يكون ثلاثين، ويكون تسعا وعشرين، فمن صامه دائما ثلاثين من غير نظر في الأهلة فقد خالف السنة والإجماع، وابتدع في الدين بدعة لم يأذن بها الله، قال سبحانه: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} (1) الآية، وقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (2) الآية، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3) وقال عز وجل: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4) {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (5) والآيات في هذا المعنى كثيرة، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له (6) » متفق عليه. وفي رواية مسلم: «فاقدروا له ثلاثين (7) » وفي لفظ آخر في
__________
(1) سورة الأعراف الآية 3
(2) سورة آل عمران الآية 31
(3) سورة الحشر الآية 7
(4) سورة النساء الآية 13
(5) سورة النساء الآية 14
(6) رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقال: رمضان أو شهر رمضان برقم (1767) ، ومسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1799) .
(7) رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1796) .(15/162)
الصحيحين: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين (1) » ، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين (2) » ، وفي لفظ آخر: «فأكملوا العدة ثلاثين (3) » ، وفي لفظ آخر: «فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما (4) » .
وعن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة (5) » رواه أبو داود والنسائي، بإسناد صحيح.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث أنه قال: «إن الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال، فإن غم عليكم فأكملوا العدة (6) » وثبت عنه
__________
(1) رواه أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) مسند جابر بن عبد الله برقم (14117) .
(2) رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1810)
(3) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا. برقم (1909) ، والنسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على عمرو بن دينار برقم (2124) .
(4) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ''إذا رأيتم الهلال فصوموا''. برقم (1909) .
(5) رواه النسائي في (الصيام) باب ذكر الاختلاف على منصور برقم (2126) ، وأبو داود في (الصوم) باب إذا أغمي الشهر برقم (2326) .
(6) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الهلال فصوموا، برقم (1907) ، ومسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1080) .(15/163)
عليه الصلاة والسلام أنه قال: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا. وأشار بأصابعه العشر وخنس إبهامه في الثالثة، ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا (1) » بأصابعه العشرة، ولم يخنس منها شيئا، يشير صلى الله عليه وسلم إلى أنه يكون في بعض الأحيان ثلاثين، ويكون في بعضها تسعا وعشرين، وقد تلقى أهل العلم والإيمان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان هذه الأحاديث الصحيحة بالقبول والتسليم، وعملوا بمقتضاها فكانوا يتراءون هلال شعبان ورمضان وشوال ويعملون بما تشهد به البينة من تمام الشهر أو نقصانه، فالواجب على جميع المسلمين أن يسيروا على هذا النهج القويم وأن يتركوا ما خالف ذلك من آراء الناس وما أحدثوه من البدع، وبذلك ينتظمون في سلك من وعدهم الله بالجنة والرضوان في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2)
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال برقم (1080) .
(2) سورة التوبة الآية 100(15/164)
من يجب عليه الصوم
والأعذار المبيحة للفطر(15/165)
صفحة فارغة(15/166)
36 - يجب الصوم على كل مسلم مكلف
س: على من يجب صيام رمضان، وما فضل صيامه وصيام التطوع؟ .
ج: يجب صوم رمضان على كل مسلم مكلف من الرجال والنساء، ويستحب لمن بلغ سبعا فأكثر وأطاقه من الذكور والإناث، ويجب على أولياء أمورهم أمرهم بذلك إذا أطاقوه كما يأمرونهم بالصلاة. والأصل في هذا قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1) {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) إلى أن قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) وقول النبي صلى
__________
(1) سورة البقرة الآية 183
(2) سورة البقرة الآية 184
(3) سورة البقرة الآية 185(15/167)
الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (1) » . متفق على صحته. من حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عن الإسلام قال: «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (2) » خرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأخرج معناه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (3) » وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (7) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (21) .
(2) رواه مسلم في (الإيمان) ، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم (9)
(3) رواه البخاري في (صلاة التراويح) باب فضل ليلة القدر برقم (2014) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب الترغيب في قيام رمضان برقم (760) .(15/168)
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (1) » متفق على صحته. والأحاديث في فضل صوم رمضان وفي فضل الصوم مطلقا كثيرة معلومة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقول: إني صائم، برقم (1904) ، ومسلم في (الصيام) باب فضل الصيام برقم (1151) .(15/169)
37 - تفسير قوله عز وجل
: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وفقه الله وزاده من العلم والإيمان آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأشير إلى سؤالكم الشفهي عن تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) ورغبة سموكم في أن يكون الجواب خطيا. وأفيدكم أن علماء التفسير رحمهم الله ذكروا أن الله سبحانه لما شرع صيام شهر رمضان شرعه مخيرا بين الفطر والإطعام وبين الصوم، والصوم أفضل، فمن أفطر وهو قادر على الصيام فعليه إطعام مسكين، وإن أطعم أكثر فهو خير له، وليس عليه قضاء، وإن صام فهو أفضل؛
__________
(1) سورة البقرة الآية 184
(2) سورة البقرة الآية 184(15/170)
لقوله عز وجل: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1) فأما المريض والمسافر فلهما أن يفطرا ويقضيا؛ لقوله سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) ثم نسخ الله ذلك وأوجب الصيام على المكلف الصحيح المقيم، ورخص للمريض والمسافر في الإفطار، وعليه القضاء، وذلك بقوله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (3) وبقي الإطعام في حق الشيخ الكبير العاجز والعجوز الكبيرة العاجزة عن الصوم، كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وجماعة من الصحابة والسلف رضي الله عنهم، وقد روى البخاري في صحيحه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه معنى ما ذكرنا من النسخ للآية المذكورة، وهي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (4) الآية،
__________
(1) سورة البقرة الآية 184
(2) سورة البقرة الآية 184
(3) سورة البقرة الآية 185
(4) سورة البقرة الآية 184(15/171)
وروي ذلك عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وجماعة من السلف رحمهم الله. ومثل الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة المريض الذي لا يرجى برؤه والمريضة التي لا يرجى برؤها فإنهما يطعمان عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة.
ويجوز إخراج الإطعام في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره، أما الحامل والمرضع فيلزمهما الصيام، إلا أن يشق عليهما فإنه يشرع لهما الإفطار وعليهما القضاء كالمريض والمسافر، هذا هو الصحيح من قولي العلماء في حقهما، وقال جماعة من السلف: يطعمان ولا يقضيان كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة. والصحيح أنهما كالمريض والمسافر تفطران وتقضيان، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك الكعبي ما يدل على أنهما كالمريض والمسافر.
وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من الهداة المهتدين إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(15/172)
38 - صيام رمضان يجب بالبلوغ والبلوغ له علامات
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ح. س. ح. سلمه الله (1)
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 1180 وتاريخ 23\3\1407 هـ الذي جاء فيه: لدي بنت تبلغ من العمر الآن 13 سنة وعندنا اعتقاد بأن البنت لا تصوم حتى تبلغ سن الخامسة عشرة، لكن أفاد بعض الناس أن الفتاة إذا جاءها الحيض وجب عليها الصوم، وبعد هذا الأمر سألناها وأفادت بأنه قد جاءها قبل ثلاث سنوات، أتى وعمرها عشر سنوات، ولذا نريد أن نعرف الحقيقة هل هي تصوم بنت الخامسة عشرة أم من ما جاءها الحيض؟ وإذا كانت تصوم إذا جاءها الحيض ماذا نفعل بالثلاث سنوات التي فاتت، هل تصومها؟ مع العلم أنا جهال بذلك وليس لدينا خبر من ذلك. أرجو التكرم بالإجابة مع الشكر.
__________
(1) خطاب صدر من مكتب سماحته برقم 1816\1 وتاريخ 30\6\1407 هـ.(15/173)
ج: وأفيدك بأنه يجب عليها صيام رمضان إذا بلغت، والبلوغ يحصل بأحد الأمور التالية: بلوغ خمس عشرة سنة، أو الحيض، أو نبات الشعر الخشن حول الفرج، أو إنزال الماء (المني) عن شهوة يقظة أو مناما ولو كانت سنها دون الخامسة عشرة. وبناء على ذلك فإنه يجب عليها قضاء ما تركت من الصيام بعدما بدأت تحيض، وقضاء الأيام التي حاضتها في رمضان، كما تجب عليها الكفارة وهي إطعام مسكين عن كل يوم بسبب تأخير القضاء إلى رمضان آخر، ومقداره نصف صاع من قوت البلد عن كل يوم إذا كانت تستطيع الإطعام، فإن كانت فقيرة فلا إطعام عليها ويكفي الصوم. وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(15/174)
39 - من لا يجب عليه الصوم
س: من الذي لا صوم عليه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: المجنون، وفاقد العقل، والصبي، والصبية قبل البلوغ، أما الحائض والنفساء فيجب عليهما الصوم، ولكن لا يجوز لهما الصوم في رمضان وغيره حال الحيض والنفاس، وعليهما القضاء لما أفطرا من أيام رمضان، أما المريض والمسافر فيجوز لهما الصوم والفطر في رمضان، والفطر أفضل، وعليهما القضاء إذا أفطرا في رمضان؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) لكن إذا كان المريض لا يرجى برؤه بشهادة الأطباء الثقات فلا يلزمه الصوم ولا القضاء، وعليه أن يطعم مسكينا عن كل يوم، وهو نصف صاع بالصاع النبوي من قوت البلد ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وهكذا الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة اللذان لا يستطيعان الصوم يطعمان عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد، ولا صوم عليهما ولا قضاء. ويجوز دفع الكفارة عن
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1527) بتاريخ 5\9\1416 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 185(15/175)
جميع رمضان دفعة واحدة في أول الشهر أو آخره، أو في أثنائه لفقير واحد أو أكثر، وهكذا حال الحامل والمرضع إذا شق عليهما الصيام تفطران وعليهما القضاء كالمريض.(15/176)
40 - حكم صيام وعبادة من لا يصلي
س: هناك من يصوم ويؤدي بعض العبادات، ولكنه لا يصلي، فهل يقبل صومه وعبادته؟
ج: بسم الله والحمد لله: الصحيح أن تارك الصلاة عمدا يكفر بذلك كفرا أكبر وبذلك لا يصح صومه ولا بقية عباداته حتى يتوب إلى الله سبحانه؛ لقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر، ولا يبطل صومه ولا عبادته إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه ترك الصلاة تساهلا وكسلا، والصحيح القول الأول، وهو أنه يكفر بتركها كفرا أكبر إذا كان
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88(15/176)
عامدا، ولو أقر بالوجوب؛ لأدلة كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1) » خرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) »
خرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه.
وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله القول في ذلك في رسالة مستقلة في أحكام الصلاة وتركها، وهي رسالة مفيدة تحسن مراجعتها والاستفادة منها.
__________
(1) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) رواه أحمد في (باقي مسند الأنصار) من حديث بريدة الأسلمي برقم (22428) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة) باب ما جاء فيمن ترك الصلاة (1079) .(15/177)
41 - النصيحة لمن يتكاسل
عن الصلاة ويحافظ على الصيام
س: بعض الشباب هداهم الله يتكاسلون عن الصلاة في رمضان وغيره ولكنهم يحافظون على صيام رمضان(15/177)
ويتحملون العطش والجوع، فبماذا تنصحهم وما حكم صيامهم؟ (1)
ج: نصيحتي لهؤلاء أن يفكروا مليا في أمرهم، وأن يعلموا أن الصلاة أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن من لم يصل وترك الصلاة متهاونا فإنه على القول الراجح عندي الذي تؤيده دلالة الكتاب والسنة أنه يكون كافرا كفرا مخرجا عن الملة مرتدا عن الإسلام، فالأمر ليس بالهين؛ لأن من كان كافرا مرتدا عن الإسلام لا يقبل منه لا صيام ولا صدقة، ولا يقبل منه أي عمل؛ لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (2) فبين سبحانه وتعالى أن نفقاتهم مع أنها ذات نفع متعد للغير لا تقبل منهم مع كفرهم، وقال سبحانه وتعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} (3) الذين يصومون ولا يصلون لا يقبل صيامهم، بل هو مردود عليهم ما دمنا نقول: إنهم كفار كما يدل على ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنصيحتي لهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يحافظوا على الصلاة ويقوموا بها في
__________
(1) نشر في (جريدة البلاد) العدد (15378) بتاريخ 20\4\1419 هـ.
(2) سورة التوبة الآية 54
(3) سورة الفرقان الآية 23(15/178)
أوقاتها ومع جماعة المسلمين، وأنا ضامن لهم بحول الله أنهم إذا فعلوا ذلك فسوف يجدون في قلوبهم الرغبة الأكيدة في رمضان وفيما بعد رمضان على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين؛ لأن الإنسان إذا تاب إلى ربه وأقبل عليه وتاب إليه توبة نصوحا، فإنه قد يكون بعد التوبة خيرا منه قبلها، كما ذكر الله سبحانه وتعالى عن آدم عليه الصلاة والسلام أنه بعد أن حصل ما حصل منه من أكل الشجرة، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88(15/179)
س: ما حكم صيام من لا يصلي إلا في رمضان، بل ربما صام ولم يصل؟ (1)
ج: كل من حكم بكفره بطلت أعماله، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر كفرا أكبر إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه يكون كافرا كفرا أصغر، ويكون عمله هذا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (21) ، ونشر في ج 9 من هذا المجموع ص 280.
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة المائدة الآية 5(15/179)
أقبح وأشنع من عمل الزاني والسارق ونحو ذلك، ومع هذا يصح صيامه وحجه عندهم إذا أداهما على وجه شرعي، ولكن تكون جريمته عدم المحافظة على الصلاة، وهو على خطر عظيم من وقوعه في الشرك الأكبر عند جمع من أهل العلم، وحكى بعضهم قول الأكثرين أنه لا يكفر الكفر الأكبر إن تركها تكاسلا وتهاونا وإنما يكون بذلك قد أتى كفرا أصغر، وجريمة عظيمة، ومنكرا شنيعا أعظم من الزنا والسرقة والعقوق، وأعظم من شرب الخمر نسأل الله السلامة، ولكن الصواب والصحيح من قولي العلماء أنه يكفر كفرا أكبر نسأل الله العافية، لما تقدم من الأدلة الشرعية فمن صام وهو لم يصل فلا صيام له ولا حج له.(15/180)
42 - حكم أصر الصبي المميز بالصيام
س: هل يؤمر الصبي المميز بالصيام؟ وهل يجزئ عنه لو بلغ في أثناء الصيام؟ (1)
ج: الصبيان والفتيات إذا بلغوا سبعا فأكثر يؤمرون بالصيام ليعتادوه، وعلى أولياء أمورهم أن يأمروهم بذلك كما يأمرونهم بالصلاة، فإذا بلغوا الحلم وجب عليهم الصوم، وإذا
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 160، وفي (جريدة الندوة) العدد (12206) بتاريخ 3 \ 9 \ 1419 هـ.(15/180)
بلغوا في أثناء النهار أجزأهم ذلك اليوم، فلو فرض أن الصبي أكمل الخامسة عشرة عند الزوال وهو صائم ذلك اليوم أجزأه ذلك، وكان أول النهار نفلا وآخره فريضة إذا لم يكن بلغ قبل ذلك بإنبات الشعر الخشن حول الفرج وهو المسمى العانة، أو بإنزال المني عن شهوة. وهكذا الفتاة الحكم فيهما سواء، إلا أن الفتاة تزيد أمرا رابعا يحصل به البلوغ وهو الحيض.(15/181)
س: سائلة من عفيف تقول: لي ابن يبلغ من العمر اثني عشر عاما هل ألزمه بالصيام أم أن صيامه اختياري وليس واجبا عليه؟ علما بأنه قد لا يطيق الشهر كاملا، جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا كان الابن المذكور لم يبلغ فلا يلزمه الصيام، ولكن يجب عليك أمره بالصيام إذا كان يطيقه حتى يتمرن عليه ويعتاده، كما يؤمر بالصلاة إذا بلغ عشرا ويضرب عليها. وفق الله الجميع.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1673) بتاريخ 6\9\1419م.(15/181)
43 - حكم صيام الحائض والنفساء
س: ما حكم الصيام للمرأة الحائض والنفساء، وإذا أخرتا القضاء إلى رمضان آخر، فماذا يلزمهما؟ (1)
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 172.(15/181)
ج: على الحائض والنفساء أن تفطرا وقت الحيض والنفاس، ولا يجوز لهما الصوم ولا الصلاة في حال الحيض والنفاس، ولا يصحان منهما، وعليهما قضاء الصوم دون الصلاة، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: هل تقضي الحائض الصوم والصلاة؟ فقالت: «كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (1) » متفق على صحته.
وقد أجمع العلماء -رحمهم الله- على ما ذكرته عائشة رضي الله عنها من وجوب قضاء الصوم، وعدم قضاء الصلاة في حق الحائض والنفساء، رحمة من الله سبحانه لهما وتيسيرا عليهما؛ لأن الصلاة تتكرر كل يوم خمس مرات وفي قضائها مشقة عليهما. أما الصوم فإنما يجب في السنة مرة واحدة وهو صوم رمضان فلا مشقة في قضائه عليهما، ومن أخرت القضاء إلى ما بعد رمضان آخر لغير عذر شرعي، فعليها التوبة إلى الله من ذلك مع القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم. وهكذا المريض والمسافر إذا أخرا القضاء إلى ما بعد رمضان آخر من غير عذر شرعي فإن عليهما القضاء والتوبة وإطعام مسكين عن كل يوم. أما إن استمر المرض أو السفر إلى رمضان آخر فعليهما القضاء فقط دون الإطعام بعد البرء من المرض والقدوم من السفر.
__________
(1) رواه مسلم في (الحيض) باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة برقم (508) .(15/182)
س: الأخت التي رمزت لاسمها ب: ع. ب. خ. من وهران في الجزائر تقول في رسالتها: نرجو منكم يا سماحة الشيخ تزويدي بمزيد من الأقوال الصحيحة عن صيام المرأة وصلاتها وقت الحيض، جزاكم الله خيرا.
ج: إذا حاضت المرأة تركت الصلاة والصيام، فإذا طهرت قضت ما أفطرته من أيام رمضان، ولا تقضي ما تركت من الصلوات، لما رواه البخاري وغيره في بيان النبي صلى الله عليه وسلم لنقصان دين المرأة من قوله صلى الله عليه وسلم: «أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي (1) » ، ولما رواه البخاري ومسلم، عن معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: «ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: أحرورية أنت؟ قالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (2) » . رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا من رحمة الله
__________
(1) رواه البخاري في (الحيض) باب ترك الحائض الصوم برقم (304) وفي (الصوم) باب الحائض تترك الصوم برقم (1951) .
(2) رواه البخاري في (الحيض) باب لا تقضي الحائض الصلاة برقم (321) ، ومسلم في (الحيض) باب وجوب قضاء الصوم على الحائض برقم (335) .(15/183)
سبحانه بالمرأة ولطفه بها، لما كانت الصلاة تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات، ويتكرر الحيض كل شهر غالبا أسقط الله عنها وجوب الصلاة وقضاءها، لما في قضائها من المشقة العظيمة، أما الصوم فلما كان لا يتكرر إلا في السنة مرة واحدة أسقط الله عنها الصوم في حال الحيض، رحمة بها، وأمرها بقضائه بعد ذلك؛ تحقيقا للمصلحة الشرعية في ذلك. والله ولي التوفيق.(15/184)
44 - الحائض تقضي ما عليها من صيام
س: لي أخت مر عليها عدة أعوام لم تقض ما أفطرته في العادة الشهرية لسبب جهلها بالحكم سيما أن بعض العاميين قالوا لها: ليس عليها قضاء في الإفطار، فماذا عليها؟
ج: عليها أن تستغفر الله وتتوب إليه، وعليها أن تصوم(15/184)
ما أفطرت من أيام، وتطعم عن كل يوم مسكينا كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نصف صاع، مقداره كيلو ونصف، ولا يسقط عنها ذلك بقول بعض الجاهلات لها أنه لا شيء عليها. قالت عائشة رضي الله عنها: «كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (1) » متفق عليه.
فإذا جاء رمضان الثاني قبل أن تقضي أثمت، وعليها القضاء والتوبة وإطعام مسكين عن كل يوم إن كانت قادرة، فإن كانت فقيرة ولا تستطيع الإطعام أجزأها الصوم مع التوبة، وسقط عنها الإطعام. وإن كانت لا تحصي الأيام التي عليها عملت بالظن وتصوم الأيام التي تظن أنها أفطرتها من رمضان ويكفيها ذلك؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ومن رحمة الله سقوط الصلاة عنها لما في قضائها من المشقة.
وعلى المرضى أن يحرصوا على الصلاة على حسب استطاعتهم حتى لو صلوا في ثيابهم التي بها نجاسة إذا لم يستطيعوا غسلها ولم يجدوا ثيابا طاهرة، وعليهم أن يصلوا بالتيمم إذا لم يستطيعوا الوضوء بالماء للآية السابقة وهي قوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) ولو كانوا لغير القبلة إذا
__________
(1) رواه مسلم في (الحيض) باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة برقم (508) .
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) سورة التغابن الآية 16(15/185)
عجزوا عن استقبالها، وعلى المريض أن يصلي حسب طاقته قائما أو قاعدا أو على جنبه أو مستلقيا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين وكان مريضا: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلقيا (1) » رواه البخاري في صحيحه، والنسائي في سننه وهذا لفظ النسائي. إلا إذا كان المريض قد ذهب عقله فإنه لا قضاء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقط، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ (2) » ولكن إذا كان ذهاب العقل يومين أو ثلاثة بسبب المرض ثم أفاق، فإنه يقضي؛ لأنه والحال ما ذكر يشبه النائم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) ذكره صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير في ج 4 ص 247، وذكره صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح في كتاب الطهارة باب القصد برقم (1248) ، ج 3 ص 314، وذكره صاحب نيل الأوطار في كتاب صلاة المريض ج 3 ص 224.
(2) رواه أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) مسند علي بن أبي '' طالب برقم (896) ، وابن ماجه في (الطلاق) باب طلاق المعتوه برقم (2031) ، وأبو داود في (الحدود) باب المجنون يسرق برقم (3825) .(15/186)
س: أنا فتاة جاءتني الدورة الشهرية وعمري 14 سنة وكنت أخجل أن أخبر أمي بذلك فبعد رمضان لم أقض(15/186)
ما علي علما بأن ذلك كان قبل 11 سنة فما الحكم في ذلك؟ علما بأني متزوجة الآن. وكانت الدورة غير منتظمة، فكانت تأتيني شهرا وتحبس ثلاثة شهور أو أربعة لا تأتي، المهم أني لم أتذكر هل جاءتني في جميع رمضانات وأنا بنت أو لا فما العمل؟ (1)
ج: عليك قضاء جميع الأيام التي لم تصوميها بعدما جاءتك الدورة مع التوبة والاستغفار وإطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع ومقداره كيلو ونصف من قوت البلد، يدفع كله إلى بعض الفقراء؛ لأن المرأة إذا بلغت المحيض تكون مكلفة، تجب عليها الصلاة والصوم ولو كانت دون الخامسة عشرة.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1674) بتاريخ 13 \ 9 \ 19 / 4 / 1 هـ.(15/187)
س: امرأة كانت في أول شبابها لا تعلم أن الحائض تقضي الصوم، واستمرت نحو عشر سنوات، ثم علمت بعد ذلك، ثم الآن وهي كبيرة في السن هل تقضي الآن ما عليها بالصوم؟ أم ماذا تعمل؟ (1)
ج: عليها القضاء لجميع الأيام التي أفطرتها، وتنوي قضاء أيام كل سنة قبل السنة التي بعدها، وتطعم عن كل يوم مسكينا، نصف صاع من قوت البلد إن كانت تستطيع الإطعام، وإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام سقط عنها الإطعام، وإن
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته من (جريدة المسلمون) .(15/187)
كانت لا تستطيع الصوم لكبر سنها كفاها الإطعام. والله ولي التوفيق.(15/188)
س: عندما بلغت سن الثانية عشرة جاءتني الدورة الشهرية قبل شهر رمضان ولم يشجعني أهلي على الصيام بحجة أنني لم أبلغ الرابعة عشرة بعد جهلا منهم وليس تهاونا، أرجو إفادتي ماذا علي الآن؟ (1)
ج: عليك قضاء الأيام التي لم تصوميها من رمضان بعد مجيء الحيض مع التوبة والاستغفار، وعليك إطعام مسكين عن كل يوم، وهو نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، وقد أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومقداره كيلو ونصف الكيلو تقريبا، ويجوز دفع الكفارة كلها إلى مسكين واحد قبل الصيام أو بعده إن كنت تستطيعين ذلك، أما إن كنت فقيرة لا تستطيعين الإطعام فإنه يسقط عنك. وبالله التوفيق.
__________
(1) نشر في (جريدة الندوة) العدد (12213) بتاريخ 11\9\1419 هـ.(15/188)
س: يوم كان عمري (26) سنة أخبرتني أمي وتقول: أنا ما قدرت أخليك تصومي؛ لأنك صغيرة وكان ظمأ والحر شديد، ويوم تزوجتي ما قدرت أعلمك؛ لأن جاكي مرض وبعد ذلك جاكي مرض القلب وما قدرت أعلمك،(15/188)
والحين عليك شهر كامل ما صمتيه، وأنا الآن معي بنتين وأمي ما قدرت تعلمني إلا بعدما شفاني الله. وأنا أريد الجواب هل أصوم الشهر الذي فاتني أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده، يلزمك أن تصومي جميع الأيام التي أفطرت في رمضان بعد ما حضت إذا كان الحيض قبل أن تبلغي خمس عشرة سنة، أما إن كان الحيض بعد ذلك فعليك أن تصومي جميع أيام شهر رمضان الذي مر عليك بعدما أكملت خمس عشرة سنة، وعليك مع الصيام إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو بر أو أرز مع التوبة إلى الله سبحانه، وكثرة الاستغفار. وفق الله الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) استفتاء شخصي مقدم لسماحته وقد صدرت الإجابة عنه من مكتب سماحته.(15/189)
45 - من صامت في حيضتها جاهلة بالحكم
س: امرأة تقول: إنها عندما جاءتها الحيضة أول مرة في رمضان وكانت تبلغ الثالثة عشرة من عمرها، وكانت تصلي وتصوم ولم تقض الأيام التي حاضت فيها علما(15/189)
أنها لم تكن تعلم أنه حرام الصوم في وقت الحيضة وقضائها بعد رمضان، وقد فات على هذا سنوات كثيرة هل تقضيها الآن؟ أفيدونا جزاكم الله (1) .
ج: أولا: الحائض لا يجوز أن تصوم أثناء مدة الحيض ولا أن تصلي، وما فعلته المرأة المذكورة من صوم وصلاة أثناء الحيض يعتبر خطأ، وعليها أن تتوب إلى الله وتستغفره، فليست معذورة بالجهل بالحكم في مثل هذا الأمر؛ لأن الواجب عليها السؤال.
ثانيا: عليها أن تقضي جميع الأيام التي جاءتها العادة فيها في رمضان، سواء كان ذلك من رمضان واحد أو عدة رمضانات، ولا يجزئها الصوم أثناء الحيض، وعليها أن تطعم عن كل يوم مسكينا مع القضاء نصف صاع من قوت البلد.
__________
(1) نشر في ج 5 ص 211 من هذا المجموع.(15/190)
46 - حكم صيام الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر
س: إذا طهرت الحائض قبل الفجر واغتسلت فما الحكم؟ (1)
__________
(1) نشر في (جريدة عكاظ) العدد (11811) بتاريخ 5\9\1419 هـ.(15/190)
ج: صومها صحيح إذا تيقنت الطهر قبل طلوع الفجر، المهم أن المرأة تتيقن أنها طهرت؛ لأن بعض النساء تظن أنها طهرت وهي لم تطهر، ولهذا كانت النساء يأتين بالقطن لعائشة رضي الله عنها فيرينها إياه علامة على الطهر، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء.
فالمرأة عليها أن تتأنى حتى تتيقن أنها طهرت فإذا طهرت فإنها تنوي الصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر، ولكن عليها أيضا أن تراعي الصلاة فتبادر بالاغتسال لتصلي صلاة الفجر في وقتها، وقد بلغنا أن بعض النساء تطهر بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الفجر، ولكنها تؤخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الشمس بحجة أنها تريد أن تغتسل غسلا أكمل وأنظف وأطهر، وهذا خطأ لا في رمضان ولا في غيره؛ لأن الواجب عليها أن تبادر وتغتسل؛ لتصلي الصلاة في وقتها، ثم لها أن تقتصر على الغسل الواجب لأداء الصلاة، وإذا أحبت أن تزداد طهارة ونظافة بعد طلوع الشمس فلا حرج عليها، ومثل المرأة الحائض من كان عليها جنابة فلم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا حرج عليها وصومها صحيح، كما أن الرجل لو كان عليه جنابة ولم يغتسل منها إلا بعد طلوع الفجر وهو صائم فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيقوم ويغتسل بعد طلوع الفجر، والله أعلم.(15/191)
47 - حكم صيام المرأة إذا حاضت بعد غروب الشمس
س: إذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس بقليل فما حكم صومها؟ (1)
ج: جوابنا عليه أن صيامها صحيح حتى لو أحست بأعراض الحيض قبل الغروب، من الوجع والتألم، ولكنها لم تره خارجا إلا بعد غروب الشمس فإن صومها صحيح؛ لأن الذي يفسد الصوم إنما هو خروج دم الحيض وليس الإحساس به.
__________
(1) نشر في (جريدة عكاظ) العدد (11811) بتاريخ 5\9\1419 هـ.(15/192)
س: هل يجب قضاء الصوم إذا أتت المرأة الدورة الشهرية بعد صلاة المغرب أو قبل الصلاة بعد الإفطار؟ (1)
ج: ليس عليها قضاء إذا أكملت الصيام ثم جاء الحيض بعد غروب الشمس ولو قبل الصلاة فلا شيء عليها، وهكذا بعد الصلاة من باب أولى. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم 3.(15/192)
48 - الحائض إذا طهرت في
أثناء النهار وجب عليها الإمساك
س: ما الحكم إذا طهرت الحائض في أثناء نهار رمضان؟
ج: عليها الإمساك في أصح قولي العلماء؛ لزوال العذر الشرعي، وعليها قضاء ذلك اليوم كما لو ثبتت رؤية رمضان نهارا، فإن المسلمين يمسكون بقية اليوم، ويقضون ذلك اليوم عند جمهور أهل العلم، ومثلها المسافر إذا قدم في أثناء النهار في رمضان إلى بلده فإن عليه الإمساك في أصح قولي العلماء لزوال حكم السفر مع قضاء ذلك اليوم. والله ولي التوفيق.(15/193)
49 - حكم المادة التي تخرج من المرأة قبل حلول الدورة
س: هذه السائلة تقول في سؤال ثان: قبل حلول الدورة الشهرية تأتي معي مادة بنية اللون تستمر خمسة أيام، وبعد ذلك يأتي الدم الطبيعي ويستمر الدم الطبيعي لمدة ثمانية أيام بعد الأيام الخمسة الأولى، وتقول أنا أصلي(15/193)
هذه الأيام الخمسة، ولكن أنا أسأل: هل يجب علي صيام وصلاة هذه الأيام أم لا؟ أفيدوني أفادكم الله (1) .
ج: إذا كانت الأيام الخمسة البنية منفصلة عن الدم فليست من الحيض، وعليك أن تصلي فيها وتصومي وتتوضئي لكل صلاة؛ لأنها في حكم البول، وليس لها حكم الحيض، فهي لا تمنع الصلاة ولا الصيام، ولكنها توجب الوضوء كل وقت حتى تنقطع كدم الاستحاضة. أما إذا كانت هذه الخمسة متصلة بالحيض فهي من جملة الحيض، وتحتسب من العادة، وعليك ألا تصلي فيها ولا تصومي.
وهكذا لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضا، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضا، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية رضي الله عنها: «كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا (2) » . أخرجه البخاري في صحيحه، وأبو داود، وهذا لفظه. وأم عطية من
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (104) ، ونشرت في (الجزء العاشر) من هذا المجموع ص 207
(2) رواه البخاري في (الحيض) باب الصفرة والكدرة في أيام الحيض برقم (326) ، وأبو داود في (الطهارة) باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة برقم (307) واللفظ له.(15/194)
الصحابيات الفاضلات اللاتي روين عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة رضي الله عنها. والله ولي التوفيق.(15/195)
50 - حكم صيام المستحاضة
س: المستحاضة هل تحل لزوجها؟ .
ج: المستحاضة: هي التي يكون معها دم لا يصلح حيضا ولا نفاسا، وحكمها حكم الطاهرات، تصوم، وتصلي، وتحل لزوجها، وتتوضأ لكل صلاة، كأصحاب الحدث الدائم من بول أو ريح أو غيرهما، وعليها أن تتحفظ من الدم بقطن أو نحوه؛ حتى لا يلوث بدنها ولا ثيابها، كما صحت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.(15/195)
51 - حكم صيام النفساء إذا طهرت قبل الأربعين
س: هل يجوز للمرأة النفساء أن تصوم وتصلي وتحج قبل أربعين يوما إذا طهرت؟(15/195)
ج: نعم يجوز لها أن تصوم، وتصلي، وتحج وتعتمر، ويحل لزوجها وطؤها في الأربعين إذا طهرت، فلو طهرت لعشرين يوما اغتسلت وصلت وصامت، وحلت لزوجها. وما يروى عن عثمان بن أبي العاص أنه كره ذلك فهو محمول على كراهة التنزيه، وهو اجتهاد منه رحمه الله ورضي عنه، ولا دليل عليه.
والصواب: أنه لا حرج في ذلك، إذا طهرت قبل الأربعين يوما، فإن طهرها صحيح، فإن عاد عليها الدم في الأربعين، فالصحيح أنها تعتبره نفاسا في مدة الأربعين، ولكن صومها الماضي في حال الطهارة وصلاتها وحجها كله صحيح، لا يعاد شيء من ذلك ما دام وقع في حال الطهارة.(15/196)
س: كثير من الناس إذا ولدت عندهم المرأة أخذت بعد وضعها أربعين يوما وهي لا تصلي ولا تصوم ولو كانت هذه المرأة طاهرة، فما الحكم؟ .
ج: النفاس يمنع الصلاة والصوم والوطء مثل الحيض. النفاس: هو الدم الذي يخرج بسبب الولادة، فما دامت(15/196)
المرأة ترى الدم في الأربعين فلا تصلي، ولا تصوم، ولا يحل لزوجها وطؤها، حتى تطهر أو تكمل أربعين، فإن استمر الدم حتى كملت الأربعين؛ وجب أن تغتسل عند نهاية الأربعين؛ لأن النفاس لا يزيد عن أربعين يوما على الصحيح، فتغتسل، وتصلي، وتحل لزوجها، وتتحفظ من الدم بالقطن ونحوه؛ حتى لا يصيب ثيابها وبدنها، ويكون حكم هذا الدم حكم دم الاستحاضة لا يمنع من الصلاة ولا من الصوم، ولا يمنع زوجها منها، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة، أما إن رأت الطهر قبل الأربعين فإنها تغتسل، وتصلي، وتصوم، وتحل لزوجها ما دامت طاهرة ولو لم يمض من الأربعين إلا أيام قليلة، فإن عاد عليها في الأربعين، لم تصل، ولم تصم، ولم تحل لزوجها، حتى تطهر أو تكمل الأربعين، وما فعلته في أيام الطهارة من صلاة أو صوم فإنه صحيح، ولا تلزمها إعادة الصوم.(15/197)
س: امرأة كانت نفساء فطهرت قبل أن تكمل عدة أربعين يوما فاغتسلت وصامت الباقي من رمضان بعد أن رأت أنها طهرت، فقيل لها: لا بد أن تعيدي صيام ما صمت قبل أن تكملي مدة الأربعين، فما الحكم الشرعي في ذلك، هل تعيد الصيام أم لا؟ وهل يجوز الجماع بعد الطهارة قبل أن تكمل الأربعين أم لا؟ وإذا طهرت من الحيض قبيل أن تكمل سبعة أيام فهل يجوز الجماع(15/197)
أم لا؟ (1)
ج: إذا كان الواقع كما ذكرت أنها رأت الطهر قبل تمام الأربعين واغتسلت وصامت فصومها الأيام التي قبل إكمال مدة الأربعين يوما صحيح ولا قضاء عليها، ولا حرج في مجامعتها خلال تلك الأيام -أي بعد الطهر والاغتسال قبل الأربعين- وكذلك لا حرج في في مجامعة من طهرت من الحيض قبل سبعة أيام.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1673) بتاريخ 6 \ 9 \ 1419 هـ.(15/198)
52 - حكم صوم النفساء إذا طهرت ثم عاد إليها الدم وهي في الأربعين
س: إذا طهرت النفساء خلال أسبوع ثم صامت مع المسلمين في رمضان أياما معدودة، ثم عاد إليها الدم، هل تفطر في هذه الحالة؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها؟ (1)
ج: إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياما ثم عاد إليها الدم في الأربعين، فإن صومها صحيح وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم؛ لأنه نفاس حتى تطهر أو تكمل الأربعين، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1525) بتاريخ 20 \ 8 \ 1416 هـ.(15/198)
الغسل وإن لم تر الطهر؛ لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين وإن لم تر الطهر؛ لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته. لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضا. والله ولي التوفيق.(15/199)
س: إذا طهرت النفساء قبل الأربعين هل تصوم وتصلي أم لا؟ وإذا جاءها الحيض بعد ذلك هل تفطر؟ وإذا طهرت مرة ثانية هل تصوم وتصلي أم لا؟ (1)
ج: إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة وصوم رمضان، وحلت لزوجها، فإن عاد عليها الدم في الأربعين وجب عليها ترك الصلاة والصوم، وحرمت على زوجها في أصح قولي العلماء، وصارت في حكم النفساء حتى تطهر أو تكمل الأربعين، فإذا طهرت قبل الأربعين أو على رأس الأربعين اغتسلت وصامت وحلت لزوجها، وإذا استمر معها الدم بعد الأربعين فهو دم فساد لا تدع من أجله الصلاة
__________
(1) نشر في (جريدة اليوم) العدد (9327) بتاريخ 10 \ 9 \ 1419 هـ.(15/199)
ولا الصوم، وتصوم في رمضان وتحل لزوجها كالمستحاضة، وعليها أن تستنجي وتتحفظ بما يخفف عنها الدم من القطن ونحوه، وتتوضأ لوقت كل صلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بذلك إلا إذا جاءتها الدورة الشهرية -أعني الحيض- فإنها تترك الصلاة.(15/200)
53 - حكم استعمال المرأة الحبوب التي تقطع الدم في أيام الحيض والنفاس
س: إذا استعملت المرأة ما يقطع الدم في أيام النفاس أو الحيض فما الحكم؟ (1)
ج: إذا استعملت المرأة ما يقطع الدم من حبوب أو إبر فانقطع الدم بذلك واغتسلت، فإنها تعمل كما تعمل الطاهرات، وصلاتها صحيحة، وصومها صحيح.
__________
(1) من ضمن الأسئلة التابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير بالرياض.(15/200)
س: بعض النسوة يستعملن الحبوب في شهر رمضان بدون انقطاع؛ لكي لا يأتيهن العذر الشهري وهذا حتى لا يفطرن يوما واحدا من شهر رمضان، هل هذا العمل(15/200)
صحيح؟ (1)
ج: لا أرى في هذا بأسا إذا كان لا يضرهن ذلك، ولا أعلم في ذلك حرجا؛ لأن لهن في هذا مصلحة كبيرة في الصيام مع الناس ولعدم القضاء بعد ذلك.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(15/201)
س: هل يجوز استعمال حبوب منع الحمل لتأخير الحيض عند المرأة في شهر رمضان؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك؛ لما فيه من المصلحة للمرأة في صومها مع الناس وعدم القضاء، مع مراعاة عدم الضرر منها؛ لأن بعض النساء تضرهن الحبوب.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1674) بتاريخ 13 \ 9 \ 1419 هـ.(15/201)
54 - حكم الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يستطيعان الصوم
س: رجل قد بلغ من السن 75 سنة ويشق عليه الصوم. . إلخ من أجل القرحة فما حكمه؟ (1)
__________
(1) فتوى صدرت من مكتب سماحته عندما كان رئيسا لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.(15/201)
ج: إذا كان الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة يشق عليهما الصوم فلهما الإفطار، ويطعمان عن كل يوم مسكينا إما بتشريكه معهما في الطعام أو دفع نصف صاع من التمر أو الحنطة أو الأرز للمسكين كل يوم، فإذا كانا مع ذلك مريضين بقرحة أو غيرها، تأكد عليهما الفطر ولا إطعام عليهما؛ لأنهما حينئذ إنما أفطرا من أجل المرض لا من أجل الكبر، فإذا شفيا قضيا عدد الأيام التي أفطراها، فإن عجزا عن القضاء بسبب الكبر أطعما عن كل يوم مسكينا كما تقدم. هكذا أفتى ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من أهل العلم. وأدلة ذلك معلومة منها قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) والعاجز الكبير لا يستطيع القضاء، فوجب عليه الإطعام بدلا من ذلك. وكان أنس بن مالك رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم لما كبرت سنه، وشق عليه الصوم أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا. والله الموفق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 184(15/202)
س: والد صديقتي رجل كبير يصلي باستمرار لكن قبل ست سنوات ترك الصوم وتمسك بالصلاة فقط بسبب إصابته بمرض القلب المزمن فهل تستطيع بناته الصوم عوضا عنه؟ (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(15/202)
ج: ما دام هو موجود وعاجز عن الصوم بتقرير الأطباء أنه عاجز، ولا يرجى زوال هذا المرض، فإنه يطعم عن كل يوم مسكينا مثل الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة العاجزين عن الصوم، يطعم عنهما عن كل يوم مسكينا نصف صاع من التمر أو غيره من قوت البلد، وهكذا المريض الذي لا يرجى برؤه لا يصام عنه إلا إذا مات ولم يصم، فلهم الخيار إذا صاموا عنه فهم محسنون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » وإن أطعموا كفى.
__________
(1) رواه البخاري في (الصيام) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(15/203)
س: يوجد عندنا امرأة كبيرة السن ولا تطيق الصوم فماذا تفعل؟ (1)
ج: عليها أن تطعم مسكينا عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره بالوزن كيلو ونصف على سبيل التقريب. كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم ابن عباس رضي الله عنه وعنهم فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام فلا شيء عليها،
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (صحيفة عكاظ) وأجاب عنها سماحته بتاريخ 23 \ 9 \ 1408 هـ.(15/203)
وهذه الكفارة يجوز دفعها لواحد أو أكثر في أول الشهر أو وسطه أو آخره، وبالله التوفيق.(15/204)
55 - من عجز عن الصيام دائما وجب عليه الإطعام
س: أنا رجل طاعن في السن وأبلغ من العمر سبعين عاما وعلي ستة وعشرون يوما أفطرتها في رمضان سابق، مضت عليه سنوات عديدة وذلك بسبب مرض يتعهدني في معظم أيام حياتي، سؤالي: هل أقضي هذه الأيام وأفدي رغم كبر سني أم أفدي فقط بدلا من قضاء هذه الأيام؟ وما مقدار الصاع بالكيلو؟ (1)
ج: إذا كنت ترجو العافية فعليك القضاء؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) أما إن كنت أخرت القضاء تساهلا منك مع وجود أوقات تستطيع فيها القضاء فإنه يلزمك القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم مع التوبة إلى الله سبحانه من التأخير. والواجب
__________
(1) نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (30) .
(2) سورة البقرة الآية 185(15/204)
في ذلك نصف صاع عن كل يوم أخرت قضاءه إلى رمضان آخر من غير عذر ومقداره كيلو ونصف تقريبا، يدفع الطعام للفقراء والمساكين، ويجوز دفعه كله إلى مسكين واحد، ومتى عجزت عن القضاء بسبب كبر السن أو مرض لا يرجى برؤه حسب تقرير الطبيب المختص الثقة سقط عنك القضاء، ووجب عليك الإطعام وهو نصف صاع عن كل يوم من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما. وفقنا الله وإياك لما يرضيه.(15/205)
س: ما رأيكم فيمن يرخص لهم في الفطر: كشيخ كبير وعجوز ومريض لا يرجى برؤه، هل يلزمهم فدية عن إفطارهم؟ (1)
ج: على من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه إطعام مسكين عن كل يوم مع القدرة على ذلك؛ كما أفتى بذلك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم ابن عباس رضي الله عنهما.
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 171، وفي (جريدة الندوة) العدد (12214) بتاريخ 12 \ 9 \ 1419 هـ.(15/205)
56 - التكاليف الشرعية تسقط باختلال الشعور
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ر. ع. ف. وفقه الله لكل خير آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابكم المؤرخ في 4 \ 9 \ 1393 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أن والدتك مرضت واختل شعورها وأفطرت سبع رمضانات، ولم يتصدق عنها ثم شفيت من مرضها وأنها تقدر على صيام الرمضانات المذكورة، وسؤالكم - هل يجوز لولدها أن يصوم عنها ما تركت أم تصوم هي ولو أنه خطر عليها في المستقبل؛ لأن مرضها مرض أعصاب أم هل يجوز التصدق عنها- كان معلوما.
ج: إذا كانت تركت الصيام لاختلال شعورها فإنه لا قضاء عليها؛ لأن التكاليف الشرعية قد رفعت عنها في الفترة
__________
(1) خطاب صدر من مكتب سماحته عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية برقم 136 \ خ بتاريخ 18 \ 1 \ 1395 هـ.(15/206)
التي فقدت فيها الشعور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة وذكر منهم المجنون حتى يفيق (1) » . ومن اختل شعوره بأي نوع من الأمراض فهو في حكم المجنون لا تكليف عليه، أما إن كان تركها للصيام بسبب المرض وعقلها ثابت فعليها القضاء بعد الشفاء من مرضها حسب طاقتها ولو مفرقا، فإن ماتت في مرضها لم يقض عنها، ولا يجوز أن يصوم عنها أحد في حياتها. وفق الله الجميع للفقه في دينه، والثبات عليه، وجزاك عن عنايتك بأمرها خيرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
__________
(1) رواه أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) ، ومن مسند علي بن أبي طالب برقم (896) ، وأبو داود في (الحدود) باب في المجنون يسرق برقم (3825) .(15/207)
س: لي جدة كبيرة في السن ولم تصم منذ عشر سنوات لعدم استطاعتها، وتوفيت هذا العام، ولم تكفر عن السنوات الماضية، ولم يكفر عنها ورثتها وذلك لجهل منهم مع العلم أنها تحصل على مساعدة من مصلحة الضمان الاجتماعي، فهل يلزم الورثة التكفير عنها كل صيام رمضان في السنوات الماضية؟ وهل عليهم إثم في ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: إذا كانت سليمة العقل في المدة المذكورة وتستطيع التكفير فإنه يخرج عنها من تركتها كفارة الأيام التي لم تصمها ولم تكفر عنها، عن كل يوم إطعام مسكين نصف صاع من قوت البلد يصرف للفقراء والمساكين.
أما إن كانت قد تغير عقلها بسبب الهرم أو كانت فقيرة في حياتها لا تستطيع التكفير؛ لكون المقرر لها من الضمان الاجتماعي بقدر حاجتها لا يفضل منه شيء للتكفير فلا شيء عليها ولا على ورثتها؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب الشيخ محمد المسند ج 2 ص 139.
(2) سورة التغابن الآية 16(15/208)
عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم (1) » متفق على صحته. ولأنها بوجود الهرم إن كانت هرمت يسقط عنها التكليف بالصوم والصلاة ونحوهما. وبالله التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الفضائل (1337) ، سنن الترمذي العلم (2679) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .(15/209)
س: والدي كبير في السن وليس عنده حاسية ولم يستطع صيام رمضان ودفعت عنه خمسة عشر ريالا يوميا هل هذا جائز؟ (1)
ج: إذا كان عقله قد زال وما عنده حاسية قد زال شعوره فليس عليه شيء ولا صدقة ولا شيء آخر، أما إذا كان عقله معه وشعوره معه ولكن لا يستطيع الصوم فإنك تطعم عنه طعاما لا دراهم، تطعم عنه كل يوم نصف صاع خمسة عشر صاعا تعطيها بعض الفقراء عن أيام رمضان إذا كان عقله معه، أما إذا كان قد اختل شعوره فليس عليه شيء لا طعام ولا غيره.
__________
(1) من ضمن أسئلة الحج بمنى عام 1457 هـ.(15/209)
57 - حكم صيام من يفقد وعيه
س: مريض أدرك بعض شهر رمضان ثم أصابه فقدان للوعي ولا يزال، هل يقضي عنه أبناؤه لو توفي؟ بارك الله فيكم.(15/209)
ج: بسم الله والحمد لله، ليس عليه القضاء إذا أصابه ما يذهب عقله أو ما يسمى بالإغماء، فإنه إذا استرد وعيه لا قضاء عليه، فمثله مثل المجنون والمعتوه، لا قضاء عليه، إلا إذا كان الإغماء مدة يسيرة كاليوم أو اليومين أو الثلاثة على الأكثر فلا بأس بالقضاء احتياطا، وأما إذا طالت المدة فهو كالمعتوه لا قضاء عليه، وإذا رد الله عقله يبتدئ العمل. ولا على أبنائه - لو مات- أن يقضوا عنه، نسأل الله العافية والسلامة.(15/210)
س: أبو قاسم من الرياض، يقول: رجل يغيب عنه وعيه بضع ساعات، فهل عليه صيام؟ (1)
ج: إذا كان وعيه إنما يغيب بعض الساعات فعليه الصوم، كالذي ينام بعض الوقت، وكونه يغيب عنه وعيه بعض الأحيان في أثناء النهار أو في أثناء الليل لا يمنع وجوب الصوم عليه. نسأل الله له الشفاء والعافية.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1673) بتاريخ 6 \ 9 \ 1419 هـ.(15/210)
58 - للمريض الإفطار إذا شق عليه الصيام
س: أنا في السادسة عشرة من عمري وأعالج في مستشفى الملك فيصل التخصصي من حوالي خمس(15/210)
سنوات إلى الآن، وفي شهر رمضان من العام الماضي أمر الدكتور بإعطائي علاجا كيماويا في الوريد وأنا صائم وكان العلاج قويا ومؤثرا على المعدة وعلى جميع الجسم، وفي نفس اليوم الذي أخذت فيه العلاج جعت جوعا شديدا، ولم يمض من الفجر إلا حوالي سبع ساعات، وفي حوالي العصر تألمت منه وكدت أموت، ولم أفطر حتى أذان المغرب، وفي شهر رمضان هذا العام -إن شاء الله- سيأمر الدكتور بإعطائي ذلك العلاج. هل أفطر في ذلك اليوم أم لا؟ وإذا لم أفطر فهل علي قضاء ذلك اليوم؟ وهل أخذ الدم من الوريد يفطر أم لا؟ وكذلك العلاج الذي ذكرت؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1)
ج: المشروع للمريض الإفطار في شهر رمضان إذا كان الصوم يضره، أو يشق عليه، أو كان يحتاج إلى علاج في النهار بأنواع الحبوب والأشربة ونحوها مما يؤكل ويشرب؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته من ج. ع. أ.، ونشر في (كتاب الدعوة) الجزء الأول ص 119.
(2) سورة البقرة الآية 185(15/211)
أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته (1) » ، وفي رواية أخرى: «كما يحب أن تؤتى عزائمه (2) » ، أما أخذ الدم من الوريد للتحليل أو غيره فالصحيح أنه لا يفطر الصائم، لكن إذا كثر فالأولى تأجيله إلى الليل، فإن فعله في النهار فالأحوط القضاء تشبيها له بالحجامة.
__________
(1) رواه أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند ابن عمر برقم (5600) .
(2) رواه ابن حبان في (صوم المسافر) باب ذكر الخبر الدال على أن الإفطار في السفر أفضل من الصوم برقم (3526) ، وابن أبي شيبة في مصنفه باب الأخذ بالرخص برقم (24793، و24794، و24795، 24796) .(15/212)
س: إنني مرضت مرضا شديدا مما اضطرني إلى السفر إلى خارج العالم الإسلامي للعلاج، وقد جاء رمضان الكريم وأنا في الخارج وأمرني الطبيب المسيحي بالإفطار بحجة أن الأدوية قد تضرني إذا لم أتناول الطعام وخاصة الماء، الأمر الذي اضطرني إلى الإفطار، وطلب مني الطبيب الاستمرار على العلاج مدة طويلة، وعند عودتي استشرت طبيبا مسلما فطلب مني الإفطار هذا العام كذلك ولقد جربت الصوم ولكنني شعرت بتدهور صحتي فماذا علي من العمل تجاه هذا الوضع؟ وهل علي إطعام بدلا من(15/212)
الصوم مع العلم أنني موظف محدود الدخل؟ أرجو الإفادة (1) .
ج: لا حرج عليك يا أخي في الإفطار ما دمت تحس بالمرض، وتتعب من الصوم ونصحك الأطباء لذلك، فلا حرج عليك، وهكذا إذا كانت الأدوية منظمة تحتاج إليها في النهار فأنت مباح لك الإفطار؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2)
ولو لم يكن عندك طبيب وأحسست بالمرض مما يشق عليك معه الصوم، فإنه يشرع لك أن تفطر لوجود المرض بنص القرآن الكريم، فالمرض عذر شرعي كالسفر فمتى وجدت مشقه عليك بسبب المرض فلك الإفطار وإن كنت لم تستشر طبيبا في ذلك وعليك القضاء، والحمد لله إذا شفيت من المرض ولو بعد مدة؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) والمعنى: فعليه الصيام من أيام أخر بعدة ما أفطر. فأنت يا أخي إذا شفاك الله وتمت صحتك تقضي والحمد لله، ولا حرج عليك في ذلك، وأبشر بالخير شفاك الله وعافاك.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الرابع.
(2) سورة البقرة الآية 185
(3) سورة البقرة الآية 185(15/213)
59 - المريض يقضي ما أفطر بعد الشفاء
س: السائلة: ع. ز. من الطائف - السعودية تقول في سؤالها: أصابني مرض في البطن مما جعلني لا أقدر على صوم رمضان كاملا ماذا أصنع؟ (1)
ج: إذا أصاب المسلم مرض في البطن أو غيره لا يستطيع معه الصوم، أو يشق عليه الصوم، فإنه يفطر ثم يقضي بعد الشفاء؛ لقول الله عز وجل في سورة البقرة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته من (جريدة المسلمون) .
(2) سورة البقرة الآية 185(15/214)
س: الاسم: ع. ن. ع. العمر 58 سنة سعودي، المذكور يراجع عيادات الباطنية ووحدة التنظير، وكذلك عيادة الأمراض النفسية، وعيادة المسالك البولية بمستشفى شقراء العام، ومجمع الرياض الطبي بالرياض، وهو(15/214)
يعاني من ارتخاء الفتحة العلوية للمعدة، والتهاب مزمن بغشاء المعدة حسب نتيجة منظار المعدة مع إمساك مزمن وآلام متكررة بالبطن، وارتفاع في ضغط الدم، وبناء على الفحوصات المخبرية من مجمع الرياض الطبي ومستشفى شقراء ودلة بالرياض فإن المريض يعتبر حاملا لفيروس التهاب الكبد من نوع (سي) بالدم، وهو يراجع بالإضافة إلى المستشفيات السالف ذكرها بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، كما أنه يعاني من التهاب مزمن (بالبروستات) ومازال تحت المتابعة والعلاج حتى تاريخه، كما أنه يعاني منذ عدة سنوات من حالة قلق مع اكتئاب نفسي، وما زال تحت العلاج النفسي والمتابعة حتى تاريخه، وما زال تحت المتابعة والعلاج بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، ومجمع الرياض الطبي ومستشفى دلة بالرياض، ومستشفى شقراء العام بعيادات الباطنية ووحدة التنظير وعيادة الأمراض النفسية، وعيادة المسالك البولية حتى تاريخه (1) .
__________
(1) سؤال موجه لسماحته من الأخ ع. ن. ع. وأجاب عنه سماحته في 2 \ 9 \ 1417 هـ.(15/215)
مدير مستشفى شقراء العام المكرم: ع. أ. هـ حفظه الله.
تحية الإسلام، وبعد أرجو التكرم بعرض موضوعي على سماحة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز شخصيا بعد إحاطتكم بأن رمضان على الأبواب، وأنا شخص أعاني من الأمراض الموضحة بالتقرير أعلاه، وأجد ظمأ دائما ولا أستغني عن حمل الماء معي ولو لمسافة قريبة جدا، ولا أستوعب أكل إلا قليل جدا، وأتعب عندما تفضي المعدة من الطعام في وقت قصير يقارب الساعة بعد الأكل، وأتعب إذا أكلت أيضا، وأتعب عند أقل مفاهمة، ويذهب بي إلى الإسعاف، وعلما بأن الأطباء ينصحوني بحمية دائمة عن البروتينات والدهنيات والحامض والحار، ولم يسمح لي إلا بطعام قليل التغذية، وأنا رجل أخاف الله سبحانه، وذكر لي أحد الأطباء المسلمين أن أفطر في رمضان، وأن أطعم مسكينا عن كل يوم، ولم أقنع إلا بفتوى فضيلة الشيخ الأب عبد العزيز بن باز أرجو التكرم بإعطائي أوامره الشرعية لا عدمناكم.
ج: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وبعد: بناء على التقرير المذكور أعلاه عن حال عمر المذكور أفتيت عمر المذكور بأن له الإفطار في رمضان ما دام يشق عليه الصوم(15/216)
وعليه القضاء إذا شفاه الله؛ لقوله سبحانه: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) شفاه الله من كل سوء ووفق الجميع لما يرضيه.
قاله الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/217)
س: أنا سيدة مريضة وقد أفطرت بعض الأيام في رمضان الماضي، ولم أستطع قضاءها لمرضي، فما هي كفارة ذلك؟ كذلك فإنني لن أستطيع صيام رمضان هذا العام فما هي كفارة ذلك أيضا؟
ج: المريض الذي يشق عليه الصيام، يشرع له الإفطار، ومتى شفاه الله قضى ما عليه؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) وليس عليك أيتها السائلة حرج في الإفطار في هذا الشهر ما دام المرض باقيا؛ لأن الإفطار رخصة من الله للمريض والمسافر، «والله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته، (2) »
__________
(1) سورة البقرة الآية 185
(2) مسند أحمد بن حنبل (2/108) .(15/217)
وليس عليك كفارة، ولكن متى عافاك الله فعليك القضاء شفاك الله من كل سوء، وكفر عنا وعنك السيئات.(15/218)
60 - الفرق بين المرض الذي يرجى برؤه والذي لا يرجى برؤه
س: أنا رجل مصاب بمرض أعصاب وقد راجعت مستشفى الأمراض النفسية وصرف لي علاج مستمر طول اليوم ثلاث مرات، وإذا تركته اشتد المرض بي حتى أسقط على الأرض بدون شعور، وأرغب أن أصوم ولكني خائف إذا انقطع عني هذا العلاج الذي أتناوله في اليوم يعود لي هذا المرض.
ج: لا تصم بارك الله فيك يقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) ما دام الحال على ما ذكرت فتناول الحبوب كل يوم ولا تصم حتى يشفيك الله، واسأل الأطباء الذين أعطوك الدواء، فإن كان
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/218)
هذا المرض في اعتقادهم وتجاربهم يستمر، فأطعم عن كل يوم مسكينا ويكفي، مثل الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، أطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع، تمر أو أرز تدفع للفقراء، فقير واحد أو أكثر، في أول الشهر أو في وسطه أو في آخره تجمعه وتعطيه بعض الفقراء، ويكفي إن شاء الله. أما إن قال الأطباء: إن هذا يرجى زواله إن شاء الله بعد سنتين أو ثلاث فإنك تؤجل، فإذا عافاك الله تقضي.(15/219)
س: إنني مريضة بالسكر والقرحة فإذا لم أستطع الصوم فماذا يجب علي أن أفعل؟ (1)
ج: عليك مراجعة الطبيب المختص، فإن قرر الطبيب المختص أن الصوم يضرك فأفطري، فإذا عافاك الله فاقضي بعد ذلك.
وإن قرر الأطباء المختصون أن هذا المرض يضره الصوم دائما، وأنه فيما يعلمون أن المرض سوف يستمر ولا يرجى برؤه، فإنك تفطرين وتطعمين عن كل يوم مسكينا نصف صاع من قوت البلد مقداره كيلو ونصف تقريبا والحمد لله. وليس عليك صيام؛ لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الخامس عشر.
(2) سورة التغابن الآية 16(15/219)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم \ ... وبعد: فقد وصل كتابكم وما تضمنه من الإفادة أن زوجتك مريضة منذ عدة سنوات، مما اضطرها إلى إفطار شهر رمضان عام 1391 هـ، وأنها لا تستطيع صيام شهر رمضان من هذا العام، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
ج: ما دامت يشق عليها الصوم، فالمشروع لها الإفطار وعليها القضاء إذا شفاها الله؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) لكن إذا قرر الأطباء أن مرضها لا يرجى برؤه، فعليها إطعام مسكين، نصف صاع من قوت البلد لكل يوم ولا قضاء عليها. ونسأل الله أن يلبسها لباس الصحة والعافية، ويجعل ما أصابها طهورا وتكفيرا من الذنوب إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/220)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم. . . وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
كتابكم الكريم وصلى وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة، أنك كبير السن، وأصبت بمرض الشلل في نصف جسمك، ولا تقدر على الصيام، وإذا صمت اشتد عليك المرض إلى آخر ما ذكرت، ورغبتك في الفتوى كان معلوما؟
ج: إذا قرر الأطباء المختصون أن مرضك هذا من الأمراض التي لا يرجى برؤها فالواجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم من أيام رمضان ولا صوم عليك، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد، من تمر أو أرز أو غيرهما، وإذا غديته أو عشيته كفى ذلك، أما إن قرروا أنه يرجى برؤه فلا يجب عليك إطعام، وإنما يجب عليك قضاء الصيام إذا شفاك الله من المرض، لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) وأسأل الله أن يمن عليك بالشفاء من كل سوء، وأن يجعل ما أصابك طهورا وتكفيرا من الذنوب، وأن يمنحك الصبر الجميل والاحتساب إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/221)
س: سائل يقول: إني مصاب بمرض الصرع ولم أتمكن من صوم شهر رمضان المبارك؛ وذلك لاستمراري على العلاج ثلاثة أوقات يوميا، وقد جربت صيام يومين ولم أتمكن علما أنني متقاعد وتقاعدي يصل إلى ثلاثة وثمانين دينارا شهريا، وصاحب زوجة وليس لي أي وارد غير تقاعدي، فما حكم الشرع في حالتي إذا لم أتمكن من إطعام ثلاثين مسكينا خلال شهر رمضان؟ ما هو المبلغ الذي أدفعه؟ (1)
ج: إذا كان هذا المرض الذي ألم بك يرجى زواله في يوم من الأيام فإن الواجب عليك أن تنتظر حتى يزول هذا المرض ثم تصوم؛ لقول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2)
أما إذا كان هذا المرض مستمرا لا يرجى زواله فالواجب عليك أن تطعم عن كل يوم مسكينا، ويجوز أن تصنع غداء أو عشاء وتدعو إليه مساكين بعدد أيام الشهر وتبرأ ذمتك، ولا أظن أحدا يعجز عن هذا إن شاء الله تعالى، ولا حرج عليك إذا كنت لا تستطيع أن تطعم هؤلاء المساكين في شهر واحد، ولا
__________
(1) نشر في (جريدة المدينة) العدد (13057) بتاريخ 1 \ 10 \ 1419 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 185(15/222)
حرج عليك أن تطعم بعضهم في شهر وبعضهم في شهر وبعضهم في شهر حسبما تقدر عليه. والله أعلم.(15/223)
61 - الحامل والمرضع لهما الفطر إذا شق عليهما الصوم وتقضيان
س: امرأة حامل ولا تطيق الصوم فماذا تفعل؟ (1)
ج: حكم الحامل التي يشق عليها الصوم حكم المريض، وهكذا المرضع إذا شق عليها الصوم تفطران وتقضيان؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) وذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن عليهما الإطعام فقط. والصواب الأول؛ لأن حكمهما حكم المريض؛ لأن الأصل وجوب القضاء ولا دليل يعارضه. ومما يدل على ذلك ما رواه أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع (3) » رواه
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (صحيفة عكاظ) وأجاب عنها بتاريخ 23 \ 9 \ 1408 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 185
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند البصريين) من حديث أنس بن مالك برقم (19814) ، والنسائي في (الصيام) باب وضع الصيام عن الحبلى برقم (2315)(15/223)
الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد حسن. فدل على أنهما كالمسافر في حكم الصوم تفطران وتقضيان. أما القصر فهو حكم يختص بالمسافر لا يشاركه فيه أحد وهو صلاة الرباعية ركعتين. وبالله التوفيق.(15/224)
س: المرأة الحبلى والمرضع هل يجوز لهما الفطر في رمضان؟ وهل عليهما القضاء؟ أرجو التكرم بإفادتنا بالخلاصة من الأحاديث في هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيرا. (1)
ج: أما الحامل والمرضع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك الكعبي عند أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح أنه رخص لهما في الإفطار وجعلهما كالمسافر. فعلم بذلك أنهما تفطران وتقضيان كالمسافر، وذكر أهل العلم أنه ليس لهما الإفطار إلا إذا شق عليها الصوم كالمريض، أو خافتا على ولديهما والله أعلم.
__________
(1) نشر في مجلة (راية الإسلام) العددان العاشر والحادي عشر سنة 1380 هـ.(15/224)
س: هل يباح الفطر للمرأة الحامل والمرضع وهل يجب عليهما القضاء أم هناك كفارة عن فطرهما؟ (1)
__________
(1) نشر في (تحفة الإخوان) لسماحته ص 171، وفي (جريدة الندوة) العدد (12214) بتاريخ 12 \ 9 \ 1419 هـ.(15/224)
ج: الحامل والمرضع حكمهما حكم المريض، إذا شق عليهما الصوم شرع لهما الفطر، وعليهما القضاء عند القدرة على ذلك، كالمريض، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفيهما الإطعام عن كل يوم: إطعام مسكين، وهو قول ضعيف مرجوح، والصواب أن عليهما القضاء كالمسافر والمريض؛ لقول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) وقد دل على ذلك أيضا حديث أنس بن مالك الكعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم (2) » رواه الخمسة.
__________
(1) سورة البقرة الآية 184
(2) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع برقم (649) ، وابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع برقم (1657) .(15/225)
62 - القول بسقوط القضاء عن الحامل والمرضع قول مرجوح
س: حينما كنت حاملا بمولودي الأول وذلك قبل تسع سنوات سألت أحد الإخوة ممن يدعو لمنهج السلف عن(15/225)
ماذا أفعل وقد دخل علينا شهر رمضان ولا أستطيع الصوم لظروف الحمل؟ فأجابني أن لا صوم علي مستدلا بالحديث: «وضع شطر الصلاة عن المسافر ووضع الصوم عن الحامل والمرضع (1) » ، وأيضا ليس هناك جزاء وأصبحت لا أصوم حينما أكون حاملا أو مرضعا ولمدة أربع سنوات أي إلى مولودي الرابع وبعدها سمعت من أحد الإخوة أن على أمثالي الجزاء فقط مستدلا بالأثر أن ابن عباس رأى أم ولد له مرضعا فقال لها: أنت من الذين يطيقونه، عليك الجزاء وليس عليك القضاء، فأخذت مبلغا من المال لأطعم جزاء به عن الأربعة أشهر التي علي من رمضان، ولكن يا فضيلة الشيخ سمعت من برنامج (نور على الدرب) من أحد العلماء الأفاضل أن على أمثالي القضاء، ولو تأخر القضاء تكون معه كفارة فماذا أفعل يا فضيلة الشيخ ورمضان على الأبواب لو قدر لنا الحياة. ومواعيد وضعي قبله بأيام وسيكون الشهر الخامس دينا علي وسؤالي ما صحة ما ذكر الإخوة من الحديث والأثر ولو أدركني الموت قبل قضاء المائة والخمسين يوما التي علي هل أكون آثمة بذلك؟ أرجو الإفادة ليطمئن قلبي جزاكم الله خيرا ثم إنني وضعت من المال بنية الإطعام وجاءنا أحد الإخوة في الله عابر سبيل
__________
(1) سنن الترمذي الصوم (715) ، سنن النسائي الصيام (2275) ، سنن أبو داود الصوم (2408) ، سنن ابن ماجه الصيام (1667) ، مسند أحمد بن حنبل (5/29) .(15/226)
نفذ ما عنده من المال فأعطيته إياه بنية كفارة الفطر فهل يصح عملي هذا أم أطعم؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الصواب في هذا أن على الحامل والمرضع القضاء، وما يروى عن ابن عباس وابن عمر أن على الحامل والمرضع الإطعام هو قول مرجوح مخالف للأدلة الشرعية، والله سبحانه يقول: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) والحامل والمرضع تلحقان بالمريض وليستا في حكم الشيخ الكبير العاجز بل هما في حكم المريض فتقضيان إذا استطاعتا ذلك ولو تأخر القضاء، وإذا تأخر القضاء مع العذر الشرعي فلا إطعام بل قضاء فقط، أما إذا تساهلت الحامل أو المرضع ولم تقض مع القدرة فعليها مع القضاء الإطعام إذا جاءها رمضان الآخر ولم تقضها تساهلا وتكاسلا، فعليها القضاء مع الإطعام، أما إذا كان التأخير من أجل الرضاعة أو الحمل لا تكاسلا فإن عليها القضاء فقط ولا إطعام، وما أنفقت من الإطعام فهو في سبيل الله ولك أجره، ويكفي عن الإطعام الواجب في القضاء إذا كنت تساهلت في القضاء، وعليك القضاء، تصومين حسب الطاقة ولا يلزمك التتابع، تصومين وتفطرين حتى تكملي ما
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط السابع عشر.
(2) سورة البقرة الآية 185(15/227)
عليك إن شاء الله والله في عون العبد وتوفيقه - سبحانه- إذا صدق العبد وأخلص لله واستعان به فالله يعينه ويسهل له القضاء، فأبشري بالخير واستعيني بالله واصدقي، والله هو المعين والموفق سبحانه وتعالى.(15/228)
س: امرأة أفطرت في شهر رمضان لمدة ثلاث سنوات، وذلك أنها كانت تحمل ويصادف ذلك رمضان، وللجهل بحكم الصيام ولم يكن هناك مرشدون لها، وقد أفتاها بعض المجتهدين بأن عليها الإطعام دون القضاء نرجو التوجيه في هذه المسألة، جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الصواب الذي دلت عليه الأدلة الشرعية أن عليها القضاء دون الإطعام، والقول بأن عليها الإطعام فقط، قول غلط، وإنما عليها القضاء دون الإطعام إذا كانت معذورة من أجل الحمل أو الرضاع أو مرض، فعليها القضاء فقط، أما إن كانت تساهلت وحصل لها وقت تقضي فيه لكنها تساهلت، فعليها مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، نصف صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يقارب كيلو ونصف تقريبا مما في البلد، من تمر، أو من أرز، أو غير ذلك من قوت البلد عن تأخيرها الصيام، وعلى المرأة أن تتقي الله دائما، في
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(15/228)
صومها وصلاتها وفي غير ذلك كالرجل، كل منهما عليه أن يتقي الله، وأن يهتم بأمر دينه، وأن يتوب إلى الله سبحانه مما حصل من التقصير، وأن يجتهد في أداء الحق الذي عليه، فالصوم ركن من أركان الإسلام الخمسة، وهو صوم رمضان، فالواجب على الرجل والمرأة المكلفين العناية بهذا الأمر وعدم التفريط فيه، فإذا أفطر الإنسان لمرض أو لسفر، أو أفطرت المرأة لحيض أو حمل أو رضاع يشق معه الصيام، فإنها تقضيه وتبادر قبل مجيء رمضان الآخر بالقضاء من حين تستطيع ذلك، والله ولي التوفيق.(15/229)
س: من تركت الصيام للجهل ولقلة التوعية الإسلامية في وطنهم؟ ما حكمه؟ (1)
ج: الجهل في مثل هذا لا يسقط عنها القضاء؛ لأن هذا أمر معروف بين المسلمين، وهو من الأمور المشهورة التي لا تخفى على أحد.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (1) .(15/229)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ ع. م. وفقه الله للخير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فنشفع لكم بهذا صورة الكتاب الوارد إلينا من سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى، المشفوع به صورة من الكتاب الموجه لسماحته من الأخ الشيخ محمد محدا النبير، المتضمن ذكر بعض الفتاوى المنسوبة إليكم. ولكون الفتاوى المشار إليها مخالفة للأدلة الشرعية، ولما عليه جماهير أهل العلم رأينا الكتابة إليكم في ذلك مؤكدين عليكم في عدم العود إلى مثل هذه الفتاوى، وأن يكون عندكم من العناية بالأدلة الشرعية والتثبت في الأمور والتشاور مع إخوانكم من أهل العلم فيما قد يشتبه عليكم حتى لا تقدموا على الفتوى في المسائل الخلافية إلا بعد تثبت وروية واقتناع بصحة ما ظهر لكم بالأدلة الشرعية، ولا يخفى على من لديه علم وبصيرة أن الأقوال الشاذة لا ينبغي لطالب العلم أن يعول عليها أو يفتي بها. فمن المسائل المنسوبة إليكم القول(15/230)
بسقوط القضاء والإطعام عن الحامل والمرضع مع أنه لا قائل من أهل العلم بسقوط القضاء والإطعام عنهما سوى ابن حزم في المحلى، وقوله هذا شاذ مخالف للأدلة الشرعية ولجمهور أهل العلم فلا يلتفت إليه ولا يعول عليه، مع العلم بأن أرجح الأقوال في ذلك وجوب القضاء عليهما من دون إطعام؛ لعموم الأدلة الشرعية في حق المريض والمسافر، وهما من جنسهما، ولحديث أنس بن مالك الكعبي في ذلك.
ومن المسائل المنسوبة إليكم: القول بإيجاب صلاة الجمعة والعيد على البادية والمسافرين والنساء مع أن الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم واضحان في إسقاطها عنهم سوى ابن حزم في المحلى فقد ذكر وجوبها على المسافرين، وقوله هذا شاذ مخالف للأدلة الشرعية ولجمهور أهل العلم فلا يلتفت إليه.
ومن المسائل المنسوبة إليكم أيضا: سقوط الجمعة والظهر عمن حضر العيد فيما إذا وقع العيد يوم الجمعة، وهذا أيضا خطأ ظاهر؛ لأن الله سبحانه أوجب على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة، وأجمع المسلمون على ذلك والخامسة في يوم الجمعة هي صلاة الجمعة. ويوم العيد إذا وافق يوم الجمعة داخل في ذلك ولو كانت صلاة الظهر تسقط عمن حضر صلاة العيد مع صلاة الجمعة لنبه النبي صلى الله(15/231)
عليه وسلم على ذلك؛ لأن هذا مما يخفى على الناس، فلما رخص في ترك الجمعة لمن حضر صلاة العيد، ولم يذكر سقوط صلاة الظهر عنه علم أنها باقية عملا بالأصل واستصحابا للأدلة الشرعية، والإجماع في وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة. وكان صلى الله عليه وسلم يقيم صلاة الجمعة يوم العيد كما جاءت بذلك الأحاديث، ومنها ما خرجه مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة والعيد بسبح والغاشية وربما اجتمعا في يوم فقرأ بهما فيهما جميعا (1) » . أما ما روي عن ابن الزبير أنه صلى العيد ولم يخرج للناس بعد ذلك لصلاة الجمعة ولا لصلاة الظهر فهو محمول على أنه قدم صلاة الجمعة، واكتفى بها عن العيد والظهر أو على أنه اعتقد أن الإمام في ذلك اليوم كغيره لا يلزمه الخروج لأداء الجمعة بل كان يصلي في بيته الظهر.
وعلى كل تقدير فالأدلة الشرعية العامة والأصول المتبعة والإجماع القائم على وجوب صلاة الظهر على من لم يصل الجمعة من المكلفين. كل ذلك مقدم على ما فعله ابن الزبير رضي الله عنه لو اتضح من عمله أنه يرى إسقاط الجمعة والظهر عمن حضر العيد.
__________
(1) رواه مسلم في (الجمعة) باب ما يقرأ في صلاة الجمعة برقم (1452) .(15/232)
وإن بقي لكم إشكال في ذلك فلا مانع من زيارتنا في الطائف أو المكاتبة في ذلك مع بيان وجه الإشكال حتى نوضح لكم إن شاء الله ما يلزم.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر إخواننا للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يجعلنا جميعا من الهداة المهتدين إنه جواد كريم. والجواب منكم بالالتزام بما ذكر منتظر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(15/233)
63 - يستحب الفطر في السفر وإن لم يشق الصوم
س: أبو سامي من حائل يقول: لدينا إمام جامع يكرر على الناس "إن من سافر في رمضان وأفطر فله أجران: أجر الأخذ بالرخصة وأجر القضاء، فهل هناك أحاديث في هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيرا.
ج: من مرض أو سافر فله الفطر، بل يستحب له ذلك؛ لقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/234)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته (1) » . بشرط أن يكون المريض يشق عليه الصوم، أما إذا لم يشق عليه فليس له الفطر؛ لأنه لا يعتبر معذورا، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند ابن عمر برقم (5600) .(15/235)
64 - حكم الفطر في السفر بوسائل النقل المريحة
س: من سافر بوسائل النقل المريحة هل يشرع له الفطر في رمضان؟ (1)
ج: يقول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) فأباح الله الفطر في السفر إباحة مطلقة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته (3) » والفطر في السفر سنة كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) بعددها رقم (1284) في 9\5\1411 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 184
(3) مسند أحمد بن حنبل (2/108) .(15/235)
عنهم، ولكن إذا علم المسلم بأن فطره في السفر سيثقل عليه القضاء فيما بعد، ويكلفه في المستقبل، ويخشى أن يشق عليه فصام ملاحظة لهذا المعنى فذلك خير، ولا حرج فيه سواء كانت وسائل النقل مريحة أو شاقة لإطلاق الأدلة. والله الموفق.(15/236)
س: نحن الآن في زمن توفرت فيه وسائل النقل المريحة من طائرات وسيارات وقطارات، والصائم بحمد الله يسافر المسافات الطويلة دون أن يحس بتعب وخاصة إذا سافر بالطائرة. فما الأفضل له في هذه الحالة الصيام أم الفطر؟
ج: المسافر مخير بين الصوم والفطر وظاهر الأدلة الشرعية أن الفطر أفضل ولا سيما إذا شق عليه الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس من البر الصوم في السفر (1) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر: ''ليس من البر الصوم في السفر'' برقم (1946) ، ومسلم في (الصيام) باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر برقم (1115) .(15/236)
رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته (1) » . ومن صام فلا حرج عليه إذا لم يشق عليه الصوم، فإن شق عليه الصوم كره له ذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند ابن عمر برقم (5600) .(15/237)
س: أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصيام، وخاصة السفر الذي لا مشقة فيه كالسفر في الطائرة أو الوسائل الحديثة الأخرى؟ (1)
ج: الأفضل للصائم الفطر في السفر مطلقا، ومن صام فلا حرج عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه هذا وهذا، وهكذا الصحابة رضي الله عنهم. لكن إذا اشتد الحر، وعظمت المشقة، تأكد الفطر، وكره الصوم للمسافر؛ لأنه «صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا قد ظلل عليه في السفر من شدة الحر وهو صائم؛ قال عليه الصلاة والسلام: ليس من البر الصوم في السفر (2) » . ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 161، وفي (جريدة عكاظ) العدد (11811) بتاريخ 5\9\1419هـ.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر: '' ليس من البر. . . '' برقم (1810) ، ومسلم في الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر برقم (1879) .(15/237)
أنه قال: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته (1) » ، وفي لفظ: «كما يحب أن تؤتى عزائمه (2) » .
ولا فرق في ذلك بين من سافر على السيارات أو الجمال أو السفن والبواخر وبين من سافر في الطائرات. فإن الجميع يشملهم أسم السفر، ويترخصون برخصه، والله سبحانه شرع للعباد أحكام السفر والإقامة في عهده صلى الله عليه وسلم ولمن جاء بعده إلى يوم القيامة. فهو سبحانه يعلم ما يقع من تغير الأحوال وتنوع وسائل السفر. ولو كان الحكم يختلف لنبه عليه سبحانه كما قال عز وجل في سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (3) وقال سبحانه أيضا: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (4)
__________
(1) رواه أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند ابن عمر برقم (5600) .
(2) رواه ابن حبان في (صوم المسافر) باب ذكر الخبر الدال على أن الإفطار في السفر أفضل من الصوم برقم (3526) ، وابن أبي شيبة في مصنفه باب في الأخذ بالرخص برقم (24794) .
(3) سورة النحل الآية 89
(4) سورة النحل الآية 8(15/238)
65 - الأحوط للمسافر إذا أجمع على الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام الصوم والإتمام
صاحب السماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله وهداه ووفقه لما يحبه ويرضاه (1) .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نتقدم لدى سماحتكم نستفتي في مسألة سبق أن جئنا لسماحتكم وسألناكم عنها لكن حصل من بعض الناس معارضات وذكروا أنكم أفتيتم في مثل هذه المسألة بغير ما أفتيتمونا سابقا، فلم نطمئن إلا بإعادة السؤال ذلك أننا بوادي نقطن في جهة القصيم تارة وننتقل مع الحياء كعادة البوادي، ولنا نخيل في قرية في طريق الحجاز قرب وادي الفرع، فننزل عليها وقت حصول الثمار حتى نجذ النخل، والمدة تستغرق من شهر إلى شهر ونصف، ثم نذهب إلى مواشينا وأهلينا في البوادي ووقت إقامتنا للصيف والصرام لا نستصحب أهلنا معنا. وقد أفتانا سماحتكم شفويا أنه لا مانع من القصر ولا مانع من الفطر، فعملنا بموجب الفتوى ثلاث سنوات لا سيما وأنكم لم تفتونا إلا بعد تكرار السؤال والتحقيق معنا في الموضوع عن حلنا وترحالنا ووصف إقامتنا وسفرنا. وقد لبس علينا بعض الناس
__________
(1) سؤال مقدم من المستفتي م. ر. ح. لسماحته في 15\9\1398هـ.(15/239)
وجاءونا بعكس ما أفتيتمونا سابقا، وحيث إن الأمر عظيم وهذا مركب عليه ركن من أركان الإسلام فنرجو من سماحتكم الفتوى مرة أخرى وتحرير الجواب خلف هذا السؤال هذا والله يحفظكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اطلعت على الخطاب الموضح في بطن هذه الورقة المقدم من الأخ م. ر. ح. بقلم الشيخ ع. ص. ع. حول حكم الفطر والقصر في حق الذين يسافرون من مسافات تعتبر سفرا إلى نخيلهم في قرية في أطراف الحجاز قرب وادي الفرع، وأني أفتيتهم شفويا منذ سنوات بأن لهم القصر والفطر مع كونهم يقيمون في نخيلهم ما بين شهر إلى شهر ونصف؛ للمقياض وجذ الثمار، وقد سمعوا من بعض الناس عكس ما أفتيتهم به ورغبوا في التثبت في ذلك.
والجواب: قد كنت سابقا أعتقد أن تحديد مدة الإقامة للمسافر في أثناء السفر ليس عليها دليل صريح من الكتاب ولا من السنة، وكنت أفتي على ضوء ذلك بجواز القصر والفطر للمسافر إذا أقام في أثناء السفر لبعض الحاجات ولو أجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام، ولكني لا أذكر أني أفتيتكم في هذه المسألة ولعلكم صادقون فيما قلتم، ولكني أود أن أخبركم أني أخيرا أرى من الأحوط للمسافر إذا أجمع الإقامة في أي مكان أكثر من أربعة أيام أن يتم ويصوم سدا لذريعة تساهل فيها(15/240)
الكثير من السفهاء بالقصر والفطر بدعوى أنهم مسافرون، وهم مقيمون إقامة طويلة، هذا هو الأحوط عندي سدا لهذه الذريعة، وخروجا من خلاف أكثر أهل العلم القائلين بأن المسافر متى عزم على إقامة مدة تزيد على أربعة أيام فليس له القصر ولا الفطر في رمضان، والاحتياط في الدين مطلوب شرعا عند اشتباه الأدلة، أو خفائها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1) » . وقوله عليه الصلاة والسلام: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه (2) » . وأسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دينه والثبات عليه إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) رواه أحمد في (مسند أهل البيت) حديث الحسن بن علي بن أبي طالب برقم (11689) ، والترمذي في (صفة القيامة والرقائق والورع) باب منه أي (ما جاء في صفة أواني الحوض) برقم (2452) .
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب فضل من استبرأ لدينه برقم (52) ، ومسلم في (المساقاة) باب أخذ الحلال، وترك الشبهات برقم (1599) .(15/241)
إلى فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء حفظه الله وأبقاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتقدم لفضيلتكم مفيدا أنني وإخواني نملك مزرعة تقع على طريق الخرج حرض فهي تبعد عن الخرج حوالي 60 كم، وعن الرياض حوالي 140 كم ونحن لا نقيم بها بل نسكن في مدينة الرياض، ولكننا نذهب وباستمرار إلى المزرعة؛ لتفقد العمل بها ومراقبة سير العمل.
لذا آمل من فضيلتكم إرشادنا وإفادتنا وفقكم الله إلى الحكم الشرعي عن جمع الصلاة وقصرها بالنسبة لنا، وكذلك الفطر في نهار رمضان في الحالات التالية التي تمثل واقع ذهابنا باستمرار للمزرعة:
1 - عندما نذهب لقضاء يوم أو بعض يوم في المزرعة لمتابعة سير العمل.
2 - عندما نذهب لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في المزرعة للراحة والاطلاع على العمل.
3 - عندما نذهب لقضاء عطلة منتصف العام الدراسي في المزرعة للراحة علما بأن العطلة في الغالب تكون أسبوعين.
4 - عندما نذهب للمزرعة في نهار رمضان هل يصح لنا الفطر(15/242)
مع العلم أنه لا يوجد مشقة، وفي المزرعة مساكن لنا بها جميع ما نحتاج إليه من وسائل الراحة؟
5 - ما الحكم بالنسبة لمن يرافقنا في طلوعنا للمزرعة من الأقارب والأصدقاء؟ وهل ينطبق عليهم ما ينطبق علينا من أحكام. راجين أن نتلقى إجابتكم كتابيا وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، وسدد على طريق الخير خطاكم إنه سميع مجيب (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
لا حرج في قصركم وجمعكم وفطركم في رمضان أنتم ومن معكم إذا ذهبتم إلى المزرعة، إذا كان الواقع هو ما ذكرتم أعلاه إلا في حالة واحدة وهي ما إذا أجمعتم على الإقامة في المزرعة أكثر من أربعة أيام فإنكم لا تقصرون ولا تجمعون ولا تفطرون في رمضان. وفق الله الجميع والسلام.
مفتي عام المملكة ورئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سؤال موجه لسماحته من م. ع. ص. أجاب عنه سماحته برقم (1723) وتاريخ 3\8\1415 هـ.(15/243)
س: إذا كنت مسافرا في رمضان وكنت مفطرا في سفري، وعند وصولي إلى البلد الذي سوف أمكث فيه عدة أيام، أمسكت بالصيام في بقية ذلك اليوم وفي الأيام التالية، فهل لي رخصة بالإفطار في نهار هذه الأيام وأنا في بلد ليس بلدي الأصلي أم لا؟ (1)
ج: إذا مر المسافر ببلد غير بلده وهو مفطر، فليس عليه أن يمسك إذا كانت إقامته فيها أربعة أيام فأقل، أما إن كان قد عزم على الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام فإنه يمسك ذلك اليوم الذي قدم فيه مفطرا ويقضيه، ويلزمه الصوم في بقية الأيام؛ لأنه بنيته المذكورة صار في حكم المقيمين لا في حكم المسافرين عند أكثر العلماء، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (167) بتاريخ 21\8\1419 هـ، وفي (كتاب الدعوة) ج 2 ص 169.(15/244)
66 - حكم ترك أصحاب الأعمال الشاقة الصيام
من عبد الله بن محمد بن حميد وعبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى معالي رئيس ديوان مجلس الوزراء حفظه الله تعالى آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابكم رقم 18523 وتاريخ 24\11\1396 هـ وصل وبرفقه توصيات الملتقى العاشر للفكر الإسلامي بالجزائر، وقد طلبتم منا النظر في الفتوى التي جاءت ضمن التوصيات بخصوص ما يرخصه الشرع للعاملين في معامل مركبات الحديد والصلب بالإفطار في رمضان.
ونفيدكم أن الأصل وجوب صوم رمضان، وتبييت النية له من جميع المكلفين من المسلمين، وأن يصبحوا صائمين إلا من رخص لهم الشارع بأن يصبحوا مفطرين، وهم المرضى والمسافرون ومن في معناهم، وأصحاب الأعمال الشاقة داخلون في عموم المكلفين، وليسوا في معنى المرضى والمسافرين، فيجب عليهم تبييت نية صوم رمضان، وأن يصبحوا صائمين، ومن اضطر منهم للفطر أثناء النهار فيجوز له أن يفطر(15/245)
بما يدفع اضطراره، ثم يمسك بقية يومه ويقضيه في الوقت المناسب، ومن لم تحصل له ضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام، هذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وما دل عليه كلام المحققين من أهل العلم من جميع المذاهب، وعلى ولاة أمور المسلمين الذين يوجد عندهم أصحاب أعمال شاقة كالمسألة المسئول عنها أن ينظروا في أمرهم إذا جاء رمضان فلا يكلفوهم من العمل- إن أمكن- ما يضطرهم إلى الفطر في نهار رمضان بأن يجعل العمل ليلا أو توزع ساعات العمل في النهار بين العمال توزيعا عادلا يوفقون به بين العمل والصيام.
أما الفتوى المشار إليها فهي في قضية فردية أفتوا فيها باجتهادهم مشكورين إلا أنه فاتهم ذكر القيود التي ذكرنا والتي قررها المحققون من أهل العلم في كل مذهب، نسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس مجلس القضاء الأعلى والرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام ... عبد الله بن محمد بن حميد
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز(15/246)
67 - حكم الفطر من أجل الاختبارات
س: أنا فتاة أجبرتني الظروف على إفطار ستة أيام من شهر رمضان عمدا، والسبب ظروف الاختبارات؛ لأنها بدأت في شهر رمضان، والمواد صعبة، ولولا إفطاري هذه الأيام لم أتمكن من دراسة المواد نظرا لصعوبتها. أرجو إفادتي ماذا أفعل كي يغفر الله لي؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عليك التوبة إلى الله من ذلك؛ لأنه لا يجوز لك الإفطار في مثل هذه الحالة، وقضاء الأيام التي أفطرتها والله يتوب على من تاب، وحقيقة التوبة التي يمحو الله بها الخطايا، الإقلاع من الذنب وتركه تعظيما لله سبحانه وخوفا من عقابه، والندم على ما مضى منه، والعزم الصادق ألا يعود إليه، وإن كانت المعصية ظلما للعباد فمن تمام التوبة تحللهم من حقوقهم، قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (3) الآية. وقال النبي صلى الله عليه
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج 2، ص 161.
(2) سورة النور الآية 31
(3) سورة التحريم الآية 8(15/247)
وسلم: «التوبة تجب ما قبلها (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان عنده لأخيه مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه (2) » رواه البخاري في صحيحه، والله ولي التوفيق.
__________
(1) ذكره ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث 1\234.
(2) رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب من كانت له مظلمة عند الرجل برقم (2449) .(15/248)
س: إذا كان اختبار الشهادة الثانوية في رمضان فهل يجوز للطالب أن يفطر في رمضان حتى يستطيع أن يركز في الاختبار؟ (1)
ج: لا يجوز للمكلف الإفطار في رمضان من أجل الاختبار؛ لأن ذلك ليس من الأعذار الشرعية، بل يجب عليه الصوم وجعل المذاكرة في الليل إذا شق عليه فعلها في النهار، وينبغي لولاة أمر الاختبار أن يرفقوا بالطلبة، وأن يجعلوا الاختبار في غير رمضان جمعا بين مصلحتين؛ مصلحة الصيام، والتفرغ للإعداد للاختبار، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه (2) » أخرجه مسلم في صحيحه. فوصيتي للمسئولين عن الاختبار أن يرفقوا بالطلبة والطالبات، وألا يجعلوه في رمضان بل قبله أو بعده، ونسأل الله للجميع التوفيق.
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج 2، ص 162، وفي (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (30) .
(2) رواه مسلم في (الإمارة) باب فضيلة الإمام العادل برقم (1828) .(15/249)
س: هل الامتحان المدرسي عذر يبيح الإفطار في رمضان؟ (1)
ج: الامتحان المدرسي ونحوه لا يعتبر عذرا مبيحا للإفطار في نهار رمضان، ولا يجوز طاعة الوالدين في الإفطار للامتحان؛ لأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، (2) » «وإنما الطاعة في المعروف (3) » كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) نشر في (جريدة البلاد) العدد (15515) بتاريخ 9\9\1419 هـ.
(2) صحيح البخاري أخبار الآحاد (7257) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/94) .
(3) صحيح البخاري المغازي (4340) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/82) .(15/250)
النية وأحكامها
68 - حكم تبييت النية في صيام الفرض والنفل
س: ما حكم من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر فكيف يعمل؟ (1)
ج: من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر فعليه أن يمسك عن المفطرات بقية يومه؛ لكونه يوما من رمضان، لا يجوز للمقيم الصحيح أن يتناول فيه شيئا من المفطرات، وعليه القضاء؛ لكونه لم يبيت الصيام قبل الفجر، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له (2) » رواه الدارقطني بإسناده عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وقال: إسناده
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) الجزء الأول ص 118، وفي (مجلة الدعوة) العدد (1626) في 17\9\ 1418 هـ.
(2) رواه النسائي في (الصيام) باب ذكر اختلاف الناقلين برقم (2331) ، والدارمي في (الصوم) باب من لم يجمع الصيام من الليل برقم (1698) .(15/251)
كلهم ثقات.
ونقله الموفق ابن قدامة -رحمه الله- في المغني، وهو قول عامة الفقهاء، والمراد بذلك صيام الفرض؛ لما ذكرنا من الحديث الشريف، أما صيام النفل فيجوز أثناء النهار إذا لم يتناول شيئا من المفطرات بعد الفجر؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك. ونسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يتقبل منهم صيامهم وقيامهم إنه سميع قريب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(15/252)
ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة(15/253)
صفحة فارغة(15/254)
69 - من اشتد به العطش فشرب فعليه القضاء لا كفارة
س: رجل صام في رمضان، واشتد به العطش فشرب، فما الحكم؟ (1)
ج: عليه قضاء ولا كفارة عليه في أصح قولي العلماء. وإن كان قد تساهل في ذلك فعليه التوبة إلى الله مع القضاء. أما الكفارة فلا تجب إلا على من جامع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصيام؛ لأن الحديث ورد في ذلك خاصة.
__________
(1) نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (24) ، وفي مجلة (الدعوة) العدد (1527) بتاريخ 5\9\1416 هـ.(15/255)
70 - ينكر على من تعاطى شيئا من المفطرات في نهار رمضان ولو كان ناسيا
س: يقول بعض الناس إذا رأيت مسلما يشرب أو يأكل ناسيا في نهار رمضان فلا يلزمك أن تخبره؛ لأن الله أطعمه وسقاه، كما في الحديث، فهل هذا صحيح؟(15/255)
أفتونا مأجورين (1) .
ج: من رأى مسلما يشرب في نهار رمضان أو يأكل أو يتعاطى شيئا من المفطرات الأخرى ناسيا أو متعمدا وجب إنكاره عليه؛ لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر ولو كان صاحبه معذورا في نفس الأمر؛ حتى لا يجترئ الناس على إظهار ما حرم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان، وإذا كان من أظهر ذلك صادقا في دعوى النسيان فلا قضاء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه (2) » متفق على صحته.
وهكذا المسافر ليس له أن يظهر تعاطي المفطرات بين المقيمين الذين لا يعرفون حاله، بل عليه أن يستتر بذلك حتى لا يتهم بتعاطيه ما حرم الله عليه، وحتى لا يجرؤ غيره على ذلك، وهكذا الكفار يمنعون من إظهار الأكل والشرب ونحوهما بين المسلمين؛ سدا لباب التساهل في هذا الأمر، ولأنهم ممنوعون من إظهار شعائر دينهم الباطل بين المسلمين. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (30) ، وفي كتاب (الدعوة) الجزء الثاني ص 160.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب إذا أكل أو شرب ناسيا برقم (1933) ، ومسلم في (الصيام) باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر برقم (1155) واللفظ له.(15/256)
71 - حكم حقنة الوريد والعضل للصائم
س: ما حكم من حقن حقنة في الوريد والعضل أثناء النهار بشهر رمضان وهو صائم وأكمل صومه، هل فسد صومه ووجب قضاؤه أم لا؟ (1)
ج: صومه صحيح؛ لأن الحقنة في الوريد ليست من جنس الأكل والشرب، وهكذا الحقنة في العضل من باب أولى، لكن لو قضى من باب الاحتياط كان أحسن. وتأخيرها إلى الليل إذا دعت الحاجة إليها يكون أولى وأحوط؛ خروجا من الخلاف في ذلك. وفق الله الجميع.
__________
(1) استفتاء شخصي وقد صدرت الإجابة عنه من مكتب سماحته بتاريخ 27\3\1399 هـ.(15/257)
72 - الإبر المغذية تفطر
س: قرأت في بعض الكتب الفقهية ومنها كتاب (فقه السنة) لمؤلفه الشيخ سيد سابق أن الإبر المغذية وغيرها التي لا تدخل عن طريق الجوف أو الفم ليست مفطرة،(15/257)
وأعلم أن هناك رأيا لبعض الفقهاء يقضي بغير ذلك. فما الرأي المعروف لدى جمهور العلماء؟ جزاكم الله خيرا (1)
ج: الصواب أن الإبر المغذية تفطر الصائم إذا تعمد استعمالها، أما الإبر العادية فلا تفطر الصائم، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1673) بتاريخ 6\9\1419 هـ.(15/258)
س: ما حكم استعمال الإبر التي في الوريد والإبر التي في العضل، وما الفرق بينهما وذلك للصائم؟
ج: الصحيح أنهما لا تفطران، وإنما التي تفطر هي إبر التغذية خاصة. وهكذا أخذ الدم للتحليل لا يفطر به الصائم؛ لأنه ليس مثل الحجامة، أما الحجامة فيفطر بها الحاجم والمحجوم في أصح أقوال العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم (1) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (8550) ، والترمذي في (الصوم) باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم برقم (774) .(15/258)
73 - حكم إبرة التخدير (البنج) وتنظيف السن أو حشوه أو خلعه عند الطبيب
س: إذا حصل للإنسان ألم في أسنانه، وراجع الطبيب، وعمل له تنظيفا أو حشوا أو خلع أحد أسنانه، فهل يؤثر ذلك على صيامه؟ ولو أن الطبيب أعطاه إبرة لتخدير سنه، فهل لذلك أثر على الصيام؟ (1)
ج: ليس لما ذكر في السؤال أثر في صحة الصيام، بل ذلك معفو عنه، وعليه أن يتحفظ من ابتلاع شيء من الدواء أو الدم، وهكذا الإبرة المذكورة لا أثر لها في صحة الصوم؛ لكونها ليست في معنى الأكل والشرب. والأصل صحة الصوم وسلامته.
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 175، وفي جريدة (البلاد) العدد (15530) بتاريخ 24\9\1419 هـ.(15/259)
74 - حكم استعمال الكحل وأدوات التجميل في نهار رمضان
س: ما حكم استعمال الكحل وبعض أدوات التجميل للنساء خلال نهار رمضان؟ وهل تفطر هذه أم لا؟ (1)
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) الجزء الثاني ص 170.(15/259)
ج: الكحل لا يفطر النساء ولا الرجال في أصح قولي العلماء مطلقا، ولكن استعماله في الليل أفضل في حق الصائم. وهكذا ما يحصل به تجميل الوجه من الصابون والأدهان وغير ذلك مما يتعلق بظاهر الجلد، ومن ذلك الحناء والمكياج وأشباه ذلك، كل ذلك لا حرج فيه في حق الصائم، مع أنه لا ينبغي استعمال المكياج إذا كان يضر الوجه. والله ولي التوفيق.(15/260)
75 - حكم استعمال معجون الأسنان وقطرة الأذن والعين للصائم
س: ما حكم استعمال معجون الأسنان، وقطرة الأذن، وقطرة الأنف، وقطرة العين للصائم، وإذا وجد الصائم طعمها في حلقه فماذا يصنع؟ (1)
ج: تنظيف الأسنان بالمعجون لا يفطر به الصائم كالسواك، وعليه التحرز من ذهاب شيء منه إلى جوفه، فإن غلبه شيء من ذلك بدون قصد فلا قضاء عليه. وهكذا قطرة العين والأذن لا يفطر بهما الصائم في أصح قولي العلماء. فإن
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 175، وفي جريدة (الجزيرة) العدد (9589) بتاريخ 12\9\1419 هـ.(15/260)
وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما القطرة في الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (1) » . وعلى من فعل ذلك القضاء لهذا الحديث، وما جاء في معناه إن وجد طعمها في حلقه، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم برقم (788) ، وأبو داود في (الطهارة) باب في الاستنثار برقم (142) .(15/261)
س: هل يجوز للصائم أن يستعمل معجون الأسنان وهو صائم في نهار رمضان؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك مع التحفظ عن ابتلاع شيء منه، كما يشرع استعمال السواك للصائم في أول النهار وآخره، وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة السواك بعد الزوال، وهو قول مرجوح، والصواب عدم الكراهة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (2) » أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) الجزء الثاني ص 163.
(2) رواه ابن ماجه في (الطهارة وسننها) باب السواك برقم (289) .(15/261)
لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة (1) » متفق عليه. وهذا يشمل صلاة الظهر والعصر وهما بعد الزوال. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب السواك يوم الجمعة برقم (887) ، ومسلم في (الطهارة) باب السواك برقم (252) .(15/262)
س: امرأة تشتكي من ألم شديد في بصرها، وقد قرر لها الطبيب قطرة ثلاث مرات في اليوم. إذا تركتها آلمتها ففي خلال رمضان هل يجوز لها وضع القطرة في النهار علما أنها لا تحس بها تنزل مع الحلق أو الأنف؟
ج: إذا كان الواقع كما ذكر من أن المستعملة للقطرات المذكورة لا تحس بما نزل مع الحلق أو الأنف جاز لها أن تستعملها في نهار رمضان وهي صائمة، ولا يؤثر استعمالها للقطرات على صومها.(15/262)
س: أثناء صيامي لشهر رمضان وضعت قطرة في عيني قبل وقت الإمساك، ولم أكن أعلم أنها من المفطرات، وبعد أن علمت هذا من برنامجكم "نور على الدرب" في إحدى الحلقات نسيت ذلك، فوضعت القطرة ونزلت إلى البلعوم، شعرت بذلك عندما أحسست بشيء من(15/262)
المرارة في فمي، فما الحكم في ذلك؟ (1)
ج: الصحيح أن القطرة والكحل لا يفطران مطلقا في أصح قولي العلماء. وقال بعض أهل العلم: إنهما يفطران إذا وجد الصائم طعمهما في الحلق. والصواب الأول؛ لأن العين ليست منفذا وهكذا الأذن. ومن قضى ذلك اليوم احتياطا فلا بأس. والأفضل للصائم استعمال القطرة والكحل في الليل؛ احتياطا وخروجا من الخلاف.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1527) في 5\9\1416 هـ.(15/263)
س: الأخت س. ل. ل. من الكويت، تقول في سؤالها: استعمال قطرة العين في نهار رمضان هل تفطر أم لا؟ (1)
ج: الصحيح أن القطرة لا تفطر، وإن كان فيها خلاف بين أهل العلم، حيث قال بعضهم: إنه إذا وصل طعمها إلى الحلق فإنها تفطر. والصحيح أنها لا تفطر مطلقا؛ لأن العين ليست منفذا، لكن لو قضى احتياطا وخروجا من الخلاف من استعملها ووجد طعمها في الحلق فلا بأس، وإلا فالصحيح أنها لا تفطر، سواء كانت في العين أم في الأذن.
__________
(1) نشر في جريدة (المسلمون) يوم الجمعة الموافق 4\9\1415 هـ.(15/263)
76 - حكم استعمال البخاخ وقطرة العين للصائم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ي. ع. ع. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابك المؤرخ 23\1\1419 هـ وصلك الله بهداه، وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما.
فالسؤال الأول عن استعمال البخاخ في الأنف في الصوم عند الضرورة.
والجواب لا بأس بذلك عند الضرورة، فإن أمكن تأجيله إلى الليل فهو أحوط.
والثاني عن القطرة في العينين حال الصيام. لا حرج فيها، ولكن تأخيرها إلى الليل أحوط وأفضل.
مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(15/264)
س: ما حكم استعمال البخاخ في الفم للصائم نهارا لمريض الربو ونحوه؟
ج: حكمه الإباحة إذا اضطر إلى ذلك؛ لقول الله عز وجل: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (1) ولأنه لا يشبه الأكل والشرب فأشبه سحب الدم للتحليل والإبر غير المغذية.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 119(15/265)
77 - حكم القيء للصائم
س: ما حكم من ذرعه القيء وهو صائم- هل يقضي ذلك اليوم أم لا؟
ج: حكمه أنه لا قضاء عليه، أما إن استدعى القيء فعليه القضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء (1) » . خرجه
__________
(1) رواه ابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في الصائم يقيئ برقم (1676) .(15/265)
الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.(15/266)
س: هل القيء يفسد الصوم؟
ج: كثيرا ما يعرض للصائم أمور لم يتعمدها؛ من جراح، أو رعاف، أو قيء، أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره، فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء (1) » .
__________
(1) رواه ابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في الصائم يقيئ برقم (1676) .(15/266)
78 - حكم شم الصائم رائحة الطيب والعود
س: هل يجوز للصائم أن يشم رائحة الطيب والعود؟ (1)
ج: لا يستنشق العود، أما أنواع الطيب غير البخور فلا بأس بها، لكن العود نفسه لا يستنشقه؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن العود يفطر الصائم إذا استنشقه؛ لأنه يذهب إلى المخ والدماغ، وله سريان قوي، أما شمه من غير قصد فلا يفطره.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(15/266)
س: هل يجوز استعمال الطيب كدهن العود والكولونيا والبخور في نهار رمضان؟ (1)
ج: نعم يجوز استعماله بشرط ألا يستنشق البخور.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 128.(15/267)
79 - حكم الاستمناء في نهار رمضان
س: شاب استمنى في النهار وهو صائم فماذا يجب عليه؟ (1)
ج: الاستمناء في نهار الصيام يبطل الصوم إذا كان متعمدا ذلك وخرج منه المني، وعليه أن يقضي إن كان الصوم فريضة، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الاستمناء لا يجوز لا في حال الصوم ولا في غيره، وهي التي يسميها الناس العادة السرية.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1595) بتاريخ 7\2\1418 هـ.(15/267)
80 - خروج المذي بشهوة لا يبطل الصوم
س: إذا قبل الإنسان وهو صائم أو شاهد بعض الأفلام(15/267)
الخليعة وخرج منه مذي، فهل يقضي الصوم؟ وإذا كان ذلك في أيام متفرقة، فهل يكون القضاء متواليا أم متفرقا؟ جزاكم الله عن أمة الإسلام خير الجزاء. (1)
ج: خروج المذي لا يبطل الصوم في أصح قولي العلماء؛ سواء كان ذلك بسبب تقبيل الزوجة، أو مشاهدة بعض الأفلام، أو غير ذلك مما يثير الشهوة. ولكن لا يجوز للمسلم مشاهدة الأفلام الخليعة، ولا استماع ما حرم الله من الأغاني وآلات اللهو، أما خروج المني عن شهوة، فإنه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة، أو قبلة، أو تكرار نظر، أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه، أما الاحتلام والتفكير فلا يبطل الصوم بهما ولو خرج مني بسببهما، ولا تلزم المتابعة في قضاء رمضان بل يجوز تفريق ذلك؛ لعموم قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2)
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 134.
(2) سورة البقرة الآية 184(15/268)
81 - حكم نظر الصائم للنساء
س: الأخ ع. م. من تونس، يقول في سؤاله: إذا نظر(15/268)
الإنسان متعمدا وهو صائم إلى امرأة أجنبية عنه لجمالها أو لباسها أو جسدها، فهل يبطل صومه أم أن هذا مكروه، ويقبل الله صيامه ويجازيه عن النظرات؟ أفتونا جزاكم الله خيرا (1)
ج: يحرم عليه النظر إلى النساء، وإذا كان بشهوة كان التحريم أشد؛ لقول الله سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} (2) الآية، ولأن إطلاق النظر من وسائل وقوع الفاحشة. فالواجب غض البصر مع الحذر من أسباب الفتنة. ولكن لا يبطل صومه إذا لم يخرج منه مني، أما من أمنى فإنه يبطل صومه، وعليه قضاؤه إن كان فرضا. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) سورة النور الآية 30(15/269)
82 - حكم مصافحة الصائم للمرأة الأجنبية
س: ما الحكم فيمن صافح امرأة أجنبية أو تحدث معها في نهار رمضان وهو صائم وأيضا هي صائمة؟ هل هذا يفسد الصوم أو يجرحه؟ نرجو توجيهنا، وهل له كفارة؟ (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(15/269)
ج: المصافحة للمرأة الأجنبية لا تجوز، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إني لا أصافح النساء (1) » ، وقالت عائشة رضي الله عنها: «والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام (2) » تعني النساء الأجنبيات غير المحارم، أما المحرم كأخت وكعمة فلا بأس أن يصافحها.
وأما المكالمة للأجنبية فلا بأس بها إن كانت مكالمة مباحة ليس فيها تهمة ولا ريبة، كأن يسألها عن أولادها، أو يسألها عن أبيها، أو يسألها عن حاجة من حوائج الجيران أو الأقارب فلا بأس بها، أما إن كانت المكالمة للتحدث بما يتعلق بالفساد والزنا أو مواعيد الزنا أو عن شهوة، أو عن كشف منها له بأن يرى محاسنها فكل هذا لا يجوز، أما إذا كانت المحادثة مع التستر ومع الحجاب ومع البعد عن الريبة وليس عن شهوة فإنه لا حرج عليهما في ذلك، فقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، وقد تحدث النساء إليه، ولا حرج في ذلك. والصوم صحيح ولا تضره المصافحة، ولا تضره المحادثة إذا لم يخرج
__________
(1) رواه أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث أميمة بنت رقيقة برقم (26466) ، والنسائي في (البيعة) باب بيعة النساء برقم (4181) .
(2) رواه البخاري في (الشروط) باب ما يجوز من الشروط في الإسلام برقم (2713) ، ومسلم في (الإمارة) باب كيفية بيعة النساء برقم (1866) .(15/270)
منه شيء بسبب ذلك فإن خرج شيء وجب الغسل وبطل الصوم وعليه قضاؤه إن كان واجبا. والواجب على المؤمن أن يحذر ما حرم الله عليه، وألا يصافح امرأة لا تحل له، وألا يتحدث إليها عن شهوة أو ينظر إلى محاسنها، فالله تعالى يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (1) فالتحفظ من أسباب الشر واجب على المؤمن أينما كان. نسأل الله لنا وللمسلمين السلامة والعافية من كل سوء.
__________
(1) سورة النور الآية 30(15/271)
83 - خروج الدم لا يفسد الصوم إلا بالحجامة
س: إذا كان الإنسان صائما ونزل منه دم، فهل عليه أن يفطر أو يتم صيامه؟ (1)
ج: لا يضر الصائم خروج الدم إلا الحجامة، فإذا احتجم فالصحيح أنه يفطر بالحجامة، وفيها خلاف بين العلماء لكن الصحيح أنه يفطر بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم (2) » . أما إذا أرعف أو
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (8550) ، والترمذي في (الصوم) باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم برقم (774) .(15/271)
أصابه جرح في رجله أو في يده، وهو صائم فإن صومه صحيح لا يضره ذلك.(15/272)
س: ما هي الحالات التي يبطل فيها خروج الدم الصيام؟
ج: الصيام لا يبطل إلا بالحجامة على الصحيح، مع الخلاف القوي فيها، والأكثرون يرون أنه لا يبطل حتى بالحجامة، لكن الأرجح بطلانه بالحجامة.(15/272)
84 - حكم التبرع بالدم
س: ما هو ضابط الدم الخارج من الجسد المفسد للصوم؟ وكيف يفسد الصوم؟ (1)
ج: الدم المفسد للصوم هو الدم الذي يخرج بالحجامة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم (2) » . ويقاس على الحجامة ما كان بمعناها مما يفعله
__________
(1) نشر في جريدة (البلاد) العدد (15379) بتاريخ 21 \ 4 \ 1419 هـ.
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (8550) ، والترمذي في (الصوم) باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم برقم (774) .(15/272)
الإنسان باختياره فيخرج منه دم كثير يؤثر على البدن ضعفا، فإنه يفسد الصوم كالحجامة؛ لأن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الشيئين المتماثلين، كما أنها لا تجمع بين الشيئين المفترقين، أما ما خرج من الإنسان بغير قصد كالرعاف، وكالجرح للبدن من السكين عند تقطيع اللحم، أو وطئه على زجاجة، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يفسد الصوم ولو خرج منه دم كثير، كذلك لو خرج دم يسير لا يؤثر كتأثير الحجامة كالدم الذي يؤخذ للتحليل لا يفسد الصوم أيضا.(15/273)
س: ما الحكم إذا خرج من الصائم دم كالرعاف ونحوه، وهل يجوز للصائم التبرع بدمه أو سحب شيء منه للتحليل؟
ج: خروج الدم من الصائم كالرعاف والاستحاضة ونحوهما لا يفسد الصوم. وإنما يفسد الصوم الحيض والنفاس والحجامة. ولا حرج على الصائم في تحليل الدم عند الحاجة إلى ذلك، ولا يفسد الصوم بذلك، أما التبرع بالدم فالأحوط تأجيله إلى ما بعد الإفطار، لأنه في الغالب يكون كثيرا، فيشبه الحجامة. والله ولي التوفيق.(15/273)
85 - حكم سحب عينات الدم من الصائم للتحليل
س: ما حكم من سحب منه دم وهو صائم في رمضان، وذلك بغرض التحليل من يده اليمنى ومقداره (برواز) متوسط؟
ج: مثل هذا التحليل لا يفسد الصوم بل يعفى عنه؛ لأنه مما تدعو الحاجة إليه، وليس من جنس المفطرات المعلومة من الشرع المطهر.(15/274)
86 - حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم
س: ما حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم، هل يلزمه القضاء أم لا؟ (1)
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 182، وفي جريدة (اليوم) العدد (9338) بتاريخ 21 \ 9 \ 1419 هـ.(15/274)
ج: يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي، فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطر آخر.(15/275)
87 - لا يبطل الصوم بالاحتلام ولا ب خروج الدم والقيء
س: كنت صائما ونمت في المسجد، وبعدما استيقظت وجدت أني محتلم، هل يؤثر الاحتلام في الصوم؟ علما أنني لم أغتسل وصليت الصلاة بدون غسل. ومرة أخرى أصابني حجر في رأسي وسال الدم منه هل أفطر بسبب الدم؟ وبالنسبة للقيء هل يفسد الصوم أو لا؟ أرجو إفادتي (1) .
ج: الاحتلام لا يفسد الصوم؛ لأنه ليس باختيار العبد، ولكن عليه غسل الجنابة إذا خرج منه مني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك أجاب بأن على المحتلم الغسل إذا وجد الماء يعني المني. وكونك صليت بدون غسل، هذا غلط منك ومنكر عظيم، وعليك أن تعيد الصلاة بعد الغسل مع التوبة إلى الله سبحانه، والحجر الذي أصاب رأسك حتى أسال
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 1 ص 121، وفي مجلة (المجتمع) العدد (655) في 21 \ 4 \ 1404 هـ.(15/275)
الدم لا يبطل صومك، وهذا القيء الذي خرج منك بغير اختيارك لا يبطل صومك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء (1) » . رواه أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح.
__________
(1) رواه ابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في الصائم يقيء برقم (1676) .(15/276)
س: الأخ \ ن. ت. ع. يقول في سؤاله: شخص نام في نهار رمضان واحتلم وخرج منه المني، هل يقضي هذا اليوم؟ علما بأنه أمسك حتى أذان المغرب، أي أكمل يومه؟ (1)
ج: ليس عليه قضاء؛ لأن الاحتلام ليس باختياره، ولكن عليه الغسل إذا وجد المني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء من الماء (2) » «وقوله صلى الله عليه وسلم لأم سليم لما سألته عن الاحتلام: هل عليها منه غسل؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم إذا رأت الماء (3) » متفق على صحته.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1494) في 10 \ 1 \ 1416 هـ.
(2) رواه مسلم في (الحيض) باب إنما الماء من الماء برقم (343) .
(3) رواه البخاري في (الغسل) باب إذا احتلمت المرأة (282) ، ومسلم في (الحيض) باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها برقم (313) .(15/276)
88 - حكم تأخير الجنب والحائض والنفساء الغسل إلى بعد طلوع الفجر
س: من الأخ \ ع. م. أ. من الرياض يقول فيه: إذا احتلم الصائم في نهار رمضان، هل يبطل صومه أم لا؟ وهل تجب عليه المبادرة بالغسل؟ (1)
ج: الاحتلام لا يبطل الصوم؛ لأنه ليس باختيار الصائم، وعليه أن يغتسل غسل الجنابة إذا رأى الماء وهو المني. ولو احتلم بعد صلاة الفجر وأخر الغسل إلى وقت صلاة الظهر فلا بأس. وهكذا لو جامع أهله في الليل ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر لم يكن عليه حرج في ذلك، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان يصبح جنبا من جماع ثم يغتسل ويصوم (2) » . وهكذا الحائض والنفساء لو طهرتا في الليل ولم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر لم يكن عليهما بأس في ذلك وصومهما صحيح. ولكن لا يجوز لهما ولا للجنب تأخير الغسل أو الصلاة إلى طلوع الشمس، بل يجب على الجميع البدار بالغسل قبل طلوع الشمس حتى يؤدوا الصلاة في وقتها، وعلى الرجل أن يبادر بالغسل من الجنابة قبل صلاة
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 1 ص 120، وفي كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب الشيخ محمد المسند ج 2 ص 135.
(2) صحيح البخاري الصوم (1926) ، صحيح مسلم الصيام (1109) ، سنن الترمذي الصوم (779) ، سنن أبو داود الصوم (2389) ، مسند أحمد بن حنبل (6/313) ، موطأ مالك الصيام (641) ، سنن الدارمي الصوم (1725) .(15/277)
الفجر حتى يتمكن من الصلاة في الجماعة، وعلى الحائض والنفساء إذا رأتا الطهر في أثناء الليل أن تبادرا بالغسل حتى تصليا المغرب والعشاء من تلك الليلة، كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا إذا طهرتا في وقت العصر وجب عليهما البدار بالغسل حتى تصليا الظهر والعصر قبل غروب الشمس. والله ولي التوفيق.(15/278)
س: هل يجوز تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر؟ وهل يجوز للنساء تأخير غسل الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر؟ (1)
ج: إذا رأت المرأة الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم، ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى بعد طلوع الفجر، ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس؛ بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي قبل طلوع الشمس. وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس؛ بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 147.(15/278)
89 - حكم صوم من دخل الماء إلى جوفه من غير اختياره
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم \ م. ع. د. إمام مسجد قنبر بالخميس وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلني كتابكم المؤرخ في 1 \ 1 \ 1394 هـ وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من التعزية في فقيد الجميع فضيلة الشيخ \ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله- فهمته. وأسأل الله أن يجيب دعاءكم، ويجبر مصيبة الجميع فيه، ويتغمده بالرحمة والرضوان، ويصلح ذريته، ويخلفه على المسلمين بأحسن خلف، إنه جواد كريم، أما المسائل الثلاث فهذا جوابها:
س: رجل صائم اغتسل باللي وبواسطة قوة ضغط الماء دخل الماء إلى جوفه من غير اختياره، فهل عليه القضاء؟
ج: ليس عليه قضاء؛ لكونه لم يتعمد ذلك فهو في حكم المكره والناسي.(15/279)
90 - بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما
س: هل يجوز الاستنشاق والمضمضة في نهار رمضان لمن كان صائما؟ (1)
ج: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للقيط بن صبرة: «أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (2) » . فأمره صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء، ثم قال: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (3) » ؛ فدل ذلك على أن الصائم يتمضمض ويستنشق لكن لا يبالغ مبالغة يخشى منها وصول الماء إلى حلقه، أما الاستنشاق والمضمضة فلا بد منهما في الوضوء والغسل؛ لأنهما فرضان فيهما في حق الصائم وغيره.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم برقم (788) ، وأبو داود في (الطهارة) باب في الاستنثار برقم (142) .
(3) سنن الترمذي الصوم (788) ، سنن النسائي الطهارة (87) ، سنن أبو داود الطهارة (142) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (407) .(15/280)
91 - حكم الإمساكيات التي توزع في شهر رمضان
س: الأخ \ م. ص. أ. من الرياض، يقول في سؤاله:(15/280)
توزع بعض الشركات والمؤسسات إمساكيات لشهر رمضان المبارك، وهذه الإمساكيات خاصة بأوقات الصلوات، ولكن الذي لفت انتباهي وضعهم وقتا للإمساك يسبق وقت أذان الفجر بربع ساعة، فهل لعملهم هذا أصل من السنة؟ أفتونا مأجورين. مرفق لسماحتكم صورة لواحدة من هذه الإمساكيات (1) .
ج: لا أعلم لهذا التفصيل أصلا، بل الذي دل عليه الكتاب والسنة أن الإمساك يكون بطلوع الفجر؛ لقول الله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (2) الآية، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الفجر فجران، فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة (أي صلاة الصبح) ويحل فيه الطعام (3) » . رواه ابن خزيمة والحاكم وصححاه كما في بلوغ المرام، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم (4) »
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) سورة البقرة الآية 187
(3) ذكره البيهقي في السنن الكبرى في (الصيام) باب الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصائم برقم (8024) ، والدارقطني في (الصيام) باب في وقت السحر برقم (2154) .
(4) رواه البخاري في (الأذان) باب الأذان قبل الفجر برقم (623) ، ومسلم في (الصيام) باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر برقم (1092) .(15/281)
قال الراوي: وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت. متفق على صحته. والله الموفق.(15/282)
92 - حكم تناول السحور والمؤذن يؤذن
س: هل يجوز الاستمرار في تناول السحور والمؤذن يؤذن للأذان الثاني أم أنه يمتنع؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، إن كان المؤذن أذن على الصبح، تعلم أنه على الصبح وجب عليك الامتناع والإمساك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعنكم أذان بلال من سحوركم، فإنه يؤذن من ليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (2) » . والأصل في هذا قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (3) فإذا علم أن الفجر طلع حتى ولو ما أذن، كمن في صحراء أو نحوه إذا رأى الفجر يمتنع ولو ما سمع أذان. أما إذا كان المؤذن يؤذن مبكرا أو يشك في أذانه هل وافق الصبح أم لا، فله أن يأكل ويشرب
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) صحيح البخاري الأذان (617) ، صحيح مسلم الصيام (1092) ، سنن الترمذي الصلاة (203) ، سنن النسائي الأذان (637) ، مسند أحمد بن حنبل (2/73) ، موطأ مالك النداء للصلاة (164) ، سنن الدارمي الصلاة (1190) .
(3) سورة البقرة الآية 187(15/282)
حتى يتحقق طلوع الفجر؛ إما بالساعات المعروفة التي ضبط أنها على طلوع الفجر، أو بأذان ثقة يعرف أنه يؤذن على الفجر، فله أن يأكل في حالة الأذان؛ أن يأكل أو يشرب، أو يأكل ما في يده أو يشرب ما في يده؛ لأن الأذان ليس على الصبح بل محتمل.(15/283)
93 - إذا أكل بعد طلوع الفجر بطل صومه
س: إذا استمر المسلم في الأكل وقت السحور حتى طلع الفجر، وهو لا يدري هل عليه أن يمسك ويستمر في صيام ذلك اليوم ويكون صائما أم عليه القضاء؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الواجب على المسلم الذي يصوم صوم فرض، أن يمسك عن الأكل إذا طلع الفجر، فإن أكل بعد طلوع الفجر أو شرب بطل صومه، ووجب عليه القضاء؛ لقول الله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (2)
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1674) بتاريخ 13 \ 9 \ 1419هـ.
(2) سورة البقرة الآية 187(15/283)
س: هل يجب علينا الكف عن السحور عند بدء أذان(15/283)
الفجر، أم يجوز لنا الأكل والشرب حتى ينتهي المؤذن؟
ج: إذا كان المؤذن معروفا بأنه لا ينادي إلا على الصبح فإنه يجب الكف عن الأكل والشرب وسائر المفطرات من حين يؤذن. أما إذا كان الأذان بالظن والتحري حسب التقويم فإنه لا حرج في الشرب أو الأكل وقت الأذان؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (1) » قال الراوي في آخر هذا الحديث: " وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت، أصبحت ". متفق على صحته.
والأحوط للمؤمن والمؤمنة الحرص على إنهاء السحور قبل الفجر؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2) » . وقوله صلى الله عليه وسلم: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه (3) » . أما إذا علم أن المؤذن
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (617) ، صحيح مسلم الصيام (1092) ، سنن الترمذي الصلاة (203) ، سنن النسائي الأذان (638) ، مسند أحمد بن حنبل (2/57) ، موطأ مالك النداء للصلاة (164) ، سنن الدارمي الصلاة (1190) .
(2) رواه الترمذي في (صفة القيامة والرقائق) برقم (2518) .
(3) رواه البخاري في (الإيمان) باب فضل من استبرأ لدينه برقم (52) ومسلم في (المساقاة) باب أخذ الحلال وترك الشبهات برقم (1599) .(15/284)
ينادي بليل لتنبيه الناس على قرب الفجر، كفعل بلال، فإنه لا حرج في الأكل والشرب حتى ينادي المؤذنون الذين يؤذنون على الصبح عملا بالحديث المذكور.(15/285)
94 - الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات إذا تبين له طلوع الفجر
س: ما الحكم الشرعي في صيام من سمع أذان الفجر واستمر في الأكل والشرب؟ .
ج: الواجب على المؤمن أن يمسك عن المفطرات من الأكل والشرب وغيرهما، إذا تبين له طلوع الفجر، وكان الصوم فريضة، كرمضان وكصوم النذر والكفارات؛ لقول الله عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (1) الآية من سورة البقرة.
__________
(1) سورة البقرة الآية 187(15/285)
فإذا سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر وجب عليه الإمساك، فإن كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر لم يجب عليه الإمساك وجاز له الأكل والشرب حتى يتبين له الفجر.
فإن كان لا يعلم حال المؤذن، هل أذن قبل الفجر أو بعد الفجر، فإن الأولى والأحوط له أن يمسك إذا سمع الأذان، ولا يضره لو شرب أو أكل شيئا حين الأذان؛ لأنه لم يعلم بطلوع الفجر.
ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر، ولكن عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1) » . وقوله صلى الله عليه وسلم: «من اتقى الشبهات فمد استبرأ لدينه وعرضه (2) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الترمذي في (صفة القيامة والرقائق) برقم (2518) .
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب فضل من استبرأ لدينه برقم (52) ومسلم في (المساقاة) باب أخذ الحلال وترك الشبهات برقم (1599) .(15/286)
س: في صيام التطوع نويت الصوم يوم الاثنين ولكني بعد أذان الفجر قمت وشربت فهل لي إكمال صومي لذلك ويحسب لي أم لا؟ ومن أكل أو شرب بعد الأذان(15/286)
في التطوع فهل له إكمال يومه أم لا؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الواجب على الصائم إذا كان صومه فرضا، أن يمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات بعد التأكد من طلوع الفجر أو سماع أذان المؤذن الذي من عادته أن يؤذن مع طلوع الفجر أو على التقويم المؤقت بطلوع الفجر؛ لقول الله سبحانه: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (2) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (3) » . وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت،. متفق عليه. فإذا أكل بعد ذلك أو شرب أو تعاطى شيئا من المفطرات بطل صومه. أما المتطوع فلا يتم صومه إلا إذا أمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات عند طلوع الفجر كالمفترض، فإن أكل أو شرب أو تعاطى شيئا من
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 122.
(2) سورة البقرة الآية 187
(3) صحيح البخاري الأذان (617) ، صحيح مسلم الصيام (1092) ، سنن الترمذي الصلاة (203) ، سنن النسائي الأذان (638) ، مسند أحمد بن حنبل (2/57) ، موطأ مالك النداء للصلاة (164) ، سنن الدارمي الصلاة (1190) .(15/287)
المفطرات بعد طلوع الفجر أو بعد الأذان المؤقت على طلوع الفجر فلا صوم له، لكنه يختلف عن الصائم المفترض في أنه يجوز له أن يصوم من أثناء النهار، إذا كان لم يتعاط شيئا من المفطرات بعد طلوع الفجر، ويكتب له أجر الصائم من حين نيته؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا. قال: " فإني إذا صائم". ثم أتانا يوما آخر فقلنا: أهدي لنا حيس، فقال: " أرينيه فلقد أصبحت صائما ". فأكل (1) » . رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » . متفق عليه. وبالله التوفيق.
__________
(1) رواه مسلم في (الصوم) باب جواز صوم النافلة بنية من النهار برقم (2668) .
(2) رواه البخاري في (كتاب بدء الوحي) باب بدء الوحي برقم (1) ، ومسلم في (الإمارة) باب قوله إنما الأعمال بالنية برقم (1907) .(15/288)
95 - حكم من أفطر قبل غروب الشمس والجو غائم
س: إذا كان الجو غائما وأذن المؤذن وأفطر بعض الناس بناء على أذان المؤذن، واتضح بعد الإفطار أن الشمس لم(15/288)
تغب، فما حكم الصيام والحال ما ذكر؟ (1)
ج: على من وقع له ذلك أن يمسك حتى تغيب الشمس، وعليه القضاء عند جمهور أهل العلم، ولا إثم عليه إذا كان إفطاره عن اجتهاد وتحر لغروب الشمس، كما لو أصبح مفطرا في يوم الثلاثين من شعبان، ثم ثبت أنه من رمضان في أثناء النهار فإنه يمسك ويقضي عند جمهور أهل العلم، ولا إثم عليه؛ لأنه حين أكل أو شرب لم يعلم أنه من رمضان، فالجهل بذلك أسقط عنه الإثم، أما القضاء فعليه القضاء.
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 2 ص 166، وفي (مجلة الحرس الوطني) العدد (137) في شهر رمضان 1413 هـ.(15/289)
س: قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (1) ما حكم من أكمل سحوره وشرب ماءه وقت الأذان أو أثناء الأذان أو بعد الأذان للفجر بربع ساعة؟ (2)
ج: إذا كان المذكور في السؤال يعلم أن ذلك قبل تبين الصبح فلا قضاء عليه، وإن علم أنه بعد تبين الصبح فعليه القضاء، أما إن كان لا يعلم هل كان أكله وشربه بعد تبين
__________
(1) سورة البقرة الآية 187
(2) استفتاء شخصي موجه لسماحته وقد صدرت الإجابة عنه من مكتب سماحته في 27 \ 3 \ 1399 هـ.(15/289)
الصبح أو قبله فلا قضاء عليه؛ لأن الأصل بقاء الليل، لكن ينبغي للمؤمن أن يحتاط لصيامه وأن يمسك عن المفطرات إذا سمع الأذان، إلا إذا علم أن هذا الأذان كان قبل الصبح. والأحوط لمن أكل أو شرب بعد الأذان أن يقضي إلا إذا كان يعلم أن المؤذن أذن قبل الصبح. والله الموفق.(15/290)
96 - حكم من فعل مفطرا ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر
س: ما الحكم إذا أكل الصائم أو شرب أو جامع ظانا غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر؟ (1)
ج: الصواب أن عليه القضاء وكفارة الظهار عن الجماع عند جمهور أهل العلم سدا لذريعة التساهل واحتياطا للصوم.
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 180.(15/290)
س: ما حكم صوم من أكل أو شرب شاكا في طلوع الفجر أو غروب الشمس؟ أفيدونا مأجورين (1) .
ج: من أكل أو شرب شاكا في طلوع الفجر فلا شيء
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 123.(15/290)
عليه وصومه صحيح؛ ما لم يتبين أنه أكل أو شرب بعد طلوع الفجر لأن الأصل بقاء الليل، والمشروع للمؤمن أن يتناول السحور قبل وقت الشك احتياطا لدينه وحرصا على كمال صيامه. أما من أكل وشرب شاكا في غروب الشمس فقد أخطأ وعليه القضاء؛ لأن الأصل بقاء النهار، ولا يجوز للمسلم أن يفطر إلا بعد التأكد من غروب الشمس أو غلبة الظن بغروبها، والله ولي التوفيق.(15/291)
س: يوم من أيام رمضان عقدت الصيام وبعدها نعست وصحيت وسمعت الحديث في الراديو فظننت أنه لم يؤذن للفجر بعد فشربت بعض الماء فعرفت بعد ذلك أن الفجر قد أذن، فهل يبطل صومي؟ (1)
ج: نعم عليك القضاء؛ لأنك أكلت متعمدة لا ناسية بعد طلوع الفجر.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الخامس عشر.(15/291)
97 - حكم من فعل مفطرا ناسيا
س: ما حكم من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسيا؟(15/291)
ج: ليس عليه بأس وصومه صحيح؛ لقول الله سبحانه في آخر سورة البقرة: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قال: «قد فعلت (2) » ولما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه (3) » متفق على صحته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 286
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان أنه سبحانه لم يكلف إلا ما يطاق برقم (126) .
(3) رواه البخاري في (الصوم) باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا برقم (1933) ، ومسلم في (الصيام) باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر برقم (1155) واللفظ له.(15/292)
98 - كيفية إمساك وإفطار من يطول نهارهم
س: كيف يصنع من يطول نهارهم إلى إحدى وعشرين ساعة هل يقدرون قدرا للصيام وكذا ماذا يصنع من يكون نهارهم قصيرا جدا، وكذلك من يستمر عندهم النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر؟ (1)
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 164.(15/292)
ج: من عندهم ليل ونهار في ظرف أربع وعشرين ساعة فإنهم يصومون نهاره سواء كان قصيرا أو طويلا ويكفيهم ذلك والحمد لله ولو كان النهار قصيرا. أما من طال عندهم النهار والليل أكثر من ذلك كستة أشهر فإنهم يقدرون للصيام وللصلاة قدرهما كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في يوم الدجال الذي كسنة، وهكذا يومه الذي كشهر أو كأسبوع، يقدر للصلاة قدرها في ذلك.
وقد نظر مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة في هذه المسألة وأصدر القرار رقم 61 وتاريخ 12 \ 4 \ 1398 هـ ونصه ما يلي:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
فقد عرض على مجلس هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في الأيام الأولى من شهر ربيع الآخر عام 1398 هـ كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة رقم 555 وتاريخ 16\1\1398هـ المتضمن ما جاء في خطاب رئيس رابطة الجمعيات الإسلامية في مدينة (مالو) بالسويد الذي يفيد فيه بأن الدول الاسكندنافية يطول فيها النهار في الصيف ويقصر في الشتاء نظرا لوضعها الجغرافي كما أن المناطق الشمالية منها لا تغيب عنها الشمس(15/293)
إطلاقا في الصيف، وعكسه في الشتاء، ويسأل المسلمون فيها عن كيفية الإفطار والإمساك في رمضان، وكذلك كيفية ضبط أوقات الصلوات في هذه البلدان. ويرجو معاليه إصدار فتوى في ذلك ليزودهم بها. ا. هـ.
وعرض على المجلس أيضا ما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ونقول أخرى عن الفقهاء في الموضوع، وبعد الاطلاع والدراسة والمناقشة قرر المجلس ما يلي:
أولا: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جدا في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعا؛ لعموم قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (1) وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (2)
ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: «صلى معنا هذين يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء
__________
(1) سورة الإسراء الآية 78
(2) سورة النساء الآية 103(15/294)
حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال: " أين السائل عن وقت الصلاة " فقال الرجل أنا يا رسول الله. قال: " وقت صلاتكم بين ما رأيتم (1) » رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس، فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان (2) » أخرجه مسلم في صحيحه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولا وفعلا، ولم تفرق بين طول
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب أوقات الصلوات برقم (613) .
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب أوقات الصلوات برقم (612) .(15/295)
النهار وقصره وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعا وعشرين ساعة. ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط وإن كان قصيرا، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضا شديدا، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) وقال
__________
(1) سورة البقرة الآية 187
(2) سورة البقرة الآية 185(15/296)
الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1) وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2)
ثانيا: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفا، ولا تطلع فيها الشمس شتاء أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلا، وجب عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، ويحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض؛ لما ثبت في حديث الإسراء والمعراج من أن الله تعالى فرض على هذه الأمة خمسين صلاة كل يوم وليلة فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف حتى قال: «يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة (3) » . . . إلى آخره، ولما ثبت من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا
__________
(1) سورة البقرة الآية 286
(2) سورة الحج الآية 78
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (162) .(15/297)
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال هل علي غيرهن؟ فقال: لا، إلا أن تطوع (1) » . . . الحديث.
ولما ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: صدق، إلى أن قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك. آلله أمرك بهذا قال: نعم (2) » . . . الحديث.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن المسيح الدجال، فقالوا: «ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب الزكاة من الإسلام برقم (46) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام برقم (11) .
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب السؤال عن أركان الإسلام برقم (12) .(15/298)
كأيامكم، فقيل: يا رسول الله! اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره (1) » فلم يعتبر اليوم الذي كسنة يوما واحدا يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتبارا بالأبعاد الزمنية التي بين أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع فجر كل يوم وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعهما أربعا وعشرين ساعة؛ لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه عن كيفية تحديد أوقات
__________
(1) رواه مسلم في (الفتن وأشراط الساعة) باب ذكر الدجال وصفته برقم (2937) .(15/299)
الصلوات فيه إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة. والله ولي التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء(15/300)
فصل في الجماع في نهار رمضان
99 - كفارة الجماع في نهار رمضان
س: رجل جامع زوجته في رمضان قبل طلوع الفجر، واستمرا على هذه الحال حتى بعد طلوع الفجر، فماذا عليهما؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عليهما التوبة والكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم يستطيعا فصيام شهرين متتابعين ستين يوما، فإن لم يستطيعا، فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد مقداره كيلو ونصف تقريبا، وعلى كل واحد منهما مع الكفارة المذكورة قضاء اليوم الذي حصل فيه الجماع. أصلح الله حالهما.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1674) بتاريخ 13 \ 9 \ 1419 هـ.(15/301)
س: شخص جامع زوجته نهارا أثناء رمضان، وقيل له: إن عليك كفارة إطعام ستين مسكينا، فهل يكون إطعام المساكين في مكة أم في غيرها؟ وهل على زوجته كفارة أيضا؟ (1)
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1673) بتاريخ 6 \ 9 \ 1419 هـ.(15/301)
ج: إذا جامع الرجل زوجته في نهار رمضان فعلى كل واحد منهما كفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن عجزا فعليهما صيام شهرين متتابعين على كل واحد منهما إذا كانت مطاوعة، فإن عجزا فعليهما إطعام ستين مسكينا، فيكون عليهما إطعام ستين مسكينا، ثلاثين صاعا على كل واحد منهما من قوت البلد، لكل فقير صاع، نصفه عن الرجل ونصفه عن المرأة، عند العجز عن العتق والصيام، وعليهما قضاء اليوم الذي حدث فيه الجماع مع التوبة إلى الله والإنابة إليه والندم والإقلاع والاستغفار؛ لأن الجماع في نهار رمضان منكر عظيم لا يجوز من كل من يلزمه الصوم.(15/302)
س: رجل جامع أهله في نهار رمضان، وقد صام الكفارة شهرين متتابعين فهل على أهله شيء أم لا؟ أثابكم الله.
ج: بسم الله والحمد لله: عليها مثله إذا كانت مختارة لم يقهرها، فإن عجزت تطعم ستين مسكينا، ومقداره لكل مسكين نصف صاع، أما إن كان قهرها بالقوة والضرب الشديد فليس عليها شيء، وإنما الإثم عليه وحده، أما إذا كانت تساهلت معه فعليها كفارة مثله سواء بسواء.(15/302)
100 - حكم من جامع زوجته في نهار رمضان عدة مرات جاهلا بالحكم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم. . . وفقه الله لكل خير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد وصل كتابكم وصلكم الله بهداه وما تضمنه من السؤال عما وقع منك في حال الجهل، وهو أنك جامعت زوجتك في نهار رمضان وأنت صائم عدة مرات، ثم سمعت بعد ذلك أنه لا يجوز الجماع في حال الصوم، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
ج: لا شك أن الله سبحانه قد حرم على عباده في نهار رمضان الأكل والشرب والجماع وكل ما يفطر الصائم، وأوجب على من جامع في نهار رمضان وهو مكلف صحيح مقيم غير مريض ولا مسافر الكفارة، وهو عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لكل(15/303)
مسكين نصف صاع من قوت البلد، أما من جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصيام، لكونه بالغا صحيحا مقيما جهلا منه كمثل ما وقع منك، فقد اختلف أهل العلم في شأنه، فقال بعضهم: عليه الكفارة؛ لأنه مفرط في عدم السؤال والتفقه في الدين، وقال آخرون من أهل العلم: لا كفارة عليه من أجل الجهل، وبذلك تعلم أن الأحوط لك هو الكفارة، من أجل تفريطك وعدم سؤالك عما يحرم عليك قبل أن تفعل ما فعلت، وإذا كنت لا تستطيع العتق والصيام كفاك إطعام ستين مسكينا عن كل يوم جامعت فيه، فإذا كنت جامعت في يومين فكفارتان، وإن كنت جامعت في ثلاثة أيام فثلاث كفارات، وهكذا كل جماع في يوم عنه كفارة، أما الجماعات المتعددة في يوم واحد فيكفي عنها كفارة واحدة، هذا هو الأحوط لك والأحسن، حرصا على براءة الذمة، وخروجا من خلاف أهل العلم، وجبرا لصيامك، وإذا لم تحفظ عدد الأيام التي جامعت فيها، فاعمل بالأحوط وهو الأخذ بالزائد، فإذا شككت هل هي ثلاثة أيام أو أربعة فاجعلها أربعة وهكذا، ولكن لا يتأكد عليك إلا الشيء الذي تجزم به، وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه، وبراءة الذمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(15/304)
101 - حكم من أجبر زوجته على الجماع في نهار رمضان
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. م وفقه الله آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابكم المؤرخ في 24\4\1395 هـ وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من الإفادة أنك جامعت زوجتك في نهار رمضان وأنها امتنعت وأجبرتها وتشك هل وقع ذلك منك يوما أو يومين، وأنك لا تستطيع العتق ولا الصيام إلى آخر ما ذكرت ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
ج: إذا كان الواقع ما ذكرت فكفر عن جماع يوم بإطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، وإن غديتهم أو عشيتهم كفى ذلك، أما جماع اليوم المشكوك فيه فلا يجب عليك عنه شيء؛ لأن الأصل براءة الذمة، وإن كفرت عنه على سبيل الاحتياط فلا بأس، أما زوجتك فلا كفارة
__________
(1) خطاب صدر من مكتب سماحته عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية برقم (1257) وتاريخ 27 \ 5 \ 1395 هـ.(15/305)
عليها؛ لأنها مجبرة، وعليك التوبة إلى الله سبحانه من هذا العمل المنكر، وعليك أيضا أن تقضي اليوم الذي وقع الجماع فيه. ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك وعن جميع المسلمين، إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة(15/306)
س: رجل أجبر زوجته على جماعها في نهار رمضان قبل سنوات وهي حبلى في الشهر السابع، ماذا يجب عليهما؟ وهل يأثمان بمرور هذه السنوات؟ (1)
ج: عليهما التوبة إلى الله سبحانه وقضاء اليوم مع الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة على كل واحد منهما، ومن عجز منهما فعليه صيام شهرين متتابعين- ستين يوما- ومن لم يستطع منهما فعليه إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، مقداره واحد ونصف كجم تقريبا، وإن كانت مكرهة أي لم تستطع منعه فليس عليها كفارة، ولا قضاء؛ لأن المكره لا فعل له.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1548) في 18 \ 2 \ 1417 هـ.(15/307)
102 - حكم جماع المسافر زوجته في نهار رمضان
س: ما حكم من جامع في نهار رمضان وهو صائم، وهل يجوز للمسافر إذا أفطر أن يجامع أهله؟ (1)
ج: على من جامع في نهار رمضان وهو صائم صوما واجبا الكفارة، أعني كفارة الظهار مع وجوب قضاء اليوم، والتوبة
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 180.(15/307)
إلى الله سبحانه مما وقع منه. أما إن كان مسافرا أو مريضا مرضا يبيح له الفطر فلا كفارة عليه ولا حرج عليه، وعليه قضاء اليوم الذي جامع فيه؛ لأن المريض والمسافر يباح لهما الفطر بالجماع وغيره، كما قال الله سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) وحكم المرأة في هذا حكم الرجل إن كان صومها واجبا وجبت عليها الكفارة مع القضاء، وإن كانت مسافرة أو مريضة مرضا يشق معه الصوم فلا كفارة عليها.
__________
(1) سورة البقرة الآية 184(15/308)
103 - حكم الحيلة لإسقاط كفارة الجماع
س: الأخ \ ع. س. م. من الدمام يقول في سؤاله: كنا في مجلس مع بعض الإخوة وكان الحديث حول الصيام ومفسداته، فقال أحد الإخوة إنه سمع آخر يقول إن الإنسان لو اضطر لجماع زوجته وهو صائم في نهار رمضان فقام بالإفطار قبل ذلك على أكل أو شرب فإنه يسلم من الكفارة المترتبة على الذي يجامع في نهار رمضان. فهل ما قاله هذا الأخ صحيح؟ نرجو الإفادة (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(15/308)
ج: هذا كلام باطل وليس بصحيح، والواجب على المسلم الحذر من الجماع في رمضان إذا كان مقيما صحيحا وهكذا المرأة إذا كانت مقيمة صحيحة. أما المسافر فلا حرج عليه في جماع زوجته المسافرة، وهكذا المريض مع المريضة إذا كان يشق عليهما الصوم. والله ولي التوفيق.(15/309)
104 - حكم من جامع زوجته وهي صائمة صوم قضاء
س: الأخ \ ع. م. ص. من القاهرة: يقول في سؤاله: رجل عاد من سفر طويل ووجد امرأته صائمة صوم قضاء ولكنه لم يستطع أن يكبح جماح نفسه فوقع عليها بدون رضاها فماذا عليهما. أفتونا جزاكم الله خير الجزاء (1) .
ج: الواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه، وذلك بالندم على ما وقع منه والعزم ألا يعود في ذلك تعظيما لله سبحانه، وحذرا من عقابه.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(15/309)
أما المرأة فإن كانت مكرهة فلا شيء عليها وصومها صحيح أما إن كانت تساهلت معه فعليها قضاء اليوم مع التوبة ولا كفارة عليها. والله ولي التوفيق.(15/310)
ما يكره وما يستحب في الصيام(15/311)
صفحة فارغة(15/312)
105 - حكم بلع الصائم ريقه
س: ما حكم بلع الريق للصائم؟
ج: لا حرج في بلع الريق، ولا أعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم؛ لمشقة أو تعذر التحرز منه، أما النخامة والبلغم فيجب لفظهما إذا وصلتا إلى الفم، ولا يجوز للصائم بلعهما لإمكان التحرز منهما بخلاف الريق. وبالله التوفيق.(15/313)
س: ما حكم بلع اللعاب للصائم؟ (1)
ج: اللعاب لا يضر الصوم؛ لأنه من الريق، فإن بلع فلا بأس، وإن بصق فلا بأس. أما النخامة وهي ما يخرج من الصدر، أو من الأنف، ويقال لها النخاعة، وهي البلغم الغليظ الذي يحصل للإنسان تارة من الصدر وتارة من الرأس، هذه يجب على الرجل والمرأة بصقه وإخراجه وعدم ابتلاعه.
أما اللعاب العادي الذي هو الريق، فهذا لا حرج فيه ولا يضر الصائم لا رجلا ولا امرأة.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 125.(15/313)
106 - القبلة والمباشرة تكرهان ممن تتحرك شهوته
س: ما ذكرته من حصول مداعبة بينك وبين زوجتك في نهار رمضان، أدت إلى جلوسك بين شعبها وضمها وتقبيلها، وخروج المذي منك على أثر ذلك إلا أنك لم تولج، وأن ذلك حصل منك في ستة أيام أو سبعة، وسؤالك عن صحة صيامك؟
ج: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، فبعضهم رأى فساد الصوم بخروج المذي، وبعضهم رأى صحته. والصواب إن شاء الله أن الصوم صحيح ولا قضاء عليكما جميعا، ولكن ينبغي للمؤمن توقي الأفعال التي تدعو إلى خروج المذي من الضم والتقبيل ونحوهما. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، قالت عائشة رضي الله عنها: ولكنه كان أملككم لإربه (1) » . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه «سأله شخصان عن القبلة للصائم، فنهى أحدهما وأذن للآخر، قال الراوي: فنظرنا فإذا الذي أذن
__________
(1) صحيح البخاري الصوم (1927) ، صحيح مسلم الصيام (1106) ، سنن الترمذي الصوم (729) ، سنن أبو داود كتاب الصوم (2382) ، سنن ابن ماجه الصيام (1687) ، مسند أحمد بن حنبل (6/40) ، موطأ مالك الصيام (646) ، سنن الدارمي الصوم (1722) .(15/314)
له شيخ وإذا الذي نهاه شاب (1) » .
فاستنبط العلماء من ذلك أن القبلة والمباشرة تكرهان للشباب ونحوهم، ممن تتحرك شهوته عند ذلك، ويخشى عليه مواقعة الحرام، أما من لا يخشى منه ذلك فلا كراهة في حقه. والله الموفق.
__________
(1) سنن أبو داود الصوم (2387) .(15/315)
س: إذا قبل الرجل امرأته في نهار رمضان أو داعبها، هل يفسد صومه أم لا؟ أفيدونا أفادكم الله (1) .
ج: تقبيل الرجل امرأته ومداعبته لها ومباشرته لها بغير الجماع وهو صائم كل ذلك جائز ولا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، لكن إن خشي الوقوع فيما حرم الله عليه لكونه سريع الشهوة، كره له ذلك، فإن أمنى لزمه الإمساك والقضاء، ولا كفارة عليه عند جمهور أهل العلم. أما المذي فلا يفسد به الصوم في أصح قولي العلماء؛ لأن الأصل السلامة وعدم بطلان الصوم، ولأنه يشق التحرز منه. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 2 ص 164.(15/315)
107 - حكم مشاهدة الأفلام والتلفاز ولعب الورق في نهار رمضان
س: بعض الصائمين يقضون معظم نهار رمضان في مشاهدة الأفلام والمسلسلات من الفيديو والتلفاز ولعب الورق، فما هو رأي الدين في ذلك؟
ج: الواجب على الصائمين وغيرهم من المسلمين أن يتقوا الله سبحانه فيما يأتون ويذرون في جميع الأوقات، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم من مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرم الله، من الصور العارية وشبه العارية، ومن المقالات المنكرة، وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله، من الصور والأغاني وآلات الملاهي والدعوات المضللة.
كما يجب على كل مسلم صائما كان أو غيره أن يحذر اللعب بآلات اللهو، من الورق وغيرها من آلات اللهو، لما في ذلك من مشاهدة المنكر وفعل المنكر، ولما في ذلك أيضا من التسبب في قسوة القلوب ومرضها واستخفافها بشرع الله(15/316)
والتثاقل عما أوجب الله، من الصلاة في الجماعة أو غير ذلك من ترك الواجبات والوقوع في كثير من المحرمات، والله يقول سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (1) {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) ويقول سبحانه في سورة الفرقان في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (3)
والزور يشمل جميع أنواع المنكر. ومعنى لا يشهدون: لا يحضرون، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (4) » رواه البخاري في صحيحه، معلقا مجزوما به. والمراد بالحر- بالحاء المكسورة المهملة والراء المهملة- الفرج الحرام. والمراد بالمعازف: الغناء وآلات اللهو؛ ولأن الله سبحانه حرم على المسلمين وسائل الوقوع في المحرمات. ولا شك أن مشاهدة الأفلام المنكرة، وما يعرض في التلفاز من المنكرات من وسائل الوقوع فيها، أو التساهل في عدم إنكارها. والله المستعان.
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة لقمان الآية 7
(3) سورة الفرقان الآية 72
(4) رواه البخاري معلقا في (الأشربة) باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه.(15/317)
108 - حكم ما يفعله بعض الصائمين من النوم نهارا والسهر ليلا
س: هناك يا سماحة الشيخ من يسهرون إلى الفجر ثم ينامون بعد أداء هذه الصلاة حتى دخول وقت صلاة الظهر فيؤدونها ليعودوا للنوم حتى العصر وهكذا حتى يحين وقت الإفطار فما حكم الإسلام في هذا السلوك؟
ج: لا حرج في النوم نهارا وليلا إذا لم يترتب عليه إضاعة شيء من الواجبات ولا ارتكاب شيء من المحرمات، والمشروع للمسلم سواء كان صائما أو غيره عدم السهر بالليل والمبادرة إلى النوم بعد ما ييسر الله له من قيام الليل، ثم القيام إلى السحور إن كان في رمضان؛ لأن السحور سنة مؤكدة وهو أكلة السحر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة (1) » متفق على صحته. وقوله صلى الله عليه
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب بركة السحور برقم (1923) ، ومسلم في (الصيام) باب فضل السحور برقم (1095) .(15/318)
وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر (1) » رواه مسلم في صحيحه.
كما يجب على الصائم وغيره المحافظة على جميع الصلوات الخمس في الجماعة والحذر من التشاغل عنها بنوم أو غيره. كما يجب على الصائم وغيره أداء جميع الأعمال التي يجب أداؤها في أوقاتها للحكومة أو غيرها. وعدم التشاغل عنها بنوم أو غيره. وهكذا يجب عليه السعي في طلب الرزق الحلال الذي يحتاج إليه هو ومن يعول وعدم التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره.
والخلاصة أن وصيتي للجميع من الرجال والنساء والصوام وغيرهم هي تقوى الله جل وعلا في جميع الأحوال، والمحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها على الوجه الذي شرعه الله، والحذر كل الحذر من التشاغل عن ذلك بنوم أو غيره من المباحات أو غيرها. وإذا كان التشاغل عن ذلك بشيء من المعاصي صار الإثم أكبر والجريمة أعظم. أصلح الله أحوال المسلمين وفقههم في الدين وثبتهم على الحق وأصلح قادتهم إنه جواد كريم.
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب فضل السحور برقم (1096) .(15/319)
109 - الغيبة والنميمة والسب وغيرها من المعاصي تجرح الصوم وتضعف الأجر
س: هل اغتياب الناس يفطر في رمضان؟
ج: الغيبة لا تفطر الصائم، وهي ذكر الإنسان بما يكره. وهي معصية؛ لقول الله عز وجل: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ} (1) وهكذا النميمة والسب والشتم والكذب، كل ذلك لا يفطر الصائم، ولكنها معاص يجب الحذر منها واجتنابها من الصائم وغيره، وهي تجرح الصوم وتنقص الأجر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه (2) » رواه الإمام البخاري في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم (3) » متفق عليه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
__________
(1) سورة الحجرات الآية 12
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من لم يدع قول الزور برقم (1903) .
(3) رواه البخاري في (الصوم) باب هل يقول إني صائم إذا شتم برقم (1904) .(15/320)
110 - السحور ليس شرطا في صحة الصيام
س: إنسان نام قبل السحور في رمضان وهو على نية السحور حتى الصباح، هل صيامه صحيح أم لا؟
ج: صيامه صحيح؛ لأن السحور ليس شرطا في صحة الصيام، وإنما هو مستحب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة (1) » متفق عليه.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب بركة السحور من غير إيجاب برقم (1923) ، ومسلم في (الصيام) باب فضل السحور وتأكيد استحبابه برقم (1095) .(15/321)
111 - حكم من تسحر في بلد وأفطر في آخر
س: الأخ الذي رمز لاسمه ب: ح. ق. من الرياض يقول في سؤاله: ما حكم من تسحر في بلد وأفطر في آخر مثل ما حدث معي عندما تسحرت في بلدي في رمضان العام الماضي وفي نفس اليوم وصلت إلى الرياض وأفطرت مع أهل الرياض مع العلم أن هناك فرق ساعة(15/321)
في الوقت بين الرياض وبلدي فهل علي قضاء ذلك اليوم أم لا؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، لأنه له حكم البلاد التي تسحر فيها والتي أفطر فيها ولا يضره تفاوت ما بين البلدين في طول النهار وقصره وتقدم الغروب وطلوع الفجر وتأخرهما.
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته من (المجلة العربية) .(15/322)
112 - لا تفطر حتى تغرب الشمس وأنت في الجو
س: ستقلع بنا الطائرة بإذن الله تعالى من الرياض في رمضان قبل أذان المغرب بساعة تقريبا وسيؤذن للمغرب ونحن في أجواء السعودية فهل نفطر؟ وإذا رأينا الشمس ونحن في الجو وهذا هو الغالب فهل نظل على صيامنا ونفطر في بلدنا أم نفطر بمجرد الأذان في السعودية؟ (1)
ج: إذا أقلعت الطائرة من الرياض مثلا قبل غروب الشمس إلى جهة المغرب فإنك لا تزال صائما حتى تغرب الشمس وأنت في الجو أو تنزل في بلد قد غابت فيها الشمس؛
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ص 117، الجزء الأول، وفي (مجلة الحرس الوطني) العدد (137) رمضان 1413 هـ.(15/322)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم (1) » . متفق على صحته.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب متى يحل فطر الصائم برقم (1954) ، ومسلم في (الصيام) باب بيان وقت انقضاء الصوم برقم (1100 و 1101) .(15/323)
113 - التبرع لإفطار الصائمين
س: أم حامد من الحوطة تقول: تقوم بعض المؤسسات الخيرية بجمع التبرعات من المسلمين لإعداد مشاريع إفطار للفقراء من المسلمين في شهر رمضان، فهل من يتبرع لهذه المؤسسات يكون أجر الإفطار قد حصل له أم لا بد من قيام الشخص بتقديم الإفطار بنفسه؟ (1)
ج: إذا تبرع المسلم لإفطار الصوام، فهو مأجور وذلك من الصدقة سواء كان ذلك بنفسه أو بمن يراه من الثقاة أو من الجمعيات الموثوقة.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1671) بتاريخ 21\8\1419 هـ.(15/323)
114 - أفضلية ختم القرآن في رمضان
س: هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبرائيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن؟ (1)
ج: يستفاد منها المدارسة وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دارس جبرائيل للاستفادة؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعلا وهو السفير بين الله والرسل، فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي صلى الله عليه وسلم أشياء من جهة الله عز وجل، من جهة إقامة حروف القرآن، ومن جهة معانيه التي أرادها الله، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن، ومن يعينه على إقامة ألفاظه، فهذا مطلوب كما دارس النبي صلى الله عليه وسلم جبرائيل، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من جهة القرآن، ومن جهة ألفاظه، ومن جهة معانيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يستفيد من جبرائيل من هذه
__________
(1) نشر في (جريدة الندوة) العدد (12211) بتاريخ 9 \ 9 \ 1419 هـ.(15/324)
الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام بل هو أفضل البشر وأفضل من الملائكة عليه الصلاة والسلام، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل.
وفيه فائدة أخرى وهي: أن المدارسة في الليل أفضل من النهار؛ لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهارا.
وفيه أيضا من الفوائد: شرعية المدارسة وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان؛ لأن فيه فائدة لكل منهما، ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس أن يستفيد كل منهم من أخيه، ويشجعه على القراءة، وينشطه فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده، لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له، مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم، كل ذلك فيه خير كثير.
ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة، لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله(15/325)
يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن، وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبا لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة، بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة.(15/326)
حكم القضاء(15/327)
صفحة فارغة(15/328)
115 - حكم قضاء رمضان في غير بلاد المسلمين
س: من اعتاد قضاء رمضان في غير بلاد المسلمين، هل يكون آثما؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل، فالمسلم يفرح بقدوم رمضان، ويسر بإدراكه له وهو في بلاد المسلمين؛ لما لرمضان في بلاد المسلمين من مظاهر لا يحس بها ولا يشعر بها من هو في خارج بلاد الإسلام، إنه يرى المصلين وكثرتهم وتنافسهم في الطاعة فيزداد نشاطا وقوة ورغبة في الخير.
أما من كان في غير بلاد الإسلام، فإنه على خطر من أن ينقص ثوابه؛ لقلة أعماله الصالحة أو يكسب إثما بسبب ارتكابه جرما، وقد يزداد من المعاصي بسبب بعده عن أهل الخير، وقربه من أهل الشر، والواجب على من اعتاد ذلك تقوى الله، وأن يدع هذه العادة، ويصوم رمضان في بلاد المسلمين، لكن إذا كان صيامه في غير بلاد المسلمين لعمل مشروع، كالدعوة
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1284) في 5\9\1411هـ.(15/329)
إلى الله وإمامة المسلمين في الصلوات وغير ذلك من أعمال الخير فذلك مما يؤجر عليه المسلم ويثاب، وقد يحصل له بذلك من الأجور أكثر مما يحصل له في بلاد المسلمين؛ لما قام به من الدعوة إلى الله وتعليم الناس الخير مع التحفظ من كل شر. والله هو الموفق سبحانه.(15/330)
116 - حكم تارك الصوم تهاونا
س: ما حكم من أفطر في رمضان غير منكر لوجوبه، وهل يخرجه من الإسلام تركه الصيام تهاونا أكثر من مرة؟
ج: من أفطر في رمضان عمدا لغير عذر شرعي فقد أتى كبيرة من الكبائر، ولا يكفر بذلك في أصح أقوال العلماء، وعليه التوبة إلى الله سبحانه مع القضاء. والأدلة كثيرة تدل على أن ترك الصيام ليس كفرا أكبر إذا لم يجحد الوجوب وإنما أفطر تساهلا وكسلا. وعليه إطعام مسكين عن كل يوم إذا تأخر القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر شرعي. وهكذا ترك الزكاة والحج مع الاستطاعة إذا لم يجحد وجوبهما فإنه لا يكفر بذلك، وعليه أداء الزكاة عما مضى من السنين التي فرط فيها، وعليه الحج مع التوبة النصوح من التأخير؛ لعموم الأدلة الشرعية في ذلك الدالة على عدم كفرهما إذا لم يجحدا وجوبهما. ومن ذلك حديث تعذيب تارك الزكاة بماله يوم القيامة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار (1) .
__________
(1) رواه مسلم في (الزكاة) باب إثم مانع الزكاة برقم (1647) .(15/331)
117 - حكم القضاء على من ترك الصيام دون عذر شرعي
س: ما حكم المسلم الذي أهمل أداء فريضة الصوم بدون عذر شرعي لعدة سنوات مع التزامه بأداء الفرائض الأخرى هل يكون عليه قضاء أو كفارة وكيف يقضي كل هذه الشهور إن كان عليه قضاء؟
ج: حكم من ترك صوم رمضان وهو مكلف من الرجال والنساء أنه قد عصى الله ورسوله وأتى كبيرة من كبائر الذنوب، وعليه التوبة إلى الله من ذلك، وعليه القضاء لكل ما ترك مع إطعام مسكين عن كل يوم إن كان قادرا على الإطعام. وإن كان فقيرا لا يستطيع الإطعام كفاه القضاء والتوبة؛ لأن صوم رمضان فرض عظيم قد كتبه الله على المسلمين المكلفين وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحد أركان الإسلام الخمسة.
والواجب تعزيره على ذلك وتأديبه بما يردعه إذا رفع أمره إلى ولي الأمر، أو إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا(15/332)
إذا كان لا يجحد وجوب صيام رمضان، أما إن جحد وجوب صوم رمضان فإنه يكون في ذلك كافرا مكذبا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم يستتاب من جهة ولي الأمر بواسطة المحاكم الشرعية فإن تاب وإلا وجب قتله لأجل الردة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه (1) » خرجه البخاري في صحيحه.
أما إن ترك الصوم من أجل المرض أو السفر فلا حرج عليه في ذلك، والواجب عليه القضاء إذا صح من مرضه أو قدم من سفره؛ لقول الله عز وجل {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) الآية من سورة البقرة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب لا يعذب بعذاب الله برقم (3017) .
(2) سورة البقرة الآية 185(15/333)
س: أنا مسلم والحمد لله ولكني في سابق عمري لم أكن أصوم كل رمضان أي أفطر أياما من دون عذر وأنا الآن نادم وتائب مع العلم أنني لا أعرف عدد الأيام التي أفطرتها فماذا يلزمني الآن؟ (1)
__________
(1) نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (30) .(15/333)
ج: يلزمك أن تقضي الأيام التي أفطرتها حسب ظنك واجتهادك، مع التوبة إلى الله سبحانه، والندم على ما حصل منك، والعزيمة على ألا تعود في ذلك.
وعليك مع ذلك إطعام مسكين عن كل يوم بعدد الأيام التي تظن أنك تركتها، وذلك نصف صاع عن كل يوم وهو كيلو ونصف تقريبا تعطيه بعض الفقراء. نسأل الله أن يمن عليك بالتوبة النصوح وأن يعفو عنا وعنك.(15/334)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الأخت م. ع. ق. وفقها الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعت على الأسئلة المقدمة منك، وإليك الإجابة.
س: امرأة كانت ترعى الغنم وهي صغيرة، وصامت بعد حلول الصوم عليها سنتين وإذا اشتد عليها العطش وهي في البر شربت من الماء؟
ج: عليها أن تقضي الأيام التي أفطرتها، وتطعم عن كل يوم أفطرته مسكينا، مع القضاء؛ لأنها أخرت القضاء. ومقدار الإطعام نصف صاع من قوت البلد عن كل يوم، إذا كانت تستطيع ذلك، وإن كانت فقيرة ولا تستطيع الإطعام فلا شيء عليها سوى الصيام، ولا مانع أن يدفع الإطعام إلى مسكين واحد أو أكثر.(15/335)
س: منذ خمس سنوات وفي شهر رمضان المبارك، أفطرت أربعة أيام وليس لي عذر غير التعب، فهل يجب علي القضاء؟ وهل علي كفارة، وما هي؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عليك ثلاث أمور:
الأمر الأول: التوبة إلى الله سبحانه، والندم على ما فعلت من التقصير والإفطار بغير عذر شرعي. وعليك التوبة إلى الله من أجل التأخير؛ لأنك أخرت القضاء. والواجب أن تقضي قبل رمضان الذي بعد رمضان الذي أفطرت فيه، فعليك التوبة إلى الله من هذا التأخير، ومن الإفطار بغير عذر. والتوبة لازمة من كل ذنب، وهي: الندم على الماضي من الذنب، والإقلاع عنه، والعزم الصادق من العبد ألا يعود إليه، كما قال الله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2)
الأمر الثاني: عليك مع ذلك قضاء الأيام الأربعة؛ لأن الله تعالى، قال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) الآية. وإذا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (1) .
(2) سورة النور الآية 31
(3) سورة البقرة الآية 185(15/336)
أفطر غير المريض وغير المسافر فمن باب أولى أن يقضي وعليه التوبة إلى الله تعالى.
الأمر الثالث: هو إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع، يعني كيلو ونصف تقريبا، من تمر أو من حنطة أو أرز أو غيرها من قوت البلد (يعني بصاع النبي صلى الله عليه وسلم) يعطاها بعض الفقراء، ولو فقيرا واحدا يكفي. والله جل وعلا المسئول أن يغفر لنا ولك، وأن يهدينا وإياك وسائر المسلمين.(15/337)
118 - حكم من ترك صوم رمضان جهلا بوجوبه
س: منذ عشر سنوات تقريبا كان بلوغي من خلال أمارات البلوغ المعروفة، غير أني في السنة الأولى من بلوغي أدركت رمضان ولم أصمه دون عذر شرعي، وإنما ذلك جهل مني بوجوبه آنذاك، فهل يلزمني الآن قضاؤه؟ وهل يلزمني- زيادة على القضاء- كفارة؟ (1)
ج: يلزمك القضاء لذلك الشهر الذي لم تصوميه مع
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) الجزء الثاني ص 158 وفي جريدة (البلاد) العدد (10829) بتاريخ 19 \ 9 \ 1414 هـ.(15/337)
التوبة والاستغفار، وعليك مع ذلك إطعام مسكين لكل يوم مقداره نصف صاع من قوت البلد، من التمر أو الأرز أو غيرهما إذا كنت تستطيعين ذلك، أما إن كنت فقيرة لا تستطيعين فلا شيء عليك سوى الصيام.(15/338)
س: منذ بداية وجوب الصوم علي لم أصم لمدة ثنتي عشر سنة لعدم إدراكي وقتها بحكم ترك الصيام، أما بعدها والحمد لله فأنا مستمرة في الصيام دون انقطاع فما حكم الإسلام بخصوص هذه الفترة التي لم أصمها هل مطلوب مني أن أصومها جميعا أم أصوم جزءا منها معوضا عن الباقي أم هنالك ما يعوض عن ترك الفترة بغير الصيام؟ ووالدتي لها نفس الحالة سوى اختلاف في عدد السنين التي لم تصمها غير أنها الآن أصبحت كبيرة في السن وحالتها الصحية لا تسمح بصيام فترة طويلة كهذه. أرشدونا بارك الله فيكم (1) .
ج: عليك وعلى أمك أن تصوما ما تركتما من الصيام مع التوبة والاستغفار؛ لأنكما أخطأتما في إضاعة هذا الفرض وتأخيره فالواجب عليكما التوبة إلى الله والندم على ما مضى مع الاستغفار، وسؤال الله العفو سبحانه وتعالى، والعزم
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الرابع.(15/338)
الصادق ألا تعودوا لمثل هذا، وعليك أن تقضي الأيام التي تركت مع إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من التمر أو من البر عن كل يوم مع القدرة، فإن كنت فقيرة فلا شيء عليك، ولكن عليك الصيام لما مضى؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) وأنت لست مريضة ولا مسافرة، فالواجب عليك القضاء من باب أولى وهكذا أمك عليها أن تقضي الأيام ولو غير متتابعة فتقضي أياما وتفطر أياما وهكذا حتى تقضي ما عليها، بعد شفائها من المرض، أما إن كانت عاجزة لكبر السن عجزا لا تستطيع معه صيام رمضان فإنها تطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع من قوت بلدها والحمد لله، أما ما دامت تستطيع الصوم فإنها تصوم، وإذا كانت في الوقت الحاضر عندها مرض يمنعها من الصوم فإنه يؤجل حتى تشفى إن شاء الله ثم تصوم مع إطعام مسكين عن كل يوم مثلك سواء بسواء، وهذا الطعام يعطى الفقراء أو فقيرا واحدا.
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/339)
119 - كل من عليه أيام من رمضان يلزمه أن يقضيها قبل رمضان القادم
س: من جاءه رمضان وعليه أيام من رمضان سابق، هل(15/339)
يكون آثما؛ لأنه لم يقضها قبل دخول رمضان، وهل تلزمه كفارة أم لا؟ (1)
ج: كل من عليه أيام من رمضان يلزمه أن يقضيها قبل رمضان القادم، وله أن يؤخر القضاء إلى شعبان، فإن جاء رمضان الثاني ولم يقضها من غير عذر أثم بذلك، وعليه القضاء مستقبلا مع إطعام مسكين عن كل يوم، كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومقدار الطعام نصف صاع عن كل يوم من قوت البلد، يدفع لبعض المساكين ولو واحدا. أما إن كان معذورا في التأخير لمرض أو سفر فعليه القضاء فقط، ولا إطعام عليه؛ لعموم قوله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) والله الموفق.
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) الجزء الثاني ص 158، 159.
(2) سورة البقرة الآية 185(15/340)
120 - حكم تأخير القضاء بلا عذر
س: أصبت بمرض شديد قبل حوالي خمس سنوات وذلك خلال شهر رمضان المبارك ولم أستطع صيام ذلك الشهر، وإنني إلى تاريخه لم أصمه، فهل يجوز أن أقوم الآن بقضاء ما فاتني وهل علي إثم في ذلك؟ أفيدوني(15/340)
أثابكم الله ورعاكم (1) .
ج: عليك التوبة إلى الله سبحانه من هذا التأخير الكثير، وكان الواجب عليك أن تصوم الأيام التي أفطرتها قبل مجيء رمضان الذي بعد السنة التي أفطرت فيها، وعليك مع التوبة إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، ومقداره كيلو ونصف تقريبا يدفع الجميع إلى بعض الفقراء ولو إلى فقير واحد. نسأل الله أن يقبل توبتك ويعفو عنا وعنك إنه خير مسئول.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 152.(15/341)
س: أنا في الخمسين من عمري، وقد فاتني صيام خمسة عشر يوما وذلك إثر ولادتي لأحد أطفالي قبل 27سنة، ولم أتمكن من قضائها في تلك السنة، فهل أقضيها في هذا الوقت؟ وهل علي إثم؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من هذا التأخير، وعليك قضاء الأيام المذكورة مع إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف تقريبا.
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) الجزء الثاني ص 159.(15/341)
س: أفطرت في إحدى السنوات الأيام التي تأتي فيها الدورة الشهرية ولم أتمكن من الصيام حتى الآن، وقد مضى علي سنوات كثيرة وأود أن أقضي ما علي من دين الصيام، ولكن لا أعرف كم عدد الأيام التي علي، فماذا أفعل؟ (1)
ج: عليك ثلاثة أمور:
الأمر الأول: التوبة إلى الله من هذا التأخير، والندم على ما مضى من التساهل، والعزم على ألا تعودي لمثل هذا؛ لأن الله يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) وهذا التأخير معصية، والتوبة إلى الله من ذلك واجبة.
الأمر الثاني: البدار بالصوم على حسب الظن، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فالذي تظنين أنك تركتيه من أيام عليك أن تقضيه، فإذا ظننت أنها عشرة فصومي عشرة أيام، وإذا ظننت أنها أكثر أو أقل فصومي على مقتضى ظنك؛ لقول الله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (3) وقوله عز
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1552) بتاريخ 17\3\1417هـ.
(2) سورة النور الآية 31
(3) سورة البقرة الآية 286(15/342)
وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)
الأمر الثالث: إطعام مسكين عن كل يوم إذا كنت تقدرين على ذلك، يصرف كله ولو لمسكين واحد، فإن كنت فقيرة لا تستطيعين الإطعام، فلا شيء عليك في ذلك سوى الصوم والتوبة. والإطعام الواجب عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد، ومقداره كيلو ونصف في حق من قدر على ذلك.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(15/343)
121 - الفرق بين تأخير قضاء رمضان بعذر وبين تأخيره بلا عذر
س: ما حكم الشريعة الإسلامية في رجل أخر قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان لعذر ورجل آخر أخره بدون عذر؟ (1)
ج: من أخره بعذر شرعي كالمرض ونحوه فلا حرج عليه؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3)
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 151.
(2) سورة البقرة الآية 185
(3) سورة التغابن الآية 16(15/343)
أما من أخر ذلك لغير عذر فقد عصى ربه، وعليه التوبة من ذلك مع القضاء، وإطعام مسكين لكل يوم، مقداره نصف صاع من قوت البلد من أرز أو غيره، ومقداره بالوزن كيلو ونصف تقريبا، ويدفع ذلك إلى بعض الفقراء، ولو واحدا قبل الصيام أو بعده. والله ولي التوفيق.(15/344)
س: قبل خمسة وثلاثين عاما ولدت لي ابنة في رمضان، وبعدها بسنتين ولدت لي ابنة في رمضان ولم أصم سوى عشرة أيام، وأنا امرأة كبيرة في السن ومريضة كيف أتصرف الآن؟ (1)
ج: إذا عافاك الله فإنه يلزمك أن تصومي الأيام التي عليك من رمضان الأول ورمضان الثاني. وعليك مع ذلك إطعام عن كل يوم مسكين، إذا كنت تساهلت في القضاء مع القدرة فإن عليك إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع تمر أو أرز من قوت البلد يعني كيلو ونصف تقريبا عن كل يوم، يعطى بعض الفقراء. تجمع وتعطى بعض الفقراء فقير أو فقيرين. أو أهل بيت فقراء وهذا يكفي والحمد لله مع الصوم والتوبة.
أما إن كان التأخير من أجل المرض، ولم تتساهلي في
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الخامس عشر.(15/344)
ذلك ولكن المرض منعك من الصوم فعليك القضاء فقط. وليس عليك إطعام، بل تقضين الأيام التي تركت وليس عليك إطعام لأنك معذورة لقول الله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/345)
122 - جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفتوا من أخر القضاء بالإطعام مع القضاء
س: قبل عدة سنوات أفطرت شهر رمضان كاملا، وكنت منوما في المستشفى ومنعني الأطباء من الصيام. ونظرا لأن صحتي لا تسمح لي بالصيام فقد قمت بالإطعام عن الشهر كاملا قبل حلول شهر رمضان التالي إلا أنني صمت رمضان لعدة سنوات تالية وقد قضيت عن الشهر الذي أفطرت فيه صيام (23) يوما وبقي علي (7) أيام، فهل يجزئ الإطعام عن الشهر في السابق أم يجب علي قضاء (7) أيام؟ مع أن صحتي بين حين وآخر لا(15/345)
تسمح بالصيام (1) .
ج: يجب عليك أن تقضي الأيام السبعة مع إطعام مسكين عن كل يوم، قدره نصف صاع من قوت البلد من أجل تأخير الصيام عن رمضان الذي يلي رمضان الذي أفطرت فيه. يقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) ولأن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفتوا من أخر قضاء الصيام بإطعام مسكين عن كل يوم مع القضاء. وفق الله الجميع والسلام.
__________
(1) نشر في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (24) .
(2) سورة البقرة الآية 185(15/346)
س: ما حكم من ترك قضاء صيام رمضان حتى دخل رمضان الذي بعده، ولم يكن له عذر، هل تكفيه التوبة مع القضاء، أم تلزمه كفارة؟ (1)
ج: عليه التوبة إلى الله سبحانه وإطعام مسكين عن كل يوم مع القضاء، وهو نصف صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم من قوت البلد من تمر أو بر أو أرز أو غيرها، ومقداره كيلو ونصف على سبيل التقريب. وليس عليه كفارة سوى ذلك. كما أفتى بذلك جماعة من الصحابة رضي الله عنهم،
__________
(1) نشر في كتاب (تحفة الإخوان) لسماحته ص 177.(15/346)
منهم ابن عباس رضي الله عنهما، أما إن كان معذورا لمرض أو سفر، أو كانت المرأة معذورة بحمل أو رضاع يشق عليها الصوم معهما، فليس عليهم سوى القضاء.(15/347)
123 - حكم الكفارة على من أخر القضاء لعدم القدرة
سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله من كل سوء آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأبعث لسماحتكم سؤالين راجيا تفضلكم بالإجابة عليهما، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س: زوجتي أفطرت (6) أيام من رمضان وأصبحت حاملا وإلى الآن لم تصم هذه الأيام الستة، وسوف تضع في رمضان القادم وهي ترضع الطفل. فما الحكم، ومتى تقوم بصيام الستة وهل عليها كفارة؟ (1)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
ج: عليها أن تقضي ما أفطرت من رمضان عند القدرة، ولو بعد رمضان الآخر، ولا كفارة عليها. إذا كان التأخير بعذر عدم الاستطاعة، أما إن تساهلت في ذلك فعليها التوبة والقضاء
__________
(1) سؤالان من المستفتي ع. ص. ج. من لندن وقد صدرت الإجابة عنهما بتاريخ 4 \ 7 \ 1417 هـ وهذا أحدهما.(15/348)
والكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم مقداره نصف صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم من قوت البلد، من بر أو أرز أو غيرهما ومقداره كيلو ونصف تقريبا.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(15/349)
124 - لا كفارة على من أخر القضاء من أجل المرض
س: مرضت ولم أتمكن من صيام شهر رمضان فأخرته إلى رمضان من السنة القادمة، هل يجزئ الصوم فقط؟ أم هناك كفارة وما هي؟ (1)
ج: إذا كنت أخرته من أجل المرض كفاك القضاء فقط، إذا كان المرض استمر معك إلى رمضان الآخر، فإنه يكفيك القضاء والحمد لله ولا شيء عليك، أما إن كنت تساهلت وأنت طيب ولم تقض إلا بعد رمضان آخر، فإنك تجمع بين الأمرين تقضي الأيام التي أفطرتها وتطعم عن كل يوم مسكينا نصف صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، ومقداره كيلو ونصف تقريبا من قوت البلد، من تمر أو أرز أو حنطة أو نحو ذلك، تجمع وتعطى بعض الفقراء.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (1) .(15/350)
س: منذ سنتين أصيبت أمي بمرض شديد، مما اضطرها إلى تناول دواء من الطبيب المعالج، وقد نصحها الطبيب بعدم الصوم، ولكنها صامت دون علمه وتعبت وتركت(15/350)
الصوم لمدة عشرين يوما، والآن وبعد أن تحسنت صحتها أحست أنها تقدر على الصيام فقيل لها: أنه يلزمها كفارة مع الصوم؛ لأنها تأخرت في القضاء، فهل يجوز لها أن تخرج الكفارة دفعة واحدة وتصوم، أو أن تخرج كل يوم بيومه؟ وما مقدار هذه الكفارة مع العلم أن الوالدة كان باستطاعتها الصيام (القضاء) في مدة؟ نظرا لتحسن صحتها وقد صامت العام الماضي كاملا؟ جزاكم الله خيرا، ونفعنا وإياكم بالقرآن الكريم.
ج: ليس على أمك إلا القضاء إذا استطاعت، وليس عليها إطعام إذا كان تأخيرها للقضاء بسبب المرض حتى جاء رمضان آخر، أما إن كانت أخرت ذلك عن تساهل، فعليها مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، ومقداره نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما، وهو بالوزن كيلو ونصف تقريبا، ويكفي أن يدفع كله إلى مسكين واحد. وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات على الحق، إنه سميع قريب.(15/351)
125 - لا يلزم التتابع في القضاء
س: إذا أفطر المسلم يومين متتالين في رمضان بعذر فكيف يقضيهما؟ (1)
ج: عليه القضاء ولو مفرقين لا يجب عليه التتابع في رمضان؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) لم يقل متتابعة. إذا أفطر يومين أو ثلاث أو أكثر وجب عليه القضاء ولا يلزمه التتابع إن تابع فهو أفضل وإن لم يتابع فلا حرج.
__________
(1) من ضمن أسئلة الحج في منى عام 1418 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 185(15/352)
126 - المريض لا يجب عليه قضاء حتى يشفى
س: أصبت بمرض في شعبان الماضي ولم أستطع الصوم في رمضان، ولا زلت أعاني من المرض حتى الآن، وعندما أردت أن أقضي ذلك الشهر صمت خمسة أيام فلم أستطع المواصلة لظروفي المرضية، وحاجتي للدواء طوال اليوم، وحيث إن الطبيب المعالج قد(15/352)
نصحني بعدم الصيام لتأثيره على صحتي فإنني أرجو من سماحتكم إبداء الحكم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا خاصة أن رمضان المبارك الثاني سيحل علينا قريبا بإذن الله (1) .
ج: ما دمت مريضا فليس عليك قضاء حتى تشفى إن شاء الله، وهكذا رمضان القادم إذا أدركته إن شاء الله والصوم يشق عليك فالأفضل لك الإفطار ثم تقضي الصوم الأول ثم الثاني بعد الشفاء إن شاء الله؛ لقول الله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1619) بتاريخ 27 \ 7 \ 1418 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 185(15/353)
س: أنا سيدة مريضة وقد أفطرت بعض الأيام في رمضان الماضي ولم أستطع قضاءها لمرضي فما هي كفارة ذلك، كذلك فإنني لن أستطيع صيام رمضان هذا العام فما هي كفارة ذلك أيضا؟ .(15/353)
ج: المريض الذي يشق عليه الصيام - يشرع له الإفطار ومتى شفاه الله قضى ما عليه، لقول الله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (1) وليس عليك أيتها السائلة حرج في الإفطار في هذا الشهر ما دام المرض باقيا؛ لأن الإفطار رخصة من الله للمريض والمسافر، والله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته، وليس عليك كفارة ولكن متى عافاك الله فعليك القضاء. شفاك الله من كل سوء وكفر عنا وعنكم السيئات.
__________
(1) سورة البقرة الآية 185(15/354)
127 - ليس على من نصحه الأطباء المسلمون بالإفطار لمرض مزمن ثم برئ قضاء
س: شخص أصابه مرض مزمن ونصحه الأطباء بعدم الصوم دائما، ولكنه راجع أطباء في غير بلده وشفي بإذن الله أي بعد خمس سنوات وقد مر عليه خمس رمضانات وهو لم يصمها فماذا يفعل بعد أن شفاه الله هل يقضيها أم لا؟ (1) .
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) ج 2، ص 167، ونشر أيضا في (مجلة الحرس الوطني) العدد (137) رمضان 1413 هـ.(15/354)
ج: إذا كان الأطباء الذين نصحوه بعدم الصوم دائما أطباء من المسلمين الموثوقين العارفين بجنس هذا المرض وذكروا له أنه لا يرجى برؤه فليس عليه قضاء ويكفيه الإطعام وعليه أن يستقبل الصيام مستقبلا.(15/355)
128 - حكم قطع صوم القضاء
س: الأخت التي رمزت لاسمها ب: ف. ب. ب. من الجبيل في المملكة العربية السعودية تقول في سؤالها:
كنت في أحد الأيام صائمة صوم قضاء وبعد صلاة الظهر أحسست بالجوع فأكلت وشربت متعمدة غير ناسية ولا جاهلة؛ فما حكم فعلي هذا؟ وماذا علي يا سماحة الوالد حفظكم الله؟ (1)
ج: الواجب عليك إكمال الصيام، ولا يجوز الإفطار إذا كان الصوم فريضة كقضاء رمضان وصوم النذر، وعليك التوبة مما فعلت، ومن تاب تاب الله عليه.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(15/355)
129 - تارك الصلاة لا يقضى عنه الصيام
س: توفيت والدتي منذ فترة ولم تصم رمضان قط، كما(15/355)
لم تكن تصلي إلا في آخر سنة من حياتها، نوت أن تحج إلى بيت الله الحرام ولكن قضاء الله حدث قبل موسم الحج، فهل يجوز لي أن أصوم عنها الأشهر التي لم تصمها؟ علما بأنها قبل وفاتها بدأت تصلي، وكذلك هل لي أن أحج عنها؟ وهل هناك طرق أو عبادات أقدر أن أقوم بها وأهب ثوابها إلى والدتي؟ أرجو الإجابة. جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ج: ليس عليك قضاء الصيام الذي تركته والدتك مع تركها الصلاة؛ لأن ترك الصلاة كفر يحبط العمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح، وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ذلك.
أما إن كانت تركت شيئا من الصوم بعد أن هداها الله
__________
(1) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) ، والنسائي في (الصلاة) باب الحكم في تارك الصلاة برقم (463) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء فيمن ترك الصلاة برقم (1079) .(15/356)
لأداء الصلاة، فيشرع لك قضاؤه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » . متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها. فإن لم تصم ولم يقم بذلك أحد من أقاربها أو غيرهم، فأطعم عنها عن كل يوم مسكينا نصف صاع من قوت البلد من تمر أو أرز أو غيرهما.
ويشرع لك الإكثار من الدعاء لها والصدقة عنها، رجاء أن ينفعها الله بذلك إذا لم تعلم أنه حدث منها شيء قبل وفاتها يوجب ردتها عن الإسلام، ويشرع لك أن تحج عنها، وإن كانت غنية في حياتها وجب عليك أن تحج عنها من مالها. وفقك الله وأعانك على كل خير.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .(15/357)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
إلى سماحة الوالد فضيلة شيخنا العلامة عبد العزيز بن باز حفظه الله ورعاه
أخي توفي وله (18) عاما وكان متهاونا في الصلاة متكاسلا فيها، أحيانا يصلي وأحيانا يتركها وقد أفطر ما يقارب (15) يوما من رمضان بلا عذر شرعي.
السؤال: هل أصوم عنه؟ هل أحج عنه؟ هل استغفر له وأتصدق عنه؟ الرجاء الرد بسرعة للضرورة القصوى جزاكم الله خيرا ونفعنا الله بعلمكم (1) .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ج: إذا كان حال أخيك ما ذكرت من التكاسل عن الصلاة وتركها في بعض الأحيان فإنه ليس لك الحج عنه ولا الصدقة عنه ولا الدعاء له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها
__________
(1) استفتاء شخصي مقدم من ف. ع. من الكويت، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 29 \ 11 \ 1419 هـ.
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(15/358)
فقد كفر (1) » ، وقد قال الله سبحانه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (2) الآية. وفقك الله ورزقنا وإياك العلم النافع والعمل به، إنه خير مسئول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) ، والنسائي في (الصلاة) باب الحكم في تارك الصلاة برقم (463) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء فيمن ترك الصلاة برقم (1079) .
(2) سورة التوبة الآية 113(15/359)
س: ما يقول شيخنا الجليل في من لا يصلي ولا يصوم عمدا وبعد أن هداه الله وأناب إليه وبكى على إسرافه على نفسه، رجع يصلي ويصوم ويقوم بجميع العبادات، هل يؤمر بقضاء الصلاة والصوم أم تكفيه الإنابة والتوبة؟ (1)
ج: من ترك الصلاة والصيام ثم تاب إلى الله توبة نصوحا لم يلزمه قضاء ما ترك؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر يخرج من الملة، وإن لم يجحد التارك وجوبها في أصح قولي العلماء، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (2) الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يهدم ما كان قبله (3) » . والتوبة
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1450) بتاريخ 13 \ 12 \ 1415 هـ.
(2) سورة الأنفال الآية 38
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب كون الإسلام يهدم ما كان قبله. . . برقم (173) .(15/359)
تجب ما كان قبلها والأدلة في هذا كثيرة، ومنها قوله سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (1) وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (2)
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (3) » .
والمشروع للتائب أن يكثر بعد التوبة من الأعمال الصالحات وأن يكثر من سؤال الله سبحانه الثبات على الحق وحسن الخاتمة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة طه الآية 82
(2) سورة التحريم الآية 8
(3) رواه ابن ماجه في (الزهد) باب ذكر التوبة برقم (4240) .(15/360)
130 - لا قضاء على المرتد إذا تاب
س: هل على المرتد قضاء الصلاة والصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله؟ (1)
ج: ليس عليه القضاء ومن تاب تاب الله عليه، فإذا ترك الإنسان الصلاة أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ثم هداه الله
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (11913) بتاريخ 23 \ 12 \ 1419 هـ.(15/360)
وتاب فإنه لا قضاء عليه، هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم لأن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها. قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1) فبين الله سبحانه وتعالى أن الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «التوبة تجب ما قبلها والإسلام يهدم ما كان قبله» .
__________
(1) سورة الأنفال الآية 38(15/361)
س: هل يجوز أن يصام عن الميت إذا كان لا يصوم أيام حياته في رمضان؟ مع أنه أخرج كفارة قبل موته (1) .
ج: يشرع لأقاربه أن يصوموا عنه إذا كان مسلما يصلي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » . متفق على صحته. إلا أن يكون ترك الصيام لعجزه عنه بسبب الكبر أو مرض لا يرجى برؤه، فلا صيام عليه. ويجزئ الإطعام الذي أخرج في حياته، إذا كان أخرجه عن جميع الأيام التي أفطرها.
أما إن كان لا يصلي فلا يقضى عنه الصيام الذي عليه؛ لأن من ترك الصلاة عمدا كفر كفرا أكبر، في أصح قولي
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) الجزء الثاني ص 167.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .(15/361)
العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » ، أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (2) » . رواه الإمام أحمد والترمذي بإسناد صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. والأحاديث في هذا الباب كثيرة. ونسأل الله لجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه، والإعانة على أداء ما أوجب الله عليهم من الصلاة وغيرها، على الوجه الذي يرضيه سبحانه، إنه سميع قريب.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) من حديث بريدة الأسلمي برقم (22428) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) ، وابن ماجه في إقامة الصلاة باب ما جاء فيمن ترك الصلاة برقم (1079) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث معاذ بن جبل برقم (21008) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في حرمة الصلاه برقم (2541) .
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (116) .(15/362)
131 - حكم القضاء عمن ترك الصلاة والصيام بسبب المرض
س: كانت أمي تصوم وتصلي، وقد مرضت مرضا شديدا مدة سنتين، توفاها الله على إثره، ولم تكن تصوم ولا تصلي في وقت مرضها، لعدم استطاعتها، فهل يلزمني دفع كفارة عنها، أو الصيام والصلاة عنها، أفيدوني بارك الله فيكم.
ج: ما دامت ماتت وهي مريضة ولم تستطع الصيام، فإنك لا تقضين عنها شيئا، وليس عليك إطعام، أما الصلاة فقد غلطت في تركها، وكان الواجب عليها أن تصلي ولو كانت مريضة، ولا تؤجل الصلاة، فالواجب على المريض أن يصلي بحسب حاله؛ إن استطاع القيام صلى قائما، وإن عجز صلى قاعدا، فإن لم يستطع القعود صلى على جنبه، والأيمن أفضل من الأيسر إن استطاع، فإن لم يستطع الصلاة على جنبه صلى مستلقيا، هكذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه(15/363)
بعض الصحابة رضي الله عنهم المرض قال له: «صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب، فإن لم تستطع فمستلقيا (1) » . هذا هو الواجب ذكرا كان أم أنثى؛ وذلك بأن ينوي أركان الصلاة وواجباتها في قلبه، ويتكلم بما يستطيع، فيكبر ناويا تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ دعاء الاستفتاح والفاتحة وما تيسر من القرآن، ثم يكبر وينوي الركوع ويقول سبحان ربي العظيم. ثم يقول: سمع الله لمن حمده ناويا الرفع من الركوع، ويقول: ربنا ولك الحمد إلى آخره، ثم يكبر ناويا السجود ويقول: سبحان ربي الأعلى، ثم يرفع مكبرا ناويا الجلوس بين السجدتين ويقول: رب اغفر لي، ثم يكبر ناويا السجدة الثانية وهكذا بالنية والكلام.
والصلاة لا تقضى، وإنما عليك الدعاء لها، والترحم عليها، والاستغفار لها إن كانت مسلمة موحدة، أما إن كانت تدعو الأموات وتستغيث بهم وتدعو غير الله فلا يدعى لها، لأن فعلها هذا شرك أكبر وبالله التوفيق.
__________
(1) ذكره صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير في ج 4 ص 247، وذكره صاحب مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح في كتاب الطهارة باب القصد برقم (1248) ، ج 3 ص 314، وذكره صاحب نيل الأوطار في كتاب صلاة المريض ج 3 ص 224.(15/364)
132 - يشرع لأقارب الميت القضاء عنه
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
أرجو الإجابة على هذا السؤال:
س: امرأة تعاني من مرض نفسي أحيانا تمرض وتدخل المستشفى وأحيانا تسلم وتخرج وتوفاها الله وعليها صيام شهرين من رمضان، فما الحكم؟ (1) .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
ج: فإنه يشرع لبعض أقاربها أن يصوموا عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » . متفق على صحته. والمراد بالولي القريب سواء كان من جهة الأب أو جهة الأم، فإن لم يتيسر من يصوم عنها أطعم عنها عن كل يوم مسكينا نصف صاع، ومقداره كيلو ونصف، ولا حرج أن تعطي الجميع واحدا من الفقراء أو بيتا فقيرا. وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) استفتاء شخصي مقدم من م. ع. لسماحته، وقد أجاب عنه بتاريخ 16 \ 4 \ 1418 هـ.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .(15/365)
س: خالتي أصيبت بصداع مزمن يذهب ويعود إليها، وإذا أتاها شعرت بألم شديد في الرأس ثم استغرقت في نوم عميق يشبه الغيبوبة من 8 - 10 ساعات، وعند مناداتها لا نسمع إلا أنينها، وقد أفطرت كذا يوم في رمضان الفائت، وقد توفيت قبل أيام، فماذا علينا نحن أقاربها، هل نتصدق عنها عن الأيام التي أفطرت فيها؟ جزاكم الله خيرا. (1) .
ج: إذا كانت المرأة المذكورة بقيت بعد إفطارها في رمضان صحيحة تستطيع الصوم ولم تقض، فإنه يشرع لبعض أقاربها أن يقضوا عنها ما عليها من الصوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » . متفق على صحته. والمراد بالولي القريب.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العمد (1513) في 25 \ 5 \ 1416 هـ.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .(15/366)
133 - لا قضاء ولا إطعام عمن مات ولم يدرك وقت القضاء
س: ما حكم من كان مريضا ودخل عليه رمضان ولم(15/366)
يصم ثم مات بعد رمضان، فهل يقضى عنه أم يطعم عنه؟ .
ج: إذا مات المسلم في مرضه بعد رمضان فلا قضاء عليه ولا إطعام؛ لأنه معذور شرعا. وهكذا المسافر إذا مات في السفر أو بعد القدوم مباشرة فلا يجب القضاء عنه ولا الإطعام؛ لأنه معذور شرعا. أما من شفي من المرض وتساهل في القضاء حتى مات، أو قدم من السفر وتساهل في القضاء حتى مات، فإنه يشرع لأوليائهما- وهم الأقرباء- القضاء عنهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » . متفق على صحته. فإن لم يتيسر من يصوم عنهما، أطعم عنهما من تركتهما عن كل يوم ممسكين نصف صاع، ومقداره كيلو ونصف على سبيل التقدير، كالشيخ الكبير العاجز عن الصوم، والمريض الذي لا يرجى برؤه. وهكذا الحائض والنفساء إذا تساهلتا في القضاء حتى
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147) .(15/367)
ماتتا، فإنه يطعم عنهما عن كل يوم مسكين إذا لم يتيسر من يصوم عنهما. ومن لم يكن له تركة يمكن الإطعام منها فلا شيء عليه؛ لقول الله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1) وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 286
(2) سورة التغابن الآية 16(15/368)
س: كانت والدتي مريضة، وأفطرت في رمضان فماذا عليها؟ (1) .
ج: إذا أفطر المسلم في رمضان لمرض، ومات في مرضه فليس عليه شيء لا قضاء ولا إطعام؛ لأنه معذور ولم يتمكن من القضاء.
وأما إن شفي ثم تساهل فإنه يشرع لأقربائه أن يقضوا عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » . فإن لم يصوموا أطعموا عنه من تركته عن كل يوم مسكينا، ومقدار ذلك نصف صاع من قوت البلد، وهو كيلو ونصف تقريبا، ولا بأس أن تدفع الكفارة كلها لمسكين واحد.
__________
(1) من برنامج (نور علي الدرب) .
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .(15/368)
فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:(15/369)
س: لنا بنت توفيت قبل يومين وعليها أيام من شهر رمضان، أرجو إفادتنا: هل نصوم عنها تلك الأيام، أو نتصدق عنها، أو نصوم عنها ونتصدق؟ أرجو إفادتنا أثابكم الله ووفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين والسلام.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعده:
ج: إذا كانت البنت ماتت في مرضها بعد العيد، فليس عليها شيء لا قضاء ولا إطعام، أما إن كانت بعد العيد سليمة تستطيع الصوم، وإنما حدث الأجل بعارض، فيشرع لكم أن تصوموا عنها ما يقابل الأيام التي مضت عليها بعد العيد وهي سليمة.(15/369)
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
س: هذه سائلة تسأل وتقول: في خلال شهر رمضان المبارك مرضت والدتي في يوم 18 \ 9 \ 1414 هـ مرضا شديدا حتى إنها انجبرت تفطر فأفطرت، وفي يوم 25 \ 9 \ 1414 هـ وافتها المنية وتوفيت.
السؤال 1-: هل يجوز علي أن أصوم هذه الأيام التي بقيت عليها؟
2 - وهل هي تصوم الأيام التي مرضت فيها أم الأيام التي بعد وفاتها (1) . جزاكم الله خير الجزاء.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعده:
ليس عليك قضاء الأيام التي أفطرتها أمك؛ لأنها معذورة بالعذر الشرعي ولم تدرك القضاء، وهكذا ليس عليك أن تقضي عنها بقية أيام الشهر. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) استفتاء شخصي قدم لسماحته، وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 24 \ 11 \ 1414 هـ.(15/370)
س: توفيت والدتي وعليها صيام خمسة أشهر، أفطرتها بسبب رضاعتها لأولادها الخمسة، ولم تستطع صيامها في حياتها نتيجة إصابتها بأمراض عديدة كالسكر وغيره، رغم هذا فقد كانت مصممة على الصيام، وفعلا بدأت بثمانية أيام ولكن فاجأها الموت، كيف يتم قضاء ذلك عنها؟ وماذا يجب أن نقوم به للقضاء عنها في الصيام؟ (1) .
ج: ما دام أن التأخير حصل من أجل العجز عن الصيام لأمراض تتابعت عليها، أو من أجل الرضاع الذي قامت به، فإنه لا يلزم عنها قضاء ولا إطعام؛ لأنها معذورة، والله سبحانه يقول: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) فهذه لم تدرك العدة وهي قادرة على الصوم فسقط عنها، ولا شيء عليكم، لا من جهة الصيام ولا من جهة الإطعام إذا كانت معذورة، أما إذا كنتم تعلمون أنها كانت متساهلة، وأنها غير معذورة، بل تستطيع أن تقضي، فالمشروع أن تقضوا عنها أنتم، ولو تعاونتم كل واحد من أولادها أو أقاربها يفعل شيئا يصوم أياما، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (3) » . متفق عليه من حديث عائشة
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)
(2) سورة البقرة الآية 185
(3) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .(15/371)
رضي الله عنها. فإذا صمتم عنها فلكم أجر عظيم، إذا كانت في اعتقادكم أنها مقصرة ومتساهلة، وإن أطعمتم أجزأ الإطعام، لكن الصوم أفضل؛ لهذا الحديث الصحيح، ولما روى الإمام أحمد رحمه الله بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، «أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفأصوم عنها؟ قال: " أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء" (1) » . فهذا الحديث والذي قبله وما جاء في معناهما، كلها تدل أن الصوم يقضى عن الميت، سواء كان نذرا أو صوم رمضان أو صوم كفارة في أصح أقوال أهل العلم، وإن لم يتيسر القضاء أطعم عن كل يوم مسكين، هذا كله إذا كان الذي عليه الصيام قصر في القضاء وتساهل، أما إذا كان معذورا بمرض أو نحوه من الأعذار الشرعية، فلا إطعام ولا صيام على الورثة.
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1852) ، سنن النسائي مناسك الحج (2633) ، مسند أحمد بن حنبل (1/240) ، سنن الدارمي النذور والأيمان (2332) .(15/372)
134 - حديث «من مات وعليه صوم صام عنه وليه (1) » عام وليس خاصا بالنذر
س: حديث: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه (2) » الشيء الذي أعرف أنه محمول على صوم النذر، لكن أحد العلماء ذكر في البرنامج أنه صوم رمضان، فهل هذا
__________
(1) صحيح البخاري الصوم (1952) ، صحيح مسلم الصيام (1147) ، سنن أبو داود الصوم (2400) ، مسند أحمد بن حنبل (6/69) .
(2) صحيح البخاري الصوم (1952) ، صحيح مسلم الصيام (1147) ، سنن أبو داود الصوم (2400) ، مسند أحمد بن حنبل (6/69) .(15/372)
صحيح أم الصحيح ما أعرفه عن طريق أحد الكتب السلفية؟ أفيدوني مأجورين جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الصواب أنه عام وليس خاصا بالنذر، وقد روي عن بعض الأئمة كأحمد وجماعة أنهم قالوا: إنه خاص بالنذر، ولكنه قول مرجوح ولا دليل عليه، والصواب أنه عام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (2) » . متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها. ولم يقل صوم النذر ولا يجوز تخصيص كلام النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالدليل؛ لأن حديث النبي عليه الصلاة والسلام عام يعم صوم النذر وصوم رمضان، إذا تأخر المسلم في قضائه تكاسلا مع القدرة، أو صوم الكفارات، فمن ترك ذلك صام عنه وليه، والولي هو القريب من أقاربه. وإن صام غيره أجزأ ذلك فقد «سئل النبي صلى الله عليه وسلم، سأله رجل قال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها؟ قال: " أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه. اقضوا الله فالله أحق بالوفاء (3) » . . وسألته امرأة عن ذلك
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط 17.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .
(3) صحيح البخاري الصوم (1953) ، صحيح مسلم الصيام (1148) ، سنن الترمذي الصوم (716) ، سنن النسائي الأيمان والنذور (3816) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3310) ، سنن ابن ماجه الصيام (1758) ، مسند أحمد بن حنبل (1/345) ، سنن الدارمي الصوم (1768) .(15/373)
قالت: «يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأصوم عنها قال: " أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء " (1) » . . وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفأصوم عنها؟ قال: " صومي عن أمك (2) » ، فأوضحت أنه رمضان فأمرها بالصيام، والأحاديث كثيرة دالة على قضاء رمضان وغيره، وأنه لا وجه لتخصيص النذر، بل هو قول مرجوح ضعيف، والصواب العموم. هكذا جاءت الأدلة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. ولكن إذا كان المفطر في رمضان لم يفرط بل أفطر من أجل المرض أو من أجل الرضاع أو الحمل، ثم مات المريض، أو ماتت الحامل، أو ماتت المرضعة ولم تستطع القضاء، فلا شيء عليها ولا على الورثة، لا قضاء ولا إطعام؛ للعذر الشرعي وهو المرض ونحوه أما إن شفي من مرضه وأمكنه الصوم فتساهل فيقضى عنه، والمرضعة والحامل إن استطاعتا أن تقضيا بعد ذلك فتساهلتا فهما يقضى عنهما. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عباس برقم (2014) .
(2) صحيح البخاري الصوم (1953) ، صحيح مسلم الصيام (1148) ، سنن الترمذي الصوم (716) ، سنن النسائي الأيمان والنذور (3816) ، سنن أبو داود الأيمان والنذور (3310) ، سنن ابن ماجه الصيام (1758) ، مسند أحمد بن حنبل (1/224) ، سنن الدارمي الصوم (1768) .(15/374)
135 - قضاء كفارة القتل عن المتوفى وكيفية ذلك
س: لي أخ توفي وعليه كفارة القتل الخطأ، وهي صيام شهرين متتابعين، فهل يجوز صيامهما عنه؟ وهل يجوز اقتسامهما بالتتابع مع إخوتي الأحياء لنبرئ شقيقنا المتوفى؟ .
ج: بسم الله والحمد لله. . يشرع لأحدكم أن يصوم عنه شهرين متتابعين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » . متفق على صحته. والولي هو القريب، ولا يجوز تقسيمها على جماعة، وإنما يصومهما شخص واحد متتابعين كما شرع الله ذلك، لقوله سبحانه في حق القاتل: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (2) أما من استطاع العتق فعليه العتق، ولا يجزئه الصيام. وفق الله الجميع.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصوم عن الميت برقم (1147) .
(2) سورة النساء الآية 92(15/375)
136 - من توفي في أثناء الشهر سقط عنه الوجوب
س: توفي والدي يوم ثلاثة رمضان، فهل يجب علي إكمال رمضان له، يعني أصوم نيابة عنه سبعة وعشرين يوما؟ (1) .
ج: ليس عليك شيء؛ لأن والدك لما توفي سقط عنه الواجب، فليس عليك أن تصوم عنه، ولا يشرع لك ذلك.
__________
(1) استفتاء شخصي قدم لسماحته.(15/376)
صوم التطوع(15/377)
صفحة فارغة(15/378)
137 - حكم صيام أيام التشريق
س: من كان عليه صيام في الحج لعدم قدرته على الهدي له أن يصوم الثلاثة أيام من أيام التشريق؟ (1) .
ج: عليك أن تصوم ثلاثة أيام من أيام التشريق في الحج وهي رخصة لمن لم يصم في الأيام الماضية ولمن عجز عنه خاصة وإلا فأيام التشريق أيام أكل وشرب لا تصام ولا يجب صومها إلا لهذا الشخص ولهذا الصنف من الناس وهو من عجز عن الهدي فإن له أن يصوم الثلاثة الأيام خاصة وسبعة إذا رجع إلى أهله الحادي عشر والثاني والثالث عشر في الحج.
__________
(1) من ضمن أسئلة الحج بمنى عام 1407 هـ.(15/379)
138 - حكم صيام الثالث عشر من ذي الحجة بنية أنه من الأيام البيض
س: الأخ ع. ع. ح. من بريدة يقول في سؤاله: والدتي وفقها الله تصوم الأيام الثلاثة البيض من كل شهر وبالطبع يوافق اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ثالث(15/379)
أيام التشريق فهل تصومه أم تكتفي بصيام الرابع عشر والخامس عشر فقط من شهر ذي الحجة؟ (1) .
ج: ليس لوالدتك ولا غيرها أن تصوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام التشريق، وقال: «فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل (2) » . إلا من عجز عن هدي التمتع أو القرآن فإنه لا حرج عليه في صيامهن؛ لما روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (3) » . ولها أن تصوم الرابع عشر والخامس عشر، وإن شاءت أن تصوم السادس عشر أو غيره من أيام شهر ذي الحجة حتى تكمل الثلاثة الأيام فذلك أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء صادفت أيام البيض أم لا، لكن إذا صامها المسلم في أيام البيض كان أفضل. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) في باقي مسند أبي هريرة برقم (10534) واللفظ له، ومسلم في (الصيام) باب تحريم صوم أيام التشريق برقم (1141) .
(3) رواه البخاري في (الصوم) باب صيام أيام التشريق برقم (1998) .(15/380)
س: إذا وافق صيام أيام البيض أيام التشريق، فهل يجوز الصيام أم لا؟ (1) .
ج: لا يجوز صيام اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لا تطوعا ولا فرضا؛ لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها ولم يرخص في ذلك لأحد إلا لمن لم يجد هدي التمتع، فله أن يصوم أيام التشريق الثلاثة عن الهدي ويصوم السبعة الباقية عند أهله؛ لما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قال: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (2) » .
أما صوم الرابع عشر والخامس عشر فلا بأس به؛ لأنهما ليسا من أيام التشريق. وبالله التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 168.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب صيام أيام التشريق برقم (1998) .(15/381)
139 - الشهر كله محل لصيام ثلاثة أيام وكونها في البيض أفضل
س: هل يجوز قضاء الأيام البيض بحيث يبدأ الإنسان(15/381)
بصيامها ثم يحبسه حابس ويقطعه عن صيامها؟ (1) .
ج: المشروع للمؤمن والمؤمنة صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإن صامها في الأيام البيض كان أفضل، وإن صامها في بقية الشهر كله كفى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وبين أن الأيام البيض أفضل من غيرها، فإذا كانت المرأة أو الرجل يصومان الأيام البيض، ثم شغلا عنها شرع لهما الصيام من بقية الشهر، والحمد لله، ولا يسمى قضاء لأن الشهر كله محل صيام من أوله إلى آخره، فإذا صام المؤمن أو المؤمنة من أوله أو من وسطه أو من آخره ثلاثة أيام حصل المقصود وحصلت السنة وإن لم يصمها في أيام البيض.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(15/382)
140 - الأيام البيض تصام على حسب التقويم وللمسلم جمعها وتفريقها
س: الأخ ع. م. م. من طنطا في مصر يقول في سؤاله: لا يخفى على سماحتكم أن الأشهر العادية لا يعلم الإنسان موعد دخولها، فكيف يكون الحال بالنسبة لصيام الأيام البيض من كل شهر؟ أقصد كيف يعرف(15/382)
الإنسان هذه الأيام حتى يتمكن من صيامها؟ نرجو إرشادنا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: يشرع له أن يصومها حسب التقويم؛ عملا بغالب الظن، وإن صامها في غير أيام البيض كفى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على صيامها من كل شهر ولم يقيدها بأيام البيض، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر (2) » ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل النوم (3) » . والأحاديث في هذا الباب كثيرة. وهو مخير إن شاء جمعها وإن شاء فرقها؛ لإطلاق الأحاديث وعدم تقييدها بالتتابع. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب صوم الدهر برقم (1976) ، ومسلم في (الصيام) باب النهي عن صوم الدهر برقم (1159) .
(3) رواه البخاري في (الصوم) باب صيام أيام البيض برقم (1981) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب استحباب صلاة الضحى برقم (721) .(15/383)
141 - يستحب صيام الأيام البيض ولو من شعبان
س: ما حكم صيام نصف شعبان وهي الأيام (13 - 14 - 15) ؟ .
ج: يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر من شعبان أو غيره؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بذلك، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أيضا أنه أوصى أبا الدرداء وأبا هريرة بذلك، وإن صام هذه الثلاثة من بعض الشهور دون بعض، أو صامها تارة وتركها تارة فلا بأس؛ لأنها نافلة لا فريضة، والأفضل أن يستمر عليها في كل شهر، إذا تيسر له ذلك.(15/384)
142 - الجمع بين حديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا" وحديث: " أنه صلى الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان "
س: الأخ ع. ع. ض. من الرياض يقول في سؤاله: لقد قرأت في صحيح الجامع الحديث رقم (397)(15/384)
تحقيق الألباني وتخريج السيوطي (398) صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى يكون رمضان (1) » . ويوجد حديث آخر خرجه السيوطي برقم (8757) ، صحيح، وحققه الألباني في صحيح الجامع برقم (4638) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كانت أحب الشهور إليه صلى الله عليه وسلم أن يصومه، شعبان ثم يصله برمضان (2) » فكيف نوفق بين الحديثين؟ (3) .
ج: بسم الله والحمد لله، وبعد فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله وربما صامه إلا قليلا، كما ثبت ذلك من حديث عائشة وأم سلمة. أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح، كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر أو الشهر كله فقد أصاب السنة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سنن الترمذي الصوم (738) ، سنن أبو داود الصوم (2337) ، سنن ابن ماجه الصيام (1651) ، مسند أحمد بن حنبل (2/442) ، سنن الدارمي الصوم (1740) .
(2) سنن أبو داود الصوم (2431) .
(3) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1437) بتاريخ 3 \ 11 \ 1414 هـ.(15/385)
143 - من لم يكمل صيام الأيام البيض يحسب له أجر ما صام منها
س: الأخ ع. أ. م. من أم درمان بالسودان يقول في سؤاله: صمت يومين من الأيام البيض ولم أصم اليوم الثالث لبعض الظروف، فهل يحسب لي أجر هذين اليومين؟ .
ج: لا شك أنه يحسب لك أجرهما إذا كنت صمتهما لله سبحانه لا رياء ولا سمعة؛ لقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (1) وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 160(15/386)
144 - صيام الاثنين والخميس
س: الأخ م. ع. ع. من المدينة المنورة يقول في سؤاله: سماحة الشيخ أنا لا أستطيع صيام يوم الخميس لأسباب خاصة، فهل يكفي أن أصوم يوم الاثنين من كل(15/386)
أسبوع، أم لا بد من صيامهما معا؟ (1) .
ج: لا حرج في صوم أحد اليومين المذكورين دون الآخر، وصيامهما سنة وليس بواجب، فمن صامهما أو أحدهما فهو على خير عظيم، ولا يجب الجمع بينهما، بل ذلك مستحب؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(15/387)
145 - فضل صيام الاثنين والخميس على أيام البيض
س: والدتي تواظب ومنذ زمن طويل على صيام يومي الخميس والاثنين من كل أسبوع، وهي الآن تريد الاستفسار ومعرفة هل هذا العمل أفضل أم أن تصوم ثلاثة أيام من كل شهر؟ نرجو الإفادة، وجزاكم الله خيرا (1) .
ج: هذا العمل أفضل وأكثر أجرا، وصيام الثلاثة الأيام داخل في ذلك، «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس ويقول: إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على
__________
(1) نشرت في مجلة (الدعوة) العدد (1497) وتاريخ 1 \ 2 \ 1416هـ.(15/387)
الله سبحانه فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه النسائي في (الصيام) باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم برقم (2358) .(15/388)
146 - حكم قضاء الست بعد شوال
س: امرأة تصوم ستة أيام من شهر شوال كل سنة، وفي إحدى السنوات نفست بمولود لها في بداية شهر رمضان، ولم تطهر إلا بعد خروج رمضان، ثم بعد طهرها قامت بالقضاء، فهل يلزمها قضاء الست كذلك بعد قضاء رمضان حتى ولو كان ذلك في غير شوال أم لا يلزمها سوى قضاء رمضان؟ وهل صيام هذه الستة الأيام من شوال تلزم على الدوام أم لا؟ .
ج: صيام ست من شوال سنة وليست فريضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر (1) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه. والحديث المذكور يدل على أنه لا حرج في صيامها متتابعة أو
__________
(1) صحيح مسلم الصيام (1164) ، سنن الترمذي الصوم (759) ، سنن أبو داود الصوم (2433) ، سنن ابن ماجه الصيام (1716) ، مسند أحمد بن حنبل (5/417) ، سنن الدارمي الصوم (1754) .(15/388)
متفرقة لإطلاق لفظه.
والمبادرة بها أفضل؛ لقوله سبحانه: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (1) ولما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من فضل المسابقة والمسارعة إلى الخير. ولا تجب المداومة عليها ولكن ذلك أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل (2) » . ولا يشرع قضاؤها بعد انسلاخ شوال؛ لأنها سنة فات محلها سواء تركت لعذر أو لغير عذر. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة طه الآية 84
(2) صحيح البخاري الصوم (1970) ، صحيح مسلم الصيام (782) ، سنن النسائي القبلة (762) ، سنن أبو داود الصلاة (1368) ، سنن ابن ماجه الزهد (4238) ، مسند أحمد بن حنبل (6/199) ، موطأ مالك الصيام (688) .(15/389)
147 - القول ببدعية صوم الست قول باطل
س: ما رأي سماحتكم فيمن يقول أن صوم الست من شوال بدعة وأن هذا رأي الإمام مالك، فإن احتج عليه بحديث أبي أيوب «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر (1) » قال: في إسناده رجل متكلم فيه؟ (2) .
ج: هذا القول باطل، وحديث أبي أيوب صحيح، وله
__________
(1) صحيح مسلم الصيام (1164) ، سنن الترمذي الصوم (759) ، سنن أبو داود الصوم (2433) ، سنن ابن ماجه الصيام (1716) ، مسند أحمد بن حنبل (5/417) ، سنن الدارمي الصوم (1754) .
(2) استفتاء شخصي مقدم لسماحته من م. س. ك، وقد صدرت الإجابة عنه بتاريخ 9 \ 11 \ 1419 هـ.(15/389)
شواهد تقويه وتدل على معناه.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(15/390)
148 - شهر شوال كله محل لصيام الست
س: هل يجوز للإنسان أن يختار صيام ستة أيام في شهر شوال، أم أن صيام هذه الأيام لها وقت معلوم؟ وهل إذا صامها تكون فرضا عليه؟ (1) .
ج: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر (2) » . خرجه الإمام مسلم في الصحيح. وهذه الأيام ليست معينة من الشهر بل يختارها المؤمن من جميع الشهر، فإذا شاء صامها في أوله، أو في أثنائه، أو في آخره، وإن شاء فرقها، وإن شاء تابعها، فالأمر واسع بحمد الله، وإن بادر إليها وتابعها في أول الشهر كان ذلك أفضل؛ لأن ذلك من باب المسارعة إلى الخير. ولا تكون بذلك فرضا عليه، بل يجوز له تركها في أي
__________
(1) سؤال من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (11) .
(2) رواه مسلم في (الصيام) باب استحباب صوم ستة أيام من شوال برقم (1164) .(15/390)
سنة، لكن الاستمرار على صومها هو الأفضل والأكمل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل (1) » . والله الموفق.
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان برقم (782) .(15/391)
149 - لا يشترط التتابع في صيام ست شوال
س: هل يلزم في صيام الست من شوال أن تكون متتابعة أم لا بأس من صيامها متفرقة خلال الشهر؟ .
ج: صيام ست من شوال سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز صيامها متتابعة ومتفرقة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق صيامها ولم يذكر تتابعا ولا تفريقا، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر (1) » . أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وبالله التوفيق.
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب استحباب صوم ستة أيام من شوال برقم (116) .(15/391)
150 - المشروع تقديم القضاء على صوم الست
س: هل يجوز صيام ستة من شوال قبل صيام ما علينا من قضاء رمضان؟ (1) .
ج: قد اختلف العلماء في ذلك، والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الست وغيرها من صيام النفل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر (2) » خرجه مسلم في صحيحه. ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان، ولأن القضاء فرض، وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام والعناية. وبالله التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) صحيح مسلم الصيام (1164) ، سنن الترمذي الصوم (759) ، سنن أبو داود الصوم (2433) ، سنن ابن ماجه الصيام (1716) ، مسند أحمد بن حنبل (5/417) ، سنن الدارمي الصوم (1754) .(15/392)
س: الأخت ص. ع. م. من المجمعة تقول في سؤالها: لم أستطع صيام شهر رمضان بسبب النفاس وقد طهرت أيام العيد، ولي رغبة شديدة في صيام الست من شوال، فهل يجوز لي أن أصومها ثم أصوم القضاء أم لا؟ أفتوني وفقكم الله للخير (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من جريدة (عكاظ) وقد أجاب عنها بتاريخ 23 \ 9 \ 1408.(15/392)
ج: المشروع أن تبدئي بالقضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر (1) » أخرجه مسلم في صحيحه. فبين صلى الله عليه وسلم أن صوم الست يكون بعد صوم رمضان. فالواجب المبادرة بالقضاء، ولو فاتت الست؛ للحديث المذكور، ولأن الفرض مقدم على النفل. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم الصيام (1164) ، سنن الترمذي الصوم (759) ، سنن أبو داود الصوم (2433) ، سنن ابن ماجه الصيام (1716) ، مسند أحمد بن حنبل (5/417) ، سنن الدارمي الصوم (1754) .(15/393)
س: من عليه صيام أيام من رمضان ورغب في صيام ست من شوال، وأراد صيامها قبل أن يقضي ما عليه على اعتبار أن أيام رمضان يمكن قضاؤها في أي وقت، أما الست من شوال فهي خاصة بشهر شوال. أرجو إفادتي أثابكم الله.
ج: المشروع أن يبدأ بالقضاء قبل صيام الست؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال (1) » . وإذا صامها قبل القضاء لم يحصل إتباعها رمضان، بل يكون صامها قبل بعضه، ولأن الفرض أهم فكان أولى بالتقديم.
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب استحباب صوم ستة أيام من شوال برقم (116) .(15/393)
151 - لا يجوز تقديم صيام ست من شوال على صيام الكفارة
س: رجل عليه كفارة شهرين متتابعين وأحب أن يصوم ستا من شوال، فهل يجوز له ذلك؟ (1) .
ج: الواجب البدار بصوم الكفارة فلا يجوز تقديم الست عليها؛ لأنها نفل والكفارة فرض، وهي واجبة على الفور، فوجب تقديمها على صوم الست وغيرها من صوم النافلة.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 166.(15/394)
152 - حكم صيام التطوع لمن عليه قضاء
س: ما حكم صيام التطوع، كست من شوال، وعشر ذي الحجة، ويوم عاشوراء لمن عليه أيام من رمضان لم تقض؟ .(15/394)
ج: الواجب على من عليه قضاء رمضان أن يبدأ به قبل صوم النافلة؛ لأن الفرض أهم من النفل في أصح أقوال أهل العلم.(15/395)
153 - صيام الست سنة وليس بواجب ومن لم يستطع إكمالها لعذر شرعي يرجى له أجرها
س: الأخت التي رمزت لاسمها ب: ص. ك. ل. من عمان في الأردن تقول في سؤالها: بدأت في صيام الست من شوال ولكني لم أستطع إكمالها بسبب بعض الظروف والأعمال حيث بقي علي منها يومان، فماذا أعمل يا سماحة الشيخ، هل أقضيها؟ وهل علي إثم في ذلك؟ .
ج: صيام الأيام الستة من شوال عبادة مستحبة غير واجبة، فلك أجر ما صمت منها ويرجى لك أجرها كاملة إذا كان المانع لك من إكمالها عذرا شرعيا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل مقيما صحيحا (1) » . رواه البخاري في صحيحه. وليس عليك قضاء لما تركت منها والله الموفق.
__________
(1) رواه البخاري في (الجهاد) باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة برقم (2996) .(15/395)
154 - لا حرج في وصل صوم القضاء بصوم الست من شوال
س: الأخ أ. ص. م. من اللاذقية يقول في سؤاله: سمعت أنه لا يجوز للإنسان أن يصل صوم القضاء بصوم النفل، بمعنى أنه إذا كان عليه أيام من رمضان أفطرها بسبب عذر شرعي ثم قضاها في شهر شوال وأراد أن يصوم ستة أيام من شوال فإنه لا يصل هذه بتلك، وإنما يفطر بينهما يوما، فهل هذا الكلام صحيح؟ نرجو الإفادة (1) .
ج: لا أعلم لما ذكرته أصلا، والصواب أنه لا حرج في ذلك؛ لعموم الأدلة. والله ولى التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(15/396)
155 - الترغيب في صوم يوم عاشوراء.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوم عاشوراء ويرغب الناس في صيامه؛ لأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فيه فرعون وقومه؛ فيستحب لكل مسلم ومسلمة صيام هذا اليوم شكرا لله عز وجل، وهو اليوم العاشر من المحرم. ويستحب أن يصوم قبله يوما أو بعده يوما مخالفة لليهود في ذلك، وإن صام الثلاثة جميعا التاسع والعاشر والحادي عشر فلا بأس؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده (1) » . وفي رواية أخرى: «صوموا يوما قبله أو يوما بعده (2) » . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: «يكفر الله به السنة التي
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2155) ، ورواه البيهقي في (السنن الكبرى) باب صوم يوم التاسع برقم (8418) .
(2) رواه الهيثمي في (مجمع الزوائد) باب الصوم قبل يوم عاشوراء برقم (4315) .(15/397)
قبله (1) » . والأحاديث في صوم يوم عاشوراء والترغيب في ذلك كثيرة. ونظرا إلى أن يوم السبت الموافق ثلاثين ذي الحجة من عام 1416 هـ حسب التقويم يحتمل أن يكون من ذي الحجة من جهة الرؤية وإكمال العدد، ويحتمل أن يكون هو أول يوم من شهر عاشوراء 1417 هـ إذا كان شهر ذي الحجة 29 يوما، فإن الأفضل للمؤمن في هذا العام أن يصوم الاثنين والثلاثاء احتياطا؛ لأن يوم الأحد يحتمل أن يكون التاسع إن كان شهر ذي الحجة ناقصا، ويحتمل أن يكون هو الثامن إن كان شهر ذي الحجة كاملا، ومن صام يوم الأحد والاثنين والثلاثاء فحسن؛ لما في ذلك من تمام الاحتياط لهذه السنة، ولأن صوم ثلاثة أيام من كل شهر سنة معلومة عن النبي صلى الله عليه وسلم وللبيان والإيضاح جرى تحريره. وأسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يجعلنا جميعا من المسارعين إلى كل خير، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر برقم (1162) .(15/398)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه (1) .
أما بعد: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوم عاشوراء، ويرغب الناس في صيامه؛ لأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فيه فرعون وقومه. فيستحب لكل مسلم ومسلمة صيام هذا اليوم شكرا لله عز وجل وهو اليوم العاشر من محرم ويستحب أن يصوم قبله يوما أو بعده يوما؛ مخالفة لليهود في ذلك، وإن صام الثلاثة جميعا التاسع والعاشر والحادي عشر فلا بأس؛ لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده (2) » .، وفي رواية أخرى: " صوموا يوما قبله أو يوما بعده (3) . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: «يكفر الله به السنة التي قبله (4) » . والأحاديث في صوم
__________
(1) كلمة وجهها سماحته ونشرت في جريدة (الجزيرة) العدد (9349) بتاريخ 8 \ 1 \ 1419 هـ.
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2155) ، ورواه البيهقي في (السنن الكبرى) باب صوم يوم التاسع برقم (8418) .
(3) رواه الهيثمي في (مجمع الزوائد) باب الصوم قبل يوم عاشوراء برقم (4315) .
(4) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء برقم (752) ، وأبو داود في (الصوم) باب في صوم الدهر تطوعا برقم (2425) ، وابن ماجه في (الصيام) باب صيام يوم عاشوراء برقم (1738) .(15/399)
يوم عاشوراء والترغيب في ذلك كثيرة. ونظرا إلى أن يوم الاثنين الموافق 1 محرم من عام 1419 هـ حسب التقويم يحتمل أن يكون من ذي الحجة من جهة الرؤية وإكمال العدد، ويحتمل أن يكون هو أول يوم من شهر عاشوراء (محرم) 1419 هـ إذا كان شهر ذي الحجة 29 يوما، فإن الأفضل للمؤمن في هذا العام أن يصوم الأربعاء الموافق الموافق 10 \ 1 حسب التقويم، ويصوم معه الخميس أو يصوم الخميس والجمعة؛ لأن يوم الأربعاء يحتمل أن يكون العاشر إن كان شهر ذي الحجة ناقصا، ويحتمل أن يكون هو التاسع إن كان شهر ذي الحجة كاملا، ومن صام يوم الأربعاء أو الخميس والجمعة، أو صام الثلاثة، فقد وافق السنة؛ لما في ذلك من الاحتياط لهذه السنة، ولأن صوم ثلاثة أيام من كل شهر سنة معلومة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وللبيان والإيضاح جرى تحريره. وأسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يجعلنا جميعا من المسارعين إلى كل خير إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(15/400)
156 - حكم تحري ليلة عاشوراء
س: يصوم كثير من المسلمين يوم عاشوراء ويهتمون بصيامه نظرا لما يسمعونه من الدعاة في الحث عليه والترغيب فيه، فلماذا لا يوجه الناس لتحري هلال محرم حتى يعرف المسلمون ذلك بعد إذاعته أو نشره في وسائل الإعلام؟ (1) .
ج: صيام يوم عاشوراء سنة يستحب صيامه؛ صامه النبي صلى الله عليه وسلم وصامه الصحابة وصامه موسى قبل ذلك شكرا لله عز وجل؛ ولأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه فصامه موسى وبنو إسرائيل شكرا لله عز وجل، ثم صامه النبي صلى الله عليه وسلم شكرا لله عز وجل وتأسيا بنبي الله موسى، وكان أهل الجاهلية يصومونه أيضا، وأكده النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة، فلما فرض الله رمضان قال: «من شاء صامه ومن شاء تركه (2) » . وأخبر عليه الصلاة
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 169.
(2) رواه البخاري في (تفسير القرآن) باب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) برقم (5402) ، ومسلم في (الصيام) باب صوم يوم عاشوراء برقم (1125) واللفظ له.(15/401)
والسلام أن صيامه يكفر الله به السنة التي قبله.
والأفضل أن يصام قبله يوم أو بعده يوم خلافا لليهود؛ لما ورد عنه عليه الصلاة والسلام: «صوموا يوما قبله أو يوما بعده (1) » . وفي لفظ: «صوموا يوما قبله ويوما بعده (2) » . فإذا صام يوما قبله أو بعده يوما أو صام اليوم الذي قبله واليوم الذي بعده أي صام ثلاثة أيام فكله طيب. وفيه مخالفة لأعداء الله اليهود. أما تحري ليلة عاشوراء فهذا أمر ليس باللازم؛ لأنه نافلة ليس بالفريضة. فلا يلزم الدعوة إلى تحري الهلال؛ لأن المؤمن لو أخطأه فصام بعده يوما وقبله يوما لا يضره ذلك، وهو على أجر عظيم. ولهذا لا يجب الاعتناء بدخول الشهر من أجل ذلك؛ لأنه نافلة فقط.
__________
(1) رواه أحمد في (مسند بني هاشم) مسند عبد الله بن العباس برقم (2155) .
(2) ذكره العيني في عمدة القاري في (الصوم) باب صيام يوم عاشوراء ج 11 ص 116، وذكره صاحب الفتح الكبير في (حرف الصاد) باب صوم يوم عاشوراء برقم (7293) .(15/402)
157 - حكم الاعتماد على التقويم في صيام عاشوراء
س: أنا شاب هداني الله لنور الحق وأريد صيام عاشوراء وجميع الأيام الفاضلة غير رمضان، فهل نعتمد في صيام(15/402)
عاشوراء على التقويم في تحديد يوم دخول شهر الله المحرم، أم أن الاحتياط في صيام يوم قبله وبعده هو الأفضل، جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: عليك باعتماد الرؤية وعند عدم ثبوت الرؤية تعمل بالاحتياط وذلك بإكمال ذي الحجة ثلاثين يوما. وفق الله الجميع.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1687) بتاريخ 29 \ 12 \ 1419 هـ.(15/403)
158 - صوم التاسع مع العاشر أفضل من صوم الحادي عشر مع العاشر
س: ما حكم صيام يوم عاشوراء؟ وهل الأفضل صيام اليوم الذي قبله أم اليوم الذي بعده أم يصومها جميعا أم يصوم يوم عاشوراء فقط؟ نرجو توضيح ذلك جزاكم الله خيرا (1) .
ج: صيام يوم عاشوراء سنة؛ لما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدلالة على ذلك، وأنه كان يوما تصومه اليهود لأن الله نجى فيه موسى
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 170.(15/403)
وقومه وأهلك فرعون وقومه، فصامه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شكرا لله، وأمر بصيامه وشرع لنا أن نصوم يوما قبله أو يوما بعده، وصوم التاسع مع العاشر أفضل، وإن صام العاشر مع الحادي عشر كفى ذلك، لمخالفة اليهود، وإن صامهما جميعا مع العاشر فلا بأس؛ لما جاء في بعض الروايات: «صوموا يوما قبله ويوما بعده (1) » . أما صومه وحده فيكره، والله ولي التوفيق.
__________
(1) ذكره العيني في عمدة القاري في (الصوم) باب صيام يوم عاشوراء ج 11 ص 116، وذكره صاحب الفتح الكبير في (حرف الصاد) باب صوم يوم عاشوراء برقم (7293) .(15/404)
159 - حكم صوم من تبين له أن العاشر غير الذي صامه
س: من صام التاسع والعاشر فتبين له بعد ذلك أنه صام الثامن والتاسع، فما الحكم؟ وهل عليه قضاء ذلك؟ (1) .
ج: ليس عليه القضاء، وله الأجر إن شاء الله كاملا على حسب نيته؛ لأنه ظن أن هذا هو التاسع والعاشر حسب التقويمات فله أجره إن شاء الله، وليس عليه قضاء وله أجر صوم اليومين.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 170.(15/404)
س: لو تبين له في اليوم التاسع أن غدا العاشر، فهل يواصل صيام ثلاثة أيام؟ (1) .
ج: الأفضل له أن يواصل، حتى يصوم العاشر يقينا هذا هو الأفضل وإن لم يصم فلا حرج، ويفوته صوم العاشر.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 170.(15/405)
160- حكم صوم يوم عرفة للحاج وغيره
س: سماحة الشيخ، كثير من الناس يعتقدون أن صوم يوم عرفة مقرون بصيام اليوم الثامن، فما توجيه سماحتكم؟ (1) .
ج: صوم يوم عرفة مستقل، وله فضل عظيم يكفر الله به السنة التي قبله والسنة التي بعده أما الحاج فلا يجوز له أن يصوم يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في ذلك اليوم وهو مفطر.
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته من مكتب جريدة (الجزيرة) بالسليل.(15/405)
س: ما حكم من صام يوم عرفة وهو حاج؟ ولو صادف يوم عرفة يوم جمعة فماذا يعنى ذلك؟ (1) .
__________
(1) نشر في جريدة (المدينة) العدد (13124) بتاريخ 9 \ 12 \ 1419 هـ.(15/405)
ج: الحاج ليس عليه صيام يوم عرفة وإن صام يخشى عليه الإثم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ولم يصم. فالحاج لا يصوم. وإن تعمد الصيام وهو يعلم النهي يخشى عليه الإثم؛ لأن الأصل في النهي هو التحريم.(15/406)
161 - حكم صوم يوم عرفة لمن عليه قضاء
س: هل يجوز صوم يوم عرفة وقد يوجد أيام قضاء من رمضان؟ (1) .
ج: الحاج لا يصوم عرفة، الواجب عليه أن يفطر في يوم عرفة، أما غير الحجاج فيستحب لهم صيامه فهو يوم فضيل، صيامه يكفر السنة التي قبله والتي بعده، وفيه خير عظيم لكن الحجاج لا يصومون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في عرفة مفطرا ونهى عن الصوم فيها، أما غير الحاج فلا بأس أن يصوم، لكن إذا كان عليه صوم قضاء يبدأ بالقضاء وإذا صام يوم عرفة عن القضاء وأيام التسع عن القضاء فهذا حسن.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في يوم عرفة، حج عام 1418 هـ.(15/406)
162 - الأيام المنهي عن الصيام فيها
س: ما هي الأيام التي يكره فيها الصيام؟ .
ج: الأيام التي ينهى عن الصيام فيها يوم الجمعة، حيث لا يجوز أن يصوم يوم الجمعة مفردا يتطوع بذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
وهكذا لا يفرد يوم السبت تطوعا، لكن إذا صام الجمعة ومعها السبت أو معها الخميس فلا بأس، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ينهى عن صوم يوم عيد الفطر وذلك محرم. وكذلك يوم عيد النحر وأيام التشريق كلها لا تصام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لم يستطع الهدي؛ لما ثبت في البخاري عن عائشة رضي الله عنها وابن عمر رضي الله عنهما قالا: «لم يرخص في أيام التشريق(15/407)
أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (1) » . أما كونها تصام تطوعا أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد؛ وهكذا يوم الثلاثين من شعبان إذا لم تثبت رؤية الهلال، فإنه يوم شك لا يجوز صومه في أصح قولي العلماء سواء كان صحوا أو غيما؛ للأحاديث الصحيحة الدالة على النهي عن ذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب صيام أيام التشريق برقم (1998) .(15/408)
163 - لا يجوز صيام يوم الشك ولو كانت السماء غائمة
س: إذا كان في الجو سحاب أو غبار هل يجب أو يشرع صيام يوم الشك احتياطا لاحتمال أن الشهر قد دخل؟ (1) .
ج: لا يجوز صيام يوم الشك ولو كانت السماء مغيمة هذا الصواب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما (2) » . وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: '' إذ رأيتم الهلال فصوموا '' برقم (1909) .(15/408)
رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه (1) » .
وأما ما يروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصوم يوم الثلاثين إذا كان غيما، فهذا اجتهاد منه رضي الله عنه والصواب خلافه وأن الواجب الإفطار، وابن عمر اجتهد في هذا المقام ولكن اجتهاده مخالف للسنة عفا الله عنه، والصواب أن المسلمين عليهم أن يفطروا يوم الثلاثين إذا لم ير الهلال ولو كان غيما فإنه يجب الإفطار، ولا يجوز الصوم حتى يثبت الهلال أو يكمل الناس العدة، عدة شعبان ثلاثين يوما، هذا هو الواجب على المسلمين ولا يجوز أن يخالف النص لقول أحد من الناس لا لقول ابن عمر ولا غيره؛ لأن النص مقدم على الجميع؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) ولقوله جل وعلا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3)
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين برقم (1082) .
(2) سورة الحشر الآية 7
(3) سورة النور الآية 63(15/409)
164 - مدى صحة حديث "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم"
س: نود أن نستفسر يا سماحة الشيخ عن صحة حديث عمار بن ياسر: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم (1) » ؟ (2) .
ج: حديث صحيح، وهو في حكم المرفوع يقول رضي الله عنه: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم (3) » . رواه أحمد وأهل السنن، وإسناده صحيح، وهو مؤيد لما ذكرنا سابقا، وهو ما قاله المحققون من العلماء أنه لا يصام يوم الشك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه النسائي في (الصيام) باب صيام يوم الشك برقم (2188) .
(2) من برنامج (نور على الدرب) .
(3) رواه النسائي في (الصيام) باب صيام يوم الشك برقم (2188) .(15/410)
165 - حديث النهي عن صوم يوم السبت غير صحيح
س: هل حديث النهي عن صوم يوم السبت إلا فيما(15/410)
افترض علينا صحيح؟ (1) .
ج: الحديث المذكور غير صحيح؛ لاضطرابه وشذوذه كما نبه على ذلك الكثير من الحفاظ؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده (2) » . متفق على صحته. واليوم الذي بعده هو يوم السبت.
والحديث المذكور صريح في جواز صومه نافلة مع الجمعة. وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه «كان يصوم يوم السبت ويوم الأحد، ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم (3) » . رواه النسائي وصححه ابن خزيمة.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة (الدعوة) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) في باقي مسند أبي هريرة برقم (10052) ، وابن خزيمة في (صحيحه) باب ذكر الخبر برقم، (2154) .
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث أم سلمة برقم (26210) .(15/411)
166 - جواز صوم يوم السبت تطوعا
سماحة الوالد \ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام الديار السعودية سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كما تعلمون- حفظكم الله- وافق هذا العام يوم التاسع من محرم 1415 هـ يوم السبت، وكان يوم العاشر يوم الأحد حسب تقويم أم القرى، وعملا بالحديث: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر (1) » . الحديث أو كما قال صلى الله عليه وسلم، صمت يومي السبت والأحد.
ولكن أحد الإخوة اعترض على صيام يوم السبت، وقال: إن صيامه تطوعا منهي عنه؛ لما ورد في الحديث. وذكر معناه ولم يذكر نصه.
ولرغبتي في استجلاء الموضوع، وعملا بقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) أرجو من
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب أي يوم يصام فيه عاشوراء برقم (1134) .
(2) سورة النحل الآية 43(15/412)
سماحتكم إيضاح هذا الإشكال مع ذكر الحديث ومدى صحته، وما نصيحتكم حول هذا الموضوع؟ والله يحفظكم (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحديث المذكور معروف وموجود في بلوغ المرام في كتاب الصيام، وهو حديث ضعيف شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده (2) » ومعلوم أن اليوم الذي بعده هو يوم السبت، والحديث المذكور في الصحيحين. وكان «صلى الله عليه وسلم يصوم يوم السبت ويوم الأحد ويقول: إنهما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم (3) » . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على جواز صوم يوم السبت تطوعا. وفق الله الجميع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
__________
(1) سؤال مقدم من س. أ. غ. وقد أجاب عنه سماحته برقم 1179 \ اش وتاريخ 9 \ 2 \ 1415 هـ.
(2) صحيح البخاري الصوم (1985) ، سنن الترمذي الصوم (743) ، سنن أبو داود الصوم (2420) ، سنن ابن ماجه الصيام (1723) .
(3) مسند أحمد بن حنبل (6/324) .(15/413)
167 - حكم إفراد يوم الجمعة بصيام
س: هل يجوز صيام يوم الجمعة منفردا قضاء؟ (1) .
ج: صيام يوم الجمعة منفردا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان صومه لخصوصيته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم «دخل على امرأة من نسائه فوجدها صائمة يوم الجمعة، فقال: أكنت صمت أمس؟ قالت: لا، فقال: أتريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا، قال: فأفطري (2) » ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده (3) » لكن إذا صادف يوم الجمعة يوم عرفة فصامه المسلم وحده فلا بأس بذلك؛ لأن هذا الرجل صامه لأنه يوم عرفة لا لأنه يوم جمعة. وكذلك لو كان عليه قضاء من رمضان ولا يتسنى له فراغ إلا يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ وذلك لأنه يوم فراغه. وكذلك لو صادف
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (10877) وتاريخ 7 \ 1 \ 1417هـ.
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6732) ، والبخاري في (الصوم) باب صوم يوم الجمعة برقم (1986) .
(3) صحيح البخاري الصوم (1985) ، صحيح مسلم الصيام (1144) ، سنن الترمذي الصوم (743) ، سنن أبو داود الصوم (2420) ، سنن ابن ماجه الصيام (1723) ، مسند أحمد بن حنبل (2/422) .(15/414)
يوم الجمعة يوم عاشوراء فصامه فإنه لا حرج عليه أن يفرده؛ لأنه صامه لأنه يوم عاشوراء لا لأنه يوم الجمعة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام (1) » . فنص على التخصيص، أي على أن يفعل الإنسان ذلك لخصوص يوم الجمعة أو ليلتها.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب صوم يوم الجمعة برقم (1985) ، ومسلم في (الصيام) باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا برقم (1144) .(15/415)
168 - حكم صيام محرم وشعبان وعشر ذي الحجة
س: ما حكم صيام العشر الأواخر من ذي الحجة وصيام شهر محرم، وشهر شعبان كاملين؟ أفيدونا بارك الله فيكم (1) .
ج: بسم الله والحمد لله، شهر محرم مشروع صيامه وشعبان كذلك، وأما عشر ذي الحجة الأواخر فليس هناك دليل عليه، لكن لو صامها دون اعتقاد أنها خاصة أو أن لها خصوصية معينة فلا بأس. أما شهر الله المحرم فقد قال الرسول
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1677) بتاريخ 4 \ 10 \ 1419 هـ.(15/415)
صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم (1) » . فإذا صامه كله فهو طيب أو صام التاسع والعاشر والحادي عشر فذلك سنة.
وهكذا شعبان فقد كان يصومه كله صلى الله عليه وسلم، وربما صامه إلا قليلا كما صح ذلك من حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما.
وأما عشر ذي الحجة فالمراد التسع لأن يوم العيد لا يصام، وصيامها لا بأس به وفيه أجر لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «" ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر " قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء (2) » . أما النبي صلى الله عليه وسلم فروي عنه أنه كان يصومها وروي أنه لم يكن يصومها ولم يثبت في ذلك شيء من جهة صومه لها أو تركه لذلك.
__________
(1) رواه مسلم في (الصيام) باب فضل صوم المحرم برقم (1163) .
(2) أخرجه بنحوه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (7039) .(15/416)
169 - ما جاء في صيام عشر ذي الحجة من أحاديث والجمع بينها
س: روى النسائي في سننه عن أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان لا يدع ثلاثا: صيام العشر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين قبل الغداة (1) » . وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قولها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط (2) » . وفي رواية: لم يصم العشر قط.
وقد ذكر الشوكاني في الجزء الرابع ص 324 من نيل الأوطار قول بعض العلماء في الجمع بين الحديثين، حديث حفصة وحديث عائشة، إلا أن الجمع غير مقنع، فلعل لدى سماحتكم جمعا مقنعا بين الحديثين؟ (3) .
ج: قد تأملت الحديثين واتضح لي أن حديث حفصة فيه اضطراب، وحديث عائشة أصح منه. والجمع الذي ذكره الشوكاني فيه نظر، ويبعد جدا أن يكون النبي صلى الله عليه
__________
(1) صحيح مسلم الصيام (1160) ، سنن الترمذي الصوم (763) ، سنن أبو داود الصوم (2453) ، سنن ابن ماجه الصيام (1709) .
(2) صحيح مسلم الاعتكاف (1176) ، سنن الترمذي الصوم (756) ، سنن أبو داود الصوم (2439) .
(3) من أسئلة مقدمة لسماحته من ع. س. م. وقد أجاب عنها سماحته بتاريخ 7 \ 2 \ 1414 هـ.(15/417)
وسلم يصوم العشر ويخفى ذلك على عائشة، مع كونه يدور عليها في ليلتين ويومين من كل تسعة أيام؛ لأن سودة وهبت يومها لعائشة، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فكان لعائشة يومان وليلتان من كل تسع. ولكن عدم صومه صلى الله عليه وسلم العشر لا يدل على عدم أفضلية صيامها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعرض له أمور تشغله عن الصوم.
وقد دل على فضل العمل الصالح في أيام العشر حديث ابن عباس المخرج في صحيح البخاري، وصومها من العمل الصالح فيتضح من ذلك استحباب صومها في حديث ابن عباس، وما جاء في معناه. وهذا يتأيد بحديث حفصة وإن كان فيه بعض الاضطراب، ويكون الجمع بينهما على تقدير صحة حديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم العشر في بعض الأحيان، فاطلعت حفصة على ذلك وحفظته، ولم تطلع عليه عائشة، أو اطلعت عليه ونسيته. والله ولي التوفيق.(15/418)
س: ما رأي سماحتكم في رأي من يقول صيام عشر ذي الحجة بدعة؟ (1) .
ج: هذا جاهل يعلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في يوم عرفة، حج عام 1418 هـ.(15/418)
حض على العمل الصالح فيها والصيام من العمل الصالح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «" ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر " قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال: " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء (1) » . رواه البخاري في الصحيح.
ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم ما صام هذه الأيام، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه صامها، وروي عنه أنه لم يصمها؛ لكن العمدة على القول، القول أعظم من الفعل، وإذا اجتمع القول والفعل كان آكد للسنة؛ فالقول يعتبر لوحده؛ والفعل لوحده، والتقرير وحده، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو عملا أو أقر فعلا كله سنة، لكن القول أعظمها هو أعظمها وأقواها ثم الفعل ثم التقرير، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام (2) » يعني العشر فإذا صامها أو تصدق فيها فهو على خير عظيم، وهكذا يشرع فيها التكبير والتحميد والتهليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب فضل العمل في أيام التشريق برقم (969) ، والترمذي في (الصوم) باب ما جاء في العمل في أيام العشر برقم (757) واللفظ له.
(2) صحيح البخاري الجمعة (969) ، سنن الترمذي الصوم (757) ، سنن أبو داود الصوم (2438) ، سنن ابن ماجه الصيام (1727) ، مسند أحمد بن حنبل (1/224) ، سنن الدارمي الصوم (1773) .(15/419)
إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد (1) » وفق الله الجميع.
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/75) .(15/420)
170 - النوافل يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها
س: الأخت التي رمزت لاسمها بأم يوسف من مكة المكرمة تقول في سؤالها: هل يأثم المرء بسبب ترك بعض النوافل التي كان يداوم على أدائها؛ لأنني مثلا أثناء حملي تركت صوم الاثنين والخميس. أفتونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: النوافل جميعا يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها، مثل صوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وسنة الضحى، والوتر، ولكن يشرع للمؤمن أن يواظب ويحافظ على السنن المؤكدة؛ لما في ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ولأن النوافل يكمل بها نقص الفرائض. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته من (المجلة العربية) .(15/420)
171 - حكم قطع صيام التطوع
س: هل يجوز في صيام التطوع أن يفطر الصائم متى شاء؟ (1) .
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع وترتيب فضيلة الشيخ محمد المسند ج 2 ص 167.(15/420)
ج: نعم يجوز له ذلك، لكن الأفضل له أن يكمل الصيام، إلا أن تكون هناك حاجة للإفطار كإكرام ضيف أو شدة حر ونحو ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها ما يدل على ما ذكرنا. والله ولي التوفيق.(15/421)
172 - حكم من نوى الصيام ثم مرض
س: رجل قرر أن يصوم شعبان، وأثناء صيامه لأيام شعبان داهمه مرض فأفطر وفي نيته إكمال شعبان بالصيام، فهل له أجر تلك النية؟ (1) .
ج: يرجى له ثواب ما نواه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا (2) » أخرجه البخاري في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (3) » .
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1673) بتاريخ 6 \ 9 \ 1419 هـ.
(2) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة برقم (2996) .
(3) رواه البخاري في (بدء الوحي) باب بدء الوحي برقم (1) .(15/421)
صفحة فارغة(15/422)
ليلة القدر(15/423)
صفحة فارغة(15/424)
173 - ليلة القدر هي أفضل الليالي
س: بمناسبة ليلة القدر نود من سماحتكم التحدث لعامة المسلمين بهذه المناسبة الكريمة؟ (1) .
ج: ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، كما قال سبحانه في أول سورة الدخان: {حم} (2) {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} (3) {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (4) {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (5) {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (6) {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (7) وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (8) {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (9) {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (10) {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (11) {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (12) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته من مندوب صحيفة (الجزيرة) بالطائف بتاريخ 24 \ 9 \ 1407 هـ.
(2) سورة الدخان الآية 1
(3) سورة الدخان الآية 2
(4) سورة الدخان الآية 3
(5) سورة الدخان الآية 4
(6) سورة الدخان الآية 5
(7) سورة الدخان الآية 6
(8) سورة القدر الآية 1
(9) سورة القدر الآية 2
(10) سورة القدر الآية 3
(11) سورة القدر الآية 4
(12) سورة القدر الآية 5(15/425)
غفر له ما تقدم من ذنبه (1) » متفق على صحته. وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القران وغير ذلك من وجوه الخير.
وقد دلت هذه السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها. وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده. فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها، فقال عليه الصلاة والسلام: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر (2) » وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائما، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا برقم (1901) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) باب الترغيب في قيام رمضان برقم (7060) .
(2) رواه البخاري في (الاعتكاف) باب الاعتكاف في العشر الأواخر برقم (1986 و 1992) ، والترمذي في (الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) باب ما جاء في ليلة القدر برقم (792) .(15/426)
وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع. فمن قام ليالي العشر كلها إيمانا واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول. قالت عائشة رضي الله عنها «كان النبي صلى الله عليه وسلم: يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها (1) » . وقالت: «كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشد المئزر (2) » . وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالبا، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3)
وسألته عائشة رضي الله عنها فقالت «يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: قولي، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني (4) » وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير.
فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام رضي الله عنهم وبسلف هذه
__________
(1) سنن الترمذي الصوم (796) .
(2) صحيح البخاري صلاة التراويح (2024) ، صحيح مسلم الاعتكاف (1174) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1639) ، سنن أبو داود الصلاة (1376) ، سنن ابن ماجه الصيام (1768) ، مسند أحمد بن حنبل (6/41) .
(3) سورة الأحزاب الآية 21
(4) رواه الترمذي في (الدعوات) باب في عقد التسبيح باليد برقم (3513) .(15/427)
الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالي بالصلاة وقراءة القرآن وأنواع الذكر والعبادة إيمانا واحتسابا حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار والعتق من النار. فضلا منه سبحانه وجودا وكرما. وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر. كما قال سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (2) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
ومما يجب التنبيه عليه أن بعض المسلمين قد يجتهد في رمضان ويتوب إلى الله سبحانه مما سلف من ذنوبه، ثم بعد خروج رمضان يعود إلى أعماله السيئة وفي ذلك خطر عظيم.
فالواجب على المسلم أن يحذر ذلك وأن يعزم عزما صادقا على الاستمرار في طاعة الله وترك المعاصي، كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (3) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (4)
__________
(1) سورة النساء الآية 31
(2) رواه مسلم في (الطهارة) باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة برقم (233) .
(3) سورة الحجر الآية 99
(4) سورة آل عمران الآية 102(15/428)
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (1) {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (2) {نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (3) ومعنى الآية أن الذين اعترفوا بأن ربهم الله وآمنوا به وأخلصوا له العبادة واستقاموا على ذلك تبشرهم الملائكة عند الموت بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن مصيرهم الجنة من أجل إيمانهم به سبحانه واستقامتهم على طاعته وترك معصيته، وإخلاص العبادة له سبحانه، والآيات في هذا المعنى كثيرة كلها تدل على وجوب الثبات على الحق، والاستقامة عليه، والحذر من الإصرار على معاصي الله عز وجل ومن ذلك قوله تبارك وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (4) {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (5) {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (6) {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (7)
__________
(1) سورة فصلت الآية 30
(2) سورة فصلت الآية 31
(3) سورة فصلت الآية 32
(4) سورة آل عمران الآية 133
(5) سورة آل عمران الآية 134
(6) سورة آل عمران الآية 135
(7) سورة آل عمران الآية 136(15/429)
فنسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين في هذه الليالي وغيرها لما يحبه ويرضاه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه جواد كريم.(15/430)
174 - ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان
س: فضل سبحانه وتعالى شهر رمضان المبارك عن بقية الأشهر، ولياليه العشر الأخيرة عن ليالي العام، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، هل ليلة القدر محددة التاريخ أم أنها خلال العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم؟ (1) .
ج: ليلة القدر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأخيرة من رمضان، وبين عليه الصلاة والسلام أن أوتار العشر آكد من أشفاعها فمن قامها جميعا أدرك ليلة القدر. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قام
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة من جريدة (عكاظ) أجاب عنها سماحته في 24 \ 9 \ 1407 هـ.(15/430)
ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (1) » والمعنى أن من قامها بالصلاة وسائر أنواع العبادة من قراءة ودعاء وصدقة وغير ذلك إيمانا بأن الله شرع ذلك واحتسابا للثواب عنده لا رياء ولا لغرض آخر من أغراض الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
وهذا عند جمهور أهل العلم مقيد باجتناب الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (2) » . خرجه الإمام مسلم في صحيحه. فنسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا في كل مكان بقيامها إيمانا واحتسابا إنه جواد كريم.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا برقم (1901) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) باب الترغيب في قيام رمضان برقم (7060) .
(2) رواه مسلم في (الطهارة) باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة برقم (233) .(15/431)
175 - علامة ليلة القدر
س: ما علامة ليلة القدر وما الواجب على المسلم فيها؟ (1) .
ج: السنة قيام ليلة القدر وهي تختص بالعشر الأواخر
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(15/431)
من رمضان، وأوتارها آكد من غيرها، وأرجاها ليلة سبع وعشرين، والمشروع الاجتهاد في طاعة الله جل وعلا في أيام العشر ولياليها، وليس قيام الليل واجبا وإنما هو مستحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأخيرة شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله (1) » ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (2) » والأحاديث في ذلك كثيرة والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (صلاة التراويح) باب العمل في العشر الأواخر من رمضان برقم (1884) ، ومسلم في (الاعتكاف) باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان برقم (2008) .
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا برقم (1768) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب الترغيب في قيام رمضان برقم (1268) .(15/432)
176 - قد ترى ليلة القدر بالعين
س: هل ترى ليلة القدر عيانا أي أنها ترى بالعين البشرية المجردة حيث إن بعض الناس يقولون إن الإنسان إذا استطاع رؤية ليلة القدر يرى نورا في السماء ونحو(15/432)
هذا، وكيف رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وكيف يعرف المرء أنه قد رأى ليلة القدر، وهل ينال الإنسان ثوابها وأجرها وإن كانت في تلك الليلة التي لم يستطع أن يراها فيها. نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل؟ (1) .
ج: قد ترى ليلة القدر بالعين لمن وفقه الله سبحانه وذلك برؤية أماراتها، وكان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون عليها بعلامات، ولكن عدم رؤيتها لا يمنع حصول فضلها لمن قامها إيمانا واحتسابا، فالمسلم ينبغي له أن يجتهد في تحريها في العشر الأواخر من رمضان - كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك - طالبا للأجر والثواب فإذا صادف قيامه إيمانا واحتسابا هذه الليلة نال أجرها وإن لم يعلمها. قال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا كفر له ما تقدم من ذنبه (2) » . رواه البخاري ومسلم، وفي رواية أخرى خارج الصحيحين: «. . . من قامها ابتغاءها ثم وفقت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (3) » .
__________
(1) نشر في جريدة (الندوة) العدد (12224) في 24 \ 9 \ 1419 هـ.
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا برقم (1768) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب الترغيب في قيام رمضان برقم (1268) .
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) باب حديث عبادة بن الصامت برقم (22205) .(15/433)
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن من علاماتها طلوع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، وكان أبي بن كعب يقسم على أنها ليلة سبع وعشرين، ويستدل بهذه العلامة، والراجح أنها متنقلة في ليالي العشر كلها، وأوتارها أحرى، وليلة سبع وعشرين آكد الأوتار في ذلك، ومن اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقراءة والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير، أدرك ليلة القدر بلا شك، وفاز بما وعد الله به من قامها إذا فعل ذلك إيمانا واحتسابا. والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(15/434)
الاعتكاف(15/435)
صفحة فارغة(15/436)
177 - تعريف الاعتكاف وبيان المقصود منه وأحكام أخرى
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم \ وفقه الله للخير آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المتضمن رغبتكم في السؤال عما يأتي:
س: ما حكم الاعتكاف في المساجد، وما معناه شرعا، وهل هو شامل للنوم مع أكل في المساجد وإباحته أم لا؟ .
ج: لا ريب أن الاعتكاف في المسجد قربة من القرب، وفي رمضان أفضل من غيره؛ لقول الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (1) ولأن النبي صلى الله
__________
(1) سورة البقرة الآية 187(15/437)
عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وترك ذلك مرة فاعتكف في شوال، والمقصود من ذلك هو التفرغ للعبادة والخلوة بالله لذلك، وهذه هي الخلوة الشرعية. وقال بعضهم في تعريف الاعتكاف: هو قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، والمقصود من ذلك قطع العلائق الشاغلة عن طاعة الله وعبادته، وهو مشروع في رمضان وغيره كما تقدم، ومع الصيام أفضل، وإن اعتكف من غير صوم فلا بأس على الصحيح من قولي العلماء لما ثبت في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، وكان ذلك قبل أن يسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أوف بنذرك (1) » .
ومعلوم أن الليل ليس محلا للصوم، وإنما محله النهار، ولا بأس بالنوم والأكل في المسجد للمعتكف وغيره؛ لأحاديث وآثار وردت في ذلك، ولما ثبت من حال أهل الصفة، مع مراعاة الحرص على نظافة المسجد والحذر من أسباب توسيخه من فضول الطعام أو غيرها؛ لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عرضت علي أجور أمتي،
__________
(1) رواه البخاري في (الاعتكاف) باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم برقم (2043) ، ومسلم في (الأيمان) باب نذر الكافر ما يفعل فيه إذا أسلم برقم (1656) .(15/438)
حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد (1) » رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة، ولحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم «أمر ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب (2) » . رواه الخمسة إلا النسائي وسنده جيد. والدور: هي الحارات والقبائل القاطنة في المدن.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل به، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) رواه الترمذي في (فضائل القرآن) باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن برقم (2916) ، وأبو داود في (الصلاة) باب في كنس المسجد برقم (461) .
(2) رواه الترمذي في (الجمعة) باب ما ذكر في تطييب المسجد برقم (594) ، وأبو داود في (الصلاة) باب اتخاذ المساجد في الدور برقم (455) .(15/439)
178 - حكم الاعتكاف وما يجب على المعتكف التزامه وحكم اشتراط الصيام له
س: ما هو الاعتكاف؟ وإذا أراد الإنسان أن يعتكف فماذا عليه أن يفعل وماذا عليه أن يمتنع؟ وهل يجوز للمرأة أن تعتكف في البيت الحرام؟ وكيف يكون ذلك؟ (1) .
ج: الاعتكاف: عبادة وسنة وأفضل ما يكون في رمضان في أي مسجد تقام فيه صلاة الجماعة، كما قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (2) فلا مانع من الاعتكاف في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، من الرجل والمرأة، إذا كان لا يضر بالمصلين ولا يؤذي أحدا فلا بأس بذلك. والذي على المعتكف أن يلزم معتكفه ويشتغل بذكر الله والعبادة، ولا يخرج إلا لحاجة الإنسان كالبول والغائط ونحو ذلك أو لحاجة الطعام إذا كان لم يتيسر له من يحضر له الطعام فيخرج لحاجته فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لحاجته، ولا يجوز للمرأة أن يأتيها زوجها وهي في الاعتكاف، وكذلك المعتكف ليس له أن يأتي زوجته وهو
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (1) .
(2) سورة البقرة الآية 187(15/440)
معتكف؛ لأن الله تعالى قال: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (1) والأفضل له ألا يتحدث مع الناس كثيرا بل يشتغل بالعبادة والطاعة، لكن لو زاره بعض إخوانه أو زار المرأة بعض محارمها أو بعض أخواتها في الله وتحدثت معهم أو معهن فلا بأس، «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره نساؤه في معتكفه ويتحدث معهن ثم ينصرفن» فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك.
والاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة؛ لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيوم ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك، وهو عبادة مشروعة إلا إذا نذره صار واجبا بالنذر وهو في حق المرأة والرجل سواء، ولا يشترط أن يكون معه صوم على الصحيح فلو اعتكف الرجل أو المرأة وهما مفطران فلا بأس في غير رمضان.
__________
(1) سورة البقرة الآية 187(15/441)
179 - محل الاعتكاف ووقته وحكم قطعه
س: ما حكم الاعتكاف للرجل والمرأة، وهل يشترط له الصيام، وبماذا يشتغل المعتكف، ومتى يدخل معتكفه، ومتى يخرج منه؟ .(15/441)
ج: الاعتكاف سنة للرجال والنساء؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه، ثم اعتكفن من بعده عليه الصلاة والسلام. ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه جمعة فالأفضل أن يكون اعتكافه في المسجد الجامع إذا تيسر ذلك.
وليس لوقته حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، ولا يشترط له الصوم ولكن مع الصوم أفضل. والسنة له أن يدخل معتكفه حين ينوي الاعتكاف ويخرج بعد مضي المدة التي نواها، وله قطع ذلك إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن الاعتكاف سنة ولا يجب بالشروع فيه إذا لم يكن منذورا. ويستحب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ويستحب لمن اعتكفها دخول معتكفه بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم(15/442)
ويخرج متى انتهت العشر. وإن قطعه فلا حرج عليه إلا أن يكون منذورا كما تقدم. والأفضل أن يتخذ مكانا معينا في المسجد يستريح فيه إذا تيسر ذلك، ويشرع للمعتكف أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن والاستغفار والدعاء والصلاة في غير أوقات النهي. ولا حرج أن يزوره بعض أصحابه، وأن يتحدث معه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزوره بعض نسائه، ويتحدثن معه. وزارته مرة صفية رضي الله عنها وهو معتكف في رمضان، فلما قامت قام معها إلى باب المسجد، فدل على أنه لا حرج في ذلك. وهذا العمل منه صلى الله عليه وسلم يدل على كمال تواضعه، وحسن سيرته مع أزواجه عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان.(15/443)
180 - يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. ع. م. سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 4886 وتاريخ 24 \ 10 \ 1408 هـ الذي تسأل فيه عن عدد من الأسئلة ومنها:(15/444)
س: ما صحة الحديث: «لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة» وإن صح الحديث هل يعني فعلا لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة؟
ج: يصح الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة إلا أنه يشترط في المسجد الذي يعتكف فيه إقامة صلاة الجماعة فيه فإن كانت لا تقام فيه صلاة الجماعة لم يصح الاعتكاف فيه،(15/444)
إلا إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فإنه يلزمه الاعتكاف بها وفاء لنذره. وفق الله الجميع لما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(15/445)
181 - حكم خروج المعتكف من معتكفه للإتيان بعمرة
س: رجل معتكف يريد أن يأتي بعمرة لوالده ما حكم ذلك؟ (1) .
ج: إن كان الاعتكاف منذورا محددا بمدة لزمه تكملتها؛ لأن الوفاء بنذر الطاعة أمر لازم، وإن كان تطوعا فإن شاء أكمله وإن شاء قطعه وأتى بالعمرة.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية) في الحج، العدد العاشر بتاريخ 11 \ 12 \ 1401 هـ.(15/446)
182 - الذنوب تتضاعف في الزمان والمكان الفاضل كيفا لا كما
س: الصيام هل يحصل به المسلم تكفير الذنوب صغيرها وكبيرها؟ وهل إثم الذنوب يتضاعف في رمضان؟ (1) .
ج: المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1284) في 5 \ 9 \ 1411 هـ.(15/446)
فيه، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات، وعظم فيه إثم السيئات، فسيئة في رمضان أعظم إثما من السيئة في غيره، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره، ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات، عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (1) والآيات في
__________
(1) سورة الأنعام الآية 160(15/447)
هذا المعنى كثيرة. وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل، والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، والله ولي التوفيق.(15/448)
183 - مضاعفة الأعمال الصالحة بمكة
س: الاعتياد على صيام رمضان في مكة المكرمة كل عام، هل فيه فضل خاص لمن هم خارجها؟ (1) .
ج: لا شك أن مكة المكرمة أفضل بقاع الله فإن الصلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه، كما أنه لا شك أن الأعمال الصالحة تضاعف في الحرمين الشريفين مضاعفة لا يعلم مبلغها إلا الله ما عدا الصلاة فقد جاء بيان مقدار مضاعفتها وصيام رمضان في مكة المكرمة يجتمع فيه فضل الزمان وفضل المكان، فمن وفق لصيام رمضان في مكة المكرمة ولم يترتب على صيامه فيها تعطيل واجب كلف به، أو إخلال بمسئولية أوكلت إليه فذلك مع النية الصالحة فيه خير عظيم.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) بعددها (1284) في 5 \ 9 \ 1411 هـ.(15/448)
أما إن كان بقاء المسلم خارج الحرم أنفع له أو للمسلمين في الدين ويترتب عليه مصالح كبيرة وفوائد كثيرة. فإن الأفضل للمسلم أن يبقى في المكان الذي يكثر فيه نفعه للمسلمين وتكثر فيه حسناته.(15/449)
184 - حكم التفرغ للعبادة في رمضان
س: هل من السنة التفرغ في رمضان للأعمال الصالحة والانصراف للراحة والعبادة؟ (1) .
ج: المسلم عمله كله عبادة، وواجباته التي يؤديها إذا صلحت نيته كلها عبادة فليست العبادة مجرد صلاة أو صيام فقط، فتعلم العلم وتعليمه والدعوة إلى الله، وتربية الأولاد ورعايتهم، والقيام بشئون الأهل والإحسان لعباد الله، وبذل الجهد في مساعدة الناس، والتنفيس عن المكروبين والمهمومين، ونفع الناس بكل عمل مباح، وطلب الرزق الحلال كل ذلك عبادة لله تعالى إذا صلحت النية، والمسلم الذي يوفقه الله للجمع بين العبادات الخاصة والعامة يكون قد حصل على خير عظيم، وهكذا أداء الوظيفة المسندة إليه في رمضان بنصح
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) بعددها (1284) في 5 \ 9 \ 1411 هـ.(15/449)
وصدق من جملة العبادة التي يثاب عليها ومن اقتصر على العبادة الخاصة لعجزه عما سواها فهو على خير عظيم إذا أخلص لله وصدق في العمل الصالح ولقد مر بالنبي صلى الله عليه وسلم رمضانان كان فيهما مجاهدا. فغزوة بدر الكبرى كانت في السابع عشر من رمضان عام اثنين من الهجرة؛ وغزوة فتح مكة كانت في رمضان في العام الثامن من الهجرة، وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وأفطر فيه لما رأى ما حل بالناس من المشقة بالصيام، والمقصود أن المسلم يجتهد في رمضان في الأعمال الصالحة ولا يتخذ من الشهر المبارك وقتا للبطالة والنوم والغفلة والإعراض.(15/450)
بسم الله الرحمن الرحيم(16/1)
صفحة فارغة(16/2)
صفحة فارغة(16/3)
صفحة فارغة(16/4)
كتاب الحج(16/5)
صفحة فارغة(16/6)
بسم الله الرحمن الرحيم
وصايا للحجاج والزوار (1)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فإلى حجاج بيت الله الحرام أقدم هذه الوصايا عملا بقول الله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (3) » .
الأولى: الوصية بتقوى الله تعالى في جميع الأحوال، والتقوى هي جماع الخير وهي وصية الله سبحانه ووصية رسوله
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) السنة الحادية عشرة، العدد (الثاني) غرة ذي الحجة عام 1398 هـ.
(2) سورة المائدة الآية 2
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث تميم الداري برقم (16499) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أن الدين النصيحة برقم (55) .(16/7)
صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (1) وقال سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (2) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي في خطبه كثيرا بتقوى الله. وحقيقة التقوى أداء ما افترض الله على العبد وترك ما حرم الله عليه عن إخلاص لله ومحبة له ورغبة في ثوابه وحذر من عقابه على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- وهو أحد علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم -: " تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر ". وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " ليست تقوى الله بصيام النهار ولا قيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله أداء ما افترض الله وترك ما حرم الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير ". وقال طلق بن حبيب التابعي الجليل رحمه الله: " تقوى الله سبحانه هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله ". وهذا كلام جيد، ومعناه أن الواجب على المسلم أن يتفقه في دين
__________
(1) سورة النساء الآية 1
(2) سورة النساء الآية 131(16/8)
الله، وأن يتعلم ما لا يسعه جهله، حتى يعمل بطاعة الله على بصيرة ويدع محارم الله على بصيرة، وهذا هو تحقيق العمل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن الشهادة الأولى تقتضي الإيمان بالله وحده، وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه، وإخلاص جميع الأعمال لوجهه الكريم، رجاء رحمته وخشية عقابه. والشهادة الثانية تقتضي الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله إلى جميع الجن والإنس، وتصديق أخباره واتباع شريعته والحذر مما خالفها. وهاتان الشهادتان هما أصل الدين وأساس الملة، كما قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
الثانية: أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم يطلع
__________
(1) سورة آل عمران الآية 18
(2) سورة البقرة الآية 163
(3) سورة الأعراف الآية 158(16/9)
على هذه الكلمة بالمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها؛ لأنها الركن الأعظم بعد الشهادتين، ولأنها عمود الإسلام، ولأنها أول شيء يحاسب عنه المسلم من عمله يوم القيامة، ولأن من تركها فقد كفر؛ قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1) وقال عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (2) وقال جل شأنه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (3) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (4) إلى أن قال سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (5) {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (6) {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (7) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (8) » أخرجه مسلم في صحيحه، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (9) » خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح،
__________
(1) سورة النور الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة المؤمنون الآية 1
(4) سورة المؤمنون الآية 2
(5) سورة المؤمنون الآية 9
(6) سورة المؤمنون الآية 10
(7) سورة المؤمنون الآية 11
(8) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(9) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .(16/10)
وخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (1) » .
قال بعض أهل العلم في شرح هذا الحديث: وإنما يحشر من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إما أن يضيعها تشاغلا بالرياسة والملك والزعامة، فيكون شبيها بفرعون، وإما أن يضيعها تشاغلا بأعمال الوزارة والوظيفة، فيكون شبيها بهامان وزير فرعون، وإما أن يضيعها تشاغلا بالشهوات وحب المال والتكبر على الفقراء، فيكون شبيها بقارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، وإما أن يضيعها تشاغلا بالتجارة والمعاملات الدنيوية، فيكون شبيها بأبي بن خلف تاجر كفار مكة، فنسأل الله العافية من مشابهة أعدائه.
ومن أهم أركان الصلاة التي يجب على المسلم رعايتها والعناية بها الطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، وكثير من الناس يصلي
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6540) .(16/11)
صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها، ولا شك أن الطمأنينة من أهم أركان الصلاة، فمن لم يطمئن في صلاته فهي باطلة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى في ركوعه وأمكن يديه من ركبتيه وهصر ظهره وجعل رأسه حياله، ولم يرفع رأسه حتى يعود كل فقار إلى مكانه، وإذا رفع رأسه من الركوع اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا جلس اطمأن في سجوده حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وإذا جلس بين السجدتين اعتدل حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، ولما رأى صلى الله عليه وسلم بعض الناس لا يطمئن في صلاته أمره بالإعادة، وقال له: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (1) » . أخرجه الشيخان في الصحيحين.
فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الواجب على المسلم أن يعظم هذه الصلاة ويعتني بها ويطمئن فيها حتى يؤديها على
__________
(1) رواه البخاري في (الاستئذان) باب من رد فقال: عليك السلام. برقم (6251) ، ومسلم في (الصلاة) باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة برقم (397) .(16/12)
الوجه الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن تكون الصلاة للمؤمن راحة قلب، ونعيم روح، وقرة عين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة (1) » . ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله، كما قال عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2) وقال سبحانه في صلاة الخوف: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (3) الآية. فأوجب الله سبحانه على المسلمين أداء الصلاة في الجماعة في حال الخوف، فيكون وجوبها عليهم في حال الأمن أشد وآكد. وتدل الآية المذكورة على وجوب الإعداد للعدو والحذر من مكائده، كما قال سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (4) الآية.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) مسند أنس بن مالك برقم (11884) ، والنسائي في (عشرة النساء) باب حب النساء برقم (3940) .
(2) سورة البقرة الآية 43
(3) سورة النساء الآية 102
(4) سورة الأنفال الآية 60(16/13)
فالإسلام دين العزة والكرامة والقوة والحذر والجهاد الصادق، كما أنه دين الرحمة والإحسان والأخلاق الكريمة والصفات الحميدة. ولما جمع سلفنا الصالح بين هذه الأمور مكن الله لهم في الأرض ورفع شأنهم، وملكهم رقاب أعدائهم، وجعل لهم السيادة والقيادة، فلما غير من بعدهم غير الله عليهم، كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (1) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (2) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (3) » .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد، فهل لي من
__________
(1) سورة الرعد الآية 11
(2) رواه البخاري في (الخصومات) باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت برقم (2420) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651) ، وأبو داود في (الصلاة) باب في التشديد في ترك الجماعة برقم (548) واللفظ له.
(3) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة برقم (793) .(16/14)
رخصة أن أصلي في بيتي، قال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم، قال: فأجب (1) » خرجه مسلم في صحيحه.
أما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن، كما جاء بذلك الإخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لأنهن عورة وفتنة، ولكن لا يمنعن من المساجد إذا طلبن ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (2) » . وقد دلت الآيات والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه يجب عليهن التستر والتحجب من الرجال، وترك إظهار الزينة، والحذر من التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك يسبب الفتنة بهن؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات (3) » . ومعنى تفلات: أي لا رائحة لهن تفتن الناس. وقال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء (4) » . وقالت عائشة
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل برقم (900) ، ومسلم في (الصلاة) باب خروج النساء إلى المساجد برقم (442) .
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (9362) .
(4) رواه مسلم في (الصلاة) باب خروج النساء إلى المساجد برقم (444) .(16/15)
رضي الله عنها: " لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء اليوم لمنعهن الخروج ". فالواجب على النساء أن يتقين الله وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز بعض المحاسن، كالوجه واليدين والقدمين حين اجتماعهن بالرجال وخروجهن إلى الأسواق، وهكذا في وقت الطواف والسعي، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن الرءوس، ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق؛ لأن ذلك من أعظم الفتنة بهن؛ ولهذا قال الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (1) والتبرج إظهار بعض محاسنهن. وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (2) الآية. والجلباب هو الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها ووجهها وصدرها وسائر بدنها قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة. وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (3) الآية.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 33
(2) سورة الأحزاب الآية 59
(3) سورة الأحزاب الآية 53(16/16)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رءوسهن مثل أسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؛ ورجال بأيديهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها الناس (1) » خرجه مسلم في صحيحه. وقوله: كاسيات عاريات، فسر بأنهن كاسيات من نعم الله عاريات من شكرها، وفسر بأن عليهن كسوة رقيقة أو قصيرة لا تسترهن، فهن كاسيات بالاسم والدعوى عاريات في الحقيقة. ولا ريب أن هذا الحديث الصحيح يوجب على النساء العناية بالتستر والتحجب والحذر من أسباب غضب الله وعقابه، والله المستعان.
الوصية الثالثة: أوصي جميع الحجاج والزوار وكل مسلم بإخراج زكاة ماله إذا كان لديه مال تجب الزكاة فيه؛ لأن الزكاة من أعظم فرائض الدين، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام. فالله سبحانه وتعالى شرعها طهرة للمسلم وزكاة له ولماله وإحسانا للفقراء وغيرهم من أصناف أهل الزكاة، كما قال عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2)
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند أبي هريرة برقم (8451) ، ومسلم في (اللباس والزينة) باب النساء الكاسيات العاريات برقم (2128) .
(2) سورة التوبة الآية 103(16/17)
وهي من شكر الله على نعمة المال، والشاكر موعود بالأجر والزيادة، كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (1) وقال عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (2) وقد توعد الله من لم يؤد الزكاة بالعذاب الأليم، كما توعده سبحانه بأنه يعذبه بماله يوم القيامة، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (3) {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (4) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية الكريمة: أن كل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
فالواجب على كل مسلم له مال تجب فيه الزكاة أن يتقي الله ويبادر بإخراج زكاته في وقتها في أهلها المستحقين لها، طاعة لله ولرسوله، وحذرا من غضب الله وعقابه. والله سبحانه وعد المنفقين بالخلف والأجر الكبير، كما قال سبحانه
__________
(1) سورة إبراهيم الآية 7
(2) سورة البقرة الآية 152
(3) سورة التوبة الآية 34
(4) سورة التوبة الآية 35(16/18)
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (1) وقال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (2)
الوصية الرابعة: صيام رمضان، وهو من أعظم الفرائض على جميع المكلفين من الرجال والنساء، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} (4) ثم فسر هذه الأيام المعدودات بعد ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (5) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (6) » . فهذا الحديث
__________
(1) سورة سبأ الآية 39
(2) سورة الحديد الآية 7
(3) سورة البقرة الآية 183
(4) سورة البقرة الآية 184
(5) سورة البقرة الآية 185
(6) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) .(16/19)
الصحيح يدل على جميع الوصايا المتقدمة وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم، وأنها كلها من أركان الإسلام التي لا يقوم بناؤه إلا عليها؛ فالواجب على كل مسلم ومسلمة تعظيم هذه الأركان والمحافظة عليها والحذر من كل ما يبطلها أو ينقص أجرها. والله سبحانه إنما خلق الثقلين ليعبدوه سبحانه، وأرسل الرسل وأنزل الكتب من أجل ذلك. وعبادته هي توحيده وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم عن إخلاص لله سبحانه، ومحبة له، وإيمان به وبرسله، ورغبة في ثواب الله، وحذر من عقابه؛ وبذلك يفوز العبد بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. وإنما أصيب المسلمون في هذه العصور الأخيرة بالذل والتفرق وتسليط الأعداء بسبب تفريطهم في أمر الله وعدم تعاونهم على البر والتقوى، كما قال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1)
فنسأل الله أن يجمعهم على الحق ويوفقهم للتوبة النصوح، وأن يهديهم للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويوفق حكامهم للحكم بشريعته والتحاكم إليها، وإلزام شعوبهم بما أوجب الله، ومنعهم عن محارم الله؛ حتى يمكن لهم في الأرض كما مكن لأسلافهم، ويعينهم على عدوهم، إنه سميع قريب.
__________
(1) سورة الشورى الآية 30(16/20)
الوصية الخامسة: حج بيت الله الحرام، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، كما تقدم في الحديث الصحيح، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة يستطيع السبيل إليه في العمر مرة واحدة، كما قال الله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (3) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (4) » . فالواجب على حجاج بيت الله الحرام أن يصونوا حجهم عما حرم الله عليهم من الرفث والفسوق، وأن يستقيموا
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2637) ، والدارمي في (المناسك) باب كيف وجوب الحج برقم (1788) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .
(4) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(16/21)
على طاعة الله، ويتعاونوا على البر والتقوى، حتى يكون حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا. والحج المبرور هو الذي سلم من الرفث والفسوق والجدال بغير حق، كما قال الله سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1) ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2) » والرفث: هو الجماع في حال الإحرام، ويدخل فيه النطق بالفحش ورديء الكلام. والفسوق يشمل المعاصي كلها.
فنسأل الله أن يوفق حجاج بيت الله الحرام للاستقامة على دينهم وحفظ حجهم مما يبطله أو ينقص أجره، وأن يمن علينا وعليهم بالفقه في دينه والتواصي بحقه والصبر عليه، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) صحيح البخاري الحج (1521) ، صحيح مسلم الحج (1350) ، سنن الترمذي الحج (811) ، سنن النسائي مناسك الحج (2627) ، سنن ابن ماجه المناسك (2889) ، مسند أحمد بن حنبل (2/248) ، سنن الدارمي المناسك (1796) .(16/22)
التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة(16/23)
صفحة فارغة(16/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا منسك مختصر يشتمل على إيضاح وتحقيق كثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم (1) ، جمعته لنفسي ولمن شاء من المسلمين، واجتهدت في تحرير مسائله على ضوء الدليل.
وقد طبع للمرة الأولى في عام 1363 هـ على نفقة جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، قدس الله روحه وأكرم مثواه.
ثم إني بسطت مسائله بعض البسط، وزدت فيه من التحقيقات ما تدعو له الحاجة، ورأيت إعادة طبعه؛ لينتفع به من شاء الله من العباد، وسميته (التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة) ، ثم
__________
(1) الطبعة (31) عام 1417هـ التي عرضت على سماحته وصححها في عدة جلسات آخرها في 12\12\1418هـ.(16/25)
أدخلت فيه زيادات أخرى مهمة، وتنبيهات مفيدة؛ تكميلا للفائدة، وقد طبع غير مرة.
وأسأل الله أن يعمم النفع به، وأن يجعل السعي فيه خالصا لوجهه الكريم، وسببا للفوز لديه في جنات النعيم، فإنه حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المؤلف
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(16/26)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في الحج وبيان فضله وآدابه، وما ينبغي لمن أراد السفر لأدائه، وبيان مسائل كثيرة مهمة من مسائل الحج والعمرة والزيارة على سبيل الاختصار والإيضاح، قد تحريت فيها ما دل عليه كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمعتها نصيحة للمسلمين، وعملا بقول الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (1) وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (2) الآية، وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (3)
ولما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدين النصيحة، ثلاثا، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم (4) »
__________
(1) سورة الذاريات الآية 55
(2) سورة آل عمران الآية 187
(3) سورة المائدة الآية 2
(4) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث تميم الداري برقم (16499) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أن الدين النصيحة برقم (55) .(16/27)
وروى الطبراني عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن لم يمس ويصبح ناصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فليس منهم (1) » .
والله المسئول أن ينفعني بها والمسلمين، وأن يجعل السعي فيها خالصا لوجهه الكريم، وسببا للفوز لديه في جنات النعيم، إنه سميع مجيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________
(1) رواه الطبراني في الصغير برقم (905) في جامع الأحاديث والمراسيل، باب الميم مع النون من الإكمال من الجامع برقم (23274) .(16/28)
فصل
في أدلة وجوب الحج والعمرة والمبادرة إلى أدائهما
إذا عرف هذا فاعلموا - وفقني الله وإياكم لمعرفة الحق واتباعه - أن الله عز وجل قد أوجب على عباده حج بيته الحرام، وجعله أحد أركان الإسلام، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1)
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام (2) » .
وروى سعيد في سننه، عن عمر بن الخطاب رضي الله
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) .(16/29)
عنه أنه قال: " لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة (1) ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين "، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: " من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ".
ويجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج أن يبادر إليه؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعجلوا إلى الحج - يعني: الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له (2) » . رواه أحمد.
ولأن أداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل إليه؛ لظاهر قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (3)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: «أيها الناس، إن الله فرض عليكم الحج فحجوا (4) » . أخرجه مسلم.
__________
(1) أي: سعة من المال.
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) أول مسند عبد الله بن عباس برقم (2864) .
(3) سورة آل عمران الآية 97
(4) رواه مسلم في (الحج) باب فرض الحج مرة في العمر برقم (1337) .(16/30)
وقد وردت أحاديث تدل على وجوب العمرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبرائيل لما سأله عن الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان (1) » . أخرجه ابن خزيمة، والدارقطني، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال الدارقطني: هذا إسناد ثابت صحيح.
ومنها: حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة (2) » أخرجه أحمد، وابن ماجه بإسناد صحيح.
ولا يجب الحج والعمرة في العمر إلا مرة واحدة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الحج
__________
(1) رواه ابن خزيمة في (المناسك) باب ذكر البيان أن العمرة فرض وأنها من الإسلام برقم (3044) ، والدارقطني في (الحج) باب المواقيت برقم (2664) .
(2) رواه ابن ماجه في (المناسك) باب الحج جهاد النساء برقم (2901) .(16/31)
مرة، فمن زاد فهو تطوع (1) » .
ويسن الإكثار من الحج والعمرة تطوعا؛ لما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2637) ، والدارمي في (المناسك) باب كيف وجوب الحج برقم (1788) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .(16/32)
فصل
في وجوب التوبة من المعاصي والخروج من المظالم
إذا عزم المسلم على السفر إلى الحج أو العمرة استحب له أن يوصي أهله وأصحابه بتقوى الله عز وجل، وهي: فعل أوامره، واجتناب نواهيه.
وينبغي أن يكتب ما له وما عليه من الدين، ويشهد على(16/32)
ذلك، ويجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب؛ لقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)
وحقيقة التوبة: الإقلاع من الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العود فيها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليتحلل اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه (2) » .
وينبغي أن ينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا (3) » ، وروى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له برقم (2449) .
(3) رواه مسلم في (الزكاة) باب قبول الصدقة من الكسب الطيب برقم (1015) .(16/33)
وسلم: «إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور (1) » .
وينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم (3) » .
ويجب على الحاج أن يقصد بحجته وعمرته وجه الله والدار الآخرة، والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال
__________
(1) رواه الطبراني في الأوسط (6\109) برقم (5224) ، وفي الترغيب والترهيب باب الترغيب في النفقة الحلال برقم (1723) .
(2) رواه البخاري في (الزكاة) باب الاستعفاف عن المسألة برقم (1469) ، ومسلم في (الزكاة) باب فضل التعفف والصبر برقم (1053) .
(3) رواه البخاري في (الزكاة) باب من سأل الناس تكثرا برقم (1475) ، ومسلم في (الزكاة) باب كراهة المسألة للناس برقم (1040) .(16/34)
والأعمال في تلك المواضع الشريفة، ويحذر كل الحذر من أن يقصد بحجه الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} (1) {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} (3) {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (4)
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه (5) » .
وينبغي له أيضا أن يصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين، ويحذر من مصاحبة السفهاء والفساق.
__________
(1) سورة هود الآية 15
(2) سورة هود الآية 16
(3) سورة الإسراء الآية 18
(4) سورة الإسراء الآية 19
(5) رواه مسلم في (الزهد والرقائق) باب من أشرك في عمله غير الله برقم (2985) .(16/35)
وينبغي له أن يتعلم ما يشرع له في حجه وعمرته، ويتفقه في ذلك ويسأل عما أشكل عليه؛ ليكون على بصيرة، فإذا ركب دابته أو سيارته أو طائرته أو غيرها من المركوبات استحب له أن يسمي الله سبحانه ويحمده، ثم يكبر ثلاثا، ويقول: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} (1) {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} (2) «اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل (3) » ؛ لصحة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ويكثر في سفره من الذكر والاستغفار، ودعاء الله سبحانه، والتضرع إليه، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، ويحافظ على الصلوات في الجماعة، ويحفظ لسانه من كثرة القيل
__________
(1) سورة الزخرف الآية 13
(2) سورة الزخرف الآية 14
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند عبد الله بن عمر برقم (6275) ، والترمذي في (الدعوات) باب ما يقال إذا ركب الناقة برقم (3447) .(16/36)
والقال، والخوض فيما لا يعنيه، والإفراط في المزاح، ويصون لسانه أيضا من الكذب والغيبة والنميمة والسخرية بأصحابه وغيرهم من إخوانه المسلمين.
وينبغي له بذل البر في أصحابه، وكف أذاه عنهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة على حسب الطاقة.(16/37)
فصل
فيما يفعله الحاج عند وصوله إلى الميقات
فإذا وصل إلى الميقات استحب له أن يغتسل ويتطيب؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد من المخيط عند الإحرام واغتسل، ولما ثبت في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت (1) » ، وأمر صلى الله عليه وسلم عائشة لما حاضت وقد أحرمت بالعمرة أن
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب الطيب عند الإحرام برقم (1539) ، ومسلم في (الحج) باب الطيب للمحرم برقم (1189) .(16/37)
تغتسل وتحرم بالحج، وأمر صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس لما ولدت بذي الحليفة أن تغتسل وتستثفر بثوب وتحرم، فدل ذلك على أن المرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض أو نفساء تغتسل وتحرم مع الناس، وتفعل ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأسماء بذلك.
ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظافره وعانته وإبطيه، فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه؛ لئلا يحتاج إلى أخذ ذلك بعد الإحرام وهو محرم عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء في كل وقت، كما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الآباط (1) » ، وفي صحيح مسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: «وقت لنا في قص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة (2) » .
__________
(1) رواه البخاري في (اللباس) باب قلم الأظافر برقم (5891) ، ومسلم في (الطهارة) باب خصال الفطرة برقم (257) .
(2) رواه مسلم في (الطهارة) باب خصال الفطرة برقم (258) .(16/38)
وأخرجه النسائي بلفظ: «وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) » ، وأخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي بلفظ النسائي، وأما الرأس فلا يشرع أخذ شيء منه عند الإحرام، لا في حق الرجال ولا في حق النساء.
وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات، بل يجب إعفاؤها وتوفيرها؛ لما ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب (2) » ، وأخرج مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس (3) » .
وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم للحى، ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء، ولا سيما من ينتسب إلى العلم والتعليم، فإنا لله وإنا
__________
(1) رواه النسائي في (الطهارة) باب التوقيت في قص الشارب برقم (14) .
(2) رواه البخاري في (اللباس) باب قلم الأظافر برقم (5892) .
(3) رواه مسلم في (الطهارة) باب خصال الفطرة برقم (260) .(16/39)
إليه راجعون، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السنة والتمسك بها، والدعوة إليها، وإن رغب عنها الأكثرون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم يلبس الذكر إزارا ورداء، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويستحب أن يحرم في نعلين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين (1) » ، أخرجه الإمام أحمد رحمه الله.
وأما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرهما، مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم، لكن ليس لها أن تلبس النقاب والقفازين حال إحرامها، ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين، وأما تخصيص بعض العامة إحرام المرأة في الأخضر أو الأسود دون غيرهما فلا أصل له.
ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبس ثياب الإحرام، ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمر برقم (4881) .(16/40)
؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » .
ويشرع له التلفظ بما نوى، فإن كانت نيته العمرة قال: (لبيك عمرة) أو (اللهم لبيك عمرة) ، وإن كانت نيته الحج قال: (لبيك حجا) أو (اللهم لبيك حجا) ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وإن نواهما جميعا لبى بذلك فقال: (اللهم لبيك عمرة وحجا) ، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أهل بعد ما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم.
ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة؛ لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له ألا يتلفظ في شيء منها بالنية، فلا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف كذا، بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة، والجهر بذلك أقبح وأشد إثما، ولو كان التلفظ بالنية مشروعا
__________
(1) رواه البخاري في (بدء الوحي) باب بدء الوحي برقم (1) ، ومسلم في الإمارة باب قوله: ''إنما الأعمال بالنية'' برقم (1907) .(16/41)
لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح.
فلما لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم علم أنه بدعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (1) » . أخرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » . متفق على صحته، وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث العرباض بن سارية برقم (16694) ، وأبو داود في (السنة) باب لزوم السنة برقم (4607) .
(2) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(16/42)
فصل
في المواقيت المكانية وتحديدها
المواقيت خمسة:
الأول: ذو الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة، وهو(16/42)
المسمى عند الناس اليوم: أبيار علي.
الثاني: الجحفة، وهو ميقات أهل الشام، وهي قرية خراب تلي رابغ، والناس اليوم يحرمون من رابغ، ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الميقات؛ لأن رابغ قبلها بيسير.
الثالث: قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، وهو المسمى اليوم: السيل.
الرابع: يلملم، وهو ميقات أهل اليمن.
الخامس: ذات عرق، وهي ميقات أهل العراق.
وهذه المواقيت قد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم، لمن ذكرنا، ومن مر عليها من غيرهم ممن أراد الحج أو العمرة. والواجب على من مر عليها أن يحرم منها، ويحرم عليه أن يتجاوزها دون إحرام إذا كان قاصدا مكة يريد حجا أو عمرة، سواء كان مروره عليها من طريق الأرض أو من طريق الجو؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (1) » .
والمشروع لمن توجه إلى مكة من طريق الجو بقصد
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(16/43)
الحج أو العمرة أن يتأهب لذلك بالغسل ونحوه قبل الركوب في الطائرة، فإذا دنا من الميقات لبس إزاره ورداءه ثم لبى بالعمرة إن كان الوقت متسعا، وإن كان الوقت ضيقا لبى بالحج، وإن لبس إزاره ورداءه قبل الركوب أو قبل الدنو من الميقات فلا بأس، ولكن لا ينوي الدخول في النسك ولا يلبي بذلك إلا إذا حاذى الميقات أو دنا منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم إلا من الميقات، والواجب على الأمة التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك كغيره من شئون الدين؛ لقول الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم (2) » .
وأما من توجه إلى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة؛ كالتاجر، والحطاب، والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (3) » ، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا إحرام عليه.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .
(3) صحيح البخاري الحج (1524) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/332) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .(16/44)
وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم، فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم، بل دخلها وعلى رأسه المغفر؛ لكونه لم يرد حينذاك حجا ولا عمرة، وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك.
وأما من كان مسكنه دون المواقيت؛ كسكان جدة، وأم السلم، وبحرة، والشرائع، وبدر، ومستورة وأشباهها فليس عليه أن يذهب إلى شيء من المواقيت الخمسة المتقدمة، بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة، وإذا كان له مسكن آخر خارج الميقات فهو بالخيار إن شاء أحرم من الميقات، وإن شاء أحرم من مسكنه الذي هو أقرب من الميقات إلى مكة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس رضي الله عنه لما ذكر المواقيت قال: «ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة (2) » . أخرجه البخاري ومسلم.
لكن من أراد العمرة وهو في الحرم فعليه أن يخرج إلى الحل ويحرم بالعمرة منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .
(2) فمهله: أي: إهلاله بالتلبية من مكان إحرامه. (1)(16/45)
طلبت منه عائشة العمرة أمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى الحل فتحرم منه، فدل ذلك على أن المعتمر لا يحرم بالعمرة من الحرم، وإنما يحرم بها من الحل. وهذا الحديث يخصص حديث ابن عباس المتقدم، ويدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «حتى أهل مكة يهلون من مكة (1) » هو الإهلال بالحج لا العمرة، إذ لو كان الإهلال بالعمرة جائزا من الحرم لأذن لعائشة رضي الله عنها في ذلك ولم يكلفها الخروج إلى الحل، وهذا أمر واضح، وهو قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم، وهو أحوط للمؤمن؛ لأن فيه العمل بالحديثين جميعا. والله الموفق.
وأما ما يفعله بعض الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما وقد سبق أن اعتمر قبل الحج - فلا دليل على شرعيته، بل الأدلة تدل على أن الأفضل تركه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج، وإنما اعتمرت عائشة من التنعيم؛ لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر بدلا من عمرتها التي أحرمت بها من الميقات، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وقد حصلت لها العمرتان: العمرة التي مع حجها، وهذه العمرة المفردة، فمن كان مثل عائشة فلا
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الحج (1526) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/238) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .(16/46)
بأس أن يعتمر بعد فراغه من الحج؛ عملا بالأدلة كلها، وتوسيعا على المسلمين.
ولا شك أن اشتغال الحجاج بعمرة أخرى بعد فراغهم من الحج سوى العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع، ويسبب كثرة الزحام والحوادث، مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته. والله الموفق.(16/47)
فصل
في حكم من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج
اعلم أن الواصل إلى الميقات له حالان:
إحداهما: أن يصل إليه في غير أشهر الحج، كرمضان وشعبان، فالسنة في حق هذا أن يحرم بالعمرة فينويها بقلبه ويتلفظ بلسانه قائلا: (لبيك عمرة) ، أو (اللهم لبيك عمرة) ، ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وهي: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (1) » ، ويكثر من هذه
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب التلبية برقم (1549) ، ومسلم في (الحج) باب التلبية وصفتها ووقتها برقم (1184) .(16/47)
التلبية، ومن ذكر الله سبحانه حتى يصل إلى البيت، فإذا وصل إلى البيت قطع التلبية، وطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم حلق رأسه أو قصره، وبذلك تمت عمرته وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.
الثانية: أن يصل إلى الميقات في أشهر الحج، وهي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأول من ذي الحجة. فمثل هذا يخير بين ثلاثة أشياء، وهي الحج وحده، والعمرة وحدها، والجمع بينهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى الميقات في ذي القعدة في حجة الوداع خير أصحابه بين هذه الأنساك الثلاثة، لكن السنة في حق هذا أيضا إذا لم يكن معه هدي أن يحرم بالعمرة، ويفعل ما ذكرنا في حق من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما قربوا من مكة أن يجعلوا إحرامهم عمرة، وأكد عليهم في ذلك بمكة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم، إلا من كان معه الهدي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يبقى على إحرامه حتى يحل يوم النحر، والسنة في حق من ساق الهدي أن يحرم بالحج والعمرة جميعا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، وكان قد ساق الهدي، وأمر من ساق الهدي من أصحابه وقد أهل بعمرة(16/48)
أن يلبي بحج مع عمرته، وألا يحل حتى يحل منهما جميعا يوم النحر، وإن كان الذي ساق الهدي قد أحرم بالحج وحده بقي على إحرامه أيضا حتى يحل يوم النحر، كالقارن بينهما.
وعلم بهذا: أن من أحرم بالحج وحده، أو بالحج والعمرة وليس معه هدي لا ينبغي له أن يبقى على إحرامه، بل السنة في حقه أن يجعل إحرامه عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي من أصحابه بذلك، إلا أن يخشى هذا فوات الحج؛ لكونه قدم متأخرا، فلا بأس أن يبقى على إحرامه. والله أعلم.
وإن خاف المحرم ألا يتمكن من أداء نسكه لكونه مريضا أو خائفا من عدو ونحوه استحب له أن يقول عند إحرامه: «فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني (1) » ؛ لحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها، أنها قالت: «يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني (2) » متفق عليه.
__________
(1) أورده ابن القيم في أعلام الموقعين ج3 صـ 299 فصل هل تعلق التوبة بالشرط.
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الدين برقم (5089) ، ومسلم في (الحج) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه برقم (1207) .(16/49)
وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شيء عليه.(16/50)
فصل
في حكم حج الصبي الصغير هل يجزئه عن حجة الإسلام
يصح حج الصبي الصغير والجارية الصغيرة؛ لما في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ فقال: نعم، ولك أجر (1) » .
وفي صحيح البخاري، عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: «حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين (2) » . لكن لا يجزئهما هذا الحج عن حجة الإسلام.
وهكذا العبد المملوك والجارية المملوكة يصح منهما الحج، ولا يجزئهما عن حجة الإسلام؛ لما ثبت من حديث
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب صحة حج الصبي برقم (1336) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب حج الصبيان برقم (1858) .(16/50)
ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى (1) » أخرجه ابن أبي شيبة، والبيهقي بإسناد حسن.
ثم إن كان الصبي دون التمييز نوى عنه الإحرام وليه، فيجرده من المخيط ويلبي عنه، ويصير الصبي محرما بذلك، فيمنع مما يمنع عنه المحرم الكبير، وهكذا الجارية التي دون التمييز ينوي عنها الإحرام وليها، ويلبي عنها، وتصير محرمة بذلك، وتمنع مما تمنع منه المحرمة الكبيرة، وينبغي أن يكونا طاهري الثياب والأبدان حال الطواف؛ لأن الطواف يشبه الصلاة، والطهارة شرط لصحتها.
وإن كان الصبي والجارية مميزين أحرما بإذن وليهما، وفعلا عند الإحرام ما يفعله الكبير من الغسل والطيب ونحوهما، ووليهما هو المتولي لشئونهما القائم بمصالحهما، سواء كان أباهما أو أمهما أو غيرهما، ويفعل الولي عنهما ما عجزا عنه، كالرمي ونحوه، ويلزمهما فعل ما سوى ذلك من المناسك، كالوقوف بعرفة، والمبيت بمنى ومزدلفة، والطواف
__________
(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى في الحج في جماع أبواب دخول مكة باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم برقم (9865) .(16/51)
والسعي، فإن عجزا عن الطواف والسعي طيف بهما وسعي بهما محمولين، والأفضل لحاملهما ألا يجعل الطواف والسعي مشتركين بينه وبينهما، بل ينوي الطواف والسعي لهما، ويطوف لنفسه طوافا مستقلا، ويسعى لنفسه سعيا مستقلا؛ احتياطا للعبادة، وعملا بالحديث الشريف: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1) » ، فإن نوى الحامل الطواف عنه وعن المحمول والسعي عنه وعن المحمول أجزأه ذلك في أصح القولين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر التي سألته عن حج الصبي أن تطوف له وحده، ولو كان ذلك واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم. والله الموفق.
ويؤمر الصبي المميز والجارية المميزة بالطهارة من الحدث والنجس قبل الشروع في الطواف، كالمحرم الكبير، وليس الإحرام عن الصبي الصغير والجارية الصغيرة بواجب على وليهما، بل هو نفل، فإن فعل ذلك فله أجر وإن ترك ذلك فلا حرج عليه. والله أعلم.
__________
(1) رواه الترمذي في (صفة القيامة) باب منه (ما جاء في صفة أواني الحوض) برقم (2518) ، والنسائي في (الأشربة) باب الحث على ترك الشبهات برقم (5711) .(16/52)
فصل
في بيان محظورات الإحرام وما يباح فعله للمحرم
لا يجوز للمحرم بعد نية الإحرام - سواء كان ذكرا أو أنثى - أن يأخذ شيئا من شعره أو أظفاره أو يتطيب.
ولا يجوز للذكر خاصة أن يلبس مخيطا على جملته، يعني: على هيئته التي فصل وخيط عليها، كالقميص، أو على بعضه؛ كالفانلة والسراويل، والخفين، والجوربين، إلا إذا لم يجد إزارا جاز له لبس السراويل، وكذا من لم يجد نعلين جاز له لبس الخفين من غير قطع؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل (1) » .
وأما ما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما من الأمر بقطع الخفين إذا احتاج إلى لبسهما لفقد النعلين فهو
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب لبس الخفين للمحرم برقم (1841) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة برقم (1179) .(16/53)
منسوخ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في المدينة، لما سئل عما يلبس المحرم من الثياب، ثم لما خطب الناس بعرفات أذن في لبس الخفين عند فقد النعلين، ولم يأمر بقطعهما، وقد حضر هذه الخطبة من لم يسمع جوابه في المدينة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، كما قد علم في علمي أصول الحديث والفقه، فثبت بذلك نسخ الأمر بالقطع، ولو كان ذلك واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
ويجوز للمحرم لبس الخفاف التي ساقها دون الكعبين؛ لكونها من جنس النعلين. ويجوز له عقد الإزار وربطه بخيط ونحوه؛ لعدم الدليل المقتضي للمنع. ويجوز للمحرم أن يغتسل ويغسل رأسه ويحكه إذا احتاج إلى ذلك برفق وسهولة فإن سقط من رأسه شيء بسبب ذلك فلا حرج عليه.
ويحرم على المرأة المحرمة أن تلبس مخيطا لوجهها، كالبرقع والنقاب، أو ليديها، كالقفازين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين (1) » رواه
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ما ينهى من الطيب للمحرم برقم (1838) .(16/54)
البخاري. والقفازان: هما ما يخاط أو ينسج من الصوف أو القطن أو غيرهما على قدر اليدين.
ويباح لها من المخيط ما سوى ذلك؛ كالقميص، والسراويل، والخفين، والجوارب ونحو ذلك.
وكذلك يباح لها سدل خمارها على وجهها إذا احتاجت إلى ذلك بلا عصابة، وإن مس الخمار وجهها فلا شيء عليها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه (1) » أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وأخرج الدارقطني من حديث أم سلمة مثله، كذلك لا بأس أن تغطي يديها بثوبها أو غيره، ويجب عليها تغطية وجهها وكفيها إذا كانت بحضرة الرجال الأجانب؛ لأنها عورة؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (2) ولا ريب أن الوجه والكفين من أعظم الزينة، والوجه في ذلك أشد وأعظم، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (3)
__________
(1) سنن أبو داود المناسك (1833) ، سنن ابن ماجه المناسك (2935) ، مسند أحمد بن حنبل (6/30) .
(2) سورة النور الآية 31
(3) سورة الأحزاب الآية 53(16/55)
وأما ما اعتاده كثير من النساء من جعل العصابة تحت الخمار لترفعه عن وجهها فلا أصل له في الشرع فيما نعلم، ولو كان ذلك مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته ولم يجز له السكوت عنه. ويجوز للمحرم من الرجال والنساء غسل ثيابه التي أحرم فيها من وسخ أو نحوه، ويجوز له إبدالها بغيرها.
ولا يجوز له لبس شيء من الثياب مسه الزعفران أو الورس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
ويجب على المحرم أن يترك الرفث والفسوق والجدال؛ لقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1)
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2) » . والرفث: يطلق على الجماع، وعلى الفحش من القول والفعل، والفسوق:
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(16/56)
المعاصي، والجدال: المخاصمة في الباطل، أو فيما لا فائدة فيه، فأما الجدال بالتي هي أحسن لإظهار الحق ورد الباطل فلا بأس به، بل هو مأمور به؛ لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)
ويحرم على المحرم الذكر تغطية رأسه بملاصق؛ كالطاقية، والغترة، والعمامة أو نحو ذلك، وهكذا وجهه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي سقط عن راحلته يوم عرفة ومات: «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ووجهه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا (2) » متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وأما استظلاله بسقف السيارة أو الشمسية أو نحوهما فلا بأس به، كالاستظلال بالخيمة والشجرة؛ لما ثبت في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم ظلل عليه بثوب حين رمى جمرة العقبة، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضربت له قبة بنمرة، فنزل تحتها حتى زالت الشمس يوم عرفة (3) » .
ويحرم على المحرم من الرجال والنساء قتل الصيد البري
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) رواه البخاري في (الجنائز) باب الكفن في ثوبين برقم (1265) ، ومسلم في (الحج) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات برقم (1206) .
(3) سنن النسائي المواقيت (604) .(16/57)
والمعاونة في ذلك وتنفيره من مكانه، وعقد النكاح، والجماع، وخطبة النساء ومباشرتهن بشهوة؛ لحديث عثمان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب (1) » رواه مسلم.
وإن لبس المحرم مخيطا أو غطى رأسه أو تطيب ناسيا أو جاهلا فلا فدية عليه، ويزيل ذلك متى ذكر أو علم، وهكذا من حلق رأسه أو أخذ من شعره شيئا أو قلم أظافره ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه على الصحيح.
ويحرم على المسلم - محرما كان أو غير محرم ذكرا كان أو أنثى - قتل صيد الحرم والمعاونة في قتله بآلة أو إشارة أو نحو ذلك، ويحرم تنفيره من مكانه، ويحرم قطع شجر الحرم ونباته الأخضر ولقطته إلا لمن يعرفها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا البلد - يعني: مكة - حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد (2) » متفق عليه
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) مسند عثمان بن عفان برقم (464) ، والنسائي في (النكاح) باب النهي عن نكاح المحرم برقم (3275) .
(2) رواه البخاري في (العلم) باب كتابة العلم برقم (112) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها وخلاها برقم (1355) .(16/58)
والمنشد: هو المعرف، والخلا: هو الحشيش الرطب، ومنى ومزدلفة من الحرم، وأما عرفة فمن الحل.(16/59)
فصل
فيما يفعله الحاج عند دخول مكة وبيان ما يفعله بعد دخول المسجد الحرام من الطواف وصفته
فإذا وصل المحرم إلى مكة استحب له أن يغتسل قبل دخولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فإذا وصل إلى المسجد الحرام سن له تقديم رجله اليمنى، ويقول: «بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك (1) » . ويقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول المسجد الحرام ذكر يخصه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم.
فإذا وصل إلى الكعبة قطع التلبية قبل أن يشرع في الطواف إن كان متمتعا أو معتمرا، ثم قصد الحجر الأسود واستقبله، ثم يستلمه بيمينه، ويقبله إن تيسر ذلك، ولا يؤذي الناس بالمزاحمة، ويقول عند استلامه: " بسم الله والله
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (713) ، سنن النسائي المساجد (729) ، سنن أبو داود الصلاة (465) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (772) ، مسند أحمد بن حنبل (5/425) ، سنن الدارمي الصلاة (1394) .(16/59)
أكبر "، أو يقول: " الله أكبر "، فإن شق التقبيل استلمه بيده أو بعصا أو نحوهما، وقبل ما استلمه به، فإن شق استلامه أشار إليه، وقال: " الله أكبر"، ولا يقبل ما يشير به، ويشترط لصحة الطواف: أن يكون الطائف على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن الطواف مثل الصلاة غير أنه رخص فيه في الكلام، ويجعل البيت عن يساره حال الطواف، وإن قال في ابتداء طوافه: «اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم» فهو حسن؛ لأن ذلك قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويطوف سبعة أشواط، ويرمل في جميع الثلاثة الأول من الطواف الأول، وهو الطواف الذي يأتي به أول ما يقدم مكة، سواء كان معتمرا، أو متمتعا، أو محرما بالحج وحده، أو قارنا بينه وبين العمرة، ويمشي في الأربعة الباقية، يبتدئ كل شوط بالحجر الأسود ويختم به. والرمل: هو الإسراع في المشي مع مقاربة الخطى، ويستحب له أن يضطبع في جميع هذا الطواف دون غيره، والاضطباع: أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر. وإن شك في عدد الأشواط بنى على اليقين، وهو الأقل، فإذا شك هل طاف ثلاثة أشواط أو أربعة؟ جعلها ثلاثة، وهكذا يفعل في السعي.
وبعد فراغه من هذا الطواف يرتدي بردائه فيجعله على(16/60)
كتفيه، وطرفاه على صدره قبل أن يصلي ركعتي الطواف.
ومما ينبغي إنكاره على النساء وتحذيرهن منه طوافهن بالزينة والروائح الطيبة، وعدم التستر وهن عورة، فيجب عليهن التستر، وترك الزينة حال الطواف وغيرها من الحالات التي يختلط فيها النساء مع الرجال؛ لأنهن عورة وفتنة، ووجه المرأة هو أظهر زينتها فلا يجوز لها إبداؤه إلا لمحارمها؛ لقول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (1) الآية، فلا يجوز لهن كشف الوجه عند تقبيل الحجر الأسود إذا كان يراهن أحد من الرجال، وإذا لم يتيسر لهن فسحة لاستلام الحجر وتقبيله فلا يجوز لهن مزاحمة الرجال، بل يطفن من ورائهم، وذلك خير لهن وأعظم أجرا من الطواف قرب الكعبة حال مزاحمتهن الرجال، ولا يشرع الرمل والاضطباع في غير هذا الطواف، ولا في السعي، ولا للنساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل الرمل والاضطباع إلا في طوافه الأول الذي أتى به حين قدم مكة، ويكون حال الطواف متطهرا من الأحداث والأخباث، خاضعا لربه، متواضعا له. ويستحب له أن يكثر في طوافه من ذكر الله والدعاء، وإن قرأ فيه شيئا من القرآن فحسن، ولا يجب في هذا الطواف ولا غيره من الأطوفة ولا
__________
(1) سورة النور الآية 31(16/61)
في السعي ذكر مخصوص، ولا دعاء مخصوص. وأما ما أحدثه بعض الناس من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة أو أدعية مخصوصة فلا أصل له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كفى، فإذا حاذى الركن اليماني استلمه بيمينه، وقال: " بسم الله والله أكبر " ولا يقبله، فإن شق عليه استلامه تركه ومضى في طوافه، ولا يشير عليه ولا يكبر عند محاذاته؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم، ويستحب له أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) وكلما حاذى الحجر الأسود استلمه وقبله، وقال: " الله أكبر"، فإن لم يتيسر استلامه وتقبيله أشار إليه كلما حاذاه وكبر.
ولا بأس بالطواف من وراء زمزم والمقام، ولا سيما عند الزحام، والمسجد كله محل للطواف، ولو طاف في أروقة المسجد أجزأه ذلك، ولكن طوافه قرب الكعبة أفضل إن تيسر ذلك.
فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين خلف المقام إن تيسر ذلك، وإن لم يتيسر ذلك لزحام ونحوه صلاهما في أي
__________
(1) سورة البقرة الآية 201(16/62)
موضع من المسجد، ويسن أن يقرأ فيها بعد الفاتحة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (1) في الركعة الأولى وقل هو الله أحد في الركعة الثانية، هذا هو الأفضل، وإن قرأ بغيرهما فلا بأس، ثم يقصد الحجر الأسود فيستلمه بيمينه إن تيسر ذلك؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقاه أو يقف عنده، والرقي على الصفا أفضل إن تيسر، ويقرأ عند بدء الشوط الأول قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (2) ويستحب أن يستقبل القبلة على الصفا، ويحمد الله ويكبره، ويقول: «لا إله إلا الله، والله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده (3) » ، ثم يدعو بما تيسر، رافعا يديه، ويكرر هذا الذكر والدعاء (ثلاث مرات) ، ثم ينزل فيمشي إلى المروة حتى يصل على العلم الأول فيسرع الرجل في المشي إلى أن يصل إلى العلم الثاني، أما المرأة فلا يشرع لها الإسراع بين العلمين؛ لأنها عورة، وإنما المشروع لها المشي في السعي كله، ثم يمشي فيرقى المروة أو يقف عندها، والرقي عليها
__________
(1) سورة الكافرون الآية 1
(2) سورة البقرة الآية 158
(3) صحيح البخاري الحج (1785) ، صحيح مسلم كتاب الحج (1218) ، سنن أبو داود كتاب المناسك (1905) ، مسند أحمد بن حنبل (3/321) ، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850) .(16/63)
أفضل إن تيسر ذلك، ويقول ويفعل على المروة كما قال وفعل على الصفا، ما عدا قراءة الآية، وهي قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (1) فهذا إنما يشرع عند الصعود إلى الصفا في الشوط الأول فقط؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه، ويسرع في موضع الإسراع حتى يصل إلى الصفا، يفعل ذلك سبع مرات، ذهابه شوط، ورجوعه شوط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما ذكر، وقال: «خذوا عني مناسككم (2) » ، ويستحب أن يكثر في سعيه من الذكر والدعاء بما تيسر، وأن يكون متطهرا من الحدث الأكبر والأصغر، ولو سعى على غير طهارة أجزأه ذلك، وهكذا لو حاضت المرأة أو نفست بعد الطواف سعت وأجزأها ذلك؛ لأن الطهارة ليست شرطا في السعي، وإنما هي مستحبة كما تقدم.
فإذا كمل السعي حلق رأسه أو قصره، والحلق للرجل أفضل، فإن قصر وترك الحلق للحج فحسن، وإذا كان قدومه مكة قريبا من وقت الحج فالتقصير في حقه أفضل، فليحلق بقية رأسه في الحج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم هو وأصحابه مكة في رابع ذي الحجة أمر من لم يسق الهدي أن
__________
(1) سورة البقرة الآية 158
(2) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(16/64)
يحل ويقصر، ولم يأمرهم بالحلق، ولا بد في التقصير من تعميم الرأس، ولا يكفي تقصير بعضه كما أن حلق بعضه لا يكفي، والمرأة لا يشرع لها إلا التقصير، والمشروع لها أن تأخذ من كل ضفيرة قدر أنملة فأقل، والأنملة: هي رأس الإصبع، ولا تأخذ المرأة زيادة على ذلك.
فإذا فعل المحرم ما ذكر فقد تمت عمرته - والحمد لله - وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام، إلا أن يكون قد ساق الهدي من الحل فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل من الحج والعمرة جميعا.
وأما من أحرم بالحج مفردا، أو بالحج والعمرة جميعا فيسن له أن يفسخ إحرامه إلى العمرة، ويفعل ما يفعله المتمتع إلا أن يكون قد ساق الهدي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك، وقال: «لولا أني سقت الهدي لأحللت معكم (1) » .
وإن حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة لم تطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهر، فإذا طهرت
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) مسند أنس بن مالك برقم (12039) ، والبخاري في (الحج) باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف برقم (1651) .(16/65)
طافت وسعت وقصرت من رأسها وتمت عمرتها بذلك، فإن لم تطهر قبل يوم التروية أحرمت بالحج من مكانها الذي هي مقيمة فيه، وخرجت مع الناس إلى منى، وتصير بذلك قارنة بين الحج والعمرة، وتفعل ما يفعله الحاج من الوقوف بعرفة، وعند المشعر، ورمي الجمار، والمبيت بمزدلفة ومنى، ونحر الهدي، والتقصير، فإذا طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، طوافا واحدا وسعيا واحدا، وأجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعا؛ لحديث عائشة أنها حاضت بعد إحرامها بالعمرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري (1) » متفق عليه.
وإذا رمت الحائض أو النفساء الجمرة يوم النحر وقصرت من شعرها حل لها كل شيء حرم عليها بالإحرام، كالطيب ونحوه، إلا الزوج حتى تكمل حجها كغيرها من النساء الطاهرات، فإذا طافت وسعت بعد الطهر حل لها زوجها.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف برقم (1650) ، ومسلم في (الحج) باب بيان وجوه الإحرام برقم (1211) .(16/66)
فصل
في حكم الإحرام بالحج يوم الثامن من ذي الحجة والخروج إلى منى
فإذا كان يوم التروية، وهو الثامن من ذي الحجة استحب للمحلين بمكة ومن أراد الحج من أهلها الإحرام بالحج من مساكنهم؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أقاموا بالأبطح وأحرموا بالحج منه يوم التروية عن أمره صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا عنده أو عند الميزاب، وكذا لم يأمرهم بطواف الوداع عند خروجهم إلى منى، ولو كان ذلك مشروعا لعلمهم إياه، والخير كله في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
ويستحب أن يغتسل ويتنظف ويتطيب عند إحرامه بالحج، كما يفعل ذلك عند إحرامه من الميقات. وبعد إحرامهم بالحج يسن لهم التوجه إلى منى قبل الزوال أو بعده من يوم التروية، ويكثروا من التلبية إلى أن يرموا جمرة العقبة، ويصلوا بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، والسنة أن يصلوا كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا يقصران.(16/67)
ولا فرق بين أهل مكة وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم بمنى وعرفة ومزدلفة قصرا، ولم يأمر أهل مكة بالإتمام، ولو كان واجبا عليهم لبينه لهم.
ثم بعد طلوع الشمس من يوم عرفة يتوجه الحاج من منى إلى عرفة، ويسن أن ينزلوا بنمرة إلى الزوال، إن تيسر ذلك؛ لفعله صلى الله عليه وسلم.
فإذا زالت الشمس سن للإمام أو نائبه أن يخطب الناس خطبة تناسب الحال، يبين فيها ما يشرع للحاج في هذا اليوم وبعده، ويأمرهم فيها بتقوى الله وتوحيده والإخلاص له في كل الأعمال، ويحذرهم من محارمه، يوصيهم فيها بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والحكم بهما، والتحاكم إليهما في كل الأمور؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله، وبعدها يصلون الظهر والعصر قصرا وجمعا في وقت الأولى بأذان واحد وإقامتين؛ لفعله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه.
ثم يقف الناس بعرفة، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة، ويستحب استقبال القبلة وجبل الرحمة إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر استقبالهما استقبل القبلة وإن لم يستقبل الجبل، ويستحب للحاج في هذا الموقف أن يجتهد في ذكر الله سبحانه ودعائه(16/68)
والتضرع إليه، ويرفع يديه حال الدعاء، وإن لبى أو قرأ شيئا من القرآن فحسن، ويسن أن يكثر من قول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير "؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير (1) » ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (2) » .
فينبغي الإكثار من هذا الذكر وتكراره بخشوع وحضور قلب، وينبغي الإكثار أيضا من الأذكار والأدعية الواردة في الشرع في كل وقت، ولا سيما في هذا الموضع وفي هذا اليوم العظيم، ويختار جوامع الذكر والدعاء.
ومن ذلك: * سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
__________
(1) رواه الترمذي في (الدعوات) باب في دعاء يوم عرفة برقم (3585) .
(2) رواه مسلم في (الآداب) باب كراهية التسمية بالأسماء القبيحة برقم (2137) .(16/69)
* لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
* لا حول ولا قوة إلا بالله.
* ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
* اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر.
* أعوذ بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
* اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن المأثم والمغرم، ومن غلبة الدين وقهر الرجال، أعوذ بك اللهم من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام.
* اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
* اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي.(16/70)
* اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي.
* اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني.
* اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي.
* اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير.
* اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك علام الغيوب.
* اللهم رب النبي محمد عليه الصلاة والسلام، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي وأعذني من مضلات الفتن ما أبقيتني.
* اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة(16/71)
والإنجيل والقرآن، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر.
* اللهم أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر.
* اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، أعوذ بعزتك أن تضلني، لا إله إلا أنت، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.
* اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها.
* اللهم جنبني منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء.
* اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي.
* اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك.
* اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.(16/72)
* اللهم إني أسألك الهدى والسداد.
* اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
* اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا.
* لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
* {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 201(16/73)
ويستحب في هذا الموقف العظيم أن يكرر الحاج ما تقدم من الأذكار والأدعية، وما كان في معناها من الذكر والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويلح في الدعاء، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا كرر الدعاء ثلاثا، فينبغي التأسي به في ذلك عليه الصلاة والسلام.
ويكون المسلم في هذا الموقف مخبتا لربه سبحانه، متواضعا له، خاضعا لجنابه، منكسرا بين يديه، يرجو رحمته ومغفرته، ويخاف عذابه ومقته، ويحاسب نفسه، ويجدد توبة نصوحا؛ لأن هذا يوم عظيم ومجمع كبير، يجود الله فيه على عباده، ويباهي بهم ملائكته، ويكثر فيه العتق من النار، وما يرى الشيطان في يوم هو فيه أدحر ولا أصغر ولا أحقر منه في يوم عرفة إلا ما رؤي يوم بدر؛ وذلك لما يرى من جود الله على عباده وإحسانه إليهم وكثرة إعتاقه ومغفرته.
وفي صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ (1) » .
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1348) .(16/74)
فينبغي للمسلمين أن يروا الله من أنفسهم خيرا، وأن يهينوا عدوهم الشيطان، ويحزنوه بكثرة الذكر والدعاء وملازمة التوبة والاستغفار من جميع الذنوب والخطايا، ولا يزال الحجاج في هذا الموقف مشتغلين بالذكر والدعاء والتضرع إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت انصرفوا إلى مزدلفة بسكينة ووقار وأكثروا من التلبية وأسرعوا في المتسع؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الانصراف قبل الغروب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس، وقال: «خذوا عني مناسككم (1) » .
فإذا وصلوا إلى مزدلفة صلوا بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين جمعا بأذان وإقامتين من حين وصولها؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، سواء وصلوا إلى مزدلفة في وقت المغرب أو بعد دخول وقت العشاء.
وما يفعله بعض العامة من لقط حصى الجمار من حين وصولهم إلى مزدلفة قبل الصلاة، واعتقاد كثير منهم أن ذلك مشروع فهو غلط لا أصل له، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أن يلتقط له الحصى إلا بعد انصرافه من المشعر إلى منى،
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(16/75)
ومن أي موضع لقط الحصى أجزأه ذلك، ولا يتعين لقطه من مزدلفة، بل يجوز لقطه من منى، والسنة التقاط سبع في هذا اليوم يرمي بها جمرة العقبة؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما في الأيام الثلاثة فيلتقط من منى كل يوم إحدى وعشرين حصاة يرمي بها الجمار الثلاث.
ولا يستحب غسل الحصى، بل يرمي به من غير غسيل؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يرمى بحصى قد رمي به.
ويبيت الحاج في هذه الليلة بمزدلفة، ويجوز للضعفة من النساء والصبيان ونحوهم أن يدفعوا إلى منى آخر الليل؛ لحديث عائشة وأم سلمة وغيرهما. وأما غيرهم من الحجاج فيتأكد في حقهم أن يقيموا بها إلى أن يصلوا الفجر، ثم يقفوا عند المشعر الحرام فيستقبلوا القبلة ويكثروا من ذكر الله وتكبيره والدعاء إلى أن يسفروا جدا. ويستحب رفع اليدين هنا حال الدعاء، وحيثما وقفوا من مزدلفة أجزأهم ذلك، ولا يجب عليهم القرب من المشعر ولا صعوده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وقفت ههنا - يعني: على المشعر - وجمع كلها موقف (1) » رواه مسلم في صحيحه، وجمع: هي مزدلفة.
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب ما جاء في أن عرفة كلها موقف برقم (1218) .(16/76)
فإذا أسفروا جدا انصرفوا إلى منى قبل طلوع الشمس، وأكثروا من التلبية في سيرهم، فإذا وصلوا محسرا استحب الإسراع قليلا.
فإذا وصلوا منى قطعوا التلبية عند جمرة العقبة، ثم رموها من حين وصولهم بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده عند رمي كل حصاة ويكبر، ويستحب أن يرميها من بطن الوادي، ويجعل الكعبة عن يساره، ومنى عن يمينه؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإن رماها من الجوانب الأخرى أجزأه ذلك إذا وقع الحصى في المرمى، ولا يشترط بقاء الحصى في المرمى وإنما المشترط وقوعه فيه، فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت في ظاهر كلام أهل العلم، وممن صرح بذلك: النووي رحمه الله في (شرح المهذب) ، ويكون حصى الجمار مثل حصى الخذف، وهو أكبر من الحمص قليلا.
ثم بعد الرمي ينحر هديه، ويستحب أن يقول عند نحره أو ذبحه: «بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك (1) » ويوجهه إلى القبلة، والسنة: نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، وذبح البقر والغنم على جنبها الأيسر، ولو ذبح إلى غير القبلة
__________
(1) سنن الترمذي الأضاحي (1521) ، سنن أبو داود الضحايا (2795) ، سنن ابن ماجه الأضاحي (3121) ، مسند أحمد بن حنبل (3/356) ، سنن الدارمي الأضاحي (1946) .(16/77)
ترك السنة وأجزأته ذبيحته؛ لأن التوجيه إلى القبلة عند الذبح سنة وليس بواجب، ويستحب أن يأكل من هديه، ويهدي ويتصدق؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (1) ويمتد وقت الذبح إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق في أصح أقوال أهل العلم، فتكون مدة الذبح يوم النحر وثلاثة أيام بعده.
ثم بعد نحر الهدي أو ذبحه يحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة والمغفرة للمحلقين (ثلاث مرات) وللمقصرين واحدة، ولا يكفي تقصير بعض الرأس، بل لا بد من تقصيره كله كالحلق، والمرأة تقصر من كل ضفيرة قدر أنملة فأقل.
وبعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يباح للمحرم كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ويسمى هذا التحلل بـ: التحلل الأول، ويسن له بعد هذا التحلل التطيب والتوجه إلى مكة، ليطوف طواف الإفاضة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت (2) » . أخرجه
__________
(1) سورة الحج الآية 28
(2) رواه البخاري في (الحج) باب الطيب عند الإحرام برقم (1539) ، ومسلم في (الحج) باب الطيب للمحرم برقم (1189) .(16/78)
البخاري ومسلم. ويسمى هذا الطواف: طواف الإفاضة، وطواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، وهو المراد في قوله عز وجل: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1)
ثم بعد الطواف وصلاة الركعتين خلف المقام يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا، وهذا السعي لحجه، والسعي الأول لعمرته.
ولا يكفي سعي واحد في أصح أقوال العلماء؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكرت الحديث، وفيه فقال: «ومن كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا (2) » . . . إلى أن قالت: «فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم (3) » رواه البخاري ومسلم.
وقولها رضي الله عنها - عن الذين أهلوا بالعمرة -: " ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم " تعني به: الطواف بين الصفا والمروة، على أصح الأقوال في تفسير هذا
__________
(1) سورة الحج الآية 29
(2) صحيح البخاري الحج (1556) ، صحيح مسلم الحج (1211) ، سنن النسائي مناسك الحج (2763) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب طواف القارن برقم (1638) ، ومسلم في (الحج) باب بيان وجوه الإحرام برقم (1211) .(16/79)
الحديث، وأما قول من قال: أرادت بذلك طواف الإفاضة، فليس بصحيح؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع وقد فعلوه، وإنما المراد بذلك: ما يخص المتمتع، وهو الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بعد الرجوع من منى لتكميل حجه، وذلك واضح بحمد الله، وهو قول أكثر أهل العلم، ويدل على صحة ذلك أيضا ما رواه البخاري في الصحيح تعليقا مجزوما به، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه «سئل عن متعة الحج، فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي (1) ، فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله (2) ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة» . انتهى المقصود منه، وهو صريح في سعي المتمتع مرتين. والله أعلم.
__________
(1) رواه البخاري معلقا في (الحج) باب قول الله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) .
(2) رواه البخاري معلقا في (الحج) باب قول الله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) .(16/80)
وأما ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافهم الأول فهو محمول على من ساق الهدي من الصحابة؛ لأنهم بقوا على إحرامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى حلوا من الحج والعمرة جميعا والنبي صلى الله عليه وسلم قد أهل بالحج والعمرة وأمر من ساق الهدي أن يهل بالحج مع العمرة، وألا يحل حتى يحل منهما جميعا. والقارن بين الحج والعمرة ليس عليه إلا سعي واحد، كما دل عليه حديث جابر المذكور وغيره من الأحاديث الصحيحة.
وهكذا من أفرد الحج وبقي على إحرامه إلى يوم النحر ليس عليه إلا سعي واحد، فإذا سعى القارن والمفرد بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وهذا هو الجمع بين حديثي عائشة وابن عباس وبين حديث جابر المذكور رضي الله عنهم، وبذلك يزول التعارض ويحصل العمل بالأحاديث كلها.
ومما يؤيد هذا الجمع أن حديثي عائشة وابن عباس حديثان صحيحان، وقد أثبتا السعي الثاني في حق المتمتع، وظاهر حديث جابر ينفي ذلك، والمثبت مقدم على النافي، كما هو مقرر في علمي الأصول ومصطلح الحديث، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(16/81)
فصل
في بيان أفضلية ما يفعله الحاج يوم النحر
والأفضل للحاج أن يرتب هذه الأمور الأربعة يوم النحر كما ذكر: فيبدأ أولا برمي جمرة العقبة، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت والسعي بعده للمتمتع، وكذلك للمفرد والقارن إذا لم يسعيا مع طواف القدوم، فإن قدم بعض هذه الأمور على بعض أجزأه ذلك؛ لثبوت الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ويدخل في ذلك تقديم السعي على الطواف؛ لأنه من الأمور التي تفعل يوم النحر، فدخل في قول الصحابي: «فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج (1) » ، ولأن ذلك مما يقع فيه النسيان والجهل فوجب دخوله في هذا العموم؛ لما في ذلك من التيسير والتسهيل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها برقم (83) ، ومسلم في (الحج) باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي برقم (1306) .(16/82)
«سئل عمن سعى قبل أن يطوف، فقال: لا حرج (1) » أخرجه أبو داود، من حديث أسامة بن شريك بإسناد صحيح، فاتضح بذلك دخوله في العموم من غير شك. والله الموفق.
والأمور التي يحصل للحاج بها التحلل التام ثلاثة وهي: رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة مع السعي بعده لمن ذكر آنفا، فإذا فعل هذه الثلاثة حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام من النساء والطيب وغير ذلك، ومن فعل اثنين منها حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ويسمى هذا بـ: التحلل الأول.
ويستحب للحاج الشرب من ماء زمزم والتضلع منه، والدعاء بما تيسر من الدعاء النافع، وماء زمزم لما شرب له، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماء زمزم: إنه طعام طعم (2) ، زاد أبو داود: «وشفاء سقم (3) » .
__________
(1) رواه أبو داود في (المناسك) باب فيمن قدم شيئا قبل شيء في حجه برقم (2015) .
(2) رواه مسلم في (فضائل الصحابة) باب فضائل أبي ذر برقم (2473) .
(3) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده برقم (457) .(16/83)
وبعد طواف الإفاضة والسعي ممن عليه سعي يرجع الحجاج إلى منى فيقيمون بها ثلاثة أيام بلياليها، ويرمون الجمار الثلاث في كل يوم من الأيام الثلاثة بعد زوال الشمس، ويجب الترتيب في رميها.
فيبدأ بالجمرة الأولى: وهي التي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، يرفع يده عند كل حصاة، ويسن أن يتقدم عنها ويجعلها عن يساره، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه ويكثر من الدعاء والتضرع.
ثم يرمي الجمرة الثانية كالأولى، ويسن أن يتقدم قليلا بعد رميها ويجعلها عن يمينه، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه فيدعو كثيرا. ثم يرمي الجمرة الثالثة ولا يقف عندها.
ثم يرمي الجمرات في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال، كما رماها في اليوم الأول، ويفعل عند الأولى والثانية كما فعل في اليوم الأول؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
والرمي في اليومين الأولين من أيام التشريق واجب من واجبات الحج، وكذا المبيت بمنى في الليلة الأولى والثانية واجب إلا على السقاة والرعاة ونحوهم فلا يجب.
ثم بعد الرمي في اليومين المذكورين من أحب أن يتعجل(16/84)
من منى جاز له ذلك، ويخرج قبل غروب الشمس، ومن تأخر وبات الليلة الثالثة ورمى الجمرات في اليوم الثالث فهو أفضل وأعظم أجرا، كما قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} (1) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للناس في التعجل، ولم يتعجل هو، بل أقام بمنى حتى رمى الجمرات في اليوم الثالث عشر بعد الزوال، ثم ارتحل قبل أن يصلي الظهر.
ويجوز لولي الصبي العاجز عن مباشرة الرمي أن يرمي عنه جمرة العقبة وسائر الجمار بعد أن يرمي عن نفسه، وهكذا البنت الصغيرة العاجزة عن الرمي يرمي عنها وليها؛ لحديث جابر رضي الله عنه، قال: «حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم (2) » . أخرجه ابن ماجه.
ويجوز للعاجز عن الرمي لمرض أو كبر سن أو حمل أن يوكل من يرمي عنه؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) وهؤلاء لا يستطيعون مزاحمة الناس عند الجمرات وزمن الرمي يفوت ولا يشرع قضاؤه، فجاز لهم أن
__________
(1) سورة البقرة الآية 203
(2) سنن الترمذي كتاب الحج (927) ، سنن ابن ماجه كتاب المناسك (3038) .
(3) سورة التغابن الآية 16(16/85)
يوكلوا بخلاف غيره من المناسك فلا ينبغي للمحرم أن يستنيب من يؤديه عنه ولو كان حجه نافلة؛ لأن من أحرم بالحج أو العمرة - ولو كانا نفلين - لزمه إتمامهما؛ لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) وزمن الطواف والسعي لا يفوت بخلاف زمن الرمي.
وأما الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة ومنى، فلا شك أن زمنها يفوت، ولكن حصول العاجز في هذه المواضع ممكن ولو مع المشقة، بخلاف مباشرته للرمي، ولأن الرمي قد وردت الاستنابة فيه عن السلف الصالح في حق المعذور بخلاف غيره.
والعبادات توقيفية ليس لأحد أن يشرع منها شيئا إلا بحجة، ويجوز للنائب أن يرمي عن نفسه ثم عن مستنيبه كل جمرة من الجمار الثلاث، وهو في موقف واحد، ولا يجب عليه أن يكمل رمي الجمار الثلاث عن نفسه ثم يرجع فيرمي عن مستنيبه في أصح قولي العلماء؛ لعدم الدليل الموجب لذلك، ولما في ذلك من المشقة والحرج، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (2) وقال النبي صلى
__________
(1) سورة البقرة الآية 196
(2) سورة الحج الآية 78(16/86)
الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا (1) » ، ولأن ذلك لم ينقل عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رموا عن صبيانهم والعاجز منهم، ولو فعلوا ذلك لنقل؛ لأنه مما تتوافر الهمم على نقله. والله أعلم.
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة برقم (69) ، ومسلم في (الجهاد والسير) باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير برقم (1734) .(16/87)
فصل
في وجوب الدم على المتمتع والقارن
ويجب على الحاج إذا كان متمتعا أو قارنا - ولم يكن من حاضري المسجد الحرام - دم، وهو: شاة، أو سبع بدنة، أو سبع بقرة. ويجب أن يكون ذلك من مال حلال وكسب طيب؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
وينبغي للمسلم التعفف عن سؤال الناس هديا أو غيره، سواء كانوا ملوكا أو غيرهم إذا يسر الله له من ماله ما يهديه عن نفسه ويغنيه عما في أيدي الناس؛ لما جاء في الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم السؤال وعيبه،(16/87)
ومدح من تركه.
فإن عجز المتمتع والقارن عن الهدي وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وهو مخير في صيام الثلاثة، إن شاء صامها قبل يوم النحر، وإن شاء صامها في أيام التشريق الثلاثة، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1) الآية.
وفي صحيح البخاري، عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (2) » ، وهذا في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يقدم صوم الأيام الثلاثة على يوم عرفة، ليكون في يوم عرفة مفطرا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف يوم عرفة مفطرا، ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، ولأن الفطر في هذا اليوم أنشط له على الذكر والدعاء، ويجوز صوم الثلاثة الأيام المذكورة متتابعة ومتفرقة، وكذا صوم السبعة لا يجب عليه التتابع فيها، بل يجوز صومها مجتمعة ومتفرقة؛ لأن الله سبحانه لم يشترط التتابع فيها، وكذا رسوله
__________
(1) سورة البقرة الآية 196
(2) رواه البخاري في (الصوم) باب صيام أيام التشريق برقم (1998) .(16/88)
عليه الصلاة والسلام، والأفضل تأخير صوم السبعة إلى أن يرجع إلى أهله؛ لقوله تعالى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1)
والصوم للعاجز عن الهدي أفضل من سؤال الملوك وغيرهم هديا يذبحه عن نفسه، ومن أعطي هديا أو غيره من غير مسألة ولا إشراف نفس فلا بأس به، ولو كان حاجا عن غيره، أي: إذا لم يشترط عليه أهل النيابة شراء الهدي من المال المدفوع له، وأما ما يفعله بعض الناس من سؤال الحكومة أو غيرها شيئا من الهدي باسم أشخاص يذكرهم وهو كاذب، فهذا لا شك في تحريمه؛ لأنه من التأكل بالكذب، عافانا الله والمسلمين من ذلك.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(16/89)
فصل
في وجوب الأمر بالمعروف على الحجاج وغيرهم
ومن أعظم ما يجب على الحجاج وغيرهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، كما أمر الله بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يفعله الكثير من الناس من سكان مكة وغيرها من الصلاة في البيوت وتعطيل المساجد فهو خطأ مخالف للشرع،(16/89)
فيجب النهي عنه، وأمر الناس بالمحافظة على الصلاة في المساجد؛ لما قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن أم مكتوم رضي الله عنه لما استأذنه أن يصلي في بيته؛ لكونه أعمى بعيد الدار عن المسجد: «هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب (1) » ، وفي رواية: «لا أجد لك رخصة (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (3) » ، وفي سنن ابن ماجه وغيره بإسناد حسن، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (4) » ، وفي صحيح مسلم، عن ابن مسعود
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث عمرو بن أم مكتوم برقم (15064) ، وأبو داود باب في التشديد في ترك الجماعة برقم (552) .
(3) رواه البخاري في (الخصومات) باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت برقم (2420) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651) .
(4) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة برقم (793) .(16/90)
رضي الله عنه قال: " من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه الله بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف " (1) .
ويجب على الحجاج وغيرهم اجتناب محارم الله تعالى، والحذر من ارتكابها؛ كالزنا، واللواط، والسرقة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والغش في المعاملات، والخيانة في الأمانات، وشرب المسكرات، والدخان، وإسبال الثياب، والكبر، والحسد، والرياء، والغيبة، والنميمة، والسخرية بالمسلمين، واستعمال آلات الملاهي؛ كالأسطوانات، والعود، والرباب، والمزامير، وأشباهها، واستماع الأغاني، وآلات
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب صلاة الجماعة من سنن الهدى برقم (654) .(16/91)
الطرب من الراديو وغيره، واللعب بالنرد، والشطرنج، والمعاملة بالميسر - وهو القمار - وتصوير ذوات الأرواح من الآدميين وغيرهم، والرضا بذلك، فإن هذه كلها من المنكرات التي حرمها الله على عباده في كل زمان ومكان، فيجب أن يحذرها الحجاج وسكان بيت الله الحرام أكثر من غيرهم؛ لأن المعاصي في هذا البلد الأمين إثمها أشد وعقوبتها أعظم، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) فإذا كان الله قد توعد من أراد أن يلحد في الحرم بظلم فكيف تكون عقوبة من فعل؟ ! لا شك أنها أعظم وأشد، فيجب الحذر من ذلك ومن سائر المعاصي.
ولا يحصل للحجاج بر الحج وغفران الذنوب إلا بالحذر من هذه المعاصي وغيرها مما حرم الله عليهم، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2) » .
وأشد من هذه المنكرات وأعظم منها: دعاء الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم؛ رجاء أن يشفعوا
__________
(1) سورة الحج الآية 25
(2) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(16/92)
لداعيهم عند الله، أو يشفوا مريضه أو يردوا غائبه ونحو ذلك.
وهذا من الشرك الأكبر الذي حرمه الله، وهو دين مشركي الجاهلية، وقد بعث الله الرسل وأنزل الكتب لإنكاره والنهي عنه.
فيجب على كل فرد من الحجاج وغيرهم أن يحذره، وأن يتوب إلى الله مما سلف من ذلك إن كان قد سلف منه شيء، وأن يستأنف حجة جديدة بعد التوبة منه؛ لأن الشرك الأكبر يحبط الأعمال كلها، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1)
ومن أنواع الشرك الأصغر: الحلف بغير الله؛ كالحلف بالنبي والكعبة والأمانة ونحو ذلك.
ومن ذلك: الرياء والسمعة، وقول: ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وأشباه ذلك.
فيجب الحذر من هذه المنكرات الشركية، والتواصي بتركها؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك (2) » أخرجه أحمد، وأبو داود
__________
(1) سورة الأنعام الآية 88
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند ابن عمر برقم (6036) ، والترمذي في (النذور والأيمان) باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله برقم (1535) .(16/93)
والترمذي بإسناد صحيح، وفي الصحيح عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) » ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: «من حلف بالأمانة فليس منا (2) » ، أخرجه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء (3) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان (4) » ، وأخرج النسائي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رجلا قال: يا رسول الله، ما شاء
__________
(1) رواه البخاري في (الشهادات) باب كيف يستحلف برقم (2679) ، ومسلم في (الأيمان) باب النهي عن الحلف بغير الله برقم (1646) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث بريدة الأسلمي برقم (22471) ، وأبو داود في (الأيمان والنذور) باب كراهية الحلف بالأمانة برقم (3253) .
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث محمود بن لبيد برقم (23119) .
(4) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث حذيفة بن اليمان برقم (22754) ، وأبو داود في (الأدب) باب لا يقال خبث نفسي برقم (4980) .(16/94)
الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده (1) » .
وهذه الأحاديث تدل على حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، وتحذيره أمته من الشرك الأكبر والأصغر، وحرصه على سلامة إيمانهم ونجاتهم من عذاب الله وأسباب غضبه، فجزاه الله عن ذلك أفضل الجزاء، فقد أبلغ وأنذر، ونصح لله ولعباده، صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
والواجب على أهل العلم من الحجاج والمقيمين في بلد الله الأمين ومدينة رسوله الكريم عليه الصلاة والتسليم أن يعلموا الناس ما شرع الله لهم، ويحذروهم مما حرم الله عليهم من أنواع الشرك والمعاصي، وأن يبسطوا ذلك بأدلته، ويبينوه بيانا شافيا؛ ليخرجوا الناس بذلك من الظلمات إلى النور، وليؤدوا بذلك ما أوجب الله عليهم من البلاغ والبيان، قال الله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (2)
والمقصود من ذلك: تحذير علماء هذه الأمة من سلوك
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) أول مسند عبد الله بن عباس بلفظ: '' أجعلتني والله عدلا. . . '' برقم (1842) .
(2) سورة آل عمران الآية 187(16/95)
مسلك الظالمين من أهل الكتاب في كتمان الحق؛ إيثارا للعاجلة على الآجلة، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} (1) {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (2) وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على أن الدعوة إلى الله سبحانه وإرشاد العباد إلى ما خلقوا له من أفضل القربات وأهم الواجبات، وأنها هي سبيل الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، كما قال الله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3) وقال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (4) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (5) » أخرجه مسلم في صحيحه، وقال لعلي رضي الله عنه: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (6) » ، متفق على
__________
(1) سورة البقرة الآية 159
(2) سورة البقرة الآية 160
(3) سورة فصلت الآية 33
(4) سورة يوسف الآية 108
(5) رواه مسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي برقم (1893) .
(6) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من أسلم على يديه رجل برقم (3009) .(16/96)
صحته. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فحقيق بأهل العلم والإيمان أن يضاعفوا جهودهم في الدعوة إلى الله سبحانه، وإرشاد العباد إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، ولا سيما في هذا العصر الذي غلبت فيه الأهواء، وانتشرت فيه المبادئ الهدامة والشعارات المضللة، وقل فيه دعاة الهدى وكثر فيه دعاة الإلحاد والإباحية. فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(16/97)
فصل
في استحباب التزود من الطاعات
ويستحب للحجاج أن يلازموا ذكر الله وطاعته والعمل الصالح مدة إقامتهم بمكة، ويكثروا من الصلاة والطواف بالبيت؛ لأن الحسنات في الحرم مضاعفة، والسيئات فيه عظيمة شديدة، كما يستحب لهم الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا أراد الحجاج الخروج من مكة وجب عليهم أن يطوفوا بالبيت طواف الوداع؛ ليكون آخر عهدهم بالبيت، إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا(16/97)
أنه خفف عن المرأة الحائض (1) » متفق على صحته.
فإذا فرغ من توديع البيت وأراد الخروج من المسجد مضى على وجهه حتى يخرج، ولا ينبغي له أن يمشي القهقرى؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، بل هو من البدع المحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة (3) » .
ونسأل الله الثبات على دينه، والسلامة مما خالفه، إنه جواد كريم.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب طواف الوداع برقم (1755) ، ومسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1328) .
(2) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث العرباض بن سارية برقم (16694) ، وأبو داود في (السنة) باب لزوم السنة برقم (4607) .(16/98)
فصل
في أحكام الزيارة وآدابها
وتسن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج أو بعده؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (1) » وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (2) » رواه مسلم، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا (3) » . أخرجه أحمد،
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة برقم (1190) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة برقم (1394) .
(2) رواه مسلم في (الحج) باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة برقم (1395) .
(3) رواه الإمام أحمد في (أول مسند المدنيين) حديث عبد الله بن الزبير بن العوام برقم (15685) .(16/99)
وابن خزيمة، وابن حبان.
وعن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه (1) » أخرجه أحمد، وابن ماجه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فإذا وصل الزائر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله، ويقول: «بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك (2) » كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد، وليس لدخول مسجده صلى الله عليه وسلم ذكر مخصوص، ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة (3) » ، ثم بعد الصلاة
__________
(1) رواه ابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام برقم (1406) .
(2) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (713) ، سنن النسائي المساجد (729) ، سنن أبو داود الصلاة (465) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (772) ، مسند أحمد بن حنبل (5/425) ، سنن الدارمي الصلاة (1394) .
(3) رواه البخاري في (الجمعة) باب فضل ما بين القبر والمنبر برقم (1195) ، ومسلم في (الحج) باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة برقم (1390) .(16/100)
يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيقف تجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه - عليه الصلاة والسلام - قائلا: " السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته "؛ لما في سنن أبي داود بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام (1) » ، وإن قال الزائر في سلامه: " السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده " فلا بأس بذلك؛ لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم، ويصلي عليه - عليه الصلاة والسلام - ويدعو له؛ لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه؛ عملا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) ثم يسلم على أبي بكر
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (10434) ، وأبو داود في (المناسك) باب زيارة القبور برقم (2041) .
(2) سورة الأحزاب الآية 56(16/101)
وعمر رضي الله عنهما، ويدعو لهما، ويترضى عنهما.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، لا يزيد غالبا على قوله: " السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه " ثم ينصرف.
وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة، أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «لعن زوارات القبور من النساء والمتخذين عليها المساجد والسرج (1) » .
وأما قصد المدينة للصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعاء فيه، ونحو ذلك مما يشرع في سائر المساجد، فهو مشروع في حق الجميع؛ لما تقدم من الأحاديث في ذلك.
ويسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة؛ اغتناما لما في ذلك من الأجر الجزيل.
ويستحب أن يكثر من صلاة النافلة في الروضة الشريفة؛ لما سبق من الحديث الصحيح في فضلها، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (320) ، سنن النسائي الجنائز (2043) ، سنن أبو داود الجنائز (3236) ، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1575) ، مسند أحمد بن حنبل (1/337) .(16/102)
الجنة (1) » .
أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يتقدم إليها، ويحافظ على الصف الأول مهما استطاع، وإن كان في الزيادة القبلية؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحث والترغيب في الصف الأول، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا (2) » متفق عليه، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «تقدموا فأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال الرجل يتأخر عن الصلاة حتى يؤخره الله (3) » أخرجه مسلم.
وأخرج أبو داود، عن عائشة رضي الله عنها بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الرجل يتأخر عن الصف المقدم حتى يؤخره الله في النار (4) » ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها! ؟
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب فضل ما بين القبر والمنبر برقم (1195) ، ومسلم في (الحج) باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة برقم (1390) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) باب الاستهام في الأذان برقم (615) ؛ ومسلم في (الصلاة) باب تسوية الصفوف وإقامتها برقم (437) .
(3) رواه مسلم في (الصلاة) باب تسوية الصفوف وإقامتها برقم (438) .
(4) رواه أبو داود في (الصلاة) باب كراهية التأخر عن الصف الأول برقم (679) .(16/103)
قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها!؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف (1) » رواه مسلم.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تعم مسجده صلى الله عليه وسلم وغيره قبل الزيادة وبعدها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحث أصحابه على ميامن الصفوف، ومعلوم أن يمين الصف في مسجده الأول وخارج الروضة، فعلم بذلك أن العناية بالصفوف الأول وميامن الصفوف مقدمة على العناية بالروضة الشريفة، وأن المحافظة عليهما أولى من المحافظة على الصلاة في الروضة، وهذا بين واضح لمن تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب. والله الموفق.
ولا يجوز لأحد أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها؛ لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح، بل هو بدعة منكرة.
ولا يجوز لأحد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجة، أو تفريج كربة، أو شفاء مريض، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله سبحانه، وطلبه من الأموات
__________
(1) رواه مسلم في (الصلاة) باب الأمر بالسكون في الصلاة برقم (430) .(16/104)
شرك بالله وعبادة لغيره، ودين الإسلام مبني على أصلين:
أحدهما: ألا يعبد إلا الله وحده.
الثاني: ألا يعبد إلا بما شرعه الله والرسول صلى الله عليه وسلم.
وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
وهكذا لا يجوز لأحد أن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم الشفاعة؛ لأنها ملك الله سبحانه، فلا تطلب إلا منه، كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (1)
فتقول: " اللهم شفع في نبيك، اللهم شفع في ملائكتك، وعبادك المؤمنين، اللهم شفع في أفراطي "، ونحو ذلك. وأما الأموات فلا يطلب منهم شيء، لا الشفاعة ولا غيرها، سواء كانوا أنبياء أو غير أنبياء؛ لأن ذلك لم يشرع، ولأن الميت قد انقطع عمله إلا مما استثناه الشارع.
وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد
__________
(1) سورة الزمر الآية 44(16/105)
صالح يدعو له (1) » .
وإنما جاز طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ويوم القيامة؛ لقدرته على ذلك، فإنه يستطيع أن يتقدم فيسأل ربه للطالب، أما في الدنيا فمعلوم، وليس ذلك خاصا به، بل هو عام له ولغيره، فيجوز للمسلم أن يقول لأخيه: اشفع لي إلى ربي في كذا وكذا، بمعنى: ادع الله لي، ويجوز للمقول له ذلك أن يسأل الله ويشفع لأخيه إذا كان ذلك المطلوب مما أباح الله طلبه.
وأما يوم القيامة فليس لأحد أن يشفع إلا بعد إذن الله سبحانه، كما قال الله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (2)
وأما حالة الموت فهي حالة خاصة لا يجوز إلحاقها بحال الإنسان قبل الموت ولا بحاله بعد البعث والنشور، لانقطاع عمل الميت وارتهانه بكسبه إلا ما استثناه الشارع، وليس طلب الشفاعة من الأموات مما استثناه الشارع، فلا يجوز إلحاقه بذلك، لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته حي حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، ولكنها ليست من جنس
__________
(1) رواه مسلم في (الوصية) باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته برقم (1631) .
(2) سورة البقرة الآية 255(16/106)
حياته قبل الموت، ولا من جنس حياته يوم القيامة، بل حياة لا يعلم حقيقتها وكيفيتها إلا الله سبحانه، ولهذا تقدم في الحديث الشريف قوله عليه الصلاة والسلام: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام (1) » .
فدل ذلك على أنه ميت، وعلى أن روحه قد فارقت جسده، لكنها ترد عليه عند السلام، والنصوص الدالة على موته صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة معلومة، وهو أمر متفق عليه بين أهل العلم، ولكن ذلك لا يمنع حياته البرزخية، كما أن موت الشهداء لم يمنع حياتهم البرزخية المذكورة في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (2)
وإنما بسطنا الكلام في هذه المسألة، لدعاء الحاجة إليه بسبب كثرة من يشبه في هذا الباب، ويدعو إلى الشرك وعبادة الأموات من دون الله. فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة من كل ما يخالف شرعه، والله أعلم.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (10434) ، وأبو داود في (المناسك) باب زيارة القبور برقم (2041) .
(2) سورة آل عمران الآية 169(16/107)
وأما ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم، وطول القيام هناك فهو خلاف المشروع؛ لأن الله سبحانه نهى الأمة عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض، وحثهم على غض الصوت عنده في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (1) {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} (2)
ولأن طول القيام عند قبره صلى الله عليه وسلم، والإكثار من تكرار السلام يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج وارتفاع الأصوات عند قبره صلى الله عليه وسلم، وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الآيات المحكمات، وهو صلى الله عليه وسلم محترم حيا وميتا، فلا ينبغي للمؤمن أن يفعل عند قبره ما يخالف الأدب الشرعي.
وهكذا ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره مستقبلا للقبر رافعا يديه يدعو، فهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان
__________
(1) سورة الحجرات الآية 2
(2) سورة الحجرات الآية 3(16/108)
بل هو من البدع المحدثات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1) » أخرجه أبو داود، والنسائي بإسناد حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » أخرجه البخاري، ومسلم، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » .
ورأى علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهما رجلا يدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن ذلك، وقال: ألا «أحدثك حديثا سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن تسليمكم يبلغني
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث العرباض بن سارية برقم (16694) ، وأبو داود في (السنة) باب لزوم السنة برقم (4607) .
(2) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(16/109)
أينما كنتم (1) » أخرجه الحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه: (الأحاديث المختارة) .
وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم من وضع يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم، ولا عند السلام على غيره من الملوك والزعماء وغيرهم؛ لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله، كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن العلماء، والأمر في ذلك جلي واضح لمن تأمل المقام وكان هدفه اتباع هدي السلف الصالح.
وأما من غلب عليه التعصب والهوى والتقليد الأعمى وسوء الظن بالدعاة إلى هدي السلف الصالح فأمره إلى الله، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق لإيثار الحق على ما سواه، إنه سبحانه خير مسئول.
وكذا ما يفعله بعض الناس من استقبال القبر الشريف من بعيد وتحريك شفتيه بالسلام أو الدعاء فكل هذا من جنس ما قبله من المحدثات، ولا ينبغي للمسلم أن يحدث في دينه ما
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (8586) .(16/110)
لم يأذن به الله، وهو بهذا العمل أقرب إلى الجفاء منه إلى الموالاة والصفاء، وقد أنكر الإمام مالك رحمه الله هذا العمل وأشباهه، وقال: " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ".
ومعلوم أن الذي أصلح أول هذه الأمة هو السير على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وصحابته المرضيين وأتباعهم بإحسان، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا تمسكهم بذلك، وسيرهم عليه.
وفق الله المسلمين لما فيه نجاتهم وسعادتهم وعزهم في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.(16/111)
تنبيه
ليست زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم واجبة ولا شرطا في الحج كما يظنه بعض العامة وأشباههم، بل هي مستحبة في حق من زار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو كان قريبا منه.
أما البعيد عن المدينة فليس له شد الرحل لقصد زيارة القبر، ولكن يسن له شد الرحل لقصد المسجد الشريف، فإذا وصله زار القبر الشريف وقبر الصاحبين، ودخلت الزيارة لقبره(16/111)
عليه الصلاة والسلام وقبري صاحبيه تبعا لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم، وذلك لما ثبت في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى (1) » .
ولو كان شد الرحال لقصد قبره عليه الصلاة والسلام، أو قبر غيره مشروعا لدل الأمة عليه وأرشدهم إلى فضله؛ لأنه أنصح الناس وأعلمهم بالله وأشدهم له خشية، وقد بلغ البلاغ المبين، ودل أمته على كل خير، وحذرهم من كل شر، كيف وقد حذر من شد الرحل لغير المساجد الثلاثة، وقال: «لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم (2) » .
والقول بشرعية شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم يفضي إلى اتخاذه عيدا، ووقوع المحذور الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم؛ من الغلو والإطراء، كما قد وقع الكثير من الناس في ذلك بسبب اعتقادهم شرعية شد الرحال
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب حج النساء برقم (1864) ، ومسلم في (الحج) باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد برقم (1397) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (8586) .(16/112)
لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام.
وأما ما يروى في هذا الباب من الأحاديث التي يحتج بها من قال بشرعية شد الرحال إلى قبره عليه الصلاة والسلام، فهي أحاديث ضعيفة الأسانيد، بل موضوعة، كما قد نبه على ضعفها الحفاظ؛ كالدارقطني، والبيهقي، والحافظ ابن حجر وغيرهم. فلا يجوز أن يعارض بها الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم شد الرحال لغير المساجد الثلاثة.
وإليك أيها القارئ شيئا من الأحاديث الموضوعة في هذا الباب؛ لتعرفها وتحذر الاغترار بها:
الأول: «من حج ولم يزرني فقد جفاني» .
والثاني: «من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي» .
الثالث: «من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على الله الجنة» .
الرابع: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» .
فهذه الأحاديث وأشباهها لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص) - بعد ما ذكر أكثر الروايات -: طرق هذا الحديث كلها ضعيفة.(16/113)
وقال الحافظ العقيلي: لا يصح في هذا الباب شيء.
وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن هذه الأحاديث كلها موضوعة. وحسبك به علما وحفظا واطلاعا.
ولو كان شيء منها ثابتا لكان الصحابة رضي الله عنهم أسبق الناس إلى العمل به، وبيان ذلك للأمة ودعوتهم إليه؛ لأنهم خير الناس بعد الأنبياء، وأعلمهم بحدود الله وبما شرعه لعباده، وأنصحهم لله ولخلقه، فلما لم ينقل عنهم شيء من ذلك دل ذلك على أنه غير مشروع.
ولو صح منها شيء لوجب حمل ذلك على الزيارة الشرعية التي ليس فيها شد الرحال لقصد القبر وحده؛ جمعا بين الأحاديث. والله سبحانه وتعالى أعلم.(16/114)
فصل
في استحباب زيارة مسجد قباء والبقيع
ويستحب لزائر المدينة أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور مسجد قباء راكبا وماشيا ويصلي فيه ركعتين (1) » ، وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) باب إتيان مسجد قباء راكبا وماشيا برقم (1194) ، ومسلم في (الحج) باب فضل مسجد قباء برقم (1399) .(16/114)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة (1) » .
ويسن له زيارة قبور البقيع، وقبور الشهداء، وقبر حمزة رضي الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة (2) » أخرجه مسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية (3) » أخرجه مسلم من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.
وأخرج الترمذي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
__________
(1) رواه ابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء برقم (141) .
(2) رواه مسلم في (الجنائز) باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه برقم (976) ، وابن ماجه في (الجنائز) باب ما جاء في زيارة القبور برقم (1569) .
(3) رواه مسلم في (الجنائز) باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها برقم (975) .(16/115)
«مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر (1) » .
ومن هذه الأحاديث يعلم أن الزيارة الشرعية للقبور يقصد منها تذكر الآخرة، والإحسان إلى الموتى، والدعاء لهم والترحم عليهم.
فأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم أو العكوف عندها أو سؤالهم قضاء الحاجات أو شفاء المرضى أو سؤال الله بهم أو بجاههم ونحو ذلك، فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله، ولا فعلها السلف الصالح رضي الله عنهم، بل هي من الهجر الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «زوروا القبور، ولا تقولوا هجرا (2) » .
وهذه الأمور المذكورة تجتمع في كونها بدعة، ولكنها مختلفة المراتب، فبعضها بدعة وليس بشرك؛ كدعاء الله
__________
(1) رواه الترمذي في (الجنائز) باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر برقم (1053) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند أبي سعيد الخدري برقم (11212) ، ومالك في الموطأ في (الضحايا) باب ادخار لحوم الأضاحي برقم (1048) .(16/116)
سبحانه عند القبور، وسؤاله بحق الميت وجاهه ونحو ذلك، وبعضها من الشرك الأكبر، كدعاء الموتى والاستعانة بهم، ونحو ذلك.
وقد سبق بيان هذا مفصلا فيما تقدم. فتنبه واحذر، واسأل ربك التوفيق والهداية للحق، فهو سبحانه الموفق والهادي لا إله غيره، ولا رب سواه.
هذا آخر ما أردنا إملاءه، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(16/117)
صفحة فارغة(16/118)
الاختيارات العلمية في مسائل الحج والعمرة(16/119)
صفحة فارغة(16/120)
كتاب المناسك
1 - الحج والعمرة واجبان على كل مسلم حر مكلف مع الاستطاعة مرة في العمر.
2 - الحج واجب على الفور مع الاستطاعة في أصح قولي العلماء.
3 - يجب الحج على من كان عليه دين ويستطيع الحج وقضاء الدين.
4 - الأفضل عدم الاقتراض لأداء الحج.
5 - لا يصح حج من كان تاركا للصلاة، وكذا من كان يصلي ويدع الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » رواه الخمسة وهم: أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » رواه مسلم في صحيحه.
6 - من حج من مال حرام صح الحج؛ لأن أعمال الحج كلها
__________
(1) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(16/121)
بدنية وعليه التوبة من الكسب الحرام.
7 - يصح حج المرأة بلا محرم مع الإثم؛ لأنه لا يجوز لها السفر بدون محرم ولو للحج والعمرة.
8 - إذا حج الصبي أو العبد صح منهما ولا يجزئهما عن حجة الإسلام؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى (1) » أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي بإسناد حسن.
9 - من مات ولم يحج وهو يستطيع الحج وجب الحج عنه من التركة أوصى بذلك أو لم يوص.
10 - لا تصح الإنابة في الحج عمن كان صحيح البدن ولو كان فقيرا سواء كان فرضا أو نفلا، أما العاجز لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه فإنه يلزمه أن ينيب من يؤدي عنه الحج المفروض والعمرة والمفروضة إذا كان يستطيع ذلك بماله؛ لعموم قول الله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2)
__________
(1) رواه البيهقي في السنن الكبرى في الحج في جماع أبواب دخول مكة باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم برقم (9865) .
(2) سورة آل عمران الآية 97(16/122)
11 - العمى ليس عذرا في الإنابة للحج فرضا كان أو نفلا، وعلى الأعمى أن يحج بنفسه إذا كان مستطيعا؛ لعموم الأدلة.
12 - الأفضل لمن حج الفريضة تقديم نفقة الحج النافلة للمجاهدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قدم الجهاد على الحج النفل، كما في الحديث الصحيح.
13 - من اجتمع عليه حج الفريضة وقضاء صيام واجب كالكفارة وقضاء رمضان أو نحوهما قدم الحج.
14 - لا نعلم أقل حد بين العمرة والعمرة، أما من كان من أهل مكة فالأفضل له الاشتغال بالطواف والصلاة وسائر القربات وعدم الخروج خارج الحرم لأداء عمرة إن كان قد أدى عمرة الإسلام.
باب المواقيت
15 - الواجب على جميع الحجاج والعمار أن يحرموا من الميقات الذي يمرون عليه أو يحاذونه جوا أو برا أو بحرا؛ لحديث ابن عباس المذكور آنفا.
16 - النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي وقت المواقيت الخمسة: ذو الحليفة والجحفة وقرن المنازل ويلملم وذات عرق، لكن وافق اجتهاد عمر رضي الله عنه توقيته(16/123)
لأهل العراق ذات عرق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لم يعلم ذلك حين وقت لهم ذات عرق فوافق اجتهاده رضي الله عنه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
17 - من جاوز الميقات بلا إحرام وجب عليه الرجوع، فإن لم يرجع فعليه دم، وهو سبع بقرة أو سبع بدنة أو رأس من الغنم يجزئ في الأضحية، إذا كان حين مر على الميقات ناويا الحج أو العمرة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين.
18 - من بدا له الحج وهو في مكة فإنه يحرم من مكانه، أما العمرة فلا بد من خروجه للحل؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في ذلك.
19 - من توجه إلى مكة غير مريد الحج أو العمرة لم يجب عليه الإحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوجب الإحرام على من نوى الحج أو العمرة أو كليهما.
والعبادات توقيفية ليس لأحد أن يوجب ما لم يوجبه الله ورسوله، كما أنه ليس له أن يحرم ما لم يحرمه الله ورسوله، لكن من لم يؤد الفريضة وجب عليه الإحرام بالحج في وقته أو بالعمرة في أي وقت أداء لما أوجبه الله عليه من الحج والعمرة من أي ميقات يمر عليه.
20 - جدة ليست ميقاتا للوافدين وإنما هي ميقات لأهلها ولمن(16/124)
وفدوا إليها غير مريدين للحج أو العمرة ثم أنشئوا الحج أو العمرة منها، لكن من وفد إلى الحج أو العمرة من طريق جدة ولم يحاذ ميقاتا قبلها أحرم منها (1) .
21 - أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.
باب الإحرام
22 - يشرع للمحرم التلفظ بما نوى من حج أو عمرة أو قران، فيقول: اللهم لبيك عمرة، إن كان أراد العمرة، أو يقول: اللهم لبيك حجا، إن أراد الحج، أو: اللهم لبيك عمرة وحجا، إذا أراد القران.
والأفضل لمن قدم في أشهر الحج وليس معه هدي أن يحرم بالعمرة وحدها ثم يلبي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
23 - الصبي والجارية دون التمييز ينوي عنهما وليهما ويلبي عنهما ويجنبهما ما يجتنبه المحرم، ويكونان طاهري الثياب حين الطواف بهما.
__________
(1) كمن قدم إلى جدة عن طريق البحر من الجزء المحاذي لها من السودان.(16/125)
24 - إن كان الصبي والجارية مميزين أحرما بإذن وليهما ويفعلان ما يفعله الكبير، فإن عجزا عن الطواف والسعي حملا، ووليهما هو الذي يتولى الحج بهما، سواء كان أباهما أو أمهما أو غيرهما.
25 - النية تكفي عن المستنيب، ولا يحتاج إلى ذكر اسمه، وإن سماه لفظا عند الإحرام فهو أفضل.
26 - لا يجوز لمن أهل بالحج أو العمرة عن نفسه أو عن غيره تغيير النية عمن أهل عنه إلى شخص آخر.
27 - لا تشترط الطهارة الصغرى ولا الكبرى لمن أراد الإحرام، ولهذا صح الإحرام من الحائض والنفساء، وإنما يستحب للجميع الغسل، ويستحب أن يكون الإحرام بعد صلاة مفروضة أو نافلة في حق غير الحائض والنفساء؛ لأن الصلاة لا تصح منهما.
28 - (أ) إذا وصلت الحائض أو النفساء للميقات وجب عليهما أن تحرما إذا كان الحج فريضة أو العمرة. أما إن كانا مستحبين وقد أدتا حجة الإسلام وعمرة الإسلام فإنه يشرع لهما الإحرام من الميقات كغيرهما من الطاهرات في الحج والعمرة؛ رغبة في الخير وتزودا من الأعمال الصالحة؛ لقول الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (1) «
__________
(1) سورة البقرة الآية 197(16/126)
ولحديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها، فإنها ولدت في الميقات محمد بن أبي بكر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتحرم (1) » .
فإذا طهرت الحائض أو النفساء طافتا وسعتا لحجهما أو عمرتهما ثم قصرتا إن كانتا محرمتين بالعمرة، أما إن كانتا محرمتين بالحج والعمرة (2) فإنه يشرع لهما جعل إحرامهما عمرة فتطوفان وتسعيان وتقصران وتحلان ثم تحرمان بالحج في اليوم الثامن كسائر الحجاج المحلين، وإن بقيتا على إحرامهما ولم تحلا فلا بأس، لكن ذلك خلاف السنة؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في حجة الوداع أن يحلوا ويجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي (3) » .
(ب) يجوز للحائض قراءة القرآن؛ لعدم الدليل الصريح المانع من ذلك ولكن بدون مس المصحف، وحديث: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (4) » ضعيف.
29 - يجوز للمرأة أخذ حبوب منع العادة في الحج ورمضان
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الحج (1218) ، سنن ابن ماجه المناسك (2913) .
(2) ولم تكونا ساقتا الهدي.
(3) صحيح البخاري المغازي (4396) ، صحيح مسلم الحج (1245) .
(4) رواه الترمذي في (الطهارة) باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأان القرآن برقم (131) .(16/127)
إذا لم يكن فيها مضرة بعد استشارة طبيب مختص.
30 - كان النبي صلى الله عليه وسلم يهل (1) بنسكه إذا انبعثت به راحلته، ومثل الراحلة السيارة يستحب الإهلال في الحج أو العمرة إذا ركب السيارة من الميقات، وهكذا إذا ركبها عند التوجه من مكة إلى منى يوم الثامن.
31 - الاشتراط يكون وقت الإحرام إذا دعت الحاجة إليه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في قصة ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها قالت: «يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال لها صلى الله عليه وسلم: حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني (2) » .
32 - لا يجوز وضع الطيب على ملابس الإحرام، وإنما السنة تطييب البدن عند الإحرام، فإن طيبها لم يلبسها حتى يغسلها.
33 - لا بأس بتغيير ملابس الإحرام بملابس أخرى جديدة أو مغسولة، كما أنه لا بأس أن يغسل ملابس الإحرام التي
__________
(1) أي: يلبي.
(2) رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الدين برقم (5089) ، ومسلم في (الحج) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه برقم (1207) .(16/128)
عليه إذا أصابها وسخ أو نجاسة، ويجب غسلها من النجاسة.
34 - من وقع على إحرامه دم كثير وجب عليه غسله، ولا يصلي فيه وفيه نجاسة، ولا يضر اليسير من الدم عرفا.
35 - من لم يجد الإزار لبس السراويل، ومن لم يجد النعلين لبس الخفين بدون قطع، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما في القطع منسوخ في أصح قولي العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس في عرفة ذكر في خطبته: «أن من لم يجد إزارا لبس السراويل، ومن لم يجد نعلين لبس الخفين (1) » ، ولم يذكر القطع؛ فدل على النسخ.
36 - ليس للمرأة ملابس معينة تحرم فيها، ولها أن تحرم بما شاءت، مع مراعاة عدم التبرج وعدم لبس الملابس التي تدعو إلى الفتنة، مع ترك النقاب والقفازين، ولها ستر وجهها ويديها بغير ذلك.
37 - قد أجمع العلماء على صحة الإحرام بأي واحد من
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب لبس الخفين للمحرم برقم (1841) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة برقم (1179) .(16/129)
الأنساك الثلاثة، فمن أحرم بأي واحد منها صح إحرامه، والقول بأن الإفراد والقران قد نسخا قول باطل، لكن التمتع أفضل في أصح أقوال العلماء في حق من لم يسق الهدي، أما من ساق الهدي فالقران له أفضل؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
38 - من اعتمر في أشهر الحج ورجع لأهله ثم أحرم بالحج مفردا فليس عليه دم التمتع؛ لأنه في حكم من أفرد الحج، وهو قول عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما وغيرهما من أهل العلم.
أما إن سافر إلى غير بلده كالمدينة أو جدة أو الطائف أو غيرها ثم رجع محرما بالحج فإن ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعا في أصح قولي العلماء، وعليه هدي التمتع.
39 - من أحرم بالحج في أشهر الحج شرع له أن يفسخه إلى عمرة، وهكذا القارن بين الحج والعمرة يشرع له أن يفسخ إحرامه إلى العمرة، إذا لم يكن معهما هدي (1) ؛ لصحة السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ويكونان بذلك في حكم المتمتع.
40 - من نوى التمتع أو القران ثم غير النية إلى الإفراد وهو في
__________
(1) ساقاه من الحل.(16/130)
الميقات قبل أن يحرم بواحد منهما فلا بأس؛ لأن النسك إنما يلزم بالإحرام، أما النية السابقة قبل الإحرام فإنها غير ملزمة ولا حرج عليه.
41 - لا يصح لمن لبى بالقران أو التمتع أن يقلبهما إلى الإفراد؛ لما تقدم في المسألة التي قبلها.
42 - على من أهل بالعمرة - ثم رفضها - التوبة إلى الله سبحانه وإتمام مناسك العمرة فورا؛ لقوله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) الآية، فإن كان قد جامع فعليه ذبيحة تذبح بمكة وتوزع على فقرائها، مع إتمام مناسك العمرة؛ لعموم الآية المذكورة، وعليه عمرة أخرى من الميقات الذي أحرم منه بالعمرة الفاسدة، وهكذا زوجته إن كانت غير مكرهة، مع التوبة إلى الله سبحانه من ذلك.
باب محظورات الإحرام
43 - لا يأخذ المحرم من بشرته ولا من أظفاره ولا من شعره شيئا حتى يحل التحلل الأول.
44 - لا حرج في استعمال الصابون المعطر؛ لأنه ليس طيبا
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(16/131)
ولا يسمى مستعمله متطيبا، وإنما فيه رائحة حسنة فلا يضره إن شاء الله، وإن تركه تورعا فهو حسن.
45 - الحناء ليس طيبا فلا شيء فيه في حق المحرم والمحرمة.
46 - لا حرج في لبس الهيمان والحزام والمنديل.
47 - المرأة المحرمة لا حرج عليها أن تلبس الجوارب والخفين؛ لأنها عورة، ولكن لا تنتقب ولا تلبس القفازين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المحرمة عن ذلك، ولكن تغطي وجهها بغير النقاب ويديها بغير القفازين.
48 - يباح للمرأة سدل الخمار على وجهها بلا عصابة فهي غير مشروعة، وإن مس الخمار وجهها فلا شيء عليها ويجب عليها ذلك عند وجود الرجل الأجنبي. أما النقاب فلا يجوز لها حال كونها محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المحرمة عن ذلك وعن لبس القفازين، لكن تغطي وجهها ويديها بغير ذلك.
49 - من جامع زوجته قبل التحلل الأول بطل حجه وحجها ووجب على كل واحد منهما بدنة مع إتمام مناسك الحج، فمن عجز منهما عنها صام عشرة أيام، وعليهما الحج من قابل مع الاستطاعة والاستغفار والتوبة.
50 - من جامع بعد التحلل الأول وقبل الثاني فعليه وعلى(16/132)
زوجته إن كانت مطاوعة شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة، ومن عجز منهما صام عشرة أيام.
51 - من جامع قبل طواف الإفاضة أو بعده قبل السعي إذا كان عليه سعي فعليه دم.
52 - من أنزل عامدا بعد التحلل الأول وقبل الثاني من غير جماع فلا شيء عليه، فإن صام ثلاثة أيام أو ذبح شاة أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو حسن؛ خروجا من خلاف من قال بوجوب الفدية وأحوط، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه (1) » .
53 - من احتلم وهو محرم فلا شيء عليه سوى الغسل.
باب الفدية
54 - ليس على المحرم شيء إن قلم أظافره أو نتف إبطه أو قص شاربه أو حلق عانته أو تطيب ناسيا أو جاهلا؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2)
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب فضل من استبرأ لدينه برقم (52) ، ومسلم في (المساقاة) باب أخذ الحلال وترك الشبهات برقم (1599) .
(2) سورة البقرة الآية 286(16/133)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله قد فعلت (1) » ، ولحديث صاحب الجبة.
55 - من خلع الإحرام ولبس المخيط جاهلا أو ناسيا فعليه المبادرة بخلع المخيط متى علم أو ذكر ولا شيء عليه؛ لعموم قول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله قال: قد فعلت (3) » ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلا أحرم في جبة وتضمخ بخلوق واستفتاه في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: «اغسل عنك أثر الخلوق ثلاثا وانزع الجبة (4) » . ولم يأمره بالفدية من أجل جهله.
باب صيد الحرم
56 - الأدلة الشرعية دلت على أن الحسنات تضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، وتضاعف بكميات كثيرة في الزمان الفاضل كرمضان وعشر ذي الحجة، والمكان الفاضل
__________
(1) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان أن الله سبحانه لم يكلف إلا ما يطاق برقم (126) .
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) صحيح مسلم الإيمان (126) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (2992) .
(4) رواه البخاري في (الحج) باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج برقم (1789) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة برقم (1180) .(16/134)
كالحرمين. وأما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها تضاعف من حيث الكيفية لا من حيث العدد؛ لقول الله سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (1)
57 - من هم بالإلحاد في الحرم المكي فهو متوعد بالعذاب الأليم؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) فإذا ألحد أي إلحاد - وهو: الميل عن الحق - فإنه متوعد بهذا الوعيد لهذه الآية الكريمة؛ لأن الوعيد على الهم بالإلحاد يدل على أن الوعيد في نفس الإلحاد أشد وأعظم.
باب دخول مكة
58 - لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدخول من باب السلام، وإنما دخل منه، فإن تيسر ودخل منه فهو أفضل وإلا فلا حرج.
59 - السنة للمحرم تغطية كتفيه بالرداء إلا في طواف القدوم فإنه يضطبع بردائه فإذا انتهى أعاد رداءه على كتفيه. والاضطباع هو: أن يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن
__________
(1) سورة الأنعام الآية 160
(2) سورة الحج الآية 25(16/135)
وطرفيه على عاتقه الأيسر إلى أن ينتهي من الطواف، ثم يجعل الرداء على عاتقيه قبل ركعتي الطواف.
60 - يشرع للطائف استلام الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط، كما يستحب له تقبيل الحجر الأسود واستلامه بيده اليمنى إذا تيسر ذلك بدون مشقة، أما مع المشقة والزحام فيكره، ويشرع أن يشير للحجر الأسود بيده أو بعصا ويكبر، أما الركن اليماني فلم يرد فيه فيما نعلم دليل يدل على الإشارة إليه. وإن استلم الحجر الأسود بيده أو بعصا قبل ما استلم به؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يتيسر تقبيل الحجر.
61 - يشرع للطائف صلاة ركعتي الطواف خلف المقام؛ للآية الكريمة، وللأحاديث الواردة، فإن لم يتيسر صلاهما فيما شاء من بقية المسجد.
62 - المعروف عند أهل العلم أنه يجوز أن يواصل بين طوافين أو أكثر ثم يصلي لكل طواف ركعتين.
63 - الوضوء شرط في صحة الطواف في أصح قولي العلماء، وهو قول أكثر أهل العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ ثم طاف، كما صح ذلك عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:(16/136)
«الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام (1) » . فإذا انتقضت الطهارة فعليه أن يتطهر ويعيد الطواف من أول شوط كالصلاة، سواء كان الطواف فرضا أو نفلا.
64 - الأرجح أن خروج الدم لا يؤثر في الطواف إذا كان يسيرا من غير الدبر والقبل كالصلاة.
65 - متى طهرت النفساء قبل الأربعين جاز لها الطواف وغيره، وليس لأقل النفاس حد، أما أكثره فأربعون يوما، فإن لم تطهر بعد الأربعين اغتسلت وصامت وصلت وطافت وحلت لزوجها، وتتوضأ لكل صلاة حتى ينقطع الدم كالمستحاضة.
66 - من قطع طوافه للصلاة بدأ من حيث انتهى ولا يلزمه العود إلى أول الشوط في أصح قولي العلماء، وإن بدأ من أول الشوط خروجا من الخلاف فهو حسن إن شاء الله؛ لما فيه من الاحتياط.
(أ) يجوز لحامل الطفل أن ينوي الطواف والسعي عنه
__________
(1) رواه بنحوه الإمام أحمد في (مسند المكيين) حديث رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم برقم (14997) ، والنسائي في (مناسك الحج) باب إباحة الكلام في الطواف برقم (2922) .(16/137)
وعن الطفل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «لما سألت المرأة عن الطفل فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر (1) » ، ولم يأمرها أن تخصه بطواف أو بسعي؛ فدل ذلك على أن طوافها به وسعيها به مجزئ عنهما.
67 - يستحب للحاج والمعتمر وغيرهما أن يشرب من ماء زمزم إذا تيسر له ذلك، ويجوز له الوضوء منه، ويجوز أيضا الاستنجاء به والغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء ليشربوا وليتوضئوا وليغسلوا ثيابهم وليستنجوا. كل هذا وقع؛ وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن فوق ذلك، فكلاهما ماء شريف.
68 - لا حرج في بيع ماء زمزم ولا نقله من مكة.
69 - في التفضيل بين كثرة النافلة وكثرة الطواف خلاف، والأرجح أن يكثر من هذا وهذا لو كان غريبا. وذهب
__________
(1) رواه مسلم في باب صحة حج الصبي برقم (1336) .(16/138)
بعض أهل العلم إلى التفصيل فاستحبوا الإكثار من الطواف في حق الغريب ومن الصلاة في حق غيره، والأمر في ذلك واسع ولله الحمد.
70 - من دخل الحرم بعد العصر أو بعد الفجر فليس له أن يصلي غير سنة الطواف وكل سنة ذات سبب كتحية المسجد.
71 - المشروع لمن سعى أن يقول في أول شوط: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (1) أما تكرار ذلك فلا أعلم ما يدل على استحبابه.
72 - لا يجب الصعود على الصفا والمروة ويكفي الساعي استيعاب ما بينهما، ولكن الصعود عليهما هو السنة والأفضل إذا تيسر ذلك.
73 - السعي في الطابق العلوي صحيح كالسعي في الأسفل؛ لأن الهواء يتبع القرار.
74 - الأرجح أن من ترك شيئا من السعي أو نسيه أكمله إن لم يطل الفصل.
75 - من ترك شوطا أو أكثر من السعي في العمرة فعليه أن
__________
(1) سورة البقرة الآية 158(16/139)
يعود ويأتي بالسعي كاملا ولو عاد إلى بلده، وهو في حكم الإحرام الذي يمنعه من زوجته وكل المحظورات، وعليه أن يقصر مرة أخرى بعد السعي، والتقصير الأول لا يصح.
76 - من سعى من غير طهارة أجزأه ذلك؛ لأن الطهارة ليست شرطا في السعي وإنما هي مستحبة.
77 - لا حرج على من قدم السعي على الطواف خطأ أو نسيانا، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله فقال: «سعيت قبل أن أطوف؟ فقال: لا حرج (1) » ؛ فدل ذلك على أنه إن قدم السعي أجزأه، ولكن الأحوط أن لا يفعله عمدا، ومتى وقع منه نسيانا أو جهلا فلا حرج.
باب صفة الحج والعمرة
78 - المشروع للحاج الحلال أن يحرم بالحج يوم التروية من مكانه، سواء كان في داخل مكة أو خارجها أو في منى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين حلوا من العمرة أن يحرموا بالحج يوم التروية من منازلهم.
__________
(1) رواه أبو داود في (المناسك) باب فيمن قدم شيئا قبل شيء في حجه برقم (2015) .(16/140)
79 - من كان مقيما في منى يوم الثامن من ذي الحجة أحرم من مكانه ولا حاجة لدخوله إلى مكة؛ لعموم حديث ابن عباس الوارد في ذلك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر المواقيت: «ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة (1) » .
80 - لا يصح حج من وقف خارج حدود عرفة ولو كان قريبا منها.
81 - من وقف يوم عرفة قبل الزوال فقط فأكثر أهل العلم على عدم إجزاء الوقوف.
وقد ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وجماعة إلى أن من وقف في عرفة قبل الزوال يجزئه ذلك؛ لعموم حديث عروة بن مضرس، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «. . . . وقد وقف بعرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا (2) » ، فأطلق النهار، قالوا: فهذا يشمل ما قبل الزوال وما بعده، ولكن الجمهور على خلافه وأنه لا
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث عروة بن مضرس برقم (15775) ، والترمذي في (الحج) باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع برقم (891) .(16/141)
يجزئ الوقوف يوم عرفة إلا بعد الزوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزوال وهذا هو الأحوط.
82 - من وقف بعد الزوال أجزأه فإن انصرف قبل المغرب فعليه دم إن لم يعد إلى عرفة ليلا أعني ليلة النحر.
83 - من وقف بعرفة ليلا أجزأه ولو مر بها مرورا.
84 - يمتد وقت الوقوف بعرفة من فجر اليوم التاسع إلى آخر ليلة النحر؛ للأحاديث الواردة في ذلك.
والأفضل والأحوط أن يكون الوقوف بعرفة بعد الزوال أو في الليل من اليوم التاسع؛ خروجا من خلاف الجمهور القائلين بعدم إجزاء الوقوف بعرفة قبل الزوال.
85 - يجب على الحاج المبيت في مزدلفة إلى نصف الليل، وإذا كمل وبقي إلى الفجر حتى يسفر كان أفضل.
86 - يجوز للنساء مطلقا الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل من ليلة المزدلفة وهي ليلة النحر ولو كن قويات، وهكذا بقية الضعفاء من كبار السن والمرضى وأتباعهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك.
87 - من مر بمزدلفة ولم يبت بها ثم عاد قبل الفجر ومكث بها ولو يسيرا فلا شيء عليه.
88 - من ترك المبيت في مزدلفة فعليه دم.(16/142)
89 - لا يتعين جمع الحصى من مزدلفة بل يجوز من منى.
90 - لا يجوز رمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل من ليلة النحر، وكذا طواف الإفاضة.
91 - الصحيح أن رمي جمرة العقبة في النصف الأخير من ليلة النحر مجزئ للضعفة وغيرهم، ولكن يشرع للمسلم القوي أن يجتهد حتى يرمي في النهار؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس (1) » .
92 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (2) » ضعيف؛ لانقطاعه بين الحسن العرني وابن عباس.
وعلى فرض صحته فهو محمول على الندب؛ جمعا بين الأحاديث، كما نبه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله.
93 - لا يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر لمن لم يتعجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاثة
__________
(1) سنن ابن ماجه المناسك (3053) ، مسند أحمد بن حنبل (3/400) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن عباس برقم (2083) ، والترمذي في (الحج) باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل برقم (893) .(16/143)
المذكورة، وقال: «خذوا عني مناسككم (1) » ، ولأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها إلا ما أقره الشرع المطهر.
94 - لم يثبت دليل على منع الرمي ليلا والأصل جوازه، والأفضل الرمي نهارا في يوم العيد كله وبعد الزوال في الأيام الثلاثة إذا تيسر ذلك، والرمي في الليل إنما يصح عن اليوم الذي غربت شمسه، ولا يجزئ عن اليوم الذي بعده.
فمن فاته الرمي نهار العيد رمى ليلة إحدى عشرة على آخر الليل، ومن فاته الرمي قبل غروب الشمس في اليوم الحادي عشر رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثاني عشر، ومن فاته الرمي في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس رمى بعد غروب الشمس في ليلة اليوم الثالث عشر، ومن فاته الرمي نهارا في اليوم الثالث عشر حتى غابت الشمس فاته الرمي ووجب عليه دم؛ لأن وقت الرمي كله يخرج بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر.
95 - لا يشترط بقاء الحصى في المرمى ولكن يشترط وقوعه
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(16/144)
فيه، فلو وقعت الحصاة في المرمى ثم خرجت منه أجزأت في ظاهر كلام أهل العلم، وممن صرح بذلك النووي رحمه الله في المجموع، ولا يشرع رمي الشاخص بل السنة الرمي في الحوض.
96 - من شك هل وقع الحصى في المرجم أم لا فعليه التكميل حتى يتيقن.
97 - لا يجوز الرمي مما في الحوض، أما الذي بجانبه فلا حرج.
98 - الأحوط أن لا يرمي بحصى قد رمي به.
99 - من رمى الجمرات السبع كلها دفعة واحدة فهي عن حصاة واحدة، وعليه أن يأتي بالباقي.
100 - يجب الترتيب في رمي الجمرات، فيبدأ بالأولى ثم الثانية ثم الثالثة وهي جمرة العقبة.
101 - لا يستحب غسل الحصى بل يرمى به من غير غسل؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم.
102 - يصح تأخير الرمي كله إذا دعت الحاجة إلى ذلك إلى اليوم الثالث عشر ويرميه مرتبا، فيبدأ برمي جمرة العقبة عن يوم النحر، ثم يرجع فيرمي الصغرى ثم الوسطى ثم العقبة عن اليوم الحادي عشر، ثم يرجع فيرمي(16/145)
الثلاث عن اليوم الثاني عشر، ثم يرجع ويرميهن عن الثالث عشر إن لم يتعجل، لكن السنة أن يرمي الجمار كما رماها النبي صلى الله عليه وسلم، فيرمي جمرة العقبة يوم العيد بسبع حصيات ثم يرمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر بادئا بالصغرى التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، ثم يرمي الثلاث في اليوم الثاني عشر كذلك، ثم يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر كما رماها في الحادي عشر والثاني عشر إذا لم يتعجل في اليوم الثاني عشر.
103 - تجوز الإنابة في الرمي عن العاجز، كالمريض وكبير السن والأطفال، ويلحق بهم ذات الأطفال التي ليس لديها من يحفظهم.
104 - لا تجوز الوكالة في الرمي إلا لعذر شرعي، كما تقدم ذلك.
105 - من وكل غيره في الرمي عنه من غير عذر شرعي، فالرمي باق عليه حتى ولو كان حجه نافلة على الصحيح، فإن لم يرم فعليه دم يذبح في مكة للفقراء إذا فات الوقت ولم يرم بنفسه.
106 - من ناب عن غيره بدأ بنفسه عند كل جمرة.(16/146)
107 - من أراد الرمي عن غيره فله حالتان، وهما: أن يرمي عن نفسه جميع الجمار ثم عن مستنيبه.
والأخرى أن يرمي عن نفسه وعن مستنيبه عند كل جمرة، وهذا هو الصواب؛ دفعا للحرج والمشقة، ولعدم الدليل الذي يوجب خلاف ذلك.
108 - الذبح أو النحر في اليوم الأول خير وأفضل من الثاني والثاني خير من الثالث والثالث خير من الرابع.
109 - الحلق في الحج والعمرة أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالرحمة والمغفرة للمحلقين ثلاثا والمقصرين واحدة.
ولا يكفي أخذ بعض الرأس؛ بل لا بد من تقصيره كله كالحلق، إلا إذا كان أداء العمرة قريبا من وقت الحج فإن الأفضل فيها التقصير حتى يكون الحلق في الحج؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتقصير لما فرغوا من طوافهم وسعيهم في حجة الوداع، إلا من كان معه الهدي فإنه بقي على إحرامه ولم يأمرهم بالحلق؛ لأن أداءهم للعمرة كان قبل الحج بأيام قليلة.
(أ) من سبق له أن قصر من بعض رأسه جاهلا أو ناسيا وجوب التعميم فلا شيء عليه.(16/147)
110 - والمرأة تقصر من كل ضفيرة أنملة فأقل.
(أ) من نسي الحلق أو التقصير وتحلل بعد الرمي فإنه ينزع ثيابه إذا ذكر ثم يحلق أو يقصر ثم يلبسها، فإن قصر وهو عليه ثيابه جهلا منه أو نسيانا فلا شيء عليه؛ لعموم قوله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) وحديث صاحب الجبة.
111 - لا دليل لمن قال بعدم جواز تأخير طواف الإفاضة عن ذي الحجة، والصواب جواز التأخير، ولكن الأولى المبادرة به.
112 - الواجب على من حاضت قبل طواف الإفاضة أن تنتظر هي ومحرمها حتى تطهر ثم تطوف الإفاضة، فإن لم تقدر جاز لها السفر ثم تعود لأداء الطواف، فإن كانت لا تستطيع العودة، وهي من سكان المناطق البعيدة كأندونيسيا أو المغرب وأشباه ذلك جاز لها على الصحيح أن تتحفظ وتطوف بنية الحج وأجزأها ذلك عند جمع من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم رحمهما الله وآخرون من أهل العلم.
113 - على القارن والمفرد سعي واحد، فإن فعلاه مع طواف
__________
(1) سورة البقرة الآية 286(16/148)
القدوم أجزأهما ولا يلزمهما أن يأتيا بسعي آخر، فإن لم يفعلاه مع طواف القدوم وجب أن يأتيا به مع طواف الإفاضة.
114 - المبيت في منى يسقط عن أصحاب الأعذار كالسقاة والمريض الذي يشق عليه المبيت في منى، لكن يشرع لهم أن يحرصوا في بقية الأوقات على المكث بمنى مع الحجاج؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إذا تيسر ذلك.
115 - يرخص للسقاة والرعاة والعاملين على مصلحة الحجاج أن يتركوا المبيت في منى ويؤخروا الرمي لليوم الثالث إلا يوم النحر فالمشروع للجميع فعله وعدم تأخيره.
116 - من ترك المبيت في منى جاهلا حدودها مع القدرة على المبيت فعليه دم؛ لأنه ترك واجبا من غير عذر شرعي وكان الواجب عليه أن يسأل حتى يؤدي الواجب.
117 - إذا اجتهد الحاج في التماس مكان في منى ليبيت فيه فلم يجد فلا حرج عليه أن ينزل خارجها، ولا فدية عليه؛ لعموم قول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(16/149)
فأتوا منه ما استطعتم (1) » .
118 - من ترك المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر بلا عذر فعليه دم.
119 - من أدركه الغروب في اليوم الثاني عشر وقد ارتحل من منى فهو في حكم النافر، ولا شيء عليه. أما من أدركه الغروب ولم يرتحل فإنه يلزمه المبيت في ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الزوال؛ لقول الله سبحانه: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (2) ؛ ومن غابت عليه الشمس في اليوم الثاني عشر قبل أن يرتحل لا يسمى متعجلا.
120 - من ترك طواف الوداع أو شوطا منه فعليه دم يذبح في مكة ويوزع على فقرائها، ولو رجع وأتى به فإن الدم لا يسقط عنه.
(أ) لا يصح الطواف بغير طهارة؛ لأن النبي صلى الله
__________
(1) رواه البخاري في (الاعتصام بالكتاب والسنة) باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (7288) ، ومسلم في (الحج) باب فرض الحج مرة في العمر برقم (1337) .
(2) سورة البقرة الآية 203(16/150)
عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ، وقد قال: «خذوا عني مناسككم (1) » ، ولما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام (2) » ، وروي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف أصح، وهو في حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من جهة الرأي.
121 - ليس على الحائض والنفساء وداع؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض (3) » متفق على صحته. والنفساء مثلها عند أهل العلم.
122 - من طاف طواف الوداع قبل تمام الرمي لم يجزئه عن الوداع؛ لكونه أداه قبل وقته، وإن سافر فعليه دم.
123 - من طاف للوداع واحتاج شراء شيء ولو لتجارة جاز ما دامت المدة قصيرة، فإن طالت المدة عرفا أعاد الطواف.
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .
(2) سنن النسائي مناسك الحج (2922) ، مسند أحمد بن حنبل (4/64) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب طواف الوداع برقم (1755) ، ومسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1328) .(16/151)
124 - لا يجب على المعتمر وداع؛ لعدم الدليل، وهو قول الجمهور، وحكاه ابن عبد البر إجماعا.
125 ـ من مات في أثناء أعمال الحج فإنه لا يكمل عنه؛ لحديث الذي وقصته راحلته فمات فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكمال الحج عنه، وقال: «إنه يبعث يوم القيامة ملبيا (1) » .
126 ـ ما يفعله كثير من الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما وقد سبق أن اعتمر قبل الحج فلا دليل على شرعيته، بل الأدلة تدل على أن الأفضل تركه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك في حجة الوداع.
127 ـ حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما (2) » ، له حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من جهة الرأى، ولم نعرف مخالفا له من الصحابة رضي
__________
(1) رواه البخاري في (الجنائز) باب الكفن في ثوبين برقم (1265) ، ومسلم في (الحج) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات برقم (1206) .
(2) رواه مالك في الموطأ في (الحج) باب التقصير برقم (905) ، وفي باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئا برقم (957) .(16/152)
الله عنهم. فعلى كل من ترك واجبا عمدا أو سهوا أو جهلا كرمي الجمار أو المبيت ليالي منى وطواف الوداع ونحو ذلك - دم يذبح في مكة المكرمة ويقسم على الفقراء. والمجزئ في ذلك هو المجزئ في الأضحية، وهو رأس من الغنم أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
باب الزيارة
127 - (أ) زيارة المسجد النبوي سنة في جميع الأوقات، وليس لها تعلق بالحج، وليست واجبة.
128 - حديث: «أن من صلى فيه - يعني المسجد النبوي - أربعين صلاة كانت له براءة من النار وبراءة من النفاق (1) » ضعيف عند أهل التحقيق فلا يعتمد عليه.
باب الفوات والإحصار
129 - الإحصار يكون بالعدو وغيره كالمرض وعدم النفقة، ولا يعجل بالتحلل إذا كان يرجو زوال المانع قريبا.
130 - من أحصر فليس له التحلل حتى ينحر هديا ثم يحلق أو يقصر، فإن كان قد اشترط حل ولم يكن عليه شيء، لا
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند أنس بن مالك برقم (12173) .(16/153)
هدي ولا غيره، وإن عجز عن الهدي صام عشرة أيام ثم حلق أو قصر ثم حل.
131 - يذبح المحصر هديه في المكان الذي أحصر فيه، سواء كان داخل الحرم أو خارجه، ويعطي للفقراء، فإن لم يكن هناك فقراء وجب نقله إليهم.
باب الهدي والأضحية
132 - ليس على أهل مكة هدي تمتع ولا قران وإن اعتمروا في أشهر الحج وحجوا؛ لقول الله سبحانه لما ذكر وجوب الدم على المتمتع والصيام عند العجز عنه {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1)
133 - من ذبح هديه قبل يوم النحر فإنه لا يجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يذبحوا إلا أيام النحر، ولو كان الذبح جائزا قبل يوم النحر لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولو بينه لنقله أصحابه رضي الله عنهم.
134 - يجوز تأخير ذبح الهدي إلى اليوم الثالث عشر؛ لأن أيام التشريق كلها أيام أكل وشرب وذبح، والأفضل تقديمه يوم العيد.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(16/154)
135 - لا يجوز صيام أيام التشريق لا تطوعا ولا فرضا إلا لمن لم يجد الهدي؛ لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي (1) » رواه البخاري.
136 - الأفضل لمن عجز عن دم التمتع والقران أن يصوم قبل يوم عرفة الثلاثة الأيام، وإن صامها في أيام التشريق فلا بأس، كما تقدم ذلك في المسألة السابقة.
137 - من كان قادرا على هدي التمتع والقران وصام فإنه لا يجزئه صيامه وعليه أن يذبح ولو بعد فوات أيام النحر؛ لأنه دين في ذمته.
138 - لا يجوز إخراج قيمة الهدي وإنما الواجب ذبحه، والقول بجواز إخراج القيمة تشريع جديد ومنكر؛ قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2)
139 - تجوز الاستدانة لشراء الهدي، ولا يجب ذلك إذا كان عاجزا عن الثمن، ويجزئه الصوم.
140 - الإطعام في الفدية وكذا الذبح كلاهما لفقراء الحرم.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب صيام أيام التشريق برقم (1998) .
(2) سورة الشورى الآية 21(16/155)
141 - يوزع الهدي على الفقراء والمساكين المقيمين في الحرم من أهل مكة وغيرهم.
142 - من ترك هديه في مكان لا يستفاد منه لم يجزئه ذلك.
143 - من ذبح هديه خارج الحرم كعرفات وجدة لم يجزئه ولو وزعه في الحرم، وعليه قضاؤه، سواء كان عالما أو جاهلا.
144 - يستحب أن يأكل ويتصدق ويهدي من هدي التمتع والقران والأضحية.
145 - يستحب له أن يقول عند ذبح الهدي أو نحره: " بسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك " ويوجهه إلى القبلة، والتوجيه للقبلة سنة وليس بواجب.
146 - الأضحية سنة مؤكدة في أصح قولي أهل العلم، إلا إن كانت وصية فيجب تنفيذها، ويشرع للإنسان أن يبر ميته بالأضحية وغيرها من الصدقة.(16/156)
كتاب المناسك(16/157)
صفحة فارغة(16/158)
الحكمة في تشريع الحج وأحكامه وفوائده (1) .
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخليله وصفوته من عباده نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء في خير بقعة بإخواني في الله؛ للتواصي والتناصح بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والتذكير بالله وبحقه، والتذكير بهذه الشعيرة العظيمة شعيرة الحج، وما فيها من الخير العظيم والمنافع الكبيرة والعواقب الحميدة للمسلمين في كل مكان.
فأسأله جل وعلا أن يجعله لقاء مباركا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن
__________
(1) محاضرة لسماحة الشيخ بنادي مكة الثقافي الأدبي في حج عام 1412هـ.(16/159)
يتقبل منا ومن سائر إخواننا حجاج بيت الله الحرام وغيرهم من المسلمين، أسأل الله أن يتقبل منا جميع أعمالنا التي نتقرب بها إليه سبحانه وتعالى.
ثم أشكر أخي معالي الشيخ راشد الراجح مدير جامعة أم القرى ورئيس هذا النادي على هذه الدعوة لهذا اللقاء، وأسأل الله جل وعلا أن يبارك في جهوده، وأن يعينه على كل خير، وأن يجعلنا وإياكم وإياه من الهداة المهتدين، إنه خير مسئول.
أيها الإخوة: شعيرة الحج أمرها عظيم وفوائدها كثيرة وحكمها متنوعة، ومن تأمل كتاب الله وتأمل السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع عرف عن ذلك الشيء الكثير.
ولقد شرع الله سبحانه هذه الشعيرة لعباده لما في ذلك من المصالح العظيمة، والتعارف، والتعاون على الخير، والتواصي بالحق، والتفقه في الدين، وإعلاء كلمة الله، وتوحيده، والإخلاص له، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة والفوائد التي لا تحصى.
ومن رحمته سبحانه أن جعل الحج فرضا على جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فالحج فريضة عامة(16/160)
على جميع المسلمين: رجالا ونساء، عربا وعجما، حكاما ومحكومين، مع الاستطاعة، كما قال عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1)
فالآية الكريمة واضحة في أن هذا الحج واجب على جميع الناس مع الاستطاعة.
والحج مرة في العمر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل: «أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: لو قلتها لوجبت، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع (2) » . وهذا من تيسير الله أيضا ومن نعمته العظيمة أن جعلها مرة في العمر؛ لأنه لو كان أكثر من ذلك لكانت المشقة عظيمة بسبب الكلفة الكبيرة بالنسبة للبعيدين عن هذه البقعة المباركة، ولكن الله بلطفه ورحمته جعل الحج مرة في العمر، ومن زاد فهو تطوع. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (3) » ، متفق على صحته.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2637) ، والدارمي في (المناسك) باب كيف وجوب الحج برقم (1788) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .(16/161)
وفي الصحيحين أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (1) » .
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة (2) » .
فالحج له شأن عظيم وفوائد كثيرة، ومن فوائده العظيمة أنه إذا كان مبرورا فجزاؤه الجنة والسعادة وغفران الذنوب، وهذه فائدة كبيرة وكسب لا يقاس بغيره.
والله جل وعلا جعل هذا البيت مثابة للناس وأمنا، كما قال جل وعلا: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (3) يثوبون إليه من كل مكان مرة بعد مرة، ولا يشبعون من المجيء إليه؛ لأن في المجيء إليه خيرا عظيما وفوائد جمة، وهو مؤسس
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن مسعود برقم (3660) ، والترمذي في (الحج) باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة برقم (810) .
(3) سورة البقرة الآية 125(16/162)
على توحيد الله والإخلاص له، قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1)
فالله هيأ هذا البيت لخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليقيمه على توحيد الله، والإخلاص له، وعدم الإشراك به. وقد «سئل عليه الصلاة والسلام عن أول بيت وضع للناس، قال: هو المسجد الحرام (2) » . والله يقول في كتابه العظيم: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (3) فهو أول بيت وضع للعبادة العامة، وقد بين سبحانه وتعالى أنه أسس على توحيد الله والإخلاص له.
فمن الواجب على كل مسلم قصد هذا البيت أن يخلص العبادة لله وحده، وأن يجتهد في أن تكون أعماله كلها لله وحده: في صلاته ودعائه، في طوافه وسعيه، وفي جميع عباداته؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} (4) أي طهر مكان البيت من الشرك {لِلطَّائِفِينَ} (5) وقد بدأ بالطواف؛
__________
(1) سورة الحج الآية 26
(2) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى: '' ووهبنا لداود سليمن '' برقم (3425) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) أول الكتاب (باب) برقم (520) .
(3) سورة آل عمران الآية 96
(4) سورة الحج الآية 26
(5) سورة الحج الآية 26(16/163)
لأن الطواف لا يفعل إلا في هذا البيت العتيق، ما من عبادة في الدنيا فيها طواف إلا حول البيت العتيق، أما الطواف بالقبور والأشجار والأحجار فهو من الشرك الأكبر، كالصلاة لها والسجود لها.
وإن طاف بها تقربا لله فهو بدعة، ليس هناك طواف يتقرب به لله إلا بالبيت العتيق، وتطهيره يكون بتنزيهه من الشرك بالله والبدع المضلة، وألا يكون حوله إلا توحيد الله والإخلاص له وما شرع من العبادة.
فالواجب على حماة هذا البيت والقائمين عليه، أن يطهروا هذا البيت من الشرك والبدع والمعاصي، حتى يكون كما شرع الله بيتا مقدسا مطهرا من كل ما حرمه الله.
وفي البيت العتيق آيات بينات: مقام إبراهيم، وأرض الحرم كلها مقامات لإبراهيم، فالصفا والمروة والبيت العتيق ومنى ومزدلفة وعرفات، كلها مقامات تذكر بهذا النبي العظيم، والرسول الكريم، وما بذله من الجهود والأعمال الجليلة في سبيل توحيد الله والإخلاص له، ودعوة قومه إلى توحيد الله واتباع شريعته.
ويقول سبحانه في شعيرة الحج العظيمة: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (1) وهي شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي
__________
(1) سورة البقرة الآية 197(16/164)
الحجة، أي شهران وبعض الشهر. ثم يقول تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1) هذه من المنافع العظيمة والفوائد الكبيرة، أن الوافد لهذا البيت العتيق وفد لإخلاص العبادة لله وحده دون الشرك به سبحانه وتعالى، مع التطهر والحذر من كل ما يخالف شرع الله سبحانه، حتى تكون العبادة كاملة لله عز وجل، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، وبذلك يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، إذا حج فلم يرفث ولم يفسق.
والرفث هو: الجماع وما يدعو إليه من ملامسات ونظرات وكلمات وغيرها، كما وضح ذلك العلماء رحمهم الله. والفسوق: المعاصي كلها، المحرمة في الحج، والمحرمة مطلقا.
ومن المحرم في الحج: قص الأظافر بعد الإحرام، وقص الشعر، والتطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس للرجل، ولبس القفازين للرجل والمرأة، والنقاب للمرأة، إلى غير هذا مما حرم الله على المحرم.
وهناك محرمات عامة، كالزنا والسرقة والظلم في النفس والمال والعرض وأكل الربا إلى غير ذلك مما هو محرم على الجميع في الحج وغيره.
{وَلَا جِدَالَ} (2) وعلى المؤمن أن يكون بعيدا عن الجدال والمراء الذي يثير العداوات والشحناء فالحج وسيلة للمحبة والتعاون والصفاء، ومن حكمه العظيمة ترك ما يسبب البغضاء
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) سورة البقرة الآية 197(16/165)
والشحناء من رفث أو فسوق أو جدال، فهو وسيلة عظيمة إلى صفاء القلوب واجتماع الكلمة والتعاون على البر والتقوى، والتعارف بين عباد الله في سائر أرض الله.
ولقد كان عند العرب جدال في جاهليتها فنهى الله عن ذلك، فلا جدال في الحج، لا من جهة ما كانت عليه في الجاهلية ولا من جهة ما يسبب البغضاء والشحناء، كل ذلك لا يجوز، فإذا صدر منك لأخيك غيبة فتب إلى الله منها واستسمحه من ذلك حتى تكون الكلمات في الحج كلها تدعو إلى الخير والبر والتقوى والتعاون على الخير والصفاء، والبعد عن كل ما يسبب الفرقة والاختلاف.
أما الجدال بالتي هي أحسن فهذا مطلوب دائما في كل وقت، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) هذا مطلوب في حق المحرم وغيره، قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} (2) فلا حرج في الجدال بالتي هي أحسن لإزالة الشبه وإيضاح الحق بأدلته مع البعد عن أسباب الشحناء والعداوة.
ثم قال جل وعلا: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (3)
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) سورة العنكبوت الآية 46
(3) سورة البقرة الآية 197(16/166)
وفي هذا حث وتحريض على أنواع الخير، فعلى الحاج أن يحرص على فعل الخير بكل وسيلة، والله سبحانه يعلمه ويجازيه عليه، والخير يشمل القول والعمل؛ فالكلمة الطيبة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كله خير، والصدقة والمواساة وإرشاد الضال وتعليم الجاهل كله خير، فجميع ما ينفع الحاج أو ينفع المسلم من قول أو عمل مما شرعه الله وما أباحه جل وعلا كله خير.
ثم قال سبحانه وتعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1) فالله جل وعلا أمر الحاج بالتزود بالنفقة وبكل ما ينفعه في الحج، من العلم النافع والكتب المفيدة وكل ما ينفع نفسه أو غيره، وكلمة {وَتَزَوَّدُوا} (2) كلمة مطلقة تشمل أنواع التزود من أمور الدنيا والدين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان أناس يحجون من غير زاد ويقولون: نحن المتوكلون، فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (3) والآية عامة تعم جميع الناس، فعلى جميع الناس في كل أصقاع الدنيا أن يتزودوا من العلم ومن المال ومن كل ما ينفعهم في حجهم، حتى لا يحتاجوا للناس.
والله تعالى يقول: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (4) أي: خير الزاد للمؤمن ولإخوانه التقوى، أن يتقي الله بطاعته والإخلاص له، وفي نفع إخوانه الحجاج، وتوجيههم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) سورة البقرة الآية 197
(3) سورة البقرة الآية 197
(4) سورة البقرة الآية 197(16/167)
ومواساة المحتاج منهم بالطريقة الحسنة وبالأسلوب المناسب.
ثم كرر سبحانه فقال: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (1) أمر بعد أمر أكد فيه سبحانه وتعالى التقوى لما فيها من الخير العظيم، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (2) وسئل النبي عليه الصلاة والسلام: «أي الناس أكرم؟ قال: أتقاهم (3) » .
فأتقى الناس لله هو أكرمهم عنده وأفضلهم عنده، من عرب وعجم، وأحرار وعبيد، ورجال ونساء، وجن وأنس، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام والأنبياء، ثم بعدهم الأفضل فالأفضل.
وقد قال تعالى: {يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (4) ؛ لأن أولي الألباب - وهي العقول الصحيحة - هم الذين يعقلون عن الله، وهم الذين يفهمون مراده، وهم الذين يقدرون النصائح والأوامر، بخلاف فاقدي العقول فلا قيمة لهم، ومن أعرض عن الله وغفل عنه فليس من أولي الألباب، وإنما أولو الألباب المقبلون على الله، الراغبون في طاعته، الراغبون فيما ينفع
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) سورة الحجرات الآية 13
(3) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى: (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3353) ، ومسلم في (الفضائل) باب من فضائل يوسف برقم (2378) .
(4) سورة البقرة الآية 197(16/168)
الناس، الناس كلهم مأمورون بالتقوى، لكن أولي الألباب لهم ميزة؛ لما أعطاهم الله من العقل والبصيرة، كما قال جل وعلا في آية أخرى: {وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) فكلنا مأمورون بالتذكر والتقوى لكن أولي الألباب لهم شأن ولهم ميزة في فهم أوامر الله وتنفيذها، وهكذا قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (2) فيه آيات للجميع لكل أحد، لكن لا يفهمها ولا يعقلها ولا يقدرها إلا أولو الألباب.
ويقول سبحانه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (3) أي: أذن يا إبراهيم وأعلن للناس بالحج، وقد فعل ونادى الناس وأعلن عليه الصلاة والسلام، والدعاة إلى الله ينادون بالحج اقتداء بإبراهيم والأنبياء بعده، وبنبينا عليه الصلاة والسلام. {يَأْتُوكَ رِجَالًا} (4) أي: مشاة.
وقد استنبط بعض الناس من الآية الكريمة أن الماشي أفضل ولكن ليس بظاهر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حج راكبا وهو القدوة والأسوة، عليه الصلاة والسلام، ولكن الراجل يدل على فعله على شدة الرغبة وقوتها في الحج، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون أفضل،
__________
(1) سورة إبراهيم الآية 52
(2) سورة آل عمران الآية 190
(3) سورة الحج الآية 27
(4) سورة الحج الآية 27(16/169)
فمن جاء ماشيا فله أجره والراكب الذي رغب في رحمة الله وإحسانه له أجره وهو أفضل. {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (1) من كل فج، أي: طريق واسع بعيد من المشرق والمغرب ومن كل مكان، يريدون وجه الله والدار الآخرة.
لماذا أتوا؟ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (2) هذه المنافع أبهمها الله تعالى، ولكنه شرحها في مواضع كثيرة، منها قوله بعد ذلك: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (3) وكل ما يفعله الحاج من طاعة لله ونفع لعباده مما ذكر ومما لم يذكر كله داخل في المنافع. وهذه من حكم الله في إبهامها، حتى يدخل فيها كل ما يفعله المؤمن والمؤمنة من طاعة لله ونفع لعباده. فالصدقة على الفقير منفعة، وتعليم الجاهل منفعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفعة، وفي الدعوة إلى الله منافع عظيمة، والصلاة في المسجد الحرام منفعة، والقراءة منفعة، وتعليم العلم منفعة، وكل ما تفعله مما ينفع الناس من قول أو عمل أو صدقة أو غيرها مما شرعه الله أيضا داخل في المنافع.
فينبغي للحاج أن يستغل هذه الفرصة العظيمة ويعمرها بتقوى الله، والحرص على جميع المنافع التي ترضي الله وتنفع
__________
(1) سورة الحج الآية 27
(2) سورة الحج الآية 28
(3) سورة الحج الآية 28(16/170)
عباده، فيشتغل بذكر الله في مكة وفي المشاعر وفي جميع الأماكن، ويشتغل بطاعة الله فيما ينفع الناس، إن كان عنده علم، يعلم الناس ويفقه الناس ويدعو إلى الله ويرشد إليه ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كان عنده مال يحسن إلى الناس ويواسي الفقير ويعين على نوائب الحق، ويعمر الوقت بذكر الله وقراءة القرآن، ويعتني بأداء المناسك كما شرعها الله ويتحرى في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظم المنافع أن يكون هدفه في جميع الأمور توحيد ربه والإخلاص له ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدى.
ومما ينبغي للحاج، أن يتفقه في دينه، ويسأل إذا لم يكن عنده علم، ويحضر حلقات العلم في المسجد الحرام وفي مساجد مكة وفي المسجد النبوي، ويسأل أهل العلم، ويطلب الكتب المفيدة، ويلتمس المنسك الإسلامي الذي ليس فيه ما يخالف الشرع، ويحذر البدع والأقوال المرجوحة، ويتحرى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يكون حجه مبرورا، وحتى تكون رحلته مباركة نافعة له ولغيره، وحتى يستفيد منها بعد ذلك في بلاده.
والحج أحكامه معروفة ومناسكه معلومة لأهل العلم، وقد عرفها الكثير من المسلمين الذين ارتادوا الحج، ولكن الكثير من الناس يجهل الأحكام، فعليه أن يتعلم ويسأل أهل(16/171)
العلم عما أشكل عليه ويحرص على معرفة الأحكام الشرعية في مسائل الحج، وهكذا كل منسك يتحرى فيه صاحبه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعض عليها بالنواجذ، وهكذا يحرص على كتب أهل العلم التي تعتني بالدليل وإيضاح الحق بحجته ينبغي أن يعتني بها.
ويجب على المؤمن الحاج وغيره أن يحذر كل ما حرم الله في الحج وفي غيره، في بيته وفي طريقه وفي مجتمعه مع إخوانه وفي كل مكان، وأن يسأل الله التوفيق والإعانة على ذلك، والله جل وعلا يحب من عباده أن يسألوه ويتضرعوا إليه وهو جواد كريم سبحانه وتعالى.
والمشروع للحاج عند وصوله إلى الميقات أن يغتسل إذا تيسر له ذلك، وأن يتوضأ ويصلي ركعتين سنة الوضوء إلا أن يكون إحرامه بعد فريضة فإن ذلك يكفيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم في حجة الوداع بعد صلاة الظهر في ذي الحليفة، وإذا كان منزله قريبا من الميقات كأهل الطائف والمدينة واغتسل في بيته كفاه ذلك، لكن لا يحرم إلا إذا وصل الميقات، والمراد بالإحرام نية الحج أو العمرة أو كليهما والتلبية بذلك، أما التجرد من المخيط فلا بأس أن يفعله قبل ذلك في بيته أو في الطريق، وهكذا الغسل كما تقدم. ويتجرد من المخيط ويلبس ملابس الإحرام، ثم يركب سيارته(16/172)
والأفضل أن يكون إحرامه بالحج أو العمرة بعد الركوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بعد أن ركب دابته، والمراد بذلك نية الدخول في الحج أو العمرة. ثم يكثر من التلبية ويستمر فيها مع ذكر الله وتسبيحه والاستغفار والتوبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل، إلى أن يشرع في طواف العمرة إن كان إحرامه بعمرة، فإذا شرع في الطواف قطع التلبية. أما إن كان إحرامه بالحج فإنه يستمر في التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة، فبعد الرمي صباح العيد يقطع التلبية ويشتغل بالتكبير.
ولا بد في رمي الجمار من أن يتحقق أو يغلب على ظنه أن الحجر وصل إلى الحوض، فإن لم يتحقق ذلك أو يغلب على ظنه أعاد الرمي في الوقت، فإن خرج من منى ولم يعد فعليه دم؛ لأنه ترك واجبا، أما إذا تيسر له أن يعيد الرمي في أيام منى أعاده مرتبا بالنية ولا شيء عليه.
ومن المعلوم أنه يمكن للحاج أن يتعجل في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة بعد رمي الجمار، بعد الزوال. وإذا أحب أن يسافر طاف للوداع وسافر، هذا إذا كان قد طاف طواف الحج، أما إذا لم يكن قد طاف طواف الحج فلا مانع أن يكون طواف الحج هو طواف الوداع، فطواف الإفاضة يكفيه عن طواف الوداع إذا سافر بعده، وإن تأخر ورمى الجمار يوم(16/173)
الثالث عشر بعد الزوال فهذا هو الأفضل وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ومن غابت عليه شمس يوم الثاني عشر وهو في منى لزمه المبيت وأن يرمي يوم الثالث عشر بعد الزوال، ومن فاته الرمي حتى غابت الشمس يوم الثالث عشر لزمه دم عن ترك هذا الواجب العظيم.
أما فيما يتعلق بعرفة فهي الركن الأعظم للحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة (1) » ، فلا بد في الحج من الوقوف بعرفة يوم التاسع بعد الزوال، هذا هو المشروع عند جمهور أهل العلم، ويقول بعضهم: إذا وقف قبل الزوال أجزأه؛ لأنه يعد من عرفة. لكن المشروع أن يقف بعد الزوال إلى غروب الشمس، وإن وقف ليلة النحر أجزأه ذلك قبل طلوع الفجر، ومن فاته الوقوف بعرفة حتى طلع الفجر فاته الحج، ومن وقف نهارا وانصرف قبل الغروب فقد ترك واجبا فعليه دم عند جمهور أهل العلم.
ويشرع للحاج أن يكثر في عرفات من الدعاء والذكر والتلبية، مع رفع الأيدي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم مع القصر، بأذان
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي برقم (18475) ، والترمذي في (الحج) باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج برقم (889) .(16/174)
وإقامتين في مسجد نمرة إن تيسر له ذلك، فإن لم يتيسر ذلك، فعلى كل جماعة أن يصلوا في مكانهم تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يبقى الحاج في محله من عرفة، وعرفة كلها موقف، ويدعو الله في جميع الأحوال: جالسا أو مضطجعا أو قائما، ويكثر من الذكر والتلبية إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس انصرف بسكينة ووقار وهدوء إلى مزدلفة، ويصلي بها المغرب والعشاء قبل أن يحط الرحال، بأذان واحد وإقامتين، يصلي المغرب ثلاثا والعشاء اثنتين، ولا يصلي بينهما شيئا، ولا بين الظهر والعصر في عرفات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل بينهما شيئا.
ويمكن للحاج بعد صلاة المغرب والعشاء أن يفعل ما يشاء، فإن شاء نام، وإن شاء أكل، وإن شاء قرأ القرآن، وإن شاء ذكر الله. ويمكن للضعفاء أن ينفروا إلى منى في النصف الأخير من الليل، والأفضل بعد غروب القمر قبل الزحمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لهم، رحمة بهم وتخفيفا عنهم. ويمكنهم الرمي قبل الفجر، ومن أخر الرمي إلى الضحى فلا بأس، والرمي في الضحى للأقوياء هو الأفضل وهو السنة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طاف بعد الرمي أو قبل الرمي أجزأه، ولكن تأخير الطواف بعد الرمي والذبح والحلق يكون أفضل، تأسيا بالنبي(16/175)
صلى الله عليه وسلم، لكن لو قدم فلا بأس، «وما سئل النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: لا حرج (1) » ؛ في الرمي والذبح والحلق والتقصير والطواف والسعي.
والخلاصة أن السنة في يوم العيد: الرمي أولا، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، والحلق أفضل، ثم يتحلل، ثم الطواف والسعي إن كان عليه سعي.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يفقههم في الدين، وأن يرزقهم النشاط المتواصل لمعرفة أمور الدين والتعلم والرغبة فيما عند الله.
كما نسأله سبحانه أن يولي عليهم خيارهم، وأن يصلح قادتهم، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين في كل مكان لتحكيم شريعة الله والرضا بها وإيثارها على ما سواها، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله عليه وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها برقم (83) ، ومسلم في (الحج) باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي برقم (1306) .(16/176)
من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق (1) .
الحمد لله الذي جعل البيت مثابة للناس وأمنا، وجعله مباركا وهدى للعالمين، وأمر عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء من بعده، أن يوجه الناس ويؤذن فيهم بالحج بعد ما بوأ له مكان البيت؛ ليأتوا إليه من كل فج عميق، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (2)
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين الذي بعث رسله وأنزل كتبه لإقامة الحجة وبيان أنه سبحانه هو الواحد الأحد المستحق أن يعبد والمستحق لأن يجتمع العباد على طاعته واتباع شريعته وترك ما خالف ذلك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله الذي أرسله سبحانه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأمره أن يبلغ الناس مناسكهم، ففعل ذلك قولا وعملا، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
لقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع وبلغ الناس
__________
(1) محاضرة ألقاها سماحته في نادي مكة الثقافي الأدبي مساء السبت 28\11\1409هـ.
(2) سورة الحج الآية 28(16/177)
مناسكهم قولا وعملا، وقال للناس: «خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا (1) » ، فشرع لهم أعمال الحج، وأقوال الحج، وجميع مناسكه بقوله وفعله عليه الصلاة والسلام، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق الجهاد، حتى أتاه اليقين من ربه عليه الصلاة والسلام، فسار خلفاؤه الراشدون وصحابته المرضيون رضي الله عنهم جميعا على نهجه القويم، وبينوا للناس هذه الرسالة العظيمة بأقوالهم وأعمالهم، ونقلوا إلى الناس أقواله وأعماله عليه الصلاة والسلام بغاية الأمانة والصدق، رضي الله عنهم وأرضاهم وأحسن مثواهم.
وكان أعظم أهداف هذا الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق، وإرشادهم إليه، حتى يستقيموا على دين الله، وحتى يعبدوه وحده، وحتى ينقادوا لشرعه. فمن أجل ذلك رأيت أن تكون كلمتي في هذا المقام بهذا العنوان: (من أهداف الحج توحيد كلمة المسلمين على الحق) . وللحج أهداف كثيرة يأتي بيان كثير منها إن شاء الله.
أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(16/178)
لي في الله، وفي نادي مكة الثقافي الأدبي؛ للتناصح والتعاون على الخير، وبيان كثير من أهداف هذا المنسك العظيم، وهو حج بيت الله الحرام، ليكون حجاج بيت الله الحرام على بصيرة، وليستفيدوا مما شرع الله لهم ومما قد يجهله كثير منهم.
ثم أشكر القائمين على هذا النادي وعلى رأسهم الأخ الكريم الدكتور \ راشد الراجح رئيس النادي ومدير جامعة أم القرى على دعوتهم لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يعين القائمين على النادي على كل خير، وأن ينفع بجهودهم المسلمين، وأن يجعلنا جميعا من الهداة المهتدين ومن أنصار الحق أينما كنا.
أيها الإخوة في الله، إن الله جل وعلا شرع الحج لعباده، وجعله الركن الخامس من أركان الإسلام، لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع لا تحصى، وقد أشار الله جل وعلا إلى ذلك في كتابه العظيم، حيث يقول جل وعلا: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1) {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (2) {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (3)
__________
(1) سورة آل عمران الآية 95
(2) سورة آل عمران الآية 96
(3) سورة آل عمران الآية 97(16/179)
فبين سبحانه وتعالى أن هذا البيت أول بيت وضع للناس؛ أي في الأرض للعبادة والتقرب إلى الله بما يرضيه، كما ثبت في الصحيحين في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله، أخبرني عن أول مسجد وضع في الأرض، قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: وكم بينهما؟ قال: أربعون عاما، قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فإنها مسجد (1) » .
فبين عليه الصلاة والسلام أن أول بيت وضع للناس هو المسجد الحرام، والمعنى أنه أول بيت وضع للعبادة والتقرب إلى الله عز وجل، كما قال أهل العلم، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن المقصود أنه أول بيت وضع للعبادة والطاعة والتقرب إلى الله عز وجل بما يرضيه من الأقوال والأعمال، ثم بعده المسجد الأقصى بناه حفيد إبراهيم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعا الصلاة والسلام، ثم جدده في آخر الزمان بعد ذلك بمدة طويلة نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك كل الأرض مسجد، ثم جاء مسجد النبي عليه الصلاة
__________
(1) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى (واتخذ الله إبراهيم خليلا) برقم (3366) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) أول الكتاب (باب) برقم (520) .(16/180)
والسلام، وهو المسجد الثالث في آخر الزمان على يد نبي الساعة محمد عليه الصلاة والسلام، فبناه بعد ما هاجر إلى المدينة هو وأصحابه رضي الله عنهم، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه أفضل المساجد بعد المسجد الحرام. فالمساجد المفضلة ثلاثة: أعظمها وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد النبي عليه الصلاة والسلام ثم المسجد الأقصى. والصلاة في هذه المساجد مضاعفة؛ جاء في الحديث الصحيح أنها في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وجاء في مسجده عليه الصلاة والسلام أن الصلاة في مسجده خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وجاء في المسجد الأقصى أنها بخمسمائة صلاة، وهي المساجد العظيمة المفضلة وهي مساجد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وشرع الله جل وعلا الحج لعباده، لما في ذلك من المصالح العظيمة، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الحج مفروض على العباد المكلفين المستطيعين السبيل إليه، كما دل عليه كتاب الله عز وجل في قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1)
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، فقال:
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97(16/181)
«أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فقيل: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فقال: الحج مرة فمن زاد فهو تطوع (1) » . فهو فرض مرة في العمر، فما زاد على ذلك فهو تطوع، على الرجال والنساء المكلفين المستطيعين السبيل إليه، ثم هو بعد ذلك تطوع وقربة عظيمة، كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2) » متفق على صحته. وهذا يعم الفرض والنفل من العمرة والحج. وقال عليه الصلاة والسلام: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (3) » . وفي اللفظ الآخر: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (4) » . أخرجه البخاري.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2637) ، والدارمي في (المناسك) باب كيف وجوب الحج برقم (1788) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
(4) رواه البخاري في الحج باب قول الله تعالى: (فلا رفث) برقم (1819) .(16/182)
وهذا يدل على الفضل العظيم للحج والعمرة، وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
فجدير بأهل الإيمان أن يبادروا بحج بيت الله، وأن يؤدوا هذا الواجب العظيم أينما كانوا إذا استطاعوا السبيل إلى ذلك، وأما بعد ذلك فهو نافلة وليس بفريضة، ولكن فيه فضل عظيم، كما في الحديث الصحيح: «قيل: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: حج مبرور (1) » . متفق عليه.
وقد حج عليه الصلاة والسلام حجة الوداع، وشرع للناس المناسك بقوله وفعله، وخطبهم في حجة الوداع في يوم عرفة خطبة عظيمة، ذكرهم فيها بحقه سبحانه وتوحيده، وأخبرهم فيها أن أمور الجاهلية موضوعة وأن الربا موضوع وأن دماء الجاهلية موضوعة، وأوصاهم فيها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله والاعتصام بهما، وأخبر أنهم لن يضلوا ما
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب من قال: إن الإيمان هو العمل برقم (26) ومسلم في (الإيمان) باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (83) .(16/183)
اعتصموا بهما، وبين حق الرجل على زوجته وحقها عليه، وبين أمورا كثيرة عليه الصلاة والسلام، ثم قال: «وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها إلى الأرض ويقول: اللهم اشهد اللهم اشهد (1) » . عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
ولا شك أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة عليه الصلاة والسلام على خير الوجوه وأكملها، ونشهد له بذلك كما شهد له صحابته رضي الله عنهم وأرضاهم. وقد بين عليه الصلاة والسلام مناسك الحج وأعماله بأقواله وأفعاله، وكان خروجه من المدينة في آخر ذي القعدة من عام عشر، محرما بالحج والعمرة قارنا بينهما، من ذي الحليفة، وساق الهدي عليه الصلاة والسلام، وأتى مكة في صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، ولم يزل يلبي من الميقات من حين أحرم من ذي الحليفة بتلبيته المشهورة: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك (2) » ،
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب التلبية برقم (1549) ، ومسلم في (الحج) باب التلبية وصفتها ووقتها برقم (1184) .(16/184)
بعدما لبى بالحج والعمرة عليه الصلاة والسلام. وكان قد خير أصحابه في ذي الحليفة بين الأنساك الثلاثة، فمنهم من لبى بالعمرة ومنهم من لبى بالحج ومنهم من لبى بهما، «وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالتلبية» ، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم، ولم يزل يلبي حتى وصل إلى بيت الله العتيق، وبين للناس ما يقولونه من الأذكار والدعاء في طوافهم وسعيهم وفي عرفات وفي مزدلفة وفي منى، وبين الله جل وعلا ذلك في كتابه العظيم حيث قال جل وعلا: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (1) {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) إلى أن قال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (3) الآية.
فالذكر من جملة المنافع المذكورة في قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (4) الآية. وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على
__________
(1) سورة البقرة الآية 198
(2) سورة البقرة الآية 199
(3) سورة البقرة الآية 203
(4) سورة الحج الآية 28(16/185)
العام. وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله (1) » .
وشرع للناس كما جاء في كتاب الله ذكر الله عند الذبح، وشرع لهم ذكر الله عند رمي الجمار فكل أنواع مناسك الحج ذكر لله قولا وعملا. فالحج بأعماله وأقواله كله ذكر لله عز وجل، كله دعوة إلى توحيده والاستقامة على دينه والثبات على ما بعث به رسوله محمد عليه الصلاة والسلام. فأعظم أهدافه توجيه الناس إلى توحيد الله والإخلاص له والاتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما بعثه الله به من الحق والهدى في الحج وغيره. فالتلبية أول ما يأتي به الحاج والمعتمر، يقول: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك (2) » يعلن توحيده لله وإخلاصه لله وأن الله سبحانه لا شريك له؛ وهكذا في طوافه يذكر الله ويعظمه ويعبده بالطواف وحده، ويسعى فيعبده بالسعي وحده دون كل ما سواه، وهكذا بالتحليق والتقصير، وهكذا بذبح الهدايا والضحايا، كل ذلك لله وحده، وهكذا
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) مسند عائشة برقم (24557) ، وأبو داود في (المناسك) باب في الرمل برقم (1888) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب التلبية برقم (1549) ، ومسلم في (الحج) باب التلبية وصفتها ووقتها برقم (1184) .(16/186)
بأذكاره التي يقولها في عرفات وفي مزدلفة وفي منى، كلها ذكر لله وتوحيد له ودعوة إلى الحق وإرشاد للعباد وأن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده وأن يتكاتفوا في ذلك ويتعاونوا وأن يتواصوا بذلك. وهم يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، هذه المنافع كثيرة جدا أجملها الله تعالى في الآية وفصلها في مواضع كثيرة، منها الطواف، وهو عبادة عظيمة ومن أعظم أسباب تكفير الذنوب وحط الخطايا، وهكذا السعي، وما فيهما من ذكر الله عز وجل والدعاء، وهكذا ما في عرفات من ذكر الله والدعاء، وما في مزدلفة من ذكر الله والدعاء، وما في ذبح الهدايا من ذكر الله وتكبيره وتعظيمه، وكل أعمال الحج تذكر بالله وحده وتدعو المسلمين جميعا إلى أن يكونوا جسدا واحدا وبناء واحدا في اتباع الحق والثبات عليه والدعوة إليه والإخلاص لله سبحانه في جميع الأقوال والأعمال، وهم يتلاقون على هذه الأراضي المباركة يريدون التقرب إلى الله وعبادته سبحانه، وطلب غفرانه وعتقه من النار، ولا شك أن هذا مما يوحد القلوب ويجمعها على طاعة الله والإخلاص له واتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، ولهذا قال عز وجل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (1) فأخبر سبحانه أنه
__________
(1) سورة آل عمران الآية 96(16/187)
مبارك بما يحصل لزواره والحاجين إليه من الخير العظيم من الطواف والسعي وسائر ما شرعه الله من أعمال الحج والعمرة، وهو مبارك تحط عنده الخطايا وتضاعف عنده الحسنات وترفع عنده الدرجات، ويرفع الله ذكر أهله المخلصين الصادقين ويغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم الجنة فضلا منه وإحسانا إذا أخلصوا له واستقاموا على أمره وتركوا الرفث والفسوق، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (1) » . والرفث: هو الجماع قبل التحلل، وما يدعو إلى ذلك من قول وعمل مع النساء كله رفث.
والفسوق: جميع المعاصي القولية والفعلية. يجب على الحاج تركها والحذر منها، وهكذا الجدال يجب تركه إلا في خير، كما قال جل وعلا: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (2)
الحج كله دعوة إلى طاعة الله ورسوله، دعوة إلى تعظيم الله وذكره، دعوة إلى ترك المعاصي والفسوق، دعوة إلى ترك الجدال الذي يجلب الشحناء والعداوة ويفرق بين المسلمين،
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
(2) سورة البقرة الآية 197(16/188)
أما الجدال بالتي هي أحسن فهذا مأمور به في كل زمان ومكان، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) وهذا طريق الدعوة في كل زمان ومكان في البيت العتيق وغيره يدعو إخوانه بالحكمة، وهي العلم بما قاله الله تعالى وقاله رسوله، وبالموعظة الحسنة الطيبة اللينة التي ليس فيها عنف ولا إيذاء، ويجادل بالتي هي أحسن عند الحاجة بالعبارات الحسنة والأساليب الجيدة المفيدة التي تزيل الشبهة وتوضح الحق دون عنف وشدة. فالحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه إلى الخير والإعانة على الحق. فإذا التقى مع إخوانه من سائر أقطار الدنيا وتذاكروا فيما يجب عليهم وما شرع الله لهم كان ذلك من أعظم الأسباب في توحيد كلمتهم واستقامتهم على دين الله وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى.
فالحج فيه منافع عظيمة، فيه خيرات كثيرة؛ فيه دعوة إلى الله، وتعليم وإرشاد، وتعارف، وتعاون على البر والتقوى، بالقول والفعل المعنوي والمادي، ولهذا يشرع لجميع الحجاج والعمار أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى، متناصحين،
__________
(1) سورة النحل الآية 125(16/189)
حريصين على طاعة الله ورسوله، مجتهدين فيما يقربهم إلى الله، متباعدين عن كل ما حرم الله.
وأعظم ما أوجبه الله وتوحيده وإخلاص العبادة له في كل مكان وفي كل زمان، ولا سيما في هذه البقعة العظيمة المباركة، فإن من الواجب إخلاص العبادة لله وحده في كل مكان وفي كل زمان، وفي هذا المكان أعظم وأوجب، فيخلص الحاج لله عمله وقوله من طواف وسعي ودعاء وغير ذلك، وهكذا بقية الأعمال كلها لله وحده جل وعلا مع الحذر من معاصي الله عز وجل، ومع الحذر من ظلم العباد وإيذائهم بقول أو عمل. فالمؤمن يحرص كل الحرص على نفع إخوانه والإحسان إليهم وتوجيههم إلى الخير، وبيان ما قد يجهلون من أمر الله وشرعه، مع الحذر من إيذائهم وظلمهم: في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله، بل يحب له كل خير ويكره له كل شر أينما كان، ولا سيما في بيت الله العتيق وفي حرمه الأمين وفي بلد رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الله جعل هذا الحرم آمنا، جعله آمنا من كل ما يخافه الناس. فعلى المسلم أن يحرص على أن يكون مع أخيه في غاية من الأمانة، ينصحه ويرشده، ولا يغشه ولا يخونه ولا يؤذيه، لا بقول ولا بعمل، فقد جعل الله هذا الحرم آمنا، كما قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 125(16/190)
وقال جل وعلا: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} (1)
فالمؤمن يحرص كل الحرص على تحقيق هذا الأمن، وأن يكون بنفسه حريصا على الإحسان لأخيه وإرشاده إلى ما ينفعه ومساعدته دنيا ودينا على كل ما فيه راحة ضميره وإعانته على أداء المناسك، كما أنه يحرص كل الحرص على البعد عن كل ما حرم الله من سائر المعاصي، ومن جملة ذلك إيذاء العباد، فإن ذلك من أكبر المحرمات، وإذا كان مع حجاج بيت الله الحرام ومع العمار صار الظلم أكثر إثما، وأشد عقوبة، وأسوأ عاقبة.
فالحج والعمرة نسكان عظيمان من أعظم العبادة التي يترتب عليها خير عظيم، ومنافع جمة، وعواقب حميدة، لسائر المسلمين في سائر أقطار الدنيا. فالصلوات الخمس يجتمع فيها العباد في كل بلد يتعارفون ويتناصحون ويتعاونون على البر والتقوى، لكن الحج يجتمع فيه العالم من كل مكان. فإذا كانت الصلوات هي من الخير العظيم لاجتماعهم عليها في أوقات خمسة، فهكذا الحج في كل عام فيه خير عظيم، والأمر
__________
(1) سورة القصص الآية 57(16/191)
فيه أوجب وأعظم من جهة دعوة الناس إلى الخير؛ لأنهم يأتون من كل فج عميق، وقد لا تلقى أخاك الذي تراه في الحج بعد ذلك، وهكذا المرأة عليها أن تحرص وأن تبذل وسعها في إرشاد أخواتها في الله مما علمها الله، فالرجل يرشد إخوانه وأخواته في الله من حجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، والمرأة كذلك ترشد إخوانها وأخواتها في الله - مما تعلم - من الحجاج والعمار.
وهكذا يكون الحج وهكذا تكون العمرة، فيهما التعاون والتواصي بالحق والتناصح والإرشاد إلى الخير وبذل المعروف وكف الأذى أينما كان الحجاج والعمار، في المسجد الحرام وفي خارج المسجد، في الطواف وفي السعي وفي رمي الجمار وفي غير ذلك، يحرص كل واحد على كل ما ينفع أخاه ويدرأ عنه الأذى في جميع أرجاء البلد الكريم، وفي جميع مشاعر الحج؛ يرجو من الله المثوبة ويحذر مغبة الظلم والأذى لإخوانه المسلمين، وهذا كله داخل في قوله سبحانه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (1) وإنما كان مباركا وهدى للعالمين؛ لما يحصل لقاصديه من الخير العظيم في هذا البيت العتيق، من الطواف والسعي والتلبية والأذكار
__________
(1) سورة آل عمران الآية 96(16/192)
العظيمة، يهتدون بها إلى توحيد الله وطاعته، ويحصل لهم من التعارف والتلاقي والتواصي والتناصح ما يهتدون به إلى الحق، ولهذا سمى الله بيته مباركا وهدى للعالمين؛ لما يحصل فيه من البركة والخير العظيم، من تلبية وأذكار وطاعة عظيمة، تبصر العباد بربهم وتوحيده، وتذكرهم بما يجب عليهم نحوه سبحانه، ونحو رسوله عليه الصلاة والسلام، وتذكرهم بما يجب عليهم نحو إخوانهم الحجاج والعمار، من تناصح، وتعاون، وتواص بالحق، ومواساة للفقير، ونصر للمظلوم، وردع للظالم، وإعانة على كل وجوه الخير.
هكذا ينبغي لحجاج بيت الله الحرام ولعماره، أن يوطنوا أنفسهم لهذا الخير العظيم، وأن يستعدوا لكل ما ينفع إخوانهم، وأن يحرصوا على بذل المعروف وكف الأذى، كل واحد مسئول عما حمله الله حسب طاقته، كما قال سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يوفق حجاج بيته العتيق وعماره لما فيه صلاحهم ونجاتهم ولما فيه قبول عمرتهم ولكل ما فيه صلاح أمر دينهم
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(16/193)
ودنياهم. كما أسأله سبحانه أن يرد جميع الحجاج إلى بلادهم سالمين موفقين مسترشدين، مستفيدين من حجهم ما يسبب نجاتهم من النار ودخولهم الجنة واستقامتهم على الحق أينما كانوا. كما أسأل الله أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، ولكل ما يعين الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه سبحانه. وقد فعلت الدولة - وفقها الله - الشيء الكثير من المشاريع والأعمال التي تساعد الحجاج على أداء مناسكهم، وتؤمنهم في رحاب هذا البيت العتيق، فجزاها الله خيرا وضاعف مثوبتها.
ولا شك أن الواجب على الحجاج أن يبتعدوا عن كل ما يسبب الأذى والتشويش من سائر الأعمال، كالمظاهرات والهتافات والدعوات المضللة والمسيرات التي تضايق الحجاج وتؤذيهم، إلى غير ذلك من أنواع الأذى التي يجب أن يحذرها الحجاج.
وسبق أن أوضحنا الواجب على الحجاج بأن يكون كل واحد منهم حريصا على نفع أخيه وتيسير أدائه مناسكه، وأن لا يؤذيه، لا في طريق ولا في غيره. كما أسأله أن يوفق الحكومة وأن يعينها على كل ما فيه نفع الحجيج وتسهيل أداء مناسكهم، وأن يبارك في جهودها وأعمالها، وأن يوفق القائمين على شئون الحج لكل ما فيه تيسير أمور الحجيج، ولكل ما فيه(16/194)
إعانتهم على أداء مناسكهم على خير حال. كما أسأله عز وجل أن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين في كل مكان لما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم. وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في عباد الله، وأن يعيذنا وإياهم من اتباع الهوى ومن مضلات الفتن، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.(16/195)
أهداف الحج ومقاصده (1)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه نبينا محمد بن عبد الله، إمام الدعاة إليه، صلى الله وسلم وكرم وبارك عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء لإخوة في الله، للتناصح والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الخير، وبيان أهداف هذا الحج العظيم والركن الخامس من أركان الإسلام؛ ليعلم المؤمن أهداف هذه العبادة ومقاصدها، فيكون لها أشوق، وفي أداء المناسك أرغب، ويسأل ربه المزيد من كل خير، والعون على كل خير والقبول لعمله. ثم أشكر القائمين على هذا النادي الأدبي، وعلى رأسهم صاحب الفضيلة معالي الدكتور راشد الراجح على دعوتهم لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يجزيهم عن ذلك خيرا، وأن
__________
(1) محاضرة لسماحته ألقاها بنادي مكة الثقافي الأدبي مساء يوم 26\11\1410هـ.(16/196)
يضاعف مثوبتهم، وأن يتقبل منا جميعا أعمالنا وأقوالنا، وأن يعيننا على كل خير وأن يوفق جميع المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح أحوالهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه.
أيها الإخوة في الله: الحج له أهداف عظيمة ومقاصد متنوعة وفيه منافع عاجلة وآجلة، منافع في الدنيا والآخرة، من صلاة وصوم وزكاة وحج وغير ذلك، كل شرائعه سبحانه فيها الخير العظيم والمنافع الجمة للعباد في عاجل أمرهم في هذه الدنيا، من صلاح القلوب، واستقامة الأحوال، والرزق الطيب، وراحة الضمير، إلى غير ذلك، مع ما في ذلك من العاقبة الحميدة، والفوز الكبير بدار النعيم، مع النظر إلى وجهه جل وعلا، والفوز برضاه.
ومن ذلك الحج، وهو عبادة عظيمة سنوية شرعها الله للعباد؛ لما فيها من المنافع العظيمة وما تهدف إليه من المقاصد الجليلة ولما يترتب عليها من خير في الدنيا والآخرة، وهي عبادة فريضة على جميع المكلفين في جميع أقطار الدنيا، رجالا ونساء، إذا استطاعوا السبيل إليها، كما قال جل وعلا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1) وفي
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97(16/197)
الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (1) » . فهذه الدعائم الخمس هي أركان الإسلام وهي عموده التي يقوم بناؤه عليها، وكان فرضه في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة. وفي صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله تعالى عنه في سؤال جبرائيل عن الإسلام والإيمان قال له عليه الصلاة والسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (2) » . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (3) » . وهذا يعم الحج والعمرة جميعا. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) .
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم (8) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(16/198)
العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (1) » .
هذا من مقاصد الحج ومقاصد العمرة، فمن أداها على الوجه المرضي كان جزاؤه الجنة والكرامة وغفران الذنوب وحط الخطايا. ويا لهذا الهدف من خير عظيم وفضل كبير.
إن من أتى هذا البيت مخلصا لله جل وعلا يريد وجهه الكريم، من قريب أو بعيد، ثم أدى هذا الحج على وجه البر لا رفث فيه ولا فسوق، فإن الله جل وعلا يكتب له به الجنة وغفران الذنوب، وهكذا العمرة، يقول: «من أتى هذا البيت (2) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما (3) » .
هذا الهدف العظيم لقاصدي هذا البلد المبارك هو مطلب كل مؤمن وكل مؤمنة، الفوز بالجنة والنجاة من النار وغفران الذنوب وحط الخطايا، والله جل وعلا أخبر عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أنه دعا لأهل هذا البلد، فقال جل وعلا على لسان خليله إبراهيم: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (4)
واستجاب الله هذا الدعاء، فبعث خليله محمدا عليه الصلاة
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .
(2) صحيح مسلم الحج (1350) .
(3) صحيح البخاري الحج (1773) ، صحيح مسلم الحج (1349) ، سنن الترمذي الحج (933) ، سنن النسائي مناسك الحج (2629) ، سنن ابن ماجه المناسك (2888) ، مسند أحمد بن حنبل (2/462) ، موطأ مالك الحج (776) .
(4) سورة البقرة الآية 129(16/199)
والسلام، في هذه الأمور التي بينها، ويتلو عليهم كتاب الله المنزل، ويعلمهم الكتاب وهو القرآن، والحكمة وهي السنة، ويزكيهم بما بعثه الله به من الأخلاق العظيمة والعبادات الرفيعة المتنوعة، ويطهرهم من الأخلاق الذميمة والصفات المنكرة. فالإسلام طهرة لهم وزكاة لهم من جميع أعمالهم وجميع أخلاقهم المنحرفة، وتوجيه لهم إلى طيب الأعمال وزكي الأعمال، ومن ذلك الحج.
والله بعث محمدا وسائر الأنبياء بما فيه طهارة القلوب وطهارة الأعمال، وصلاح القلوب وصلاح الأعمال، وصلاح الأخلاق.
فمن الزكاة والطهرة إقام الصلوات كما شرعها الله، وأداء الزكاة كما شرعها الله، وصوم رمضان كما شرعه الله، وحج البيت كما شرعه الله، وهكذا أداء بقية الأوامر مع اجتناب النواهي. فالرسل عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم خاتمهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بعثوا ليطهروا الناس من أخلاقهم الذميمة وأعمالهم الخبيثة، ويزكوهم بالأعمال الطيبة والأخلاق الكريمة، التي أعظمها وأساسها توحيد الله سبحانه وتعالى، وإخلاص العبادة له جل وعلا في جميع الأحوال، وترك عبادة ما سواه، والإيمان به ورسله، وبكل ما أخبر الله به ورسله عما كان وما يكون، والإيمان بنبيه محمد(16/200)
صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على دينه، هذا أصل الدين وأساسه، توحيد الله والإخلاص له، وهو أعظم هدف للحج وأعظم مقصد، أن يأتي العبد مخلصا لله، يقصد وجهه الكريم ويلبي ويقول: " لبيك لا شريك لك "، يريد إخلاص العبادة له وحده، يريد توجيه قلبه وعمله لله سبحانه وتعالى ويكرر: " لبيك اللهم لبيك "، يعني: أنا عبدك مقيم لعبادتك إقامة بعد إقامة، ومجيب لدعوتك على دين رسولك وخليلك إبراهيم وعلى دين حفيده محمد عليه الصلاة والسلام، مجيب لذلك إجابة بعد إجابة، أقصد وجهك، وأخلص لك العمل، وأنيب إليك في جميع الأعمال، من صلاة وحج وغير ذلك: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ". هذا أول شيء يبدأ به قاصد البيت العتيق، إخلاص العبادة لله وحده، والتوجه إليه، والإقرار بأنه سبحانه الواحد الأحد، لا شريك له في الخلق والتدبير والملك، ولا في الأسماء والصفات، فله الأسماء الكاملة، والصفات الكاملة العالية جل وعلا، لا شبيه له ولا مثيل له في ذلك، وله العبادة وحده دون كل ما سواه، فهو مختص بالعبادة وحده دون كل ما سواه، كما قال جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1) وقال عز وجل
__________
(1) سورة البينة الآية 5(16/201)
{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (1) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (2) وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) وقال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (4)
فالعبادة حقه وما سواه معبود بالباطل، فمن عبد الرسل أو الأنبياء أو الملائكة أو الصالحين أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك فقد عبد الباطل. فالرسل أفضل عباد الله، لكن لا حق لهم في العبادة، فالعبادة حق الله، والملائكة والصالحون من خير عباد الله، من جن وإنس، لكن لا حق لهم في العبادة.
العبادة حق الله وحده ليس له فيها شريك قال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (5) وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (6) وقال جل وعلا: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (7) {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (8) فبين
__________
(1) سورة الزمر الآية 2
(2) سورة الزمر الآية 3
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة الحج الآية 62
(5) سورة الإسراء الآية 23
(6) سورة الجن الآية 18
(7) سورة فاطر الآية 13
(8) سورة فاطر الآية 14(16/202)
سبحانه أن الدعوة لغيره شرك بالله تعالى، سواء كان المدعو ملكا أو رسولا أو نبيا أو صالحا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك. ويقول جل وعلا: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (1) فسماهم كفرة بذلك.
فمن أعظم مقاصد الحج وأعظم أهدافه إخلاص العبادة لله وحده، وتوجيه القلوب إليه جل وعلا، إيمانا بأنه يستحق العبادة، وإيمانا بأنه المعبود الحق، وإيمانا بأنه رب العالمين وحده، وأنه صاحب الأسماء والصفات الكريمة وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا ند له سبحانه وتعالى. وقد أشار إلى هذا في قوله جل وعلا: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (2) وفي البقرة: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (3) يعبدانه وحده عند بيته الكريم، ويطهران ما حول البيت من الأصنام والأوثان وسائر ما حرم الله من النجاسات ومن كل ما يؤذي الحجيج أو العمار أو يشغلهم
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 117
(2) سورة الحج الآية 26
(3) سورة البقرة الآية 125(16/203)
عن هدفهم. فالبيت للمصلين وللطائفين وللعاكفين وهم المقيمون عنده يعبدون الله فيه وفي حرمه، يجب أن يطهر لهم من كل ما يصد عن سبيل الله، أو يلهي الوافدين إليه من قول أو عمل. ثم يقول سبحانه بعد ذلك: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (1)
وقد أذن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الناس وأسمع صوته لمن شاء من العباد وأجاب الناس هذه الدعوة المباركة من عهد إبراهيم إلى يومنا هذا. وقد جاء في آثار فيها نظر أن آدم حج البيت ومن بعده إلى عهد إبراهيم، ولكن الأدلة الثابتة أن أول من قام بتعميره والدعوة إليه هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولكن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض ثم حرمه بحرمة الله إلى يوم القيامة. ثم قال جل وعلا: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (2) أطلقها وأبهمها لعظمها وكثرتها، منافع عاجلة وآجلة، منافع دنيوية وأخروية، فمنها وأعظمها ليشهدوا توحيده والإخلاص له، في الطواف ببيته، والصلاة في رحاب بيته، والدعوة له سبحانه، والإنابة إليه، والضراعة إليه بأن يقبل حجهم، ويغفر لهم ذنوبهم، ويردهم سالمين إلى بلادهم،
__________
(1) سورة الحج الآية 27
(2) سورة الحج الآية 28(16/204)
ويمن عليهم بالعودة إليه مرة بعد مرة، ليضرعوا إليه جل وعلا.
هذه أعظم المنافع، أن يعبدوه وحده، وأن يأتوا قاصدين وجهه الكريم لا رياء ولا سمعة، بل جاءوا ليطوفوا في بيته، وليعظموه، وليصلوا في رحاب بيته ويسألوه من فضله جل وعلا. هذه أعظم المنافع وأكبرها، توحيده والإخلاص له، والإقرار بذلك بين عباده، والتواصي بذلك بين العباد الوافدين. يتعرفون هذا الأمر العظيم، ويلبون بأصوات يسمعها كل أحد؛ ولهذا شرع الله رفع الصوت بالتلبية، ليعرفوا هذا المعنى، وليحققوه، وليتعهدوه في قلوبهم وألسنتهم. وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن جبرائيل أتاني فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال (1) » . فالسنة رفع الصوت بهذه التلبية، حتى يعلمها القاصي والداني، ويتعلمها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وحتى يستشعر معناها ويتحقق معناها، وأن معناها إخلاص العبادة لله وحده، والإيمان بأنه إلههم الحق، خالقهم ورازقهم ومعبودهم جل وعلا في الحج وغيره.
ومن مقاصد الحج أن يتعارف المسلمون ويتواصوا بالحق
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث السائب بن خلاد برقم (16122) ، والترمذي في (الحج) باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية برقم (829) .(16/205)
ويتناصحوا. يأتون من كل فج عميق من غرب الأرض وشرقها وجنوبها وشمالها، يجتمعون في بيت الله العتيق، في عرفات، في مزدلفة، في منى، في رحاب مكة، يتعارفون ويتناصحون، ويعلم بعضهم بعضا، ويرشد بعضهم بعضا، ويساعد بعضهم بعضا، ويواسي بعضهم بعضا، مصالح عاجلة وآجلة، مصالح التعليم والتوجيه والإرشاد والدعوة إلى سبيل الله، وتعليم مناسك الحج، وتعليم الصلاة، وتعليم الزكاة، يسمعون من العلماء ما ينفعهم؛ لأن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بما يزكيهم وبما يعلمهم الكتاب والحكمة، فيسمعون في رحاب البيت العتيق وفي رحاب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ذهبوا إليه وزاروه، يسمعون من العلماء ما فيه الهداية والبلاغ والإرشاد إلى طريق الرشاد، وسبيل السعادة إلى توحيد الله والإخلاص له، إلى ما أوجبه على عباده من الطاعات وإلى ما حرم عليهم من المعاصي ليحذروها، وليعرفوا حدود الله ويتعاونوا على البر والتقوى.
فمن أعظم المنافع وأجلها أن يتعلموا دين الله، ويتبصروا في رحاب البيت العتيق، ورحاب المسجد النبوي، من العلماء والمرشدين والمذكرين ما قد يجهلون من أحكام دينهم، وما قد يجهلون من أحكام حجهم وعمرتهم، حتى يؤدوها على علم وبصيرة، وحتى يعبدوا الله في أرضهم وأينما كانوا على علم وبصيرة.(16/206)
من هنا نبع هذا العلم، ونبع علم التوحيد وصدر، ثم من المدينة، ثم من سائر هذه الجزيرة ومن سائر بلاد الله التي وصلها العلم وأهله، لكن أصله من هنا من رحاب بيت الله العتيق.
فعلى العلماء أينما كانوا، وعلى الدعاة أينما كانوا، ولا سيما هنا في رحاب بيت الله، أن يعلموا الناس، أن يعلموا الحجيج ويعلموا العمار ويعلموا القاطنين والوافدين والزائرين، يعلمونهم مناسك حجهم، يعلمونهم لماذا خلقوا، وبماذا أمروا. خلقوا ليعبدوا الله، وأمروا بعبادة الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2) فعلى العلماء - وفقهم الله - أينما كانوا، ولا سيما الموجودين في رحاب البيت العتيق، أن يعلموا الناس، أن يعلموا ضيوف بيت الله الحرام، وأن يرشدوهم في المساجد وفي الطرقات وفي السيارة وفي الطائرة وفي السفينة، في أي مكان، عليهم أن يعلموهم دينهم وما خلقوا له، وأن يرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروهم من أسباب الهلاك، وعليهم بوجه خاص أن يعلموهم مناسك حجهم وعمرتهم التي جاءوا ليؤدوها، يعلموهم في البيوت إذا اجتمعوا
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 21(16/207)
في البيوت، وفي الخيمة وفي الطريق وفي المسجد وفي السيارة وفي الطائرة وفي السفينة وفي أي مكان. هكذا المؤمن، هكذا العالم، هكذا طالب العلم لا يدع فرصة إلا انتهزها للتعليم والتوجيه والإرشاد، والمؤمن هكذا لا يدع فرصة إلا انتهزها للتعليم والاستفادة من العالم وطالب العلم أينما كان، ولا سيما في رحاب بيت الله العتيق في أيام الحج، هذا الموسم العظيم.
فالمسلم مأمور بالتعلم وبالتفقه أينما كان في أي مكان وزمان، ولكن في رحاب بيت الله العتيق الأمر أعظم، هذا له خصائص والحاجة ماسة والحج حاضر فأنت في أشد الحاجة إلى أن تتعلم، ويجب عليك أن تتعلم؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » رواه الشيخان. فمن علامات الخير لك والسعادة أن تتفقه في دين الله، هنا في بلد الله العتيق وفي بلادك وفي أي أرض كنت من أرض الله متى وجدت العالم، متى وجدت العلم فانتهز الفرصة ولا تتكبر ولا تكسل، فالعلم لا يناله المتكبرون ولا يناله الكسالى والعاجزون، فهو يحتاج إلى نشاط وهمة عالية، ولا يناله المستحون، وهو ليس حياء في الحقيقة الذي
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين برقم (71) ، ومسلم في (الزكاة) باب النهي عن المسألة برقم (1037) .(16/208)
يمنع من العلم، ولكنه خور وضعف وعجز؛ يقول مجاهد رحمه الله التابعي الجليل: " لا يتعلم العلم مستح ومستكبر ". المؤمن عادة لا يستحي في هذا، يتقدم، والمؤمنة كذلك، كل منهما يتقدم، يسأل ويبحث ويبدي ما لديه من الإشكال حتى يزول إشكاله.
ومن علامات السعادة والتوفيق والخير أن تتعلم وأن تتفقه في دين الله؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (1) » .
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم (2) » .
__________
(1) رواه مسلم في (الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم (2699) .
(2) رواه البخاري في (العلم) باب فضل من علم وعلم برقم (79) ، ومسلم في (الفضائل) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم برقم (2282) .(16/209)
فعلى كل مؤمن ومؤمنة التفقه في دين الله.
ومن أهداف الحج والعمرة التبصر والتفكر في دين الله وهذا من أعظم المنافع.
ومن منافع الحج نشر العلم بين الحجاج لمن جاء وافدا وعنده علم أيضا ينشره بين الناس مع إخوانه في مكة، ينشر العلم بين الحجيج وبين رفقائه، في الطريق، في السيارة، في الطائرة، في الخيمة، في كل مكان ينشر علمه. فرصة ساقها الله إليك؛ فمن أهداف الحج أن تنشر علمك، وأن توضح للناس ما لديك، لكن بالاعتماد على قول الله ورسوله لا بالآراء الخارجة عن الكتاب والسنة، تعلم الناس عن كتاب الله وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعما استنبطه أهل العلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا عن جهل وعدم بصيرة بل بالعلم والبصيرة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (1)
ومن أهداف الحج ومقاصده ومنافعه الاستكثار من الصلوات والطواف: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) فعلى الحاج والمعتمر أن
__________
(1) سورة يوسف الآية 108
(2) سورة الحج الآية 29(16/210)
يكثر من الطواف متى قدر عليه من غير مزاحمة ولا مشقة، والإكثار من الصلاة في الحرم وفي مساجد مكة. فالصواب أن التفضيل في الثواب يعم المساجد كلها، يعم الحرم كله، وهو أرجح ما قاله العلماء. فاغتنم الفرصة في المسجد الحرام وفي مساجد مكة وفي بيتك، تطوع من الطواف والإكثار من الصلاة والإكثار من التسبيح والتهليل والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله.
فانتهز فرصة اجتماع هذا الجمع الغفير من الناس من أفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا وغيرها، واحرص على التبليغ عن الله، وعلم مما أعطاك الله، ثم احرص على العمل الصالح من صلاة وطواف، ودعوة إلى الله، وتسبيح وتهليل، وذكر وقراءة قرآن، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعيادة المريض، وإرشاد الحيران، إلى غير ذلك من وجوه الخير.
ومن منافع الحج العظيمة إيفاء ما عليك من نذور، من عبادات نذرتها تؤدى في المسجد الحرام، ومن هدايا تذبحها في منى وفي مكة، ومن صدقات تؤديها. وإن كان النذر لا ينبغي، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «النذر لا يأتي بخير (1) » ، ولكن إن نذرت طاعة وجب الوفاء بها؛ يقول النبي
__________
(1) رواه البخاري في (الأيمان والنذور) باب الوفاء بالنذر برقم (6694) ، ومسلم في (النذر) باب النهي عن النذر برقم (1639) .(16/211)
صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه (1) » . إذا فإن نذرت في هذا الحرم صلاة أو طوافا أو غير ذلك، فيجب أن تؤديها في هذا البلد الحرام: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (2)
ومن المقاصد العظيمة والأهداف العظيمة للحج أن تواسي الفقير وتحسن إليه، من الحجاج وغير الحجاج، في هذا البلد الأمين وفي الطريق وفي المدينة المنورة، تواسي مما أعطاك الله، تواسي الحجيج الفقراء، تواسي من قصرت به النفقة، من عدموا القدرة على الهدي.
هذه هي الأهداف والمقاصد العظيمة، وقد أطلقها عز وجل: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (3) في منافع منوعة، ومواساة الحجيج الفقراء، والإحسان إليهم، وسد خلتهم مما أعطاك الله عز وجل، أو الشفاعة لهم عند من يعطيهم ويحسن إليهم ويسد خلتهم. ومن ذلك مداواة المريض وعلاجه والشفاعة له عند من يقوم بذلك، وإرشاده إلى المستشفيات والمستوصفات حتى يعالج، وإعانته على ذلك بالمال وبالدواء، كل هذا من المنافع.
__________
(1) رواه البخاري في (الأيمان والنذور) باب النذر في الطاعة برقم (6696) .
(2) سورة الحج الآية 29
(3) سورة الحج الآية 28(16/212)
ومن المنافع العظيمة التي لا ينبغي لك أن تلزمها دائما الإكثار من ذكر الله في هذا البلد الأمين، والإكثار من ذكر الله في كل الأحوال قائما وقاعدا: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " والدعاء والإلحاح به. فمن المنافع العظيمة أن تجتهد في الدعاء إلى ربك والضراعة إليه أن يتقبل منك، وأن يصلح قلبك وعملك، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعينك على أداء الحمد الذي عليك على الوجه الذي يرضيه، وأن يعينك على الإحسان إلى عباده ونفعهم، وأن تكون في منفعتهم وفي مواساتهم وفي إعانتهم على الخير، وأن لا يتأذوا منك بشيء. تسأل الله أن يجعلك مباركا لا تؤذي أحدا، وتنفع ولا تؤذي.
فمن المنافع العظيمة أن تحرص على النفع وعدم الأذى ولا تؤذ الناس، لا في الطريق ولا في الطواف ولا في السعي ولا في عرفات ولا في مزدلفة ولا في منى ولا في أي مكان، ولا في الباخرة ولا في الطائرة ولا في السيارة ولا في الخيمة ولا في أي مكان. ولا تؤذهم، لا بسب ولا بكذب، ولا بيدك ولا برجلك، ولا بغير ذلك؛ تتحرى أن تنفع ولا تؤذي أينما كنت، تتحرى أن تنفع الناس من الحجيج وغيرهم، وألا تؤذي أحدا، لا بقول ولا بعمل، هذه من المنافع العظيمة.
ومن المنافع العظيمة للحج أن تؤدي المناسك في غاية(16/213)
من الكمال، في غاية من الإتقان، في غاية من الإخلاص: طوافك وسعيك ورمي الجمار، وفي عرفات، وفي مزدلفة، تكون في غاية الإخلاص، في غاية من حضور القلب، في غاية من جمع القلب على الله، في دعائك وذكرك وقراءتك وصلاتك، وغير ذلك، تجمع قلبك على الله وتحرص أينما كنت على الإخلاص لله.
ومن المنافع الهدايا، سواء كانت واجبة عند التمتع والقران، أو غير واجبة، تهديها تقربا إلى الله سبحانه وتعالى. وقد أهدى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين بدنة وأهدى الصحابة، فالهدي قربة إلى الله، تشتري وتنحر وتوزع على الفقراء والمحاويج، في أيام منى أو غيرها، هدايا تطوع تنفع بها الناس في منى، وفي غير منى، قبل الحج وبعده.
أما هدي التمتع فهو في منى وفي مكة أيضا، في أيام منى وهي أربعة. أما الصدقة بالذبائح وبالمال ففي أي وقت، لو ذبحت هذه الأيام وتصدقت ووزعتها على الفقراء، ووزعت أطعمة أو ملابس أو دراهم، كله خير. إنما الذي يخص به أيام منى - الأيام الأربعة - الهدايا والضحايا، أما التطوعات بالذبائح فوقتها واسع، في جميع الزمان.
هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وعملنا جميعا، ويتقبل منا(16/214)
ومن سائر الحجاج حجنا وعمرتنا، وأن يعيد الحجاج جميعا إلى بلادهم سالمين موفقين، مغفورا لهم، متعلمين متبصرين، وقد عرفوا الحق بدليله، وعرفوا التوحيد على بصيرة، حتى يرجعوا إلى بلادهم غانمين موفقين، قد عرفوا دين الله على بصيرة، وقد أدوا حجهم على بصيرة، وعمرتهم ومناسكهم على بصيرة.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا جميعا لما يرضيه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يمنحنا الفقه في دينه، وأن يوفق حجاج بيت الله الحرام وعماره لكل ما يرضيه، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يعلمهم ما ينفعهم، وأن يردهم غانمين موفقين سالمين إلى بلادهم، وأن يتقبل من الجميع، إنه جل وعلا جواد كريم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.(16/215)
توصيات للحجاج وغيرهم (1) .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون من حجاج بيت الله الحرام: أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يرضيه والعافية من مضلات الفتن، كما أسأله سبحانه أن يوفقكم جميعا لأداء مناسككم على الوجه الذي يرضيه، وأن يتقبل منكم وأن يردكم إلى بلادكم سالمين موفقين، إنه خير مسئول.
أيها المسلمون من الحجاج وغيرهم: إن وصيتي لكم هي تقوى الله سبحانه في جميع الأحوال والاستقامة على دينه والحذر من أسباب غضبه، وإن أهم الفرائض وأعظم الواجبات هو توحيد الله والإخلاص له في جميع العبادات، مع العناية باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال، وأن تؤدي مناسك الحج وسائر العبادات على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله وخليله وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وإن أعظم
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية) بالعدد الأول في 10\11\1406هـ.(16/216)
المنكرات وأخطر الجرائم هو الشرك بالله سبحانه، وهو صرف العبادة أو بعضها لغيره سبحانه؛ لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) وقوله سبحانه يخاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2)
حجاج بيت الله الحرام: إن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع وذلك في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وقد علم الناس فيها مناسكهم بقوله وفعله، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (3) » .
فالواجب على المسلمين جميعا أن يتأسوا به في ذلك، وأن يؤدوا مناسكهم على الوجه الذي شرعه لهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد، وقد بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، فأمر الله عباده بأن يطيعوه، وبين أن اتباعه هو سبب دخول الجنة والنجاة من النار، وأنه الدليل على صدق حب العبد لربه وعلى حب الله للعبد، كما قال الله
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة الزمر الآية 65
(3) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(16/217)
تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1) وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) وقال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3) وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (4) وقال سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (5) {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (6) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (7) وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (8) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
__________
(1) سورة الحشر الآية 7
(2) سورة النور الآية 56
(3) سورة النساء الآية 80
(4) سورة الأحزاب الآية 21
(5) سورة النساء الآية 13
(6) سورة النساء الآية 14
(7) سورة الأعراف الآية 158
(8) سورة آل عمران الآية 31(16/218)
فوصيتي لكم جميعا ولنفسي تقوى الله في جميع الأحوال والصدق في متابعة نبيه صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله لتفوزوا بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
إلى منى يوم التروية:
حجاج بيت الله الحرام: إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الثامن من ذي الحجة توجه من مكة إلى منى ملبيا وأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يهلوا بالحج من منازلهم ويتوجهوا إلى منى، ولم يأمرهم بطواف الوداع، فدل ذلك على أن السنة لمن أراد الحج من أهل مكة وغيرهم من المقيمين فيها ومن المحلين من عمرتهم وغيرهم من الحجاج أن يتوجهوا إلى منى في اليوم الثامن ملبين بالحج، وليس عليهم أن يذهبوا إلى المسجد الحرام للطواف بالكعبة طواف الوداع.
ويستحب للمسلم عند إحرامه بالحج أن يفعل ما يفعله في الميقات عند الإحرام: من الغسل والطيب والتنظيف، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك لما أرادت الإحرام بالحج وكانت قد أحرمت بالعمرة فأصابها الحيض عند دخول مكة وتعذر عليها الطواف قبل خروجها إلى منى، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بالحج ففعلت ذلك فصارت قارنة بين الحج والعمرة.
وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي(16/219)
الله عنهم في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا من دون جمع، وهذا هو السنة تأسيا به صلى الله عليه وسلم، ويسن للحجاج في هذه الرحلة أن يشتغلوا بالتلبية وبذكر الله عز وجل وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير، كالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإحسان إلى الفقراء.
إلى عرفة بعد طلوع شمس يوم التاسع:
فلما طلعت الشمس يوم عرفة توجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى عرفات منهم من يلبي ومنهم من يكبر، فلما وصل عرفات نزل بقبة من شعر ضربت له في نمرة واستظل بها عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على جواز استظلال المحرم بالخيام والشجر ونحوها.
فلما زالت الشمس ركب دابته عليه الصلاة والسلام وخطب الناس وذكرهم وعلمهم مناسك حجهم وحذرهم من الربا وأعمال الجاهلية، وأخبرهم أن دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام، وأمرهم بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على جميع المسلمين من الحجاج وغيرهم أن يلتزموا بهذه الوصية وأن يستقيموا عليها أينما كانوا، ويجب على حكام المسلمين جميعا أن يعتصموا بكتاب(16/220)
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يحكموهما في جميع شئونهم وأن يلزموا شعوبهم بالتحاكم إليهما، وذلك هو طريق العزة والكرامة والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وفق الله الجميع لذلك.
ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الظهر والعصر قصرا وجمعا جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ثم توجه إلى الموقف واستقبل القبلة ووقف على دابته يذكر الله ويدعوه، ويرفع يديه بالدعاء حتى غابت الشمس، وكان مفطرا ذلك اليوم، فعلم بذلك أن المشروع للحجاج أن يفعلوا كفعله صلى الله عليه وسلم في عرفات، وأن يشتغلوا بذكر الله والدعاء والتلبية إلى غروب الشمس، وأن يرفعوا أيديهم بالدعاء، وأن يكونوا مفطرين لا صائمين، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة (1) » ، وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم ملائكته، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن الله يقول يوم عرفة لملائكته: «انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا يرجون رحمتي، أشهدكم أني قد غفرت لهم (2) » . وصح عنه صلى الله
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1348) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (7049) .(16/221)
عليه وسلم أنه قال: «وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف (1) » .
إلى مزدلفة بعد الغروب للمبيت بها:
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الغروب توجه ملبيا إلى مزدلفة وصلى بها المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين ثم بات بها وصلى بها الفجر مع سنتها بأذان وإقامة، ثم أتى المشعر فذكر الله عنده وكبره وهلله ودعا ورفع يديه وقال: «وقفت ها هنا وجمع كلها موقف (2) » ، فدل ذلك على أن جميع مزدلفة موقف للحجاج يبيت كل حاج في مكانه ويذكر الله ويستغفره في مكانه، ولا حاجة إلى أن يتوجه إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم. وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة للضعفة أن ينصرفوا إلى منى بليل، فدل ذلك على أنه لا حرج على الضعفة من النساء والمرضى والشيوخ ومن تبعهم في التوجه من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل عملا بالرخصة وحذرا من مشقة الزحمة.
ويجوز لهم أن يرموا الجمرة ليلا، كما ثبت ذلك عن أم سلمة
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب ما جاء في أن عرفة كلها موقف برقم (1218) .
(2) رواه مسلم في (الحج) باب ما جاء في أن عرفة كلها موقف برقم (1218) .(16/222)
وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم في آخر الليل.
ذكرت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للنساء بذلك ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد ما أسفر جدا دفع إلى منى ملبيا قبل أن تطلع الشمس، فقصد جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم نحر هديه ثم حلق ثم طيبته عائشة رضي الله عنها ثم توجه إلى البيت فطاف به.
أعمال يوم النحر:
وسئل صلى الله عليه وسلم في يوم النحر عمن ذبح قبل أن يرمي، ومن حلق قبل أن يذبح، ومن أفاض إلى البيت قبل أن يرمي، فقال: «لا حرج (1) » قال الراوي: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج (2) » . وسأله رجل فقال: «يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف، فقال: لا حرج (3) » . فعلم بهذا أن السنة للحجاج أن يبدءوا برمي الجمرة يوم العيد ثم ينحروا إذا كان عليهم هدي ثم يحلقوا أو يقصروا.
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1721) ، صحيح مسلم الحج (1307) ، سنن النسائي مناسك الحج (3067) ، سنن أبو داود المناسك (1983) ، سنن ابن ماجه المناسك (3050) ، مسند أحمد بن حنبل (1/291) .
(2) رواه البخاري في (العلم) باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها برقم (83) ، ومسلم في (الحج) باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي برقم (1306) .
(3) رواه أبو داود في (المناسك) باب فيمن قدم شيئا قبل شيء في حجه برقم (2015) .(16/223)
والحلق أفضل من التقصير فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات للمحلقين، ومرة واحدة للمقصرين.
التحلل الأول والتحلل الأكبر:
وبذلك يحصل للحاج التحلل الأول فيلبس المخيط، ويتطيب ويباح له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ثم يذهب إلى البيت فيطوف به في يوم العيد أو بعده، ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا، وبذلك يحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى النساء.
أما إن كان الحاج مفردا أو قارنا فإنه يكفيه السعي الأول الذي أتى به مع طواف القدوم. فإن لم يسع مع طواف القدوم وجب عليه أن يسعى مع طواف الإفاضة.
المبيت بمنى أيام التشريق:
ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى فأقام بها بقية يوم العيد واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يرمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال، يرمي كل جمرة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة ويدعو ويرفع يديه بعد الفراغ من الجمرة الأولى والثانية مستقبلا القبلة ويجعل الأولى عن يساره حين الدعاء، والثانية عن يمينه ولا يقف عند الثالثة.(16/224)
ثم دفع صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث عشر بعد رمي الجمرات بعد الزوال فنزل بالأبطح وصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
ثم نزل إلى مكة في آخر الليل وصلى الفجر بالناس عليه الصلاة والسلام، وطاف للوداع ثم توجه بعد الصلاة إلى المدينة في صبيحة اليوم الرابع عشر، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
فعلم من ذلك أن السنة للحاج أن يفعل كفعله صلى الله عليه وسلم في أيام منى، فيرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في كل يوم: كل واحدة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة، ويشرع له أن يقف بعد رميه الأولى ويستقبل القبلة ويدعو ويرفع يديه ويجعلها عن يساره ويقف بعد رمي الثانية كذلك ويجعلها عن يمينه يستقبل القبلة ويدعو، وهذا مستحب وليس بواجب، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا يقف بعد رمي الثالثة.
فإن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال وقبل غروب الشمس رمى في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل في أصح قولي العلماء رحمة من الله سبحانه بعباده وتوسعة عليهم.
ومن شاء أن يتعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمار بعد الزوال فلا بأس، ومن أحب أن يتأخر حتى يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فهو أفضل؛ لكونه موافقا لفعل(16/225)
النبي صلى الله عليه وسلم.
والسنة للحاج أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر، وهذا المبيت واجب عند كثير من أهل العلم، ويكفي أكثر الليل إذا تيسر ذلك، ومن كان له عذر شرعي كالسقاة والرعاة ونحوهم فلا مبيت عليه.
أما ليلة الثالث عشر فلا يجب على الحجاج أن يبيتوها بمنى إذا تعجلوا ونفروا من منى قبل الغروب، أما من أدركه المبيت بمنى فإنه يبيت ليلة الثالث عشر ويرمي الجمار بعد الزوال يوم الثالث عشر ثم ينفر، وليس على أحد رمي بعد الثالث عشر ولو أقام بمنى.
طواف الوداع:
ومتى أراد الحاج السفر إلى بلاده وجب عليه أن يطوف بالبيت للوداع سبعة أشواط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت (1) » ، إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض (2) » والنفساء مثلها، ومن أخر طواف الإفاضة
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1327) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب طواف الوداع برقم (1755) ، ومسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1328) .(16/226)
فطافه عند السفر أجزأه عن الوداع؛ لعموم الحديثين المذكورين.
وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يتقبل منا ومنكم ويجعلنا وإياكم من العتقاء من النار إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(16/227)
نصيحة لحجاج بيت الله الحرام (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى كل من يطلع عليها من حجاج بيت الله الحرام والمسلمين في كل مكان.
إخواني حجاج بيت الله الحرام:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فمرحبا بكم في بلد الله الحرام، وعلى أرض المملكة العربية السعودية التي شرفها الله تعالى بخدمة الحجاج والعمار والزوار الذين يفدون إليها من كل مكان، ومن عليها بخدمة المقدسات وتأمينها للطائفين والعاكفين والركع السجود.
وأسأل الله عز وجل أن يكتب لكم حج بيته وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، في أمن وإيمان وسكينة واطمئنان، ويسر وقبول، وأن تعودوا إلى دياركم سالمين مأجورين وقد غفر الله لكم وآتاكم من فضله إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته ونشرت في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) ذو الحجة عام 1413هـ.(16/228)
إخواني حجاج بيت الله الحرام:
المسلمون بخير ما تناصحوا، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، وتعاونوا على البر والتقوى، ولذلك فإني أذكر إخواني حجاج بيت الله الحرام، بأنهم في أيام فاضلة وأماكن مباركة، وأنهم قدموا من ديار بعيدة وتحملوا مشقات كثيرة استجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقياما بواجب عظيم، وعمل صالح جليل، أمرهم الله تعالى به حيث قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1)
وهذا يقتضي منهم أمورا ينبغي المحافظة عليها والعناية بها، حتى يكون حجهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا، بتوفيق من الله وعون، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
ومن هذه الأمور:
أولا: يجب على الحاج وغيره أن يخلص نيته وقصده لله تعالى فيجعل عمله خالصا لوجهه الكريم حتى يقع أجره على الله، وينال ثوابه، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (2)
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) سورة البينة الآية 5(16/229)
وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (1)
ثانيا: يجب على الحاج وغيره أن يكون العمل الذي يتقرب به إلى ربه مما شرعه الله تعالى لعباده، وأن يقتدي في أدائه بنبيه صلى الله عليه وسلم، القائل: «خذوا عني مناسككم (2) » رواه مسلم رحمه الله، والقائل: «صلوا كما رأيتموني أصلي (3) » رواه البخاري رحمه الله.
وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (4)
فالعمل مهما كان صاحبه مخلصا فيه لله ولم يكن متابعا فيه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مردود عليه لا يقبله الله، للحديث الصحيح الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (5) » رواه
__________
(1) سورة الكهف الآية 110
(2) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .
(3) رواه البخاري في (الأذان) باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة برقم (631) .
(4) سورة الأحزاب الآية 21
(5) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(16/230)
مسلم رحمه الله. والله عز وجل يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)
ثالثا: يجب على الحاج وغيره أن يكون على علم وبصيرة بأمور دينه حتى يقوم قياما صحيحا، ويؤديها أداء سليما على الوجه المشروع؛ فقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2)
وقد أمرنا الله تعالى أن نسأل أهل العلم فيما أشكل علينا من أمور ديننا، فقال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3)
وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (4) » .
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة يوسف الآية 108
(3) سورة النحل الآية 43
(4) رواه البخاري في (العلم) باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين برقم (71) ، ومسلم في (الزكاة) باب النهي عن المسألة برقم (1037) .(16/231)
وإنك أخي الحاج ستجد بعون الله في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وفي المشاعر المقدسة، وفي مؤسسات الطوافة بمكة، والأدلاء بالمدينة، علماء عينتهم الدولة - حرسها الله - للإجابة عن أسئلة واستفسارات الحجاج فيما أشكل عليهم من أمور حجهم وعمرتهم خاصة، ومن أمور دينهم عامة وذلك مما يسره الله تعالى للحجاج بفضل منه سبحانه، ثم بفضل حكومة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية - وفقه الله - حتى يكون الحجاج على علم ومعرفة بالحق والصواب فيما يفعلون وفيما يتركون.
فلا تتردد يا أخي في سؤالهم والاستفادة منهم حتى تكون على بينة من أمرك، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (2) » رواه مسلم رحمه الله.
رابعا: يجب على الحاج وغيره أن يعلم أن ما شرعه الله لعباده من طاعات وقربات، وما أحل لهم وحرم عليهم من أقوال وأفعال، إنما هي لتزكية أنفسهم وصلاح مجتمعاتهم،
__________
(1) سورة الزمر الآية 9
(2) رواه مسلم في (الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم (2699) .(16/232)
وعلى حسب إخلاصهم له، وصدقهم في العمل معه يكون انتفاعهم بذلك في الدنيا والآخرة، وثواب الله خير وأبقى، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} (1) {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (2) وقال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (3) {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (4) {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (5) {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (6) وقال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (7)
والحج - أخي الحاج - من أعظم ما فرض الله على عباده لتزكية أنفسهم وسلامتها من العداوة والبغضاء، والشح والإيذاء، ورغبتها فيما عند الله وتذكيرها بلقائه يوم الدين، لما فيه من بذل الجهد، وإنفاق المال، وتحمل المشاق والصعاب، ومفارقة الأهل والأوطان، وهجر الأعمال الدنيوية، والإقبال على الله بالطاعة والعبادة، والاجتماع بالإخوان في الله الوافدين من سائر أنحاء الأرض: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (8)
__________
(1) سورة الأعلى الآية 14
(2) سورة الأعلى الآية 15
(3) سورة الشمس الآية 7
(4) سورة الشمس الآية 8
(5) سورة الشمس الآية 9
(6) سورة الشمس الآية 10
(7) سورة النحل الآية 97
(8) سورة الحج الآية 28(16/233)
فليحرص الحاج على ما يرضي ربه، ويكثر من تلبيته وذكره ودعائه والتقرب إليه بالمواظبة على فعل الطاعات، والبعد عن السيئات، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه (1) » من حديث رواه البخاري رحمه الله.
وولي الله هو المؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، المستقيم على دينه، بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما قال سبحانه: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3)
ومن أهم ما ينبغي أن يحرص عليه الحاج وغيره المحافظة على أداء الصلوات المفروضة جماعة في أوقاتها وفي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ولا سيما المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، فإن لهما ميزة عظيمة على سائر المساجد، والله يضاعف فيهما أجر الصلاة، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال
__________
(1) رواه البخاري في (الرقاق) باب التواضع برقم (6502) .
(2) سورة يونس الآية 62
(3) سورة يونس الآية 63(16/234)
«صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه (1) » . أخرجه أحمد، وابن ماجه رحمهما الله بإسناد صحيح. وأخرج الإمام أحمد مثله عن ابن الزبير وصححه ابن حبان وإسناده صحيح.
وهذا خير جزيل وفضل من الله عظيم ينبغي العناية به والحرص عليه، يقول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (2)
خامسا: يجب على الحاج وغيره أن يحفظ لهذه الأماكن المقدسة حرمتها، فلا يهم فيها بعمل سوء، فقد توعد الله من فعل ذلك بعذاب أليم، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (3)
قال عطية العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في بيان معنى الظلم في هذه الآية: وهو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك، من إساءة أو قتل؛ فتظلم من لا يظلمك وتقتل
__________
(1) رواه ابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام برقم (1406)
(2) سورة آل عمران الآية 133
(3) سورة الحج الآية 25(16/235)
من لا يقاتلك، فإذا فعل ذلك فقد وجب له العذاب الأليم. ذكره ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية.
فالواجب على كل مؤمن وعلى كل مؤمنة أن لا يؤذي بعضهم بعضا، لا في نفس ولا في مال ولا في عرض، بل يجب أن يتعاونوا على البر والتقوى، وأن يتناصحوا، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، التقوى ها هنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم (1) » رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.
وقد حرم الله إيذاء المؤمنين والمؤمنات بأي نوع من الإيذاء، في كل مكان وفي كل زمان، فكيف بإيذائهم في البلد الأمين، وفي الأشهر الحرم، وفي وقت أداء المناسك، وفي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! لا شك أن هذا يكون أشد إثما وأعظم جرما، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (2) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (3)
__________
(1) رواه مسلم في (البر والصلة والآداب) باب تحريم ظلم المسلم وخذله برقم (2564) .
(2) سورة البقرة الآية 197
(3) سورة الأحزاب الآية 58(16/236)
فالمطلوب من الحاج أن يكون سلما على نفسه، سلما على غيره، من إنسان، وحيوان، وطير، ونبات، ولا ينالهم منه أذى، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحرمة المسلم عند الله عظيمة، وظلمه معصية كبيرة، والظلم عاقبته وخيمة قال الله تعالى: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (1)
سادسا: يجب على الحاج وغيره أن يعلم أن الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم بالحكمة والموعظة الحسنة، من أعظم واجبات الدين، وبها قوامه وحفظه بين المسلمين، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (2) وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3) وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (4)
__________
(1) سورة الفرقان الآية 19
(2) سورة النحل الآية 125
(3) سورة آل عمران الآية 104
(4) سورة التوبة الآية 71(16/237)
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (1) » متفق عليه.
فعلى كل مسلم أن يعنى بهذا الأمر تمام العناية، ولا يقصر فيه، كل بحسب استطاعته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (2) » رواه مسلم رحمه الله.
سابعا: ينبغي على كل مسلم من الحجاج وغيرهم أن يهتم بأمور المسلمين في كل مكان، وإيصال الخير إليهم، والدفاع عنهم، وتعليم جاهلهم، حسب طاقته وعلمه، وأن يعاون المجاهدين منهم الذين يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ورد الكافرين والملحدين من اليهود وغيرهم من أصناف الكفرة عن ديار المسلمين والمقدسات الإسلامية،
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب الدين النصيحة برقم (57) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أن الدين النصيحة برقم (56) .
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم (49) .(16/238)
نصرة للحق، ودفاعا عن أهله، وذودا عن بلاد المسلمين، وحماية لها من الأعداء.
ويكون ذلك باللسان والمال والأنفس وسائر أنواع المساعدات، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته (3) » ، متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا (4) » . متفق عليه.
فلا يجوز للمسلمين أن يسلموا إخوانهم لعدوهم أو يسلموهم للجوع والعري والمرض وفتنة المنصرين والملحدين، يستغلون حاجتهم، وينفثون بينهم سمومهم وأباطيلهم وهذا ما
__________
(1) سورة الصف الآية 10
(2) سورة الصف الآية 11
(3) رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب لا يظلم المسلم المسلم برقم (2442) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب تحريم الظلم برقم (2580) .
(4) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير برقم (2843) ، ومسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم (1895) .(16/239)
يجب أن يهتم به كل مسلم ويحرص عليه أشد الحرص كلما رأى ضعفا من المسلمين، لأنهم كما قال الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (1)
وأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يوفقنا والحجاج وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، ولكل ما فيه نصر ديننا، وصلاح أمرنا، وسلامة بلادنا من مكائد أعدائنا، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين وحكامهم، للحكم بشريعة الله سبحانه، وإلزام الشعوب بها؛ لأنها سبيل السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأن يوفق حكام هذه البلاد بصفة خاصة لكل ما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين، وأن يزيدهم من كل خير، وأن يجزيهم بما قدموا للمسلمين عموما ولحجاج بيت الله الحرام خصوصا من مساعدات وتسهيلات أعظم الجزاء وأفضله، وأن يوفق حجاج بيته لأداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، حتى يكون حجهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا، وأن يردهم إلى بلادهم سالمين غانمين. اللهم آمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________
(1) سورة البقرة الآية 109(16/240)
من منافع الحج وفوائده (1) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى شرع الحج لحكم كثيرة وأسرار عظيمة ومنافع جمة أشار إليها سبحانه في قوله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (2) {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (3) {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (4) فأوضح سبحانه في هذه الآيات أنه دعا عباده للحج ليشهدوا منافع لهم، ثم ذكر سبحانه منها أربع منافع:
الأولى: ذكره عز وجل في الأيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق.
الثانية، والثالثة، والرابعة: أخبر عنها سبحانه بقوله:
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) بالمدينة المنورة العدد (الثاني) 1398هـ، والعدد (209) عام 1414هـ.
(2) سورة الحج الآية 27
(3) سورة الحج الآية 28
(4) سورة الحج الآية 29(16/241)
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1) وأعظم هذه المنافع وأكبرها شأنا ما يشهده الحاج من توجه القلوب إلى الله سبحانه، والإقبال عليه، والإكثار من ذكره، بالتلبية وغيرها من أنواع الذكر، وهذا يتضمن الإخلاص لله في العبادة وتعظيم حرماته والتفكير في كل ما يقرب لديه ويباعد من غضبه، ومعلوم أن أصل الدين وأساسه وقاعدته التي عليها مدار أعمال العباد، هي تحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قولا وعملا وعقيدة.
فالشهادة الأولى: توجب تجريد العبادة لله وحده وتخصيصه بها من دعاء وخوف ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة؛ لأن هذا كله حق لله وحده ليس له شريك في ذلك لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما قال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (2) وقال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) وقال تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (4) والدين هنا معناه العبادة وهي طاعته، وطاعة رسوله عليه الصلاة
__________
(1) سورة الحج الآية 29
(2) سورة الإسراء الآية 23
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة غافر الآية 14(16/242)
والسلام، بفعل الأوامر، وترك النواهي، عن إيمان بالله ورسله، وإخلاص له في العبادة، وتصديق بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم رغبة في الثواب وحذرا من العقاب، وهذا هو معنى " لا إله إلا الله "، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي العبادة - وهي الألوهية بجميع معانيها - عن غير الله سبحانه، وتثبتها بجميع معانيها لله وحده على وجه الاستحقاق، وجميع ما عبده الناس من دونه من أنبياء أو ملائكة أو جن أو غير ذلك فكله معبود بالباطل، كما قال الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (1) ولهذا الأمر العظيم خلق الله الجن والإنس وأمرهم بذلك فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) وعبادته سبحانه هي توحيده في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته وطاعة أوامره وترك نواهيه عن إيمان وتصديق ورغبة ورهبة، كما سبق بيان ذلك، وسمى الله سبحانه دينه عبادة؛ لأن العباد يؤدونه بخضوع وذل لله سبحانه، ومن ذلك قول العرب: طريق معبد أي مذلل قد وطئته الأقدام، وبعير معبد أي مذلل قد شد
__________
(1) سورة الحج الآية 62
(2) سورة الذاريات الآية 56
(3) سورة البقرة الآية 21(16/243)
عليه حتى صار ذلولا، وهذه المسألة - أعني مسألة التوحيد والإخلاص لله، وتخصيصه بالعبادة دون كل ما سواه - هي أهم المسائل وأعظمها، وهي التي وقعت فيها الخصومة بين الرسل والأمم حتى قالت عاد لهود عليه السلام: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} (1) وقالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم لما أمرهم بالتوحيد: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (2) وقالوا أيضا فيما ذكر الله عنهم في سورة الصافات: {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (3) بعد قوله سبحانه: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (4) فعلم بهذه الآيات وما جاء في معناها، أن أهل الشرك يستنكرون دعوة التوحيد، ويستكبرون عن التزامها؛ لكونهم اعتادوا ما ورثوه عن آبائهم من الشرك بالله وعبادة غيره.
فالواجب على أهل العلم والإيمان، وعلى أهل الدعوة إلى الله سبحانه، أن يهتموا بهذا الأمر، وأن يوضحوا حقيقة التوحيد والشرك للناس أكمل توضيح، وأن يبينوه أكمل تبيين؛ لأنه الأصل الأصيل الذي عليه المدار في صلاح الأعمال
__________
(1) سورة الأعراف الآية 70
(2) سورة ص الآية 5
(3) سورة الصافات الآية 36
(4) سورة الصافات الآية 35(16/244)
وفسادها وقبولها وردها، كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2)
أما الشهادة الثانية: وهي شهادة أن محمدا رسول الله، فهي الأصل الثاني في قبول الأعمال وصحتها وهي تقتضي المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبته وتصديق أخباره، وطاعة أوامره وترك نواهيه، وأن لا يعبد الله إلا بشريعته عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) وقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (4) ولا هداية للصراط المستقيم؛ إلا باتباعه والتمسك بهداه، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (5) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (6)
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) سورة الحشر الآية 7
(4) سورة آل عمران الآية 31
(5) سورة النور الآية 54
(6) سورة الأعراف الآية 158(16/245)
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى (1) » رواه البخاري في صحيحه. ويدل على هذا المعنى قول الله سبحانه وتعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومن منافع الحج وفوائده العظيمة أنه يذكر بالآخرة، ووقوف العباد بين يدي الله يوم القيامة، لأن المشاعر تجمع الناس في زي واحد، مكشوفي الرءوس من سائر الأجناس، يذكرون الله سبحانه ويلبون دعوته، وهذا المشهد يشبه وقوفهم بين يدي الله يوم القيامة في صعيد واحد حفاة عراة غرلا خائفين وجلين مشفقين، وذلك مما يبعث في نفس الحاج خوف الله ومراقبته والإخلاص له في العمل، كما يدعوه إلى
__________
(1) رواه البخاري في (الاعتصام بالكتاب والسنة) باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم (7280) .
(2) سورة النساء الآية 13
(3) سورة النساء الآية 14(16/246)
التفقه في الدين والسؤال عما أشكل عليه، حتى يعبد ربه على بصيرة وينتج عن ذلك توجيهه لمن تحت يده إلى طاعة الله ورسوله وإلزامهم بالحق، فيرجع إلى بلاده وقد تزود خيرا كثيرا واستفاد علما جما، ولا ريب أن هذا من أعظم المنافع وأكملها، لا سيما في حق من يشهد حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمشاعر، ويصغي إلى الدعاة إلى الله سبحانه ويحرص على الاستفادة من نصائحهم وتوجيههم.
وفي الحج فوائد أخرى ومنافع متنوعة خاصة وعامة يطول الكلام بتعدادها، ومن ذلك الطواف بالبيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة والصلاة في المسجد الحرام ورمي الجمار والوقوف بعرفة ومزدلفة والإكثار من ذكر الله ودعائه واستغفاره في هذه المشاعر، ففي ذلك من المنافع والفوائد والحسنات الكثيرة والأجر العظيم وتكفير السيئات ما لا يحصيه إلا الله لمن أخلص لله في العمل وصدق في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه والسير على سنته، وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله (1) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) مسند عائشة برقم (24557) ، وأبو داود في (المناسك) باب في الرمل برقم (1888) .(16/247)
وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين جميعا وأن يمنحهم الفقه في دينه ويتقبل منا ومنهم، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قلوبهم وأعمالهم، وينصر دينه ويخذل أعداءه إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(16/248)
التأسي بالنبي صلى الله
عليه وسلم في كل الأعمال (1) .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فيسرني كثيرا في مستهل أعداد مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها في مثل هذه الأيام الأمانة العامة للتوعية الإسلامية في الحج لعامها السادس مساهمة في توجيه وتبصير ضيوف الرحمن بمناسك حجهم وعمرتهم وأمور دينهم ودنياهم. نفع الله بها كل من يطلع عليها.
يسرني أن أرحب بكم في بلد الله الحرام، الذي قصدتموه من أماكن بعيدة وجهات نائية، امتثالا لأمر الله القائل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) وتلبية لنداء إبراهيم خليل الرحمن، الذي قال له ربه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (3) {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (4)
__________
(1) نشر في (مجلة التوعية الإسلامية في الحج) العدد الأول في 10\11\1400هـ.
(2) سورة آل عمران الآية 97
(3) سورة الحج الآية 27
(4) سورة الحج الآية 28(16/249)
ولهذا فأنتم تلبون منذ أحرمتم من مواقيتكم قائلين: " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ".
وإني أسأل الله تعالى أن يتم لكم حجكم وعمرتكم في يسر وقبول ويجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا، تعودون بعده وقد خرجتم من ذنوبكم كيوم ولدتكم أمهاتكم، إن ربي سميع الدعاء.
وأحب بهذه المناسبة الكريمة أن أذكركم وأذكر نفسي بأنه يجب علينا أن نحسن نياتنا في كل أعمالنا، ونخلص القصد فيها لله رب العالمين ابتغاء مرضاته وطمعا في ثوابه وخوفا من عقابه، فإن الله تعالى لا يقبل عملا؛ حجا أو غيره إلا إذا كان صاحبه مخلصا فيه لربه الذي خلقه ورزقه والذي يحييه ويميته وإليه النشور، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (1) وقال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2)
كما يجب علينا أن نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أعمالنا وأحوالنا في الحج وفي غيره؛ لأن الله أمرنا بطاعته ومتابعته والاقتداء به، ووعد على ذلك محبته
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الزمر الآية 2(16/250)
وجنته ورضوانه، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) وقال سبحانه: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (2) وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (3) وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4)
وقد حذرنا الله تعالى من مخالفة أمره فقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5)
فإن بيان المشروع من العبادات والأعمال لا يعرف إلا من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمره الله أن يبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (6)
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة آل عمران الآية 32
(3) سورة النساء الآية 80
(4) سورة الحشر الآية 7
(5) سورة النور الآية 63
(6) سورة النحل الآية 44(16/251)
لذلك أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نأخذ عنه مناسكنا، كما أمرنا أن نصلي كما كان يصلي، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1)
فاحرصوا يا حجاج بيت الله أن يكون حجكم وجميع عباداتكم خالصة لله وموافقة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما جهلتم من ذلك فاسألوا أهل العلم، لتكونوا على بينة من أمركم عملا بقول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2)
واعلموا أنكم خرجتم من دياركم وأموالكم وفارقتم أوطانكم وأهليكم تبتغون فضلا من ربكم وتطمعون في أجره وثوابه، فاحرصوا على ذلك، ولا تضيعوا أوقاتكم سدى، وحافظوا على أداء الصلوات في أوقاتها جماعة، ما استطعتم إلى ذلك سبيلا، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر وابذلوا النصيحة لإخوانكم في رفق ولين، وبالحكمة والموعظة الحسنة فالدال على الخير كفاعله، والله يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3)
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) سورة النحل الآية 43
(3) سورة آل عمران الآية 104(16/252)
وخير الناس أنفعهم للناس فابذلوا من أنفسكم ومالكم ونصحكم وعونكم لإخوانكم وخاصة رفقتكم، واحذروا الخصام والجدال وإيذاء المسلمين بأي نوع من أنواع الإيذاء ولو بالمزاحمة عند الحجر الأسود وفي رمي الجمرات وفي كل موطن يشتد فيه الزحام، فالمسلم حقا من سلم المسلمون من لسانه ويده، والله تعالى يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (1)
فراقبوا الله في السر والعلن في أنفسكم وفي أعمالكم وفي إخوانكم عملا بقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2)
ولا تنسوا وأنتم في هذا الموقف العظيم موقف الاستجابة لله وتلبية ندائه، لا تنسوا إخوانا لكم هم الآن يقاتلون عدو الله
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) سورة المائدة الآية 2(16/253)
وعدوكم في كثير من بلاد المسلمين، أجلب عليهم العدو بخيله ورجاله ومؤامراته ومكره وشرد نساءهم وأطفالهم، وهم في حاجة إلى كل عون فلا تبخلوا عليهم بما تستطيعون، واعلموا أن لهم حقا في أموالكم فلا تمنعوا عنهم حقهم، قال الله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1)
وإن فاتكم شرف الجهاد بالنفس فلا يفوتنكم أجر الجهاد بالمال والدعاء والإنفاق في سبيل الله، فمن جهز غازيا فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا، قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (2) والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (3) {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (4)
وإن في بلاد المسلمين صحوة شبابية إسلامية رغم الكبت والضيق الذي يعانونه من كثير من الحكام، هم كذلك في حاجة ماسة إلى تشجيعكم وتأييدكم المادي والمعنوي فلا تضنوا عليهم بذلك، فما أحوجنا إلى شباب مسلم بصير بدينه متمسك
__________
(1) سورة البقرة الآية 280
(2) سورة المزمل الآية 20
(3) سورة الصف الآية 10
(4) سورة الصف الآية 11(16/254)
به؛ لأن معركتنا مع أعداء الإسلام طويلة ونحن فيها محتاجون لكل طاقة من طاقات المسلمين، وأنتم تعلمون بما حل بالقدس الشريف والمسجد الأقصى - نعم نحن محتاجون في هذه المعركة إلى مال الأغنياء وجهد الفقراء، محتاجون فيها إلى حكمة الشيوخ وعزم الشباب، محتاجون فيها إلى إقدام الرجال وعون النساء، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وقد قضى الله تعالى أن لا ينتصر الإسلام إلا بجهاد أتباعه ضد أعدائه، كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (1) {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} (2) {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} (3) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (4) ومن أصدق من الله قولا ومن أوفى من الله وعدا؟
وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح ديننا ودنيانا وهيأ لنا من أمرنا رشدا ونصرنا على أنفسنا وأعدائنا، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق حكام المسلمين لما فيه سعادتهم وعزهم ونجاتهم ونجاة شعوبهم في الدنيا والآخرة ويرزقهم البطانة الصالحة، إنه نعم المولى ونعم النصير.
__________
(1) سورة محمد الآية 4
(2) سورة محمد الآية 5
(3) سورة محمد الآية 6
(4) سورة محمد الآية 7(16/255)
وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(16/256)
الإخلاص لله جل وعلا في العمل (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام وقراء هذه المجلة في كل مكان، وفقهم الله لما فيه رضاه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... أما بعد:
فإنه في مستهل العدد الأول من مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها الأمانة العامة للتوعية الإسلامية في الحج، يطيب لي أن أرحب بكم على هذه الأرض المقدسة التي جعلها الله قبلة للمسلمين ومثابة للناس وأمنا، وأهنئكم بتوفيق الله لكم لأداء مناسك الحج والعمرة تلبية لدعوته واستجابة لأمره؛ حيث يقول جل شأنه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) ويقول: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (3)
وإني إذ أرحب بكم نيابة عن حكومة جلالة الملك خالد
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية) العدد الأول في 10\11\1401هـ.
(2) سورة آل عمران الآية 97
(3) سورة البقرة الآية 196(16/257)
وسمو ولي عهده - وفقهما الله - أحب أن أشير إلى أن هناك جهودا كبيرة تبذلها هذه الحكومة الرشيدة في سبيل خدمة الحجاج ضيوف الرحمن، وفي مقدمتها تجنيد مجموعة كبيرة من الدعاة والمترجمين بأغلب لغات المسلمين لتعليم وتوجيه الحجاج وتبصيرهم بأمور دينهم وحجهم في أماكن تجمعاتهم حتى يكونوا على بينة منها، عملا بقول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)
وما هيئة التوعية الإسلامية في الحج التابعة لرئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، التي تقوم بإصدار هذه المجلة التي بين أيديكم، وأربع مجلات أخرى بلغات أخرى، إلا ثمرة من ثمار هذه الجهود المبذولة، ولذلك فإنها تلقى من حكومة جلالة الملك، ومن ولي عهده الكريم، كل عون ودعم وتأييد، حتى تؤدي رسالتها، وتقوم بواجبها على أتم وجه وأكمله، بعون الله تعالى وتوفيقه.
وإني إذ أشكر لهيئة التوعية الإسلامية في الحج جهودها الطيبة في السنوات الماضية، فإني أطالبها بالمزيد من العمل والجد في توجيه الحجاج، وتبصيرهم بدينهم ومناسك حجهم،
__________
(1) سورة يوسف الآية 108(16/258)
في كل مشهد من المشاهد ومنسك من المناسك، في هذا العام وفي كل عام إن شاء الله، وإني أسأل الله تعالى للقائمين بأعمالها التوفيق والسداد حتى يكونوا عند حسن الظن بهم، يقول سبحانه: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (1)
ونصيحتي لنفسي ولإخواني الحجاج والمسلمين في كل مكان:
أولا: أن يخلصوا أعمالهم وحجهم لله ربهم، فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2) ويقول سبحانه: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (3) ويقول عز وجل: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} (5) وما تلبية الحجاج إلا براءة من الشرك وإعلان لتوحيد الله وتخصيصه بالإجابة والطاعة دون من سواه.
ثانيا: أن يكون عملهم وحجهم موافقا لما جاء به النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - عن ربه فإن أي عمل لم يأت به
__________
(1) سورة الكهف الآية 30
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الزمر الآية 3
(4) سورة الزمر الآية 11
(5) سورة الزمر الآية 12(16/259)
- صلى الله عليه وسلم - مهما كان لونه ومهما كان القصد منه فهو مردود على صاحبه؛ لأنه مما لم يشرعه الله لعباده، والله تعالى ما تعبد الناس إلا بما شرعه لهم وما عدا ذلك فهو من اتباع الهوى الذي نهانا الله عنه، قال الله تعالى لنبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (1) {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (2) ويقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (4) ويقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (5) وفي الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (6) » وفي رواية أخرى: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (7) » .
__________
(1) سورة الجاثية الآية 18
(2) سورة الجاثية الآية 19
(3) سورة آل عمران الآية 31
(4) سورة آل عمران الآية 32
(5) سورة النساء الآية 80
(6) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(7) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(16/260)
فاتبعوا ما جاءكم به نبيكم - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولا تبتدعوا في دينكم فقد كفيتم، والله سبحانه وتعالى لم يقبض نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلا بعد أن أكمل الدين وأتم النعمة وأنزل قوله الحكيم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1) فما لم يكن في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - دينا فليس اليوم بدين، ومن حسن للناس شيئا لم يكن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، فقد شرع للناس ما لم يأذن به الله، ومن تبعه في ذلك فقد جعله لله شريكا في التشريع وهو من خصائص الألوهية، وقد قال الله تعالى عمن فعل ذلك: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)
ثالثا: أن يحافظوا على أوقاتهم فلا يضيعوها في لهو أو لعب، وإنما ينبغي أن يغتنموا أوقاتهم فيما ينفع ويفيد، من أمور دينهم ودنياهم، فإن الوقت هو الحياة، ومن أضاع وقته أضاع حياته، ومن أضاع حياته ندم ولا تنفعه الندامة، وتمنى
__________
(1) سورة المائدة الآية 3
(2) سورة الشورى الآية 21(16/261)
الرجعة إلى الدنيا ليعمل صالحا فلا تتحقق له أمنية، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (1) {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (2) {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (3)
وينبغي لحجاج بيت الله خاصة أن يجتهدوا في العبادة لله، فما خرجوا من ديارهم وأهلهم إلا ليحصلوا الأجر والثواب، فيجب أن يجتنبوا الخصام والجدال فيما بينهم، حتى يعودوا من حجهم وقد خرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، وإنه لحظ عظيم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (4) » .
وينبغي أن يسود بينهم الحب والإيثار والتعاون على البر والتقوى، ولا يؤذ بعضهم بعضا عند أداء المناسك والوقوف بالمشاعر، فإن إيذاء المسلم ذنب كبير ينبغي الحذر منه.
__________
(1) سورة المنافقون الآية 9
(2) سورة المنافقون الآية 10
(3) سورة المنافقون الآية 11
(4) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(16/262)
رابعا: أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به المسلمين كل بحسب استطاعته، كما قال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)
وجاء في الحديث الصحيح: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (2) » فولاة الأمور يغيرون المنكر باليد ممن لهم عليهم ولاية، وهكذا كل من له قدرة على الإنكار باليد، كرب البيت، ورئيس الحسبة حسب ما لديه من الصلاحيات ونحوهم، وأولو العلم يغيرون المنكر بالحجة والبرهان، وعامة الناس يغيرون بالقلب إذا لم تكن عندهم قدرة على القول، وصفة إنكار المنكر بالقلب كراهة ومفارقة مجالس المنكرات، وعدم الجلوس فيها، وإلا فإنهم إذا مثلهم، والله تعالى يقول: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (3)
__________
(1) سورة التوبة الآية 71
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم (49) .
(3) سورة الأنعام الآية 68(16/263)
وفقنا الله وإياكم لطاعته، وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وجعل حجنا وحجكم مبرورا وذنبنا وذنبكم مغفورا وسعينا وسعيكم مشكورا. ونسأله تعالى أن يوفق حكام المسلمين للعمل بالإسلام وتطبيق شريعته وإقامة حدوده حتى لا تكون فتنة وحتى يكون الدين كله لله. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(16/264)
الدين النصيحة (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى إخواني في الله حجاج بيت الله الحرام، وفقهم الله لأداء مناسك حجهم على الوجه الذي شرعه الله ومنحهم القبول والمغفرة.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فبسم الله نبدأ، وبه نستعين، وعليه نتوكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحانك ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
اللهم إنا نحمدك على نعمة الإسلام، ونشكرك على أن هديتنا للإيمان، ونسألك أن تثبتنا على دينك وطاعتك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
أيها الحاج الكريم:
لقد أنعم الله عليك نعمة عظيمة، إذ بلغك بلده الأمين، الذي جعله الله مهوى أفئدة المؤمنين، وجعل فيه بيته العتيق
__________
(1) نشر في (مجلة التوعية الإسلامية في الحج) العدد الأول 1402هـ.(16/265)
ليكون قبلة للمسلمين يتجهون إليه في صلاتهم ودعائهم لله عز وجل.
جئت إلى بلد الله الحرام بعد أن قطعت الفيافي، وتكبدت المشاق وتحملت وعثاء السفر لكي تبلغ ما بلغت.
ولا شك في أنك حين خرجت من بيتك، وتركت أهلك ومالك وولدك، إنما فعلت ذلك ترجو عفو الله ومغفرته، ثم إنك لا شك ترجو أن ترجع إلى بلدك وقد غفر الله لك ذنبك، فعدت كما ولدتك أمك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (1) » .
ولكي يتحقق لك ذلك إن شاء الله فإني أوصيك ونفسي والمسلمين بالوصايا الآتية، عملا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (2) » . خرجه
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350)
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث تميم الداري برقم (16499) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أن الدين النصيحة برقم (55) .(16/266)
مسلم في صحيحه - وهي:
1 - أوصيك أن يكون عملك خالصا لله تعالى، بعيدا عن الرياء والسمعة، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1) وقال جل شأنه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (3) والعمل الخالص ما كان لله وحده لا شريك له، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (4)
ومن إخلاص العمل لله، أن تصرف العبادة كلها له وحده، فلا تدعو غيره ولا تستغيث بسواه ولا تلجأ إلا إليه ولا تستعين إلا به، ولا تتوكل إلا عليه سبحانه وتعالى.
وهناك شرط آخر لصحة العمل وقبوله وهو أن يكون موافقا لشريعة الله التي أنزلها على نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (5) » . أخرجه مسلم في صحيحه، وعلقه
__________
(1) سورة البينة الآية 5
(2) سورة الزمر الآية 2
(3) سورة الزمر الآية 3
(4) سورة الكهف الآية 110
(5) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(16/267)
البخاري جازما به، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » متفق على صحته.
2 - وأوصيك بتقوى الله في جميع الأحوال، والتقوى هي جماع الخير، وهي وصية الله سبحانه للأولين والآخرين، ووصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (2) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يوصي في خطبه كثيرا بتقوى الله تعالى، وحقيقة التقوى أداء ما افترض الله على العبد وترك ما حرم عليه، عن إخلاص ومحبة له سبحانه، ورغبة في ثوابه وحذر من عقابه، على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله ونبيه محمد - عليه الصلاة والسلام -، قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: " تقوى الله حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا يكفر".
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(2) سورة النساء الآية 131(16/268)
وقال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: " ليست تقوى الله بصيام النهار، ولا قيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله أداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير".
وقال طلق بن حبيب التابعي الجليل - رضي الله عنه -: " تقوى الله سبحانه هي أن تعمل بطاعة الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله".
وهذا كلام جيد ومعناه أن الواجب على المسلم أن يتفقه في دين الله، وأن يطلب العلم ما وسعه جهده حتى يعمل بطاعة الله على بصيرة ويدع محارم الله على بصيرة، وهذا هو تحقيق العمل بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن الشهادة الأولى تقتضي الإيمان بالله وحده، وتخصيصه بالعبادة دون ما سواه، وإخلاص جميع الأعمال لوجهه الكريم، رجاء رحمته وخشية عقابه.
والشهادة الثانية تقتضي الإيمان برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه رسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وتصديق أخباره واتباع شريعته والحذر مما خالفهما.
هاتان الشهادتان هما أصل الدين وأساس الملة، كما(16/269)
قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) وقال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (2) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (3)
3 - وأوصيك بأن يكون زادك حلالا ونفقتك حلالا فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (4) وعرفنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المرء الذي لا يتحرى الحلال في المطعم والملبس والمشرب على خطر عظيم، فذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب، ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟
__________
(1) سورة آل عمران الآية 18
(2) سورة البقرة الآية 163
(3) سورة الأعراف الآية 158
(4) سورة البقرة الآية 172(16/270)
فعليك يا أخي الحاج أن تختار لحجك نفقة طيبة تعينك على إجابة الدعاء وقبول العمل إن شاء الله تعالى.
4 - وأوصيك أن تبتعد عن كل ما يغضب الله عز وجل من الأقوال والأعمال، وهذا أمر يتأكد على المسلم في كل وقت، إلا أنه في الحج آكد، فالواجب عليك أن تصون حجك عما حرم الله عليك من الرفث والفسوق، وأن تستقيم على طاعة الله، وأن تتعاون مع إخوانك في الله على البر والتقوى، حتى يكون حجك مبرورا وسعيك مشكورا، والحج المبرور هو الذي سلم من الرفث والفسوق والجدال بغير حق، كما قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1) ويدل على ذلك أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2) » ، والرفث هو الجماع في حال الإحرام، ويدخل فيه القول بالفحش ورديء الكلام، والفسوق يشمل المعاصي كلها، أعاذنا الله
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350)(16/271)
وإياك والمسلمين من كل ذلك.
5 - ثم أوصي نساء المؤمنين بوصية خاصة، هي وصية الله عز وجل لهن، حيث قال جل شأنه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (1) فالواجب عليهن التستر والتحجب من الرجال عدا المحارم، وترك إظهار الزينة، والحذر من التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك يسبب الفتنة بهن؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات (2) » ومعنى تفلات: أي لا رائحة تفتن الناس، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا الصلاة (3) » .
وقالت عائشة - رضي الله عنها -: " لو علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء اليوم لمنعهن من الخروج".
فالواجب على النساء أن يتقين الله، وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز بعض المحاسن، كالوجه
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) باقي مسند أبي هريرة برقم (9362)
(3) رواه مسلم في (الصلاة) باب خروج النساء إلى المساجد برقم (444) .(16/272)
واليدين والقدمين عند اجتماعهن بالرجال، وخروجهن إلى الأسواق، وهكذا في وقت الطواف والسعي، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن الرءوس ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق؛ لأن ذلك أعظم أسباب الفتن؛ ولهذا قال الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (1) والتبرج: إظهار بعض محاسنهن.
وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (2) والجلباب: هو الثوب الذي تغطي به المرأة رأسها ووجهها وصدرها وسائر بدنها، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة"، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (3)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد، نساء كاسيات عاريات مائلات
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 33
(2) سورة الأحزاب الآية 59
(3) سورة الأحزاب الآية 53(16/273)
مميلات، على رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، ورجال بأيديهم سياط مثل أذناب البقر، يضربون بها الناس (1) » . خرجه مسلم. معنى كاسيات عاريات: كاسيات من نعم الله، عاريات من شكرها، وفسر بأن عليهن كسوة رقيقة أو قصيرة لا تسترهن، فهن كاسيات بالاسم والدعاوى، عاريات في الحقيقة، ومعنى مائلات مميلات: أنهن مائلات عن الحق مميلات لغيرهن إلى الباطل من الفحشاء والمنكر.
ولا ريب أن هذا الحديث الصحيح يوجب على النساء العناية بالتستر، والتحجب والحذر من أسباب غضب الله وعقابه، والله المستعان.
6 - وأعود فأوصيك أيها الحاج الكريم بأن تكون مقتديا في جميع أفعالك وأقوالك بنبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين وأصحابه الطاهرين - رضي الله عنهم -، فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ،
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند أبي هريرة برقم (8451) ، ومسلم في (اللباس والزينة) باب النساء الكاسيات العاريات برقم (2128) .(16/274)
وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1) » .
ولكي يتحقق لك ذلك فعليك بالبحث عن العلماء، والقرب منهم، مستفسرا منهم عن أمور دينك، وقد قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (3) » ، وقال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (4) » .
وهذه المجلة التي بين يديك، والتي تصدر عن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، تقدمها لك هيئة التوعية الإسلامية في الحج، تدخل الآن عامها الثامن، وتواصل مسيرتها بعون الله وتوفيقه نحو تحقيق أهدافها.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث العرباض بن سارية برقم (16694) ، وأبو داود في (السنة) باب لزوم السنة برقم (4607) .
(2) سورة النحل الآية 43
(3) رواه مسلم في (الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم (2699)
(4) رواه البخاري في (العلم) باب من يرد به الله خيرا يفقهه في الدين برقم (71) ، ومسلم في (الزكاة) باب النهي عن المسألة برقم (1037) .(16/275)
إنها مجلتك ومجلة كل مسلم، فاحرص على اقتنائها واعتبر نفسك عضوا عاملا فيها قارئا وكاتبا، فهي منك وإليك، فابعث بما يمن الله به عليك من آراء وأفكار ومقترحات تخدم الإسلام وتقوي شوكة المسلمين.
ثم ادع الله معي أن يوفق العاملين في هذه المجلة، وأن يأخذ بأيديهم إلى ما فيه الخير والصلاح، وأن يلهمهم الرشد والصواب في كل ما يقومون به، وأن يبارك جهودهم ويعظم أجرهم إنه ولي ذلك والقادر عليه. وتقبل الله من الجميع أفعالهم وأقوالهم وأصلح نياتهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.(16/276)
تحقيق معنى الشهادة بالقول والعمل (1) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ... أما بعد:
فإن الله جل وعلا جعل موسم الحج مؤتمرا لعباده، يجتمعون فيه من أنحاء الدنيا ومن سائر أجناس البشر، يريدون القربة إلى الله وسؤاله والضراعة إليه ويطلبون حط ذنوبهم وغفران سيئاتهم، ويرفعون إليه جميع حوائجهم، يسألونه سبحانه من فضله، ويتوبون إليه من تقصيرهم وذنوبهم، ويتعارفون فيه، ويتشاورون ويتناصحون، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، وذلك من جملة المنافع التي أشار إليها سبحانه في قوله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (2) {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (3) والله عز وجل ذكر أنهم يحضرون من كل فج عميق، من الشرق والغرب والجنوب والشمال، ليشهدوا هذه
__________
(1) محاضرة ألقاها سماحته في اليوم الثامن من ذي الحجة في منى عام 1402هـ.
(2) سورة الحج الآية 27
(3) سورة الحج الآية 28(16/277)
المنافع، من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات وبالمزدلفة ويرمون الجمار، وينحرون الهدايا ويحضرون مجالس العلم والذكر، ويسألون أهل العلم عما أشكل عليهم ويتناصحون بينهم، ويستفيد بعضهم من بعض ويحسن بعضهم إلى بعض، هكذا يجب على المسلمين، وهكذا شرع الله لهم، وهو خلقهم سبحانه لهذا الأمر، خلقهم ليعبدوه والحج من عبادته، والعبادة أنواع، أعظمها وأهمها عبادتهم إياه سبحانه لتوحيده، وهو الإخلاص له، فيشهد أنه لا معبود بحق إلا الله، ويشهد أن نبيه محمدا رسول الله، شهادة تقتضي العمل، لا مجرد الشهادة بالقول، بل شهادة معها العمل والصدق والإخلاص في العبادة لله وحده، معها متابعة الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام -، ومعها الإيمان لجميع المرسلين الماضين، وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) يبين سبحانه أنه ما خلق الجن والإنس إلا لعبادته وإفراده بالعبادة، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا هو أصل الملة وأساس الدين، وأساس السعادة ألا تعبد إلا ربك، وأن تخص ربك بدعائك وخوفك، ورجائك وصلاتك وصومك وذبحك، ونذرك وغير ذلك. فالعبادة حق الله وحده، وهي أعظم شيء خلق له
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56(16/278)
العباد. وهي أكبر شيء أمروا به وفرض عليهم، ثم يلي ذلك الشهادة بأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين الماضي، فالإنس هم بنو آدم، والجن هم بنو الجان بنو الشيطان، فيهم الطيب والخبيث، فيهم الصالح والطالح، كما قال عز وجل: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (1) وقال سبحانه: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} (2) وهكذا بنو آدم فيهم الصالح والطالح، فيهم الكافر والمسلم، فيهم البر التقي والكافر الشقي، قال جل وعلا: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} (3) {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (4)
فجميع الثقلين من الجن والإنس، خلقوا ليعبدوا الله وليطيعوه وليعظموه ويخصوه بالعبادة، لا يعبدون معه كوكبا، ولا نبيا ولا وليا ولا شجرا ولا صنما ولا حجرا، ولا غير ذلك، بل عليهم أن يعبدوه وحده سبحانه وتعالى، ويخصوه جل وعلا بالدعاء، فلا يدعى إلا هو سبحانه وتعالى، ولا يستغاث إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يذبح إلا له ولا ينذر إلا له، ولا يصلى إلا له، ولا يسجد إلا له.
__________
(1) سورة الجن الآية 11
(2) سورة الجن الآية 14
(3) سورة الرحمن الآية 14
(4) سورة الرحمن الآية 15(16/279)
وبهذا تعلم أيها المؤمن أيها البصير العاقل، أن ما قد يقع من بعض الجهال في كثير من البلدان والأمصار، من التوجه إلى أصحاب القبور بالدعاء والاستغاثة، أن هذا يضاد قول لا إله إلا الله، وأن الواجب على جميع الثقلين، أن يخصوا الله بالعبادة، وأن يتركوا دعوة الأموات والاستغاثة بهم، فالميت عاجز، والنذر له والذبح له، وطلبه المدد منه شرك أكبر بالله عز وجل، ويضاد قول لا إله إلا الله ويناقضها، وعليك مع ذلك أن تتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتنقاد لأوامره؛ لأن هذا مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، هذه الشهادة توجب عليك اتباعه وتصديقه، والانقياد لأوامره - عليه الصلاة والسلام -، ولهذا قال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (1) وقال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2) وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (3)
وهذا الموسم موسم الحج فرصة للمؤمن يسمع آيات الله ويسمع كلام أهل العلم في المسجد الحرام، وفي المساجد الأخرى، وفي الحلقات العلمية، وفي الخطب وفي غير ذلك
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة النساء الآية 80
(3) سورة الحشر الآية 7(16/280)
من أنواع الدعوة والتذكير في سائر الأماكن، ويسمع ما يذاع وينشر من الدعوة إلى الله، من طريق الإذاعة أو التلفاز، يسمع ما يذاع وينشر عن دعوة الله وإخلاصه وعن توحيده سبحانه، وعن طاعة أوامره وترك نواهيه.
ثم يلي هذا الأمر أمر الصلاة، فإنها عمود الإسلام، فكثير من الناس يتساهل في الصلاة، وهذا منكر عظيم وخطر كبير، الصلاة عمود الإسلام، أعظم من الحج، وأعظم من الصيام، وأعظم من الزكاة، هي أعظم واجب بعد الشهادتين، فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية بالصلاة، ففي الحديث الصحيح يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (1) » والله يقول في كتابه العظيم: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (2) وهي العصر، يقول سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) ويقول سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (4) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5) {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (6) {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} (7) {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (8) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (9) {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (10) {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (11) {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (12) {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (13) {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (14)
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث معاذ بن جبل برقم (21511) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في حرمة الصلاة برقم (2616) .
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) سورة المؤمنون الآية 1
(5) سورة المؤمنون الآية 2
(6) سورة المؤمنون الآية 3
(7) سورة المؤمنون الآية 4
(8) سورة المؤمنون الآية 5
(9) سورة المؤمنون الآية 6
(10) سورة المؤمنون الآية 7
(11) سورة المؤمنون الآية 8
(12) سورة المؤمنون الآية 9
(13) سورة المؤمنون الآية 10
(14) سورة المؤمنون الآية 11(16/281)
وهذا جزاؤهم في الآخرة، فهذه الآيات فيها صفات متعددة للمؤمنين، بدأها بالصلاة وختمها بالصلاة، فدل ذلك على عظم شأن الصلاة، وأن أهلها مفلحون سعداء، كما قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) إذا دخلوا للصلاة خشعوا فيها واطمأنوا، وخضعوا لله وجمعوا قلوبهم على صلاتهم وسكنوا فيها، يعظمون الله ويقرءون كتابه، ويسبحونه ويقدسونه ويسألونه من فضله. قائما يقرأ، ثم يركع معظما لله ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، في ركوعه معظما لربه جل وعلا، ثم يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده، إذا كان إماما أو منفردا، وإذا كان مأموما، قال: ربنا ولك الحمد، ثم يحمد ربه: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، ثناء على الله عز وجل، ثم ينحط ساجدا مكبرا ويسجد على سبعة الأعضاء، على جبهته
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(16/282)
وأنفه وعلى يديه وعلى ركبتيه وعلى أطراف قدميه، خاضعا لربه مطمئنا خاشعا، يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو ربه، ويسأله من فضله في هذا السجود، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم (1) » يعني حري أن يستجاب لكم. وقال - عليه الصلاة والسلام -: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2) » ، ثم يرفع من السجود مكبرا ويجلس بين السجدتين خاشعا مطمئنا خاضعا لربه، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، ثم يكبر ويسجد الثانية خاضعا لله، ويقول سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو ربه، وهكذا يتم صلاته بخشوع وخضوع وطمأنينة.
فالصلاة لها شأن عظيم، من حافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها ضيع دينه، - نعوذ بالله من ذلك-. ولهذا صح عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: «العهد الذي بيننا
__________
(1) رواه مسلم في (الصلاة) باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود برقم (479) .
(2) رواه مسلم في (الصلاة) باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (482)(16/283)
وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » فعلينا أن نحذر التهاون بها، علينا أن نحافظ عليها في جميع الأوقات. والرجل يصليها في الجماعة، والمرأة تصليها في بيتها، مع الخشوع والخضوع والطمأنينة.
ثم يلي ذلك الزكاة وهي حق المال. الزكاة لها شأن عظيم، إذ هي الركن الثالث من أركان الإسلام، فعلى من عنده مال يبلغ النصاب أن يزكي، وأن يصرف الزكاة على أهلها المستحقين لها، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (2) » .
والله سبحانه يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (3) فالزكاة أخت الصلاة وقرينتها، فالواجب على المؤمن أن يحذر التساهل بها أو البخل بها، فقد وعد الله من بخل بالزكاة أن
__________
(1) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621)
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) .
(3) سورة البقرة الآية 43(16/284)
يعذب بماله يوم القيامة، نعوذ بالله من ذلك. فعليك يا عبد الله أن تعتني بالزكاة، وأن تؤدي حق الله من مالك، وأن تدفعه إلى المستحقين من الفقراء والمحاويج وغيرهم من أصناف الزكاة.
وهكذا الصيام الركن الرابع. صيام رمضان في كل سنة، ركن عظيم لا بد منه في حق الرجال والنساء جميعا، ومن صامه إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، هذه نعمة عظيمة.
ثم الحج هو الركن الخامس حج بيت الله الحرام في العمر مرة واحدة، وهذا من تيسير الله وتسهيله، مرة في العمر، وهكذا العمرة وهي الزيارة للبيت مرة في العمر، والباقي سنة نافلة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (1) » فمن أتى البيت العتيق وحج كما شرع الله، غفر الله له وأدخله الجنة إذا مات على ذلك.
فعليك يا عبد الله أن تعرف مقدار حجك، وأن هذه نعمة عظيمة وأن تستفيد من هذا الحج، بحضور مجالس العلم،
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(16/285)
وحلقات العلم وسؤال أهل العلم عما أشكل عليك، وأن تسأل ربك في طوافك وسعيك وفي صلاتك وسائر أحوالك أن يثبتك على الإيمان وأن يمنحك الفقه في الدين وأن يعيذك من نزغات الشيطان.
وعليك أن تصحب الأخيار دائما في بلادك، وفي كل مكان، عليك أن تحرص على صحبة الأخيار أهل الدين، وأهل الخير والاستقامة. وعليك أن تحذر صحبة الأشرار الذين يضيعون الصلوات، ويتعاطون المسكرات، ويفعلون المنكرات، احذر صحبتهم، احذر صحبة الأشرار. فالصاحب الطيب مثل حامل المسك، والصاحب الخبيث مثل نافخ الكير، فالمؤمن يحذر، وهكذا المؤمنة تحذر صحبة الأشرار؛ لأنهم يجرون إلى معاصيهم وشرهم إلا من عصم الله، وعليك بصحبة الأخيار فإنهم يعينونك على طاعة الله ورسوله، وتتأسى بهم في الخير والعمل الصالح. وهذا اليوم هو يوم منى وهو يوم التروية، وغدا يوم عرفة، والسنة بعد طلوع الشمس التوجه إلى عرفات ملبيا ذاكرا ربك عز وجل مكبرا له، يلبي الحاج ويذكر ربه ويكبره سبحانه ويهلله، ويسأله من فضله ورحمته وإحسانه، ويرجوه فضله ويسأله العتق من النار، ويصلي في عرفات الظهر والعصر قصرا وجمعا بأذان واحد وإقامتين. الظهر ثنتين والعصر ثنتين قصرا وجمعا جمع تقديم في أول(16/286)
الوقت، كما فعله النبي - عليه الصلاة والسلام - يوم صلى بالناس في عرفات، جمعا وقصرا - عليه الصلاة والسلام -، فخطب الناس وذكرهم ووعظهم وعلمهم مناسك حجهم، وحذرهم من أمور الجاهلية التي أبطلها الله، من الربا وسفك الدم بغير حق، وغير ذلك مما كان عليه أهل الجاهلية، من الشرك والفساد، وحذر الناس من ذلك، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده، وأوصاهم بالتمسك بالقرآن والاعتصام به، وأخبر الناس أن الله حرم عليهم دماءهم وأموالهم وأعراضهم، هكذا أوصى في الخطبة - عليه الصلاة والسلام -. وأشهد الله عليهم، «وقال لهم إنكم تسألون عني فما أنتم قائلون قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء هكذا وينكبها إلى الناس، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد (1) » يشهد الله عليهم أنه بلغهم - عليه الصلاة والسلام -، وأنا بلغتكم الآن أيضا. والله يشهد عليكم سبحانه وتعالى. فعليكم أن تتقوا الله، وعليكم أن تستقيموا على دين الله، وأن تحافظوا على أمر الله، وأن تحذروا معاصي الله، وأن تخلصوا العبادة لله عز وجل، وأن تستقيموا على اتباع رسول الله محمد - عليه الصلاة والسلام - في كل شيء، في الأقوال والأعمال والعبادات
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - برقم (1218) .(16/287)
والمعاملات، والأخلاق وفي كل ما أمر الله به ورسوله، وأن تتواصوا بالحق، وتتواصوا بالصبر والتناصح، وأن تأمروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر، حتى تلقوا ربكم، وفي إشارته - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء، دليل على أن الله في السماء فوق العرش سبحانه وتعالى، والله عز وجل في السماء فوق جميع الخلق، فوق العرش سبحانه، كما قال عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (1) وقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (2) والله في السماء فوق العرش، فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، وهو يعلم أحوال عباده، وهو معهم بعلمه واطلاعه لا تخفى عليه خافية، ومن أنكر أن الله في السماء، ويزعم أنه في الأرض أو في كل مكان، فهو كافر ضال نعوذ بالله، والله عز وجل في السماء فوق جميع الخلق، فوق العرش، والعرش فوق السماوات، هو أعلى شيء، والله فوقه سبحانه، ومع ذلك يعلم أحوال عباده، لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} (3) {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (4) وقال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (5)
__________
(1) سورة الملك الآية 16
(2) سورة طه الآية 5
(3) سورة الشعراء الآية 218
(4) سورة الشعراء الآية 219
(5) سورة العلق الآية 14(16/288)
وقال عز وجل: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (1) فهو سبحانه فوق العرش وعلمه محيط بالعباد، ولهذا قال عز وجل: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (2)
فالوصية أيها الحاج: تقوى الله والاستقامة على أمره والمحافظة على دينه والتواصي بذلك، وأن يقوم الرجل على أهل بيته، ويعلمهم ويرشدهم وينصحهم، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، من أولاد وزوجة وغير ذلك، حتى تبرأ ذمته، وحتى يعلمهم الخير وينهاهم عن الشر، وحتى يتعاون معهم على طاعة الله ورسوله، وهكذا مع جيرانه ومع أصحابه ومع الناس أجمعين. قال الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) وقال الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (4) {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (5)
__________
(1) سورة طه الآية 46
(2) سورة يونس الآية 61
(3) سورة التغابن الآية 16
(4) سورة التوبة الآية 71
(5) سورة التوبة الآية 72(16/289)
جعلنا الله وإياكم منهم، وهدانا وإياكم صراطه المستقيم، وأعاننا وإياكم على إكمال مناسكنا، وتقبل منا جميعا ومن جميع المسلمين، وجعلنا الله وإياكم من الهداة المهتدين، وأسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يجزيهم عن جهودهم الصالحة خيرا، وأن يصلح لهم البطانة ويعينهم على كل ما فيه رضاه وصلاح المسلمين، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.(16/290)
وجوب تحقيق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى إخوانه في الله حجاج بيت الله الحرام وإلى كل من يطلع على هذه الرسالة من المسلمين في كل مكان.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فيسرني أن ألتقي بكم على صفحات هذه المجلة (التوعية الإسلامية) في عامها التاسع، والتي تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية في موسم الحج من كل عام؛ لإرشاد حجاج بيت الله وضيوف الرحمن لأداء مناسك الحج والعمرة على ما تقتضيه أحكام الشريعة الغراء، وتبصيرهم بأمور دينهم الحنيف وأصول عقيدتهم التي كان عليها سلفنا الصالح - رضي الله عنهم أجمعين -، والتنبيه على كثير من البدع التي تفشت بين المسلمين، وتناول بعض القضايا المعاصرة بالدراسة التي تظهر وجه الحق فيها حتى يكون المسلم على بينة من أمرها بمقدار ما يتاح لهذه المجلة من وقت وإمكانيات، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في (مجلة التوعية الإسلامية في الحج) العدد الأول في 11\11\1403هـ.(16/291)
وبهذه المناسبة الكريمة فإني أرحب بإخواني حجاج بيت الله في حرم الله، وأذكر نفسي وأذكرهم ببعض الوصايا، والنصائح الواجبة في مثل هذا المقام، حتى يكون عملنا مقبولا، وسعينا مشكورا، وحجنا مبرورا، وذنبنا مغفورا بتوفيق من الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
أوصيكم ونفسي بتقوى الله على كل حال، فإنها جماع كل خير ووصية الله تعالى للأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (1) وتتحقق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه عن إخلاص ومحبة له سبحانه ورغبة في ثوابه، وحذرا من عقابه، على الوجه الذي شرعه الله لعباده وبينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته، كما قال الله تعالى له: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (2)
واعلموا - رحمني الله وإياكم- أن الإخلاص لله في العبادة واتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها، أصلان أساسيان في صحتها وقبولها، واستحقاق الثواب عليها - لا سيما الحج - فلنحرص على ذلك أشد الحرص، فقد قال الله تعالى:
__________
(1) سورة النساء الآية 131
(2) سورة النحل الآية 44(16/292)
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (1) وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)
ومن الإخلاص لله في العبادة، أن لا نشرك معه غيره، أو نصرف شيئا منها لسواه، وأن نطهرها من الرياء وحب السمعة، فالله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك وهو الذي يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) ويقول لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (5) وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (6) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (7) {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} (8) {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (9) وقال عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (10) وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
__________
(1) سورة الكهف الآية 110
(2) سورة آل عمران الآية 31
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الزمر الآية 2
(5) سورة الزمر الآية 3
(6) سورة الماعون الآية 4
(7) سورة الماعون الآية 5
(8) سورة الماعون الآية 6
(9) سورة الماعون الآية 7
(10) سورة النساء الآية 142(16/293)
«من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به (1) » متفق عليه، يعني من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله سريرته للناس يوم القيامة وفضحه على رءوس الخلائق. أعاذنا الله وإياكم من خزي يوم الدين.
ومن العبادة الدعاء - بل هو أظهر مظاهر العبودية والتضرع لله - فينبغي أن يكون لله وحده، فلا يدعى غيره ولا يستعان بأحد سواه، ولا يلجأ إلا إليه، ولا يستغاث إلا به، وفي الذكر الحكيم: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (2) وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (3) {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} (4)
وقد جاء في وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنهما -: «.... وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن
__________
(1) رواه البخاري في (الرقاق) باب الرياء والسمعة برقم (6499) ، ومسلم في (الزهد والرقائق) باب من أشرك في عمله غير الله برقم (2987) ، ولفظه: '' من يسمع يسمع الله به''.
(2) سورة غافر الآية 60
(3) سورة الأحقاف الآية 5
(4) سورة الأحقاف الآية 6(16/294)
ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف (1) » رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وينبغي أن نتحرى في كل أعمالنا سنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، فهو - صلى الله عليه وسلم - المتبوع والمقتدى به، ونتجنب البدع في ديننا، فالخير في الاتباع والشر في الابتداع. فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه - رضي الله عنهم -: «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة (2) » رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (3) » متفق عليه.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) أول مسند عبد الله بن عباس برقم (2664) ، والترمذي في (صفة القيامة والرقائق) باب منه (ما جاء في صفة أواني الحوض) برقم (2516) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث العرباض بن سارية برقم (16694) ، وأبو داود في (السنة) باب لزوم السنة برقم (4607) .
(3) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(16/295)
وأوصيكم ونفسي بتحري الحلال في المطعم والملبس والمشرب والنفقة والصدقة، فإن ذلك يعين على الطاعة ويكون سببا في قبولها، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: وقال تعالى: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ (3) » رواه الإمام أحمد. ورواه مسلم في صحيحه والترمذي من حديث فضيل بن مرزوق. فاختاروا لحجكم وعمرتكم نفقة طيبة تعينكم على إجابة الدعاء وقبول الأعمال.
وأوصيكم ونفسي بالمحافظة على الصلاة وأدائها جماعة ما استطعتم، فإنها عماد الدين وفرق ما بين المسلم والكافر وآخر ما يرفع من الدين وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة،
__________
(1) رواه مسلم في (الزكاة) باب قبول الصدقة من الكسب الطيب برقم (1015)
(2) سورة المؤمنون الآية 51 (1) {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
(3) سورة البقرة الآية 172 (2) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(16/296)
فمن ضيعها فهو لما سواها من الفرائض والواجبات أضيع، والله تعالى يقول: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (1) {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} (2) {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ} (3) {عَنِ الْمُجْرِمِينَ} (4) {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (5) {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (6) {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (7) {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (8) {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} (9) {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} (10) {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (11)
والمحافظة كذلك على سائر الفرائض والواجبات من إيتاء الزكاة وصوم رمضان والإحسان إلى الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الأيتام وحسن الجوار وغير ذلك من الواجبات التي يقوم عليها أمر الإسلام، فمن ضيعها أو تهاون بها أو قصر في أدائها فهو على خطر عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وأوصيكم ونفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكمة والموعظة الحسنة؛ لقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (12) ولقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (13) » . رواه مسلم.
__________
(1) سورة المدثر الآية 38
(2) سورة المدثر الآية 39
(3) سورة المدثر الآية 40
(4) سورة المدثر الآية 41
(5) سورة المدثر الآية 42
(6) سورة المدثر الآية 43
(7) سورة المدثر الآية 44
(8) سورة المدثر الآية 45
(9) سورة المدثر الآية 46
(10) سورة المدثر الآية 47
(11) سورة المدثر الآية 48
(12) سورة آل عمران الآية 104
(13) رواه مسلم في (الإيمان) باب كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم (49)(16/297)
فابذلوا النصح لإخوانكم في رفق ولين فما من أمة ضاع فيها هذا الواجب إلا عمها الله بعذاب، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (1) » رواه الترمذي وقال: حديث حسن، «وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم (2) » متفق عليه.
وأوصيكم ونفسي بأن نغتنم فرصة وجودنا في حرم الله تعالى بالإكثار من ذكره وشكره وحسن عبادته والتقرب إليه سبحانه بشتى الطاعات والقربات، فإننا في بلد تضاعف فيه الحسنات وقد فرغنا أنفسنا لذلك، فلا نضيع أوقاتنا في اللغو واللهو والقيل والقال فإنها تكون حسرات علينا يوم القيامة، ولنتجنب الجدال والخصام مع الرفقة والأصحاب، ولا نؤذ
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث حذيفة بن اليمان برقم (22790) ، والترمذي في (الفتن) باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برقم (2169) .
(2) رواه مسلم في (الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم (2699) .(16/298)
إخواننا الحجاج بالمزاحمة عند المناسك وخاصة عند الطواف واستلام الحجر الأسود ورمي الجمرات، فالله تعالى نهانا عن مجرد الجدال وهو دون هذا الأذى بكثير، فقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1) وفي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2) » متفق عليه.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أوصي حكام المسلمين بأن يتقوا الله ويحكموا شريعة الله ويقيموا حدوده، فإنهم مسئولون عن ذلك بين يديه حين يكون الملك له وحده بما ولاهم من أمر عباده، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل، ولا يكون عادلا إلا إذا حكم بما أنزل الله، والله تعالى قال لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (3)
كما أوصيهم بأن يجتمعوا على كلمة سواء وأن لا يختلفوا
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
(3) سورة المائدة الآية 49(16/299)
فتزول هيبتهم ويطمع فيهم عدوهم كما هو واقع الحال، والله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1)
وأوصي العلماء - وهم أعلام الهدى- أن يجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يجمعوا المسلمين على ذلك، وأن يخلصوا النصح لولاة الأمور ويؤثروا ما عند الله على ما عندهم فما عند الله خير وأبقى، ويبلغوا رسالة الله ولا يخشوا أحدا سواه.
فإذا نصح العلماء واستجاب الأمراء استقامت الأمة على طاعة الله فأعزها الله ومكن لها في الأرض، وجعلها- بحق - خير أمة أخرجت للناس.
وأوصي الأغنياء بأن يبذلوا من أموالهم ويعاونوا إخوانهم الفقراء، ويمدوا المجاهدين في كل مكان بما يعينهم على قتال عدوهم، فالله تعالى يقول: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (2) ويقول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (3)
__________
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2) سورة المزمل الآية 20
(3) سورة البقرة الآية 261(16/300)
وإن فاتكم شرف الجهاد بالنفس فلا يفوتكم شرف الجهاد بالمال، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا (1) » متفق عليه. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع كلمة المسلمين على الحق ويؤلف قلوبهم على الهدى، ويوحد صفوفهم، وينصرهم على عدوهم، كما أسأله أن يصلح ولاة المسلمين ويحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم، ويهيئ لهم البطانة الصالحة التي تذكرهم بالحق وتعينهم عليه، إنه الموفق لذلك والقادر عليه، وأن يجعل حجنا مبرورا وسعينا مشكورا وذنبنا مغفورا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير برقم (2843) ، ومسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم (1895) .(16/301)
وجوب تقوى الله في السر والعلن (1) .
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حجاج بيت الله الحرام وإلى كل من يطلع على هذه الرسالة من إخوانه المسلمين في كل مكان، وفقهم الله لما فيه رضاه ومنحهم الفقه في الدين، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
ففي مستهل صدور العدد الأول من مجلة التوعية الإسلامية التي تصدرها في موسم كل عام الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، وفي عامها الحادي عشر أتقدم إليكم بالتحية الطيبة، ومرحبا بكم على هذه الأرض المباركة أرض الحرمين الشريفين، سائلا المولى تبارك وتعالى أن يجعل حجنا وحجكم مبرورا وسعينا وسعيكم مشكورا وذنبنا وذنبكم مغفورا، وأن
__________
(1) نشر في (مجلة التوعية الإسلامية في الحج) العدد الأول عام 1405هـ.(16/302)
يوفقنا وإياكم إلى صالح الأعمال في سهولة ويسر وصحة وعافية وقبول.
وبهذه المناسبة الكريمة فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلانية، والإخلاص له في الأعمال والأقوال، والاقتداء برسولنا - صلى الله عليه وسلم - في مناسك حجنا وفي كل ما نتقرب به إلى ربنا عز وجل، فإن تقوى الله تبارك وتعالى هي السبب العظيم في تحصيل سعادة الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2) وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (3) وقال تعالى: {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (4) وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (5) وهي ثمرة الحج المبرور والعبادات الصحيحة، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (6) وهي خير ما يدخره
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة الطلاق الآية 3
(3) سورة الطلاق الآية 4
(4) سورة الزخرف الآية 35
(5) سورة القلم الآية 34
(6) سورة البقرة الآية 197(16/303)
المسلم لذريته من بعده، قال الله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (1) لذلك كانت التقوى هي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (2)
والإخلاص هو أصل قبول الأعمال، فلا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم، فلم يشرك صاحبها فيها مع الله غيره، ولا يقصد بها رياء ولا سمعة ولا شهرة ولا محمدة ولا ثناء من أحد، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (3) وقال تعالى لنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهو قدوة المخلصين: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (5) وقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (6) {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} (7)
__________
(1) سورة النساء الآية 9
(2) سورة النساء الآية 131
(3) سورة البينة الآية 5
(4) سورة الأنعام الآية 162
(5) سورة الأنعام الآية 163
(6) سورة الزمر الآية 11
(7) سورة الزمر الآية 12(16/304)
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1) {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (2) ولكون الشرك يحبط الأعمال ويضيع ثوابها حذر الله عز وجل منه عباده، كما في الآيات السابقة، وكما في قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (3) وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (4) وقال عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (5)
وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه (6) » . رواه مسلم رحمه الله، والرياء
__________
(1) سورة الزمر الآية 65
(2) سورة الزمر الآية 66
(3) سورة المائدة الآية 72
(4) سورة النساء الآية 116
(5) سورة الأنعام الآية 88
(6) رواه مسلم في (الزهد والرقائق) باب من أشرك في عمله غير الله برقم (2985) .(16/305)
هو الشرك الخفي الذي يبطل الأعمال ويفوت الثواب، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1) وعن جندب بن عبد الله بن سفيان - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به (2) » متفق عليه.
قال النووي - رحمه الله - (سمع) بتشديد الميم ومعناه أظهر عمله للناس به (سمع الله به) أي فضحه يوم القيامة.
ومعنى (من راءى راءى الله به) أي من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم. (راءى الله به) أي أظهر سريرته على رءوس الخلائق.
والاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في مناسك حجنا وفي كل ما نتقرب به إلى ربنا هو الأصل الثاني الذي يترتب عليه قبول الأعمال، فقد أمرنا الله عز وجل باتباعه وحذرنا من مخالفته، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (4)
__________
(1) سورة البقرة الآية 264
(2) رواه البخاري في (الرقاق) باب الرياء والسمعة برقم (6499) ، ومسلم في (الزهد والرقائق) باب من أشرك في عمله غير الله برقم (2987) ، ولفظه: '' من يسمع يسمع الله به''.
(3) سورة آل عمران الآية 31
(4) سورة آل عمران الآية 32(16/306)
وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2)
والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن بلغ الناس ما أنزل إليه من ربه أكمل البلاغ، وبعد أن بين للناس ما نزل إليهم أتم بيان، كما قال الله تعالى له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (3) وكما قال جل شأنه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (4) وقد أنزل الله عز وجل عليه مصداق ذلك، حيث قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (5) فكل ما لم يكن في زمن رسول - صلى الله عليه وسلم - دينا فليس اليوم بدين.
__________
(1) سورة الحشر الآية 7
(2) سورة النور الآية 63
(3) سورة المائدة الآية 67
(4) سورة النحل الآية 44
(5) سورة المائدة الآية 3(16/307)
وفي الحديث الصحيح، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » رواه مسلم - رحمه الله -، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » . متفق عليه.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتقيا الله عز وجل، وأن يخلصا في أعمالهما وأن يتقيدا بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في كل أعمالهما وأقوالهما في الحج وفي غيره. فهذا أمير المؤمنين الخليفة الراشد «عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول وهو يقبل الحجر الأسود: أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك (3) » . متفق عليه.
فلنكن أيها الأخوة المسلمون على بينة من مناسك حجنا
__________
(1) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(2) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب ما ذكر في الحجر الأسود برقم (1597) ، ومسلم في (الحج) باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف برقم (1270) .(16/308)
وأمور ديننا حتى نعمل ما يطلب منا
عمله ونجتنب ما يطلب منا اجتنابه، فقد قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (1)
وبذلك يقع حجنا بتوفيق الله- حجا مبرورا والحج المبرور جزاؤه الجنة. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2) » . متفق عليه.
ومفتاح العلم السؤال، فإذا أشكل عليكم أمر فاسألوا أهل العلم عنه، فالله تعالى يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3)
وهم بحمد الله تعالى- اليوم كثير، وستجدون في مداخل المملكة وفي مكة والمدينة وفي منى وعرفات وفي عديد من الأماكن التي يوجد فيها الحجاج مراكز للتوعية الإسلامية بها نخبة من أهل العلم، يجيبونكم على أسئلتكم
__________
(1) سورة يوسف الآية 108
(2) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .
(3) سورة النحل الآية 43(16/309)
ويفتونكم في كل ما تحتاجون إليه مما يتعلق بالحج وبغيره من أمور الدين، فاسألوهم واحرصوا على سماع دروسهم وندواتهم، فإن فيها خيرا كثيرا إن شاء الله، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » متفق عليه.
وأنتم أيها الإخوة، قد حضرتم من بلاد بعيدة وجهات متفرقة، تحملتم فيها مشقة السفر وأنفقتم الأموال الكثيرة تبتغون الأجر والثواب من الله تعالى، فحافظوا على أوقاتكم واشغلوها بالعبادة والتقرب إلى الله عز وجل والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكثروا من قراءة القرآن الكريم ومن الصلاة والطواف والذكر والدعاء والاستغفار والصدقة وغير ذلك من أنواع العبادات والقربات، وحافظوا على صلاة الجماعة في المساجد وهي بحمد الله متوفرة - فصلاة الجماعة تزيد على صلاة المنفرد أضعافا كثيرة، فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (2) » . متفق
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين برقم (71) ، ومسلم في (الزكاة) باب النهي عن المسألة برقم (1037) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) باب فضل صلاة الجماعة برقم (645) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة. برقم (650) .(16/310)
عليه، والفذ: الواحد.
ولأهمية صلاة الجماعة في المساجد وعظم فضلها فإن رسول الله لم يرخص في تركها للأعمى الذي لا يجد له قائدا يقود إلى المسجد، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب (1) » رواه مسلم رحمه الله.
وقد توعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يتخلف عن الجماعة - بغير عذر- أن يحرق عليهم بيوتهم بالنار، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم (2) » متفق عليه.
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) .
(2) رواه البخاري في (الخصومات) باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت برقم (2420) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651) .(16/311)
والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يتوعد بهذا العقاب الشديد إلا على أمر لا يجوز التساهل به أو التفريط فيه.
فحافظوا أيها الحجاج بارك الله فيكم على صلاة الجماعة ما استطعتم، وخاصة في الحرمين الشريفين، فإن الصلاة فيهما تضاعف أضعافا كثيرة عن غيرهما في سائر المساجد، فعن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا (1) » أخرجه أحمد - رحمه الله -.
وهذا خير من ضياع الوقت وبذل الجهد في زيارة أماكن هنا وهناك بقصد تحصيل الأجر والثواب - لم تشرع زيارتها ولم يفعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته الكرام - رضي الله عنهم - أجمعين، ولو كان ذلك خيرا لسبقونا إليه، وقد مر بنا «قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يقول عند تقبيله الحجر الأسود: لولا أني رأيت رسول الله - صلى
__________
(1) رواه ابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام برقم (1406) .(16/312)
الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك (1) » ، وصح عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. فالخير في الاتباع والشر في الابتداع.
وأوصيكم أيها الإخوة في الله بالحرص على التواصي بالحق، والصبر فيما بينكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى في هذا الموسم العظيم، الذي يجمع عددا كبيرا من المسلمين جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويؤدوا مناسكهم، رغبة في مغفرة الله سبحانه وطمعا في ثوابه عز وجل والنفوس مهيئة لقبول الخير، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (3) » والله تعالى يقول:
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ما ذكر في الحجر الأسود برقم (1597) ، ومسلم في (الحج) باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف برقم (1270) .
(2) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث تميم الداري برقم (16499) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أن الدين النصيحة برقم (55) .(16/313)
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)
«وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -، قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم (2) » . متفق عليه. وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (3) » متفق عليه.
والمسلم يحب لنفسه أن يكون على خير في دينه ودنياه، فكذلك يجب أن يحب ذلك لإخوانه المسلمين، ولكن ينبغي أن يكون ذلك برفق ولين وحكمة وموعظة حسنة، كما قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (4) وعن عائشة - رضي
__________
(1) سورة التوبة الآية 71
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب الدين النصيحة برقم (57) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أن الدين النصيحة برقم (56)
(3) رواه البخاري في (الإيمان) باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم (13) ، ومسلم في (الإيمان) باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه. برقم (45) .
(4) سورة النحل الآية 125(16/314)
الله عنها -، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله (1) » . متفق عليه، وعنها - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه (2) » . رواه مسلم - رحمه الله-. ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: «بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعوه وأهريقوا على بوله سجلا من ماء، أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين (3) » رواه البخاري - رحمه الله -، ثم أفهمه فقال: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا وإنما هي للصلاة وذكر الله (4) » .
__________
(1) رواه البخاري في (استتابة المرتدين) باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يصرح برقم (6927) ، ومسلم في (السلام) باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام برقم (2165) .
(2) رواه مسلم في (البر والصلة والآداب) باب فضل الرفق برقم (2594) .
(3) رواه البخاري في (الوضوء) باب صب الماء على البول في المسجد برقم (220) ، وفي (الأدب) باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ''يسروا ولا تعسروا '' برقم (6128) .
(4) رواه مسلم في (الطهارة) باب وجوب غسل البول والنجاسات. برقم (285) .(16/315)
وهكذا ينبغي أن يكون المسلم رفيقا بإخوانه رحيما بهم يغفر زلاتهم ويعفو عن إساءاتهم يرحم ضعيفهم ويوقر كبيرهم ولا يشق عليهم، بل يجادلهم بالتي هي أحسن، وخاصة في رحلة الحج المباركة التي خرج فيها الجميع يلبون ربهم ويحمدونه ويكبرونه، لا سيما في أوقات الشدة وأماكن الزحام في المطاف وفي المسعى، وعند الصعود إلى عرفات والنزول منها، وعند رمي الجمرات حتى يؤدي الجميع مناسك حجهم في سهولة ويسر، وحتى يكون بتوفيق الله حجا مبرورا، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (1) » متفق عليه. وفي الحديث المتفق على صحته يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه (2) » .
وإني أهيب بإخواني المسلمين من حجاج بيت الله الحرام، أن يتناسوا خلافاتهم، وأن يقبلوا على نسكهم بنفوس
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده برقم (10) .(16/316)
صافية وقلوب مخلصة وألسنة ذاكرة لله وحده، الذي دعاهم إلى حج بيته، ووفقهم لإجابة هذه الدعوة، فهتفوا قائلين: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) . وينبغي أن يكون هذا الذكر حقيقة تحكم تصرفاتهم وتضبط سلوكهم، فلا يتصرفون إلا بما يرضي الله، ولا يسلكون إلا سبيل الله، والله تعالى يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (1)
كما أهيب بولاة أمور المسلمين وعلمائهم، وأهل الرأي فيهم من الحجاج، أن ينتهزوا فرصة اجتماعهم في هذه الأماكن المقدسة مهد الإسلام ومهبط الوحي ومشرق الرسالة الخاتمة التي جمعت القلوب المتنافرة ووحدت القبائل المتناحرة، فجعلت من رعاة الغنم قادة للأمم، ومن الأمة الأمية خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أهيب بهم أن يلتقوا ويتشاوروا فيما يجمع شمل الأمة الإسلامية ويوحد صفوفها ويستنقذ بلادها ومقدساتها من أيدي أعدائها ولا سيما المسجد الأقصى المبارك، ويشد أزر المجاهدين في سبيل ذلك ويوحد صفوفهم حتى لا تكون فتنة
__________
(1) سورة الأنعام الآية 153(16/317)
ويكون الدين كله لله.
وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه (1) » متفق عليه.
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (2) » متفق عليه، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة (3) » متفق عليه.
__________
(1) رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب نصر المظلوم برقم (2446) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم برقم (2585) .
(2) رواه البخاري في (الأدب) باب رحمة الناس والبهائم برقم (6011) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم برقم (2586) .
(3) رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب لا يظلم المسلم المسلم برقم (2442) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب تحريم الظلم برقم (2580) .(16/318)
ومن فاته نصرة إخوانه المجاهدين بنفسه ينبغي أن ينصرهم بقوله أو ماله فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم (3) » رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وهذا يبين أهمية الإعلام، بالنسبة لقضايا المسلمين. وعن زيد بن خالد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا (4) » متفق عليه.
وإن لكم إخوانا قد أصابهم الضر ونزل بهم القحط وابتلوا بنقص في الأموال والأنفس والثمرات في أفريقيا
__________
(1) سورة الصف الآية 10
(2) سورة الصف الآية 11
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) مسند أنس بن مالك برقم (11837) ، وأبو داود في (الجهاد) باب كراهية ترك الغزو برقم (2504) .
(4) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير برقم (2843) ، ومسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم (1895) .(16/319)
وغيرها، وهم في أشد الحاجة إلى مواساتكم ومعونتكم فلا تبخلوا عنهم بشيء من أموالكم، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} (1) وهو القائل سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (2) وقال سبحانه: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (3) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه (4) » .
وفي الختام فإني أسأل الله أن يسدد خطانا وخطاكم، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والرشاد، وأن يجمع شمل هذه الأمة المحمدية على الحق والهدى، وأن يوفق حكامهم وولاة أمورهم إلى أن يحكموا بينهم بما أنزل الله ويطبقوا فيهم شريعة الله، وهو القائل سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (5) إنه ولي ذلك والقادر عليه، كما أسأله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين غانمين
__________
(1) سورة محمد الآية 38
(2) سورة سبأ الآية 39
(3) سورة المزمل الآية 20
(4) رواه مسلم في (الذكر والدعاء والاستغفار) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم (2699) .
(5) سورة المائدة الآية 50(16/320)
موفقين إنه على كل شيء قدير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.(16/321)
الحج فرصة لنشر دعوة الحق.
بعد الحمد والثناء على الله عز وجل ثم الصلاة والسلام على أشرف المرسلين، إني أشكر الله عز وجل على ما من به علينا وعلى حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسك الحج في أمن وعافية وسلامة وهدوء، الحمد لله جل وعلا على ذلك ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن جميع حجاج بيت الله الحرام، كما أسأله سبحانه أن يوفق حكومتنا لكل خير، وأن يجزيها عما فعلت من التسهيل لحجاج بيت الله الحرام لأداء مناسكهم أفضل الجزاء وأن يعينها على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد، كما أسأله سبحانه أن يجزي أيضا العاملين في هذه الدولة من عسكريين ومدنيين أحسن الجزاء عما فعلوا من الخير، وأن يضاعف مثوبتهم على ما فعلوه من تيسير وتسهيل وإعانة لإخوانهم حجاج بيت الله الحرام، وأسأله عز وجل أن يتقبل من الجميع عملهم وحجهم.(16/322)
ثم إني أشكر أخي صاحب الفضيلة معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل على كلمته القيمة وتوجيهاته السديدة المفيدة، فجزاه الله خيرا، وقد أحسن وأجاد في نصيحة إخوانه الدعاة ووصيتهم بما ينبغي أن يعتمدوه في نصحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل وعنايتهم بإخوانهم حجاج بيت الله الحرام وغيرهم.
فإن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وهي من أهم الفرائض وهي مهمة الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، والعلماء هم ورثة الأنبياء فالواجب عليهم العناية بالدعوة، وأن تكون بالأساليب التي يرجى منها حصول المطلوب والسلامة من النفور عن الحق، ويرجى منها الإفادة للمدعو وقبوله الحق، وعليهم أن يحذروا الأساليب التي يخشى منها بقاء المنكر أو وجود ما هو أنكر منه، فالداعي إلى الله يجب أن ينظر في أسلوب دعوته، وأن يتحرى الأساليب التي يرجى من ورائها حصول الخير والفائدة، والسلامة من ضد ذلك، فجزى الله أخانا صاحب الفضيلة الشيخ محمد عن كلمته خيرا، كما أشكره أيضا على جهوده العظيمة الإصلاحية في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأسأل الله أن يزيده والعاملين معه من التوفيق والهداية وأن يبارك في جهودهم وينفع بها عباده من حجاج بيت الله الحرام وزوار هذا المسجد العظيم للعمرة، وزواره للصلاة(16/323)
وزوار المسجد النبوي، نسأل الله أن يبارك في جهود القائمين على هذين المسجدين وأن يجعلهم هداة مهتدين، كما أشكره أيضا هو وإخوانه على ما يبذلوه من الدعوة إلى الله في المسجدين وتوجيه الناس إلى الخير، وإفتائهم فيما يحتاجون إليه فجزاهم الله جميعا خيرا.
ثم أشكر الأمانة العامة للتوعية على جهودها في هذا السبيل، سبيل تسهيل أداء المناسك لحجاج بيت الله الحرام، أشكر الأمانة والعاملين فيها على جهودهم الطيبة في تسهيل أمر الحجيج وإعانتهم على أداء مناسكهم بما يسهل عليهم ذلك وبما يعينهم على فهم ما أوجب الله عليهم وعلى ترك ما حرم الله عليهم، ولا شك أن جهود الأمانة العامة لها ثمار عظيمة، ولها فوائد جمة، ونسأل الله أن يبارك في هذه الجهود وأن يجزي العاملين فيها جزاء حسنا وأن يثبتهم ويأجرهم على ما فعلوه ويزيدهم من فضله، فإن الله سبحانه هو الجواد الكريم وهو الذي يجازي العاملين بما يستحقونه، فنسأل الله أن يجزي العاملين في سبيله جزاء حسنا، وأن يثيبهم على ما قدموا، وأن يجعل لهم مثل ثواب إخوانهم الذين ساعدوهم في الخير، وسهلوا لهم طريق الخير، ثم أشكر إخواني الدعاة إلى الله عز وجل، وأدعو لهم بمزيد من التوفيق فقد بذلوا جهودا كبيرة، وأسأل الله أن يجزيهم عن جهودهم خيرا، وأن يضاعف(16/324)
مثوبتهم، ولا شك أن الواجب عليهم عظيم، ونسأل الله أن يتقبل منهم جهودهم وأن يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم، قال الله عز وجل في كتابه العزيز: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1) فالدعوة إلى الله هي سبيل الأنبياء وأتباعهم على بصيرة، فنسأل الله أن يوفقنا وإخواننا الدعاة وسائر علماء المسلمين لما يرضيه وأن يجعلنا جميعا من الدعاة إليه على بصيرة وأن يعيننا على أداء الواجب إنه خير مسئول، ولا شك أن الدعاة إلى الله سبحانه في جهاد عظيم، وهم جديرون بأن يبذلوا وسعهم في هذا السبيل؛ لأن الله جل وعلا قد أتاح لهم في هذا الموسم أمما كثيرة من سائر أرجاء الدنيا في حاجة إلى الدعوة والتوجيه فيما يتعلق بالعقيدة ومناسك الحج وفيما يتعلق بأحكام الدين، فهم جديرون بأن يوجهوهم ويرشدوهم إلى ما يجب عليهم وإلى ما يحرم عليهم حتى يفعلوا ما شرع الله ويدعوا ما حرم الله، وأسأل الله أن يبارك عملهم، وأن ينفع به عباده المسلمين، وأن يجزيهم عن ذلك جزاء حسنا، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، ولا ريب أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة والتوجيه والإرشاد، فالواجب أن تكون دعوتهم بالأساليب الحسنة التي يرجى منها
__________
(1) سورة يوسف الآية 108(16/325)
قبول الحق وترك الباطل، قال الله جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) فهذه الطريقة التي رسمها الله لعباده فيها الخير العظيم فيها توجيه الناس وإرشادهم بالعلم والحكمة، فإن الحكمة هي العلم، وذلك بوضع الأمور في مواضعها عن علم وبصيرة، ثم الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ثم الجدال بالتي هي أحسن؛ لإزالة الشبه وإيضاح الحق، وبذلك يحصل المطلوب ويزول المرهوب، بخلاف الشدة والغلظة فإنه يترتب عليها شر عظيم وعواقب وخيمة، منها عدم قبول الحق، ومنها أنه قد يقع بذلك منكرات أخرى، قال الله جل وعلا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (2) وقال عز وجل لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (3) فالواجب على الدعاة أن يسلكوا المسالك التي يرونها ناجحة مفيدة صالحة لإرشاد المدعوين وتوجيههم إلى الخير، ولا شك أن الحكمة في الدعوة والتبصر فيها من أهم المهمات، والدعوة إلى الله أحسن ما بذله المسلم في نفع غيره، قال الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (4)
__________
(1) سورة النحل الآية 125
(2) سورة آل عمران الآية 159
(3) سورة طه الآية 44
(4) سورة فصلت الآية 33(16/326)
وموسم الحج من أحسن مواضعها وأوقاتها، فالحج فرصة للدعاة إلى الله لينشروا فيه دعوة الحق ويرشدوا فيه الخلق إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، ويحذروهم عما نهى الله عنه من سائر الأخلاق والأعمال، فهي نعمة من الله عظيمة على من دعا إلى الله عز وجل، ونعمة من الله عظيمة على المدعوين، فنسأل الله أن يجزي الداعين خيرا وأن يثبتهم عن دعوتهم، وأن يزيدهم علما إلى علمهم وخيرا إلى خيرهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين وأن ينفع المدعوين بما سمعوا وبما شاهدوا وأن يرزقهم البصيرة والفقه في الدين، كما أسأله سبحانه أن يجزي ولاة أمرنا عما فعلوا وبذلوا من الخير في إعانة الدعاة على أداء واجبهم وفي إعانة الحجاج على أداء مناسكهم، نسأل الله أن يجزيهم على ذلك الجزاء الحسن وأن يضاعف مثوبتهم وأن يزيدهم من كل خير وأن يعينهم على إزالة كل شر.
وإن واجب العلماء النصيحة لله ولعباده والنصيحة لولاة الأمور بالمكاتبة والمشافهة للأمير والرئيس، لكل ولي أمر من ملك أو رئيس جمهورية أو أمير أو رئيس عشيرة أو جماعة إلى غير ذلك، فكل من له رئاسة وكل من له شيء يستطيع أن(16/327)
يتصرف فيه، هو جدير بأن ينصح ويوجه، حتى يبذل جهوده في من تحت يديه، هذا واجب العلماء أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها وفي هذه الدولة، وفي هذه البقعة بصورة خاصة وفي بقاع الدنيا عامة، والواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى توحيد الله وطاعته ويتعاونوا مع ولاة الأمور بالحكمة والأسلوب الحسن والكلام الطيب والنصيحة الطيبة بالمشافهة والمكاتبة، واجتناب الألفاظ والوسائل التي قد تنفر من الحق وقد تضر الدعوة، يجب على العلماء أينما كانوا أن يكونوا بصيرين بأمر الدعوة، وأن يتحروا الأسباب والوسائل التي يرجى من ورائها حصول المطلوب، وأن يحذروا كل سبب وكل وسيلة يخشى من ورائها عدم حصول المطلوب، أو حصول ضده، هذا هو الواجب على الجميع.
وفي مكة المكرمة كان نبينا - عليه الصلاة والسلام - يدعو الناس بالكلام الطيب والأسلوب الحسن حسب الطاقة والإمكان، ويتابع البعد عن كل ما يضر الدعوة، وهكذا لما هاجر إلى المدينة فعل ذلك حتى شرع الله الجهاد وأعطاه قوة، فعند ذلك جاهد الناس وشرع في قتال الكفار إلى أن يستجيبوا للحق، وعلى الدعاة إلى الله أن يسلكوا مسلك الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأن يجتهدوا في إيصال الدعوة إلى المدعوين بالطرق التي يرجى منها حصول المطلوب، وإذا قوي من له سلطان قام(16/328)
على تنفيذ الحق بالقوة بطريقة يحصل بها المطلوب ولا يحصل منها ضده،
وهذا هو الواجب على ولاة الأمور أن يقيموا الحق بالطريقة التي يمكن بها تنفيذه بدون حصول ما هو شر ومنكر.
والواجب على الدعاة إلى الله أن يبلغوا ولاة الأمور الحق بالوسائل الكتابية والشفهية حتى يحصل التعاون بين الجميع بين السلطان وبين الأمير وبين كبير القبيلة وبين كبير الأسرة، حتى يحصل التعاون بين الجميع بالأسلوب الحسن والدعوة المباركة، ولا شك أن الدعوة إلى الله عز وجل يدخل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الدعوة تدخل فيها الأمر والنهي عند الإطلاق، كما قال تعالى في كتابه العظيم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} (1) وهكذا قوله جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} (2) تعم الدعاة وتعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعم كل من قام بالإصلاح والدعوة إلى الله عز وجل، في درس أو مجلس أو غير ذلك، وهكذا الأمر بالمعروف إذا أطلق دخلت فيه الدعوة، كما في قوله جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (3) فالواجب على كل إنسان أن
__________
(1) سورة فصلت الآية 33
(2) سورة النحل الآية 125
(3) سورة آل عمران الآية 110(16/329)
يبذل وسعه في تنفيذ الحق حسب طاقته، فالسلطان عليه واجبه الأعظم حسب طاقته، والأمير في القرية أو البلد أو القبيلة عليه تنفيذ الحق حسب طاقته بالفعل والقول جميعا، وكبير الأسرة وصاحب البيت عليه تنفيذ الحق بالقول وبالعمل حسب طاقته ومع أولاده وأهله، وهكذا كل إنسان عليه أن يعمل حسب طاقته، كما قال الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وكما قال - عليه الصلاة والسلام -: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (2) » ، فمن كان يستطيع بيده مثل السلطان والأمير فيما حدد له، والهيئة فيما حدد لها، وصاحب البيت فيما يقدر عليه نفذ الأمر بيده، ومن كان بصفة أخرى نفذ بالكلام والتوجيه والإرشاد وبالتي هي أحسن حتى يحصل الحق وحتى يزول الباطل، وعليه أن يستمر ولا ييأس ويرجو ما عند الله من المثوبة فيصبر، كما قال الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ} (3) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (4) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5) هذه صفة الرابحين والمؤمنين السعداء، إيمان
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) رواه مسلم في (الإيمان) باب كون النهي عن المنكر من الإيمان برقم (49) .
(3) سورة العصر الآية 1
(4) سورة العصر الآية 2
(5) سورة العصر الآية 3(16/330)
صادق وعمل صالح وتواص بالحق وتواص بالصبر، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته (2) » ، ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (3) فالواجب نصر الله والعناية بأمره والاجتهاد في ذلك، ويشرع للمؤمن أن يجتهد في أن يكون في حاجة أخيه الدينية والدنيوية، وأن يعينه على الخير حسب طاقته، وبهذا تجتمع القلوب ويحصل التعاون والتآلف والمحبة في الله، وكثرة الخير وقلة الشر. فنسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه وأن يوفقنا جميعا إلى كل ما فيه صلاح العباد والبلاد أينما كانوا، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسئولين لما يرضيه في كل مكان وأن يصلح بطانتهم وأن يصلح العلماء ويعينهم على أداء الواجب، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعته والتحاكم إليها والفقه فيها، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا لكل
__________
(1) سورة المائدة الآية 2
(2) رواه البخاري في (المظالم والغصب) باب لا يظلم المسلم المسلم برقم (2442) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب تحريم الظلم برقم (2580) .
(3) سورة محمد الآية 7(16/331)
خير وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وأن ينصر بهم الحق، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يوفق علماءنا وجميع المسلمين للتعاون على البر والتقوى إنه خير مسئول. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(16/332)
الحج المبرور
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد بن عبد الله ورسوله، وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد (1) :
فأحييك أيها القارئ الكريم بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وأهنئك بما يسر الله لك من حج بيته الحرام الذي أوجبه الله على المستطيعين من عباده المكلفين بقوله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (2) وقد روى مسلم رحمه الله في صحيحه «عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا. فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية) العدد الأول بتاريخ 10\11\1404هـ.
(2) سورة آل عمران الآية 97(16/333)
قالها ثلاثا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. ثم قال: ذورني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه (1) » .
والحج من الأعمال الفاضلة التي يضاعف الله بها الأجور ويغفر بها الذنوب. روى البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أفضل قال: إيمان بالله ورسوله قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور (2) » . والحج المبرور هو الذي لا يرتكب فيه صاحبه معصية لله، كما يدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (3) » متفق عليه.
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب فرض الحج مرة في العمر برقم (1337) .
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب من قال: إن الإيمان هو العمل برقم (26) ، ومسلم في (الإيمان) باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (83) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(16/334)
فالحج فرصة عظيمة يجود الله سبحانه وتعالى فيها على عباده المؤمنين بالمغفرة والرحمة والرضوان والعتق من النار، فطوبى لمن كان حجه مبرورا فلم يرفث ولم يفسق ولم يجادل إلا بالتي هي أحسن واستبق إلى الخيرات، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (1)
هذا وأقدم إلى الحجاج الكرام هذه الأعداد الجديدة من مجلة التوعية الإسلامية في الحج للسنة العاشرة، والتي تصدرها الأمانة العامة لهيئة التوعية الإسلامية في الحج التابعة للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية؛ لهدف توعية المسلمين وتبصيرهم بأمور دينهم الحنيف وخاصة ما يتصل منها بالعقيدة والعبادة والأخلاق وعلى الأخص ما يتصل بمناسك الحج، حتى يؤدوا حجهم على نور من كتاب ربهم عز وجل المبين، وهدى من سنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - الأمين، وهي إحدى
__________
(1) سورة البقرة الآية 197(16/335)
منجزات المملكة العربية السعودية والخدمات التي تؤديها حكومتها الموفقة لحجاج بيت الله الحرام والمسلمين في كل مكان، راجين من المولى القدير أن ينفع بها الحجاج، وكل من اطلع عليها من المسلمين.
وبهذه المناسبة الجليلة فإني أوصيكم ونفسي وكل من بلغته هذه النصيحة بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال والتعرض دائما لنفحاته سبحانه، فإن لله تعالى في أيام دهرنا نفحات يصيب بها من يشاء من عباده، فلنستبق إلى الخيرات، ولننتهز المناسبات الفاضلة فنشغلها بطاعة الله عز وجل والعمل بما يرضيه: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (1) والله تعالى يقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (2) ويقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (3) وروى الترمذي - رحمه الله - بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدجال فشر غائب
__________
(1) سورة المطففين الآية 26
(2) سورة المائدة الآية 48
(3) سورة آل عمران الآية 133(16/336)
ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر (1) » .
وأنتم أيها الإخوة قد جئتم من بلاد بعيدة وتركتم الأهل والأوطان تبتغون فضلا من ربكم ورحمة، فأحسنوا نياتكم وأخلصوا أعمالكم لله ربكم فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، والله تعالى يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2) ويقول سبحانه وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (4) وتحروا سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - فيما تفعلون وفيما تذرون فالله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (5) ويقول عز من قائل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (6) وتجنبوا البدع في الدين، ففي الحديث المتفق على صحته عن عائشة - رضي
__________
(1) رواه الترمذي في (الزهد) باب ما جاء في المبادرة بالعمل برقم (2306) .
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(5) سورة الحشر الآية 7
(6) سورة الأحزاب الآية 36(16/337)
الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » وفي رواية لمسلم - رحمه الله -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » وفي صحيح البخاري - رحمه الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. وقيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى (3) » .
واسألوا أهل العلم فيما تجهلون أو يشكل عليكم من أمور دينكم، فالله تعالى يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (4) وإذا علمتم فاعلموا فالعلم حجة لنا أو علينا، حجة لنا إن عملنا به، وحجة علينا إذا لم نعمل، وحافظوا على الصلوات في جماعة ما استطعتم، فإن الصلاة
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(2) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(3) رواه البخاري في (الاعتصام بالكتاب والسنة) باب الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برقم (7280) .
(4) سورة النحل الآية 43(16/338)
هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، ولا يقبل حج ولا عمل بدونها، فقد روى مسلم - رحمه الله - عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » ، وروى أحمد وأصحاب السنن - رحمهم الله - عن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » ، وقد رغب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أدائها جماعة، وأخبر أنها تزيد عن صلاة المنفرد بدرجات كثيرة، ففي الحديث المتفق على صحته عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (3) » ، والفذ: الذي يصلي منفردا.
وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترك الجماعة لغير عذر فقد روى البخاري ومسلم - رحمهما الله - عن أبي هريرة
__________
(1) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621)
(3) رواه البخاري في (الأذان) باب فضل صلاة الجماعة برقم (645) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة.. برقم (650) .(16/339)
- رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم (1) » .
ولم يرخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأعمى الذي يسمع النداء ولا يجد له قائدا يقوده إلى المسجد أن يصلي في بيته فكيف بغيره، وروى مسلم - رحمه الله - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال له: " هل تسمع النداء إلى الصلاة" قال: نعم، قال: فأجب (2) » .
ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإنهما من أهم واجبات الإسلام ومن النصيحة الواجبة في الدين، والمسلمون
__________
(1) رواه البخاري في (الخصومات) باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت برقم (2420) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (651) .
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) .(16/340)
بخير ما تناصحوا وتواصوا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن المنكرات إذا فشت بين الناس ولم تنكر عمت عقوبتها، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) وقد روى الترمذي - رحمه الله - وقال حديث حسن - عن حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (3) » ، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه (4) » ، رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، فانصحوا إخوانكم ورفقاءكم إذا وجدتم ما
__________
(1) سورة آل عمران الآية 104
(2) سورة الأنفال الآية 25
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث حذيفة بن اليمان برقم (22790) ، والترمذي في (الفتن) باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برقم (2169)
(4) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) مسند أبي بكر الصديق برقم (1 و 16) ، وابن ماجه في (الفتن) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر برقم (3995) .(16/341)
يستوجب النصيحة ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ففي الحديث المتفق عليه «عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (1) » ، وفي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (2) » ، وانصحوا قومكم إذا رجعتم إليهم وخاصة عشائركم ومن لكم عليهم ولاية، فالله عز وجل قال لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (3) ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (4) واعلموا أنه لا قيام للدين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح بالخير والتواصي بالحق وبالصبر، فاحرصوا
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب الدين النصيحة برقم (57) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أن الدين النصيحة برقم (56) .
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم (13) ، ومسلم في (الإيمان) باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه. . . برقم (45) .
(3) سورة الشعراء الآية 214
(4) سورة التحريم الآية 6(16/342)
على ذلك يحفظ الله لكم دينكم ويصلح أعمالكم ويغفر ذنوبكم والله غفور رحيم.
وفي بلاد المسلمين الآن بحمد الله دعوات للخير بالرجوع إلى الإسلام، والتمسك بالكتاب والسنة، فكونوا من أهلها وأعوانها، فالله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) وفي بعضها جهاد لإعلاء كلمة الله والذب عن العقيدة الإسلامية والدفاع عنها أمام الملاحدة والشيوعيين وخاصة على أرض أفغانستان التي رفع مجاهدوها راية الإسلام وأخذوا يقاتلون تحتها أعداء الله. وهم أولى بنصرتكم ومعونتكم فمن استطاع أن يجاهد معهم بنفسه فليفعل، ومن استطاع أن يجاهد بماله فليفعل، فما أحوجهم للرجال وللمال، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (3) {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (4) {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (5) ومن فاته الجهاد بالنفس فلا ينبغي أن يفوته الجهاد بالمال، لقول الله
__________
(1) سورة المائدة الآية 2
(2) سورة الصف الآية 10
(3) سورة الصف الآية 11
(4) سورة الصف الآية 12
(5) سورة الصف الآية 13(16/343)
تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1) وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا (2) » .
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه، ولكل ما فيه صلاح أمر العباد والبلاد، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين غانمين، وأن يتقبل منا ومنكم ومن سائر المسلمين، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ويخذل أعداءه، وأن يصلح قادة المسلمين في كل مكان، وأن يوفقهم للحكم بشريعته والتمسك بها والدعوة إليها والحذر من كل ما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة التوبة الآية 41
(2) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير برقم (2843) ، ومسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم (1895) .(16/344)
على جميع الحجاج تقوى الله في السر والعلن ليكتمل حجهم (1) .
أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله تعالى في السر والعلن وهي وصية الله تعالى ووصية رسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (2)
وأضاف سماحته أن على جموع حجاج بيت الله الحرام المحافظة على الصلاة في أوقاتها ومع الجماعة وبكل شروطها وأركانها والعناية بها وتعظيم شأنها والطمأنينة فيها، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي عمود الدين ومن تركها فقد كفر، قال - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » ، وقال أيضا: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (4) » ومن أهم أركان الصلاة التي
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (11551) في 10 \ 12 \ 1418هـ.
(2) سورة النساء الآية 1
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(4) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .(16/345)
يجب على المسلم رعايتها والعناية بها الطمأنينة في ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها، ومن أهم واجبات الصلاة في حق الرجال أداؤها في الجماعة؛ لأن ذلك من أعظم شعائر الإسلام، وقد أمر الله بذلك ورسوله، كما قال عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (1) كما أوصي نساء المسلمين بالتستر والتحجب والابتعاد عن كل ما يظهر الفتنة والحذر من التعطر حين خروجهن؛ لأن ذلك من أسباب الشر والفتنة والواجب عليهن أن يتقين الله وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز المحاسن، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (2)
__________
(1) سورة البقرة الآية 43
(2) سورة الأحزاب الآية 59(16/346)
الواجب على من استطاع السبيل المبادرة بالحج والعمرة (1) .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. وبعد:
فإني أوصي إخواني المسلمين الذين لم يؤدوا فريضة الحج أن يبادروا بحجة الإسلام، فهذا هو الواجب على كل من استطاع السبيل إلى ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (3) » ، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا (4) » .
__________
(1) نشرت في جريدة (الرياض) ، وقرئت على سماحته بتاريخ 28 \ 11 \ 1416هـ.
(2) سورة آل عمران الآية 97
(3) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) .
(4) رواه مسلم في (الحج) باب فرض الحج مرة في العمر برقم (1337) .(16/347)
فالواجب على كل مسلم ومسلمة يستطيع مئونة الحج إذا كان مكلفا أن يبادر بذلك وألا يؤخره؛ لأن الله جل وعلا أوجب ذلك على الفور، ولا يجوز لأي مسلم مكلف مستطيع الحج أن يتأخر عن ذلك، بل يبادر ويسارع إلى هذا الخير العظيم ويقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (1) » ويقول - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الآخر: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2) » فهذه نعمة عظيمة وخير عظيم ينبغي للمسلم أن يحرص عليه، ويشرع له مع ذلك أن يتحرى الأعمال الخيرية في طريقه وفي مكة، من صدقة على الفقراء والمساكين، والإكثار من قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى، والإكثار من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، والإكثار من الصلاة في المسجد الحرام والطواف إن تيسر له ذلك اغتناما للزمان والمكان؛ فإن الصلاة
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .(16/348)
في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، وفريضة فيه خير من مائة ألف فيما سواه، والصدقات فيه مضاعفة، وهكذا مثلها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وتعليم الحاج ما قد يجهل، كل هذا مما يشرع للمسلم، ومن ذلك أن يجتهد في تعليم إخوانه الحجاج - إن كان يوجد عنده علم- بالحلم والرفق والأسلوب الحسن، مع اغتنام الفرصة في وجوده بمكة بعمل أنواع الخير كما تقدم من صلاة وطواف ودعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأسلوب الحسن والرفق والكلام الطيب.
وأنصح ولاة أمر المسلمين في كل مكان بأن يسهلوا أمر الحج لرعاياهم وأن يعينوهم عليه؛ لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى، والله عز وجل يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1) فإعانتهم وتسهيل أمرهم هذا من باب الإعانة على الخير، ومن باب التواصي بالحق والصبر عليه، وفيه الأجر العظيم، كما أوصيهم بأن يحكموا شرع الله في جميع الشئون وأن ينصروا دين الله في كل الأمور، نسأل الله أن يوفق ولاة المسلمين لكل خير، وأن يصلح أحوالهم وأن يمنحهم التوفيق،
__________
(1) سورة المائدة الآية 2(16/349)
وأن يعينهم على كل خير. كما أوصي كل من يتولى أمور الحجيج بتقوى الله تعالى، وأن يرفقوا بالحجيج وأن يعينوهم على كل خير، وأن يحتسبوا الأجر والمثوبة عند الله، فلهم بهذا الأجر العظيم إذا أعانوا الحجاج وسهلوا أمورهم، لهم في هذا الفضل الكبير، نسأل الله عز وجل أن يتقبل من الجميع، وأن يوفق المسلمين في كل مكان إلى ما يرضيه، وأن يمنحهم الفقه في دينه وأن يجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين، وأن يعين إخواننا الحجاج على أداء مناسكهم على الوجه الذي يرضيه، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(16/350)
نصيحة إلى الحجاج الذين يؤذون جيرانهم بالتدخين والأغاني (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد أوجب الله عز وجل التعاون على البر والتقوى والنصيحة لكل مسلم وقد أبلغني بعض الإخوان أنه يوجد من بعض الحجاج الموجودين في منى من يؤذي جيرانه بالتدخين والأغاني.
ولا ريب أن إيذاء المسلمين من المحرمات المعلومة من الدين كما قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (2) وإذا كان الإيذاء بالتدخين أو بفتح الراديو أو المسجلات على الأغاني كان الأذى أكبر والإثم أعظم؛ لأن الغناء محرم وهكذا التدخين من المحرمات المضرة بالدين والدنيا والصحة.
__________
(1) نشرت في (مجلة البحوث الإسلامية) العدد (21) عام 1408 هـ ص 353.
(2) سورة الأحزاب الآية 58(16/351)
وقد قال الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (1) الآية. قال أكثر العلماء المراد بلهو الحديث الغناء وآلات اللهو.
وقال عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (2) وقال في وصف نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (3) فبين المولى سبحانه أنه لم يحل لعباده إلا الطيبات وأن نبيه - صلى الله عليه وسلم - إنما أحل لأمته الطيبات وهي الأشياء النافعة بلا مضرة، والدخان من الأشياء الضارة الخبيثة. وقد أجمع العارفون به من الأطباء وغيرهم على أنه مضر بالصحة خبيث العاقبة خبيث الرائحة.
وفق الله الجميع للفقه في الدين والثبات عليه وأعاذ الجميع من نزغات الشيطان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) سورة لقمان الآية 6
(2) سورة المائدة الآية 4
(3) سورة الأعراف الآية 157(16/352)
الكتب التي بينت أحكام الحج
س: إذا كنت أقيم في منطقة جبلية وأريد أن أحج فأي الكتب تنصحونني بقرائتها كي أحج على بصيرة؟ (1)
ج: ننصح بقراءة الكتب التي بينت أحكام الحج مثل عمدة الحديث للشيخ عبد الغني المقدسي، ومثل بلوغ المرام، ومثل المنتقى. هذه موجودة ومهمة، وهناك مناسك فيها كفاية وبركة إذا قرأتها استفدت منها. منها منسك كتبناه في هذا وسميناه (التحقيق والإيضاح لكثير من أحكام الحج والعمرة والزيارة) وهو جيد ونافع ومفيد وهناك مناسك أخرى لغيرنا من المشايخ والإخوة مثل منسك الشيخ عبد الله بن جاسر وهو جيد ومفيد.
س: الأخت التي رمزت لاسمها ب. ن. ف من الدلم تقول في سؤالها: ما حكم من أخر الحج بدون عذر وهو قادر عليه ومستطيع؟ (2) .
ج: من قدر على الحج ولم يحج الفريضة وأخره لغير
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الأول.
(2) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(16/353)
عذر، فقد أتى منكرا عظيما ومعصية كبيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله من ذلك والبدار بالحج؛ لقول الله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1) ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (2) » . متفق على صحته، «ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: لما سأله جبرائيل - عليه السلام - عن الإسلام، قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (3) » أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب بني الإسلام على خمس برقم (8) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) .
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم (8) .(16/354)
العمرة واجبة في العمر مرة
س: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن الله كتب عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: لو قلتها لوجبت؛ الحج مرة فمن زاد فهو تطوع (1) » رواه الخمسة إلا الترمذي وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة. ألا يدل على عدم وجوب العمرة؟ (2) .
ج: الأدلة متنوعة وهذا في الحج، والعمرة لها أدلتها، والصواب أنها واجبة مرة في العمر كالحج وما زاد فهو تطوع؛ «لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لعائشة - رضي الله عنها - لما سألته هل على النساء جهاد؟ قال: نعم. جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة (3) » ، «ولقوله - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2637) ، والدرامي في (المناسك) باب كيف وجوب الحج برقم (1788) .
(2) من أسئلة دروس بلوغ المرام.
(3) رواه ابن ماجه في (المناسك) باب الحج جهاد النساء برقم (2901) .(16/355)
لما سأله جبرائيل - عليه السلام - عن الإسلام قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج وتعتمر (1) » . أخرجه ابن خزيمة والدارقطني بإسناد صحيح. ولأدلة أخرى.
__________
(1) رواه ابن خزيمة في (المناسك) باب ذكر البيان أن العمرة فرض وأنها من الإسلام برقم (3044) ، والدارقطني في (الحج) باب المواقيت برقم (2664) .(16/356)
من اعتمر مع حجه فلا يلزمه عمرة أخرى
س: حججت حجة فرض ولم أعتمر معها فهل علي شيء؟ ومن اعتمر مع حجه هل يلزمه الاعتمار مرة أخرى؟ .
ج: إذا حج الإنسان ولم يعتمر سابقا في حياته بعد بلوغه فإنه يعتمر سواء كان قبل الحج أو بعده، أما إذا حج ولم يعتمر فإنه يعتمر بعد الحج إذا كان لم يعتمر سابقا؛ لأن الله(16/356)
جل وعلا أوجب الحج والعمرة، وقد دل على ذلك عدة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالواجب على المؤمن أن يؤديها، فإن قرن الحج والعمرة فلا بأس، بأن أحرم بهما جميعا أو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج فلا بأس ويكفيه ذلك، أما إن حج مفردا بأن أحرم بالحج مفردا من الميقات ثم بقي على إحرامه حتى أكمله، فإنه يأتي بعمرة بعد ذلك من التنعيم أو من الجعرانة أو غيرها من الحل خارج الحرم، فيحرم هناك ثم يدخل فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر هذه هي العمرة، كما فعلت عائشة - رضي الله عنها - فإنها لما قدمت وهي محرمة بالعمرة أصابها الحيض قرب مكة فلم تتمكن من الطواف بالبيت وتكميل عمرتها، فأمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بالحج وأن تكون قارنة ففعلت ذلك وكملت حجها ثم طلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتمر؛ لأن صواحباتها قد اعتمرن عمرة مفردة، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم فتحرم بالعمرة من هناك ليلة أربعة عشر، فذهبت إلى التنعيم وأحرمت بعمرة ودخلت وطافت وسعت وقصرت، فهذا دليل على أن من لم يؤد العمرة في حجه يكفيه أن يحرم من التنعيم وأشباهه من الحل، ولا يلزمه الخروج إلى الميقات، أما من اعتمر سابقا وحج سابقا ثم جاء ويسر الله له الحج فإنه لا تلزمه العمرة ويكتفي بالعمرة السابقة؛ لأن العمرة(16/357)
إنما تجب في العمر كالحج سواء، فالحج مرة في العمر والعمرة كذلك لا يجبان جميعا إلا مرة في العمر، فإذا كان قد اعتمر سابقا كفته العمرة السابقة فإذا أحرم بالحج مفردا واستمر في إحرامه ولم يفسخه إلى عمرة، فإنه يكفيه، ولا يلزمه عمرة في حجته الأخيرة، لكن الأفضل له والسنة في حقه إذا جاء محرما بالحج أن يجعله عمرة بأن يفسخ حجه هذا إلى عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، فإذا جاء وقت الحج أحرم بالحج يوم الثامن، هذا هو الأفضل وهو الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في حجة الوداع لما جاء بعضهم محرما بالحج وبعضهم محرما بالحج والعمرة وليس معهم هدي، أمرهم أن يحلوا ويجعلوها عمرة، أما من كان معه الهدي فيبقى على إحرامه حتى يكمل حجه إن كان مفردا، أو عمرته إن كان معتمرا مع حجه.(16/358)
الحج مع القدرة واجب على الفور
س: هل الحج واجب على الفور أم على التراخي؟ (1) .
ج: الحج واجب على المكلف على الفور مع القدرة،
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) ، العدد (1637) في 19 \ 12 \ 1418هـ.(16/358)
إذا استطاع. قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1) فالحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب مع الاستطاعة، أما العاجز فلا حج عليه، لكن لو استطاع ببدنه وماله وجب عليه، وإذا استطاع بماله، ولم يستطع ببدنه لكونه هرما أو مريضا لا يرجى برؤه فإنه يقيم من ينوب عنه ويحج عنه.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97(16/359)
حكم تأخير الحج إلى ما بعد الزواج
س: إذا كان الشاب قادرا على أن يحج فأخر الحج إلى أن يتزوج أو يكبر في السن هل يأثم؟ (1) .
ج: إذا بلغ الحلم وهو يستطيع الحج والعمرة وجب عليه أداؤهما؛ لعموم الأدلة ومنها قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) ولكن من اشتدت حاجته إلى الزواج وجبت عليه المبادرة به قبل الحج؛ لأنه في هذه الحال لا يسمى مستطيعا، إذا كان لا يستطيع نفقة الزواج والحج جميعا فإنه يبدأ بالزواج حتى يعف نفسه؛ لقول النبي
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام.
(2) سورة آل عمران الآية 97(16/359)
صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (1) » متفق على صحته.
__________
(1) رواه البخاري في (النكاح) باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: '' من استطاع منكم الباءة فليتزوج '' برقم (5065) ، ومسلم في (النكاح) باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه برقم (1400) .(16/360)
س: سمعت من بعض الناس أن الحج قبل الزواج لا يصح فريضة بل لا بد من تأدية الفريضة بعد الزواج هل هذا صحيح؟ (1) .
ج: هذا القول ليس بصحيح فالحج يجوز قبل الزواج وبعد الزواج، إذا كان قد بلغ الحلم فحجه صحيح ويؤدي عنه الفريضة، أما إذا حج قبل أن يبلغ فيكون نافلة، والبلوغ يحصل بأمور ثلاثة بإكمال خمس عشرة سنة، وبإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وبإنزال المني عن شهوة في الليل أو في النهار أو في النوم أو في اليقظة، إذا نظر أو فكر فأنزل المني يكون بذلك قد بلغ الحلم بإنزال المني عن تفكير أو ملامسة أو احتلام، وبإكمال خمس عشرة سنة، وبإنبات الشعر الخشن حول الفرج، هذه الأمور الثلاثة يحصل بها البلوغ للرجل والمرأة جميعا وتزيد المرأة أمرا رابعا وهو الحيض فإذا حاضت
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(16/360)
صارت بالغة، فإذا حج بعدها أو بعد أحدها على الوجه الشرعي فحجه صحيح ويؤدي عنه الفريضة ولو لم يتزوج.(16/361)
حكم تكرار الحج للرجال والنساء
س: ما رأيكم في تكرار الحج مع ما يحصل فيه من الزحام واختلاط الرجال بالنساء فهل الأفضل للمرأة ترك الحج إذا كانت قد قضت فرضها، وربما تكون قد حجت مرتين أو أكثر؟ (1) .
ج: لا شك أن تكرار الحج فيه فضل عظيم للرجال والنساء، ولكن بالنظر إلى الزحام الكثير في هذه السنين الأخيرة بسبب تيسر المواصلات، واتساع الدنيا على الناس، وتوفر الأمن، واختلاط الرجال بالنساء في الطواف وأماكن العبادة، وعدم تحرز الكثير منهن عن أسباب الفتنة، نرى أن عدم تكرارهن الحج أفضل لهن وأسلم لدينهن وأبعد عن المضرة على المجتمع الذي قد يفتن ببعضهن، وهكذا الرجال إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج وتخفيف الزحام عنهم، فنرجو أن يكون أجره في الترك أعظم
__________
(1) نشر في (مجلة الجامعة الإسلامية) ، وفي جريدة (الجزيرة) يوم الجمعة 6 \ 12 \ 1418 هـ.(16/361)
من أجره في الحج إذا كان تركه له بسبب هذا القصد الطيب، ولا سيما إذا كان حجه يترتب عليه حج أتباع له قد يحصل بحجهم ضرر كثير على بعض الحجاج؛ لجهلهم أو عدم رفقهم وقت الطواف والرمي وغيرهما من العبادات التي يكون فيها ازدحام، والشريعة الإسلامية الكاملة مبنية على أصلين عظيمين أحدهما: العناية بتحصيل المصالح الإسلامية وتكميلها ورعايتها حسب الإمكان. والثاني: العناية بدرء المفاسد كلها أو تقليلها، وأعمال المصلحين والدعاة إلى الحق وعلى رأسهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام - تدور بين هذين الأصلين وعلى حسب علم العبد بشريعة الله سبحانه وأسرارها ومقاصدها وتحريه لما يرضي الله ويقرب لديه، واجتهاده في ذلك يكون توفيق الله له سبحانه وتسديده إياه في أقواله وأعماله. وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه وصلاح أمر الدين والدنيا إنه سميع قريب.(16/362)
العمرة مشروعة في كل وقت
س: ما هو الأفضل أن يكون بين العمرة والعمرة للرجال والنساء؟ (1) .
__________
(1) نشر في مجلة (الجامعة الإسلامية)(16/362)
ج: لا نعلم في ذلك حدا محدودا بل تشرع في كل وقت؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (1) » . متفق على صحته، فكلما تيسر للرجل والمرأة أداء العمرة فذلك خير وعمل صالح، وثبت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: " العمرة في كل شهر". وهذا كله في حق من يقدم إلى مكة من خارجها، أما من كان في مكة فالأفضل له الاشتغال بالطواف والصلاة وسائر القربات، وعدم الخروج إلى خارج الحرم لأداء العمرة إذا كان قد أدى عمرة الإسلام، وقد يقال باستحباب خروجه إلى خارج الحرم لأداء العمرة في الأوقات الفاضلة كرمضان؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عمرة في رمضان تعدل حجة (2) » ولكن يجب أن يراعى في حق النساء عنايتهن بالحجاب والبعد عن أسباب الفتنة وطوافهن من وراء الناس وعدم مزاحمة الرجال
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .
(2) رواه الإمام في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن عباس برقم (2804) ، وابن ماجه في (المناسك) باب العمرة في رمضان برقم (2994) .(16/363)
على الحجر الأسود، فإن كن لا يتقيدن بهذه الأمور الشرعية فينبغي عدم ذهابهن إلى العمرة؛ لأنه يترتب على اعتمارهن مفاسد تضرهن، وتضر المجتمع، وتربو على مصلحة أدائهن العمرة، إذا كن قد أدين عمرة الإسلام، والله سبحانه وتعالى أعلم.(16/364)
مدى صحة قول العوام " من حج فرضه يقضب أرضه "، أو " اترك المجال لغيرك "
س: بعض الشباب تتوق أنفسهم للحج خاصة في مجال الدعوة والتوجيه لإرشاد الحجاج لكن يخذلهم بعض الناس وبعض العوام يقولون: " من حج فرضه يقضب أرضه " أو " اترك المجال لغيرك" فما رأي سماحتكم؟ (1) .
ج: الأفضل لمن استطاع الحج أن يحج؛ لعموم الأحاديث الدالة على فضل الحج وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فإذا كان الحاج من العلماء الذين يدعون إلى الله سبحانه ويفقهون الناس في دينهم وفي مناسك حجهم كان ذلك أفضل وأعظم أجرا.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام.(16/364)
حكم من نوى الحج كل عام ولم يستطع
س: السائل م. ج. - من الرياض يقول في سؤاله: أنوي الحج كل عام ولكن لم أستطع؛ بسبب ظروفي المادية وضيق اليد فهل علي شيء؟ (1) .
ج: الحج إنما يجب مرة في العمر على من استطاع السبيل إليه من المكلفين من الرجال والنساء؛ لقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (2) ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الإسلام قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (3) » أخرجه مسلم في صحيحه، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «الحج مرة فمن زاد فهو تطوع (4) » والأحاديث في هذا
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (جريدة المسلمون) .
(2) سورة آل عمران الآية 97
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم (8) .
(4) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2637) ، والدرامي في (المناسك) باب كيف وجوب الحج برقم (1788) .(16/365)
المعنى كثيرة، وبذلك تعلم أيها السائل أنه ليس عليك حج سوى مرة واحدة ولو كنت غنيا، وما بعدها فهو تطوع، وهكذا العمرة لا تجب على المكلف إلا مرة واحدة إذا استطاع ذلك، وما زاد على ذلك فهو تطوع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عن الإسلام قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر (1) » أخرجه الدارقطني وصححه ابن خزيمة، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: «على النساء جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة (2) » ، وفق الله المسلمين جميعا للعلم النافع والعمل الصالح.
__________
(1) رواه ابن خزيمة في (المناسك) باب ذكر البيان أن العمرة فرض وأنها من الإسلام برقم (3044) ، والدارقطني في (الحج) باب المواقيت برقم (2664) .
(2) رواه ابن ماجه في (المناسك) باب الحج جهاد النساء برقم (2901)(16/366)
س: أرجوا من سماحتكم توضيح الآية {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1) هل الأحسن للمقيم بمكة الطواف بالبيت أم الصلاة أثابكم الله؟ (2)
__________
(1) سورة البقرة الآية 125
(2) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في المسجد الحرام في عام 1418 هـ.(16/366)
ج: الله تعالى أمر أن يطهر بيته للطائفين والعاكفين وهم القائمون المقيمون في هذا البلد، وتطهيره يكون بإبعاد ما لا خير فيه للطائفين والمقيمين وجميع ما يؤذيهم من أعمال أو أقوال أو نجاسة أو قذر وغير ذلك، يجب تطهير بيته للطائفين والراكعين والقائمين والركع السجود، فيكون ما حول البيت كله مطهرا ليس فيه أذى للعاكف ولا للطائف ولا المصلي، يجب أن ينزه من كل ما يؤذي المصلين ويشق عليهم أو يحول بينهم وبين عبادة ربهم جل وعلا، أما تفضيل الصلاة على الطواف أو الطواف على الصلاة فهذا محل نظر، فقد ذكر جمع من أهل العلم أن الغريب الأفضل له أن يكثر الطواف؛ لأنه ليس بمقيم ولا يحصل له الطواف إلا بمكة أما المقيم بمكة فهو نازل مقيم، وهذا الصلاة أفضل له؛ لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل، أما الغريب الذي ليس بمقيم فهذا يستحب له الإكثار من الطواف لأنه ليس بمقيم بل سوف ينزح ويخرج ويبتعد عن مكة، فاغتنامه الطواف أولى؛ لأن الصلاة يمكنه الإتيان بها في كل مكان يعني كل هذا في النافلة، أعني: طواف النافلة وصلاة النافلة.(16/367)
الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما
س: إذا دخل شهر رمضان المبارك، ذهب كثير من الناس إلى مكة المكرمة بعوائلهم وسكنوا هناك طوال الشهر الكريم، وقد سمعت من أحد الإخوة أنكم يا سماحة الشيخ، ترون أن التصدق بتكاليف العمرة أفضل من أدائها، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحا، فهل من نصيحة لهؤلاء الذين يذهبون سنويا إلى هناك حتى أنها أصبحت مجالا للمفاخرة والمباهاة عند البعض (1) .
ج: ليس ما ذكرته صحيحا، ولم يصدر ذلك مني، والصواب أن الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما لمن أخلص لله القصد، وأتى بهذا النسك على الوجه المشروع، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2) » متفق على صحته، وقال - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) في رمضان عام 1413هـ.
(2) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .(16/368)
«عمرة في رمضان تعدل حجة (1) » ، متفق على صحته أيضا. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن عباس برقم (2804) ، وابن ماجه في (المناسك) باب العمرة في رمضان برقم (2994) .(16/369)
الأفضل لمن حج الفريضة أن يتبرع بنفقة حج التطوع في سبيل الله
س: بالنسبة لمن أدى فريضة الحج وتيسر له أن يحج مرة أخرى هل يجوز له بدلا من الحج للمرة الثانية تلك أن يتبرع بقيمة نفقات الحج للمجاهدين المسلمين، حيث إن الحج للمرة الثانية تطوع، والتبرع للجهاد فرض؟ أفيدونا جزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء.(16/369)
ج: من حج الفريضة فالأفضل له أن يتبرع بنفقة الحج الثاني للمجاهدين في سبيل الله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل «أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله قال السائل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله قال السائل: ثم أي؟ قال: حج مبرور (1) » متفق على صحته.
فجعل الحج بعد الجهاد، والمراد به حج النافلة؛ لأن الحج المفروض ركن من أركان الإسلام مع الاستطاعة، وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا (2) » ولا شك أن المجاهدين في سبيل الله في أشد الحاجة إلى المساعدة المادية، والنفقة فيهم أفضل من النفقة في التطوع للحديثين المذكورين وغيرهما.
__________
(1) رواه البخاري في (الإيمان) باب من قال: إن الإيمان هو العمل برقم (26) ، ومسلم في (الإيمان) باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (83) .
(2) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير برقم (2843) ، ومسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله برقم (1895) .(16/370)
س: حدث بيني وبين مجموعة من الزملاء جدال حيث إننا قد نوينا أن نعتمر في نهاية شهر رمضان مع العلم(16/370)
أنني وزميل آخر قد سبق وأن اعتمرنا عدة مرات وفي النهاية قرر هذا الزميل أن لا يعتمر وأن يتقدم بتكاليف هذه العمرة صدقة أو جهادا في سبيل الله وقال إن هذا أفضل بكثير من كونه يعتمر بهذا المال.
نرجو من سماحة الشيخ إفادتنا هل من الأفضل أن يعتمر الشخص وإن سبق له واعتمر عدة مرات أم أن يقدم تكاليف هذه العمرة للمجاهدين في سبيل الله؟ (1) .
ج: الأفضل لمن أدى فريضة الحج والعمرة أن ينفق ما يقابل حج التطوع وعمرة التطوع في مساعدة المجاهدين في سبيل الله؛ لأن الجهاد الشرعي أفضل من حج التطوع وعمرة التطوع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل «أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل ثم أي؟ قال: حج مبرور (2) » . متفق على صحته، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) من جمع الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند، ج 2 ص315.
(2) رواه البخاري في (الإيمان) باب من قال: إن الإيمان هو العمل برقم (26) ، ومسلم في (الإيمان) باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال برقم (83)(16/371)
تصرف نفقة حج التطوع في عمارة المسجد إذا كانت الحاجة إليه ماسة
س: ما قولكم عن بر الولد والديه بحجة، وعنده مسجد يحتاج إلى بناء، هل الأفضل أن يتبرع لبناء المسجد أو للحج عن والديه؟ .
ج: إذا كانت الحاجة ماسة إلى تعمير المسجد فتصرف نفقة الحج تطوعا في عمارة المسجد؛ لعظم النفع واستمراره وإعانة المسلمين على إقامة الصلاة جماعة.
أما إذا كانت الحاجة غير ماسة إلى صرف النفقة - أعني نفقة الحج التطوع - في عمارة المسجد لوجود من يعمره غير صاحب الحج، فحجه تطوعا عن والديه بنفسه وبغيره من الثقات أفضل إن شاء الله، لكن لا يجمعان في حجة واحدة بل يحج لكل واحد وحده.(16/372)
من مات على الإسلام فله ما أسلف من خير
س: شخص أدى فريضة الحج وبعدها ترك الصلاة والعياذ بالله، ثم تاب وصلى، فهل يلزمه الحج مرة أخرى باعتبار أنه ترك الصلاة وتارك الصلاة كافر. نرجو الإفادة أثابكم الله؟ (1) .
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل، فإن حجه لا يبطل ولا يلزمه حجة أخرى؛ لأن الأعمال الصالحة إنما تبطل إذا مات صاحبها على الكفر.
أما إذا هداه الله وأسلم ومات على الإسلام فإن له ما أسلف من خير؛ لقول الله عز وجل في سورة البقرة: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام لما سأله عن أعمال صالحة فعلها في الجاهلية، هل تنفعه في الآخرة؟ فقال
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) بتاريخ 17 \ 8 \ 1412هـ.
(2) سورة البقرة الآية 217(16/373)
له - صلى الله عليه وسلم -: «أسلمت على ما أسلفت من خير (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الزكاة) باب من تصدق في الشرك ثم أسلم برقم (1436) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده برقم (123)(16/374)
تارك الصلاة لا يصح حجه
س: ما حكم من حج وهو تارك للصلاة سواء كان عامدا أو متهاونا؟ وهل تجزئه عن حجة الإسلام؟ (1) .
ج: من حج وهو تارك للصلاة فإن كان عن جحد لوجوبها كفر إجماعا ولا يصح حجه، أما إن كان تركها تساهلا وتهاونا فهذا فيه خلاف بين أهل العلم منهم من يرى صحة حجه، ومنهم من لا يرى صحة حجه، والصواب أنه لا يصح حجه أيضا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » ، وهذا يعم من جحد وجوبها، ويعم من تركها تهاونا، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1540) في 22 \ 12 \ 1416هـ.
(2) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .(16/374)
حج الصبي لا يجزئه عن حجة الإسلام
س: هل حج الصبي الذي لم يبلغ يغنيه عن حجة الإسلام؟ (1) .
ج: لا حرج أن يحج الصبي، بحيث يعلم ويحج ويكون له ذلك نافلة، ويؤجر عن حجه، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى (2) » ، وقد قالت امرأة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومعها صبي صغير: «يا رسول الله ألهذا حج؟ فقال: نعم ولك أجر (3) » ، وقال الصحابة: كنا نلبي عن الصبيان ونرمي عنهم.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) ، العدد (1637) في 19 \ 12 \ 1418هـ.
(2) رواه البيهقي في السنن الكبرى في الحج في جماع أبواب دخول مكة باب حج الصبي يبلغ والمملوك يعتق والذمي يسلم برقم (9865) .
(3) رواه مسلم في (الحج) باب صحة حج الصبي برقم (1336) .(16/375)
كيفية إحرام الصبي ولوازمه
س: الأخ: م. م. ص. - من بور سعيد - مصر يقول في سؤاله: لو حججت بطفلي الصغير ولبيت عنه ولكننا(16/375)
لم نستطع أن نكمل حجه فهل علينا شيء؟ نرجو التكرم بالإفادة. (1) .
ج: يستحب لمن حج بالطفل من أب أو أم أو غيرهما أن يلبي عنه بالحج، وهكذا العمرة؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة رفعت إليه صبيا فقالت: «يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر (2) » أخرجه مسلم في صحيحه. ويكون هذا الحج نافلة للصبي ومتى بلغ وجب عليه حج الفريضة إذا استطاع السبيل لذلك، وهكذا الجارية وعلى من أحرم عن الصبي أو الجارية أن يطوف به، ويسعى به، ويرمي عنه الجمار، ويذبح عنه هديا إن كان قارنا أو متمتعا، ويطوف به طواف الوداع عند الخروج؛ للحديث المذكور ولما جاء في معناه من الأحاديث والآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم - ومن قصر في ذلك فعليه أن يتمم. فإن كان قد ترك الرمي عنه، أو ترك طواف الوداع، فعليه عن ذلك دم يذبح في مكة للفقراء من مال الذي أحرم عنه، وإن كان لم يطف به طواف الإفاضة أو لم يسع به السعي الواجب فعليه أن يرجع به إلى مكة ويطوف ويسعى، وإذا كان من معه الصبي أو
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) رواه مسلم في (الحج) باب صحة حج الصبي برقم (1336) .(16/376)
الجارية يخشى أن لا يقوم بالواجب فليترك الإحرام عنه؛ لأن الإحرام عنه ليس واجبا ولكنه مستحب لمن قدر على ذلك. والله ولي التوفيق.(16/377)
أعمال الصبي له ويؤجر والده على تعليمه
س: هل أعمال الطفل الذي لم يبلغ، من صلاة وحج وتلاوة كلها لوالديه أم تحسب له هو؟ (1) .
ج: أعمال الصبي الذي لم يبلغ - أعني أعماله الصالحة - أجرها له هو لا لوالده ولا لغيره ولكن يؤجر والده على تعليمه إياه وتوجيهه إلى الخير وإعانته عليه؛ لما في صحيح مسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن امرأة رفعت صبيا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فقالت: «يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر (2) » . فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الحج للصبي وأن أمه مأجورة
__________
(1) نشر في جريدة (الرياض) العدد (10910) وتاريخ 12 \ 1 \ 1419هـ.
(2) رواه مسلم في (الحج) باب صحة حج الصبي برقم (1336) .(16/377)
على حجها به.
وهكذا غير الوالد له أجر على ما يفعله من الخير كتعليم من لديه من الأيتام والأقارب والخدم وغيرهم من الناس؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله (1) » رواه مسلم في صحيحه؛ ولأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، والله سبحانه يثيب على ذلك.
__________
(1) رواه مسلم في (الإمارة) باب فضل إعانة الغازي برقم (1893) .(16/378)
س: حديث جابر أنه قال: " عندما حججنا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم، لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم " هل يصح هذا الحديث؟ (1) .
ج: في سنده مقال لكن الرمي عن الصبيان وعن العاجزين لا بأس به؛ لأن الصحابة رموا عن الصبيان ومثلهم المرأة العاجزة والرجل العاجز فإنهم يوكلون من يرمي عنهم.
وهذه قاعدة شرعية في مثل هذا الأمر الذي تدخله النيابة.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام.(16/378)
س: الصبي هل يشترط أن يكون مميزا؟ (1) .
ج: ليس بشرط بل يصح الإحرام عنه، ويطوف به وليه ويسعى به ويرمي عنه لما روى مسلم في صحيحه أن امرأة
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام.(16/378)
رفعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع صبيا صغيرا وقالت: «يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر (1) » .
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب صحة حج الصبي برقم (1336)(16/379)
المحرم للمرأة شرط في وجوب الحج
س: هل شرط المحرم للمرأة في الحج للوجوب أم شرط للأداء؟ (1) .
ج: لا يجب عليها الحج ولا العمرة إلا عند وجود المحرم ولا يجوز لها السفر إلا بذلك، وهو شرط للوجوب.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام(16/379)
حكم حج الخادمات بلا محرم
س: إذا جمعوا مجموعة من الخادمات في سيارة واحدة وذهبوا بهن للحج هل يأثمون؟ (1) .
ج: الصواب أنهم يأثمون إلا بمحرم، لقول النبي - صلى
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام(16/379)
الله عليه وسلم -: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم (1) » ، وهو يعم سفر الحج وغيره. وليس على المرأة حج إذا لم تجد محرما يسافر معها، وقد رخص بعض العلماء في ذلك إذا كانت مع جماعة من النساء بصحبة رجال مأمونين ولكن ليس عليه دليل، والصواب خلافه للحديث المذكور.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب حج النساء برقم (1862) ، ومسلم في (الحج) باب سفر المرأة مع محرم برقم (1339)(16/380)
ضابط المحرم
س: هل تعتبر المرأة محرما للمرأة الأجنبية في السفر والجلوس ونحو ذلك أم لا؟ (1) .
ج: ليست المرأة محرما لغيرها، إنما المحرم هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها، أو سبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج، وكالأب من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهما.
ولا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية ولا أن يسافر بها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسافر المرأة إلا مع
__________
(1) نشر في جريدة (الرياض) العدد (10917) في 19 \ 1 \ 1419هـ، وفي (المجلة العربية) شعبان عام 1413هـ.(16/380)
ذي محرم (1) » . متفق على صحته، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان (2) » رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عمر - رضي الله عنه - بإسناد صحيح.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب حج النساء برقم (1862) ، ومسلم في (الحج) باب سفر المرأة مع محرم برقم (1339)
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) أول مسند عمر بن الخطاب برقم (178) ، والترمذي في الرضاع باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات برقم (1171)(16/381)
س: عم الوالدة وخالها هل هما من محارمي؟ (1) .
ج: نعم عمها وخالها من المحارم، قاعدة في المحرم: كل من تحرم عليه بالنسب كخالها أو عمها أو أبيها، أو سبب كرضاع أو مصاهرة كأب الزوج وابن الزوج هؤلاء هم المحارم.
فالخال من المحارم والعم من المحارم، وإن كان خال أبيها، وإن كان خال أمها، وإن كان عم أبيها وعم أمها، فإن عم أبيها عم لها وعم أمها عم لها، وهكذا خال أبيها وخال أمها أخوال لها فهم محارم وإن علوا، كأخي جدها وأخي جدتها هم أخوال لها.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (11)(16/381)
والد الزوج محرم لزوجة ابنه
س: هل يجوز أن يكون والدي محرما لزوجتي لأداء العمرة وأنا داخل الرياض؟ (1) .
ج: أبو الزوج محرم لزوجة الابن في الحج وغيره.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام.(16/382)
يشترط في المحرم البلوغ
س: ما هو أدنى سن للشاب حتى يكون محرما للمرأة إذا أرادت السفر؟ (1) .
ج: أدنى سن يكون به الرجل محرما للمرأة هو البلوغ، وهو إكمال خمسة عشر سنة، أو إنزال المني بشهوة، أو إنبات الشعر الخشن حول الفرج ويسمى العانة.
ومتى وجدت واحدة من العلامات الثلاث صار الذكر بها مكلفا، وجاز أن يكون محرما للمرأة، وهكذا وجود واحدة من الثلاث تكون بها المرأة مكلفة وتزيد المرأة علامة رابعة وهي الحيض، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية)(16/382)
حكم سفر المرأة
في الطائرة بدون محرم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الأستاذ \ أ. س. ع. وفقه الله لكل خير آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
كتابكم المؤرخ في 15 \ 1 \ 1394 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الإفادة أنك اختلفت مع أحد زملائك، في جواز سفر المرأة المسلمة بالطائرة بدون محرم، مع أن وليها يكون معها حتى تركب الطائرة، ومحرمها الآخر يكون في استقبالها في البلد المتوجهة إليه، ورغبتك في الفتوى كان معلوما.
ج: لا يجوز سفر المرأة المسلمة في الطائرة ولا غيرها بدون محرم يرافقها في سفرها؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم (2) » متفق على
__________
(1) خطاب صدر من مكتب سماحته برقم 1803 \ خ في 5 \ 8 \ 1395 هـ إجابة عن سؤال مقدم من أ. س. ع.
(2) رواه البخاري في (الحج) باب حج النساء برقم (1862) ، ومسلم في (الحج) باب سفر المرأة مع محرم برقم (1339) .(16/383)
صحته؛ ولأنه من المحتمل تعرضها للمحذور، في أثناء سير الطائرة بأية وسيلة من الوسائل، ما دامت ليس لديها من يحميها، وأمر آخر وهو أن الطائرات يحدث فيها خراب أحيانا، فتنزل في مطار غير المطار الذي قصدته، ويقيم ركابها في فندق أو غيره في انتظار إصلاحها، أو تأمين طائرة غيرها، وقد يمكثون في انتظار ذلك مدة طويلة أو يوم أو أكثر، وفي هذا ما فيه من تعرض المرأة المسافرة وحدها للمحذور، وبالجملة فإن أسرار أحكام الشريعة الإسلامية كثيرة، وعظيمة وقد يخفى بعضها علينا، فالواجب التمسك بالأدلة الشرعية، والحذر من مخالفتها من دون مسوغ شرعي لا شك فيه. وفق الله الجميع للفقه في الدين، والثبات عليه، إنه خير مسئول والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(16/384)
س: امرأة مطلقة تبلغ من العمر أربعين سنة ليس لها محرم حيث إنها تعيش وحدها في المدينة المنورة؛ لأن أبناءها وأكبرهم (16) سنة يعيشون مع أبيهم في مدينة أخرى، هذه المرأة ذهبت في رمضان المبارك إلى مكة المكرمة للعمرة، في حافلة النقل الجماعي، الذي يوجد فيه مكان خاص للنساء، وقد أوصلها النقل الجماعي أمام الحرم، وبعد انتهائها من العمرة استقلت حافلة أخرى تابعة للنقل الجماعي إلى الموقف الرئيسي خارج مكة المكرمة، ومن هناك سافرت إلى المدينة في حافلات النقل الجماعي، فهل هي آثمة بسفرها وهي في هذه السن وهذه الظروف؟ (1) .
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكرته السائلة، فالسفر المذكور محرم، وعلى المرأة المذكورة التوبة إلى الله من ذلك، وذلك بالندم على ما وقع منها، والعزم الصادق على ألا تعود لذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم (2) » ، متفق عليه، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1634) في 21 \ 11 \ 1418هـ
(2) رواه البخاري في (الحج) باب حج النساء برقم (1862) ، ومسلم في (الحج) باب سفر المرأة مع محرم برقم (1339) .(16/385)
وقد قال الله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) والله الموفق.
__________
(1) سورة الحشر الآية 7(16/386)
مدى صحة حديث «السبيل الزاد والراحلة (1) »
س: حديث أنس - رضي الله عنه - في الزاد والراحلة قال «قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة (2) » رواه الدراقطني وصححه الحاكم والراجح إرساله وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وفي إسناده ضعف فما صحته؟ (3) .
ج: كلها ضعيفة لكن يشهد بعضها لبعض فهي من باب الحسن لغيره وأجمع العلماء على المعنى.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (4) فمن استطاع السبيل إلى البيت لزمه الحج ومن لم يستطع فلا حرج عليه وكل إنسان أعلم بنفسه.
__________
(1) سنن الترمذي تفسير القرآن (2998) ، سنن ابن ماجه المناسك (2896) .
(2) سنن الترمذي تفسير القرآن (2998) ، سنن ابن ماجه المناسك (2896) .
(3) من أسئلة دروس بلوغ المرام.
(4) سورة آل عمران الآية 97(16/386)
حكم الحج بالمال الحرام
س: الحج بالمال الحرام أهو مفسد للحج؟ (1) .
ج: الحج صحيح إذا أداه كما شرع الله، ولكنه يأثم لتعاطيه الكسب الحرام، وعليه التوبة إلى الله من ذلك ويعتبر حجه ناقصا بسبب تعاطيه الكسب الحرام، لكنه يسقط عنه الفرض.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام(16/387)
حكم من حج من مال أبيه وفيه كسب حرام
س: حججت وأنا طالب في الجامعة وأخذت مالا من والدي لمصاريف الحج وذلك لعدم استطاعتي توفير المال بنفسي، ولكن والدي كان يعمل آنذاك في أعمال محرمة وأرباح من تلك الأعمال المحرمة، فهل حجي صحيح أم أعيده؟ (1) .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(16/387)
ج: الحج صحيح إن شاء الله إذا كنت أديته على الوجه الشرعي، ولا يبطله كون المال فيه شبهة أو كسب محرم؛ لأن أعمال الحج كلها بدنية، ولكن يجب على المسلم أن يحذر الكسب الحرام ويتوب إلى الله مما سلف، ومن تاب تاب الله عليه، كما قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1)
__________
(1) سورة النور الآية 31(16/388)
حكم الحج لمن عليه دين
سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي المملكة العربية السعودية حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
سماحة الوالد أفيدكم أنني شاب أبلغ من العمر حوالي 32 سنة ومتزوج ولي من الأطفال خمسة، وشاء الله أن أقع في كثير من الديون حتى أنها بلغت ما يقارب خمسين ألف ريال، وذلك في إتمام الزواج حسب العادات والتقاليد بمنطقة الباحة، وحيث إن بعض هذا الدين له ما يقارب من 13 سنة حيث إنني أقيم الآن بمدينة الطائف ومستأجر سكن بمدينة الطائف ومن ذوي الدخل المحدود وحيث إن ظروفي والله يا والدي العزيز لم تساعدني حتى الآن في سداد هذه الديون حيث أقوم بسداد مبلغ أرجع أقترض غيره وذلك لقلة دخلي. وحيث إننا مقبلين على موسم الحج هذا العام ولي رغبة في أداء فريضة الحج هذا العام، فأرجو من الله ثم منكم إفادتي هل إذا حججت دون علم الذين لهم عندي دين علي إثم وأنني لا أستطيع الاستئذان منهم حيث إن بعضهم في الباحة والبعض الآخر في مكة المكرمة وجدة ولا أعرف عنوان أغلبهم وكل منهم له ما يقارب من(16/389)
خمسة ألاف ريال.
لذا أرغب من سماحتكم إفادتي في هذا الموضوع على العنوان المذكور وذلك قبل الحج لهذا العام على أن أقوم بالحج من عدمه؟ (1) . وفقكم الله وأطال في عمركم.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإذا كان عندك ما يوفيهم فلا حاجة للاستئذان لكونك قادر على الوفاء، وإن كان لديك قدرة على الحج والوفاء جميعا فلا حاجة للاستئذان منهم؛ لأن الحج لمن استطاع إليه سبيلا. وفق الله الجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
29 \ 11 \ 1415 هـ.
__________
(1) سؤال مقدم من م. ع. غ. وأجاب عنه سماحته برقم 1601 \ 1 \ ش وتاريخ 29 \ 11 \ 1415هـ(16/390)
متى يجب الحج
س: أنا رجل أريد أن أقضي فريضة الحج لهذا العام ولكنني استدنت مبلغا من المال من البنك وأسدد المبلغ على أقساط شهرية ولا تنتهي مدة التسديد إلا بعد ستة أشهر من الآن. فهل يجب علي الحج وأداء الفريضة علما بأنني اقترضت المبلغ قبل أن أفكر في أداء الفريضة ولغرض آخر. أفيدوني عن ذلك جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا كنت تستطيع مؤونة الحج وقضاء الدين في وقته وجب عليك الحج؛ لعموم قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) فإن كنت لا تستطيع مؤونة الحج مع قضاء الدين لم يجب عليك الحج؛ للآية الكريمة وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) نشر في مجلة (رابطة العالم الإسلامي) في ذي القعدة عام 1406 هـ
(2) سورة آل عمران الآية 97(16/391)
وفاء الدين قبل الحج
س: علي دين وأريد الحج فهل يجوز لي ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا كان لديك مال يتسع للحج ولقضاء الدين فلا بأس، أما إذا كان المال لا يتسع لهما، فابدأ بالدين؛ لأن قضاء الدين مقدم، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) وأنت لا تستطيع؛ لأن الدين يمنعك من الاستطاعة، أما إذا كان لديك مال كاف لسداد الدين وأداء الحج فلا بأس أن تحج وأن تفي بالدين، بل هو الواجب عليك للآية المذكورة وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1635) في 28 \ 11 \ 1418هـ
(2) سورة آل عمران الآية 97(16/392)
نفقة الحج
س: عندما حججت أعطاني أخي نفقة الحج وهي(16/392)
ثلاثمائة ريال، فهل حجي صحيح علما أن ذلك برضاه؟ (1) .
ج: لا حرج على الإنسان أن يقبل هدية من أخيه ليستعين بها على أداء الحج إذا علم أن ذلك عن طيب نفس منه ومن كسب طيب، فإن الهدية توجب المودة والمحبة، وفيها شرح صدر للمهدي وقضاء حاجة ومعونة للمهدى إليه، وهذا لا ينقص من أجرك شيئا؛ لأن هذا كسب طيب، والكسب الطيب لا يؤثر في العبادات.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (10877) وتاريخ 7 \ 1 \ 1417هـ(16/393)
حكم الاقتراض من أجل الحج
س: رجل مقيم بالمملكة وموظف بإحدى المؤسسات يريد أن يحج هل يجوز له أن يتسلم مرتبه مقدما قبل نهاية الشهر للمساعدة في نفقات الحج علما بأنه سيعمل بنفس الأجر الذي تسلمه، وهل يجوز له أن يقترض من زملائه ليحج ثم يسدد لهم فيما بعد؟ (1) .
ج: لا حرج في ذلك، إذا سمح له المسؤول بذلك ولا حرج في الاقتراض إذا كان يستطيع الوفاء، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في (مجلة الدعوة) العدد (1686) في 22 \ 12 \ 1419هـ(16/393)
س: الأخ \ ع. ع. ب. من تمير يقول في سؤاله: هل يجب على الزوج دفع تكاليف حج زوجته؟ (1) .
ج: لا يجب على الزوج دفع تكاليف حج زوجته، وإنما نفقة ذلك عليها إذا استطاعت؛ لقول الله عز وجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (2) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله جبرائيل - عليه السلام - عن الإسلام قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا (3) » . خرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.
وهذه الآية الكريمة والحديث الشريف يعمان الرجال والنساء، ويعمان الزوجات وغير الزوجات، لكن إذا تبرع لها بذلك فهو مشكور ومأجور. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) سورة آل عمران الآية 97
(3) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان برقم (8) .(16/394)
ليس من شروط الحج أن يأتي المسلم من بلده بنية الحج
س: فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أحد المقيمين في المملكة، مصري الجنسية ولقد من الله علي بأداء فريضة الحج قبل سنتين من الآن، وقد أديت الفريضة أثناء عملي في المملكة. ولقد زرع أحد أقاربي في مصر الشك لدي حيث أفادني أن حجي باطل نظرا لأن نيتي في القدوم إلى المملكة هي العمل وليس الحج وأنه يجب علي أن أعود لمصر وأنوي الحج ثم أقوم به آمل إفادتي عن هذا الموضوع؟ (1) جزاكم الله خيرا.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
حجك صحيح ويجزئ عنك والحمد لله، تقبل الله منك، وليس من شروط ذلك أن تأتي من مصر بنية الحج، وهذا القول لا أساس له من الصحة. هدى الله قائله وأعاذه
__________
(1) سؤال من \ ب. ك. ح. من مصر، أجاب عنه سماحته بتاريخ 7 \ 9 \ 1413هـ.(16/395)
من نزغات الشيطان، ومن القول على الله بغير علم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(16/396)
حكم من حج وترك زوجته لوحدها
س: هل يجوز أن يذهب الرجل للحج أو العمرة دون أن يصطحب معه الزوجة؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: يجوز له أن يدعها في البيت ويذهب للحج أو العمرة أو للصلاة أو للجهاد أو لحاجاته الخاصة في التجارة، لا بأس بذلك كله. وإذا كانت الزوجة تستوحش فعليه أن يجعل عندها من الخدم من يؤنسها، أو يسمح لها أن تذهب عند أهلها للوحشة التي تصيبها، أو إذا كان عليها خطر، فيجمع بين المصلحتين ولا يلزم أن تذهب معه كلما سافر.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1635) في 28 \ 11 \ 1418هـ(16/397)
حكم الحج عمن مات ولم يحج
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الأستاذ ص. ع. هـ. زاده الله من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كتابكم الكريم المؤرخ في 20 \ 12 \ 1383 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما وإليكم جوابها، وأسأل الله أن يوفقني وإياكم للفقه في دينه والثبات عليه وأن يجعلنا جميعا وسائر إخواننا من الهداة المهتدين إنه سميع قريب.
س: من مات ولم يحج لمرض أو فقر ونحوه هل يحج عنه؟
ج: من مات قبل أن يحج فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يكون في حياته يستطيع الحج ببدنه وماله فهذا يجب على ورثته أن يخرجوا من ماله لمن يحج عنه؛(16/398)
لكونه لم يؤد الفريضة التي مات وهو يستطيع أداءها وإن لم يوص بذلك، فإن أوصى بذلك فالأمر آكد، والحجة في ذلك قول الله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (1) الآية، والحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قال له رجل: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم: حج عن أبيك واعتمر (2) » . وإذا كان الشيخ الكبير الذي يشق عليه السفر وأعمال الحج يحج عنه فكيف بحال القوي القادر إذا مات ولم يحج؟! فهو أولى وأولى بأن يحج عنه. وللحديث الآخر الصحيح أيضا «أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم: حجي عن أمك (3) » .
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم (15751) ، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم (2621) .
(3) صحيح البخاري الحج (1852) ، سنن النسائي مناسك الحج (2633) ، سنن الدارمي النذور والأيمان (2332) .(16/399)
أما الحال الثانية: وهي ما إذا كان الميت فقيرا لم يستطع الحج، أو كان شيخا كبيرا لا يستطيع الحج وهو حي، فالمشروع لأولياء مثل هذا الشخص كابنه وبنته أن يحجوا عنه؛ للأحاديث المتقدمة؛ ولحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من شبرمة؟ قال: " أخ لي أو قريب لي" فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حججت عن نفسك؟ " قال: لا، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة (1) » وروي هذا الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفا عليه. وعلى كلتا الروايتين فالحديث يدل على شرعية الحج عن الغير سواء كان الحج فريضة أو نافلة. وأما قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (2) فليس معناها أن الإنسان ما ينفعه عمل غيره، ولا يجزئ عنه سعي غيره، وإنما معناها عند علماء التفسير المحققين أنه ليس له سعي غيره، وإنما الذي له سعيه وعمله فقط، وأما عمل غيره فإن نواه عنه وعمله بالنيابة، فإن ذلك ينفعه ويثاب عليه، كما يثاب بدعاء أخيه له وصدقته
__________
(1) رواه أبو داود في (المناسك) باب الرجل يحج عن غيره برقم (1811)
(2) سورة النجم الآية 39(16/400)
عنه، فهكذا حجه عنه وصومه عنه إذا كان عليه صوم؛ للحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه (1) » ، أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة، وهذا يختص بالعبادات التي ورد الشرع بالنيابة فيها عن الغير، كالدعاء والصدقة والحج والصوم، أما غيرها فهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم، كالصلاة والقراءة ونحوهما، والأولى الترك، اقتصارا على الوارد واحتياطا للعبادة، والله الموفق.
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) باب من مات وعليه صوم برقم (1952) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1147)(16/401)
س: ما حكم الحج عن الوالدين اللذين ماتا ولم يحجا؟ (1) .
ج: يجوز لك أن تحج عن والديك بنفسك وتنيب من يحج عنهما إذا كنت حججت عن نفسك أو كان الشخص الذي يحج عنهما قد حج عن نفسه؛ لما روي عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - من حديث شبرمة (2) .
__________
(1) نشر في جريدة (البلاد) في 1 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) رواه أبو داود في (المناسك) باب الرجل يحج عن غيره برقم (1811) .(16/402)
س: رجل مات ولم يقض فريضة الحج، وأوصى أن يحج عنه من ماله، ويسأل عن صحة الحجة، وهل حج الغير مثل حجه لنفسه؟ .
ج: إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه، سواء أوصى بذلك أم لم يوص، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه صح حجه وأجزأه في سقوط الحج عنه، كما لو حج عن نفسه، أما كون ذلك أقل أو أكثر فذلك راجع إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه العالم بأحوال عباده ونياتهم، ولا شك أن الواجب عليه المبادرة بالحج إذا استطاع(16/402)
قبل أن يموت للأدلة الشرعية الدالة على ذلك ويخشى عليه من إثم التأخير.(16/403)
لا يحج إلا عن الميت والحي العاجز
س: الأخ \ أ. ع. من أندونيسيا يقول في سؤاله: هل تجوز العمرة لشخص ميت؟ وهل يجوز أن أعتمر عن والدي الذي ما زال حيا على قيد الحياة لعدم قدرته؟ (1) .
ج: تجوز العمرة والحج عن الميت إذا كان مسلما، وهكذا تجوز العمرة والحج عن المسلم الحي، إذا كان عاجزا عن القيام بذلك لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، سواء كان أباك أو أمك أو غيرهما، لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «سأله رجل فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: حج عن أبيك واعتمر (2) » . متفق على صحته. وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه «سألته امرأة من خثعم فقالت:
__________
(1) من الأسئلة الموجهة لسماحته من جريدة (المسلمون)
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم (15751) ، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم (2621) .(16/403)
يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال - صلى الله عليه وسلم: حجي عن أبيك (1) » متفق على صحته.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) باقي مسند ابن عباس برقم (3041) ، والنسائي في (مناسك الحج) باب الحج عن الميت الذي لم يحج برقم (2634) .(16/404)
حكم الحج عمن مات ولم يوص بالحج
س: إذا مات رجل لم يوص أحدا بالحج عنه، فهل تسقط عنه الفريضة إذا حج عنه ابنه؟ (1) .
ج: إذا حج عنه ابنه المسلم الذي قد حج عن نفسه سقطت عنه الفريضة بذلك، وهكذا لو حج عنه غير ابنه من المسلمين الذين قد حجوا عن أنفسهم؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - «أن امرأة قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع الحج ولا الظعن، أفأحج عنه؟ قال: نعم حجي عنه (2) » وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ما ذكرنا.
__________
(1) نشر في (مجلة رابطة العالم الإسلامي) في ذي القعدة عام 1406 هـ.
(2) رواه الترمذي في (الحج) باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت برقم (928) .(16/404)
حكم الحج عمن قد حج فرضه
س: حجت أمي سبع حجات فهل يجوز لي أن أحج عنها بنفسي أم لا؟ (1) .
ج: نعم يجوز لك أن تحجي عنها حجة ثامنة أو أكثر وهذا من برها ولك في ذلك أجر عظيم إذا كنت قد حججت عن نفسك، وكانت متوفاة أو عاجزة عن الحج لكبر السن أو مرض لا يرجى برؤه، وأسأل الله عز وجل أن يمنحني وإياك الفقه في دينه والثبات عليه.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1561) في 21 \ 5 \ 1417هـ.(16/405)
حكم من نذر
الحج ومات ولم يحج
س: من نذر على نفسه الحج ومات وليس وراءه تركة. هل يكون القضاء استحبابا أو وجوبا؟ (1) .
ج: إن تيسر من بعض الورثة أو غيرهم أن يحج عنه
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام.(16/405)
فذلك مستحب وفاعله مأجور، وإلا فليس عليه شيء؛ لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) مثل الدين إذا قضوا عنه فقد أحسنوا وإلا فلا حرج إذا لم يخلف تركة.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(16/406)
حكم العمرة عن الميت
س: بعض العلماء يقولون إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن للحج عن الميت دون العمرة فهل العمرة صحيحة. نحتاج إلى معرفة الأدلة أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ .
ج: يجوز الاعتمار عن الغير كالحج سواء إذا كان ميتا أو عاجزا كالهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه، يحج عنه ويعتمر، «جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر قال: حج عن أبيك واعتمر (1) » . فلا بأس أن يحج عنه.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم (15751) ، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم (2621) .(16/406)
العمرة تدخلها النيابة
س: العمرة هل تدخلها النيابة إذا كان الشخص لا يستطيع لمرض؟ (1) .
ج: العمرة مثل الحج إذا كان المكلف عاجزا لمرض لا يرجى برؤه أو لكبر سن فإنه يستنيب من يعتمر عنه كالحج.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام(16/407)
الحج عن الوالدين
أفضل من إنابة من يحج عنهما
س: توفيت والدتي وأنا صغير السن، وقد أجرت على حجتها شخصا موثوقا به، وأيضا والدي توفي وأنا لا أعرف منهما أحدا، وقد سمعت من أحد أقاربي أنه حج. هل يجوز أن أؤجر على حجة والدتي أم يلزمني أن أحج عنها أنا بنفسي، وأيضا والدي هل أقوم بحجة له وأنا سمعت أنه حج؟ أرجو إفادتي وشكرا (1) .
ج: إن حججت عنهما بنفسك، واجتهدت في إكمال
__________
(1) نشر في (كتاب الدعوة) عام 1408هـ، ج 1 ص127(16/407)
حجك على الوجه الشرعي فهو الأفضل، وإن استأجرت من يحج عنهما من أهل الدين والأمانة فلا بأس.
والأفضل أن تؤدي عنهما حجا وعمرة، وهكذا من تستنيبه في ذلك، يشرع لك أن تأمره أن يحج عنهما ويعتمر، وهذا من برك لهما وإحسانك إليهما، تقبل الله منا ومنك.(16/408)
تقديم الأم على الأب في الحج
أفضل لأن حقها أعظم وأكبر
س: توفي والدي منذ خمس سنوات، وبعده بسنتين توفيت والدتي، قبل أن يؤديا فريضة الحج، وأرغب أن أحج عنهما بنفسي، فسمعت بعض الناس يقول: يلزمك أن تحج عن أمك أولا؛ لأن حقها أعظم من حق الأب. وبعضهم يقول: تحج عن أبيك أولا؛ لأنه مات قبل أمك. وبقيت محتارا فيمن أقدم، وضحوا لي أثابكم الله (1) .
ج: حجك عنهما من البر الذي شرعه الله عز وجل
__________
(1) نشر في (مجلة التوعية الإسلامية في الحج) العدد الحادي عشر عام 1400 هـ(16/408)
وليس واجبا عليك، ولكنه مشروع لك ومستحب ومؤكد؛ لأنه من برهما، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لما سأله رجل: «هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به؟ " قال: نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما (1) » . والمقصود أن من برهما بعد وفاتهما أداء الحج عنهما. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «سألته امرأة، قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حجي عن أبيك (2) » . وسأله آخر عن أبيه، قال: «إنه لا يثبت على الراحلة ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: حج عن أبيك واعتمر (3) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) حديث أبي أسيد الساعدي برقم (15629) ، وأبو داود في (الأدب) باب في بر الوالدين برقم (5142)
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) باقي مسند ابن عباس برقم (3041) ، والنسائي في (مناسك الحج) باب الحج عن الميت الذي لم يحج برقم (2634) .
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم (15751) ، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم (2621) .(16/409)
فالمشروع لك يا أخي أن تحج عنهما جميعا وأن تعتمر عنهما جميعا، أما التقديم فلك أن تقدم من شئت، إن شئت قدمت الأم، وإن شئت قدمت الأب، والأفضل هو تقديم الأم؛ لأن حقها أكبر وأعظم ولو كانت متأخرة الموت وتقديمها أولى وأفضل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «سئل فقيل له: يا رسول الله، من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أباك (1) » ، فذكره في الرابعة. وفي لفظ آخر «سئل - عليه الصلاة - والسلام قيل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك (2) » فدل ذلك على أن حقها أكبر وأعظم، فالأفضل البداءة بها ثم تحج بعد ذلك عن أبيك وأنت مأجور في ذلك، ولو بدأت بالأب فلا حرج.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند البصريين) حديث معاوية بن حيدة برقم (19544) ، وابن ماجه في (الأدب) باب بر الوالدين برقم (3658) .
(2) رواه البخاري في (الأدب) باب من أحق الناس بحسن الصحبة برقم (5971) ، ومسلم في (البر والصلة والآداب) باب بر الوالدين برقم (2548) .(16/410)
جواز الإنابة في الحج والعمرة (1)
س: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرسل إليكم هذا المكتوب راجيا من فضيلتكم في أمر يخص مسألة وصية وهي:
إن جدتي أوصتني بأن أحج لها وبالنسبة لأنني مقعد بسبب رجلي وكبر سني ولا أطيق الحج فقد كلفت المدعو \ محمد بن سعيد بالحج عني وقد تكلفت بمصاريف حجه فأعطيته ألفان وستمائة (2600) ريال لذلك. فهل تجزئ هذه الحجة عن تلك الوصية. بارك الله فيكم.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فقد أحسنت فيما فعلت، وحج محمد بن سعيد المذكور عن جدتك لا بأس به إذا كان ثقة. وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سؤال شخصي مقدم من الأخ م. ط. ح. د.(16/411)
ما يشترط في النائب
س: سماحة الشيخ هل يجوز أن أستأجر من يقوم بأداء الحج لوالدي علما بأنني لم أقض فريضة الحج بعد لعدم وجود محرم لدي أو إذا لم يكن ذلك جائزا، فهل يجوز أن أقوم بذلك العمل في نفس العام الذي سوف أحج فيه إن شاء الله؟ (1) .
ج: لا حرج عليك أن تستأجري من يحج عن أبيك وإن كنت لم تحجي عن نفسك، أما أنت فليس لك الحج عن أبيك إلا بعد أن تحجي عن نفسك ولا مانع أن يحج عن أبيك من قد حج عن نفسه في السنة التي تحجين فيها عن نفسك. والله الموفق.
__________
(1) سؤال شخصي موجه لسماحته من سائلة وقد أجاب عنه سماحته بتاريخ 14 \ 1 \ 1420هـ(16/412)
لا يلزم النائب أن يأتي
بالحج من بلد من ناب عنه
س: إذا كان النائب عمن نذر الحج في بلدة أخرى غير(16/412)
بلد الناذر أقرب من بلد الناذر نفسه، هل يلزمه أن يأتي بالحج من بلد الناذر؟ (1) .
ج: لا يلزمه ذلك بل يكفيه الإحرام من الميقات، ولو كان في مكة فأحرم منها بالحج كفى ذلك لأن مكة ميقات أهلها للحج.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام(16/413)
لا حاجة إلى استشارة أبناء المتوفى للحج عنه
س: أريد أن أؤدي فريضة الحج عن خالي، فهل لي أن استشير أبناءه الصغار؟ (1) .
ج: إذا كان خالك متوفى وأنت قد أديت الفريضة عن نفسك فلا بأس أن تؤدي الحج عنه، ولا حاجة إلى استشارة أبنائه، أو غير أبنائه إذا كان قد توفي، أو كان كبير السن لا يستطيع الحج، وأنت قد أديت الفريضة، فإنك إذا أحسنت إليه بأداء الحج عنه تطوعا، فأنت مشكور ومأجور، ولا حاجة إلى استئذان أحد في ذلك.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(16/413)
حج عن والدتك ولو بغير إذنها
س: أريد أن أحج عن والدتي فهل لا بد أن أستأذنها، علما بأنها سبق أن أدت حجة الفريضة؟ (1)
ج: إذا كانت والدتك عاجزة عن الحج لكبر سنها، أو مرض لا يرجى برؤه، فلا بأس أن تحج عنها ولو بغير إذنها؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «استأذنه رجل قائلا: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: حج عن أبيك واعتمر (2) » ، «واستأذنته امرأة قائلة: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير ولا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: حجي عن أبيك (3) » . وهكذا الميت يحج عنه؛ لأحاديث صحيحة وردت في ذلك، ولهذين الحديثين. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1641) في 18 \ 1 \ 1419 هـ
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم (15751) ، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم (2621)
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) باقي مسند ابن عباس برقم (3041) ، والنسائي في (مناسك الحج) باب الحج عن الميت الذي لم يحج برقم (2634) .(16/414)
حجك عن أخيك
من مالك مسقط الواجب عليه
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم \ م. ن. س. ع. وفقه الله إلى ما فيه رضاه آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني سؤالك من طريق جريدة الجزيرة ونصه:
أن أخاك توفي وترك مبالغ عند بعض الناس، وتم جمع هذه الأموال وهي عندك الآن، وتريد إنفاقها في المشاريع الخيرية، وقد حججت عنه من مالك. . . . إلى آخره.
ج: حجك عنه من مالك كاف وهو مسقط للواجب عليه. جزاك الله خيرا وضاعف مثوبتك.
أما الأموال المذكورة فالواجب تقسيمها بين الورثة، وما أشكل عليكم في ذلك من وصية أو غيرها فراجعوا فيه
__________
(1) خطاب صدر من مكتب سماحته برقم 1509 \ 1 في 12 \ 5 \ 1415هـ إجابة عن سؤال مقدم من م. ن. س. ع.(16/415)
المحكمة، وفيما تراه المحكمة الكفاية إن شاء الله.
وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء
وإدارة البحوث العلمية والإفتاء(16/416)
حكم أخذ حجة لوفاء دين
س: هل يجوز أخذ مال عن أداء الحج عن غيري لسداد دين علي؟ أفيدوني مأجورين (1) .
ج: لا بأس لك أن تأخذ حجة لتفي بالدين الذي عليك؛ ولكن الذي ينبغي لك أن يكون القصد من الحجة مشاركة المسلمين في الخير مع قضاء الدين، لعل الله أن ينفعك بذلك، ويكون المقابل المادي الذي تأخذه عن الحجة تبعا لذلك.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1635) في 28 \ 11 \ 1418هـ(16/417)
حكم الحج عن مقرئ مقابل إهدائه ثواب تلاوته
س: لي صديق مقرئ في مصر هل يجوز لي أن أؤدي عنه الحجة أو العمرة بشرط أن يقرأ هو القرآن عدة مرات ويهب ثواب ذلك لوالدي؟ (1) .
ج: إذا كان عاجزا كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(16/417)
والمريض الذي لا يرجى برؤه جاز لك أن تحج عنه وتعتمر، وأنت مأجور لكن بدون هذا الشرط بل تبرعا منك أو بمال يعطيك إياه لتحج عنه؛ أما القراءة عنك أو عن غيرك فلا أصل لها شرعا.(16/418)
حكم الحج والعمرة عن عدة أشخاص معا
س: لي إخوة كثيرون هل يجوز أن أعتمر عمرة واحدة وأحج حجة واحدة أثوبهما لي ولهم مع العلم أنهم لا يحافظون على الصلاة؟ (1) .
ج: العمرة لا تكون إلا عن واحد وكذلك الحج، فليس لك أن تحج عن جماعة، ولا تعتمر عن جماعة، وإنما الحج عن واحد والعمرة عن واحد فقط إذا كان المحجوج عنه ميتا، وهكذا المعتمر عنه ميتا، أو عاجزا لمرض لا يرجى برؤه، أو كبير سن فلا بأس أن تحج عنه وتعتمر إذا كان شخصا واحدا، وإذا أعطاك وليه مالا أو هو نفسه أي العاجز لتحج عنه فلا بأس إذا أخذته لله لا لقصد الدنيا. والذي لا يحافظ على الصلاة لا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(16/418)
يحج عنه وإذا كان الشخص الميت أو العاجز عن الحج لكبر سنه أو لمرض لا يرجى برؤه معروفا بأنه كان لا يصلي أو عنده ما يكفر به من نواقض الإسلام الأخرى فإنه لا يحج عنه؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء، نسأل الله العافية.(16/419)
لا يجوز أن يحج عن الوالدين جميعا حجة واحدة
س: الأخ ح. م. ع. من إربد في المملكة الأردنية الهاشمية يقول في سؤاله: والدتي ووالدي كبيران في السن وأرغب أن أحج عنهما جميعا في حجة واحدة فهل يجوز لي ذلك وهل هناك فرق بين الحج عن الميت والحي؟ أرشدوني أطال الله في عمركم على طاعته (1) .
ج: إذا كان والداك لا يستطيعان الحج والعمرة لكبر سنهما فإنه يشرع لك أن تحج عن كل واحد على حدة وأن تعتمر عنه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأله بعض الناس
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) وأجاب عنه سماحته في 12 \ 4 \ 1419هـ(16/419)
عن مثل هذا، حيث قال السائل: «يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال له - صلى الله عليه وسلم -: حج عن أبيك واعتمر (1) » «وسألته امرأة من خثعم فقالت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ فقال: حجي عن أبيك (2) » متفق على صحته. وليس لك أن تحج عنهما حجة واحدة، ولا أن تعتمر عنهما عمرة واحدة، لأن الحج لا يكون إلا عن واحد وهكذا العمرة، ولا شك أن الحج عنهما، والعمرة عنهما من أعظم برهما، وفقك الله وكل مسلم لما فيه رضاه إنه سميع قريب.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم (15751) ، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم (2621)
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) حديث بريدة الأسلمي برقم (22523) ، ومسلم في (الصيام) باب قضاء الصيام عن الميت برقم (1149)(16/420)
حكم من استناب رجلا غير صالح
س: شخص دفع مالا لشخص من أجل أن يحج لوالدته(16/420)
وهو يرى أنه أمين ثم تبين له أن هذا الشخص يعمل عملا غير صالح ويطلب الإفادة؟ (1) .
ج: ينبغي لمن أراد أن يستنيب أحدا أن يبحث عنه وأن يعرف أمانته واستقامته وصلاحه، وعليه إذا كانت الحجة لازمة وفريضة أن يعوض عنها حجة أخرى، وإذا كانت الحجة وصية لأحد أوصاه بأن يخرجها فوضعها في يد غير أمينة فإن الأحوط في حقه أن يبدلها بغيرها؛ لأنه لم يحرص ولم يعتن بالمقام بل تساهل، أما إذا كان متطوعا ومحتسبا وليس عنده وصية لأحد وإنما أراد التطوع والأجر فلا شيء عليه وإن أحب أن يخرج غيرها فلا بأس.
__________
(1) نشر في (مجلة التوعية الإسلامية في الحج) العدد الثامن في 4 \ 12 \ 1401هـ ص 63(16/421)
يجوز حج المرأة عن الرجل والعكس
س: الأخت أ. م. م. من القاهرة تقول في سؤالها: هل يجوز أن تحج المرأة عن الرجل، وهل هناك فرق بين أن يكون الحج تطوعا أو واجبا؟ نرجو الفتوى جزاكم الله خيرا (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية)(16/421)
ج: يجوز حج المرأة عن الرجل إذا كان المحجوج عنه ميتا، أو عاجزا عن الحج، لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. سواء كان الحج فرضا أو نفلا؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن رجلا قال له: يا رسول الله، إن أبي لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: حج عن أبيك واعتمر (1) » ، وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - «أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي لا يستطيع الحج أفأحج عنه؟ فقال لها - صلى الله عليه وسلم -: حجي عن أبيك (2) » ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ولم يفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - بين حج الفرض والنفل؛ فدل ذلك على جواز النيابة فيهما من الرجل والمرأة بالشرط المذكور، وهو كون المحجوج عنه ميتا أو عاجزا لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) حديث أبي رزين العقيلي برقم (15751) ، والنسائي في (المناسك) باب وجوب العمرة برقم (2621)
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) باقي مسند ابن عباس برقم (3041) ، والنسائي في (مناسك الحج) باب الحج عن الميت الذي لم يحج برقم (2634) .(16/422)
الحج عن الآخرين ليس خاصا بالقرابة
س: هل الحج عن الآخرين مشروع على الإطلاق أم خاص بالقرابة، ثم هل يجوز أخذ الأجرة على ذلك، ثم إذا أخذ الأجرة على حجة عن غيره فهل له أجر في عمله هذا؟ (1) .
ج: الحج عن الآخرين ليس خاصا بالقرابة بل يجوز للقرابة وغير القرابة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شبهه بالدين؛ فدل ذلك على أنه يجوز للقرابة وغير القرابة. وإذا أخذ المال وهو يقصد بذلك المشاهدة للمشاعر العظيمة ومشاركة إخوانه الحجاج والمشاركة في الخير فهو على خير إن شاء الله وله أجر. أما إذا كان لم يقصد إلا الدنيا، فليس له إلا الدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » متفق على صحته.
__________
(1) سؤال بعد محاضرة ألقاها سماحته في الحج في اليوم الثامن من ذي الحجة في منى عام 1402هـ
(2) رواه البخاري في (بدء الوحي) باب بدء الوحي برقم (1) ، ومسلم في الإمارة باب قوله: '' إنما الأعمال بالنية'' برقم (1907) .(16/423)
س: الحج عن الميت ولو كان متساهلا ما كان ينوي حال حياته الحج، هل يصح؟ (1) .
ج: إذا كان مسلما ولم يحج فإنه يحج عنه من تركته إذا مات وهو يستطيع الحج، وإن حج عنه بعض أقاربه أو غيرهم أجزأ ذلك.
أما إذا كان كافر فلا يحج عنه.
__________
(1) من أسئلة دروس بلوغ المرام.(16/424)
تارك الصلاة لا يحج عنه
س: أبو عبد الله من الرياض يقول في سؤاله: ماذا يقول فضيلتكم فيمن يهب الأعمال الصالحة، كقراءة القرآن، والحج والعمرة عمن توفي وهو تارك للصلاة، وفي الغالب يكون هذا المتوفى جاهلا وغير متعلم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: تارك الصلاة لا يحج عنه، ولا يتصدق عنه؛ لأنه كافر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي - صلى الله عليه
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) في العدد (1489) بتاريخ 27 \ 11 \ 1415هـ(16/424)
وسلم -: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » رواه مسلم في صحيحه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2) » رواه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح.
أما القراءة عن الغير فلا تشرع، لا عن الحي ولا عن الميت؛ لعدم الدليل على ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » أخرجه مسلم في صحيحه، وأخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين بلفظ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4) » ، ومعنى فهو رد: أي فهو مردود.
ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن
__________
(1) رواه مسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (82) .
(2) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(3) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(4) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(16/425)
الصحابة - رضي الله عنهم - فيما نعلم أنهم قرأوا القرآن وثوبوه لحي أو ميت. والله ولي التوفيق.(16/426)
حكم الصدقة والحج عمن كان يذبح لغير الله
س: سائل يقول: إن والده يذبح لغير الله فيما قيل له عن ذلك، ويريد الآن أن يتصدق عنه ويحج عنه، ويعزو سبب وقوع والده في ذلك إلى عدم وجود علماء ومرشدين وناصحين له، فما الحكم في ذلك كله؟ (1) .
ج: إذا كان والده معروفا بالخير والإسلام والصلاح، فلا يجوز له أن يصدق من ينقل عنه غير ذلك ممن لا تعرف عدالته، ويسن له الدعاء والصدقة عنه حتى يعلم يقينا أنه مات على الشرك، وذلك بأن يثبت لديه بشهادة الثقات العدول اثنين أو أكثر أنهم رأوه يذبح لغير الله من أصحاب القبور أو غيرهم، أو سمعوه يدعو غير الله، فعند ذلك يمسك عن الدعاء له، وأمره إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن الله له، مع أنها ماتت في
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1648) في 8 \ 3 \ 1419هـ(16/426)
الجاهلية على دين الكفار، ثم استأذن ربه أن يزورها فأذن له، فدل ذلك على أن من مات على الشرك ولو جاهلا لا يدعى له، ولا يستغفر له، ولا يتصدق عنه، ولا يحج عنه، أما من مات في محل لم تبلغه دعوة الله، فهذا أمره إلى الله سبحانه، والصحيح من أقوال أهل العلم: أنه يمتحن يوم القيامة، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار؛ لأحاديث صحيحة وردت في ذلك.(16/427)
حكم الحج عمن يعتقد في الأولياء
س: وكلني شخص بأداء فريضة الحج عنه بعد موته، علما أن المذكور كان يعتقد في غير الله من الأولياء والأموات، نظرا منه أنهم سيكونون واسطة له عند الله، فهل يجب علي أن أؤدي فريضة عنه بعد موته أم لا، وما الدليل على ذلك؟ (1) .
ج: إذا استنابك إنسان في أداء فريضة الحج وهو معروف بالشرك الأكبر، كدعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر لهم والذبح لهم ونحو ذلك، فهذه الاستنابة غير صحيحة
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية)(16/427)
والحج عنه باطل؛ لأن المشرك لا يستغفر له ولا يحج عنه ولا ينفعه عمل لا منه ولا من غيره؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (1) الآية، وقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} (2) الآية، وإذا حرم الاستغفار لهم فالحج عنهم ومثل ذلك أو أشد.
أسأل الله العافية لي ولكم والوفاة على الإسلام آمين.
انتهى الجزء السادس عشر ويليه
بمشيئة الله تعالى الجزء السابع
عشر وأوله كتاب المواقيت
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة التوبة الآية 113(16/428)
صفحة فارغة(17/1)
صفحة فارغة(17/2)
صفحة فارغة(17/3)
صفحة فارغة(17/4)
باب المواقيت(17/5)
صفحة فارغة(17/6)
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - مواقيت الحج الزمانية والمكانية
س: نسأل فضيلتكم عن معنى قول الله سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (1) الآية جزاكم الله خيرا؟ (2) .
ج: يقول الله سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (3) ومعنى الآية: أن الحج يهل به في أشهر معلومات وهي: شوال وذو القعدة والعشر الأولى من ذي الحجة، هذه هي الأشهر. هذا هو المراد بالآية وسماها الله أشهرا؛ لأن قاعدة العرب إذا ضموا بعض الثالث إلى الاثنين، أطلقوا عليها اسم الجمع.
وقوله سبحانه: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} (4) يعني: أوجب الحج فيهن على نفسه بالإحرام بالحج فإنه يحرم عليه الرفث
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) من الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402 هـ.
(3) سورة البقرة الآية 197
(4) سورة البقرة الآية 197(17/7)
والفسوق والجدال. والرفث هو: الجماع ودواعيه، فليس له أن يجامع زوجته بعد ما أحرم، ولا يتكلم ولا يفعل ما يدعوه إلى الجماع ولا يأتي الفسوق وهي: المعاصي كلها من عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والغيبة، والنميمة، وغير ذلك من المعاصي.
والجدال معناه: المخاصمة والمماراة بغير حق فلا يجوز للمحرم بالحج أو بالعمرة أو بهما أن يجادل بغير حق، وهكذا في الحق لا ينبغي أن يجادل فيه بل يبينه بالحكمة والكلام الطيب، فإذا طال الجدال ترك ذلك ولكن لا بد من بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وهذا النوع غير منهي عنه بل مأمور به في قوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)
__________
(1) سورة النحل الآية 125(17/8)
2- حكم من جاوز الميقات دون إحرام
س: ما حكم من جاوز الميقات دون أن يحرم سواء كان لحج أو عمرة أو لغرض آخر؟ .(17/8)
ج: من جاوز الميقات لحج أو عمرة ولم يحرم وجب عليه الرجوع والإحرام بالحج والعمرة من الميقات؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك قال - عليه الصلاة والسلام -: «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن، ويهل أهل اليمن من يلملم (1) » . هكذا جاء في الحديث الصحيح، وقال ابن عباس: «وقت النبي لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (2) » . فإذا كان قصده الحج أو العمرة فإنه يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر عليه، فإن كان من طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة، وإن كان من طريق الشام أو مصر أو المغرب أحرم من الجحفة من رابغ الآن، وإن كان من طريق اليمن أحرم من يلملم، وإن كان من طريق نجد أو الطائف أحرم من وادي قرن ويسمى قرن المنازل، ويسمى السيل الآن، ويسميه بعض الناس وادي محرم، فيحرم من ذلك بحجة أو عمرة أو بهما جميعا، والأفضل إذا كان في أشهر
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(17/9)
الحج أن يحرم بالعمرة فيطوف لها ويسعى ويقصر ويحل ثم يحرم بالحج في وقته، وإن كان مر على الميقات في غير أشهر الحج مثل رمضان أو شعبان أحرم بالعمرة فقط، هذا هو المشروع، أما إن كان قدم لغرض آخر لم يرد حجا ولا عمرة إنما جاء لمكة للبيع أو الشراء أو لزيارة بعض أقاربه وأصدقائه أو لغرض آخر ولم يرد حجا ولا عمرة فهذا ليس عليه إحرام على الصحيح وله أن يدخل بدون إحرام، هذا هو الراجح من قولي العلماء والأفضل أنه يحرم بالعمرة ليغتنم الفرصة.(17/10)
س: ما حكم تجاوز الميقات في الحج والعمرة؟ .
ج: لا يجوز للمسلم إذا أراد الحج أو العمرة أن يتجاوز الميقات الذي يمر به إلا بإحرام، فإن تجاوزه بدون إحرام لزمه الرجوع إليه والإحرام منه، فإن ترك ذلك وأحرم من مكان دونه أو أقرب منه إلى مكة فعليه دم عند الكثير من أهل العلم يذبح في مكة ويوزع بين الفقراء؛ لكونه ترك واجبا وهو الإحرام من الميقات الشرعي، أما إن كان حين مروره بالميقات لم يرد حجا أو عمرة وإنما أراد حاجة أخرى بمكة كزيارة لبعض أقاربه أو أصدقائه أو تجارة أو نحو ذلك فمثل هذا لا شيء عليه؛(17/10)
لكونه ما أراد حجا ولا عمرة لكن لا يجوز له ذلك إذا كان لم يعتمر عمرة الإسلام فيما مضى من الزمان، ومتى أراد هذا الذي تجاوز الميقات بدون إحرام لكونه لم يرد الحج أو العمرة متى أراد الحج أو العمرة في الطريق قبل أن يصل الحرم وجب عليه أن يحرم من المكان الذي تجددت فيه النية، والحجة في ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة (1) » . فدل هذا الحديث على جميع ما ذكرناه آنفا لمن تأمله، أما إن كان الذي لم يرد حجا ولا عمرة لم تتجدد له نية الحج أو العمرة إلا بعد ما وصل إلى الحرم فهذا فيه تفصيل: فإن كان أراد الحج فلا بأس أن يحرم به من الحرم أو الحل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: «ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة (2) » .
وأما إن أراد العمرة فإنه يخرج إلى الحل كالتنعيم والجعرانة أو غيرهما فيحرم من ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .
(2) صحيح البخاري كتاب الحج (1526) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/238) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .(17/10)
وسلم أمر عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة وهي بمكة أن تخرج إلى التنعيم فتهل بعمرة منه. وأمر أخاها عبد الرحمن أن يصحبها في ذلك. والله ولي التوفيق.(17/12)
3 - حكم من تجاوز الميقات أكثر من مرة دون إحرام
س: الأخ \ إ. ع. ج. من الرياض بالمملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: شخص عليه دم لإحرامه من جدة بعد أن جاوز الميقات وقد وقع في هذا الخطأ عدة مرات، ماذا يفعل؟ هل يذبح ذبيحة واحدة وتكفي أم الجواب خلاف ذلك؟ أرجو من سماحتكم الإفادة جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عليه عن كل مرة ذبيحة تذبح في مكة للفقراء إذا كان قد جاوز الميقات وهو ناو الحج أو العمرة ثم أحرم من جدة، ويجزئ عن ذلك سبع بدنة أو سبع بقرة مع التوبة إلى الله سبحانه من ذلك؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يجاوز الميقات وهو ناو الحج أو العمرة إلا بإحرام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) رجب 1412 هـ.(17/12)
أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (1) » . ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما (2) » . وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .
(2) رواه مالك في الموطأ في (الحج) باب التقصير برقم (905) ، وفي باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئا برقم (957) .(17/13)
4 - من قصد مكة لتجارة
أو زيارة لأقاربه فليس عليه إحرام
س: ما حكم من قدم إلى مكة ولم يحرم للعمرة ولم يطف ولم يسع؟ (1) .
ج: إذا كان الذي قصد مكة لم يرد حجا ولا عمرة وإنما أراد التجارة أو الزيارة لبعض أقاربه أو نحو ذلك فليس عليه إحرام ولا طواف ولا سعي ولا وداع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت لأهل المدينة والشام ونجد واليمن -: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (2) » . الحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي
__________
(1) فتوى صدرت من مكتب سماحته
(2) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .(17/13)
الله عنهما، فدل ذلك على أن من لم يرد الحج والعمرة فليس عليه شيء ولكن إذا تيسر له الإحرام للعمرة فهو أفضل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (1) » . وهذا في حق من قد أدى عمرة الإسلام. أما من لم يؤدها فالواجب عليه البدار بها إذا قدر على ذلك كالحج. والله الموفق.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .(17/14)
5- حكم التردد بين الطائف وجدة للعمل بلا إحرام لمن نوى الحج
س: موظف قد عزم على الحج لكن له أعمال في الطائف يتردد من أجلها بين الطائف وجدة بغير إحرام؟ (1) .
ج: لا حرج في ذلك؛ لأنه حين تردده من الطائف إلى جدة لم يقصد حجا ولا عمرة وإنما أراد قضاء حاجاته لكن من علم في الرجعة الأخيرة من الطائف أنه لا عودة له إلى الطائف قبل الحج فعليه أن يحرم من الميقات بالعمرة أو الحج. أما إذا لم يعلم ثم صادف وقت الحج وهو في جدة فإنه يحرم من
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند ج 2 صـ 205.(17/14)
جدة بالحج ولا شيء عليه. ويكون حكمه حكم المقيمين في جدة الذين جاءوا إليها لبعض الأعمال ولم يريدوا حجا ولا عمرة عند مرورهم بالميقات.(17/15)
6- حكم من نوى العمرة لوالده ثم لنفسه قبل الميقات
س: الأخ \ ص. ع. س. من الظهران في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: أنا مقيم وأرغب في تأدية عمرة رمضان لي ولوالدي المتوفى، فهل يجوز لي أن أذهب للميقات وأنوي العمرة لوالدي ثم إذا أديت النسك أحرم من مكاني سواء بمكة أو جدة بعمرة لنفسي أم لا بد من الذهاب للميقات؟ (1) .
ج: إذا كنت خارج المواقيت وأردت الحج أو العمرة لك أو لغيرك من الأموات أو العاجزين عن أدائها لكبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، فإن الواجب عليك أن تحرم من الميقات الذي تمر عليه وأنت قاصد الحج أو العمرة فإذا فرغت من أعمال العمرة أو الحج فلا حرج عليك أن تأخذ عمرة لنفسك من أدنى الحل كالتنعيم والجعرانة ونحوهما، ولا يلزمك الرجوع إلى الميقات؛ لأن عائشة رضي الله عنها أحرمت
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) جمادى الآخرة 1411 هـ.(17/15)
بالعمرة من ميقات المدينة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فلما فرغت من حجها وعمرتها استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة مفردة فأمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج ولم يأمرها بالرجوع إلى الميقات. وكانت قد أدخلت الحج على عمرتها التي أحرمت بها من الميقات بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حاضت قبل أن تؤدي أعمالها.
أما إن كنت ساكنا داخل المواقيت جدة وبحرة ونحوهما فإنه يكفيك أن تحرم بالعمرة أو الحج من منزلك ولا يلزمك الذهاب إلى الميقات؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت قال: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (1) » . ثم قال: «ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة يهلون من مكة (2) » . متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وبين حديث عائشة رضي الله عنها المذكور آنفا أن من كان داخل الحرم ليس له أن يحرم من داخل الحرم للعمرة خاصة، بل عليه أن يخرج إلى الحل فيحرم منه بالعمرة، كما
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1524) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/332) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل مكة للحج والعمرة برقم (1524) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(17/16)
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة بذلك. ويكون حديث عائشة المذكور مخصصا لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس: «حتى أهل مكة يهلون من مكة (1) » وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى. وبالله التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب الحج (1526) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/238) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .(17/17)
7 - إحرام من هم دون المواقيت
س: من كان سكنه دون المواقيت فمن أين يحرم؟ .
ج: من كان دون المواقيت أحرم من مكانه مثل أهل أم السلم وأهل بحرة يحرمون من مكانهم وأهل جدة يحرمون من بلدهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس: «ومن كان دون ذلك - أي دون المواقيت - فمهله من حيث أنشأ (1) » . وفي لفظ آخر: «فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها (2) » .
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .(17/17)
8 - حكم من بدا له الحج والعمرة بعد تجاوز الميقات
س: ما حكم الشرع فيمن خرج من الرياض إلى مكة ولم يقصد حجا ولا عمرة، ثم بعد وصوله إلى مكة أراد الحج فأحرم من جدة قارنا فهل يجزئه الإحرام من جدة أم عليه دم ولا بد من ذهابه إلى أحد المواقيت المعلومة، أفتونا مأجورين؟ .
ج: من خرج من الرياض أو غيرها قاصدا مكة ولم يرد حجا ولا عمرة وإنما أراد عملا آخر كالتجارة أو زيارة بعض الأقارب أو نحو ذلك ثم بدا له بعد ما وصل مكة أن يحج فإنه يحرم من مكانه الذي هو فيه، إن كان في جدة أحرم منها، وإن كان في مكة أحرم من مكة، وهكذا أي مكان يعزم فيه الحج أو العمرة وهو فيه يحرم منه للحج والعمرة إذا كان دون المواقيت ولا حرج عليه؛ لأن ميقاته هو الذي نوى منه الحج أو العمرة(17/18)
إذا كان دون المواقيت؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: «ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة (1) » .
لكن إذا أراد العمرة وهو في حرم مكة لم يجز له الإحرام بها من داخل الحرم بل عليه أن يخرج حتى يحرم بها من خارج الحرم، التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة أن تحرم بالعمرة من خارج الحرم لما أرادت أن تعتمر في حجة الوداع وهي في داخل الحرم.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .(17/19)
س: أنا مقيم في مدينة الرياض وذهبت إلى مكة مع بداية الحج برا عن طريق السيل الكبير لزيارة أهلي، وكتبت لي حجة دون ذهابي إلى الميقات. فهل علي دم إن لم أحرم من الميقات؟ وهل يجوز الإحرام من جدة في مثل هذه الحالة؟ (1) .
ج: إذا كنت حين مررت على الميقات لم تنو حجا ولا عمرة، وإنما نويت الحج بعد وصولك إلى مكة فليس عليك شيء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة (الدعوة) .(17/19)
والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة (1) » . متفق على صحته.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .(17/20)
9 - حكم الإحرام من الحرم الشريف
س: ما قولكم في رجل أحرم في الحرم الشريف بالحج نيابة عن غيره ولم يحرم في الميقات، أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ .
ج: إذا كان هذا المحرم مقيما في الحرم ثم جاء وقت الحج وهو مقيم، إذا دخلها دخولا شرعيا لأداء عمرة أو حج سابق، أو دخلها لحاجة كالتجارة أو نحوها ثم بدا له أن يحج عن نفسه أو غيره فإنه يحرم من مكة ولا حاجة له إلى الميقات.(17/20)
10 - ميقات الحجاج القادمين من أفريقيا
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرمة السيدة \ ت. أ. ر. حفظها الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد تلقيت رسالتك المؤرخة في 16 \ 12 \ 1391 هـ وعلمت ما تضمنته من الأسئلة وإليك الإجابة عنها.
أولا: بالنسبة لحجك مع عمك فلا بأس به؛ لأن العم محرم شرعي ونرجو من الله أن يتقبل منك ويثيبك ثواب الحج المبرور.
وأما ميقات الحجاج القادمين من أفريقيا فهو الجحفة أو ما يحاذيها من جهة البر والبحر والجو إلا إذا قدموا من طريق المدينة فميقاتهم ميقات أهل المدينة. ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة؛ لأن الجحفة قد ذهبت آثارها وصارت بلدة رابغ في محلها أو قبلها بقليل.
وأما من ناحية المساجد الموجودة بالمدينة المعروفة(17/21)
حاليا فكلها حادثة ما عدا مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسجد قباء، وليس لهذه المساجد غير المسجدين المذكورين خصوصية من صلاة أو دعاء أو غيرهما، بل هي كسائر المساجد من أدركته الصلاة فيها صلى مع أهلها أما قصدها للصلاة فيها والدعاء والقراءة أو نحو ذلك لاعتقاده خصوصية فيها فليس لذلك أصل بل هو من البدع التي يجب إنكارها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » . أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها، وتحقيقا لرغبتك يسرنا أن نبعث إليك برفقه بعضا من الكتب التي توزعها الجامعة حسب البيان المرفق، نسأل الله أن ينفع بها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رئيس الجامعة الإسلامية
__________
(1) رواه البخاري معلقا في النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(17/21)
11 - بيان خطأ من جعل جدة ميقاتا لحجاج الجو والبحر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أما بعد:
فقد اطلعت على ما كتب في التقويم القطري بإملاء فضيلة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري صفحة (95، 96) حول المواقيت للوافدين إلى مكة بنية الحج أو العمرة فألفيته قد أصاب في مواضع وأخطأ في مواضع خطأ كبيرا، فرأيت أن من النصح لله ولعباده التنبيه على المواضع التي أخطأ فيها راجيا بعد اطلاعه على ذلك توبته عما أخطأ فيه ورجوعه إلى الحق؛ لأن الرجوع إلى الحق شرف وفضيلة وهو خير من التمادي في الباطل بل هو واجب لا يجوز تركه؛ لأن الحق واجب الاتباع، فأقول:
أولا: ذكر وفقه الله في الفقرة الثالثة من كلمته ما نصه:(17/23)
"القاصدون عن طريق الجو لأداء الحج والعمرة إذا كانت النية منهم الإقامة بجدة ولو يوما واحدا ينطبق عليهم حكم المقيمين بجدة والنازلين بها فلهم أن يحرموا من جدة " انتهى.
وهذا كلام باطل وخطأ ظاهر مخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في المواقيت، ومخالف لكلام أهل العلم في هذا الباب، ومخالف لما ذكره هو نفسه في الفقرة الأولى من كلمته المشار إليها آنفا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت المواقيت لمريدي الحج والعمرة من سائر الأمصار ولم يجعل جدة ميقاتا لمن توجه إلى مكة من سائر الأمصار والأقاليم وهذا يعم الوافدين إليها من طريق البر أو البحر أو الجو.
والقول بأن الوافد من طريق الجو لم يمر عليها قول باطل لا أساس له من الصحة؛ لأن الوافد من طريق الجو لا بد أن يمر قطعا بالمواقيت التي وقتها النبي - صلى الله عليه وسلم - أو على ما يسامتها فيلزمه الإحرام منها، وإذا اشتبه عليه ذلك لزمه أن يحرم في الموضع الذي يتيقن أنه محاذيها أو قبلها حتى لا يجاوزها بغير إحرام، ومن المعلوم أن الإحرام قبل المواقيت صحيح وإنما الخلاف في كراهته وعدمها، ومن أحرم قبلها احتياطا خوفا من مجاوزتها بغير إحرام فلا كراهة في حقه، أما تجاوزها بغير إحرام فهو محرم بالإجماع في حق كل مكلف أراد حجا أو عمرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث(17/24)
ابن عباس المتفق عليه لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة (1) » . ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر المتفق عليه: «يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن (2) » . وهذا اللفظ عند أهل العلم خبر بمعنى الأمر فلا تجوز مخالفته، وقد ورد في بعض الروايات بلفظ الأمر وذلك بلفظ " ليهل " والقول بأن من أراد الإقامة بجدة يوما أو ساعات من الوافدين إلى مكة من طريق جدة له حكم سكان جدة في جواز الإحرام منها قول لا أصل له ولا أعلم به قائلا من أهل العلم.
فالواجب على من يوقع عن الله ويفتي عباده في الأحكام الشرعية أن يتثبت فيما يقول وأن يتقي الله في ذلك؛ لأن القول على الله بغير علم خطره عظيم وعواقبه وخيمة. وقد جعل الله سبحانه القول عليه بلا علم في أعلى مراتب التحريم لقوله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (3)
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب ميقات أهل المدينة برقم (1525) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1182) .
(3) سورة الأعراف الآية 33(17/25)
وأخبر سبحانه في آية أخرى أن ذلك مما يأمر به الشيطان فقال سبحانه: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (1) {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2) وعلى مقتضى هذا القول الباطل لو أراد من توجه من المدينة إلى مكة بنية الحج والعمرة أن يقيم بجدة ساعات جاز له أن يؤخر إحرامه إليها، وهكذا من توجه من نجد أو الطائف إلى مكة بنية الحج أو العمرة وأراد الإقامة في لزيمة أو الشرائع يوما أو ساعات جاز له أن يتجاوز قرنا غير محرم ويكون له حكم سكان لزيمة أو الشرائع. وهذا قول! لا يخفى بطلانه على من تأمل النصوص وكلام أهل العلم والله المستعان.
ثانيا: ذكر الشيخ عبد الله الأنصاري في الفقرة الخامسة ما نصه: "يجوز لمن يقصد أداء العمرة أن يتجه إلى التنعيم فيحرم منها حيث إنها الميقات الشرعي " انتهى. وهذه العبارة فيها إجمال وإطلاق فإن كان أراد بها سكان مكة والمقيمين بها فصحيح، ولكن يؤخذ عليه قوله: "إن التنعيم هو الميقات الشرعي " فليس الأمر كذلك بل الحل كله ميقات لأهل مكة والمقيمين بها فلو أحرموا من الجعرانة أو غيرهما من الحل فلا حرج وكانوا بذلك محرمين من ميقات شرعي وقد أمر النبي
__________
(1) سورة البقرة الآية 168
(2) سورة البقرة الآية 169(17/26)
- صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة إلى الحل لما أرادت العمرة، وكونها أحرمت من التنعيم لا يوجب ذلك أن يكون هو الميقات الشرعي وإنما يدل على الاستحباب كما قاله بعض أهل العلم؛ لأن في بعض الروايات من حديثها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عبد الرحمن يعمرها من التنعيم وذلك - والله أعلم - لكونه أقرب الحل إلى مكة جمعا بين الروايات، أما إن أراد بهذه العبارة أن كل من أراد العمرة له أن يحرم من التنعيم ولو كان في جهة أخرى من الحل فليس بصحيح؛ لأن كل من كان في جهة من الجهات خارج الحرم ودون المواقيت فإن ميقاته من أهله للحج والعمرة جميعا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس المتفق عليه -: «ومن كان دون ذلك - يعني دون المواقيت - فمهله من أهله» وفي لفظ «فمهله من حيث أنشأ» وقد أحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة عام الفتح لما فرغ من تقسيم غنائم حنين فلم يذهب إلى التنعيم، والله ولي التوفيق.
ثالثا: ذكر الشيخ عبد الله في الفقرة السادسة والسابعة ما نصه: " لا حجة لمن يقول بأن القاصد إلى جدة بالطائرة يمر بالميقات؛ لأنه لا يمر بأي ميقات من المواقيت بل هو هائم أو طائر في الجو ولم ينزل إلا بجدة " ونص الحديث: «ولمن مر بهن» ، ولا يعتبر من كان طائرا بالهواء بأنه مار بأي ميقات(17/27)
انتهى كلامه. وهذا القول غير صحيح وقد مضى الرد عليه آنفا، وقد سبق الشيخ عبد الله الأنصاري إلى هذا الخطأ الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في مقال وزعه زعم فيه أن الوافد من طريق الجو أو البحر إلى مكة لا يمر على المواقيت وزعم أن ميقاته جدة، وقد أخطأ في ذلك كما أخطأ الشيخ عبد الله الأنصاري فالله يغفر لهما جميعا، وقد كتب مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ردا على الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في زعمه أن جدة ميقات للوافدين إلى مكة من الحجاج والعمار من طريق الجو أو البحر ونشر الرد في وقته، وقد أصاب المجلس في ذلك وأدى واجب النصح لله ولعباده، ولا يزال الناس بخير ما بقي فيهم من ينكر الخطأ والمنكر ويبين الصواب والحق. وما أحسن ما قال الإمام مالك رحمه الله: "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر " يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأسأل الله أن يغفر لنا جميعا وأن يمنحنا وسائر إخواننا إصابة الحق في القول والعمل والرجوع إلى الصواب إذا وضح دليله إنه خير مسئول.
رابعا: ذكر الشيخ عبد الله الأنصاري هداه الله في الفقرة الثامنة والتاسعة ما نصه: "على من يريد مواصلة سيره إلى مكة لأداء نسكه أن يجهز إحرامه من آخر مطار يقوم منه وينوي قبل جدة بمقدار عشرين دقيقة إذا كان قصده مواصلة السير(17/28)
بدون توقف أو إقامة في جدة، أما الذي يقيم بجدة ولو لساعات يجوز له أن يحرم من جدة إن شاء الله وينطبق عليه حكم ساكن جدة " انتهى كلامه.
وقد سبق أن هذا التفصيل والتحديد لا أساس له من الصحة وأن الواجب على من أراد الحج أو العمرة من الوافدين إلى مكة من طريق الجو أو البحر الإحرام بالنسك الذي أرادوا من حج أو عمرة إذا حاذوا الميقات الذي في طريقهم أو سامتوه ولا يجوز لهم تأخير الإحرام ولو نووا الإقامة بها يوما أو ساعات فإن شكوا في المحاذاة لزمهم الإحرام من المكان الذي يتيقنون فيه احتياطا للواجب، وإنما الكراهة عند بعض أهل العلم في حق من أحرم قبل الميقات بدون عذر شرعي.
وأسأل الله أن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، وأن يوفقنا وجميع علماء المسلمين لإصابة الحق في القول والعمل، وأن يعيذنا جميعا من القول عليه بلا علم إنه سميع قريب. ولواجب النصح للمسلمين جرى تحريره وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(17/29)
12 - إبطال دعوى من ادعى
أن جدة ميقات لجميع الوافدين
إلى مكة من طريقها للحج أو العمرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:.
فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين مواقيت الإحرام التي لا يجوز لمن مر بها يريد الحج أو العمرة تجاوزها بدون إحرام وهي:
ذو الحليفة (أبيار علي) : لأهل المدينة ومن جاء عن طريقهم.
والجحفة: لأهل الشام ومصر والمغرب ومن جاء عن طريقهم.
ويلملم (السعدية) : لأهل اليمن ومن جاء عن طريقهم.(17/30)
وقرن المنازل (السيل الكبير) : لأهل نجد وأهل المشرق ومن جاء عن طريقهم.
وذات عرق: لأهل العراق ومن جاء عن طريقهم.
ومن كان منزله دون هذه المواقيت مما يلي مكة فإنه يحرم من منزله حتى أهل مكة يحرمون من مكة للحج وأما العمرة فيحرمون بها من أدنى الحل.
ومن مر بهذه المواقيت قادما إلى مكة وهو لا يريد حجا ولا عمرة فإنه لا يلزمه إحرام على الصحيح، لكن لو بدا له أن يحج أو يعتمر بعد ما تجاوزها فإنه يحرم من المكان الذي نوى فيه الحج أو العمرة، إلا إذا نوى العمرة وهو في مكة فإنه يخرج إلى أدنى الحل ويحرم - كما سبق -. فالإحرام يجب من هذه المواقيت على كل من مر بها أو حاذاها برا أو بحرا أو جوا وهو يريد الحج أو العمرة.
والذي أوجب نشر هذا البيان أنه صدر من بعض الإخوة في هذه الأيام كتيب اسمه: (أدلة الإثبات أن جدة ميقات) يحاول فيه إيجاد ميقات زائد على المواقيت التي وقتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث ظن أن جدة تكون ميقاتا للقادمين في الطائرات إلى مطارها أو القادمين إليها عن طريق البحر أو عن طريق البر فلكل هؤلاء أن يؤخروا الإحرام إلى أن(17/31)
يصلوا إلى جدة ويحرموا منها، لأنها بزعمه وتقديره تحاذي ميقاتي السعدية والجحفة فهي ميقات وهذا خطأ واضح يعرفه كل من له بصيرة ومعرفة بالواقع؛ لأن جدة داخل المواقيت والقادم إليها لا بد أن يمر بميقات من المواقيت التي حددها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يحاذيه برا أو بحرا أو جوا فلا يجوز له تجاوزه بدون إحرام إذا كان يريد الحج أو العمرة لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما حدد هذه المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة (1) » فلا يجوز للحاج والمعتمر أن يخترق هذه المواقيت إلى جدة بدون إحرام ثم يحرم منها لأنها داخل المواقيت.
ولما تسرع بعض العلماء منذ سنوات إلى مثل ما تسرع إليه صاحب هذا الكتيب فأفتى بأن جدة ميقات للقادمين إليها صدر عن هيئة كبار العلماء قرار بإبطال هذا الزعم وتفنيده جاء فيه ما نصه: " وبعد الرجوع إلى الأدلة وما ذكره أهل العلم في المواقيت المكانية ومناقشة الموضوع من جميع جوانبه فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي:
1 - أن الفتوى الصادرة الخاصة بجواز جعل جدة ميقاتا لركاب الطائرات الجوية والسفن البحرية فتوى باطلة لعدم استنادها إلى نص من كتاب الله أو سنة رسوله أو إجماع سلف الأمة، ولم يسبقه إليها أحد من علماء المسلمين
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1529) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/332) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .(17/32)
الذين يعتد بأقوالهم.
2 - ولا يجوز لمن مر بميقات من المواقيت المكانية أو حاذى واحدا منها جوا أو برا أو بحرا أن يتجاوزها من غير إحرام كما تشهد لذلك الأدلة، وكما قرره أهل العلم رحمهم الله تعالى.
ولواجب النصح لله ولعباده رأيت أنا وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إصدار هذا البيان حتى لا يغتر أحد بالكتيب المذكور" انتهى. هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(17/33)
13 - جدة ليست ميقاتا
س: بعضهم يفتي للقادم للحج بطريق الجو بأن يحرم من جدة وآخرون ينكرون ذلك فما هو وجه الصواب في هذه المسألة؟ أفتونا مأجورين (1) .
ج: الواجب على جميع الحجاج جوا وبحرا وبرا أن يحرموا من الميقات الذي يمرون عليه برا أو يحاذونه جوا أو بحرا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (2) » الحديث متفق عليه.
أما جدة فليست ميقاتا للوافدين وإنما هي ميقات لأهلها ولمن وفدوا إليها غير مريدين الحج ولا العمرة ثم أنشئوا الحج والعمرة منها.
س: ما حكم من جعل جدة ميقاتا خاصا للولايات المتحدة؟ (3)
ج: جدة ميقات لأهلها والمقيمين بها ولمن قصد الحج
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) الجزء الأول صـ 125.
(2) صحيح البخاري الحج (1524) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/332) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .
(3) من أسئلة موجهة لسماحته في دروس بلوغ المرام.(17/34)
أو العمرة من طريق البحر أو الجو ولم يحاذ ميقاتا قبلها وليست ميقاتا لغيرهم.(17/35)
14 - ميقات القادمين من السودان
س: بالنسبة للقادمين من السودان بعض العلماء يفتونهم بأن ميقاتهم جدة؟ (1)
ج: على حسب الطريق إن كان طريقهم يمر بميقات الجحفة لزمهم الإحرام إذا حاذوها وإن كان طريقهم لا يحاذي ميقاتا قبل جدة فإنهم يحرمون منها إذا كانوا ممن أراد الحج أو العمرة.
__________
(1) من أسئلة موجهة لسماحته في دروس بلوغ المرام.(17/35)
15- حكم من يقول للقادمين للحج
أو العمرة اجلسوا في جدة ثلاثة أيام ثم أحرموا
س: بعض القادمين من خارج المملكة إذا وصلوا جدة يقولون اجلسوا ثلاثة أيام في جدة ثم أحرموا من الميقات، فما حكم ذلك؟ (1)
__________
(1) من أسئلة موجهة لسماحته في دروس بلوغ المرام.(17/35)
ج: يلزمهم أن يعودوا إلى ميقاتهم إذا كانوا قادمين للحج أو العمرة ولا يجوز لهم تجاوز الميقات بدون إحرام؛ لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لما وقت المواقيت لأهل المدينة والشام ونجد واليمن وغيرهم قال: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (1) » فلا بد أن يحرموا من الميقات الذي يمرون عليه إذا كانوا قاصدين الحج أو العمرة فيحرموا منه فإذا تجاوزوه فإن عليهم الرجوع إليه فإن تجاوزوه ولم يرجعوا وأحرموا بعده لزمهم دم وهكذا إن عجزوا عن الرجوع إليه أحرموا من مكانهم وعليهم دم يجزئ في الأضحية يذبح في مكة للفقراء ويقسم بينهم.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(17/36)
16 -
تعقيب على فضيلة الشيخ عبد الله كنون
حول تأخير الإحرام لأهل المغرب إلى جدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم إلى يوم الدين، أما بعد: (1)
فقد اطلعت على فتوى لصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله كنون قد نشرت في صحيفة الميثاق المغربية حول الإحرام من الطائرة لأهل المغرب وتأخيره إلى جدة، فاستغربتها كثيرا، ومع تقديري لعلمه وفضله، فقد رأيت التنبيه على عدم صحة هذه الفتوى، وأن تأخير الإحرام إلى جدة للحاج المغربي أو المعتمر أمر مخالف للأحاديث الصحيحة الدالة على وجوب الإحرام من المواقيت التي وقتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنها الجحفة لأهل مصر والشام والمغرب وسائر دول شمال أفريقيا.
بل الواجب على الحاج المغربي أن يحرم إذا حاذى الميقات جوا وبرا وبحرا كما هو نص الحديث الشريف. وكما
__________
(1) نشرت في مجلة (البحوث الإسلامية) العدد (24) عام 1409 هـ.(17/37)
نص عليه أهل العلم.
والتوقيت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس توقيتا لزمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل هو توقيت للمسلمين إلى يوم القيامة.
والله سبحانه وتعالى يعلم أنه سيكون في آخر الزمان طائرات وغيرها، فدل على دخول ركابها في ذلك. وإذا خاف راكبها من تجاوز الميقات قدم الإحرام قبل وصوله الميقات احتياطا.
وما ذكره الأستاذ عبد الله من عدم تمكن المسافر من الاستعداد في الطائرة بالغسل والصلاة فإن بإمكان الحاج أن يستعد في بيته أو بلده قبل ركوبه الطائرة، مع العلم بأن الغسل ليس بواجب وإنما هو مستحب، وهكذا الوضوء ليس بواجب. فلو أحرم من دون وضوء ولا غسل فإحرامه صحيح.
وهكذا الصلاة قبل الإحرام ليست واجبة وإنما هي مستحبة عند الجمهور. وقال بعض أهل العلم لا تستحب لعدم الدليل الصحيح الصريح في ذلك.
فلو أحرم الحاج أو المعتمر من دون وضوء ولا غسل فإحرامه صحيح ولا يجوز تأخير الواجب عن وقته أو مكانه من(17/38)
أجل تحصيل المستحب؛ بل يجب البدار بالواجب وإن فات المستحب. وهذا أمر واضح لا غبار عليه.
فنصيحتي للأستاذ أخينا الشيخ عبد الله كنون الرجوع عن هذه الفتوى؛ لأن الرجوع للصواب هو الواجب على المؤمن، وهو شرف له، وهو خير من التمادي في فتوى تخالف الدليل. وأسال الله أن يوفقنا وإياه وسائر إخواننا لإصابة الحق في القول والعمل إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(17/39)
17 - حكم من نسي وتجاوز الميقات
س: من نسي الميقات هل يلزمه الرجوع أم لا وهل عليه شيء؟ (1)
ج: يرجع ويحرم من الميقات إذا لم يكن قد أحرم بعد، أما إذا كان قد أحرم بعد الميقات فعليه دم ولا يرجع.
__________
(1) من أسئلة موجهة لسماحته في دروس بلوغ المرام.(17/40)
18 - حكم التلبية قبل الوصول للميقات احتياطا
س: إذا كان المسافر بالطائرة وقالوا بعد نصف ساعة سنمر فوق الميقات لكنه لبى احتياطا؟ (1)
ج: لا بأس إذا احتاط قبل أن يصل الميقات فالاحتياط مطلوب.
__________
(1) من أسئلة موجهة لسماحته في دروس بلوغ المرام.(17/40)
19 - من لم يمر بميقات ولم يتمكن من تحري
المحاذاة يحرم إذا كان بينه وبين مكة مرحلتان
س: ما حكم من أحرم من الحجاج القادمين من خارج المملكة من جدة؟ (1)
__________
(1) سؤال مقدم لسماحته عندما كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(17/40)
ج: الواجب الإحرام من الميقات سواء كان ذلك الميقات ميقات بلده أو ميقاتا آخر مر عليه في طريقه كالشامي يقدم من طريق المدينة فإنه يحرم من ميقات المدينة، وإذا قدر أنه اجتازه فإن أمكنه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه فهذا هو الواجب، فإن لم يمكنه أحرم من مكانه وعليه دم لفقراء الحرم يذبح في مكة. والذي لم يكن الميقات في طريقه فإنه يتحرى محاذاة أول ميقات يمر به ثم يحرم. والذي لا يتسنى له لا هذا ولا ذلك فإنه يحرم إذا كان بينه وبين مكة مرحلتان وهما يوم وليلة ومقدار ذلك ثمانون كيلا تقريبا، والله ولي التوفيق.(17/41)
س: إذا نوى شخص أن يعتمر وهو من أهل نجد فجاوزت الطائرة الميقات فوصل المطار هل يجوز له أن يذهب إلى رابغ؟ (1) .
ج: الواجب أن يرجع للميقات الذي مر عليه فيحرم منه إذا كان حين مر على الميقات ناويا الحج أو العمرة، أما من أتى جدة لحاجة ولم ينو حجا ولا عمرة حين مر على الميقات وإنما بدا له بعد ذلك أن يحج أو يعتمر بعدما وصل جدة فإنه يحرم من جدة لكونه إنما نوى الحج أو العمرة بعد وصوله إليها، كما دل على ذلك الحديث الصحيح وهو قوله - صلى الله
__________
(1) من أسئلة موجهة لسماحته في دروس بلوغ المرام.(17/41)
عليه وسلم -: «ومن كان دون ذلك - أي من المواقيت - فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة (1) » .
لكن من أراد العمرة من مكة يخرج إلى الحل فيحرم منه كالتنعيم والجعرانة وغيرهما؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة رضي الله عنها لما أرادت العمرة وهي في مكة أن تخرج إلى التنعيم فتحرم منه، فدل ذلك على تخصيص حديث ابن عباس المذكور بحديث عائشة المذكور في حق المعتمر. والله الموفق.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل مكة للحج والعمرة برقم (1524) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(17/42)
20 - حكم من ذهب إلى جدة وهو قاصد العمرة
س: الأخ أ. ع. م. من الرياض يقول في سؤاله: سافرت إلى جدة وكانت نيتي أن أمكث فيها خمسة أيام ثم أذهب بعدها إلى مكة المكرمة لأداء العمرة فماذا يلزمني يا سماحة الشيخ في مثل هذه الحالة؟ (1) .
ج: يلزمك الرجوع إلى الميقات في وادي قرن المعروف " بالسيل " للإحرام منه بعمرة إذا كنت قاصدا للعمرة حين
__________
(1) نشر في (المجلة العربية) في جمادى الأولى سنة 1412 هـ.(17/42)
توجهك إلى جدة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة (1) » متفق على صحته من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1524) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/332) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .(17/43)
س: ما حكم من نوى بالحج قادما من أحد البلدان وهبطت الطائرة في مطار جدة ولم يحرم فأحرم من جدة فماذا عليه؟ (1) .
ج: إذا هبطت الطائرة في جدة وهو من أهل الشام أو مصر فإنه يحرم من رابغ يذهب إلى رابغ في السيارة أو غيرها ويحرم من رابغ ولا يحرم من جدة، وهكذا لو كان جاء من نجد ولم يحرم حتى نزل إلى جدة فإنه يذهب إلى السيل وهو وادي قرن فيحرم منه، فإذا أحرم من جدة ولم يذهب فعليه دم شاة واحدة تجزئ في الأضحية يذبحها في مكة للفقراء أو سبع بدنة أو سبع بقرة كما تقدم جبرا لحجته أو عمرته.
__________
(1) نشر في جريدة (الجزيرة) في 5 \ 12 \ 1415 هـ، وفي جريدة (عكاظ) في 23 \ 11 \ 1416 هـ.(17/43)
س: الأخ \ س. و. من نجران، يقول: نويت زيارة أختي في جدة وكذلك أداء العمرة وسافرت على الطائرة من نجران إلى جدة ومكثت في جدة ذلك اليوم وفي اليوم(17/43)
التالي ذهبت إلى مكة للعمرة، فهل عمرتي صحيحة أم لا؟ (1) .
ج: إذا كنت أحرمت من الميقات وهو يلملم - ميقات أهل اليمن - فليس عليك شيء، وإن كنت أحرمت من جدة فعليك دم يذبح في مكة للفقراء؛ لكونك جاوزت الميقات ولم تحرم وقد نويت العمرة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة (2) » الحديث متفق عليه. ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: «من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما (3) » . وعدم الإحرام من الميقات الذي مررت عليه يعتبر تركا للنسك. وفق الله الجميع.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) صحيح البخاري الحج (1524) ، صحيح مسلم الحج (1181) ، سنن النسائي مناسك الحج (2654) ، مسند أحمد بن حنبل (1/332) ، سنن الدارمي المناسك (1792) .
(3) رواه مالك في الموطأ في (الحج) باب التقصير برقم (950) ، وفي باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئا برقم (957) .(17/44)
21- الإحرام في الطائرة
س: متى يحرم الحاج والمعتمر القادم عن طريق الجو؟ (1) .
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1562) في 28 \ 5 \ 1417 هـ، وفي جريدة (عكاظ) في 2 \ 12 \ 1417 هـ.(17/44)
ج: القادم عن طريق الجو أو البحر إذا حاذى الميقات مثل صاحب البر إذا حاذى الميقات أحرم في الجو أو في البحر أو قبله بيسير حتى يحتاط لسرعة الطائرة وسرعة السفينة أو الباخرة.(17/45)
22 - تقرير سماحته لما قرره مجلس المجمع
الفقهي الإسلامي في حق
من أحرم قبل الميقات
ومن حاذى الميقات وليس معه ملابس الإحرام.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة بين 7 \ 4 إلى 15 \ 4 \ 1401 هـ في دورته الرابعة قد نظر فيما يعرض لكثير من الوافدين إلى مكة المكرمة للحج أو للعمرة من طريق الجو أو البحر من جهلهم بمحاذاة المواقيت التي وقتها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوجب الإحرام منها على أهلها وعلى من مر عليها من غيرهم ممن يريد الحج والعمرة وهي:
ذو الحليفة لأهل المدينة ومن مر عليها من غيرهم وتسمى حاليا (أبيار علي) .
والجحفة وهي لأهل الشام ومصر والمغرب ومن مر(17/46)
عليها من غيرهم وتسمى حاليا (رابغ) (1) .
وقرن المنازل وهي لأهل نجد ومن مر عليها من غيرهم وتسمى حاليا (وادي محرم) (2) . وتسمى أيضا (السيل) .
ذات عرق لأهل العراق وخراسان ومن مر عليها من غيرهم وتسمى حاليا (الضريبة) .
ويلملم وهي لأهل اليمن ومن مر عليها من غيرهم.
وقرر أن الواجب عليهم أن يحرموا إذا حاذوا أقرب ميقات لهم من هذه المواقيت الخمسة جوا أو بحرا فإن اشتبه عليهم ذلك ولم يجدوا معهم من يرشدهم إلى المحاذاة وجب عليهم أن يحتاطوا وأن يحرموا قبل ذلك بوقت يعتقدون أو يغلب على ظنهم أنهم أحرموا قبل المحاذاة؛ لأن الإحرام قبل الميقات جائز مع الكراهة ومنعقد، ومع التحري والاحتياط خوفا من تجاوز الميقات بغير إحرام تزول الكراهة؛ لأنه لا كراهة في أداء الواجب وقد نص أهل العلم في جميع المذاهب الأربعة على ما ذكرنا، واحتجوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في توقيت المواقيت للحجاج والعمار وأجمعوا أيضا بما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن
__________
(1) رابغ قريبة منها وليست هي هي.
(2) وادي محرم ما يلي الطائف من وادي السيل.(17/48)
الخطاب رضي الله عنه لما قال له أهل العراق: إن قرنا جور عن طريقنا قال لهم رضي الله عنه: "انظروا حذوها من طريقكم" (1) . قالوا: إن الله سبحانه أوجب على عباده أن يتقوه ما استطاعوا وهذا هو المستطاع في حق من لم يمر على نفس الميقات.
إذا علم هذا فليس للحجاج والعمار الوافدين من طريق الجو والبحر ولا غيرهم أن يؤخروا الإحرام إلى وصولهم إلى جدة؛ لأن جدة ليست من المواقيت التي وقتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهكذا من لم يحمل معه ملابس الإحرام فإنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى جدة بل الواجب عليه أن يحرم في السراويل إذا كان ليس معه إزار لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل (2) » . وعليه كشف رأسه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عما يلبس المحرم، قال: «لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا لمن لم يجد النعلين (3) » . الحديث متفق عليه.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ذات عرق لأهل العراق برقم (1531) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب ما ينهى من الطيب للمحرم برقم (1838) .
(3) رواه البخاري في (الحج) باب ما لا يلبس المحرم من الثياب برقم (1542) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج وعمرة وما لا يباح برقم (1177) .(17/48)
فلا يجوز أن يكون على رأس المحرم عمامة ولا قلنسوة ولا غيرهما مما يلبس على الرأس، وإذا كان لديه عمامة ساترة يمكنه أن يجعلها إزارا اتزر بها ولم يجز له لبس السراويل، فإذا وصل إلى جدة وجب عليه أن يخلع السراويل ويستبدلها بإزار إذا قدر على ذلك، فإن لم يكن عليه سراويل وليس لديه عمامة تصلح أن تكون إزارا حين محاذاته للميقات في الطائرة أو الباخرة أو السفينة جاز له أن يحرم في قميصه الذي عليه مع كشف رأسه، فإذا وصل إلى جدة اشترى إزارا وخلع القميص، وعليه عن لبسه القميص كفارة وهي: إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز أو غيرهما من قوت البلد لمساكين الحرم، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، هو مخير بين هذه الثلاثة كما خير النبي - صلى الله عليه وسلم - كعب بن عجرة لما أذن له في حلق رأسه وهو محرم للمرض الذي أصابه، والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(17/49)
23 - ليس عليك حرج
في إقامتك بجدة وأنت محرم
س: ذهبت للعمرة في رمضان ومعي والدتي وأحرمت فوق أبيار علي بالطائرة ونزلنا بجدة وجلسنا فيها وعندما أفطرنا ذهبنا من المساء إلى مكة لقضاء العمرة ولم نخلع الإحرام حتى أنهيناها، فهل علينا شيء وقد جلسنا وقتا بجدة ونحن محرمون أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكرته فليس عليك ولا على أمك شيء بإقامتكما بجدة وأنتما محرمان؛ لأنه لا يجب على المحرم مواصلة السير في الطريق حتى يؤدي العمرة بل له أن يستريح في الطريق ويقيم فيما شاء من المنازل للحاجة التي تدعو إلى ذلك وهو على إحرامه، وفق الله الجميع.
__________
(1) نشر في جريدة (البلاد) في 5 \ 12 \ 1416 هـ.(17/50)
24 -
حكم إنشاء نية الإحرام من المنازل القريبة من الميقات
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم \ ع. ر. ن. سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى كتابكم رقم (885) وتاريخ 16 \ 10 \ 1411 هـ الذي جاء فيه ما نصه: "نتقدم لسماحتكم بالسؤال الآتي: نسكن بمنطقة القنفذة التي تبعد عن مكة المكرمة بثلاثمائة وخمسين كيلو تقريبا ومعلوم أن ميقات أهل اليمن يلملم أي السعدية وحيث إن الخط أصبح اليوم معبدا وميسرا والحمد لله على نعمه وأننا نشاهد بعض الناس يغتسل ويلبس الإحرام من منطقة القنفذة التي تبعد عن وادي يلملم أي السعدية حوالي مائتين وستين كيلو متر تقريبا.
فهل يجوز لهم الاغتسال ولباس الإحرام من منازلهم بمنطقة القنفذة، وإذا يجوز لهم ذلك فهل يجوز لهم عقد نية الإحرام من منازلهم أو لا؟ أفيدونا أثابكم الله وكتب لكم الأجر وأمدكم بعونه وتوفيقه لخدمة الإسلام والمسلمين".(17/51)
وأفيدكم بأنه لا حرج في الاغتسال ولبس ملابس الإحرام والتطيب من منازلهم لقربهم من الميقات بواسطة السيارات لكن المشروع لهم ألا يحرموا إلا من الميقات والإحرام هو نية الدخول في النسك هذا هو الإحرام ثم يشرع لهم مع النية التلفظ بالنسك فيقول لبيك عمرة أو لبيك حجا أو اللهم إني أوجبت عمرة أو اللهم إني أوجبت حجا ثم يلبي التلبية الشرعية وهي: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العلم لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(17/52)
25 - حكم من قدم لعمل وأقام دون الميقات وهو ينوي الحج إذا تيسر له ذلك
س: رجل مقيم بالرياض لديه عمل بجدة، في موسم الحج، ولا يعرف هل يتيسر له الحج أم لا، فإذا تيسر له ذلك فمن أين يحرم؟ وإذا كان يعلم أنه سيتيسر له أداء فريضة الحج قبل انطلاقه من الرياض، فهل ينوي الحج في الرياض ويحرم من ميقات أهل نجد؟ أم يكون إحرامه من جدة؟ (1) .
ج: من أتى مكة وهو ينوي الحج إن تيسر له ثم تيسر له ذلك فعزم على الحج فإنه يحرم من مكانه سواء كان داخل المواقيت أو في مكة. أما إن كان يعلم أنه يسمح له بذلك فإنه يلزمه الإحرام بالحج من الميقات الذي يمر عليه، إذا مر عليه وهو عازم على الحج لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة (2) » . متفق على صحته.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1686) في 22 \ 12 \ 1419 هـ.
(2) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(17/53)
26 - حكم من نوى الحج وهو يدرس في بلد خارج الميقات وأهله في جدة
س: أنا طالب أدرس في المنطقة الشرقية وأهلي في جدة وأريد الحج فمن أين أحرم هل من قرن المنازل أو من سكني في جدة؟ (1) .
ج: أنت مخير ما دمت من سكان جدة دون الميقات، وإذا أحرمت من قرن المنازل فهو أفضل وأولى لكونك وافدا وأخذت بالأكمل والأحوط وإن أنت قصدت أهلك ثم أحرمت منهم فلا بأس.
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته في حج عام 1407 هـ.(17/54)
باب الإحرام(17/55)
صفحة فارغة(17/56)
27 - لا بأس من غسل ملابس الإحرام
س: هل يجوز تغيير لباس الإحرام لغسله؟ .
ج: لا بأس أن يغسل المحرم ملابس الإحرام ولا بأس أن يغيرها ويستعمل غيرها بملابس جديدة أو مغسولة.(17/57)
28 - الحكم إذا وقع على الإحرام دم
س: إذا وقع على ثوب الإحرام دم قليل أو كثير فهل يصلى فيه وعليه الدم، وما حد ما يبطل الحج أو الصلاة من الدم إذا وقع على ثوب الإحرام؟ .
ج: إذا وقع على ثوب المحرم شيء من الدم قليل أو كثير فإنه يغسله إلا أنه يعفى عن اليسير عرفا ويصلى فيه، أما(17/57)
إن كان كثيرا فيجب غسله ولا يصلى فيه وفيه النجاسة بل يجب عليه أن يغسل إحرامه من النجاسة أو يغيره بإحرام آخر طاهر؛ لأن المحرم له أن يغير ألبسته ولو بدون عذر، إذا أحب أن يغير لباس الإحرام بلباس آخر فلا بأس عليه ولو غيره عدة مرات، وهكذا المرأة لها أن تغير ملابسها إذا أحرمت بملابس أخرى، ولو بدون عذر، وهكذا الرجل إذا أحرم مثلا في إزار ورداء ثم أحب أن يغيرهما بإزار ورداء آخرين فلا حرج عليه في ذلك، ولا يصلي في ثوب أصابته النجاسة، فلو صلى وعليه النجاسة عامدا لم تصح الصلاة، أما إن كان ناسيا أو جاهلا فالصلاة صحيحة. أما الحج فصحيح مطلقا ولا يؤثر في صحته وجود بعض النجاسة في ملابس الإحرام.(17/58)
29 - حكم من يحس بخروج شيء أثناء الإحرام
س: ما حكم من يحس بخروج مذي أو قطرات من البول أثناء الإحرام وكذلك عند خروجه إلى الصلاة؟ (1) .
ج: الواجب على المؤمن إذا علم هذا أن يتوضأ إن كان الوقت وقت صلاة ويستنجي من بوله ويستنجي من المذي، والواجب في المذي أن يغسل الذكر والأنثيين، أما البول
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (11545) في 4 \ 12 \ 1418 هـ.(17/58)
فيغسل طرف الذكر الذي أصابه البول ثم يتوضأ وضوءه للصلاة إن كان وقت الصلاة، أما إن كان الوقت ليس وقت صلاة فلا مانع من تأجيل ذلك إلى وقت الصلاة. لكن ينبغي أن لا يكون ذلك عن وسواس بل عن يقين، أما إذا كان عن وسواس فينبغي له أن يطرح هذا ويعرض عنه حتى لا يبتلى بالوساوس؛ لأن الناس قد يبتلون بشيء من الوسوسة يظن أنه خرج منه شيء وهو ما خرج منه شيء فلا ينبغي أن يعود نفسه للخضوع للوساوس بل ينبغي له أن يطرحها وأن يعرض عنها ويتلهى عنها حتى لا يصاب بها، وإذا كان يخشى ذلك فليرش ما حول فرجه بالماء إذا فرغ من وضوئه حتى يحمل ما قد يقع له من الوساوس على أن هذا من الماء حتى يسلم من شر هذه الوسوسة.(17/59)
30- يجوز للمرأة الإحرام في أي ثياب بشرط عدم الفتنة
س: هل يجوز للمرأة أن تحرم في أي الثياب شاءت؟ (1) .
ج: نعم تحرم فيما شاءت، ليس لها ملابس مخصوصة في الإحرام كما يظن بعض العامة، وأن يكون إحرامها في
__________
(1) نشر في جريدة (الجزيرة) في 27 \ 11 \ 1416 هـ.(17/59)
ملابس غير لافتة للنظر وليس فيها فتنة وغير جميلة بل عادية؛ لأنها تختلط بالناس، ولو أحرمت في ملابس جميلة صح إحرامها لكنها تركت الأفضل.
والأفضل للرجل أن يحرم في ثوبين أبيضين إزار ورداء وإن أحرم في غير أبيضين فلا بأس، فقد ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف ببرد أخضر، كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لبس العمامة السوداء - عليه الصلاة والسلام - حين دخوله مكة عام الفتح.
فالحاصل أنه لا بأس أن يحرم في ثوب غير أبيض لكن الأبيض هو الأفضل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم (1) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) بداية مسند عبد الله بن العباس برقم (2220) ، والترمذي في (الجنائز) باب ما يستحب من الأكفان برقم (994) .(17/60)
31- حكم استعمال الحبوب التي تمنع الدورة
س: هل من المباح للمرأة أن تأخذ حبوبا تؤجل بها الدورة الشهرية حتى تؤدي فريضة الحج؟ وهل لها(17/60)
مخرج آخر؟ (1) .
ج: لا حرج أن تأخذ المرأة حبوب منع الحمل تمنع الدورة الشهرية أيام رمضان حتى تصوم مع الناس، وفي أيام الحج حتى تطوف مع الناس ولا تتعطل عن أعمال الحج، وإن وجد غير الحبوب شيء يمنع من الدورة فلا بأس إذا لم يكن فيه محذور شرعا أو مضرة.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية) العدد (3) سنة 1404 هـ.(17/61)
32- حكم من أحرمت بالعمرة وهي حائض أو نفساء
س: امرأة تسأل وتقول: كان عليها العذر أي حائض، وأراد أهلها الذهاب للعمرة حيث لا يبقى عندها أحد فيما لو تأخرت عنهم، وذهبت معهم للعمرة وأكملت كل شروط العمرة من طواف وسعي كأن لم يكن عليها عذر وذلك جهلا وخجلا من أن تعلم وليها بذلك لا سيما أنها أمية لا تعرف القراءة والكتابة، ماذا يجب عليها؟ (1) .
ج: إذا كانت أحرمت معهم بالعمرة فعليها أن تعيد
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند ج 2 صـ 301.(17/61)
الطواف بعد الغسل وتعيد التقصير من الرأس، أما السعي فيجزئها في أصح قولي العلماء، وإن أعادت السعي بعد الطواف فهو أحسن وأحوط، وعليها التوبة إلى الله سبحانه من طوافها وصلاتها ركعتي الطواف وهي حائض.
وإن كان لها زوج لم يحل له وطؤها حتى تكمل عمرتها، فإن كان قد وطئها قبل أن تكمل عمرتها فسدت العمرة وعليها دم وهو رأس من الغنم، جذع ضأن أو ثني معز يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تكمل عمرتها كما ذكرنا آنفا، وعليها أن تأتي بعمرة أخرى من الميقات الذي أحرمت منه بالعمرة الأولى بدلا من عمرتها الفاسدة، أما إن كانت طافت معهم وسعت مجاملة وحياء وهي لم تحرم بالعمرة من الميقات فليس عليها سوى التوبة إلى الله سبحانه؛ لأن العمرة والحج لا يصحان بدون إحرام والإحرام هو نية العمرة أو الحج أو نيتهما جميعا. نسأل الله للجميع الهداية والعافية من نزغات الشيطان.(17/62)
س: امرأة أحرمت للعمرة ثم جاءها الحيض فخلعت إحرامها وألغت العمرة وسافرت فما الحكم؟ (1) .
ج: هذه المرأة لم تزل في حكم الإحرام وخلعها
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1682) في 16 ذو القعدة 1419 هـ.(17/62)
ملابسها التي أحرمت فيها لا يخرجها عن حكم الإحرام، وعليها أن تعود إلى مكة فتكمل عمرتها وليس عليها كفارة عن خلعها ملابسها أو أخذ شيء من أظفارها أو شعرها وعودها إلى بلادها إذا كانت جاهلة، لكن إن كان لها زوج فوطئها قبل عودها إلى أداء مناسك العمرة فإنها بذلك تفسد عمرتها، ولكن يجب عليها أن تؤدي مناسك العمرة وإن كانت فاسدة، ثم تقضيها بعد ذلك بعمرة أخرى من الميقات الذي أحرمت منه بالأولى، وعليها مع ذلك فدية وهي سبع بدنة أو سبع بقرة أو رأس من الغنم جذع ضأن أو ثني معز يذبح في الحرم المكي ويوزع بين الفقراء في الحرم عن فساد عمرتها بالوطء.
وللمرأة أن تحرم فيما شاءت من الملابس وليس لها ملابس خاصة بالإحرام كما يظن بعض العامة، لكن الأفضل لها أن تكون ملابس الإحرام غير جميلة حتى لا تحصل بها الفتنة، والله أعلم.(17/63)
س: حاجة مغربية دخلت مكة محرمة ثم جاءها الحيض بعد الطواف فماذا يجب أن تفعله؟ (1) .
ج: هذه المرأة عليها أن تسعى وتقصر من رأسها وتحل
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1683) في 23 \ 11 \ 1419 هـ.(17/63)
بنية العمرة، فإذا كان يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة أحرمت بالحج عند خروجها إلى منى، أما إن كانت أحرمت بالحج حين قدومها وترغب أن تبقى على إحرامها بالحج فإنها بالخيار: إن شاءت سعت وهي في حال الحيض لأن السعي لا يشترط له الطهارة، وإن شاءت أخرت السعي إلى أن تنزل من عرفة، ثم تسعى مع طواف الحج؛ لأنها بذلك تكون قد أفردت بالحج، وذلك جائز ولكن جعل إحرامها عمرة أفضل كما أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه رضي الله عنهم لما دخلوا مكة في حجة الوداع، وقد أحرم بعضهم بالحج وبعضهم بالعمرة وبعضهم قد أحرم بهما جميعا، فأمرهم - عليه الصلاة والسلام - أن يحلوا جميعا ويجعلوا إحرامهم عمرة إلا من كان معه الهدي، وهذا معروف في الأحاديث الكثيرة الصحيحة، والمشروع للمؤمن أن يتحرى في أقواله وأعماله في الحج وغيره ما يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله ولي التوفيق.(17/64)
س: إذا خشيت المرأة أن تحيض إذا أتت الحرم هل تشترط في العمرة؟ (1) .
ج: لها ذلك؛ لأن الحيض قد يحبسها عن إتمام عمرتها
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/64)
ولا تستطيع معه التخلف عن رفقتها، أما الحج فوقته واسع فالحيض لا يكون فيه إحصار.(17/66)
33- المرأة النفساء تصوم وتصلي وتحج إذا طهرت قبل الأربعين
س: هل يجوز للمرأة النفساء أن تصوم وتصلي وتحج قبل أربعين يوما إذا طهرت؟ .
ج: نعم يجوز لها أن تصوم وتصلي وتحج وتعتمر ويحل لزوجها وطؤها في الأربعين إذا طهرت، فلو طهرت لعشرين يوما اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها، وما يروى عن عثمان بن أبي العاص أنه كره ذلك فهو محمول على كراهة التنزيه وهو اجتهاد منه رحمه الله ورضي عنه ولا دليل عليه. والصواب أنه لا حرج في ذلك إذا طهرت قبل الأربعين يوما فإن طهرها صحيح، فإن عاد عليها الدم في الأربعين فالصحيح أنها تعتبره نفاسا ولكن صومها الماضي في حال الطهارة وصلاتها وحجها كله صحيح لا يعاد شيء من ذلك ما دام وقع في الطهارة.(17/66)
34 - الحائض والنفساء تقرأ الأدعية المكتوبة في مناسك الحج
س: هل يجوز للحائض قراءة كتب الأدعية يوم عرفة على الرغم من أن بها آيات قرآنية؟ .
ج: لا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء الأدعية المكتوبة في مناسك الحج، ولا بأس أن تقرأ القرآن على الصحيح أيضا؛ لأنه لم يرد نص صحيح صريح يمنع الحائض والنفساء من قراءة القرآن، إنما ورد في الجنب خاصة بأن لا يقرأ القرآن وهو جنب؛ لحديث علي رضي الله عنه وأرضاه، أما الحائض والنفساء فورد فيهما حديث ابن عمر: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (1) » . ولكنه ضعيف، لأن الحديث من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهو ضعيف في روايته عنهم، ولكنها تقرأ بدون مس المصحف عن ظهر قلب، أما الجنب فلا يجوز له أن يقرأ القرآن لا عن ظهر قلب ولا من
__________
(1) رواه الترمذي في (الطهارة) باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرأان القرآن برقم (131) .(17/66)
المصحف حتى يغتسل. والفرق بينهما أن الجنب وقته يسير وفي إمكانه أن يغتسل في الحال من حين يفرغ من إتيانه أهله فمدته لا تطول والأمر في يده متى شاء اغتسل وإن عجز عن الماء تيمم وصلى وقرأ، أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيدهما وإنما هو بيد الله عز وجل. فمتى طهرتا من حيضهما أو نفاسهما اغتسلتا، والحيض يحتاج إلى أيام والنفاس كذلك، ولهذا أبيح لهما قراءة القرآن، لئلا تنسيانه ولئلا يفوتهما فضل القراءة وتعلم الأحكام الشرعية من كتاب الله، فمن باب أولى أن تقرأ الكتب التي فيها الأدعية المخلوطة من الأحاديث والآيات إلى غير ذلك، هذا هو الصواب، وهو أصح قولي العلماء رحمهم الله في ذلك.(17/67)
35 - أداء صلاة الإحرام ليس شرطا لانعقاده
س: هل ينعقد إحرام المسلم للحج أو العمرة بدون أن يؤدي ركعتي الإحرام، وهل الجهر بالنية في الإحرام شرط لانعقاده أيضا؟ (1)
ج: أداء الصلاة قبل الإحرام ليس شرطا في الإحرام وإنما ذلك مستحب عند الأكثر، والمشروع له أن ينوي بقلبه ما
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند ج 2 صـ 218.(17/67)
أراد من حج أو عمرة ويتلفظ بذلك بقوله: "اللهم لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك حجة" أو بهما جميعا إن أراد القران كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه رضي الله عنهم، وليس التلفظ شرطا بل تكفي النية ثم يلبي التلبية الشرعية وهي: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". وهذه هي تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتة عنه في الصحيحين وغيرهما.(17/68)
36- اختلاف العلماء في استحباب ركعتي الإحرام
س: هل يشترط للإحرام ركعتان أم لا؟ .
ج: لا يشترط ذلك وإنما اختلف العلماء في استحبابها، فذهب الجمهور إلى استحباب ركعتين يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يلبي، واحتجوا على هذا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحرم بعد الصلاة أي أنه صلى الظهر ثم أحرم في حجة الوداع، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أتاني الليلة آت من ربي وقال:(17/68)
صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة (1) » . وهذا يدل على شرعية صلاة الركعتين، وهذا قول جمهور أهل العلم. وقال آخرون: ليس في هذا نص فإن قول: «أتاني الليلة آت من ربي وقال: صل في هذا الوادي المبارك (2) » يحتمل: أن المراد صلاة الفريضة في الصلوات الخمس، وليس بنص في ركعتي الإحرام، وكونه أحرم بعد الفريضة لا يدل على شرعية ركعتين خاصة بالإحرام وإنما يدل على أنه إذا أحرم بالعمرة أو بالحج بعد صلاة، يكون أفضل إذا تيسر ذلك.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - العقيق واد مبارك برقم (1534) .
(2) صحيح البخاري الحج (1534) ، سنن أبو داود المناسك (1800) ، سنن ابن ماجه المناسك (2976) ، مسند أحمد بن حنبل (1/24) .(17/69)
37- الحائض لا تصلي ركعتي الإحرام ولا تمس المصحف
س: كيف تصلي الحائض ركعتي الإحرام؟ وهل يجوز للمرأة ترديد آي الذكر الحكيم في سرها؟ .
ج: أ- الحائض لا تصلي ركعتي الإحرام بل تحرم من غير صلاة، وركعتا الإحرام سنة عند الجمهور، وبعض أهل(17/69)
العلم لا يستحبها؛ لأنه لم يرد فيها شيء مخصوص. والجمهور استحبوها؛ لما ورد في بعض الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة (1) » . أي في وادي العقيق في حجة الوداع وجاء عن بعض الصحابة أنه صلى ثم أحرم، فاستحب الجمهور أن يكون الإحرام بعد صلاة إما فريضة وإما نافلة يتوضأ ويصلي ركعتين والحائض والنفساء ليستا من أهل الصلاة فتحرمان من دون صلاة ولا يشرع لهما قضاء هاتين الركعتين.
ب- يجوز للمرأة الحائض أن تردد القرآن لفظا على الصحيح من دون مس المصحف، أما في قلبها فهذا عند الجميع، إنما الخلاف هل تتلفظ به أم لا؟ بعض أهل العلم حرم ذلك وجعل من أحكام الحيض والنفاس تحريم قراءة القرآن ومس المصحف لا عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى تغتسل الحائض والنفساء. وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قراءتهما للقرآن عن ظهر قلب لا من المصحف؛ لأن مدتهما تطول، ولأنهما لم يرد فيهما نص يمنع ذلك، بخلاف الجنب فإنه ممنوع حتى يغتسل أو يتيمم عند عدم القدرة على الغسل، وهذا هو الأرجح من حيث الدليل.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - العقيق واد مبارك برقم (1534) .(17/70)
38 - النية محلها القلب
س: هل نية الإحرام في التلفظ باللسان، وما صفتها إذا كان الحاج يحج عن شخص آخر؟ .
ج: النية محلها القلب وصفتها أن ينوي بقلبه أنه يحج عن نفسه أو عن فلان أو عن أخيه أو عن فلان بن فلان هكذا تكون النية، ويستحب مع ذلك أن يتلفظ فيقول: اللهم لبيك حجا عن فلان أو لبيك عمرة عن فلان عن أبيه أو عن فلان بن فلان حتى يؤكد ما في القلب باللفظ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلفظ بالحج وتلفظ بالعمرة، فدل ذلك على شرعية التلفظ بما نواه تأسيا بالنبي - عليه الصلاة والسلام - وهكذا الصحابة تلفظوا بذلك كما علمهم نبيهم - عليه الصلاة والسلام - وكانوا يرفعون أصواتهم بذلك هذا هو السنة ولو لم يتلفظ واكتفى بالنية كفت النية وعمل في أعمال الحج مثل ما يفعل عن نفسه يلبي مطلقا ويكرر التلبية مطلقا من غير حاجة إلى ذكر فلان أو فلان كما يلبي عن نفسه كأنه حاج عن نفسه لكن إذا(17/71)
عينه في النسك فإنه يكون أفضل في التلبية ثم يستمر في التلبية كسائر الحجاج والعمار: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، لبيك إله الحق لبيك. المقصود أنه يلبي كما يلبي عن نفسه من غير ذكر أحد إلا في أول النسك يقول: لبيك حجا عن فلان أو عمرة عن فلان أو لبيك عمرة وحجا عن فلان هذا هو الأفضل عند أول ما يحرم مع النية.(17/72)
39 - حكم اشتراط نية الصبي
س: هل يشترط نية الصبي؟ (1)
ج: إذا كان دون السابعة ليس له نية، بل ينوي عنه وليه وهو الذي يتولى الحج به من أب أو أم أو غيرهما؛ لما ثبت في الحديث الصحيح «أن امرأة رفعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع صبيا فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر (2) » ، ولما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: «لبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم (3) » .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في دروس بلوغ المرام.
(2) رواه مسلم في (الحج) باب صحة حج الصبي برقم (1336) .
(3) رواه ابن ماجه في (المناسك) باب الرمي عن الصبيان برقم (3038) .(17/72)
أما إذا كان الصبي قد بلغ السابعة أو أكثر فإنه يعلمه وليه النية وغيرها.(17/73)
40 - الإشتراط إنما يقال عند عقد الإحرام
س: هل يستطيع المحرم الذي نسي أن يقول بعد التلبية: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) أن يقول ذلك بعد عقد الإحرام بوقت؟ (1) .
ج: ليس له ذلك وإنما يقال ذلك عند عقد الإحرام، والمراد بعقد الإحرام هو: أن ينوي الدخول فيه بقلبه.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.(17/73)
س: نسيت أن أقول لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج إلا إن حبسني حابس عندما أحرمت فما الحكم؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: نية الإحرام بالقلب كافية وعليه أن يكمل أعمال الحج، فإن أصابه مرض أو نحوه فعليه أن يكمل ولو محمولا أو ينتظر حتى يزول العذر، أما إذا قال عند الإحرام: فإن
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.(17/73)
حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ثم أصابه مرض أو منعه أمر يعوقه عن الإتمام من إكمال حجه فإن له أن يتحلل ويكون معذورا؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لضباعة بنت الزبير: «حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني (1) » . أما إذا لم يقل ذلك عند الإحرام فإن عليه أن يكمل ما أحرم به من عمرة أو حج إلا المحصر وأحكامه معلومة.
__________
(1) رواه البخاري في (النكاح) باب الأكفاء في الدين برقم (5089) ، ومسلم في (الحج) باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه برقم (1207) .(17/74)
41 - الجهر بالنية يستحب عند الإحرام
س: ما رأيكم فيمن يقول: إن الجهر بالنية أثناء الإحرام لا يشرع وإن هذا الجهر ليس عليه دليل؟ (1) .
ج: الجهر بالنية غير مشروع؛ لعدم الدليل عليه، ولكن يستحب عند الإحرام أن يلبي بنسكه قائلا: لبيك حجا أو لبيك عمرة أو لبيك عمرة وحجا إن أراد القران، والأفضل لمن قدم
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.(17/74)
في أشهر الحج أن يلبي بالعمرة وحدها، فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويحل ثم يلبي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة إذا لم يكن معه هدي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بذلك في حجة الوداع فقال: «خذوا عني مناسككم (1) » (2) .
__________
(1) سنن النسائي مناسك الحج (3062) .
(2) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/75)
42- التلبية سنة مؤكدة ولا شيء على من ينساها
س: حاج أحرم من الميقات لكنه في التلبية نسي أن يقول: لبيك عمرة متمتعا بها إلى الحج، فهل يكمل نسكه متمتعا؟ وماذا عليه إذا تحلل من عمرته ثم أحرم بالحج من مكة؟ .
ج: إذا كان نوى العمرة عند إحرامه ولكن نسي التلبية وهو ناو العمرة، حكمه حكم من لبى، يطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، وتشرع له التلبية في أثناء الطريق، فلو لم يلب فلا(17/75)
شيء عليه؛ لأن التلبية سنة مؤكدة، فيطوف ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة؛ لأنه ناو عمرة، أما إن كان في الإحرام ناويا حجا والوقت واسع فإن الأفضل أن يفسخ حجه إلى عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل والحمد لله ويكون حكمه حكم المتمتعين.(17/76)
س: هل لبيك اللهم لبيك سنة أم واجب؟ (1) .
ج: سنة مؤكدة، معناها: إجابة بعد الإجابة، لبيك أي: إجابة لأمرك.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (11551) في 10 ذي الحجة عام 1418 هـ.(17/76)
43 - حكم تأخير التلبية بعد الإحرام
س: أحرمت بالحج ولكن عند الإحرام لم أشرع بالتلبية علما بأني من أهل مكة فهل علي شيء؟ (1) .
ج: لا حرج عليك؛ لأن التلبية سنة فإذا أحرم الإنسان بالحج أو بالعمرة سواء من أهل مكة أو غير أهل مكة شرع له أن يلبي كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي، لكن لو ما
__________
(1) سؤال موجه إلى سماحته بعد الدرس الذي ألقاه في المسجد الحرام في 28 \ 18 \ 1418 هـ.(17/76)
لبى أو تأخرت التلبية لا يضره ذلك؛ لأن التلبية سنة قولية والواجب أن ينوي بقلبه نسكا من حج أو عمرة أو كليهما ثم يلبي بذلك لأن ذلك أفضل، يصرح بذلك بلسانه فيقول: "اللهم لبيك حجا" أو "اللهم لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك عمرة وحجا" عند دخوله في الإحرام عندما يركب السيارة أو المطية، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركب دابته أعلن إحرامه والعمدة على القلب إذا نوى بقلبه الدخول في العمرة أو الحج فهذا هو الإحرام والأفضل أن يلبي بذلك عند النية فيقول: "اللهم لبيك عمرة" إن كان متمتعا بالحج، أو يقول: "اللهم لبيك حجا" إن كان مفردا، أو يقول: "اللهم لبيك عمرة وحجا" عند إحرامه عند الدخول في ذلك بنيته في الميقات، وإن كان من أهل مكة عند الحج يلبي به في مكانه في بيته عند خروجه إلى منى يقول اللهم لبيك حجا إذا كان في مكة أو من المحلين بها.(17/77)
44- حكم من قال لبيك اللهم عمرة متمتعا بها إلى الحج وهو لا يريد إلا العمرة
س: وصلت إلى الميقات ومعي عائلتي وكنت كبيرهم وأعرفهم بمناسك الحج ونسيت وقلت في التلبية: لبيك(17/77)
اللهم عمرة متمتعا، ونحن نريد عمرة في رمضان فقط، ولم أتذكر إلا عند وصولنا البيت الحرام. أرجو إفادتنا هل يلزمنا البقاء في مكة إلى أن نحج أو يلزمنا دم ونرجع إلى أهلنا؟ (1) .
ج: ليس عليكم شيء في ذلك ولا يضركم ذلك، وليس عليكم إلا العمرة فقط التي أحرمتم بها، ولا يلزمكم البقاء إلى الحج ولا يلزمكم فدية بل ذلك كله لاغ لا يترتب عليه شيء.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد الثامن في 4 \ 12 \ 1408 هـ.(17/78)
45- نوى الحج لنفسه ثم بدا له أن يغير النية لقريب له فهل له ذلك
س: رجل نوى الحج لنفسه وقد حج من قبل ثم بدا له أن يغير النية لقريب له وهو في عرفة فما حكم ذلك وهل يجوز له ذلك أم لا؟ .
ج: الإنسان إذا أحرم بالحج عن نفسه فليس له بعد ذلك(17/78)
أن يغير لا في الطريق ولا في عرفة ولا في غير ذلك بل يلزمه أن يكمل لنفسه ولا يغير لا لأبيه ولا لأمه ولا لغيرهما بل يتعين الحج له؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) فإذا أحرم لنفسه وجب أن يتمه لنفسه، وإذا أحرم لغيره وجب أن يتمه لغيره ولا يغير بعد الإحرام إذا كان قد حج عن نفسه وهكذا العمرة.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/79)
46 - حكم من نسي اسم من حج عنها
س: رجل حج عن امرأة وعندما أراد الإحرام من الميقات نسي اسمها ماذا يصنع؟ (1) .
ج: إذا حج عن امرأة أو عن رجل ونسي اسمه فإنه يكفيه النية ولا حاجة لذكر الاسم، فإذا نوى عند الإحرام أن هذه الحجة عمن أعطاه الدراهم أو عمن له الدراهم كفى ذلك، فالنية تكفي؛ لأن «الأعمال بالنيات (2) » كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (3) عام 1404 هـ.
(2) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .(17/79)
س: ما حكم من حج عن والدته وعند الميقات لبى بالحج ولم يلب عن والدته (1) .
ج: ما دام قصده الحج عن والدته ولكنه نسي فإن الحج يكون لوالدته والنية أقوى؛ لقول الرسول - عليه الصلاة والسلام -: «إنما الأعمال بالنيات (2) » . فإذا كان القصد من مجيئه هو الحج عن أمه أو عن أبيه ثم نسي عند الإحرام فإن الحج يكون للذي نواه وقصده من أب أو أم أو غيرهما.
__________
(1) نشر في جريدة (البلاد) بتاريخ 1 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) رواه البخاري في (بدء الوحي) باب بدء الوحي برقم (1) ، ومسلم في الإمارة باب قوله: ''إنما الأعمال بالنية'' برقم (1907) .(17/80)
س: نويت الحج عن والدتي وأتيت من بلدي لكي أحج عنها ولكن عند الميقات لبيت بالحج ولم أذكر أن ذلك عن والدتي، فهل يكون ذلك الحج عن والدتي أم لي؟ رغم أني حججت عن نفسي من قبل (1) .
ج: أنت على نيتك إن شاء الله؛ لأن نسيانك عند إحرامك النية عنها لا يضر لأنك إنما توجهت إلى مكة لهذا الغرض، وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » متفق على صحته.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.
(2) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .(17/80)
47 - حكم من ضاعت نقوده وقد أحرم بالحج والعمرة ولم يستطع الهدي
س: ما حكم من أحرم بالحج والعمرة وبعد وصوله إلى مكة ضاعت نفقته ولم يستطع أن يفدي وغير نيته إلى مفرد هل يصح ذلك. وإذا كانت الحجة لغيره ومشترط عليه التمتع فماذا يفعل؟ (1) .
ج: ليس له ذلك ولو ضاعت نفقته، وإذا عجز يصوم عشرة أيام، والحمد لله، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ويبقى على تمتعه، وعليه أن ينفذ الشرط بأن يحرم بالعمرة ويطوف ويسعى ويقصر ويحل ثم يلبي بالحج ويفدي، فإن عجز صام عشرة أيام ثلاثة في الحج قبل عرفة وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لأن الأفضل أن يكون يوم عرفة مفطرا اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه وقف بها مفطرا.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند 2 \ 213.(17/81)
48- حكم الانتقال من الإفراد إلى القران
س: جاء في بعض كتب الحديث أن الحاج المفرد لا(17/81)
يجوز له أن ينتقل من الإفراد إلى القران فهل هذا صحيح؟ (1) .
ج: الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر الحجاج المفردين والقارنين أن ينتقلوا من حجهم وقرانهم إلى العمرة وليس لأحد كلام مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - أمر أصحابه في حجة الوداع وكانوا على ثلاثة أقسام: قسم منهم أحرموا بالقران أي لبوا بالحج والعمرة، وقسم لبوا بالحج مفردا، وقسم لبوا بالعمرة. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد لبى بالحج والعمرة جميعا أي قارنا؛ لأنه قد ساق الهدي، فأمرهم - عليه الصلاة والسلام - لما دنوا من مكة أن يجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي، فلما دخلوا مكة وطافوا وسعوا أكد عليهم أن يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي. فسمعوا وأطاعوا وقصروا وحلوا. هذا هو السنة لمن قدم مفردا أو قارنا وليس معه هدي حتى يستريح ولا يتكلف، فإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج. ولا يخفى ما في هذا من الخير العظيم؛ لأن الحاج إذا بقي من أول ذي الحجة أو من نصف ذي القعدة وهو محرم لا يأتي ما نهي المحرم عن فعله- فإنه
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند ج 2 صـ 213.(17/82)
يشق عليه ذلك، فينبغي قبول هذا التيسير من الله سبحانه وتعالى. والله ولي التوفيق.(17/83)
49- التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي
س: أيهما أفضل للحاج التمتع أو القران، فإذا كان التمتع، فكيف يرد على من قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج قارنا، وإن كان القران أفضل فكيف يرد على من قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نوى التمتع ولم ينو إلا الأفضل؟ (1) .
ج: الأفضل التمتع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه بالتمتع بعمرة وهي أن يطوفوا ويسعوا ويقصروا وهذا الأفضل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لولا أن معي الهدي لأحللت (2) » . والذي معه هدي أفضل أن يحرم بالحج والعمرة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، والذي ما معه
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) في العدد (11551) بتاريخ 10 \ 12 \ 1418 هـ.
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) مسند أنس بن مالك برقم (12039) ، والبخاري في (الحج) باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف برقم (1651) .(17/83)
هدي الأفضل أن يحرم بالعمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة هذه السنة.(17/84)
50 - يصح التمتع والقران من أهل مكة
س: هل يجب الهدي على أهل مكة لمن أحرم منهم بالحج فقط، وهل يصح في حقهم التمتع أم القران في الحج؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل (1) .
ج: يصح التمتع والقران من أهل مكة وغيرهم لكن ليس على أهل مكة هدي، وإنما الهدي على غيرهم من أهل الآفاق القادمين إلى مكة محرمين بالتمتع أو القرآن، لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2)
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1538) في 1 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 196(17/84)
س: الأخ \ أ. م. يقول في سؤاله: ما هو السبب في أن أهل مكة ليس لهم من أنواع الحج إلا الإفراد؟ (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من جريدة (المسلمون) .(17/84)
ج: الحج فرض على كل من استطاع السبيل إليه من أهل مكة وغيرهم بإجماع المسلمين، وهكذا العمرة فرض في أصح قولي العلماء على الجميع، ولكن أهل مكة ليس عليهم هدي التمتع والقران، إذا حجوا متمتعين أو قارنين بين الحج والعمرة؛ لقول الله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (1) والله الموفق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/85)
51 - القول بنسخ الإفراد قول باطل
س: يدعي بعض الناس أن القران والإفراد قد نسخا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة بأن يتمتعوا، فما رأي سماحتكم في هذا القول؟ (1) .
ج: هذا قول باطل لا أساس له من الصحة، وقد أجمع العلماء على أن الأنساك ثلاثة: الإفراد والقران والتمتع، فمن أفرد الحج فإحرامه صحيح وحجه صحيح ولا فدية عليه، لكن
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 1 صـ 125.(17/85)
إن فسخه إلى العمرة فهو أفضل في أصح أقوال أهل العلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الذين أحرموا للحج أو قرنوا بين الحج والعمرة وليس معهم هدي أن يجعلوا إحرامهم عمرة، فيطوفوا ويسعوا ويقصروا ويحلوا ولم يبطل - صلى الله عليه وسلم - إحرامهم بل أرشدهم إلى الأفضل، وقد فعل الصحابة ذلك رضي الله عنهم وليس ذلك نسخا لإفراد الحج وإنما هو إرشاد من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما هو الأفضل والأكمل، والله ولي التوفيق.(17/86)
52- حكم فسخ الإحرام
س: هل فسخ الإحرام سنة أم واجب؟ (1) .
ج: سنة مؤكدة.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/86)
53- المشروع لمن أحرم مفردا أن يجعله عمرة
س: جئت مع جماعة للحج وأحرمت مفردا وجماعتي يريدون السفر إلى المدينة، فهل لي أن أذهب إلى المدينة(17/86)
وأرجع لمكة لأداء العمرة بعد أيام قليلة؟ .
ج: إذا حج الإنسان مع جماعة وقد أحرم بالحج مفردا ثم سافر معهم للزيارة، فإن المشروع له أن يجعل إحرامه عمرة، ويطوف لها ويسعى ويقصر ثم يحل، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن ويكون بذلك متمتعا، وعليه هدي التمتع كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أصحابه في حجة الوداع الذين ليس معهم هدي.(17/87)
54- الأفضل لمن لم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمرة
س: ما حكم من نوى الحج بالإفراد ثم بعد وصوله إلى مكة قلبه تمتعا فأتى بالعمرة ثم تحلل منها فماذا عليه؟ ومتى يحرم بالحج؟ ومن أين؟ (1) .
ج: هذا هو الأفضل إذا قدم المحرم بالحج أو الحج والعمرة جميعا فإن الأفضل أن يجعلها عمرة، وهو الذي أمر به
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1543) في 13 \ 1 \ 1417هـ.(17/87)
النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه لما قدموا، بعضهم قارن وبعضهم مفرد بالحج، وليس معهم هدي، أمرهم أن يجعلوها عمرة، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا إلا من كان معه الهدي فإنه يبقى على إحرامه حتى يحل منهما إن كان قارنا أو من الحج إن كان محرما بالحج يوم العيد.
والمقصود أن من جاء مكة محرما بالحج وحده أو بالحج والعمرة جميعا في أشهر الحج وليس معه هدي، فإن السنة أن يفسخ إحرامه إلى عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويتحلل، ثم يحرم بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة في مكانه الذي هو مقيم فيه داخل الحرم أو خارجه ويكون متمتعا وعليه دم التمتع.(17/88)
55- القران لا يفسخ إلى الإفراد
س: ما حكم من نوى بالحج متمتعا وبعد الميقات غير رأيه ولبى بالحج مفردا هل عليه هدي؟ (1) .
ج: هذا فيه تفصيل، فإن كان نوى قبل وصوله إلى الميقات أنه يتمتع، وبعد وصوله إلى الميقات غير نيته وأحرم بالحج وحده فهذا لا حرج عليه ولا فدية، أما إن كان لبى بالعمرة والحج جميعا من الميقات أو قبل الميقات ثم أراد أن
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1543) في 13 \ 17 \ 1417 هـ.(17/88)
يجعله حجا فليس له ذلك ولكن لا مانع أن يجعله عمرة أما أن يجعله حجا فلا، فالقران لا يفسخ إلى حج ولكن يفسخ إلى عمرة إذا لم يكن معه هدي؛ لأن ذلك هو الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه - عليه الصلاة والسلام - الذين لم يسوقوا الهدي في حجة الوداع، فإذا أحرم بهما جميعا من الميقات ثم أراد أن يجعله حجا مفردا فليس له ذلك، ولكن له أن يجعل ذلك عمرة مفردة وهو الأفضل له كما تقدم فيطوف ويسعى ويقصر ويحل، ثم يلبي بالحج بعد ذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة فيكون متمتعا.(17/89)
56- حكم من نوى
التمتع ثم بدا له أن يحرم مفردا
س: لقد كنت ناويا أن أحج متمتعا ولكن عندما قدمت إلى الطائف غيرت رأي ولبيت بالحج مفردا، فإذا أردت أن أضحي يوم العيد هل ذلك جائز؟ علما بأني قصرت شعري في يوم أربعة ذي الحجة أسأل الله أن يجزيكم عنا خيرا (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.(17/89)
ج: إذا أراد الحاج أو غيره أن يضحي ولو كان قد حلق رأسه أو قصر أو قلم أظفاره فلا حرج عليه في ذلك، ولكن عليه إذا عزم على أن يضحي عن نفسه بعد دخول شهر ذي الحجة أن يمتنع من أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو شيء من البشرة حتى يضحي؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئا (1) » . رواه الإمام مسلم في صحيحه. أما إحرامه بالحج مفردا وقد كان نوى أن يحرم بعمرة ثم بدا له بعد ما وصل الميقات أن يحرم بالحج فلا حرج في ذلك، ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل إذا كان قدومه في أشهر الحج، أما إذا كان قدومه إلى مكة قبل دخول شهر شوال فإن المشروع له أن يحرم بالعمرة فقط.
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الأضاحي) باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة. . . برقم (1977) .(17/90)
57 - من أحرم قارنا وبعد الإحرام حل
س: ما حكم من أحرم بالحج والعمرة قارنا وبعد العمرة حل الإحرام هل يعتبر متمتعا؟ .(17/90)
ج: نعم إذا أحرم بالحج والعمرة قارنا ثم طاف وسعى وقصر وجعلها عمرة يسمى متمتعا وعليه دم التمتع.(17/91)
58- الإحرام بالتمتع له وقت محدود
س: هل للمتمتع وقت محدود يتمتع فيه، وهل له أن يحرم بالحج قبل يوم التروية؟ .
ج: الإحرام بالتمتع له وقت محدود، هو: شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة هذه أشهر الحج، فليس له أن يحرم بالتمتع قبل شوال ولا بعد ليلة العيد، ولكن الأفضل أن يحرم بالعمرة وحدها فإذا فرغ منها أحرم بالحج وحده هذا هو التمتع الكامل، وإن أحرم بهما جميعا سمي متمتعا وسمي قارنا، وفي الحالتين جميعا عليه دم يسمى دم التمتع، وهو ذبيحة واحدة تجزئ في الأضحية أو سبع بدنة أو سبع بقرة، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) فإن عجز صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/91)
فلو أحرم بالعمرة في أول شوال وحل منها صارت المدة بين العمرة وبين الإحرام بالحج طويلة إلى ثامن ذي الحجة فالأفضل أن يحرم بالحج في ثامن ذي الحجة، كما أحرم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك بأمر النبي - عليه الصلاة والسلام -، فإنه أمرهم أن يحلوا من إحرامهم لما قدموا مفردين بالحج وبعضهم قدم قارنا بين الحج والعمرة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحلوا إلا من كان معه الهدي، فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا وصاروا متمتعين بذلك، فلما كان يوم التروية وهو اليوم الثامن، أمرهم أن يهلوا بالحج من منازلهم، وهذا هو الأفضل، ولو أهل بالحج قبل ذلك في أول ذي الحجة أو قبل ذلك أجزأه وصح، ولكن الأفضل أن يكون إهلاله بالحج في اليوم الثامن، كما فعله أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره - عليه الصلاة والسلام -.(17/92)
س: المتمتع هل له وقت محدود يتمتع فيه؟ وهل له أن يحرم قبل يوم التروية أم لا؟ (1) .
ج: المتمتع إذا طاف وسعى وقصر من عمرته حل له كل شيء مما حرم عليه بالإحرام، فله أن يأتي زوجته وله أن
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.(17/92)
يتطيب ويلبس المخيط وغير ذلك مما حرم عليه بالإحرام، والتمتع بالعمرة إنما يكون بعد انسلاخ رمضان، أما الإحرام بالعمرة قبل انسلاخ رمضان فلا يسمى تمتعا وإنما يسمى عمرة. والسنة للمتمتع وغيره من المحلين بمكة إذا أرادوا الحج أن يحرموا بالحج يوم الثامن، كما أحرم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحج بأمره - عليه الصلاة والسلام -.(17/93)
59- الفدية تلزم من تمتع بالعمرة إلى الحج
س: فضيلة الشيخ: ماذا ترون حول من أخذ عمرة بشهر رمضان المبارك وأراد الحج بنفس العام، فهل يلزمه الفدي، وما هي أفضل أنواع النسك؟ (1) .
ج: من أخذ عمرة في رمضان ثم أحرم بالحج مفردا في ذلك العام فإنه لا فدية عليه؛ لأن الفدية إنما تلزم من تمتع بالعمرة إلى الحج؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) والذي أتى بعمرة في رمضان ثم أحرم بالحج في أشهره لا يسمى متمتعا، وإنما المتمتع من
__________
(1) نشر في جريدة (الجزيرة) العدد (3535) في 29 \ 9 \ 1407 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 196(17/93)
أحرم بالعمرة في أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة والعشر الأول من ذي الحجة، ثم أحرم بالحج من عامه، أو قرن بين الحج والعمرة فهذا هو المتمتع، وهو الذي عليه الفدية.
والأفضل لمن أراد الحج أن يأتي بعمرة مع حجته ويطوف لها ويسعى ويقصر ويحل، ثم يحرم بالحج في عامه، والأفضل أن يكون إحرامه بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بذلك في حجة الوداع.
وعلى المتمتع أن يطوف ويسعى لحجه كما طاف وسعى للعمرة، ولا يجزئه سعي العمرة عن سعي الحج عند أكثر أهل العلم، وهو الصواب؛ لدلالة الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك.(17/94)
س: ما قولكم في الذي يصوم في مكة ويجلس إلى وقت الحج مع العلم أنه في هذه الأثناء يسافر إلى جدة ويعود إلى مكة هل عليه فدي؟ (1) .
ج: إذا لم يؤد عمرة بعد رمضان وحج ذلك العام فليس عليه هدي؛ لكونه لم يتمتع بالعمرة إلى الحج.
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 4098 \ 1 \ 1 \ وتاريخ 4 \ 4 \ 1392 هـ عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية.(17/94)
60 - حكم من أدى العمرة في آخر شهر شوال ثم عاد بنية الحج مفردا
س: أديت العمرة أواخر شهر شوال ثم عدت بنية الحج مفردا فأرجو إفادتي عن وضعي هل أعتبر متمتعا ويجب علي الهدي أم لا؟ .
ج: إذا أدى الإنسان العمرة في شوال أو في ذي القعدة ثم رجع إلى أهله ثم أتى بالحج مفردا فالجمهور على أنه ليس بتمتع وليس عليه هدي؛ لأنه ذهب إلى أهله ثم رجع بالحج مفردا، وهذا هو المروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما، وهو قول الجمهور، والمروي عن ابن عباس أنه يكون متمتعا وأن عليه الهدي؛ لأنه جمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج في سنة واحدة، أما الجمهور فيقولون: إذا رجع إلى أهله، وبعضهم يقول: إذا سافر مسافة قصر، ثم جاء بحج مفرد فليس بتمتع، والأظهر والله أعلم أن الأرجح ما جاء عن عمر وابنه رضي الله عنهما، أنه إذا رجع إلى أهله فإنه ليس بتمتع(17/95)
ولا دم عليه، وأما من جاء للحج وأدى العمرة ثم بقي في جدة أو الطائف وهو ليس من أهلهما ثم أحرم بالحج فهذا متمتع فخروجه إلى الطائف أو جدة أو المدينة لا يخرجه عن كونه متمتعا؛ لأنه جاء لأدائهما جميعا وإنما سافر إلى جدة أو الطائف لحاجة، وكذا من سافر إلى المدينة للزيارة كل ذلك لا يخرجه عن كونه متمتعا في الأظهر والأرجح فعليه الهدي، هدي التمتع وعليه أن يسعى لحجه كما سعى لعمرته.(17/96)
61 - حكم تمتع من رجع إلى بلده
س: هذا يسأل ويقول: إذا قدم من الرياض مثلا معتمرا ثم رجع إلى الرياض، ورجع بعدها من الرياض هل يكون متمتعا؟ (1) .
ج: هذا فيه تفصيل، إذا قدم إنسان من الرياض مثلا أو من المدينة أو من الطائف متمتعا بالعمرة، فطاف وسعى وقصر وحل ثم رجع إلى بلده: رجع إلى الطائف بلده أو إلى الرياض بلده أو إلى المدينة بلده أو غيرها، ثم جاء ملبيا بالحج، فهذا حكمه حكم المفرد حكم مجيئه الأخير حكم الإفراد فلا يكون
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.(17/96)
عليه دم التمتع، بل ليس عليه شيء وإنما يعمل عمل الحج إذا وصل مكة طاف سبعة أشواط وصلى ركعتين عند المقام أو في أي مكان من المسجد ثم يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة. هذا يقال له طواف القدوم والسعي سعي الحج، ثم يبقى على إحرامه ويخرج إلى منى وعرفات بإحرامه، فإذا رجع من عرفات ومزدلفة يوم العيد ليس عليه إلا الطواف فقط طواف الإفاضة طواف الحج، والسعي كفاه الأول. وإن قصد منى رأسا ولم يذهب إلى مكة بل قصد منى ثم عرفات فإنه عليه طواف وسعي بعد نزوله من عرفات ومزدلفة، عليه طواف الحج وسعي الحج.(17/97)
س: أنوي الحج متمتعا فهل يصح لي الاعتمار في شوال والذهاب إلى أهلي ثم الرجوع إلى مكة للحج؟ (1) .
ج: لا مانع من ذلك إذا اعتمر الشخص في شوال ثم ذهب إلى أهله ثم رجع إلى مكة محرما بالحج فلا بأس في ذلك، وعند الجمهور لا يكون متمتعا وليس عليه هدي بل يكون مفردا للحج، وعند ابن عباس يكون متمتعا ولو ذهب إلى أهله، وعلى هذا لا يكون هذا متمتعا عند الأكثر، وإن
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد التاسع عام 1409 هـ.(17/97)
اعتبر نفسه متمتعا وأهدى كان أحوط وأحسن، أما إن رجع محرما بالعمرة وحل منها ثم أقام حتى يحج، فهذا متمتع وعمرته الأولى لا تجعله متمتعا عند الجمهور، ولكن صار متمتعا بالعمرة الأخيرة التي أداها ثم بقي في مكة حتى حج.(17/98)
62- لا بأس بخروج المتمتع إلى جدة وأمثالها ويبقى على تمتعه
س: شخص قصد مكة في أشهر الحج وتمتع بالعمرة إلى الحج، فهل يجوز له الخروج بعد تحلله من العمرة إلى جدة، وإن خرج إليها فهل يسقط عنه دم التمتع، وإذا لم يسقط فهل تكون جدة من حاضر المسجد الحرام؟ وإذا اعتبرت من حاضر المسجد الحرام فهل على من خرج إليها بعد تحلله من عمرته ثم رجع وحج ولم يفد دم آخر لتركه دم التمتع؟ (1) .
ج: لا بأس بخروج المتمتع بعد تحلله من عمرته إلى جدة وغيرها من الحل إذا دعت الحاجة لذلك ويبقى عليه دم
__________
(1) صدر من مكتب سماحته عندما كان نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية على سؤال مؤرخ في 28 \ 2 \ 1385 هـ.(17/98)
التمتع إذا كان قدم مكة بنية الحج؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لما قدموا مكة لحجة الوداع وأمر من لم يكن معه هدي أن يتحلل ويهدي لم ينههم عن الخروج من الحرم ولم يقل لهم: من خرج من الحرم سقط عنه الهدي، ولو كان ذلك مسقطا للهدي لبينه - عليه الصلاة والسلام -؛ لأن الخروج لا بد أن يقع من الناس؛ لكثرتهم وتنوع الحاجات، فلما لم ينبههم على هذا الأمر علم أن خروجهم إلى جدة وأشباهها لا يخرجهم عن كونهم متمتعين بالعمرة إلى الحج، وذهب بعض العلماء إلى أن خروج المتمتع من مكة إلى مسافة قصر كجدة والطائف وأمثالهما يخرجه عن كونه متمتعا ويسقط عنه الدم ويجعل إحرامه بالحج في حكم المفرد وفي هذا نظر، والصواب أن الدم لا يسقط عنه لما تقدم، ولعموم قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) ولا أعلم دليلا شرعيا يدل على هذا المذهب لكن ورد عن عمر وابنه رضي الله عنهما في حق من رجع إلى وطنه بعد التحلل من العمرة ثم رجع إلى مكة وأحرم بالحج مفردا أنه لا دم عليه. ذكر ذلك أبو محمد بن حزم وغيره، وهذا وجهه ظاهر، والقول به قريب لا سيما وهو قول الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه. وورد
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/99)
عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على وجوب الدم على من اعتمر في أشهر الحج وحج من عامه مطلقا ولو سافر إلى وطنه أو غيره لكن قول الجمهور يوافق ما ورد عن عمر وابنه رضي الله عنهما وتقدم أنه قول قريب ووجهه ظاهر ولا مانع من أن يكون مخصصا لعموم الآية الكريمة السابقة، ولكن لا ينبغي أن يجعل في حكمه من قدم إلى مكة قاصدا للحج وهو متمتع بالعمرة إلى الحج ثم خرج لعارض لجدة أو غيرها ولم يرجع إلى وطنه فإن بينهما فرقا واضحا والله المستعان.
وأما اعتبار جدة من حاضر المسجد الحرام إذا قلنا لا يسقط الدم عمن ذهب إليها فليس بظاهر، وليس بين القول بعدم سقوط الدم وبين تحديد المكان الذي يعتبر سكانه من حاضري المسجد الحرام أو ليسوا منهم ارتباط في أصح الأقوال، بل هذه مسألة وهذه مسألة أخرى.
أما ما يجب على من خرج إلى جدة ثم عاد وحج ولم يفد فالظاهر أنه لا يجب عليه إلا دم واحد وهو دم التمتع، وعليه التوبة والاستغفار عما حصل من التأخير، وأما قول من قال: إن على من أخر دم التمتع حتى خرجت أيام التشريق إما مطلقا أو بغير عذر دما آخر فلا أعلم له وجها شرعيا يحسن الاعتماد عليه، والأصل براءة الذمة فلا يجوز شغلها إلا بحجة واضحة.(17/100)
س: أحرمت بالعمرة وقصدي التمتع ثم خرجت بعد(17/100)
العمرة إلى جدة فهل أعتبر متمتعا إذا رجعت وأتممت حجي؟ .
ج: الصواب أنه لا يخرج بهذا عن التمتع فإذا دخل مكة متمتعا بعد رمضان محرما بعمرة وقصده الحج ثم بعد فراغه من العمرة خرج إلى الطائف أو جدة لبعض الحاجات فالصواب أنه يبقى على تمتعه.
وقال بعض أهل العلم: إنه إذا خرج مسافة قصر ورجع للحج محرما به فإنه يكون بذلك قد نقض تمتعه ويكون مفردا هذا قاله جماعة من أهل العلم، والأقرب إن شاء الله والأظهر أنه بهذه التصرفات بين الحج والعمرة لا يكون مفردا بل يبقى على تمتعه إلا إذا رجع إلى بلاده ثم جاء بحج مفرد فإنه يكون مفردا ولا دم عليه، وهذا هو قول بعض أهل العلم وهو مروي عن عمر وابنه رضي الله عنهما وبالله التوفيق.(17/101)
س: في عام 1403 هـ كنت مقيما في الرياض وذهبت في شوال إلى جدة ومنها ذهبت لأداء العمرة ثم عدت إلى جدة وظللت بها إلى موسم الحج من نفس العام فذهبت وأديت الحج ثم عدت إلى الرياض بعد إتمام الحج(17/101)
والعمرة، وفي هذا العام أخبرني أحد الإخوان أني أعتبر مقرنا بالحج والعمرة وعلي أن أذبح فهل هذا الكلام صحيح؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: كثير من أهل العلم يقولون: إن المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا سافر بينهما إلى جدة أو المدينة أو الطائف ثم أحرم بالحج من جدة أو من ميقات المدينة إن كان سافر إلى المدينة أو من ميقات الطائف إن كان سافر إلى الطائف سقط عنه دم التمتع. وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه لا يسقط عنه الدم ولا يزول عنه بهذا السفر وصف التمتع وعليه هدي التمتع، وهذا هو الأرجح؛ لعموم قول الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) ولعموم الأحاديث الواردة في ذلك. وبالله التوفيق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/102)
س: إلى سماحة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
طلب مني مسلم من بلاد الصين أن أستفتي من سماحتكم نيابة عنه في أمر يتعلق بفريضة الحج قائلا: لقد غادرت بلادي إلى المملكة العربية السعودية بنية أداء فريضة الحج متمتعا، فأحرمت من الميقات ووصلت إلى جدة في أوائل شهر ذي الحجة ثم سافرت مع جماعة من المسلمين إلى مكة المكرمة فأديت الطواف والسعي للعمرة وحلقت وحللت من الإحرام، وفي اليوم التالي ذهبت إلى الطائف لزيارة بعض الأقرباء ومكثت يوما بينهم، ورجعت إلى مكة المكرمة، وأحرمت مرة أخرى وكملت الحج، ورجعت إلى بلادي بعد أداء طواف الوداع. هل أديت فريضة الحج على أكمل وجه أم علي دم في مغادرتي مكة المكرمة إلى الطائف قبل انتهاء مناسك الحج كلها؟ أفيدوني أفادكم الله يحفظكم الله ويرعاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
__________
(1) سؤال مقدم من م. س. س. أجاب عنه سماحته بتاريخ 5 \ 4 \ 1415 هـ.(17/103)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل فليس عليه شيء في زيارته للطائف ولكن عليه هدي التمتع ذبيحة واحدة تذبح في الحرم للفقراء إذا كان لم يذبح الهدي المذكور. وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(17/104)
63 - لا يسقط الهدي
عن المتمتع بالسفر إلى المدينة
س: بعض الناس يؤدون العمرة في شوال ثم يذهبون إلى المدينة للزيارة وبعد ذلك سيؤدون الحج مفردين ولا يهدون.
ج: يجب على من أدى العمرة في شوال أو في ذي القعدة أو في العشر الأول من ذي الحجة ثم أحرم بالحج مفردا سواء كان ذلك من ميقات المدينة أو غيره أو من داخل مكة أن يهدي هدي التمتع، وهو: رأس من الغنم أو سبع بدنة أو سبع بقرة مما يجزئ في الأضحية؛ لأنه والحال ما ذكر في حكم المتمتع، وقد قال الله سبحانه: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/104)
ولا يسقط عنه الهدي بالسفر إلى المدينة في أصح قولي العلماء إلا إذا رجع إلى بلاده ثم عاد بحج مفرد فلا شيء عليه.(17/105)
س: هل العمرة في أشهر الحج في ذي القعدة ثم الخروج من مكة والذهاب إلى المدينة والإقامة فيها حتى وقت الحج تلزم التمتع أم الحاج حر فيما ينوي من الحج؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الصواب أن المسلم يبقى في حكم المتمتع إذا أدى العمرة في أشهر الحج ثم ذهب إلى المدينة للزيارة ثم جاء محرما بالحج، فإنه يكون متمتعا على الأرجح، وعليه هدي التمتع. وهكذا لو ذهب للطائف أو جدة أو غيرهما سوى وطنه ثم رجع محرما بالحج فإنه يكون متمتعا على الأرجح، أما لو رجع إلى أهله وأقام عندهم ثم جاء محرما بالحج، فإنه على الأرجح يكون في حكم المفرد للحج، ولا يكون بذلك متمتعا، وليس عليه هدي إذا رجع إلى أهله، كما جاء ذلك عن ابن عمر وعن أبيه رضي الله عنهما وهو قول أهل العلم.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى في 8 \ 12 \ 1402 هـ.(17/105)
س: شخص أتى بالعمرة في أشهر الحج كشهر ذي القعدة ثم خرج من مكة إلى المدينة وأقام فيها حتى وقت الحج، هل يلزمه التمتع أم هو مخير بين أحد أنواع الأنساك الثلاثة؟ (1) .
ج: يلزمه التمتع فإن أراد أن يأتي بعمرة أخرى ويكون متمتعا بها عند من قال انقطع تمتعه الأول بالسفر فلا بأس، ويكون متمتعا بعمرته الجديدة وعليه الدم عند الجميع إذا أتى بعمرة من المدينة ثم حج بعدها يكون متمتعا عند الجميع، وإن شاء رجع بحج فقط وفيه خلاف هل يهدي أو لا يهدي والصواب أنه يهدي لأن سفره إلى المدينة لا يقطع تمتعه في أصح الأقوال.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1545) في 21 \ 1 \ 1417 هـ.(17/106)
باب محظورات الإحرام(17/107)
صفحة فارغة(17/108)
64 - المحرم يجتنب تسعة محظورات
س: ما هي الأشياء التي يجب أن يجتنبها المحرم؟ (1) .
ج: المحرم يجتنب تسعة محظورات بينها العلماء وهي: اجتناب قص الشعر، والأظافر، والطيب، ولبس المخيط، وتغطية الرأس، وقتل الصيد، والجماع، وعقد النكاح، ومباشرة النساء، كل هذه الأشياء يمنع منها المحرم حتى يتحلل، وفي التحلل الأول يباح له جميع هذه المحظورات ما عدا الجماع، فإذا كمل الثاني حل له الجماع.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (10) في 11 \ 12 \ 1401 هـ.(17/109)
65 - حكم من أخذ من شعره بعد الإحرام جاهلا
س: رجل قام بالإحرام للعمرة وبعد ذلك تذكر أنه يجب أن يحلق شعر الإبط فقام بحلقه بعد الإحرام ثم توجه إلى العمرة نرجو توضيح الحكم ولكم الأجر والثواب؟ (1) .
__________
(1) نشرت في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند، ج 2 صـ 227.(17/109)
ج: حلق الإبط لا يجب في الإحرام ولا نتفه، وإنما يستحب نتفه أو إزالته بشيء من المزيلات الطاهرة قبل الإحرام، كما يستحب قص الشارب وقلم الظفر وحلق العانة إذا كان كل منها قد تهيأ لذلك، ولا يلزم أن يكون ذلك عند الإحرام بل إذا فعل ذلك قبل الإحرام في بيته أو في الطريق كفى ذلك.
وليس على من ذكرت شيء في حلقه إبطه لكونه جاهلا بالحكم الشرعي، ومثل ذلك لو فعل المحرم شيئا مما ذكرنا بعد الإحرام ناسيا لقول الله عز وجل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) ولما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله سبحانه قد استجاب هذا الدعاء.
__________
(1) سورة البقرة الآية 286(17/110)
66 - حكم كد الشعر
س: ما حكم كد الشعر الخفيف ممن هو محرم، هل فيه حرج؟ (1) .
ج: المحرم لا يكد شعرا. أما إذا حك شعره أو حك
__________
(1) من الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402 هـ.(17/110)
جلده حكا قليلا بالرفق فلا حرج. أما أن يكده فيقطع شعرا أو ظفرا أو جلدا فلا يجوز ذلك في حال الإحرام، فالمسلم إذا أحرم لا يقطع شعرا ولا ظفرا ولا يتطيب ولا يغطي رأسه بعمامة ولا بشبهها، ولا يغطي جسده بالقميص ونحوه، ولا يقتل الصيد، كل هذه الأمور ممنوعة في حق المحرم، ولا يعقد النكاح، ولا يخطب زوجة، ولا يعقد لموليته وهو محرم، كل هذه محرمة في الإحرام، وهكذا لا يجامعها ولا يباشر بقبلة ولا غيرها حتى يحل من إحرامه كل هذه ممنوعة في الإحرام.(17/111)
س: لقد حجيت أنا وابني وأحرمنا من الطائف ودخلنا مكة صلاة الظهر وبقينا فيها إلى المغرب، ثم أرغمني ابني على العودة إلى الطائف والمبيت به وقد حصل ذلك وبتنا تلك الليلة في الطائف ثم رجعنا إلى مكة في صباح اليوم التالي ولم نحرم إحراما جديدا بل اكتفينا بإحرامنا الأول ودخلنا الحرم المكي في اليوم نفسه وطفنا طواف القدوم وسعينا ثم بتنا تلك الليلة في مكة ثم ذهبنا إلى منى وبقينا فيها يومين وليلة وسرينا في الليلة الثانية وقبل الخروج منها اغتسلنا ومشطنا رءوسنا ولم نغير ملابسنا وبالذات ثوبي مع العلم أنه كان أسود وأكملت حجي كبقية المسلمين. فما حكم الإسلام فيما سمعت من دخول مكة بدون إحرام والاكتفاء بالإحرام الأول في اليوم(17/111)
الذي مضى، وفيما فعلنا في منى من غسل ومشط والإحرام بالثوب الأسود؟ (1) .
ج: ليس عليكما شيء والحمد لله، إحرامكما الأول باق وصحيح، وخروجكما إلى الطائف لو تركتموه لكان هو الذي ينبغي؛ لعدم الحاجة إليه لكنه لا يترتب عليه شيء، لأنكما خرجتما قبل إتمام حجكما وأنتما على إحرامكما فلا يضركما ذلك وطوافكما وسعيكما حين رجعتما إلى مكة ثم خروجكما إلى منى ثم إكمالكما مناسك الحج ليس فيه شيء، أما المشط فإن كان فيه قطع شعر، فهذا محل نظر، إن كنتما جاهلين فلا شيء عليكما أو فعلتما ذلك نسيانا فلا شيء عليكما، أما إذا كنتما تعلمان أنه لا يجوز قطع الشعر وقطعتما الشعر متعمدين حين المشط فهذا عليكما فيه أحد ثلاثة أشياء:
1 - إما صوم ثلاثة أيام على كل واحد.
2 - أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز أو غير ذلك من قوت البلد.
3 - أو ذبح شاة على كل واحد منكما تجزئ في الأضحية، هذا إذا كنتما متعمدين عالمين أنه لا يجوز، أما إذا كان قطع الشعر حين المشط عن جهل أو عن نسيان فلا شيء
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط الثالث.(17/112)
عليكما كما تقدم. وهكذا لو كان مجرد المشط ليس فيه قطع شعر فلا بأس، والثوب الأسود لا بأس به في حق الرجل والمرأة، لكن يجب أن يكون لبس الرجل على حال ولبس المرأة على حال لا يتشبه أحدهما بالاخر، فيكون لباس الرجال على حال ولباس النساء على حال.(17/113)
67 - حكم سقوط الشعر من رأس المحرم
س: ماذا تفعل المرأة المحرمة إذا سقطت من رأسها شعرة رغما عنها؟ .
ج: إذا سقط من رأس المحرم - ذكرا كان أو أنثى - شعرات عند مسحه في الوضوء أو عند غسله لم يضره ذلك، وهكذا لو سقط من لحية الرجل أو من شاربه أو من أظافره شيء لا يضره إذا لم يتعمد ذلك، وإنما المحظور أن يتعمد قطع شيء من شعره أو أظافره وهو محرم، وهكذا المرأة لا تتعمد قطع شيء، أما شيء يسقط من غير تعمد فهذه شعرات ميتة تسقط عند الحركة فلا يضر سقوطها.(17/113)
68 - حكم إزالة الجلد الجاف للمحرم
س: هل إزالة الزائد من الشفتين تعتبر من محظورات الإحرام؟ مثل الزائد من الجلد الجاف (1) .
ج: لا يأخذ المحرم ولا المضحي من بشرته شيء، ولا من شعره، فالمحرم والذي يريد أن يضحي لا يأخذان من جلدهما ولا من بشرتهما شيئا، لا من جلدهما في الوجه ولا من جلدهما في الرجل ولا في اليد ولا من غير ذلك حتى يحل المحرم من إحرامه التحلل الأول، وحتى يضحي المضحي، وإنما يحرم ذلك على المضحي بعد دخول عشر ذي الحجة إلى أن يضحي، إذا كان يضحي عن نفسه أو عن نفسه وأهل بيته ولا يحرم على أهل بيته شيء من ذلك في أصح قولي العلماء، وإنما يحرم ذلك على المضحي نفسه الذي بذل المال من حين أراد الضحية بعد دخول الشهر إلى أن يذبحها، أما الوكيل عن غيره فلا يحرم عليه شيء من ذلك كالوصي وناظر الوقف ونحوهما؛ لأن كلا من هؤلاء ليس بمضح وإنما هو وكيل. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية عام 1402 هـ.(17/114)
69 - ضابط تغطية الرأس للمحرم
س: ما الضابط في تغطية الرأس للمحرم، بمعنى لو حمل على رأسه بعض متاعه، هل ذلك يعد من تغطية الرأس؟ (1) .
ج: حمل بعض المتاع على الرأس لا يعد من التغطية الممنوعة إذا لم يفعل ذلك حيلة، وإنما التغطية المحرمة هي: ما يغطى بها الرأس عادة كالعمامة والقلنسوة، ونحو ذلك مما يغطى به الرأس، وكالرداء والبشت ونحو ذلك. أما حمل المتاع فليس من الغطاء المحرم كحمل الطعام ونحوه إذا لم يفعل ذلك المحرم حيلة؛ لأن الله سبحانه قد حرم على عباده التحيل لفعل ما حرم، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1634) في 21 \ 11 \ 1418 هـ.(17/115)
س: هل يجوز للمحرم أن يستعمل الشمسية دون أن تمس رأسه نظرا لحرارة الشمس؟ (1) .
ج: لا حرج على المحرم أن يستعمل الشمسية اتقاء
__________
(1) سؤال مقدم من الأخ \ ب. ب. ص. أجاب عنه سماحته بتاريخ 3 \ 11 \ 1413 هـ.(17/115)
للشمس كما يستظل في الخيمة وسقف السيارة. وفق الله الجميع.(17/116)
س: سماحة الشيخ، لبست طاقية وأنا محرم في الحج الماضي، ولم أكن أعرف فهل علي فدية وإذا كان كذلك ولم يكن معي ثمنها فماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: بسم الله والحمد لله، إذا كنت جاهلا فوضعت غترة أو طاقية على رأسك أو كنت ناسيا فليس عليك شيء والحمد لله.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1414) في 13 \ 5 \ 1414 هـ.(17/116)
س: ما حكم وضع الثوب المبلل بالماء على الرأس في عرفة بسبب الحر الشديد؟ (1) .
ج: عليك عن ذلك فدية، قد أوضحها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر، أو غيره مما يقتات به كالبر والأرز والذرة، مقداره كيلو ونصف تقريبا، أو ذبح شاة تجزئ في الأضحية توزع بين مساكين الحرم؛ لأنك لم تزل الثوب عن رأسك لما وضعه ابنك.
__________
(1) فتوى صدرت من مكتب سماحته في 25 \ 6 \ 1417 هـ.(17/116)
70 - حكم استخدام الكمامات للمحرم
س: هل تعتبر الكمامات التي يستعملها الطبيب في عمله ويضعها على فمه وأنفه في حكم تغطية الوجه للمحرم أفيدونا جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: نعم، لا ينبغي ولا يجوز هذا، لأنه غطى حوالي نصف الوجه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تخمروا رأسه ولا وجهه (2) » يعني للمحرم الذي وقصته راحلته.
__________
(1) سؤال موجه لسماحته في حج عام 1418 هـ.
(2) رواه البخاري في (الجنائز) باب الكفن في ثوبين برقم (1265) ، ومسلم في (الحج) باب ما يفعل بالمحرم إذا مات برقم (1206) .(17/117)
71 - تحديد المخيط من اللباس للمحرم
س: ما هو تحديد المخيط من اللباس، وهل يجوز لبس السراويل المستعملة الآن تحت الإحرام؟ (1) .
ج: لا يجوز للمحرم بحج أو عمرة أن يلبس السراويل ولا غيرها من المخيط، على البدن كله أو نصفه الأعلى كالفنيلة ونحوها، أو نصفه الأسفل كالسراويل؛ «لقول النبي
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 2 صـ 173.(17/117)
- صلى الله عليه وسلم - لما سئل عما يلبس المحرم قال: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويل ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين. وليقطعهما أسفل من الكعبين (1) » . متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وبهذا يعلم السائل ما هو المخيط الممنوع في حق المحرم الذكر. ويتضح بالحديث المذكور أن المراد بالمخيط ما خيط أو نسج على قدر البدن كله كالقميص، أو نصفه الأعلى كالفنيلة، أو نصفه الأسفل كالسراويل، ويلحق بذلك ما يخاط أو ينسج على قدر اليد كالقفاز أو الرجل كالخف. لكن يجوز للرجل أن يلبس الخف عند عدم النعل، ولا يلزمه القطع على الصحيح؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس بعرفات في حجة الوداع فقال: «من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين (2) » . متفق على صحته. ولم يأمر
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ما لا يلبس المحرم من الثياب برقم (1542) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج وعمرة وما لا يباح برقم (1177) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب لبس الخفين للمحرم برقم (1841) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة برقم (1179) .(17/118)
بقطعهما فدل على نسخ القطع المذكور في حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأن حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي أمر فيه بالقطع كان متقدما والأمر بلبس الخف دون قطع كان في خطبته - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة بعد ذلك. والله الموفق.(17/119)
72 - يجوز خياط ثياب الإحرام إذا تمزقت
س: إذا كان الإنسان محرما بالحج أو العمرة، وتمزق إحرامه بسبب سقوطه على الأرض فهل يجوز له أن يخيطه أم لا؟ (1) .
ج: له أن يخيطه وله أن يبدله بغيره والأمر في ذلك واسع بحمد الله، والمخيط المنهي عنه هو الذي يحيط بالبدن كله كالقميص والفنيلة وأشباه ذلك، أما المخيط الذي يكون في الإزار أو في الرداء لكونه مكونا من قطعتين أو أكثر، خيط بعضهما في بعض فلا حرج فيه، وهكذا لو حصل به شق أو خرق فخاطه أو رقعه فلا بأس في ذلك.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(17/119)
س: إذا لبس المحرم أو المحرمة نعلين أو شرابا سواء كان جاهلا أو عالما أو ناسيا فهل يبطل إحرامه بشيء من(17/119)
ذلك؟ .
ج: السنة أن يحرم الذكر في نعلين؛ لأنه جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين (1) » . فالأفضل أن يحرم في نعلين حتى يتوقى الشوك والرمضاء والشيء البارد، فإن لم يحرم في نعلين فلا حرج عليه فإن لم يجد نعلين جاز له أن يحرم في خفين. وهل يقطعهما أم لا؟ على خلاف بين أهل العلم، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين (2) » . وجاء عنه في خطبته في حجة الوداع في عرفات أنه أمر من لم يجد نعلين أن يلبس الخفين ولم يأمر بقطعهما، فاختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم: إن الأمر الأول منسوخ فله أن يلبس من دون قطع.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمر برقم (4881) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب ما لا يلبس المحرم من الثياب برقم (1542) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج وعمرة وما لا يباح برقم (1177) .(17/120)
وقال آخرون: ليس بمنسوخ ولكنه للندب لا للوجوب، بدليل سكوته عنه في عرفات. والأرجح إن شاء الله أن القطع منسوخ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في عرفات وقد حضر خطبته الجمع الغفير من الناس من الحاضرة والبادية ممن لم يحضر خطبته في المدينة التي أمر فيها بالقطع. فلو كان القطع واجبا أو مشروعا لبينه للأمة، فلما سكت عن ذلك في عرفات دل على أنه منسوخ، وأن الله جل وعلا عفا وسامح العباد عن القطع؛ لما فيه من إفساد الخف.
أما المرأة فلا حرج عليها إذا لبست الخفين أو الشراب، لأنها عورة، ولكن تمنع من شيئين: من النقاب ومن القفازين؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - «نهى المحرمة عن ذلك، فقال: لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين (1) » والنقاب هو الشيء الذي يصنع للوجه كالبرقع فلا تلبسه وهي محرمة، ولكن يجب أن تغطي وجهها بما تشاء عند وجود الرجال الأجانب؛ لأن وجهها عورة، فإذا كانت بعيدة عن الرجال كشفت وجهها ولا يجوز لها أن تضع عليه النقاب ولا البرقع، ولا يجوز لها أن تلبس القفازين، وهما غشاءان يصنعان لليدين فلا تلبسهما المحرمة ولا المحرم ولكن تغطي يديها ووجهها عند الحاجة بغير النقاب والقفازين؛ لما ثبت «عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنا ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم -
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1838) ، سنن الترمذي الحج (833) ، سنن النسائي مناسك الحج (2681) ، مسند أحمد بن حنبل (2/119) .(17/121)
محرمات إذا دنا منا الرجال سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا بعدوا منا كشفنا (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث السيدة عائشة برقم (23501) ، وأبو داود في (المناسك) باب في المحرمة تغطي وجهها برقم (1833) .(17/122)
73 - حكم من وقف بعرفة بملابسه المخيطة
س: فضيلة الشيخ أفادنا الله بعلمك ونفع المسلمين به، أنا منعني رؤسائي في العمل من الإحرام وقد جئت هنا للمملكة للعمل عندهم وقد أفتاني أحد المشايخ بأن أقف في عرفة بملابسي المخيطة فماذا علي وهل حجتي صحيحة وأنا لا أستطيع ذبح دم وأنا مسافر إلى بلدي؟ فماذا يجب علي من الصيام هنا؟ وماذا يجب علي في بلدي؟ (1) .
ج: إذا كنت عاملا ولم يأذنوا لك فلا تحرم أما إذا سمحوا لك بالإحرام فلا بأس أما إذا كنت عاملا عند أحد تشتغل عنده فليس لك الحج بغير إذنهم؛ لأنك مربوط بعملهم
__________
(1) سؤال موجه إلى سماحته بعد الدرس الذي ألقاه في المسجد الحرام في 28 \ 12 \ 1418 هـ.(17/122)
مستأجر فعليك أن تكمل ما بينك وبينهم فالمسلمون على شروطهم والله يقول: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1) أما إذا سمحوا لك أن تحج فلا بأس وتحج كما يحج المسلمون تكشف رأسك، تلبس الإزار والرداء، ولا تلبس المخيط بل تلبس إزارا ورداء وتكشف رأسك، أما كونك تحج وهم ما أذنوا لك فهذا يعتبر معصية، وإن كنت حججت صح الحج، لكنك عصيت ربك في هذا، لأنك ضيعت بعض حقهم إلا إذا أذنوا لك، وإذا كنت حججت وأنت لابس على رأسك العمامة أو المخيط على بدنك فعليك الكفارة مع التوبة إلى الله، والكفارة هي إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام أو ذبح شاة عن تغطية الرأس، ومثلها عن لبس المخيط على البدن، إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع كيلو ونصف تقريبا، أو صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة تجزئ في الضحية للفقراء في الحرم عما جعلت على رأسك من اللباس، وعما جعلت على بدنك من اللباس، عن الرأس كفارة وعن البدن كفارة. الله يهدينا وإياكم والمسلمين.
__________
(1) سورة المائدة الآية 1(17/123)
74 - حكم من سافر في مهمة عاجلة فخلع ملابس الإحرام بعد إحرامه
س: رجل لبس ملابس الإحرام بعد أن اغتسل وتطيب ثم(17/123)
استدعي للسفر في مهمة عاجلة فخلع ملابسه فماذا يكون عليه؟ (1) .
ج: هذا السؤال فيه تفصيل، فإن كان الرجل المذكور قد أحرم بالنسك بعد لبسه ملابس الإحرام، أي نوى الدخول في الحج أو العمرة ثم رجع عن ذلك؛ فخلع ملابس الإحرام من أجل المهمة المذكورة فهذا لم يزل محرما، وعليه أن يعيد ملابس الإحرام ويتوجه إلى مكة من حين يعلم حكم الشرع في ذلك لإكمال نسكه من حج أو عمرة، ولا كفارة عليه عما فعل إن كان جاهلا، أما إن كان حين خلعه ملابس الإحرام لم ينو الدخول في النسك وإنما لبس ملابس الإحرام استعدادا لذلك ثم خلع الملابس من أجل المهمة قبل أن ينوي الدخول في النسك من حج أو عمرة فلا شيء عليه؛ لأنه حين خلع الملابس والحال ما ذكر ليس بمحرم. والله أعلم.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1678) في 18 شوال 1419 هـ.(17/124)
75 - لبس الحزام في الإحرام لا حرج فيه
س: ما حكم لبس الهميان (الكمر) من قبل الحاج المحرم، ليحفظ فيه نقوده، هل يجوز له ذلك أم يعتبر(17/124)
مخيطا لا يجوز لبسه؟ .
ج: لبس الكمر ونحوه لا حرج فيه، وكذلك الحزام أو المنديل لربط إزاره وحفظ حاجته من النقود وغيرها، وبالله التوفيق.(17/125)
76 - حكم لبس الساعة للمحرم
س: ما حكم لبس الساعة للمحرم؟ (1) .
ج: لبس الساعة مثل لبس الخاتم لا حرج فيه إن شاء الله.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402 هـ.(17/125)
77 - حكم وضع الطيب على ملابس الإحرام
س: ما حكم وضع الحاج الطيب على ملابس الإحرام قبل عقد النية والتلبية؟ .
ج: لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب على الرداء والإزار،(17/125)
وإنما السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: «لا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران أو الورس (1) » . فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها، وإذا طيبها لا يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب ما لا يلبس المحرم من الثياب برقم (1542) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج وعمرة وما لا يباح برقم (1177) .(17/126)
78 - حكم استعمال الصابون للمحرم
س: ما حكم غسل اليدين بصابون معطر مثل اللوكس أثناء الإحرام؟ (1) .
ج: لا حرج في ذلك إن شاء الله؛ لأنه لا يسمى طيبا ولا يعتبر مستعمله متطيبا لكن لو ترك ذلك واستعمل صابونا آخر من باب الورع كان أفضل وأحسن؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2) » .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402 هـ.
(2) رواه الترمذي في (صفة القيامة) باب منه (ما جاء في صفة أواني الحوض) برقم (2518) ، والنسائي في (الأشربة) باب الحث على ترك الشبهات برقم (5711) .(17/126)
س: هل يجوز استعمال الصابون ذي الرائحة للمحرم؟ (1) .
ج: الصابون ذو الرائحة الجيدة الذي يسمى "الممسك" الأقرب والله أعلم هو التسامح فيه وعدم التشديد فيه، فإن تركه على سبيل الاحتياط لأن الرائحة فيه ظاهرة فمن باب الورع ومن باب الحيطة، وإلا فاستعماله لإزالة الأوساخ والدسم ونحو ذلك لا يسمى تطيبا وليس من باب التطيب، فإذا فعله المحرم فلا أرى عليه شيئا من الفدية ولا أرى عليه بأسا في ذلك.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (11) في 15 \ 12 \ 1400 هـ.(17/127)
س: ما هو حكم من اغتسل بصابون أو مطهر وهو محرم للحج أو العمرة وإذا كان عليه فدية فهل يجوز أن يذبح له أخوه أو يذبح هو في بلد آخر؟ (1) .
ج: من استعمل الصابون أو غيره مما يغسل به الشعر فلا حرج عليه وإن كان محرما، إلا إذا كان الصابون فيه طيب كالممسك فالأولى تركه احتياطا، ولا يسمى من استعمله متطيبا، ولا فدية عليه إذا استعمل الصابون أو أشباه ذلك ولا يكون حكمه حكم المتطيب، ولكن ترك ما فيه الطيب من
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (9) في 1401 هـ.(17/127)
الصابون الممسك الذي يظهر رائحة الطيب أحوط وأولى للمؤمن، وإذا وجبت الفدية على إنسان فإنها تذبح في الحرم الذي هو محل الفدية لمساكين الحرم، إلا إذا فعل المحظور خارج الحرم فهذا يذبح في محله الذي حصل فيه المحظور وإن كان خارج الحرم، لكن من فعل ذلك داخل الحرم تكون فديته بالحرم، وهكذا الصيد يكون جزاؤه في الحرم إذا كان جزاؤه غير الصيام. كالذبح والطعام يكون لمساكين الحرم. والله ولي التوفيق.(17/128)
س: امرأة محرمة بالعمرة شربت قهوة في زعفران قبل أن تكمل العمرة. هل الزعفران من أنواع الطيب وهل يخل بالعمرة أم لا؟ (1) .
ج: المحرم الذي يشرب القهوة وفيها زعفران يكون قد أساء؛ لأن الزعفران طيب فلا ينبغي استعماله في القهوة في حق المحرم كما لا ينبغي استعماله في ملابسه ولا في بدنه وهو محرم، فإذا فعل ذلك الرجل المحرم أو المرأة المحرمة جهلا أو نسيانا فلا شيء عليهما، أما إن تعمد ذلك وهو يعلم أنه محرم ولا يجوز فإنه يتصدق بإطعام ستة مساكين لكل مسكين
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (8) في 4 \ 12 \ 1401 هـ.(17/128)
نصف صاع من التمر أو الحنطة أو يصوم ثلاثة أيام أو يذبح شاة كما لو لبس المخيط عمدا أو تطيب في بدنه أو ثيابه أو رأسه عمدا وهو يعلم أنه محرم فإن عليه هذه الفدية؛ كفارة، وهكذا لو قلم أظفاره أو قص من شعره عمدا وهو يعلم أنه محرم، أما الناسي أو الجاهل فلا شيء عليه.(17/129)
79 - حكم الجماع قبل التحلل الأول
س: هل يجب إعادة الحج على من جامع قبل التحلل الأول مع العلم أن حجه حج تطوع؟ (1) .
ج: إذا جامع قبل التحلل الأول يفسد حجه، وعليه أن يتمه وعليه أن يقضيه بعد ذلك ولو كان حج تطوع كما أفتى بذلك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعليه بدنة يذبحها ويقسمها على الفقراء بمكة المكرمة والله المستعان.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى إسلامية) جمع الشيخ محمد المسند، ج 2 صـ 232.(17/129)
80 - حكم الجماع قبل طواف الإفاضة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. د. وفقه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 1 \ 1 \ 1394 هـ وصلكم الله بهداه وما تضمنه من التعزية في فقيد الجميع فضيلة الشيخ \ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله فهمته، وأسأل الله أن يجيب دعاءكم ويجبر مصيبة الجميع فيه ويتغمده بالرحمة والرضوان ويصلح ذريته ويخلفه على المسلمين بأحسن خلف إنه جواد كريم.
س: امرأة سافرت إلى الخميس قبل طواف الإفاضة فما الحكم وهل لزوجها وطؤها؟ (1) .
ج: يلزمها العود إلى مكة فورا مع القدرة لأداء طواف الإفاضة؛ لأنه ركن من أركان الحج، وإن أحرمت بالعمرة عند وصولها إلى الميقات فذلك أفضل، فتطوف للعمرة وتسعى ثم تطوف لحجها السابق ثم تقصر وتحل، وإن قدمت طواف الحج
__________
(1) سؤال مقدم من الأخ \ م. ع. د. أجاب عنه سماحته عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية.(17/130)
على طواف العمرة وسعيها فلا بأس، وليس لزوجها وطؤها حتى تطوف طواف الإفاضة؛ لأن الوطء لا يجوز إلا بعد الحل الكامل من الحج وهو لا يحصل إلا بالطواف والسعي لمن عليه سعي والرمي لجمرة العقبة والحلق أو التقصير.
رئيس الجامعة الإسلامية(17/131)
حضر عندي ع. ع. ي. وذكر أنه أحرم بالحج من جدة في عام 1407 هـ وبعد خروجه من عرفات استمر به السير إلى منى ولم يبت في مزدلفة ثم رفض الحج وخلع ملابس الإحرام وذهب إلى أهله وجامع زوجته بعد ذلك، واستفتاني في ذلك، فأفهمته أن هذا العمل منكر، وأن عليه التوبة من ذلك؛ لأن من دخل في الحج والعمرة لا يجوز له رفضهما حتى يكملهما إلا المحصر؛ لقول الله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1)
وأفهمته أن حجه قد فسد بالجماع وأن عليه بدنة تجزئ في الضحية، وهي التي تم لها خمس سنين أو سبع من الغنم تجزئ في الضحية، كلها توزع بين الفقراء في مكة، وعليه أيضا ذبيحة عن تركه الرمي وذبيحة ثانية عن تركه المبيت في مزدلفة وثالثة عن تركه المبيت في منى، وعليه أن يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر بنية حجه السابق ويجزئه ذلك عن طواف الوداع، فإن أقام بعد الطواف والسعي في مكة فعليه طواف الوداع عند خروجه إلى جدة، وعليه حجة أخرى بدل الحجة الفاسدة وتجزئه عن فريضة الإسلام.
ونسأل الله أن يمن علينا وعليه بالتوبة النصوح، وأن يعفو
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/132)
عنا وعنه وجميع المسلمين.
قاله ممليه الفقير إلى عفو ربه عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(17/133)
س: رجل وطئ زوجته قبل طواف الإفاضة، فماذا عليه؟ هل يخرج إلى الحل من جديد؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا وطئ الحاج زوجته قبل الطواف فقد أخطأ وعليه التوبة إلى الله، وعليه دم يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، ولا يلزمه بذلك الذهاب إلى الحل، وإنما عليه التوبة إلى الله والفدية والطواف والسعي إن كان لم يسع وكان قارنا أو مفردا، أما إن كان متمتعا فعليه السعي الأول لعمرته، وعليه السعي الثاني بعد الطواف لحجه.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1637) بتاريخ 19 \ 12 \ 1418 هـ.(17/133)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
سماحة الشيخ الفاضل \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظك الله ورعاك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
لقد ذهبت من المنطقة الشرقية (الأحساء) إلى مكة المكرمة وذلك بمناسبة إجازة عيد شهر رمضان المبارك وأخذت هذه الفرصة حتى آخذ أنا وأهلي عمرة في شهر رمضان، ومن الميقات أحرمنا وذهبنا إلى الحرم المكي ثم طفنا وسعينا، وفي الشوط الثاني من السعي قالت لي زوجتي: لقد نزل علي دم وهو من أثر ربط، وقالت أيضا: لقد حسيت بشيء بسيط قبل الدخول إلى الحرم وهذا لم أتأكد منه لكن الآن ثبت نزول الدم. فأخذتها في الحال إلى إحدى بوابات الحرم وسألت أحد الشيوخ هناك فقال لي: هي لا تكمل السعي أما أنت فأكمل العمرة، وأرجو أن تسأل هل عليك كفارة؟ وكان ذلك في تمام الساعة الثامنة صباحا. وبعد إكمالي العمرة ذهبت إلى مقر الفتوى في الحرم فلم أجد أحدا، وقال لي أحد الموجودين: إنه لا يوجد أحد الآن. فأخذت أهلي وذهبت إلى بلدي وقضيت هناك ما بقي من الإجازة ثم رجعت إلى(17/134)
المنطقة الشرقية وبعد عودتي سألت عن ذلك أحد المشايخ فقال لي: إن زوجتي لا تزال محرمة ويحرم عليها ما يحرم على المحرم ويلزمها إكمال العمرة، لذا أرجو من سماحتكم إفادتي عن الحكم الشرعي في ذلك وإذا كانت لا تزال محرمة فلقد اغتسلت وجامعت ومشطت شعرها وقصت أظافرها.
فهل هناك كفارة؟ أو أنه يسقط عنها الإحرام بنزول الدم؟ وهل يلزمها إكمال العمرة؟ أم أنها تعتبر معتمرة حيث إنها نوت العمرة وحدث ذلك بعد النية غصبا عنها. وإذا كان لا بد من إكمال العمرة. فإنني أخبركم بإنني لا أستطيع الذهاب بها الوقت الحاضر نظرا لظروف عملي. وبعد المنطقة (1) ، هذا وأرجو رأي سماحتكم الشرعي والله يحفظكم ويرعاكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما بعد:
إذا كان الواقع هو ما ذكرت في السؤال فالمرأة المذكورة لا تزال محرمة وعليك اجتنابها حتى تذهب إلى مكة وتطوف وتسعى وتقصر، بذلك تكمل عمرتها، وإذا كنت جامعتها في هذه المدة فعليها دم جبران فدية تذبح في مكة للفقراء، جذع
__________
(1) سؤال شخصي مقدم لسماحته من \ ح. ن. ق. من الإحساء- بالمملكة العربية السعودية.(17/135)
ضأن أو ثني معز يجزئ في الأضحية مع التوبة والاستغفار منكما جميعا، وعليها أيضا أن تأتي بعمرة أخرى من الميقات بدلا من هذه العمرة التي فسدت بالجماع، ونسأل الله للجميع الهداية وقبول التوبة، ونوصيكما جميعا بعدم التساهل في أمور الدين وأن تبادر بالاستفتاء في كل ما يشكل عليك، ونسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
والخلاصة: أن على زوجتك أن تكمل عمرتها بالطواف والسعي والتقصير من رأسها، ثم عليها أن تأتي بعمرة أخرى من الميقات إذا كنت قد جامعتها مع الفدية المذكورة آنفا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(17/136)
فضيلة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أستفتي فضيلتكم بسؤالي هذا وهو أنني تزوجت من فتاة ولها عندي ما يقارب السنتين ولي منها بنت. فضيلة الشيخ بعدها قامت زوجتي بإخباري بأنها أدت مناسك العمرة مع أهلها وطافت بالبيت الحرام والدورة كانت معها. فضيلة الشيخ بعدما أخبرتني بذلك قمت بطرح هذا السؤال على فضيلة الشيخ \ صالح بن فريج بمحافظة عفيف طالبا الفتوى في هذا السؤال تبرية لذمتها، وهل يلحقها شيء من ذلك؟ وأجابني جزاه الله خيرا بأن تعيد الزوجة العمرة مرة أخرى. فضيلة الشيخ تأديتها لهذه العمرة قبل أن أتزوجها بمدة أربع سنوات. فضيلة الشيخ \ عبد العزيز بن باز أتينا لفضيلتكم للتأكد من الأمر وإفتائنا عن إجابة هذا السؤال. هذا والله يحفظكم ويرعاكم ويسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
إذا كان الواقع هو ما ذكرتم فالواجب عليها أن تذهب إلى مكة وتطوف وتسعى لعمرتها وتقصر، وعليها دم يذبح في مكة للفقراء عن جماعك لها وهي محرمة لم تحل من عمرتها؛ لأن
__________
(1) سؤال شخصي مقدم من \ ع. ع. ص. ع.(17/137)
طوافها وهي حائض غير صحيح، وعليها أن تعيد العمرة من الميقات؛ لأن الأولى فسدت بالجماع، فيكون الواجب أداء أعمال العمرة الأولى وهي الطواف والسعي والتقصير ثم عمرة ثانية من الميقات، كما أفتى بذلك بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحرم عليك قربانها حتى يجدد العقد - أعني عقد النكاح - بعد فعلها ما ذكرنا مع التوبة إلى الله سبحانه من ذلك. وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(17/138)
81 - حكم مزاولة العادة السرية في الحج
س: الأخ م. ع. م. من الرياض يقول في سؤاله: منذ سبع سنوات ذهبت أنا وأبي لأداء فريضة الحج وكان عمري وقتها حوالي سبعة عشر عاما. وعندما كنت مرتديا الإحرام وقبل الذهاب من مكة إلى منى لأداء مناسك الحج قمت عن جهل مني وعن غير علم بمحظورات الإحرام بمزاولة العادة السرية، وبعد ذلك غسلت غسل الجنابة وارتديت إحرامي ثم ذهبنا إلى منى وأتممنا جميع مناسك الحج والحمد لله. فما حكم حجتي التي هي حجة الفريضة، والذي جعلني أتأخر عن(17/138)
السؤال طوال هذه المدة هو الغفلة. جزاكم الله خيرا ووفقكم وأعانكم (1) .
ج: الحج صحيح في أصح قولي العلماء. وعليك التوبة إلى الله من ذلك؛ لأن تعاطي العادة السرية محرم في الحج وغيره، لقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (2) {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (3) {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (4) ولما فيها من المضار الكثيرة التي أوضحها العلماء. نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق. وعليك دم يذبح في مكة للفقراء.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) سورة المؤمنون الآية 5
(3) سورة المؤمنون الآية 6
(4) سورة المؤمنون الآية 7(17/139)
س: إذا احتلم الإنسان أثناء الإحرام ما حكمه؟ وما عليه؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: بسم الله والحمد لله، إذا احتلم في الإحرام وأنزل المني فعليه الغسل ولا شيء عليه، فإحرامه صحيح ولا يضره شيء؛ لأنه ليس باختياره، وهكذا الصائم في رمضان وغيره إذا احتلم صومه صحيح، ولكن إذا أنزل المني يغتسل غسل الجنابة.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1414) في 13 \ 5 \ 1414 هـ.(17/139)
82 - حكم تغطية
المرأة المحرمة لوجهها وكفيها
س: هل يجوز للمرأة أن تغطي وجهها وكفيها بقفازين عندما تذهب للحج أو للعمرة وهي بذلك ليست مكرهة بل إن وليها أعطاها حرية الخيار بين أن تكشف أو تغطي وجهها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: المرأة في الإحرام ليس لها أن تغطي وجهها بالنقاب أو بالبرقع وليس لها أن تلبس القفازين في اليدين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك فقال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح فيما يلبس المحرم: «ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين (2) » يعني في الإحرام ولكنها تغطي وجهها وكفيها بغير ذلك من خمار ونحوه لجلبابها أو عباءتها أو نحو ذلك، أما النقاب وهو ما يصنع للوجه فإنها لا تلبسه المحرمة لا في العمرة ولا في الحج، قالت عائشة رضي الله عنها: «كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وكنا إذا دنا منا الركبان سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها،
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب ما ينهى من الطيب للمحرم برقم (1838) .(17/140)
فإذا بعدوا كشفنا (1) » ، فالمرأة تفعل هكذا إذا قرب منها رجال تغطي وجهها بخمار ونحوه، لا بنقاب مصنوع للوجه ولا تغطي يديها بقفازين ولكن بغيرهما وهكذا الرجل المحرم لا يغطي وجهه ولا يغطي رأسه بالعمامة ونحوها، ولكن يغطي يديه بغير قفازين عند الحاجة، فلو غطى يديه بالرداء أو بالإزار أو بشيء آخر فلا بأس بذلك، والمرأة كذلك.
__________
(1) سنن أبو داود المناسك (1833) ، سنن ابن ماجه المناسك (2935) ، مسند أحمد بن حنبل (6/30) .(17/141)
83 - الأفضل للمرأة أن تحرم في
شراب وليس لها الإحرام في قفازين
س: سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء عن حكم إحرام المرأة في الشراب - بتشديد الراء - والقفازين، وهل يجوز لها خلع ما أحرمت فيه؟ (1) .
فرد سماحته قائلا: "الأفضل لها إحرامها في الشراب أو مداس فهذا أفضل لها وأستر لها، وإن كانت في ملابس ضافية كفى ذلك".
__________
(1) نشر في جريدة (الجزيرة) في 18 \ 11 \ 1416 هـ.(17/141)
وأضاف سماحته: "وإن أحرمت في شراب ثم خلعته فلا بأس، كالرجل يحرم في نعلين ثم يخلعهما إذا شاء لا يضره ذلك" بيد أن سماحته أكد أنه: "ليس لها أن تحرم في قفازين". وعلل ذلك بقوله: "لأن المحرمة منهية أن تلبس القفازين وهكذا النقاب لا تلبسه على وجهها ومثله البرقع ونحوه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهاها عن ذلك" وأكد سماحته أن عليها أن تسدل خمارها أو جلبابها على وجهها عند وجود رجال غير محارمها وفي الطواف والسعي.
واستشهد بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه (1) » أخرجه أبو داود وابن ماجه.
أما بالنسبة للرجل فقال سماحة الشيخ ابن باز: "يجوز للرجل لبس الخفين ولو غير مقطوعين على الصحيح، وقال الجمهور بقطعهما". ولكن سماحته أضاف: "والصواب أنه لا يلزم قطعهما عند فقد النعلين". واستدل بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس بعرفة فقال: «من لم يجد إزارا فليلبس السراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين (2) » متفق
__________
(1) سنن أبو داود المناسك (1833) ، سنن ابن ماجه المناسك (2935) ، مسند أحمد بن حنبل (6/30) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب لبس الخفين للمحرم برقم (1841) ، ومسلم في (الحج) باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة برقم (1179) .(17/142)
عليه. واختتم سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية إجابته بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لم يأمر بقطعهما فدل ذلك على نسخ الأمر بالقطع".(17/143)
س: امرأة لديها ضعف في البصر، وتنوي الحج هذا العام، وتقول: هل أضع نقابا يغطي وجهي بحيث تظهر العينان، ثم أضع عليه غطاء ساترا خفيفا أتمكن من رؤية الطريق من خلاله، فهل علي إثم لو فعلت ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: لا حرج في ذلك إلا إذا كانت محرمة فليس لها ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «في حق المحرمة: ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين (2) » اهـ. لكن تغطي المحرمة وجهها بغير ذلك كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1683) في 23 ذو القعدة عام 1419 هـ.
(2) رواه البخاري في (الحج) باب ما ينهى من الطيب للمحرم برقم (1838) .(17/143)
84 - المحاورات والجدال
في الحج تثير النزاع والعداوة (1)
حول حرمة الحج وفرضيته على المسلمين والإحرام به والآداب التي لا يجوز معها الجدال وتقليد قبائل الجاهلية يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة: يقول تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (2)
يخبر تعالى أن الحج في أشهر معلومات وهي: شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، وقال تعالى: {مَعْلُومَاتٌ} (3) لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل - عليهما الصلاة والسلام -، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما. وقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} (4) معناه من أحرم بالحج في
__________
(1) نشرت هذه الكلمة في (نشرة رابطة العالم الإسلامي) بتاريخ 12 - 18 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 197
(3) سورة البقرة الآية 197
(4) سورة البقرة الآية 197(17/144)
هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضا عليه يجب عليه أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلا.
فإن الإحرام به يصير فرضا عليه لا يجوز له رفضه، لقول الله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) وقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (2) بيان لآداب المحرم وما يجب عليه أن يتجنبه حال الإحرام، أي يجب أن تعظموا الإحرام بالحج وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه من "الرفث" وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية. "والفسوق" وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام. "والجدال" وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة؛ لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله. والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبرورا.
فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (3) » . ولما كان التقرب إلى الله
__________
(1) سورة البقرة الآية 196
(2) سورة البقرة الآية 197
(3) رواه البخاري في (الحج) باب وجوب العمرة وفضلها برقم (1773) ، ومسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1349) .(17/145)
تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات، فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات، فقال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (1) وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير، خصوصا في أيام الحج وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام، فإن الحسنات تضاعف فيه أكثر من غيره، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد، والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم، فيدخل في ذلك منى ومزدلفة وجميع المساجد التي في داخل الحرم، وهكذا بقية الحرم. لا سيما وقد اجتمع للحاج في هذا المكان وهذا الوقت شرف الزمان وشرف المكان، ومن الجدال الذي نهى عنه في الحج ما كان يجري بين القبائل في الجاهلية في موسم الحج وفي أرض الحرم من التنازع والتفاخر ومدح آبائهم وقبائلهم حتى حولوا الحج من عبادة إلى نزاع وخصام. ومن تحصيل فضائل إلى تحصيل جرائم وآثام، حيث يقول سبحانه: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (2) وقال تعالى عن الحرم: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (3) أما الجدال بالتي هي أحسن فلا حرج
__________
(1) سورة البقرة الآية 197
(2) سورة البقرة الآية 197
(3) سورة الحج الآية 25(17/146)
فيه في مكة وغيرها، يقول الله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)
__________
(1) سورة النحل الآية 125(17/147)
85 - احفظوا أوقاتكم عن
كل ما يضر دينكم ويغضب ربكم (1)
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء وجه كلمة لحجاج بيت الله الحرام حث فيها على تقوى الله عز وجل وتعظيم شعائر الله والتفرغ للعبادة.
وفي كلمته التي وجهها عبر " عكاظ " قال سماحته: إخواني حجاج بيت الله الحرام، أيها المسلمون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: مرحبا بكم في بلد الله الحرام على أرض المملكة العربية السعودية التي شرفها الله تعالى بخدمة الحجاج والعمار والزوار الذين يفدون إليها من كل مكان، ومن عليها بخدمة المقدسات، وتأمينها للطائفين والعاكفين والركع السجود. وأسأل الله عز وجل أن يكتب لكم حج بيته وزيارة مسجد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في أمن وإيمان وسكينة واطمئنان ويسر وقبول، وأن
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) يوم الأحد 30 \ 11 \ 1415 هـ.(17/148)
تعودوا إلى دياركم سالمين مأجورين. وقد غفر لكم وآتاكم من فضله إنه جواد كريم وبالإجابة جدير.
ومضى سماحته قائلا: فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل أينما كانوا، وتوحيد الله وتخصيصه بالعبادة وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف عند حدوده، هذه التقوى التي خلق الله لأجلها الثقلين، وهي العبادة المذكورة في قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (2) وفي قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} (3) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (4) فالتقوى هي توحيد الله والإخلاص له في العمل، والصدق في معاملته، وأوصى بأداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده عن خوف ورجاء ومحبة ورهبة.
كما أوصي إخواني جميعا بالتفقه في الدين، وحضور حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وسؤال أهل العلم عما أشكل عليهم في مسائل الحج وغيرها.
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2) سورة البقرة الآية 21
(3) سورة النساء الآية 1
(4) سورة آل عمران الآية 102(17/149)
كما أوصيهم جميعا بالمحافظة على الصلوات الخمس بالمسجد الحرام، وفي المسجد النبوي، وفي المساجد أينما كانوا مع إخوانهم في الله عز وجل.
وأضاف سماحته: لأن الصلاة عمود الإسلام، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فقد خسر، كما قال النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام -: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (1) » ، وقال - عليه الصلاة والسلام -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » ، وقال - عليه الصلاة والسلام - كذلك: «الصلاة من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان (3) » ، هذا وعيد عظيم ويجب الحذر منه.
وأوصي إخواني أيضا بالإكثار من قراءة القرآن والتدبر
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) حديث معاذ بن جبل برقم (21511) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في حرمة الصلاة برقم (2616) .
(2) رواه الترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2621) .
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (6540) .(17/150)
والتعقل، كتاب الله فيه الهدى والنور، وفيه الدعوة إلى كل خير كما قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1) وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (2) وقال سبحانه وتعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3)
وأوصي إخواني أيضا حجاج بيت الله الحرام وغيرهم من المسلمين بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسماع الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والعمل بما صح عنه - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنه يبلغ عن الله ولا ينطق عن الهوى، كما قال عز وجل: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} (4) {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} (5) {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (6) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (7) ومن أحسن الكتب المختصرة التي تنفع العامة، كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله، وكتاب (بلوغ المرام) للإمام الحافظ بن حجر، وهذه كتب مفيدة نافعة، وينبغي العناية بها والحرص عليها والاستفادة منها.
وأوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بحفظ أوقاتهم
__________
(1) سورة الإسراء الآية 9
(2) سورة ص الآية 29
(3) سورة الأنعام الآية 155
(4) سورة النجم الآية 1
(5) سورة النجم الآية 2
(6) سورة النجم الآية 3
(7) سورة النجم الآية 4(17/151)
عن كل ما يضر دينهم وعن كل ما يغضب ربهم وذلك بالاشتغال بذكر الله والتسبيح والتهليل والتكبير وقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ، والإكثار من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء، والحذر من كل ما حرم الله، والحذر من الغيبة والنميمة، لأنهما من أخبث الكبائر وأشد الكبائر، وأسأل الله لنا ولإخواننا جميعا التوفيق والهداية وصلاح النية والعمل، كما أسأله سبحانه أن يمن على الجميع بالقبول والمغفرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.(17/152)
86 - على الحجاج تجنب افتراش الطرقات
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه، أما بعد (1) :
فإني أوصي إخواني حجاج بيت الله الحرام بتقوى الله عز وجل في جميع الأحوال، والإكثار من ذكره واستغفاره سبحانه وتعالى، والحرص على أداء الصلاة في الجماعة مع المسلمين، والحرص أيضا على حضور حلقات العلم في المسجد الحرام وهكذا في المسجد المدني لمن زار المدينة، كما أوصيهم أيضا بالسؤال عما أشكل عليهم، سؤال أهل العلم عما أشكل عليهم؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (2) » ، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (3) » .
__________
(1) نشر في جريدة (المدينة) بتاريخ 4 \ 12 \ 1415 هـ.
(2) رواه البخاري في (العلم) باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين برقم (71) ، ومسلم في (الزكاة) باب النهي عن المسألة برقم (1037) .
(3) رواه مسلم في (الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن برقم (2699) .(17/153)
فأوصي إخواني جميعا من الحجاج العناية بهذه الأمور، والإكثار من الاستغفار والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، وسؤال الله جل وعلا الثبات على الحق وحسن الخاتمة، لأن العبد على خطر في هذه الدار، فينبغي له أن يكثر من سؤال الله ويسأله الإيمان والثبات على الحق.
ونوصي جميع الحجاج بالحرص على البعد عن جميع ما يؤذي المسلمين، كالنوم في الطرقات والجلوس في الطرقات؛ لأن الله سبحانه يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (1) فأوصي إخواني الحجاج بالبعد عن كل ما يؤذي المسلمين من الحجاج وغيرهم، وأن يحرصوا على أن يكونوا في بعد عما يؤذي إخوانهم في الله في مكة وفي المدينة وفي غيرهما.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 58(17/154)
87 - على الحجاج التقيد
بالتعليمات التي تأمر بها الدولة
س: تضع الأجهزة المشرفة على إسكان الحجاج في المشاعر بعض الضوابط التي تمنع تجاوزها لضمان سلامة الحجاج بإذن الله، مثل منع استخدام عبوات الغاز داخل المخيم حيث يؤدي استخدامه السيء إلى كثير من الأضرار المتعدية إلى الغير، فهل تجاوز الحاج لتلك الضوابط وغيرها من الأنظمة التي وضعت لسلامته تنقص من أجره؟ وما توجيه سماحتكم لحجاج بيت الله للحفاظ على سلامة بعضهم بعضا؟ (1) .
ج: الواجب على الحجاج وفقهم الله هو التقيد بالتعليمات التي تأمر بها الدولة وفقها الله لمصلحة الحجاج؛ لأن الله سبحانه أوجب السمع والطاعة لولاة الأمر في المعروف، والتعليمات التي تقوم بها الدولة لمصلحة الحجاج من جملة المعروف، ومخالفتها معصية ونقص في الأجر، وفق الله الجميع لما يرضيه.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1634) في 21 \ 11 \ 1418 هـ.(17/155)
88 - القيام بالمسيرات
في موسم الحج في مكة المكرمة
باسم البراءة من المشركين بدعة لا أصل لها
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسوله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهداه. أما بعد (1) .:
فإن الله أوجب على عباده المؤمنين البراءة من المشركين في كل وقت وأنزل في ذلك قوله سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (2) وأنزل في ذلك سبحانه في آخر حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله عز وجل: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (3)
وصحت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه بعث الصديق رضي الله عنه عام تسع من الهجرة يقيم للناس حجهم ويعلن البراءة من المشركين، ثم أتبعه بعلي رضي الله
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته بتاريخ 1 \ 12 \ 1413 هـ.
(2) سورة الممتحنة الآية 4
(3) سورة التوبة الآية 1(17/156)
عنه ليبلغ الناس ذلك، وبعث الصديق رضي الله عنه مؤذنين مع علي رضي الله عنه ينادون في الناس بكلمات أربع: لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فأجله إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فله أربعة أشهر يسيح في الأرض، كما قال عز وجل: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} (1) وبعدها أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتال المشركين إذا لم يسلموا، كما قال الله عز وجل: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ} (2) يعني الأربعة التي أجلها لهم - عليه الصلاة والسلام - في أصح قولي أهل العلم في تفسير الأشهر المذكورة في هذه الآية {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3)
هذا هو المشروع في أمر البراءة وهو الذي أوضحته الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه علماء التفسير في أول تفسير سورة براءة - التوبة -، أما القيام بالمسيرات والمظاهرات في موسم الحج في مكة المكرمة أو غيرها لإعلان
__________
(1) سورة التوبة الآية 2
(2) سورة التوبة الآية 5
(3) سورة التوبة الآية 5(17/157)
البراءة من المشركين، فذلك بدعة لا أصل لها ويترتب عليه فساد كبير وشر عظيم، فالواجب على كل من كان يفعله تركه، والواجب على الدولة وفقها الله منعه؛ لكونه بدعة لا أساس لها في الشرع المطهر، ولما يترتب على ذلك من أنواع الفساد والشر والأذى للحجيج، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1) ولم يكن هذا العمل من سيرته - عليه الصلاة والسلام -، ولا من سيرة أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وقال سبحانه: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (2) وقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (4) » . متفق على صحته. وقال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه في خطبة الجمعة أما بعد: «فإن خير الحديث كتاب الله
__________
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2) سورة الشورى الآية 21
(3) سورة الحشر الآية 7
(4) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(17/158)
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (1) » أخرجه مسلم في صحيحه. وقال - عليه الصلاة والسلام -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » أخرجه مسلم أيضا، وقال - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم (3) » . ولم يفعل - صلى الله عليه وسلم - مسيرات ولا مظاهرات في حجة الوداع، وهكذا أصحابه بعده رضي الله عنهم، فيكون إحداث ذلك في موسم الحج من البدع في الدين التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما الذي فعله - عليه الصلاة والسلام - بعد نزول سورة التوبة هو بعث المنادين في عام تسع من الهجرة ليبلغوا الناس أنه لا يحج بعد هذا العام - يعني عام تسع - مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، مع نبذ العهود التي للمشركين بعد أربعة أشهر إلا من كان له عهد أكثر من ذلك فهو إلى مدته، ولم يفعل - صلى الله عليه وسلم - هذا
__________
(1) رواه مسلم في (الجمعة) باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم (867) .
(2) رواه البخاري معلقا في باب النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .
(3) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/159)
التأذين في حجة الوداع؛ لحصول المقصود بما أمر به من التأذين في عام تسع، والخير كله والسعادة في الدنيا والآخرة في اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والسير على سنته وسلوك مسلك أصحابه رضي الله عنهم؛ لأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هم وأتباعهم بإحسان، كما قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1)
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين والسير على منهج سيد المرسلين وأصحابه المرضيين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان ومن البدع في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
__________
(1) سورة التوبة الآية 100(17/160)
89 - منافع الحج
س: ذكر الله في كتابه الكريم أن هناك منافع في الحج فما هي هذه المنافع؟ (1)
ج: لقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه المنافع في قوله جل وعلا في سورة الحج بعدما أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ببناء البيت الحرام: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (2) {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (3)
ومن هذا ذكر بعض المفسرين رحمهم الله تعالى المنافع التي تحصل للحجاج: دنيوية وأخروية مما يشاهده ويحس به الفرد المسلم في نفسه وفي أمته. فمن المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس البيع والشراء، ومكاسب أصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج والحركة المستمرة في وسائل النقل المختلفة، وفائدة الفقراء مما يدفع لهم من صدقات أو يقدم من ذبائح الهدي والضحايا والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم،
__________
(1) نشر في مجلة (البحوث الإسلامية) العدد (7) ص 153 - 162
(2) سورة الحج الآية 27
(3) سورة الحج الآية 28(17/161)
وتسويق البضائع والأنعام إلى غير ذلك مما يلمسه كل مسلم يشارك في الحج، ومن المشاهد أن الله سبحانه يسهل النفقة والبذل فيه على الإنسان حتى تجود يده بما لم يجد به من قبل في حياته العادية، علاوة على ما في الحج من التعارف فيما بين المسلمين والتعاون على مصالحهم.
أما المنافع الدينية التي تعود على الحجيج بالخير الجزيل من أعمال الآخرة فمنها: التفقه في الدين، والاهتمام بشئون المسلمين عموما، والتعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الله سبحانه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاستكثار من الصلاة والطواف وذكر الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم والفوز بما وعد الله به الحجاج والعمار من تكفير السيئات، والفوز بالجنة، وتنزل الرحمة على عباد الله في هذه المشاعر العظيمة. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو فيباهي بهم ملائكته فيقول: ما أراد هؤلاء؟ (2) » رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقال عليه الصلاة والسلام: «العمرة إلى العمرة كفارة
__________
(1) صحيح مسلم الحج (1348، 1348) ، سنن النسائي مناسك الحج (3003، 3003) ، سنن ابن ماجه المناسك (3014، 3014) .
(2) رواه مسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1348) . (1)(17/162)
لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2) » متفق عليه. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (3) » .. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1773) ، صحيح مسلم الحج (1349) ، سنن الترمذي الحج (933) ، سنن النسائي مناسك الحج (2622) ، سنن ابن ماجه المناسك (2888) ، مسند أحمد بن حنبل (2/246) ، موطأ مالك الحج (776) ، سنن الدارمي المناسك (1795) .
(2) (1)
(3) رواه البخاري في (الحج) باب فضل الحج المبرور، برقم (1521) ، ومسلم في (الحج) باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1350) .(17/163)
90 - حج المصر على المعصية صحيح ولا بد من التوبة
س: ما حكم حج المصر على المعصية أو المستمر على ارتكاب صغيرة من الذنوب؟ (1)
ج:
حجه صحيح إذا كان مسلما، لكنه ناقص ويلزمه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من جميع الذنوب ولا سيما في وقت الحج وفي هذا البلد الأمين ومن تاب تاب الله عليه؛
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1540) بتاريخ 22\ 12\ 1416 هـ.(17/163)
لقول الله سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (2) الآية.
والتوبة النصوح هي المشتملة على الإقلاع عن الذنوب والحذر منها تعظيما لله سبحانه وتعالى وخوفا من عقابه مع الندم على ما مضى منها والعزم الصادق على ألا يعود فيها، ومن تمام التوبة رد المظالم إلى أهلها إن كان هناك مظالم في نفس أو مال أو بشرة أو عرض واستحلال أهلها منها.
وفق الله المسلمين لما فيه صلاح قلوبهم وأعمالهم ومن علينا وعليهم جميعا بالتوبة النصوح من جميع الذنوب إنه جواد كريم.
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) سورة التحريم الآية 8(17/164)
باب الفدية(17/165)
صفحة فارغة(17/166)
91 - حكم من فعل محظورات من جنس واحد
س: هل تدخل المحظورات في بعضها البعض وتكون لها كفارة واحدة؟ (1) .
ج: نعم إذا كانت المحظورات من جنس واحد، مثل إذا قلم أظفاره ونتف إبطه أو لبس المخيط عامدا، فعليه التوبة وتكفي فدية واحدة وهي: إطعام ستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام أو ذبح شاة.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (11551) في 10 \ 12 \ 1418 هـ.(17/167)
س: حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: «حملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي. فقال: ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى أتجد شاة؟ قلت: لا. قال: فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع (1) » متفق عليه. هل هذا الحديث تفسير للآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} (2) الآية؟ (3) .
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1816) ، صحيح مسلم الحج (1201) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (2974) ، سنن النسائي مناسك الحج (2851) ، سنن أبو داود المناسك (1860) ، سنن ابن ماجه المناسك (3079) ، مسند أحمد بن حنبل (4/242) ، موطأ مالك الحج (956) .
(2) سورة البقرة الآية 196
(3) سؤال موجه لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/167)
ج: هذا الحديث يفسر الآية المذكورة ويدل بجميع رواياته على التخيير بين الأصناف الثلاثة كما هو ظاهر الآية الكريمة، وهي: صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره، أو ذبح شاة تجزئ في الأضحية.(17/168)
92 - حكم من ترك الإحرام من الميقات
س: إنسان نوى العمرة أو الحج ولكنه اجتاز الميقات وأحرم دونه وأتم أعمال الحج أو العمرة فما الواجب عليه؟ (1) .
ج: عليه أن يذبح هديا يوزعه على فقراء الحرم ولا يأكل منه إذا جاوز ميقاته غير محرم ثم أحرم بعد ذلك وهو ناو العمرة أو الحج حين جاوز الميقات؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وقت المواقيت لأهل المدينة والشام واليمن ونجد: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل
__________
(1) إجابة صدرت من مكتب سماحته عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(17/168)
مكة من مكة (1) » متفق على صحته، ويستثنى من ذلك من أراد العمرة من أهل مكة فإنه يجب أن يحرم من الحل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عائشة بذلك لما أرادت العمرة وهي بمكة منه. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(17/169)
93 - حكم من أحرمت بالعمرة ثم جاءها الحيض وسافرت ولم تؤد العمرة
س: امرأة أحرمت للعمرة ثم جاءها الحيض فخلعت إحرامها وألغت العمرة وسافرت فما الحكم؟ (1) .
ج: هذه المرأة لم تزل في حكم الإحرام وخلعها ملابسها التي أحرمت فيها لا يخرجها عن حكم الإحرام، وعليها أن تعود إلى مكة فتكمل عمرتها، وليس عليها كفارة عن خلعها ملابسها أو أخذ شيء من أظفارها أو شعرها وعودها إلى بلادها إذا كانت جاهلة، لكن إن كان لها زوج فوطئها قبل عودها إلى أداء مناسك العمرة فإنها بذلك تفسد عمرتها، ولكن
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1682) في 16 ذو القعدة 1419 هـ.(17/169)
يجب عليها أن تؤدي مناسك العمرة وإن كانت فاسدة، ثم تقضيها بعد ذلك بعمرة أخرى من الميقات الذي أحرمت منه بالأولى، وعليها مع ذلك فدية وهي سبع بدنة أو سبع بقرة أو رأس من الغنم جذع ضأن أو ثني معز يذبح في الحرم المكي ويوزع بين الفقراء في الحرم عن فساد عمرتها بالوطء. وللمرأة أن تحرم فيما شاءت من الملابس وليس لها ملابس خاصة بالإحرام كما يظن بعض العامة، لكن الأفضل لها أن تكون ملابس الإحرام غير جميلة حتى لا تحصل بها الفتنة، والله أعلم.(17/170)
94 - فدية ترك بعض الواجبات
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ع. م. ب. غ. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
وصلني خطابكم الكريم المؤرخ في 17 \ 2 \ 1392 هـ وصلكم الله بهداه المتضمن السؤال عما حصل لكم في الحج وهو أنك وقفت بعرفة وبت بمزدلفة، وأنك تحللت من الإحرام ولم ترم الجمار بسبب أنك نسيت صلاة الظهر والعصر بعرفة إلى قبيل المغرب، ثم تضايقت نفسك ولم تكمل مناسك الحج وتسأل ماذا يجب عليك في ذلك؟ .
والجواب: إنك لا تزال محرما إلى حين التاريخ ونيتك التحلل من الإحرام غير معتبرة لعدم توفر شروط التحلل وعليك أن تبادر بلبس ملابس الإحرام من حين يصلك هذا الجواب، وتذهب إلى مكة بنية إكمال الحج فتطوف سبعة أشواط بالكعبة طواف الحج، وتصلي ركعتي الطواف، ثم تسعى بين الصفا والمروة سعي الحج، ثم تحلق أو تقصر والحلق أفضل إن لم تكن سابقا حلقت أو قصرت بنية الحج، ثم تتحلل وعليك دم(17/171)
عن ترك رمي الجمار كلها إذا كنت لم ترم جمرة العقبة يوم العيد أو الجمار الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو ثني من المعز أو جذع من الضأن يذبح في الحرم المكي ويوزع بين فقرائه، وعليك دم آخر مثل ذلك عن تركك المبيت بمنى أيام منى إذا كنت لم تبت بها يذبح في الحرم المكي ويوزع بين الفقراء، وعليك مع ذلك التوبة والاستغفار عما حصل من التقصير بترك الرمي الواجب في وقته والمبيت بمنى إن لم تكن بت بها، أما الطواف والسعي والحلق فوقتها موسع ولكن فعلها في وقت الحج أفضل وإذا كنت متزوجا وجامعت زوجتك فقد أفسدت حجك لكن عليك أن تفعل ما تقدم؛ لأن الحج الفاسد يجب إتمامه كالصحيح؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) وعليك قضاؤه في المستقبل حسب الاستطاعة، وعليك بدنة عن إفسادك الحج بمجامعة امرأتك قبل الشروع في التحلل تذبح في الحرم المكي وتوزع بين الفقراء، إلا أن تكون قد رميت الجمرة يوم العيد أجزأتك شاة بدل البدنة ولم يفسد حجك كالذي جامع بعد الطواف قبل أن يكمل تحلله بالرمي أو الحلق. وفق الله الجميع للفقه في دينه والثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/172)
حضرة صاحب السماحة والفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
أفتنا عظم الله أجرك عن الأسئلة الآتية:
1 - خمسة أشخاص دخلوا الحرم لطواف الوداع فلما طافوا شوطا أو شوطين حصل عليهم زحام شديد حتى خافوا على أنفسهم فصلوا ركعتين ودعوا وخرجوا ولم يكملوا طواف الوداع ظنا منهم أن الطواف غير واجب عليهم فماذا يجب عليهم، وإذا وجب عليهم دم فهل يجوز ذبحه وأكله في بلدهم أم لا بد من ذبحه في مكة وهل إذا لزم أحد دم هل هو على الفور أم على التراخي.
2 - رجل حج فريضة فلما وصل إلى الميقات أحرم بالعمرة متمتعا فلما قدم مكة سعى وقصر قبل طواف القدوم ثم طاف ولبس ثيابه وفي اليوم الثامن أحرم بالحج مع الناس ولم يحصل عليه خلل حيث قد فهم من فعل الناس أن الطواف هو الأول والسعي بعده، وأما فعله بالعمرة فجهلا منه بالحكم ويذكر أن معه زوجته وحجها فرضها وهذا الحج المذكور له عدة سنوات وقد حج الرجل بعده مرة(17/173)
دون زوجته فأرجو توضيح الحكم عظم الله أجركم.
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الشيخ م. ع. ع. سلمه الله وتولاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
كتابكم الكريم المؤرخ في 9 \ 1 \ 1388 هـ وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من السؤالين كان معلوما:
السؤال الأول: عن جماعة شرعوا في طواف الوداع فلما طافوا شوطا أو شوطين اشتد عليهم الزحام فقطعوا الطواف ثم صلوا ركعتين ثم خرجوا ظنا منهم أنه غير واجب.
والجواب: هؤلاء الجماعة حسب الأدلة الشرعية على كل واحد منهم فدية وهي سبع بدنة أو سبع بقرة أو جذع ضأن أو ثني معز لأن الراجح في طواف الوداع أنه واجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به ونهى عن النفير قبله، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما وهذا الهدي يذبح في مكة ويقسم على فقراء(17/174)
الحرم كما نص على ذلك أهل العلم احتجاجا بقوله سبحانه: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1) {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2) وبقوله سبحانه في جزاء الصيد: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (3) وهو واجب على الفور، لأن الأدلة الشرعية قد دلت على أن الأوامر على الفور إلا ما نص الشرع على التوسيع فيه وذلك أبلغ في الامتثال وأبعد من خطر الترك أو النسيان.
السؤال الثاني: متمتع بالعمرة إلى الحج فلما دخل مكة سعى وقصر قبل الطواف ثم طاف ثم حل ثم حج.
والجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء والأقرب إن شاء الله أن عمرته صحيحة؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل في حجة الوداع عمن سعى قبل الطواف فقال: «لا حرج (4) » أخرجه أبو داود في سننه بإسناد جيد، أما كونه قصر قبل تمام العمرة ولم يقصر بعد ذلك فهذا يجبر بدم، لأن التقصير نسك واجب في العمرة بعد الطواف والسعي وقد تركه فينبغي أن يفدي عن ذلك فديا كالهدي
__________
(1) سورة الحج الآية 32
(2) سورة الحج الآية 33
(3) سورة المائدة الآية 95
(4) رواه أبو داود في (المناسك) باب فيمن قدم شيئا قبل شيء في حجه برقم (2015) .(17/175)
المذكور في جواب السؤال الأول يذبح في مكة ويوزع بين فقرائها وينبغي أيضا أن يفدي عن تقصيره الذي وقع في غير محله جهلا منه بأحد ثلاثة أشياء: إما صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من التمر أو الحنطة أو الأرز أو الشعير، أو ذبح شاة على ما في حديث كعب بن عجرة؛ لكونه فعل ما يخالف الشرع وكان في إمكانه أن يسأل أهل العلم قبل أن يقدم على عمله هذا، والإطعام والنسك محلهما مكة، أما الصيام ففي كل مكان والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.(17/176)
س: سائلة تسأل وتقول: لقد أديت فريضة الحج قبل خمس سنوات، ولكني لم أرم إلا في المرة الأولى، أي رميت ليلة العيد قبل الفجر، حيث إننا خرجنا من مزدلفة بعد منتصف الليل خوفا من الزحام، ثم إنني رميت الحصيات ولا أعلم هل وقعت في الحوض أم طاشت عنه ولم تقع، وكان وقتها الزحام شديدا وكنت في ذلك الوقت جاهلة أنه يجب أن تقع الحصيات في الحوض، كما أنني لم أرم في اليوم الثاني والثالث وإنما وكلت أخي في الرمي عني، وذلك خوفا من الزحام فقط، كما أنني كنت جاهلة أنه على المرأة أن ترمي بنفسها ولا توكل إلا لعجزها عن ذلك. أفيدوني بالذي يجب علي في رمي للحصيات حينما كنت لا أعلم هل كانت تقع في الحوض أم كانت تطيش عنه، وما الذي يجب علي في توكيلي لأخي في الرمي في اليوم الثاني والثالث، هل يجب علي فدية أم ماذا جزاكم الله خيرا؟ (1) .
ج: عليك عن جميع ذلك ذبيحة واحدة عن ترك الرمي في اليوم الثاني والثالث وأنت قادرة، وعن رمي اليوم الأول الذي شككت هل وصلت الجمرات إلى الحوض أم لا،
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(17/177)
والمقصود أن عليك دما واحدا، وهو ذبيحة جذع من الضأن أو ثني من المعز كالضحية يذبح في مكة للفقراء عن ترك هذا الواجب؛ لأنه لا بد من العلم بوقوع الحصى في المرمى أو غلبة الظن بذلك.(17/178)
95 - من تحرك من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم مع التوبة إلى الله
س: وقفت بعرفة حتى قبيل المغرب ورأيت الحجاج يتحركون إلى مزدلفة فسرت معهم، وقد نبهني أحد الحجاج بعدم المسير الآن ولكنني لم أسمع كلامه، فهل حجي صحيح؟ أو ماذا علي؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا (1) .
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكرت في السؤال ولم ترجع إلى عرفة بعد الغروب فعليك دم يذبح في منى أو مكة للفقراء، مع التوبة إلى الله من ذلك. وفق الله الجميع.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1687) في 29 ذو الحجة 1419 هـ.(17/178)
96 - حكم إجزاء الفدية الواحدة لمن أخل بواجب أو فعل محظورا
س: إذا أخل حاج ببعض واجبات الحج كأن لم يحرم من الميقات أو أخذ شيئا من جسمه كشعر أو ظفر أو غطى رأسه، هل يكفي لذلك فدية واحدة أم أن كل واجب متروك أو محظور عليه فدية مستقلة بذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: من ترك واجبا من واجبات الحج كالإحرام من الميقات فعليه دم يذبح في الحرم للفقراء، يجزئ في الأضحية أو سبع بدنة أو سبع بقرة، فإن لم يجد صام عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
أما من فعل محظورا من محظورات الإحرام، مثل قص الشعر أو الأظافر أو لبس المخيط عالما بالتحريم ذاكرا له فعليه فدية ذلك، وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو ذبح شاة تجزئ في الأضحية، أو صيام ثلاثة أيام؛ لحديث كعب بن عجرة الثابت في ذلك، فإن كان ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1681) في 9 ذو القعدة 1419 هـ.(17/179)
97 - حكم من لم يطف طواف
الإفاضة ورجع إلى بلاده وجامع أهله
س: رجل لم يطف طواف الإفاضة ورجع إلى بلاده وجامع أهله فماذا عليه؟ (1) .
ج: عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعليه ذبيحة تذبح في مكة للفقراء، وعليه أن يرجع ويطوف طواف الإفاضة، وهذا خطأ عظيم عليه التوبة إلى الله والاستغفار والرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة، وعليه دم يذبح في مكة؛ لأن إتيانه زوجه قبل طواف الإفاضة لا يجوز وفيه دم، والصواب أنه يكفيه شاة رأس من الغنم أو سبع بدنة أو سبع بقرة.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(17/180)
باب صيد الحرم(17/181)
صفحة فارغة(17/182)
98 - بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق
وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث وآثار
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد (1) :
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء أعزاء للتواصي بالحق والتذكير به والدعوة إليه، والنصح لله ولعباده، أسأل الله أن يصلح قلوبنا جميعا، وأعمالنا وأن يمنحنا جميعا وجميع المسلمين الفقه في الدين، والثبات عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم، وأن يوفق حكام المسلمين جميعا للتمسك بشريعته، والحكم بها، وإلزام الشعوب بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ثم أشكر إخواني القائمين على هذا النادي، وعلى رأسهم الأخ الكريم صاحب الفضيلة الدكتور راشد الراجح مدير جامعة
__________
(1) محاضرة ألقاها سماحته في النادي الأدبي في مكة مساء الأحد 26 \ 11 \ 1408 هـ.(17/183)
أم القرى ورئيس النادي، على دعوتهم لي لهذه المحاضرة وعنوانها: حرمة مكة المكرمة ومكانة البيت العتيق، وما ورد في ذلك من الآثار.
أيها الإخوة في الله لا يخفى على كل من له أدنى علم، وأدنى بصيرة حرمة مكة، ومكانة البيت العتيق؛ لأن ذلك أمر قد أوضحه الله في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبينه رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة، وبينه أهل العلم في كتبهم ومناسكهم، وفي كتب التفسير.
والأمر بحمد الله واضح ولكن لا مانع من التذكير بذلك، والتواصي بما أوجبه الله من حرمتها والعناية بهذه الحرمة، ومنع كل ما يضاد ذلك ويخالفه، يقول الله عز وجل في كتابه المبين: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (1) {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (2)
أوضح الله سبحانه في هذه الآيات، أن البيت العتيق، هو أول بيت وضع للناس وأنه مبارك، وأنه هدى للعالمين. وهذه تشريفات عظيمة، ورفع لمقام هذا البيت، وتنويه بذلك.
وقد ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر
__________
(1) سورة آل عمران الآية 96
(2) سورة آل عمران الآية 97(17/184)
رضي الله عنه «أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس، فقال عليه الصلاة والسلام: " المسجد الحرام " قلت: ثم أي؟ قال: " المسجد الأقصى " قلت: كم بينهما: قال: " أربعون عاما " قلت: ثم أي؟ قال: حيثما أدركتك الصلاة فصل، فإن ذلك مسجد (1) » .
ويبين هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (2) » . . . . الحديث.
هذا البيت العتيق هو أول بيت وضع للناس للعبادة والطاعة، وهناك بيوت قبله للسكن، ولكن أول بيت وضع للناس ليعبد الله فيه، ويطاف به، هو هذا البيت، وأول من بناه هو خليل الله إبراهيم عليه السلام، وساعده في ذلك ابنه إسماعيل.
أما ما روي أن أول من عمره هو آدم فهو ضعيف، والمحفوظ والمعروف عند أهل العلم أن أول من عمره هو خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأول بيت وضع بعده
__________
(1) رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان) برقم (3425) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) أول الكتاب (باب) برقم (520) .
(2) رواه البخاري في (التيمم) باب قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء) برقم (335) .(17/185)
للعبادة هو المسجد الأقصى على يد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وكان بينهما أربعون سنة، ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبي الله عليه الصلاة والسلام، وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت، وأول بيت وضع للناس للعبادة، وهو بيت مبارك لما جعل الله فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه، والطواف به، والصلاة حوله والعبادة، كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب، وغفران الخطايا قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1) فالله سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه، ولا يشبعون من المجيء إليه، بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه، والمثابة إليه، لما جعل الله في قلوب المؤمنين من المحبة له والشوق إلى المجيء إليه، لما يجدون في ذلك من الخير العظيم، ورفيع الدرجات، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، ثم جعله آمنا يأمن فيه العباد، وجعله آمنا للصيد الذي فيه، فهو حرم آمن، يأمن فيه الصيد الذي أباح الله للمسلمين أكله خارج الحرم، يأمن فيه حال وجوده به، حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل.
__________
(1) سورة البقرة الآية 125(17/186)
ويقول سبحانه: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (1) يعني وجب أن يؤمن، وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد، ولا قتل، بل ذلك قد يقع وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله، وعدم التعرض له بسوء، وكانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج، فهذا البيت العتيق، وهذا الحرم العظيم، جعله الله مثابة للناس وأمنا، وأوجب على نبييه إبراهيم وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين، وقال في الآية الأخرى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (2) والقائم هنا هو المقيم وهو العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم المصلون.
فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت، وهكذا جميع ولاة الأمور، يجب عليهم ذلك. ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن، وأن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده، ولا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، ولا يسفك فيه دم ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف،
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) سورة الحج الآية 26(17/187)
ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا حرمة هذا البيت. فيجب على المسلمين، وعلى ولاة الأمور، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، والظلم لهم، والتعدي عليهم حجاجا أو عمارا أو غيرهم.
فالعاكف: المقيم، والطائف: معروف، والركع السجود: هم المصلون. فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه، والمتعبدين فيه، وإذا وجب على الناس أن يحترموه، وأن يدفعوا عنه الأذى، فالواجب عليهم أيضا أن يطهروا هذا البيت، وأن يحذروا معاصي الله فيه، وأن يتقوا غضبه وعقابه، وأن لا يؤذي بعضهم بعضا، ولا أن يقاتل بعضهم بعضا، فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه، وأن يحذروا معصية الله فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضا، ولا يؤذي بعضهم بعضا، لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة.
والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، فإن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، ولكنها مضاعفة بالكيفية.
فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك:(17/188)
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) ومن يرد فيه أي يهم فيه ويقصد. فضمن يرد معنى يهم ولهذا عداه بالباء، بقوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (2) أي من يهم فيه بإلحاد بظلم. فإذا كان من هم بالإلحاد أو أراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعله؟
إذا كان من يهم ومن يريد متوعدا بالعذاب الأليم، فالذي يفعل الجريمة، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب، والعذاب الأليم.
ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (3) وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد وهو الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.
وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (4) وبين جل وعلا عظمة هذا المكان، وأن الله جعله آمنا وجعله حرما، ليس لأحد من المقيمين فيه ولا من الواردين إليه، أن يتعدى حدود الله فيه، أو أن يؤذي الناس فيه.
__________
(1) سورة الحج الآية 25
(2) سورة الحج الآية 25
(3) سورة الحج الآية 25
(4) سورة الحج الآية 25(17/189)
ومن ذلك يعلم أن التعدي على الناس وإيذاءهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل من الكبائر.
ولما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، خطب الناس وقال: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمه الناس، وإن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار، وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب (1) » وقال: «إنه لا يحل لأحد أن يسفك فيه دما، أو يعضد فيه شجرة، ولا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد (2) » أي معرف.
فإذا كان الصيد والشجر محترمين فيه، فكيف بحال المسلم؟ فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم، فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئا مما يؤذي الناس لا بقول ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقادا لشرع الله فيه، وأن يعظم حرمات الله أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلما لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر،
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب برقم (104) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها برقم (1354) .
(2) رواه البخاري في (الجزية) باب إثم الغادر للبر والفاجر برقم (3189) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها برقم (1353) .(17/190)
ويعينهم على الخير وعلى ترك الشر ولا يؤذي أحدا لا بكلام ولا بفعل، ثم قال جل وعلا في سورة آل عمران: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} (1)
فالله جعل فيه آيات بينات، وهي التي فسرها العلماء بمقام إبراهيم، أي مقامات إبراهيم؛ لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة فيعم جميع مقامات إبراهيم، فالحرم كله مقام إبراهيم تعبد فيه، ومن ذلك المشاعر عرفات والمزدلفة ومنى، كل ذلك من مقام إبراهيم، ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء، والذي يصلي إليه الناس الآن كله من مقامات إبراهيم.
ففي ذلك ذكرى لأولياء الله المؤمنين، ليتأسوا بنبي الله إبراهيم، كما أمر الله نبينا محمدا بذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (2) فأمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم الخليل أبي الأنبياء جميعا. ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل جميعا، وأكملهم بلاغا ونفعا للناس، وتوجيها لهم إلى الخير، وإرشادا لهم إلى الهدى، وأسباب السعادة.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 97
(2) سورة النحل الآية 123(17/191)
فالواجب على كل مسلم من هذه الأمة أن يتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم في أداء الواجبات، وترك المحرمات، وكف الأذى عن الناس، وإيصال الخير إليهم.
فمن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبينوا وأن يرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسئولين أن ينفذوا حكم الله، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار وغيرهم كائنا من كان من الحجاج أو من غير الحجاج، من السكان أو من غير السكان، من جميع أجناس الناس.
يجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف، أن يصونوه وأن يحفظوه، وأن يحموه من كل أذى كما أوجب الله ذلك، وأوجبه نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك يعلم أن ما حدث في العام الماضي عام 1407 هـ من بعض حجاج إيران من الأذى، أمر منكر، وأمر شنيع لا تقره شريعة ولا يقره ذو عقل سليم، بل شريعة الله تحرم ذلك، وكتاب الله يحرم ذلك وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم تحرم ذلك. وهذا ما بينه أهل العلم وأجمعوا عليه من وجوب احترام هذا البيت وتطهيره من كل أذى، وحمايته من كل معصية، ومن كل ظلم، ووجوب تسهيل أمر الحجيج والعمار وإعانتهم على الخير، وكف الأذى عنهم، وأنه لا(17/192)
يجوز لأحد أبدا لا من إيران ولا من غير إيران أن يؤذوا أحدا من الناس، لا بكلام ولا بفعال، ولا بمظاهرات ولا بمسيرات جماعية تؤذي الناس، وتصدهم عن مناسك حجهم وعمرتهم، بل يجب على الحاج أن يكون كإخوانه المسلمين في العناية بالهدوء والإحسان إلى إخوانه الحجاج وغيرهم، والرفق بهم وإعانتهم على الخير والبعد عن كل أذى.
هكذا يجب على الحجيج من كل جنس، ومن كل مكان طاعة لله عز وجل، وتعظيما لبيته العتيق، وإظهارا لحرمة هذا المكان العظيم: مكة المكرمة، وتنفيذا لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرا على منهج رسوله، ومنهج أصحابه رضي الله عنهم.
هذا هو الواجب على الجميع، وهذا الأمر بحمد الله واضح لا يخفى على أحد، وإنما يؤذي الناس في هذا البيت العتيق من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أو من يجهل أحكام الله أو يقصد ظلم العباد، فيكون عليه من الوزر ما يستحق بسبب إيذائه وظلمه.
وأما من آمن بالله واليوم الآخر، إيمانا صحيحا، فإن إيمانه يردعه عن كل ما حرم الله في هذا المكان وغيره. فإن الإيمان يردع أهله عن التعدي على حدود الله، وارتكاب محارمه سبحانه، وإنما يقدم العبد على المعصية لضعف إيمانه.(17/193)
والواجب على ولاة الأمور إزاء المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة: العناية بحمايتهما ودفع الأذى عنهما وعن سكانهما، وعمن يقصدهما من العمار والحجاج، والزوار طاعة لله، ولرسوله، وتعظيما لأمر الله عز وجل، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعونا للجميع على طاعة الله ورسوله وتأمينا لقلوبهم حتى لا يذهلوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم، أو يقعوا في شيء مما حرمه الله عليهم، والله يقول سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ} (2) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (3) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (4) فلا بد من التواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى في هذا المكان وغيره، بل إن هذا المكان أعظم من غيره، وأفضل من غيره، فإن مكة المكرمة هي أفضل البقاع، وهي أحب البلاد إلى الله وأفضل مكان وأعظم مكان، ثم يليها المدينة المنورة، والمسجد الأقصى، هذه هي المساجد الثلاثة التي خصها الله بمزيد التشريف على غيرها، هي أعظم مساجد الله، وأفضل مساجد الله، وأولى مساجد الله بالاحترام والعناية.
__________
(1) سورة المائدة الآية 2
(2) سورة العصر الآية 1
(3) سورة العصر الآية 2
(4) سورة العصر الآية 3(17/194)
وأعظم ذلك هذا البيت العتيق الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا. وواجب على أهله والوافدين إليه أن يعرفوا قدره، وأن يعرفوا فضله، حتى لا يقعوا فيما حرم الله. وهذا واجب الجميع من المقيم والوارد، ويجب على المقيمين فيه والساكنين فيه أن يعرفوا قدره وأن يعظموه وأن يحذروا ما حرم الله.
فإذا كان المريد فيه بذنب له عذاب أليم فكيف بالفاعل، وليس الوارد إليه هو المخاطب بهذا الأمر إذ المقيم أولى وأولى، لأنه دائم فيه.
والواجب عليه أن يعلم ما حرم الله، وأن يبتعد عن معصية الله، وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله وأن يكون عونا لإخوانه في مكة وإخوانه الوافدين إليها في حج وعمرة، وأن يكون مرشدا لهم في الخير، وهكذا على سكان مكة أن يعينوهم ويوجهوهم إلى الخير، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة، وأن يحذروا إيذاءهم بأي أذى من قول أو فعل، وأن يكونوا دعاة للحق.
هكذا يجب في هذين المسجدين، وفي هاتين البلدتين، ويجب على المسلم في كل زمان ومكان أن يتقي الله وأن يعظم حرماته، وأن يتعاون مع إخوانه على البر والتقوى، وأن يبتعد عن كل ما حرم الله عز وجل، ويجب على ولاة الأمور الضرب(17/195)
بيد من حديد على كل من خالف أمر الله، أو أراد أن يتعدى حدوده، أو يؤذي عباده، طاعة لله سبحانه وتعالى، وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام، وحماية للمسلمين من الحجاج والعمار والزوار وغيرهم واحتراما لهذا البلد العظيم، وهذا البلد الأمين، أن تنتهك فيه حرمات الله، أو يتعدى فيه على حدود الله، أو يؤمن فيه من لا يخاف الله ويراقبه، على إيذاء عباده وتعكير صفو حجهم وأمنهم بفعل سيئ، أو بقول سيئ.
ونسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يوفق المسلمين في كل مكان لكل ما فيه رضاه، وأن يصلح قلوبهم وأعمالهم، وأن يرزقهم أداء حقه، والبعد عن محارمه أينما كانوا وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح البلاد والعباد، وأن يعينهم على أداء الواجب، وعلى حماية بيته العتيق، ومدينة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام من كل أذى، ومن كل سوء، وأن يكبت أعداء الإسلام أينما كانوا، وأن يشغلهم بأنفسهم عن إيذاء عباده، وأن يجعل تدميرهم في تدبيرهم أينما كانوا، وأن يكفي المسلمين شرهم إنه جل وعلا جواد كريم وسميع قريب، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(17/196)
99 - مضاعفة السيئة في مكة
س: هل تضاعف السيئة في مكة مثل ما تضاعف الحسنة؟ ولماذا تضاعف في مكة دون غيرها؟ .
ج: الأدلة الشرعية دلت على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل مثل رمضان وعشر ذي الحجة، والمكان الفاضل كالحرمين، فإن الحسنات تضاعف في مكة مضاعفة كبيرة. وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا (1) » فدل ذلك على أن الصلاة بالمسجد الحرام تضاعف بمائة ألف صلاة فيما سوى المسجد النبوي، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه سوى المسجد الحرام، وبقية الأعمال الصالحة
__________
(1) رواه الإمام الإمام أحمد في (أول مسند المدنيين) حديث عبد الله بن الزبير بن العوام برقم (15685) .(17/197)
تضاعف، ولكن لم يرد فيها حد محدود إنما جاء الحد والبيان في الصلاة، أما بقية الأعمال كالصوم والأذكار وقراءة القرآن والصدقات فلا أعلم فيها نصا ثابتا يدل على تضعيف محدد، وإنما فيها في الجملة ما يدل على مضاعفة الأجر وليس فيها حد محدود. والحديث الذي فيه: «من صام رمضان في مكة كتب الله له مائة ألف رمضان (1) » حديث ضعيف عند أهل العلم.
والحاصل: أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة لا شك فيها (أعني مضاعفة الحسنات) ولكن ليس في النص فيما نعلم حدا محدودا ما عدا الصلاة، فإن فيها نصا يدل على أنها مضاعفة بمائة ألف كما سبق.
أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد ولكن تضاعف من جهة الكيفية أما العدد فلا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} (2) فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرهما، بل السيئة بواحدة دائما وهذا من فضله سبحانه وتعالى وإحسانه.
ولكن سيئة الحرم وسيئة رمضان وسيئة عشر ذي الحجة أعظم في الإثم من حيث الكيفية لا من جهة العدد، فسيئة في
__________
(1) سنن ابن ماجه المناسك (3117) .
(2) سورة الأنعام الآية 160(17/198)
مكة أعظم وأكبر وأشد إثما من سيئة في جدة والطائف مثلا، وسيئة في رمضان وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب أو شعبان ونحو ذلك، فهي تضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد.
أما الحسنات فإنها تضاعف كيفية وعددا بفضل الله سبحانه وتعالى، ومما يدل على شدة الوعيد في سيئات الحرم وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة قول الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة وحتى الهم بها فيه هذا الوعيد.
وإذا كان من هم بالإلحاد في الحرم يكون له عذاب أليم، فكيف بحال من فعل الإلحاد وفعل السيئات والمنكرات في الحرم؟ فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهم، وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير، وكلمة إلحاد تعم كل ميل إلى باطل سواء كان في العقيدة أو غيرها؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (2) فنكر الجميع، فإذا ألحد أي إلحاد - والإلحاد هو الميل عن الحق - فإنه متوعد بهذا الوعيد. وقد يكون الميل عن العقيدة فيكفر فيكون ذنبه أعظم وإلحاده أكبر، وقد يكون الميل إلى سيئة من السيئات كشرب
__________
(1) سورة الحج الآية 25
(2) سورة الحج الآية 25(17/199)
الخمر أو الزنا أو عقوق الوالدين أو أحدها فتكون عقوبته أخف وأقل من عقوبة الكافر. (بظلم) هذا يدل على أنه إذا كان يرجع إلى الظلم فإن الأمر خطير جدا فالظلم يكون في المعاصي، ويكون في التعدي على الناس، ويكون بالشرك بالله، فإذا كان إلحاده بظلم نفسه بالمعاصي أو بالكفر فهذا نوع من الإلحاد، وإذا كان إلحاده بظلم العباد بالقتل أو الضرب أو أخذ الأموال أو السب أو غير ذلك فهذا نوع آخر، وكله يسمى إلحادا وكله يسمى ظلما وصاحبه على خطر عظيم. لكن الإلحاد الذي هو الكفر بالله والخروج عن دائرة الإسلام هو أشدها وأعظمها كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (1) والله أعلم.
__________
(1) سورة لقمان الآية 13(17/200)
100 - عرفة ليست من الحرم
س: امرأة أرادت أن تصلي في عرفة فضايقها غصن شجرة فقطعته وهي جاهلة، فما الحكم؟ أفيدونا بارك الله فيكم (1) .
ج: بسم الله والحمد لله، شجر عرفة ليس بمحرم فقطع غصن منها لا يضر؛ لأن عرفة حلال وليست من الحرم فإذا قطع شيء منها فلا يضر.
__________
(1) نشر في جريدة (الندوة) العدد (12281) في 8 \ 12 \ 1419 هـ.(17/200)
س: لقد ذهبت والدتي إلى الحج وخلال الإحرام نسيت فاقتلعت بعض الشجيرات، هل يجوز حجها وماذا يجب عليها الآن أن تفعل؟ (1)
ج: هذه المسألة فيها تفصيل: فإذا كان إحرامها من الميقات فالشجر الذي قلعته لا يضر؛ لأنه ليس بحرم مثل ميقات أهل المدينة وميقات أهل الطائف (وادي محرم) وهكذا ميقات اليمن، وهكذا ميقات أهل الشام ومصر والعراق، كلها ليست بحرم، فما قلع منها من شجر أو نبات فلا يضر وليس فيه شيء، أما إن كانت اقتلعت أثناء إحرامها بالحرم وسط الحرم بمكة فهذا خطأ، وليس عليها فيه شيء سوى التوبة إلى الله من ذلك؛ أولا: لجهلها، وثانيا: لأنه ليس هناك نص واضح في إيجاب قيمة ما يقلع من الشجر أو النبات الأخضر.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (8) في 4 \ 12 \ 1408 هـ.(17/201)
101 - حكم قطع غرس بني آدم في الحرم
س: هل غرس بني آدم منهي عن قطعه في الحرم؟ (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام(17/201)
ج: غرس بني آدم غير داخل في النهي، وإنما النهي عن قطع شجرها النابت بغير إنبات الآدمي، أما ما كان من إنباته من نخل وغيره فمتى شاء قطعه.(17/202)
102 - حكم رعي الغنم في الحرم
س: صاحب الغنم إذا أرسل غنمه يرعى في الحرم؟ (1) .
ج: الرعي ليس فيه بأس.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام(17/202)
103 - خصوصية حمام مكة والمدينة
س: هل هناك خصوصية لحمام مكة والمدينة؟ (1)
ج: ليست هناك خصوصية لحمام مكة ولا لحمام المدينة سوى أنه لا يصاد ولا ينفر ما دام في حدود الحرم لعموم حديث: «إن الله حرم مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها (2) » ، والحديث رواه
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد العاشر عام 1410 هـ.
(2) رواه البخاري في (الجزية) باب إثم الغادر للبر والفاجر برقم (3189) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم مكة وصيدها برقم (1353) .(17/202)
البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها (1) » رواه مسلم.
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب فضل المدينة برقم (1362) .(17/203)
104 - حكم قتل الجراد في الحرم
س: لو قتلت المرأة جرادة أو جرادتين هل عليها كفارة؟ (1)
ج: إذا قتل الجراد بغير سبب فإنه يفدي بقيمته في حق المحرم وهكذا من قتله في الحرم.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/203)
105 - حكم الفدية في الصيد بالقتل المتعمد
س: هل تلزم الفدية في الصيد بالقتل المتعمد؟ (1)
ج: تلزم الفدية من تعمد قتل الصيد وهو محرم أو قتله
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/203)
في الحرم لقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (1) الآية. والجمهور من أهل العلم ألحقوا المخطئ بالمتعمد؛ لأن الإتلاف عندهم يستوي فيه المتعمد وغيره. لكن صريح القرآن يدل على أن الفدية لا تلزم إلا المتعمد، وهذا هو الأظهر، ولأن المحرم قد يبتلى بذلك من غير قصد ولا سيما بعد وجود السيارات وقد قال الله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2)
__________
(1) سورة المائدة الآية 95
(2) سورة البقرة الآية 185(17/204)
106 - حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه
أنه أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم
س: حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه وقال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم (1) » متفق عليه. هل هو ناسخ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه في قصة صيده الحمار الوحشي وهو غير
__________
(1) رواه البخاري في (الحج) باب إذا أهدي للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل برقم (1825) ، ومسلم في (الحج) باب تحريم الصيد للمحرم برقم (1193) .(17/204)
محرم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وكانوا محرمين: «هل منكم أحد أعانه أو أشار إليه بشيء؟ قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي من لحمه (1) » متفق عليه. لأن حديث أبي قتادة في الحديبية وحديث الصعب في الصلح؟ (2)
ج: لا تعارض بينهما؛ لأن أبا قتادة لم يصده للمحرمين ولم يعينوه عليه. وأما الصعب فقد أهداه للنبي صلى الله عليه وسلم حيا والمحرم ممنوع من الصيد الحي كما أنه ممنوع من أكل ما صيد من أجله، ولو كان صاحبه قد ذبحه هذا هو الجمع بين الحديثين، ويدل على ذلك أيضا حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم (3) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1824) ، صحيح مسلم الحج (1196) ، سنن الترمذي كتاب الحج (847) ، سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2824) ، سنن أبو داود المناسك (1852) ، سنن ابن ماجه المناسك (3093) ، مسند أحمد بن حنبل (5/301) ، موطأ مالك الحج (786) ، سنن الدارمي المناسك (1827) .
(2) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.
(3) رواه أبو داود في (المناسك) باب لحم الصيد للمحرم برقم (1851) .(17/205)
س: هل ورد في بعض الروايات أنه حي؟ (1)
ج: في بعض الروايات أنه حي، وفي بعضها أنه أهدى عجز حمار أو رجل حمار، ورواية رجل حمار أو عجز حمار
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/205)
محمولة على أنه صاده من أجل النبي عليه الصلاة والسلام.(17/206)
س: أبو قتادة هل صاده لأجلهم أم أنه أهداه لهم؟ (1)
ج: لم يصده لأجلهم وإنما أهداه لهم كما تقدم.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/206)
باب دخول مكة(17/207)
صفحة فارغة(17/208)
107 - الطهارة عند الإحرام بالحج أو العمرة
س: هل يشترط لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يكون على طهارة أم لا؟ أفتونا يا سماحة الشيخ مأجورين.
ج: ليس بشرط، لا في العمرة ولا في الحج ولا في القرآن، فلو أحرم على غير طهارة أو هو جنب أو أحرمت الحائض أو النفساء صح ذلك، ولهذا تحرم الحائض للحج والعمرة ولكن لا تطوف بالبيت حتى تغتسل، وهكذا الرجل لو أحرم وهو جنب أو على غير وضوء صح إحرامه، فيلبي ويذكر الله ولكن لا يطوف حتى يغتسل ويتوضأ، فليس من شرط الإحرام الطهارة.(17/209)
108 - السنة للمحرم الاضطباع في طواف القدوم
س: الأخ أ. ص. ح. من الطائف يقول في سؤاله: المعروف أن كشف الكتف الأيمن للمحرم لا يكون إلا في طواف القدوم، ولكننا نلحظ كثيرا من المحرمين(17/209)
يكشفونها من حال إحرامهم حتى انتهاء عمرتهم، وأكثرهم يصلون وهي مكشوفة. ألا ترون سماحتكم أن من المناسب الطلب من أئمة المساجد في المواقيت أن ينبهوا مثل هؤلاء قبل التكبير للصلاة أن يغطوا أكتافهم؟ (1)
ج: السنة للمحرم في طواف القدوم أن يضطبع بردائه، وهو أن يجعل وسطه تحت إبطه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر، فإذا فرغ من الطواف أزال ذلك، وجعل الرداء على كتفيه قبل أن يصلي ركعتي الطواف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء (2) » ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم كانوا يضعون الرداء على العاتقين في الصلاة وخارجها. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية)
(2) رواه البخاري في (الصلاة) باب إذا صلى في الثوب الواحد برقم (359) ، ومسلم في (الصلاة) باب الصلاة في ثوب واحد برقم (516) .(17/210)
س: هل الأفضل للمحرم تغطية الكتفين أم الكشف عن أحدهما أثناء الإحرام؟ (1)
ج: السنة للمحرم أن يجعل الرداء على كتفيه جميعا ويجعل طرفيه على صدره، هذا هو السنة، وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يطوف طواف القدوم -
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1542) في 6 محرم 1417 هـ.(17/210)
للحج والعمرة - اضطبع، فجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن، وأطرافه على عاتقه الأيسر، وكشف منكبه الأيمن في حالة طواف القدوم خاصة، أي أول ما يقدم مكة للحج أو العمرة، فإذا انتهى من الطواف عدل الرداء وجعله على منكبيه وصلى ركعتي الطواف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء (1) » متفق على صحته. والسنة أن يستر منكبيه بالرداء بعد طواف القدوم وقبل ركعتي الطواف؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ولهذا الحديث، ولو وضع الرداء ولم يسترهما في وقت جلوسه أو أكله أو تحدثه مع إخوانه فلا بأس، لكن السنة إذا لبس الرداء أن يكون على كتفيه، وأطرافه على صدره، إلا في حال طواف القدوم - كما تقدم.
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) باب إذا صلى في الثوب الواحد برقم (359) ، ومسلم في (الصلاة) باب الصلاة في ثوب واحد برقم (516) .(17/211)
109 - حكم الرمل
س: ما حكم الرمل؟ (1)
ج: سنة في الطواف الأول حين يقدم مكة لحج أو عمرة في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم، وهو الإسراع في
__________
(1) من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في درس بلوغ المرام(17/211)
المشي، ويسمى الجذب، أما الأربعة الأخيرة فيمشي فيها مشيا، المشي المعتاد تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.(17/212)
110 - يجزئ الطواف والسعي عن الطفل وحامله
س: هل يجزئ الطواف والسعي عن الطفل وحامله أم لا بد من إفراده بطواف وسعي؟
ج: يجزئ الطواف والسعي عن الطفل وحامله في أصح قولي العلماء، إذا كان الحامل نوى ذلك، وإن طاف به طوافا مستقلا وسعيا مستقلا كان ذلك أحوط.(17/212)
111 - الطواف من داخل حجر إسماعيل غير صحيح
س: رجل طاف من داخل حجر إسماعيل وسعى وحل الإحرام ثم ذهب إلى داره وجامع زوجته، هل عليه إثم في ذلك؟ (1)
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية بالحج) العدد (10) في 11 \ 12 \ 1410 هـ.(17/212)
ج: هذه العمرة فاسدة؛ لأن طوافه غير صحيح، فعليه أن يعيد الطواف والسعي ويقصر شعره، وعليه دم شاة تذبح في مكة عن جماعه زوجته قبل إتمام عمرته، لأن طوافه من داخل الحجر غير صحيح، لا بد أن يطوف من وراء الحجر، وبذلك تتم عمرته الفاسدة، ثم يأتي بعمرة أخرى صحيحة بدلا عنها من الميقات الذي أحرم بالأولى منه، هذا هو الواجب عليه؛ لفساد عمرته الأولى بالوطء.(17/213)
112 - الطهارة شرط لصحة الطواف
س: ما الدليل على أن الطواف لا بد فيه من الطهارة؟ (1)
ج: الدليل أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يطوف توضأ» . وقال صلى الله عليه وسلم: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام (2) » ، جاء هذا مرفوعا وموقوفا على ابن عباس رضي الله
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)
(2) رواه بنحوه الإمام أحمد في (مسند المكيين) حديث رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم برقم (14997) ، والنسائي في (مناسك الحج) باب إباحة الكلام في الطواف برقم (2922) .(17/213)
عنهما، والموقوف أصح إسنادا، ولكنه لا يقال من جهة الرأي فهو في حكم المرفوع؛ لأن الصحابي إذا قال ما لا يمكن قوله من جهة الرأي فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان ممن لا ينقل عن بني إسرائيل، وهذا القول لا تعلق له بأخبار بني إسرائيل، ولا دخل للرأي فيه، فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما يدل على ذلك حديث عائشة المذكور.
فالنبي صلى الله عليه وسلم طاف طاهرا وقال: «خذوا عني مناسككم (1) » .
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297)(17/214)
س: لي قريبة اعتمرت في رمضان، ولما دخلت الحرم أحدثت حدثا أصغر، خرج منها ريح وخجلت أن تقول لأهلها أريد أن أتوضأ، ثم طافت ولما انتهت من الطواف ذهبت لوحدها وتوضأت ثم أتت بالسعي، فهل عليها دم أم كفارة؟ وجزاكم الله خيرا (1) .
ج: طوافها غير صحيح؛ لأن من شرط صحة الطواف الطهارة كالصلاة، فعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف بالبيت،
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة (الدعوة)(17/214)
ويستحب لها أن تعيد السعي؛ لأن أكثر أهل العلم لا يجيز تقديمه على الطواف، ثم تقصر من جميع رأسها وتحل، وإن كانت ذات زوج وقد جامعها زوجها فعليها دم يذبح في مكة للفقراء، وعليها أن تأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي أحرمت منه للعمرة الأولى؛ لأن العمرة الأولى فسدت بالجماع، فعليها أن تفعل ما ذكرنا ثم تأتي بالعمرة الجديدة من الميقات الذي أحرمت للعمرة الأولى منه، سواء كان ذلك في الحال أو في وقت آخر، حسب طاقتها. والله ولي التوفيق.(17/215)
س: السائلة أم خالد تقول: امرأة تطهرت ثم نامت في السيارة وهي في طريقها إلى مكة، ثم طافت ولم تتوضأ، وبقيت متمتعة حتى الحج وقضت حجها وحلت إحرامها فماذا عليها؟ جزاكم الله خيرا.
ج: بسم الله، والحمد لله. إذا كان النوم الذي جاءها كان على صفة النعاس فلا حرج، فالنعاس لا ينقض الوضوء، أما إذا كانت مستغرقة في النوم الذي ينقض الوضوء فحكمها حكم من لم يطف بالبيت، فتكون قارنة، وطواف الإفاضة وسعي الإفاضة يكفي عن طواف العمرة وسعيها، والحمد لله.(17/215)
113 - من قطع طوافه لحدث أو لحاجة هل يستأنفه أم يبني على ما مضى
س: الأخ الذي رمز لاسمه: ق. ن. ع. من القاهرة يقول في سؤال له: رجل شرع في الطواف فخرج منه ريح، هل يلزمه قطع طوافه أم يستمر؟
ج: إذا أحدث الإنسان في الطواف بريح أو بول أو مني، أو مس فرج أو ما أشبه ذلك انقطع طوافه كالصلاة، يذهب فيتطهر ثم يستأنف الطواف، هذا هو الصحيح، والمسألة فيها خلاف، لكن هذا هو الصواب في الطواف والصلاة جميعا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، وليتوضأ، وليعد الصلاة (1) » رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة، والطواف من جنس الصلاة في الجملة، لكن لو قطعه لحاجة مثلا، كمن طاف ثلاثة أشواط ثم أقيمت الصلاة فإنه يصلي ثم يرجع فيبدأ من مكانه ولا يلزمه الرجوع
__________
(1) رواه أبو داود في (الطهارة) باب من يحدث في الصلاة برقم (205) ، وفي (الصلاة) باب إذا أحدث في صلاته برقم (1005) .(17/216)
إلى الحجر الأسود، بل يبدأ من مكانه ويكمل، خلافا لما قاله بعض أهل العلم: إنه يبدأ من الحجر الأسود. والصواب: لا يلزمه ذلك، كما قال جماعة من أهل العلم، وكذا لو حضر جنازة وصلى عليها، أو أوقفه أحد يكلمه، أو زحام، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكمل طوافه، ولا حرج عليه في ذلك. والله ولي التوفيق.(17/217)
114 - حكم طواف من خرج من جرحه دم
س: في حالة طوافي حدث لي جرح خرج منه دم فهل يؤثر ذلك علي؟
ج: الأرجح أنه لا يؤثر إن شاء الله وطوافك صحيح؛ لأن خروج الدم بالجرح فيه خلاف هل ينقض الوضوء أم لا؟ وليس هناك دليل واضح على نقضه الوضوء ولا سيما إذا كان الدم قليلا فإنه لا يضر، وبكل حال فالصواب في هذه المسألة صحة الطواف، إذ الأصل صحة الطواف، وبطلانه مشكوك فيه، والخلاف فيه معروف، فالأفضل هو سلامة الطواف وصحته، هذا هو الأصل وهذا هو الأرجح.(17/217)
115 - حكم طواف من لامس امرأة أجنبية
س: رجل كان يطوف طواف الإفاضة في زحام شديد ولامس جسم امرأة أجنبية عنه هل يبطل طوافه ويبدأه من جديد قياسا على الوضوء أم لا؟
ج: لمس الإنسان جسم المرأة حال طوافه أو حال الزحمة في أي مكان لا يضر طوافه، ولا يضر وضوءه، في أصح قولي العلماء. وقد تنازع الناس في لمس المرأة هل ينقض الوضوء؟ على أقوال:
قيل: لا ينقض مطلقا.
وقيل: ينقض مطلقا.
وقيل: ينقض إن كان مع الشهوة.
والأرجح من هذه الأقوال والصواب منها أنه لا ينقض الوضوء مطلقا، وأن الرجل إذا مس المرأة أو قبلها لا ينتقض وضوءه في أصح الأقوال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم(17/218)
قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ولأن الأصل سلامة الوضوء وسلامة الطهارة، فلا يجوز القول بأنها منتقضة بشيء إلا بحجة قائمة لا معارض لها، وليس هنا حجة قائمة تدل على نقض الوضوء بلمس المرأة مطلقا. أما قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (1) فالصواب في تفسيرها أن المراد به الجماع وهكذا القراءة الأخرى أو لامستم النساء فالمراد بها الجماع، كما قال ابن عباس وجماعة، وليس المراد به مجرد مس المرأة كما يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه، بل الصواب في ذلك هو الجماع كما يقوله ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة.
وبهذا يعلم أن الذي مس جسمه جسم امرأة في الطواف أن طوافه صحيح، وهكذا الوضوء، ولو مس امرأته أو قبلها فوضوءه صحيح ما لم يخرج منه شيء، لكن ليس له أن يمس جسم امرأة ليست محرما له على وجه العمد.
__________
(1) سورة النساء الآية 43(17/219)
116 - حكم استلام «الركن اليماني (1) » من الكعبة
س: ما حكم المسح أو الإشارة إلى الركن الجنوبي الغربي للكعبة المشرفة أثناء الطواف وكم عدد التكبيرات
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1644) .(17/219)
التي تقال عنده وعند الحجر الأسود؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
ج: يشرع للطائف أن يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط من أشواط الطواف، كما يستحب له تقبيل الحجر الأسود خاصة في كل شوط مع الاستلام، حتى في الشوط الأخير إذا تيسر ذلك من دون مشقة، أما مع المشقة فيكره له الزحام ويشرع أن يشير إلى الحجر الأسود بيده أو عصاه ويكبر، أما الركن اليماني فلم يرد فيما نعلم ما يدل على الإشارة إليه، وإنما يستلمه بيمينه إذا استطاع من دون مشقة ولا يقبله، ويقول: " بسم الله والله أكبر " أو " الله أكبر "، أما مع المشقة فلا يشرع له استلامه، ويمضي في طوافه من دون إشارة أو تكبيرة لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم - كما أوضحت ذلك في كتابي (التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة) .
أما التكبير فيكون مرة واحدة ولا أعلم ما يدل على شرعية التكرار، ويقول في طوافه كله ما تيسر من الدعوات والأذكار(17/220)
الشرعية، ويختم كل شوط بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يختم به كل شوط، وهو الدعاء المشهور: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1)
وجميع الأذكار والدعوات في الطواف والسعي سنة وليست واجبة. أما الركنان اللذان يليان الحجر فلا يشرع مسحهما، ولا أن يخصا بذكر أو دعاء؛ لأن ذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2) وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة البقرة الآية 201
(2) سورة الأحزاب الآية 21
(3) رواه البخاري معلقا في باب النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718) .(17/221)
س: رأيت الناس يتمسحون بالمقام ويحبونه ويتمسكون بأطراف الكعبة، وضح الحكم في ذلك؟ (1) .
ج: التمسح بالمقام أو بجدران الكعبة أو بالكسوة كل هذا أمر لا يجوز ولا أصل له في الشريعة، ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قبل الحجر الأسود واستلمه واستلم
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (10) في 11 \ 12 \ 1410 هـ.(17/221)
جدران الكعبة من الداخل، لما دخل الكعبة ألصق صدره وذراعيه وخده في جدارها وكبر في نواحيها ودعا، أما في الخارج فلم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك فيما ثبت عنه، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه التزم الملتزم بين الركن والباب، ولكنها رواية ضعيفة، وإنما فعل ذلك بعض الصحابة رضوان الله عليهم. فمن فعله فلا حرج، والملتزم لا بأس به، وهكذا تقبيل الحجر سنة.
أما كونه يتعلق بكسوة الكعبة أو بجدرانها أو يلتصق بها، فكل ذلك لا أصل له ولا ينبغي فعله؛ لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك التمسح بمقام إبراهيم أو تقبيله كل هذا لا أصل له ولا يجوز فعله؛ لأنه من البدع التي أحدثها الناس.
أما سؤال الكعبة أو دعاؤها أو طلب البركة منها فهذا شرك أكبر لا يجوز، وهو عبادة لغير الله، فالذي يطلب من الكعبة أن تشفي مريضه أو يتمسح بالمقام يرجو الشفاء منه، فهذا لا يجوز، بل هو شرك أكبر - نسأل الله السلامة -.(17/222)
117 - الدعاء في الطواف
س: القارئة \ ز. ع. ع. من مصر تسأل: عن مدى صحة الدعاء أثناء الحج أو العمرة في الطواف(17/222)
بـ (أخرجني من الظلمات إلى النور) ، وهل للطواف والسعي في الحج والعمرة أدعية محددة كما في كتاب يقرؤه الحجاج والمعتمرون، أم أن الدعاء بما ورد وصح من آيات وأحاديث بدون تحديد أولى؟ أفتوني مأجورين وجزيتم خيرا (1) .
ج: يشرع الدعاء والذكر في الطواف والسعي بما يسر الله من الأذكار الشرعية والدعوات الطيبة التي لا محذور فيها، وليس في ذلك شيء محدود، إلا أنه يستحب ختم كل شوط من أشواط الطواف السبعة بالدعاء المعروف: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (2) بين الركنين: اليماني والأسود؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما يشرع التكبير عند استلام الحجر الأسود وتقبيله، وعند الإشارة إليه إذا لم يتيسر استلامه، وهكذا يشرع عند استلام الركن اليماني أن يقول الطائف: " بسم الله والله أكبر ".
ويشرع على الصفا والمروة جميع الأذكار والدعاء الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مع رفع اليدين واستقبال الكعبة وقراءة قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (3)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية)
(2) سورة البقرة الآية 201
(3) سورة البقرة الآية 158(17/223)
عند بدء السعي كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: «نبدأ بما بدأ الله به (2) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم برقم (1218)
(2) سورة البقرة الآية 158 (1) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}(17/224)
118 - حكم الطواف وراء المقام أو وراء زمزم
س: ما حكم الطواف وراء المقام أو وراء زمزم؟ (1) .
ج: لا حرج في ذلك حتى ولو طاف في الأروقة أجزأه ذلك، ولكن كل ما دنا من الكعبة كان أفضل، وإذا كان هناك سعة وليس فيه زحمة فدنا من الكعبة فهو أفضل، وإن شق عليه ذلك طاف من بعيد، ولا حرج في ذلك.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (11) في 15 \ 12 \ 1411 هـ.(17/224)
119 - الإكثار من الطواف والصلاة
س: هل الأفضل تكرار الطواف أم التطوع بصلاة؟ (1)
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (11) في 15 \ 12 \ 1411 هـ.(17/224)
ج: في التفضيل بينهما خلاف، لكن الأولى أن يجمع بين الأمرين فيكثر من الصلاة والطواف حتى يجمع بين الخيرين، وبعض العلماء فضل الطواف في حق الغرباء؛ لأنهم لا يجدون الكعبة في بلدانهم، فاستحب أن يكثروا من الطواف ما داموا بمكة، وقوم فضلوا الصلاة؛ لأنها أفضل من الطواف، فالأفضل والأولى فيما أرى أن يكثر من هذا ويكثر من هذا، وإن كان غريبا، حتى لا يفوته فضل أحدهما، يساهم في هذا وفي هذا.(17/225)
س: هل الرسول عليه الصلاة والسلام في آخر شوط من طوافه كبر؟ (1)
ج: نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما حاذى الحجر كبر في الشوط الأخير والشوط الأول والأشواط التي بينها.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/225)
120 - حكم من شك هل أتم سبعة أشواط أم لا
س: ما حكم من لم يدقق في طواف القدوم أي ساوره شك في أنه أتم سبعة أشواط أو لم يتم ثم سعى؟ (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة لسماحته في دروس في المسجد الحرام عام 1418 هـ.(17/225)
ج: إذا كان الشك طرأ عليه بعد الطواف أو حين الانصراف من الطواف فالشك الطارئ لا يلتفت إليه، أما إذا كان الشك وهو يطوف فالواجب عليه أن يتمم، فإذا شك هل طاف ستة أو سبعة فعليه أن يكمل السابع، أما إذا كان الشك لم يطرأ إلا بعد ذلك، وهو فيما يظهر له أنه مكمل ثم جاءه الشيطان وشككه فيما بعد، فليس على التشكيك عمل، وعليه إذا كان الشك من حين الطواف أن يعيد الطواف، إن كان طواف القدوم لمن جاء من بلاد خارجية، وطواف القدوم من البلاد الخارجية يجزئه عنه طواف الإفاضة بعد ذلك إذا كان قارنا أو مفردا وبقي على إحرامه فإن طوافه بعد الحج يكفيه عن طواف القدوم، أما إذا كان متمتعا وطاف طواف القدوم ولم يجزم تلك الساعة فإنه يعتبر كأنه ما طاف، لكن يكون قارنا إذا كان متمتعا وأحرم بالحج يكون قارنا؛ لأن طوافه يعتبر لاغيا، أما إذا كان الشك طرأ بعد ذلك فلا يعتبر هذا الشك؛ لأن الشك بعد العبادة لا يلتفت إليه.(17/226)
121 - حكم دخول النساء إلى مكة من أجل الطواف وقت الزحام
س: ما رأيكم في دخول المرأة مكة للطواف في ليالي(17/226)
الجمع وغيرها مع ما تعلمون من الازدحام؟ (1)
ج: عدم دخول النساء إلى مكة من أجل الطواف أفضل من دخولهن؛ لأنهن في الأغلب لا يحصل منهن التحجب المشروع، ولا يحصل منهن التحرز من مزاحمة الرجال عند الحجر وغيره، وبذلك يعلم أن عدم دخولهن أولى وأفضل من دخولهن؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لا سيما والمصلحة في دخولهن تخصهن، والمضرة الحاصلة بذلك تضرهن وغيرهن، كما هو ظاهر من حال النساء اليوم، إلا من رحم الله. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في مجلة (الجامعة الإسلامية) .(17/227)
122 - كل طواف يشرع بعده ركعتان
س: هل بعد طواف الإفاضة وطواف الوداع صلاة ركعتين خلف المقام، وما هو الدليل على ذلك؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: كل طواف يشرع بعده ركعتان خلف المقام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف صلى ركعتين. والنبي
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية عام 1402 هـ.(17/227)
صلى الله عليه وسلم لما طاف طواف الوداع في حجته صلى ركعتين ثم سافر عليه الصلاة والسلام للمدينة. ومن لم يتيسر له أن يصلي خلف المقام صلى في أي مكان في المسجد. والله الموفق.(17/228)
123 - ركعتا الطواف خلف المقام سنة وليست واجبة
س: هل ركعتا الطواف خلف المقام تلزم لكل طواف وما حكم من نسيها؟ (1)
ج: لا تلزم خلف المقام، تجزئ الركعتان في كل مكان من الحرم. ومن نسيها فلا حرج عليه؛ لأنها سنة وليست واجبة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشر في جريدة (المدينة) العدد (8602) .(17/228)
س: هل يجب على الطائف بالكعبة المشرفة أن يصلي ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم أو يجوز أن يصليهما في أي مكان من الحرم؟ (1)
ج: لا يجب على الطائف أن يصلي الركعتين خلف مقام إبراهيم ولكن يشرع له ذلك إذا تيسر من دون مشقة، وإن
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1679) في 25 شوال 1419 هـ.(17/228)
صلاهما في أي مكان من المسجد الحرام أو في أي مكان من الحرم كله أجزأه ذلك، ولا يشرع له أن يزاحم الطائفين لأدائهما حول المقام، بل ينبغي له أن يتباعد عن الزحام وأن يصليهما في بقية المسجد الحرام؛ لأن عمر رضي الله عنه صلى ركعتي الطواف في بعض طوافه بذي طوى، وهي من الحرم لكنها خارج المسجد الحرام، وكذلك أم سلمة رضي الله عنها صلت لطواف الوداع خارج المسجد الحرام، والظاهر أن سبب ذلك الزحام، أو أرادت بذلك أن تبين للناس التوسعة الشرعية في هذا الأمر.(17/229)
124 - الشرب من ماء زمزم سنة
س: هل هناك حديث صحيح عن فائدة ماء زمزم؟
ج: ماء زمزم قد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه ماء شريف وماء مبارك، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زمزم: «إنها مباركة إنها طعام طعم (1) » ،
__________
(1) رواه مسلم في (فضائل الصحابة) باب فضائل أبي ذر برقم (2473)(17/229)
زاد في رواية عند أبي داود بسند جيد: «وشفاء سقم (1) » ، فهذا الحديث الصحيح يدل على فضلها، وأنها طعام طعم وشفاء سقم، وأنها مباركة. والسنة الشرب منها كما شرب منها النبي صلى الله عليه وسلم، ولما فيها من البركة، وهي طعام طيب طعام مبارك طعام يشرع التناول منه إذا تيسر، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث الصحيح يدلنا على ما تقدم من فضلها، وأنها مباركه، وأنها طعام طعم وشفاء سقم، وأنه يستحب للمؤمن أن يشرب منها إذا تيسر له ذلك، ويجوز له الوضوء منها، ويجوز أيضا الاستنجاء منها، والغسل من الجنابة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبع الماء من بين أصابعه، ثم أخذ الناس حاجتهم من هذا الماء ليشربوا وليتوضأوا وليغسلوا ثيابهم وليستنجوا، كل هذا واقع، وماء زمزم إن لم يكن مثل الماء الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فوق ذلك، فكلاهما ماء شريف، فإذا جاز الوضوء والاغتسال والاستنجاء وغسل الثياب من الماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم فهكذا يجوز من ماء زمزم.
وبكل حال فهو ماء طهور طيب يستحب الشرب منه، ولا
__________
(1) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده برقم (457)(17/230)
حرج في الوضوء منه، ولا حرج في غسل الثياب منه، ولا حرج في الاستنجاء منه إذا دعت الحاجة إلى ذلك. والحمد لله.(17/231)
125 - صفة السعي
س: ما هي صفة السعي، ومن أي مكان يبدأ الساعي، وما عدد أشواطه؟ (1)
ج: يبدأ من الصفا ويختم بالمروة، والعدد سبعة أشواط، أولها يبدأ بالصفا وآخرها ينتهي بالمروة، يذكر الله فيها ويسبحه ويدعو، ويكرر الدعاء والتكبير على الصفا والمروة ثلاث مرات، رافعا يديه مستقبلا القبلة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك.
__________
(1) نشر في جريدة (الندوة) العدد (9869) في 12 \ 12 \ 1411 هـ.(17/231)
126 - حكم من نسي بعض أشواط السعي
س: رجل أتى بعمرة وترك أربعة أشواط من السعي نسيانا أو جهلا فماذا عليه؟ (1)
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) في العدد (10) في 10 \ 12 \ 1410 هـ.(17/231)
ج: عليه أن يكملها فيأتي بها حتى يتم سعيه سواء كان في الحج أو في العمرة، وإن سافر إلى بلده فعليه أن يرجع إلى مكة ويكمل الأشواط التي تركها حتى تتم عمرته، وهو في حكم الإحرام الذي يمنعه من أهله حتى يكمل عمرته، وإن أعاد السعي كله فهو أحوط.(17/232)
127 - لا تشترط الموالاة بين أشواط السعي
س: جماعة سعوا بين الصفا والمروة فأتوا بخمسة أشواط ثم خرجوا من المسعى ولم يذكروا الشوطين الباقيين إلا بعد أن تحولوا إلى رحالهم فما الحكم؟ (1)
ج: هؤلاء الذين سعوا خمسة أشواط ثم ذهبوا إلى رحالهم ولم يتذكروا الشوطين الآخرين، عليهم الرجوع حتى يكملوا الشوطين ولا حرج، وهذا هو الصواب؛ لأن الموالاة بين أشواط السعي لا تشترط على الراجح، وإن أعادوه من أوله فلا بأس، لكن الصواب أنه يكفيهم أن يأتوا بالشوطين ويكملوا، هذا هو الأرجح من قولي العلماء في ذلك.
__________
(1) نشر في كتاب (فتاوى تتعلق بأحكام الحج والعمرة والزيارة) ص 34.(17/232)
128 - حكم من بدأ بالمروة في السعي
س: أنا شيخ كبير وطفت للعمرة ثم سعيت سبعة أشواط ولكني بدأت من المروة وقصرت في الصفا ولبست المخيط، فما حكم ذلك؟ (1)
ج: هذا عليه أن يأتي بشوط آخر؛ لأنه فاته شوط، إلا إذا كان سعى ثمانية أشواط فلا حرج، والشوط الأول يكون لاغيا لا يضره؛ لكونه بدأ من المروة، المقصود أنه إذا كان بدأ بالمروة وختم بالصفا ثمانية أشواط يكون له منها سبعة أشواط كاملة، أما إن كانت سبعة فقد فاته شوط وعليه تكملته، ويعيد تقصير رأسه حتى تتم عمرته، والتقصير الأول لا يكفيه؛ لأنه قصر قبل أن يكمل السعي، والشوط الأول الذي بدأه من المروة لا يعتبر.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية بالحج) العدد (10) في 11 \ 12 \ 1410 هـ.(17/233)
129 - يجب الحلق أو التقصير على الحاج وإن كان ينوي أن يضحي
س: سماحة الشيخ \ الرجل الذي ينوي الحج ويعقد(17/233)
النية أن يكون متمتعا وهو وصي على أضاحي، فما الحكم إذا رغب في إحلال إحرامه بعد أداء مناسك العمرة؟ (1)
ج: يجب عليه الحلق أو التقصير، سواء كان وكيلا أو مضحيا عن نفسه، إذا كان متمتعا بالعمرة قبل أن يفعل شيئا من محظورات الإحرام.
__________
(1) إجابة صدرت من مكتب سماحته عن أسئلة مقدمة من مندوب جريدة (الجزيرة) بالسليل.(17/234)
باب صفة الحج والعمرة
(1) يوم التروية(17/235)
صفحة فارغة(17/236)
130 - هكذا حج الرسول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون من حجاج بيت الله الحرام:
أسأل الله لنا ولكم التوفيق لما يرضيه والعافية من مضلات الفتن، كما أسأله سبحانه أن يوفقكم جميعا لأداء مناسككم على الوجه الذي يرضيه، وأن يتقبل منكم، وأن يردكم إلى بلادكم سالمين موفقين إنه خير مسئول.
أيها المسلمون إن وصيتي للجميع هي تقوى الله سبحانه في جميع الأحوال، والاستقامة على دينه، والحذر من أسباب غضبه، وإن أهم الفرائض وأعظم الواجبات هو توحيد الله والإخلاص له في جميع العبادات، مع العناية باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال. وأن تؤدوا مناسك الحج وسائر العبادات على الوجه الذي شرعه الله لعباده على لسان رسوله وخليله وصفوته من خلقه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وإن أعظم المنكرات(17/237)
وأخطر الجرائم هو الشرك بالله سبحانه، وهو صرف العبادة أو بعضها لغيره سبحانه لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) وقوله سبحانه مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (2)
حجاج بيت الله الحرام، إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة وهي حجة الوداع، وذلك في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وقد علم الناس فيها مناسكهم بقوله وفعله، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (3) » . فالواجب على المسلمين جميعا أن يتأسوا به في ذلك وأن يؤدوا مناسكهم على الوجه الذي شرعه لهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد وقد بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، وأمر الله عباده بأن يطيعوه وبين أن اتباعه هو سبب دخول الجنة والنجاة من النار، وأنه الدليل على صدق حب العبد لربه وعلى حب الله للعبد، كما قال الله تعالى:
__________
(1) سورة النساء الآية 48
(2) سورة الزمر الآية 65
(3) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297)(17/238)
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} (1) وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) وقال عز وجل: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (3) وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (4) وقال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (5) {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (6) وقال عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (7) وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (8) والآيات في هذا المعنى
__________
(1) سورة الحشر الآية 7
(2) سورة النور الآية 56
(3) سورة النساء الآية 80
(4) سورة الأحزاب الآية 21
(5) سورة النساء الآية 13
(6) سورة النساء الآية 14
(7) سورة الأعراف الآية 158
(8) سورة آل عمران الآية 31(17/239)
كثيرة. فوصيتي لكم جميعا ولنفسي تقوى الله في جميع الأحوال، والصدق في متابعة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله لتفوزوا بالسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة. حجاج بيت الله الحرام، إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الثامن من ذي الحجة توجه من مكة المكرمة إلى منى ملبيا، وأمر أصحابه رضي الله عنهم أن يهلوا بالحج من منازلهم ويتوجهوا إلى منى ولم يأمر بطواف الوداع، فدل ذلك على أن السنة لمن أراد الحج من أهل مكة وغيرهم من المقيمين فيها ومن المحلين من عمرتهم وغيرهم من الحجاج أن يتوجهوا إلى منى في اليوم الثامن ملبين بالحج، وليس عليهم أن يذهبوا إلى المسجد الحرام للطواف بالكعبة طواف الوداع.
ويستحب للمسلم عند إحرامه بالحج أن يفعل ما يفعله في الميقات عند الإحرام من الغسل والطيب والتنظيف، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك لما أرادت الإحرام بالحج، وكانت قد أحرمت بالعمرة فأصابها الحيض عند دخول مكة وتعذر عليها الطواف قبل خروجها إلى منى، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بالحج ففعلت ذلك فصارت قارنة بين الحج والعمرة. وقد «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا دون جمع (1) » ، وهذا هو السنة تأسيا
__________
(1) صحيح البخاري الحج (1756) ، سنن الدارمي المناسك (1873) .(17/240)
به صلى الله عليه وسلم. ويسن للحجاج في هذه الرحلة أن يشتغلوا بالتلبية، وبذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن، وغير ذلك من وجوه الخير كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الفقراء، فلما طلعت الشمس يوم عرفة توجه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم إلى عرفات منهم من يلبي ومنهم من يكبر، فلما وصل عرفات نزل بقبة من شعر ضربت له بنمرة غربي عرفة واستظل بها عليه الصلاة والسلام، فدل ذلك على جواز أن يستظل الحجاج بالخيام والشجر ونحوها.
فلما زالت الشمس ركب دابته عليه الصلاة والسلام وخطب الناس وذكرهم، وعلمهم مناسك حجهم، وحذرهم من الربا وأعمال الجاهلية، وأخبرهم أن دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام، وأمرهم بالاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأخبرهم أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالواجب على جميع المسلمين أن يلتزموا بهذه الوصية وأن يستقيموا عليها أينما كانوا، ويجب على حكام المسلمين جميعا أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحكموهما في جميع شئونهم، وأن يلزموا شعوبهم بالتحاكم لهما، وذلك هو طريق العزة والكرامة والسعادة(17/241)
والنجاة في الدنيا والآخرة. وفق الله الجميع لذلك. ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الظهر والعصر قصرا وجمعا جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين بعد زوال الشمس، ولم يفصل بينهما بصلاة، ثم توجه إلى الموقف واستقبل القبلة ووقف على دابته يذكر الله ويدعوه ويرفع يديه بالدعاء حتى غابت الشمس، وكان مفطرا ذلك اليوم، فعلم بذلك أن المشروع للحجاج أن يفعلوا كفعله صلى الله عليه وسلم في عرفات، وأن يشتغلوا بذكر الله والدعاء والتلبية إلى غروب الشمس، وأن يرفعوا أيديهم بالدعاء وأن يكونوا مفطرين لا صائمين.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة، وإنه سبحانه ليدنو فيباهي بهم ملائكته (1) » ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم «أن الله يقول يوم عرفة لملائكته: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا يرجون رحمتي أشهدكم أني قد غفرت لهم (2) » ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف (3) » .
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة برقم (1348) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) مسند عبد الله بن عمرو بن العاص برقم (7049) .
(3) رواه مسلم في (الحج) باب ما جاء في أن عرفة كلها موقف برقم (1218) .(17/242)
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الغروب توجه ملبيا إلى مزدلفة وصلى بها المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بأذان واحد وإقامتين قبل حط الرحال، ولم يصل بينهما شيئا. فدل ذلك على أن المشروع لجميع الحجاج المبادرة بصلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا بأذان واحد وإقامتين من حين وصولهم إلى مزدلفة قبل حط الرحال، ولو كان ذلك في وقت المغرب؛ تأسيا به صلى الله عليه وسلم وعملا بسنته، ثم بات بها وصلى بها الفجر مع سنتها بأذان وإقامة، ثم أتى المشعر فذكر الله عنده وكبره وهلله ودعا ورفع يديه وقال: «وقفت هاهنا وجمع كلها موقف (1) » .
فدل ذلك على أن جميع مزدلفة موقف للحجاج، يبيت كل حاج في مكانه ويذكر الله ويستغفره في مكانه، ولا حاجة إلى أن يتوجه إلى موقف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة للضعفة أن ينصرفوا إلى منى بليل، فدل ذلك على أنه لا حرج على الضعفة من النساء والمرضى والشيوخ ومن تبعهم في التوجه من مزدلفة إلى منى في النصف الأخير من الليل؛ عملا بالرخصة وحذرا من مشقة الزحمة، ويجوز لهم أن يرموا الجمرة ليلا كما ثبت ذلك عن أم سلمة وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم.
__________
(1) صحيح مسلم الحج (1218) .(17/243)
وذكرت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للنساء بذلك، ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعد ما أسفر جدا دفع إلى منى ملبيا فقصد جمرة العقبة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم نحر هديه، ثم حلق رأسه، ثم طيبته عائشة رضي الله عنها، ثم توجه إلى البيت فطاف به، «وسئل صلى الله عليه وسلم في يوم النحر عمن ذبح قبل أن يرمي، ومن حلق قبل أن يذبح، ومن أفاض إلى البيت قبل أن يرمي، فقال: لا حرج. قال الراوي: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج (1) » .
فعلم بهذا أن السنة للحجاج أن يبدأوا برمي الجمرة يوم العيد، ثم ينحروا إذا كان عليهم هدي، ثم يحلقوا أو يقصروا والحلق أفضل من التقصير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالمغفرة والرحمة ثلاث مرات للمحلقين ومرة واحدة للمقصرين، وبذلك يحصل للحاج التحلل الأول فيلبس المخيط ويتطيب ويباح له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء، ثم يذهب إلى البيت فيطوف به في يوم العيد أو بعده، ويسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها برقم (83) ، وفي (الحج) باب الذبح قبل الحلق برقم (1721) ، ومسلم في (الحج) باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي برقم (1306) .(17/244)
وبذلك يحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى النساء.
أما إن كان الحاج مفردا أو قارنا فإنه يكفيه السعي الأول الذي أتى به مع طواف القدوم. فإن لم يسع مع طواف القدوم وجب عليه أن يسعى مع طواف الإفاضة.
ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى، فأقام بها بقية يوم العيد واليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر يرمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق بعد الزوال يرمي كل جمرة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة، ويدعو ويرفع يديه بعد الفراغ من الجمرة الأولى والثانية، ويجعل الأولى عن يساره حين الدعاء والثانية عن يمينه ولا يقف عند الثالثة، ثم دفع صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث عشر بعد رمي الجمرات فنزل بالأبطح وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
ثم نزل إلى مكة في آخر الليل وصلى الفجر بالناس عليه الصلاة والسلام، وطاف للوداع قبل الصلاة، ثم توجه بعد الصلاة إلى المدينة في صبيحة اليوم الرابع عشر عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
فعلم من ذلك أن السنة للحاج أن يفعل كفعله صلى الله عليه وسلم في أيام منى، فيرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في كل يوم كل واحدة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة،(17/245)
ويشرع له أن يقف بعد رميه الأولى ويستقبل القبلة ويدعو ويرفع يديه ويجعلها عن يساره، ويقف بعد رمي الثانية كذلك ويجعلها عن يمينه، وهذا مستحب وليس بواجب، ولا يقف بعد رمي الثالثة، فإن لم يتيسر له الرمي بعد الزوال وقبل غروب الشمس رمى في الليل عن اليوم الذي غابت شمسه إلى آخر الليل في أصح قولي العلماء رحمة من الله سبحانه بعباده وتوسعة عليهم، ومن شاء أن يتعجل في اليوم الثاني عشر بعد رمي الجمار فلا بأس، ومن أحب أن يتأخر حتى يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر فهو أفضل؛ لكونه موافقا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، والسنة للحاج أن يبيت في منى ليلة الحادي عشر والثاني عشر، وهذا المبيت واجب عند كثير من أهل العلم ويكفي أكثر الليل إذا تيسر ذلك، ومن كان له عذر شرعي كالسقاة والرعاة ونحوهم فلا مبيت عليه، أما ليلة الثالث عشر فلا يجب على الحجاج أن يبيتوها بمنى إذا تعجلوا ونفروا من منى قبل الغروب في اليوم الثاني عشر، أما من أدركه المبيت بمنى فإنه يبيت ليلة الثالث عشر ويرمي الجمار بعد الزوال ثم ينفر، وليس على أحد رمي بعد الثالث عشر ولو أقام بمنى.
ومتى أراد الحاج السفر إلى بلاده وجب عليه أن يطوف بالبيت للوداع سبعة أشواط؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(17/246)
«لا ينفرن أحد منكم حتى يكون آخر عهده بالبيت (1) » إلا الحائض والنفساء فلا وداع عليهما لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض (2) » متفق على صحته. والنفساء مثلها.
ومن أخر طواف الإفاضة فطاف عند السفر أجزأه عن الوداع لعموم الحديثين المذكورين، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه وأن يتقبل منا ومنكم ويجعلنا وإياكم من العتقاء من النار إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1327) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب طواف الوداع برقم (1755) ، ومسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1328) .(17/247)
131 - ما يفعله الحجاج يوم الثامن من ذي الحجة
س: ماذا يفعل الحاج يوم الثامن من ذي الحجة؟ (1)
ج: اليوم الثامن هو محل الإحرام إذا كان في مكة وقد تحلل أو ينوي الحج وهو من أهل مكة المقيمين بها، فالأفضل له الإحرام في اليوم الثامن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه رضي الله عنهم الذين تحللوا من العمرة بذلك فأحرموا بالحج يوم الثامن ثم توجهوا إلى منى، هذا هو الأفضل للحاج يحرم من منزله يغتسل ويتطيب ويلبس الإزار والرداء، ويتوجه إلى منى محرما ولا يحتاج إلى وداع سواء كانت إقامته في الحرم أو في الحل، وهكذا المرأة من منزلها أو من مخيمها أو من أي مكان تغتسل وتتطيب بالطيب المناسب وتلبس الثياب المناسبة التي ليس فيها فتنة، وتحرم وتتوجه إلى منى من غير حاجة لوداع هذا هو المستحب في اليوم الثامن، وإن أحرم قبله فلا حرج، ولكن اليوم الثامن هو الأفضل وإن تأخر حتى أحرم في اليوم التاسع فلا حرج أيضا ولكن الإحرام في اليوم الثامن هو الأفضل كما تقدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (11) في 15 \ 12 \ 1401 هـ.(17/248)
س: إذا نزل مريد الحج من مكة في اليوم الثامن من ذي الحجة واغتسل من منى فهل يكفيه ذلك وماذا عليه؟
ج: إذا اغتسل من منى فلا حرج في ذلك لكن الأفضل أن يغتسل قبل إحرامه في بيته أو في أي مكان في مكة، ثم يحرم بالحج في منزله ولا حاجة إلى دخوله إلى المسجد الحرام للطواف؛ لأن الخارج إلى منى يوم التروية ليس عليه وداع، فإذا أحرم من دون غسل فلا حرج، وإذا اغتسل بعد ذلك في منى وهو محرم فلا بأس، لكن الأفضل والسنة أن يكون غسله قبل أن يحرم، فإن لم يغتسل بل أحرم من دون غسل أو من دون وضوء فلا حرج في ذلك؛ لأن الغسل سنة والوضوء سنة في هذا المقام.(17/249)
132 - حكم ترك المبيت في منى ليلة التاسع من ذي الحجة
س: ما حكم من ترك المبيت بمنى الليلة التاسعة من ذي الحجة من أجل الحريق الذي وقع في منى عام 1417 هـ؟ (1)
__________
(1) ضمن أسئلة مقدمة من م. ح. م. أجاب عنها سماحته.(17/249)
ج: لا شيء عليه؛ لأن المبيت بمنى ليلة التاسعة مستحب وليس بواجب، وإذا كنت لم تبت في مزدلفة الليلة العاشرة بعد انصرافك من عرفة فعليك دم يذبح في مكة للفقراء، مما يجزئ في الأضحية، إذا كنت لم تبت ليلة الحادي عشر في منى فعليك أن تتصدق عن ذلك بما يسره الله وإن ذبحت عن ذلك ذبيحة للفقراء بمكة فهو أحوط وأبرأ للذمة.(17/250)
133 - مكان الإحرام للحاج يوم التروية
س: من أي مكان يحرم الحاج يوم التروية؟ (1)
ج: يحرم من منزله كما أحرم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من منازلهم في الأبطح في حجة الوداع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا من كان في داخل مكة يحرم من منزله؛ لحديث ابن عباس السابق وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن كان دون ذلك - أي دون المواقيت - فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة (2) » متفق على صحته.
__________
(1) نشر في جريدة (الجزيرة) يوم الخميس الموافق 15 \ 12 \ 1415 هـ.
(2) رواه البخاري في (الحج) باب مهل أهل الشام برقم (1526) ، ومسلم في (الحج) باب مواقيت الحج والعمرة برقم (1181) .(17/250)
س: من كان في منى، قبل يوم التروية هل يدخل ويحرم من مكة أو يحرم من منى؟ (1)
ج: الجالس في منى يشرع له أن يحرم من منى والحمد لله ولا حاجة إلى الدخول إلى مكة، بل يلبي من مكانه بالحج إذا جاء وقته.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (11543) في 2\12 \ 1418هـ.(17/251)
134 - السنة للحاج أن يحرم يوم الثامن من ذي الحجة قبل الظهر
س: البعض من الحجاج يكونون يوم الثامن في مكة ويكونون محلين إحرامهم ويتركون سنن يوم التروية يبقون في الشقق إلى اليوم التاسع يحرمون ثم يخرجون إلى عرفة، معللين ذلك بقولهم إن فعل يوم التروية سنة والحج عرفة، فما رأي سماحتكم في هذا الفعل؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك ولكن السنة للحاج أن يحرم اليوم الثامن من ذي الحجة قبل الظهر ويتوجه إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصرا بلا جمع ثم
__________
(1) سؤال مقدم من س. ع. ع. أجاب عنه سماحته في 1 \ 12 \ 1418 هـ.(17/251)
يتوجه إلى عرفة بعد طلوع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وأمر أصحابه الذين حلوا من عمرتهم بذلك.(17/252)
135 - جمع وقصر الصلاة للحاج
س: هل قصر الصلاة لأهل مكة في المشاعر خاص بالحجاج فقط أم يشمل حتى الباعة منهم وغيرهم ممن يوجدون في المشاعر من غير حج؟
ج: المشهور عند العلماء أن هذا القصر خاص بالحجاج من أهل مكة فقط على قول من أجازه لهم.
أما الجمهور فيرون أن أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون لأنهم غير مسافرين، وعليهم أن يتموا كلهم ويصلوا الصلاة في أوقاتها.
ولكن من أجازه للحجاج فهو خاص بالحجاج فقط من أهل مكة وهو الأصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بالإتمام.
أما الباعة ونحوهم ممن لم يقصد الحج فإنه يتم ولا يجمع كسائر سكان مكة.(17/252)
س: هل يجوز للحجاج في منى يوم التروية، وأيام التشريق الجمع كما جاز لهم القصر، ومن جمع فهل جمعه صحيح؟
ج: لا أعلم مانعا من جواز الجمع؛ لأنه إذا جاز القصر فجواز الجمع من باب أولى؛ لأن أسبابه كثيرة بخلاف القصر، فليس له سبب إلا السفر. ولكن تركه أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في منى لا في يوم التروية ولا في أيام التشريق، وللمسلمين فيه صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.(17/253)
س: هل ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في سفره المقيم فيه، مثل إقامته في مكة ينتظر الحج، وإقامته في مكة زمن فتح مكة، وإقامته في تبوك؟
ج: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع في غزوة(17/253)
تبوك وهو مقيم، رواه مسلم من حديث معاذ رضي الله عنه.
أما إقامته في مكة في يوم الفتح وفي حجة الوداع، فلم أر شيئا صريحا في ذلك، ولكن بعض الأحاديث يقتضي ظاهرها أنه كان يجمع في الأبطح في حجة الوداع، لكن ذلك ليس بصريح، وتركه أفضل كما في منى. والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(17/254)
136 - السنة الصحيحة المعلومة أن جميع الحجاج يقصرون في منى دون جمع
س: هل القصر والجمع للحجاج في منى وعرفة ومزدلفة يوم التروية ويوم عرفة وليلة جمع وأيام التشريق الثلاثة عام للحجاج كلهم بما في ذلك حجاج مكة المكرمة، وإذا كان القصر والجمع عاما لجميع الحجاج فهل ذلك خاص في المشاعر الثلاثة منى وعرفة ومزدلفة، أم هو من خصائص الحج؟ فيجوز في هذه المشاعر الثلاثة وفي غيرها من أحياء مكة، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلى يوم العيد الظهر بمكة حينما أفاض لطواف الإفاضة (1) » ، فهل
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الحج (1218) ، سنن ابن ماجه المناسك (3074) ، سنن الدارمي كتاب المناسك (1850) .(17/254)
قصر أو أتم؟ وإذا كان قصر وهو المشهور فيفترض أنه صلى الله عليه وسلم قد ائتم بصلاته مجموعة من الحجاج، وفيهم حجاج أهل مكة حينما أفاضوا لإفاضته لطواف الإفاضة، فهل قصروا الصلاة معه أو قال لهم في الأبطح قبل الإحرام بالحج: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر (1) .
ج: ظاهر السنة الصحيحة المعلومة من حجة النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، أن جميع الحجاج يقصرون في منى فقط من دون جمع، ويجمعون ويقصرون في عرفة ومزدلفة، سواء كانوا آفاقيين أو من أهل مكة وما حولها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لأهل مكة أتموا.
وأما صلاته يوم العيد في مكة الظهر فقد صلاها قصرا، ولم يزل يقصر حتى رجع إلى المدينة. كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة من حديث أنس وغيره. ولم يقل لأهل مكة أتموا؛ لأن ذلك معلوم في حق المقيمين في مكة.
ويروى أنه قال ذلك يوم فتح مكة حيث صلى بالناس قصرا في المسجد الحرام. وفي السند مقال. لكن يتأيد بالأصل، وهو
__________
(1) من ضمن أسئلة قدمها الشيخ \ ع. م. إلى سماحته، حيث أجابه عنها سماحته بخطاب في 7 \ 2 \ 1414هـ.(17/255)
أن المقيمين في مكة وغيرها، ليس لهم القصر؛ لأنهم ليسوا مسافرين. والقصر يختص بالمسافرين. والله ولي التوفيق.(17/256)
باب صفة الحج والعمرة
(2) يوم عرفة
137 - وقت توجه الحاج إلى عرفات والانصراف منها
س: متى يتوجه الحاج إلى عرفة ومتى ينصرف منها؟
ج: يشرع التوجه إليها بعد طلوع الشمس من يوم عرفة وهو اليوم التاسع، ويصلي بها الظهر والعصر جمعا وقصرا جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ويبقى فيها إلى غروب الشمس مشتغلا بالذكر والدعاء وقراءة القرآن والتلبية حتى تغيب الشمس. ويشرع الإكثار من قول (لا آله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله(17/257)
والحمد لله ولا آله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله) ، ويرفع يديه بالدعاء ويحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء ويستقبل القبلة، وعرفة كلها موقف، فإذا غابت الشمس شرع للحجاج الانصراف إلى مزدلفة بسكينة ووقار مع الإكثار من التلبية، فإذا وصلوا مزدلفة صلوا المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين.(17/258)
س: إذا توجه الحاج من منى إلى عرفة قبل طلوع الشمس فماذا عليه؟ (1)
ج: ليس عليه شيء، لكن الأفضل أن يكون توجهه إلى عرفة بعد طلوع الشمس؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402 هـ.(17/258)
138 - حكم الجمع والقصر يوم عرفة
س: هل صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا في عرفة أمر واجب، أم يجوز أن أصليهما في وقت كل منهما كاملتين؟ (1)
ج: صلاة الظهر والعصر يوم عرفات للحجاج جمعا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (56) ، وقد سبق نشره في هذا المجموع الجزء (12) ص 313.(17/258)
وقصرا في وادي عرنة غرب عرفات بأذان واحد وإقامتين سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولا ينبغي للمؤمن أن يخالف السنة لكن ليس ذلك بواجب عند أهل العلم بل سنة مؤكدة، فإن المسافر لو أتم صحت صلاته لكن القصر متأكدة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله وقال: «خذوا عني مناسككم (1) » . فلا ينبغي له أن يخالف السنة بل يصلي مع الناس قصرا وجمعا جمع تقديم، ثم يتوجه إلى محل الوقوف في نفس عرفة، ولو صلاهما في عرفة ولم يصل في وادي عرنة فلا بأس حذرا من المشقة، فإن الناس في هذه العصور يحتاجون للتخلص من الزحام بكل وسيلة مباحة.
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/259)
139 - من فاته الوقوف بعرفة في النهار فله الوقوف بها في الليل.
س: شخص شارك في أعمال الحج ولم يمكنه عمله من الوقوف بعرفة في النهار فهل يجوز له أن يقف بعد انصراف الناس في الليل؟ وكم يكفيه من الوقوف؟ وهل(17/259)
لو مر بسيارته في عرفة يجزئه ذلك؟ (1)
ج: يمتد زمن الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع إلى طلوع الفجر يوم النحر، فإذا لم يتمكن الحاج من الوقوف في نهار اليوم التاسع، فوقف في الليل بعد الانصراف كفاه ذلك، حتى لو لم يقف بعرفة إلا آخر الليل قبيل الصبح، ويكفيه لو بضع دقائق، وكذا لو مر من عرفات وهو سائر على سيارته أجزأه ذلك، ولكن الأفضل له أن يحضر في الوقت الذي يقف فيه الناس ويشاركهم في الدعاء عشية عرفة، ويحرص على الخشوع وحضور القلب، ويرجو مثل ما يرجون من نزول الرحمة وحصول المغفرة، فإن فاته النهار فوقف بالليل فالأفضل له أن يبكر بالوقوف مهما استطاع فينزل بعرفة ولو قليلا ويمد يديه إلى ربه ويتضرع إليه في السؤال، ثم يذهب معهم إلى مزدلفة ويمكث بها إلى آخر الليل، ويصلي فيها الفجر ثم يكثر بعد ذلك من الذكر والدعاء مستقبلا القبلة رافعا يديه حتى يسفر، ثم ينصرف مع الناس إلى منى قبل طلوع الشمس تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1682) في 16 \ 11 \ 1419هـ.(17/260)
140 - حكم الوقوف خارج حدود عرفة
س: إذا وقف الحاج خارج حدود عرفة - قريبا منها - حتى غربت الشمس ثم انصرف فما حكم حجه؟ (1)
ج: إذا لم يقف الحاج في عرفة في وقت الوقوف فلا حج له؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة (2) » ، فمن أدرك عرفة بليل قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج.
وزمن الوقوف ما بعد الزوال من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من ليلة النحر هذا هو المجمع عليه بين أهل العلم.
أما ما قبل الزوال ففيه خلاف بين أهل العلم، والأكثرون على أنه لا يجزئ الوقوف فيه إذا لم يقف بعد الزوال ولا في الليل، ومن وقف نهارا بعد الزوال أو ليلا أجزأه ذلك، والأفضل أن يقف نهارا بعد صلاة الظهر والعصر جمع تقديم إلى غروب الشمس، ولا يجوز الانصراف قبل الغروب لمن
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 1 ص 128.
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي برقم (18475) ، والترمذي في (الحج) باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج برقم (889) .(17/261)
وقف نهارا فإن فعل ذلك فعليه دم عند أكثر أهل العلم؛ لكونه ترك واجبا، وهو الجمع في الوقوف بين الليل والنهار لمن وقف نهارا.(17/262)
س: حاج وقف في بطن وادي عرنة فهل حجه صحيح، وهل هناك أماكن مخصصة في عرفة لها الأفضلية؟ (1)
ج: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة (2) » فإذا وقف الحاج خارج عرفة أو في عرنة أو غيرها فليس له حج، ولكن إذا دخل عرفة بعد زوال الشمس ذلك اليوم أو في ليلة العيد صح حجه، أما إذا كان لم يدخل عرفة لا بعد الزوال ولا في الليل فهذا ليس له حج.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (11551) بتاريخ 10 \ 12 \ 1418 هـ.
(2) سنن الترمذي الحج (889) ، سنن النسائي مناسك الحج (3044) ، سنن ابن ماجه المناسك (3015) ، مسند أحمد بن حنبل (4/335) ، سنن الدارمي المناسك (1887) .(17/262)
141 - حكم مغادرة عرفة قبل مغيب الشمس
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نحن أطباء من بعض البلاد الإسلامية، قدمنا للعمل خلال فترة الحج بمكة المكرمة، ونوينا الحج والعمرة متمتعين. أدينا العمرة ولكن ظروف العمل لا تمكننا من الوقوف بعرفة جزءا في الليل، ولا بد لنا من الرجوع لمقر العمل قبل مغيب الشمس. ما الواجب علينا فعله؟ علما بأننا ندري أن الحج عرفة وقد لا يتسنى لنا الحج بالعمر مرة أخرى، علما أنا قد أدينا حج الفريضة. وماذا علينا إذا نزعنا ملابس الإحرام قبل التحلل ورمي جمرة العقبة حيث لا يسمح بملابس الإحرام في العمل. جزاكم الله عنا خيرا (1) .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
من وقف بعرفة نهارا فعليه أن يستمر إلى الليل، فإن لم يفعل وانصرف قبل الغروب ولم يعد بعد الغروب فعليه دم،
__________
(1) سؤال موجه لسماحته من مجموعة من الأطباء من بعض البلاد الإسلامية.(17/263)
وإن عاد بعد المغرب فوقف ليلا ليلة النحر ولم يقف في النهار فلا شيء عليه.
أما نزع ملابس الإحرام قبل التحلل الأول فلا يجوز إلا للضرورة أو العذر الشرعي ومتى نزعتموها ولبستم المخيط كالقميص فعليكم فدية مخيرة، وهي صيام ثلاثة أيام، أو ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد مقداره كيلو ونصف تقريبا، وهكذا إذا غطيتم الرأس بالعمامة ونحوها ففيه الكفارة المذكورة. وفق الله الجميع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(17/264)
س: بالنسبة لأصحاب الحملات يخرجون الناس قبل الغروب يوم عرفة ما حكمهم؟ (1)
ج: لا يجوز أن يطاعوا ويجب أن ينهوا عن ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرج من عرفة حتى غربت الشمس وقال: «خذوا عني مناسككم (2) » أخرجه مسلم في صحيحه والمعنى تأسوا بي واقتدوا بي.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.
(2) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/264)
142 - من أتى من بلده يوم عرفة يمكنه التمتع وهو أولى.
س: هل الحاج الذي يأتي من بلده في التاسع من ذي الحجة يدرك الحج؟ وماذا يجب عليه؟ وما صفة حجه من الأنواع الثلاثة؟ وما آخر حد لانتهاء الوقوف؟ (1)
ج: نعم يمكنه أن يدرك الحج، فإن كان ساق الهدي حج قارنا، وإلا حج متمتعا أو مفردا، والتمتع أولى لمن لم يسق الهدي، وآخر حد لانتهاء الوقوف بعرفة طلوع فجر يوم العيد.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1540) في 22 \ 12 \ 1416 هـ.(17/265)
143 - المتمتع إذا ضاق عليه الوقت كيف يكون تحلله من العمرة وإحرامه بالحج.
س: الأخ \ م. ش. من الرياض، يقول في سؤاله: نويت الحج عن والدي يوم التروية حيث غادرت الرياض بالطائرة بعد الظهر ووصلنا إلى مكة قبل غروب الشمس. علما أنني لبيت عند موازاة الميقات بالعمرة متمتعا بها(17/265)
إلى الحج وبعد أداء العمرة الساعة العاشرة مساء ذهبت إلى دورات المياه بمكة - أكرمكم الله - وفسخت الإحرام واغتسلت، ثم لبست الإحرام في الحال، وذهبت إلى منى محرما وبت هناك ليلة عرفة، ثم أكملت الحج، فهل يلزم من ينوي التمتع بالعمرة إلى الحج أن يتحلل ثم يذهب إلى منى ثم يحرم بالحج من منى أم أنه لا يشترط ذلك.
وهل علي شيء نتيجة أنني أحرمت بالحج في الحال من الحرم بعد العمرة مباشرة. أفيدونا أفادكم الله (1) .
ج: ما فعلته هو السنة لمن أحرم بالعمرة متمتعا بها إلى الحج، ولو أحرم المتمتع بالحج من حين يقصر ولم يخلع ملابس الإحرام فلا بأس، لكن إذا خلعها واغتسل وتطيب ثم أحرم بالحج يكون ذلك أكمل وأفضل. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(17/266)
144 - نمرة ليست من عرفة على الراجح من أقوال العلماء
س: قوله: " ثم أتى عرفة والقبة قد ضربت له في نمرة " هل معنى هذا أن نمرة من عرفة؟ (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/266)
ج: فيه خلاف، قيل: من عرفة، وقيل: ليست منها، والمشهور أنها ليست من عرفة فهي أمام عرفة وليست منها على الراجح.(17/267)
145 - مكان وقوف الحاج عند جبل الرحمة.
س: قوله: " فجعل حبل المشاة بين يديه " ما معناه؟ (1)
ج: يعني طريق المشاة أمامه والجبل عن يمينه قليلا وهو مستقبل القبلة حين وقوفه بعرفة.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/267)
146- حكم الوقوف بعرفة قبل التاسع بيوم أو بعده بيوم
س: ما حكم الله ورسوله في قوم يشاهدون يوم عرفة بعد مشاهدة المسلمين بيوم ويرون أن أي شخص منهم يحج بدون مرافقة أحد المكارمة فإن حجه باطل؟
ج: ليس لأحد من المسلمين أن يشذ عن جماعة(17/267)
المسلمين، لا في الحج ولا في غيره؛ لقول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (1) وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (3) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم، في خطبة الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (4) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون (5) » .
وقد وقف المسلمون الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم معه يوم التاسع
__________
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2) سورة النساء الآية 115
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) حديث العرباض بن سارية برقم (16694) ، وأبو داود في (السنة) باب لزوم السنة برقم (4607) .
(4) رواه مسلم في (الجمعة) باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم (867) .
(5) رواه الترمذي في (الصوم) باب ما جاء الصوم يوم تصومون برقم (697) ، وابن ماجه في (الصيام) باب ما جاء في شهري العيد برقم (1660) .(17/268)
بعرفة ولم يقف أحد منهم قبله ولا بعده، وقال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (1) » فدل ذلك على أن الواجب على المسلمين أن يحجوا كما حج صلى الله عليه وسلم في الوقفة والإفاضة وغير ذلك.
ثم خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ساروا على منهجه الشريف، فوقفوا يوم التاسع ووقف معهم المسلمون في حجاتهم، ولم يقفوا قبل يوم التاسع ولا بعده.
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنه لا يصح حج أحد من المسلمين إلا بشرط أن يحج مع فلان أو فلان.
فهذه الطائفة التي تقف في الحج بعد المسلمين مبتدعة مخالفة لشرع الله، ولما درج عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وأتباعهم بإحسان، ولا حج لهم؛ لأن الحج عرفة، فمن لم يقف بعرفة يوم التاسع ولا ليلة النحر - وهي الليلة العاشرة - فلا حج له.
وقولهم: إنه لا بد أن يكون بصحبة الحاج منهم أحد المكارمة شرط لا أساس له من الصحة، بل هو شرط باطل
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/269)
مخالف للشرع المطهر، فيجب اطراحه وعدم اعتباره، لكن يجب على كل مسلم أن يتفقه في دينه، وأن يعرف أحكامه في الحج وغيره، حتى يؤدي عباداته من الحج وغيره على بصيرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1) » متفق على صحته.
147 - الوقوف بعرفة مع جماعة المسلمين لا على الحساب س: ما الحكم في قوم لا يقفون بعرفة إلا على حساب شهري يعدونه، فأحيانا يقفون بها قبل المسلمين بيوم، وأحيانا بعدهم بيوم، وأحيانا يوافقونهم. علما أنهم لا يحجون إلا بصحبة مكرمي؛ لأنهم يعتقدون أنه لا يصح الحج إلا بذلك؟ (2)
ج: ما ذكره السائل عن الطائفة المذكورة مخالف للشرع
__________
(1) رواه البخاري في (العلم) باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين برقم (71) ، ومسلم في (الزكاة) باب النهي عن المسألة برقم (1037) .
(2) سؤال من ص. ب. ي، ونشر في كتاب (الأجوبة المفيدة من مسائل العقيدة) لسماحته طبعة عام 1414 هـ.(17/270)
من وجهين:
أحدهما: شذوذهم عن جماعة المسلمين وعدم وقوفهم معهم، والواجب على المسلمين أن يكونوا جسدا واحدا وبناء واحدا في التمسك بالحق وعدم الخروج عن سبيل المؤمنين؛ حذرا مما توعد الله به من خالف سبيلهم بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (1) أما تعلقهم بكون الشهر لا بد أن يكون ثلاثين دائما فهذا من أخطائهم العظيمة المخالفة للسنة والإجماع، وقد سبق إيضاح ذلك في جواب السؤال الأول.
الوجه الثاني: اشتراطهم لصحة الحج أن يكون الحجاج في صحبة واحد من المكارمة، وهذا من أبطل الباطل، ولا أصل له في الشرع المطهر، بل هو مخالف للكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، فلم يقل أحد من أهل العلم إن الحج لا يصح إلا بشرط أن يكون في الحجاج فلان أو فلان، بل هذا القول من البدع الشنيعة التي لا أصل لها بين المسلمين.
__________
(1) سورة النساء الآية 115(17/271)
148 - الدعاء الجماعي في عرفة لا أصل له والأحوط تركه
س: ما حكم الاجتماع في الدعاء في يوم عرفة سواء كان ذلك في عرفات أو في غيرها وذلك بأن يدعو إنسان من الحجاج الدعاء الوارد في بعض كتب الأدعية المسمى بدعاء يوم عرفة أو غيره ثم يردد الحجاج ما يقول هذا الإنسان دون أن يقولوا آمين. هذا الدعاء بدعة أم لا؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل؟
ج: الأفضل للحاج في هذا اليوم العظيم أن يجتهد في الدعاء والضراعة إلى الله سبحانه وتعالى ويرفع يديه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء والذكر في هذا اليوم حتى غربت الشمس وذلك بعد ما صلى الظهر والعصر جمعا وقصرا في وادي عرنة، ثم توجه إلى الموقف فوقف هناك عند الصخرات وجبل الدعاء. ويسمى جبل الال، واجتهد في الدعاء والذكر رافعا يديه مستقبلا القبلة(17/272)
وهو على ناقته، وقد شرع الله سبحانه لعباده الدعاء بتضرع وخفية وخشوع لله عز وجل ورغبة ورهبة، وهذا الموطن من أفضل مواطن الدعاء، قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1) وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} (2)
وفي الصحيحين: قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: رفع الناس أصواتهم بالدعاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته (3) » . وقد أثنى الله جل وعلا على زكريا عليه السلام في ذلك. قال تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} (4) {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (5) وقال عز وجل:
__________
(1) سورة الأعراف الآية 55
(2) سورة الأعراف الآية 205
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث أبي موسى الأشعري برقم (19102) ، والبخاري في (الدعوات) باب الدعاء إذا علا عقبه برقم (6384) ، ومسلم في (الذكر والدعاء) باب استحباب خفض الصوت بالذكر برقم (2704) .
(4) سورة مريم الآية 2
(5) سورة مريم الآية 3(17/273)
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) والآيات والأحاديث في الحث على الذكر والدعاء كثيرة ويشرع في هذا الموطن بوجه خاص الإكثار من الذكر والدعاء بإخلاص وحضور قلب ورغبة ورهبة، ويشرع رفع الصوت به وبالتلبية كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذا اليوم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا آله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (2) » .
أما الدعاء الجماعي فلا أعلم له أصلا والأحوط تركه؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما علمت، لكن لو دعا إنسان في جماعة وأمنوا على دعائه فلا بأس في ذلك، كما في دعاء القنوت ودعاء ختم القرآن الكريم ودعاء الاستسقاء ونحو ذلك.
أما التجمع في يوم عرفة في عرفة أو في غير عرفة فلا أصل له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه
__________
(1) سورة غافر الآية 60
(2) رواه الترمذي في (الدعوات) باب في دعاء يوم عرفة برقم (3585) .(17/274)
وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » . أخرجه مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري معلقا في باب النجش، ومسلم في (الأقضية) باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور برقم (1718)(17/275)
149 - وقت بدء الدعاء في عرفة.
س: ما هو الوقت الذي يبدأ فيه الدعاء في عرفة؟ (1)
ج: بعد الزوال بعدما يصلي الظهر والعصر جمعا وقصرا بأذان واحد وإقامتين، يتوجه الحاج إلى موقفه بعرفة، يجتهد في الدعاء والذكر والتلبية ويشرع له رفع اليدين في ذلك مع البدء بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تغيب الشمس.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/276)
باب صفة الحج والعمرة
(3) المبيت بمزدلفة
150 - المبيت بمزدلفة واجب ومن تركه فعليه دم.
س: ما حكم الوقوف بمزدلفة والمبيت فيها وما قدره ومتى يبدأ الحاج الانصراف منها؟ .
ج: المبيت بمزدلفة واجب على الصحيح، وقال بعضهم إنه ركن، وقال بعضهم مستحب، والصواب من أقوال أهل العلم أنه واجب من تركه فعليه دم، والسنة أن لا ينصرف منها إلا بعد صلاة الفجر وبعد الإسفار يصلي فيها الفجر، فإذا أسفر توجه إلى منى ملبيا والسنة أن يذكر الله بعد الصلاة ويدعو فإذا أسفر توجه إلى منى ملبيا.
ويجوز للضعفة من النساء والرجال والشيوخ الانصراف(17/277)
من مزدلفة في النصف الأخير من الليل رخص لهم النبي عليه الصلاة والسلام، أما الأقوياء فالسنة لهم أن يبقوا حتى يصلوا الفجر وحتى يذكروا الله كثيرا بعد الصلاة ثم ينصرفوا قبل أن تطلع الشمس، ويسن رفع اليدين مع الدعاء في مزدلفة مستقبلا القبلة كما فعل في عرفة، ومزدلفة كلها موقف.(17/278)
س: ما حكم المبيت بمزدلفة قبل نصف الليل؟ (1)
ج: يجب على الحاج المبيت بمزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة إلى الفجر إلا لعذر من مرض ونحوه، فيجوز له ولمن يقوم بشئونه بعد نصف الليل أن يرحل إلى منى؛ لمبيت النبي صلى الله عليه وسلم بها في حجه إلى الفجر، وترخيصه لأهل الأعذار في الانصراف من المزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل.
__________
(1) نشر في (نشرة الحسبة) العدد (17) لشهري ذي القعدة وذي الحجة 1417 هـ.(17/278)
151 - من صلى المغرب والعشاء
بمزدلفة ثم انصرف لا يعتبر مؤديا للواجب
س: نرى في هذه الأيام عند النفرة من عرفات إلى مزدلفة الزحام الشديد بحيث إن الحاج إذا وصل إلى(17/278)
مزدلفة لا يستطيع المبيت فيها من شدة الزحام ويجد مشقة في ذلك، فهل يجوز ترك المبيت بمزدلفة؟ وهل على الحاج شيء إذا ترك المبيت بها؟ وهل تجزئ صلاة المغرب والعشاء عن الوقوف والمبيت في مزدلفة، وذلك بأن يصلي الحاج صلاتي المغرب والعشاء في مزدلفة، ثم يتجه فورا إلى منى فهل يصح الوقوف على هذا النحو؟ نرجو توضيح ذلك مع ذكر الدليل (1) .
ج: المبيت بمزدلفة من واجبات الحج؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد بات بها صلى الله عليه وسلم وصلى الفجر بها وأقام حتى أسفر جدا، وقال: «خذوا عني مناسككم (2) » ولا يعتبر الحاج قد أدى هذا الواجب إذا صلى المغرب والعشاء فيها جمعا ثم انصرف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص إلا للضعفة آخر الليل.
وإذا لم يبت في مزدلفة فعليه دم، جبرا لتركه الواجب، والخلاف بين أهل العلم رحمهم الله في كون المبيت في مزدلفة ركنا أو واجبا أو سنة مشهور معلوم، وأرجح الأقوال الثلاثة أنه واجب على من تركه دم وحجه صحيح، وهذا هو قول أكثر
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1539) في 8 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/279)
أهل العلم. ولا يرخص في ترك المبيت إلى النصف الثاني من الليل إلا للضعفة، أما الأقوياء الذين ليس معهم ضعفة فالسنة لهم أن يبقوا في مزدلفة حتى يصلوا الفجر بها ذاكرين الله داعينه سبحانه حتى يسفروا، ثم ينصرفوا قبل طلوع الشمس؛ تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يصلها إلا في النصف الأخير من الضعفة كفاه أن يقيم بها بعض الوقت ثم ينصرف أخذا بالرخصة. والله ولي التوفيق.(17/280)
152 - الجمع والقصر في الحج
س: ما حكم من صلى صلاتي المغرب والعشاء قصرا وجمع تأخير قبل دخول مزدلفة، وذلك لأسباب طارئة، منها تعطل سيارته في الطريق إلى مزدلفة وخشية فوات وقت المغرب والعشاء، حيث كان الوقت متأخرا جدا، فصلى صلاتي المغرب والعشاء على حدود مزدلفة أي: قبل مزدلفة بمسافة بسيطة، ثم نام ريثما يتم إصلاح سيارته، ثم صلى أيضا صلاة الفجر، وذلك بعد دخول وقت صلاة الفجر أيضا صلاها على حدود مزدلفة حيث إنه لم يستطع دخول مزدلفة إلا في الصباح والشمس قد أشرقت، فهل تصح صلاته هذه لكل من المغرب والعشاء(17/280)
والفجر على حدود مزدلفة؟ نرجو من سماحتكم توضيح ذلك مع ذكر الدليل (1) .
ج: الصلاة تصح في كل مكان إلا ما استثناه الشارع، كما قال صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (2) » ولكن المشروع للحاج أن يصلي المغرب والعشاء جمعا في مزدلفة حيث أمكنه ذلك قبل نصف الليل، فإن لم يتيسر له ذلك لزحام أو غيره صلاهما بأي مكان كان، ولم يجز له تأخيرهما إلى ما بعد نصف الليل؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (3) أي مفروضا في الأوقات، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وقت العشاء إلى نصف الليل (4) » رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، والله أعلم.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1538) بتاريخ 1 \ 12 \ 1416 هـ.
(2) رواه البخاري في (التيمم) باب قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء) برقم (335) .
(3) سورة النساء الآية 103
(4) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) باب وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل برقم (572) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب أوقات الصلوات الخمس برقم (612) .(17/281)
153 - السنة المحافظة على الوتر
في الحضر والسفر وليلة مزدلفة
س: هل يسقط الوتر وركعتا الفجر في مزدلفة؟ (1)
ج: السنة أن يصلي ركعتين قبل صلاة الفجر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في مزدلفة، وهكذا في أسفاره كلها، أما سنة الظهر وسنة العصر وسنة المغرب والعشاء فالسنة تركها أيام منى وفي عرفة ومزدلفة وفي جميع الأسفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك ذلك وقال: «خذوا عني مناسككم (2) » ، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3) أما الوتر فالسنة المحافظة عليه في الحضر والسفر، وفي ليلة مزدلفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر في السفر والحضر عليه الصلاة والسلام، وأما قول جابر إنه اضطجع بعد العشاء. فليس فيه نص واضح على
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها يوم التروية بمنى سنة 1402 هـ.
(2) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .
(3) سورة الأحزاب الآية 21(17/282)
أنه لم يوتر عليه الصلاة والسلام، وقد يكون ترك ذلك بسبب التعب أو النوم عليه الصلاة والسلام. والوتر نافلة، فإذا تركه بسبب التعب أو النوم أو شغل آخر فلا حرج عليه، ولكن يشرع له أن يقضيه من النهار شفعا؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا شغله عن قيام الليل نوم أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة (1) » متفق على صحته، وذلك لأنه كان صلى الله عليه وسلم يوتر من الليل غالبا بإحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين، فإذا شغله عن ذلك نوم أو مرض قضاها من النهار شفعا، يسلم من كل ثنتين عليه الصلاة والسلام. والله الموفق.
__________
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض برقم (746) .(17/283)
154 - يجوز الخروج من مزدلفة في النصف الأخير من الليل
س: متى يخرج الحاج من مزدلفة إلى منى في أي ساعة من الليل؟ وهل يرجم عن النساء وهن قادرات على الرجم من أجل الزحام؟ (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1402 هـ.(17/283)
ج: يجوز للحاج الخروج من مزدلفة في النصف الأخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للنساء والضعفة ومن معهم في ذلك، أما الرجال الأقوياء الذين ليس معهم عوائل فالأفضل لهم عدم التعجل، وأن يصلوا الفجر في مزدلفة ويقفوا بها حتى يسفروا ويكثروا من ذكر الله والدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال: «خذوا عني مناسككم (1) » ، ولمن تعجل أن يرمي الجمرة قبل الفجر؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها رمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت وأفاضت، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليها ذلك، فدل ذلك على الجواز، وأنه لا حرج في ذلك، ولما في ذلك من التيسير والتسهيل على الحاج ولا سيما الضعفاء منهم.
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/284)
س: إذا كان معنا عوائل كثيرة فهل نخرج من مزدلفة قبل الفجر؟ (1)
ج: الذي معه عوائل قد شرع له النبي صلى الله عليه وسلم ورخص له أن يفيض من مزدلفة في آخر الليل قبل الفجر
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية عام 1402 هـ.(17/284)
في النصف الأخير من الليل إلى منى حتى يرمي الجمرة قبل الزحام، ثم من أراد أن يبقى في منى بقي في منى، ومن ذهب إلى مكة للطواف فلا بأس كما تقدم في جواب السؤال الذي قبل هذا.(17/285)
سماحة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
س: بمشيئة الله تعالى أريد أن أحج لهذا العام، وأريد أن أستفسر عن بعض أمور الحج التي أجهلها، وأرجو من الله ثم من سماحتكم أن تنيروا لنا الطريق ولكم في ذلك الأجر والثواب إن شاء الله، وهذه الأمور هي:
توجد معي عائلة ومنهم من هو كبير في السن، فهل يجوز لنا أن نمشي من مزدلفة إلى منى بعد الساعة الثانية بعد منتصف، الليل، ونرمي جمرة العقبة ثم ننزل إلى مكة؟ وهل يجوز لنا الوصول للحرم قبل صلاة الفجر بالحرم؟ (1)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
إذا كان الواقع هو ما ذكرتم في السؤال الأول فلا مانع من التعجل في النصف الثاني من ليلة النحر، ولا مانع من رميكم جمرة العقبة ثم التوجه إلى مكة.
__________
(1) سؤال شخصي موجه إلى سماحته من ب. ب. ص. وأجاب عنه سماحته في 3 \ 11 \ 1413 هـ.(17/286)
155 - حكم المبيت خارج مزدلفة
س: هناك من يبيت خارج مزدلفة لأنهم يمنعونه من الوقوف بالسيارة فيتعدى فيبيت في منى فهل عليه هدي؟ (1)
ج: إن كان لم يجد مكانا في مزدلفة أو منعه الجنود من النزول بها فلا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) وإن كان ذلك عن تساهل منه فعليه دم مع التوبة.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.
(2) سورة التغابن الآية 16(17/287)
156 - السنة أن يبقى الحاج في مزدلفة حتى يسفر
س: هل السنة أن يمكث الحاج إلى أن يصلي الضحى أم أنه ينفر بعد صلاة الفجر مباشرة من مزدلفة؟ (1)
ج: السنة أن يبقى في مزدلفة حتى يسفر حتى يتضح النور قبل طلوع الشمس هذا هو الأفضل، إذا صلى الفجر يبقى في مكانه مستقبلا القبلة يدعو ويلبي ويذكر الله حتى يسفر، كما
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام.(17/287)
فعل النبي عليه الصلاة والسلام، أما الضعفاء فلهم الانصراف بعد منتصف الليل، لكن من جلس حتى يسفر وصلى الفجر بها وجلس حتى يسفر يدعو الله مستقبلا القبلة، ويلبي ويدعو ويرفع يديه، هذا أفضل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بقي في مزدلفة حتى أسفر، فلما أسفر انصرف إلى منى قبل طلوع الشمس، وخالف المشركين فكانوا لا ينصرفون من مزدلفة حتى تطلع الشمس والرسول عليه الصلاة والسلام خالفهم وانصرف من مزدلفة قبل طلوع الشمس بعدما أسفر، وهذا هو السنة تأسيا به صلى الله عليه وسلم.(17/288)
157 - الصبي إذا فاته
المبيت في مزدلفة فعليه الهدي
س: الصبي إذا فاته المبيت بمزدلفة هل عليه هدي؟ (1) .
ج: نعم إذا فاته المبيت بمزدلفة أو منى فعلى وليه هدي؛ لأنه قد لزمته أحكام الحج بسبب إحرامه إن كان مميزا، أو إحرام وليه عنه إن كان غير مميز، ولأنه كالحاج المكلف المتنفل، والمعتمر المكلف المتنفل، فإنهما يلزمهما أحكام
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام(17/288)
والحج والعمرة؛ لقول الله سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) والآية المذكورة تعم المفترض والمتنفل.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/289)
158 - كيفية الوقوف عند المشعر الحرام
س: عند المشعر الحرام هـ فتاوى ابن باز body {font-family: verdana, arial, helvetica, sans-serif; font-size: 14px;} h1 {font-size:18px} a:link {color:#33c} a:visited {color:#339} /* This is where you can customize the appearance of the tooltip */ div#tipDiv {position:absolute; visibility:hidden; left:0; top:0; z-index:10000; background-color:AntiqueWhite; border:1px solid #336; padding:4px; color:#000; font-size:11px; line-height:1.2;} /* These are optional. They demonstrate how you can individually format tooltip content */ div.tp1 {font-size:12px; color:#336; font-style:italic} div.tp2 {font-weight:bolder; color:#337; padding-top:4px}
فتاوى ابن باز
تصفح برقم المجلد > المجلد السابع عشر > الحج (القسم الثاني) > باب صفة الحج والعمرة > المبيت بمزدلفة > كيفية الوقوف عند المشعر الحرام
158 - كيفية الوقوف عند المشعر الحرام
س: عند المشعر الحرام هل يكون الحاج واقفا رافعا يديه؟ (1) .
ج: يشرع للواقف عند المشعر الحرام وعلى الصفا والمروة رفع اليدين في الدعاء سواء كان واقفا أو جالسا، فالأمر واسع والحمد لله، وهكذا في عرفات يشرع رفع اليدين في الدعاء.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في درس بلوغ المرام(17/289)
159 - المرور بمزدلفة دون المبيت لا يكفي
س: هل يكفي المرور بمزدلفة دون المبيت إلى منتصف الليل؟ (1) .
ج: المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، فإذا لم
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1681) في 9 \ 11 \ 1419 هـ.(17/289)
يبت بها فإنه يلزمه فدية - أي دم يذبح لمساكين الحرم - يجزئ في الأضحية، ولكن إذا مر الحاج بمزدلفة ولم يبت بها، ثم عاد إليها مرة أخرى قبل الفجر ومكث بها ولو يسيرا فإنه لا فدية عليه.(17/290)
باب صفة الحج والعمرة
(4) رمي الجمار
160 - جمرة العقبة هي التي ترمى بسبع يوم العيد
س: أي الجمرات ترمى بسبع في اليوم الأول؟ (1)
ج: الجمرة التي تلي مكة، الجمرة التي يقال لها جمرة العقبة، وهي آخر الجمار من جهة مكة ترمى بسبع يوم العيد، أما في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر في حق من لم يتعجل فإن عليه أن يرمي الثلاث بعد الزوال، ويبدأ بالتي تلي مسجد الخيف، وهي التي أقرب من جهة مسجد الخيف، يبدأ بها ثم الوسطى، ثم الأخيرة التي رماها يوم العيد وهي تسمى جمرة العقبة.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية سنة 1452 هـ.(17/291)
161 - بداية رمي الجمار ونهايته وما يتعلق به
س: متى يبدأ الحاج رمي الجمرات؟ وما كيفية الرمي؟(17/291)
وما عدد الحصى؟ وبأي الجمرات يبدأ الرمي؟ ومتى ينتهي؟ (1)
ج: يرمي أول الجمار يوم العيد وهي الجمرة التي تلي مكة ويقال لها: جمرة العقبة يرميها يوم العيد، وإن رماها في النصف الأخير من ليلة النحر كفى ذلك، ولكن الأفضل أن يرميها ضحى ويستمر إلى غروب الشمس، فإن فاته الرمي رماها بعد غروب الشمس ليلا عن يوم العيد يرميها واحدة بعد واحدة ويكبر مع كل حصاة، أما في أيام التشريق فيرميها بعد زوال الشمس، يرمي الأولى التي تلي مسجد الخيف بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ثم الوسطى بسبع حصيات ثم الأخيرة بسبع حصيات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر، وهكذا الثالث عشر لمن لم يتعجل. والسنة أن يقف بعد الأولى وبعد الثانية، بعدما يرمي الأولى يقف مستقبلا القبلة ويجعلها عن يساره ويدعو ربه طويلا، وبعد الثانية يقف ويجعلها عن يمينه مستقبلا القبلة ويدعو ربه طويلا في اليوم الحادي عشر والثاني عشر وفي اليوم الثالث عشر لمن لم يتعجل، أما الجمرة الأخيرة التي تلي مكة فهذه يرميها ولا يقف عندها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رماها ولم يقف عندها عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) نشر في جريدة (الندوة) العدد (9869) وتاريخ 12 \ 12 \ 1411 هـ.(17/292)
س: من أين يؤخذ حصى الجمار؟ وما صفته وما حكم غسله؟ (1)
ج: يؤخذ الحصى من منى، وإذا أخذ حصى يوم العيد من المزدلفة فلا بأس، وهي سبع يرمي بها يوم العيد جمرة العقبة، ولا يشرع غسلها بل يأخذها من منى أو المزدلفة ويرمي بها أو من بقية الحرم يجزئ ذلك ولا حرج فيه، وأيام التشريق يلقطها من منى كل يوم واحدة وعشرين حصاة، إن تعجل اثنين وأربعين لليوم الحادي عشر والثاني عشر، وإن لم يتعجل فثلاث وستون، وهي من حصى الخذف تشبه بعر الغنم المتوسط فوق الحمص ودون البندق، كما قال الفقهاء، وتسمى حصى الخذف كما تقدم أقل من بعر الغنم قليلا.
__________
(1) نشر في مجلة (التوعية الإسلامية في الحج) العدد (11) في 15 \ 12 \ 1401 هـ.(17/293)
162 - حكم رجم جمرة
العقبة بعد منتصف ليلة العيد
س: نحن جماعة من الحجاج بعضنا معه نساء والبعض الآخر مفرد، فهل يجوز للمفرد رمي جمرة العقبة مع(17/293)
جماعته بعد نصف الليل؟ علما أنكم تعرفون المشاق أثناء الحج (1) .
ج: لا بأس في رمي الجمرة ليلة النحر بعد نصف الليل للمشقة التي ذكرتم؛ ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة قبل الفجر ورخص لهم في رمي الجمار قبل الفجر. أما الأقوياء فالأفضل لهم أن يرموا بعد طلوع الشمس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحى، ولأنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس (2) » ولكن في سنده ضعف، والصواب أن رمي الجمرة بعد نصف الليل من ليلة النحر يجزئ عن الجميع من أجل المشقة العظيمة على الجميع، ولكن تأخير ذلك إلى بعد طلوع الشمس في حق الأقوياء أفضل وأحوط؛ جمعا بين الأدلة، ومن كان معه نساء أو ضعفة فهو مثلهم.
__________
(1) سؤال من س. ع. ح. أجاب عنه سماحته بتاريخ 1 \ 9 \ 1408 هـ.
(2) سنن الترمذي الحج (893) ، سنن أبو داود المناسك (1941) .(17/294)
س: تيسر لي العام الماضي تأدية فريضة الحج ولله الحمد، ولكنه حدث أن كنت مع جماعة ورمينا الجمرة الأولى في الليل قبل الصباح، وذلك خوفا من الزحام بعد أن أمضينا نصف الليل في مزدلفة، فما حكم ذلك؟ وهل(17/294)
علي شيء الآن؟ أرجو الإفادة (1) .
ج: لا حرج في رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل ليلة النحر إذا كنتم مستضعفين أو معكم مستضعفون من النساء والصبيان والكبار والمرضى. أما إن كنتم أقوياء وليس معكم ضعفاء فالأفضل لكم أن تصلوا الفجر في المزدلفة وأن تبقوا بها مشتغلين بالذكر والدعاء حتى الإسفار، ثم تنفروا إلى منى قبل طلوع الشمس وترموا الجمرة بعد طلوعها؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله؛ لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (3) » أخرجه مسلم في صحيحه. وفقنا الله وإياكم وجميع المسلمين للعلم النافع والعمل به.
__________
(1) سؤال موجه من السائل ف. م. ع. وأجاب عنه سماحته في 23 \ 10 \ 1415 هـ.
(2) سورة الأحزاب الآية 21
(3) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .(17/295)
س: هل يجوز لمن دفع مع النساء والضعفة ليلة النحر بعد منتصف الليل من مزدلفة أن يرمي جمرة العقبة أم لا؟ (1) .
__________
(1) نشر في جريدة (الندوة) العدد (9869) في 12 \ 12 \ 1411 هـ.(17/295)
ج: من دفع مع الضعفة والنساء فحكمه حكمهم، ومن دفع معهم من الأقوياء من محارم ومن سائقين ومن غيرهم من الأقوياء، فحكمه حكمهم يجزئه أن يرمي في آخر الليل مع النساء.(17/296)
163 - حكم رمي جمرة العقبة
والطواف قبل منتصف ليلة العيد
س: أنا حاج رميت الجمرة الكبرى قبل منتصف الليل، ثم توجهت من فوري إلى الحرم لطواف الإفاضة، وأثناء ذلك انتقض وضوئي، فأكملت الطواف، ونظرا لزحمة ما حول المقام لم أتمكن من تأدية ركعتي الطواف، ثم غادرت حدود الحرم ومنى، ولم أعد إلا بعد صلاة المغرب، فهل أخللت بشيء من مناسك الحج علما بأن حجي كان مفردا؟ .
ج: أولا: رمي الجمرة قبل نصف الليل لا يجوز فإن أول وقت لرمي الجمرة بعد نصف ليلة النحر عند جمع من أهل العلم، فلا يجوز رميها قبل ذلك.(17/296)
ثانيا: طوافه إن كان قبل نصف الليل فكذلك لا يصح، وإن كان بعد نصف الليل لم يصح أيضا؛ لكونه طاف على غير طهارة ولكونه انتقض وضوءه أثناء الطواف، فهو على كل حال لم يطف على الصحيح، فعليه أن يعيد الرمي، وعليه أن يعيد الطواف بعد ذلك بنية طواف الإفاضة، وبنية رمي الجمرة يوم العيد، ولا يجزئه طوافه الذي أحدث فيه، وإذا لم يتذكر ولم ينتبه إلا بعد مضي أوقات الرمي فعليه دم؛ لأنه ما رمى في الحقيقة، فعليه دم يذبحه في مكة لفقراء الحرم بنية ترك الرمي، وعليه الطواف في أي وقت، فيطوف ولو في آخر ذي الحجة أو في محرم متى ذكر حتى يكمل حجه. وعليه أيضا دم ثان عن تركه المبيت في مزدلفة إلى ما بعد نصف الليل، وبالله التوفيق.(17/297)
164 - حكم رمي الجمار إذا كان المرمى مملوءا
س: ما حكم رمي الجمار إذا كان المرمى مملوءا بالحصى يرمي الحاج الحصى فيقع في المرمى ثم يسقط خارج المرمى؟ (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في حج عام 1407 هـ، شريط رقم (1) .(17/297)
ج: المهم وقوعه في المرمى، إذا وقع في المرمى كفى والحمد لله ولو تدحرج وسقط لا يضر.(17/298)
165 - الحكم فيمن رمى الشاخص
دون التأكد من وقوع الجمرات في الحوض
س: حججت وأنا من أهل مكة قبل حوالي سبعة أعوام وأنا في الحج أقصر الصلاة مع الإمام ثم أعيدها تامة منفردا، وأرمي الجمرات في جميع الأيام من يوم النحر وما بعده أرميها في الشاخص الذي في وسط المرمى ظنا مني أنه هو المقصود بالرمي ولا أدري هل تسقط الحجارة في المرمى أو خارجه فما الحكم؟ (1)
ج: الواجب عليك إذا كان الأمر كما ذكرت فدية واحدة تجزئ في الأضحية، فإن لم تستطع فعليك أن تصوم عشرة أيام؛ لأنك والحال ما ذكر في حكم من لم يرم.
أما إعادة الصلاة تامة بعدما صليت مع الإمام فلا وجه لذلك والواجب الاكتفاء بالصلاة مع الإمام؛ لأن النبي صلى الله
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في حج عام 1407 هـ، شريط رقم (1) .(17/298)
عليه وسلم صلى بالناس في عرفة ومزدلفة ومنى قصرا ولم يأمر أهل مكة بإعادة الصلاة تامة، وقد قال الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم للناس في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم (2) » (3) .
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) سنن النسائي مناسك الحج (3062) .
(3) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297)(17/299)
166 - حكم الرمي بعد العصر
س: لدي بنات يحججن فرضهن هذا العام فهل يجوز أن يرمين جمرة العقبة بعد العصر مخافة الزحمة؟ (1) .
ج: إذا رمين يوم العيد بعد العصر فلا بأس؛ لأن يوم العيد يجوز الرمي فيه كله، ويجوز أيضا الرمي في الليل بعد غروب الشمس من ليلة إحدى عشرة عن يوم العيد لجمرة العقبة لمن لم يرمها في النهار في أصح قولي العلماء، وهكذا يجوز الرمي في اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر في الليل لمن لم يتيسر له الرمي في النهار بعد الزوال أما اليوم الثالث
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية عام 1402 هـ.(17/299)
عشر فإن الرمي فيه ينتهي بغروب الشمس، ولا يجوز الرمي في الأيام الثلاثة قبل الزوال ليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر عند أكثر أهل العلم، وهو الحق الذي لا شك فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمى بعد الزوال في الأيام الثلاثة المذكورة، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم (1) » .
فالواجب على المسلمين اتباعه في ذلك كما يلزم اتباعه في كل ما شرع الله وفي ترك كل ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) وقوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3) والآيات في هذا المعنى كثيرة. والله الموفق.
__________
(1) رواه بنحوه مسلم في (الحج) باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا برقم (1297) .
(2) سورة الحشر الآية 7
(3) سورة الممتحنة الآية 6(17/300)
س: هل يجوز للمرأة أن توكل في الرمي في حج الفريضة؟ (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية عام 1402 هـ.(17/300)
ج: إذا كانت مريضة أو ضعيفة لكبر سن أو ضعف قوة أو حاملا أو ذات أطفال ليس عندهم من يحفظهم فإنها توكل ثقة يرمي عنها، أما إذا كانت قوية تستطيع الرمي وليس بها علة فإنها ترمي بنفسها في الأوقات المناسبة كالليل وتجتنب أوقات الزحام، كما رمى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة رضي الله عنهم وفيهم أسوة.(17/301)
س: ما حكم التوكيل في الرمي عن المريض والمرأة والصبي؟ (1)
ج: لا بأس بالتوكيل عن المريض والمرأة العاجزة كالحبلى والثقيلة والضعيفة التي لا تستطيع رمي الجمار فلا بأس بالتوكيل عنهم، أما القوية النشيطة فإنها ترمي بنفسها، ومن عجز عنه نهارا بعد الزوال رمى في الليل، ومن عجز يوم العيد رمى ليلة إحدى عشرة عن يوم العيد، ومن عجز يوم الحادي عشر رمى ليلة اثنتي عشرة عن يوم الحادي عشر، ومن عجز في اليوم الثاني عشر أو فاته الرمي بعد الزوال رمى في الليلة الثالثة عشرة عن يوم الثاني عشر، وينتهي الرمي بطلوع الفجر.
أما في النهار فلا يرمي إلا بعد الزوال في أيام التشريق.
__________
(1) نشر في جريدة (الندوة) العدد (9869) بتاريخ 12 \ 12 \ 1411 هـ.(17/301)
س: عندي بنت وحجها فرض ولكن بها ضيق في النفس هل أتوكل عنها في الرمي؟ أفتونا مأجورين جزاكم الله خيرا (1) .
ج: يجوز لها التوكيل لثقة يرمي عنها دفعا للخطر؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «يسروا ولا تعسروا (3) » .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته في المحاضرة التي ألقاها بمنى يوم التروية عام 1402 هـ.
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) صحيح البخاري العلم (69) ، صحيح مسلم الجهاد والسير (1734) ، مسند أحمد بن حنبل (3/209) .(17/302)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم من سمى نفسه السيد: م. ح. م. أ. وفقه الله لما فيه رضاه وزاده من العلم والإيمان آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
وصلني كتابكم الكريم وصلك الله بحبل الهدى والتوفيق وما تضمنه من الأسئلة الثلاثة كان معلوما.
س: ما حكم توكيلك لابنك في رمي الجمار بسبب عجزك؟ .
ج: لا حرج في ذلك إذا كان رمي الجمار يشق عليك بسبب كبر سنك؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وفقني الله وإياك وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه، إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16(17/303)
س: امرأة أدت الحج وقامت بجميع مناسكه إلا رمي الجمار فقد وكلت من يرميها عنها؛ لأن معها طفلا صغيرا.
علما أن هذا الحج هو حج الفريضة، فما حكم ذلك؟ (1) .
ج: لا شيء عليها في ذلك، ورمي الوكيل يجزئ عنها؛ لما في الزحام وقت رمي الجمار من الخطر العظيم على النساء ولا سيما من معها طفل.
__________
(1) نشر في كتاب (الدعوة) ج 1 ص 127.(17/304)
س: عند رمي الجمرات لم أستطع الرمي؛ لأنني حامل وكان معي والدي ورمى عني، فهل علي شيء؟ (1) .
ج: رمي الجمرات كغيره من النسك يجب على القادر أن يفعله بنفسه؛ لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (2) فلا يحل لأحد التهاون في ذلك كما يفعل البعض حيث نجدهم يوكلون من يرمي عنهم لا عن عجز عن الرمي ولكن اتقاء للزحام، وهذا خطأ عظيم، ولكن إذا كان الإنسان عاجزا كمريض أو امرأة حامل أو ما أشبه ذلك فلا بأس، وهذه المرأة لا حرج عليها إن شاء الله.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (10877) بتاريخ 7 محرم 1417 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 196(17/304)
167 - ليس لقادر أن يوكل في رمي الجمرات
س: هل يجوز لشخص أن يوكل عنه في رمي الجمرات وهو قادر على ذلك؟ (1) .
ج: ليس لقادر أن يوكل، وكل واحد يرمي عن نفسه بنفسه إلا الصبي والعاجز والمريض وذات الحمل، فإن ولي الصبي يرمي عنه، وهكذا وكيل العاجز لكبر أو مرض، وهكذا وكيل الحامل وذات الأطفال التي ليس لدى أطفالها من يحفظهم.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ)(17/305)
168 - الوكالة في الرمي
لا تجوز إلا من عذر شرعي
س: ما حكم من وكل في رمي الجمار وهو قادر وسافر بعد يوم العيد ولم يمكث في منى يومين؟ .(17/305)
ج: الوكالة لا تجوز إلا من علة شرعية مثل كبير السن والمريض ومثل الحبلى التي يخشى عليها، وما أشبه ذلك، أما التوكيل من غير عذر شرعي فهذا لا يجوز والرمي باق عليه حتى ولو كان حجه نافلة على الصحيح؛ لأنه لما دخل في الحج والعمرة وجب عليه إكمالهما وإن كانا نافلة؛ لقوله سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) فهذا يعم حج النافلة وحج الفرض كما يعم عمرة الفرض وعمرة النافلة، لكن إذا كان معذورا لمرض أو كبر سن فلا بأس. والنائب يرمي عنه وعن موكله في موقف واحد الجمرات كلها هذا هو الصواب.
وكذلك إن سافر قبل طواف الوداع فهذا أيضا منكر ثان لا يجوز؛ لأن طواف الوداع بعد انتهاء الرمي وبعد فراغ وكيله من الرمي إذا كان عاجزا، وكونه يسافر قبل طواف الوداع وقبل مضي أيام منى هذا فيه شيء من التلاعب فلا يجوز هذا الأمر، بل عليه دمان: دم عن ترك الرمي يذبح في مكة، ودم عن ترك طواف الوداع يذبح في مكة أيضا، ولو طاف في نفس يوم العيد لا يجزئه ولا يسمى وداعا؛ لأن طواف الوداع يكون بعد رمي الجمار فلا يطاف للوداع قبل الرمي؛ لقول النبي صلى الله عليه
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/306)
وسلم: «لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت (1) » .، ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض (2) » متفق على صحته. وعلى المذكور دم ثالث عن ترك المبيت بمنى ليلة أحد عشر وليلة اثنتى عشر مع التوبة إلى الله من فعله المذكور.
__________
(1) رواه مسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1327) .
(2) رواه البخاري في (الحج) باب طواف الوداع برقم (1755) ، ومسلم في (الحج) باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض برقم (1328) .(17/307)
س: هل يمكن توكيل شخص عني لرمي الجمرات ثاني أيام التشريق بسبب ظروف عائلية تستوجب عودتي إلى الرياض في هذا اليوم أم أن علي في ذلك دم؟ .
ج: لا يجوز لأحد أن يستنيب ويسافر قبل إتمام الرمي، بل يجب عليه أن ينتظر فإن كان قادرا رمى بنفسه وإن كان(17/307)
عاجزا انتظر ووكل من ينوب عنه، ولا يسافر الإنسان حتى ينتهي وكيله من رمي الجمار ثم يعود البيت هذا الموكل وبعد ذلك له السفر.
أما إذا كان صحيحا فليس له التوكيل بل يجب عليه أن يرمي بنفسه؛ لأنه لما أحرم بالحج وجب عليه إكماله وإن كان متطوعا؛ لأن الشروع في الحج يوجب إكماله، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) وهكذا العمرة كما في الآية الكريمة إذا شرع فيها وجب عليه الإتمام والإكمال. وليس له أن يوكل في بعض أعمال الحج على الصحيح ما دام قادرا على فعلها. فإن سافر قبل الرمي فعليه دم يطعمه فقراء مكة.
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/308)
169 - الوكيل في الرمي
يرمي عن نفسه أولا إذا كان مفترضا
س: إذا ناب المرء عن أبيه وأمه في رمي الجمار إضافة إلى نفسه فهل يلزمه ترتيب معين في الرمي أم أنه مخير في تقديم من يشاء؟ .(17/308)
ج: إذا ناب المرء عن أمه وأبيه في الرمي لعجزهما أو مرضهما فإنه يرمي عن نفسه ثم يرمي عن والديه، وإذا بدأ بالأم فهو أفضل لأن حقها أكبر، ولو عكس فبدأ بالأب فلا حرج، أما هو فيبدأ بنفسه ولا سيما إذا كان مفترضا.
أما إذا كان متنفلا فلا يضره سواء بدأ بنفسه أو بهما، لكن إذا بدأ بنفسه فهو الأفضل والأحسن ثم يرمي عن أمه ثم عن أبيه في موقف واحد في يوم العيد، لكن في غير يوم العيد يكون الرمي بعد الزوال يرمي عن كل منهم إحدى وعشرين حصاة في كل يوم (1) ، ولو قدم رمي أبيه على أمه أو قدم رميهما على نفسه إذا كان متنفلا. أما إذا كان مفترضا فيجب أن يبدأ بنفسه ثم يرمي عن والديه.
__________
(1) عن كل شخص.(17/309)
170 - حكم من شك في
سقوط الحصى في الحوض
س: ما حكم من حصل عنده شك بأن بعض الحصى لم(17/309)
يسقط في الحوض؟
ج: من شك فعليه التكميل، يأخذ من الحصى الذي عنده في منى من الأرض ويكمل بها.(17/310)
171 - حكم الرمي
من الحصى الذي حول الجمار
س: هل يجوز للحاج أن يرمي من الحصى الذي حول الجمار؟ (1) .
ج: يجوز له ذلك؛ لأن الأصل أنه لم يحصل به الرمي، أما الذي في الحوض فلا يرمى شيء منه.
__________
(1) نشر في جريدة (عكاظ) العدد (10848) بتاريخ 7 \ 12 \ 1416 هـ.(17/310)
172 - العبر المستفادة من رمي الجمار
س: ما العبرة التي يخرج بها المسلم عند رميه الجمرات؟ (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من مجلة (البحوث الإسلامية) وقد نشر في العدد (7) عام 1403 هـ.(17/310)
ج: رمي جمرة العقبة في يوم العيد ورمي الجمار الثلاث في أيام منى وبمواعيدها التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم تفيد المسلم في العبرة من وجوه منها:
أولا: أنها قدوة بأبينا إبراهيم الخليل عليه السلام حين اعترض له إبليس في هذه المواقف، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين شرع ذلك لأمته في حجة الوداع.
ثانيا: إقامة ذكر الله وإعلانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله (1) » .
ثالثا: التقيد بالعدد سبعة له حكمة عظيمة وهي التذكير بما شرع الله من هذا العدد ترمي بسبع حصيات كالطواف سبعا، والسعي سبعا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر (2) » وله سبحانه وبحمده حكم كثيرة
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) مسند عائشة برقم (24557) ، وأبو داود في (المناسك) باب في الرمل برقم (1888) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) مسند علي بن أبي طالب برقم (879) ، والنسائي في (قيام الليل وتطوع النهار) باب الأمر بالوتر برقم (1675) ، وأبو داود في (الصلاة) باب استحباب الوتر برقم (1416) .(17/311)
فيما يشرعه لعباده قد يعلمها العباد أو بعضها، وقد لا يعلمونها، لكنهم موقنون بأن الله سبحانه حكيم عليم، لا يفعل شيئا ولا يشرع شيئا عبثا.
رابعا: أن الدين الإسلامي دين امتثال لأمر الله، وأن المسلم مأمور بالعبادة حسب النص التشريعي ولو خفيت عليه الأسرار؛ لأن الله عليم بكل شيء، وحكيم في كل شيء وعلم البشر قاصر ولا يساوي شيئا إلى جانب علم الله عز وجل. فوجب على المسلم الخضوع لحكمه والامتثال لأمره وإن لم يعلم الحكمة.
خامسا: رمي الجمار يشعر المسلم بالتواضع والخضوع في امتثال الأمر في حالة الأداء كما أنه يعود الفرد المسلم على النظام والترتيب في المواعيد المحددة والمواظبة على ذلك في ذهابه لرمي الجمار الأولى والثانية والثالثة التي هي جمرة العقبة، ثم التقيد بالحصيات السبع واحدة بعد أخرى، مع الهدوء وعدم الإيذاء للآخرين بقول أو فعل، كل هذا يعود المؤمن على تنظيم الأمور المهمة، والعناية بها حتى تؤدى في أوقاتها كاملة.
سادسا: الاحتفاظ بالحصيات وعدم وضعها في غير(17/312)
مكانها تشعر المسلم بأهمية المحافظة على ما شرع ربه وعدم الإسراف، ووضع الأمور في مواضعها من غير تبذير ولا زيادة أو نقص.(17/313)
173 - الحلق أفضل من التقصير
س: أيهما أفضل الحلق أو التقصير بعد أداء النسك في العمرة أو الحج؟ وهل يجزئ تقصير بعض الرأس؟ (1)
ج: الأفضل الحلق في العمرة والحج جميعا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا بالمغفرة والرحمة وللمقصرين واحدة، فالأفضل الحلق لكن إذا كانت العمرة قرب الحج فالأفضل فيها التقصير حتى يتوفر الحلق في الحج؛ لأن الحج أكمل من العمرة فيكون الأكمل للأكمل. أما إن كانت العمرة بعيدة عن الحج مثلا في شوال يمكن لشعر الرأس أن يطول فإنه يحلق حتى يحوز فضل الحلق. ولا يجزئ تقصير بعض الرأس ولا حلق بعضه في أصح قولي العلماء، بل الواجب حلق الرأس كله أو تقصيره كله. والأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن في الحلق والتقصير.
__________
(1) نشر في مجلة (الندوة) العدد (9869) بتاريخ 12\ 12\ 1411 هـ.(17/313)
174 - الأكمل تعميم شعر الرأس بالقص
س: الأخ / أ. م. ح. من أملج بالمملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: حججت العام الماضي متمتعا بالعمرة إلى الحج، وبعد فراغي من العمرة قصرت شعر رأسي بالمقص بحيث أخذت بعض الشعيرات من معظم أجزائه بحجة أنني سوف أحلقه بعد أداء الحج فهل فيما فعلت شيء؟ أفتونا مأجورين (1)
ج: ما فعلته من القص المذكور بالمقص مجزئ وليس عليك شيء، والأحوط والأكمل تعميم شعر الرأس بالقص، والحلق أفضل من القص لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالرحمة والمغفرة ثلاث مرات وللمقصرين مرة، إلا إذا كان قدوم الحاج في وقت قريب من الحج فإن الأفضل له أن يقصر حين تحلله من العمرة ويبقي الحلق للحج، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الذين قدموا معه للحج في حجة الوداع وليس معهم هدي أن يقصروا ولم يأمرهم بالحلق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية)(17/314)
والحكمة في هذا، والله أعلم، أن يبقى بقية الرأس للحلق من التحلل من الحج. والله ولي التوفيق.(17/315)
175 - مكان الحلق والتقصير
س: إذا رمينا جمرة العقبة هل لا بد من الحلق في منى أو نحلق بعد النزول إلى مكة؟ وخاصة أنه ربما لا توجد إمكانيات الحلاقة في منى؟ أرجو من سماحتكم إيضاح ذلك، وهل نحن محرمون أم لا؟ (1) .
ج: الحلق أو التقصير يجوز فعله في منى وفي مكة وغيرهما.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من السائل ب. ب. ص. أجاب عنها سماحته في تاريخ 3 \ 11 \ 1413 هـ.(17/315)
176 - حكم التحلل بعد رمي جمرة العقبة
س: امرأة جاهلة رمت جمرة العقبة يوم النحر وأحلت إحرامها ولبست البرقع، ولم تقصر، ولم تطف طواف(17/315)
الإفاضة ماذا يجب عليها؟ (1) .
ج: ليس عليها شيء؛ لأن التحلل الأول يحصل برمي جمرة العقبة عند جمع من أهل العلم، وهو قول قوي وإنما الأحوط، هو تأخير التحلل الأول حتى يحلق المحرم أو يقصر، أو يطوف طواف الإفاضة ويسعى إن كان عليه سعي بعد رمي جمرة العقبة. ومتى فعل الثلاثة المذكورة حل التحلل كله. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من جريدة (المسلمون) .(17/316)
باب صفة الحج والعمرة
(5) طواف الإفاضة
177 - حكم من لم يكمل طواف الإفاضة
إلى سماحة الشيخ \ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سؤالي هو: والدي أتى من مصر لأداء فريضة الحج، ولم يكمل طواف الإفاضة والسعي وطواف الوداع بسبب مرضه الشديد والزحام الشديد وضعف جسمه.
أولا: هل حجه صحيح أم لا؟
ثانيا: ماذا أفعل له؟ أنا ابنه الذي أعمل بالمملكة.
ثالثا: ماذا عليه إن كان جامع زوجته وهل عليه أن يتوقف عن مجامعة زوجته أم لا؟
رابعا: إن كان ولا بد من حضوره هل بالإمكان من تأخير(17/317)
حضوره إلى شهر رمضان لأداء العمرة وأداء ما عليه من الحج؟
أفيدونا جزاكم الله عن المسلمين كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده:
يلزم والدك الحضور فورا حسب الطاقة لأداء الطواف والسعي، وعليه اجتناب امرأته حتى يطوف ويسعى، فإن كان قد جامعها فعليه دم كدم الأضحية يذبح في مكة ويوزع بين الفقراء مع التوبة والندم وعدم العود إلى جماعها حتى يطوف ويسعى، وحجه صحيح وعليك أن تساعده في ذلك حسب الطاقة بارك الله فيك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 3952 \ ح وتاريخ 3 \ 2 \ 1414 هـ جوابا عن سؤال موجه إليه من هـ. ف.(17/318)
178 - حكم من رفض إحرامه بعد المبيت بمزدلفة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم \ ع. م. ب. غ. وفقه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده:
وصلني خطابكم الكريم المؤرخ في 17 \ 3 \ 1392 م وصلكم الله بهداه المتضمن السؤال عما حصل لكم في الحج، وهو أنك وقفت بعرفة، وبت بمزدلفة، وأنك تحللت من الإحرام ولم ترم الجمار بسبب أنك نسيت صلاة الظهر والعصر بعرفة إلى قبيل المغرب، ثم تضايقت نفسك ولم تكمل مناسك الحج، وتسأل ماذا يجب عليك في ذلك؟ .
الجواب: إنك لا تزال محرما إلى حين التاريخ ونيتك التحلل من الإحرام غير معتبرة؛ لعدم توفر شروط التحلل، وعليك أن تبادر بلبس ملابس الإحرام من حين يصلك هذا الجواب، وتذهب إلى مكة بنية إكمال الحج فتطوف سبعة(17/319)
أشواط بالكعبة طواف الحج وتصلي ركعتي الطواف، ثم تسعى بين الصفا والمروة سعي الحج، ثم تحلق أو تقصر والحلق أفضل إن لم تكن سابقا حلقت أو قصرت بنية الحج ثم تتحلل، وعليك دم عن ترك رمي الجمار كلها إذا كنت لم ترم جمرة العقبة يوم العيد أو الجمار الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر، وهو سبع بدنة أو سبع بقرة أو ثني من المعز أو جذع من الضأن يذبح في الحرم المكي ويوزع بين فقرائه، وعليك دم آخر مثل ذلك عن تركك المبيت بمنى أيام منى إذا كنت لم تبت بها يذبح في الحرم المكي ويوزع بين الفقراء، وعليك مع ذلك التوبة والاستغفار عما حصل من التقصير بترك الرمي الواجب في وقته والمبيت بمنى إن لم تكن بت بها.
أما الطواف والسعي والحلق فوقتها موسع، ولكن فعلها في وقت الحج أفضل، وإذا كنت متزوجا وجامعت زوجتك فقد أفسدت حجك لكن عليك أن تفعل ما تقدم؛ لأن الحج الفاسد يجب إتمامه كالصحيح؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) الآية. وعليك قضاؤه في المستقبل حسب الاستطاعة، وعليك بدنة عن إفسادك الحج بمجامعة امرأتك قبل الشروع في التحلل، تذبح في الحرم المكي وتوزع بين الفقراء، إلا أن تكون قد رميت
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(17/320)
الجمرة يوم العيد أجزأتك شاة بدل البدنة، ولم يفسد حجك، كالذي جامع بعد الطواف قبل أن يكمل تحلله بالرمي أو الحلق. وفق الله الجميع للفقه في دينه والثبات عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(17/321)
س: أديت فريضة الحج في عام من الأعوام، وكان معي أمي وأختاي، وكانت أمي وإحدى أختي مريضتين، وكان حجنا إفرادا، وقد رميت الجمار عن الثلاث جميعهن وذلك لمرض الاثنتين وصعوبة رمي الثالثة مع الزحام، وقد كنا رمينا جمرة العقبة حوالي الساعة الثالثة فجرا يوم النحر حيث أفضنا من المزدلفة حوالي الساعة الثانية عشر والنصف بعد منتصف الليل حسب الرخصة، وقد أخرنا طواف الإفاضة لنطوفه مع الوداع طوافا واحدا بنية طوافين، وقد أغمي على إحدى النساء معي في طواف الوداع، فاضطررنا إلى التوقف مقدار نصف ساعة، حيث ذهبت لأبحث عن عربة لإكمال طواف المريضة، وعندما لم أجد عدت وأكملنا الطواف من حيث توقفنا حيث كنا توقفنا بعد شوط ونصف، فأكملنا خمسة أشواط ونصف. والسؤال هو عن صحة وصفة رمي الجمار والتوكيل فيه، وعن إكمال الطواف بدل البدء فيه من جديد، وهل حجنا صحيح أم علينا شيء؟ (1) .
ج: حجكم صحيح وإكمالكم الطواف من حيث وقفتم
__________
(1) صدر من مكتب سماحته بتاريخ 25 \ 2 \ 1417 هـ جوابا على استفسار مقدم من أ. م.(17/322)
صحيح على الصحيح من قولي أهل العلم، ومن لم يرم من النساء وهي صحيحة جمرة العقبة فعليها دم يذبح في مكة للفقراء جبرا لحجها. وأسأل الله أن يعفو عنا وعنكم وعن كل مسلم، وأن يتقبل من الجميع.(17/323)
179 - حكم من شك في عدد الأشواط
س: ذهبنا للحج وعند الطواف والانتهاء منه، قال بعضنا: إننا أتممنا الأشواط السبعة. وقال آخرون: بقي شوط، فبعضنا قد بقوا لأداء شوط آخر وانصرف آخرون وأنا منهم، فما حكم الحج وهل هو صحيح؟ (1) .
ج: إذا كان الذين انصرفوا وأنت منهم انصرفوا باعتقاد أنهم أكملوا الأشواط السبعة فالطواف صحيح والحمد لله، أما الذين شكوا فعليهم أن يكملوا شوطا سابعا إن لم يطل الفصل، فإن طال الفصل أعادوا الطواف، أما الذين انصرفوا وهم غير متيقنين أنهم أكملوا السبعة فعليهم أن يرجعوا إلى مكة، وأن يأتوا بالطواف كاملا مع التوبة والاستغفار عما حصل من التقصير، وإذا كان أحد منهم أتى زوجته أو امرأة أتاها زوجها
__________
(1) فتوى صدرت من مكتب سماحته(17/323)
فعليهم مع ذلك ذبح شاة تذبح في مكة؛ لأنه لا يجوز للرجل أن يأتي زوجته قبل الطواف وهي كذلك ليس لها أن يأتيها زوجها قبل أن تكمل الطواف - أعني طواف الإفاضة - ويوزع لحمها على الفقراء في مكة، أما من كان شكه طارئا بعد كمال الطواف وانصرافه من المطاف كحالكم - معتقدا كماله - فإنه لا شيء عليه ولا يلتفت لهذا الشك. وهكذا الحكم في جميع العبادات لا يلتفت إلى الشك الطارئ بعد الفراغ منها. والله ولي التوفيق.(17/324)
180 - حكم طواف الإفاضة في يوم عرفة
س: أنا شخص طفت طواف الإفاضة في يوم عرفة فسمعت أنه يجب علي أن أعود وأقوم بإعادة طواف الإفاضة فهل علي طواف وداع رغم أنني طفته؟ (1) .
ج: طواف الإفاضة لا يكون في يوم عرفة، طواف الإفاضة بعد النزول من عرفة والنزول من مزدلفة في آخر ليلة العيد أو في يوم العيد وما بعده، هذا هو وقت طواف الإفاضة، والذي طاف يوم عرفة جاهلا، فطوافه لاغ وعليه أن يطوف بعد
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة لسماحته في دروس في المسجد الحرام بتاريخ 25 \ 12 \ 1418 هـ.(17/324)
النزول من عرفة يوم العيد أو بعده، ولا بد من طواف الإفاضة ووقته بعد النزول من مزدلفة في النصف الأخير من ليلة مزدلفة وفي يوم العيد وما بعده، وعليك إذا كنت لم تطف أن تطوف بعد ذلك، وإن كنت أتيت أهلك قبل الطواف بعد الرمي والحلق فعليك ذبيحة تذبح في مكة للفقراء مع التوبة والاستغفار، أما إذا كنت ما أتيت زوجتك فالحمد لله تطوف وتكمل حجك، وتسعى مع الطواف إذا كنت حاجا قارنا أو مفردا ولم تسع قبل عرفة، فعليك أن تسعى وتطوف لحجك، وأما الطواف الذي في يوم عرفة فهذا لا يصح، إلا إذا كان الإنسان قادما من بلده يوم عرفة ووصل مكة وطاف وسعى، ثم خرج يوم عرفة من مكة إلى عرفات، فهذا يسمى طواف القدوم، وإن كان متمتعا يسمى طواف العمرة يطوف ويسعى ويقصر ثم يحل، هذا يسمى طواف العمرة، وإن كان قارنا أو مفردا طاف ثم سعى ثم خرج إلى عرفات في آخر النهار أو في الليل، وهذا يعتبر طوافه صحيحا، لكن يسمى بطواف القدوم، وليس بطواف الإفاضة، طواف الإفاضة إنما يكون بعد الحج وبعد النزول من عرفة والمزدلفة.(17/325)
181 - حكم لبس المخيط بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير
سماحة الشيخ \ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بمشيئة الله تعالى أريد أن أحج لهذا العام، وأريد أن أستفسر عن بعض أمور الحج التي أجهلها، وأرجو من الله ثم من سماحتكم أن تنيروا لنا الطريق، ولكم في ذلك الأجر والثواب إن شاء الله، وهذه الأمور هي:
س: هل بعد الرمي في اليوم العاشر إذا أردنا النزول إلى مكة للطواف والسعي، وتيسر لنا الحلق، فهل نطوف بالإحرام حتى نهاية السعي أم جائز لنا لبس المخيط بعد الرمي والحلق في منى؟ (1) .
ج: إذا رمى الحاج يوم العيد جمرة العقبة وحلق أو قصر حل التحلل الأول، وجاز له الطيب ولبس المخيط ولم يبق عليه سوى تحريم النساء، وله أن يطوف في ملابس الإحرام ويسعى
__________
(1) سؤال مقدم من \ ب. ب. ص. أجاب عنه سماحته في 3 \ 11 \ 1413 هـ.(17/326)
وإن لبس المخيط وغطى رأسه وقت الطواف والسعي فلا بأس؛ لأنه قد حصل له التحلل الأول برمي جمرة العقبة وبالحلق أو التقصير سواء كان رجلا أو امرأة، لكن المرأة ليس لها الحلق وإنما تقصر من رأسها فقط. والله ولي التوفيق.(17/327)
182 - حكم الطواف على غير طهارة
س: من طاف على غير طهارة يوم العيد ثم سعى وهو جاهل بذلك، فهل يعيد الطواف ثم يسعى بعده؟ وهل يجوز تأخير الطواف إلى طواف الوداع بدون سعي؟ جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عليه أن يعيد الطواف، وإن أخره حتى يعزم على السفر، وطاف عند السفر أجزأه عن طواف الوداع، وإن أعاد السعي فحسن، خروجا من الخلاف.
__________
(1) نشر في مجلة (الدعوة) العدد (1494) في 10 \ 1 \ 1416 هـ.(17/328)
183 - الحائض والنفساء يبقى
عليهما طواف الحج حتى تطهرا
س: إذا حاضت المرأة قبل أن تطوف طواف الإفاضة فما حكمها؟ علما بأنها فعلت كل بقية المناسك، واستمر حيضها حتى بعد أيام التشريق.(17/328)
ج: إذا حاضت المرأة قبل طواف الحج أو نفست فإنه يبقى عليها الطواف حتى تطهر، فإذا طهرت تغتسل وتطوف لحجها ولو بعد الحج بأيام، ولو في المحرم، ولو في صفر حسب التيسير، وليس له وقت محدود، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز تأخيره عن ذي الحجة، ولكنه قول لا دليل عليه، بل الصواب جواز تأخيره، ولكن المبادرة به أولى مع القدرة، فإن أخره عن ذي الحجة أجزأه ذلك ولا دم عليه.
والحائض والنفساء معذورتان فلا حرج عليهما، لأنه لا حيلة لهما في ذلك، فإذا طهرتا طافتا سواء كان ذلك في ذي الحجة أو في المحرم.(17/329)
184 - النفساء تكمل الحج إذا طهرت قبل الأربعين
س: المرأة النفساء إذا بدأ نفاسها يوم التروية وأكملت أركان الحج عدا الطواف والسعي، إلا أنها لاحظت أنها طهرت مبدئيا بعد عشرة أيام، فهل تتطهر وتغتسل وتؤدي الركن الباقي الذي هو طواف الحج؟ .(17/329)
ج: نعم إذا نفست في اليوم الثامن مثلا فلها أن تحج وتقف مع الناس في عرفات ومزدلفة، ولها أن تعمل ما يعمل الناس من رمي الجمار والتقصير ونحر الهدي وغير ذلك، ويبقى عليها الطواف والسعي تؤجلهما حتى تطهر، فإذا طهرت بعد عشرة أيام أو أكثر أو أقل اغتسلت وصلت وصامت وطافت وسعت، وليس لأقل النفاس حد محدود، فقد تطهر في عشرة أيام أو أقل من ذلك أو أكثر، لكن نهايته أربعون، فإذا تمت الأربعون ولم ينقطع الدم فإنها تعتبر نفسها في حكم الطاهرات، تغتسل وتصلي وتصوم، وتعتبر الدم الذي بقي معها على الصحيح دم فساد تصلي معه، وتصوم وتحل لزوجها، لكنها تجتهد في التحفظ منه بقطن ونحوه، وتتوضأ لوقت كل صلاة، ولا بأس أن تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم حمنة بنت جحش بذلك.(17/330)
س: سافرت امرأة إلى الحج وجاءتها العادة الشهرية بعد خمسة أيام من تاريخ سفرها، وبعد وصولها الميقات اغتسلت وعقدت الإحرام وهي لم تطهر من العادة، وحين وصولها إلى مكة المكرمة ظلت خارج الحرم ولم تفعل(17/330)