاق، ولا شك أن ضربه الناس عند توجهه إلى محل النساء إن ثبت يدل على غيبته عن شعوره، وفيما ترونه إن شاء الله كفاية.(21/352)
165 - حكم من طلق بقوله (مطلقة، مطلقة، مطلقة) وقصد تأكيد الطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة فرسان، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (134) وتاريخ 2\7\1398هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما به علم، وقد اطلعت على الوثيقة المرفقة به المثبتة من قبل فضيلتكم، وفيها إفادة الزوج بأنه حصل بينه وبين زوجته خصام أدى إلى خروجها إلى دار والدها، وأنه لحق بها من أجل إرجاعها إلى داره، فحلفت بأنها لن تعود إليها فغضب عند ذلك غضبا شديدا، وطلقها بقوله لها: مطلقة، مطلقة، مطلقة، وأنه يقصد من هذا التكرار تأكيد الطلاق، وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وفيها مصادقة زوجته له في صفة الواقع، وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وذلك بحضرة أخيها.
وأفيدكم أنه بناء على ذلك أفتيت الزوج بأنه قد وقع على
__________
(1) صدرت برقم (993) في 16\7\1398هـ.(21/353)
زوجته بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، ويعتبر اللفظ الثاني والثالث من ألفاظ الطلاق، مؤكدين للفظ الأول، ولا يقع بهما شيء من الطلاق كما نص على ذلك أهل العلم في باب ما يختلف به عدد الطلاق، وعليها كفارة يمين إذا عادت إلى داره إن لم يعرف المخطئ منهما. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بالفتوى المذكورة. أثابكم الله، وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(21/354)
166 - طلق بصيغة التأكيد ثلاث مرات بسبب الغضب ولا نية له في التكرار
اتصل بي من طريق الهاتف من مطار الظهران من سمى نفسه خ. س. خ. وذكر أنه طلق زوجته بلفظ طالق طالق طالق، وأنه ليس له نية بالتكرار، إنما كرره بسبب الغضب، هكذا اعترفا جميعا.
وبذلك وقع بالطلاق المذكور على زوجته المذكورة طلقة واحدة ويعتبر اللفظ الثاني والثالث مؤكدين للفظ الأول ولا يقع بهما شيء، وقد أشهداني على الرجعة وكاتب الأحرف م. س (1) .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال شخصي أجاب عنه سماحته في 3\9\1407هـ.(21/355)
167 - حكم من طلق بقوله تراك طالق طالق ثم طالق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم رقم 469 وتاريخ 24\3\1391هـ. الجوابي عن كتابي رقم 473 وتاريخ 12\3\1391هـ. وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الأوراق المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج ف. س. على زوجته، وهو أنه اعترف لديكم أنه قال لها في حال الغضب: تراك طالق طالق ثم طالق، وذلك في آخر شهر ذي الحجة عام 1390هـ. قبل دخول شهر محرم بيومين، وأنه لم يشعر بالتكرار من شدة الغضب، ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وأنه أحضر لديكم شاهدي الواقع وهما م. س. و. ن. ج. فشهد الأول بمثل ما اعترف به الزوج من صفة الطلاق كما اعترف أنه أشهده على المراجعة في اليوم الثاني من وقوع الطلاق، أما الثاني فشهد أن الطلاق الذي وقع من الزوج هو قوله: تراك طالق طالق طالق، كما أحضر لديكم الشاهد ر. ع.(21/356)
وشهد بمراجعته لها في شهر صفر عام 1391هـ، وأنه حضر لديكم ولي المرأة وهو والدها واعترف بأن الزوج قال لها: إن دخلت على زوجتي الثانية، فأنت طالق بالثلاث فجمعهما بعد ذلك في بيت واحد وأنه لم يكن حاضرا الطلاق الأخير، ولكن الشاهد أخبره به، ولم يلحق ذلك طلاق.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج بأن طلاقه الأخير يعتبر طلقتين، إحداهما بقوله: طالق طالق، ويعتبر اللفظ الثاني مؤكدا للأول كما لا يخفى، والثانية بقوله: ثم طالق، ومراجعتها لها صحيحة إذا كان الشاهدان بها عدلين، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، أما الطلاق الذي ادعاه والدها ولم يذكره الزوج فهو في حكم اليمين إن ذكره الزوج، وعليه عنه كفارة يمين إذا كان قصده من ذلك منع نفسه من جمع الزوجتين كما هو الظاهر من حاله وأمثاله، هدى الله الجميع صراطه المستقيم، وضاعف لفضيلتكم الأجر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/357)
168 - حكم قول: تراك بالثلاث بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة الأسياح، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم رقم (79) وتاريخ 23\5\1393هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أشرتم إليه عن حضور الزوج والولي لديكم وتصديق الولي والد مطلقة الزوج المذكور للزوج فيما ذكره من صفة الطلاق الواقع منه عليها، وهو أنه حصل بينه وبينها نزاع من جهة بعض الملابس، فقال لها: إن أخذت هذا الثوب فهو طلاقك، فأخذته فقال لها عند ذلك: إذا جاءك رزق فوافقيه يقصد بذلك طلاقها الذي علقه على أخذ الثوب، ثم بعد مدة تكلمت عليه كلاما غير لائق، فغضب عليها، وقال لها: تراك بالثلاث بالثلاث، ولم يقصد بالتكرار تجديد الطلاق، وإنما كرره من شدة الغضب، ولم يطلقها سوى ذلك (1) .
وبناء على ما ذكر أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (684) في 16\4\1391هـ.(21/358)
بطلاقه الأخير طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة، ويبقى لها طلقة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا كما لا يخفى؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يدل على ذلك، أما تكراره كلمة بالثلاث فلا يقع به إلا واحدة كما تقدم، ويعتبر اللفظ الثاني مؤكدا للفظ الأول كما نص أهل العلم على مثل ذلك. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك شكر الله سعيكم، وبارك في جهودكم، وقد أفهمنا الزوج إلى التطليق بالثلاث لا يجوز، وأن عليه التوبة منه، أصلح الله حال الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/359)
169 - حكم من طلق زوجته بقوله (تكوني طالقة على كل المذاهب) وكرره ثلاث مرات
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ي. ع. ص. وفقه الله لكل خير، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 26\4\1393هـ الجوابي لكتابي رقم (696) وتاريخ 16\4\1393هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج وزوجته لدى فضيلتكم، وإفادته أنه تشاجر معها، فقال لها: تكوني طالقة على كل المذاهب كررها مرتين، ثم بعد ثلث ساعة كررها ثالثة بقوله: تكوني طالقة على كل المذاهب، وذلك في مجلس واحد، وأنه أراد بذلك زجرها وردعها وتخويفها لا إنشاء طلاق جديد، وحلفه على ذلك، وأنه لم يطلقها قبل ذلك، وأنه كان في ساعة غضب وكان محتدا، وأن الزوجة أفادت أن زوجها كان منفعلا، وأقسمت على أنها لا تدري، ولا تعلم ماذا تكلم به، حيث كانا في شجار وغضب
__________
(1) أجاب عنه سماحته (1101\خ) في 26\5\1393هـ.(21/360)
شديد، وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأن الطلاق المنوه عنه لا يقع به إلا واحدة، ويعتبر اللفظ الثاني والثالث في حكم التأكيد للفظ الأول؛ لكونه لم يقصد بهما إنشاء طلاق جديد وإنما كرره بسبب الغضب وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، وقد دلت الأدلة الشرعية على الفتوى المذكورة، فأرجو إشعار الجميع بذلك أثابكم الله، وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تكميل: ينبغي أن يطلب من الزوجين إحضار ولي المرأة لسؤاله عما لديه، فإن لم يكن لديه خلاف ما قالا فأشعروه بالفتوى المذكورة، وان كان لديه خلاف ذلك، فأرجو إيقاف الفتوى، وإفادتنا بجوابه وإثبات ما لديه من البينة إن كان لديه بينة على ما يقول، جزيتم خيرا.(21/361)
170 - حكم قول: طالق ثم طالق تراك طالق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الدوادمي، وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم رحمة الله بركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (1596) وتاريخ 3\9\1390هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على المعروض المرفق به، المقدم لفضيلتكم من الزوج المتضمن إفادته أنه حصل بينه وبين زوجته خلاف فأغضبته، وعند الغضب طلقها بقوله: طالق ثم طالق تراك طالق، وأنه يريد باللفظة الثالثة إفهامها أنه طلق، وكان ذلك في شهر جمادى الثانية عام 1390هـ وكانت حين الطلاق حبلى، ورغبتكم في إفادتكم بما نراه في الموضوع؟
ج: بناء على ذلك فالذي يراه محبكم هو تكليف المذكور بإحضار ولي مطلقته لديكم، فإذا صدقه في صفة الواقع واتفقا جميعا على أنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه
__________
(1) صدرت برقم (1063\خ) في 23\5\1393 هـ.(21/362)
المنوه عنه طلقتان، وبقي له طلقة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، وقد ثبت بالأدلة الشرعية من السنة المطهرة ما يدل على ذلك كما لا يخفى، فأرجو إكمال اللازم وأشعار الجميع بالفتوى المذكورة، أما إن اتضح من جواب الولي ما يخالف ما أفاد به الزوج فأرجو إفتاءهما بما يظهر لكم أو إفادتي بما يثبت لديكم حتى أنظر في ذلك. شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم، وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/363)
171 - حكم طلاق ألبتة والتطليق بالثلاث
حضر عندي الزوج ع. أ. ص. وجد الزوجة س. م. ش. وحضرت معهما الزوجة م. واعترف المذكور بأنه كتب لزوجته المذكورة طلاق ألبتة بهذا اللفظ، وعرض علي ورقة تتضمن ذلك بتاريخ 15\6\1389هـ ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، إلا أنه قال لها سابقا: إن قابلت ابن خالتك تحرمي علي، فقابلته وبسؤالها، وجدها المذكور والد أبيها صدقا الزوج فيما قال، وأبدت رغبتها في العود إليه إذا أباح الشرع ذلك؟ (1)
ج: بناء على ذلك أفتيتهما بأنه قد وقع على المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يدل على ذلك، وأفهمنا الجميع أن طلاق ألبتة والتطليق بالثلاث لا يجوزان، وأن على الزوج التوبة من ذلك، وعليه عن التحريم المذكور كفارة يمين؛ لأن مثل هذا التعليق في حكم اليمين، لأن الزوج المذكور إنما
__________
(1) صدرت برقم (1794) في 25\9\1390هـ.(21/364)
قصد بذلك منعها من مقابلة ابن خالتها لا تحريمها؛ وهي: إطعام عشرة مساكين لكل واحد منهم نصف صاع من قوت البلد أو كسوتهم أو عتق رقبة كما نص الله سبحانه على ذلك في كتابه المبين في حكم كفارة اليمين. قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز، رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، سامحه الله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.(21/365)
173 - التحريم ليس إلى
الزوج بل إلي الشرع المطهر
حضر عندي الزوج خ. ع. د. وحضر معه ولي الزوجة س، م. ف. وحضرت معهما ن. م. ف. أخت ولي الزوجة المذكور من أمه ومطلقة الزوج خ. ع. د. المذكور وأم الزوج المذكور، واعترف الزوج بأنه قد طلق زوجته طلقة واحدة من نحو سنتين، ثم راجعها، ثم طلقها بالثلاث بكلمة واحدة تحرم عليه وتحل لغيره. بسبب نزاع جرى بينهما، على أثره ضربته أمه المذكورة فغضب وصدر منه الطلاق المذكور من نحو ثمانية أيام، بسؤالي أمه ومطلقته أجابتا بالتصديق. أما ولي الزوجة فذكر أنه لم يحضر الواقع ولا يعلم عنه شيئا إلا من كلام المذكورين.
وبناء على ذلك أفتيت المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه الأخير طلقة واحدة، تضاف إلى الطلقة السابقة ويبقى لها طلقة، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ذلك. أما قوله: تحرم عليه وتحل لغيره، فهو تفسير للطلاق المذكور لا يترتب عليه شيء؛ لأن التحريم ليس إليه بل إلى الشرع المطهر(21/366)
وقد راجعها عندي بحضرتها وحضرة أخيها المذكور وشاهد، وبذلك أصبحت في عصمته، وقد أفهمناه أن التطليق بالثلاث لا يجوز، وأن عليه التوبة من ذلك، وأوصيناهما جميعا بتقوى الله والمعاشرة بالمعروف. قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه (1) .
__________
(1) صدرت برقم (2061) في 20\11\1392هـ.(21/367)
173 - حكم طلاق المكره
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. ع. م. وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعد (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 1\12\1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنه حضر لديكم الزوج ع. س. س. وزوجته، وقررا بالاتفاق أنه حصل بينهما نزاع، فقامت المرأة ومسكت حلق زوجها، وضيقت عليه تطلب منه الطلاق، حتى سقط على الأرض بعد أن حاول الخلاص منها فلم يستطع، فقال لها: فكيني بالثلاث، وأنه قد حصل بينهما سابقا مثل ذلك واستفتاني فأفتيته أنه يقع بذلك طلقة واحدة فراجعها، وأنه حضر لديكم الشاهد ع. ع. وحضر ما وقع بينهما، وشهد أن ما قالاه صحيح وواقع، كما شهد عندكم الشاهد أن المرأة المذكورة إذا غضبت لا تملك نفسها ولا تشعر بما يبدر منها وأن الشاهدين المذكورين كل منهما ثقة، وأنه لم يقع بين الزوجين غير ما ذكر إلى آخر ما ذكرتم، كان معلوما.
وبناء
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (689) في 14\4\1393هـ.(21/368)
على ذلك، أرجو سؤال الزوج المذكور عن قصده بالطلاق، فإن اتضح لكم من جوابه أنه لم يقصد طلاقها، وإنما أراد التخلص منها، فإنه لا يقع بكلامه المنوه عنه شيء من الطلاق؛ لأنه لم يقصده، أما إن كان قصده، فإنه يقع به طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة، ومراجعته لها صحيحة، وعليه التوبة من ذلك؛ لكون التطليق بالثلاث لا يجوز، كما يعلم ذلك فضيلتكم، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على الفتوى المذكورة، كما لا يخفى فأرجو إكمال اللازم وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة. أثابكم الله، وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/369)
174 - حكم الطلاق في الغضب الشديد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم رئيس المحكمة الكبرى بالطائف، وفقه الله لكل خير، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب كتابكم الكريم رقم (680) وتاريخ 15\10\1393هـ الجوابي لكتابي رقم (2392) وتاريخ 10\10\1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به، المتضمنة الإفادة بحضور الزوج ل. ق. وزوجته وأخيها لدى فضيلتكم واعتراف الزوج المذكور بأن تابعيته كانت محفوظة عند زوجته المذكورة وطلبها منها فامتنعت عن إعطائها له وحصل شجار وخصومة بينهما فغضب غضبا شديدا بسبب ذلك، وقال لها: إن كان ما تعطيني التابعية أنت طالقة بالثلاث، وعندما خرج من الغرفة كرر عليها قوله: أنت طالقة بالثلاث، ولما خرج إلى الشارع كرر عليها قوله: أنت طالقة بمائة، ولم يطلقها خلاف ذلك، وبعد مضي يومين على هذا الحادث تصالح معها وسلمته التابعية وراجعها،
__________
(1) صدرت برقم (2434) في 19\12\1390هـ.(21/370)
ومصادقة زوجته المذكورة على جميع ما اعترف به زوجها، وهكذا مصادقة أخيها المذكور على جميع ما اعترف به صهره ما عدا قول صهره: إذا لم تعطني التابعية، فإنه لم يسمع هذه الكلمة منه.
وبناء على ذلك وعلى اعتراف الزوج المذكور عندي بأنه لم يقصد تعليق الطلاق في المرة الثانية والثالثة بعدم تسليمها، التابعية ولا إنجاز الطلاق؛ لكونه صدر منه في حال غضبه الشديد، وتغير شعوره كما هو مدون في كتابي المرفق رقم (2392) وتاريخ 10\10\1393هـ، أفتيته بأن الطلاق المذكور غير واقع وزوجته المذكورة باقية في عصمته؛ لكونه حين الطلاق في غاية من الغضب، وقد دلت الأدلة الشرعية على أن شدة الغضب تمنع اعتبار الطلاق، ومن ذلك الحديث المشهور الذي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » والإغلاق هو الإكراه والغضب الشديد، كما فسره بذلك جمع من أهل العلم. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، ووصيتهم جميعا بالمعاشرة بالمعروف، والحذر من أسباب الغضب، أثابكم الله، وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/371)
الغضب العادي
لا يمنع وقوع الطلاق
س 175: رجل حلف على زوجته أنها لا تخرج من بيته إلى بيت أبيها بقصد الفرار عليه إلا بإذنه، وإذا خرجت بغير إذنه فهي طالق. فخرجت الزوجة المذكورة إلى بيت أبيها، وعند سؤال زوجها لها أفادت بأنها لم تخرج إلا للزيارة وحلفت على ذلك، إلا أن الرجل اعتبرها طلقة وراجع عند أحد الفقهاء. وبعد خمسة أشهر تقريبا حدث بين الزوجين نزاع وطلق الرجل زوجته طلقة واحدة صريحة لا شبهة فيها، ثم راجع مرة أخرى على يد أحد الفقهاء، وبعد سنة تقريبا طلق الزوج المذكور زوجته المذكورة بقوله: (اذهبي إلى أهلك وأنت طالق) وعند مراجعته ذكر أنه كان على غير شعور منه وفي حالة غضب، ويذكر أنه كان مسافرا وأثناء السفر أعطاه أحد المسافرين علاجا يبعد عنه النوم في السفر، ولم يمكن يدري بتأثير ذلك العلاج وحلف بالله على ذلك، فما هو الجواب أثابكم الله، وأجزل لكم الأجر؟
ج: لا شك في وقوع الطلقتين السابقتين، وإنما الإشكال(21/372)
في وقوع الطلقة الثالثة، وللعلماء في مثلها قولان: أحدهما: عدم الوقوع إذا كان الغضب شديدا وأسبابه واضحة.
والثاني: وقوع الطلاق إذا لم يكن الغضب قد أزال شعوره وألحقه بغير العقلاء، أما مجرد الغضب فلا يمنع وقوع الطلاق عند الجميع.
وبذلك يعلم أن الغضبان له ثلاث حالات:
إحداها: يقع فيها الطلاق إجماعا؛ وهي ما إذا كان الغضب عاديا لا يوصف بالشدة.
الثانية: لا يقع فيها الطلاق إجماعا؛ وهي ما إذا كان الغضب قد اشتد حتى زال معه الشعور وصار صاحبه في عداد المعتوهين.
والثالثة: ما بين ذلك وهي محل الخلاف، والأرجح فيها عدم الوقوع؛ لأن الغضبان إذا اشتد به الغضب لم يضبط نفسه ولم يملك القدرة على عدم إيقاع الطلاق؛ لأن شدة الغضب تلجئه إلى إيقاعه ليفرج عن نفسه ما أصابها، ويدفع عنها نار الغضب فهو بمثابة المكره.
وقد ذكر هذه الأحوال الثلاث جمع من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله(21/373)
عليهما، واختارا عدم الوقوع في الحالة الوسطى، وألحقا صاحبها بالمكره، وبمن زال عقله. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (1) .
أملاه الفقير إلى الله تعالى
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات
البحوث العلمية والإفتاء
__________
(1) صدرت برقم (2928) في 29\12\1393هـ.(21/374)
176 - مسألة
الغضبان بمثابة المكره
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. س، أ. وفقه الله لكل خير، آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب اطلعت على شرحكم بذيل كتابي الموجه للأخ هـ. م. برقم (431) وتاريخ 14\3\1393هـ وهذا نص شرحكم المذكور: (حضر عندي الزوج المدعو هـ. م. فسألته عن واقعة الطلاق الثالثة المذكورة كيف كانت، فأفاد أنه كان في حالة غضب، لكنه ليس بذلك الغضب الذي يفقده الشعور، ولكن كان منفعلا انفعالا زائدا بسبب الكلام الذي أسمعته إياه زوجته، وقد سألت المرأة التي حضرت معه التي ذكرت أنها زوجته المشار إليها، فصدقت على كلامه وأفادت بمثل أفاد به عينا) انتهى.
وبناء على ذلك فقد أفتيت الزوج المذكور بأن طلاقه المذكور غير واقع وزوجته باقية في عصمته إذا حلف لديكم أن
__________
(1) صدرت من مكتبة سماحته بتاريخ 14\9\1400هـ.(21/375)
ما ذكره لكم هو الواقع؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على أن شدة الغضب تمنع اعتبار الطلاق؛ لكونها تفقد العبد ضبط نفسه والنظر في العواقب، وتجعله بمثابة المكره والملجأ، ومما ورد في ذلك الحديث المشهور الذي خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » وقد فسر جمع من أهل العلم الإغلاق بالإكراه والغضب (أي الشديد) ، فأرجو من فضيلتكم إشعار الزوج والمرأة ووليها بذلك، وتسليم هذا الكتاب للزوج أو صورته ليحفظه لديه. شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/376)
177 - حكم قول: تراها طالق تراها طالق تحل للرجال ولا تحل لي في غضب شديد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس محاكم الإحساء وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) .
يا محب كتابكم الكريم رقم (2011) وتاريخ 18\3\1393هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج هـ. م. وزوجته وأخيها والشاهدين م. س. وم. س. لدى فضيلتكم وشهادة الشاهدين بأن الزوج المذكور في ليلة الجمعة. 10\3\1393 هـ جرى بينه وبين زوجته المذكورة نزاع فطلقها بقوله طالق فوضع الشاهد م. المذكور يده على فمه وبعدما رفعها قال الزوج: تراها طالق تراها طالق تحل للرجال ولا تحل لي، وفي شهادتهما أنه ذلك الوقت قد غضب غضبا شديدا، وأنه إذا غضب فقد شعوره، أما أخو الزوجة فقد ترك الأمر للشاهدين لعدم حضوره الواقع، كان معلوما، وقد سألت الزوج عن ذلك فأجاب بمثل ما قال
__________
(1) صدرت برقم (987\خ) في 16\5\1393.(21/377)
الشاهدان وحلف على ذلك واعترف هو وأخو الزوجة بأنه سبق أن طلقها طلقة واحدة من نحو أربع سنين وراجعها بفتوى الشيخ رئيس محكمة بيشة.
وبناء على جميع ما ذكر أفتيت الزوج بأن طلاقه المذكور غير واقع وزوجته باقية في عصمته؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على أن شدة الغضب تمنع اعتبار الطلاق ولا سيما مع تغير الشعور أو فقده، ومن ذلك الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » وقد فسر جماعة من أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله الإغلاق بالإكراه والغضب أي الغضب الشديد.
فأرجو الإحاطة بذلك وإشعار المرأة بالفتوى المذكورة وقد أفهمنا الزوج وأخا الزوجة بذلك وأوصينا الزوج بالحذر من أسباب الغضب والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم بعد وقوعه وأوصينا أخا الزوجة بأن يوصي أخته بحسن المعاشرة والحذر من أسباب إغضاب زوجها. وفق الله الجميع لما يرضيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/378)
178 - مسألة في طلاق الغضبان
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي المستعجلة الأولى بالمدينة المنورة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
يا محب كتابكم الكريم رقم (905) وتاريخ 6\5\1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج م. ف. وأبيه ومطلقته والمعرفين بها لدى فضيلتكم وتصديق والد الزوج والزوجة في صفة الطلاق الواقع منه، وهو أنه قال لها بسبب النزاع الذي جرى بينه وبين أبيه يخاطب أباه: تراها جاءتك طالق، طالق، طالق، طالق، طالق، ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده كان معلوما.
وبناء على ذلك وعلى اعتراف الزوج بأنه لم يقصد بالتكرار الثلاث ولا غيرها، وإنما كرر الطلاق بسبب شدة الغضب، وبناء على ما أفادنا به الشيخ ع. م. ن. المأذون الشرعي بالرياض في إفادته المرفقة أن التزويج للزوجة
__________
(1) صدرت برقم (903) في 8\5\1393هـ.:(21/379)
المذكورة على الزوج المذكور صدر من خالها بالوكالة له من وليها وهو ابن عمها.
أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، ويعتبر اللفظ الثاني وما بعده من ألفاظ الطلاق مؤكدات للفظ الأول، ولا يقع بها شيء كما نص على ذلك أهل العلم، ودلت عليه الأدلة الشرعية، وقد راجعها عندي الزوج بحضرة جماعة من المسلمين وبذلك استقرت في عصمته، فأرجو من فضيلتكم إشعارها بذلك، شكر الله سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/380)
179 - حكم طلاق المريض بتغير الشعور العقلي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم الدوادمي وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (1414) وتاريخ 13\7\1394 هـ وصل، وصلكم الله برضاه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من حضور الزوج وزوجته ووليها لديكم وتصديق الزوجة على صفة الطلاق الواقع منه عليها، وهو أنه قال لها في حال غضبه الشديد عليها: تراك طالق ثم طالق ثم طالق لما لم تمتثل لأمره بكف ابنته عنه، مع كلامها السيئ عليه، وإفادتها أنه إذا غضب تغير شعوره، بحيث يتكلم بما لا يعقل حتى أنه يدعو على نفسه ورغبتها في العود إليه إذا وجد فتوى شرعية، وإفادة وليها أنه لا يعلم شيئا عن الواقع لغيابه وقت الطلاق كما أنه لا يعلم شيئا عن المرض الذي يصيب الزوج المذكور عند الغضب، وقد أحضر عندي الزوج المذكور الشاهدين فشهدا أن
__________
(1) صدرت برقم (2038) في 16\7\1394هـ.(21/381)
الزوج المذكور يصيبه مرض يغير شعوره ويتكلم بما لا يعقل عند الغضب وأنهما قد علما ذلك منه غير مرة، هكذا شهدا وقد حلف عندي الزوج المذكور على أن الواقع هو ما ذكره آنفا حين الطلاق، وبناء على ذلك كله.
أفتيته بأن زوجته المذكورة باقية في عصمته وأن طلاقه المذكور غير واقع؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على أن شدة الغضب تمنع اعتبار الطلاق كما لا يخفى، ومن ذلك الحديث المشهور عن عائشة رضي لله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » خرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم وفسر جماعة من أهل العلم منهم الإمام أحمد يرحمه الله الإغلاق بالإكراه والغضب أي الغضب الشديد، فأرجو من فضيلتكم إشعار المرأة ووليها بذلك، شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/382)
مسألة في طلاق الغضبان
حضر عندي الزوج ف. أ. ع وزوجته وأخوها م. م. وذكر الزوج أنه وقع بينه وبين زوجته المذكورة نزاع وشجار فطلقها بقوله: طالق، طالق، طالق، وهو في غاية الغضب؛ بسبب تكسيرها الفديو والساعة التي كانت تلبسها، ثم بعد يومين أو ثلاثة جاءه إخوانها ومعهم اثنان وبحثوا موضع الخلاف الذي بين الزوجين، وطلبوا منه طلاقها، فغضب وكتب ورقة قال فيها: إنه طلقها طلاقا شرعيا ثابتا لا رجعة فيه، وبسؤاله عن قصده به، أفاد أنه يقصد الطلاق السابق، كما أفاد الزوج والزوجة أن الزوجة المذكورة كانت حائضا حين الطلاق الذي تلفظ به والذي كتبه في الورقة بعد ذلك (1) . .
وبناء على ذلك كله أفتيت الزوج المذكور بأن الطلاق المنوه عنه غير واقع وزوجته باقية في عصمته لكونه حصل فهو حال غضب شديد وحال كون المرأة حائضا، وقد دلت الأدلة الشرعية على عدم وقوع الطلاق في الحالين المشار إليهما.
قاله ممليه الفقير إلى تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
__________
(1) أجاب عنه سماحته بتاريخ 18\11\1402هـ(21/383)
181 - الغضب الشديد يقتضي إلغاء كلام الغضبان فلا يقع طلاقه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضره الأخ المكرم فضيلة قاضي تيما وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 24 \ 2 \ 1391 هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن صفة الطلاق الواقع من الزوج ف. ع. على زوجته كان معلوما، وقد تأملت جميع ما شرحتم عن القضية المذكورة، وأحطت علما بما قاله والده وما قاله الشهود والمطلق وقد اتضح من كلام الجميع، أن الزوج المذكور حين الطلاق قد غضب كثيرا ولم يحفظ ما صدر منه، ولهذا اختلف الشهود في صفة الواقع مع اتفاقهم على أنه غضبان جدا، وأن الطلاق وقع من غير شعوره.
وبناء على ذلك فقد أفتيت الزوج المذكور، بأن طلاقه المذكور والموضح في خطاب فضيلتكم المرفق بهذا غير واقع، لكونه صدر من الزوج المذكور حين غضبه الشديد واختلال
__________
(1) صدرت برقم (370) في 16\2\1391 هـ.(21/384)
شعوره، وقد دلت الأدلة الشرعية على أن من شرط الطلاق أن يعقله الزوج، كما دلت على أن الغضب الشديد يقتضي إلغاء كلام الغضبان، وعدم اعتباره، ومن ذلك الحديث المشهور الذي خرجه أبو داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » وقد فسر جمع من العلماء وأئمة اللغة الإغلاق: بالإكراه والغضب (يعنون الغضب الشديد) . فأرجو من فضيلتكم إشعار والد الزوج وأولياء المرأة بالفتوى المذكورة وأن المرأة باقية في عصمة زوجها، أثابكم الله وشكر سعيكم، وأرجو تسليم الزوج أو والده صورة هذا الكتاب المرفقة لحفظها لديهم وللرجوع إليها عند الحاجة، جزيتم خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/385)
183 - الصواب عدم وقوع طلاق الغضبان
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي الرين وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) .:
يا محب كتابكم الكريم رقم (477) وتاريخ 5\8\1391 هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أن الزوج ف. ف. ش. قال لزوجته في حال الغضب: طالق، هم طالق، هم طالق، وأنه لم يرد بذلك تأكيدا، وأنه في لغة قحطان أن لفظة: "هم " بمعنى: ثم، وبعضهم ينفي ذلك، وأنكم أفتيتموه بأنها قد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فلم تطب نفسه بذلك إلى آخر ما ذكرتم كان معلوما.
ونفيد فضيلتكم أن الصواب إن شاء الله هو ما أفتيتموه به من تحريمها عليه حتى تنكح زوجا غيره، إلا أن يثبت لديكم أن غضبه كان شديدا فوق الغضب المعتاد أو مغيرا شعوره فإن ثبت لديكم ذلك فالصواب عدم وقوع طلاقه، كما أفتى بذلك جماعة من أهل العلم من السلف والخلف، منهم شيخ الإسلام
__________
(1) صدرت برقم (1735) في 12\9\1391هـ(21/386)
ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله على الجميع، وهو الذي نفتي به لأدلة كثيرة، منها الحديث المشهور الذي خرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » وقد فسر جماعة من أهل العلم الإغلاق: بالغضب، وفسره آخرون: بالإكراه وهر يعمهما، وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/387)
183 - شدة الغضب
والإكراه يمنعان اعتبار الطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بأبها وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (7921) وتاريخ 15\9\1393 هـ الجوابي لكتابي رقم (2134) وتاريخ 8\9\1393 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج وزوجته ووليها لدى فضيلتكم وإفادة الزوج المذكور بأنه في اليوم1\7\1392هـ عاد من مزرعته بعد جهد العمل فيها، وعندما دخل بيته قابلته زوجته المذكورة وتكلمت عليه بكلام بذيء وتناولت يده اليمنى وعضتها وانتزعت جنبيته الخنجر من حزامه، فاعتقد أنها تريد طعنه بها، قائلة له: إنه يريد أن يتزوج وهي مصابة بمرض يخرجها إذا جاءها عن شعورها، ولم يكن عندهما أحد من الناس وأراد التخلص منها فلم يستطع، فتلفظ عليها بقوله: أنت طالق
__________
(1) صدرت برقم (2830) في 15\12\1393هـ.(21/388)
طالق طالق في وقت واحد فقالت: كيف تفلتني من عيالي وتأسفا جميعا على ما صار منهما ولم يسبق أن طلقها قبل ذلك وصادقته زوجته ووليها في ذلك، وذكرا أنها ترغب العود إليه إذا أباح الشرع ذلك، وقررت أنه راجعها في نفس اللحظة كل ذلك كان معلوما.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور، بأن طلاقه المنوه عنه غير واقع؛ لأنه أوقعه في حالة لا يملك الإنسان فيها شعوره ولذلك فإن زوجته باقية في عصمته، وقد دلت الأدلة الشرعية أن شدة الغضب والإكراه يمنعان اعتبار الطلاق، وقرائن الحال تدل على أنها ألجأته إلى ما وقع حتى لم يملك نفسه، ومما ورد في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.
والإغلاق هو: الإكراه والغضب الشديد كما فسره بذلك جمع من أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله كما لا يخفى. فأرجو إشعار الجميع بذلك، ووصيتهما بالمعاشرة الحسنة، والحذر من أسباب الغضب. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/389)
184 - لا يقع طلاق الغضبان وإن كرره
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة الحرن سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (486) وتاريخ 7\11\1398 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أشرتم إليه حول طلاق الزوج ي. م. لزوجته بقوله مطلقة مطلقة مطلقة بالسبع، وقد سبق أن طلقها واحدة، وشهادة الشاهد أنه حين تلفظ بالطلاق الأخير في غاية الغضب، وحلفه هو على ذلك.
وبناء على ما ذكر أفتيته بأن طلاقه المنوه عنه غير واقع، وزوجته باقية في عصمته، لأن الأدلة الشرعية تدل على ذلك، ومنها الحديث المشهور عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (2) » خرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم وقد فسر جمع من أهل العلم منهم الإمام أحمد. الإغلاق: بالإكراه والغضب.
فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (1756\1\خ) في 4\12\1398هـ.
(2) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/390)
بيان الدليل في
حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم. وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال عن الدليل المستند عليه في إفتائنا باعتبار الطلقات الثلاث واحدة إذا وقعت عن غضبان إلى آخر ما ذكرتم في كتابكم، كان معلوما.
والجواب: قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن الطلاق الثلاث كان يجعل واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما، ولكن عمر رضي الله عنه لما رأى تساهل الناس بالطلاق رأى أن يضع حدا لذلك، فاعتبر الطلاق بالثلاث بلفظ واحد بينونة كبرى، ونحن نفتي باعتبار الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة، استنادا
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (1394) في 5\9\1388هـ.(21/391)
إلى هذا الحديث الصحيح، ولو لم يكن ذلك في حال الغضب، وما كان لنا أن ندع قول الرسول صلى الله عليه وسلم لقول أحد.
أما طلاق الغضبان فهذا له حالتان: الحالة الأولى: إذا كان يعقل ما يتلفظ به من الطلاق فطلاقه يقع.
أما إن كان في حال غضب شديد أفقده شعوره حتى لا يعي ما يقول من الطلاق، فطلاقه لا يقع.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/392)
186 - الحجة في أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يعتبر طلقة واحدة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ص. أ. م. " وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
فقد عرض علي فضيلة الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي الخطاب الموجه- له منكم بتاريخ16\1\1389هـ وطلب مني الإجابة على السؤال المرفق، وقد لبيت طلبه تعاونا على البر والتقوى، وخشية من تبعة كتمان العلم وهذا نص السؤال:
رجل طلق امرأته في حالة الغيظ والغضب ثلاث طلقات بلفظ واحد في مجلس واحد فما الحكم في ذلك هل هو طلاق رجعي أم لا؟
والجواب: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة، وكانت الفتوى على هذا مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
__________
(1) صدرت برقم (387) في 26\2\1389.(21/393)
وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه. ولكن لما رأى عمر رضي الله عنه تهاون الناس بالطلاق أمضاها عليهم اجتهادا منه رضي الله عنه، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى الإفتاء بأن الثلاث إذا وقعت بلفظ واحد تعتبر طلقة واحدة عملا بهذا الحديث المذكور، وقد صح ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما في إحدى الروايتين عنه وعن جماعة من السلف، ونحن نفتي بهذا القول عملا بما كان عليه الحال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد الصديق وأول خلافة عمر؛ لأن الحجة تؤيده، ولأنه أرفق بالمسلمين لا سيما مع غلبة الجهل وضعف الإيمان بالنسبة إلى أكثر المطلقين، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لإصابة الحق في القول والعمل إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/394)
187 - حكم التطليق بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) يا محب كتابكم الكريم قم (1850) وتاريخ 13\10\1388 هـ وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج م. على زوجته ن. وهو أنه طلقها بالثلاث بلفظة واحدة، ثم أنها لزمته بحلقه تريد طلاقا زيادة على ذلك. فقال: طالق طالق، وأنه قصد بذلك أن تفك يدها منه وليس يرغب إبانتها، وأنه لم يطلقها سوى ذلك، ومصادقة المرأة له في ذلك، وإفادة أبيها أنه لم يكن حاضرا حين الطلاق ولكنه يصادق في عدم حصول طلاق من الزوج على زوجته قبل ذلك.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقتان؛ إحداهما بالطلاق الأول، والثانية بالطلاق الأخير، ويعتبر اللفظ الثاني في الطلاق الأخير مؤكدا للفظ الأول فلا
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1891) في 14\11\1388هـ.:(21/395)
يقع بهما إلا واحدة، كما قرر ذلك أهل العلم، وكما لا يخفى، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكونها قد خرجت من العدة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة، كما هو معلوم لدى فضيلتكم وأرجو إشعاره أن عليه التوبة من طلاقه الأول؛ لأن التطليق بالثلاث لا يجوز، كما أرجو إشعار الجميع بما ذكر. أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/396)
188 - تطليق الرجل امرأته بالثلاث فيه تفصيل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. زاده الله من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد اطلعت على رسالتكم الموجهة إلى الأساتذة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة التي أحالها إلي فضيلة نائب رئيس الجامعة المذكورة بكتابه المرفقة صورته. واتضح لي من رسالتكم سؤالكم عن أمرين أحدهما:
إذا طلق الرجل زوجته بالثلاث هل يجوز له مراجعتها؟
والثاني: إذا أمر الرجل زوجته بالذهاب إلى أهلها هل يكون ذلك طلاقا لها، وهل تمكن مراجعتها بعد ذلك؟
والجواب عن السؤال الأول:
أن يقال: إن تطليق الرجل امرأته بالثلاث فيه تفصيل وهو أن تطليقه لها بالثلاث قد يكون في أوقات متعددة فيطلقها ثم يراجعها في العدة أو بنكاح جديد بعد خروجها من العدة، ثم يطلقها طلقة ثانية ثم يراجعها في
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (83\2) في 25\10\1400هـ.(21/397)
العدة أو بنكاح جديد بعد خروجها من العدة، ثم يطلقها الطلقة الثالثة، فهذه الزوجة، والحال ما ذكر، تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة ويطأها؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1)
وقد أجمع العلماء على ذلك، ويلحق بهذه الصورة صور أخرى عند عامة أهل العلم، منها: إذا قال لها: أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، أو قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ولم يقصد في هذه الصورة الأخيرة تأكيدا ولا إفهاما، ومنها: لو قال: أنت طالق، وطالق، وطالق، أو قال: طالق، فطالق، فطالق، وأشباه ذلك، ففي هذه الصور كلها تقع عليها الطلقات الثلاث، ولا يحل له الرجوع إليها حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة ويطأها؛ للآية المذكورة، ولحديث عائشة رضي الله عنها أن امرأة رفاعة القرظي طلقها البتة، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه لم يتمكن من وطئها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك لما (2) » متفق عليه. والمراد بذوق العسيلة: الجماع عند أهل العلم.
__________
(1) سورة البقرة الآية 230
(2) صحيح البخاري الشهادات (2639) ، صحيح مسلم النكاح (1433) ، سنن الترمذي النكاح (1118) ، سنن النسائي الطلاق (3409) ، سنن ابن ماجه النكاح (1932) ، مسند أحمد بن حنبل (6/226) ، سنن الدارمي الطلاق (2267) .(21/398)
ومن صور الطلاق بالثلاث إذا طلق الرجل امرأته بالثلاث بلفظ واحد كأن يقول لها: أنت طالق بالثلاث، أو مطلقة بالثلاث فهذه الصورة ذهب جمهور أهل العلم إلى أنها تقع بها الثلاث على المرأة، وتحرم على زوجها بذلك حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة ويطأها كالصور السابقة، واحتجوا على ذلك بالآية الكريمة المذكورة آنفا، وبأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمضاها على الناس، وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها تعتبر طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة حلت له بنكاح جديد، واحتجوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الطلاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم (1) » . وفي رواية أخرى لمسلم، أن أبا الصهباء قال لابن عباس رضي الله عنهما: «ألم تكن الثلاث تجعل واحدة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من عهد عمر رضي الله عنه؟ قال بلى (2) » . واحتجوا أيضا بما رواه الإمام أحمد في المسند بسند جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن أبا ركانة طلق امرأته ثلاثا فحزن عليها فردها عليه النبي صلى الله عليه
__________
(1) صحيح مسلم الطلاق (1472) ، سنن النسائي الطلاق (3406) ، سنن أبو داود الطلاق (2199) .
(2) صحيح مسلم الطلاق (1472) ، سنن النسائي الطلاق (3406) ، سنن أبو داود الطلاق (2200) .(21/399)
وسلم وقال: إنها واحدة (1) » وحملوا هذا الحديث والذي قبله على الطلاق بالثلاث بلفظ واحد جمعا بين هذين الحديثين، والآية الكريمة السابق ذكرها، وذهب إلى هذا القول ابن عباس رضي الله عنهما في رواية صحيحة عنه، وذهب إلى قول الأكثرين في الرواية الأخرى عنه، ويروى القول بجعلها واحدة عن علي وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعا، وبه قال جماعة من التابعين، ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة، وجمع من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، وهو الذي نفتي به، لما في ذلك من العمل بالنصوص كلها ولما في ذلك أيضا من رحمة المسلمين والرفق بهم.
أما المسألة الثانية: وهي ما إذا قال الرجل لزوجته: اذهبي إلى أهلك إلى آخره. فالجواب: هذا فيه تفصيل:
فإن كان الزوج حين قال لها: اذهبي إلى أهلك أراد طلاقها طلقت بذلك واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة
فإن خرجت من العدة قبل مراجعته لها لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا.
أما إن كان لم ينو بذلك الطلاق فإنه لا يقع عليها شيء، بل هي باقية في عصمته؛ لأن هذه الكلمة وأشباهها تعتبر من كنايات الطلاق، والكناية لا يقع بها الطلاق
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2196) .(21/400)
إلا مع النية؛ ولهذا لما قال كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه لزوجته، لما أمر باعتزالها: الحقي بأهلك، لم يقع عليها شيء بذلك؛ لكونه ما أراد الطلاق، وإنما أراد بقاءها عند أهلها حتى يحكم الله في أمره، وأمر صاحبيه، بسبب تخلفهم عن غزوة تبوك، والقصة معروفة في السير والمغازي، وفي تفسير قوله تعالى في سورة براءة: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} (1) الآية، وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياك وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه والسلامة من مضلات الفتن، إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) سورة التوبة الآية 118(21/401)
189 - حكم الطلاق بثلاث كلمات متعاقبات
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس محاكم منطقة جازان المساعد وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده يا محب كتابكم الكريم رقم (607) وتاريخ 24\3\1392 هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على الأوراق المرفقة به الخاصة بطلاق الزوج هـ. لزوجته، ومن ضمنها الورقة المتضمنة اعترافه لدى فضيلة الشيخ رئيس محاكم منطقة جازان بأنه طلقها بقوله: طالق، ثم طالق، ثم طالق، وذلك بدون شعوره، لشدة غضبه عليها حسب قوله، ومن ضمنها أيضا الورقة المتضمنة لحضورها مع أبيها لدى فضيلة الشيخ قاضي ظهران الجنوب المنتدب في الحرجة، واعترافها بأن زوجها المذكور قال لها بسبب بكائها على الساعة المفقودة منه: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق ثلاث مرات، وبناء على ذلك، وعلى اعتراف الزوج لدي بما ذكر آنفا، وعدم ثبوت ما ادعاه من تغير الشعور.
أفتيته بأنه لا سبيل له إليها حتى تنكح زوجا غيره؛(21/402)
لكونه قد استوفى الطلقات الثلاث بكلمات متعاقبة، وبذلك بانت منه بينونة كبرى، فأرجو من فضيلتكم إشعار وليها بذلك، وإكمال ما يجب، وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/403)
190 - حكم من طلق بقوله (هي طالق، هي طالق، هي طالق)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فأشفع لفضيلتكم نسخة من المعاملة الواردة إلي من فضيلة رئيس محاكم المنطقة الشرقية المساعد حول إفتائكم للمدعو ر. ع. ب. بجواز رجوعه إلى زوجته بعقد جديد إلخ بعد طلاقه لها طلقة واحدة وهي حامل ثم بعد أيام طلقها بقوله: (هي طالق، هي طالق، هي طالق) وقصده إيقاع الثلاث. وقد حكم ببينونتها فضيلة الشيخ القاضي بالمحكمة الكبرى بالدمام.
والذي أرى أن هذه الفتوى غلط، وخلاف الصواب، فالواجب عليكم الرجوع عنها لأمور منها:
أولا: أن الزوج قد طلقها طلقة واحدة، ثم أتبعها الثلاث بعد أيام.(21/404)
ثانيا: إجماع أهل العلم على أن الرجعية يلحقها طلاق الزوج. كما ذكر ذلك صاحب المغني.
ثالثا: أن الأدلة الشرعية تقتضي ذلك، لقول الله عز وجل: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (1) ثم قال سبحانه بعد ذلك: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2) الآية ومعلوم أن من قال لغيره: السلام عليكم، السلام عليكم، فقد كلمه مرتين، ومن قال ذلك ثلاثا فقد استأذن ثلاثا، وهكذا من قال لزوجته: (هي طالق، هي طالق، هي طالق) أو قال: (تراك طالق، تراك طالق، تراك طالق) فقد طلقها ثلاثا ما لم ينو تأكيدا، أو إفهاما.
وإنما الخلاف فيما إذا قال الزوج: (أنت طالق بالثلاث) أو (هي طالق بالثلاث) ولم يكرر ذلك. فالجمهور على وقوع الطلاق كما لا يخفى، والراجح أنه لا يقع بذلك إلا واحدة، لحديث ابن عباس الصحيح المشهور، وأما اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية لعدم وقوع الطلاق على الرجعية إلا بعد عقد أو رجعة، فقول ضعيف، مخالف للأدلة الشرعية، ولا أعلم له سندا، ولا سلفا، وإن قدر أن أحدا من التابعين، أو غيرهم قال بقوله، فهو قول غلط مخالف لما ذكرناه من الأدلة الشرعية، كما لا يخفى، والحق ضالة المؤمن متى وجدها أخذها، ولا يخفى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كغيره
__________
(1) سورة البقرة الآية 229
(2) سورة البقرة الآية 230(21/405)
من أهل العلم، يخطئ، ويصيب، فيؤخذ من قوله ما وافق الحق كغيره. وقد بسط ابن القيم رحمه الله الكلام في هذه المسألة في (إعلام الموقعين صفحة 38 وما بعده من المجلد الثالث من الطبعة ذات الأجزاء الأربعة) وأوضح في ذلك الفرق بين إيقاع الثلاث بكلمة واحدة وبين إيقاعه بكلمات، واستدل على ذلك بآية الاستئذان، وآية اللعان، وأحاديث التسبيح بعد الصلوات الخمس، وعند النوم، فيحسن مراجعة كلامه، لعظيم الفائدة.
فأرجو العناية بالموضوع وإبلاغ فضيلة الشيخ القاضي بالمحكمة الكبرى بالدمام برجوعكم عن الفتوى إيثارا للحق، ووقوفا مع الأدلة الشرعية. سدد الله خطاكم ومنحنا وإياكم وسائر إخواننا إصابة الحق في القول، والعمل، إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(21/406)
191 - حكم من طلق زوجته طلاقا لا رجعة فيه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة طريف، وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (967\1) وتاريخ 25\9\1388 هـ وصل، وصلكم الله بهداه ونشكركم على دعواتكم الطيبة، ونسأل الله أن يتقبل من الجميع وقد فهمت ما أشرتم إليه من طلاق الزوج ل. س. لزوجته، واطلعت على صورة ورقة الطلاق المرفقة المتضمنة قول المذكور: قد طلقت زوجتي بتاريخ 1\3\1383 هـ طلاقا لا رجعة فيه، وإشهاده على ذلك. والذي أرى هو إحضار المذكور مع ولي مطلقته لدى فضيلتكم، لسؤالهما جميعا عن صفة الواقع، وهل سبقه طلاق؟ والاطلاع على أصل ورقة الطلاق، فإذا كان لم يقع سوى ما ذكر، وصادق ولي المرأة على ذلك.
فقد أفتيت المذكور بأنه قد وقع على زوجته بالطلاق
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1206) في 18\10\1389هـ.(21/407)
المنوه عنه طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكونها قد خرجت من العدة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى فأرجو إكمال اللازم، أما إن كان الواقع خلاف ما ذكر، فأرجو الإفادة عنه، إذا رأى فضيلتكم ذلك، حتى ننظر في ذلك، ونفيدكم، أثابكم الله وسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/408)
193 - حكم قول: (اكتبوا طلاقها بالثلاث)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة طريف، وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (391) وتاريخ 6\5\1394 هـ الجوابي لكتابي رقم (885) وتاريخ 26\4\1394 هـ وصل وصلكم الله برضاه واطلعت على الإفادة المرفقة به المثبتة من فضيلتكم المتضمنة بيان صفة الواقع من الزوج على زوجته وخلاصة ذلك: أنه أمر أن يكتب لها الطلاق بالثلاث، فاعترضه القاضي في ذلك وقال: نكتب لها طلاق السنة، وتم ذلك كما في الصك الصادر من فضيلتكم المشار إليه في كتابي المرفق بهذا، ثم بعد خروجه من المحكمة قال: هي طالق بالثلاث، وذبيحة لله، بحضرة أبيها والشاهدين.
وبناء على ذلك أفتيت المذكور بأنه قد وقع على زوجته بهذا الطلاق طلقتان: إحداهما بالطلاق الأول وهو طلاق السنة؛ لأنه لما أمر بكتب طلاقها بالثلاث لم ينفذ ذلك، وإنما
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1350\خ) في 19\6\1394هـ.(21/409)
الذي نفذ تطليقها طلاق السنة، فلم يقع بذلك إلا طلقة واحدة، لأن قوله: اكتبوا طلاقها بالثلاث، في حكم التوكيل للمأمور، والمأمور لم ينفذ ذلك، كما تقدم، والثانية بقوله: هي طالق بالثلاث، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة، ويبقى لها طلقة واحدة وله مراجعتها ما داما في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بذلك، وإخبار الزوج بأن التطليق بالثلاث لا يجوز، وأن عليه التوبة من ذلك، كما عليه إخراج الذبيحة التي نذرها لله، إذا كان مقصوده بقوله: وذبيحة لله، الصدقة بذبيحة، يخرجها لله، شكرا لله، على ما من به عليه من فراقها. أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/410)
193 - حكم من طلق بالثلاث بقصد الإبانة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الدمام الكبرى وتوابعها سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (2503\2) وتاريخ 6\9\1392 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما به علم، وقد اطلعت على الصك المرفق به، الصادر بإملاء فضيلة الشيخ الملازم القضائي لديكم الذي أثبت فيه صفة الطلاق الواقع من الزوج ع. على زوجته، فوجدت أنه ينص على أن الزوج المذكور، قد طلق زوجته طلقة واحدة، طلاق السنة، وراجعها، ثم طلقها طلقتين بلفظ واحد، قاصدا بذلك تكملة الثلاث، وإبانتها.
وبناء على ذلك، فالذي أرى أنه لا يقع من طلاقه المذكور إلا طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ أن جمع الطلقتين، الثانية والثالثة، بكلمة واحدة، مثل جمع الثلاث؛ لكونه فيهما، قد تعجل ما ليس له، وفعل ما يحرم
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1831) في 5\10\1392هـ.(21/411)
عليه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على اعتبار الثلاث الموقعة بلفظ واحد، طلقة واحدة، فهكذا إيقاع الطلقتين الباقيتين بلفظ واحد، وبذلك يكون قد وقع على الزوجة المذكورة طلقتان، وبقي لها طلقة.
فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، وأمر زوجها بالتوبة من طلاقه الأخير؛ لكونه طلاقا منكرا، مثل إيقاع الثلاث. شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم. أما نيته الإبانة، فلا معول عليها؛ لأنه لا أثر لها في هذا المقام كما لا يخفى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/412)
194 - طلق زوجته بالثلاث قبل الدخول بها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بأبها وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم رقم (6961) وتاريخ 18\8\1394 هـ وصلكم الله بهداه واطلعت على صورة الضبط المرفقة به، وهذا نصها: (الحمد لله وحده وبعد، فبناء على الخطاب الوارد إلي أنا رئيس المحكمة الكبرى بأبها، حالا من فضيلة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز رقم (1983) في 11\7\1394هـ الخاص بقضية الزوج م. أ. ع. وزوجته من سوء تفاهم، وأنه طلقها بالثلاث بلفظ واحد، ولم يطلقها قبله ولا بعده، وقد أمر فضيلته بإحضار الزوجة ووالدها للتحقق من الجميع عن صفة الواقع، وهل سبقه أو لحقه طلاق، وعن رغبتها في العودة إليه إذا وجد فتوى شرعية. ففي يوم 16\8\1394 هـ حضر لدي والد الزوجة والزوج وزوجته، وسألت الزوجة ووالدها عما صدر من الزوج
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (2924\خ) في 11\11\1394هـ.(21/413)
بصدد الطلاق، فأجابا قائلين: إننا نصادق على الزوجية، إلا أن الزوجة لم يدخل بها زوجها حتى الآن، ولا تزال بكرا، وقالا: إنه لم يسبق طلاق قبل هذا الطلاق، ولا بعده، وصفة الطلاق: أنه طلق زوجته بلفظ واحد بالثلاث، وقررا أيضا أنهما لا يعارضان في الفتوى والعودة إلى عصمة زوجها، هكذا (أجابا) انتهى.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، ولا رجعة له عليها، إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكونه لم يدخل بها، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن التطليق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة، كما لا يخفى، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بالفتوى المذكورة، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه؛ لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/414)
195 - حكم من طلق زوجته بالثلاث وحرمها مثل أمه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي النعيرية وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب اطلعت على الوثيقة المرفقة الواردة إلي منكم برقم (401) وتاريخ 16 \ 10 \ 1398 هـ جوابا لما كتبته لكم برقم (1450\1\خ) وتاريخ 2\10\1398 هـ وفهمت ما فيها والخلاصة: أن الزوج م. ر. طلق زوجته بالثلاث بكلمة واحدة، وحرمها مثل أمه، وذلك قبل دخوله بها؟
أفيدكم أنه بناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، وعليه كفارة الظهار قبل أن يمسها، وقد دلت الأدلة الشرعية على ذلك، كما لا يخفى، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بالفتوى المذكورة، وأمر الزوج بالتوبة، من طلاقه بالثلاث لكونه طلاقا منكرا، كما يعلم ذلك فضيلتكم، وإفهامه بالطلاق السني ليكون على بينة من(21/415)
الأمر في المستقبل. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(21/416)
196 - حكم من قال لزوجته مطلقة بالثلاث الخلع لا فيها رجعة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس محاكم منطقة جيزان وفقه الله لكل خير آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعده، يا محب كتابكم الكريم رقم (1132) وتاريخ 5\6\1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أن الزوج م. أ. ع. وقع بينه وبين زوجته خصام، وطلقها بقوله: مطلقة بالثلاث الخلع، لا فيها رجعة، كما في الورقة المرفقة، ومصادقة زوجته ووليها- وهو ابنها- له في ذلك، واعترافهما جميعا بأن لفظة الطلاق ثلاثا كانت بكلمة واحدة، وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وأن الطلاق وقع من مدة شهر وخمسة عشر يوما، كان معلوما؟
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله مراجعتها
__________
(1) صدرت برقم (1783\خ) في 8 \8\1393هـ.(21/417)
ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة أو كان الطلاق المذكور على عوض، لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، كما لا يخفى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك كما هو معلوم، فأرجو من فضيلتكم إكمال اللازم، وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه، لكونه طلاقا منكرا، كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله، وشكر سعيكم، وجزاكم عن الجميع خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/418)
197 - التطليق بالثلاث في لفظ واحد يعتبر طلقة واحدة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى جلالة الملك المعظم فيصل بن عبد العزيز وفقه الله لكل خير، وبارك في حياته، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
- حفظكم الله - أخبر جلالتكم أنه حضر عندي في صفر عام 1390 هـ أحد سكان مكة، واستفتاني في طلاق وقع منه على زوجته، وذكر في استفتائه أنه سبق أن طلقها طلقة، ثم راجعها، ثم طلقها في صفر من عام 1390 هـ بالثلاث بكلمة واحدة، فكتبت معه لفضيلة الشيخ القاضي بالمحكمة المستعجلة في مكة لإثبات صفة الواقع بعد حضور زوجته المذكورة ووليها لديه، إن كان لها ولي حاضر كالعادة المتبعة في مثل هذا الأمر، فأجاب الشيخ المذكور بخطابه المؤرخ21\3\90 هـ بأن الزوجة المذكورة حضرت لديه، وصدقت زوجها في صفة الطلاق الواقع منه عليها؛ وبناء على ذلك
__________
(1) صدرت برقم (2157) وتاريخ 9\11\1391 هـ.(21/419)
أفتيتهما بأنه قد وقع عليها بالطلاق الأخير طلقة واحدة، تضاف إلى الطلقة السابقة، ويبقى له طلقة، وذلك في خطاب صدر مني إلى الشيخ المذكور برقم (514) وتاريخ 29\3\1390 هـ، وقد عمل الزوجان بالفتوى المذكورة، ومكثت المرأة مع زوجها المذكور أكثر من سنة، ثم ترافعا بعد ذلك إلى المحكمة الكبرى بمكة؛ لشيء حصل بينهما، فحكم بينهما مساعد المحكمة الشيخ م. ع. بنقض الفتوى الصادرة مني، والتفريق بينهما؛ اعتمادا على أن التطليق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلاقا ماضيا محرما لها على زوجها، ومن المعلوم أن الفتوى باعتبار الثلاث واحدة، إذا كانت وقعت بلفظ واحد، موافقة لما ثبت في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن «الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه؛ (1) » ولما رواه الإمام أحمد رحمه الله في المسند بسند جيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن أبا ركانة طلق امرأته ثلاثا فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " إنها واحدة (2) » وهذا أمر مشهور عند العلماء، وقد أفتى به جمع من أهل العلم من الصحابة، فمن بعدهم، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، وقد كنت أفتي بذلك من نحو ثلاثين عاما بعد التثبت في
__________
(1) صحيح مسلم الطلاق (1472) ، سنن النسائي الطلاق (3406) ، سنن أبو داود الطلاق (2200) .
(2) سنن الترمذي كتاب الطلاق (1177) ، سنن أبو داود الطلاق (2208) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2051) ، سنن الدارمي الطلاق (2272) .(21/420)
الواقع من الزوج والزوجة، ورغبتهما في الفتوى، ولا أعلم أن أحدا من القضاة نقض الفتوى، وقد كان شيخنا الشيخ محمد رحمه الله يرى إمضاء الثلاث، ومع ذلك لا أعلم أنه نقض شيئا من الفتاوى الصادرة مني في هذه المسألة، ومن المعلوم أن نقض الفتاوى يترتب عليه شر كثير، وفساد كبير، خاصة إذا كانت موافقة للشرع المطهر، وكنت عندما علمت بأمر نقض الفتوى المذكورة كتبت إلى فضيلة رئيس هيئة التمييز بمكة برقم (1778) وتاريخ 19\9\1390 هـ، وشرحت له حقيقة الأمر، وأوضحت الأدلة الشرعية في ذلك، وطلبت من فضيلته دراسة الموضوع من فضيلته، وبقية الأعضاء، ثم إقناع الشيخ المذكور نقض حكمه أو تولي هيئة التمييز نقضه، إن رأت ذلك، فلم تبت في الموضوع بشيء، بل أحالت الأوراق للشيخ المذكور وإعادتها إلينا بخطابها رقم (3815) وتاريخ 24\10\1391 هـ المشفوع به إجابته المتضمنة الإفادة بإصراره على ما حكم به؛ ولكوني أعتقد، والحال ما ذكر، أن المرأة المذكورة باقية في عصمة زوجها المذكور، وأن الحكم الصادر من الشيخ المذكور بإنفاذ الطلاق، وإلغاء الفتوى التي قد عمل بها الزوجان، والتزما بها، مدة طويلة، ليس في محله؛ لذلك أرجو من جلالتكم التكرم بإحالة هذه القضية إلى هيئة القضاء العليا للنظر فيها.(21/421)
كما أرجو الأمر بإبلاغ أمارة مكة لتقوم بإبلاغ ولي المرأة المذكورة بعدم تزويجها حتى يتم النظر من الهيئة المذكورة في ذلك؛ لأنه قد وردني برقية من الزوج المذكور يفيد فيها أن زوجته يوشك أن تزف إلى غيره، وهي إلى جلالتكم برفقه، مع كامل المعاملة.
وأسأل الله أن يوفق الجميع لإصابة الحق في القول والعمل، إنه خير مسئول؛ ولبراءة من الذمة والنصح للمسلمين جرى تحريره. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/422)
198 - مسألة: رجل طلق زوجته بالثلاث المحرمة لينفك من شرها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم رئيس مركز الكرنتينة بجدة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 11\16\1389 هـ وصلكم الله بهداه، واطلعت على الورقة المرفقة به المتضمنة إثباتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته وهو أنه طلقها طلقة واحدة ثم أمسكت به وقالت له: إن كنت ابن أبيك فطلقني بالثلاث، فقال لها: مطلقة بالثلاث المحرمة، ولم يقصد بطلاقه إلا أن ينفك من شرها، وأنه لم يسبق أن طلقها قبل ذلك، وأنه راجعها في الحال، ومصادقة زوجته ووليها وهو أخوها على ذلك، وذلك بعد سماعكم لأقوال الجميع.
وبناء على ذلك فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه الأول والأخير طلقتان، ومراجعته
__________
(1) صدرت برقم (2382) في 17\11\1389هـ.(21/423)
لها صحيحة لاعتراف المرأة ووليها بذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن طلاقه الأخير يعتبر طلقة واحدة. فأرجو إشعار الجميع بذلك وقد أفهمنا الزوج بأن التطليق بالثلاث لا يجوز وأن عليه التوبة من ذلك، وقد بقي له طلقة واحدة. أثابكم الله وبارك في جهودكم وجزاكم عن الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/424)
199 - حكم من قال لزوجته اذهبي بثلاثين ألف طلقة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ مساعد رئيس محاكم منطقة حائل، وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :.
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 3\12\1392هـ الجوابي لكتابي رقم (2103) وتاريخ 29\11\1392 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وجرى الاطلاع عليه وعلى الأوراق المرفقة به المتعلقة بطلاق الزوج ز. ع. س. لزوجته فوجدنا أن الواقع يتلخص في أنه حصل بينه وبينها نقاش، وخصام، وشتم، أدى إلى إثارة شعوره، وغضبه، فقال لها: اذهبي بثلاثين ألف طلقة، ثم قال لها: اذهبي بستين ألف طلقة، ثم حضر لدينا بالورقة التي أثبتم فيها صفة طلاقه المذكور، ولما أحلناه لفضيلتكم لاستكمال بعض الإجراءات، وعاد إلى حائل سألته والدته عما تم في استفتائه، وأكثرت عليه الكلام،
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (138) في 29\2\1393هـ(21/425)
فأجابها بقوله: إنها طالق بألف طلقة، وقد شهد لدى فضيلتكم ع. ف. ن وع. م. ع. المعدلين بأن الزوج المذكور حاد الغضب، وأنه دائما يغضب، وأنه إذا غضب يفقد شعوره، وليس غضبا عاديا، ويغضب لأتفه شيء، كما حضر لدى فضيلتكم م. ش. وع. م. المعروفة عدالتهما لديكم، وشهدا بالاستفاضة أن زيدا المذكور قد مزق النقود المرسلة إليه من والدته عندما غضب.
وبناء على ذلك أفتيته بأن طلقاته المذكورة غير واقعة، وأن زوجته باقية في عصمته؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على أن شدة الغضب تمنع اعتبار الطلاق، كما لا يخفى، ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق (1) » وقد فسر جماعة من أهل العلم، منهم الإمام أحمد الإغلاق بالإكراه والغضب، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، ووصية الزوج بتقوى الله والحذر من أسباب الغضب، والتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند وجود ذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سنن أبو داود الطلاق (2193) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2046) ، مسند أحمد بن حنبل (6/276) .(21/426)
300 - حكم قول: (طالقة عدد السعف والتراب)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي حجاز بالقرن، وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (1476) وتاريخ 1\11\1390 هـ وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على الاستدعاء المرفق به المقدم لفضيلتكم من م. ع. ح. بشأن طلاقه لزوجته بقوله: طالقة عدد السعف والتراب، وفهمت رغبتكم في الفتوى، مع بيان الدليل، والذي أرى سؤال المذكور، وولي مطلقته، هل سبق ذلك أو لحقه طلاق؟ فإذا اتفقا على عدم وقوع شيء من الطلاق غير ذلك.
فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله العودة إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، إذا كان لم يراجعها في العدة، وعليه التوبة من طلاقه؛ لكونه طلاقا منكرا، كما يعلم ذلك فضيلتكم، أما الدليل على صحة هذه الفتوى، فهو ما ثبت في صحيح مسلم،
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (2532) في 29\12\1390 هـ.(21/427)
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الطلاق الثلاث يعتبر طلقة واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافه عمر (1) » الحديث، وما جاء في معناه من حديث ابن عباس أيضا في قصة أبي ركانة «لما طلق ثلاثا، فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم " إنها واحدة» رواه أحمد في المسند بسند جيد.
وهذا الطلاق المسئول عنه في حكم الطلاق الثلاث، فأرجو إكمال اللازم، وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة. أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح مسلم الطلاق (1472) ، سنن النسائي الطلاق (3406) ، سنن أبو داود الطلاق (2200) .(21/428)
201 - مسألة في الطلاق بالثلاث
حضر عندي الزوج ع. ح. وزوجته وأخوها، واعترف الزوج أنه من نحو ثلاثة أعوام حصل بينه وبين زوجته نزاع، ومشاجرة في السفر، فحرم أن لا يسافر بعد ذلك مع العائلة؛ لما وجده من التعب، ثم بعد ذلك طلقها طلقة واحدة وهي حامل وراجعها قبل أن تضع، بشهادة رئيسه في العمل، وإمام المسجد المجاور لهم، ثم طلقها من نحو أسبوع بالثلاث، وقد صدقته زوجته بحضرة أخيها على ذلك كله.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأن عليه كفارة يمين عن تحريمه الأول، ويقع على زوجته المذكورة طلقتان، إحداهما تطليقه لها طلقة واحدة، والثانية تطليقه لها بالثلاث، ويبقى لها طلقة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، وقد راجعها عندي بحضرتها، وجماعة من المسلمين؛ وبذلك استقرت في عصمته. قاله ممليه الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز، سامحه الله (1)
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (445\خ) في 27\4\1404 هـ.(21/429)
202 - حكم من طلق بالثلاث بكلمة واحدة، ولم يدخل بها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالطائف وفقه الله لكل خير آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب اطلعت على ما أثبته فضيلتكم بشرحكم المؤرخ 11\11\1389هـ بذيل كتابي رقم (1311) وتاريخ 5\7\1389 هـ من صفة الطلاق الواقع من الزوج ع. ع. على زوجته، وهو أنه طلقها بالثلاث بكلمة واحدة، وذلك قبل الدخول بها على عوض ألف ريال، ولم يطلق سوى ذلك، وذلك بعد سماعكم لأقوال المذكور، وولي مطلقته، وهو والدها.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكونها لا عدة لها؛
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (2433) في 25\11\1389 هـ.(21/430)
لأنها غير مدخول بها، ولأن الطلاق على عوض، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة، كما لا يخفى. فأرجو إشعار الجميع بذلك، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه، لكونه طلاقا منكرا، كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/431)
203 - حكم قول: أنت طالق بالثلاث حارمة علي حالة لغيري
حضر عندي الزوج ع. ف. وحضر معه صهره م. ح. واعترف الزوج بأنه قال لزوجته: لا تقفلي الحجرة يقصد حجرة معروفة عندهما، فإن جئت من العمل، وأنت قافلتها، فأنت طالق بالثلاث، حارمة علي، حالة لغيري، ولم يرد بذلك تطليقها، وإنما أراد زجرها عن قفل الحجرة، فلما رجع من عمله، وجدها قد قفلتها، وذكر أنه استفتى فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد فأفتاه بأن طلاقه المذكور في حكم اليمين، ولا يقع، وعليه كفارتها، إذا كان الأمر كما قال، وذكر أنه حضر مع صهره المذكور عند فضيلة الشيخ ع. ك. حال كونه قاضيا في الرياض عام 1385هـ، وعرض عليه الفتوى المذكورة فأقرها، وعرض علي صكا صادرا من الشيخ المذكور، وعليه ختمه، يتضمن بيان صحة ما ذكره الزوج المذكور، واعترف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته المذكورة بالثلاث بلفظ واحد، في غرة جمادى الأولى عام 1392 هـ ولم يطلقها سوى ما ذكر، وبسؤال أبيها المذكور أجاب بأنه لا(21/432)
يعلم أنه وقع من الزوج سوى ما ذكر (1) .
وبناء على ذلك أفتيتهما بأنه قد وقع على الزوجة المذكورة بالطلاق الأخير طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، وقد اعترفا جميعا بأنها حبلى حين التاريخ وقد راجعها عندي الزوج بحضرة أبيها وجماعة من المسلمين وبذلك أصبحت في عصمته، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على ذلك، وقد أفهمناهما أن التطليق بالثلاث لا يجوز، وأن على الزوج التوبة من ذلك، قاله وأثبته الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
رئيس الجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (895) في 30\5\1392هـ.(21/433)
204 - حكم من شك في عدد الطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الدلم وفقه الله لكل خير، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 4\8\1388هـ وصلكم الله بهداه وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج م. ع. على زوجته، وهو أنه طلقها بالثلاث بكلمة واحدة، تحرم عليه حسب قول صهره، أما الزوج فلم يعلم صفة الصادر منه، هل طلقها طلاقا مطلقا، أو بالثلاث؟ كما اعترف بذلك عندي (1) .
وبناء على ذلك وعلى اعتراف الزوج بأنه لم يطلقها قبل ذلك واعتراف صهره بأنه لا يعلم أنه طلق سوى ما ذكر فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، سواء كان الواقع منه ما اعترف به، أم ما ادعاه صهره، وله مراجعتها ما دامت في العدة، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، كما لا يخفى
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (1266) في 4\8\1388هـ.(21/434)
أما قوله: تحرم عليه، فهو كلام تابع للطلاق، مفسر له، لا يترتب عليه شيء، ولم يقر به الزوج، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، وإكمال اللازم من جهة المراجعة. أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/435)
205 - الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الجوف وفقه الله للخير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم رقم (1976) وتاريخ 6\10\1394 هـ وصلكم الله بهداه وهذا نصه: (نبعث إليكم طيه الاستدعاء المقدم لنا من الزوج، المقيد لدينا برقم (2878) في 5\10\1394 هـ لطلبه الفتوى فيما حدث بينه وبين زوجته، وقد جرى إحضار المستدعى بمجلس المحكمة مع زوجته المذكورة، وولي أمرها، شقيقها، وسؤال الجميع عن صفة الواقع، وعما إذا كان سبق بينهما طلاق قبل ذلك، أو بعده، أفاد الزوج بأنه حين عصت زوجته أمره، قال لها: أنت بالثلاث، بلفظ واحد، ونفت هي وولي أمرها أن يكونا سمعا ما قال، وقررا أنهما يرغبان عودتها لزوجها، إذا أحل الشرع ذلك، وقرر الزوج بأنه لم يسبق منه طلاق لزوجته المذكورة، ولم يلحقه، كما حضر لدينا بنفس الجلسة كل من م. وع. المعروفين لدينا، وشهدا بالله العظيم بأن الزوج أشهدهما في(21/436)
شهر ثلاثة من عامنا هذا، بأنه راجع زوجته، وحيث لم يتضح لنا وجه الفتوى اعتبار عدد الطلاق، ولما لمسناه من رغبة الزوجين في الرجعة، رأينا عرض الموضوع لسماحتكم لإفتائهما بما ترونه متمشيا مع السنة النبوية) انتهى (1) .
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المذكور طلقة واحدة، ومراجعته لها صحيحة، إذا صدقته المرأة ووليها، في كونه لم يطلقها طلقتين، قبل ذلك ولا بعده، وصادف وقوع الرجعة، وهي لا تزال في العدة. فأرجو من فضيلتكم إكمال اللازم وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه؛ لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (3272\خ) في 29\11\1394هـ.(21/437)
206 - التطليق بالثلاث لا يجوز
حضر عندي الزوج وحضرت معه زوجته وأخوها واعترف الزوج المذكور بأنه غضب على زوجته المذكورة فطلقها بالثلاث، بكلمة واحدة، في يوم الأربعاء الموافق 26\3\1393 هـ ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وبسؤالها عن ذلك؟ أجابت بأنها لم تسمع لفظه المذكور، وإنما سمعت منه قوله: طالق، طالق، واعترفت بأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وبسؤاله عما قالته الزوجة؟ أجاب بأنه لم يتلفظ بما قالته الزوجة، ولا يعلم أنه صدر منه، وإنما الواقع هو أنه طلقها بالثلاث بلفظ واحد فقط، وبسؤال أخيها أجاب بأنه لم يحضرهما حين الطلاق، ولا يعلم ما صدر من الزوج، سوى ما اعترف به ولا يعلم أنه طلقها قبل ذلك، ولا بعده (1) .
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المذكور طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الطلاق المذكور يعتبر طلقة واحدة، وقد
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (595) في 2\4\1393هـ.(21/438)
راجعها عندي بحضرتها وحضرة أخيها المذكور، وبذلك استقرت في عصمته، وقد أفهمت الجميع أن التطليق بالثلاث لا يجوز وأن على الزوج التوبة من ذلك.
أصلح الله حال الجميع، قاله ممليه الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله وصلى الله على محمد وآله وصحبه.(21/439)
307 - على من طلق الثلاث بكلمة واحدة التوبة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة الضمان والأنكحة بالرياض وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده: (1) :
يا محب: كتابكم الكريم، رقم (بدون) وتاريخ 5\4\1393 هـ الجوابي لكتابي رقم (551) وتاريخ 27\3\1393 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الإفادة المرفقة المتضمنة بيان حضور الزوج ومطلقته لديكم، والتحقيق معهما في صفة الطلاق الواقع من الزوج المذكور، على الزوجة المذكورة، وعدده، واعتراف الزوج المذكور بأنه طلقها في شهر ربيع الثاني عام 1392هـ طلقة واحدة، ثم طلقها بالثلاث بكلمة واحدة، في شهر ذي القعدة عام 1393هـ ولم يطلقها سوى ذلك، وتصديق الزوجة له في جميع ما ذكر، واعترافها بأنه لم يطلقها سوى الطلاق المذكور انتهى المقصود.
وقد
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (646) في 7\4\1393هـ.(21/440)
اعترف لدي الزوج المذكور بأنه راجعها بعد الطلقة الأولى، كما ادعى أنه راجعها بعد الطلاق الثاني بيومين، هكذا قال.
وبناء على جميع ما ذكر فقد أفتيته بأنه قد وقع على زوجته المذكورة طلقتان، إحداهما بالطلقة الأولى، والثانية بالطلاق الأخير، الواقع في ذي القعدة عام 1393 هـ؛ لأنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن طلاقه الأخير يعتبر طلقة واحدة، أما دعواه الرجعة بعد الطلاق الثاني فتحتاج إلى بينة، فإن ثبت لديكم أنه راجعها بعد الطلاق الثاني، حال كونها في العدة، فهي زوجته، من غير حاجة إلى تجديد عقد، وإن لم يثبت لديكم ذلك، لم تحل له إلا بنكاح جديد، بشروطه المعتبرة شرعا، كما لا يخفى وقد بقي لها طلقة واحدة وقد أفهمنا الزوج أن التطليق بالثلاث لا يجوز، وأن عليه التوبة من ذلك. فأرجو من فضيلتكم إشعارهما بذلك شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/441)
208 - التطليق بالثلاث لا يجوز، وعلى الزوج التوبة
حضر عندي ح. ع. ق. وحضر معه صهره المعرف لدينا من فضيلة الشيخ ع. س. م. بموجب رسالة بتاريخ 28 \ 4 \ 1393 هـ يحملها الأخ صهره المذكور، وحسب إقرار الزوج المذكور واعترافه بأنه كتب لزوجته الطلاق بالثلاث بهذا اللفظ، وسلمها صكا، بيد أبيها المذكور، ولم يطلقها قبل ذلك، ولا بعده، وبسؤال صهره عن الواقع، أبرز صكا برقم (907) في 14\10\1390 هـ يتضمن إثبات ما اعترف به الزوج المذكور وهو بإملاء فضيلة الشيخ القاضي بالمحكمة الشرعية بجدة، وقد سألنا صهره، هل سبق هذا الطلاق طلاق أو لحقه شيء؟ وهل لبنته الرغبة في العود إليه إذا أباح الشرع ذلك؟ فأجاب بأنه لا يعلم أن الزوج المذكور طلقها قبل هذا الطلاق، ولا بعده، كما أجاب بأن ابنته ترغب في العودة إلى زوجها المذكور، إذا أباح الشرع ذلك.
وبناء على جميع ما ذكر أفتيتهما بأنه قد وقع على الزوجة المذكورة بالطلاق المذكور طلقة واحدة، وله العودة إليها بنكاح جديد، بشروطه المعتبرة، لكونها قد خرجت من العدة، وقد(21/442)
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة، وقد أفهمته أن التطليق بالثلاث لا يجوز، وأن على الزوج المذكور التوبة من ذلك.
قاله ممليه الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (1) .
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (855) في 28\4\1393هـ.(21/443)
209 - طلاق الثلاث بكلمة واحدة يقع واحدة
حضر عندي الزوج، وحضر معه صهره، أخو زوجته، وحضرت معهما أم الزوج المذكور، وزوجته، واعترف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته المذكورة بالثلاث بكلمة واحدة في يوم السبت الموافق18\3\1393 هـ، وقد سبق أن طلقها طلقة، في عام 1392 هـ، ثم راجعها، وبسؤال صهره المذكور، وأم الزوج المذكور، أجابا بأن الواقع هو كما قاله الزوج، أما الزوجة فذكروا جميعا أنها صماء لا تسمع، ولما سألتها أم الزوج بالإشارة، بحضور المذكورين، أجابت بأنها لا تدري.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه وقع على زوجته المذكورة بالطلاق الأخير طلقة واحدة، تضاف إلى الطلقة السابقة، ويبقى لها طلقة، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وقد راجعها عندي الزوج بحضرة أخيها، وإ. ع. ح. وبذلك استقرت الزوجة في عصمته (1) .
قاله ممليه الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (490\1خ) في 22\3\1393هـ.(21/444)
210 - مسألة في الطلاق الثلاث بلفظ واحد
حضر عندي الزوج إ. أ. م. وحضر معه أخو زوجته واعترف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته بالثلاث بلفظ واحد، وسبق أن خالعها، في عام 1390 هـ حسب الصك الصادر من محكمة المدينة، ثم تزوجها بعد الخلع المذكور، ودخل بها، وأنجبت منه بنتا، ثم طلقها الطلاق المذكور في 10\1\1393 هـ، ولم يطلقها سوى ذلك، ولم يكن الطلاق المذكور على عوض، وبسؤال أخيها المذكور حال وكالته الثابتة عن أبيه من كاتب عدل المدينة المنورة برقم (345) وتاريخ 17\2\1393 هـ عما ذكره الزوج المذكور؟ أجاب بأن ما ذكره هو الواقع، كما أجاب بأن أخته المذكورة لا تعلم أنه وقع من الزوج المذكور سوى ما ذكر، وأنها ترغب في العود إليه إذا أباح الشرع ذلك ثم سألنا الزوجة عما ذكره زوجها فأجابت بأن ما ذكره هو الواقع واعترفت أنها لم تزل في العدة وأنه لا مانع لديها من الرجوع إليه إذا جاز ذلك شرعا (1) .
وبناء على ذلك أفتيتهما بأنه قد وقع على الزوجة
__________
(1) أجاب عنه سماحته برقم (309\خ) في 20\2\1393هـ.(21/445)
المذكورة بالطلاق المذكور طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الطلاق المذكور يعتبر طلقة واحدة وقد راجعها عندي بحضرة أخيها وجماعة من المسلمين وبذلك استقرت في عصمته وقد أفهمناه أن التطليق بالثلاث لا يجوز وأن عليه التوبة من ذلك.
قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سامحه الله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.(21/446)
211 -حكم من طلق طلقتين بلفظ واحد
حضر عندي الزوج، وأخو زوجته واعترف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته طلقة واحدة في 13\8\1391 هـ. وكتب بذلك ورقة، ثم استرجعها في 18\8\1391 هـ. ثم طلقها طلقتين بلفظ واحد في 10\11\1393 هـ. وكتب بذلك ورقة ولم يطلقها سوى ذلك وبسؤال أخيها المذكور أجاب بأنه لا يعلم وقوع طلاق من الزوج سوى ما ذكر، وأما الطلاق المذكور فلم يعلم به إلا من الورقتين اللتين كتبهما الزوج به وأفاد أنه وأخته يرغبان في عودها إلى مطلقها المذكور إذا وجد فتوى شرعية.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع بطلاقه الأخير على زوجته المذكورة طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة، ويبقى لها طلقة وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن مثل هذا الطلاق الأخير لا يقع به إلا واحدة لكونه في معنى الثلاث المجموعة، وقد حضرت عندي الزوجة المذكورة وصدقت أخاها وزوجها في صفة الواقع، وأفادت بأنه لا مانع لديها من(21/447)
العود إليه، ثم على ضوء ذلك صدر من أخيها المذكور إيجاب النكاح على أخته المذكورة للزوج المذكور وصدر من المطلق قبول النكاح على مهر واصل باعتراف الجميع وبذلك صارت المطلقة المذكورة زوجة شرعية للمطلق المذكور، شهد على حضور الجميع وصدور عقد النكاح المذكور على الوجه المذكور إ. ع. ح. وإ. ع. م.
قاله وأثبته الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (1) .
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (2070) في 20\7\1394 هـ.(21/448)
212 - حكم من طلق زوجته سبعين طلقة بلفظ واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة تربه، وفقه الله لكل خير آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المرفق رقم (692) وتاريخ 24\12\1386هـ الجوابي لكتابنا الخاص باستفسارنا عن كيفية طلاق الزوج ا. ح. لزوجته وصل، وصلكم الله بهداه وما ذكرتموه من أنه حضر لديكم الزوج المذكور وحضر لحضوره ولي المرأة المذكورة وحضر معهما شاهدان وأنه أقر الزوج المذكور بحضور الشاهدين قائلا: نعم لقد طلقت زوجتي في بيت أخي سبعين طلقة بلفظ واحد يوم17\12\1386هـ. وقد راجعتها في وقته وأنه بسؤال الشاهدين عما قاله الزوج أجابا بصحة ما ذكر الزوج، وكما أجاب أخو المطلقة، قائلا: صحيح ما ذكره الزوج أنه لم يطلق زوجته إلا هذه المرة كان معلوما.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1446) في 27\12\1386هـ.(21/449)
وبناء على ما ذكرتم فقد أفتيت المذكور بأنه قد وقع على زوجته بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة ومراجعته لها صحيحة إذا ثبتت لديكم؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى، وقد أفهمنا الزوج بأن طلاقه المذكور منكر وأن عليه التوبة من ذلك وأفهمناه طلاق السنة، فأرجو من فضيلتكم إشعار ولي المرأة بذلك، أثابكم الله وسدد خطاكم وأصلح أحوال الجميع- آمين- والله يتولاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/450)
213 - حكم من طلق بقوله أنت طالق بالثلاث، أنت طالق بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ س. ع. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 17\11\1388هـ. وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على الورقة المرفقة به المحررة من قبل الأخ الشيخ أ. غ. المتضمنة إثبات صفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته وهو: أنه قال لها في حال الغضب: أنت طالق بالثلاث أنت طالق بالثلاث، وأنه راجعها في اليوم الثاني من وقوع الطلاق، ومصادقة ولي مطلقته له في صفة الطلاق، واعتراف المطلق لديكم بأنه قصد بطلاقه الثاني التأكيد.
والذي أرى هو سؤال المطلق والولي هل سبق ذلك طلاق؟ فإذا اعترفا بأنه لم يقع شيء من الطلاق سوى ما ذكر فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (2015) في 3\12\1388هـ.(21/451)
بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة ومراجعته لها صحيحة إذا ثبتت لديكم بالبينة أو بإقرار المرأة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى، فأرجو إكمال اللازم وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه المذكورة لكون التطليق بالثلاث لا يجوز. أثابكم الله وجزاكم عن الجميع خيرا، أما إن كان قد سبقه شيء من الطلاق قبل ذلك فأفيدونا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/452)
214 ـ طلقها بالثلاث بلفظ واحد
منذ سنة ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده
حضر لدي الزوج وزوجته وابنهما وحضر معرفا بالجميع الشيخ ذ. س. والأمير م. ر. واعترف الزوج بأنه طلق زوجته بالثلاث بلفظ واحد من نحو سنة ولم يطلقها قبله ولا بعده، وقد صدقته زوجته المذكورة ووليها ابنهما.
وبناء على ذلك أفتيته بأن هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على ذلك. وقد طلب مني إجراء عقد النكاح بينهما، وقد تم إجراء عقد النكاح للزوج المذكور على زوجته المذكورة على مهر ستة آلاف (6000) ريال بالشروط المعتبرة شرعا، وبذلك صارت المطلقة المذكورة زوجة شرعية للمطلق المذكور وبقي لها طلقتان، شهد على جميع ما ذكر الشيخ ذ. س. والأمير م. ر. والشيخ إ. ع. ح.
قاله ممليه الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (1) .
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1056\1\م) في 24\7\1398هـ.(21/453)
215 - مسألة في الطلاق الثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة، وفقه الله لكل خير آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (2115) وتاريخ 29\10\1390 هـ. وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على صورة الضبط المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته وفيها أنه اعترف لديكم بأنه في عام 1389هـ، حصل بينه وبين زوجته المذكورة نزاع فطلقها بالثلاث بلفظة واحدة، ثم استرجعها بموجب فتوى من فضيلتكم، ثم في شهر صفر من هذا العام 1390 هـ. حصل بينه وبينها نزاع فطلقها بالثلاث بلفظة واحدة ولم يزد على ذلك شيء ولم يلحقه شيء، ثم استرجع في الشهر الثالث من تاريخ الطلاق الأخير وأشهد على ذلك شاهدين وأنه أحضرهما لدى فضيلتكم فشهدا باسترجاعه من طلاقه لزوجته وأن استرجاعه بعد مضي شهرين ونصف من تاريخ الطلاق الذي وقع منه في
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (2415) في 18\12\1392 هـ.(21/454)
شهر صفر عام 1390 هـ. وأن والد المرأة حضر لديكم وصدق صهره فيما قال، وقدم لفضيلتكم ورقة تتضمن الطلاق الأخير مؤرخة في 2\2\1390 هـ. ومضمونها أن الزوج المذكور طلق زوجته المذكورة بالثلاث تحرم عليه وتحل لمن بغاها.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه الأخير طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة ويبقى له طلقة، ومراجعته لها صحيحة إذا كانت وقعت قبل خروجها من العدة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك كما لا يخفى، فأرجو إكمال اللازم وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه؛ لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/455)
216 - حكم من طلق بقوله أنت طالق عدد سعف النخل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة، وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (1100) وتاريخ 10\4\1394 هـ. وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج وزوجته ووالدها لدى فضيلتكم، وإثباتكم لصفة الطلاق الواقع منه عليها وهو أنه قال لها: أنت طالق عدد سعف النخل وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده كان معلوما.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المذكور طلقة واحدة وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأنه لم يراجعها خلال العدة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1032) في 11\5\1394هـ.(21/456)
217 - حكم من طلق زوجته طلاقا باتا
حضر عندي الزوج وحضرت لحضوره مطلقته والمعرفون بها واعترف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته المذكورة طلاقا باتا تحرم عليه وتحل لغيره كتابة لا لفظا وعرض علي ورقة تتضمن ذلك، ويذكر أنه سبق أن طلقها طلقة واحدة ثم استرجعها، وبسؤال الزوجة المذكورة صدقت مطلقها فيما قال وأنه ليس لها ولي حاضر وبسؤال المعرفين بها صدقوها فيما قالت.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المذكور طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة ويبقى له طلقة، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك وقد سألنا الزوجة فأجابت بأنها لا تزال في العدة؛ ولهذا راجعها الزوج المذكور عندي بشهادة من ذكر وبحضرتها.
قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سامحه الله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه (1) .
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1593) في 6\10\1388هـ.(21/457)
218 - في الطلاق بالثلاث بلفظ واحد
حضر عندي الزوج، وحضر معه صهره، وحضر معهما والد الصهر وحضرت معهم الزوجة واعترف الزوج بأنه غضب على زوجته فطلقها بالثلاث بكلمة واحدة في ذي الحجة مع عام 1392 هـ ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده وبسؤالها وأبيها وأخيها عن ذلك صدقوه فيما قال، واستفتوني في ذلك.
فأفتيتهم بأنه قد وقع على الزوجة المذكورة بالطلاق المذكور طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة، وقد راجعها الزوج عندي بحضرتها وأبيها وأخيها بعد اعترافها بأنها لم تزل في العدة وبذلك استقرت في عصمته، وقد التزم لها الزوج بمبلغ ألف ريال عربي سعودي يسلمها لها إرضاء لها، تصرفها في حاجاتها الخاصة، كما التزم الزوج أيضا بمبلغ ألفي ريال يسلمها لأبيها وبذلك لم يبق بين المذكورين شيء من النزاع.
قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه (1) .
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (552) في 27\3\1393هـ.(21/458)
219 - حكم من طلق بالثلاث بلفظ واحد في وقتين مختلفين
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 9\1\1387هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وكذلك كتابكم الكريم المؤرخ في 1\9\1388 هـ وفهمت ما أشرتم إليه عن صفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته وهو: أنه طلقها بالثلاث بكلمة واحدة، وأفتيتموه بصحة مراجعته لها، ثم طلقها بالثلاث بكلمة واحدة، فتوقفتم عن إفتائه بجواز المراجعة؛ نظرا لأن هذا هو السبب الذي حمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على إمضاء الثلاث وهو التلاعب وعدم المبالاة، ورغبتكم في إفادتكم عما لدينا في الموضوع.
ونفيدكم بأنه ما دام هناك دليل من الشرع على جواز مراجعته لزوجته، فليس هناك موجب للتوقف عن ذلك، وما
__________
(1) صدرت برق (1667) في 15\10\1388هـ.(21/459)
دام الواقع هو كما ذكرتم، ولم يسبق أن طلقها غير ما تقدم مع ثبوت ذلك لديكم بمصادقة ولي المرأة المطلقة، فقد أفتيت الزوج بأنه قد وقع على زوجته بطلاقه الأخير طلقة واحدة، تضاف إلى الطلقة السابقة ويبقى له طلقة وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكونها قد خرجت من العدة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة، كما لا يخفى فأرجو إشعار الجميع بذلك وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه المشار إليه؛ لكون التطليق بالثلاث لا يجوز كما يعلم بذلك فضيلتكم. أثابكم الله وسدد خطاكم.
ورسالتكم في الطلاق الثلاث وصلت وهي تحت المراجعة وسنفيدكم إن شاء الله عن رأينا حولها بعد الفراغ من قراءتها. نفع الله بعلومكم ومنحنا وإياكم المزيد من التوفيق لإصابة الحق إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/460)
220 - مسألة في الطلاق الثلاث بلفظ واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي حجاز بلقرن وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (85) وتاريخ 14\1\1393 هـ وصل، وصلكم الله بهداه وهذا نصه: وبعد فنعيد إليكم خطابكم رقم (1960) وتاريخ 1\11\1392 هـ بشأن الزوج وزوجته، وأفيدكم بأنه قد حضر الزوج وحضر معه ولي الزوجة كما حضرت الزوجة وبعد حضورهم جرى سؤال المطلق عن الطلاق الصادر منه وهل سبقه طلاق منه على زوجته أو لحقه شيء غير الذي صدر منه، فأجاب بقوله: إنني سبق أن طلقت زوجتي طلقة واحدة فقط، ثم بقيت في مجلسي خمس دقائق، وزدت على ذلك بطلقة واحدة بالثلاث بكلمة واحدة ولفظ واحد، ولم يسبق أن جرى مني عليها شيء من الطلاق غير ما ذكرت بعاليه لا قبله ولا بعده، وكما قرر ولي الزوجة أنه لم يحضر الطلاق ولم يسمع شيئا، سوى أن لديه بينة على الطلاق وهما شاهدان وناس حاضرون معهما، كما
__________
(1) صدرت برقم (417) في 13\3\1393هـ.(21/461)
حضرت الزوجة وسئلت عن الطلاق من زوجها عليها، فأجابت بقولها: إنني لم أسمع من زوجي أي طلاق بل إنه جاءني صباح ذات يوم من مدة ثلاث سنوات، وقال: روحي لأهلك، ورحت لأهلي وأنا أرغب العودة مع زوجي وأولادي إذا كان ليس فيه مانع، وقد وردتنا الإجابة من النائب بالخير مار الذكر تحت توقيعه وختمه طبق ما قاله الزوج وأدلى به حسبما يتضح لكم من مرفقاته؛ لذا جرى إعادة المعاملة لسماحتكم. انتهى.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج بأنه قد وقع على زوجته بالطلاق المذكور طلقتان إحداهما بالطلقة الواحدة والثانية بالطلاق الثلاث، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا إذا صدقه الشاهد الثاني على ذلك، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن التطليق الثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة كما لا يخفى، فأرجو من فضيلتكم إكمال اللازم وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه بالثلاث، لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله وشكر سعيكم. وإن خالفه الشاهد المذكور في ذلك فأوقفوا هذه الفتوى، وأفيدونا بما يثبت لديكم جزيتم خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/462)
221 - مسألة في الطلاق الثلاث بلفظ واحد
حضر عندي زوج وحضر معه ولي زوجته وحضرت معهما زوجته وأقر الزوج بأنه طلق زوجته طلقة واحدة من نحو خمس وثلاثين سنة ثم راجعها ثم طلقها بالثلاث بلفظ واحد في رجب عام 1394 هـ، واستفتى أحد المشايخ فأفتاه أنها واحدة واسترجعها، ثم في 28\11\1394 هـ حصل بينه وبين زوجته مشاجرة، فقال لها: إذا كنت ما تريدين عشرتي ليه تجلسين عندي، أنت مطلقة بالثلاث، ويذكر أن قصده بذلك الطلاق السابق الواقع في رجب عام 1394هـ، وحلف على ذلك، وبسؤال الزوجة هل طلقها سوى ما ذكر؟ أفادت أنه لم يطلقها غير ذلك، وبسؤال والدها أفاد أنه لا يعلم شيئا من الطلاق المذكور.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج بأنه قد وقع على زوجته بالطلاق المذكور الواقع في رجب طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة السابقة ويبقى لها طلقة ومراجعته لها صحيحة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على ذلك.
وقوله في كونه أراد بطلاقه الأخير الطلاق الواقع في رجب 1394 هـ مقبول؛ لأنه أعلم(21/463)
بنيته وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » وقد أوصيتهما بالمعاشرة الطيبة والحذر من أسباب الغضب، أصلح الله حالهما. قاله ممليه الفقير إلى الله تعالى عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه (2) .
__________
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .
(2) صدرت برقم (3524\خ) في 20\12\1394 هـ.(21/464)
222 - اختلاف لفظ الطلاق يدل على التكرار لا على التأكيد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة المبرز وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (2624) وتاريخ 22\6\1393 هـ، واطلعت على الصك المرفق به رقم (270) وتاريخ 14\6\1393هـ المتضمن إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته، وفيه اعترافه لدى فضيلتكم أنه كتب ورقة ذكر فيها: أنه طلقها طلقة واحدة، وكتب أخرى ذكر فيها: أنه طلقها ثلاث طلقات، ولم يتلفظ بالطلاق المذكور، وأن نيته بالطلاق الأخير الطلاق الأول، وفيه مصادقة مطلقته ووالدها له فيما ذكروا، وأنها ترغب بالعود إذا أباح الشرع ذلك، كما اطلعت على ورقتي الطلاق المرفقتين فوجدتهما تنصان على ما ذكر وتاريخ الأولى8\1\1393هـ وتاريخ الثانية 9\1\1393 هـ.
__________
(1) صدرت برقم (1807) في 12\8\1393هـ.(21/465)
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بذلك طلقتان إحداهما بالطلقة الأولى والأخرى بالطلاق بالثلاث؛ لأنه كتب بذلك ورقتين في وقتين، ولأن اختلاف لفظ الطلاق لا يدل على التأكيد وإنما يدل على التكرار؛ ولأن تطليقه بالثلاث مغاير لتطليقه الأول فلا وجه لتأكيده به، ويبقى لها طلقة واحدة وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الطلاق بالثلاث يعتبر طلقة واحدة كما لا يخفى.
فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بالفتوى المذكورة، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه بالثلاث؛ لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/466)
223 - مسألة في الطلاق الثلاث بلفظ واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. إ. ح. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) .
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 16\12\1388 هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من التهنئة بعيد الأضحى المبارك كان معلوما، هنأكم الله بكل خير وتقبل من الجميع وأعاده علينا وعليكم وسائر المسلمين أعواما كثيرة على حال خير واستقامة، إنه خير مسئول.
وقد فهمت ما أشرتم إليه من طلاق الزوج لزوجته وهو أنه قال لها: أنت طالق بالثلاث، أنت طالق بالثلاث، وأنه لم يقصد بهذا التكرار شيء بسبب انفعاله وأنه لم يسبق أن طلقها قبل ذلك، ومصادقة الزوجة له في ذلك، وحضور والده وعمه لديكم وشهدا بصحة ذلك؛ لكونهما كانا حاضرين حين وقوع الطلاق، وأنه أشهد على مراجعتها في الحال وأنه لا يوجد ولي للمرأة، وأنها قررت استعدادها بالرجوع إليه إذا صدرت فتوى في ذلك.
__________
(1) صدرت برقم (269) في 9\2\1389هـ.(21/467)
والجواب: إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فقد أفتيت الزوج بأنه قد وقع على زوجته بالطلاق المنوه عنه طلقتان لكل جملة طلقة وبقي له طلقة، ومراجعته لها صحيحة إذا ثبت لديكم بالبينة أو بإقرار المرأة؛ لأنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى.
فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه المذكورة لأن التطليق بالثلاث لا يجوز كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(21/468)
224 - اعتبار الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقة واحدة مبني على أدلة شرعية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. ع. ص. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصلني كتابكم الكريم رقم (337\1) وتاريخ 2\5\1393 هـ المتعلق بطلاق الزوج زوجته وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن إفتائكم إياه سابقا بوقوع طلاق الثلاث على زوجته كان معلوما.
وأفيد فضيلتكم أن الزوج حضر عندي غير مقتنع بالفتوى المذكورة وملتمسا فرجا من الشرع فيما وقع منه من الطلاق ولا يخفى على فضيلتكم أن المستفتي لا تلزمه الفتوى إذا لم يقتنع بها ويلتزم بها؛ ولهذا أفتيته بما أوضحته لفضيلتكم في كتابي المرفق بهذا رقم (802) وتاريخ 24\9\1393 هـ بناء على أدلة شرعية قد اقتنعت بها واقتنع بها جم غفير من السلف الصالح، واختار الفتوى بمقتضاها أبو العباس شيخ الإسلام ابن
__________
(1) صدرت برقم (896) في 5\5\1393هـ.(21/469)
تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما وجماعة آخرون، كما لا يخفى، ومعلوم ما في ذلك من التسهيل وتفريج كرب كثيرة وليس هناك نص من كتاب أو سنة يخالف مقتضى الأدلة المشار إليها.
فإذا رأى فضيلتكم إنفاذ هذه الفتوى وتكميل ما يلزم لإنفاذها، فأرجو أن تكونوا شركاء في الأجر، وإن رأيتم خلاف ذلك فأفيدونا وأعيدوا جميع الأوراق حتى نحولها إلى من نرى من القضاة في المنطقة، وفق الله الجميع لما فيه رضاه وجعلنا وإياكم ممن يعين على نوائب الحق إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
انتهى الجزء الحادي والعشرون ويليه بمشيئة الله تعالى الجزء الثاني والعشرون وأوله القسم الثاني من كتاب الطلاق(21/470)
صفحة فارغة(22/1)
صفحة فارغة(22/2)
بسم الله الرحمن الرحيم(22/3)
صفحة فارغة(22/4)
تكملة باب ما يختلف به عدد الطلاق(22/5)
صفحة فارغة(22/6)
1 - مسألة: في الطلاق الثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. م. غ. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) . يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 10 \ 6 \ 1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الورقة المرفقة به المتضمنة إثباتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج س. ع. أ. على زوجته، وهو أنه طلق زوجته المذكورة بقوله لها: أنت مطلقة بالثلاث، وأنه أفتي في محكمة مصوع بأن عليه إطعام ستين مسكينا ستين ريالا، وأنه راجعها بعد أسبوع من وقوع الطلاق بحضرة أبيها وخالها عند قاضي مصوع، ولكن لم يتمكن من الإطعام آن ذاك، وقد أصبح اليوم قادرا على الإطعام، ولا زال معتزلا زوجته المذكورة، وأنه لم يطلقها قبل ذلك، وأنه لا ولي لها في المملكة، ومصادقة زوجته له في ذلك، وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، ومراجعته لها صحيحة، ولا كفارة عليه؛ لأن الكفارة في مثل هذا الحادث لا أصل لها، ولا نعلم أحدا من
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1362 في 4 \ 8 \ 1390هـ(22/7)
أهل العلم قال بذلك، إذا كان الواقع هو ما ذكر، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة، فأرجو إشعار المذكور وزوجته بذلك، وأمره بالتوبة من طلاقه لكونه خلاف السنة. أثابكم الله، وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/8)
2 - مسألة: في الطلاق الثلاث بلفظ واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ م. ع. م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) يا محب اطلعت على شرحكم المؤرخ 21 \ 2 \ 1392 هـ المدون بذيل كتابي الموجه للأخ س. ع. هـ. برقم 232 وتاريخ 392 \ 2 \ 1392هـ وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج المذكور على زوجته، وهو أنه حضر لدى فضيلتكم مع والد مطلقته، فأفاد الولي المذكور أن ابنته لا علم لها بصفة الطلاق، ولا أنه طلق قبل ذلك أو بعده، وأنها وضعت حملها في آخر شوال 1391 هـ، كما أفاد أن الزوج قد أخبره أنه راجع،
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 393 في 11 \ 3 \ 1392 هـ.(22/8)
وأشهد على ذلك في رمضان 1391هـ، وأنه وابنته لا مانع لديهما من معاودة النكاح إذا أجازه الشرع، وأن الزوج اعترف لديكم أنه طلقها قبل ذلك طلاق السنة فقط، وقد اطلعت على صورة ورقة الطلاق المرفقة المؤرخة 29 \ 7 \ 1391 هـ فوجدتها تنص على ما يأتي: (نعم أنا [س. ع. هـ] بنفسي راضية وخاطر سامح فقد طلقت زوجتي المدعوة [فلانة] ثلاث طلقات، تحرمها علي، طلاق لا رجعة فيه، وقد شهد بذلك [ع. ف. ر.] وابنه، وكاتبه، وعلى هذا جرى التوقيع) انتهى.
كما اطلعت على ورقة المراجعة المرفقة المذيلة بإثبات فضيلتكم، وهذا نصها (نشهد نحن الموقعين أدناه [ع. ح. ز] و [م. ع. ر] بأنه في شهر رمضان المبارك لعام 1391هـ أشهدنا الزوج أنه راجع زوجته المسماة [فلانة] ، إلى عصمته، وعلى ما سمعنا شهدنا، والله خير الشاهدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين) انتهى.
وبناء على ما ذكر أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه الأخير طلقة واحدة، تضاف إلى الطلقة السابقة، ويبقى لها طلقة، ومراجعته لها صحيحة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، كما لا يخفى، وعليه التوبة من طلاقه الأخير لكونه طلاقا منكرا كما يعلم ذلك(22/9)
فضيلتكم. فأرجو إشعار الجميع بالفتوى المذكورة، إذا كان الطلاق الأخير الواقع منه باللفظ المذكور في الورقة، أما إن كان طلقها بالثلاث بكلمة واحدة فأرجو الإفادة عن لفظه بها، وإيقاف هذه الفتوى حتى ننظر في ذلك لأن فضيلتكم لم يسأله عن ذلك. أثابكم الله، وشكر سعيكم، وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/10)
3 - مسألة في الطلاق الثلاث بكلمة واحدة
حضر عندي من سمى نفسه ع. م. ع. وذكر أنه طلق زوجته بالثلاث بكلمة واحدة، ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وكان ذلك في عام 1385 هـ وعرض علي صكا صادرا من المحكمة الكبرى بالمدينة المنورة برقم 1077 وتاريخ 2 \ 11 \ 1385هـ يتضمن اعتراف الزوج المذكور بطلاقه المذكور لدى فضيلة رئيس المحكمة المذكورة، وبسؤال الزوج المذكور هل راجع زوجته المذكورة بعد تطليقه لها أجاب: بأنه لم يراجعها، وقد استفتاني في الطلاق المذكور، فأفتيته بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المذكور طلقة واحدة، إذا كان الواقع هو ما ذكره الزوج، وله العود إليها بنكاح جديد، إذا رضيت بذلك؛ لكونها قد خرجت من العدة، وهذه المسألة فيها خلاف(22/10)
بين أهل العلم، ولكن ما أفتينا به هو أرجح الأقوال، لما ثبت في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما طلاق الثلاث واحدة. الحديث قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سامحه الله، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه (1)
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 381 في 19 \ 3 \ 1388 هـ.(22/11)
4 - حكم من طلق زوجته بالثلاث بكلمة واحدة مرتين
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) .
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 18 \ 6 \ 1388 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج ف. م. ف. على زوجته، وهو أنه طلقها
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1121 في 7 \ 7 \ 1388هـ(22/11)
بالثلاث بلفظة واحدة، وأنها تزوجت غيره بعد هذا الطلاق، ثم طلقت ثم عاد عليها الزوج المذكور، ثم طلقها بالثلاث، بكلمة واحدة مرتين، والذي أرى أنه قد تم النصاب بالطلاق الأخير، ولمم يبق له رجعة حتى تنكح زوجا غيره؛ لأن نكاحها لغيره لا يهدم الطلاق السابق لعدم الحاجة إليه في حلها للزوج الأول، إذا اعتبرناه طلقة واحدة كما هو الراجح والأصح من جهة الدليل، كما لا يخفى، وإن اعتبرنا الثلاث واقعة، فالجمهور يوقعون طلاقه الأخير، فعلى كلا القولين لا سبيل إلى حلها له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك. أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/12)
5 - مسألة: في الطلاق الثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي المحكمة المستعجلة الثانية بمكة المكرمة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) يا محب كتابكم الكريم رقم 1187 \ 2 وتاريخ 2 \ 11 \ 1391 هـ وصل، وصلكم الله بهداه وهذا نصه: (وبعد: ألحق
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2318 \ 1خ في 6 \ 12 \ 1391هـ.(22/12)
لفضيلتكم استفتاء الأستاذ س. ع. ك. ونفيد فضيلتكم بأننا قد أحضرنا زوجة المذكور ووالدها، وسألناهم عن صحة الواقع فصادقا على صحة ما ذكره المطلق، وقالت: إنه لم يسبق أن طلقني قبل هذه المرة ولا بعدها، وإن طلاقه بالثلاث بكلمة واحدة قد صدر منه بغير اختياره فيما يظهر لي، وإني موافقة على المراجعة إذا صدر بذلك فتوى شرعية، وإنه قد طلقني هذا الطلاق منذ سنتين وقد أنجبت منه ثلاث بنات وولدا، كلهم أحياء، هذا ما قررت المذكورة بعد تعريفها من والدها ومن الأستاذ م. س. م.، وكذلك والدها قرر موافقته على التئام الأسرة) انتهى المقصود.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا كما لا يخفى، إذا كانت قد خرجت من العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة، فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه المذكور لكونه طلاقا منكرا كما لا يخفى. شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/13)
6 - مسألة في طلاق الثلاث بلفظ واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة الضمان والأنكحة والطلاق والولاية بالرياض وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) يا محب كتابكم الكريم رقم 1201 وتاريخ 17 \ 10 \ 1391هـ الجوابي لكتابي رقم 1914 وتاريخ 8 \ 10 \ 1391هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج ب. على زوجته، وهو أنه اعترف لدى فضيلتكم أنه طلقها ثلاثا بلفظ واحد، ولم يطلقها قبله ولا بعده، واعترفت مطلقته أنه حصل بينه وبينها خلاف، فخرجت إلى بيت أختها، وليس لها علم بطلاقه، ولا تعلم أنه طلق قبل طلاقه المسجل لديكم ولا بعده، كما اعترفت أنه قد ارتفع عنها الحيض منذ سنة للكبر، وقد اطلعت على الصك الصادر بإملاء فضيلتكم برقم 463 وتاريخ 8 \ 3 \ 1391 هـ في شأن الطلاق، المذكور فوجدته مطابقا لما ذكر من
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2347 في 7 \ 12 \ 1391 هـ.(22/14)
صفة الطلاق وأنه وقع بتاريخ 21 \ 7 \ 1391هـ،
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا كما لا يخفى، لخروجها من العدة بإكمالها ثلاثة أشهر قبل أن يراجعها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى. فأرجو إشعارهما جميعا بذلك، وتوجيههما إلى الطريقة الشرعية في إعادتها إليه إذا رغب كل منهما في ذلك. شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/15)
7 - مسألة: في الطلاق الثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة مساعد رئيس محكمة أبها وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) يا محب كتابكم الكريم رقم 24 وتاريخ 15 \ 1 \ 1393 هـ وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على ما أثبته فضيلتكم بشأن طلاق الزوج ع. م. م. لزوجته وهو أنه حضر لديكم الزوج
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 110 في 26 \ 1 \ 1393هـ.(22/15)
المذكور، ومعه زوجته المذكورة وأخوها، وإفادتهما أنه جاءهما ورقتان من المذكور بطلاق الزوجة المذكورة بالثلاث بكلمة واحدة تاريخ إحداهما 7 \ 12 \ 1392 هـ وتاريخ الثانية 7 \ 22 \ 1393هـ ولا يعلمان هل يقصد بهما طلاقا واحدا أم طلاقين، ولم يطلقها سوى ذلك، وإفادة الزوج أنه لم يقصد طلاقا، ولم ينطق به أبدا، وإنما كتب والده الطلاق وأرغمه على التوقيع عليه، فوقع عليه في الورقتين جميعا، وقد حضر لدي من سمى نفسه م. ح. ج. وذكر أنه هو أحد الشهود الموقعين على الورقتين جميعا، وذكر أن س. أخا الزوج لما جاء إليه بورقة الطلاق الثانية ليكتب شهادته فيها قال له: كيف يطلقها وهو لم يطلقها إلا من نحو أسبوع، فقال له: إن أهلها يزعمون أنه لم يصل إليهم ورقة وهذه بدلها فوقعت على الورقة لما رأيت الزوج ووالده، قد وقعا عليها وإلا لم أجمع من الزوج طلاقا لا أولا ولا ثانيا، ولا أعلم من كتب الورقتين، وقد أمرت الزوج أن يحضر لدى فضيلتكم هو ووالده لسؤالهما عن قصدهما بالورقة الثانية، هل هو طلاق جديد أو الطلاق الأول، فإن كان قصد الطلاق الأول فقد وقع بذلك طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، وإن كان قصد طلاقا ثانيا وقع بذلك طلقتان، وبقي لها واحدة وله مراجعتها ما دامت(22/16)
في العدة، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على ذلك كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بذلك، وأن يكون ولي المرأة حاضرا مع الزوج ع. وأبيه حتى تخبروه بما يتم في ذلك بعد التحقق مع الجميع، شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/17)
8 - حكم من طلق بالثلاث وكرر ذلك مرتين لقصد الإشعار
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الباحة الكبرى وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
خطابكم الكريم 3885 وتاريخ 2 \ 9 \ 1392 هـ وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على مشفوعاته وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج س. س. ق. وزوجته وأخيها لدى فضيلتكم، واعتراف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته المذكورة بالثلاث بلفظ واحد، ثم كرر ذلك مرتين، لقصد إشعارها بالطلاق، ومصادقة زوجته المذكورة وأخيها للزوج المذكور فيما قال، ورغبتهما جميعا
__________
(1) صدرت من سماحته بتاريخ 3 \ 9 \ 1392 هـ.(22/17)
في العودة إلى عصمة النكاح، إذا أباح الشرع ذلك كان معلوما.
وبناء على جميع ما ذكر أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بالطلاق المذكور طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له، إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، كما لا يخفى، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على ذلك، أما اللفظ الثاني والثالث من جمل الطلاق، فإنه لا يقع بهما شيء؛ لأنه أراد بذلك إفهام المرأة، لا إنشاء طلاق جديد، وهو أعلم بنيته، وله ما نوى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بالفتوى المذكورة، شكر الله سعيكم، وسدد خطاكم، وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب: (بدء الوحي) برقم (1) ومسلم في كتاب: (الإمارة) برقم (3530) .(22/18)
9 - الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع واحدة على القول الراجح
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة المساعد بمحكمة الخبر وفقه الله لكل خير آمين.(22/18)
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم رقم 1107 وتاريخ 29 \ 7 \ 1393هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من رغبتكم في الاطلاع على الصك المرفق به، وموافاتكم بما نراه كان معلوما، وقد اطلعت على الصك المذكور الصادر بإملاء فضيلتكم برقم 3381 وتاريخ 24 \ 7 \ 1394 هـ الذي أثبتم فيه الطلاق الواقع من الزوج أ. ع. م. ش. على زوجته، وهو أنه طلقها بقوله لها: أنت طالق بالثلاث، وفيه إفهامكم له بأنه لا يحق له الرجوع عليها على الرأي المشهور، والذي يراه محبكم في الموضوع هو أنه إذا كان الزوج المذكور لم يطلق زوجته المذكورة سوى الطلاق المنوه عنه،
فقد أفتيته بأنه يقع عليها به طلقة واحدة فقط، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على ذلك، كما لا يخفى وهذا هو القول الراجح في المسألة، وإن كان خلاف الرأي المشهورة لأن المعتمد في مسائل الخلاف هو ما يقتضيه الدليل.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2448 في 2 \ 9 \ 1394 هـ.(22/19)
فأرجو من فضيلتكم إشعار المذكور، ومطلقته ووليها، إن كان لها ولي حاضر بالفتوى المذكورة، بعد التأكد من الجميع من عدم تطليقه لها قبل ذلك أو بعده طلقتين. أثابكم الله وشكر سعيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/20)
10 - مسألة: في الطلاق الثلاث بلفظ واحد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالطائف وفقه الله لكل خير آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 16 \ 5 \ 1390 هـ وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على المذكرة المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج ع. ش. على زوجته، وهو أنه غضب على زوجته المذكورة، فذهب إلى شخص، وطلب منه أن يكتب طلاقها، وتلفظ أمامه بقوله: اكتب طلاقها بالثلاث، تحرم علي وتحل لغيري، كلمة واحدة، لم يكررها، وأنه لم يسبق أن طلقها قبل هذه المرة، وإجابة أخيها بأنه سأل أخته فقالت له: إنه لم يطلقها أمامها، وأنه جمع من الناس طلاقه المسجل بالورقة،
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1130 في 23 \ 6 \ 1390هـ.(22/20)
وأنهما يصدقانه فيما قال، وأن أخته ترغب الرجوع إلى زوجها متى ما حصلت فتوى بذلك، وقد اطلعت على ورقة الطلاق المرفقة فوجدتها بتاريخ 2 \ 5 \ 1390 هـ. وبناء على ذلك كله، أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة، لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، كما لا يخفى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة، كما يعلم ذلك فضيلتكم، فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا. كما أرجو تنبيه الزوج على أن الطلاق بالثلاث لا يجوز، وأن عليه التوبة من ذلك. أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/21)
11 - حكم اشتراط ولي الزوجة الثانية طلاق الأولى بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة وكيل رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1366 في 26 \ 7 \ 1391 هـ.(22/21)
يا محب كتابكم الكريم رقم 1351 وتاريخ 629 \ 6 \ 1393 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به، المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من م. م. ب. على زوجته، والخلاصة أنه حضر لدى فضيلتكم هو ووكيل ولي مطلقته، وأفاد أنه عندما أراد الزواج بامرأة ثانية، اشترط عليه والد الزوجة الأخيرة أن يطلق زوجته السابقة، فطلقها بقوله: طالق ثم أتبعها بالثلاث، وراجعها في الحال، وأشهد شاهدين على الرجعة، ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وصادقه وكيل ولي مطلقته في ذلك، وقد أحضر الشاهدين لدى فضيلتكم بالمراجعة كما شهدا بأن الزوجة المذكورة قررت لديهما أنها لم تسمع من زوجها المذكور طلاقا، قبل هذا الطلاق ولا بعده، وأنها موافقة على مراجعة زوجها لها.
وبناء على كل ما تقدم أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة، بطلاقه المنوه عنه طلقتان، إحداهما بقوله: طالق، والثانية بقوله: بالثلاث، ومراجعته لها صحيحة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن طلاقه الأخير يعتبر طلقة واحدة، كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بذلك، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه بالثلاث، لكونه طلاقا منكرا، كما يعلم ذلك فضيلتكم، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/22)
12 - حكم قول: أنت طالق عدد ورق البرسيم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي خميس مشيط وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
يا محب كتابكم الكريم رقم 2959 وتاريخ 21 \ 10 \ 1391 هـ وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على الورقة المرفقة به الآتي نصها: (وبعد، فبناء على خطاب فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فقد حضر لدي أنا قاضي خميس مشيط الزوج المعروف ذاتا لدينا، وقرر قائلا: إني قد طلقت زوجتي المدعوة [فلانة] ، منذ سنتين، تقريبا، بقولي لها: أنت طالق عدد ورق البرسيم، وقد استرجعت في يومي، ولي منها أربعة أولاد، وأرغب العودة إلى الحياة الزوجية، وقد حضر ولي المرأة، وهو أخوها، وصادق صهره المذكور قائلا: إن ما ذكره الزوج صحيح، وإني أصادقه على صفة الطلاق، وعلى مراجعتها لأختي وإنها موافقة على الرجوع إليه، كما أني لا أمانع في ذلك، إذا أفتاه الشرع، هذا ما قرره المذكوران بشهادة الحاضرين) انتهى.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة، ومراجعته لها
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2348 في 7 \ 12 \ 1391هـ.(22/23)
صحيحة، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة، وعلى الزوج المذكور التوبة إلى الله من ذلك، لأنه طلاق منكر، مخالف للشرع. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، وتحذير الزوج من العود إلى مثل هذا الطلاق المنكر. شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/24)
13 - حكم قول: طالق ثم طالق ثم طالق - وحرمها على نفسه -
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - سلمه الله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشير إلى خطاب سماحتكم رقم 1707 في 18 \ 11 \ 1398هـ حول استفتاء الزوج س. ع. س. عن طلاقه لزوجته وأنه طلقها أثناء الغضب حينما تكلمت عليه، وقابلته مقابلة سيئة بقوله: طالق، ثم طالق، ثم طالق، وحرمها على نفسه، في حالة شدة الغضب، ولرغبة سماحتكم إحضارها، ووليها، لسؤال الجميع عن صفة الواقع وهل كان غضبه شديدا أم عاديا. ونفيد سماحتكم أنها قد حضرت مع وليها شقيقها، وسألناها عن صفة الواقع،(22/24)
فذكرت أن زوجها حضر، وهي نائمة، فأيقظها، ودعاها، وقالت: إني كنت مريضة، فلم أستجب له؛ لأني مريضة، ثم دعاني فرفضت الاستجابة؛ لأني مريضة، وحالتي عصبية، ثم دعاني فرفضت الاستجابة، أيضا، فطلقني الطلاق بالثلاث، حسبما قرأتموه علي، ولم يسبق أن طلقني قبل هذه المرة ولا بعدها، وإني موافقة على المراجعة إذا صدرت فتوى شرعية، ولا أعلم عن حالته عندما أوقع الطلاق، هل غضبه شديد أم عادي، لكوني مريضة على فراشي، هكذا قررت بحضور وليها، فلإحاطة سماحتكم بما ترونه وفقكم الله.
رئيس المحكمة المستعجلة بمكة المكرمة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
بناء على ما ذكرت زوجة المذكور من مرضها، وعدم اعترافها بغضبه. أفتيته بأنه لا سبيل له عليها حتى تنكح زوجا غيره؛ ولكونه استوفى الطلقات الثلاث، بكلمات متعاقبات، وأسأل الله العاقبة الحميدة للجميع، وأرجو إشعارها ووليها بالفتوى المذكورة. أثابكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1658 \ 1 \ خ في 113 \ 11 \ 1398 هـ.(22/25)
14 - حكم طلاق الزوج بقوله: " لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره "
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالطائف وفقه الله لكل خير آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) يا محب كتابكم الكريم رقم 2342 \ 2 \ 658 وتاريخ 12 \ 2 \ 1391 هـ الجوابي على كتابي رقم 1 \ 265 \ خ وتاريخ 2 \ 12 \ 1391هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الورقة المرفقة به، المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج م. ع. على زوجته، وهو أنه اعترف لديكم أنه طلقها، بموجب وثيقة الطلاق المرفقة المؤرخة 2 \ 4 \ 1391هـ وأنه لم يسبق أن طلقها طلاقا خلافه كليا، وأن هذه أول مرة طلق فيها، ومصادقة مطلقته ووليها، وهو أخوها له في ذلك كان معلوما، وقد اطلعت على الوثيقة المرفقة، فوجدتها تتضمن طلاق المذكور لزوجته المذكورة بالثلاث بكلمة واحدة، تحرم عليه وتحل لمن بغاها، وأنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 789 في 1 \ 5 \ 1393هـ.(22/26)
وبناء على ذلك، أفتيت المذكور بأنه قد وقع على زوجته بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله مراجعتها مادامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل إلا بنكاح جديد، بشروطه المعتبرة شرعا كما لا يخفى، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما يدل على الفتوى المذكورة، كما يعلم ذلك فضيلتكم، أما قوله: تحرم عليه إلى آخر كلامه فهو كلام تابع للطلاق، مفسر له ولا يترتب عليه شيء لأن التحريم إلى الشرع، لا إليه، والشرع لا يحرمها عليه بهذا الطلاق، كما هو معلوم، فأرجو إشعار الجميع بذلك، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه؛ لكونه طلاقا منكرا، أثابكم الله، وشكر سعيكم، وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/27)
15 - تحليف المطلق عند اختلاف الشهود
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي الأسياح وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعده (1)
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2436 في 19 \ 12 \ 1390هـ.(22/27)
يا محب كتابكم الكريم رقم 358 وتاريخ 12 \ 11 \ 1390 هـ الجوابي على كتابي رقم 1941 وتاريخ 8 \ 10 \ 1390 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الورقة المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج م. ع. على زوجته، وخلاصة ما فيها: أنه حضر لديكم الزوج ووالد زوجته المذكوران، فادعى أبوها أن الزوج تكلم بكلام ينشره به عليه، فقال له أخو والدها: إن كان ما تبيها خلها، فأجاب قائلا تراها بالثلاث، ثم تراها بالثلاث، وحلف يمينا إنها لا تدخل بيتا خرجت منه، ثم بعد هذا بيوم، جاء الزوج إلى والدها، وقال له: اكتب طلاق بنتك متى ما بغيت، وذلك قبل عيد الفطر بيوم واحد، ولم يسبقه، ولا لحقه طلاق، ولم يكن على عوض، ولا عن غضب، وأنه شهد عندكم أخو والدها بأن الواقع من تكرار الطلاق، والحلف، وعدم الغضب، هو كما ذكر أخوه، كما شهد عندكم د. م. أنه سمع الزوج يقول وهو قائم: تراها بالثلاث مرة واحدة، ويحلف إنها لا تدخل بيتا خرجت منه، وبعد ذلك بيوم، جاء الزوج إليهم، وقال له والد زوجته: اذهب إلى ابنك يكتب طلاق ابنتي، فقال طلاقها أنا أكتبه لك، ولكون الزوج المذكور قد(22/28)
اعترف عندي حسبما هو مدون في كتابي المرفق بأنه لم يطلقها بالثلاث، إلا مرة واحدة، ولم يطلقها سوى ذلك، ونظرا لاختلاف شهادة أخي والدها، ود. م. وعدم قبول دعوى والدها إلا ببينة عادلة، وبما أن القاعدة العامة في مثل ذلك: أن القول قول المدعى عليه مع يمينه،
بناء على كل ما ذكر أرجو تحليف الزوج المذكور بأنه لم يطلق زوجته المذكورة بالثلاث، إلا مرة واحدة فإن حلف فقد أفتيته بأنه قد وقع عليها بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة، لم تحل له إلا بنكاح جديد، بشروطه المعتبرة شرعا، وإن نكل عن اليمين فيكون الواقع على زوجته المذكورة طلقتين بكل جملة طلقة، ويبقى له طلقة، وله مراجعتها كما تقدم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة، كما لا يخفى، وعليه التوبة من ذلك لكون الطلاق بالثلاث منكرا كما يعلم ذلك فضيلتكم، وعليه كفارة يمين عن حلفه بعدم عودتها إلى بيته، إذا عادت، فأرجو إكمال اللازم، وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة، أثابكم الله وشكر سعيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/29)
16 - حكم من قال لزوجته:
إذا وافقك خير فوافقيه وتراك بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي رفحاء وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (45) وتاريخ 26 \ 4 \ 1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج م. ث. وهو أنه حصل بينه وبين زوجته وأخيها خصام، واشتد به الغضب، وقال لها: إذا وافقك خير فوافقيه، وفي المجلس في الحال زاد الخصام فقال: تراك بالثلاث واندفع، فقال: لو لم يبق من النساء غيرك، فأنت علي حرام، ثم ندم وراجعها في الحال، ومصادقة المرأة وأخيها له في ذلك، وأن ذلك وقع من عدة سنوات وأنه لم يسبق طلاق غير ما ذكر.
ج: بناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بذلك طلقتان، إحداهما: بقوله: إذا وافقك خير فوافقيه، والثانية: بقوله: تراك بالثلاث، ومراجعته لها صحيحة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن طلاقه
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1043 \ خ \ ط في 39017 \ 6 \ 1390هـ.(22/30)
الأخير، يعتبر طلقة واحدة، كما لا يخفى، أما قوله لو لم يبق من النساء غيرك فأنت علي حرام، فإن عليه عن ذلك كفارة الظهار، وترتيبها لا يخفى على فضيلتكم ولا يقربها حتى يؤدي الكفارة المذكورة، فأرجو من فضيلتكم إبلاغ الجميع بالفتوى المذكورة، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه الأخير وتحريمه؛ لأن ذلك كله منكر كما يعلم ذلك فضيلتكم أثابكم الله، وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/31)
17 - حكم من حرم زوجته وطلقها بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي خميس مشيط وفقه الله وبارك في جهوده آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 11 \ 9 \ 1392 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حضور الزوج إ. ع. م. وزوجته ووليها لدى فضيلتكم واعتراف الزوج أنه بعد النزاع بينه وبين أخيه حرم أن لا يسكن معه، ثم طلق بالثلاث أن لا يسكن معه، ثم ندم، وتصديق المرأة ووليها له في ذلك كان
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1674 في تاريخ 14 / 1392\ 9 \ هـ.(22/31)
معلوما. وقد حضر عندي الزوج المذكور، وسألته عن قصده، فأجاب بأنه قصد بذلك تحريمها إن سكن مع أخيه مع قصد منع نفسه من السكنى، كما أنه قصد بالطلاق منع نفسه من السكنى، وإيقاع الطلاق إن سكن؟ .
ج: بناء على ذلك فقد أفتيته بأنه متى سكن مع أخيه وقع على زوجته المذكورة بذلك طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك كما لا يخفى، وعليه كفارة الظهار عن تحريمها، وترتيبها لا يخفى على فضيلتكم. فأرجو إشعار الجميع بذلك شكر الله سعيكم ونفع بكم عباده، وأصلح للجميع أمر الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/32)
18 - حكم من طلق
زوجته بالثلاث ونوى به اليمين
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي محكمة ابقيق وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1206 في 18 \ 10 \ 1389هـ.(22/32)
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم رقم 559 وتاريخ 28 \ 8 \ 1389هـ، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الورقة المرفقة به المتضمنة بيان طلاق الزوج خ. غ. لزوجتيه حينما وجدهما تتخاصمان، بقوله: التي تتكلم على الثانية بكلام غير لائق، فإنها طالقة، وفي اليوم الثاني أعادتا ما حصل في اليوم الأول، واطلعت على ما ذيل به فضيلتكم الورقة المذكورة، من أن إمام مسجد الحي الذي يقيم فيه الزوج المذكور حضر لديكم، وأفاد بأن والدة إحدى الزوجتين اعترفت لديه بأن الزوج طلق زوجتيه بنتها، والأخرى بالثلاث، وأنه لم يطلق بنتها قبل ذلك وأن الزوج اعترف لدى فضيلتكم بأنه سبق منه طلقة لزوجته الثانية.
والجواب: الذي أرى تكليف المذكور بإحضار أولياء زوجتيه لدى فضيلتكم حيث أمكن ذلك، لسؤال الجميع عما لديهم، فإن لم يكن لديهم ما يخالف ما اعترف به الزوج وزوجتاه، وأم إحداهما، أو لم يوجد للزوجتين أولياء بطرفكم. فقد أفتيته وزوجتيه بأنه قد وقع على زوجتيه المشار إليهما في خطاب فضيلتكم طلقة واحدة، سواء ثبت ما ادعته أم إحداهما من كونه طلق بالثلاث أم لم يثبت ذلك، لأن التطليق بالثلاث(22/33)
بكلمة واحدة، لا يقع به إلا طلقة واحدة في أصح أقوال العلماء؛ لحديث ابن عباس المشهور في ذلك، وهذا كله إذا كان الزوج أراد بكلامه إيقاع الطلاق عليهما، إذا تكلمت كل واحدة على ضرتها بكلام غير لائق، وتضاف هذه الطلقة إلى الطلقة السابقة في حق التي قد طلقها سابقا، ويبقى لها طلقة، ولضرتها طلقتان، وله مراجعتهما ما دامتا في العدة، أما إذا كان الزوج لم يقصد بما وقع منه من الطلاق إيقاع الطلاق، وإنما قصد منع كل واحدة من التعدي على الأخرى، وتخويفهما بالطلاق، فإنه لم يقع عليهما بذلك شيء، وعليه كفارة يمين؛ لأن التعليق المذكور، بالنية المذكورة، في حكم اليمين، كما أفتى بذلك جمع من السلف الصالح، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، وهو الصواب، وهو من جنس ما ذكره الفقهاء من الحنابلة وغيرهم في حكم نذر اللجاج، والغضب، ولا يخفى ما في ذلك من التيسر على المسلمين وحل مشاكل كثيرة، من مشاكل الزوجية، وفق الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/34)
باب تعليق الطلاق بالشروط(22/35)
صفحة فارغة(22/36)
19 - حكم من وعد بالطلاق في المستقبل
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. ف. ب. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
ذكر لي من سمى نفسه ح. م. ع. أنه سبق أن طلق زوجته طلقتين ثم راجعها ثم جرى بينه وبينها نزاع من نحو شهرين فطلبت منه الطلاق، وكان ذلك الوقت لديها المانع من الصلاة فقال لها: إذا طهرت طلقتك ثم إنه ندم وندمت فلم يطلقها هكذا قال، واستفتاني في ذلك؟
والجواب: إذا كان الواقع هو ما قاله الزوج. فالطلاق الأخير غير واقع وزوجته باقية في عصمته، لأن قوله إذا طهرت طلقتك ليس طلاقا وإنما هو وعيد بالطلاق.
أما إن كان الواقع غير ما قاله الزوج فينبغي أن تحضر معه عند لجنة الإفتاء في دار الإفتاء بالرياض لإخبارها بما لديك واستفتائها في ذلك، وهي إن شاء الله تفتيكم بما يقتضيه الشرع المطهر، أو تخبرني وأنا أنظر في ذلك إن شاء الله، وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1797 \ 1 خ في 11 \ 8 \ 1393هـ.(22/37)
20 - اشتراط الطلاق عند أي خلاف، لا يصح
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. م. م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ بدون، وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أن رجلا خطب امرأة فاشترط والدها أنه إذا حصل منه خلاف أو تكدير خاطر فإنه يطلقها وترجع عليه دراهمه وكفله رحيمه في ذلك وسؤالكم عن صحة هذا الشرط.
والجواب: في صحة هذا الشرط والكفالة نظر، ومهما أمكن الصلح بين الزوجين على الاستمرار في عصمة النكاح وترك أسباب النزاع فهو أولى، فإن لم يتيسر ذلك واستمر النزاع فالأفضل للزوج أن يطلقها ويأخذ ماله إذا كانت لا ترغب في البقاء معه، عملا بقول الله سبحانه: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (2) ولما
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2240 في 21 \ 9 \ 1393 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 229(22/38)
ساءت الحال بين ثابت بن قيس وزوجته رضي الله عنهما بسبب عدم محبة الزوجة له والتزمت المرأة برد ماله إليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة (1) » والحديقة هي مهره الذي دفع إليها، وفق الله الجميع للفقه في دينه والثبات عليه إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري الطلاق (5273) ، سنن النسائي الطلاق (3463) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2056) .(22/39)
21 - مسألة في الطلاق المعلق
س: فضيلة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء - حفظه الله - يا صاحب الفضيلة لقد أمرت زوجتي بشيل جميع أغراض بيتها لأهلها، وطلبت من إخوانها القيام بذلك، وواعدتهم بأن أعطيهم ورقة طلاقها يوم السبت إن شاء الله وكان ذلك يوم الجمعة، غير أنني عدلت عن طلاقها ولم يسبقه أو يلحقه طلاق. أرجو التكرم وفتواي عن وعدي لإخوانها، وشيل أغراض بيتها هل يعتبر طلاقا أم لا حيث لم يحدث أي شيء غير ما ذكر فقط؟ هذا والله يحفظكم (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
إذا كان الواقع هو ما ذكرته أعلاه فزوجتك باقية في عصمتك لم يقع عليها طلاق؛ لأنك والحال ما ذكر لم تطلقها،
__________
(1) أجاب عليه سماحته برقم 1546 \ 1 \ خ في 19 \ 10 \ 1398 هـ.(22/39)
وإنما وعدت بإرسال الطلاق ثم عدلت عن ذلك. وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/40)
22 - الطلاق المعلق بشرط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) .:
خطابكم الكريم رقم 181 في16 \ 1 \ 1392 أهـ وصل، وصلكم الله بهداه وهو المتعلق بطلاق الزوج ز. م. لزوجته. ونفيدكم أني اطلعت على ما أثبته فضيلتكم في الموضوع وسألت الزوج المذكور فأنكر جميع ما ادعاه صهره من الطلاق ما عدا الطلاق المتعلق بإجراء الماء في القايد والطلاق المعلق بتزويج أخته على ع. م. وقد زعم أنه قيد طلاقه المعلق بإجراء الماء في القايد بأنه لا يجري وهو في ملكه فتم ذلك ولم يجر إلا بعد ما صار في ملك أخيه هكذا يزعم وبسؤاله عن قصده في التعليقين المذكورين أجاب بأنه لم يقصد فراق أهله عند وقوع الشرط، وإنما قصد
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1191 في 22 \ 1 \ 1392هـ عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة(22/40)
منع إجراء الماء والقايد في ملكه، ومنع تزويج أخته ب ع. المذكور والإلزام بتزويجها على م. ف.، وقد حلف على ذلك ولا يخفى أن مثل هذا التعليق حكمه حكم نذر اللجاج والغضب في أصح قولي العلماء، ولهذا أفتيناه بأن التعليق المذكور لا يقع به طلاق وعليه كفارة يمين إذا زوجت أخته بغير م. ف. أما التعليقات الأخرى فلم يعترف بها، ولو فرضنا اعترافه بها أو ثبوتها بالبينة فحكمها حكم ما ذكر إذا كان قصده منها قصد اليمين لا فراق أهله عند وقوع الشرط. فأرجو من فضيلتكم إشعار صهره بذلك، وقد أوصيناه بتقوى الله وحفظ لسانه عن التلاعب بالطلاق. وفق الله الجميع لما يرضيه وضاعف لفضيلتكم الأجر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/41)
23 - الطلاق المعلق بشرط
لا يقع قبل وقوع المشروط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الأخ المكرم إ. م. أ. سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2161 في 7 \ 12 \ 1392 هـ.(22/41)
كتابكم المؤرخ 8 \ 11 \ 1392هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنه حصل نزاع بين والدتك وزوجتك فسحبت زوجتك إلى بيتها فصارت تبكي ورفعت يديها إلى السماء وقالت: يا رب كسح أم زوجي وخلها تقعد في ركن وتحتاج لي، فزاد انفعالك وغضبك لشدة ما سمعت فأجبتها على ذلك بقولك: إذا حصل ذلك لوالدتي فأنت طالق بالثلاث وعرفت ذلك بقولك تذكري أنه إذا حدث هذا فأنت طالق بالثلاث، وتخشى أن يقع ذلك أو أن يكون قد وقع منك شيء بسبب هذا الكلام ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
والجواب: إذا أصيبت والدتك بما ذكر - لا قدر الله - فإنه يقع على زوجتك بكلامك المذكور طلقة واحدة، ولك مراجعتها في الحال إذا كنت لم تطلقها قبل ذلك طلقتين. أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/42)
24 - حكم من علق بالطلاق ثم طلق بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. ع. ع. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب اطلعت على الخطاب الموجه إلي من الأخ ق. س. ق. المتضمن اعتراف الزوج ق. س المذكور بصفة الواقع منه على زوجته وهو أنه قال لها: إن لم يكن أخوك قال الكلمة التي تنازعا فيها فأنت طالق ثم حضرا عند أخيها فسمع منه كلاما أغضبه فقال: ترى أختك طالق بالثلاث كما اطلعت على ما ذيل به فضيلتكم الخطاب المذكور وذلك ببيان حضور ح. وأخته لديكم وتصديقهما الزوج فيما قال، ولم يذكر فضيلتكم جواب ح. عن الكلمة التي تنازع الزوج وزوجته من أجلها وقد سألناه فأجاب بأنه لم يقلها،
وبناء على ذلك فالذي أرى سؤال الزوج عن قصده بالتعليق المذكور فإن كان قصده ما هو الظاهر من حاله وأمثاله أن يصدق فيما قال وليس قصده فراق أهله فهذا في حكم اليمين وعليه كفارتها ولا يقع به شيء، أما إن كان
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 8970 \ 1 \ 1 في 1 \ 9 \ 1391 هـ.(22/43)
قصده إيقاع الطلاق إن لم يكن ح. قال الكلمة فقد وقع عليها بذلك طلقة واحدة لأن أخاها ح. لم يقلها حسب اعترافه، وأما طلاقه الثاني فقد أفتيته بأنه قد وقع عليها بذلك طلقة واحدة تضاف إلى الطلقة المعلقة إن كان أراد إيقاعها حسب ما تقدم ويبقى له طلقة وله مراجعتها على كل حال ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة كما لا يخفى، وإذا كانت الطلقة المعلقة لم تقع لعدم قصده إياها فإنه يكون الباقي له بذلك طلقتين، فأرجو إشعار الجميع بالفتوى المذكورة، أثابكم الله وسدد خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/44)
25 - حكم من علق
طلاق زوجته بشرط ففعلته ناسية
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ص. ع. أوفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 292 في 17 \ 2 \ 1393 هـ.(22/44)
فقد وصلني كتاباكم الكريمان المؤرخان في 13 \ 2 \ 1393هـ و 15، 16 \ 2 \ 1393 هـ وصلكم الله بهداه، وما تضمناه من الإفادة عن صفة الطلاق الواقع من الزوج المذكور على زوجته وهو أنه قال لها: إن تعرضت لأختي وخالي بما لم يتكلموا به فأنت بالثلاث، والإفادة بأنها بعد مدة خمسة وعشرين يوما تعرضتهم زاعمة أنها لم تذكر كلامه المذكور مع اعترافها بأنه لم يطلقها قبل ذلك، كما اعترفت أيضا بأنها ترغب في البقاء مع زوجها المذكور، كان معلوما، وقد سألنا الزوج المذكور عن الواقع، فأجاب بمثل ما ذكر فضيلتكم، كما أجاب بأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وبسؤاله عن قصده أجاب بأنه لم يقصد فراقها وإنما قصد منعها من التعرض للمذكورين وتخويفها من ذلك، هكذا أجاب.
وبناء على جميع ما ذكر أفتيت الزوج المذكور وزوجته المذكورة بأن الطلاق المذكور لم يقع، وزوجته المذكورة باقية في عصمته لكونها فعلت المعلق عليها ناسية، وقد قال الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) فقال الله سبحانه: قد فعلت، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما
__________
(1) سورة البقرة الآية 286(22/45)
لا يخفى، والأصح من أقوال العلماء أن المحلوف عليه إذا فعل الشرط ناسيا أو جاهلا فإنه لا يقع ما علق عليه، أما إن فعلت ذلك عمدا في المستقبل، فعلى زوجها عن ذلك كفارة يمين في أصح أقوال العلماء؛ لأن شرطه المذكور في حكم اليمين كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بذلك. أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/46)
26 - مسألة في الطلاق المعلق بشرط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. س. م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
وصل إلي كتابكم المؤرخ 6 \ 10 \ 1389هـ وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن رجل عقد على امرأة وعند العقد شرط عليه عدم استعمال الدخان والمذياع والتلفزيون وأنه إذا عمل أحد هذه الأشياء فإنها تطلق دون مراجعة وبدون تعويض، وأنه معروف عنه أنه يستعمل الدخان سابقا، وأنه شرب الدخان ناسيا، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
__________
(1) صدرت برقم 2424 في 25 \ 11 \ 1389 هـ.(22/46)
والجواب: إذا كان المذكور شرب الدخان ناسيا، فلا يقع على زوجته بذلك طلاق؛ لأن من شرط وقوعه أن يكون متعمدا فعل ما علق عليه الطلاق، والناسي لم يتعمد شرعا. وفق الله الجميع لما فيه رضاه، وجنبنا وإياكم وسائر المسلمين أسباب سخطه إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.(22/47)
27- حكم تخويف الزوجة بالطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ س. ع. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
خطابكم الكريم المؤرخ 7 \ 4 \ 1392 هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن حضور المدعو. م. س. لديكم واعترافه بأن زوجته أخذت منه أوراقا فقال لها: أعيدي الأوراق وإذا لم ترجعيها فأنت طالق بالثلاث المحرمات، فلم تعدها، ثم أعاد هذا اللفظ في نفس الزمان والمكان فلم تعدها، وذكر لكم أنه إنما قصد بذلك التأكيد لا التكرار، وعن حضور الزوجة ووليها وتصديقهما للزوج في الواقع كان معلوما.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 4226 \ 1 في تاريخ 10 \ 4 \ 1392 هـ.(22/47)
والجواب: بناء على جميع ما ذكرتم أرى أن يسأل الزوج المذكور عن قصده بالتعليق المذكور، فإن كان يقصد بذلك إيقاع الطلاق وسماح نفسه منها إن لم ترد الأوراق فقد وقع عليها طلقة واحدة، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك كما لا يخفى، أما اللفظ الثاني فلا يقع به شيء، لكونه أراد به التأكيد لا إنشاء طلاق جديد، أما إن كان قصد التعليق المذكور تخويفها وحفزها على رد الأوراق خوفا من الطلاق ولم يرد إيقاع الطلاق وفراقها إن لم ترجعها فإنه لا يقع بذلك عليها شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » وعليه كفارة يمين، وهذا هو أصح قولي العلماء، وهو قول جماعة من السلف والخلف وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم - رحمة الله عليهما - وهو الصواب لكثرة الأدلة عليه. فأرجو إكمال ما يجب، وإشعار ولي المرأة بالفتوى المذكورة. شكر الله سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه البخاري برقم (1) كتاب بدء الوحي باب: بدء الوحي. ومسلم برقم 3530 كتاب الإمارة.(22/48)
28 - مسألة: في الطلاق المعلق بشرط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ ع. ل. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
كتابكم الكريم المؤرخ 22 \ 3 \ 1392هـ وصل، وما أشرتم إليه من جهة طلاق الأخ ح. أ. م. كان معلوما، وقد حضر عندي الأخ المذكور وسألته عن صفة الواقع فأجاب: أنه جرى بينه وبين الفراش في مسجد سعيد بن جبير المعروف في جدة المدعو ع. ع. م. نزاع طالت مدته فقال على إثر ذلك: علي الطلاق بالثلاث لا يجتمع معه في الوظيفة، بل إما أن يثبت ح. في الوظيفة ويخرج ع. أو العكس هكذا أجاب
ح. كما أجاب أنه لم يطلق زوجته قبل هذا الطلاق. وبناء على ذلك فقد أمرته بإحضارها لديكم لسؤالها عما لديها فإن كانت لا تعلم أنه وقع عليها منه سوى هذا الطلاق فإنه لا حرج عليه أن يشترك مع ع. المذكور في الوظيفة في المسجد المذكور ويقع على الزوجة بهذا الطلاق طلقة واحدة؛ لأنه قد أراد إيقاع الطلاق عليها إن اجتمع معه في الوظيفة وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن(22/49)
مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة وله مراجعتها في الحال بعد اجتماعهما في العمل، أما إن ادعت خلاف ما قال ح. أو ادعت أنه قد طلقها قبل هذا الطلاق. فأرجو الإفادة بجوابها حتى ننظر في ذلك أثابكم الله وبارك فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/50)
29 - حكم الطلاق المعلق بشرط وحكم طلاق السكران
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم المنطقة الشرقية وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب اطلعت على شرحكم المؤرخ 27 \ 5 \ 1388هـ المعطوف على خطابنا المرفق رقم 46 وتاريخ 6 \ 1 \ 1388 هـ بشأن طلاق الزوج ف. م. ز. زوجته. ونفيدكم بأنه نظرا لإلحاح المذكور في طلب الفتوى حسبما جاء في خطابه المرفق المؤرخ 9 \ 9 \ 1388هـ، وبناء على ما أثبته فضيلتكم في خطابكم المرفق رقم 1 وتاريخ 4 \ 1 \ 1388هـ من صفة الطلاق الواقع من المذكور وهو أنه طلق زوجته المذكورة، ثم راجعها، ثم طلقها، ثم
__________
(1) صدرت برقم 1674 في 17 \10 \ 1388هـ.(22/50)
راجعها، ثم طلقها عشر طلقات بلفظ واحد، وتفصيلكم ذلك باعتراف المذكور لديكم أخبر بأن الطلقة الأولى وقعت في حالة سكر، ولم يكن يعي ما يقول، وإنما نبهته والدته وزوجته في الصباح فراجعها، وأن الطلقة الثانية كانت معلقة بشرط، وهو أنه حصل خلاف بينه وبين زوجته بسبب زوجة أبيه، فقال لزوجته: إن ذهب أخوك وتخاصم مع امرأة أبي فأنت طالق، ولم يكن أخوها يعلم عن ذلك، ولكنه يعلم عن سوء التفاهم الحاصل، وقد ذهب المذكور لامرأة أبي الزوج وتكلم معها بهدوء طالبا منها الإعراض عن زوج أخته ولم يتخاصم معها، وأن الطلقة الثالثة الآخرة كانت عشر طلقات بلفظ واحد، وأن هذا هو تفصيل أقواله عن جميع ما حصل منه من طلاق، ومصادقة مطلقته ووليها أخيها الشقيق له في ذلك، وأنها لا تمانع في الرجوع إليه بعد حصول فتوى، وكذلك أخوها لا يمانع في ذلك.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه الأخير طلقة واحدة، وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لكونها قد خرجت من العدة، أما الطلاق الأول فلم يقع؛ لكونه حصل في حال غياب عقل المذكور، وكذلك الطلاق الثاني لم يقع؛ لأنه معلق بشرط لم يقع. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك، أما ما(22/51)
يتعلق باعترافه بتعاطيه ما أسكره فحكم ذلك إلى فضيلتكم. سدد الله خطاكم، ومنحنا وإياكم التوفيق لإصابة الحق، وأصلح أحوال المسلمين جميعا إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/52)
30 - الطلاق المعلق بشرط يقع عند وجوده
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. ع. م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 21 \ 6 \ 1388هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من السؤال عما إذا كانت هناك وسيلة لإبطال الطلاق المعلق بالصدقة أو الصيام كان معلوما
والجواب: لا أعلم ما يدل على إبطال الطلاق المعلق بالصدقة أو الصيام، والمعروف عند العلماء أن الطلاق المعلق على شرط يقع عند وجوده، ولا يجزئ عن ذلك صوم ولا صدقة، ولكن بعض أهل العلم فصل بين الشروط، ورأى أن بعضها لا يقع ما علق عليه إذا كان المعلق لم يقصد الإيقاع، وإنما أراد أمرا آخر،
__________
(1) صدرت برقم 1389 في 5 \ 9 \ 1388هـ.(22/52)
وهذا القول مرجوح وظاهر الأدلة الشرعية والفتوى على خلافه عند أكثر أهل العلم. وفق الله الجميع للفقه في دينه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/53)
31 - حكم الطلاق المبني على أمر لم يقع
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بالطائف وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 2491 \ 2 \ 692 وتاريخ 1 \ 5 \ 1391 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على الأوراق المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق، الواقع من الزوج ف. أ. ف. على زوجته وهو أنه اعترف لديكم بأنه سبق أن طلقها ثم راجعها، ثم حصل بينه وبينها شجار وخصام؛ بسبب أنه علم أنها خرجت من داره إلى المصور فغضب من أجل ذلك، وطلقها بقوله: طلقت زوجتي طلاقا لا رجوع فيه، وذلك بتاريخ 8 \ 11 \ 1389هـ وأنه جرى إخراج صك شرعي بالطلاق المذكور، ثم بعد ذلك ظهر له أنها لم تذهب إلى المصور وأن ابنها
__________
(1) صدرت برقم 895 في 20 \ 5 \ 1391هـ.(22/53)
هو الذي أخذ الصورة لها، وأنه عندما علم عن ذلك رغب الرجوع إليها وأنه لم يطلقها سوى ذلك، ومصادقتها له على جميع ما ذكر ورغبتها في الرجوع إليه، وقد اطلعت على الصك المرفق الصادر بإملاء فضيلتكم المتضمن إثباتكم للطلاق الأخير، وفيه حكم فضيلتكم ببينونتها بينونة كبرى، كما فهمت ما تضمنه كتابكم السالف ذكره من الرغبة في الاطلاع، وتأمل ذلك وإجراء ما نراه نحوهما.
وبناء على كل ما ذكر فالذي أرى أن الطلاق الأخير غير واقع؛ لكونه مبنيا على أمر لم يقع، فأشبه تعليقه بشرط لم يقع، وقد علم بالأدلة الشرعية أن الأحكام مبنية على عللها وشروطها، وأن المعلول ينتفي بانتفاء علته، كما أن المشروط ينتفي بانتفاء شرطه كما لا يخفى، وقد صرح العلامة المحقق ابن القيم رحمه الله بمثل ما ذكرنا في كتابه: (إعلام الموقعين) فيمن بلغه أن زوجته قد زنت فطلقها لذلك، ثم علم براءتها مما نسب إليها، وصحح رحمه الله أن الطلاق المذكور لا يقع وهو واضح عند التأمل وبذلك تكون الزوجة المذكورة باقية في عصمة زوجها؛ لعدم وقوع الطلاق الأخير. فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/54)
32 - لا ينبغي الإكثار من الطلاق المعلق
صاحب الفضيلة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أود أن أوضح لفضيلتكم قضيتي هذه مفصلة راجيا أن أوفق بتلقي إجابتكم عليها صريحة وفقكم الله: أنا رجل في الأربعين من عمري متزوج منذ عشرين عاما يغلب على طبعي سرعة الغضب والانفعال وتوتر الأعصاب وشدة التحفظ والغيرة المفرطة، وخصوصا على زوجتي التي ما إن دخلت بها حتى أخذت في توجيهها وإرشادها، وبالتالي تحذيرها وزجرها وعقابها عندما أعتقد مخالفتها متأثرا بما أجمعه أو أشاهده من انحرافات في عصرنا هذا، حتى أنه بلغ بي ذلك إلى أن قلت - حينما أردت السفر للدراسة بعيدا عنها بعد عام من زواجنا-: (لو خالفتيني فيما نهيتك عنه أثناء سفري سواء علمت أو لم أعلم فاعتبري نفسك مطلقة وتحملي إثم ذلك) وكان قصدي بذلك أن تحافظ على نفسها من الاختلاط المتعمد بغير المحارم وممن يشك في تصرفاتهم من الرجال أو النساء، ثم إنني سافرت بها في السنة الثانية من(22/55)
دراستي، بعد أن وافق والدها على سفرها ولم أشأ أن أبحث الماضي، بعد أن أنجبت أول طفل؛ ولشدة تعلقي بها وحبي لها واستمرت حياتنا وتكرر مني عبارة (علي الطلاق) على مدار العشرين عاما عندما تثير غضبي لأي أمر يتعلق بشئون البيت أو الأطفال أو الصلاة وغير ذلك مما تعود عليه أهل هذه المنطقة من القسم به والعياذ بالله كأن أقول مثلا: (علي الطلاق لو تكرر هذا. . . . لأفعل كذا) ثم يتكرر ولا أفعل.
ولقد كرهت في نفسي تصرفي هذا وألوم نفسي على ما يقع مني أثناء غضبي، ثم ما ألبث أن أعود إلى ذلك عند أي إثارة تثيرها، حتى أصبح يتولد لدي كرهها، والرغبة في مفارقتها برغم تمسكها بي، ولقد وسوست بطلاقها أكثر من مرة، لولا تلاحق ولادة أطفالها وصغر سنهم، وتدخل بعض أقاربي يمنعني من ذلك، علما بأنها أنجبت عشرة أطفال أصغرهم في سن الثالثة، وفي ليلة السبت الموافق 11 من شهر ذي القعدة الحالي حدثت بيننا مشاجرة، فسمعت منها كلمة فسرتها على أنها عبارة تهديد فطلبت منها إيضاح القصد منها قائلا: (علي الطلاق لو ما تعلميني بقصدك من هذه الكلمة لأطلقك) وكررتها أكثر من ثلاث مرات، وهي ترد(22/56)
علي في كل مرة قائلة: (والله العظيم إني لم أقصد أي شيء) ثم أخذتها وذهبت بها إلى بيت أهلها دون أن أصرح بأي لفظ سوى ذلك ولا تزال عندهم إلى تاريخه.
صاحب الفضيلة: هذه قضيتي وما حدث بيني وبين زوجتي خلال عشرين عاما بدون أي مبالغة أو تبسيط، ولقد كان لهذه التصرفات تأثير على نفسيتي وغلبت علي الشكوك، والاعتقادات بأن زوجتي ربما تكون طلقت مني في أي وقت من الأوقات، ولا أستطيع مراجعتها بسبب شكوكي وخوفي من الوقوع في المعصية إذا لم أكن قد وقعت من قبل ولا أستطيع البت أو التصريح بطلاقها خوفا على الأطفال وعطفا عليهم وحاجتهم إلى حنان أمهم وتربيتهم التي أصبحت بعيدة عنهم ولا يستطيعون الحياة بدونها. آمل من فضيلتكم إجابتي عن هذه المشكلة على ضوء ما أوضحته من غير أن أزيد أو أنقص. وفقكم الله، والله يحفظكم.
وعليكم السلام: بعده (1) :
ما كان ينبغي منك إكثار الطلاق ولا سوء الظن بغير موجب، فنوصيك بالحذر من ذلك مستقبلا، وتقوى الله عز وجل، وحسن الظن بأهلك وعدم سوء الظن بهم من دون سبب
__________
(1) استفسار شخصي من \ ع. ر. أجاب عليه سماحته بتاريخ 19 \ 12 \ 1403 هـ.(22/57)
يوجب ذلك.
أما الجواب عن الواقع فجميع ما صدر منك من الطلاق المعلق إذا كان المقصود منه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب، وليس المقصود إيقاع الطلاق فهو في حكم اليمين، وعليك عن كل واحد من ذلك تحنث فيه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، وهو كيلو ونصف تقريبا أو كسوتهم، وإن غديتهم أو عشيتهم ولو متفرقين كفى ذلك، أما الطلاق الأخير فليس عنه كفارة، لكونها أخبرتك أنها ما أرادت بالكلمة شيئا مما يسوؤك وحلفت على ذلك. فأما الوساوس بالطلاق فلا يقع بها شيء، وهكذا نية الطلاق بدون لفظ ولا كتابة لا يقع بها شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم (1) » أعاذنا الله وإياكم من الشيطان وهدانا جميعا صراطه المستقيم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) أخرجه البخاري برقم 2343 كتاب العتق، ومسلم برقم 181، كتاب الإيمان.(22/58)
33 - مسألة في حكم الطلاق المعلق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. د. وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 18 \ 9 \ 1394هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن صفة الطلاق الواقع منك على زوجتك وهو أنك قلت في حال الغضب: إني مطلقها طلاقا لا رجوع فيه، وإن رجعتها تكن زوجتاي الثنتان تطلقان، كان معلوما.
إذا كان الواقع هو ما ذكر ولم يسبق قبله طلاق ولم يلحقه طلاق فيعتبر الواقع طلقة واحدة، ولك مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل لك إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على ذلك. وأما قولك: وإن رجعتها تكن زوجتاي الاثنتان تطلقان، فهذا يختلف بحسب اختلاف نيتك، فإن كنت أردت طلاق
__________
(1) صدرت برقم 2757 \ خ في 24 \ 9 \ 1394 هـ.(22/59)
زوجتيك إذا رجعت زوجتك المذكورة وقع على كل واحدة منهما طلقة، إذا رجعت الزوجة المذكورة، أما إن كنت أردت بذلك منع نفسك من ترجيعها وليس قصدك طلاق زوجتيك إن رجعتها، فإن هذا يكون في حكم اليمن، وعليك كفارتها إذا رجعتها؛ لأن المقصود فيه التأكيد على نفسك بعدم مراجعة الزوجة المذكورة، وكفارة اليمين هي: إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد أو كسوتهم أو عتق رقبة. وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لما فيه رضاه إنه جواد كريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/60)
34 - حكم اشتراط الزوجة الثانية طلاق الأولى بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 2116 وتاريخ 29 \ 10 \ 1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط
__________
(1) صدرت برقم 2389 في 17 \ 12 \ 1390 هـ.(22/60)
المرفقة به المتضمنة: إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج ح. ن. ر. على زوجته وفيها: أنه اعترف لديكم أنه طلق زوجته المذكورة بقوله: طالق، ثم طالق بالثلاث؛ وذلك لأنه تزوج امرأة غيرها واشترطت عليه طلاق المذكورة، فطلقها الطلاق المذكور، ولم يزد عليه شيئا ولم يلحقه شيء من الطلاق، ولم يسبق أن طلقها قبل هذا، وأنه استرجع في ليلة وقوع الطلاق وذلك في شهر جمادى الثانية عام 1390هـ. وأشهد على ذلك شاهدين، وأنه أحضر الشاهدين المذكورين لدى فضيلتكم واعترفا بما ذكر، وأن والدها اعترف لدى فضيلتكم بأن ابنته جاءته بزهابها (بعفشها) ، ولم تذكر له شيئا من الطلاق، وأنه لم يكن حاضرا الطلاق الذي حصل من زوجها ولا يعلم عنه شيئا إلا من الناس، وأنه لم يسبق ذلك طلاق ولا لحقه طلاق.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقتان: إحداهما بقوله: طالق، والثانية بقوله: ثم طالق بالثلاث، وبقي له طلقة، ومراجعته لها صحيحة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بالفتوى المذكورة وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه المذكورة لكونه طلاقا منكرا، كما(22/61)
يعلم ذلك فضيلتكم أثابكم الله وبارك في جهودكم وجعلنا وإياكم ممن يعين على نوائب الحق إنه خير مسئول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/62)
35 - حكم من قال: فذلك بفراقك وقصد الطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. م. ج. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 18 \ 3 \ 1393هـ وصل، وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أنك قلت لزوجتك: إن ذهبت إلى السوق فذلك بفراقك، ثم قلت لها: إن ذهبت إلى بيت عمك فذلك بفراقك. وأنك قصدت بكلمة الفراق الطلاق، وأردت بذلك منعها، وأنها ذهبت إلى السوق وإلى بيت عمها ثم راجعتها وأخبرتها بذلك إلى آخر ما ذكرت كان معلوما.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 768 في تاريخ 20 \ 4 \ 1393 هـ.(22/62)
والجواب: إذا كان الواقع ما ذكرت، وأنك قصدت بالطلاق في التعليق الأخير ما قصدته في التعليق الأول من لفظ الفراق ولم ترد طلاقا آخر ولم تطلقها قبل هذا الطلاق فقد وقع عليها بذلك طلقتان كما أفتيت نفسك بذلك، كل تعليق وقع به طلقة وبقي لها طلقة، ومراجعتك لها صحيحة، إذا كانت في العدة حين المراجعة، حسب نيتك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » وإن كان في ذلك إشكال عليك أو عليها أو على وليها إن كان علم الخبر فاحضر معهما لدى فضيلة قاضي بالجرشي لسؤالكم جميعا عن صفة الواقع وهل سبقه أو لحقه طلاق ثم الإفادة وأنا أنظر في ذلك إن شاء الله، وإن رأى فضيلته إفتاءكم ففيما يراه الكفاية إن شاء الله. أصلح الله حال الجميع والذي أوصيك به هو الحذر من التعجل بالطلاق والاكتفاء بالتوبيخ والنصيحة والوعد والوعيد بدون ذكر الطلاق، هداك الله وأعاذك من شر نفسك وأصلح حالكما جميعا إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .(22/63)
36 - حكم قول: إن طلعت معنا ما أنت بذمتي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة عرعر وتوابعها وفقه الله لكل خير آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب اطلعت على صورة الضبط المرفقة به الصادرة بإملاء فضيلتكم بتاريخ 5 \ 9 \ 1390هـ الواردة إلي برفق كتاب الأخ ع. ف. ع. المؤرخ 5 \ 1390 هـ الجوابي على كتابي الموجه له برقم 1356 وتاريخ 4 \ 8 1390 هـ. وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج المذكور على زوجته وهو أنه قال لها: إن طلعت معنا ما أنت بذمتي، وأن قصده من ذلك منعها من الخروج معه في سيارته إلى البر ولم يقصد منعها من الخروج مع غيره وأنها قد خرجت إلى البر مع غيره بدون اطلاعه، وأنه قد قال لها قبل هذه المرة بمدة سنة: تراك طالق، ثم قال لها في المرة الثالثة حينما أراد تأديب أحد أولاده يا امرأة خليني تراك طالق بالثلاث، وراجعها في حينه ومصادقة مطلقته له على صفة الطلاق المذكور وعلى مراجعته له
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1832 تاريخ 30 \ 9 \ 1390 هـ.(22/64)
وبناء على ما ذكر أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة طلقتان إحداهما بقوله تراك طالق والأخرى بقوله تراك طالق بالثلاث ومراجعته لها صحيحة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن طلاقه بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة كما لا يخفى. أما قوله: إن طلعت معنا ما أنت بذمتي فلا يترتب عليه شيء لكونه إنما قصد من ذلك منعها من الخروج معه فلم تخرج معه ولم يقصد منعها من الخروج مع الشخص الذي خرجت معه والأعمال بالنيات فأرجو إشعار الجميع بذلك وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه بالثلاث لكونه طلاقا محرما كما يعلم ذلك فضيلتكم أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/65)
37 - مسألة في الطلاق المعلق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم الأحساء وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2360 وتاريخ 4 \ 10 \ 1393 هـ.(22/65)
يا محب كتابكم الكريم رقم 6550 وتاريخ 1 \ 9 \ 1393هـ، وصل، وصلكم الله بهداه واطلعت على جميع الأوراق المشفوعة به المتعلقة بطلاق الزوج أ. ع. ن. لزوجته وأفيدكم أني بعد سؤاله عن قصده بالطلاق والتحريم المعلقين بتزويج بنته د. على غير ع. ع. ق. أجاب بأن قصده من ذلك حث نفسه على تزويج بنته على الشخص المذكور في المستقبل وأنه متى زوجت بغيره بطوعه ورضاه فإن زوجته تكون طالقة بالثلاث ومحرمة عليه هكذا أجاب، وقد كرر التحريم والطلاق ثلاث مرات بقصد التأكيد هكذا قال.
وبناء على ذلك أفتيته بأن زوجته المذكورة باقية في عصمته؛ لأن الطلاق والتحريم لم يقع شرطهما إلى حين التاريخ، ولا يخفى أن المعلق على شيء لا يقع بدونه، ومتى زوجت ابنته بغير الشخص المذكور وقع على زوجته بذلك طلقة واحدة في أصح قولي العلماء لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المشهور في ذلك وعليه كفارة الظهار أيضا إذا زوجت ابنته بغير الشخص المذكور لكونه أراد تحريمها بذلك فأرجو إشعار والد الزوجة بذلك ليسلمه زوجته شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم وأبرأ ذمة الجميع إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/66)
38 - حكم الطلاق المعلق
حضر عندي الزوج (ح. م) و (ع. س) واعترف الزوج المذكور بأنه غضب على زوجته المضمومة في دفتر إقامته وهي أخت ع. س. المذكور فقال إذا خرجت لأخيك فأنت طالق فلم تخرج ثم أمرها بأمر فتوقفت فقال: أنت طالق بالثلاث وذلك من نحو خمسة أيام ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وبسؤالها عما قاله الزوج أجابت بأن ذلك هو الواقع وأنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، أما أخوها ع. س. المذكور فذكر أنه لا يعلم شيئا عن الواقع إلا منهما، كما أفاد أنه لا يعلم أن الزوج طلقها سوى هذا الطلاق.
وبناء على ذلك أفتيتهما بأن الطلاق المعلق لم يقع به شيء لكونها لم تخرج، أما الطلاق المنجز فقد وقع عليها به طلقة واحدة وله مراجعتها مادامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة وقد راجعها عندي بحضرتها وحضرة أخيها وبذلك استقرت في عصمته، وقد أفهمنا الزوج(22/67)
المذكور أن التطليق بالثلاث لا يجوز وأن عليه التوبة من ذلك. أصلح الله حال الجميع. قاله وأثبته الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سامحه الله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه (1)
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2729 \ خ في 22 \ 9 \ 1394هـ.(22/68)
39 - علق طلاق زوجته بالثلاث على الخروج فخرجت ناسية من بيته
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة الدمام الكبرى وتوابعها وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم رقم 126 وتاريخ 28 \ 12 \ 1389هـ الجوابي على كتابي رقم 2592 وتاريخ 21 \ 12 \ 1389هـ وصلكم الله بهداه وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج ج. ف. على زوجته وهو أنه قال لها: إن طلعت من بيتي بغير رأي فأنت
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 206 في 28 \ 1 \ 1390هـ.(22/68)
طالقة بالثلاث وبعد ذلك خرجت من بيته ناسية لهذا الطلاق ولم يقع منه طلاق قبل ذلك ولا بعده وذلك بعد سماعكم لأقوال المطلق ومطلقته، وبناء على ذلك أفتيت الزوج ج. المذكور بأنه لم يقع على زوجته بذلك شيء من الطلاق في أصح أقوال العلماء كما لا يخفى؛ لأنها إنما خرجت ناسية ولم تكن متعمدة وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قال قد فعلت ثم هذا التعليق إن كان الزوج أراد منعها من الخروج لا إيقاع الطلاق بعد الخروج فهو في حكم اليمين في أصح الأقوال وعليه كفارة يمين متى وقع الخروج وتنحل يمينه. أما إن كان أراد بذلك إيقاع الطلاق عند خروجها فإنها يقع عليها بالخروج ذاكرة للطلاق طلقة واحدة وله الرجوع إليها ما دامت في العدة لحديث ابن عباس المشهور في ذلك كما لا يخفى.
فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 286(22/69)
40 - مسألة في تعليق الطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ح. ج. ع. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصل إلي كتابكم المؤرخ 4 \ 3 \ 1390هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أنك طلقت بالثلاث أنك ما تدخل بيت عمك فدخلت. ثم طلقت أنك ما عاد تشرب الدخان حوالي أربع مرات وعدت إلى شربه وأنك لم تخبر زوجتك بذلك. وأنك الآن تبت وندمت ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
والجواب: إذا كان الواقع هو كما ذكرت وليس قصدك من ذلك فراق زوجتك إذا دخلت بيت عمك أو شرب الدخان وإنما قصدت من ذلك منع نفسك من دخول البيت ومن شرب الدخان فالطلاق غير واقع وعليك خمس كفارات يمين كل واحدة إطعام عشرة فقراء لكل فقير نصف صاع من التمر أو الأرز أو الحنطة أو الشعير وإن أعطيت كل فقير من العشرة صاعين ونصفا، كفى عن الخمس كفارات؛ لأن كل طلاق في المرات الخمس في حكم اليمين
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 477 في 19 \ 3 \ 1390 هـ.(22/70)
إذا كنت في كل مرة من المرات الأربع في أمر الدخان ترجع فيه، أما إن كنت طلقت أربع مرات عن شرب الدخان كل واحدة بعد الأولى تقصد بها تأكيد ما قبلها ولم ترجع فيه إلا بعد الرابعة فليس عليك عن ذلك إلا كفارة واحدة مع كفارة الطلاق عن دخول بيت عمك ونوصيك بالحذر من مثل هذه الأمور وحفظ لسانك عما لا ينبغي هدانا الله وإياك صراطه المستقيم وأعاذنا وإياك وسائر المسلمين من نزغات الشيطان والحمد لله الذي من عليك بالتوبة من هذا الدخان الخبيث المنكر، ثبتك الله على الحق وكفاك شر نفسك، وإذا أشكل عليك شيء مما ذكرته لك فاعرض خطابي هذا على فضيلة الشيخ ع. ح. أو غيره من القضاة وهو يوضح لك ما أشكل عليك من ذلك إن شاء الله وفق الله الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/71)
41 - مسألة في الطلاق المعلق بشرط
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1784 \ خ في 8 \ 8 \ 1393هـ.(22/71)
يا محب كتابكم الكريم رقم 2024 وتاريخ 28 \ 6 \ 1393هـ الجوابي لكتابي رقم 934 وتاريخ 11 \ 5 \ 1393هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حضور مطلقة م. م. ووليها والشاهد الذي كان حاضرا وقت الطلاق لدى فضيلتكم وأفادت بأن الزوج المذكور لم يحصل منه إلا ما أشرنا إليه في كتابنا المنوه عنه آنفا كان معلوما.
وقد اطلعت على الصك المرفق الصادر بإملاء فضيلة مساعدكم برقم 286 وتاريخ 18 \ 11 \ 1391هـ فوجدته ينص على إثبات طلاق الزوج المذكور لزوجته طلقة واحدة بتاريخ 1 \ 8 \ 1391 هـ وأنه لم يطلقها قبل ذلك، وبناء على ذلك وعلى ما اعترف به الزوج المذكور عندي كما في كتابي المشار إليه بأنه غضب على زوجته المذكورة بسبب كلام جرى بينه وبينها في الليل فقال لها: إذا ما تمسين بحسن خلق فأنت طالق فقالت: طلقني فدعا أخاه وأخبره بما ذكر وقال له تراها مطلقة من أجل أنها أبت تمسي بحسن خلق وأن قصده بذلك الطلاق المعلق على عدم إمسائها بحسن خلق وأنه سبق أن طلقها طلقة في حال حملها وكتب لها صكا بذلك ثم بعد الولادة تزوجها على يد فضيلتكم ولم يطلقها سوى ذلك، أفتيته بأنه(22/72)
قد وقع على زوجته المذكورة بذلك طلقتان وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، لأن الأدلة الشرعية تدل على ذلك كما لا يخفى، فأرجو إشعاره وولي مطلقته بذلك. شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/73)
42 - مسألة في الطلاق المعلق
س: حلفت على زوجتي مرة قائلا: والله العظيم إن لم تذهبي اليوم إلى بيتنا لتكونين طالقة، وكانت في بيت أبيها في حالة نفاس لم يمر عليها خمسة أيام من وضعها لسوء تفاهم نشب بيني وبين أبيها، وكنت لا أقصد طلاقها، ولكن كنت أقصد أن تخاف على نفسها من الطلاق، وتذهب إلى بيتنا تاركة بيت أبيها، ولكنني بعد أن هدأت لمت نفسي، بعد هذا الحلف وخوفا من إصابتها بمرض أثناء ذهابها، المهم لم ينفذ هذا الذهاب إلى بيتنا، وبعد مرور عدة سنين ولكثرة كلامها في موضوع لا أرغب في الاستماع إليه، حلفت عليها قائلا والله العظيم إن لم(22/73)
تسكتي عن هذا الحديث في هذا الموضوع الآن لتكونين طالقة ولكنها تكلمت، وكان قصدي أيضا أن أمنعها من الحديث، وأخوفها بالطلاق ولا أقصد تطليقها، إنما أقصد طاعتي في السكوت، فهل في هذين الحلفين وقع علي يمين، أو طلاق رجعي أو يمين وطلاق معا، وبمرور السنين أيضا حلفت عليها أيضا إذا تصرفت في أي موضوع بدون مشورتي لتكونين علي حراما كأمي وأختي، أقصد أيضا تهديدها لعدم التصرف بدون مشورتي وطاعتي، فهل هذا ظهار أم يمين؟ أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرا (1)
ج: هذا التصرف لا يليق منك، بل ينبغي التثبت وعدم المسارعة إلى الطلاق، ولا إلى التحريم أيضا، ولكن مادام الواقع هو ما ذكرت، وليس قصدك إلا تخويفها، وحثها على امتثال أمرك، فإن هذه الوقائع الثلاث كلها في حكم اليمين، كل واحدة منها في حكم اليمين، الطلاق الأول والطلاق الثاني والتحريم الأخير، كله في حكم اليمين، وعليك كفارة اليمين عن هذه الوقائع الثلاث، فعليك كفارات ثلاث، عن كل واحدة كفارة
__________
(1) من ضمن أسئلة برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (51) .(22/74)
يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو غيره وذلك يقارب كيلو ونصفا، أو كسوتهم بما يجزئ في الصلاة، أو ما هو أكمل من ذلك من إزار ورداء مثل قميص وعمامة، يكفي لكل واحد، وإن عشيتهم في بيتك أو غديتهم في بيتك، كفى ذلك أيضا، وعليك التوبة إلى الله من التحريم، لأنه لا يجوز التحريم لما أحل الله سبحانه وتعالى وهذا الذي قلنا لك هو الأقوى والأصح من أقوال أهل العلم، أن في هذا كفارة يمين، ولا يلحقك طلاق ولا تحريم، هذا هو الأرجح من أقوال أهل العلم في هذه المسائل الثلاث، نسأل الله لنا ولك الهداية.(22/75)
صفحة فارغة(22/76)
باب الحلف بالطلاق(22/77)
صفحة فارغة(22/78)
43 - حكم قول والله لأطلقك بالثلاث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. م. ص. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 8 \ 7 \ 1394 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنه حصل بينك وبين زوجتك نزاع تطور إلى عراك، وفي أثناء العراك وشدة الغضب، قلت لها: والله لأطلقك بالثلاث، ثم تدخل الجيران وأنهوا المشكل، وفي ثاني يوم اتصلت هي بأهلها هاتفيا، وأخبرتهم بما جرى، وحجبت نفسها عنك منذ ذلك اليوم، وهو يوم الاثنين الموافق 11 \ 6 \ 1394هـ الذي جرى فيه المعاركة وحضر أخوها، واستعلم منها عن الواقع، ولا تدري ماذا قالت له، ثم سألك عن الواقع، فأخبرته بجميع ما حدث، فأجابك بأنها أخبرته أنها سمعتك تقول: (والله لأطلقك بالثلاث والأربع والخمس) ثم أخذ أخته والأطفال وسافروا إلى المدينة إلى آخر ما ذكرتم، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
__________
(1) صدرت برقم 2207 في 1 \ 8 \ 1394هـ.(22/79)
والجواب: إذا كان الواقع هو ما ذكرت فطلاقك المذكور غير واقع سواء كان بقولك: (والله لأطلقك بالثلاث) أو قولك: (والله لأطلقك بالثلاث والأربع والخمس) كما ادعت زوجتك؛ لأن كلامك هذا في حكم الوعيد بالطلاق، وليس في حكم إنجاز الطلاق، وعليك إذا لم تنفذ وعيدك هذا كفارة يمين وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من أرز أو غيره، وإن غديتهم أو عشيتهم كفى ذلك، وبإمكانك عرض كتابي هذا على ولي زوجتك لمعرفة الحكم في هذا الأمر وتسليمك زوجتك، فإن اقتنع وسلمها لك فذلك المطلوب، وإن ادعت زوجتك أن الأمر خلاف ما ذكر، فعليها الحضور مع وليها لدى فضيلة الشيخ ع. س. م. قاضي المستعجلة الأولى بالمدينة المنورة لإثبات ما تدعيه، والإفادة عنه، وأنا أنظر في ذلك إن شاء الله. أصلح الله حال الجميع ولا ضرورة لحضورك لدي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/80)
44 - حكم من حلف بالطلاق وقصده المنع
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي خميس مشيط سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 2842 وتاريخ 17 \ 8 \ 1392هـ وصل، وصلكم الله برضاه وهذا نصه: (وبعد: نشير إلى خطابكم رقم 1401 في 26 \ 7 \ 1392هـ المتعلق باستفسار الزوج \ ع. ع. ق. ونفيدكم أنه حضر لدينا مع زوجته وأفاد بأنه حصل بينه وبين زوجته وبعض نساء أخريات سوء تفاهم وهم في تبوك، فقال: طلاق ما تدخلين أبها، طلاق ما تدخلين أبها. مرتين متتاليتين، وقد نقل إلى خميس مشيط؛ لأنه عسكري وهو من أهالي أبها إلا أنه لم يدخل أبها، خوفا من وقوع الطلاق من زوجته وهو وأسرته وعقاره من أهالي أبها، ويخشى أن ينقل إلى الخطوط الأمامية كما أن ظروفه المادية تحتم عليه أن يسكن في بيته في أبها، فسئل عن قصده بالتلفظ مرتين
__________
(1) صدرت برقم 1811 في 4 \ 10 \ 1392هـ.(22/81)
هل يقصد التأكيد أو العدد؟ فأجاب بأنه يقصد المبالغة في إفهام زوجته، بل إنه لا يقصد الطلاق أصلا، إلا أنه لغضبه قال ذلك، وقد صادقته زوجته على كل ما قال، وأنه لم يسبق طلاق قبل ذلك ولا بعده، وأنه ليس بينه وبين زوجته سوى العشرة الحسنة، إلا أنها لا تستطيع الدخول إلى أبها إلا بعد التحلل مما وقع، هذا ما قرره الطرفان ورصد) انتهى.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأن طلاقه هذا في حكم اليمين، وعليه كفارتها متى دخلت زوجته المذكورة أبها، لكونه لم يقصد الطلاق، وإنما قصد منع زوجته من دخول أبها، وقد دلت الأدلة الشرعية على ذلك، وأفتى به جمع من السلف والخلف منهم شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع ذلك. أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/82)
45 - حكم من حلف بالطلاق ولم يحنث
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. ع. ش وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 26 \ 2 \ 1389هـ وصلك الله بهداه، وما أشرت إليه من أنك حللت ضيفا على أحد الأشخاص، وكان عنده ضيوف قبلك قد اشترى لهم ذبيحة، وأنك لما رأيته يهم بذبحها، قلت له: بالثلاث أنها ما تذبح، فرد عليك قائلا: إن الذبيحة ليست لك وإنما هي للضيوف الذين قبلك، ثم ذبحها. وسؤالك عما يترتب عليك تجاه ذلك كان معلوما؟
والجواب: إذا كان الواقع كما ذكرت فالطلاق لم يقع والزوجة باقية في عصمتك؛ لأن الذبيحة لم تذبح لأجلك وإنما ذبحت لغيرك، فلم تحنث يمينك. ويجب عليك الحذر من العود لمثل ذلك؛ لأن التطليق بالثلاث لا يجوز، والأولى بالمؤمن الحذر من
__________
(1) صدرت برقم 488 في 13 \ 3 \ 1389 هـ.(22/83)
استعمال الطلاق بجميع أنواعه في مثل هذه الأمور. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه، إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/84)
46 - حكم من قال: (علي الحرام) ولم ينو يمينا ولا طلاقا
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي رفحاء وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 554 وتاريخ 12 \ 9 \ 1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما تضمنه من الإفادة أن ع. ط. ع. قدم لفضيلتكم معروضه المرفق يذكر فيه: أنه جاء عند أحد أقاربه ولما رآه يتأهب لذبح ذبيحة له، قال: علي الحرام إنك ما تذبح الذبيحة وهو بذلك يريد منعه بأشد يمين يعلمها حسب قوله ولكن قريبه مضى وذبح الذبيحة وعمل الوليمة فأكل هو منها وأنه لا يدري ماذا يقصد أيمينا أو طلاقا أو ظهارا؛
__________
(1) صدرت برقم 1841 في 30 \ 9 \ 1390هـ.(22/84)
ولكنه كان يريد منع المذكور من الخسارة.
وبناء على ذلك أفتيت المذكور بأن طلاقه هذا في حكم اليمين وأن عليه كفارة يمين في أصح أقوال أهل العلم، لأنه إنما أراد منع المذكور من ذبح الذبيحة ولم يرد تحريم أهله، كما هو الظاهر من إفادته التي أثبتها فضيلتكم. فأرجو إشعاره بذلك. أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/85)
47 - حكم قول: (عودي إلى بيتك والنوم معك حرام)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. م. ط. ع. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: (1) فقد وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 9 \ 3 \ 1389 هـ وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن حصول نزاع بينك وبين زوجتك خرجت على إثره من بيتك وأنك عندما أردت إعادتها إلى بيتك، قالت لك: ليس لك قصد في إلا في المراقدة تقصد الجماع، وأنك غضبت عند ذلك، فقلت لها: عودي إلى بيتك والنوم معك
__________
(1) صدرت برقم 531 في 22 \ 3 \ 1389هـ.(22/85)
حرام. وسؤالك عن الحكم في ذلك، كان معلوما.
والجواب: ليس لك أن تحرم ما أحل الله لك، وعليك التوبة والاستغفار من ذلك، وعدم العود إلى مثله، وزوجتك حلال لك وكلامك هذا لا يحرمها عليك ويلزمك كفارة يمين عن قولك: النوم معك حرام، إذا كان الواقع هو كما ذكرت والكفارة إطعام عشرة فقراء لكل واحد منهم نصف الصاع من التمر أو الأرز أو الشعير، وإن غديتهم أو عشيتهم كفى ذلك، والمراد بالصاع صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره أربع حفنات باليدين المعتدلتين المملوءتين. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/86)
48 - حكم لفظ: (حرام ما ترجعين إلى بيتي) ولفظ: (خلعى ما فيه رجعى)
حضر عندي زوج وزوجته وابن أخيها ووالدة الزوج المذكور واعترف الزوج المذكور بأنه في عام 1389هـ غضب على زوجته المذكورة فقال: والله لو خرجت بابني إلى بيت ابن عمه ما تكوني في لساني، أو حرام ما ترجعين إلى بيتي - الشك منه - وقصده منعها من الخروج، واستفتى بعض المشايخ، فأفتاه(22/86)
بأن عليه الكفارة ثم في عام 1391 هـ غضب عليها فطلقها طلقة واحدة ثم قال لأمه: تراها مطلقة يعني بذلك الطلقة المذكورة، ثم راجعها، ثم من نحو ثلاثة أيام غضب عليها وطلقها طلاقا لم يحفظ منه إلا واحدة ثم تغير شعوره وصار يبكي، وذكر أن أخته وزوجة أخيه قالتا له: إنه قال في طلاقه المذكور: خلعى ما فيه رجعى، وبسؤال الزوجة المذكورة أجابت بأن جميع ما قاله زوجها هو الواقع ماعدا الطلاق فلم تسمعه، وبسؤال والدته أجابت بمثل ما قال الزوج - وبسؤال محمد المذكور أجاب بأنه لم يحضر الواقع لا هو ولا أبوه ولا يعلم شيئا عن جميع ما ذكر.
وبناء على ذلك أفتيتهما بأن طلاقه الأول في حكم اليمين، كما قد أفتي بذلك. أما الطلاق الذي وقع منه في عام 1391هـ والطلاق الآخر فقد وقع بهما طلقتان، وبقي لزوجته طلقة وله مراجعتها ما دامت في العدة وقد راجعها عندي بحضرتها وابن أخيها المذكور وبذلك استقرت في عصمته، وقد أوصيناهما بالمعاشرة الطيبة والحذر من أسباب الغضب.
قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز
سامحه الله وصلى الله على محمد وآله وصحبه.(22/87)
49 - حكم من طلق وحرم على ترك شيء ففعله
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. ع. م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 25 \ 12 \ 1390هـ الجوابي على كتابي رقم 2379 وتاريخ 16 \ 12 \ 1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أشرتم إليه من عدم استطاعتكم إحضار ولي المرأة لدى الشيخ (م. ع. م.) وأنه لم يعلم بالواقع ولا تود أن يعلم به، ورغبتك في الفتوى كان معلوما وبالرجوع إلى كتابك السابق اتضح أنك طلقت طلقة واحدة، وحرمت مرتين أنك تترك الدخان فرجعت إليه، وأنك مجتنب زوجتك حتى الآن.
إذا كان قصدك من كلامك هذا منع نفسك من شرب الدخان، لا فراق زوجتك إن شربته، فإنه يعتبر في حكم الأيمان وعليك عن ذلك كفارتان: إحداهما عن يمين الطلاق، والثانية عن يمين التحريم، وهما إطعام عشرة مساكين لكل مسكين
__________
(1) صدرت برقم 2570 \ خ في 12 \ 9 \ 1394 هـ.(22/88)
صاع من قوت البلد، نصفه عن يمين الطلاق، والنصف الثاني عن يمين التحريم، وإن غديتهم أو عشيتهم مرتين كفى ذلك، وعليك التوبة مما فعلت، لأن الدخان محرم خبيث مضر بالدين والصحة، مضعف للإيمان، مغضب لله سبحانه، فالواجب عليك تركه والحذر منه والاستعانة بالله على ذلك. هدانا الله وإياك صراطه المستقيم، وأعاذنا وإياك من نزغات الشيطان إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/89)
50 - مسألة في الحلف بالطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. أ. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: (1) فقد وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ 12 \ 7 \ 1389هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن رجل حلف بالطلاق أن لا يصطلح مع رجل آخر وقد سبق أن طلق زوجته مرتين وأن لكل من الرجلين ابنا متزوجا من أخت الآخر وكلاهما
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1601 في 4 \ 8 \ 1389هـ.(22/89)
يشدد على ابنه ليطلق زوجته وسؤالكم عن الحكم في ذلك وهل إذا تم الصلح بين الرجلين يقع الطلاق وهل على الولدين إطاعة والديهما في مثل هذه الحالة وتطليق زوجتيهما بدون ذنب كان معلوما.
والجواب عن المسألة الأولى: إذا كان قصد الرجل من الحلف بالطلاق حث نفسه على عدم المصالحة مع أخيه وليس قصده الرغبة عن زوجته إذا صالحه. وفراقها لم يقع عليها طلاق وكان تعليقه هذه بمثابة اليمين في أصح أقوال العلماء وعليه كفارتها؛ لأنه قد ورد عن كثير من السلف الصالح الفتوى بذلك وقواعد الشرع تقتضيه؛ لأن المطلق لم يرد فراق أهله وإنما أراد حث نفسه على عدم مصالحة أخيه. أما إن كان أراد فراقها إذا صالح أخاه فإنه يقع عليها الطلاق وتحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطأها. لكون هذه الطلقة هي آخر الثلاث.
أما الجواب عن المسألة الثانية: فليس على الولد أن يطيع والده في طلاق زوجته بدون سبب شرعي وليس ذلك من الطاعة الواجبة على الولد للوالد إذا كانت الزوجة غير مؤذية لوالده وليس(22/90)
بها ما يوجب فراقها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الطاعة في المعروف (1) » وليس الطلاق من غير سبب شرعي من المعروف. ونسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دينه والثبات عليه إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري الأحكام (7145) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/82) .(22/91)
51 - حكم الحلف بالطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم و. م. أ. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 16 \ 1 \ 1393 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنك حلفت بالطلاق أن تحضر عند إنسان في موعد محدد فلم تحضر عنده إلا بعد ساعتين من الوقت الذي حددت الحضور فيه ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
والجواب: إذا كان قصدك من ذلك حث نفسك على الحضور في الموعد المحدد وعدم التخلف عن ذلك ولم تقصد فراق زوجتك إن تأخرت عنه فالطلاق المذكور غير واقع وعليك كفارة
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 280 في 1393هـ.(22/91)
يمين وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو بر أو غيرها، أما إن كان مقصودك خلاف ذلك أو كان في الواقع إشكال بينك وبين أهل المرأة فينبغي أن تحضر مع وليها لدى فضيلة قاضي طرفكم لإفتائكم بما يراه فضيلته أو إثبات صفة الواقع والإفادة عنه وأنا أنظر في ذلك إن شاء الله. وفق الله الجميع لما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/92)
52 - مسألة في الحلف بالطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محكمة بيشة وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب وصل إلي كتابكم الكريم رقم 2270 وتاريخ 18 \ 11 \ 1389هـ وصلكم الله بهداه واطلعت على صورة الضبط المرفقة به المتضمن إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج م. س. ص. على زوجته س. وهو أنه طلقها بالثلاث بكلمة واحدة من نحو ستة أشهر وقد سبق أن حلف عليها وعلى امرأة سابقة بقوله علي مثل أمي ما يقعد عندي منكما واحدة
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 2547 في 16 \ 12 \ 1389هـ.(22/92)
وأنهما خرجتا من بيته وأنه استفتاكم وأرجعتموها عليه وأنه سئل عن قصده بالحلف المذكور فأجاب بأنه لم يقصد به الطلاق. وإفادة ولي المرأة المذكورة بأنه لم يكن حاضرا الطلاق، وأنه أبرز ورقة مذكورا فيها طلاق الزوج م. س. بالثلاث بكلمة واحدة كما أفاد الولي بأنه قد حصل طلاق قبل هذا وذلك بعد سماعكم لأقوال المطلق المذكور وولي مطلقته، وبناء على ذلك.
فالجواب: إذا كان الطلاق المكتوب في الورقة المذكورة هو الطلاق الذي اعترف به الزوج المذكور لديكم وإذا كان الظهار الذي وقع منه وأفتيتموه عنه هو الطلاق الذي يدعي الولي أنه سبق وقوعه منه، فقد أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة وله العود إليها بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، لكونها قد خرجت من العدة إلا أن يثبت لديكم ما ادعاه من الرجعة حال كونها في العدة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى المذكورة كما لا يخفى، فأرجو إكمال اللازم وإشعار الجميع بالفتوى المذكورة، أما إن كان الواقع خلاف ذلك فآمل إيقاف الفتوى، وإفادتنا بما يثبت لديكم أثابكم الله وشكر سعيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/93)
53 - مسألة في الحلف بالطلاق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي الخفجي وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 254 وتاريخ 28 \ 3 \ 1391هـ وصل وصلكم الله بهداه وفهمت ما أثبتموه من صفة الطلاق الواقع من الزوج (ع. م. ش.) على زوجته وهو أنه حضر لديكم هو وزوجته المذكورة وعمها وأخوها وقرر بحضورهم أن الواقع منه طبق ما ذكره لنا في كتابه المرفق وهو أنه خطب أخته رجل من أقاربهم فرفضت أمه وأخوه قبول تزويجه، فأقسم بالله، وبالثلاث إنهم إذا ما يزوجونه أنه ما يدخل عليهم في بيتهم، وأنهم لازالوا مصرين على عدم تزويجه وأنه يقصد الطلاق بقوله وبالثلاث كما قرر لديكم أنه لم يقع منه طلاق قبل هذا ولا بعده.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأن طلاقه في حكم اليمين إذا كان إنما أراد باليمين والطلاق تحريض أمه وأخيه على تزويج الخاطب وليس قصده فراق زوجته إن لم يتم تزويجه كما
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 685 في 16 \ 4 \ 1391هـ.(22/94)
هو الظاهر من كلامه، وعليه كفارة يمين إن لم يتم التزويج إذا دخل البيت في أصح أقوال العلماء وزوجته باقية في عصمته، فأرجو إشعار الجميع بالفتوى المذكورة وتحذير الزوج من استعمال الطلاق في مثل هذا ومن التطليق بالثلاث، لأنه لا يجوز كما لا يخفى، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/95)
54 - مسألة في الحلف بالطلاق
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز سلمه الله آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أكتب لفضيلتكم خطابي هذا حيث لا يخفاكم أن عموم مساجد بريدة تدعو المصلين بأسمائهم بعد صلاة الفجر وحيث أنني أحد المسلمين فقد جرت العادة في دعوتي كغيري من الناس، وكان الإمام لجماعة المسجد يقول بنفسه عندما يسئل عن حفيده وعلى مسمع من الحاضرين بقوله: ليس حاضرا وأنا متيقن وجوده في منزله علما أنه ومن يعذر دونه في منزل واحد ويعرف تماما أنه موجود في فراشه بصلاة الفجر وبما أنني على فطرة الإسلام وممن(22/95)
يؤمن بأركانه ومما عرفته من حقيقة ديننا الحنيف فقد أقسمت على نفسي طلاقا من زوجتي بالثلاث بأن لا يسمع مني أي إنسان أي كلمة تبين حضوري للصلاة؛ لأن من واجب المسلم أن لا يكون عمله رياء ولا نفاقا وأن لا يخشى أحدا في عبادة ربه وحررت وثيقة بذلك بتاريخ 29 \ 4 \ 1388هـ وبهذه الأيام ضيق علي بعض من الآمرين بالمعروف حيث يروني صامتا عندما يسأل حضوري مفكرين أنني ليس مصليا ويحسبون أنني نائم وقت الصلاة، فأرجو فضيلتكم إفادتي عن ما يجب علي نحو تنفيذ طلاقي لزوجتي والدة أطفالي بتحضير للصلاة أرجو أن يفيدني فضيلتكم أيهما أنفذ علما أنني لا أستطيع الزواج حيث إنني موظف بسيط بالوقت الذي أنا فيه محرج مع من طلب مني الرد عندما يسأل عني بعد صلاة الفجر. هذا ما لدي أرجو أن يكون فيه الكتابة لوقوف فضيلتكم عند حقيقة ما أقوله ولإرشادي إلى ما يجب شاكرا لفضيلتكم الخدمات والحسنات التي تقدمونها لمن أثارته مثل هذه الشوائب والغوامض بارك الله مساعيكم بالخير والعتق من النار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في 7 \ 8 \ 1388هـ(22/96)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ص. ع. م. وفقه الله لكل خير آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 7 \ 8 \ 1388هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة عن طلاقكم المعلق كان معلوما.
والجواب: الذي أرى هو المسابقة إلى صلاة الفجر حتى يعلم الإمام وأعيان الجماعة حضوركم ومحافظتكم فيكتفون بذلك عن ندائكم مع الناس وهذا فيه مصلحتان: إحداهما محافظتكم على الجماعة. والثانية: سلامتكم من وقوع الطلاق وما كان ينبغي لكم إيقاع مثل هذا الطلاق وكان الأولى بكم الصبر كما صبر غيركم وإجابتهم إذا دعوكم باسمكم حتى يعلم الحاضرون أنكم بحمد الله من المحافظين ولكن عسى أن يكون الصالح في الواقع وأسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يرضيه والسلامة من شر الغضب ونزغات الشيطان إنه جواد كريم، ولا بأس أن تخبر الإمام وبعض الأعيان بذلك حتى يعذروكم ويكتفوا بمشاهدتهم لكم في الصف مع المصلين فإن لم يرضوا بذلك فأفيدونا ونحن إن شاء ننظر في موضوعكم أصلح الله نية الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1357 في 29 \ 8 \ 1388هـ.(22/97)
55 - ما حكم من حلف بالطلاق وهو لم يقصد إيقاعه
س: الأخ الذي رمز لاسمه ب ع. ب. ب من عفيف في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: حدث خلاف بيني وبين أحد أصدقائي فحلفت بالطلاق أن أقاطعه ولا أدخل داره بقولي عدة مرات علي الطلاق وزوجتي طالق وتحرم علي كما تحرم علي أختي أن أقاطعه ولا أدخل داره بعد اليوم، وكررت ذلك القول، ولم يكن قصدي بذلك فراق زوجتي أو تطليقها، إنما قصدت من ذلك منع نفسي من دخول داره، وأن يكون دخول داره بالنسبة لي مستحيلا. وبعد مرور الزمن زال ما بيننا من خلاف وودت أن تزول القطيعة بيننا وندمت على تسرعي، فهل من سبيل إلى التكفير عن اليمين التي صدرت مني وعودة المودة بيني وبين صديقي دون وقوع يمين الطلاق على زوجتي. أفتونا مأجورين جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا كنت بالطلاق المذكور والتحريم المذكور إنما قصدت الامتناع فقط ولم تقصد التحريم أو إيقاع الطلاق إن
__________
(1) نشر في المجلة العربية في ربيع الأول من عام 1414هـ.(22/98)
دخلت دار صديقك أو تركت مقاطعته فإنه يجزئك من ذلك كفارة يمين وهو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن لم تستطع فصيام ثلاثة أيام في أصح قولي العلماء ولا يقع على زوجتك طلاق ولا تحريم إذا واصلته أو دخلت بيته وهذا هو قول جمع من أهل العلم واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وإن كفرت كفارة الظهار فهو أحوط عملا بعموم أدلة تحريم الظهار لكونك صرحت بتحريم زوجتك كأختك. والله ولي التوفيق.(22/99)
56 - حكم الشرع في
الإكثار من الحلف بالطلاق
س: ما حكم الشرع في الإكثار من الحلف بالطلاق، وهل يجوز رد الطلاق؟ (1)
ج: لا ينبغي للمؤمن أن يكثر من ذلك بل يكره له ذلك وينبغي له حفظ لسانه، فـ «أبغض الحلال إلى الله هو الطلاق (2) » كما جاء بذلك الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم. فينبغي للمؤمن أن يتثبت في الأمور ويحرص على حفظ اللسان عن كل ما
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (17) .
(2) سنن أبو داود الطلاق (2178) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2018) .(22/99)
لا ينبغي ومن ذلك الطلاق فلا ينبغي أن يطلق إلا عن بصيرة وعن نظر وعن عناية، فإذا ظهرت المصلحة والفائدة في الطلاق طلق طلقة واحدة فقط لا زيادة، لأنه قد يندم فيراجع زوجته والحمد لله، والمقصود أن الإكثار من الحلف بالطلاق خطر ويفضي إلى وقوع الطلاق، فإنه قد يحلف بالطلاق لا يريد وقوع الطلاق فيقع إن فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله، أما إذا كان إنما أراد التهديد والتخويف كأن يقول إن كلمت فلانة فأنت طالق أو إن ذهبت إلى فلانة فأنت طالق من باب التخويف والتهديد وليس قصده الطلاق فهذا عند المحققين من أهل العلم فيه كفارة اليمين ولا يقع به الطلاق، هذا هو الصواب الذي اختاره جمع من أهل العلم، لأنه لم يرد الطلاق وإنما أراد التخويف والتهديد ولكن بكل حال ينبغي له ترك ذلك والحذر منه فالاعتياد على الطلاق لا يجوز ولا ينبغي وإن يكون في لسانه؛ لأنه قد يوقعه بقصد، ولأن بعض أهل العلم يراه يقع ولو كان يقصد التخويف والتهديد فينبغي الحذر من ذلك وينبغي تجنب ذلك احتياطا لدينه واحتياطا لما يجب عليه من حفظ الفرج والبعد عن شبهة الحرام وإذا طلق فيطلق عن بصيرة لا بالغضب والعجلة فيتحرى وينظر(22/100)
فإذا رأى المصلحة في الطلاق لأنها سيئة الأخلاق سيئة السيرة ضعيفة الدين إذا رأى المصلحة في ذلك طلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامع فيه ليس في حال الحمل هذا السنة الذي هو الطلاق في حالتين: أحدهما في حال الحمل والثانية تكون في طهر لم يجامعها فيه هذا هو محل الطلاق الشرعي أما الطلاق في الحيض أو في النفاس أو في طهر جامع فيه طلاق بدعي مخالف لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (1) بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أن طلاقها في العدة أن تكون طاهرة من دون جماع أو حامل فينبغي لأهل الإسلام ولكل مسلم أن يتحرى هذه الأمور وأن يحافظ على السنة وأن يحذر طاعة الشيطان في طلاقه على وجه غير شرعي وأن يحذر العجلة في إيقاع الطلاق الثلاث بل يجب أن يراعي ما شرع الله، وأن يحذر ما حرم الله في طلاقه وفي سائر شؤونه، فالمؤمن عبد مأمور له شريعة إسلامية يجب أن يلتزم بها في كل شيء ويتحرى ما حرم الله في كل شيء، وأن يحذر ما حرم الله عليه وليس له التساهل في كل شيء بل يجب الحذر، وأن تكون أعماله وأقواله مقيدة في الشريعة، رزق الله الجميع التوفيق والهداية.
__________
(1) سورة الطلاق الآية 1(22/101)
57 - ما حكم الحلف بالطلاق إذا كان القصد منع النفس
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ي. م. ع. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 11 \ 1 \ 1393 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنك أردت الإقلاع عن معصية فنويت وتلفظت بطلاق زوجتك أن عدت إليها وذلك بتاريخ 18 \ 12 \ 1391هـ ولا تدري كم مرة تلفظت بالطلاق ولم يعلم بذلك أحد ولم تقصد فراقها وإنما أردت منع نفسك من المعصية ثم إنك بسبب تزيين الشيطان وما أملاه عليك من التأويل وقعت في المعصية، ثم إن الله من عليك بالتوبة منها فلم تعد إليها بعد ذلك كان معلوما.
والجواب: لقد سرني ما ذكرته من التوبة وأسأل الله أن يمنحك الثبات عليها والاستقامة على دين الله سبحانه حتى تلقاه وأن يعيذك من شر نفسك وشيطانك إنه سميع قريب وأوصيك
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 261 وتاريخ 15 \ 2 \ 1393هـ.(22/102)
بتقوى الله سبحانه والاستقامة على دينه ولزوم التوبة من سائر المعاصي والحذر من وسائلها وذرائعها وسؤال الله العافية والثبات، فالعبد على خطر ما دام على قيد الحياة إن لم يثبته الله ويوفقه، وهو سبحانه يحب أن يسأل ويحب من عباده أن يتوبوا إليه وقد وعدهم بالإجابة في قوله سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) ثبتنا الله وإياك على الحق ووفقنا جميعا لما فيه رضاه.
أما الطلاق المذكور فهو غير واقع في أصح أقوال العلماء والزوجة باقية في عصمتك إذا كان مقصودك منع نفسك عن المعصية وليس مقصودك فراقها وعليك عن ذلك كفارة يمين وهي إطعام عشرة فقراء لكل واحد منهم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما وإن غديتهم أو عشيتهم أو كسوتهم كفى ذلك، ونسأل الله لنا ولكم ولسائر المسلمين العافية من نزغات الشيطان ومن شرور النفس وسيئات العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة غافر الآية 60(22/103)
58 - حكم من قال لامرأته إن خرجت فلا ترجعي
س: قلت لزوجتي: إذا خرجت من البيت دون إذني فلا ترجعي، وكنت أقصد بذلك منعها من الخروج، ولم أفكر حينها بطلاق أو نحوه، والآن أخشى أن تضطر زوجتي للخروج، وقد لا أعلم بخروجها، فهل ما جرى هو يمين، وأستطيع تكفيرها الآن؟ أم ماذا يلزمني؟ أفيدوني أفادكم الله (1)
ج: هذا الكلام في حكم اليمين، ومتى خرجت فعليك كفارة يمين ولا يقع عليها طلاق بذلك. وإن كنت قد نويت حين صدور هذا الكلام إلا بإذنك فإنه لا كفارة عليك إذا أذنت لها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات (2) » . وقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم (3) » والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب فتاوى إسلامية من جمع محمد المسند ج 3 ص 475.
(2) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .
(3) سنن الترمذي الأحكام (1352) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2353) .(22/104)
59 - ما الحكم إذا قال:
إن دخلت أنت وأبناؤك بيتي فامرأتي طالق
س: حصل شجار بين جارين فقال أحدهما للآخر في حالة غضب إذا دخلت أنت وأبناؤك بيتي فامرأتي طالق فهل يعتبر هذا طلاق؟ أم أنه يعتبر يمين فيكفر عنه؟ (1)
ج: إن كان المطلق المذكور أراد منعهم فقط، ولم يرد إيقاع الطلاق إن دخلوا فإن هذا الطلاق يعتبر في حكم اليمين، وعليه كفارتها في أصح قولي العلماء، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أما إن أراد المنع والإيقاع جميعا، فإنه يقع الطلاق على زوجته بدخولهم البيت. . ويكون ذلك طلقة واحدة، إذا كان الواقع مثلما ذكره السائل وله مراجعتها ما دامت في العدة إذا كان لم يطلقها قبل ذلك طلقتين والله الموفق.
__________
(1) نشر في جريدة المسلمون في 17 \ 4 \ 1418هـ.(22/105)
60 - حكم من قال
لزوجته لو فعلت كذا ستكونين طالقا
س: سائل يقول قلت لزوجتي وأنا في حالة غضب شديد لو فعلت كذا ستكونين طالقا، وهذا كان بنية التهديد والمنع وليس بنية الطلاق مع العلم أنها لم تفعل، فما كفارة هذا اليمين؟ وهل لو فعلت تكون طالق؟
ج: إذا قال الإنسان لزوجته لو فعلت كذا فأنت طالق، أو إن فعلت كذا فأنت طالق، مقصوده التهديد والتحذير وليس قصده إيقاع الطلاق إنما قصده التخويف والتحذير فالصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم أن هذا حكمه حكم اليمين وعليه كفارة اليمين إذا فعلت، أما إذا لم تفعل ما عليه شيء، لكن متى خالفته وفعلت فقد أخطأت وعصت وعليه كفارة اليمين، إذا فعلت، وإن قال: إن قمت إلى كذا أو زرت آل فلان أو حضرت العرس الفلاني، قصده التهديد والتخويف ولكنها لم تمتثل بل عصته فقد أثمت وعليه كفارة اليمين هو، وهي عليها التوبة فقد أثمت لعصيانها لزوجها في المعروف، وفق الله الجميع.(22/106)
61 - حكم من حلف
بالطلاق أن يفعل كذا ولم يفعله
س: حلف رجل وهو ناس لحداثة زواجه قائلا: علي الطلاق السنة القادمة أشتري كذا. وإذا لم يشتر هل زوجته طالق؟ وإذا لم يشتر ماذا عليه؟ علما بأنه لم تكن عادته الحلف بالطلاق لدرجة - أنه استغفر الله - (1)
ج: مثل هذا الكلام يختلف حكمه بحسب نية الزوج، فإن كان قصده حمل نفسه على الشراء وتحريضها عليه ولم يقصد فراق زوجته إن لم يشتر الحاجة التي ذكرها في طلاقه فإن هذا الطلاق يكون في حكم اليمين في أصح أقوال أهل العلم، وعليه كفارتها، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإن عشى العشرة أو غداهم أو كساهم كسوة تجزئهم في الصلاة أجزأه ذلك. أما إذا كان قصده إيقاع الطلاق بزوجته إن لم يشتر الحاجة فإنه يقع عليها الطلاق، وينبغي للمؤمن تجنب استعمال الطلاق في مثل هذه التعليقات، لأن كثيرا من أهل العلم يوقع عليه الطلاق
__________
(1) نشر في كتاب فتاوى إسلامية من جمع محمد المسند ج ص 474.(22/107)
بذلك مطلقا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه (1) » متفق على صحته.
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (50) كتاب (الإيمان) باب فضل من استبرأ لدينه، ومسلم برقم (2996) كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.(22/108)
62 - حكم الحلف بالطلاق والحرام
س: يكثر بين الناس عندنا الحلف بالطلاق والحرام، فما حكم ذلك؟ .
ج: أما الحلف بالطلاق فهو مكروه ولا ينبغي فعله؛ لأنه وسيلة إلى فراق الأهل - عند بعض أهل العلم - ولأن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، فينبغي للمسلم حفظ لسانه من ذلك إلا عند الحاجة إلى الطلاق، والعزم عليه في غير حال الغضب، والأولى الاكتفاء باليمين بالله سبحانه إذا أحب الإنسان أن يؤكد على أحد من أصحابه أو ضيوفه للنزول عنده للضيافة أو غيرها، أما في حالة الغضب فينبغي له أن يتعوذ بالله من الشيطان، وأن يحفظ لسانه وجوارحه عما لا ينبغي، أما التحريم فلا يجوز سواء كان(22/108)
بصيغة اليمين أو غيرها؛ لقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1) الآية. ولأدلة أخرى معروفة، ولأنه ليس للمسلم أن يحرم ما أحل الله له، أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان.
__________
(1) سورة التحريم الآية 1(22/109)
63 - حكم من حلف بالطلاق ثلاثا
س: ما رأيكم في رجل حلف يمين طلاق واحد بالثلاث على أخ مسلم ليعملن كذا، فلم يعمل، فهل اليمين تعتبر نافذة في حد ذاتها على امرأته؟ وما حكم الإسلام إذا لم ينفذ تلك اليمين؟ أفيدونا أفادكم الله؟
ج: إذا حلف الإنسان بالطلاق الثلاث على أن فلانا يفعل كذا أو لا يفعل، أو قال علي الطلاق بالثلاث أن أضع الوليمة لفلان أو لا أكلم فلانا ونحو ذلك، فهذا فيه تفصيل، فإن كان القصد التلزيم والتأكيد، وليس قصده إيقاع الطلاق، فهذا حكمه حكم اليمين، فيه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجز صام ثلاثة أيام.(22/109)
أما إن كان قصده إيقاع الطلاق إن لم ينفذ هذا الشيء، فإنه يقع على زوجته طلقة واحدة ولو بلفظ الثلاث على الصحيح، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن خرجت من العدة قبل المراجعة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة، لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن التطليق بالثلاث بكلمة واحدة يعتبر طلقة واحدة. أخرجه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.(22/110)
64 - مسألة في الحلف بالطلاق
س: حكم من حلف بالطلاق للضيف إن شاتك تموت، والضيف فجر بهذا الحلف وراح، هل لها فتوى أو ما لها فتوى؟ (1)
ج: إن كان ما قصد إلا إكرامه والتأكيد عليه وليس قصده فراق أهله فعليه كفارة يمين، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم عن يمينه عن طلاقه هذا.
__________
(1) من فتاوى حج عام 1407هـ.(22/110)
باب الشك في الطلاق(22/111)
صفحة فارغة(22/112)
65 - الطلاق لا يقع بالشك
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. ح. ق. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب اطلعت على الكتاب الموجه إلي من الأخ ع. ع. ط. المؤرخ 9 \ 6 \ 1390هـ المتضمن إفادته عن طلاقه لزوجته بالثلاث بكلمة واحدة في 2 \ 9 \ 1390هـ وأنه لم يطلقها قبل ذلك، وأنه راجعها وأشهد على ذلك وفهمت ما تضمنه شرحكم بذيل الكتاب المذكور من حضور والد مطلقة الزوج المذكور لديكم ومصادقته له في عدم صدور طلاق من الزوج المذكور على ابنته. وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة إذا كان جازما بوقوع الطلاق المذكور في خطابه المرفق، وله مراجعتها ما دامت في العدة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك كما لا يخفى، وعليه التوبة من طلاقه لكونه طلاقا محرما كما يعلم بذلك فضيلتكم، أما إن كان الزوج المذكور لا يجزم بوقوع الطلاق منه بل عنده شك في ذلك فالطلاق غير واقع لأنه لا يقع بالشك، والزوجة باقية في عصمته، فأرجو إشعار الجميع بالفتوى
__________
(1) صدرت من سماحته برقم 1700 \ 1 \ خ في 19 \ 9 \ 1390هـ.(22/113)
المذكورة. أثابكم الله، وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/114)
66 - إذا طلق الرجل
إحدى زوجاته فلا تطلق إلا المعينة
س: رجل عنده امرأتان يريد أن يطلق واحدة منهما هل إذا طلق واحدة منهما تطلق الأخرى؟ (1)
ج: إذا طلق الرجل إحدى زوجاته بالتصريح أو بالنية لم يطلق منهن إلا المطلقة المعينة أو المنوية، وأما بقية زوجاته فلا يطلقن بذلك، لأن الطلاق إنما يقع على من أوقع عليها خاصة دون غيرها، وإذا كانت المطلقة لم تعين باسمها وإنما نواها بقلبه لم يطلق غيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » وأما قول بعض العامة إن الرجل إذا كان له زوجتان أو أكثر فطلق إحداهما أو إحداهن طلق الجميع، فهو قول باطل لا أصل له، وهكذا قول بعض العامة إن الرجل إذا كان عنده أكثر من زوجة وأحب أن يطلق إحداهن فإنه يوكل على ذلك ولا يباشر الطلاق بنفسه، فهذا الكلام وأشباهه لا أصل له ولا ينبغي أن يعول عليه.
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) العدد الرابع السنة الثالثة 1391 هـ.
(2) أخرجه البخاري برقم (1) كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، ومسلم برقم 3530 كتاب الإمارة.(22/114)
باب الطلاق الرجعي(22/115)
صفحة فارغة(22/116)
67 - حكم من طلق زوجته وراجعها ولم يشهد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ج. م. ع. سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 12 \ 10 \ 1392هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أن رجلا تشاجر مع زوجته وطلقها طلقة واحدة، ثم راجعها في الحال إلا أنه لم يشهد على الطلاق ولا على الرجعة؛ لأنه لم يكن في حين الطلاق عندهم أحدهم ويخشى لو أشهد أحدا أن تنفصم العرى دون رجعة، وأنه وطئها بعد المراجعة ولازالت المرأة موجودة في بيته مع أولادها كزوجة، وسؤالكم هل يلحقه إثم، أم لا، وإذا كان يلحقه إثم فما المخرج منه، هل يطلقها مرة ثانية ويراجع ويشهد على الجميع أو يعقد عليها من جديد كان معلوما؟
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (2350) في 20 \ 12 \ 1392هـ.(22/117)
والجواب: إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فإنه يقع على المرأة المذكورة بالطلاق المذكور طلقة واحدة ومراجعته لها صحيحة وقد تأكدت بالوطء والمرأة زوجته وفي عصمته وليس هناك حاجة لتجديد الطلاق، ولكن السنة أن يشهد على طلاقها ومراجعتها إذا كان لا يخشى ضررا في ذلك منها أو من أهلها. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/118)
68 - مسألة في الطلاق الرجعي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ف. م. م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصل إلي كتابكم الكريم المؤرخ بدون، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنك أرسلت زوجتك لأهلها في شهر رمضان 1388هـ وأن نيتك أنك سوف تطلقها، وأنها مكثت عند أهلها حتى شهر رجب 1389هـ، ثم طلبوا منك استعادتها فطلقتها طلاق السنة بتاريخ 19 \ 7 \ 1389 هـ وسؤالك عن جواز الرجعة عليها وهل عليك ذنب إذا عصيت والدتك
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (1956) في 22 \ 9 \ 1389هـ.(22/118)
وعزمت على عدم الرجعة؛ لأنه ليس لها محبة في نفسك كل ذلك كان معلوما.
والجواب: إذا كان الواقع كما ذكرت فقد وقع عليها بالطلاق الذي ذكرت طلقة واحدة ومراجعتها أولى إذا كانت لا تزال في العدة إرضاء لوالدتك وأصهارك ورجاء أن يجعل الله لها في قلبك مودة بعد الرجعة؛ لقول الله سبحانه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (1) أما قولك إنك حين أرسلتها قد نويت أنك ستطلقها فهذا عزم على الطلاق وليس بطلاق والنية بمجردها لا يقع بها شيء. وفق الله الجميع لما يرضيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 216(22/119)
69 - إذا خرجت المطلقة الرجعية من العدة فلا تحل لزوجها إلا بعقد جديد
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. ن. وفقه الله لكل خير آمين.(22/119)
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 10 \ 3 \ 1392هـ وصل وصلك الله بهداه، وفهمت ما أشرتم إليه من الطلاق الواقع من الزوج المذكور على زوجته وهو أنه طلقها في 15 ذي الحجة عام 1391هـ طلقة واحدة واسترجعها في 7 صفر عام 1392هـ وقد حضر عندي الزوج المذكور وأفاد بمثل ما ذكرتم كما أفاد أنه لم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، وقد أمرته بالحضور مع وليها لديكم لسؤاله عما يعلم من الواقع وهل سبقه أو لحقه طلاق فإذا لم يكن لديه ما يخالف ما ذكر ولا يعلم وقوع طلاق سواه وثبت لديكم مراجعته لها في العدة فإنه يقع عليها طلقة واحدة ومراجعته لها صحيحة، أما إن كانت قد خرجت من العدة حين المراجعة فإنها لا تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، وينبغي أن تحضروها وتسألوها عما ذكرنا لأن ذلك أحوط وأبرأ للذمة، ولأن الولي قد لا يحصل بحضوره وحده جميع المقصود، ولكن إذا حضرا لديكم جميعا كان ذلك أكمل وأبرأ للذمة. شكر الله سعيكم
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (3304 \ 1 \ 1) في 12 \ 3 \ 1392هـ.(22/120)
وأرجو إحالة مثل هذا الحادث إلى المحكمة لديكم مستقبلا؛ لأنه ليس فيه إشكال لدى القضاة، وفق الله الجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/121)
70 - حكم من طلق زوجته مكرها على عوض مالي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. ص. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب حضر عندي من سمى نفسه ج. ن. ح. وذكر أن المدعو ع. ب. والمدعو ف. ع. حضرا عنده في بيته في يوم ذي ريح ومطر من نحو شهر وطلبا منه طلاق زوجته فأبى فأكدا عليه وأكثرا عليه فطلقها طلقة واحدة فدفعا إليه بعد ذلك حوالي ألفي ريال في ظنه ولم يعدها فامتنع من قبضها وقال: لا حاجة لي فيها فقاما وتركاها فخشي عليها من المطر والريح فأخذها وسلمها ش. ن. ح. على وجه الأمانة وأشهده على مراجعة زوجته المذكورة
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (4397 \ 1 \ 1) في 16 \ 4 \ 1392هـ.(22/121)
في نفس اليوم، ثم أشهد على ذلك في نفس اليوم أيضا، أعني على المراجعة ف. ش. هكذا قال وقد أمرته بالحضور مع أبيها ومع شاهدي المراجعة لدى فضيلتكم لسؤال الجميع عن صفة الواقع وإفتائهم بما يظهر لكم من الشرع المطهر، ولا يخفى على فضيلتكم أن مثل هذا الطلاق طلاق رجعي إذا كان الواقع هو ما ذكره الزوج المذكورة لكونه لم يطلقها على وجه الخلع ولا من أجل الدراهم المذكورة، وإنما طلقها حياء من الشخصين المذكورين وتحقيقا لرغبتهما، أما إن كان الواقع خلاف ما ذكره الزوج ففيما ترونه إن شاء الله كفاية، وإن رأيتم إثبات الواقع وإخباري به لأنظر في ذلك إن كان فيه إشكال فلا بأس. وفق الله الجميع لما يرضيه، وجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من المتعاونين على البر والتقوى، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/122)
باب الطلاق البائن(22/123)
صفحة فارغة(22/124)
71 - مسألة في الطلاق البائن
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. م. غ. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 5 \ 3 \ 1392 هـ وصلكم الله بهداه، واطلعت على الإفادة المرفقة المتضمنة بيان صفة الطلاق الواقع من الزوج م. ح. ك. على زوجته، واتضح من ذلك أن المذكور طلقها بالثلاث، ثم قال: مطلقة مطلقة مطلقة ثم كتب لها الطلاق عند عمه بالثلاث، وبسؤاله عن ذلك مشافهة صدق ما ذكر واعترف بأنه قال لجاره: مطلقة مطلقة مطلقة بالثلاث
وبناء على جميع ما ذكر أفهمته بأن التطليق المذكور يقتضي إبانتها وتحريمها عليه حتى تنكح زوجا غيره لكونه كرره ثلاث مرات فأرجو إشعار والدها بذلك وأسأل الله أن يجعل الصالح في الواقع
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (383) في 9 \ 3 \ 1392هـ.(22/125)
وأن يعوض كل واحد منهما خيرا من صاحبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تكميل: وقد أفهمنا الزوج أن التطليق بالثلاث لا يجوز وأن عليه التوبة من ذلك.(22/126)
72 - قال لزوجته: طالق ثم طالق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. ظ. ر. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
حضر عندي الزوج س. س. ظ. وذكر أنه غضب على زوجته من نحو شهرين فقال: طالق ثم طالق وأشهد على ذلك س. ب. وهـ. ص. ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده، هكذا قال، وقد راجعها عندي بحضرة جماعة من المسلمين وذلك في يوم الاثنين الموافق 24 \ 5 \ 1393هـ وطلب مني إشعاركم بذلك، لأنها لديكم وليس لها ولي أقرب منكم سوى أخ لها في رشده نظر، فإن
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (1088) في 25 \ 3 \ 1393.(22/126)
كان الواقع هو كما قال ابنك المذكور فقد وقع على الزوجة بذلك طلقتان، وبقي طلقة وكان الطلاق في 25 \ 3 \ 1393 هـ حسب قوله فإذا كانت الزوجة لم تزل في العدة إلى حين التاريخ فمراجعته لها صحيحة وهي باقية في عصمته، أما إن كانت قد خرجت من العدة قبل التاريخ المذكور فإنها لا تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، إلا أن يثبت أنه راجعها قبل التاريخ المذكور، وقد سألناه فأجاب بأنه لم يراجعها قبل التاريخ المذكور، وينبغي أن تعلموا أن العدة ثلاثة قروء وهي الحيض، فإذا كانت قد حاضت بعد الطلاق المذكور وقبل تاريخ المراجعة ثلاث حيض فإنها تكون بذلك قد خرجت من العدة؛ لقول الله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (1) الآية. وفق الله الجميع لما يرضيه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 228(22/127)
73 - حكم من طلق بالثلاث بلفظ واحد وهو ينوي واحدة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي ظهران الجنوب وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 710 وتاريخ 9 \ 8 \ 1388 \ هـ وصل وصلكم الله بهداه واطلعت على ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من الزوج م. ع. على زوجته وهو أنه طلقها بالثلاث بلفظ واحد، ويقصد بذلك طلقة واحدة، ولم يسبق أن طلقها قبل ذلك، ومصادقة المرأة له في صفة الطلاق، وأنه لم يسبق أن طلقها قبل ذلك، وثبوت مراجعته لها في الحال حسب البينة. وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بالطلاق المنوه عنه طلقة واحدة ومراجعته لها صحيحة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على الفتوى
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (1492) في 18 \ 9 \ 1388هـ.(22/128)
المذكورة كما لا يخفى. فأرجو من فضيلتكم إشعار الجميع بذلك وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه المذكور لكون التطليق بالثلاث لا يجوز كما يعلم ذلك فضيلتكم. أثابكم الله وسدد خطاكم وجزاكم عن الجميع خيرا. أما ما أشار إليه فضيلتكم من أن أهل البلاد إذا طلق أحدهم بالثلاث فلا يقصد بها إلا ثلاثا؛ لأن معظمهم أميون وليس لديهم سوى ظاهر ما يتلفظون به وأنه إذا فتح لهم المجال فربما يسلك هذه الطريقة الكثير منهم لعدم معرفتهم بما وراء ذلك، لقوة الجهل المخيم على عقولهم إلا من هدى الله فقد فهمته ولا يخفى على فضيلتكم أن مثل هذا الجهل وهذا الاعتقاد لا يمنع من إفتائهم بما يوافق الشرع وفيه فرج لهم وحل مشاكل عظيمة؛ لأن الغالب صدور الطلاق الثلاث في حال الغضب ثم الندم الشديد بعد ذلك وقد صح من حديث ابن عباس ما يدل على ما ذكرناه آنفا من اعتبار الثلاث إذا وقعت بلفظ واحد طلقة واحدة هذا أقل ما يحمل عليه الحديث وقد أخذ بذلك جم غفير من أهل العلم منهم ابن عباس في رواية صحيحة عنه ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة وغيرهما، وهو بعض ما اختاره(22/129)
شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمهما الله تعالى.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا لإصابة الحق في القول والعمل وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويمنحهم الفقه في الدين، إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/130)
74 - حكم الطلاق الثلاث أو أكثر بلفظ واحد
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سؤال: ما قولكم في رجل طلق ثلاثا أو سبعا لامرأته في مجلس واحد هل وقع الطلاق ثلاثا مغلظة أم واحدا رجعيا بينوا تؤجروا وقد كانت المرأة حاملا عند طلاقه حتى الآن؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1)
فهذه المسألة مسألة خلاف بين أهل العلم قديما وحديثا فيما إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو أكثر بلفظ واحد هل تقع ثلاثا
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته بتاريخ 25 \ 4 \ 1399هـ.(22/130)
وتبين المرأة بينونة كبرى أم تقع واحدة رجعية. الصواب في ذلك هو أنها تقع واحدة رجعية، لما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الطلاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنهما طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه (1) » وفي مسند أحمد بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن أبا ركانة طلق امرأته ثلاثا فحزن عليها فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنها واحدة (2) » وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله الكلام في هذه المسألة ورجح هذا القول وبين أدلته في كتبه الإعلام، وزاد المعاد، وإغاثة اللهفان من مكايد الشيطان، وإغاثة اللهفان في طلاق الغضبان، ومن أحب الاطلاع على كلامه فليراجع هذه الكتب أو ما يتيسر منها. والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
بالمملكة العربية السعودية
__________
(1) صحيح مسلم الطلاق (1472) ، سنن النسائي الطلاق (3406) ، سنن أبو داود الطلاق (2199) .
(2) سنن أبو داود الطلاق (2196) .(22/131)
75 - حكم من طلق بلفظ: (طلاقا باتا)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي بلجرشي وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 999 وتاريخ 1 \ 8 \ 1392 هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به المتضمنة بيان اعتراف زوجة س. ع. ق. وأخيها بأنهما لا يعلمان أنه وقع من الزوج المذكور على زوجته المذكورة طلاق سوى ما اعترف به وهو أنه طلقها طلاقا باتا بهذا اللفظ ولم يطلقها قبل ذلك ولا بعده ورغبتها وأخيها في العود إليه إذا أباح الشرع ذلك. وبناء عليه أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بهذا الطلاق طلقة واحدة وله مراجعتها مادامت في العدة فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (1600) في 26 \ 8 \ 1392هـ.(22/132)
على ذلك كما لا يخفى. فأرجو إشعار الجميع بذلك. أثابكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/133)
76 - حكم الطلاق بالثلاث المرتب بثم
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد حضر لدي الزوج س. غ. وزوجته كما حضر والدها وبسؤال الزوج عن أسباب الطلاق وصيغته وحالته وقت الطلاق وحال زوجته أفاد بما يلي:
بتاريخ 25 \ 3 \ 1414هـ حصل خلاف بيني وبين زوجتي ضربتها بسببه، ولما خرجت من بيتي خرجت هي إلى بيت أختها حيث لم تستطع البقاء بعد هذا الضرب؛ لأنها تسكن في مكان بعيد عن أهلها، وعندما عدت إلى منزلي لم أجدها فيه ولا أولادها، ذهبت إلى بيت أختها، ووجدت أخاها الصغير عند الباب أبلغتها بالعودة إلى الدار فتعللت بأنها مضروبة ولا تستطيع العودة، أخذتني العزة بالإثم وأنا في حال غضب شديد فقلت لها: أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق، غير عالم بمدلول صيغة الطلاق،(22/133)
أخذت أطفالي منها وعدت إلى بيتي حتى تم الصلح، صادفها الطلاق في حالة طهر لم أجامعها فيه ولم يسبق أن طلقتها من قبل ولا أن هذا الطلاق في المحكمة.
وبسؤال الزوجة عن صحة ما ذكره زوجها من حيث الأسباب الموجبة للطلاق وصيغته وأنها في طهر لم يجامعها فيه وقت الطلاق، أفادت بأن ذلك كله صحيح وقالت: بأنها لم تشاهده وقت النطق بالطلاق هل كان غضبان غضبا شديدا أم لا؛ لأنها كانت تسمع من داخل باب الدار ولكن يظهر من صوته وتهديده أنه غضبان وقالت: إن زوجها لم يسبق أن طلقها من قبل وأبدت استعدادها بالعودة إلى زوجها بشرط أن لا يضربها مرة ثانية ويحسن عشرتها كما وافق وليها إذا أباح الشرع ذلك وقالت: إنها لا تستطيع البعد عن أطفالها الصغار هذا ما تم استجوابه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
بناء على ما ذكره الزوج المذكور في كتابه المرفق وعلى ما أثبته فضيلتكم بكتابكم هذا فقد أفتيته بأن زوجته المذكورة قد
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (508 \ 1 \ ف) في 2 \ 5 \ 1414هـ.(22/134)
بانت منه بطلاقه المذكور بينونة كبرى ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ويطأها ثم يفارقها بموت أو طلاق وتخرج من العدة؛ لكونه استوفى الطلقات الثلاث حال كونها في طهر لم يجامعها، فأرجو إشعار الجميع بالفتوى المذكورة شكر الله سعيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم عبد العزيز بن عبد الله بن باز(22/135)
77 - مسألة في البينونة الكبرى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. ص. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ بعده (1)
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 9 \ 8 \ 1389هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنه جرى بينك وبين زوجتك سوء تفاهم فقلت لها: اسكتي وإلا أعطيك الورقة، قالت:
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (1949) في 22 \ 9 \ 1389هـ.(22/135)
تعني الطلاق، قلت: نعم، قالت: بعشر، فقلت: بعشر، فقالت: بمائة، فقلت: بمائة، فقالت: بألف، فقلت: بألف، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
والجواب: إذا كان الواقع ما ذكرت فإن طلاقك هذا منكر، ويجب عليك التوبة من ذلك ولا أرى لك سبيلا إليها حتى تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل، ويطأها لأن كل جملة من كلامك وقع بها طلقة، وبذلك استوفيت الطلقات الثلاث أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/136)
78 - حكم من طلق بقوله: هي طالق، هي طالق، هي طالق طلاق البتة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس المحكمة الشرعية الكبرى بالطائف وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (698) في 18 \ 7 \ 1391هـ.(22/136)
يا محب كتابكم الكريم رقم 1979 \ 2 وتاريخ 8 \ 4 \ 1391هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على صورة الضبط المرفقة به المتضمنة إثبات فضيلة القاضي بالمحكمة لديكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج ع. م. على زوجته وهو أن الزوج المذكور اعترف لدى فضيلته أنه طلقها في حال الغضب بقوله: هي طالق، هي طالق، هي طالق، كما اطلعت على ورقة الطلاق المرفقة، فوجدت أن الزوج المذكور اعترف فيها أنه طلق زوجته المذكورة، وهو في تمام وكمال قواه العقلية مختارا غير مجبر، بقوله: هي طالق، هي طالق، هي طالق، طلاق البتة.
وبناء على ذلك فالذي أرى أنها قد بانت منه بينونة كبرى، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطأها، لأنه قد استكمل الطلقات الثلاث بألفاظ متعددة وأكد ذلك بقوله: طلاق البتة، فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن جهودكم الطيبة خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/137)
79 - حكم تكرار الطلاق بقصد البينونة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ مساعد رئيس محاكم جيزان وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 535 وتاريخ 9 \ 9 \1390هـ الجوابي على كتابي رقم 1410وتاريخ 10 \ 8 \ 1390 هـ وصل وصلكم الله بهداه، واطلعت على المحضر المرفق به المتضمن إثبات فضيلتكم لصفة الطلاق الواقع من الزوج على زوجته وهو أنه قال لها بعد حدوث المهاوشة بينه وبين أخيها: مطلقة مطلقة مطلقة ثلاثا متلفظا بالنية ثلاثا ومادام أن هذا هو الواقع من المذكور فإن قوله ثلاثا، بعد قوله: مطلقة مطلقة مطلقة، يفيد أنه قصد الثلاث بألفاظ متعددة، وبذلك فلا أرى له سبيلا إلى زوجته المذكورة حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطأها كما لا يخفى، فأرجو إشعار الجميع بذلك أثابكم الله وشكر سعيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (1949) في 22 \ 9 \ 1390 هـ.(22/138)
80 - حكم قول: (فاسخة من ذمتي) كررها ثلاثا
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة رئيس محاكم المنطقة الشرقية وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 12 \ 3 \ 1390هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن صفة الطلاق الواقع من الزوج ع. ج. على زوجته وهو أنه طلقها هامسا بينه وبين نفسه بحيث يسمع نفسه فقط بقوله: زوجتي فاسخة من ذمتي، وكرر ذلك ثلاث مرات، متتابعة في مجلس واحد، يقصد بذلك طلاقها ثلاثا حيث يقصد من تكرير الثلاث تأسيس الطلقة الثانية والثالثة إلا أنه لم يتلفظ بصريح الطلاق، وإنما كنى عنه بما ذكر، وأن بعض عارفيه يسأله عن علاقته بها فيجيب بأنها مطلقة. كان معلوما.
__________
(1) صدرت برقم (7233) في 4 \ 5 \ 1390 هـ.(22/139)
وبناء على ذلك فالذي أرى أن الزوجة المذكورة قد بانت بهذا الطلاق بينونة كبرى ولا تحل للزوج المذكور حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطأها؛ لكونه استوفى الطلقات الثلاث بنيتها، وأسأل الله أن يعوض كل واحد منهما خيرا من صاحبه، وأن يجزل مثوبة فضيلتكم إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(22/140)
81 - حكم من طلق طلاقا باتا بثلاثة ألفاظ
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ي. سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
كتابكم المؤرخ بدون، وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنك طلقت زوجتك بلفظ واحد بتاريخ 26 \ 4 \ 1392هـ وراجعتها، ثم طلقتها بتاريخ 15 \ 7 \ 1392هـ،
__________
(1) صدرت برقم (1795) في 3 \ 10 \ 1392 هـ.(22/140)
وأرسلت إليها وثيقة الطلاق المرفقة صورتها، ثم بتاريخ 19 \ 7 \ 1392 هـ أقررت أمام القاضي والشهود بأنك طلقتها طلاقا باتا بثلاثة ألفاظ، وجرى إثبات ذلك في الصك الصادر من المحكمة الكبرى يحده المرفقة صورته، وأن نيتك حين أقررت بطلاقها أن يكون طلاقا باتا لا رجعة فيه وما زلت عند هذه النية إلى آخر ما ذكرت، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
والجواب: بناء على ما ذكرت آنفا تكون زوجتك قد خرجت من عصمتك وبانت منك بينونة كبرى وحرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك نكاحا شرعيا ويطأها، ونسأل الله أن يجعل الصالح في الواقع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/141)
82 - حكم من طلق بالثلاث ونوى بكل واحدة طلقة مستقلة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس المحكمة الكبرى بالطائف وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب اطلعت على ما أثبته فضيلتكم في الورقة المرفقة من صفة الطلاق الواقع من الزوج ع. ع. على زوجته وهو قوله لها بحال الغضب: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ثلاث مرات، وأتبعها بقوله: تحرمين علي وتحلين لغيري، وأنه يقصد بكل واحدة من الطلقات الثلاث طلقة مستقلة، وذلك لأنها هددته بإحراق نفسها إذا لم يطلقها.
بناء على ذلك فالذي أرى عدم حلها له حتى تنكح زوجا غيره؛ لكونه استوفي الطلقات الثلاث بكلمات متفرقة. فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________
(1) صدرت برقم (236) في 4 \ 2 \ 1389 هـ.(22/142)
83 - حكم قول أنت طالق طالق طالق بالثلاث المحرمات
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم.
ع. ع. سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 7 \ 9 \ 1392هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أن زوجتك تكلمت عليك بكلام غير لائق فقلت لها وأنت في حال الغضب: اذهبي إلى بيت أهلك فأنت طالق طالق طالق بالثلاث المحرمات والله ما عاد تحلين لي امرأة، تحلين لليهود ولا تحلين لي إلى آخر ما ذكرت كان معلوما.
والجواب: بناء على ما ذكرت فإن زوجتك المذكورة قد بانت منك بينونة كبرى، ولا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك، نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطأها؛ لكونك استكملت الطلقات الثلاث بكلمات متعددة، وبينت قصدك بقولك بالثلاث. وأسأل الله أن يعوض كل واحد منكما خيرا من صاحبه، وأن يحسن العاقبة للجميع إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (1800) في 3 \ 11 \ 1392هـ.(22/143)
84 - حكم قول أنت طالق ثم طالق ثم طالق تحلين للنصارى واليهود
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. ع. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب اطلعت على ما أثبته فضيلتكم بذيل الورقة المرفقة من صفة الطلاق الواقع من الزوج ن. س. ق. على زوجته وهو أنه قال لها: أنت طالق، ثم طالق، ثم طالق.
والجواب: الذي أرى عدم حلها له حتى تنكح زوجا غيره، لكونه استوفى النصاب بكلمات متعددة، وعليه التوبة من طلاقه المذكورة لأن التطليق بالثلاث لا يجوز كما يعلم ذلك فضيلتكم، وقد ذكر المذكور في سؤاله المرفق أنه قال لزوجته: هي محرمة عليه وتحل للنصارى واليهود، وهذا كلام لا يجوز صدوره من المسلم من جهتين، لأنه لا يجوز له تحريمها، ولأن المسلمة محرمة على النصارى واليهود. فأرجو تنبيهه على ذلك. وأسأل الله أن يعوض كلا منهما
__________
(1) صدرت برقم (1896) في 12 \ 11 \ 1388هـ.(22/144)
خيرا من صاحبه، وأن يجزيكم عن جهودكم خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/145)
85 - قال لها: طالق ثم طالق ثم طالق
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة قاضي صبح بالحمر وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم (384) وتاريخ 11 \ 5 \ 1394هـ وصل وصلكم الله برضاه واطلعت على الاستدعاء المرفق به المقدم لفضيلتكم من المدعو \ م. س. المتضمن إفادته أنه طلق زوجته بقوله: طالق ثم طالق ثم طالق، ورغبته في الفتوى. أفيد فضيلتكم بأن الذي أرى عدم حلها له حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطأها، لكونه استوفى الطلقات الثلاث بألفاظ متعددة متعاقبة، فأرجو إشعاره وولي مطلقته بذلك. وأسأل الله أن يعوض كلا منهما خيرا من صاحبه إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (1496 \ خ) في 28 \ 6 \ 1394هـ.(22/145)
86 - مسألة في الطلاق البائن
حضر عندي الزوج م. أ. وأقر بأنه طلق زوجته طلقة واحدة وراجعها، وذلك من نحو سنة أو أكثر ثم قال لأهله: أخرجوا الراديو والتلفزيون من البيت، وإذا عادا إلى البيت فهي طالق الطلقتين الباقيتين، حلال لغيري حرام علي مبتوتة وإذا رأتهما عند غيري فهي كذلك، وكلما عاد الراديو والتلفزيون إلى البيت فهي كذلك، وقد عادا إلى البيت ورأتهما في الخارج مرات كثيرة هكذا اعترف، وبسؤاله عن قصده أجاب بأنه يقصد منعها ويقصد إيقاع الطلاق إن فعلت، هكذا أجاب، واستفتاني في ذلك.
بناء على ذلك أفتيته بأن الطلقتين الباقيتين قد وقعتا على زوجته المذكورة؛ لوقوع الشرط الذي قد علقتا عليه غير مرة، وبذلك بانت منه وحرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره؛ لكونه استوفى الطلقتين الباقيتين بوقوع الشرط المعلقتين عليه أكثر من مرة، ونسأل الله أن يعوض كلا منهما خيرا من صاحبه وأن يصلح حال الجميع، قاله وأثبته الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز(22/146)
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سامحه الله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه (1)
__________
(1) صدرت برقم (581) في 11 \ 4 \ 1392هـ.(22/147)
87 - حكم من طلق بقوله (أنت طالق فطالق فطالق)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 19 \ 1 \ 1393هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أنك طلقت زوجتك بقولك لها أنت مطلقة ثم مطلقة وراجعتها بعد تسعة أيام من وقوع الطلاق ثم بعد مضي مدة من الزمن طلقتها كتابة ثلاث طلقات بهذا النص طالق فطالق إلى آخر ما ذكرت ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
إذا كان الواقع من الطلاق ما ذكرت فإنها قد بانت منك بينونة كبرى ولا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة لا
__________
(1) صدرت برقم (1439) في 14 \ 3 \ 1393 هـ.(22/147)
نكاح تحليل ويطأها؛ لكونك استوفيت الطلقات الثلاث بألفاظ متعددة وقد قال الله تعالى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1) الآية، والمراد بهذا الطلاق الطلقة الثالثة بإجماع أهل العلم، أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان، وعوض كل واحد منكما خيرا من صاحبه، إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 230(22/148)
88 - حكم قول: مطلقة بالثلاث الحارمة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ز. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1)
كتابكم المؤرخ 20 \ 6 \ 1393هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنه حصل بينك وبين زوجتك سوء تفاهم وحمقت عليها جدا وطلقتها الطلاق الآتي وهو أنك قلت لها لما طلبت الطلاق: مطلقة بالثلاث الحارمة فقالت: زدني فقلت لها: لك مثلها فقالت: زدني فقلت لها: لك مثلها فقالت: زدني فقلت لها: لك مثلها ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
__________
(1) صدرت برقم (1762 \ خ) في 6 \ 8 \ 1393 هـ.(22/148)
لا أرى لك سبيلا إليها حتى تنكح زوجا غيرك، لأنك استوفيت الطلقات التي تبينها منك وعليك التوبة من ذلك، لأن التطليق بالثلاث وما أكثر منها أمر لا يجوز، أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان وأحسن العاقبة لكما جميعا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/149)
89 - مسألة في الطلاق البائن
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس محاكم منطقة جيزان وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 1253 وتاريخ 23 \ 6 \ 1392هـ وصل وصلكم الله بهداه وهذا نصه: (وبعد فنبعث لسماحتكم طيه الاستدعاء المقدم إلينا من الزوج المدعو \ ع. م. المتضمن أنه حصل بينه وبين زوجته خصام أدى به إلى أنه طلقها بموجب الورقة المرفقة، وكان طلاقه لها في حال انفعال إذ تعتريه
__________
(1) صدرت برقم (1308) في 8 \ 7 \ 1392هـ.(22/149)
حالات عصبية حسبما جاء باستدعائه، وأنه يقصد من كلمة مطلقة مطلقة الثانية والثالثة تأكيدا للأولى ولم يقصد تحريمها عليه البتة، ولم يسبق أن طلق زوجته قبل هذه المرة ولا بعدها، نأمل في اطلاع سماحتكم على الطلاق الصادر من المستدعى لزوجته المذكورة، وإفادة المستفتي بما ترونه) انتهى، وقد اطلعت على ورقة الطلاق المرفقة فوجدتها تنص على ما يلي: (أقرر أنا الموقع اسمي أدناه ع. م. المالك لكامل قواي العقلية وأنا في حالة هادئة بأن زوجتي ل. ح. مطلقة مطلقة مطلقة ثلاثا دون رجعة وأذنت لمن يشهد والله خير الشاهدين) انتهى.
وبناء على ذلك أفيدكم أني لا أرى له سبيلا عليها حتى تنكح زوجا غيره؛ لكونه أكد قوله مطلقة مطلقة مطلقة بقوله: ثلاثا دون رجعة، وهذا يدل على قصده إيقاع الثلاث وأنه لم يقصد التأكيد باللفظ الثاني والثالث كما لا يخفى. فأرجو إشعاره وولي المرأة بذلك، شكر الله سعيكم وبارك في جهودكم وعوض كلا منهما خيرا من صاحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/150)
90 - مسألة في البينونة الكبرى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ط. أ. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
كتابكم المؤرخ 28 \ 5 \ 1393هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أن المرض بلغ بك أشده حتى نحل جسمك وأنه في يوم من الأيام بلغ بك الحمق على زوجتك مبلغه فطلقتها بقولك: أنت طالق، وطالق، وطالق، وكررت ذلك مرارا وحرمتها كبنتك وأنك قلت هذا كله وأنت تملك قواك العقلية ولم تفقد شعورك، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
وبناء على ما ذكر لا أرى لك سبيلا إليها حتى تنكح زوجا غيرك، ونسأل الله أن يجعل الصالح في الواقع وأن يعوض كلا منكما خيرا من صاحبه وأن يحسن الخاتمة للجميع إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (1774 \ خ) في 8 \ 8 \ 1393 هـ.(22/151)
91 - حكم من كرر الطلاق ثلاثا وأحجم عن مقصوده
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ قاضي ظهران الجنوب وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 996 وتاريخ 13 \ 8 \ 1393 هـ الجوابي لكتابي رقم 1202 وتاريخ 5 \ 6 \ 1396هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة عن إحجام الزوج م. ع. عن بيان قصده بقوله لزوجته طالق طالق طالق كان معلوما،
وبناء على ذلك فليس له العود إليها حتى تنكح زوجا غيره كما أوضحت ذلك في كتابي المذكور آنفا. فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (2423) في 19 \ 10 \ 1393 هـ.(22/152)
92 - مسألة في الطلاق البائن
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس المحكمة الكبرى بأبها وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم رقم 859 وتاريخ 27 \ 1 \ 1394هـ وصل وصلكم الله بهداه وما به علم، وقد اطلعت على الاستدعاء المرفق به المقدم لفضيلتكم من الزوج س. ن. المتضمن إفادته أنه حصل بينه وبين زوجته شجار بسيط وتطور إلى أن طلبت منه طلاقها وألحت في الطلب، وفي ثورة الغضب طلقها طلقة واحدة، فألحت في طلب طلاق الثلاث فطلقها طلقة ثانية، فأصرت على طلبها فطلقها الطلقة الثالثة،
والذي أرى أنه لا سبيل له عليها حتى تنكح زوجا غيره؛ لكونه استوفى الطلقات الثلاث بكلمات متعاقبة تحقيقا لطلب زوجته المذكورة، وأسأل الله أن يجعل الصالح في الواقع وأن يعوض كلا منهما خيرا من صاحبه، إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت برقم (703) في 2 \ 4 \ 1394 هـ.(22/153)
93 - حكم من طلق طلاقا باتا بالثلاث
حضر عندي والد الزوجة ع. أ. وحضر معه الزوج ح. ع. واعترف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته طلاقا باتا بالثلاث؛ لأسباب عارضة وقال: إنه كتب الطلاق بالثلاث بكلمة واحدة ولم يتلفظ بشيء ولم يحضره أحد ولم يطلقها سوى ذلك، وبسؤال والد الزوجة المذكور أجاب بأنه لا يعلم شيئا عن الطلاق المذكور إلا من قول زوج ابنته وأجاب أيضا بأنه لا يعلم أن الزوج طلقها سوى هذا الطلاق، واتفقا جميعا على أنها وضعت حملها بعد الطلاق، واستفتاني في ذلك، فأفتيتهما بأنه قد وقع على زوجته بهذا الطلاق طلقة واحدة، وللزوج الرجوع لها بنكاح جديد، لكونها قد خرجت من العدة بوضع الحمل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، ثم أجرى والد الزوجة المذكورة عقد النكاح على ابنته المذكورة للزوج المذكور على مهر مائة ريال، وقد صدر الإيجاب الشرعي من والد الزوجة والقبول الشرعي من الزوج على الوجه المذكور، وذلك بحضرة جماعة من(22/154)
المسلمين منهم الشيخ س. م. ع. والشيخ ح. م. أ. قاله وأثبته الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله (1) .
__________
(1) صدرت من سماحته برقم (1560) في 27 \ 9 \ 1388هـ.(22/155)
94 - مسألة في البينونة الكبرى
سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية الإفتاء والدعوة والإرشاد سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إجابة لسؤال سماحتكم في الخطاب المرفق عن أسباب غضب المطلق إ. م. أ. عليه، نفيد سماحتكم بأنه تم سؤال الزوج عن أسباب ذلك الطلاق فقال: إنني ذهبت بزوجتي إلى بيت أختها لتحضر عرسا وقلت لها: لا يأتي المغرب إلا وأنت في البيت فتأخرت إلى الساعة الحادية عشرة ليلا، فذهبت لها وقلت لها: لا تخرجين حتى يأتي أخوك يأخذك لبيت أبيك وأنا ذهبت لأخبر أخاها ليأخذها وأثناء ذهابي إلى أخيها خرجت هي وأختها إلى بيتي، ولما رجعت لمنزلي وجلست ما يقارب خمس دقائق فإذا هي(22/155)
تضرب الباب، فخرجت لأفتح الباب فمنعتها من دخول المنزل، وأخيرا سمحت لها بأخذ ملابس وحليب أولادها ثم ذهبت إلى بيت والدها وكنت غاضبا غضبا شديدا عليها وبسؤال أخي الزوجة عن صحة هذه الأسباب فقال: ما ذكره صحيح.
وبالاتصال تلفونيا بزوجة المذكور وسؤالها عن الأسباب قالت ما ذكره صحيح غير أني لم أسعه قال لي: لا يأتي المغرب إلا وأنت في البيت. ثانيا: لم يكن مفتاح الشقة عندي. ثالثا: أنا رجعت لبيت زوجي أنا وأختي وابنها، وقالت: إنه كان في شدة الغضب.
وبسؤال الزوج هل استمر غضبه حتى وقت طلاقه في اليوم الثاني، قال: نعم كنت في شدة الغضب، وبسؤال أخي الزوجة عن شدة غضبه، قال: كان غاضبا ولكن لا أستطيع تحديد غضبه.
يا سماحة الرئيس: هذا ما أخبرنا به الزوج بعد سؤاله هو وأخو الزوجة وأيضا زوجته بعد الاتصال بها تلفونيا، علما أنه لم يذكر لنا عندما سألناه في المرة الأولى غير ما ذكرناه فالذي نلخصه مما سبق ما يأتي:(22/156)
أولا: تأخرها عن الرجعة. ثانيا: خروجها من عند أختها وقد أخبرها ألا تخرج. ثالثا: خروجها هي وأختها بدون محرم كما ذكر هو، وأيضا في ساعة متأخرة من الليل. آمل بعد اطلاع سماحتكم النظر في موضوعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
بناء على ما أثبته فضيلتكم من صفة الواقع. أفتيت الزوج إ. المذكور بأن زوجته قد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يفارقها بموت أو طلاق بعد الدخول بها وتخرج من العدة.
__________
(1) صدرت برقم (258) في 25 \ 4 \ 1413 هـ.(22/157)
95- مسألة في الطلاق البائن
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. أ. ز. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1)
__________
(1) صدرت برقم (2484) في 4 \ 12 \ 1389 هـ.(22/157)
فقد وصل إلي كتابكم المؤرخ بدون، وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنه وقع منك كتابة ما يلي:
(أقرر أنا ع. أ. بأنني طلقت زوجتي طلقتين بائنتين فهي طالق طالق ولا حول ولا قوة إلا بالله) .
وذلك في شهر رجب من عام 1385هـ وكانت حاملا، وفي اليوم الثاني من وقوع الطلاق استرجعتها إلى آخر ما ذكرت، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
والجواب: قد اطلعت على ما أرفق به من فتوى الشيخ ع. ظ. والشيخ أ. هـ. مفتي مصر وحكم رئيس المحكمة الكبرى بمكة، والذي أرى هو صحة ما حكم به الشيخ س. وهو الموافق لما نقله فضيلة مفتي مصر عن مذهب أبي حنيفة، وهو مقتضى كلام أهل العلم في هذه المسألة، لأنك طلقتها أولا طلقتين ثم راجعتها ثم طلقتها بالثلاث، وبذلك استوفيت الطلقة الباقية لك وبانت بها زوجتك المذكورة بينونة كبرى. وأسأل الله عز وجل أن يجعل الصالح في الواقع وأن يعوض كل واحد منكما خيرا من صاحبه، إنه جواد كريم. وهذه الفتوى هي مقتضى قول الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة البقرة: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 230(22/158)
وهذه هي الطلقة الثالثة؛ سبحانه قد ذكر قبلها طلقتين في قوله سبحانه: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 229(22/159)
96- حكم إنكار الزوج
وطء زوجته بعد طلاقها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ رئيس محكمة الضمان والأنكحة بالرياض وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد (1) :
فقد وصلني كتابكم الكريم رقم 1284 وتاريخ 12 \ 9 \ 1395هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من السؤال عن امرأة تقدمت إلى فضيلتكم تذكر أنها مطلقة بالثلاث من زوجها وأنها تزوجت بعده ص. ع. ع. ودخل بها، ولما أحضر فضيلتكم
__________
(1) صدرت برقم (2658) في 10 \ 10 \ 1395 هـ.(22/159)
الزوج المذكور وسألتموه أقر بالنكاح وانتقالها معه في بيته وسكناها بجانبه شهرين، ولكنه أنكر جماعها زاعما أنها لم تمكنه من ذلك مع كونه قادرا على الجماع، ورغبتكم في الإفادة بما نرى كان معلوما.
والجواب: ذكر صاحب المغني والشرح الكبير في المجلد الثامن من الكتابين المذكورين صفحة 501 أن المرأة يقبل قولها في ذلك وتحل لزوجها الأول ما لم يكذبها، وذكرا أن ذلك هو مذهب الشافعي - رحمه الله - ولم ينقلا عن غيره خلافا، وهو واضح، لأن الظاهر معها وهو متهم في إنكاره للجماع؛ لكونها لم تحسن عشرته حسب قوله، فيتهم بقصد منعها من زوجها الأول، ولأن الظاهر جماعه لها؛ لأن الغالب على الأزواج إذا خلوا بالمرأة مع القدرة هو حصول الجماع، فإنكاره ذلك خلاف الظاهر؛ ولأن ذلك لا يعلم إلا من طريقهما، وقد اعترفت به وليس هناك ما يدفع اعترافها، فوجب تصديقها ما لم يكذبها زوجها الأول، والله سبحانه وتعالى أعلم، وأسأل الله أن يمن على الجميع بالفقه في الدين والثبات عليه إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/160)
كتاب الظهار(22/161)
صفحة فارغة(22/162)
97 - حكم من حرم زوجته
عليه وحلف ألا تكون له زوجة
المكرم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد:
أفيدكم أنني رجل فقير وليس عندي سوى راتبي الذي أتقاضاه من وظيفتي حيث أعمل جنديا بسلاح الحدود، وقد حصل مني أن حرمت زوجتي بحرمة أمي (ثم حلفت بأن لا تكون لي زوجة) وقد ندمت على ما حصل مني حيث أنها حامل، أرجو أن تفتوني في أمري هذا؛ إذا ترون لي طريقة أراجع بها زوجتي.
كما أرجو من الله ثم من فضيلتكم أن يكون الرد خطيا جزاكم الله خيرا.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ بعده (1) :
إذا كان الواقع هو ما ذكرته أعلاه فالواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه؛ لأن تحريم الزوجة أمر لا يجوز، وقد سماه الله سبحانه منكرا من القول وزورا، وعليك عن ذلك كفارة الظهار وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 1335 في 13 \ 9 \ 1398هـ(22/163)
فإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو أرز أو غيرهما قبل أن تمسها، أما حلفك بأنها لا تكون زوجة لك فعليك عنه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، وإن غديتهم أو عشيتهم أو كسوتهم كفى ذلك، وأسأل الله أن يعيذنا وإياكم وسائر المسلمين من نزغات الشيطان ومن شر النفس وسيئات العمل، إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(22/164)
98- حكم من قال لزوجته: أنت حرام علي
حضر عندي من سمى نفسه أ. ع. ومن سمت نفسها ف. م. وحضر معهما معرفا بهما من سمى نفسه أ. أ. واعترف الزوج المذكور بأنه طلق زوجته المذكورة طلقة واحدة في محرم من عام 1393 هـ، ثم إن بعض الناس أشار عليه بالمراجعة فقال: هي حرام علي، ولم يطلقها قبل هذا الطلاق ولا بعده، وكان ذلك بعد الدخول بها، وبسؤال الزوجة المذكورة عن ذلك، أجابت بأن هذا هو الواقع، واعترفا جميعا بأنه راجعها بعد الطلقة المذكورة بليلة(22/164)
واحدة واستفتياني في ذلك،
فأفتيهما بأنه قد وقع على زوجته بهذا الطلاق طلقة واحدة، ومراجعته لها صحيحة، وعليه كفارة الظهار عن التحريم المذكور، ولعجزه عن العتق والصيام حسب قوله أفتيته، بأن عليه أن يطعم ستين مسكينا قبل أن يمسها، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من التمر أو غيره، وعليه التوبة من تحريمه المذكور؛ لأن تحريم الزوجة وغيرها مما أباح الله أمر لا يجوز، أصلح الله حال الجميع (1) .
قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سامحه الله، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 2343 في 23 \ 10 \ 1393هـ.(22/165)
99- حكم قول لو لم يبق
من النساء غيرك فأنت علي حرام
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ي. م. ي. قاضي رفحاء وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 1043 في 17 \ 6 \ 1390هـ.(22/165)
يا محب كتابكم الكريم رقم 45 وتاريخ 26 \ 4 \ 1390هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من م. ث. ح. وهو: أنه حصل بينه وبين زوجته وأخيها خصام واشتد به الغضب، وقال لها: إذا وافقك خير فوافقيه، وفي المجلس في الحال زاد الخصام فقال: تراك بالثلاث، واندفع فقال: لو لم يبق من النساء غيرك فأنت علي حرام، ثم ندم وراجعها في الحال، ومصادقة المرأة وأخيها له في ذلك، وأن ذلك وقع من عدة سنوات وأنه لم يسبق طلاق غير ما ذكر.
وبناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بذلك طلقتان إحداهما بقوله: إذا وافقك خير فوافقيه، والثانية بقوله: تراك بالثلاث، ومراجعته لها صحيحة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن طلاقه الأخير يعتبر طلقة واحدة كما لا يخفى، أما قوله: لو لم يبق من النساء غيرك فأنت علي حرام، فإن عليه عن ذلك كفارة الظهار، وترتيبها لا يخفى على فضيلتكم ولا يقربها حتى يؤدي الكفارة المذكورة، فأرجو من فضيلتكم إبلاغ الجميع بالفتوى المذكورة، وأمر الزوج بالتوبة من طلاقه الأخير وتحريمه؛ لأن ذلك كله منكر كما يعلم(22/166)
ذلك فضيلتكم، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/167)
100- حكم قول (محرمة طالقة طالقة طالقة)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. م. ش. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتابكم الكريم المؤرخ 17 \ 7 \ 1390هـ الجوابي على كتابي رقم 1224 وتاريخ 9 \ 7 \ 1390 هـ وصل، وصلكم الله بهداه، وفهمت ما أثبته فضيلتكم من صفة الطلاق الواقع من إ. خ. ح. على زوجته وهو أنه قال لها في حال الغضب: محرمة طالقة طالقة طالقة، ولم يطلقها قبل ذلك، وذلك بعد سماعكم لأقوال المذكور ومطلقته وابنها منه البالغ من العمر عشرين عاما، وأخيها الذي كان وليها قبل بلوغ ابنها الرشد؛ ولكون الزوج المذكور قد اعترف لدي كما هو مدون في كتابي المرفق رقم
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية برقم 1344 في 3 \ 8 \ 1390 هـ.(22/167)
1224 وتاريخ 9\7\1390 هـ بأنه لم يقصد الثلاث ولا غيرها ولم يطلق قبل ذلك.
بناء على ذلك أفتيت الزوج المذكور بأنه قد وقع على زوجته المذكورة بطلاقه المنوه عنه طلقة واحدة، ويعتبر اللفظ الثاني والثالث مؤكدين للفظ الأول، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإن كانت قد خرجت من العدة لم تحل له إلا بنكاح جديد بشروطه المعتبرة شرعا، وعليه كفارة الظهار عن تحريمه، وترتيبها لا يخفى على فضيلتكم ولا يقربها حتى يقوم بالكفارة المشار إليها.
فأرجو إشعار الجميع بذلك، أثابكم الله وشكر سعيكم وجزاكم عن الجميع خيرا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/168)
كتاب العدد(22/169)
صفحة فارغة(22/170)
باب عدة المطلقة والمختلعة(22/171)
صفحة فارغة(22/172)
101 - من طالت مدة بعدها
عن زوجها هل تعتد بعد طلاقها
س: إذا طلقت المرأة بعد نشوز طالت مدته إلى سنة أو سنتين، أو أقل، وإنما مضت مدة استبراء الرحم قبل الطلاق، أفتلزمها العدة أم يجوز أن تتزوج ولا عدة عليها؟ علما بأن زوجها قد طلقها على عوض، ولا يرغب في الرجعة؟ (1)
ج: إذا طلقت المرأة وجبت عليها العدة بعد الطلاق، ولو طالت مدتها بعيدة عن زوجها؟ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (2) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر زوجة ثابت بن قيس لما اختلعت منه أن تعتد بعد الخلع بحيضة، والصواب أنه يكفي المختلعة حيضة واحدة بعد الطلاق؛ لهذا الحديث الشريف، وهو مخصص للآية الكريمة المذكورة آنفا، فإن اعتدت المختلعة - وهي المطلقة على مال- بثلاث حيضات، كان ذلك أكمل وأحوط، خروجا من خلاف بعض أهل العلم القائلين بأنها تعتد بثلاث حيضات لعموم الآية المذكورة.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1687) بتاريخ 29 ذي الحجة 419 / 1 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 228(22/173)
102 - غاب عنها زوجها عشرين سنة ثم طلقها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ ع. س. ف. نائب القاضي بمحكمة ظفار - وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
يا محب كتاباكم الكريمان المؤرخان 28 \ 2 \ 1392هـ و4 \ 3 \ 1932 هـ وصلا وصلكم الله برضاه واطلعت على السؤال المرفق بهما وهذا نصه وجوابه:
السؤال: رجل تغيب عن زوجته في السفر لمدة عشرين سنة وبعد هذه المدة أرسل لها طلاقها بالخلع طلاقا صحيحا وتريد هذه المرأة أن تتزوج فهل عليها عدة حيث إن زوجها سافر عنها من مدة عشرين سنة ولم يباشرها وهل العدة لاستبراء الرحم أم لغير ذلك؟
والجواب: إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا ريب أن عليها العدة؛ لأن العدة لا تكون إلا بعد الطلاق ولو طالت غيبة الزوج عن المطلقة؟ لقول الله سبحانه: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (2)
__________
(1) صدرت برقم 845 في 21 \ 5 \ 1392هـ.
(2) سورة البقرة الآية 228(22/174)
أما الحكمة في ذلك فقد ذكر العلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتاب (إعلام الموقعين) بحثا نفيسا في هذا الموضوع، كما ذكر أن الحكمة لا تختص بقصد براءة الرحم بل هناك حكم أخرى؛ ولهذا وجبت العدة على المتوفى عنها زوجها وإن لم يدخل بها، وإن كانت صغيرة ليست ممن يظن بها الحمل وهكذا الآيسة؛ وبذلك يعلم أن لله سبحانه حكما في العدد سوى براءة الرحم، لكن إذا كانت المرأة التي ذكرتم قد بذلت له مالا فطلقها على ذلك فإنها تكون بذلك مختلعة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن المختلعة يكفيها حيضة واحدة، وقد أفتى بذلك عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وجماعة من السلف والخلف، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم - رحمة الله عليهما - وهو الصواب إن شاء الله، ولا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك خوفا من فوات الكفء إذا طلب منه الانتظار إلى مضي ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر في حق الآيسة ونحوها، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه إنه جواد كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/175)
103 -
عدة من طلبت الخلع
س: هناك امرأة سافر عنها زوجها وهي حامل، وقد وضعت له ابنا وهو غائب عنها، وكان مريضا في سفره، والمرأة لا تحصل على مصاريف منه، وبعد مدة طلبت تطليقها خلعا منه، وهو غائب طلقها قبل أن يجامعها بعد وضع الحمل. أفعلى المرأة عدة لزوجها السابق، أم تسقط عنها العدة بسبب عدم الجماع بينهما بعد الولادة؟ أفيدونا أفادكم الله (1) .
ج: المطلقات عليهن عدة ولو كان الزوج قد تركها مدة طويلة لم يجامعها في حال الحمل وبعد الحمل؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (2) وهذا يعم جميع المطلقات المدخول بهن، فكل امرأة دخل بها الزوج ثم طلقها؛ فإن عليها العدة، ولو كان طلاقه لها بعد الولادة، ولو لم يجامعها بعد ذلك، فإنها تعتد؛ لعموم الآية الكريمة وما جاء في معناها.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1672) بتاريخ 28 شعبان 1419 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 228(22/176)
ولكن اختلف العلماء أتعتد المخلوعة ثلاثا أم بحيضة واحدة؟ وهذه التي سألت عنها مخلوعة، إذا كانت فرضت له مالا، أو أعطته مالا حتى خلعها؛ فالصواب أنه يكفيها حيضة واحدة؛ لحديث الربيع بنت معوذ لما خالعت زوجها، أمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد بحيضة، وهكذا جاء حديث ثابت بن قيس.
فالمقصود أن المخلوعة التي طلقها زوجها على مال، إن اعتدت بثلاث حيض، فهذا أفضل وأحوط، وفيه الخروج من خلاف العلماء، وإن اعتدت بحيضة واحدة كفاها ذلك، في أصح قولي أهل العلم؛ لما ثبت في هذا من السنة المشار إليها، والله ولي التوفيق.(22/177)
104- لا يحل النكاح لمن طلق الرابعة حتى تنتهي عدتها
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم \ أ. ع. ب. وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده (1) :
__________
(1) صدرت برقم 956 في 2 \ 6 \ 1391 هـ.(22/177)
كتابكم المؤرخ 27\4\1391 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤال، كان معلوما، وهذا نصه وجوابه:
س: ما حكم الشرع الشريف في رجل تزوج من أربع نساء، وطلق إحداهن الطلقة الأولى، وفي أثناء عدتها أراد الزوج الزواج من امرأة أخرى تمام الرابعة فهل يسمح له الشرع في الزواج قبل انتهاء عدة المطلقة؟
ج: لا يجوز له الزواج بامرأة رابعة قبل انتهاء عدة الزوجة الرابعة التي طلقها إذا كان الطلاق رجعيا بإجماع المسلمين؛ لأن المطلقة الرجعية لها حكم الزوجات، أما إذا كان الطلاق بائنا ففي جواز نكاح الخامسة خلاف بين العلماء والأحوط تركه حتى تنتهي عدة المطلقة.
وأسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دينه والثبات عليه إنه خير مسئول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/178)
105 -
أقل مدة الحمل
س: لقد غبت عن زوجتي سنة كاملة ولم تدر أين مقري، ثم عدت إليها وجلست معها ثمانية أشهر وخمسة وعشرين يوما، ووضعت خلال هذه الفترة التي عشتها معها ولدا فشككت في الخمسة أيام الناقصة من الشهر التاسع. أفيدوني ماذا أفعل؟ (1)
ج: ليس في ولادة المرأة في أقل من تسعة أشهر ما يوجب الريبة، وأقل مدة الحمل ستة أشهر، كما قال الله سبحانه: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (2) وقال عز وجل: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (3) فدل ذلك على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فإذا ولدت المرأة في الشهر السابع أو ما بعده فليس في ذلك ريبة، وبالله التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1705) بتاريخ 8 جمادى الأولى 1420 هـ.
(2) سورة الأحقاف الآية 15
(3) سورة لقمان الآية 14(22/179)
106 - عدة الحامل عموما وضع الحمل
س: قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (1) هل هي خاصة بالمتوفى عنها زوجها، وعن المطلقة إذا وضعت حملها هل عليها عدة أم انتهت، وعن المتوفى عنها زوجها وهي حامل هل لها مصرف حتى تضع الحمل، أم ليس لها إلا ما خصها من الإرث؟ (2)
ج: إن الآية عامة تعم المتوفى عنها والمطلقة والمخلوعة والمفسوخة من جهة الحاكم بمسوغ شرعي كل واحدة منهن إذا كانت حاملا تخرج من العدة بوضع الحمل؛ للآية المذكورة وهي قوله سبحانه: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (3) ولما ثبت في الصحيحين «أن سبيعة الأسلمية - رضي الله عنها - وضعت حملها بعد وفاة زوجها بليال، فاستفتت النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فأفتاها بأنها قد خرجت من العدة من حين وضعت
__________
(1) سورة الطلاق الآية 4
(2) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة.
(3) سورة الطلاق الآية 4(22/180)
حملها، وأذن لها في الزواج متى بدا لها ذلك (1) » . وهذا قول أهل العلم جميعهم، إلا خلافا شاذا يروى عن بعض السلف أن المتوفى عنها زوجها تعتد بأطول الأجلين وهو قول لا يعول عليه؛ لكونه مخالفا للآية الكريمة والحديث الشريف.
أما نفقة المتوفى عنها إذا كانت حاملا فهي عليها وليس على التركة من ذلك شيء في أصح أقوال العلماء.
وفق الله الجميع للفقه في دينه والثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري تفسير القرآن (4910) ، صحيح مسلم الطلاق (1485) ، سنن الترمذي الطلاق (1194) ، سنن النسائي الطلاق (3511) ، مسند أحمد بن حنبل (6/320) ، موطأ مالك الطلاق (1253) ، سنن الدارمي الطلاق (2279) .(22/181)
صفحة فارغة(22/182)
صفحة فارغة(22/183)
صفحة فارغة(22/184)
بيان ما يلزم
المحدة على زوجها من الأحكام (1)
أولا: تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك.
ثانيا: تجتنب الملابس الجميلة وتلبس ما سواها.
ثالثا: تجتنب أنواع الطيب ونحوها إلا إذا طهرت من حيضها فلا بأس أن تتبخر بالبخور.
رابعا: تجتنب الحلي من الذهب والفضة والماس وغيرها سواء كان ذلك قلائد أو أسورة أو غير ذلك.
خامسا: تجتنب الكحل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى المحدة عن هذه الأمور كلها.
__________
(1) نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (14) ص 325 عام 1405 هـ.(22/185)
ولها أن تغتسل بالماء والصابون والسدر متى شاءت، ولها أن تكلم من شاءت من أقاربها وغيرهم، ولها أن تجلس مع محارمها وتقدم لهم القهوة والطعام ونحو ذلك، ولها أن تعمل في بيتها وحديقة بيتها وأسطحة بيتها ليلا ونهارا في جميع أعمالها البيتية كالطبخ والخياطة وكنس البيت وغسل الملابس وحلب البهائم ونحو ذلك مما يفعله غير المحدة، ولها المشي في القمر سافرة كغيرها من النساء ولها طرح الخمار عن رأسها إذا لم يكن عندها غير محرم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(22/186)
108 - ما يشرع للمعتدة للوفاة
س: ماذا يشرع للمعتدة للوفاة؟ (1)
ج: يجب عليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا، إذا لم تكن حاملا، لقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (2) إلا أن تكون حاملا، فعدتها تنتهي بوضع الحمل؛ لقول الله سبحانه: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (3) ويجب عليها أن تجتنب الملابس الجميلة والكحل والطيب، إلا إذا طهرت من حيضها فلا بأس أن تتعاطى شيئا من الطيب. وعليها أن تجتنب الحلي من الذهب والفضة وغيرهما. وعليها أيضا اجتناب الحناء في يديها ورأسها. وإنما تمشط بالسدر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى المحادة عما ذكرنا.
ولا بأس أن تستعمل الشامبو والصابون والأشنان؛ لأن ذلك غير داخل في النهي. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة (الدعوة) وأجاب عنه سماحته بتاريخ 5\4\1418 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 234
(3) سورة الطلاق الآية 4(22/187)
109 - مسألة فيما يلزم المتوفى عنها زوجها
س: الأخت ل. م. تسأل عن ماذا يلزم امرأة مات عنها زوجها؟ (1)
ج: المحادة جاء في الأحاديث ما ينبغي أن تمتنع عنه، وهي مطالبة بأمور خمسة:
الأمر الأول: لزوم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه تقيم فيه حتى تنتهي العدة، وهي أربعة أشهر وعشرا، إلا أن تكون حبلى، فإنها تخرج من العدة بوضع الحمل، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2) ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض وشراء حاجتها من السوق كالطعام ونحو ذلك إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك، وكذلك لو انهدم البيت، فإنها تخرج منه إلى غيره، أو إن لم يكن لديها من يؤنسها وتخشى على نفسها، لا بأس بذلك عند الحاجة.
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) في جمادى الأولى عام 1411 ونشر في (كتاب الدعوة) ج2 ص 142.
(2) سورة الطلاق الآية 4(22/188)
الأمر الثاني: ليس لها لبس الجميل من الثياب لا أصفر ولا أخضر ولا غيره، بل تلبس من الثياب غير الجميل، سواء أكان أسود أو أخضر أو غير ذلك، المهم أن تكون الثياب غير جميلة، هكذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الأمر الثالث: تجنب الحلي من الذهب والفضة والماس واللؤلؤ، وما أشبه ذلك سواء أكان ذلك قلائد أو أساور أو خواتم، وما أشبه ذلك حتى تنتهي العدة.
الأمر الرابع: تجنب الطيب، فلا تتطيب لا بالبخور ولا بغيره من الأطياب إلا إذا طهرت من الحيض خاصة، فلا بأس أن تتبخر ببعض البخور.
الأمر الخامس: تجنب الكحل، فليس لها أن تكتحل ولا ما يكون في معنى الكحل من التجميل للوجه، التجميل الخاص الذي قد يفتن الناس بها، أما التجميل العادي بالماء والصابون فلا بأس بذلك، لكن الكحل الذي يجمل العينين وما أشبه الكحل من الأشياء التي يفعلها بعض النساء في الوجه، فهذا لا تفعله.
فهذه الأمور الخمسة يجب أن تحفظ في أمر من مات عنها زوجها.(22/189)
أما ما قد يظنه بعض العامة ويفترونه، من كونها لا تكلم أحدا، ومن كونها لا تتحدث بالهاتف، ومن كونها لا تغتسل في الأسبوع إلا مرة، ومن كونها لا تمشي في بيتها حافية، ومن كونها لا تخرج في نور القمر، وما أشبه هذه الخرافات، فلا أصل لها، بل لها أن تمشي في بيتها حافية ومنتعلة، تقضي حاجتها في البيت، تطبخ طعامها وطعام ضيوفها، تمشي في ضوء القمر، في السطح وفي حديقة البيت، تغتسل متى شاءت، تكلم من شاءت كلاما ليس فيه ريبة، تصافح النساء، وكذلك محارمها، أما غير المحارم فلا، ولها طرح خمارها عن رأسها إذا لم يكن عندها غير محرم، ولا تستعمل الحناء والزعفران ولا الطيب في الثياب ولا في القهوة؛ لأن الزعفران نوع من أنواع الطيب، ولا يجوز أن تخطب، ولكن لا بأس بالتعريض، أما التصريح بالخطبة فلا. وبالله التوفيق.(22/190)
110 - حكم سفر المحدة إذا لم يوجد من يؤنسها في البيت
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخت الكريمة أم م. س. ع. وفقها الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ بدون، وصلكم الله بهداه وجعلنا وإياكم ممن خاف ربه واتقاه، وما تضمنه من السؤال عن امرأة عندكم مات زوجها في الخليج وقد عزمتم على السفر إلى الطائف، فهل لها أن تسافر معكم قبل خروجها من العدة، وهل لها أن تشاهد التلفزيون وتسمع الراديو؟ ورغبتكم في الإفادة عن أحكام المحادة كان معلوما (1) .
ج: إذا كانت المرأة المذكورة ساكنة عندكم حين جاء الخبر بوفاة زوجها فعليها أن تبقى لديكم حتى تخرج من العدة، وإذا سافرتم إلى الطائف فلا بأس أن تسافر معكم إذا كان البيت لا
__________
(1) إجابة على استفتاء شخصي في 26\4\1394 هـ عندما كان سماحته رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(22/191)
يبقى فيه من يحسن جلوسها عنده حتى تنهي العدة، أما مشاهدتها للتلفزيون وسماعها للراديو فلا بأس أن تشاهد وتسمع المباح، كقراءة القرآن والأحاديث الدينية والأخبار النافعة كغيرها، أما سماع الأغاني وآلات الطرب فلا يجوز لها ولا لغيرها ذلك؛ لأن ذلك من المنكرات التي تضر بالقلوب والأخلاق وتضعف الإيمان وتسخط الرب سبحانه وترضي الشيطان، وإذا أمكن السلامة من مشاهدة التلفزيون لها ولغيرها فهو أحوط؛ لأن مشاهدة ما فيه من الخير تجر إلى مشاهدة ما فيه من الشر. رزقنا الله وإياكم والمسلمين العافية من شره، ووفق ولاة الأمر لكل ما فيه رضاه وصلاح المسلمين.
أما الأمور التي يجب على المحادة اجتنابها فهذا بيانها:
أولا: ترك الطيب في بدنها وثيابها.
ثانيا: ترك لبس الجميل من الملابس، وإنما تلبس الأسود أو الأخضر أو الأزرق ونحوه الذي ليس فيه جمال.
ثالثا: الحلي من الذهب والفضة وسائر المعادن النفيسة كالماس واللؤلؤ وأشباه ذلك.(22/192)
رابعا: ترك الخضاب بالحناء.
خامسا: الكحل؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى المحادة عن هذه الأمور كلها.
أما التنظف بالسدر والصابون فلا بأس به، وهكذا اغتسالها للنشاط والنظافة لا بأس به، وهكذا مبيتها تحت السماء في السطح أو الحوش ونحوها لا بأس به، وهكذا خروجها من البيت لحاجتها في النهار لا حرج فيه إذا لم يتيسر من يقضيها لها، وهكذا تكليمها للرجال إذا دعت الحاجة إلى ذلك على وجه لا ريبة فيه مثل غيرها من النساء، كما كانت تكلمهم قبل وفاة زوجها. أما ظن بعض العامة أن المحادة لا تكلم أحدا من الرجال فهذا شيء لا أصل له. وإذا أشكل عليكم شيء سوى ما ذكرنا فأفيدونا عن ذلك ونحن إن شاء الله نوضح لكم ونزيل الإشكال. ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(22/193)
111 - تلزم المعتدة للوفاة بيتها الذي مات عنها زوجها فيه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الأخت في الله والدة أ. ن. س. وفقها الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في غرة محرم 1414هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما وهذا جوابها (1) :
الأول: هل للزوجة الحق في البقاء في بيت الزوج المتوفى. . . إلى آخره؟
ج: يجب على زوجة المتوفى أن تعتد في بيته الذي هي ساكنة فيه حين الوفاة، إلا أن يمنع ذلك عذر شرعي، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمتوفى عنها: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله (2) » .
__________
(1) خطاب صدر من مكتب سماحته برقم (32 \ خ) في 3 \ 1 \ 1414 هـ.
(2) سنن الترمذي الطلاق (1204) ، سنن النسائي الطلاق (3532) ، سنن أبو داود الطلاق (2300) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2031) ، مسند أحمد بن حنبل (6/370) ، موطأ مالك الطلاق (1254) ، سنن الدارمي الطلاق (2287) .(22/194)
لكن إذا كان لها عذر شرعي في عدم العدة في البيت فلا بأس أن تعتد في غيره.
وقد سألني س. ع. عن ذلك وأخبرني أن لها عذرا شرعيا في الانتقال فأفتيته بجواز ذلك. أما المقتنيات التي في البيت فبإمكانكم المحافظة عليها بواسطة من ترون من الثقات بالاتفاق مع أهل الزوجة إذا كانت من التركة. أما إن كانت تخصها ففي إمكانها نقلها أو المحافظة عليها بالطرق الممكنة بالتشاور مع أهلها.
الثاني: هل أنتم ملزمون بالنفقة عليها إلى آخره؟
ج: ليس عليكم نفقتها بل نفقتها في مالها.
وفق الله الجميع لما يرضيه وجبر مصيبتكم وأحسن عزاءكم ورحمه رحمة واسعة، وأصلح ابنه وجعله قرة عين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(22/195)
112 - عادات تتعلق بالإحداد باطلة ولا أساس لها من الصحة
س: إذا توفي زوج المرأة وكما تعلمون تقضي العدة والإحداد أربعة أشهر وعشرة أيام في المنزل، وقبل انقضاء المدة خرجت وقابلت أي شيء كان حيوانا أو إنسانا هل يموت ذلك الشيء، وجهونا ووجهوا الناس حول هذه العادات جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: لا شك أن الواجب على المرأة إذا توفي زوجها أن تحد عليه أربعة أشهر وعشرا، كما نص الله على ذلك في كتابه الكريم. وهي مائة وثلاثون يوما بلياليها، إلا إذا ثبت أن بعض الشهور نقص فصار تسعة وعشرين يوما فإنه يحسب لها إذا ثبت بالبينة. إلا أن تكون حاملا فإن عدتها وضع الحمل ولو بعد الموت بدقائق أو ساعات؛ لقول الله عز وجل: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2) ولها الخروج لحاجتها كحاجة البيت وحاجتها إلى الطبيب، ونحو ذلك من الحاجات التي تدعو إلى خروجها، لا بأس مع التحجب والستر والتزام الأدب الشرعي من عدم التعطر
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (17) .
(2) سورة الطلاق الآية 4(22/196)
كغيرها من النساء في خروجهن، يخرجن متسترات غير متعطرات بعيدات عن أسباب الفتنة، أما زعم من قال من العامة إنها إذا قابلت أحدا قبل خروجها من العدة يموت هذا الشيء، فهو أمر باطل ولا أساس له، بل هو من الخرافات التي لا أساس لها، فهي كسائر النساء إذا خرجت لأي شيء من حاجتها فلا شيء في ذلك، ولا تضر أحدا. ولكنها تلزم البيت لا تخرج إلا لحاجة، وإذا خرجت للحاجة فإنها لا تضر أحدا لا حيوانا ولا غيره.
وهي أي المحادة عليها أن تراعي خمسة أمور:
1 - بقاؤها في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه تبقى فيه مدة العدة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لفريعة بنت مالك لما توفي زوجها: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله (1) » لكن لا حرج في خروجها المعتاد لحاجاتها أو للطبيب أو لدعوى في المحكمة أو للعمل كالتدريس ونحوه أو الدراسة إن كانت طالبة أو نحو ذلك، وإذا خرجت تخرج كسائر النساء المؤمنات متسترة متحجبة تاركة لأسباب الفتنة من التعطر وغيره.
2 - أن تلبس الملابس العادية التي ليس فيها فتنة وليست جميلة سوداء أو خضراء أو غير ذلك، والمهم أن تكون عادية ليس فيها فتنة ولا يتعين أن تكون سوداء بل تلبس السوداء وغير
__________
(1) سنن الترمذي الطلاق (1204) ، سنن النسائي الطلاق (3532) ، سنن أبو داود الطلاق (2300) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2031) ، مسند أحمد بن حنبل (6/370) ، موطأ مالك الطلاق (1254) ، سنن الدارمي الطلاق (2287) .(22/197)
السوداء كالخضراء والحمراء ونحو ذلك، لكن من الملابس التي ليس فيها فتنة.
3 - اجتناب الطيب وعليها أن تبتعد عن الطيب، ولا تمس الطيب سواء كان بخورا أو غيره، إلا إذا طهرت من حيضها فلا مانع أن تمس البخور، كما صحت بذلك السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أم عطية - رضي الله عنها -.
4 - عدم الحلي، لا تلبس الحلي من الذهب والفضة والماس ونحو ذلك؛ لأن لبس الحلي قد يسبب الفتنة بها.
5 - تجنبها الكحل والحناء، فإن المحادة لا تكتحل ولا تتعاطى الحناء؛ لأن ذلك من أسباب الفتنة ومن الزينة الظاهرة.
هذه الأمور على المحادة أن تلاحظها وتعتني بها حتى تكمل عدتها ولا بأس أن تخدم في بيتها، وأن تخدم أولادها، وأن تخرج إلى حديقة البيت، وسطح البيت في الليل أو النهار، وفي القمر أو غير القمر، كل ذلك لا بأس به.
ولها أن تغير ملابسها متى شاءت، وتغتسل متى شاءت، ولا يختص ذلك بمجموعة ولا غيرها، بل هي مثل سائر النساء تغتسل متى شاءت، وتغير ملابسها متى شاءت، وتغتسل بالماء والسدر ونحو ذلك، ولا تمس الطيب كما تقدم.(22/198)
113 - زيارة المحدة لأولادها
س: توفي والدي - رحمه الله - وترك والدتي وهي امرأة كبيرة ولها أولاد في الرياض وخارجها وهي الآن في عدتها وتريد أن تزورهم أو تزور غيرهم فما حكم ذلك؟ .
ج: المحادة التي توفي عنها زوجها تلزم بيتها ولا تخرج؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال للمتوفى عنها: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله (1) » فالمحادة تلزم بيتها ولا تلبس الملابس الجميلة ولا تتطيب، ولا تكتحل ولا تلبس الحلي، خمسة أمور للمحادة ينبغي أن تحفظوها:
الأول: لزوم البيت حتى تنتهي العدة.
الثاني: عدم لبس الثياب الجميلة ولكن تلبس الثياب غير الجميلة من أسود وأخضر وأزرق لكن غير جميلة.
الثالث: عدم الحلي من الذهب والفضة والماس واللؤلؤ وغير ذلك فلا تلبس الحلي والساعة من الحلي؛ لأنها للجمال والزينة.
__________
(1) سنن الترمذي الطلاق (1204) ، سنن النسائي الطلاق (3532) ، سنن أبو داود الطلاق (2300) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2031) ، مسند أحمد بن حنبل (6/370) ، موطأ مالك الطلاق (1254) ، سنن الدارمي الطلاق (2287) .(22/199)
الرابع: عدم الكحل، فلا تكتحل ولا تجعل في وجهها من الزينات التي يعتادها النساء اليوم غير الماء والصابون ونحو ذلك.
الخامس: الطيب، فعليها ترك الطيب بأنواعه إلا عند الطهر من حيضها ولها الخروج لحاجتها كالمحكمة والمستشفى أو السوق.(22/200)
114 - حكم خروج المحدة إلى السوق
س: هل يجوز للمحادة أن تخرج إلى السوق لقضاء حاجاتها؟ (1) .
ج: يجوز للمحادة أن تخرج إلى السوق لقضاء حاجتها وإلى المستشفى للعلاج، وهكذا يجوز لها الخروج للتدريس وطلب العلم؛ لأن ذلك من أهم الحاجات مع تجنب الزينة والطيب والحلي من الذهب والفضة والماس ونحو ذلك وعلى المحادة أن تراعي خمسة أمور:
الأول: بقاؤها في البيت الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه إذا تيسر ذلك.
الثاني: اجتناب الملابس الجملية.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع محمد المسند ج3 ص319.(22/200)
الثالث: اجتناب الطيب إلا إذا كانت تحيض فلها استعمال البخور عند طهرها من الحيض.
الرابع: عدم لبس الحلي من الذهب والفضة والماس ونحو ذلك.
الخامس: عدم الكحل والحناء؛ لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على ما ذكرنا. والله ولي التوفيق.(22/201)
115 - المرأة الموظفة كيف تعتد
س: إذا توفي عن المرأة المسلمة الموظفة زوجها وهي في دولة لا تعطي لأي إنسان توفي عنه قريبه إجازة أكثر من ثلاثة أيام، فكيف تعتد في مثل هذه الظروف، لأنها إن قررت أن تعتد المدة المشروعة تفصل من العمل فهل تترك الواجب الديني من أجل اكتساب المعيشة؟(22/201)
ج: عليها أن تعتد العدة الشرعية وتلزم الإحداد الشرعي في جميع مدة العدة، ولها الخروج نهارا لعملها؛ لأنه من جملة الحاجات المهمة، وقد نص العلماء على جواز خروج المعتدة للوفاة في النهار لحاجتها والعمل من أهم الحاجات، وإن احتاجت لذلك ليلا جاز لها الخروج من أجل الضرورة خشية أن تفصل ولا يخفى ما يترتب على الفصل من المضار إذا كانت محتاجة لهذا العمل، وقد ذكر العلماء أسبابا كثيرة في جواز خروجها من منزل زوجها الذي وجب أن تعتد فيه، بعضها أسهل من خروجها للعمل إذا كانت مضطرة إلى ذلك العمل، والأصل في هذا قوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (2) » . متفق على صحته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الحج (1337) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .(22/202)
116 - للمحدة أن تذهب لوظيفتها دون زينة
س: زوجة شقيقي المتوفى تعمل بمدرسة بنات، فهل يجوز لها أن تذهب للمدرسة قبل إكمال العدة لحاجتها الشديدة لهذه الوظيفة؛ لكسب رزق أولادها وخصوصا أن غيابها يعرضها للفصل. أفيدونا جزاكم الله خيرا.
ج: بسم الله والحمد لله. . لا حرج في ذلك؛ لأن هذا العمل من الحاجات، والمحادة لها الخروج لحاجتها مع العناية بترك ما حرم الله عليها وقت الإحداد من الملابس الجميلة والطيب والكحل والحلي.(22/203)
117 - المحدة هل تطيب أولادها
س: هل يجوز للمحادة على زوجها أن تغسل أولادها وتطيبهم، وهل تخطب للزواج وهي في العدة؟ (1)
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج2 ص13، وفي كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع محمد المسند ج3 ص317.(22/203)
ج: ليس للمحادة - وهي المتوفى عنها زوجها في العدة - أن تمس الطيب؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. ولكن لا مانع من تقديمه لأولادها أو ضيوفها من غير أن تشاركهم في ذلك. ولا يجوز أن تخطب خطبة صريحة حتى تخرج من العدة، ولا مانع من التعريض لها من غير تصريح؛ لقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (1) فأباح سبحانه التعريض ولم يبح التصريح، وله سبحانه الحكمة البالغة في ذلك.
__________
(1) سورة البقرة الآية 235(22/204)
118 - حكم غسل المحدة رأسها ودهنه بالدهون والكريمات المعطرة
س: الأخت ن. ب. ح. من الخبر في المملكة العربية السعودية تقول في سؤالها: هل يجوز أن تغسل المرأة المحادة (أي التي مات عنها زوجها) رأسها؟ وهل يجوز أن تدهنه بالدهون والكريمات المعطرة؟ أفتونا جزاكم الله خيرا (1)
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) في شوال 1413هـ، وفي كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع محمد المسند ج3 ص317.(22/204)
ج: لا حرج في غسل المحادة رأسها وجميع بدنها متى شاءت بالسدر أو غيره مما ليس فيه طيب. أما دهنه أو غسله بشيء فيه طيب فلا يجوز؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى المحادة أن تمس الطيب إلا شيئا من البخور عند غسلها من الحيض. والله ولي التوفيق.(22/205)
119 - حكم انتقال المحدة من منزلها إلى منزل آخر
س: توفي والدي، ووالدتي امرأة كبيرة في السن وهي في العدة، أرادت أن تخرج للذهاب عند إحدى بناتها، لأنها مريضة إذا جلست في المنزل تتعب، وتحب أن تذهب إلى إحدى بناتها، لأن الجلوس في المنزل يتعبها كثيرا. فهل يجوز لها أن تذهب إلى إحدى بناتها وهي في العدة؟ (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (جريدة المسلمون) ، وقد أجاب عنه سماحته في 20 \ 5 \ 1419هـ.(22/205)
ج: يجوز لها ذلك إذا احتاجت إليه، ولم يتيسر مجيء ابنتها عندها، ولم يتيسر لها من يخدمها في البيت، لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) والله التوفيق.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(22/206)
120 - هل للمعتدة عدة الوفاة محادثة الرجال
س: امرأة توفي زوجها وهي شابة، ماذا يحرم عليها غير التزين، هل تقابل الرجال الأجانب عنها وتسلم عليهم وتحادثهم مثلها مثل التي لم تحد؛ بحجة أنه لا يحرم عليها في الحداد إلا ما يحرم عليها في غير الحداد، مع العلم أنها في مجتمع لا يتحرج عن المصافحة باليد، أرجو إيضاح الحكم والضوابط؟ (1)
ج: عليها أن تعتد وتحد أربعة أشهر وعشرا، سواء كانت شابة أو عجوزا، ولها أن تكلم من شاءت من الرجال من أقاربها
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1695) بتاريخ 26 صفر 1420هـ.(22/206)
أو غيرهم، إذا دعت الحاجة إلى ذلك مع التحجب وعدم الخلوة، وعدم الخضوع في القول، وليس لها أن تصافح الرجال غير محارمها، والله ولي التوفيق.(22/207)
121 - ليس للمحدة لباس معين
س: هل يجب أن تلتزم المحادة بملابس ذات لون معين كما يشير بعضهم بقوله: إنهم يلزمونها بلبس الملابس البيضاء طوال فترة الحداد (1) .
ج: لا يلزم المحادة لباس معين فلها أن تلبس الأسود والأبيض الذي ليس فيه مشابهة الرجال، وتلبس الأخضر والأصفر، المقصود تلبس الملابس النسائية التي ليس فيها تشبه بالرجال، ولكنها تكون ملابس غير جميلة وغير ملفتة للنظر.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط السابع عشر.(22/207)
122 - رؤية المحادة كاشفة لا يبطل الحداد
س: إذا رأى رجل امرأة كاشفة من دون قصد وهي في فترة حداد على ميت على زوجها، فماذا يلحقها في ذلك. هل عليها إعادة الحداد؟ (1) .
ج: إذا رأى الرجل المرأة وهي سافرة فإن عليه أن يغض بصره ويصرفه عنها، فقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأة فقال: «اصرف بصرك (2) » وقال: «إن لك الأولى وليست لك الأخرى (3) » والمعنى أنه لا حرج عليه في الأولى التي نظرها صدفة ولم يقصدها لما صادفها من باب خارجة ونحوه وهو داخل، أو في طريق فإنه يصرف بصره ولا يتبع النظرة نظرة أخرى، بل عليه أن يغض بصره. أما المحادة وغيرها من النساء فليس عليها شيء في ذلك إذا لم تتبع النظرة نظرة، بل تغشت واحتجبت وليس عليها أن تعيد ما مضى من الإحداد، بل تستمر في إحدادها ولا شيء عليها إلا أنه يلزمها أن تبتعد عن أسباب الفتنة وأن تحتجب عن الرجال الأجانب مثل غيرها من النساء
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.
(2) أخرجه أبو داود برقم (2148) باب: ما يؤمر به من غض البصر.
(3) أخرجه أبو داود برقم (2149) باب: ما يؤمر به من غض البصر.(22/208)
سواء بسواء، وليس ذلك خاصا بالمحادة ولا غيرها ولكنها كغيرها من النساء عليها الاحتجاب والبعد عن أسباب الفتنة، وعلى المحادة أن تراعي خمسة أمور:
1 - الإقامة في البيت الذي مات به زوجها وهي ساكنة فيه، إذا كان صالحا تبقى فيه، أما إذا لم يتيسر بقاؤها فيه لخرابه أو لأن أهله أبوا أن يؤجروه إذا تمت مدة الإجارة، أو لأنه ليس لديها من يؤنسها فيه بعد موت زوجها فتخاف على نفسها، فإنها تخرج إلى أهلها أو إلى مكان سليم.
2 - عليها أن تلبس الملابس العادية دون الملابس التي تفتن فلا تلبس الملابس الجميلة، بل تتحرى الملابس التي لا تفتن، الملابس العادية سوداء أو خضراء أو غيرها لكن ليس فيها ما يفتن الناس.
3 - اجتناب الحلي من الذهب والفضة والماس ونحوها.
4 - عدم الطيب والبخور وسائر أنواع الطيب؛ لأن الرسول نهى المحادة عن ذلك - عليه الصلاة والسلام -، إلا إذا طهرت من حيضها فلها أن تستعمل بعض الطيب.
5 - عدم الكحل والحناء ونحوهما؛ لأن ذلك من أسباب الفتنة أيضا، هذه الأمور الخمسة يشرع للمحادة العناية بها، لأن(22/209)
الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بها، فيجب عليها ذلك. أما ما سوى ذلك فهي مثل بقية النساء لها أن تغتسل وتتروش متى شاءت في الجمعة وغيرها، ولها أن تغير ثيابها متى شاءت، ولها أن تكلم من شاءت من النساء والرجال مباشرة أو من طريق الهاتف أو طريق المكاتبة، ولا حرج في ذلك إذا كانت المكالمة ليس فيها فتنة ولا ريبة، بل تتكلم لحاجتها وترد السلام على من سلم عليها ونحو ذلك، على وجه ليس فيه فتنة وليس فيه شبهة.(22/210)
123 - حكم الإحداد سنة كاملة في الثوب الأسود
س: يوجد في بعض البلاد أن المرأة إذا مات لها قريب تلبس عليه ثوبا أسود لمدة سنة كاملة، وإذا لم تلبس يقولون عليها بأنها فرحت بموت ذلك الشخص، وأنا علمت أن هذا لا يجوز فماذا تقولون في هذا الأمر جزاكم الله خيرا عسى أن يستفيد الناس ويعلموا بما يتضح لهم من حكم الشرع الحنيف؟ (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (843) .(22/210)
ج: هذا الذي ذكرت السائلة من كون المرأة تحاد على قريبها سنة كاملة في ثوب أسود لا يجوز، وهذا لا أصل له بل من عمل الجاهلية، فقد كانوا في الجاهلية تحاد المرأة فيهم إذا مات زوجها سنة كاملة فأبطل ذلك الإسلام وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا من سنة الجاهلية، وأوجب الله على المرأة بدلا من ذلك أن تحد على زوجها أربعة أشهر وعشرا إذا كانت غير حامل، أما إذا كانت حبلى فإنها تنتهي من العدة بوضع الحمل ولو بعد موت زوجها بساعات أو أيام؛ لقول الله سبحانه: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (1) أما القريب غير الزوج فليس لها أن تحد عليه أكثر من ثلاثة أيام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا (2) » متفق على صحته. والإحداد ترك الزينة المعتادة من أجل مصيبة الموت.
__________
(1) سورة الطلاق الآية 4
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند القبائل) برقم (26759) ، والبخاري في (الطلاق) برقم (5343) ، ومسلم في (الطلاق) برقم (938) .(22/211)
أما كون المرأة تعتد سنة على قريب أو زوج أو في لباس خاص أسود فقط هذا كله لا أصل له بل هو منكر من عمل الجاهلية، فلها أن تلبس الأسود، أو الأصفر والأخضر والأزرق، لكن تكون ملابس غير جميلة وتكون عادية لا تلفت النظر؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى المحادة أن تلبس شيئا من الثياب المصبوغة فقال - صلى الله عليه وسلم - في حق المحادة على الزوج: «ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب (1) » . قال أهل العلم: إن ثوب العصب ليس فيه جمال، فالمشروع لها أن تلبس ثيابا ليس فيها جمال؛ لأنها تعرضها للفتنة، فتكون ملابسها ملابس عادية لا تلفت النظر. هذا هو المشروع للمحادة على الزوج، وعليها أن تتجنب الطيب مدة العدة، وكذلك الحلية من الذهب والفضة ونحوها كاللؤلؤ والماس وأشباه ذلك مدة العدة، وهكذا تجتنب الكحل في عينيها، كل هذا مما تمنع منه المحادة ولها مداواة عينيها بغير الكحل. والخلاصة أن المحادة تؤمر بخمسة أمور:
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند القبائل) برقم (26817) ، والترمذي في (الطلاق واللعان) برقم (1204) ، والنسائي في (الطلاق) برقم (3470) و (3472) .(22/212)
1 - أنها تبقى في بيت زوجها الذي مات وهي ساكنة فيه حتى تنتهي من العدة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - للمحادة: «امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله (1) » هكذا قال - عليه الصلاة والسلام - امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، لكن لا بأس أن تخرج لحاجة في السوق لتشتريها من طعام أو غيره، أو إلى الطبيب لحاجتها إلى الطبيب فلا بأس بهذا، أما خروجها لغير ذلك كالزيارات ونحو ذلك فلا، بل تبقى في بيتها، ولا تسافر أيضا لا لحج ولا غيره حتى تنتهي من عدتها.
2 - أنها لا تلبس الملابس الجميلة، بل تلبس ملابس عادية ليس فيها جمال يلفت النظر كما تقدم آنفا، سواء كانت سوداء، أو خضراء، أو زرقاء، أو حمراء أو غير ذلك.
3 - عدم الحلي من الذهب والفضة ونحوها كاللؤلؤ والماس وأشباه ذلك فلا تلبس هذا؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك.
4 - عدم الطيب؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال:
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (1957) كتاب الطلاق والنسائي برقم (3474) كتاب الطلاق.(22/213)
«لا تمس طيبا (1) » يعني المحادة، فلا تمس الطيب سواء كان من دهن العود، أو الورد، أو أشباه ذلك، إلا إذا كانت تحيض كالشابة؛ فإن لها أن تتبخر عند طهرها من حيضها كما أذن بهذا النبي - صلى الله عليه وسلم -.
5 - الكحل ليس لها أن تكتحل، ولا أن تتعاطى الحناء؛ لأنه جمال فتجتنب ذلك وما أشبهه. هذه الأمور الخمسة هي التي يلزم المحادة أن تراعيها وتعتني بها. أما ما سوى ذلك فهي من جنس بقية النساء، لها أن تغتسل متى شاءت، وأن تغير ثيابها متى شاءت، وأن تستعمل الدواء فيما يصيبها من الأمراض في عينيها أو غيرهما، ولها أن تخدم في بيتها بالطبخ وغيره، وتصعد إلى السطح في الليل والنهار، ولها أن تخرج إلى الحوش وإلى الحديقة التي في بيتها كل هذا لا بأس به، وتكلم من شاءت من أقاربها، أو جيرانها بالهاتف أو غيره، كل هذا لا بأس به، إذا كان كلاما ليس فيه غيبة، وليس فيه منكر، فهي من جنس بقية النساء، ولها أن تمشي في بيتها حافية ومنتعلة كغيرها.
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (4924) كتاب الطلاق ومسلم برقم (2739) كتاب الطلاق.(22/214)