باب الغسل
نصيحة بالدعوة إلى نشر الإسلام وفضائله
في أمريكا، وشرح مسألة تتعلق بمسح المرأة
على الخمار وغسل الرأس بعد الجنابة (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الأستاذ ح. ع. ب وفقه الله لما يرضيه،
آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم المؤرخ بدون، وصل، وصلكم الله بهداه، وسرنا منه علم صحتكم واستمراركم في الطلب والتحصيل لخدمة أمتكم ووطنكم، فالحمد لله على ذلك، نسأل الله لكم التوفيق والنجاح.
ولقد سررنا كثيرا بما ذكرتم من قيامكم بالدعوة إلى نشر الإسلام وبيان فضائله والرد على خصومه، وطلبكم إرسال بعض الدعاة من الجامعة الإسلامية لوجود الكثيرين ممن يتقبلون الإسلام عندما يتبين لهم حقيقته، ويتضح لهم سمو تشريعاته وعدالة نظمه، فالحمد لله أن وفقكم للقيام بهذه المهمة الشريفة والهدف النبيل.
__________
(1) سبق أن نشرت في كتاب سماحته (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء السادس صـ 235 - 237.(10/166)
نسأل الله أن يزيدكم من الخير والهدى، وأن ينفع بكم، ويجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، إنه جواد كريم.
أما ما أشرتم إليه من طلب إرسال بعثة إلى أمريكا للدعوة والتبليغ.
فنفيدكم أننا مهتمون بذلك كثيرا، ونحن نقدر لكم هذه البادرة الكريمة، وسوف نرسل إن شاء الله من يقوم بذلك عندما يتيسر من يصلح لهذه المهمة ممن يجيد اللغة الإنجليزية؛ لأن اللغة هي التي تحول كثيرا بيننا وبين ما نريد، حقق الله لنا ولكم كل ما نصبوا إليه من عزة الإسلام وصلاح أمر المسلمين.
وقد أرسلنا بعثات كثيرة إلى أفريقيا بجميع أقطارها للدعوة والإرشاد، وكتابة تقارير عن حالة المسلمين هناك، ودراسة مشاكلهم، والتعرف على الجمعيات الإسلامية، وبذل المساعدات التي يمكن تقديمها لهم، واختيار الطلبة الذين يحسن ابتعاثهم إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة، وقد نجحت هذه البعثات بحمد الله نجاحا كبيرا، وحققت خيرا كثيرا نشكر الله على ذلك، ونسأله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه وبذل الجهود في الدعوة إليه ونشر محاسنه وتعاليمه، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح أمر المسلمين وسلامة دينهم وجمع كلمتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أما ما تضمنه خطابكم من السؤال عن حكم مسح المرأة على الخمار عند غسلها من الجنابة، وأن التزام المرأة الأمريكية بغسل الرأس بعد الجنابة كل مرة قد يقف حجر عثرة(10/167)
في طريق إسلامها؛ لكونها تتخذ شكلا لرأسها يغيره الماء. إلخ، فقد فهمته.
والجواب: أن المعلوم من الشرع المطهر، ومن كلام أهل العلم أن المسح على الحوائل من خف وعمامة وخمار لا يجوز في الجنابة بالإجماع، إنما يجوز في الوضوء خاصة؛ لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم (1) » .
ولا ريب أن الشريعة الإسلامية هي شريعة السماحة والتيسير، ولكن ليس في غسل الرأس من الجنابة حرج شديد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سألته أم سلمة عن الغسل من الجنابة والحيض قائلة: يا رسول الله، إني أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة والحيضة؟ قال لها عليه الصلاة والسلام: «لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين (2) » أخرجه مسلم في صحيحه.
فعليه: يرشد النساء اللاتي يتحرجن من غسل رءوسهن في الجنابة بأنه يكفيهن أن يحثين على رءوسهن ثلاث حثيات من الماء حتى يعمه الماء، من غير حاجة إلى نقض ولا تغيير شيء من الزي الذي يشق عليهن تغييره، مع بيان ما لهن عند الله من الأجر العظيم والعاقبة الحميدة والحياة الطيبة الكريمة الدائمة في دار الكرامة إذا صبرن على أحكام الشريعة وتمسكن بها، لكن الحوائل الضرورية التي يحتاجها
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (96) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (478) .
(2) صحيح مسلم الحيض (330) ، سنن الترمذي الطهارة (105) ، سنن النسائي الطهارة (241) ، سنن أبو داود الطهارة (251) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (603) ، مسند أحمد بن حنبل (6/315) ، سنن الدارمي الطهارة (1157) .(10/168)
الإنسان، لعروض كسر أو جرح لا بأس بالمسح عليها في الطهارة الكبرى والصغرى، من أجل الضرورة من غير توقيت، ما دامت الحاجة ماسة إلى ذلك؛ لحديث جابر في الرجل الذي شج في رأسه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم: أن يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها، ثم يغسل سائر جسده، أخرجه أبو داود في سننه.
ومما يحسن التنبيه عليه للراغبين والراغبات في الإسلام عند التوقف في بعض المسائل والتحرج في بعض الأحكام أن يقال لهم: إن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، وأن الله سبحانه أمر عباده بما أمرهم به. ليبلوهم أيهم أحسن عملا، فليس الحصول على رضا الرب ودخول جنته والفوز بكرامته، بالأمر السهل من كل الوجوه الذي يناله الإنسان بدون أي مشقة، ليس الأمر هكذا، بل لا بد من صبر وجهاد للنفس، وتحمل الكثير من المشاق في سبيل مرضاة الرب جل وعلا، ونيل كرامته، والسلامة من غضبه وعقابه، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (1) وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (2) وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (3) والآيات كثيرة في هذا المعنى.
__________
(1) سورة الكهف الآية 7
(2) سورة الملك الآية 2
(3) سورة محمد الآية 31(10/169)
والله المسئول أن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى، وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يمن على الجميع بالبصيرة فيما خلقوا له، وأن يكثر بينهم دعاة الحق، إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(10/170)
الغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة
س: هل غسل الجمعة واجب أم مستحب؟
ج: الغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة؛ لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستاك، ويتطيب» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام (1) » رواه مسلم في صحيحه، وفي لفظ له: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا (2) » ، مع أحاديث كثيرة في الباب.
__________
(1) صحيح مسلم الجمعة (857) ، سنن الترمذي الجمعة (498) ، سنن أبو داود الصلاة (1050) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1090) ، مسند أحمد بن حنبل (2/424) .
(2) صحيح مسلم الجمعة (857) ، سنن الترمذي الجمعة (498) ، سنن أبو داود الصلاة (1050) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1090) ، مسند أحمد بن حنبل (2/424) .(10/170)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «واجب على كل محتلم (1) » معناه عند أكثر أهل العلم: متأكد، كما تقول العرب: (العدة دين، وحقك علي واجب) ، ويدل على هذا المعنى: اكتفاؤه صلى الله عليه وسلم بالوضوء في بعض الأحاديث.
وهكذا الطيب، والاستياك، ولبس الحسن من الثياب، والتبكير إلى الجمعة، كله من السنن المرغب فيها، وليس شيء منها واجبا.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (858) ، صحيح مسلم الجمعة (846) ، سنن النسائي الجمعة (1375) ، سنن أبو داود الطهارة (344) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1089) ، مسند أحمد بن حنبل (3/30) ، موطأ مالك النداء للصلاة (230) ، سنن الدارمي الصلاة (1537) .(10/171)
حكم غسل يوم الجمعة (1)
س: الأخ: ع. م. ز - من بلجرشي يقول في سؤاله: غسل يوم الجمعة هل هو واجب أو مستحب أو سنة؟ وإذا اغتسل الإنسان من الجنابة ليلة الجمعة فهل يجزئه عن غسل الجمعة؟ علما بأن هناك من يقول: إن اليوم يبدأ من بعد منتصف الليل، وإذا كان هذا الغسل لا يجزئ فما هو الوقت المناسب له؟
ج: غسل الجمعة سنة مؤكدة للرجال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستاك ويتطيب» ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من راح إلى الجمعة فليغتسل (2) » ، في أحاديث أخرى كثيرة، وليس بواجب الوجوب الذي يأثم من تركه، ولكنه
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.
(2) صحيح البخاري الجمعة (882) ، صحيح مسلم الجمعة (845) ، سنن أبو داود الطهارة (340) ، سنن الدارمي الصلاة (1539) .(10/171)
واجب بمعنى: أنه متأكد؛ لهذا الحديث الصحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام (1) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل (2) » .
وبذلك يعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: " واجب " ليس معناه الفرضية، وإنما هو بمعنى: المتأكد، كما تقول العرب في لغتها: حقك علي واجب، والمعنى: متأكد، جمعا بين الأحاديث الواردة في ذلك؛ لأن القاعدة الشرعية في الجمع بين الأحاديث: تفسير بعضها ببعض إذا اختلفت ألفاظها؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، وهكذا كلام الله عز وجل في كتابه العظيم يصدق بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا.
ومن اغتسل عن الجنابة يوم الجمعة كفاه ذلك عن غسل الجمعة، والأفضل أن ينوي بهما جميعا حين الغسل. ولا يحصل الغسل المسنون يوم الجمعة إلا إذا كان بعد طلوع الفجر. والأفضل أن يكون غسله عند توجهه إلى صلاة الجمعة؛ لأن ذلك أكمل في النشاط والنظافة.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم الجمعة (857) ، سنن الترمذي الجمعة (498) ، سنن أبو داود الصلاة (1050) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1090) ، مسند أحمد بن حنبل (2/424) .
(2) سنن الترمذي الجمعة (497) ، سنن النسائي الجمعة (1380) ، سنن أبو داود الطهارة (354) ، مسند أحمد بن حنبل (5/8) ، سنن الدارمي الصلاة (1540) .(10/172)
الغسل من الجنابة وغيرها هل يجزئ عن الوضوء (1)
س: الأخ: ع. ص. س - من ثادق في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: اغتسلت من الجنابة بالصابون والشامبو، فهل يجزئ هذا الغسل عن الوضوء إذا نويت ذلك؟
ج: يجزئ ذلك إذا نوى الطهارتين، والأفضل أن يتوضأ أولا ثم يغتسل، كما هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أكمل. ولا حرج من استعمال الصابون والشامبو والسدر، ونحو ذلك مما يزال به الأوساخ.
وفق الله الجميع.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (218) لشهر ربيع الأول من عام 1416هـ.(10/173)
هل يغني غسل الجنابة عن الوضوء (1)
س: سؤال من: ع. ع. ج - من أبها: هل يغني الغسل عن الوضوء، سواء كان غسل جنابة أو غيره، بمعنى: أنه إذا اغتسلت هل يجب علي الوضوء قبل الصلاة أم يكفي الغسل؟
ج: إذا كان الغسل عن الجنابة، ونوى المغتسل الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأ عنهما، ولكن الأفضل أن يستنجي ثم يتوضأ ثم يكمل غسله؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا الحائض والنفساء في الحكم المذكور.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1218) بتاريخ 2\5\1410هـ.(10/173)
أما إن كان الغسل لغير ذلك؛ كغسل الجمعة، وغسل التبرد والنظافة فلا يجزئ عن الوضوء ولو نوى ذلك؛ لعدم الترتيب، وهو فرض من فروض الوضوء، ولعدم وجود طهارة كبرى تندرج فيها الطهارة الصغرى بالنية، كما في غسل الجنابة.
والله ولي التوفيق.(10/174)
بعد الاستحمام هل تصح الصلاة بدون إعادة الوضوء (1)
س: سؤال من شخص في العراق يقول فيه: عند الانتهاء من الاستحمام، هل تصح الصلاة بدون إعادة الوضوء باعتبار أنه قد تطهر في الاستحمام، وهل في ذلك شرط إذا أردت أن يكفي الاستحمام عن الوضوء؟
ج: اختلف أهل العلم في ذلك: والأرجح: أنه إذا اغتسل للجنابة ناويا الحدثين أجزأه ذلك؛ لأن الأصغر يدخل في الأكبر، لكن السنة والكمال والأفضل: أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فيتوضأ أولا بعد أن يستنجي، ويغسل ذكره وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يصب الماء على رأسه ثلاثا، ثم على شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يكمل بقية الجسد، ثم يغسل قدميه في مكان آخر، هذا هو المشروع، وهذا هو الكمال؛ اقتداء بنبينا عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(10/174)
هل الغسل يكفي عن الوضوء (1)
س: سؤال من: ف. ع - تقول: ما الحكم الشرعي إذا أحدث الإنسان ثم استحم، هل يغنيه الاستحمام عن الوضوء؟ وجزاكم الله خيرا.
ج: السنة للجنب: أن يتوضأ ثم يغتسل؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن اغتسل غسل الجنابة ناويا الطهارة من الحدثين: الأصغر والأكبر أجزأه ذلك، ولكنه خلاف الأفضل، أما إذا كان الغسل مستحبا؛ كغسل الجمعة، أو للتبرد فإنه لا يكفيه عن الوضوء؛ بل لا بد من الوضوء قبله أو بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (2) » متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول (3) » أخرجه مسلم في صحيحه.
ولا يعتبر الغسل المستحب أو المباح تطهرا من الحدث الأصغر إلا أن يؤديه كما شرعه الله في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (4) الآية.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1551) بتاريخ 10\3\1417هـ.
(2) صحيح البخاري الحيل (6954) ، صحيح مسلم الطهارة (225) ، سنن الترمذي الطهارة (76) ، سنن أبو داود الطهارة (60) ، مسند أحمد بن حنبل (2/308) .
(3) صحيح مسلم الطهارة (224) ، سنن الترمذي الطهارة (1) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (272) ، مسند أحمد بن حنبل (2/73) .
(4) سورة المائدة الآية 6(10/175)
أما إذا كان الغسل عن جنابة أو حيض أو نفاس ونوى المغتسل الطهارتين دخلت الصغرى في الكبرى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » متفق على صحته.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .(10/176)
هل يكفي الاستحمام في البحر عن الوضوء (1)
س: إذا كان بالقرب مني بحر أو نهر وكنت أستحم فيه، وبعد ذلك حان وقت الصلاة وليس عندي ماء غيره أتوضأ منه، فهل يكفي استحمامي به عن الوضوء أم لا؟
ج: عليك أن تتوضأ مما حولك من البحر أو النهر، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من ماء البحر، فقال: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته (2) » ، وإذا تحممت لإزالة النجاسة أو الوسخ فلا يكفي، إذ لا بد من الوضوء، أما إذا تحممت عن جنابة ونويت الحدثين: الأصغر والأكبر بالغسل كفى، ولكن الأفضل أن تتوضأ ثم تغتسل، هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، يستنجي أولا، ثم يتوضأ وضوء الصلاة ثم يغتسل، هذا هو السنة، لكن لو نواهما جميعا بنية واحدة أجزاه عند أهل العلم، ولكن الأفضل للمسلم أن يفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا المرأة في غسل الحيض والنفاس، سواء كان الماء من ماء البحار، أو النهر، أو الآبار، أو العيون، والله يقول سبحانه:
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (177) لشهر شوال من عام 1412هـ.
(2) سنن الترمذي الطهارة (69) ، سنن النسائي المياه (332) ، سنن أبو داود الطهارة (83) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (386) ، مسند أحمد بن حنبل (2/361) ، موطأ مالك الطهارة (43) ، سنن الدارمي الطهارة (729) .(10/176)
{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1) الآية.
__________
(1) سورة المائدة الآية 6(10/177)
حكم الاغتسال بأنواع الشامبو المشتملة على البيض والليمون وغيرها (1)
س: سائلة تسأل وتقول: هناك بعض الدهون أو الشامبو التي توضع في رءوس النساء وتغسل به الرءوس، يحتوي على نعم من نعم الله كالبيض والليمون مثلا، فما حكم استعماله؟ وخاصة أن النساء يستعملنه ثم يزلنه بالماء في داخل دورات المياه فيختلط بالنجاسة، أفيدونا أفادكم الله.
ج: لا حرج في استعماله لمصلحة الرأس كالتداوي، ولا مانع من التداوي بالبيض والحنطة وغيرهما من الأطعمة؛ لأن الشيء المباح الذي فيه منفعة لا مانع من التداوي به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «عباد الله تداووا، ولا تداووا بحرام (2) » ، وإذا جعل البيض ونحوه في الرأس للتداوي به فقد تعفن، وصار غير صالح للأكل، فلا يضر غسله في الحمامات.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (106) .
(2) سنن أبو داود الطب (3874) .(10/177)
إذا استيقظ النائم ووجد على ثيابه ماء وعرف بعد ذلك أنه مني (1)
س: ع. ع. س - منطقة ابن خلدون يقول: إذا كان الشخص نائما واستيقظ ورأى على ثيابه ماء، أو أثر ماء، لكنه لا يدري ما نوعه، وهو لا يعرف الفرق بين المني وغيره، وقد صلى ولم يغتسل، ثم تذكر بعد ذلك أنه احتلم، فماذا يجب عليه، هل يعيد الصلوات التي صلاها؟
ج: نعم، إذا تذكر أنه احتلم وعرف أن الماء مني وجب أن يغتسل غسل الجنابة، ويعيد الصلاة التي صلى بعد الاحتلام وقبل الاغتسال، أما إن كان لم يتذكر شيئا من ذلك، والماء اشتبه عليه لا يعرف هل هو مني أو مذي أو بول؟ فإنه يغسل ثوبه للحيطة، ولا يلزمه غسل الجنابة، إلا إذا غلب على ظنه أنه مني، فالمذي يرش منه الثوب، والبول يغسله غسلا ويعصره، أما المني فهو طاهر لا يجب غسله، لكن يستحب غسله إن كان رطبا، وفركه إن كان يابسا، أما إذا كان عن تفكير ومداعبة عند النوم، فإنه في الغالب يكون مذيا أو منيا، وهما يختلفان.
فالمني: يقول العلماء: أن له رائحة تشبه رائحة لقاح النخل، وهو أيضا يعرف بالغلظة، بعكس المذي الذي يعرف بالرقة، أما الودي: بالدال المهملة، فهو يقع بعد البول متصلا به، وحكمه حكمه.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (62) .(10/178)
حكم الغسل من الاحتلام الذي لا يجد له أثرا
س: سؤال من: إبراهيم. ع. ح - يقول: في بعض الأحيان أذكر احتلاما بعدما أصحو من النوم، ولكن لا أرى أي أثر لذلك الاحتلام، هل يجب علي الغسل أم لا؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: لا يجب الغسل على من رأى احتلاما إلا إذا وجد الماء، وهو: المني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الماء من الماء (1) » ومعناه: أن ماء الغسل يكون من ماء المني، وهذا عند أهل العلم في حق المحتلم، أما إن جامع زوجته فإن عليه الغسل، وإن لم يخرج منه الماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل (2) » رواه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل (3) » متفق على صحته، زاد مسلم في صحيحه: «وإن لم ينزل (4) » .
وفي الصحيحين، عن أنس رضي الله عنه، أن أم سليم الأنصارية - وهي أم أنس رضي الله عنهما - «قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: نعم إذا هي رأت الماء (5) » .
__________
(1) صحيح مسلم الحيض (343) ، سنن أبو داود الطهارة (217) ، مسند أحمد بن حنبل (3/47) .
(2) صحيح مسلم الحيض (349) ، سنن الترمذي الطهارة (108) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (608) ، مسند أحمد بن حنبل (6/97) ، موطأ مالك كتاب الطهارة (106) .
(3) صحيح البخاري الغسل (291) ، صحيح مسلم الحيض (348) ، سنن النسائي الطهارة (191) ، سنن أبو داود الطهارة (216) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (610) ، مسند أحمد بن حنبل (2/234) ، سنن الدارمي الطهارة (761) .
(4) صحيح البخاري الغسل (291) ، صحيح مسلم الحيض (348) ، سنن النسائي الطهارة (191) ، سنن أبو داود الطهارة (216) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (610) ، مسند أحمد بن حنبل (2/520) ، سنن الدارمي الطهارة (761) .
(5) صحيح البخاري كتاب الأدب (6091) ، صحيح مسلم الحيض (313) ، سنن الترمذي الطهارة (122) ، موطأ مالك الطهارة (118) .(10/179)
وهذا الحكم يعم الرجال والنساء عند جميع أهل العلم، ويدخل في هذا المعنى: من أنزل المني عن شهوة؛ لتفكير أو ملامسة، فإنه يجب عليه الغسل، كالمحتلم إذا أنزل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «الماء من الماء (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم الحيض (343) ، سنن أبو داود الطهارة (217) ، مسند أحمد بن حنبل (3/47) .(10/180)
ما صحة حديث «من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ (1) » (2)
س: سؤال من: س. ص - من الرياض يقول: ما صحة حديث «من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ (3) » ، وهل الأمر على الوجوب أم الاستحباب، ولماذا؟
ج: الحديث المذكور ضعيف، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى ما يدل على استحباب الغسل من تغسيل الميت. أما حمله فلم يصح في الوضوء منه شيء، ولا يستحب الوضوء من حمله؛ لعدم الدليل على ذلك.
__________
(1) سنن الترمذي الجنائز (993) ، سنن أبو داود الجنائز (3161) ، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1463) ، مسند أحمد بن حنبل (2/272) .
(2) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1557) بتاريخ 22\4\1417هـ.
(3) سنن الترمذي الجنائز (993) ، سنن أبو داود الجنائز (3161) ، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1463) ، مسند أحمد بن حنبل (2/272) .(10/180)
إذا غسلت رأسي أصاب بالحساسية فكيف أغتسل
س: سؤال من: ح. م. ع - تقول: أنا سيدة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر، وعندي نزلة طوال العام، فكيف أصلي؟ هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط؟ علما بأنني أصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع، وكثيرا ما أترك الصلاة؛ لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط، ومترددة وقلقة ومنزعجة جدا، رغم أنني أعرف أن الدين يسر، فأرجو إفادتي بالإجابة القاطعة حتى أستطيع أن أعيش في أمان وأؤدي فرضي كاملا، علما بأنني مدرسة ويوميا أخرج للعمل فأصاب بالهواء الذي يلزمني السرير عادة فأنا مريضة، والله يعلم فأنا حائرة بين ممارسة حياتي الزوجية، وهي طاعة الزوج، وفوق ذلك طاعة الله.
ج: إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض كفاك مسحه؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم (2) » .
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الفضائل (1337) ، سنن الترمذي العلم (2679) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .(10/181)
هل يصح غسل المرأة من الجنابة بدون فك ضفائر شعرها (1)
س: هذه: ف. ط. م - من السودان بعثت إلينا بهذه الرسالة تقول فيها: بعض النساء لدينا يمشطن شعورهن - أي: يضفرنها - وعندما يغتسلن من الجنابة لا تفك المرأة ضفائرها، فهل يصح غسلها؟ مع العلم أن الماء لم يصل إلى كل منابت شعرها. أفيدونا أفادكم الله.
ج: إذا أفاضت المرأة على رأسها كفى؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: «يا رسول الله، إني امرأة أشد شعر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين (2) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
فإذا حثت المرأة على رأسها الماء ثلاث حثيات كفاها ذلك ولا حاجة إلى نقضه؛ لهذا الحديث الصحيح.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (106) .
(2) صحيح مسلم الحيض (330) ، سنن الترمذي الطهارة (105) ، سنن النسائي الطهارة (241) ، سنن أبو داود الطهارة (251) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (603) ، مسند أحمد بن حنبل (6/315) ، سنن الدارمي الطهارة (1157) .(10/182)
الغسل أولا لمن استيقظ جنبا عند شروق الشمس (1)
س: سؤال من: س. م - من نواكشوط يقول:
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1211) بتاريخ 13\3\1410هـ.(10/182)
استيقظت في حدود شروق الشمس مجنبا فإذا دخلت في الغسل ستشرق الشمس، هل أتيمم وأصلي، أم أغتسل ثم أصلي؟
ج: عليك أن تغتسل وتكمل طهارتك ثم تصلي، وليس لك التيمم والحال ما ذكر؛ لأن الناسي والنائم مأموران أن يبادرا بالصلاة وما يلزم لها من حين الذكر والاستيقاظ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك (1) » ، ومعلوم أنه لا صلاة إلا بطهور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور (2) » ، ومن وجد الماء فطهوره الماء، فإن عدمه صلى بالتيمم؛ لقول الله عز وجل: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (3) الآية من سورة المائدة.
والواجب عليك أن تهتم بصلاتك، وأن تعنى بها غاية العناية بوضع منبه عند رأسك، أو تكليف من يوقظك من أهلك عند دخول الوقت؛ حتى تؤدي ما أوجب الله عليك من الصلاة مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل، وحتى تسلم من مشابهة المنافقين الذين يتأخرون عن الصلاة، ولا يأتونها إلا كسالى.
أعاذنا الله وإياك وسائر المسلمين من صفاتهم وأخلاقهم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (597) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (684) ، سنن الترمذي الصلاة (178) ، سنن النسائي المواقيت (614) ، سنن أبو داود الصلاة (442) ، سنن ابن ماجه الصلاة (695) ، مسند أحمد بن حنبل (3/269) .
(2) صحيح مسلم الطهارة (224) ، سنن الترمذي الطهارة (1) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (272) ، مسند أحمد بن حنبل (2/73) .
(3) سورة المائدة الآية 6(10/183)
جماع الرجل لزوجته أكثر من مرة بدون اغتسال بينهما (1)
س: هل يجوز للرجل أن يجامع زوجته مرتين بدون اغتسال بين الأول والثاني والثالث مثلا؟
ج: يجوز له ذلك، والاغتسال أحسن، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على فعله وتركه، فروى أصحاب السنن، وأحمد من حديث رافع بن خديج «أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وهذه، فقيل: يا رسول الله، ألا تجعله غسلا واحدا؟ فقال: هذا أزكى وأطيب (2) » .
وثبت في الصحيحين، عن أنس رضي الله عنه، «أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد (3) » .
والسنة أنه إذا أراد أن يعاود الوطء ولم يغتسل أن يتوضأ وضوء الصلاة، وقد ورد ما يدل على جواز ترك الوضوء أيضا، فأما ما يدل على سنيته: فما رواه مسلم وغيره، عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ (4) » ، وفي رواية ابن خزيمة «فليتوضأ وضوءه للصلاة (5) » .
وأما ما يدل على جواز الترك: فما رواه الطحاوي، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ» .
والله الموفق.
__________
(1) أجاب سماحته على هذا السؤال عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
(2) سنن أبو داود الطهارة (219) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (590) ، مسند أحمد بن حنبل (6/8) .
(3) صحيح البخاري الغسل (268) ، صحيح مسلم الحيض (309) ، سنن الترمذي الطهارة (140) ، سنن النسائي الطهارة (263) ، سنن أبو داود الطهارة (218) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (589) ، مسند أحمد بن حنبل (3/99) ، سنن الدارمي الطهارة (754) .
(4) صحيح مسلم الحيض (308) ، سنن الترمذي الطهارة (141) ، سنن النسائي الطهارة (262) ، سنن أبو داود الطهارة (220) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (587) ، مسند أحمد بن حنبل (3/28) .
(5) صحيح مسلم الحيض (308) ، سنن الترمذي الطهارة (141) ، سنن النسائي الطهارة (262) ، سنن أبو داود الطهارة (220) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (587) ، مسند أحمد بن حنبل (3/28) .(10/184)
ما معنى الجنابة، ومتى يغتسل الرجل منها (1)
س: قارئ يسأل: ما معنى الجنابة؟ ومتى يغتسل الرجل من الجنابة؟
ج: الجنابة وصف للرجل والمرأة إذا حصل منهما جماع أو نزول المني بشهوة ولو من غير جماع. والواجب عليهما بذلك: الغسل، كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (2) الآية من سورة المائدة، وقال تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (3) الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل (4) » متفق على صحته، واللفظ لمسلم. .
وسألت أم سليم الأنصارية رضي الله عنها فقالت: «يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم، إذا هي رأت الماء (5) » متفق على صحته. والأحاديث في ذلك كثيرة.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة النساء الآية 43
(4) صحيح البخاري الغسل (291) ، صحيح مسلم الحيض (348) ، سنن النسائي الطهارة (191) ، سنن أبو داود الطهارة (216) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (610) ، مسند أحمد بن حنبل (2/234) ، سنن الدارمي الطهارة (761) .
(5) صحيح البخاري الأدب (6121) ، صحيح مسلم الحيض (313) ، سنن الترمذي الطهارة (122) ، سنن النسائي الطهارة (197) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (600) ، مسند أحمد بن حنبل (6/292) ، موطأ مالك الطهارة (118) .(10/185)
كيفية الغسل من الحيض والجنابة (1)
س: امرأة تسأل عن كيفية الغسل من الحيض ومن الجنابة بواسطة وسائل الغسل الحديثة، كالدش والصنبور وغيرها.
ج: أولا: المرأة تستنجي من حيضها ونفاسها، ويستنجي الرجل الجنب والمرأة الجنب، ويغسل كل منهما ما حول الفرج من آثار الدم أو غيره، ثم يتوضأ كل منهما وضوءه للصلاة: الحائض، والنفساء، والجنب، يتوضأ وضوء الصلاة، ثم بعد ذلك يفيض الماء على رأسه ثلاث مرات، ثم على بدنه على الشق الأيمن، ثم الأيسر، ثم يكمل الغسل، هذه هي السنة، وهذا هو الأفضل. وإن صب الماء على بدنه مرة واحدة كفى وأجزأ ذلك في الغسل من الجنابة والحيض والنفاس.
ويستحب للمرأة في غسل الحيض والنفاس أن تغتسل بماء وسدر، هذا هو الأفضل.
أما الجنب فلا يحتاج للسدر، والماء يكفي، سواء كان اغتساله من الصنبور أو من الدش، أو بالغرف من الحوض، أو من إناء، أو غير ذلك، كله جائز والحمد لله.
__________
(1) برنامج نور على الدرب الشريط رقم (52) .(10/186)
تدليك الجسم باليد أثناء الاغتسال من الجنابة (1)
س: سؤال من: أ. ر - الخبر - السعودية يقول: هل لا بد من تدليك الجسم كله باليد أثناء الاغتسال من الجنابة، أم يكفي صب الماء فقط؟
ج: يكفي صب الماء وإسباغه على البدن في غسل الجنابة والحيض والنفاس؛ لعموم الآيات والأحاديث في ذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.(10/187)
خروج المذي لا يوجب الغسل
س: هل خروج المذي يوجب الغسل
ج: خروج المذي لا يوجب الغسل، ولكن يوجب الوضوء بعد غسل الذكر والأنثيين إذا أراد أن يصلي أو يطوف أو يمس المصحف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عنه قال: فيه الوضوء، وأمر من أصابه المذي أن يغسل ذكره وأنثييه.
وإنما الذي يوجب الغسل هو المني، إذا خرج دفقا بلذة، أو رأى أثره بعد اليقظة من نومه ليلا أو نهارا.(10/187)
من اغتسل من الجنابة وخرج منه شيء من المني هل يجب عليه إعادة الغسل (1)
س: سائلة تقول: إذا اغتسلت من الجنابة وانتهيت يخرج مني شيء من المني، هل يجب علي إعادة الغسل؟
ج: لا يجب عليك إعادة الغسل ما دام حصل الغسل، فهذا المني لا قيمة له؛ لأنه خرج بدون شهوة، وحكمه حكم البول يوجب الاستنجاء والوضوء، أما الغسل الواجب فقد أديته، وهكذا الرجل لو اغتسل ثم خرج منه مني بعد ذلك، فهذا كالبول لا يوجب الغسل ما دام ناشئا عن الجماع السابق.
أما إن خرج عن شهوة جديدة بسبب ملامسة أو تقبيل، أو نحو ذلك من أسباب إثارة الشهوة، فهذا مني جديد يوجب الغسل.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته.(10/188)
خروج بقية المني بعد الغسل هل يوجب الاغتسال (1)
س: رجل خرج منه المني بعد الاغتسال، هل يعيد الاغتسال؟ علما بأن المني بقية المني الذي قبل الاغتسال.
ج: ليس عليه إعادة الغسل، وإنما عليه إعادة الاستنجاء والوضوء؛ لأن خروج المني بدون شهوة مصاحبة لخروجه لا يوجب الغسل، وإنما يوجب الاستنجاء والوضوء كالبول. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سؤال موجه من ع. س من الرياض في مجلس سماحته.(10/188)
باب التيمم
طريقة التيمم الصحيحة
س: أرجو من سماحتكم أن تبينوا لنا طريقة التيمم الصحيحة.
ج: التيمم الصحيح مثل ما قال الله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1) المشروع: ضربة واحدة للوجه والكفين.
وصفة ذلك: أنه يضرب التراب بيديه ضربة واحدة ثم يمسح بهما وجهه وكفيه، كما في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسر رضي الله عنه: «إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ومسح بهما وجهه وكفيه (2) »
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) صحيح البخاري التيمم (338) ، صحيح مسلم الحيض (368) ، سنن النسائي الطهارة (319) ، سنن أبو داود الطهارة (321) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (569) ، مسند أحمد بن حنبل (4/320) .(10/189)
ويشترط أن يكون التراب طاهرا، ولا يشرع مسح الذراعين، بل يكفي مسح الوجه والكفين؛ للحديث المذكور.
ويقوم التيمم مقام الماء في رفع الحدث على الصحيح، فإذا تيمم صلى بهذا التيمم النافلة والفريضة الحاضرة والمستقبلة، ما دام على طهارة حتى يحدث، أو يجد الماء إن كان عادما له، أو حتى يستطيع استعماله إذا كان عاجزا عن استعماله، فالتيمم طهور يقوم مقام الماء، كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم طهورا.(10/190)
حكم التيمم مع وجود الماء
س: ما حكم التيمم مع وجود الماء؟
ج: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أما بعد:
فقد ذكر لي بعض الثقات: أن بعض البادية يستعملون التيمم للصلاة مع توافر الماء لديهم، وهذا منكر عظيم يجب التنبيه عليه؛ وذلك لأن الوضوء للصلاة شرط من شروط صحتها عند وجود الماء، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1)
__________
(1) سورة المائدة الآية 6(10/190)
وفي الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (1) » ، وقد أباح الله سبحانه وتعالى التيمم، وأقامه مقام الوضوء في حال فقد الماء، أو العجز عن استعماله، لمرض ونحوه؛ للآية السابقة، ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} (2)
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس، فإذا هو برجل معتزل، فقال: ما منعك أن تصلي؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال صلى الله عليه وسلم: عليك بالصعيد فإنه يكفيك (3) » متفق عليه.
ومن هذا يعلم: أن التيمم للصلاة لا يجوز مع وجود الماء والقدرة على استعماله، بل الواجب على المسلم أن يستعمل الماء في وضوئه
__________
(1) صحيح البخاري الوضوء (135) ، صحيح مسلم الطهارة (225) ، سنن الترمذي الطهارة (76) ، سنن أبو داود الطهارة (60) ، مسند أحمد بن حنبل (2/308) .
(2) سورة النساء الآية 43
(3) صحيح البخاري التيمم (344) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (682) .(10/191)
وغسله من الجنابة أينما كان، ما دام قادرا عليه، وليس بمعذور في تركه والاكتفاء بالتيمم، وتكون صلاته حينئذ غير صحيحة؛ لفقد شرط من شروطها، هو: الطهارة بالماء عند القدرة عليه.
وكثير من البادية - هداهم الله - وغيرهم ممن يذهب إلى النزهة يستعملون التيمم، والماء عندهم كثير، والوصول إليه ميسر، وهذا بلا شك تساهل قبيح، وعمل منكر لا يجوز فعله؛ لكونه خلاف الأدلة الشرعية، وإنما يعذر المسلم في استعمال التيمم إذا بعد عنه الماء، أو لم يبق عنده منها إلا اليسير الذي يحفظه لإنقاذ حياته وأهله وبهائمه، مع بعد الماء عنه.
فالواجب على كل مسلم أينما كان أن يتقي الله سبحانه في جميع أموره، وأن يحذر ما حرمه الله عليه، ومن ذلك: التيمم مع وجود الماء والقدرة على استعماله.
وأسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.(10/192)
حكم من تيمم ثم وجد الماء قبل انتهاء وقت الصلاة (1)
س: قوم أدركتهم صلاة وهم في سفر وليس معهم ماء للوضوء، ومع أن الجو كان ممطرا والغدير على جنبات الطريق إلا أنهم شكوا في أن هذا الماء غير طاهر، ولا سيما أن هناك عمالا يعملون على الطريق غير مسلمين؛ خوفا أن يكون هؤلاء قد استعملوا الماء الذي على الطريق فإنهم قرروا عدم استعمال الماء وتيمموا، مع أن الأرض كانت مبتلة وليس هناك غبار، وقبل انتهاء وقت الصلاة وجدوا الماء، فما الحكم والحال على ما ذكر؟
ج: الواجب على من ذكرت وأشباههم أن يتوضئوا من الماء الموجود إذا أمكن الوضوء منه؛ لأن الأصل طهارة الماء، كما أن الأصل وجوب الوضوء، وعدم جواز التيمم إلا عند العجز عنه، إلا إذا كان الماء لا يصلح للوضوء؛ لقلته، واختلاطه بالتراب الذي يجعله في حكم الطين لا في حكم الماء، فإنه يجزئهم التيمم، وعليهم التماس التراب بإزالة القشرة التي على وجه الأرض إذا كان المطر خفيفا، فإن كان المطر كثيرا قد تمكن من الأرض أجزأهم التيمم على الأرض اليابسة، أو على ما لديهم من أمتعة فيها غبار؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1465) بتاريخ 29\6\1415هـ.
(2) سورة التغابن الآية 16(10/193)
ومتى وجدوا الماء بعد الصلاة فليس عليهم إعادة؛ لأنه قد ورد في السنة ما يدل على ذلك إذا لم يفرطوا.(10/194)
كيف يتيمم المريض (1)
س: الأخ: أ. س. ع - من المدينة المنورة يقول في سؤاله: أنا مريض ولا أستطيع الوضوء بنفسي وليس عندي من يساعدني، فهل أتيمم؟ علما بأن المستشفى ينظف الجدران والأرض والفرش يوميا، فكيف أتيمم والحال ما ذكرت؟
ج: إذا كان المريض ليس عنده من يوضئه، ولا يستطيع أن يتوضأ بنفسه فإنه يتيمم؛ لقوله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (2) الآية. والعاجز عن الماء والتيمم معذور، وعليه: أن يصلي في الوقت بغير وضوء ولا تيمم؛ لقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم (4) » .
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (192) لشهر محرم من عام 1414هـ.
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) سورة التغابن الآية 16
(4) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الفضائل (1337) ، سنن الترمذي العلم (2679) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .(10/194)
وقد صلى بعض الصحابة رضي الله عنهم في بعض أسفار النبي صلى الله عليه وسلم بغير وضوء ولا تيمم، ولم ينكر عليهم النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، وذلك في السفر الذي ضاع فيه عقد عائشة رضي الله عنها، وذهب بعض الصحابة رضي الله عنهم يلتمسه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجدوه، وحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء ولا تيمم، وكان التيمم لم يشرع ذلك الوقت، وليس عندهم ماء ثم شرع بسبب هذه الحادثة.
وهذا هو الواجب، فإن المريض إذا لم يكن عنده قدرة على استعمال الماء، وليس عنده من يوضئه فإنه يجب عليه التيمم إذا وجد ترابا نظيفا في الأرض أو في إناء أو وعاء يتيمم منه، ويكفي ذلك عن الوضوء.
ولا يجوز التساهل في هذا الأمر، بل يجب على جميع المستشفيات أن يهتموا بذلك. ويجب على المريض قبل الوضوء أو التيمم أن يستنجي من الغائط والبول بالماء أو الاستجمار، ولا يتعين الماء، بل يجزئه أن يستنجي بمناديل طاهرة ونحوها، كالحجر والتراب واللبن، ونحو ذلك، حتى يزيل الأذى. والواجب ألا ينقص ذلك عن ثلاث مسحات، فإن لم يحصل النقاء بذلك وجبت الزيادة حتى يحصل النقاء. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من استجمر فليوتر (1) » ، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه نهى أن يستنجى بأقل من ثلاثة أحجار (2) » ، ونهى أن يستنجى بالعظم والروث، وقال: «إنهما لا يطهران» ، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الوضوء (161) ، صحيح مسلم الطهارة (237) ، سنن النسائي الطهارة (88) ، سنن أبو داود الطهارة (35) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (338) ، مسند أحمد بن حنبل (2/371) ، موطأ مالك الطهارة (33) ، سنن الدارمي الطهارة (662) .
(2) صحيح مسلم الطهارة (262) ، سنن الترمذي الطهارة (16) ، سنن النسائي الطهارة (41) ، سنن أبو داود الطهارة (7) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (316) ، مسند أحمد بن حنبل (5/438) .(10/195)
احتلم ولا يستطيع الاستحمام لإجرائه عملية جراحية، هل يتيمم أو يتوضأ بعد التيمم (1)
س: الأخ: ب. ف. ش - من الرياض يقول في سؤاله: عملت لي عملية جراحية في ظهري وأنا أستطيع أن أتوضأ للصلاة بصعوبة، وقد احتلمت في إحدى الليالي وأنا لا أستطيع الاستحمام حتى لا تتأثر الجروح من جراء العملية فهل يكفيني التيمم، وهل لا بد أن أتوضأ بعد التيمم، أم ماذا أفعل والحالة هذه؟ أرجو إفتائي في ذلك.
ج: الواجب على المسلم أن يتقي الله ما استطاع في جميع أحواله لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم (3) » متفق عليه، فإذا كان المريض لا يستطيع الوضوء والغسل كفاه التيمم؛ لقول الله سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (4) الآية من سورة المائدة.
والعاجز عن استعمال الوضوء أو الغسل حكمه حكم من فقد الماء، فإذا استطعت الوضوء دون الغسل فتوضأ وتيمم للغسل - كما تقدم من قوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (5) والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (243) لشهر ربيع الآخر 1418هـ.
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الفضائل (1337) ، سنن الترمذي العلم (2679) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .
(4) سورة المائدة الآية 6
(5) سورة التغابن الآية 16(10/196)
بيده جرح ولا يصله الماء فصلى ولم يتيمم عنه
س: لو توضأ إنسان وبيده جرح لا يصله الماء، وإنما يتيمم عنه، نسي وصلى بدون تيمم فذكر وهو في صلاته فتيمم دون أن يقطع الصلاة واستمر بصلاته، فما حكم هذه الصلاة، هل هي باطلة أو صحيحة؟
ج: إذا كان في موضع من مواضع الوضوء جرح ولا يمكن غسله ولا مسحه؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن هذا الجرح يزداد أو يتأخر برؤه، فالواجب على هذا الشخص هو التيمم، فمن توضأ تاركا موضع الجرح ودخل في الصلاة وذكر في أثنائها أنه لم يتيمم، فإنه يتيمم ويستأنف الصلاة؛ لأن ما مضى من صلاته قبل التيمم غير صحيح، ومنه تكبيرة الإحرام، فلم يصح دخوله في الصلاة أصلا؛ لأن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة.
وترك موضع من مواضع الوضوء، أو ترك جزء منه لا يكون الوضوء معه صحيحا، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء أمره بإعادة الوضوء، وهذا الشخص المسئول عنه لما تعذر الغسل والمسح في حقه وجب الانتقال إلى البدل الذي هو التيمم؛ لعموم قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (1)
__________
(1) سورة النساء الآية 43(10/197)
ولقصة صاحب الشجة، ففي رواية ابن عباس، عند ابن ماجه قال صلى الله عليه وسلم: «لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصاب الجرح (1) » ، وفي رواية أبي داود عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنما كان يكفيه أن يتيمم (2) » الحديث.
فإذا كان هذا الشخص الذي سأل عنه لم يعد تلك الصلاة فإنه يعيدها.
__________
(1) سنن أبو داود الطهارة (337) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (572) ، مسند أحمد بن حنبل (1/330) ، سنن الدارمي الطهارة (752) .
(2) سنن أبو داود الطهارة (336) .(10/198)
حد الوجه في التيمم وكيفية التيمم لمن كان على إحدى يديه أو كلتيهما جبس
س: إذا كان على إحدى يدي أو كلتيهما جبس أو بها جروح يضرهما الماء، فكيف التيمم؟ وهل حد الوجه في التيمم مثله في الوضوء؟
ج: نعم، حد الوجه في التيمم كالوضوء، يمسح وجهه بالتراب من أعلى الجبهة إلى اللحية، ومن الأذن إلى الأذن، ويمسح يديه ظاهرهما وباطنهما من مفصل الكف إلى أطراف الأصابع، وإذا كان في يديه جبس أو جروح كفى المسح بالتراب على الجبس، وعليهما إن كان بهما جروح.(10/198)
وإن كانت إحداهما سليمة والأخرى فيها جروح، أو عليها جبس غسل السليمة، ومسح بالماء على الجريحة، ومسح على الجبس، كما لو كان عليهما أو إحداهما جبيرة من خرق ونحوهما. فإن كان يضره الماء أو كان الماء غير موجود أجزأه التيمم.(10/199)
لم يجد وسيلة لتسخين الماء لبرودة الجو فتمسح دون غسل الرجلين (1)
سؤال من: غ. ع. خ - العراق يقول: أنا طالب في الإعدادية، ساكن في السكن الداخلي، نهضت في الصباح لكي أودي فرض صلاة الصبح وكان الجو باردا جدا وليس لدي أي وسيلة لتسخين الماء فتمسحت دون أن أغسل رجلي بالماء، فهل هذه الصلاة مقبولة أم تنصحوني بقضائها؟
ج: هذا فيه تفصيل: إن كنت تستطيع أن تجد ماء دافئا أو تستطيع تسخين البارد، أو الشراء من جيرانك أو غير جيرانك، فالواجب عليك أن تعمل ذلك؛ لأن الله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) فعليك أن تعمل ما تستطيع من الشراء أو التسخين أو غيرهما من الطرق التي تمكنك من الوضوء الشرعي بالماء، فإن عجزت وكان
__________
(1) برنامج نور على الدرب الشريط رقم (837) .
(2) سورة التغابن الآية 16(10/199)
البرد شديدا، وفيه خطر عليك، ولا حيلة لك بتسخينه ولا شراء شيء من الماء الساخن ممن حولك فأنت معذور، ويكفيك التيمم؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقوله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (2) الآية. والعاجز عن استعمال الماء حكمه حكم من لم يجد الماء.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة المائدة الآية 6(10/200)
من لا يستطيع استعمال الماء لشدة البرد، ولا تسخين الماء، هل يتيمم لصلاة الفجر
س: من احتاج إلى الغسل ولم يستطع استعمال الماء؛ لشدة البرد، ولعدم وجود وسيلة لتسخين الماء، فهل يتيمم لصلاة الفجر؟ ومن فعل ذلك فما الحكم؟
ج: إذا كان في محل لا يستطيع فيه تسخين الماء أو ليس فيه مكان يستكن به للغسل بالماء الدافئ وخاف على نفسه صلى بالتيمم، ولا حرج عليه؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (2) » ، وقد ثبت أن عمرو بن العاص رضي الله عنه كان في غزوة ذات السلاسل وأصابته جنابة، وكان في ليلة باردة شديدة البرد فلم يغتسل، بل
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الحج (1337) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .(10/200)
توضأ وتيمم وصلى بالناس، ولما قدم من الغزوة سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إني خشيت على نفسي وتأولت قول الله سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (1) فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له شيئا، ولم يأمره بالإعادة. فدل ذلك على أنه عذر شرعي.
__________
(1) سورة النساء الآية 29(10/201)
هل يسقط التيمم عن الجنب الاغتسال بتاتا
س: التيمم هل يسقط عن الجنب الاغتسال بتاتا؟ وكم صلاة يمكن أن أصلي به، وما هي نواقضه؟
ج: التيمم يقوم مقام الماء، فالله جعل الأرض مسجدا وطهورا للمسلمين، فإذا فقد الماء أو عجز عنه لمرض قام التيمم مقامه، فلا يزال كافيا حتى يجد الماء، فإذا وجد الماء وجب عليه الغسل عن جنابته السابقة، وهكذا المريض إذا برئ وعافاه الله يغتسل عن جنابته السابقة التي طهرها بالتيمم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين (1) » ثم قال: «فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك (2) » رواه الترمذي، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ورواه البزار، وصححه ابن القطان، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (124) ، سنن النسائي الطهارة (322) ، سنن أبو داود الطهارة (333) ، مسند أحمد بن حنبل (5/180) .
(2) سنن الترمذي الطهارة (124) ، سنن أبو داود الطهارة (333) ، مسند أحمد بن حنبل (5/146) .(10/201)
فإذا وجد الماء الجنب أمسه بشرته، أي: اغتسل بعد ذلك عن ما مضى، وأما صلواته الماضية فهي صحيحة بالتيمم عند فقده الماء أو عجزه عن استعماله؛ لمرض يمنعه من الماء، حتى ينتهي المرض ويشفى منه، وحتى يجد الماء إذا كان فاقدا له، ولو طالت المدة.(10/202)
حكم التيمم لمن أخذ معه قليلا من الماء أثناء النزهة (1)
س: بعض المسلمين يخرجون أيام العطل خارج مدينة الرياض للنزهة غير ناوين السفر، ويأخذون معهم القليل من الماء وعند الصلاة يتيممون بدلا من الماء بحجة قلة الماء، علما أنه باستطاعتهم البحث عن الماء أو حمله معهم أثناء الرحلة، فهل يجوز لهم التيمم في هذه الحالة؟ وإذا كان لا يجوز فما حكم الصلاة بدون وضوء؟
ج: إذا خرجوا للنزهة وحضرت الصلاة وليس عندهم إلا ماء قليل بقدر حاجتهم والماء بعيد عنهم، صلوا بالتيمم، لكن إذا حملوه معهم يكون أفضل إذا تيسر ذلك، فإن كان الماء قريبا منهم وجب عليهم: أن يتوضئوا، وإذا كان بعيدا عنهم ويشق عليهم الذهاب إليه، أو يضيعوا أوقاتهم ببعده عنهم، فلا حرج أن يتيمموا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم يتيممون إذا كان الماء بعيدا عنهم.
أما صلاة الجمعة فلا تجب عليهم إذا كانوا بعيدين عن البلد لا يسمعون الأذان، فرسخا أو أكثر.
__________
(1) تابع لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان: (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير بالرياض.(10/202)
هل يلزم المصلي التيمم لكل صلاة (1)
س: الأخ: ح. ص. ح - من بريدة يقول في سؤاله: هل يلزم الإنسان التيمم لكل صلاة، أم يجوز له أن يصلي ما شاء من الفروض والنوافل ما دام لم يحدث بعد التيمم؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: يجوز للمسلم إذا تيمم التيمم الشرعي أن يصلي بذلك ما شاء من فرض أو نفل ما دام عادما للماء أو عاجزا عن استعماله ما لم يحدث أو يجد الماء في أصح أقوال العلماء؛ لقول الله سبحانه: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره (3) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين (4) » ، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته والأحاديث في ذلك كثيرة. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.
(2) سورة المائدة الآية 6
(3) مسند أحمد بن حنبل (5/248) .
(4) سنن الترمذي الطهارة (124) ، سنن النسائي الطهارة (322) ، سنن أبو داود الطهارة (333) ، مسند أحمد بن حنبل (5/180) .(10/203)
باب إزالة النجاسة
صيانة المسجد الحرام من نجاسة الأطفال (1)
س: كنا في المسجد الحرام لأخذ عمرة، ولصعوبة وجود سكن لمدة ليلة واحدة فإننا بتنا ليلتنا في المسجد الحرام، ومعي طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الثالثة والنصف، وقد نامت وما علمت إلا بوجود بلل على الفراش داخل الحرم، ولم يكن ببالي غسله، لكثرة النائمين حولنا، نسيانا مني بذلك فماذا علي؟ أفيدوني.
ج: الواجب عليك: التوبة مما حصل، وعدم العودة إلى مثل ذلك، فإذا قدر لك أن تبيتي في المسجد الحرام، أو في المسجد النبوي، أو غيرهما من المساجد ومعك طفلة، فالواجب تحفيظها بما يمنع وصول بولها أو غائطها إلى المسجد، ومتى وجد شيء من ذلك فالواجب عليك تنظيف المسجد من ذلك، أو إخبار القائمين على النظافة بالواقع، حتى ينظفوا المسجد منه، ولا يجوز لك التساهل في هذا الأمر.
عفا الله عنا وعنك وعن كل مسلم.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1405) بتاريخ 9\3\1414هـ.(10/204)
غسل الثياب الطاهرة مع الثياب التي فيها نجاسة هل يؤثر على طهارة الثياب (1)
س: إذا غسلت ثياب طاهرة وثياب فيها نجاسة، فهل يؤثر ذلك على طهارة الثياب، وهل الماء ينجس بذلك؟
ج: إذا غسلت الثياب المختلطة بماء كثير يزيل آثار النجاسة، ولا يتغير بالنجاسة فإن الثياب كلها تطهر بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء (2) » أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي بإسناد صحيح.
والواجب على من يتولى ذلك أن يتحرى ويجتهد في استعمال الماء الكافي لتطهير وتنظيف الجميع. وإذا علمت الثياب النجسة من الثياب الطاهرة فالأحوط: أن تغسل الثياب النجسة وحدها بما يكفيها من الماء، ويزيل أثر النجاسة، مع بقاء الماء على طهوريته لم يتغير بالنجاسة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سؤال موجه من ع. س من الرياض في مجلس سماحته.
(2) سنن الترمذي الطهارة (66) ، سنن أبو داود الطهارة (66) .(10/205)
باب الحيض والنفاس
صيام المرأة وصلاتها وقت الحيض (1)
س: الأخت التي رمزت لاسمها بـ: ع. ب. خ - من وهران في الجزائر تقول في رسالتها: نرجو منكم يا سماحة الشيخ تزويدي بمزيد من الأقوال الصحيحة عن صيام المرأة وصلاتها وقت الحيض، جزاكم الله خيرا.
ج: إذا حاضت المرأة تركت الصلاة والصيام، فإذا طهرت قضت ما أفطرته من أيام رمضان، ولا تقضي ما تركت من الصلوات؛ لما رواه البخاري وغيره في بيان النبي صلى الله عليه وسلم لنقصان دين المرأة من قوله صلى الله عليه وسلم: «أليست إحداكن إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي (2) » !؟ ولما رواه البخاري ومسلم، عن معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: «ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: أحرورية أنت؟ قالت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة (3) » . رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (177) لشهر شوال من عام 1412هـ.
(2) صحيح البخاري الحيض (304) ، صحيح مسلم الإيمان (80) .
(3) صحيح البخاري الحيض (321) ، صحيح مسلم الحيض (335) ، سنن الترمذي الطهارة (130) ، سنن النسائي الصيام (2318) ، سنن أبو داود الطهارة (262) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (631) ، مسند أحمد بن حنبل (6/232) ، سنن الدارمي الطهارة (986) .(10/206)
وهذا من رحمة الله سبحانه بالمرأة ولطفه بها، لما كانت الصلاة تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات، ويتكرر الحيض كل شهر غالبا أسقط الله عنها وجوب الصلاة وقضاءها؛ لما في قضائها من المشقة العظيمة، أما الصوم فلما كان لا يتكرر إلا في السنة مرة واحدة أسقط الله عنها الصوم في حال الحيض، رحمة بها، وأمرها بقضائه بعد ذلك؛ تحقيقا للمصلحة الشرعية في ذلك.
والله ولي التوفيق.(10/207)
يخرج منها قبل الدورة الشهرية مادة بنية اللون هل تصوم وتصلي أثناءها (1)
س: هذه السائلة تقول في سؤال ثان: قبل حلول الدورة الشهرية تأتي معي مادة بنية اللون تستمر خمسة أيام، وبعد ذلك يأتي الدم الطبيعي ويستمر الدم الطبيعي لمدة ثمانية أيام بعد الأيام الخمسة الأولى، وتقول: أنا أصلي هذه الأيام الخمسة، ولكن أنا أسأل: هل يجب علي صيام وصلاة هذه الأيام أم لا؟ أفيدوني أفادكم الله.
ج: إذا كانت الأيام الخمسة البنية منفصلة عن الدم فليست من الحيض، وعليك أن تصلي فيها وتصومي وتتوضئي لكل صلاة؛ لأنها في حكم البول، وليس لها حكم الحيض، فهي لا تمنع الصلاة ولا
__________
(1) برنامج نور على الدرب الشريط رقم (104) .(10/207)
الصيام، ولكنها توجب الوضوء كل وقت حتى تنقطع كدم الاستحاضة.
أما إذا كانت هذه الخمسة متصلة بالحيض فهي من جملة الحيض، وتحتسب من العادة، وعليك ألا تصلي فيها ولا تصومي.
وهكذا لو جاءت هذه الكدرة أو الصفرة بعد الطهر من الحيض فإنها لا تعتبر حيضا، بل حكمها حكم الاستحاضة، وعليك أن تستنجي منها كل وقت، وتتوضئي وتصلي وتصومي، ولا تحتسب حيضا، وتحلين لزوجك؛ لقول أم عطية - رضي الله عنها -: «كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا (1) » أخرجه البخاري في صحيحه، وأبو داود، وهذا لفظه. وأم عطية من الصحابيات الفاضلات اللاتي روين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة - رضي الله عنها.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الحيض (326) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (368) ، سنن أبو داود الطهارة (307) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (647) ، سنن الدارمي الطهارة (871) .(10/208)
حكم قراءة الجنب والحائض والنفساء للقرآن
س: السائلة: م. ش - تقول: نحن الطالبات في كلية البنات علينا مقرر حفظ جزء من القرآن، فأحيانا يأتي موعد الاختبارات مع موعد العادة الشهرية، فهل يصح لنا كتابة السورة على ورقة وحفظها أم لا؟ ج: يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن في أصح قولي(10/208)
العلماء؛ لعدم ثبوت ما يدل على النهي عن ذلك، لكن بدون مس المصحف، ولهما أن يمسكاه بحائل كثوب طاهر وشبهه، وهكذا الورقة التي كتب فيها القرآن عند الحاجة إلى ذلك.
أما الجنب فلا يقرأ القرآن حتى يغتسل؛ لأنه ورد فيه حديث صحيح يدل على المنع، ولا يجوز قياس الحائض والنفساء على الجنب؛ لأن مدتهما تطول، بخلاف الجنب فإنه يتيسر له الغسل في كل وقت من حين يفرغ من موجب الجنابة.
والله ولي التوفيق.(10/209)
حكم قراءة الحائض في كتب الأدعية
س: هل يجوز للحائض قراءة كتب الأدعية يوم عرفة على الرغم من أن بها آيات قرآنية؟
ج: لا حرج أن تقرأ الحائض والنفساء الأدعية المكتوبة في مناسك الحج، ولا بأس أن تقرأ القرآن على الصحيح أيضا؛ لأنه لم يرد نص صحيح صريح يمنع الحائض والنفساء من قراءة القرآن، إنما ورد في الجنب خاصة بأن لا يقرأ القرآن وهو جنب؛ لحديث علي رضي الله عنه وأرضاه.
أما الحائض والنفساء فورد فيهما حديث ابن عمر: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (1) » ولكنه ضعيف؛ لأن الحديث
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (131) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (596) .(10/209)
من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهو ضعيف في روايته عنهم، ولكنها تقرأ بدون مس المصحف، عن ظهر قلب.
أما الجنب فلا يجوز له أن يقرأ القرآن لا عن ظهر قلب ولا من المصحف حتى يغتسل. والفرق بينهما: أن الجنب وقته يسير، وفي إمكانه أن يغتسل في الحال، من حين يفرغ من إتيانه أهله، فمدته لا تطول، والأمر في يده متى شاء اغتسل، وإن عجز عن الماء تيمم وصلى وقرأ.
أما الحائض والنفساء فليس الأمر بيدهما، وإنما هو بيد الله عز وجل. والحيض يحتاج إلى أيام والنفاس كذلك؛ ولهذا أبيح لهما قراءة القرآن؛ لئلا تنسيانه، ولئلا يفوتهما فضل القراءة وتعلم الأحكام الشرعية من كتاب الله، فمن باب أولى أن تقرأ الكتب التي فيها الأدعية المخلوطة من الآيات والأحاديث. إلى غير ذلك، هذا هو الصواب، وهو أصح قولي العلماء رحمهم الله في ذلك.(10/210)
قراءة كتب التفسير لمن كان على غير طهارة
سؤال من: م. ح - من الرياض تقول: إنني أقوم بقراءة بعض تفاسير القرآن مثل كتاب (صفوة التفاسير) ، ولست على طهارة كالدورة الشهرية مثلا، فهل في ذلك حرج علي؟ وهل يلحقني إثم على ذلك؟(10/210)
ج: لا حرج على الحائض والنفساء في قراءة كتب التفاسير، ولا في قراءة القرآن من دون مس المصحف في أصح قولي العلماء. أما الجنب فليس له قراءة القرآن مطلقا، حتى يغتسل، وله أن يقرأ في كتب التفسير والحديث وغيرهما من دون أن يقرأ ما في ضمنها من الآيات؛ لما ثبت «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة (1) » ، وفي لفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في ضمن حديث رواه الإمام أحمد بإسناد جيد، عن علي رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «فأما الجنب فلا ولا آية (2) » .
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (146) ، سنن النسائي الطهارة (265) ، سنن أبو داود الطهارة (229) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (594) ، مسند أحمد بن حنبل (1/107) .
(2) مسند أحمد بن حنبل (1/110) .(10/211)
إذا طهرت النفساء قبل الأربعين هل تصوم وتصلي وتحج
س: هل يجوز للمرأة النفساء أن تصوم وتصلي وتحج قبل أربعين يوما إذا طهرت؟
ج: نعم، يجوز لها أن تصوم، وتصلي، وتحج وتعتمر، ويحل لزوجها وطؤها في الأربعين إذا طهرت، فلو طهرت لعشرين يوما اغتسلت، وصلت وصامت، وحلت لزوجها.
وما يروى عن عثمان بن أبي العاص أنه كره ذلك فهو محمول على كراهة التنزيه، وهو اجتهاد منه رحمه الله ورضي عنه، ولا دليل عليه.
والصواب: أنه لا حرج في ذلك، إذا طهرت قبل الأربعين يوما، فإن طهرها صحيح، فإن عاد عليها الدم في الأربعين، فالصحيح: أنها تعتبره نفاسا في مدة الأربعين، ولكن صومها الماضي في حال الطهارة وصلاتها وحجها كله صحيح، لا يعاد شيء من ذلك ما دام وقع في حال الطهارة.(10/211)
حكم النفساء التي لا تصلي ولا تصوم إلا بعد الأربعين ولو كانت طاهرة (1) .
س: كثير من الناس إذا ولدت عندهم المرأة أخذت بعد وضعها أربعين يوما وهي لا تصلي ولا تصوم ولو كانت هذه المرأة طاهرة، فما الحكم؟
ج: النفاس يمنع الصلاة والصوم والوطء مثل الحيض، والنفاس: وهو الدم الذي يخرج بسبب الولادة، فما دامت المرأة ترى الدم في الأربعين فلا تصلي، ولا تصوم، ولا يحل لزوجها وطؤها، حتى تطهر أو تكمل أربعين، فإن استمر معها الدم حتى كملت الأربعين، وجب أن تغتسل عند نهاية الأربعين؛ لأن النفاس لا يزيد عن أربعين يوما على الصحيح، فتغتسل، وتصلي، وتصوم، وتحل لزوجها، وتتحفظ من الدم بالقطن ونحوه؛ حتى لا يصيب ثيابها وبدنها، ويكون حكم هذا الدم حكم دم الاستحاضة لا يمنع من الصلاة ولا من الصوم، ولا يمنع زوجها منها، وعليها أن تتوضأ لكل صلاة.
أما إن رأت الطهر قبل الأربعين: فإنها تغتسل، وتصلي، وتصوم، وتحل لزوجها ما دامت طاهرة، ولو لم يمض من الأربعين إلا أيام قليله، فإن عاد عليها الدم في الأربعين لم تصل، ولم تصم، ولم تحل لزوجها، حتى تطهر أو تكمل الأربعين، وما فعلته في أيام
__________
(1) تابع لتعليق سماحته على ندوة حول صلاة الاستسقاء أقيمت في الجامع الكبير بالرياض.(10/212)
الطهارة من صلاة أو صوم فإنه صحيح، ولا تلزمها إعادة الصوم.(10/213)
هل تحل المستحاضة لزوجها (1) .
س: المستحاضة هل تحل لزوجها؟
ج: المستحاضة: هي التي يكون معها دم لا يصلح حيضا ولا نفاسا، وحكمها حكم الطاهرات، تصوم، وتصلي، وتحل لزوجها، وتتوضأ لكل صلاة، كأصحاب الحدث الدائم من بول أو ريح أو غيرهما، وعليها أن تتحفظ من الدم بقطن أو نحوه؛ حتى لا يلوث بدنها ولا ثيابها، كما صحت الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) من ضمن الأسئلة التابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان الصلاة وأهميتها في الجامع الكبير بالرياض.(10/213)
حكم استعمال المرأة ما يقطع الدم في أيام الحيض والنفاس (1)
س: إذا استعملت المرأة ما يقطع الدم في أيام النفاس أو الحيض فما الحكم؟
ج: إذا استعملت المرأة ما يقطع الدم من حبوب أو إبر فانقطع الدم بذلك واغتسلت، فإنها تعمل كما تعمل الطاهرات، وصلاتها صحيحة، وصومها صحيح.
__________
(1) من ضمن الأسئلة التابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان الصلاة وأهميتها في الجامع الكبير بالرياض.(10/213)
حكم نزول الدم من المرأة بعد الاغتسال مباشرة
س: ألاحظ أنه عند اغتسالي من العادة الشهرية وبعد جلوسي للمدة المعتادة لها - وهي خمسة أيام - أنها في بعض الأحيان تنزل مني كمية قليلة جدا، وذلك بعد الاغتسال مباشرة، ثم بعد ذلك لا ينزل شيء، وأنا لا أدري هل آخذ بعادتي فقط خمسة أيام وما زاد لا يحسب، وأصلي وأصوم وليس علي شيء في ذلك، أم أنني أعتبر ذلك اليوم من أيام العادة فلا أصلي ولا أصوم فيه؟ علما أن ذلك لا يحدث معي دائما وإنما بعد كل حيضتين أو ثلاث تقريبا، أرجو إفادتي.
ج: إذا كان الذي ينزل عليك بعد الطهارة صفرة أو كدرة فإنه لا يعتبر شيئا، بل حكمه حكم البول.
أما إن كان دما صريحا فإنه يعتبر من الحيض، وعليك: أن تعيدي الغسل؛ لما ثبت عن أم عطية رضي الله عنها - وهي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: «كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا (1) » .
__________
(1) صحيح البخاري الحيض (326) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (368) ، سنن أبو داود الطهارة (307) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (647) ، سنن الدارمي الطهارة (865) .(10/214)
حكم من تعاودها العادة الشهرية بعد انقطاعها (1)
س: سؤال من: ف. م. أ - الرياض تقول: أنا امرأة في الثانية والأربعين من العمر، يحدث لي أثناء الدورة الشهرية أنها تكون لمدة أربعة أيام، ثم تنقطع لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم السابع تعود مرة أخرى بصورة أخف، ثم تتحول إلى اللون البني حتى اليوم الثاني عشر، وقد كنت أشكو من حالة نزيف ولكنها زالت بعد العلاج بحمد الله.
وقد استشرت أحد الأطباء من ذوي الصلاح والتقوى عن حالتي المذكورة آنفا، فأشار علي بأن أتطهر بعد اليوم الرابع وأؤدي العبادات من صلاة وصيام، وفعلا استمريت على ما نصحني به الطبيب من مدة عامين، ولكن بعض النساء أشرن علي بأن أنتطر مدة ثمانية أيام، فأرجو من سماحتكم أن ترشدوني إلى الصواب.
ج: جميع الأيام المذكورة الأربعة والثمانية كلها أيام حيض، فعليك أن تدعي الصلاة والصوم فيها، ولا يحل لزوجك جماعك في الأيام المذكورة، وعليك أن تغتسلي بعد الأربعة وتصلي، وتحلين لزوجك مدة الطهارة التي بين الأربعة والثمانية، ولا مانع من أن تصومي فيها.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (947) بتاريخ 19\9\1404 هـ.(10/215)
فإذا كان ذلك في رمضان وجب عليك الصوم فيها، وعليك إذا طهرت من الأيام الثمانية أن تغتسلي، وتصلي، وتصومي كسائر الطاهرات؛ لأن الدورة الشهرية - وهي: الحيض - تزيد وتنقص، وتجتمع أيامها وتفترق.
وفق الله الجميع لما يرضيه، ورزقنا وإياك وسائر المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه.(10/216)
وجوب صلاتي المغرب والعشاء على الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر، وصلاتي الظهر والعصر إذا طهرت قبل غروب الشمس (1)
س: سؤال من: أ. هـ. م - يقول: عندما تطهر الحائض قبل شروق الشمس فهل تجب عليها صلاة المغرب والعشاء؟ وكذلك عندما تطهر قبل غروب الشمس فهل تجب عليها صلاة الظهر والعصر؟
ج: إذا طهرت الحائض أو النفساء قبل غروب الشمس وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر في أصح قولي العلماء، وهكذا إذا طهرت قبل طلوع الفجر وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء.
وقد روي ذلك عن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو قول جمهور أهل العلم.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1229) بتاريخ 20\7\1410 هـ.(10/216)
وهكذا لو طهرت الحائض والنفساء قبل طلوع الشمس وجب عليها أن تصلي صلاة الفجر. وبالله التوفيق.
إذا طهرت الحائض في وقت العصر أو العشاء، هل تصلي معهما الظهر والمغرب.
س: إذا طهرت المرأة من الحيض في وقت العصر أو العشاء، فهل تصلي معهما الظهر والمغرب باعتبارهما يجمعان معا؟
ج: إذا طهرت المرأة من الحيض أو النفاس في وقت العصر وجب عليها أن تصلي الظهر والعصر جميعا في أصح قولي العلماء؛ لأن وقتهما واحد في حق المعذور؛ كالمريض، والمسافر، وهي معذورة بسبب تأخر طهرها، وهكذا إذا طهرت وقت العشاء وجب عليها أن تصلي المغرب والعشاء جميعا كما سبق، وقد أفتى جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بذلك.(10/217)
المسجد لا يحل لحائض ولا جنب (1) .
س: قارئة من الرياض تقول: امرأة نزل منها الدم وهي
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1255) بتاريخ 10\2\1411 هـ.(10/217)
داخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكثت فيه قليلا حتى انتهى أهلها من الصلاة وخرجت معهم، هل تأثم في ذلك؟
ج: إذا كانت لا تستطيع الخروج وحدها فلا حرج عليها، أما إن كانت تستطيع الخروج وحدها، فالواجب عليها البدار بالخروج؛ لأن الحائض والنفساء والجنب لا يجوز لهم الجلوس في المساجد؛ لقوله جل وعلا: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} (1) ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (2) » .
__________
(1) سورة النساء الآية 43
(2) سنن أبو داود الطهارة (232) .(10/218)
تفسير حديث «إن حيضتك ليست في يدك (1) » (2) .
س: تقول هذه السائلة: ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أناوله شيئا من المسجد فقلت إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك (3) » أرجو تفسير هذا الحديث، وهل معنى هذا أن الحائض لا تدخل المسجد ولا تعمل شيئا؟ أفيدونا أفادكم الله.
ج: النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (4) » والله قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} (5)
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الحيض (298) ، سنن الترمذي كتاب الطهارة (134) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (384) ، سنن أبو داود الطهارة (261) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (632) ، مسند أحمد بن حنبل (6/245) ، سنن الدارمي كتاب الطهارة (771) .
(2) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (109) .
(3) صحيح مسلم كتاب الحيض (298) ، سنن الترمذي كتاب الطهارة (134) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (384) ، سنن أبو داود الطهارة (261) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (632) ، مسند أحمد بن حنبل (6/245) ، سنن الدارمي كتاب الطهارة (771) .
(4) سنن أبو داود الطهارة (232) .
(5) سورة النساء الآية 43(10/218)
فاستثنى الله عابر السبيل من أهل الجنابة، والحائض كذلك ليس لها أن تجلس في المسجد، ولكن لها أن تعبر، فالعابرة لا بأس عليها أن تمر من باب إلى باب، أو تدخل لتأخذ حاجة من المسجد: إناء أو كتابا أو ما أشبه ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال لعائشة رضي الله عنها: «ناوليني الخمرة من المسجد (1) » والخمرة: مصلى يصلي عليه من الخوص - عليه الصلاة والسلام - قالت: (إنها حائض) فقال لها: «إن حيضتك ليست في يدك (2) » .
فالمعنى: أنه ليس هناك مانع من دخولها لأخذ الحاجة، فلا بأس بذلك. إنما الممنوع: جلوسها في المسجد، أما أن تعبر من المسجد أو تدخله لحاجة ثم ترجع من غير جلوس فلا بأس بذلك؛ للآية الكريمة والحديث المذكور.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الحيض (298) ، سنن الترمذي كتاب الطهارة (134) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (384) ، سنن أبو داود الطهارة (261) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (632) ، مسند أحمد بن حنبل (6/112) ، سنن الدارمي الطهارة (1065) .
(2) صحيح مسلم كتاب الحيض (298) ، سنن الترمذي كتاب الطهارة (134) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (384) ، سنن أبو داود الطهارة (261) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (632) ، مسند أحمد بن حنبل (6/245) ، سنن الدارمي كتاب الطهارة (771) .(10/219)
حكم دخول الحائض الحرم والصلاة فيه (1) .
س: الأخت التي رمزت لاسمها بـ ح. ص. م - من رأس تنورة، تقول في رسالتها: ما حكم ذهاب المرأة إلى الحرم للصلاة فيه أثناء عادتها الشهرية وهي عالمة بذلك؟
ج: ذهاب المرأة إلى الحرم الشريف والصلاة مع الناس وقد نزلت بها العادة الشهرية - وهي: الحيض - وهي تعلم ذلك منكر عظيم لوجهين:
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (155) لشهر ذي الحجة من عام 1410 هـ.(10/219)
أحدهما: أنها لا صلاة لها، ليس لها أن تتلبس بالصلاة وهي بهذا الحدث، فذاك منكر عظيم وصلاتها باطلة.
الأمر الثاني: أنه ليس لها الجلوس في المسجد الحرام وهي حائض، فإن الحائض والجنب ممنوعان من الجلوس في المسجد، أما المرور والعبور فلا بأس للحاجة، والصلاة وهي حائض أكبر وأشنع فلا يجوز لها هذا العمل، بل يجب عليها أن تبقى في بيتها، وليس لها أن تذهب إلى المسجد حتى تنتهي من هذه الحيضة، فإذا تطهرت منها ذهبت إذا شاءت مع أخواتها إلى المسجد.
وأما أن تذهب وهي في حالة حيض للمشاركة في الصلاة أو الجلوس مع النساء في المسجد، فهذا كله منكر ولا يجوز، والصلاة مع الحيض ومع غيره من الحدث الأكبر والأصغر باطلة، ولا شك أن هذا العمل شنيع، وربما أفضى بصاحبته إلى الكفر بالله؛ لأنها كالمستهزئة، تصلي وهي بها الحيض، وهذا منكر عظيم فظيع، فإن كان قصدها الاستهانة بدين الله، والاستهزاء به، والسخرية، والإنكار لدين الله، وعدم المبالاة، فهذه ردة عن الإسلام والعياذ بالله.
والله ولي التوفيق.(10/220)
حكم حضور الحائض للمسجد لسماع الدروس والمواعظ (1) .
س: هل الحائض يمكن أن تحضر الدرس في الجامع؟ ج: لا بأس أن تحضر الحائض والنفساء عند باب المسجد لسماع الدروس والمواعظ، لكن لا يجوز جلوسها في المسجد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (2) » .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهه من مندوب صحيفة المسلمون.
(2) سنن أبو داود الطهارة (232) .(10/220)
دخول الحائض لما يلحق بالمسجد (1)
س: الأخ: أ. س - من أميركا أرسل إلينا سؤالا يقول فيه: في أميركا مسجد يتكون من ثلاثة أدوار: الدور الأعلى مصلى للنساء، والدور الذي تحته المصلى الأصلي، والدور الذي تحته وهو عبارة عن (قبو) فيه المغاسل ومكان للمجلات والصحف الإسلامية وفصول دراسية نسائية ومكان لصلاة النساء أيضا، فهل يجوز للنساء الحيض دخول هذا الدور السفلي؟ كما يوجد في هذا المسجد عمود يعترض للمصلين في صفوفهم فيقسم الصف إلى شطرين فهل يقطع الصف أم لا؟
ج: إذا كان المبنى المذكور قد أعد مسجدا ويسمع أهل الدورين الأعلى والأسفل صوت الإمام صحت صلاة الجميع، ولم يجز للحيض الجلوس في المحل المعد للصلاة في الدور الأسفل؛ لأنه تابع للمسجد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب (2) » .
أما مرورها بالمسجد لأخذ بعض الحاجات مع التحفظ من نزول شيء من الدم فلا حرج في ذلك؛ لقوله سبحانه: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} (3)
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1024) بتاريخ 3\5\1406 هـ.
(2) سنن أبو داود الطهارة (232) .
(3) سورة النساء الآية 43(10/221)
ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر عائشة أن تناوله المصلى من المسجد، فقالت: إنها حائض، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن حيضتك ليست في يدك (1) » .
أما إن كان الدور الأسفل لم ينوه الواقف من المسجد، وإنما نواه مخزنا ومحلا لما ذكر في السؤال من الحاجات، فإنه لا يكون له حكم المسجد، ويجوز للحائض والجنب الجلوس فيه ولا بأس بالصلاة فيه في المحل الطاهر الذي لا يتبع دورات المياه كسائر المحلات الطاهرة التي ليس فيها مانع شرعي يمنع من الصلاة فيها، لكن من صلى فيه لا يتابع الإمام الذي فوقه إذا كان لا يراه ولا يرى بعض المأمومين؛ لأنه ليس تابعا للمسجد في الأرجح من قولي العلماء.
أما العمود الذي يقطع الصف فلا يضر الصلاة، لكن إذا أمكن أن يكون الصف قدامه أو خلفه حتى لا يقطع الصف فهو أولى وأكمل. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الحيض (298) ، سنن الترمذي كتاب الطهارة (134) ، سنن النسائي الحيض والاستحاضة (384) ، سنن أبو داود الطهارة (261) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (632) ، مسند أحمد بن حنبل (6/245) ، سنن الدارمي كتاب الطهارة (771) .(10/222)
الفرق بين دم الحيض والاستحاضة.
س: بعض النساء لا يفرقن بين الحيض والاستحاضة، إذ قد يستمر معها الدم فتتوقف عن الصلاة طوال استمرار الدم، فما الحكم في ذلك؟
ج: الحيض دم كتبه الله على بنات آدم كل شهر غالبا، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(10/222)
وللمرأة المستحاضة في ذلك ثلاثة أحوال أحدها: أن تكون مبتدئة، فعليها أن تجلس ما تراه من الدم كل شهر، فلا تصلي ولا تصوم، ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر، إذا كانت المدة خمسة عشر يوما أو أقل عند جمهور أهل العلم.
فإن استمر معها الدم أكثر من خمسة عشر يوما فهي مستحاضة، وعليها أن تعتبر نفسها حائضا ستة أيام أو سبعة أيام بالتحري والتأسي بما يحصل لأشباهها من قريباتها إذا كان ليس لها تمييز بين دم الحيض وغيره.
فإن كان لديها تمييز امتنعت عن الصلاة والصوم وعن جماع الزوج لها مدة الدم المتميز بسواد أو نتن رائحة، ثم تغتسل وتصلي، بشرط: أن لا يزيد ذلك عن خمسة عشر يوما، وهذه هي الحالة الثانية من أحوال المستحاضة.
الحالة الثالثة: أن يكون لها عادة معلومة، فإنها تجلس عادتها، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة إذا دخل الوقت ما دام الدم معها وتحل لزوجها إلى أن يجيء وقت العادة من الشهر الآخر. وهذا هو ملخص ما جاءت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن المستحاضة. وقد ذكرها صاحب البلوغ: الحافظ ابن حجر، وصاحب المنتقى: المجد ابن تيمية رحمة الله عليهما جميعا.(10/223)
الحامل التي تعاني من سيلان البول دائما هل تترك الصلاة (1) .
س: الأخت: م. ح - من المغرب العربي تقول: امرأة حامل في الشهر التاسع تعاني من سيلان البول في كل لحظة توقفت عن الصلاة في الشهر الأخير، هل هذا ترك للصلاة؟ وماذا عليها؟
ج: ليس للمرأة المذكورة وأمثالها التوقف عن الصلاة، بل يجب عليها أن تصلي على حسب حالها، وأن تتوضأ لوقت كل صلاة، كالمستحاضة، وتتحفظ بما تستطيع من قطن وغيره وتصلي الصلاة لوقتها، ويشرع لها أن تصلي النوافل في الوقت، ولها أن تجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، كالمستحاضة؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)
وعليها قضاء ما تركت من الصلوات، مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وذلك بالندم على ما فعلت، والعزم على أن لا تعود إلى ذلك؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3)
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (965) بتاريخ 19 \ 2 \ 1405 هـ.
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) سورة النور الآية 31(10/224)
ليس لأقل النفاس حد محدود (1)
س: هل يجوز للمرأة النفساء أن تصلي وتصوم إذا طهرت قبل الأربعين؟
ج: إذا طهرت النفساء قبل الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة والصوم في رمضان، وحل لزوجها جماعها بإجماع أهل العلم، وليس لأقل النفاس حد محدود. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1409) بتاريخ 7 \ 4 \ 1414 هـ.(10/225)
إذا طهرت النفساء ثم عاد إليها الدم وهي صائمة (1) .
س: إذا طهرت النفساء خلال أسبوع ثم صامت مع المسلمين في رمضان أياما معدودة، ثم عاد إليها الدم هل تفطر في هذه الحالة؟ وهل يلزمها قضاء الأيام التي صامتها والتي أفطرتها؟ .
ج: إذا طهرت النفساء في الأربعين فصامت أياما ثم عاد إليها الدم في الأربعين فإن صومها صحيح، وعليها أن تدع الصلاة والصيام في الأيام التي عاد فيها الدم - لأنه نفاس - حتى تطهر أو
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1525) بتاريخ 20 / 8 / 1416 هـ.(10/225)
تكمل الأربعين، ومتى أكملت الأربعين وجب عليها الغسل وإن لم تر الطهر؛ لأن الأربعين هي نهاية النفاس في أصح قولي العلماء، وعليها بعد ذلك أن تتوضأ لوقت كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك المستحاضة، ولزوجها أن يستمتع بها بعد الأربعين وإن لم تر الطهر؛ لأن الدم والحال ما ذكر دم فساد لا يمنع الصلاة ولا الصوم، ولا يمنع الزوج من استمتاعه بزوجته. لكن إن وافق الدم بعد الأربعين عادتها في الحيض فإنها تدع الصلاة والصوم وتعتبره حيضا. والله ولي التوفيق.(10/226)
خروج النفساء من المنزل (1)
س: السائل م. ع يقول: هل يلزم النفساء عدم مغادرة بيتها قبل انتهاء المدة؟
ج: النفساء كغيرها من النساء لا حرج عليها في مغادرة بيتها للحاجة، فإن لم يكن حاجة، فالأفضل لجميع النساء لزوم البيوت؛ لقول الله سبحانه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (2) والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1463) بتاريخ 15 \ 5 \ 1415 هـ.
(2) سورة الأحزاب الآية 33(10/226)
ما الحكم إذا أسقطت المرأة (1)
س: سؤال من: ي. ر. م - من الخبر تقول: هناك بعض النساء الحوامل يتعرضن لسقوط الجنين، ومن الأجنة من يكون قد اكتمل خلقه، ومنهم من لم يكتمل بعد، فأرجو من سماحتكم توضيح كيفية الصلاة في كلتا الحالتين؟
ج: إذا أسقطت المرأة ما يتبين فيه خلق الإنسان؛ من رأس، أو يد، أو رجل، أو غير ذلك فهي نفساء، لها أحكام النفاس، فلا تصلي ولا تصوم، ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما.
ومتى طهرت لأقل من أربعين وجب عليها الغسل والصلاة والصوم في رمضان، وحل لزوجها جماعها.
ولا حد لأقل النفاس، فلو طهرت وقد مضى لها من الولادة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وجب عليها الغسل، وجرى عليها أحكام الطاهرات كما تقدم، وما تراه بعد الأربعين من الدم فهو دم فساد تصوم معه وتصلي، ويحل لزوجها جماعها، وعليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة كالمستحاضة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش - وهي مستحاضة -: «وتوضئي لكل صلاة (2) » .
ومتى صادف الدم الخارج منها بعد الأربعين وقت الحيض - أعني: الدورة الشهرية - صار لها حكم الحيض، وحرمت عليها الصلاة والصوم حتى تطهر، وحرم على زوجها جماعها.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1000) بتاريخ 5 \ 11 \ 1405 هـ.
(2) صحيح البخاري الوضوء (228) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (624) ، مسند أحمد بن حنبل (6/204) .(10/227)
أما إن كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان، بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه، أو كان دما فإنها بذلك يكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفساء ولا حكم الحائض، وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان، ويحل لزوجها جماعها، وعليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة مع التحفظ من الدم بقطن ونحوه، كالمستحاضة حتى تطهر، ويجوز لها الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ويشرع لها الغسل للصلاتين المجموعتين، ولصلاة الفجر؛ لحديث حمنة بنت جحش الثابت في ذلك؛ لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم.
أما إذا كان سقوط الجنين في الشهر الخامس وما بعده، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، ويسمى، ويعق عنه؛ لأنه بذلك صار إنسانا له حكم الأطفال. والله تعالى ولي التوفيق.(10/228)
ما حكم الدم إذا أجهضت المرأة هل هو دم نفاس أو له حكم الحيض؟ (1) .
س: إذا أجهضت المرأة فما حكم الدم هل هو دم نفاس، أو له حكم الحيض؟
ج: إن كان الإجهاض بعدما تخلق الطفل وبان أنه إنسان، كأن بان الرأس أو اليد، ولو كان خفيا، فإنه يكون نفاسا، وعلى المرأة أن
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (67) .(10/228)
تدع الصلاة والصوم حتى تطهر، أو تكمل أربعين يوما؛ لأن هذه نهاية النفاس، وإن طهرت قبل ذلك فعليها: أن تغتسل وتصلي وتصوم، وتحل لزوجها، فإن استمر معها الدم تركت الصلاة والصيام ولم تحل لزوجها حتى تكمل الأربعين، فإذا أكملتها اغتسلت وصامت وصلت وحلت لزوجها، ولو كان معها الدم؛ لأنه دم فساد حينئذ؛ لأن ما زاد على أربعين يوما يعتبر دم فساد، تتوضأ منه لكل صلاة، مع التحفظ منه، كالمستحاضة ومن به سلس البول.
أما إن كان لم يتخلق ولم يظهر ما يدل على خلق الإنسان فيه، كأن يكون قطعة لحم ليس فيها خلق إنسان أو مجرد دم، فإن هذا يعتبر دم فساد، تصلي وتصوم وتتوضأ لكل صلاة وتتحفظ جيدا.(10/229)
من ولدت بعد دخول الوقت هل تقضي صلاتها لذلك الوقت بعد انتهاء النفاس (1) .
س: بعض النساء تأتيها الولادة بعد دخول الوقت فهل عليها بعد انتهاء النفاس قضاء الصلاة التي دخل وقتها ولم تقضها؟
ج: ليس عليها قضاؤها إذا كانت لم تفرط، أما إن كانت أخرتها حتى ضاق الوقت ثم حصلت الولادة فإنها تقضيها بعد الطهر من النفاس، كالحائض إذا أخرت الصلاة إلى آخر وقتها، ثم نزل بها الحيض، فإنها تقضيها بعد الطهر؛ لكونها قد فرطت بتأخيرها. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سؤال موجه من ع. س. من الرياض في مجلس سماحته.(10/229)
صفحة فارغة(10/230)
كتاب الصلاة(10/231)
باب أهمية الصلاة
الصلاة وأهميتها (1)
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن على المرء أن يهتم بالصلاة؛ لأن أمرها عظيم، ومكانتها كبيرة، وأن يخلص العبادة لله وحده لا شريك له، وأن يتبرأ مما سوى الله كائنا من كان، وأن يؤمن ويعتقد أنه سبحانه هو المعبود بالحق، وما عبد من دونه فهو باطل، كما قال عز وجل في سورة الحج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) وفي سورة لقمان قال سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (3) وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (4) وقال عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (6) الآية.
__________
(1) تعليق لسماحته على محاضرة بعنوان '' الصلاة وأهميتها '' أقيمت في الجامع الكبير بالرياض.
(2) سورة الحج الآية 62
(3) سورة لقمان الآية 30
(4) سورة الإسراء الآية 23
(5) سورة الفاتحة الآية 5
(6) سورة البينة الآية 5(10/232)
هذا الأساس العظيم هو أصل دين الإسلام، وهو أول شيء يدخل به العبد في دين الله: الإسلام، ثم يلي هذه الشهادة: الشهادة بأن محمدا رسول الله، هاتان الشهادتان هما أصل الدين لا يصح دين بدونهما، إحداهما لا تغني عن الأخرى، فبعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لا بد منهما، فلا إسلام إلا بتوحيد الله، ولا إسلام إلا بالإيمان بأن محمدا رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلو أن إنسانا يصوم النهار ويقوم الليل، ويعبد الله بكل العبادات، ولكنه لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم بعدما بعثه الله، فإنه يكون بذلك كافرا، بل من أكفر الناس عند جميع أهل العلم، ولو أنه شهد أن محمدا رسول الله وصدقه، وعمل كل شيء، إلا أنه يشرك بالله - يعبد مع الله غيره، من ملك أو نبي أو صنم أو شجر أو حجر أو جني أو كوكب - صار بذلك كافرا ضالا، ولو قال: إن محمدا رسول الله، فلا بد من الإيمان بهما جميعا، لا بد من توحيد الله، والإخلاص له.
ولا بد من الإيمان بأن محمدا رسول الله، بعثه الله إلى الثقلين، إلى الجن والإنس، وكان الرسل الماضون يبعث كل واحد منهم إلى قومه خاصة، لكن نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام بعثه الله إلى الناس كافة، إلى العرب والعجم، إلى الجن والإنس، إلى الذكور والإناث، إلى الأغنياء والفقراء، إلى الحكام والمحكومين، كلهم داخلون في رسالته عليه الصلاة والسلام، فمن أجاب هذه الدعوة التي جاء بها وانقاد لها وآمن بها دخل الجنة، ومن استكبر دخل النار، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} (1) وقال عليه الصلاة والسلام:
__________
(1) سورة هود الآية 17(10/233)
«والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (1) » وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (2) » وقد قال الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (3) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (4) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (5) عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد هاتين الشهادتين أمر الصلاة، فهي التي تلي هاتين الشهادتين، وهي الركن الأعظم بعد هاتين الشهادتين، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. جاء في مسند أحمد بإسناد جيد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما بين أصحابه فقال: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (6) » قال بعض الأئمة في هذا: (إنما يحشر من أضاع الصلاة مع هؤلاء الصناديد من الكفرة الأشقياء: فرعون، وهامان، وقارون، وأبي بن خلف؛ لكونه شابههم، والإنسان مع من شابه) ، قال تعالى:
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (153) ، مسند أحمد بن حنبل (2/350) .
(2) صحيح البخاري التيمم (335) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (521) ، سنن النسائي الغسل والتيمم (432) ، مسند أحمد بن حنبل (3/304) ، سنن الدارمي الصلاة (1389) .
(3) سورة الأعراف الآية 158
(4) سورة سبأ الآية 28
(5) سورة الأنبياء الآية 107
(6) مسند أحمد بن حنبل (2/169) ، سنن الدارمي الرقاق (2721) .(10/234)
{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} (1) يعني: أشباههم ونظراءهم.
فمن كانت علته الرياسة حتى ترك الصلاة حشر مع فرعون؛ لأن فرعون حمله ما هو فيه من الملك على التكبر، وعادى موسى عليه الصلاة والسلام من أجل ذلك، فصار من الأشقياء الذين باعوا بالخسارة وصاروا إلى النار، قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (2) نعوذ بالله من ذلك، ومن حملته وظيفته أو وزارته على التخلف عن الصلاة، صار شبيها بهامان وزير فرعون فيحشر معه يوم القيامة نعوذ بالله من ذلك، فإن تركها من أجل المال والشهوات والنعم، شابه قارون الذي أعطاه الله المال العظيم فاستكبر وطغى، حتى خسف الله به الأرض وبداره، فيكون شبيها به فيحشر معه يوم القيامة إلى النار.
أما إن شغله عن الصلاة وعن حق الله البيع والشراء والمعاملات والمكاسب الدنيوية، فإنه يكون شبيها بأبي بن خلف - تاجر أهل مكة - فيحشر معه إلى النار، نسأل الله العافية من الكفرة وأعمالهم.
والمقصود: أن أمر الصلاة عظيم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (3) » وقال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (4) » .
__________
(1) سورة الصافات الآية 22
(2) سورة غافر الآية 46
(3) رواه الترمذي في الإيمان برقم (2541) ، ومسند الإمام أحمد (5 \ 231) .
(4) رواه الترمذي في كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة برقم (2545) ، والنسائي في 5- كتاب الصلاة، 77 - باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، رقم (1079) .(10/235)
أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح، عن بريدة رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » . .
فالأمر عظيم وخطير جدا، إذا نظرنا في حال الناس اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقد كثر المتخلفون عن الصلاة والمتساهلون بأدائها في الجماعة، فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية.
والله جل وعلا أوسع النعم وأكثر الخيرات، ولكن ابن آدم مثل ما قال الله جل وعلا: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} (2) {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (3)
أدر الله النعم وأوسع الخير، فقابلها الكثير من الناس بالعصيان والكفران، نعوذ بالله من ذلك، فالواجب الحذر، والواجب التبليغ، كل إنسان يبلغ من حوله ويجتهد في بذل الدعوة وبذل التوجيه لمن حوله من المتخلفين، ومن المتكاسلين، ومن المقصرين في الصلاة وغيرها من حقوق الله وحق عباده؛ لعل الله أن يهديهم بأسبابه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع (4) » .
وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن من تركها تهاونا وإن لم يجحد وجوبها يكفر كفرا أكبر؛ لهذه الآيات والأحاديث التي سبق ذكرها، ولو قال: إنه يؤمن بوجوبها، إذا تركها تهاونا فقد تلاعب بهذا الأمر الواجب، وقد عصى ربه معصية عظيمة، فيكفر بذلك في أصح
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سورة العلق الآية 6
(3) سورة العلق الآية 7
(4) صحيح البخاري الحج (1741) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1679) ، سنن ابن ماجه المقدمة (233) ، مسند أحمد بن حنبل (5/37) ، سنن الدارمي المناسك (1916) .(10/236)
قولي العلماء؛ لعموم الأدلة، ومنها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » ما قال: من جحد وجوبها، بل قال: «من تركها» فهذا يعم من جحد ومن لم يجحد، وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » ما قال: إذا جحد وجوبها.
فالرسول عليه الصلاة والسلام أفصح الناس، عليه الصلاة والسلام، فهو أفصح الناس، وهو أعلم الناس، يستطيع أن يقول: إذا تركها جاحدا لها، أو إذا جحد وجوبها، لا يمنعه من هذه الكلمة التي تبين الحكم لو كان الحكم كما قال هؤلاء، فلما أطلق عليه الصلاة والسلام كفره فقال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » دل ذلك على أن مجرد الترك والتعمد لهذا الواجب العظيم يكون به كافرا كفرا أكبر - نسأل الله العافية - وردة عن الإسلام، نعوذ بالله من ذلك.
ولا يجوز للمرأة المسلمة بعد ذلك: أن تبقى معه حتى يرجع إلى الله ويتوب إليه، وقد قال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) .
فذكر أنهم مجمعون على أن ترك الصلاة كفر، ولم يقولوا: بشرط أن ينكر وجوبها، أو يجحد وجوبها، أما من قال: إنها غير واجبة، فهذا كافر عند الجميع كفرا أكبر، وإذا قال: إنها غير واجبة فقد كفر عند جميع أهل العلم، ولو صلى مع الناس، متى جحد الوجوب كفر إجماعا، نسأل الله العافية.
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/237)
وهكذا لو جحد وجوب الزكاة، أو وجوب صوم رمضان أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة كفر إجماعا، نسأل الله العافية.
وهكذا لو قال: إن الزنا حلال، أو الخمر حلال، أو اللواط حلال، أو العقوق حلال، أو الربا حلال، كفر بإجماع المسلمين، نسأل الله العافية؛ لأنه استحل ما حرمه الله، لكن إذا كان مثله يجهل ذلك وجب تعليمه، فإن أصر على جحد الوجوب كفر إجماعا كما تقدم.
والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.(10/238)
حكم تارك الصلاة وهل يبطل عقد النكاح إذا كان أحد الزوجين لا يصلي قبل الزواج (1) .
س: ما حكم تارك الصلاة؛ لأني سمعت في برنامج نور على الدرب من أحد المشايخ أنه إذا عقد المسلم عقد نكاح على إحدى الفتيات المسلمات وهي لا تصلي يكون العقد باطلا ولو صلت بعد الزواج، وعندنا في قريتنا 50 في المائة لا يصلون قبل الزواج؟ نرجو التوضيح.
ج: لقد دل الكتاب والسنة على أن الصلاة أهم وأعظم عبادة بعد الشهادتين، وأنها عمود الإسلام، وأن الواجب على جميع المكلفين من المسلمين المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله تعالى، قال
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(10/238)
سبحانه وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1) وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (2) وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3)
فدل ذلك على أن الذي لا يصلي لا يخلى سبيله، بل يقاتل، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (4) فدل على أن من لم يصل ليس بأخ في الدين. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (5) » وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة قمن تركها فقد كفر (6) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (7) » .
والتعبير بالرجل لا يخرج المرأة، فإن الحكم إذا ثبت للرجل فهو للمرأة كذلك، وهكذا ما يثبت للمرأة يثبت للرجل إلا بدليل يخص أحدهما، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على أن تارك
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة التوبة الآية 5
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) سورة التوبة الآية 11
(5) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) .
(6) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(7) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/239)
الصلاة يكون كافرا من الرجال والنساء بعد التكليف.
وثبت في الحديث الصحيح أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمراء الذين لا يقيمون الدين كما ينبغي هل نقاتلهم. قال: «لا إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (1) » وفي لفظ آخر: «ما أقاموا فيكم الصلاة (2) » .
فدل على أن من لم يقم الصلاة فقد أتى كفرا بواحا.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة:
فقال بعضهم: إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة يراد بها الزجر والتحذير، وكفر دون كفر، وإلى هذا ذهب الأكثرون من الفقهاء.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أن تركها كفر أكبر، على ظاهر الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » .
والكفر متى عرف بأداة التعريف وهي (أل) ، وهكذا الشرك، فالمراد بهما: الكفر الأكبر والشرك الأكبر، قال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (4) » .
فدل ذلك على أن المراد: الكفر الأكبر؛ لأنه أطلقه صلى الله عليه وسلم على أمر واضح وهو أمر الصلاة، وهي عمود الإسلام، فكون تركها كفر أكبر لا يستغرب؛ ولهذا ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة) ،
__________
(1) صحيح البخاري الفتن (7056) .
(2) صحيح مسلم الإمارة (1855) ، مسند أحمد بن حنبل (6/24) ، سنن الدارمي الرقاق (2797) .
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(4) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/240)
فهذا يدل على أن تركها كفر أكبر بإجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن هناك أشياء يعرفون عنها أنها كفر، لكنه كفر دون كفر، مثل البراءة من النسب، ومثل القتال بين المؤمنين. لقوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (1) » فهذا كفر دون كفر إذا لم يستحله، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن كفرا بكم التبرؤ من آبائكم (2) » وقوله عليه الصلاة والسلام: «اثنتان في الناس هما بهم كفر النياحة والطعن في النسب (3) » فهذا كله كفر دون كفر عند أهل العلم؛ لأنه جاء منكرا غير معرف بـ (أل) .
ودلت الأدلة الأخرى دالة على أن المراد به غير الكفر الأكبر، بخلاف الصلاة فإن أمرها عظيم، وهي أعظم شيء بعد الشهادتين وعمود الإسلام، وقد بين الرب عز وجل حكمها لما شرع قتال الكفار، فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (4) وقال عليه الصلاة والسلام: «نهيت عن قتل المصلين (5) » فدل على أن من لم يصل يقتل، ولا يخلى سبيله إذا لم يتب.
والخلاصة: أن القول الصواب الذي تقتضيه الأدلة: هو أن ترك الصلاة كفر أكبر ولو لم يجحد وجوبها، ولو قال الجمهور بخلافه، فإن المناط هو الأدلة، وليس المناط كثرة القائلين، فالحكم معلق بالأدلة، والترجيح يكون بالأدلة، وقد قامت الأدلة على كفر تارك الصلاة كفرا أكبر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا
__________
(1) صحيح البخاري الإيمان (48) ، صحيح مسلم الإيمان (64) ، سنن الترمذي البر والصلة (1983) ، سنن النسائي تحريم الدم (4108) ، سنن ابن ماجه المقدمة (69) ، مسند أحمد بن حنبل (1/385) .
(2) صحيح البخاري الحدود (6830) ، مسند أحمد بن حنبل (1/56) .
(3) سنن الترمذي الجنائز (1001) .
(4) سورة التوبة الآية 5
(5) سنن أبو داود الأدب (4928) .(10/241)
بحقها (1) » ، فيفسره قوله في الحديث الآخر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام (2) » متفق على صحته، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما.
فلا عصمة إلا بإقامة الصلاة، ولأن من لم يقم الصلاة لم يؤد حق (لا إله إلا الله) ، ولو أن إنسانا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويصلي، ويصوم، ويتعبد، ثم جحد تحريم الزنا وقال: إن الزنا حلال كفر عند الجميع، أو قال: إن الخمر حلال أو اللواط، أو بال على المصحف متعمدا أو وطئه متعمدا؛ استهانة له كفر، ولم تعصمه الشهادة أو نحو ذلك مما يعتبر ناقضا من نواقض الإسلام، كما أوضح ذلك العلماء في (باب حكم المرتد) في كل مذهب من المذاهب الأربعة.
وبهذا يعلم أن المسلم الذي يصلي وليس به ما يوجب كفره إذا تزوج امرأة لا تصلي فإن النكاح باطل، وهكذا العكس؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن ينكح الكافرة من غير أهل الكتابين، كما لا يجوز للمسلمة أن تنكح الكافر؛ لقول الله عز وجل في سورة الممتحنة في نكاح الكافرات: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (3) الآية، وقوله سبحانه في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (4) الآية.
__________
(1) صحيح البخاري الإيمان (25) ، صحيح مسلم الإيمان (22) .
(2) رواه البخاري في الإيمان برقم (24) ، ومسلم في الإيمان برقم (33) .
(3) سورة الممتحنة الآية 10
(4) سورة البقرة الآية 221(10/242)
حكم عقد الزواج لزوجين أحدهما لا يصلي (1) .
س: سؤال من: ل. ع - يقول فيه: أعمل مأذون أنكحة، وقد سمعت من بعض المنتسبين للعلم: أن عقد الزواج لزوجين أحدهما لا يصلي باطل ولا يجوز العقد لهما، فهل هذا صحيح؟ وماذا أعمل إذا طلب مني عقد قران؟ هل أسأل عن حال الزوجين من ناحية صلاتهما؟ أو أعقد القران دون السؤال؟ أفتونا مأجورين.
ج: بسم الله، والحمد لله، إذا علمت أن أحد الزوجين لا يصلي فلا تعقد له على الآخر؛ لأن ترك الصلاة كفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » خرجه مسلم في صحيحه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يهدي ضالهم، إنه سميع قريب.
__________
(1) سبق أن نشرت في كتاب سماحته (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء الثامن، ص 396.
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/243)
امرأة ابنها لا يصلي ونصحته كثيرا وهددته فماذا تفعل (1) .
س: سائلة تقول: إن لها ابنا لا يصلي، وقد نصحته وهددته ولم يبال، عمره ست عشرة سنة تقول: إنها تنصحه وهو يستهزئ بها، وفي بعض الأحيان يصلي ويعود ويقول: إن الشيطان يوسوس فوق رأسه. وتستمر منه مثل هذه العبارات وتقول: إنني مستجيرة بالله ثم بكم تنقذوني مما أنا فيه وتقودوني إلى الصواب، وما العمل لأرملة لا حول لها ولا قوة إلا بالله، ثم تريد العون منكم؟ وجزاكم الله عنها خير الجزاء.
ج: هذا الولد الذي ليس يواظب على الصلاة، الواجب نصيحته وتوجيهه إلى الخير، ووعظه وتحذيره من غضب الله، قال الله جل وعلا في حق أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (2) {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (3)
فترك الصلاة من أعظم الأسباب في دخول النار؛ لأن تركها كفر أكبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (4) » وقال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (5) » .
__________
(1) نور على الدرب، الشريط رقم (842) .
(2) سورة المدثر الآية 42
(3) سورة المدثر الآية 43
(4) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(5) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/244)
فالصلاة لها شأن عظيم، وهي عمود الإسلام، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، فالواجب على كل مكلف من الرجال والنساء أن يؤدي الصلاة في وقتها، وهو مأمور بها قبل أن يبلغ الحلم، حتى يعتادها ويتمرن عليها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع (1) » .
وكذلك الفتيات، وأما من بلغ فيجب عليه أن يصلي، وإذا تأخر عن الصلاة وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا وجب على ولي الأمر قتله؛ لأن الصلاة أمرها عظيم، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام.
فعليك أيتها الأخت في الله أن تنصحي ولدك، وأن تجتهدي في توجيهه للخير، وتحذيره من مغبة عمله السيئ، فإن أصر فتبرئي منه واطلبي منه الخروج عنك، والبعد عنك حتى لا يضرك أمره، وحتى لا تحل به العقوبة وهو عندك، فيجب عليه أن ينصاع لأمرك، وأن يتقي الله عز وجل، وأن يطيع أمره سبحانه، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام في أداء الصلاة، فإذا لم يفعل وأصر على عناده وكفره، فإن الواجب عليك هجره، وكراهية لقائه، والتمعر في وجهه بالكراهة والغضب عليه، ورفع أمره إلى ولي الأمر، وعليك مع هذا أن تأمري من له شأن من أقاربك كأبيك أو أخيك الكبير أو أعمامه أو أخواله أن يوجهوه وينصحوه، وأن يؤدبوه إذا استطاعوا؛ لعل الله أن يهديه بأسبابك، مع الدعاء له بالصلاح والهداية في صلاتك وغيرها بأن يهديه الله، ويلهمه الرشد، ويعيذه من شر نفسه وشر الشيطان ومن جلساء السوء، أصلحه الله، وجزاك عنه خيرا. والله ولي التوفيق. .
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (495) ، مسند أحمد بن حنبل (2/187) .(10/245)
التحذير من التهاون بالصلاة (1) .
س: ماذا تقولون في التهاون بالصلاة؟
ج: الصلاة أمرها عظيم، وفي رمضان أشد وأعظم؛ لأنها عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين، فمن حافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وقد قال الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (2) وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) وقال عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (4) وقال سبحانه: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (5) والآيات في شأن الصلاة وتعظيمها والحث عليها كثيرة جدا.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (6) » وقال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) سورة البينة الآية 5
(5) سورة العنكبوت الآية 45
(6) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) ، مسند أحمد بن حنبل (5/231) .(10/246)
رمضان وحج البيت (1) » وقال عليه الصلاة والسلام:
«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » وقال صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » .
والأحاديث في ذلك كثيرة، وكلها تدل على كفر تارك الصلاة وإن لم يجحد وجوبها.
وهذا هو القول الصحيح في هذه المسألة؛ لقيام الدليل عليه. أما إن جحد وجوبها فإنه يكفر بإجماع أهل العلم ولو صلى؛ لأنه مكذب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تركها لم يصح صيامه ولا حجه، ولا غير ذلك من عباداته؛ لأن الكفر الأكبر يحبط جميع العمل، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (4) وقال عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (5) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، والتواصي بذلك، والحذر من تركها أو التهاون بها، أو ترك بعضها، ويجب على الرجل أن يحافظ عليها في الجماعة في بيوت الله - عز وجل - مع إخوانه المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (6) » قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) ، وفي
__________
(1) صحيح البخاري الإيمان (8) ، صحيح مسلم الإيمان (16) ، سنن الترمذي الإيمان (2609) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001) ، مسند أحمد بن حنبل (2/26) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(4) سورة المائدة الآية 5
(5) سورة الأنعام الآية 88
(6) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(10/247)
صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، «أن رجلا أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال نعم قال فأجب (1) » وهذا الحديث العظيم يدل على عظم شأن الصلاة في الجماعة في حق الرجال، ووجوب المحافظة عليها، وعدم التساهل في ذلك، وكثير من الناس يتساهل في صلاة الفجر، وهذا خطر ومنكر عظيم، وتشبه بالمنافقين.
فالواجب الحذر من ذلك، والمبادرة إلى الصلاة في وقتها، وأداؤها في الجماعة في حق الرجل كباقي الصلوات الخمس، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (2) وقال عليه الصلاة والسلام: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا (3) » متفق على صحته، وروى الإمام أحمد رحمه الله، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: «ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يوما بين أصحابه فقال: من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(2) سورة النساء الآية 142
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (651) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (797) ، مسند أحمد بن حنبل (2/531) ، سنن الدارمي الصلاة (1273) .(10/248)
القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (1) » وهذا وعيد عظيم لمن لم يحافظ على الصلاة.
قال بعض أهل العلم في شرح هذا الحديث: إنما يحشر مضيع الصلاة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف؛ لأنه إن ضيعها من أجل الرئاسة والملك والإمارة شابه فرعون الذي طغى وبغى بأسباب وظيفته فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وإن ضيعها بأسباب الوظيفة والوزارة شابه هامان وزير فرعون الذي طغى وبغى بسبب الرئاسة فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، ولا تنفعه الوظيفة ولا تجيره من النار، وإن ضيعها بأسباب المال والشهوات أشبه قارون - تاجر بني إسرائيل - الذي قال الله فيه: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} (2) الآية.
فشغل بأمواله وشهواته، وعصى موسى واستكبر عن اتباعه فخسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة عقوبة عاجلة مع عقوبة النار يوم القيامة، والرابع: الذي ضيعها بأسباب التجارة والبيع والشراء والأخذ والعطاء، فشغل بالمعاملات والنظر في الدفاتر، وماذا على فلان: وماذا على فلان؟ حتى ضيع الصلوات، فهذا قد شابه أبي ابن خلف - تاجر أهل مكة - من الكفرة فيحشر معه إلى النار يوم القيامة، وقد قتل أبي بن خلف كافرا يوم أحد، قتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، عليه الصلاة والسلام، وهذا الوعيد يدل بلا شك على كفر من ترك الصلاة وإن لم يجحد وجوبها، فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية من مشابهة أعدائه.
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (2/169) ، سنن الدارمي الرقاق (2721) .
(2) سورة القصص الآية 76(10/249)
حكم من مات وهو لا يصلي (1) .
س: الأخ م. ص. ع - من معان بالأردن يقول في سؤاله: ما حكم من مات وهو لا يصلي، مع العلم أن أبويه مسلمان؟ وكيف تكون معاملته من ناحية التغسيل والتكفين والصلاة عليه والدفن والدعاء والترحم عليه؟
ج: من مات من المكلفين وهو لا يصلي فهو كافر، لا يغسل، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه أقاربه، بل ماله لبيت مال المسلمين في أصح أقوال العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، من حديث بريدة رضي الله عنه.
وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رحمه الله تعالى: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأفعال تركه كفر إلا الصلاة) . والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة.
وهذا فيمن تركها كسلا ولم يجحد وجوبها، وأما من جحد وجوبها فهو كافر مرتد عن الإسلام عند جميع أهل العلم.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويسلك بهم صراطه المستقيم، إنه سميع مجيب.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (187) لشهر شعبان من عام 1413 هـ.
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/250)
تارك الصلاة لا يحج عنه (1)
س: أبو عبد الله - من الرياض يقول في سؤاله: ماذا يقول فضيلتكم في من يهب الأعمال الصالحة؛ كقراءة القرآن، والحج والعمرة عن من توفي وهو تارك للصلاة، وفي الغالب يكون هذا المتوفى جاهلا وغير متعلم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
ج: تارك الصلاة لا يحج عنه، ولا يتصدق عنه؛ لأنه كافر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » رواه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » رواه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح.
أما القراءة عن الغير فلا تشرع، لا عن الحي ولا عن الميت؛ لعدم الدليل على ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (4) » أخرجه مسلم في صحيحه، وأخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين بلفظ:
«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (5) » ومعنى فهو رد: أي فهو مردود.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1489) بتاريخ 27 \ 11 \ 1415 هـ.
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(4) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(5) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(10/251)
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله عنهم في ما نعلم أنهم قرأوا القرآن وثوبوه لحي أو ميت. والله ولي التوفيق.(10/252)
الوعيد الشديد لمن ترك الجمعة والجماعة (1) .
س: ورد في الحديث: سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يقوم الليل ويصوم النهار ولكنه لا يشهد الجمعة والجماعة، فقال: هو في النار، ما صحة هذا الحديث الشريف؟
ج: هذا الأثر معروف عن ابن عباس، وصحيح عنه رضي الله عنهما، وهو يدل على أن إضاعة الجمعة والجماعة من أسباب دخول النار، والعياذ بالله. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين (2) » خرجه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم، وخرج أبو داود بإسناد صحيح، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عليه الصلاة والسلام: «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه (3) » وقال عليه الصلاة والسلام: «من سمع النداء ولم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (4) » .
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (51) .
(2) صحيح مسلم الجمعة (865) ، سنن النسائي الجمعة (1370) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (794) ، مسند أحمد بن حنبل (1/239) ، سنن الدارمي الصلاة (1570) .
(3) سنن الترمذي الجمعة (500) ، سنن النسائي الجمعة (1369) ، سنن أبو داود الصلاة (1052) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1125) ، مسند أحمد بن حنبل (3/425) ، سنن الدارمي الصلاة (1571) .
(4) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(10/252)
فالواجب على المسلم البدار بإجابة النداء للجمعة والجماعة، وأن لا يتأخر عن ذلك، ومتى تأخر عن ذلك بغير عذر شرعي - كالمرض والخوف - فهو متوعد بالنار ولو كان يصوم النهار ويقوم الليل.
نسأل الله لنا ولجميع المسلمين السلامة والعافية من كل سوء.(10/253)
زوجها لا يصلي ولا يصوم ويفعل المحرمات هل عليها ذنب في جلوسها معه (1) .
س: هذه رسالة وردتنا من مرسلة رمزت لاسمها بـ: أختكم في الله ص. س - تقول في رسالتها: أنا سيدة في الأربعين من عمري لي أطفال سبعة: ثلاثة اختارهم الله عز وجل إليه، وأربعة أحياء. تتلخص مشكلتي في عدة أسئلة أولها: أنني متزوجة منذ عشرين سنة من رجل لا يعرف الصلاة، ولا الصيام، ويشرب المحرمات من خمر وما شابهها والعياذ بالله، وكلما حاولت الخلاص منه يقول لي: بأنه سوف يتوب، ولكنه بالكلام فقط، وكل من أشكي له حالي يقول: اصبري من أجل أطفالك، وقد صبرت كل هذه السنوات من أجلهم، والآن كبروا وأصبحوا رجالا، ويطلبون هم مني ذلك، ويقولون: إن البيت بيتهم ولا دخل للوالد بذلك، وأنا أسألكم الآن هل علي ذنب في جلوسي معه أم لا؟
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (104) .(10/253)
وكذلك جلوس أطفالي عنده، أفيدوني أفادكم الله.
ج: لا ريب أن ترك الصلاة كفر، ولا ريب أن ترك الصيام من أكبر المعاصي، ولا ريب أن شرب المسكر من أعظم المعاصي والكبائر، فهذا الرجل قد جمع بين الكفر وأنواع من الفسق، وأعظم ذلك: ترك الصلاة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » وهذان الحديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما يدل على كفر هذا الرجل كفرا أكبر.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكفر كفرا أكبر، إلا إذا كان يجحد الوجوب، فإنه يكفر بذلك بإجماع أهل العلم، أما إذا كان لا يجحد وجوبها ولكن يتركها تكاسلا فإنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر، ولكنه يعتبر عاصيا معصية عظيمة، وكافرا كفرا أصغر.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه يكفر بترك الصلاة كفرا أكبر، ولو لم ينكر وجوبها، وهذا هو الحق، وهو الصواب: أنه يكفر بترك الصلاة كفرا أكبر ولو لم ينكر وجوبها. فالذي أنصحك به وأوصيك به أن تمتنعي منه، وأن لا تمكنيه من نفسك، حتى يتوب إلى الله ويرجع إلى الصلاة.
والأولاد أولاده للشبهة التي هي شبهة النكاح، ولا شك أن أولاده لاحقون به، ولكنك تبقين في البيت عند أولادك؛ لأنهم كبار، وتمتنعين
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/254)
من أن يقربك بجماع وغيره، حتى يتوب إلى الله، وحتى يدع عمله السيئ، ولا سيما ترك الصلاة، فإذا تاب إلى الله وصلى فلا مانع، وعليه: أن يتوب إلى الله أيضا من ترك الصيام، ومن شرب الخمر، وعلى أولاده أن يعينوه على الخير، وينصحوه، ويستعينوا على هذا بأقاربهم الطيبين من أعمام وبني عم طيبين يعينونهم على نصيحة والدهم؛ لعل الله يهديه بأسبابهم، فإن من أعظم بره أن ينصح ويوجه إلى الخير؛ لعل الله أن يهديه بذلك، ولعله يسمع كلمتي هذه، ولعلكم تسجلونها إذا سمعتموها وتقرأونها عليه، فالله جل وعلا نسأله له الهداية.
والحاصل: أن عليك أن تبتعدي عنه، وأن لا يقربك حتى يتوب إلى الله من ترك الصلاة، فإذا تاب من ترك الصلاة فهو زوجك، وأما شرب الخمر وترك الصيام فهما معصيتان عظيمتان، لكنهما لا يوجبان بطلان النكاح عند أهل العلم من أهل السنة والجماعة، وعليك وعلى أولادك وعلى أقاربه وعلى الأخيار من جيرانه أن ينصحوه، وعليه أن يتقي الله، وأن يبادر إلى التوبة قبل أن يحل به الأجل، والخمر شرها عظيم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه لعن الخمر وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها (1) » ، والعياذ بالله، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (2) » وهذا يدل على ضعف
__________
(1) سنن أبو داود الأشربة (3674) ، سنن ابن ماجه الأشربة (3380) ، مسند أحمد بن حنبل (2/71) .
(2) صحيح البخاري الأشربة (5578) ، صحيح مسلم الإيمان (57) ، سنن الترمذي الإيمان (2625) ، سنن النسائي الأشربة (5659) ، سنن أبو داود السنة (4689) ، سنن ابن ماجه الفتن (3936) ، مسند أحمد بن حنبل (2/386) ، سنن الدارمي الأشربة (2106) .(10/255)
الإيمان، أو عدم الإيمان، نسأل الله العافية، وقال عليه الصلاة والسلام:
«إن عهدا على الله أن من مات وهو يشرب الخمر أن يسقيه الله من طينة الخبال قيل يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال عصارة أهل النار أو قال: عرق أهل النار (1) » .
وأما ترك صيام رمضان فهو أمر عظيم؛ لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من ترك الصيام عمدا فيجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يصوم رمضان، وأن يحافظ على الصلاة، ومن تاب تاب الله عليه.
نسأل الله لنا وله ولجميع المسلمين التوفيق إلى التوبة النصوح، والهداية إلى سبل الخير، والعافية من طاعة الشيطان، ومن طاعة قرناء السوء.
وينبغي أن يوصى باجتناب قرناء السوء وصحبة الأشرار، فإن صحبة الأشرار تجره كثيرا إلى أسباب الفساد، وإلى أسباب غضب الله، فالواجب عليه أن يحذر صحبة الأشرار، وأن يبتعد عن قرناء السوء، وأن يتوب إلى الله من ترك الصلاة ومن ترك الصيام، ومن شرب المسكر، وأن يستقيم على طاعة الله ورسوله، والله جل وعلا يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (2) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (3) » نسأل الله لنا وله ولكم ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق، والتوبة الصادقة.
__________
(1) صحيح مسلم الأشربة (2002) ، سنن النسائي الأشربة (5709) ، مسند أحمد بن حنبل (3/361) .
(2) سورة طه الآية 82
(3) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .(10/256)
حكم صلة الصديق الذي لا يؤدي الصلاة ولا يصوم رمضان
س: سؤال من: م. ح - يقول فيه: لي صديق عزيز علي وأحبه حبا شديدا، ولكن هذا الصديق لا يؤدي الصلاة المفروضة عليه ولا يصوم رمضان ونصحته، ولم يقبل مني هل أصله أم لا؟
ج: هذا الرجل وأمثاله يجب بغضه في الله ومعاداته فيه، ويشرع هجره حتى يتوب؛ لأن ترك الصلاة وإن لم يجحد وجوبها كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » خرجه مسلم في صحيحه، وقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
أما من جحد وجوبها فهو كافر بالإجماع؛ لأنه بذلك يكون مكذبا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله العافية من ذلك.
أما الزكاة وترك صيام رمضان من غير عذر شرعي فمن أعظم الجرائم والكبائر.
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/257)
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كفر من ترك الزكاة أو ترك صيام رمضان من غير عذر شرعي، كالمرض، والسفر، ولكن الصحيح: عدم كفرهما الكفر الأكبر إذا لم يجحدوا وجوب الزكاة والصيام.
أما من جحد وجوبهما أو أحدهما أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة فهو كافر بالإجماع؛ لأنه مكذب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بهذا الجحد.
فالواجب عليك أن تبغضه في الله، ويشرع لك أن تهجره، حتى يتوب إلى الله سبحانه، وإن اقتضت المصلحة عدم هجره لدعوته إلى الله وإرشاده؛ لعل الله يمن عليه بالهداية فلا بأس.
والواجب على ولاة أمر المسلمين: استتابة من عرف بترك الصلاة، فإن تاب وإلا قتل؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1)
فدل ذلك على أن من لم يصل لا يخلى سبيله، وقال صلى الله عليه وسلم: «إني نهيت عن قتل المصلين (2) » فدل ذلك على أن من لم يصل لم ينه عن قتله، وقد دلت الأدلة الشرعية من الآيات والأحاديث على أنه يجب على ولي الأمر قتل من لا يصلي إذا لم يتب.
ونسأل الله أن يرد صاحبك إلى التوبة، وأن يهديه سواء السبيل.
__________
(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سنن أبو داود الأدب (4928) .(10/258)
حكم الإقامة مع تارك الصلاة.
س: سؤال من: م. ع - يقول فيه: إنني سبق أن نمت بأحد المستشفيات، ودخل معي شخصان بالغرفة التي نمت فيها وجلسنا ثلاثة أيام، وفي هذه الفترة كنت أصلي وهما لا يصليان رغم أنهما مسلمان من بلدي، ولم أقل لهما شيئا، فهل علي إثم؛ لكوني لم آمرهما بالصلاة؟ وإذا كان كذلك فما كفارته؟
ج: كان الواجب عليك نصيحتهما، وإنكار ما أقدما عليه من المنكر العظيم، وهو: ترك الصلاة؛ عملا بقول الله سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) وما جاء في معناها من الآيات، وعملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (2) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. ولما لم تفعل ذلك فالواجب عليك التوبة النصوح من هذه المعصية، وحقيقتها: الندم على ما فعلت، والإقلاع منه، والعزم على عدم العود إلى مثله؛ إخلاصا لله، وتعظيما له، ورجاء ثوابه، وحذر عقابه، ومن تاب تاب الله عليه؛ لقوله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (3)
__________
(1) سورة آل عمران الآية 104
(2) صحيح مسلم الإيمان (49) ، سنن الترمذي الفتن (2172) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5008) ، سنن أبو داود الصلاة (1140) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) ، مسند أحمد بن حنبل (3/10) .
(3) سورة طه الآية 82(10/259)
حكم مصاحبة المتهاون بالصلاة.
س: سؤال من: فهد. ع. ع - الرياض يقول: ما حكم مصاحبة المتهاون بالصلاة؟
ج: لا تجوز مصاحبته ولا غيره من الكفرة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر في أصح قولي العلماء وإن لم يجحد وجوبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » أخرجه مسلم في الصحيح، وقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح، مع دلائل أخرى تدل على ذلك.
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/260)
حكم مجالسة من يستهزئ بالمحافظة على الصلاة (1) .
س: أرى كثيرا من الشباب إذا رأوا الشاب المحافظ على صلاته ودينه يستهزئون به، وأرى كذلك بعض الشباب - هداهم الله - يتكلمون عن الدين باستهتار
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1354) بتاريخ 22 \ 2 \ 1413 هـ.(10/260)
وعدم مبالاة، فما القول في ذلك؟ وهل تجوز مجالستهم والمرح معهم في أوقات ليس فيها وقت صلاة؟
ج: الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفر أكبر، قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) الآية من سورة التوبة. ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه يعتبر مستهزئا بالدين، فلا تجوز مجالسته ولا مصاحبته، بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه ومن صحبته. وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافرا، فلا تجوز صحبته ولا مجالسته، بل يجب الإنكار عليه، والتحذير منه، وحثه على التوبة النصوح، فإن تاب فالحمد لله، وإلا وجب الرفع عنه إلى ولاة الأمور بعد إثبات أعماله السيئة بالشهود العدول؛ حتى ينفذ فيه حكم الله من جهة المحاكم الشرعية.
وبكل حال فهذه المسائل مسائل خطيرة يجب على كل طالب علم وعلى كل مسلم عرف دينه أن يحذرها، وأن يحذر من يخوض في مسائل الدين بالسخرية واللعب؛ لئلا يصيبه ما أصابه من فساد العقيدة والسخرية بالحق وأهله.
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66(10/261)
ما الحكم إذا قال يا كافر لأخيه الذي لا يصلي إلا في المناسبات.
س: سؤال من: فهد. ع. ع - من الرياض يقول: تشاجرت أنا وأخي في مسألة ما في حالة غضب، فقلت له: أبعد عني يا كافر، على أساس أنه كان لا يصلي إلا في مناسبات كحضور الأقارب وغيره، فما الحكم في ذلك؟ وهل صحيح أنه كذلك؟
ج: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » رواه مسلم، وخرج الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد جيد، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » . والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة.
لكن ينبغي لك في مثل هذا ألا تبادره بمثل هذا اللفظ، وأن تنصحه أولا، وتخبره: أن ترك الصلاة كفر وضلال، وأن الواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه؛ لعله يستفيد منك ويقبل النصيحة.
نسأل الله للجميع التوفيق للتوبة النصوح من جميع الذنوب.
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/262)
حكم من قال لصديقه الذي لا يصلي أنت كافر (1)
س: حدث حوار بيني وبين صديق لي عن الإسلام حيث قال هذا الصديق: إنه لا يصلي على الإطلاق، فقلت له: أنت كافر؛ لأن الله تعالى يقول: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} (2) وقال لي: أنت أيضا كذلك، وذكر لي القول: أن من كفر مسلما فقد كفر، وبعد ذلك تركته وذهبت حتى لا يحتدم النقاش إلى أكثر مما وصل إليه. فما حكم كلامنا هذا الذي تم بيننا وهل نأثم عليه؟
ج: الصواب: أن من ترك الصلاة فهو كافر، وإن كان غير جاحد لها، هذا هو القول المختار والمرجح عند المحققين من أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السن، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح؛ ولقوله أيضا صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (4) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه، ولقوله أيضا عليه الصلاة والسلام: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (5) » خرجه الإمام أحمد، والإمام
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (109) .
(2) سورة البقرة الآية 85
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(4) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(5) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) ، مسند أحمد بن حنبل (5/231) .(10/263)
الترمذي رحمة الله عليهما بإسناد صحيح، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ ولأحاديث أخرى جاءت في الباب.
فالواجب على من ترك الصلاة أن يتوب إلى الله، وأن يبادر بفعلها، ويندم على ما مضى من تقصيره، ويعزم ألا يعود، هذا هو الواجب عليه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون عاصيا معصية كبيرة، وجعلوا هذا كفرا أصغر، واحتجوا بما جاء في الأحاديث الصحيحة من فضل التوحيد، وأن من مات عليه فهو من أهل الجنة إلى غير هذا، لكنها لا تدل على المطلوب، فإن ما جاء في فضل التوحيد ومن مات عليه فهو من أهل الجنة إنما يكون بالتزامه أمور الإسلام، ومن ذلك أمر الصلاة، من التزم بها حصل له ما وعد به المتقون، ومن أبى حصل عليه ما توعد به غير المتقين، ولو أن إنسانا قال: لا إله إلا الله، ووحد الله ثم جحد وجوب الصلاة كفر، ولا ينفعه قوله: لا إله إلا الله، أو توحيده لله مع جحده وجوب الصلاة، فهكذا من تركها تساهلا وعمدا وقلة مبالاة حكمه حكم من جحد وجوبها في الصحيح من قولي العلماء، ولا تنفعه شهادته بأنه لا إله إلا الله؛ لأنه ترك حقها؛ لأن من حقها أن يؤدي المرء الصلاة، وهكذا لو وحد الله وأقر بأنه لا إله إلا الله، ولكنه استهزأ بشيء من دين الله فإنه يكفر، كما قال الله عز وجل: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1) {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2)
__________
(1) سورة التوبة الآية 65
(2) سورة التوبة الآية 66(10/264)
وهكذا لو قال: لا إله إلا الله ووحد الله وجحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب صوم رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو جحد تحريم الزنا، أو جحد تحريم السرقة، أو جحد تحريم اللواط، أو ما أشبه ذلك، فإن من جحد وجوبها كفر إجماعا، ولو أنه يصلي ويصوم، ولو أنه يقول: لا إله إلا الله؛ لأن هذه النواقض تفسد عليه دينه، وتجعله بريئا من الإسلام بهذه النواقض، فينبغي للمؤمن أن ينتبه لهذا الأمر، وهكذا من ترك الصلاة وتساهل بها يكون كافرا، وإن لم يجحد وجوبها في الأصح من أقوال العلماء؛ للأحاديث السابقة وما جاء في معناها، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يرد كافرهم وعاصيهم من الناس إلى التوبة، ومن ذلك من ترك الصلاة، فنسأل الله أن يهديه للإسلام، وأن يرده إلى ما أوجب الله عليه من إقامة الصلاة، ويمن عليه بالتوبة الصادقة النصوح.
أما الحديث: «من كفر مسلما فقد كفر (1) » فإن المراد به: إذا كان التكفير في غير محله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال لأخيه يا عدو الله أو قال يا كافر وليس كذلك إلا حار عليه (2) » لكن هذا الذي قال: أنت كافر بترك الصلاة، قد وقعت في محلها فلا يرجع التكفير إلى القائل، ولا يكون القائل كافرا؛ لأن القائل قد نفذ أمر الله، وأدى حق الله، وبين ما أوجبه الله من تكفير هذا الصنف من الناس، فهو مأجور وليس بكافر؛ لأن كلامه وقع في محله، وإنما الكافر هو الذي ترك الصلاة وعاند وكابر. نسأل الله العافية لنا ولجميع المسلمين.
__________
(1) صحيح البخاري الأدب (6104) ، صحيح مسلم الإيمان (60) ، سنن الترمذي الإيمان (2637) ، سنن أبو داود السنة (4687) ، مسند أحمد بن حنبل (2/142) ، موطأ مالك الجامع (1844) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (61) ، مسند أحمد بن حنبل (5/166) .(10/265)
صلة الأخ الذي لا يؤدي الصلاة.
س: أخي الأكبر لا يؤدي الصلاة هل أصله أم لا؟ علما بأنه أخي من أبي فقط.
ج: الذي يترك الصلاة متعمدا كافر كفرا أكبر في أصح قولي العلماء، إذا كان مقرا بوجوبها، فإن كان جاحدا لوجوبها فهو كافر عند جميع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (1) » خرجه الإمام أحمد، والترمذي بإسناد صحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » خرجه مسلم في صحيحه، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح. ولأن الجاحد لوجوبها مكذب لله ولرسوله ولإجماع أهل العلم والإيمان، فكان كفره أكبر وأعظم من كفر تاركها تهاونا. وعلى كلا الحالين فالواجب على ولاة الأمور من المسلمين أن يستتيبوا تارك الصلاة فإن تاب وإلا قتل؛ للأدلة الواردة في ذلك. والواجب هجر تارك الصلاة، ومقاطعته، وعدم إجابة دعوته حتى يتوب إلى الله من ذلك، مع وجوب مناصحته ودعوته إلى الحق، وتحذيره من العقويات المترتبة على ترك الصلاة في الدنيا والآخرة؛ لعله يتوب فيتوب الله عليه.
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/266)
هل يقبل صيام وعبادة من لا يصلي؟ (1) .
س: هناك من يصوم ويؤدي بعض العبادات ولكنه لا يصلي، فهل يقبل صومه وعبادته؟
ج: بسم الله، والحمد لله.
الصحيح: أن تارك الصلاة عمدا يكفر بذلك كفرا أكبر، وبذلك لا يصح صومه ولا بقية عباداته حتى يتوب إلى الله سبحانه؛ لقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) وما جاء في معناها من الآيات والأحاديث.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر، ولا يبطل صومه ولا عبادته إذا كان مقرا بالوجوب، ولكنه ترك الصلاة تساهلا وكسلا.
والصحيح: القول الأول، وهو أنه يكفر بتركها كفرا أكبر إذا كان عامدا ولو أقر بالوجوب؛ لأدلة كثيرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » خرجه مسلم في صحيحه، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (4) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح، من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1451) بتاريخ 20 \ 2 \ 1415 هـ.
(2) سورة الأنعام الآية 88
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(4) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/267)
وقد بسط العلامة ابن القيم - رحمه الله - القول في ذلك في: رسالة مستقلة في أحكام الصلاة وتركها، وهي رسالة مفيدة تحسن مراجعتها والاستفادة منها.(10/268)
حكم من لا يصلي إلا نادرا.
س: أحد أقربائي لا يصلي وهو رجل كبير في السن، وقد نصحته ونصحه كثير من الناس، ولكنه متهاون جدا في الصلاة ولا يصلي إلا نادرا، وأحيانا لا يصلي إلا في رمضان أو الجمع فقط، فكيف تكون معاملتي معه؟ وهل أسلم عليه إذا وجدته في مجلس، أم أقاطعه؟ أفيدوني حفظكم الله.
ج: ترك الصلاة عمدا كفر أكبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » خرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والواجب نصيحة المذكور، وبيان حكم الشرع له، ومتى أصر على ترك الصلاة وجب هجره، وترك السلام عليه، وعدم إجابة دعوته، ورفع أمره لولي الأمر ليستتاب، فإن تاب وإلا وجب قتله؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (3)
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) سورة التوبة الآية 5(10/268)
فدل ذلك على أن من لم يقم - الصلاة لا يخلى سبيله. والأدلة في هذا كثيرة.
نسأل الله للمذكور الهداية.(10/269)
رجوع الزوجة إلى زوجها الذي لا يصلي
ومدمن على شرب الخمر
س: أخت رمزت لاسمها بـ: ن. ع. ص تقول: تتلخص مشكلتي في أن زوجي مدمن على شرب الخمر، ولا يؤدي الصلاة، ولا يصوم رمضان، وهو عاطل عن العمل منذ سنة، ولي منه ولدان لم يبلغا سن التمييز، والآن أنا في بيت أهلي، ويريد زوجي إرجاعي إلى بيته بشتى الطرق، وأنا محتارة في الرجوع إليه من أجل أولادي أم أطلب الطلاق؛ لأنني سمعت أنه لا يجوز أن أعاشر رجلا تاركا للصلاة شاربا للخمر، فماذا أفعل؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
ج: الزوج الذي لا يصلي كافر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » أخرجه مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه.
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/269)
وسواء كان جاحدا لوجوبها، أم لم يجحد وجوبها، لكنه إذا كان جاحدا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، أما إذا تركها تهاونا وتكاسلا عنها ولم يجحد وجوبها فهو كافر في أصح قولي العلماء؛ للحديثين المذكورين وما جاء في معناهما.
ولا يجوز لك أيتها السائلة الرجوع إلى زوجك المذكور، حتى يتوب إلى الله سبحانه، ويحافظ على الصلاة، هداه الله ومن عليه بالتوبة النصوح. والله ولي التوفيق.(10/270)
تارك الصلاة لا يصاحب.
س: سؤال من: ف. ع - من الرياض يقول: هل يجوز للإنسان أن يصاحب رجلا آخر لا يصلي أحيانا، بل أكثر الأوقات؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يصاحب مثل هذا الشخص الذي يترك الصلاة في بعض الأوقات، بل يجب عليه أن ينصحه، وينكر عليه عمله السيئ، فإن تاب وإلا هجره، ولم يتخذه صاحبا، وأبغضه في الله، حتى يتوب من عمله المنكر؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر؛ لقول(10/270)
النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » أخرجه الإمام أحمد وأهل السن بإسناد صحيح، عن بريدة ابن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » .
فالواجب على كل مسلم أن يحب في الله، ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله، كما قال الله سبحانه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (3)
ويجب الرفع عن مثل هذا إلى ولاة الأمور - إذا كان في بلد يحكم بالشريعة الإسلامية - حتى يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأن حد من ترك الصلاة ولم يتب: هو القتل، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (4) الآية. فدلت هذه الآية الكريمة على أن من ترك الصلاة ولم يتب لا يخلى سبيله، بل يقتل.
والصحيح: أنه يقتل كافرا؛ للحديثين السابقين وغيرهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم:
«إني نهيت عن قتل المصلين (5) » .
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سورة الممتحنة الآية 4
(4) سورة التوبة الآية 5
(5) سنن أبو داود الأدب (4928) .(10/271)
فدل ذلك على أن من لا يصلي لم ينه عن قتله، بل يجب قتله إن لم يتب؛ لما في ذلك من الردع عن هذه الجريمة العظيمة.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يوفقنا وإياهم للثبات على دينه، إنه سميع قريب.(10/272)
حكم أكل ذبيحة تارك الصلاة (1)
س: سؤال من: م. ح - من العلمين بمصر يقول هل يجوز أكل ذبيحة تارك الصلاة؟
ج: بسم الله والحمد لله.
الجواب: لا يجوز أكل ذبيحة تارك الصلاة في أصح قولي العلماء إذا كان مقرا بوجوبها، ولكنه يتساهل في تركها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأصحاب السنن الأربع بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (4) » أخرجه الإمام أحمد، والترمذي بإسناد صحيح، ولأحاديث أخرى في ذلك.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(4) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) ، مسند أحمد بن حنبل (5/231) .(10/272)
أما إن كان يجحد وجوب الصلاة فإنه يعتبر كافرا بإجماع المسلمين، ولو فعلها؛ لكونه بذلك يعتبر مكذبا لله سبحانه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولإجماع المسلمين. نسأل الله العافية من ذلك، ونسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين ذكورا وإناثا لإقامتها والمحافظة عليها، والحذر من تركها أو التثاقل عنها.
وقد ذم الله المنافقين بتثاقلهم عنها وكسلهم عن أدائها مع المسلمين، كما قال سبحانه في سورة النساء: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) وقال سبحانه في سورة التوبة في صفة المنافقين: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (2) {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (3)
والآيات في أوصاف المنافقين وذمهم والتحذير من صفاتهم كثيرة.
نسأل الله لنا وللمسلمين جميعا العافية من مشابهتهم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النساء الآية 142
(2) سورة التوبة الآية 54
(3) سورة التوبة الآية 55(10/273)
حكم الأكل من ذبيحة تارك الصلاة عمدا (1) .
س: هل يجوز الأكل من ذبائح تارك الصلاة عمدا؟ علما أنه إذا أخبر بذلك احتج بأنه كان ينطق بالشهادة، كيف العمل إذا لم يوجد أي جزار يصلي؟
ج: الذي لا يصلي لا تؤكل ذبيحته، هذا هو الصواب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » أخرجه مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام:
«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (4) » أخرجه الإمام أحمد، والترمذي بإسناد صحيح، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكل شيء سقط عموده لا يستقيم ولا يبقى، ومتى سقط العمود سقط ما عليه.
وبذلك يعلم أن الذي لا يصلي لا دين له، ولا تؤكل ذبيحته، وإذا كنت في بلد ليس فيها جزار مسلم فاذبح لنفسك، واستعمل يدك فيما ينفعك، أو التمس جزارا مسلما ولو في بيته حتى يذبح لك، وهذا بحمد الله ميسر فليس لك أن تتساهل في الأمر.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (18) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(4) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) ، مسند أحمد بن حنبل (5/231) .(10/274)
وعليك أن تنصح هذا الرجل بأن يتقي الله وأن يصلي، وقوله: إنه يكتفي بالشهادتين غلط عظيم، فالشهادتان لا بد معهما من حقهما. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله (1) » متفق على صحته.
فذكر الصلاة والزكاة مع الشهادتين، وفي اللفظ الآخر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (2) » والصلاة من حقها، والزكاة من حقها.
فالواجب على المؤمن أن يتقي الله، والواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام أن يتقي الله ويصلي الصلوات الخمس ويحافظ عليها، وهي عمود الإسلام، وهي الركن الأعظم من أركان الإسلام بعد الشهادتين، من ضيعها ضيع دينه، ومن تركها خرج عن دينه، نسأل الله العافية.
هذا هو الحق والصواب، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يكون كافرا كفرا أكبر، بل يكون كفره كفرا أصغر، ويكون عاصيا معصية عظيمة، أعظم من الزنا، وأعظم من السرقة، وأعظم من شرب الخمر، ولا يكون كافرا كفرا أكبر إلا إذا جحد وجوبها، هكذا قال جمع من أهل العلم، ولكن الصواب ما دل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن مثل هذا يكون كافرا
__________
(1) صحيح البخاري الإيمان (25) ، صحيح مسلم الإيمان (22) .
(2) صحيح البخاري الجهاد والسير (2946) ، صحيح مسلم الإيمان (21) ، سنن الترمذي الإيمان (2606) ، سنن النسائي تحريم الدم (3971) ، سنن أبو داود الجهاد (2640) ، سنن ابن ماجه الفتن (3928) ، مسند أحمد بن حنبل (1/11) .(10/275)
كفرا أكبر كما تقدم من الأحاديث في ذلك؛ لأنه ضيع عمود الإسلام وهو الصلاة.
فلا ينبغي التساهل بهذا الأمر، وقال عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل رضي الله عنه: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
فذكر إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة عندهم كافر، نسأل الله العافية.
فالواجب الحذر، والواجب المحافظة على هذه الفريضة العظيمة وعدم التساهل مع من تركها، فلا تؤكل ذبيحته، ولا يدعى لوليمة، ولا تجاب دعوته؛ بل يهجر حتى يتوب إلى الله وحتى يصلي، نسأل الله الهداية للجميع.(10/276)
حكم أكل ذبيحة من لا يعرف هل يصلي أم لا (1) .
س: في بعض الحالات يحصل تجمع في مناسبة، ويؤتى بطعام وفيه لحم لا يعرف ذابحه أيصلي أم لا؟ هل نمتنع عن الأكل منه خشية أن يكون الذابح لا يصلي لكثرة تاركي الصلاة في مجتمع ما مثلا، أو لكثرة المتساهلين بها؟ وجهونا جزاكم الله خيرا.
ج: إذا كنت بين مسلمين وفي بيت أخيك المسلم الذي لا تظن به
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (18) .(10/276)
إلا الخير فكل مما قدم إليك، ولا تشك في أخيك، ولا تحكم بسوء الظن، أما إذا كنت في مجتمع لا يصلي فاحذر، أو في مجتمع كافر فلا تأكل في بيوتهم. كل من الفاكهة والتمر ونحو ذلك مما لا تعلق له بالذبيحة.
أما إذا كنت بين مسلمين أو في قرية مسلمة أو في جو مسلم فعليك بحسن الظن، ودع عنك سوء الظن. والله المستعان.(10/277)
ما صحة حديث (من تهاون بالصلاة عاقبه
الله بخمس عشرة عقوبة..) (1) .
س: الأخ: خ. ن. ن - من الرياض أرسل إلينا رسالة ومعها نسخة من ورقة توزع بين الناس، وتتضمن حديثا منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (من تهاون بالصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة) إلى آخر ما جاء في الورقة، ويسأل عن صحة ذلك الحديث.
ج: هذا الحديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، لا أساس له من الصحة، كما بين ذلك الحافظ الذهبي رحمه الله في (الميزان) ، والحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) ، فينبغي لمن وجد هذه الورقة أن يحرقها، وينبه من وجده يوزعها؛ دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم من كذب الكذابين.
وفيما ورد في القرآن العظيم والسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم شأن الصلاة والتحذير من التهاون بها ووعيد من فعل ذلك ما
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (929) بتاريخ 12 \ 5 \ 1404 هـ.(10/277)
يشفي ويكفي، ويغني عن كذب الكذابين، مثل قوله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1) وقوله سبحانه: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} (2) وقوله سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (3) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (4) والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (5) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (6) » أخرجه مسلم في صحيحه.
وقوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الصلاة يوما بين أصحابه: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (7) » رواه الإمام أحمد بإسناد حسن.
قال بعض العلماء في شرح هذا الحديث: وإنما يحشر يوم القيامة من ضيع الصلاة مع هؤلاء الكفرة؛ لأنه إن ضيعها بسبب الرئاسة شابه فرعون، ومن ضيعها بسبب الوزارة والوظائف الأخرى شابه هامان وزير فرعون، فيحشر معه يوم القيامة إلى النار، ومن ضيعها بسبب المال
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة مريم الآية 59
(3) سورة الماعون الآية 4
(4) سورة الماعون الآية 5
(5) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(6) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(7) مسند أحمد بن حنبل (2/169) ، سنن الدارمي الرقاق (2721) .(10/278)
والشهوات شابه قارون الذي خسف الله به وبداره الأرض، بسبب استكباره عن اتباع الحق، من أجل ماله الكثير واتباعه الشهوات فيحشر معه إلى النار، وإن ضيعها بسبب التجارة وأنواع المعاملات شابه أبي بن خلف - تاجر أهل مكة - من الكفرة، فيحشر معه يوم القيامة إلى النار.
نسأل الله العافية من حالهم وحال أمثالهم.(10/279)
التنبيه على بطلان نشرتين يتداولهما الناس حول حديث مرفوع فيمن تهاون بالصلاة (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد اطلعت على نشرة بعنوان: عقوبة تارك الصلاة جاء فيها ما نصه: (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تهاون في الصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة» ، ثم عددها، وجاء في آخرها: (كل من يتفضل بقراءة هذه النسخة الرجاء نسخها وتوزيعها على المسلمين جميعا، ثم قال: (الفاتحة لفاعل الخير) ، كما اطلعت على نشرة أخرى صدرت بثلاث آيات من القرآن الكريم التي أولها قوله سبحانه: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (2) ثم ذكر بعدها: أنها تجلب
__________
(1) تم إبلاغ الصحف المحلية لنشر هذا التنبيه برقم 2372 \ 1 في 7 \ 9 \ 1401 هـ الصادر من مكتب سماحته.
(2) سورة الزمر الآية 66(10/279)
الخير بعد أربعة أيام، وطلب إرسال خمس وعشرين نسخة منها إلى من هو في حاجة، وأتبع ذلك بذكر عقوبات يزعم وقوعها بمن أهملها.
وحيث إن هاتين النشرتين من الباطل والمنكرات رأيت التنبيه على ذلك؛ حتى لا يغتر بهما من تخفى عليهم أحكام الشرع المطهر، فأقول وبالله التوفيق:
لا شك أن هذه الطريقة من الأمور المبتدعة في الدين، ومن القول على الله بلا علم، وقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: أن ذلك من أعظم الذنوب فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1)
فليتق الله عبد يسلك هذه الطريقة المنكرة، وينسب إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ما لم يصدر عنهما، فإن تحديد العقوبات وتعيين الجزاءات على الأعمال إنما هو من علم الغيب، ولا علم لأحد به إلا من طريق الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في الكتاب والسنة شيء من ذلك البتة.
أما الحديث الذي نسبه صاحب النشرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة تارك الصلاة، وأنه يعاقب بخمس عشرة عقوبة. الخ، فإنه من الأحاديث الباطلة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك الحفاظ من العلماء رحمهم الله؛ كالحافظ الذهبي في (الميزان) رحمه الله، والحافظ ابن حجر رحمه الله وغيرهما.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 33(10/280)
قال الحافظ ابن حجر في كتابه (لسان الميزان) في ترجمة محمد بن علي بن العباس البغدادي العطار: أنه ركب على أبي بكر بن زياد النيسابوري حديثا باطلا في تارك الصلاة.
روى عنه محمد بن علي الموازيني شيخ لأبي النرسي، زعم المذكور: أن ابن زياد أخذه عن الربيع، عن الشافعي، عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه ورفعه: «من تهاون بصلاته عاقبه الله بخمس عشرة خصلة» .) الحديث، وهو ظاهر البطلان من أحاديث الطرقية. اهـ.
وقد أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى ببطلان ذلك الحديث بتاريخ 6 \ 10 \ 1401هـ، فكيف يرضى عاقل لنفسه بترويج حديث موضوع؟! ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين (1) » وإن فيما جاء عن الله وعن رسوله في شأن الصلاة وعقوبة تاركها ما يكفي ويشفي، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (2) وقال تعالى عن أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (3) {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (4) الآيات. فذكر من صفاتهم: ترك الصلاة، وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} (5) {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (6) {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} (7) {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (8) وقال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء
__________
(1) سنن الترمذي العلم (2662) ، سنن ابن ماجه المقدمة (40) ، مسند أحمد بن حنبل (1/113) .
(2) سورة النساء الآية 103
(3) سورة المدثر الآية 42
(4) سورة المدثر الآية 43
(5) سورة الماعون الآية 4
(6) سورة الماعون الآية 5
(7) سورة الماعون الآية 6
(8) سورة الماعون الآية 7(10/281)
الزكاة وصوم رمضان وحج البيت (1) » وقال صلى الله عليه وسلم:
«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » والآيات والأحاديث الصحيحة في هذا كثيرة معلومة.
وأما النشرة الثانية التي صدرت بالآيات التي أولها قوله سبحانه: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (3) وذكر كاتبها: أن من وزعها يحصل له كذا من الخير، ومن أهملها يعاقب بكذا من العقاب فإنها من أبطل الباطل، وأعظم الكذب، وإنها من أعمال الجهلة والمبتدعة الذين يريدون إشغال العامة بالحكايات والخرافات والأقاويل الباطلة، ويصرفونهم عن الحق الواضح البين الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله، وأن ما يحدث للناس من خير أو شر هو من الله سبحانه، وهو العالم به وحده، قال سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (4) ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كتب ثلاث آيات، أو أكثر منها يكون له كذا، ومن تركها يصيبه كذا، وادعاء هذا كذب وبهتان. إذا علم هذا، فإنه لا يجوز كتابة النشرتين، ولا توزيعهما، ولا المشاركة في ترويجهما بأي وجه من الوجوه، وعلى من سبق له شيء من ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه، ويندم على ما حصل منه، ويعزم على عدم العودة إلى ذلك مطلقا.
__________
(1) صحيح البخاري الإيمان (8) ، صحيح مسلم الإيمان (16) ، سنن الترمذي الإيمان (2609) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5001) ، مسند أحمد بن حنبل (2/26) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) سورة الزمر الآية 66
(4) سورة النمل الآية 65(10/282)
والله المسئول سبحانه أن يرينا جميعا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.(10/283)
الواجب فراق الزوجة التي لا تصلي (1) .
س: الأخ الذي رمز لاسمه بـ: س. س. س - من الدار البيضاء في المغرب يقول في سؤاله: أنا متزوج من عشر سنين وزوجتي لا تهتم بأداء الصلاة، وأحيانا تضيعها وتتركها، وكثيرا ما يحصل بيني وبينها شجار بسبب الصلاة، وكذلك الحال بالنسبة للصيام، وإذا بقيت عليها أيام من رمضان فإنها لا تقضيها، وإن فعلت فبشق الأنفس، وأعاني معها كثيرا من الصعاب والمشاكل بسبب الأمور التي تتعلق بالدين، وإذا دعوتها لأعلمها شيئا من القرآن لا تستجيب لذلك، علما بأنها لا تعرف شيئا من القرآن، والسؤال هو: ما حكم البقاء والعيش معها والحالة هذه؟ علما أن لدي منها أطفالا، أرجو إفادتي عن ذلك جزاكم الله خيرا.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (151) لشهر شعبان من عام 1410 هـ.(10/283)
ج: إذا كان حال زوجتك ما ذكرت: من تهاونها بالصلاة، وعدم محافظتها عليها رغم نصيحتك لها واجتهادك في توجيهها إلى الخير، فالواجب عليك فراقها؛ لأن من ترك الصلاة من الرجال والنساء كفر كفرا أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح؛ ولأحاديث أخرى وردت في ذلك.
نسأل الله أن يهديها، وأن يمن عليها بالتوبة، أو يعطيك خيرا منها، إنه خير مسئول.
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/284)
أخو زوجها لا يصلي إلا نادرا فكيف تعامله (1) .
س: الأخت التي رمزت لاسمها بـ: أم عبد الله من الرياض تقول في أحد أسئلتها: يوجد أخ لزوجي لا يصلي إلا نادرا، وأنا أسكن عند أسرة زوجي، وأهله يجالسونه حتى ولو كان الإمام يصلي، فماذا علي أن أفعل وأنا لست من محارمه؟ وهل علي إثم في ذلك حيث لا أستطيع نصحه؟
ج: إذا كان لا يصلي فهو يستحق الهجر، ولا تسلمي عليه ولا تردي عليه السلام حتى يتوب لأن ترك الصلاة كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء. لقول النبي غير صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » أخرجه الإمام أحمد، وأصحاب السن بإسناد صحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) »
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (149) لشهر جمادى الأولى من عام 1410 هـ.
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/284)
خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
أما إن جحد وجوبها فهو كافر بإجماع العلماء، والواجب على أهله أن ينصحوه، ويهجروه إن لم يتب، ويجب رفع أمره إلى ولي الأمر حتى يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لقول الله سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: «نهيت عن قتل المصلين (2) » فدل ذلك على أن من لم يصل لا يخلى سبيله، ولا مانع من قتله إذا رفع أمره إلى ولي الأمر ولم يتب. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سنن أبو داود الأدب (4928) .(10/285)
المتهاون بالصلاة والواجب تجاهه (1) .
س: كثير من الناس اليوم يتهاون بالصلاة، وبعضهم يتركها بالكلية فما حكم هؤلاء؟ وما الواجب على المسلم تجاههم؟ وبالأخص أقاربه من والد وولد وزوجة، ونحو ذلك.
ج: التهاون بالصلاة من المنكرات العظيمة، ومن صفات المنافقين، قال الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (2) وقال الله في صفتهم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (3)
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.
(2) سورة النساء الآية 142
(3) سورة التوبة الآية 54(10/285)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا (1) » متفق على صحته.
فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وأداؤها بطمأنينة، والإقبال عليها بخشوع فيها وإحضار قلب؛ لقول الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر الذي أساء صلاته فلم يطمئن فيها بالإعادة، وعلى الرجال خاصة أن يحافظوا عليها في الجماعة مع إخوانهم في بيوت الله، وهي: المساجد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (4) » أخرجه ابن ماجه، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم بإسناد صحيح.
قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) . وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فرخص له ثم دعاه فقال هل تسمع النداء للصلاة؟ قال نعم قال فأجب (5) » وفي الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (651) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (797) ، مسند أحمد بن حنبل (2/531) ، سنن الدارمي الصلاة (1273) .
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2
(4) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(5) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(10/286)
إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم (1) » وهذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن الصلاة في جماعة في حق الرجال من أهم الواجبات، وأن المتخلف عنها يستحق العقوبة الرادعة نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويمنحهم التوفيق لما يرضيه.
أما تركها بالكلية ولو في بعض الأوقات فكفر أكبر دل وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، سواء كان التارك رجلا أو امرأة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح، مع أحاديث أخرى كثيرة في ذلك. أما من جحد وجوبها من الرجال أو النساء فإنه يكفر كفرا أكبر بإجماع أهل العلم ولو صلى.
فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية من ذلك، إنه خير مسئول.
والواجب على جميع المسلمين التناصح، والتواصي بالحق، والتعاون على البر والتقوى، ومن ذلك نصيحة من يتخلف عن الصلاة في الجماعة أو يتهاون بها فيتركها بعض الأحيان، وتحذيره من غضب الله وعقابه، وعلى أبيه وأمه وإخوانه وأهل بيته أن ينصحوه، وأن يستمروا في ذلك، حتى يهديه الله ويستقيم.
وهكذا من يتهاون بها أو يتركها من النساء، فالواجب نصيحتهن، وتحذيرهن من غضب الله وعقابه، والاستمرار في ذلك،
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (644) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (651) ، سنن الترمذي الصلاة (217) ، سنن النسائي الإمامة (848) ، سنن أبو داود الصلاة (548) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (791) ، مسند أحمد بن حنبل (2/424) ، موطأ مالك النداء للصلاة (292) ، سنن الدارمي الصلاة (1212) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/287)
وهجر من لم يمتثل، وعقابه بالأدب المناسب، مع القدرة على ذلك؛ لأن هذا كله من التعاون على البر والتقوى، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أوجبه الله على عباده من الرجال والنساء؛ لقوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع (2) » وإذا كان البنون والبنات يؤمرون بالصلاة لسبع، ويضربون عليها لعشر، فالبالغ من باب أولى في وجوب أمره بالصلاة، وضربه عليها إذا تخلف عنها، مع النصيحة المتواصلة.
والتواصي بالحق والصبر عليه؛ لقول الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ} (3) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (4) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5) ومن ترك الصلاة بعد البلوغ ولم يقبل النصيحة يرفع أمره إلى المحاكم الشرعية حتى تستتيبه، فإن تاب وإلا قتل.
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في الدين، ويوفقهم للتعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر عليه، إنه جواد كريم.
__________
(1) سورة التوبة الآية 71
(2) سنن أبو داود الصلاة (495) ، مسند أحمد بن حنبل (2/187) .
(3) سورة العصر الآية 1
(4) سورة العصر الآية 2
(5) سورة العصر الآية 3(10/288)
زوجته لا تصلي منذ أن تزوجها وله منها أربعة أولاد (1) .
س: إنني متزوج من امرأة ولي منها أربعة أولاد، وهي الآن حامل بالخامس ولكنها لا تصلي منذ أن تزوجتها حتى الآن، فبماذا تنصحونني يا سماحة الشيخ.
ج: هذا منكر عظيم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم الفرائض وأهمها بعد الشهادتين، كما قال الله جل وعلا: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) وقال سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (4) وقال جل وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (5) وقال سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (6)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (7) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، وقال صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (8) » رواه مسلم في صحيحه.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (843) .
(2) سورة النور الآية 56
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) سورة البقرة الآية 238
(5) سورة التوبة الآية 5
(6) سورة التوبة الآية 11
(7) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(8) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/289)
والمرأة كالرجل في هذا الأمر، فدل ذلك على أن من لم يصل لا يخلى سبيله، بل يقتل، وعلى أنه ليس أخا في الدين.
فالواجب استتابتها، وتأديبها حتى تصلي، ومن تاب تاب الله عليه، فإن أبت وجب رفع أمرها إلى المحكمة حتى تستتيبها، فإن تابت وإلا قتلت مرتدة عن الإسلام، ولو كانت مقرة بوجوبها في أصح قولي العلماء؛ للآيات السابقة والحديثين السابقين، وعلى زوجها اعتزالها حتى تتوب، ويجدد النكاح بعد التوبة، وأما أولاد السائل منها فلاحقون بك من أجل شبهة النكاح. والله ولي التوفيق.(10/290)
الحكم فيمن لا يصلي ويجحد وجوب الصلاة ومن
يقر بوجوبها ومن يصلي أحيانا ومن يتهاون في أدائها (1) .
س: الأخ: ع. ع. م - من تمير في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: ما حكم الشرع المطهر في كل من: إنسان (رجل أو امرأة) لا يصلي أبدا ويجحد وجوب الصلاة، وإنسان لا يصلي أبدا ويقر بوجوب الصلاة، وإنسان يصلي أحيانا ويتركها عمدا أحيانا وهو مقر بوجوبها، وإنسان ترك الصلاة مرة أو أكثر عمدا ثم استقام وداوم على
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (167) لشهر ذي الحجة من عام 1411 هـ.(10/290)
الصلاة، وإنسان تهاون في أداء الصلاة ولم يصلها حتى خرج وقتها؟ أرجو من سماحتكم التفصيل في هذا أثابكم الله.
ج: من جحد وجوب الصلاة وهو مكلف كفر كفرا أكبر إجماعا، ولو فعلها؛ لكونه مكذبا لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أما من تركها تكاسلا ولم يجحد وجوبها ففي كفره خلاف بين أهل العلم: والراجح: أنه كافر كفرا أكبر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » رواه الإمام أحمد، وأصحاب السنن الأربع بإسناد صحيح، من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وخرج مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة.
وعلى هذا: إذا تزوج المسلم الذي يصلي امرأة لا تصلي، أو بالعكس، ثم هدى الله الذي لا يصلي منهما وجب تجديد النكاح؛ لأنه عقد غير صحيح بسبب اختلاف الدين؛ ولأن التاركة للصلاة ليست في حكم الكتابيات؛ فلهذا وجب تجديد النكاح في أصح قولي العلماء، أما إذا كانا لا يصليان جميعا حين العقد ثم هداهما الله واستقاما على الصلاة فإن النكاح صحيح، كما لو أسلم غيرهما من الكفار، فإن نكاحهما لا يجدد إذا لم يكن هناك مانع شرعي من بقاء النكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الكفار الذين أسلموا في عام الفتح وغيره بتجديد أنكحتهم، أما إن كان هناك مانع من بقائه مثل: أن تكون أختا له من
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/291)
الرضاعة، أو قد تزوجها ابنه أو أبوه فإنه يفرق بينهما؛ لوجود المانع من صحة النكاح وبقائه. والله ولي التوفيق.(10/292)
ترك الصلاة تهاونا من أكبر الكبائر
س: سمعت في برنامج نور على الدرب: أن تارك الصلاة تهاونا كافر كفرا مخرجا من الملة، ولكن الشافعية يقولون في كتاب (النفحات الصمدية) : إنه يستتاب ويقتل إن لم يتب، ويصلى عليه ويغسل ويدفن في قبور المسلمين، فما رأيكم؟
ج: قد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن ترك الصلاة تهاونا من أكبر الكبائر، ومن أعظم الجرائم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام وركنه الأعظم بعد الشهادتين؛ فلهذا صار تركها من أقبح القبائح وأكبر الكبائر.
واختلف العلماء في حكم تاركها هل يكون كافرا كفرا أكبر إذا لم يجحد وجوبها، أو يكون حكمه حكم أهل الكبائر؟ على قولين لأهل العلم: فمنهم من قال: يكون كافرا كفرا أصغر، كما ذكره السائل عن الشافعية، وهكذا عن المالكية، والحنفية، وبعض الحنابلة، وقالوا:(10/292)
إن ما ورد في تكفيره يحمل على أنه كفر دون كفر، وتعلقوا بالأحاديث الدالة على أن من مات على التوحيد وترك الشرك فله الجنة. أما من جحد وجوبها، فقد أجمع العلماء على كفره كفرا أكبر، بخلاف إذا تركها تهاونا فقط وهو يؤمن بوجوبها. وقال بعض أهل العلم: يكون تاركها كافرا كفرا أكبر، وإن لم يجحد وجوبها، وهذا منقول عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل أنه قال: لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة. ومعلوم أن الطعن في الأنساب والنياحة على الميت نوع من الكفر، لكنه كفر أصغر. فعلم أن مراده بذلك: أن ترك الصلاة عندهم كفر أكبر، وهذا هو الصواب؛ لأدلة كثيرة، منها: ما ثبت في صحيح مسلم، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » ومنها: ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » ومنها: «قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأئمة الذين يتركون بعض ما أوجب الله عليهم ويتعاطون بعض ما حرم الله عليهم أفلا نقاتلهم؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة (3) » وفي لفظ آخر «إلا أن تروا كفرا بواحا (4) » فدل على أن ترك الصلاة كفر بواح.
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) صحيح مسلم الإمارة (1855) ، مسند أحمد بن حنبل (6/24) ، سنن الدارمي الرقاق (2797) .
(4) صحيح البخاري الفتن (7056) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2866) ، موطأ مالك الجهاد (977) .(10/293)
وهذا هو القول الصواب كما تقدم، وإن كان القائلون به أقل من القائلين بأنه كفر أصغر، لكن العبرة بالأدلة لا بكثرة الناس، يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) ويقول عز وجل {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) فالأدلة الشرعية قائمة على أن تركها كفر أكبر، وإن لم يجحد التارك وجوبها. وبذلك يعلم أن من مات على ترك الصلاة لا يعتبر من أهل التوحيد؛ لأن تركه للصلاة أبطل توحيده، كما أن من سب الله سبحانه، أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام، أو استهزأ بالدين، أو استحل ما حرم الله كالزنا أو الخمر، أو جحد ما أوجب الله عليه كالصلاة والزكاة حتى مات على ذلك - يعتبر كافرا قد بطل توحيده بما أتى به من نواقض الإسلام.
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10(10/294)
له إخوة وأقارب لا يصلون فهل يقاطعهم (1) .
س: سؤال من: م. ح - الإمارات - أبو ظبي يقول: لي إخوة وأقارب، ولكنهم للأسف الشديد لا يصلون ولا يقيمون حدود الله فهل علي أن أقاطعهم وأترك أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ لأنهم يهزأون مني ويسخرون، ويقولون: هل تريد أن تصلح الناس جميعا؟ وقد كرهوا هم مجالستي وقاطعوني، فماذا علي أن أفعل تجاههم؟
ج: يشرع لك أن تهجرهم، وتقاطعهم ما داموا لم يتقبلوا النصيحة وهم على هذه الحال التي ذكرت من تركهم الصلاة وبعدهم عن الخير، فينبغي لك أن تهجرهم، وأن تقاطعهم حتى يهديهم الله، هذا هو المشروع لك، بل هذا هو السنة المؤكدة.
وبعض أهل العلم يرى وجوب ذلك؛ لضلالهم، وبعدهم عن الخير، لكن إذا اتصلت بهم بعض الأحيان؛ رجاء أن يهديهم الله بالدعوة والتوجيه والإرشاد فلا بأس، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة لما تركوا الغزو معه بغير عذر.
فالحاصل: أن هؤلاء يشرع أن يهجروا، وعلى الأقل يكون هجرهم سنة مؤكدة، حتى يهديهم الله ويردهم إلى الصواب، نسأل الله لنا ولهم الهداية والتوفيق.
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (517) .(10/295)
حكم الصلاة في مسجد فيه قبر.
س: الأخ: م. أ. ن - من ميت طريف - دقهلية - بمصر يقول في سؤاله: هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟
ج: المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور، لا قبر ولي ولا غيره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا (1) » متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله (2) » متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (3) » خرجه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي.
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (436) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (529) ، سنن النسائي المساجد (703) ، مسند أحمد بن حنبل (6/146) ، سنن الدارمي الصلاة (1403) .
(2) صحيح البخاري الصلاة (434) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528) ، سنن النسائي المساجد (704) ، مسند أحمد بن حنبل (6/51) .
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .(10/296)
فنهى عن اتخاذ القبور مساجد - عليه الصلاة والسلام - ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق، فالواجب الحذر من ذلك.
ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجدا، ومن بنى عليه مسجدا فقد اتخذه مسجدا، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد، وألا يجعل فيها قبور؛ امتثالا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحذرا من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت، أو الاستغاثة به، أو الصلاة له، أو السجود له، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى، فوجب أن نخالفهم، وأن نبتعد عن طريقهم، وعن عملهم السيئ. لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد، فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسما لأسباب الشرك وسدا لذرائعه.
هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي: وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده.
والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة.(10/297)
فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضا من وسائل الشرك بأصحاب القبور. والله ولي التوفيق.(10/298)
لا يجوز دفن الميت في المسجد (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
إلى حضرة الأخ المكرم: هـ. ع. م. م سلمه الله آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فإشارة إلى رسالتك الكريمة المتضمنة طلب بعض الكتب، والإجابة عن السؤال الذي ذكرته. نشكر لك اهتمامك وغيرتك ويسرنا تحقيق رغبتك بإرسال نسخة من (زاد المعاد) و (العقيدة الواسطية) شرح محمد خليل الهراس، و (القاعدة الجليلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية، و (فتح المجيد) و (شرح الطحاوية) لابن أبي العز.
أما بالنسبة للسؤال: فالواجب منع الدفن في المسجد، وإزالة ما أعده الشخص المذكور ليدفن فيه، وأن يستعان في ذلك بالله ثم بأهل العلم، حتى يقنع الرجل بأن عمله لا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) »
__________
(1) سبق أن نشرت في كتاب سماحته (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء السابع، ص 426، 427.
(2) صحيح البخاري الصلاة (436) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (529) ، سنن النسائي المساجد (703) ، مسند أحمد بن حنبل (6/146) ، سنن الدارمي الصلاة (1403) .(10/298)
متفق على صحته من حديث عائشة رضي الله عنها، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (1) » أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، وفي الصحيحين، «عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في أرض الحبشة وما فيها من الصور فقال عليه الصلاة والسلام أولئك إذا مات الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور وأولئك شرار الخلق عند الله (2) » فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم بناء المساجد على القبور، ووضع القبور في المساجد؛ لأن ذلك من وسائل الشرك الأكبر.
وفي صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه (3) » وما ذلك إلا أن البناء على القبور وتجصيصها ووضع الستور عليها والصلاة عندها وبناء المساجد عليها كل ذلك من وسائل الشرك.
نسأل الله أن يعافي المسلمين من ذلك، وأن يفقههم في الدين، وأن يعينهم على التمسك بشرع الله والاستقامة عليه، وأن يوفق علماءهم لتبصيرهم وتوجيههم إلى الخير على ضوء الكتاب والسنة، إنه سميع مجيب.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(2) صحيح البخاري الجنائز (1341) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528) ، سنن النسائي المساجد (704) .
(3) صحيح مسلم الجنائز (970) ، سنن الترمذي الجنائز (1052) ، سنن النسائي الجنائز (2027) ، سنن أبو داود الجنائز (3225) ، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1563) ، مسند أحمد بن حنبل (3/339) .(10/299)
وأسأل الله لك التوفيق، والإعانة على كل خير، إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(10/300)
تعقيب على وصية شيخ الأزهر بدفنه في المسجد (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سماحة الدكتور: عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وفقه الله ونصر به الحق آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعت على كلمة للشيخ محمد علي عبد الرحيم رئيس جماعة أنصار السنة منشورة في مجلة التوحيد عدد شعبان 1397هـ، قد تضمنت خبرا نشرته جريدة الجمهورية في عددها الصادر في 7 \ 5 \ 1977م نصه كما يأتي: (أقام الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر مسجدا في قريته: (السلام) بمركز بلبيس، وأوصى عند وفاته بأن يدفن في هذا المسجد) انتهى الخبر.
وفي الكلمة المذكورة النصيحة لسماحتكم بعدم الإقدام على هذا العمل المخالف لأهداف الشريعة المطهرة من تخصيص بيوت الله للصلاة والعبادة والذكر والدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، لا الدفن فيها واتخاذها مقابر.
__________
(1) سبق أن نشرت في كتاب سماحته (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء الثامن، ص 333، 334.(10/300)
وقد كدرني هذا الخبر كثيرا، واستغربت حصوله من سماحتكم- إن صح- والذي نرجو أن يكون غير صحيح؛ لما قد عرف عن تسرع كثير من أصحاب الصحف من تشويه الأخبار، ونقلها على غير وجهها الصحيح، يضاف إلى ذلك: أننا نستبعد كثيرا خفاء حكم اتخاذ القبور في المساجد عليكم؛ لما ثبت من الأحاديث الكثيرة الصحيحة الصريحة في تحريم ذلك، والنهي عنه؛ لكون ذلك وسيلة عظيمة من وسائل الشرك، وتعلق الكثير من العامة والجهال بأصحاب تلك الأضرحة، وافتتانهم بهم ودعائهم إياهم من دون الله، وجعلهم شركاء لله في طلب النفع ودفع الضر، وقضاء الحوائج مما لا يجوز طلبه إلا من الله عز وجل - كما لا يخفى- والواقع من العامة والجهلة عند قبر البدوي والحسين وغيرهما من القبور المعظمة شاهد بذلك، كما أنه غير خاف على سماحتكم ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (1) » .
ولا شك أن الدفن فيها داخل في اتخاذ القبور مساجد الذي ورد في الأحاديث المذكورة التحذير منه، ولعن من فعله.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .(10/301)
فالواجب على سماحتكم العدول عن هذه الوصية- إن كانت قد صدرت منكم- وإعلان ذلك في الصحف المحلية، مع بيان أسباب العدول عنها؛ براءة للذمة، ونصحا للأمة، وحرصا على أن لا يظن بسماحتكم إجازة مثل هذا العمل الخطير المخالف للشريعة المحمدية، لا سيما وأنتم قدوة لعامة الناس، فاحذروا أن تسنوا سنة يكون عليكم وزرها، ومثل وزر من اقتدى بكم فيها، أو أجازها إلى يوم القيامة.
أما إن كان الخبر غير صحيح، فالواجب التنبيه على ذلك في الصحف الرائجة، حتى تعلم براءتكم منه.
وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من دعاة الهدى وأنصار الحق، وأن يثبتنا وإياكم على دينه، إنه جواد كريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(10/302)
حكم بناء المساجد قريبا من القبور
وحكم الصلاة في مسجد فيه قبور (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم: م. ص. سلمه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 2191 وتاريخ 10 \ 6 \ 1407 هـ والذي تسأل
__________
(1) إجابة من سماحته على استفتاء مقدم من الأخ م. ص.(10/302)
فيه عن حكم بناء المسجد قريبا من القبور لانتفاع أهل القبور بذلك، وحكم الصلاة في هذا المسجد، وحكم الصلاة في مسجد فيه قبور.
ج: وأفيدك: بأنه لا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا يجوز بناء المساجد قريبا من القبور من أجل أن ينتفع أهل القبور ببناء المسجد بجوارهم. أما إذا كانت القبور خارج المسجد، ويفصل بينها وبينه طريق ونحوه، ولم يبن المسجد من أجل تلك القبور، فلا حرج في الصلاة فيه.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(10/303)
حكم تتبع آثار الأنبياء ليصلي
فيها أو ليبني عليها مساجد (1) .
س: الأماكن التي صلى بها الرسول عليه الصلاة والسلام هل من الأفضل بناء مساجد عليها، أم بقاؤها كما هي، أو عمل حدائق عامة بها؟
ج: لا يجوز للمسلم تتبع آثار الأنبياء؛ ليصلي فيها أو ليبني عليها مساجد؛ لأن ذلك من وسائل الشرك، ولهذا كان عمر رضي الله عنه ينهي الناس عن ذلك، ويقول: إنما هلك من كان قبلكم بتتبعهم
__________
(1) سبق أن نشرت في كتاب سماحته (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء الثامن، ص 323.(10/303)
آثار أنبيائهم وقطع رضي الله عنه الشجرة التي في الحديبية التي بويع النبي صلى الله عليه وسلم تحتها لما رأى بعض الناس يذهبون إليها ويصلون تحتها؛ حسما لوسائل الشرك، وتحذيرا للأمة من البدع، وكان رضي الله عنه حكيما في أعماله وسيرته، حريصا على سد ذرائع الشرك وحسم أسبابه.
فجزاه الله عن أمة محمد خيرا، ولهذا لم يبن الصحابة رضي الله عنهم على آثاره صلى الله عليه وسلم في طريق مكة وتبوك وغيرهما مساجد؛ لعلمهم بأن ذلك يخالف شريعته، ويسبب الوقوع في الشرك الأكبر، ولأنه من البدع التي حذر منها عليه الصلاة والسلام بقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (1) » متفق عليه، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » رواه مسلم في صحيحه، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبة الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (3) » خرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(2) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2954) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .(10/304)
هل الصلاة في مسجد فيه قبر يختلف عن الذي
فيه قبران أو ثلاثة، وما الحكمة من وجود
قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه في المسجد النبوي (1)
س: هناك من يقول: إن الصلاة يختلف حكمها في المسجد الذي فيه قبر عن المسجد الذي فيه قبران عن المسجد الذي فيه ثلاثة أو أكثر. نرجو التوضيح في هذا، وكيف الحكم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » مع العلم بأن بعض الناس الذين يأتون من المدينة المنورة يحتجون بأن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيه قبره عليه الصلاة والسلام وقبر صاحبيه رضي الله عنهما فهو كعامة المساجد تجوز الصلاة فيه، أرجو التوضيح.
ج: الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من يتخذ المساجد على القبور، وحذر من ذلك، كما في الحديث السابق، وقال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (3) » رواه مسلم في الصحيح، وروى الشيخان، عن عائشة رضي الله عنها، «أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله (4) » .
فبين صلى الله عليه وسلم أن الذين يبنون المساجد على القبور هم شرار الخلق عند الله، وحذر من فعلهم.
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (62) .
(2) صحيح البخاري الصلاة (436) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (529) ، سنن النسائي المساجد (703) ، مسند أحمد بن حنبل (6/146) ، سنن الدارمي الصلاة (1403) .
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532) .
(4) صحيح البخاري الجنائز (1341) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (528) ، سنن النسائي المساجد (704) .(10/305)
فدل ذلك على أن المسجد المقام على قبر أو أكثر لا يصلى فيه، ولا فرق بين القبر الواحد أو أكثر، فإن كان المسجد هو الذي بني أخيرا على القبور وجب هدمه، وأن تترك القبور بارزة ليس عليها بناء، كما كانت القبور في عهده صلى الله عليه وسلم، في البقيع وغيره، وهكذا إلى اليوم في المملكة العربية السعودية، فالقبور فيها بارزة ليس عليها بناء ولا قباب ولا مساجد، ولله الحمد والمنة.
أما إن كان المسجد قديما ولكن أحدث فيه قبر أو أكثر فإنه ينبش القبر وينقل صاحبه إلى المقابر العامة التي ليس عليها قباب ولا مساجد ولا بناء، ويبقى المسجد خاليا منها حتى يصلى فيه.
أما احتجاج بعض الجهلة بوجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه في مسجده فلا حجة في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دفن في بيته وليس في المسجد، ودفن معه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن لما وسع الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد أدخل البيت في المسجد؛ بسبب التوسعة، وغلط في هذا، وكان الواجب أن لا يدخله في المسجد؛ حتى لا يحتج الجهلة وأشباههم بذلك، وقد أنكر عليه أهل العلم ذلك، فلا يجوز أن يقتدى به في هذا، ولا يظن ظان أن هذا من جنس البناء على القبور أو اتخاذها مساجد؛ لأن هذا بيت مستقل أدخل في المسجد؛ للحاجة للتوسعة، وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عن المسجد لا تضره، وهكذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم مفصول بجدار وقضبان.
وينبغي للمسلم أن يبين لإخوانه هذا؛ حتى لا يغلطوا في هذه المسألة. والله ولي التوفيق.(10/306)
تهاون بعض المرضى بالصلاة (1) .
س: كثير من المرضى يتهاون بالصلاة ويقول: إذا شفيت قضيت الصلاة، وبعضهم يقول: كيف أصلي وأنا لا استطيع الطهارة ولا التنزه من النجاسة، فبم توجهون هؤلاء؟
ج: المرض لا يمنع من أداء الصلاة بحجة العجز عن الطهارة ما دام العقل موجودا، بل يجب على المريض أن يصلي حسب طاقته، وأن يتطهر بالماء إذا قدر على ذلك، فإن لم يستطع استعمال الماء تيمم وصلى، وعليه أن يغسل النجاسة من بدنه وثيابه وقت الصلاة، أو يبدل الثياب النجسة بثياب طاهرة وقت الصلاة، فإن عجز عن غسل النجاسة وعن إبدال الثياب النجسة بثياب طاهرة سقط عنه ذلك، وصلى حسب حاله؛ لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (3) » متفق على صحته.
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنهما لما شكى إليه المرض، قال: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب (4) » رواه البخاري في صحيحه، ورواه النسائي بإسناد صحيح، وزاد: «فإن لم تستطع فمستلقيا» .
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الحج (1337) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .
(4) صحيح البخاري الجمعة (1117) ، سنن أبو داود الصلاة (952) .(10/307)
حكم كراهية وعدم السلام على الذين لا يصلون
س: الذين لا يصلون أكرههم ولا أحب أن أسلم عليهم، فهل يجوز لي ذلك أم لا؟
ج: تارك الصلاة إن كان جاحدا لوجوبها فهو كافر عند جميع أهل العلم، وإن كان تركها متكاسلا فهو كافر أيضا في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » .
إذا عرفت هذا فهو مرتكب لكبيرة من الكبائر، وبعض العلماء يرى كفره إذا تركها، ولو كان غير جاحد لوجوبها، فهجران تارك الصلاة واجب على كل مسلم، كما يجب الإنكار عليه، وتحذيره من عاقبة فعله، ويجب على ولاة الأمر استتابته، فإن تاب وإلا قتل.
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/308)
الواجب أمر جميع من في البيت بالصلاة (1) .
س: لي إخوان ثلاثة وأنا أكبرهم، وعندهم زوجات وأقعدهن على صلاة الصبح بالقوة، فهل أتركهن وتكون
__________
(1) هذا الجواب صدر من سماحته في 23 \ 6 \ 1390 هـ.(10/308)
ذنوبهن على رجالهن، أم أقعدهن؟ مع العلم أنهن يصلين، لكن صلاة الصبح عليهن صعبة.
ج: ما دمتم في بيت واحد وأنت أكبر من في البيت، فإن الواجب عليك أمر جميع من في البيت بالصلاة، والتشديد عليهم في ذلك، سواء كانوا رجالا، أو نساء، أو أولادا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته (1) » لكن ينبغي لك أن تنادي هؤلاء النسوة وأنت خارج الحجرة التي يبتن فيها إذا أردت إيقاظهن؛ حتى لا ترى عورتهن، كما ينبغي أن تنصحهن أنت وأزواجهن جميعا حال اليقظة والاجتماع. لعل ذلك ينفعهن ويشجعهن على القيام لصلاة الفجر في وقتها عند التنبيه.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (893) ، صحيح مسلم الإمارة (1829) ، سنن الترمذي الجهاد (1705) ، سنن أبو داود الخراج والإمارة والفيء (2928) ، مسند أحمد بن حنبل (2/121) .(10/309)
كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة (1) .
س: كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة، كصلاة الفجر مثلا؟ وهل إذا كانت الصلاة جهرية يجب عليه أن يجهر فيها؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
ج: الواجب على من كانت عليه صلوات مفروضة أن يبادر بقضائها كما لو أداها، إن كانت جهرية قضاها جهرا؛ كالفجر، والعشاء، والمغرب، وإن كانت سرية قضاها سرا؛ كالظهر، والعصر،
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (11)(10/309)
يقضيها كما يؤديها في وقتها، هذا إذا كان تركها عن نسيان، أو عن نوم، أو عن شبهة مرض يزعم أنه لا يستطيع فعلها وهو في المرض فأخرها جهلا منه، فهذا يقضيها كما كانت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك (1) » متفق على صحته.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم «أنه نام عن صلاة الفجر في بعض أسفاره هو وأصحابه، فما أيقظهم إلا حر الشمس، فلما استيقظوا أمر صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن فصلاها (2) » ، كما كان يصليها في وقتها.
أما إذا كان تركها تعمدا، ثم هداه الله وتاب فليس عليه قضاء؛ لأن تركها كفر أكبر إذا كان تعمدا، فإذا تاب إلى الله من ذلك فليس عليه قضاء؛ لأن التوبة تمحو ما قبلها، إذا تاب العبد توبة صادقة من تركه للصلاة محا الله عنه بذلك ما ترك، وليس عليه قضاء في أصح قولي العلماء.
إنما القضاء في حق من تركها نسيانا، أو جهلا منه بوجوب أدائها بسبب مرض أصابه فأراد أن يؤخرها حتى يصليها وهو صحيح، أو بسبب نوم، هذا هو الذي يقضي، أما الذي يتركها تعمدا- نعوذ بالله من ذلك- فهذا يكفر بذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وقال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (4) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وفي الباب
__________
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (597) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (684) ، سنن الترمذي الصلاة (178) ، سنن النسائي المواقيت (614) ، سنن أبو داود الصلاة (442) ، سنن ابن ماجه الصلاة (695) ، مسند أحمد بن حنبل (3/269) .
(2) سنن النسائي المواقيت (624) ، مسند أحمد بن حنبل (4/81) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(4) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/310)
أحاديث أخرى تدل على ذلك.
والخلاصة: أنه إذا تركها عمدا تهاونا بها أو جحدا لوجوبها كفر، فإن كان جاحدا لوجوبها كفر إجماعا، فقد أجمع العلماء على أن من جحد وجوب الصلاة كفر كفرا أكبر، نسأل الله العافية، أما إن تركها تهاونا وتكاسلا فهذا قد شابه المنافقين، وذلك كفر أكبر في أصح قولي العلماء.
فعليه التوبة إلى الله - التوبة الصادقة النصوح - المتضمنة: الندم على ما مضى، والإقلاع من ذلك، والعزم ألا يعود لمثل ذلك؛ تعظيما لله سبحانه، ورغبة في ثوابه، وحذرا من عقابه، ولا قضاء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرتد عن الإسلام ثم تاب أن يقضي ما ترك من الصلاة، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم في عهد الصديق ومن بعده لم يأمروا المرتدين بقضاء الصلوات التي تركوها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (2) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (121) .
(2) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .(10/311)
هل يقضي الصلاة من تركها عمدا إذا تاب (1)
س: هل يقضي الصلاة من تركها عمدا إذا وفقه الله للتوبة سواء كان ما تركه وقتا واحدا أو أكثر؟
ج: لا يلزمه القضاء إذا تركها عمدا في أصح قولي العلماء؛ لأن تركها عمدا يخرجه من دائرة الإسلام ويجعله في حيز الكفار.
والكافر لا يقضي ما ترك في حال الكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2) » رواه مسلم في الصحيح، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة ابن الحصيب رضي الله عنه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الكفار الذين أسلموا أن يقضوا ما تركوا، وهكذا أصحابه رضي الله عنهم لم يأمروا المرتدين لما رجعوا للإسلام أن يقضوا. فإن قضى من تركها عمدا ولم يجحد وجوبها فلا حرج؛ احتياطا وخروجا من خلاف من قال بعدم كفره إذا لم يجحد وجوبها، وهم أكثر العلماء. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/312)
هل يلزم التائب قضاء الصلوات الفائتة (1)
صاحب السماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء حفظه الله وأعانه لكل خير،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فقد تقدم إلي بعض الحضور في درس من الدروس الأسبوعية بسؤال، وأوصاني برفعه إلى سماحتكم للإجابة عليه مفصلا وهو يقول: كنت لا أصلي منذ الصغر، صليت بعض الأوقات بالمناسبة وتركت أكثرها، وكان تركي للصلاة جهلا وإهمالا، وبعد الزواج بفترة بدأت أصلي، وما زلت ولله الحمد، وكان أمر زوجتي مثل ما كنت عليه، فهي الآن تصلي وتقوم بقضاء ما تيسر من الصلوات الفائتة يوميا، إلا أني لا أقوم بقضاء ما علي من صلوات منذ سن التكليف، فاختلفنا في هذا الأمر، فهل يلزمنا القضاء لما فات من صلوات أم التوبة كافية؟ أفيدونا حفظكم الله وجزاكم خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابنكم المحب: م. ر. أ. ح
__________
(1) إجابة سماحته على رسالة شخصية من. م. ر. أ. ح. في 18\3\1417 هـ.(10/313)
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قد دل الكتاب والسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن الإسلام يهدم ما كان ما قبله، وأن التوبة تهدم ما كان قبلها، قال الله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (1) أجمع العلماء رحمهم الله على أن هذه الآية الكريمة نزلت في التائبين، وأنها دالة على أن الله سبحانه يغفر الذنوب جميعها للتائبين، وأنه ليس عليهم قضاء صلاة ولا صوم ولا غيرهما، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها (2) » أخرجه مسلم في صحيحه، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (3) » . وقد أسلم الناس يوم الفتح فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء شيء مما تركوا من فرائض الإسلام، وهكذا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لما ارتد كثير من العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم من بني حنيفة وغيرهم، ثم أسلم كثير منهم وتاب إلى الله سبحانه، فلم يأمرهم الصحابة رضي الله عنهم بقضاء ما تركوا من الصلاة والصيام، وهذا محل إجماع بين أهل العلم. والله ولي التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) سورة الزمر الآية 53
(2) صحيح مسلم الإيمان (121) .
(3) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .(10/314)
قضاء الصلوات الفائتة
س: ما حكم الصلوات الفائتة علي، هل علي قضاؤها؟ أم ماذا أفعل؛ لأنني سمعت حديثا عن أنس رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فاتته صلاة ولم يصلها فله أن يقيم في آخر الجمعة من رمضان ويصلي أربع ركعات ويستغفر الله بعدها» فهل هذا صحيح؟ أفيدوني أفادكم الله.
ج: ليس هذا الحديث بصحيح، ولا أصل له، ولكن عليك القضاء، فإذا ترك الإنسان صلوات نسيانا، أو لأسباب نوم أو مرض فإنه يقضيها، أما إن كان تركه لها عمدا بلا شبهة فإنه لا يقضي؛ لأن تركها عمدا كفر أكبر، وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء. أما إن ترك الصلاة عامدا جاحدا لوجوبها فهو يكفر عند جميع أهل العلم، لكن إذا كان يقر بوجوبها، ويعلم أنها فرض عليه، ولكنه تركها تهاونا وتكاسلا فهذا في حكمه نزاع بين أهل العلم. والصواب الراجح في هذه المسألة: كفره كفرا أكبر، ولا قضاء عليه، وعليه التوبة مما سلف، والاستقامة على فعلها مستقبلا. أما من تركها لمرض أو تركها عن نسيان، أو عن نوم فهذا يقضي. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك (1) » وقال تعالى:
__________
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (597) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (684) ، سنن الترمذي الصلاة (178) ، سنن النسائي المواقيت (614) ، سنن أبو داود الصلاة (442) ، سنن ابن ماجه الصلاة (695) ، مسند أحمد بن حنبل (3/269) .(10/315)
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1) ولقوله صلى الله عليه وسلم: «التوبة تهدم ما كان قبلها والإسلام يهدم ما كان قبله» وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (3) » وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (4) » أخرجه مسلم في صحيحه رحمه الله. فهذه النصوص وما جاء في معناها كلها دالة على كفر من ترك الصلاة عمدا تهاونا وتكاسلا، لا عن علة من نوم أو مرض يسوغ له معه التأخير، أو عن نسيان، فالناسي والنائم والمريض الذي يسوغ له التأخير يقضي، وأما المتعمد المتساهل فهذا لا يقضي، وعليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، كما تقدم.
__________
(1) سورة الأنفال الآية 38
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) سنن الترمذي الإيمان (2616) ، سنن ابن ماجه الفتن (3973) .
(4) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/316)
قضاء التائب عن ترك بعض الصلوات (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرم أعاذه الله من وساوس الشيطان ووفقه لما فيه صلاح أمر دينه ودنياه. بعده:.
وصلني كتابك المتضمن: بيان أشياء وقعت منك وأشكل
__________
(1) أجاب سماحته على هذا السؤال عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(10/316)
عليك أمرها. وخفت من عاقبتها، وقد سبق أن أجبناك في 13 \ 7 \ 1390 هـ بطلب حضورك فلم يتيسر ذلك، ونحن الآن نجيبك إن شاء الله على ما في خطابك:.
أولا: ذكرت أنك تصلي في بعض الأوقات وتدع الصلاة في أوقات أخرى، ويحصل منك العزم على التوبة في بعض الأوقات، ثم ترجع عن ذلك، وربما أفضى بك ذلك التساهل إلى ترك بقية الأركان، وقد عزمت على التوبة الصادقة والإقلاع التام فهل تقبل توبتك، أم تكون من الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} (1) الآية؟ وهل يشترط في التوبة النطق بالشهادتين بمسمع عالم؟ وهل لا بد من الغسل وصلاة ركعتين. إلى آخره؟
ج: قد بين الله في كتابه العظيم: أنه سبحانه يقبل التوبة من عباده مهما تنوعت ذنوبهم وكثرت، كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (2) أجمع العلماء أن هذه الآية في التائبين، وقد أخبر فيها سبحانه: أنه يغفر الذنوب جميعا لهم، إذا صدقوا في التوبة إليه؛ بالندم،
__________
(1) سورة النساء الآية 137
(2) سورة الزمر الآية 53(10/317)
والإقلاع من الذنوب، والعزم أن لا يعودوا فيها، فهذه هي التوبة، ونهاهم سبحانه عن القنوط من رحمته، وهو: اليأس، مهما عظمت الذنوب وكثرت، فرحمة الله أوسع، وعفوه أعظم، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (1) وقال في حق النصارى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها (3) » والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب عليك الإقلاع من جميع الذنوب، والحذر منها، والعزم على عدم العود فيها، مع الندم على ما سلف منها؛ إخلاصا لله، وتعظيما له، وحذرا من عقابه، مع إحسان الظن به سبحانه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني (4) » وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله (5) » أخرجه مسلم في صحيحه.
فاتق الله: يا عبد الله، وأحسن ظنك بربك، وتب إليه توبة صادقة؛ إرضاء له سبحانه، وإرغاما للشيطان، وأبشر بأنه سبحانه سيتوب عليك، ويكفر سيئاتك الماضية إذا صدقت في التوبة، وهو سبحانه الصادق في وعده، الرحيم بعباده.
__________
(1) سورة الشورى الآية 25
(2) سورة المائدة الآية 74
(3) صحيح مسلم الإيمان (121) .
(4) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2675) .
(5) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2877) ، سنن أبو داود الجنائز (3113) ، سنن ابن ماجه الزهد (4167) ، مسند أحمد بن حنبل (3/334) .(10/318)
أما الشهادة على مسمع عالم فليس ذلك بشرط، وإنما التوبة تكون بالإقرار بما جحدته، وبعمل ما تركت، فإذا كان الكفر بترك الصلاة فإن التوبة تكون بفعل الصلاة مستقبلا، والندم على ما سلف، والعزيمة على عدم العود، وليس عليك قضاء ما تركته من الصلوات؛ لأن التوبة تهدم ما كان قبلها.
أما إن كنت تركت الشهادتين، أو شككت فيهما فإن التوبة من ذلك تكون بالإتيان بهما ولو وحدك، فتقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله) ، عن إيمان وصدق بأن الله معبودك الحق لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله إلى جميع الثقلين، من أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.
أما الغسل فهو مشروع، وقد أوجبه بعض العلماء على من أسلم بعد كفره الأصلي، أو الردة، فينبغي لك أن تغتسل، وذلك بصب الماء على جميع بدنك بنية الدخول في الإسلام، والتوبة مما سلف من الكفر، أما صلاة ركعتين بعد الغسل فلا تجب، ولكن يستحب لكل مسلم إذا تطهر الطهارة الشرعية أن يصلي ركعتين؛ لأحاديث وردت في ذلك.
وأما قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} (1) فليس معناها: أن من زاد كفره أو تكرر لا يتوب الله عليه، وإنما معناها عند أهل العلم: استمراره
__________
(1) سورة النساء الآية 137(10/319)
على الكفر حتى يموت، كما قال الله سبحانه في الآية الأخرى في سورة البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (1) {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} (2) وقال تعالى في سورة آل عمران: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} (3) وقال أيضا في سورة البقرة: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (4) فقد أوضح الله سبحانه في هذه الآيات الثلاث أن حصول العذاب واللعنة وعدم القبول وحبوط الأعمال كل ذلك مقيد بالموت على الكفر.
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الكافر مهما تنوع كفره ومهما تكررت ردته فإنه مقبول التوبة عند الله إذا تاب توبة نصوحا، وهي المشتملة على: الإقلاع عن الكفر، والعزيمة على عدم العودة فيه، والندم على ما مضى منه. وإنما اختلفوا في حكم من تكررت ردته في حكم الشرع في الدنيا، هل يقبل منه ويسلم من القتل، أم لا تقبل منه ويقتل؟
__________
(1) سورة البقرة الآية 161
(2) سورة البقرة الآية 162
(3) سورة آل عمران الآية 91
(4) سورة البقرة الآية 217(10/320)
هذا محل الخلاف، أما فيما بينه وبين الله سبحانه فليس في قبولها خلاف إذا كانت توبة نصوحا كما تقدم. وأرجو أن يكون فيما ذكرناه لك مقنع وكفاية.
والواجب عليك البدار بالتوبة الصادقة، والضراعة إلى الله سبحانه، والإلحاح في الدعاء أن يتقبل منك، وأن يثبتك على الحق، ويعيذك من نزغات الشيطان ووساوسه، فإنه العدو المبين الذي يريد إهلاك غيرك، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (1) فبادر إلى إرغامه بالتوبة الصادقة، وأبشر بالخير والعاقبة الحميدة، والسلامة من النار، مع قبول االتوبة إذا صدقت في ذلك، وأوصيك بالإكثار من ذكر الله وتسبيحه وتحميده وكثرة الاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أفضل ذلك أن تكثر من كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) .
ومن الكلمات الآتية: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) .
__________
(1) سورة فاطر الآية 6(10/321)
كما نوصيك أيضا بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم والتدبر لآياته، فإن فيه الهداية لكل خير والتحذير من كل شر، ونوصيك أيضا بمطالعة ما تيسر من كتب الحديث المعروفة، مثل: (رياض الصالحين) و (بلوغ المرام) ، فإن فيها ما ينفعك ويعينك على الخير إن شاء الله، أما صوم النافلة؛ كالإثنين، والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فهو قربة وطاعة وفيه أجر عظيم، وتكفير للسيئات، ولكن إذا كانت أمك لا ترضى بذلك فلا تكدرها، فإن الوالدة حقها عظيم، وبرها من أهم الواجبات، ولعلها تخاف عليك من الكسل إذا صمت، وعدم القيام بالواجب في طلب الرزق والقيام بحاجات البيت، ومعلوم أن طلب الرزق الحلال لإعاشة العيال وأهل البيت من أفضل القربات، بل من أهم الواجبات، وهو أفضل من التفرغ لصوم التطوع، وصلاة التطوع.
وبكل حال فالذي أنصحك به هو: أن تسمع قولها، وتطيعها في مثل هذا، وإذا رأيت مجالا في المستقبل لطلبها الإذن فاستأذنها في الصوم إذا كان الصوم لا يعطلك ولا يضعفك عن المهمات المذكورة آنفا.
والله المسئول أن يمنحك الفقه في الدين، ويهديك صراطه المستقيم، ويمن علينا وعليك بالتوبة النصوح، ويعيذنا وإياك وسائر المسلمين من نزغات الشيطان، وشر النفس وسيئات العمل، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وصحبه. نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(10/322)
كيف يقضي الصلاة من تركها لعدة سنوات (1) .
س: الأخ: م. ب - من دمشق في سوريا يقول في سؤاله: هل تكفي سنة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء عن قضاء الصلوات، حيث إنني لم أكن أصلي لعدة سنوات، أم أن على الإنسان أن يقضي هذه الصلوات المفروضة التي ألهاه الشيطان عنها؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
ج: من ترك الصلاة المفروضة عمدا وتكاسلا وتهاونا فقد أتى جريمة عظيمة أعظم من الزنا والسرقة وغيرهما من كبائر الذنوب، وهو بذلك يكفر كفرا أكبر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولأحاديث أخرى في هذا المعنى.
فإن ترك الصلاة جحدا لوجوبها كفر بإجماع المسلمين كفرا أكبر، والواجب على من تركها جحدا لوجوبها أو كسلا وتهاونا المبادرة إلى التوبة إلى الله سبحانه من ذلك، وذلك بالندم على ما مضى، والعزيمة
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (163) لشهر شعبان في عام 1411هـ.
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/323)
الصادقة على ألا يعود لتركها، مع المحافظة عليها؛ خوفا من الله، وتعظيما له، وأداء لحقه، ومن تاب توبة نصوحا تاب الله عليه؛ لقوله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (2) وقوله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (4) » وليس عليه قضاء لما ترك من الصلوات؛ لأن التوبة النصوح كافية في ذلك.
نسأل الله أن يحفط على المسلمين دينهم، وأن يهدي ضالهم إلى الحق، إنه سميع مجيب.
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) سورة التحريم الآية 8
(3) سورة طه الآية 82
(4) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .(10/324)
هل يلزم القضاء أو التوبة فقط على من لم
يصل حتى بلغ سن الرابعة والعشرين من عمره (1)
سؤال من: ط. ب- الجزائر يقول: عمري الآن 29 سنة وقد بدأت أصلي منذ سن الرابعة والعشرين، وما زلت ولله الحمد، وأشكره على أن هداني، ولقد بادرت بقضاء ما علي من صلوات منذ أن كان عمري خمسة عشر عاما حسب طاقتي
__________
(1) سبق أن نشرت في كتاب سماحته (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء الخامس، ص428(10/324)
ولكن اختلف رأي الناس: فمنهم من يقول: لا يلزمك القضاء والتوبة كافية، ومنهم من يقول: يلزمك القضاء، أرجو بيان الصواب.
ج: الصواب: أنه لا يلزمك القضاء، والتوبة النصوح كافية في ذلك، وهي المشتملة على: الندم على ما وقع منك، والاستقامة على الصلاة، والعزم الصادق ألا تعود إلى تركها؛ لقول الله عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1) الآية، وقوله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (2) وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} (3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها (4) » وقوله عليه الصلاة والسلام: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (5) » . والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ونسأل الله عز وجل أن يمنحك الفقه في الدين والثبات على الحق، ونوصيك بصحبة الأخيار، والحذر من صحبة الأشرار. تقبل الله توبتك، وأحسن لنا ولك الختام.
__________
(1) سورة الأنفال الآية 38
(2) سورة النور الآية 31
(3) سورة التحريم الآية 8
(4) صحيح مسلم الإيمان (121) .
(5) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .(10/325)
تركت الصلاة جهلا ولم تقض الصلاة الفائتة (1) .
س: هذه رسالة وردتنا من المستمعة: أ. أ. م- من السودان - أم درمان تقول في رسالتها: كنت لا أصلي منذ صغري حتى بلغت السادسة عشرة من عمري، وكان تركي للصلاة جهلا ولم أقض الصلاة الفائتة، ولكني الآن أصلي النفل والسنن المؤكدة والغير مؤكدة ولا أدري هل عملي هذا صحيح أم لا؟
ج: الحمد لله الذي من عليك بالتوبة، وأبشري بالخير، والتوبة تمحو ما قبلها والحمد لله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التوبة تهدم ما كان قبلها» ويقول صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (2) » . فالتوبة التي حصلت منك يمحو الله بها ما حصل من التقصير فيما مضى في ترك الصلاة.
أما الإكثار من صلاة النافلة ففيه خير كثير يجبر الله به نقص صلاة الفرض مع الأجور العظيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن إستعاذني لأعيذنه (3) » وهذا حديث عظيم، رواه البخاري في الصحيح.
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (110)
(2) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .
(3) صحيح البخاري الرقاق (6502) .(10/326)
وهو يدل على أن التقرب بالنوافل من أسباب كمال محبة الله للعبد، ويدل على أن معاداة أولياء الله من أسباب حرب الله للعبد وغضبه عليه؛ لقول الله عز وجل: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب (1) » يعني: أعلنته بالحرب.
وأولياء الله: هم أهل الإيمان وأهل التقوى من الرجال والنساء، وهم الذين يؤدون فرائض الله، ويبتعدون عن محارم الله، ويقفون عند حدود الله، هذا هو المؤمن، وهذا هو التقي، وهذا هو الولي، ليس الولي صاحب الخرافات من الصوفية وأشباههم من أصحاب البدع، وإنما أولياء الله هم أهل الإيمان، وهم أهل التقوى وإن كانوا زراعيين، وإن كانوا عمالا، وإن كانوا أطباء، وإن كانوا مهندسين، وإن كانوا فراشين في الدوائر، كلهم أولياء الله إذا كانوا من أهل الإيمان والتقوى، كما قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3)
بين سبحانه في هذه الآية: أن أولياءه: هم أهل التقوى والإيمان، وهم أهل التوحيد، وهم العابدون لله وحده، الذين أدوا فرائضه من الصلاة وغيرها، وتركوا المعاصي، فهم أولياء الله وإن لم تحصل لهم كرامات، فأكثر الصحابة لم يحصل لهم كرامات، وهم أفضل عباد الله، وهم أفضل الأولياء بعد الأنبياء، فولي الله هو المؤمن والمؤمنة، وقال تعالى: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (4)
__________
(1) صحيح البخاري الرقاق (6502) .
(2) سورة يونس الآية 62
(3) سورة يونس الآية 63
(4) سورة الأنفال الآية 34(10/327)
ويدل الحديث المذكور على أن أحب شيء إلى الله التقرب إليه بالفرائض من الصلوات والزكوات والصيام والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يستحب لك أيها المسلم أن تتقرب إليه بالنوافل كسنة الظهر، وسنة المغرب، وسنة العشاء، وسنة الفجر، وصلاتك قبل العصر، وسنة الضحى، والتهجد في الليل، هذه نوافل يشرع للمؤمن أن يتقرب بها إلى الله، ويستكثر منها، ويحافظ عليها؛ حتى تكون محبة الله له أكمل، وحتى يوفق في سمعه وبصره ويده ورجله؛ وحتى يوفقه الله فلا يسمع إلا ما أباح الله له، ولا ينظر إلا إلى ما أباح الله له، ولا يمشي إلا إلى ما أباح الله له، ولا يبطش إلا بما أباح الله له؛ ولهذا قال الله سبحانه في هذا الحديث: «حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها (1) » . والمعنى: أنه يوفق في هذه الأمور، وليس المعنى: أن الله هو سمعه، وأن الله هو بصره، وأن الله هو يده ورجله، فإنه سبحانه فوق العرش، وهو العالي على جميع خلقه، ولكن مراده سبحانه: أنه يوفقه في سمعه، وبصره، ومشيه، وبطشه؛ ولهذا جاء في الرواية الأخرى يقول سبحانه: «فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي» يعني: أن يوفقه في أعماله، وأقواله، وسمعه، وبصره، هذا معناه عند أهل السنة والجماعة، ومع ذلك يجيب الله دعوته، فإن سأله أعطاه، وإن استعانه أعانه، وإن استعاذه أعاذه. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الرقاق (6502) .(10/328)
لم يصل إلا بعدما بلغ الرابعة والعشرين
من عمره هل عليه قضاء (1) .
س: السائل: ع. أ. م. ع - قنا - جمهورية مصر العربية يقول: لم أصل إلا بعد ما بلغت الرابعة والعشرين من عمري، وصرت الآن أصلي مع كل فرض فرضا آخر، فهل يجوز لي ذلك؟ وهل أداوم على هذا، أم إن علي حقوقا أخرى؟ أفيدوني أفادكم الله.
ج: الذي يترك الصلاة عمدا ليس عليه قضاء على الصحيح، وإنما عليه التوبة إلى الله عز وجل؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، وتركها أعظم الجرائم، بل تركها عمدا كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة رضي الله عنه؛ ولقوله عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ذلك.
فالواجب عليك يا أخي التوبة إلى الله - التوبة الصادقة- وذلك؛ بالندم على ما مضى منك، والإقلاع من ترك الصلاة، والعزم الصادق على أن لا تعود إلى ذلك، وليس عليك أن تقضي - لا مع كل صلاة
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (105)
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/329)
ولا في غير ذلك- بل عليك التوبة فقط، والحمد لله، من تاب تاب الله عليه، يقول الله سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له (2) » .
فعليك أن تصدق في التوبة، وأن تحاسب نفسك، وأن تجتهد بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها في الجماعة، وأن تستغفر الله عما جرى منك، وتكثر من العمل الصالح، وأبشر بالخير، يقول الله سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (3) ولما ذكر الشرك والقتل والزنا في سورة الفرقان قال جل وعلا بعد ذلك: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (4) {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (5) {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (6)
نسأل الله لنا ولك التوفيق، وصحة التوبة، والاستقامة على الخير. .
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) سنن ابن ماجه الزهد (4250) .
(3) سورة طه الآية 82
(4) سورة الفرقان الآية 68
(5) سورة الفرقان الآية 69
(6) سورة الفرقان الآية 70(10/330)
حكم من يصلي أوقاتا ويترك أخرى (1) .
س: شخص يصلي وينقطع مرارا عنها وهذا حاله، ما هي نصيحتكم؟
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (18)(10/330)
ج: الواجب على كل مسلم ومسلمة تقوى الله في كل شيء، والصلاة عمود الإسلام، وهي أعظم أركان الإسلام، وأعظم الفرائض بعد الشهادتين.
فالواجب على كل مسلم، وعلى كل مسلمة العناية بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها، كما قال الله عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2) وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3)
فالصلاة أهم عمل بعد الشهادتين، من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ومن يفعلها تارة ويتركها تارة فهو كافر في أصح قولي العلماء، ولو لم يجحد وجوبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (4) » رواه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (5) » أخرجه مسلم في صحيحه، ولأحاديث أخرى جاءت في الباب.
فالواجب على المسلمين ذكورا وإناثا الحذر من التهاون والتساهل بها، والواجب المحافظة عليها في الوقت، والعناية بها، والطمأنينة والخشوع، حتى تؤدى كما أمر الله.
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة البقرة الآية 43
(3) سورة النور الآية 56
(4) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(5) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(10/331)
وعلى الرجل أن يحافظ عليها مع الجماعة في مساجد الله مع إخوانه المسلمين، وأن يحذر التشبه بالمنافقين الذين لا يؤدونها إلا رياء، ولا يؤدونها في الجماعة إلا رياء، وإذا غابوا عن الناس تساهلوا وتركوها؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (2) فليسوا مع المسلمين حقا وليسوا مع الكفار حقا، بل هكذا وهكذا مترددون لشكهم وريبهم، وكفرهم وضلالهم، يقول سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (3) لكفرهم ونفاقهم، وشكهم، وريبهم، وإبطانهم الكفر، فالواجب الحذر من صفاتهم ومن أخلاقهم الذميمة.
__________
(1) سورة النساء الآية 142
(2) سورة النساء الآية 143
(3) سورة النساء الآية 145(10/332)
فضل الصلاة في داخل الكعبة عن خارجها (1) .
س: هل الصلاة في داخل الكعبة لها مزية عن خارجها؟ هل يجوز أن يتحدث الإنسان عما رآه في داخل الكعبة؟
ج: الصلاة داخل الكعبة مستحبة، إذا تيسرت من دون كلفة ولا مشقة ولا إيذاء أحد، فقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيها، كما ثبت
__________
(1) نشرت في جريدة البلاد في العدد (11050) ليوم السبت 10 \ 5 \ 1415هـ.(10/332)
هذا في الصحيحين، ويروى عنه عليه السلام أنه خرج كئيبا وقال: «إنني أخشى أن أكون قد شققت على أمتي ولما سألته عائشة عن الصلاة في الكعبة قال صلي في الحجر فإنه من البيت (1) » .
وهذا يدل على أن الصلاة في البيت مستحبة وقربة وطاعة وفيها فضل، ولكن لا ينبغي المزاحمة فيها، ولا الإيذاء، ولا تعاطي ما يشق عليه وعلى الناس، ويكفيه أن يصلي في الحجر فإنه من البيت، ولا بأس أن يتحدث عما رآه في الكعبة من جهة ما فيها من نقوش أو في سقفها أو غير ذلك، ولا بأس أن يتحدث فيقول: رأيت كذا أو رأيت كذا، لا حرج في ذلك.
والسنة إذا دخلها: أن يصلي فيها ركعتين، ويكبر في نواحيها، ويدعو الله عز وجل بما تيسر من الدعاء ولا سيما جوامع الدعاء، فقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم وصلى فيها وكبر في نواحيها ودعا، كل ذلك ثابت عنه عليه الصلاة والسلام.
__________
(1) سنن الترمذي الحج (873) ، سنن أبو داود المناسك (2029) ، سنن ابن ماجه المناسك (3064) .(10/333)
باب الأذان والإقامة
كيفية الأذان الصحيح
س: كيف يكون الأذان الصحيح؟ وما هو رأيكم في الزيادة التي تقال بعد لا إله إلا الله؟
ج: الأذان الصحيح: هو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وكان يؤذن به بلال بين يديه حتى توفي عليه الصلاة والسلام، وكان يؤذن به المؤذنون في حياته في مكة وفي المدينة، وهو الأذان المعروف الآن، وهو خمس عشرة جملة: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله) .
هذا هو الأذان الذي كان يؤذن به بلال بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله، وفي الفجر يزيد: (الصلاة خير من النوم) مرتين بعد الحيعلة، وقبل التكبير الأخير.(10/334)
أما ما يزيده بعض الناس: (حي على خير العمل) أو (أشهد أن عليا ولي الله) ، كما يفعله بعض الشيعة فهذا منكر وبدعة لا يجوز، وكذلك ما يزيده بعض الناس من الصلاة على النبي مع الأذان عندما يقول: (لا إله إلا الله) ، يزيد: (الصلاة على النبي) رافعا بها صوته مع الأذان أو في المكبر، فهذا لا يجوز وبدعة أيضا، ولكن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه، لا في الأذان.
فإذا فرغ من الأذان، فالمشروع للمسلم: أن يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد) ، هذا مشروع لكل مسلم وكل مسلمة بعد الأذان.
والمؤذن كذلك إذا قال: (لا إله إلا الله) شرع له بعد ذلك الصلاة على النبي مثل غيره، ثم يقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) ، لكن لا يجوز أن يرفع ذلك مع الأذان؛ لأن الأذان ينتهي بقول: (لا إله إلا الله) .
ولا مانع أن يسمع المجيب من حوله؛ ليقتدي به؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي(10/335)
الوسيلة حلت له الشفاعة (1) » هكذا قال عليه الصلاة والسلام، رواه مسلم في الصحيح، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو سنة في حق الجميع: المؤذن والمستمع من الرجال والنساء، في الحاضرة والبادية، وفي كل مكان، بعد الفراغ من الأذان يقولون: (اللهم صل على محمد) ، أو (اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه) ، بصوت غير صوت الأذان، بصوت منخفض ليس مع الأذان.
ثم بعد ذلك يقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته) . لما رواه البخاري في الصحيح، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة (2) » هكذا جاء الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، زاد البيهقي في آخره: «إنك لا تخلف الميعاد» بسند حسن، هذا هو المشروع.
أما الزيادة في الأذان بقول المؤذن: (حي على خير العمل) ، أو (أشهد أن عليا ولي الله) ، أو غير ذلك- فبدعة لا أساس لها كما تقدم، ولا يجوز قولها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » خرجه مسلم في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها.
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .
(2) صحيح البخاري الأذان (614) ، سنن الترمذي الصلاة (211) ، سنن النسائي الأذان (680) ، سنن أبو داود الصلاة (529) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722) ، مسند أحمد بن حنبل (3/354) .
(3) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(10/336)
وفي صحيح مسلم أيضا، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان يقول في خطبة الجمعة: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (1) » . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .(10/337)
المشروع في ألفاظ الأذان والإقامة (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم: م. أ. م. ع
سلمه الله
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 1765، وتاريخ 25 \ 4 \ 1408 هـ الذي تسأل فيه عن جملة من الأسئلة.
وأفيدك: أن الأمر في الأذان والإقامة واسع على ضوء ما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأفضل: هو تثنية ألفاظ التكبير في أول الإقامة وآخرها، وفي (قد قامت الصلاة) وإفراد ألفاظ ما سوى ذلك؛ لأن ذلك هو الذي كان يفعله بلال رضي الله عنه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفى الله نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام. وفق الله الجميع لما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 1309 \ 2 في 16 \ 5 \ 1408هـ.(10/337)
حكم الأذان والإقامة بغير طهارة (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم: خ. ع. ع. ج سلمه الله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 5917 وتاريخ 25 \ 8 \ 1409 هـ الذي تسأل فيه عن عدد من الأسئلة.
وأفيدك: بأنه يصح الأذان والإقامة بدون طهارة، والأفضل: أن يكون المؤذن والمقيم على طهارة، وهكذا الصلاة صحيحة، ولو كان المؤذن أو المقيم على غير طهارة، وهكذا كان المؤذن أو المقيم صلى على غير طهارة لزمه الإعادة كغيره من الناس. وفق الله الجميع لما فيه رضاه، إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 4338 \ 2 وتاريخ 16 \ 9 \ 1409هـ.(10/338)
خروج المؤذن من المسجد بعد الأذان (1)
س: أ. م. ج- الرياض يقول في سؤاله: هل يجوز للمؤذن أن يخرج من المسجد بعد رفعه الأذان لبعض حاجته،
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (243) لشهر ربيع الآخر من عام 1418هـ.(10/338)
كأن يكون لديه ضيوف يود توديعهم ثم يعود قبل إقامة الصلاة، وهل يجوز أن يرفع الأذان وهو على غير طهارة ثم يخرج للوضوء؟ أفتونا مأجورين.
ج: يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان لحاجة عارضة كالوضوء، وكالحاجة التي ذكرها السائل إذا كان يرجع قبل الإقامة، ولا يجوز الخروج بعد الأذان لمن لا يريد الرجوع إلا بعذر شرعي؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، «أنه رأى رجلا خرج من المسجد بعد الأذان فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم (1) » ، أخرجه مسلم في صحيحه.
وهو محمول عند أهل العلم على من ليس له عذر شرعي. عملا بالأدلة كلها. ويجوز للمسلم أن يؤذن وهو على غير طهارة ثم يتطهر بعد ذلك، ولكن أذانه وهو على طهارة أفضل؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يؤذن إلا متوضئ (2) » لكن سنده ضعيف. ولكن يستفاد منه أن الوضوء أفضل قبل أن يؤذن إذا تيسر ذلك. وهكذا التيمم لمن عجز عن الوضوء؛ لمرض أو فقد ماء. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (655) ، سنن الترمذي الصلاة (204) ، سنن النسائي الأذان (683) ، سنن أبو داود الصلاة (536) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (733) ، مسند أحمد بن حنبل (2/537) ، سنن الدارمي الصلاة (1205) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (200) .(10/339)
هل يجوز أن يؤذن شخص ويقيم آخر (1) .
س: الأخ: ص. ع. م. من نجران يقول في سؤاله: تأخر المؤذن قليلا عن موعد الأذان فأذن أحد الإخوة الموجودين
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (242) لشهر ربيع الأول من عام 1418هـ.(10/339)
بالمسجد، وعند الإقامة أقام المؤذن الرسمي في المسجد فهل في هذا الفعل شيء؟ أي: هل يجوز أن يؤذن شخص، ويقيم آخر؟ أفتونا مأجورين.
ج: لا حرج في ذلك، ولكن الأفضل أن يتولى الإقامة من تولى الأذان، كما كان الحال هكذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أذن فهو يقيم (1) » ولكن إسناده ضعيف. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (199) ، سنن أبو داود الصلاة (514) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (717) ، مسند أحمد بن حنبل (4/169) .(10/340)
حكم اللحن والتمطيط في الأذان (1) .
س: يلاحظ أن كثيرا من المؤذنين يمططون الأذان، فما الحكم في ذلك؟
ج: ينبغي للمؤذن أن يصون الأذان من اللحن والتلحين. واللحن كونه يخل بالإعراب، كان يقول: أشهد أن محمدا رسول الله بفتح اللام، بل يجب ضم لام (رسول الله) ؛ لأن رسول الله خبر أن مرفوعا، فإن نصب (اللام) كان ذلك من اللحن الممنوع، وإن كان لا يخل بالمعنى في الحقيقة، ولا يمنع صحة الأذان؛ لأن مقصود المؤذن: هو الإخبار بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله؛ ولأن بعض العرب ينصب المعمولين، لكن ذلك لحن عند أكثر العرب.
وأما التلحين: فهو التطويل والتمطيط، وهو مكروه في الأذان والإقامة.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(10/340)
الأذان الأول لصلاة الفجر مستحب (1) .
س: سؤال من: ص. م - من الرياض يقول فيه: هل ورد في الأذان الأول للفجر حث من النبي صلى الله عليه وسلم، وكم الفارق بينه وبين الأذان الثاني؟
ج: الأذان الأول مستحب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (2) » قال الراوي: (وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت) ، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أقر بلالا على عمله، وبين صلى الله عليه وسلم الحكمة في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في إحدى الروايات: «إن بلالا يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم (3) » الحديث. وليس في ذلك حد محدود.
والأفضل أن يكون الأذان الأول قريبا من الأذان الأخير؛ لقول الراوي في بعض الروايات: (وليس بينهما إلا أن يصعد هذا وينزل هذا) ، والمعنى: أنه ليس بينهما إلا وقت ليس بالطويل.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1569) بتاريخ 17\7\1417 هـ.
(2) صحيح البخاري الأذان (617) ، صحيح مسلم الصيام (1092) ، سنن الترمذي الصلاة (203) ، سنن النسائي الأذان (638) ، مسند أحمد بن حنبل (2/57) ، موطأ مالك النداء للصلاة (164) ، سنن الدارمي الصلاة (1190) .
(3) صحيح البخاري الأذان (621) ، صحيح مسلم الصيام (1093) ، سنن النسائي الأذان (641) ، سنن أبو داود الصوم (2347) ، سنن ابن ماجه الصيام (1696) ، مسند أحمد بن حنبل (1/392) .(10/341)
حكم أذان الفجر قبل دخول الوقت (1) .
س: ما حكم الأذان لصلاة الفجر قبل دخول الوقت؟
ج: لا حرج في ذلك، إذا كان هناك مؤذن يؤذن بعد طلوع الفجر، أو كان المؤذن الذي يؤذن قبل طلوع الفجر يعيد الأذان بعد
__________
(1) صدر الجواب من مكتب سماحته ثم قرئ عليه ثانية في 4 \ 4 \ 1415هـ.(10/341)
طلوع الفجر، حتى لا يشتبه الأمر على الناس.
وإذا أذن للفجر أذانين شرع له في الأذان الذي بعد طلوع الفجر أن يقول: (الصلاة خير من النوم) بعد الحيعلة. حتى يعلم من يسمعه أنه الأذان الذي يوجب الصلاة ويمنع الصائم من تناول الطعام والشراب. والدليل على ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (1) » متفق على صحته، وقول أنس رضي الله عنه: من السنة إذا قال المؤذن في الفجر: حي على الفلاح، أن يقول: الصلاة خير من النوم. أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، والدارقطني بإسناد صحيح، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا محذورة أن يقول في أذان الفجر الصلاة خير من النوم. وجاء في بعض روايات حديث أبي محذورة في الأذان الأول للصبح، والمراد به: الأذان بعد طلوع الفجر، وسمي بالأول؛ لأن الإقامة هي الأذان الثاني.
كما دل على ذلك حديث عائشة المخرج في صحيح البخاري رحمه الله، ودل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «في كل أذانين صلاة بين أذانين صلاة وقال في الثالثة لمن شاء (2) » .
وأما الأذان الأول المذكور في حديث ابن عمر: «أن بلال يؤذن بليل (3) » ، فالمقصود منه: التنبيه لهم على قرب الفجر، فلا يشرع فيه أن يقول: (الصلاة خير من النوم) ؛ لعدم دخول وقت الصلاة، ولأنه إذا قال ذلك في الأذانين التبس على الناس، فتعين
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (617) ، صحيح مسلم الصيام (1092) ، سنن الترمذي الصلاة (203) ، سنن النسائي الأذان (638) ، مسند أحمد بن حنبل (2/57) ، موطأ مالك النداء للصلاة (164) ، سنن الدارمي الصلاة (1190) .
(2) صحيح البخاري الأذان (627) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (838) ، سنن الترمذي الصلاة (185) ، سنن النسائي الأذان (681) ، سنن أبو داود الصلاة (1283) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، مسند أحمد بن حنبل (5/57) ، سنن الدارمي الصلاة (1440) .
(3) صحيح البخاري الأذان (617) ، صحيح مسلم الصيام (1092) ، سنن الترمذي الصلاة (203) ، سنن النسائي الأذان (638) ، مسند أحمد بن حنبل (2/57) ، موطأ مالك النداء للصلاة (164) ، سنن الدارمي الصلاة (1190) .(10/342)
أن يقول ذلك في الأذان الذي يؤذن به بعد طلوع الفجر.
والله ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.(10/343)
الصلاة خير من النوم هل تقال في الأذان الأول أو الثاني لصلاة الفجر
(1) .
س: جملة (الصلاة خير من النوم) هل تقال في الأذان الأول قبل الفجر؟ أم في الأذان الثاني؟ وما الدليل على قولها؟ وماذا يقول من سمعها بعد المؤذن؟
ج: السنة: أن تقال في الأذان الأخير بعد الفجر، كما جاء ذلك في حديث أبي محذورة، وجاء في حديث عائشة دلالة على أن المؤذن كان يقولها في الأذان الأخير بعد الفجر، قالت: «ثم يقوم النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي الركعتين ثم يخرج للصلاة بعد الأذان» الذي هو الأذان الأخير بالنسبة إلى ما يسمى بالأذان الأول فهو أذان أول بالنسبة للإقامة؛ لأن الإقامة يقال لها: الأذان الثاني.
فالسنة: أن يأتي بهذا اللفظ في الأذان الذي يؤذن به بعد طلوع الفجر، وهو الأخير بالنسبة للأذان الذي ينادي به في آخر الليل؛ لينبه النائم، ويرجع القائم، وهو الأول بالنسبة للإقامة؛ لكونها أذانا ثانيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة (2) » والمراد بذلك: الأذان والإقامة.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، قرئ مرة ثانية على سماحته في 7\8\1415 هـ.
(2) صحيح البخاري الأذان (627) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (838) ، سنن الترمذي الصلاة (185) ، سنن النسائي الأذان (681) ، سنن أبو داود الصلاة (1283) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، مسند أحمد بن حنبل (5/57) ، سنن الدارمي الصلاة (1440) .(10/343)
فإذا قال المؤذن: (الصلاة خير من النوم) فإن المجيب يقول مثله: (الصلاة خير من النوم) : لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول (1) » متفق على صحته.
إلا عند قول المؤذن: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) فإن على السامع أن يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) . لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرجه مسلم في الصحيح.
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .(10/344)
الأفضل أن يقال (الصلاة خير من النوم) في الأذان الثاني من صلاة الفجر (1) .
س: متى يقال: (الصلاة خير من النوم) ، في الأذان الأول أم الثاني؟
ج: الأفضل: أن يقال ذلك في الأذان الأخير الذي هو الثاني: الذي يقال بعد طلوع الفجر، كما جاء في حديث عائشة أن المؤذن كان يقوله، فإذا فرغ المؤذن قام النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر ثم أدى سنة الفجر، ثم خرج للناس، فهذا يقال في الأذان الأخير؛ لأنه هو محل الإيقاظ الواجب، أما الأول فهو للتنبيه لإنهاء التهجد، وإيقاظ النائم، وصلاة الوتر، ونحو ذلك.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1547) بتاريخ 11 \ 2 \ 1417هـ.(10/344)
الحكمة في ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله بين الحيعلتين (1) .
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم هـ. م. ث سلمه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 1513، وتاريخ 21 \ 4 \ 1407 هـ المشتمل على ثلاثة أسئلة، وإليك الجواب (2) . س 3: ما العلة في ذكر: (لا حول ولا قوة إلا بالله) بين الحيعلتين، علما أن معناهما: دعوة للصلاة؟ وهل في ذلك حديث يدل على ذلك؟
ج 3: الحكمة في ذلك: أن العبد ضعيف ليس له قدرة على التحول من حال إلى حال إلا بالله، ومن ذلك ذهابه إلى الصلاة لأدائها مع الجماعة، لا حول له ولا قوة على ذلك إلا بالله، فيستشعر عجزه وضعفه، وأنه لا يقدر على إجابة هذا النداء إلا بالله وحده، فيقول عند الحيعلة: (لا حول ولا قوة إلا بالله) . وقد صح في ذلك حديث عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه. وفق الله الجميع لما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته بتاريخ 22 \ 7 \ 1407هـ.
(2) نقل السؤال الأول والثاني وإجابتهما إلى باب سجود السهو(10/345)
بعض المصلين يرفع يديه ويدعو
عند انتهاء المؤذن من الإقامة (1) .
س: لاحظت بعض المصلين إذا انتهى المؤذن من إقامة الصلاة رفع يديه ودعا، وذلك قبل تكبيرة الإحرام، فهل هذا وارد أم لا؟
ج: ليس لهذا أصل، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بشيء بين الإقامة والصلاة، ولم يحفظ عنه أنه رفع يديه في هذا الموطن، بل لا ينبغي لأحد أن يفعل ذلك؛ لأنه خلاف السنة.
__________
(1) برنامج نور على الدرب الشريط رقم (866) .(10/346)
بعض المصلين يقبض أصابع يده اليمنى
ويرفع السبابة بعد انتهاء المؤذن من الإقامة (1) .
س: لاحظت عندما تقام الصلاة ويصل المؤذن إلى آخر كلمات الأذان والإقامة وهي: (لا إله إلا الله) أرى بعض المصلين يقبض أصابع يده اليمنى ويرفع السبابة، وكذلك أثناء خطبة الجمعة وحلقات العلم إذا ردد الإمام أو الخطيب كلمة " لا إله إلا الله " فهل ورد شيء في ذلك؟
ج: لا أعلم شيئا في هذا، ولا أحفظ أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم شيء في هذا، وإنما ورد الإشارة بالسبابة في التشهدين، فقد كان صلى الله عليه وسلم يرفع
__________
(1) برنامج نور على الدرب الشريط رقم (866) .(10/346)
فيهما إصبعه السبابة إشارة للتوحيد.
وأما بعد الفراغ من الذكر من الأذان أو الإقامة فلا أحفظ شيئا في هذا، إلا أنه صلى الله عليه وسلم شرع للناس أن يجيبوا المؤذن والمقيم، ويقولوا بعد الأذان والإقامة وبعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته (1) » رواه البخاري في صحيحه، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده رسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء (2) » رواه مسلم في صحيحه، وزاد الترمذي بإسناد صحيح: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (3) » فيشرع للمسلم أن يقول ذلك، وهكذا المسلمة؛ للأحاديث المذكورة.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (614) ، سنن الترمذي الصلاة (211) ، سنن النسائي الأذان (680) ، سنن أبو داود الصلاة (529) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722) ، مسند أحمد بن حنبل (3/354) .
(2) صحيح مسلم كتاب الطهارة (234) ، سنن الترمذي الطهارة (55) ، سنن النسائي الطهارة (148) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (470) .
(3) سنن الترمذي الطهارة (55) .(10/347)
الأذان في آخر الوقت.
س: سؤال من: أ. ص. هـ - يقول: إذا كنا جماعة وعزمنا على أن نصلي في آخر وقت الظهر مثلا، فهل يلزم الأذان في أول الوقت أو آخره؟ وهل صلاتنا صحيحة بغير أذان؟(10/347)
ج: إذا كنتم في بلد، فالواجب عليكم الصلاة مع المسلمين في المساجد إلا من عذر كالمرض، ومن صلى في البيت للعذر الشرعي كفاه أذان أهل البلد، وشرع أن يقيم للصلاة.
أما إذا كنتم في الصحراء فالواجب عليكم أن تؤذنوا وتقيموا؛ لأن الأذان والإقامة فرض كفاية في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وأصحابه: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم (1) » وفي لفظ: قال له ولصاحبه: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما (2) » ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بالأذان في المدينة، وأمر أبا محذورة بالأذان في مكة، وأمرهما جميعا بالإقامة، ولم يزل صلى الله عليه وسلم يؤدي الصلوات الخمس في المدينة بأذان وإقامة، فدل ذلك على فرضيتهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (3) » . أما التأذين في أول الوقت- إذا كنتم في الصحراء- أو في آخره فالأمر في ذلك واسع إن شاء الله. والأفضل البدار بالأذان والصلاة في أول الوقت، وإن أخرتم الأذان والصلاة وجمعتم الظهر إلى العصر والمغرب والعشاء فلا بأس في حال السفر؛ لأن المسافر له أن يجمع في السفر جمع تأخير، وجمع تقديم حسب الأرفق به، وإن كان على ظهر سير فالأفضل له أن يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل الزوال، والمغرب إلى العشاء إذا ارتحل قبل الغروب.
أما إذا ارتحل بعد الزوال فالأفضل تقديم العصر مع
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (628) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674) ، سنن الترمذي الصلاة (205) ، سنن النسائي الأذان (635) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (979) ، مسند أحمد بن حنبل (5/53) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .
(2) صحيح البخاري الأذان (819) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674) ، سنن الترمذي الصلاة (205) ، سنن النسائي الأذان (635) ، سنن أبو داود الصلاة (589) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (979) ، مسند أحمد بن حنبل (5/53) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .
(3) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(10/348)
الظهر، وهكذا إذا ارتحل بعد الغروب فإن الأفضل تقديم العشاء مع المغرب؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » رواه البخاري ومسلم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21
(2) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(10/349)
الأذان في أول الوقت وحكمه للمنفرد في البرية (1) .
س: يقول بعض الناس: إذا لم تؤذن أول الوقت فلا داعي للأذان؛ لأن الأذان للإعلام بدخول وقت الصلاة. فما رأي سماحتكم في ذلك؟ وهل يشرع الأذان للمنفرد في البرية؟ .
ج: إذا لم يؤذن المؤذن في أول الوقت لم يشرع له أن يؤذن بعد ذلك، إذا كان في المكان مؤذنون سواه قد حصل بهم المطلوب، وإن كان التأخير يسيرا فلا بأس بتأذينه. أما إذا لم يكن في البلد سواه فإنه يلزمه: التأذين ولو تأخر بعض الوقت؛ لأن الأذان في هذه الحال فرض كفاية، ولم يقم به غيره، فوجب عليه؛ لكونه المسئول عن ذلك؛ ولأن الناس ينتظرونه في الغالب.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.(10/349)
أما المسافر فيشرع له الأذان وإن كان وحده؛ لما ثبت في الصحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال لرجل: إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولعموم الأحاديث الأخرى في شرعية الأذان وفائدته.(10/350)
هل يلزم المنفرد الأذان والإقامة في البادية (1) .
سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ الجليل: عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله آمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.
يطوف علينا مجموعة من المرشدين في البادية يقولون: بأن الصلاة بدون إقامة سنة ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا داعي للأذان والإقامة إذا كنت في الصحراء، أو تصلي وحدك فأحببنا التأكد من سماحتكم عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا، والله يحفظكم ويرعاكم. المواطن: م. م. د. ج.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته بعده:
الأذان والإقامة فرض كفاية على المسلمين في القرى والبوادي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصاحبه: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما (2) » وفي لفظ آخر: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 1647 \ خ وتاريخ 5 \ 7 \ 1414هـ.
(2) صحيح البخاري الأذان (658) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674) ، سنن الترمذي الصلاة (205) ، سنن النسائي الأذان (634) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (979) ، مسند أحمد بن حنبل (5/53) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(10/350)
لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم (1) » ، وكان صلى الله عليه وسلم في المدينة يأمر بلالا أن يؤذن ويقيم، وهكذا ابن أم مكتوم، وكان يتولى الأذان والإقامة بدلا من بلال، وثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لبعض من سأله عن الأذان: «فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة (2) » . وفق الله الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (628) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (674) ، سنن الترمذي الصلاة (205) ، سنن النسائي الأذان (635) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (979) ، مسند أحمد بن حنبل (5/53) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .
(2) صحيح البخاري الأذان (609) ، سنن النسائي الأذان (644) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (723) ، مسند أحمد بن حنبل (3/43) ، موطأ مالك النداء للصلاة (153) .(10/351)
حكم الأذان والإقامة للمنفرد (1) .
س: أصلي الفروض أحيانا بمفردي؛ نظرا لعدم وجود مسجد بالقرب مني، فهل يلزمني الأذان والإقامة لكل صلاة أم يجوز أن أصلي دون أذان أو دون إقامة؟
ج: السنة: أن تؤذن وتقيم؛ أما الوجوب ففيه خلاف بين أهل العلم، ولكن الأولى بك والأحوط لك أن تؤذن وتقيم؛ لعموم الأدلة، ولكن يلزمك أن تصلي في الجماعة متى أمكنك ذلك. فإذا وجدت جماعة أو سمعت النداء في مسجد بقربك وجب عليك أن تجيب المؤذن، وأن تحضر مع الجماعة، فإن لم تسمع النداء ولم يكن بقربك مسجد فالسنة أن تؤذن أنت وتقيم.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(10/351)
وقد ثبت عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال لرجل: «إذا كنت في غنمك وباديتك فارفع صوتك بالنداء، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يسمع صدى صوت المؤذن شجر ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة (1) » .
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3296) ، سنن النسائي الأذان (644) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (723) ، مسند أحمد بن حنبل (3/6) ، موطأ مالك النداء للصلاة (153) .(10/352)
حكم قول أشهد أن عليا ولي الله وحي على خير العمل في الأذان.
س: ما حكم الله ورسوله في قوم يفعلون الأشياء التالية: يقولون في الأذان: (أشهد أن عليا ولي الله) و (حي على خير العمل) و (عترة محمد وعلي خير العتر) ، وإذا توفي أحد منهم قام أقرباؤه بذبح شاة يسمونها: العقيقة، ولا يكسرون من عظامها شيئا، ثم بعد ذلك يقبرون عظامها وفرثها، ويزعمون أن ذلك حسنة ويجب العمل به، فما موقف المسلم الذي على السنة المحمدية وله بهم رابطة نسب؟ هل يجوز له شرعا أن يوادهم ويكرمهم ويقبل كرامتهم ويتزوج منهم ويزوجهم؟ علما بأنهم يجاهرون بعقيدتهم، ويقولون: إنهم الفرقة الناجية، وإنهم على الحق ونحن على الباطل.(10/352)
ج: قد بين الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ألفاظ الأذان والإقامة، وقد «رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في النوم الأذان فعرضه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنها رؤيا حق وأمره أن يلقيه على بلال؛ لكونه أندى صوتا منه ليؤذن به فكان بلال يؤذن بذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله عز وجل (1) » ولم يكن في أذانه شيء من الألفاظ المذكورة في السؤال.
وأما ما يرويه بعض الناس عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول في الأذان: (حي على خير العمل) ، فلا أساس له من الصحة. وأما ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وعن علي بن الحسين زين العابدين - رضي الله عنه وعن أبيه- أنهما كانا يقولان في الأذان: (حي على خير العمل) ، فهذا في صحته عنهما نظر، وإن صححه بعض أهل العلم عنهما، لكن ما قد علم من علمهما وفقههما في الدين يوجب التوقف عن القول بصحة ذلك عنهما؛ لأن مثلهما لا يخفي عليه أذان بلال ولا أذان أبي محذورة، وابن عمر رضي الله عنهما قد سمع ذلك وحضره، وعلي بن الحسين رحمه الله من أفقه الناس فلا ينبغي أن يظن بهما أن يخالفا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلومة المستفيضة في الأذان.
ولو فرضنا صحة ذلك عنهما فهو موقوف عليهما، ولا يجوز أن تعارض السنة الصحيحة بأقوالهما ولا أقوال غيرهما؛ لأن السنة هي الحاكمة مع كتاب الله العزيز على جميع الناس، كما قال الله عز وجل:
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (189) ، سنن أبو داود الصلاة (499) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (706) ، مسند أحمد بن حنبل (4/43) ، سنن الدارمي الصلاة (1187) .(10/353)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (1) وقد رددنا هذا اللفط المنقول عنهما، وهو قول عبارة: (حي على خير العمل) في الأذان إلى السنة فلم نجدها فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألفاظ الأذان، وأما قول علي بن الحسين رضي الله عنه فيما روي عنه: إنها في الأذان الأول، فهذا يحتمل أنه أراد به الأذان بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أول ما شرع، فإن كان أراد ذلك فقد نسخ بما استقر عليه الأمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعدها من ألفاظ أذان بلال، وابن أم مكتوم، وأبي محذورة، وليس فيها هذا اللفط ولا غيره من الألفاظ المذكورة في السؤال.
ثم يقال: إن القول بأن هذه الجملة موجودة في الأذان الأول إذا حملناه على الأذان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسلم به؛ لأن ألفاط الأذان من حين شرع محفوظة في الأحاديث الصحيحة، وليس فيها هذه الجملة، فعلم بطلانها، وأنها بدعة، ثم يقال أيضا: علي بن الحسين رضي الله عنه من جملة التابعين فخبره هذا لو صح فيه الرفع فهو في حكم المرسل، والمرسل ليس بحجة عند جماهير أهل العلم، كما نقل ذلك عنهم الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب (التمهيد) ، هذا إذا لم يوجد في السنة الصحيحة ما يخالفه، فكيف وقد وجد في الأحاديث الصحيحة الواردة في صفة الأذان ما يدل على بطلان هذا المرسل، وعدم اعتباره!؟ والله الموفق.
__________
(1) سورة النساء الآية 59(10/354)
قول الصلاة خير من النوم
وحي على خير العمل في أذان الفجر (1) .
س: ما هو دليل قول المؤذن في صلاة الفجر: (الصلاة خير من النوم) ؟ وما رأي سماحتكم فيمن يقول: (حي على خير العمل) وهل له أصل؟
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.(10/354)
ج: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه أمر بلالا وأبا محذورة بذلك في أذان الفجر (1) » ، وثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «من السنة: قول المؤذن في أذان الفجر: الصلاة خير من النوم» أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
وهذه الكلمة تقال في الأذان الذي ينادى به عند طلوع الفجر في أصح قولي العلماء، ويسمى: الأذان الأول بالنسبة إلى الإقامة؛ لأنها هي الأذان الثاني، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة (2) » وثبت في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على ذلك. وأما قول بعض الشيعة في الأذان: (حي على خير العمل) فهو بدعة لا أصل له في الأحاديث الصحيحة.
فنسأل الله أن يهديهم وجميع المسلمين لاتباع السنة والعض عليها بالنواجذ؛ لأنها والله هي طريق النجاة وسبيل السعادة لجميع الأمة.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) سنن النسائي الأذان (647) ، سنن أبو داود الصلاة (500) .
(2) صحيح البخاري الأذان (627) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (838) ، سنن الترمذي الصلاة (185) ، سنن النسائي الأذان (681) ، سنن أبو داود الصلاة (1283) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، مسند أحمد بن حنبل (5/57) ، سنن الدارمي الصلاة (1440) .(10/355)
هل يشرع للنساء أذان وإقامة (1) .
س: هل يشرع للنساء أذان وإقامة سواء كن في الحضر وحدهن أو في البرية، منفردات أو جماعة؟
ج: لا يشرع للنساء أذان ولا إقامة، سواء كن في الحضر أو السفر، وإنما الأذان والإقامة من خصائص الرجال، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
__________
(1) نشرت في جريدة البلاد في العدد (10936) بتاريخ 14\ 1 \ 1415هـ(10/356)
حكم الأذان والإقامة للمرأة (1) .
س: هل يجوز للمرأة فعل الأذان والإقامة للصلاة أم لا؟
ج: لا يشرع للمرأة أن تؤذن أو تقيم في صلاتها، إنما هذا من شأن الرجال، أما النساء فلا يشرع لهن أذان ولا إقامة، بل يصلين بلا أذان ولا إقامة، وعليهن العناية بالوقت، والخشوع، وعدم العبث في الصلاة، كالرجل، فالمرأة عليها أن تخشع، وأن تضع بصرها نحو موضع سجودها، وأن تبتعد عن العبث، لا بالأيدي ولا بغيرها، هكذا السنة للمؤمن في صلاته، وللمؤمنة كذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(10/356)
هل تختلف صلاة الرجل عن المرأة بالنسبة للجهر بالقراءة والإقامة للصلاة (1) .
س: بالنسبة للجهر بالقراءة وبالنسبة لوجوب الإقامة ألا تختلف صلاة الرجل عن صلاة المرأة في هذا؟
ج: الأذان والإقامة للرجال خاصة، كما جاء بذلك النص، أما النساء فلا إقامة ولا أذان عليهن، أما الجهر فيشرع لها أن تجهر في المغرب والعشاء والفجر كالرجل، لكن الجهر في المغرب والعشاء في الركعتين الأوليين.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب وتم قراءته على سماحته في 15 \ 2 \ 1410هـ.(10/357)
إذا أذن المؤذن والإنسان يقرأ
هل يتابع المؤذن أم يقرأ القرآن (1) .
س: إذا أذن المؤذن والإنسان يقرأ القرآن، فهل الأفضل له أن يرجع معه فيقول مثل ما يقول، أم أن اشتغاله بالقرآن يعتبر أفضل باعتبار تقديم الفاضل على المفضول؟
ج: السنة إذا كان يقرأ وسمع الأذان: أن يجيب المؤذن. امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.(10/357)
عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة (1) » رواه مسلم في صحيحه، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وفي الصحيحين، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول (2) » وفي صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة (3) » . زاد البيهقي بإسناد حسن: «إنك لا تخلف الميعاد» ، ولأن إجابة المؤذن سنة تفوت إذا استمر في القراءة، والقراءة لا تفوت، وقتها واسع. وفق الله الجميع.
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .
(3) صحيح البخاري الأذان (614) ، سنن الترمذي الصلاة (211) ، سنن النسائي الأذان (680) ، سنن أبو داود الصلاة (529) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722) ، مسند أحمد بن حنبل (3/354) .(10/358)
حكم الكلام بعد إقامة الصلاة (1) .
س: يسأل القارئ: ع. ع - من الرياض فيقول: ما حكم الكلام بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام في أمور خارجة عن الصلاة، كتسوية الصفوف أو غيره، أو أن يكون الكلام حديثا عن الحياة الدنيا؟
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1213) بتاريخ 27 \ 3 \1410هـ.(10/358)
ج: الكلام بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام: إن كان يتعلق بالصلاة مثل تسوية الصفوف ونحو ذلك فهذا مشروع، وإن كان لا يتعلق بالصلاة، فالأولى تركه؛ استعدادا للدخول في الصلاة، وتعظيما لها.(10/359)
الصلاة بدون إقامة نسيانا (1) .
س: إذا نسي الإقامة وصلى، فهل يؤثر ذلك على هذه الصلاة، سواء كان منفردا أو كانوا جماعة؟
ج: إذا صلى المنفرد أو الجماعة بدون إقامة فالصلاة صحيحة، وعلى من فعل ذلك التوبة إلى الله سبحانه، وهكذا لو صلوا بغير أذان فالصلاة صحيحة؛ لأن الأذان والإقامة من فروض الكفايات، وهما خارجان عن صلب الصلاة.
وعلى من ترك الأذان والإقامة التوبة إلى الله سبحانه من ذلك؛ لأن فروض الكفايات يأثم بتركها الجميع، وتسقط بأداء بعضهم لها، ومن ذلك الأذان والإقامة، إذا قام بهما من يكفي سقط الوجوب والإثم عن الباقين؛ سواء كانوا في الحضر أو السفر، وسواء كانوا في القرى والمدن أو البوادي. نسأل الله لجميع المسلمين التوفيق لما يرضيه.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.(10/359)
حكم قيام بعض المؤذنين بالتهليل أو الكلام قبل الأذان (1)
س: الأخ: ع. م. م- من حريملاء في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: يقوم بعض المؤذنين بالتهليل أو الكلام قبل الأذان، فما حكم فعلهم هذا؟ أفتونا أثابكم الله. ج: لا يجوز للمؤذن أن يزيد في الأذان بأي كلام لا قبله ولا بعده؛ لأن الأذان عبادة توقيفية، وهكذا الإقامة، فالواجب على المؤذنين التقيد بما جاء به الشرع المطهر، والحذر من الزيادة التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (171) لشهر ربيع الآخر من عام 1412هـ.(10/360)
حكم الأذان والإقامة في قبر الميت عند وضعه فيه (1) .
س: ما حكم الأذان والإقامة في قبر الميت عند وضعه فيه؟ .
__________
(1) سبق أن نشرت في كتاب سماحته (مجمع فتاوى ومقالات متنوعة) الجزء الأول ص443.(10/360)
ج: لا ريب أن ذلك بدعة ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن ذلك لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، والخير كله في اتباعهم وسلوك سبيلهم، كما قال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (1) الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » وفي لفظ آخر: قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » . وقال صلى الله عليه وسلم: «وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (4) » أخرجه مسلم في صحيحه، من حديث جابر رضي الله عنه.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
__________
(1) سورة التوبة الآية 100
(2) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(4) صحيح مسلم الجمعة (867) ، سنن النسائي صلاة العيدين (1578) ، سنن ابن ماجه المقدمة (45) ، مسند أحمد بن حنبل (3/311) ، سنن الدارمي المقدمة (206) .(10/361)
الأذان في مقر العمل القريب من المسجد (1) .
س: يسأل الأخ: ع. ب- يقول: إذا كنا في مقر العمل ولا يبتعد إلا قليلا عن المسجد فهل نؤذن في مقر عملنا؟
ج: الواجب عليكم الصلاة في المسجد مع الجماعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (2) » فإن منع مانع قهري من ذلك شرع لكم الأذان والإقامة في محلكم؛ لعموم الأدلة الشرعية في ذلك.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (993) بتاريخ 8 \ 9 \ 1405هـ.
(2) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(10/361)
حكم قول المؤذن بعد الأذان اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
س: سؤال من: م. ق- من الأردن يقول فيه: ما يفعله بعض الناس عندنا في الأردن وبعض البلدان الأخرى من قول المؤذن بعد الأذان: اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، فهل في ذلك شيء؟ وما حكمه؟ .
ج: هذا المقام فيه تفصيل: فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت فذلك مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنه لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة (1) » خرجه مسلم في صحيحه، وروى البخاري في صحيحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة (2) » .
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .
(2) صحيح البخاري الأذان (614) ، سنن الترمذي الصلاة (211) ، سنن النسائي الأذان (680) ، سنن أبو داود الصلاة (529) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722) ، مسند أحمد بن حنبل (3/354) .(10/362)
أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالأذان فذلك بدعة؛ لأنه يوهم أنه من الأذان، والزيادة في الأذان لا تجوز؛ لأن آخر الأذان كلمة (لا إله إلا الله) ، فلا يجوز الزيادة على ذلك، ولو كان ذلك خيرا لسبق إليه السلف الصالح، بل لعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وشرعه لهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » أخرجه مسلم في صحيحه، وأصله في الصحيحين، من حديث عائشة رضي الله عنها. واسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا من الفقه في دينه، وأن يمن علينا جميعا بالثبات عليه، إنه سميع قريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(10/363)
مجاوبة الأذان الصادر من المذياع (1) .
س: سؤال من: ص. ع - الخرج يقول: هل تجوز مجاوبة الأذان الصادر من جهاز (المذياع) ؟
ج: إذا كان في وقت الصلاة فإنها تشرع الإجابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1560) بتاريخ 14 \5 \ 1417هـ.(10/363)
لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة (1) » .
خرجه مسلم في صحيحه، وقال عليه الصلاة والسلام: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة (2) » رواه البخاري في صحيحه، وزاد البيهقي رحمه الله بإسناد حسن بعد قوله: " الذي وعدته ": " إنك لا تخلف الميعاد ".
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .
(2) صحيح البخاري الأذان (614) ، سنن الترمذي الصلاة (211) ، سنن النسائي الأذان (680) ، سنن أبو داود الصلاة (529) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722) ، مسند أحمد بن حنبل (3/354) .(10/364)
القول عند إقامة الصلاة أقامها الله وأدامها واللهم رب هذه الدعوة التامة إلخ (1) .
س: إمام المسجد حينما تقام الصلاة يقف في المحراب ويقول: (أقامها الله وأدامها، اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد) ، هل هذا دعاء مأثور، أو هناك غيره، أو هذا أفضل؟
ج: الأذان يقال فيه هذا الدعاء: إذا فرغ المؤذن من الأذان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: «اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما
__________
(1) هذا السؤال وجوابه من ضمن الأسئلة التابعة لمحاضرة: الصلاة وأهميتها لسماحة الشيخ.(10/364)
محمودا الذي وعدته (1) » .
هكذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وهكذا يقول غير المؤذن ممن يسمع الأذان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول (2) » متفق على صحته، وإن زاد: " إنك لا تخلف الميعاد " فحق؛ لأنها ثابتة من رواية البيهقي رحمه الله، وهكذا يقال بعد الإقامه؛ لأنها هي الأذان الثاني، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة (3) » . أما جملة: (أقامها الله وأدامها) فقد جاء فيها حديث ضعيف والأفضل أن يقول: (قد قامت الصلاة) مثل المؤذن: (قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة) بدلا من: (أقامها الله وأدامها) ؛ لأن لفظة: (أقامها الله وأدامها) لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يقال مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول (4) » يعني: يقول: (قد قامت الصلاة: قد قامت الصلاة) ، وفي أذان الفجر إذا قال: (الصلاة خير من النوم) ، يقول: (الصلاة خير من النوم) ، مثلها، أما في (حي على الصلاة، حي على الفلاح) ، فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ؛ لأنه صح به خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان يقول عند (حي على الصلاة) : " لا حول ولا قوة إلا بالله " وعند (حي على الفلاح) يقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله (5) » رواه مسلم، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (614) ، سنن الترمذي الصلاة (211) ، سنن النسائي الأذان (680) ، سنن أبو داود الصلاة (529) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (722) ، مسند أحمد بن حنبل (3/354) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .
(3) صحيح البخاري الأذان (627) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (838) ، سنن الترمذي الصلاة (185) ، سنن النسائي الأذان (681) ، سنن أبو داود الصلاة (1283) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1162) ، مسند أحمد بن حنبل (5/57) ، سنن الدارمي الصلاة (1440) .
(4) صحيح مسلم الصلاة (384) ، سنن الترمذي المناقب (3614) ، سنن النسائي الأذان (678) ، سنن أبو داود الصلاة (523) ، مسند أحمد بن حنبل (2/168) .
(5) صحيح مسلم الصلاة (385) ، سنن أبو داود الصلاة (527) .(10/365)
حكم من تكون إقامتهم مثل الأذان
س: في عمان إقامتهم مثل الأذان طبق الأصل؟ .
ج: ورد هذا في بعض الأحاديث من حديث أبي محذورة، ولا حرج في ذلك، ولكن إيتار الإقامة أفضل، كما كان بلال يوترها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك: أنه لا يكرر الشهادتين، ولا الحيعلة، بل يأتي بكل منها مرة واحدة، وإن كررها كالتكبير فلا بأس؛ لحديث أبي محذورة المشار إليه.(10/366)
حكم الإقامة للصلاة بعدد ألفاظ الأذان (1) .
س: الأخ: ع. أ- من روضة سدير في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: سافرت إلى بعض البلاد الإسلامية ودخلت أحد المساجد لأداء الصلاة مع الجماعة " فإذا بالمؤذن يقيم الصلاة بعدد ألفاظ الأذان، فما هي السنة يا سماحة الشيخ في هذا؟ هل يجوز أن تكون الإقامة مثل الأذان؟ أفتونا جزاكم الله خيرا، وأطال الله في عمركم علي طاعته.
ج: يجوز ذلك، بل ذلك نوع من أنواع السنة في الأذان؛ لأن ذلك قد ثبت في الصحيح، من حديث أبي محذورة رضي الله عنه لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان والإقامة في المسجد الحرام حين الفتح.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية(10/366)
ويجوز إيتار الإقامة إلا لفظ الإقامة والتكبير، كما كان بلال رضي الله عنه يفعل ذلك في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرته وتعليمه، كما في الصحيحين، عن أنس رضي الله عنه قال: «كان بلال يشفع الأذان ويوتر الإقامة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم (1) » .
وبذلك يعلم أنه لا حرج في شفع الإقامة وإيتارها، مع مراعاة شفع الإقامة والتكبير، أعني: لفظ: (قد قامت الصلاة) ، وإنما الاختلاف في الشهادتين والحيعلتين، ففي أذان أبي محذورة شفعهما، وفي حديث أنس وغيره في صفة أذان بلال وإقامته إيتارهما في الإقامة، وكل سنة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (606) ، صحيح مسلم الصلاة (378) ، سنن الترمذي الصلاة (193) ، سنن النسائي الأذان (627) ، سنن أبو داود الصلاة (508) ، سنن ابن ماجه الأذان والسنة فيه (729) ، مسند أحمد بن حنبل (3/103) ، سنن الدارمي الصلاة (1194) .(10/367)
هل لقيام المأموم للصلاة أثناء الإقامة وقت محدد (1) .
س: الأخ: ع. ع. م- من القاهرة يقول في سؤاله: هل هناك وقت محدد لقيام المأموم للصلاة عند سماع الإقامة؟ بمعنى: هل يقوم عند قول المؤذن: (قد قامت الصلاة) أم قبلها أم بعد انتهائه من الإقامة، أو أن الأمر واسع في هذا، نرجو البيان، وفقكم الله في الدنيا والآخرة.
ج: ليس في القيام للصلاة وقت الإقامة وقت محدد في الشرع المطهر، بل يجوز للمأموم أن يقوم إلى الصلاة في أول الإقامة، أو في أثنائها، أو في آخرها، الأمر واسع في ذلك، ولا أعلم دليلا
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية(10/367)
شرعيا يقتضي تخصيص وقت لقيام المأمومين عند سماع الإقامة، ومن قال من الفقهاء: أنه يشرع القيام عند قول المؤذن: (قد قامت الصلاة) لا أعلم له دليلا في ذلك.
أما إن كان الإمام حين الإقامة غير حاضر فإن السنة للمأمومين: ألا يقوموا حتى يروه. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت (1) » رواه مسلم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (637) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (604) ، سنن الترمذي الجمعة (592) ، سنن النسائي الأذان (687) ، سنن أبو داود الصلاة (539) ، مسند أحمد بن حنبل (5/307) ، سنن الدارمي الصلاة (1261) .(10/368)
باب شروط الصلاة
الأصم الأبكم هل هو مكلف
س: الولد الأصم الأبكم، هل يعتبر مكلفا شرعا بالعبادات كالصلاة، أم هو معذور؟
ج: الولد الأبكم الأصم إذا كان قد بلغ الحلم، يعتبر مكلفا بأنواع التكليف، من الصلاة وغيرها، ويعلم ما يلزمه بالكتابة والإشارة. لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب التكاليف على من يبلغ الحلم وهو عاقل.
والبلوغ يحصل: بإكمال خمسة عشر عاما، أو بإنزال عن شهوة في الاحتلام أو غيره، وبإنبات الشعر الخشن حول الفرج، وتزيد المرأة أمرا رابعا: وهو الحيض. وعلى وليه أن يؤدي عنه ما يلزمه من زكاة وغيرها من الحقوق المالية، وعليه أن يعلمه ما يخفى عليه بالطرق الممكنة، حتى يفهم ما أوجب الله عليه وما حرم عليه، والله سبحانه يقول، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (2) » .
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الحج (1337) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .(10/369)
فالمكلف الذي لا يسمع أو لا ينطق أو قد أصيب بالصمم والبكم جميعا عليه أن يتقي الله ما استطاع، بفعل الواجبات، وترك المحرمات، وعليه أن يتفقه في الدين حسب قدرته: بالمشاهدة، والكتابة، والإشارة، حتى يفهم المطلوب. والله ولي التوفيق. .(10/370)
صلاة الرجل الأصم الأبكم الذي لا يعرف شروط الصلاة
س: رجل أصم أبكم يصلي لا يعرف شروط الصلاة، هل تصح صلاته.
ج: يصلي على حسب حاله، يقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وإذا أمكن تعليمه بالإشارة، أو بأي شيء يعلم، أما إذا لم يمكن فلا يلزمه إلا ما علم، والله سبحانه يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (2)
وإذا أمكن التعليم بالكتابة لكونه بصيرا يقرأ الكتابة وجب تعليمه بالكتابة؛ لأن تعليم الجاهل أمر لازم على المسلمين، وعلى طلبة العلم، فيعلم بالطريقة الممكنة: بالإشارة، أو بالكتابة؛ حتى تبرأ الذمة. وحتى يعرف دينه.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة الإسراء الآية 15(10/370)
هل البلوغ حد لتكليف الصبي بالصلاة (1) .
س: سؤال من: ع. م- من الرياض يقول: هل يعتبر البلوغ هو الحد الذي يلزم بعده تكليف الصبي بأداء ما فاته من صلاة بسبب نوم أو خلافها.
ج: متى بلغ الصبي أو الجارية الحلم لزمتهما الصلاة وصوم رمضان والحج والعمرة مع الاستطاعة، وأثما بترك ذلك، وبفعل المعاصي. لعموم الأدلة الشرعية، والتكليف يكون بإكمال خمس عشرة سنة، أو إنزال المني بشهوة في النوم أو اليقظة، وإنبات الشعر الخشن حول القبل، وتزيد الجارية بأمر رابع هو: الحيض.
وما دام الصبي أو الجارية لم يحصل لهما شيء من هذه الأمور، فإنهما غير مكلفين، ولكن يؤمران بالصلاة لسبع، ويضربان عليها لعشر، ويؤمران بصوم رمضان، ويشجعان على كل خير؛ من قراءة القرآن، وصلاة النافلة، والحج والعمرة، والإكثار من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، ويمنعان من جميع المعاصي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع (2) » ولأنه صلى الله عليه وسلم «أنكر على الحسن بن علي رضي الله عنهما أكله من تمر الصدقة وقال له أما علمت أنه لا تحل لنا الصدقة وأمره بإلقاء التمرة التي أخذ منها (3) » وكانت سنه حينما توفي صلى الله عليه وسلم سبع سنين وأشهرا.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1511) بتاريخ 11 \ 5 \ 1416 هـ.
(2) سنن أبو داود الصلاة (495) ، مسند أحمد بن حنبل (2/187) .
(3) صحيح البخاري الزكاة (1485) ، صحيح مسلم الزكاة (1069) ، مسند أحمد بن حنبل (2/476) ، سنن الدارمي الزكاة (1642) .(10/371)
تقديم الصلاة للمريض قبل إجراء العملية الجراحية.
س: من المعلوم أن المريض بعد إجراء العملية يبقى مخدرا حتى يفيق، وبعد ذلك يبقى متألما عدة ساعات، فهل يصلي قبل دخول العملية والوقت لم يحن بعد، أم يؤخر الصلاة حتى يكون قادرا على أدائها بحضور حسي ولو تأخر ذلك يوما فأكثر.
ج: الواجب أولا على الطبيب أن ينظر في الأمر فإذا أمكن أن يتأخر بدء العلاج حتى يدخل الوقت مثل الظهر فيصلي المريض الظهر والعصر جميعا، إذا دخل وقت الظهر، وهكذا في الليل يصلي المغرب والعشاء جميعا إذا غابت الشمس قبل بدء العملية.
أما إذا كان العلاج ضحى فإن المريض معذور، فإذا أفاق قضى ما عليه ولو بعد يوم أو يومين، متى أفاق قضى ما عليه، والحمد لله، ولا شيء عليه، مثل النائم إذا أفاق وانتبه ورجع إليه وعيه صلى الأوقات التي فاتته على الترتيب يرتبها ظهرا ثم عصرا، وهكذا حتى يقضي ما عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك (1) » متفق عليه.
__________
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (597) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (684) ، سنن الترمذي الصلاة (178) ، سنن النسائي المواقيت (614) ، سنن أبو داود الصلاة (442) ، سنن ابن ماجه الصلاة (695) ، مسند أحمد بن حنبل (3/269) .(10/372)
والإغماء بسبب المرض أو العلاج حكمه حكم النوم إذا لم يطل، فإن طال فوق ثلاثة أيام سقط عنه القضاء، وصار في حكم المعتوه حتى يرجع إليه عقله، فيبتدئ فعل الصلاة بعد رجوع عقله إليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق (1) » ولم يذكر القضاء في حق الصغير والمجنون، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بالقضاء في حق النائم، والناسي. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سنن النسائي الطلاق (3432) ، سنن أبو داود الحدود (4398) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2041) ، مسند أحمد بن حنبل (6/101) ، سنن الدارمي الحدود (2296) .(10/373)
تأخير الصلاة عن وقتها والتخلف عن صلاة الجمعة لمن يعمل في التمريض.
س: كثيرا ما تفوتني الصلاة وأجمعها مع التي بعدها وذلك لكثرة العمل في التمريض أو الكشف على المرضى وكذلك أتخلف عن صلاة الجمعة في خدمة المرضى فهل عملي هذا جائز؟
ج: الواجب أن تصلي الصلاة في وقتها، وليس لك أن تؤخرها عن وقتها، أما الجمعة فإن كنت حارسا أو نحوه ممن لا يستطيع أن يصلي مع الناس الجمعة فإنها تسقط عنك، وتصلي ظهرا كالمريض ونحوه، وأما الصلوات الأخرى فالواجب عليك أن تصليها في وقتها، وليس لك أن تجمع بين صلاتين.(10/373)
حكم تأخير الصلاة عن وقتها (1) .
س: سؤال من: ح. ص. ج- من الرياض يقول: أنا حريص على أن لا أترك الصلاة غير أني أنام متأخرا، فأوقت منبه الساعة على الساعة السابعة صباحا - أي: بعد شروق الشمس- ثم أصلي وأذهب للمحاضرات، أما في يومي الخميس والجمعة فإني استيقظ متأخرا أي: قبل صلاة الظهر بساعة أو ساعتين- وأصلي الفجر بعدما أستيقظ، كما أنني أصلي أغلب الأوقات في غرفتي في السكن الجامعي، ولا أذهب إلى المسجد الذي لا يبعد عني كثيرا، وقد نبهني أحد الإخوة إلى أن ذلك لا يجوز، فأرجو من سماحة الوالد إيضاح الحكم فيما سبق، جزاكم الله خيرا،.
ج: من يتعمد ضبط الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها، فهذا قد تعمد تركها في وقتها، وهو كافر بهذا عند جمع كثير من أهل العلم كفرا أكبر - نسأل الله العافية - لتعمده ترك الصلاة في الوقت، وهكذا إذا تعمد تأخير الصلاة إلى قرب الظهر ثم صلاها عند الظهر، أي: صلاة الفجر. أما من غلبه النوم حتى فاته الوقت، فهذا لا يضره ذلك، وعليه أن يصلي إذا استيقظ، ولا حرج عليه إذا كان قد غلبه النوم، أو
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (195) لشهر ربيع الآخرمن عام 1414 هـ.(10/374)
تركها نسيانا، مع فعل الأسباب التي تعينه على الصلاة في الوقت، وعلى أدائها في الجماعة، مثل تركيب الساعة على الوقت، والنوم مبكرا.
أما الإنسان الذي يتعمد تأخيرها إلى ما بعد الوقت، أو يضبط الساعة إلى ما بعد الوقت حتى لا يقوم في الوقت، فهذا عمل متعمد للترك، وقد أتى منكرا عظيما عند جميع العلماء، ولكن هل يكفر أو لا يكفر؟ فهذا فيه خلاف بين العلماء: إذا كان لم يجحد وجوبها فالجمهور يرون: أنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر.
وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك كفرا أكبر يخرجه من الملة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » رواه الإمام مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » رواه الإمام أحمد، وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح، ولأدلة أخرى، وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، لقول التابعي الجليل: عبد الله بن شقيق العقيلي: (لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة) ، وأما ترك الصلاة في الجماعة فمنكر لا يجوز، ومن صفات المنافقين.
والواجب على المسلم أن يصلي في المسجد في الجماعة، كما ثبت في حديث ابن أم مكتوم - وهو رجل أعمى - أنه قال: «يا رسول الله،
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/375)
ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال فأجب (1) » أخرجه مسلم في صحيحه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (2) » أخرجه ابن ماجه، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم بإسناد صحيح، قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) ، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «لقد رأيتنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق أو مريض (3) » والمقصود: أنه يجب على المؤمن أن يصلي في المسجد، ولا يجوز له التساهل والصلاة في البيت مع قرب المسجد. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(2) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (654) ، سنن أبو داود الصلاة (550) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (777) ، مسند أحمد بن حنبل (1/382) .(10/376)
حكم تأخير الصلاة عن وقتها من أجل الدراسة (1) .
س: يوجد بعض الإخوة المسلمين الدارسين في أمريكا لا يستطيعون أداء الصلاة في وقتها سواء مع الجماعة أو منفردين، وذلك بسبب أوقات المحاضرات الدراسية هنا في الجامعات الأمريكية، كما أن بعض الإخوة لا يستطيعون أداء صلاة الجمعة لمدة طويلة قد تصل إلى فصل دراسي كامل، فما الحكم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1511) بتاريخ 11 \ 5 \ 1416 هـ.(10/376)
ج: يجب على كل مسلم أن يصلي الصلاة في وقتها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها من أجل بعض الدروس أو المحاضرات إلا أن يكون مسافرا يجوز له الجمع، أو مريضا يشق عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها، وأنت وأمثالك ليس لكم حكم المسافرين، لعزمكم على الإقامة لمدة طويلة، والمسافر متى عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام لزمه أن يصلي صلاة المقيم أربعا، وليس له الجمع عند جمهور أهل العلم، فالواجب على كل مسلم في أي مكان أن يراقب الله سبحانه، وأن يصلي الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، وأن يحذر التساهل في ذلك، أو الترخص في الجمع بغير عذر شرعي.
وعليه أن يصلي صلاة الجمعة مع المسلمين إذا كان في مكان تقام فيه صلاة الجمعة، ولا يجوز له التساهل في ذلك.
وفق الله المسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه، إنه سميع قريب. .(10/377)
حكم تأخير العامل للصلاة إلى الليل بحجة برودة الماء وعدم وجود وقت للصلاة (1) .
س: السائل: م. س. أ - من مصر يقول: أنا أعمل في العراق، وأقوم من الصباح ولا أرجع إلا المغرب، ولا يظل عندي وقت لأجل أن أصلي، ومكان الماء بارد جدا، ولا أستطيع الوضوء فأؤجل الصلاة، فما الحكم في ذلك؟
ج: الواجب على المسلم أن يتقي الله أينما كان، وأن يذكر أنه
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (52)(10/377)
موقوف بين يديه سبحانه، ومسئول يوم القيامة عن ما قصر فيه، وعن ما ارتكبه من الحرام، وعن ما ضيعه من واجب، والله يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (1) ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (2) والصلاة هي عمود الإسلام، وهي أعظم واجب بعد الشهادتين، فلا يجوز للمسلم أن يضيعها في الوقت من أجل حظه العاجل، ودنياه الفانية. فيجب عليك أيها السائل أن تصلي الصلاة في أوقاتها، وليس لك تأخيرها من أجل أعمالك الدنيوية، بل عليك أن تصليها حسب الطاقة، فإن استطعت أن تتوضأ بالماء وجب عليك ذلك، ولو بالتدفئة إذا كان باردا لأنه يجب عليك ذلك، فإن لم تجد إلا ماء باردا لا تستطيع الوضوء بها ولا تستطيع تسخينه بالنار، فعليك أن تصلي بالتيمم في الوقت، وليس لك التأجيل، كالمسافر الذي يكون في البر ليس عنده ماء، فعليه أن يتيمم ويصلي، أما تأجيل الصلاة من أجل الرفاهية، أو من أجل الحظ العاجل من الدنيا، أو من أجل الأعمال الدنيوية- فهذا منكر عظيم، وفساد كبير، وخطأ عظيم، لا يجوز للمسلم فعله أبدا.
__________
(1) سورة لقمان الآية 33
(2) سورة الحشر الآية 18(10/378)
تأخير العمل ليس عذرا في تأخير الصلاة.
س: غالبا ما تفوتني صلاة العصر. وأصليها في المنزل، وذلك بسبب عملي الذي لا ينتهي إلا بأذان العصر، وأخرج من العمل وأنا مرهق، وليس لدي وقت للراحة والأكل، ولا أقدر على الصلاة في وقتها، فهل يصح لي الصلاة في البيت وتأخير الصلاة عن وقتها؟
ج: ليس ما ذكرته عذرا يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة، بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل، ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك؛ لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين في الجماعة، وليس ما ذكرته عذرا شرعيا في تأخيرها، ولكن ذلك من خداع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، ومن ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله عز وجل. فاحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة، وتفوز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة. وقاك الله شر نفسك، وأعاذك من نزغات الشيطان.(10/379)
تأخير الحارس للصلاة عن وقتها (1) .
س: جندي مكلف بحراسة أحد الأماكن وحان وقت صلاة العصر ولم يصلها إلا بعد صلاة المغرب؛ لأنه لم يجد من ينيبه للقيام بخفارته، هل عليه إثم في تأخيرها؟ وماذا يفعل من هو على تلك الحال؟
ج: لا يجوز للحارس وغيره أن يؤخر الصلاة عن وقتها؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (2) أي: مفروضة في الأوقات، ولأدلة أخرى من الكتاب والسنة.
وعليه أن يصلي الصلاة في وقتها مع قيامه بالحراسة، كما صلى المسلمون مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف وهم مصافون للعدو. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في كتاب الدعوة (الفتاوى) لسماحته، الجزء الثاني ص 139، 140.
(2) سورة النساء الآية 103(10/380)
تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل (1) .
س: نحن عمال في مزرعة نصلي جميعا الفرائض لبعد المسجد عنا حوالي 2 كيلو متر وعدم سماعنا للأذان، ونحن نؤذن ونقيم في المزرعة، وربما أخرنا الصلاة عن وقتها نصف ساعة من أجل العمل، فما الحكم في ذلك؟
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (57)(10/380)
ج: لا حرج في الصلاة في المزرعة إذا كان المسجد بعيدا عنكم، وهكذا التأخير للصلاة عن أول الوقت نصف الساعة أو نحو ذلك لا حرج فيه، لكن الصلاة في أول الوقت أفضل إلا إذا اشتد الحر في صلاة الظهر فالإبراد أفضل، وهكذا إذا تأخر الجماعة في صلاة العشاء عن أول الوقت فإن الإمام يوافقهم؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان يراعي الجماعة في صلاة العشاء، فإن رآهم اجتمعوا عجل، وإن رآهم تأخروا أخر (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (565) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (646) ، سنن النسائي المواقيت (527) ، سنن أبو داود الصلاة (397) ، مسند أحمد بن حنبل (3/369) ، سنن الدارمي الصلاة (1184) .(10/381)
تأخير الصلاة عن وقتها بسبب بعض الأعمال العسكرية.
س: أنا رجل أعمل في أعمال عسكرية قد تلجئني إلى تأخير الصلاة عن وقتها كالعصر ولا أستطيع العصيان؛ لأن العاصي يعاقب بالفصل أو السجن إلى آخره.
ج: لا يخفى أن الصلاة عمود الإسلام، وأنها الركن الثاني من أركانه الخمسة، وأن أداءها في الوقت من أهم شرائطها، وأن طاعة المخلوق في المعصية غير جائزة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعة في المعروف (1) » وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2) » .
__________
(1) صحيح البخاري الأحكام (7145) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/82) .
(2) صحيح البخاري أخبار الآحاد (7257) ، صحيح مسلم الإمارة (1840) ، سنن النسائي البيعة (4205) ، سنن أبو داود الجهاد (2625) ، مسند أحمد بن حنبل (1/94) .(10/381)
إذا علم هذا فالواجب عليك أداء الصلاة في وقتها، وعدم تأخيرها عنه، لكن يجوز عند الحاجة الشديدة الجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما. كالمسافر والمريض ونحوهما، أما تأخير العصر إلى أن تصفر الشمس، أو العشاء إلى ما بعد نصف الليل، فهذا أمر لا يجوز مطلقا. فالواجب عليكم العناية بهذا الأمر، وعرض كتابي هذا على المسئولين لديكم، وهم إن شاء الله سيقومون بما يوافق الشرع، فإن لم يمتثلوا فأفيدونا ونحن إن شاء الله نتصل بالجهات المسئولة لإجراء اللازم. وفق الله الجميع لما فيه صلاح أمر الدنيا والآخرة، وهدانا جميعا صراطه المستقيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(10/382)
تأخير العمال لصلاتي الظهر والعصر إلى الليل (1) .
س: كثير من العمال يؤخرون صلاتي الظهر والعصر إلى الليل، معللين ذلك بأنهم منشغلون بأعمالهم، أو أن ثيابهم نجسة، أو غير نظيفة، فبماذا توجهونهم؟
ج: لا يجوز للمسلم أو المسلمة تأخير الصلاة المفروضة عن وقتها، بل يجب على كل مسلم ومسلمة من المكلفين أن يؤدوا الصلاة في وقتها
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.(10/382)
حسب الطاقة، وليس العمل عذرا في تأخيرها، وهكذا نجاسة الثياب ووساختها، كل ذلك ليس بعذر.
وأوقات الصلاة يجب أن تستثنى من العمل، وعلى العامل وقت الصلاة أن يغسل ثيابه من النجاسة، أو يبدلها بثياب طاهرة.
أما الوسخ فليس مانعا من الصلاة فيها، إذا لم يكن ذلك الوسخ من النجاسات، أو فيه رائحة كريهة تؤذي المصلين، فإن كان الوسخ يؤذي المصلين بنفسه أو رائحته وجب على المسلم غسله قبل الصلاة، أو إبداله بغيره من الثياب النظيفة؛ حتى يؤدي الصلاة مع الجماعة.
ويجوز للمعذور شرعا- كالمريض والمسافر- أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا يجوز الجمع في المطر والوحل الذي يشق على الناس.(10/383)
الوقت الضروري لصلاة الظهر والعصر والمغرب (1) .
س: السائل: ي. ع - من الخرطوم - جمهورية السودان يقول: أرجو أن تفيدوني عن الوقت الضروري لكل من صلاة الظهر، والعصر، والمغرب.
ج: أما الظهر: فليس لها وقت ضروري، بل كل وقتها اختياري، فإذا زالت الشمس دخل وقت الظهر، ولا يزال الوقت اختياريا إلى أن
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (51) .(10/383)
يصير ظل كل شيء مثله بعد فيء الزوال، وكل هذا وقت اختياري، لكن الأفضل تقديمها في أول الوقت بعد الأذان وصلاة الراتبة، ويتأنى الإمام بعض الشيء حتى يتلاحق الناس، هذا هو الأفضل. وأما العصر: ففيها وقت اختياري، ووقت ضروري، أما الاختياري: فمن أول الوقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا اصفرت الشمس فهذا هو وقت الضرورة إلى أن تغيب الشمس، ولا يجوز التأخير إليه، فإن صلاها في ذلك الوقت فقد أداها في الوقت، لكن لا يجوز التأخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس (1) » ويقول في المنافق: «تلك صلاة المنافق تلك صلاة المناقق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا (2) » فذكر صلى الله عليه وسلم أن التأخير هو وصف المنافقين، فالمؤمن لا يؤخرها إلى أن تصفر الشمس، بل يبادر فيصليها قبل أن تصفر الشمس في وقت الاختيار.
وأما المغرب: فوقته كله وقت اختيار أيضا، من حين تغرب الشمس إلى أن يغيب الشفق، كله وقت اختيار، لكن تقديمها في أول الوقت أفضل؛ لأن النبي كان يصليها في أول الوقت عليه الصلاة والسلام، إذا غربت الشمس وأذن المؤذن أخر قليلا، ثم أقام عليه الصلاة والسلام وصلاها في أول الوقت، ولو أخرها بعض الشيء فلا بأس، ما دام أداها في وقتها، ووقتها ينتهي بغياب الشفق، فإذا غاب الشفق - وهو: الحمرة في جهة المغرب - انتهى وقت المغرب ودخل وقت
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (612) ، سنن النسائي المواقيت (522) ، سنن أبو داود الصلاة (396) ، مسند أحمد بن حنبل (2/210) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (622) ، سنن الترمذي الصلاة (160) ، سنن النسائي المواقيت (511) ، سنن أبو داود الصلاة (413) ، مسند أحمد بن حنبل (3/103) ، موطأ مالك النداء للصلاة (512) .(10/384)
العشاء إلى نصف الليل، وما بعد نصف الليل وقت ضرورة لوقت العشاء، فلا يجوز التأخير لما بعد نصف الليل.
ولكن ما بين غروب الشفق إلى نصف الليل كله وقت اختياري للعشاء، فلو صلاها بعد نصف الليل أداها في الوقت، لكن يأثم؛ لأنه أخرها إلى وقت الضرورة.
أما الفجر: فكل وقتها اختياري، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، هذا كله وقت اختياري، لكن الأفضل أن تقدم في أول وقتها ولا تؤخر عن أول وقتها؛ تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لأنه كان يصليها بغلس بعد اتضاح الصبح.
والله ولي التوفيق.(10/385)
حد الإبراد بصلاة الظهر (1) .
س: هل هناك حد للإبراد بصلاة الظهر كساعة أو ساعتين بعد دخول الوقت مثلا؟
ج: المشروع للإمام أن يبرد بالظهر في حال شدة الحر، ولو في السفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم (2) » وليس له حد محدود فيما نعلم، وإنما يشرع للإمام التحري في ذلك، فإذا انكسرت شدة الحر وكثر الظل في الأسواق كفى ذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في كتاب الدعوة (الفتاوى) لسماحته، الجزء الثاني 93.
(2) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (537) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (615) ، سنن النسائي المواقيت (500) ، سنن أبو داود الصلاة (402) ، سنن ابن ماجه الصلاة (677) ، مسند أحمد بن حنبل (2/462) ، موطأ مالك وقوت الصلاة (28) ، سنن الدارمي الصلاة (1207) .(10/385)
تأخير صلاة المغرب إلى وقت العشاء
س: سؤال من: أ. ع. ح. يقول: أذهب وبعض أهلي إلى بلد مجاور يبعد حوالي الخمسين كيلو مترا عن بلدنا لشراء بعض الحاجات ونرجع مع المغرب، وقد لا نخرج إلا متأخرين بسبب الزحام وضيق وقت المغرب وقد لا نصل إلا مع أذان العشاء الآخر، أي: بعد فوات وقت المغرب، هل يجوز لنا في هذه الحالة نظرا لبعد البلد والمشقة التي تلحق بالنساء تأخير صلاة المغرب حتى نصل بلدنا؟
ج: لا حرج في تأخير المغرب والحال ما ذكر إلى أن تصلوا إلى البلد دفعا للمشقة، وإن تيسر فعلها في الطريق فهو أولى.(10/386)
الواجب أن تكون صلاة العشاء قبل نصف الليل (1)
س: سائلة تقول: ما حكم تأخير صلاة العشاء حتى السادسة مساء بالتوقيت الغروبي؟
ج: الواجب أن تكون صلاة العشاء قبل نصف الليل، ولا يجوز تأخيرها إلى نصف الليل. لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل (2) » .
__________
(1) من برنامج نور على الدرب. .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (612) ، سنن النسائي المواقيت (522) ، سنن أبو داود الصلاة (396) ، مسند أحمد بن حنبل (2/210) .(10/386)
فعليك أن تصليها قبل نصف الليل على حسب دورات الفلك، فإن الليل يزيد وينقص، والضابط: هو نصف الليل بالساعات، فإذا كان الليل عشر ساعات لم يجز لك أن تؤخريها إلى نهاية الساعة الخامسة، وإذا كان الليل إحدى عشرة ساعة لم يجز تأخيرها إلى نهاية الساعة الخامسة والنصف وهكذا، وأفضل ما يكون: أن تكون في الثلث الأول، ومن صلاها في أول الوقت فلا بأس، لكن إذا أخرت بعض الوقت فهو الأفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم «كان يستحب أن يؤخر صلاة العشاء بعض الوقت (1) » ، ومن صلاها في أول الوقت بعد غروب الشفق- وهو: الحمرة التي في الأفق الطولي- فلا بأس. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (547) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (647) ، سنن النسائي المواقيت (530) ، سنن أبو داود الصلاة (398) ، سنن الدارمي الصلاة (1300) .(10/387)
هل يستحب تأخير صلاة العشاء للنساء (1) .
س: سمعت أنه يستحب تأخير وقت صلاة العشاء للرجال فهل يجوز ذلك للنساء؟
ج: الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يستحب للرجال والنساء تأخير صلاة العشاء؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما «أخرها ذات ليلة إلى نحو ثلث الليل قال إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي (2) » .
__________
(1) برنامج نور على الضرب، الشريط رقم (10) .
(2) سنن الترمذي الطهارة (23) .(10/387)
فإذا تيسر تأخيرها بدون مشقة فهو أفضل، فلو كان أهل القرية أو جماعة في السفر أخروها؛ لأنه أرفق بهم إلى ثلث الليل فلا بأس بذلك، بل هو أفضل، لكن لا يجوز تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل، فالنهاية نصف الليل، يعني: وقت العشاء يتحدد آخره بنصف الليل - أي: الاختياري - كما في حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وقت العشاء إلى نصف الليل (1) » .
أما إذا كان تأخيرها قد يشق على بعض الناس فإن المشروع تعجيلها؛ ولهذا قال جابر رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم في العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر (2) » وقال أبو برزة رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء (3) » .
فالخلاصة: أن تأخيرها أفضل إذا تيسر ذلك بدون مشقة، ولكن لا يجوز تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (612) ، سنن النسائي المواقيت (522) ، سنن أبو داود الصلاة (396) ، مسند أحمد بن حنبل (2/210) .
(2) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (560) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (646) ، سنن النسائي المواقيت (527) ، سنن أبو داود الصلاة (397) ، مسند أحمد بن حنبل (3/369) ، سنن الدارمي الصلاة (1184) .
(3) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (547) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (647) ، سنن النسائي المواقيت (530) ، سنن أبو داود الصلاة (398) ، سنن الدارمي الصلاة (1300) .(10/388)
حكم تأخير صلاة العشاء (1) .
س: سؤال من: أبو سعد - الرياض يقول: يحتج بعض الناس عندما تقول لهم: لماذا تؤخر صلاة العشاء أثناء العمل أو غيره؟ فيقول: إن صلاة العشاء إلى قبل منتصف الليل والوقت واسع في ذلك.
أرجو من سماحتكم تبيان هذه المسألة والحكم فيها مع الدليل على ذلك. والله يحفظكم ويسدد خطاكم.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1489) بتاريخ 27 \ 11 \ 1415 هـ.(10/388)
ج: يجب على كل مسلم أن يصلي مع الجماعة صلاة العشاء وغيرها، ولا يجوز تأخيرها والاشتغال بالعمل؛ لأن أداءها في الجماعة أمر واجب، فلا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة إلا بعذر شرعي، كالمرض، ونحوه. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (1) » قيل لابن عباس: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) .
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(10/389)
حكم من يصلى الفجر بعد طلوع الشمس
س: وردتنا هذه الرسالة من خ. أ. خ - من الرياض - جاء فيها: (لي صديق يسكن بالقرب مني، والمسجد قريب منا جدا، وصديقي لا يذهب لصلاة الصبح ويقضي وقت الليل في مشاهدة التلفاز ولعب الورق ويسهر حتى الساعات الأولى من الصباح ولا يصلي الصبح إلا بعد طلوع الشمس، ولقد عاتبته كثيرا وكان عذره أنه لا يسمع الأذان مع أن المسجد قريب منا جدا، وقد أبديت له رغبتي بأني سوف أوقظه لصلاة الصبح، وفعلا أذهب إليه وأوقظه، ولكنني لا أشاهده في المسجد ومن ثم آتي إليه بعد الصلاة وأجده نائما فاعتب عليه ويعتذر بأعذار واهية، وكان يقول لي في بعض الأحيان: إنك مسؤول عني أمام الله يوم القيامة؛ لأنني جارك.(10/389)
أرجو من سماحتكم أن تفيدوني في ذلك، وهل أنا ملزم فعلا بإيقاظه للصلاة؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يسهر سهرا يترتب عليه إضاعته لصلاة الفجر في الجماعة أو في وقتها، ولو كان ذلك في قراءة القرآن، أو طلب العلم، فكيف إذا كان سهره على التلفاز أو لعب الورق أو ما أشبه ذلك.؟ وهو بهذا العمل آثم ومستحق لعقوبة الله سبحانه، كما أنه مستحق للعقوبة من ولاة الأمر بما يردعه وأمثاله. وتأخير الصلاة إلى ما بعد طلوع الشمس كفر أكبر إذا تعمد ذلك عند جمع من أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » رواه مسلم في صحيحه، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا ووبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن، عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بإسناد صحيح. وفي الباب أحاديث أخرى وآثار تدل على كفر من أخر الصلاة عن وقتها عمدا وبلا عذر شرعي. والواجب على المسلم أن يحافظ على الصلاة في وقتها، وأن يستعين على ذلك بمن يوقظه لها من أهله أو إخوانه، أو بإيجاد ساعة يركدها على وقت الصلاة. وعليه وعلى أمثاله ألا يسهر سهرا يسبب نومهم عن صلاة الفجر ولو في أمر مباح أو مستحب، فكيف إذا كان السهر على ما هو محرم
__________
(1) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .(10/390)
من الملاهي أو مشاهدة ما حرم الله في التلفاز أو غيره؟ أصلح الله حال الجميع. وعليك أيها السائل أن تعينه على ذلك، وتنصحه كثيرا، فإن أصر على عمله القبيح فارفع أمره إلى مركز الهيئة حتى تعاقبه بما يستحق، ولا يلزمك أن توقظه ما دام على فعله القبيح لا ينتفع بالإيقاظ ولا يأخذ بالأسباب. نسأل الله للجميع الهداية والاستقامة على الحق.(10/391)
حكم فعل من لا يوقظ أهله
لصلاة الفجر إلا بعد عودته من المسجد (1)
س: أنا أقوم لصلاة الفجر والحمد لله ولكنني لا أوقظ أهلي إلا بعد أن أعود من المسجد، فما حكم فعلي هذا جزاكم الله خيرا.
ج: فعلك هذا جائز إذا كنت توقظهم في وقت يتمكنون فيه من الطهارة والصلاة قبل طلوع الشمس، ولكن الأفضل لك أن توقظهم من حين الأذان؛ حتى يؤدوا الصلاة مبكرين؛ لأن الصلاة في أول وقتها أفضل، أما إذا كنت يلحقك مشقة من إيقاظهم قبل الصلاة بحيث تخشى أن تفوتك صلاة الجماعة، فاذهب وصل مع الجماعة ثم ارجع إليهم فأيقظهم، والأفضل لك أن توقظهم قبل الأذان؛ حتى تحتاط
__________
(1) نشرت في جريدة عكاظ في العدد (10877) ليوم الجمعة الموافق 7 \ 1 \ 1417 هـ.(10/391)
لنفسك، وحتى تؤدي الصلاة في وقتها إذا كانوا قد أوتروا، أما إذا كانوا لم يوتروا فالمشروع لك أن توقظهم قبل الفجر بوقت يتمكنون فيه من الوتر قبل أذان الفجر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع أهله.(10/392)
ما صحة حديث أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر (1) .
س: يتأخر البعض في صلاة الفجر حتى الإسفار معللين ذلك: بأنه ورد فيه حديث وهو: «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر (2) » هل هذا الحديث صحيحا وما الجمع بينه وبين حديث: «الصلاة على وقتها (3) » ؟
ج: الحديث المذكور صحيح، أخرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، عن رافع بن خديج رضي الله عنه، وهو لا يخالف الأحاديث الصحيحة الدالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس، ولا يخالف أيضا حديث: «الصلاة لوقتها (4) » وإنما معناه عند جمهور أهل العلم: تأخير صلاة الفجر إلى أن يتضح الفجر، ثم تؤدى قبل زوال الغلس، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤديها، إلا في مزدلفة فإن الأفضل التبكير بها من حين طلوع الفجر؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في حجة الوداع.
وبذلك تجتمع الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت أداء صلاة الفجر، وهذا كله على سبيل الأفضلية.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة قدمها لسماحتة بعض طلبة العلم عام 1413 هـ.
(2) سنن الترمذي الصلاة (154) ، سنن النسائي المواقيت (548) ، سنن أبو داود الصلاة (424) ، سنن ابن ماجه الصلاة (672) ، مسند أحمد بن حنبل (4/142) ، سنن الدارمي الصلاة (1217) .
(3) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (527) ، صحيح مسلم الإيمان (85) ، سنن الترمذي البر والصلة (1898) ، سنن النسائي المواقيت (610) ، مسند أحمد بن حنبل (1/439) ، سنن الدارمي الصلاة (1225) .
(4) صحيح البخاري التوحيد (7534) ، صحيح مسلم الإيمان (85) ، سنن الترمذي البر والصلة (1898) ، سنن النسائي المواقيت (611) ، مسند أحمد بن حنبل (1/444) ، سنن الدارمي الصلاة (1225) .(10/392)
ويجوز تأخيرها إلى آخر الوقت قبل طلوع الشمس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وقت الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس (1) » رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (612) ، سنن النسائي المواقيت (522) ، سنن أبو داود الصلاة (396) ، مسند أحمد بن حنبل (2/210) .(10/393)
وقت أذان وصلاة الفجر (1)
س: يؤذن الفجر عندنا قبل طلوع الشمس بساعة وأربعين دقيقة ونصلي صلاة الفجر بعد الأذان بعشرين دقيقة تقريبا يعني قبل طلوع الشمس بساعة وعشرين دقيقة هل صلاتنا موافقة للسنة؟
ج: نعم، الصلاة صحيحة إن شاء الله؛ لأن الغالب أن بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ساعة ونصف تقريبا، لكن لو أخرتم وصليتم قبل الشمس بساعة أو ساعة وخمس دقائق يكون أحوط وأحسن، والأذان قبل طلوع الشمس بساعة وأربعين دقيقة فيه تبكير، وهو أذان قبل الوقت، فلو أخر وأذن قبل طلوع الشمس بساعة ونصف تقريبا يكون هذا أحوط لدخول الوقت، فإذا كانت الصلاة قبل طلوع الشمس بساعة ونحوها فهو أحوط لأداء الصلاة في وقتها؛ لأن الغالب أن بين طلوع الفجر وطلوع الشمس نحو ساعة ونصف، أو ساعة ونصف إلا خمس
__________
(1) من برنامج نور على الضرب، الشريط رقم (18)(10/393)
دقائق، أو ما يقارب هذا، فالمؤمن يحتاط لهذا الأمر ولا يعجل، لا في الأذان، ولا في الصلاة، فالتأخير أحوط في مثل هذا حتى يتأكد من دخول الوقت.(10/394)
كيفية الصلاة في الأماكن التي
يطول فيها الليل أو النهار
(1) .
س: قد يستمر الليل أو النهار في بعض الأماكن لمدة طويلة، وقد يقصر جدا بحيث لا يتسع لأوقات الصلوات الخمس فكيف يؤدي ساكنوها صلاتهم؟
ج: الواجب على سكان هذه المناطق التي يطول فيها النهار أو الليل أن يصلوا الصلوات الخمس بالتقدير إذا لم يكن لديهم زوال ولا غروب لمدة أربع وعشرين ساعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النواس بن سمعان، المخرج في صحيح مسلم في يوم الدجال الذي كسنة، سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: «اقدروا له قدره (2) » .
وهكذا حكم اليوم الثاني من أيام الدجال، وهو اليوم الذي كشهر، وهكذا اليوم الذي كأسبوع.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.
(2) صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2937) ، سنن الترمذي الفتن (2240) ، سنن أبو داود الملاحم (4321) ، سنن ابن ماجه الفتن (4075) ، مسند أحمد بن حنبل (4/182) .(10/394)
أما المكان الذي يقصر فيه الليل ويطول فيه النهار أو العكس في أربع وعشرين ساعة فحكمه واضح: يصلون فيه كسائر الأيام، ولو قصر الليل جدا أو النهار؛ لعموم الأدلة. والله ولي التوفيق.(10/395)
حكم من صلى والدخان في جيبه (1) .
س: ما حكم من صلى والدخان في جيبه وهو ساه أو متعمد؟
ج: الدخان من المحرمات الضارة بالإنسان، وهو من الخبائث التي حرمها الله عز وجل، وهكذا بقية المسكرات من سائر أنواع الخمور. لما فيها من مضرة عظيمة، وهكذا القات المعروف عند أهل اليمن وغيرهم محرم؛ لما فيه من المضار الكثيرة، وقد نص كثير من أهل العلم على تحريمه.
والدخان فيه خبث كثير وضرر كثير، فلا يجوز شربه ولا بيعه ولا شراؤه ولا التجارة فيه، وقد قال جل وعلا في كتابه العظيم: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (2) فلم يحل الله لنا الخبائث، والدخان ليس من الطيبات، بل هو خبيث الطعم، خبيث الرائحة، عظيم المضرة، وهو من أسباب موت السكتة، ومن أسباب أمراض كثيرة- فيما ذكره الأطباء، منها: السرطان.
فالمقصود: أنه مضر جدا، وخبيث، وحرام بيعه وشراؤه، وحرام التجارة فيه.
__________
(1) نور على الدرب، الشريط رقم (52) .
(2) سورة المائدة الآية 4(10/395)
أما الصلاة وهو في الجيب فلا يضر، فالصلاة صحيحة؛ لأنه شجر ليس بنجس، ولكنه محرم ومنكر كما سبق، لكن لو صلى وهو في جيبه عامدا أو ساهيا فصلاته صحيحة، ويجب عليه إتلافه، والحذر منه، والتوبة إلى الله عما سلف من تعاطيه.(10/396)
حكم من شك في نجاسة ثوبه وهو يصلي.
س: الأخ: م. ع. ز- بعث سؤالا يقول فيه: إذا شك الإمام في نجاسة ثوبه ولم ينصرف من الصلاة لمجرد الشك، فلما أنهى الصلاة وجد النجاسة في ثوبه فما الحكم؟ وهل ينصرف من الصلاة في مثل هذه الحالة لمجرد الشك أم ينتظر إلى أن يقضي صلاته؟
ج: إذا شك المصلي في وجود نجاسة في ثوبه وهو في الصلاة لم يجز له الانصراف منها، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، وعليه أن يتم صلاته، ومتى علم بعد ذلك وجود النجاسة في ثوبه فليس عليه قضاء في أصح قولي العلماء؛ لأنه لم يجزم بوجودها إلا بعد الصلاة.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلع نعليه وهو في الصلاة لما أخبره جبرائيل عليه السلام: أن بهما قذرا، ولم يعد أول الصلاة، بل استمر في صلاته.(10/396)
أما لو صلى يعتقد أنه على طهارة، ثم بان بعد الصلاة أنه محدث أو أنه لم يغتسل من الجنابة، فإن عليه أن يتطهر، ويعيد بإجماع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول (1) » أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (2) » متفق على صحته.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم الطهارة (224) ، سنن الترمذي الطهارة (1) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (272) ، مسند أحمد بن حنبل (2/73) .
(2) صحيح البخاري الوضوء (135) ، صحيح مسلم الطهارة (225) ، سنن الترمذي الطهارة (76) ، سنن أبو داود الطهارة (60) ، مسند أحمد بن حنبل (2/308) .(10/397)
من وجد النجاسة بعد الصلاة في ملابسه (1)
س: سؤال من: ع. س. م - من الرياض يقول: رجل صلى الصلاة، وبعدها بفترة وجد في ملابسه نجاسة فهل يعيد الصلاة؟ علما بأن الصلاة قبل خمسة أشهر.
ج: إذا كان لم يعلم نجاستها إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره جبرائيل وهو في الصلاة: أن في نعليه قذرا، خلعهما، ولم يعد أول الصلاة.
وهكذا لو علمها قبل الصلاة ثم نسي فصلى فيها، ولم يذكر إلا بعد الصلاة. لقول الله عز وجل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله قد استجاب هذا الدعاء» رواه مسلم في صحيحه.
__________
(1) نشرت في كتاب الدعوة (الفتاوى) لسماحته، الجزء الثاني، ص 91، 92.
(2) سورة البقرة الآية 286(10/397)
من وجد على لباسه بقع دم كيف يصلي.
س: من على لباسه بقع دم هل يصلي بها أم ينتظر حتى يحضر له لباس نظيف.
ج: يصلي على حسب حاله، فلا يدع الصلاة حتى يخرج الوقت، بل يصلي على حسب حاله إذا لم يمكنه غسلها ولا إبدالها بثياب طاهرة قبل خروج الوقت؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)
والواجب على المسلم أن يغسل ما به من الدم، أو يبدل ثوبه النجس بثوب آخر طاهر إذا استطاع ذلك، فإن لم يستطع ذلك صلى على حسب حالها ولا إعادة عليه؛ للآية الكريمة، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم (2) » متفق على صحته.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) صحيح البخاري الاعتصام بالكتاب والسنة (7288) ، صحيح مسلم الفضائل (1337) ، سنن الترمذي العلم (2679) ، سنن النسائي مناسك الحج (2619) ، سنن ابن ماجه المقدمة (2) ، مسند أحمد بن حنبل (2/508) .(10/398)
حكم صلاة من مس ثوبه وجسده نجاسة ابنته الصغيرة (1) .
س: سؤال من: م. هـ. م - مكة المكرمة يقول: في أثناء صلاتي مستني ابنتي الصغيرة التي لم تبلغ سبع سنين وكان عليها بول، فأصبت بالبلل على ثيابي وجسدي، فما حكم صلاتي؟
ج: إذا كنت لم تعلم بذلك إلا بعد الصلاة فصلاتك صحيحة، وهكذا من صلى وفي ثوبه أو بدنه نجاسة، فنسيها ولم يذكر إلا بعد الصلاة، فإن صلاته صحيحة؛ لقول الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2)
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن الله سبحانه وتعالى قال قد فعلت (3) » وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه دخل في الصلاة ذات يوم وفي نعليه قذر فأخبره جبرائيل بذلك فخلع نعليه واستمر في صلاته ولم يعد أولها» فدل ذلك على أن الجهل بالنجاسة عذر في حق من جهلها حال الصلاة حتى سلم، وفي حق من نبه عليها أثناء الصلاة فأزال الشيء الذي فيه نجاسة؛ كالنعل والعمامة والبشت ونحو ذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) صحيح مسلم الإيمان (126) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (2992) .(10/399)
بلل الأطفال في الفرش والثياب (1) .
س: السائلة: م. ص. ع- من رأس الخيمة تقول: أنا امرأة كبيرة السن، وكفيفة البصر، ولي مجموعة من الأطفال الصغار وأعمارهم متقاربة، ودائما أحس برطوبة في ملابسي وعلى الفرش الموجودة في المنزل من بولهم فأحيانا أحس بها وأغسلها، وأحيانا لا أحس بها إلا بعد الصلاة، وليس عندي من يساعدني على نظافتهم فكيف أصلي؟ وهل يحوز لي أن أبني على اليقين؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
ج: الواجب عليك متى علمت شيئا من النجاسة أن تغسليها سواء أكانت على الملابس أم على شيء من البدن قبل الصلاة، فإن صليت ولم تعلمي إلا بعد الصلاة فليس عليك إعادة في أصح أقوال العلماء؛ لقول الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الله عز وجل قد قبل هذا الدعاء) ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصلي ذات يوم في نعليه فأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام: أن فيهما قذرا، فخلعهما وأتم صلاته.
أما النجاسة على الأرض أو على الفرش، فالواجب أن يصب عليها ماء أكثر منها، وتطهر بذلك؛ لأنه ثبت عن أبي هريرة، وأنس رضي الله عنهما: «أن أعرابيا بال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بوله دلو من الماء (3) » .
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (175) لشهر شعبان من عام 1412 هـ.
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) صحيح البخاري الأدب (6128) ، سنن الترمذي الطهارة (147) ، سنن النسائي الطهارة (56) ، سنن أبو داود الطهارة (380) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (529) ، مسند أحمد بن حنبل (2/239) .(10/400)
ويشرع لك أن تستعيني بمن يزورك من الرجال المحارم والثقات أو النساء الثقات على معرفة مواضع البول من الفراش، حتى يصب عليها الماء.
وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه وبراءة الذمة.(10/401)
من صلى وفي ثوبه نجاسة ولم يعلم (1) .
س: من وجد في ثوبه نجاسة بعدما سلم من صلاته، هل يعيد صلاته؟ .
ج: من صلى وفي بدنه أو ثوبه نجاسة ولم يعلم إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة في أصح قولي العلماء، وهكذا لو كان يعلمها سابقا ثم نسيها وقت الصلاة ولم يذكر إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة. لقول الله عز وجل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2) «فقال الله قد فعلت (3) » كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى في بعض الأيام وفي نعله قذر فأخبره جبرائيل بذلك فخلعها واستمر في صلاته ولم يستأنفها، وهذا من تيسير الله سبحانه ورحمته بعباده.
أما من صلى ناسيا الحدث فإنه يعيد الصلاة بإجماع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور ولا صدقة من
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة.
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) صحيح مسلم الإيمان (126) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (2992) .(10/401)
غلول (1) » أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (2) » متفق على صحته.
__________
(1) صحيح مسلم الطهارة (224) ، سنن الترمذي الطهارة (1) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (272) ، مسند أحمد بن حنبل (2/73) .
(2) صحيح البخاري الوضوء (135) ، صحيح مسلم الطهارة (225) ، سنن الترمذي الطهارة (76) ، سنن أبو داود الطهارة (60) ، مسند أحمد بن حنبل (2/308) .(10/402)
من صلى وهو طاهر لكن على قدمه
بعض النجاسة ولم يعد الصلاة (1) .
س: السائل م. ع - يقول: هل المسلم الطبيعي (غير الموسوس) إذا صلى وهو طاهر ولكن على قدمه أو جزء من جسمه بعض النجاسة ولم يعد هذه الصلاة، هل يكفر أم يعتبر مسلما عاصيا؟ والسلام عليكم ورحمة الله.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
المذكور لا يكفر بذلك، وليس عليه إعادة الصلاة إذا كان جاهلا أو ناسيا، فإن كان عالما ذاكرا حين الصلاة أن على قدمه أو جزء من جسمه نجاسة، فعليه إعادة هذه الصلاة إن كانت فريضة، مع التوبة إلى الله من ذلك.
وفق الله الجميع لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) رسالة شخصية أجاب عليها سماحته في المجلس(10/402)
إذا خرج الدم من أنف المصلي فما الحكم (1) .
س: سائلة تقول: ما الحكم إذا خرج الدم من أنف الإنسان وهو يصلي.
ج: إذا كان قليلا عفي عنه، وأزاله بمنديل ونحوه، وإن كان كثيرا قطع الصلاة وتنظف منه، وشرع له إعادة الوضوء؛ خروجا من خلاف العلماء، ثم يستأنف الصلاة من أولها، كما لو أحدث حدثا مجمعا عليه أثناء الصلاة كخروج الريح والبول، فإنه يقطع الصلاة ثم يتوضأ ويعيد الصلاة.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في كتاب الدعوة (الفتاوى) لسماحته، الجزء الأول، ص88.(10/403)
ما حكم الصلاة في الحدائق العامة
علما بأنها تسقى بمياه فيها رائحة كريهة
س: القارئ: س. ع. و. - من الرياض بعث بسؤال يقول فيه: ما حكم الصلاة في الحدائق العامة؟ علما أن هذه الحدائق تسقى بمياه تنبعث منها رائحة كريهة، ولقد فهمت أن(10/403)
هذه المياه مصفاة من مياه المجاري أو من آبار تتسرب إليها مياه البيارات النجسة، وهل يمنع الناس من قبل الهيئة من الصلاة في هذه الحدائق؟ أرجو إيضاح الصواب في هذه المسألة.
ج: ما دامت تنبعث منها الرائحة الكريهة فالصلاة فيها غير صحيحة؛ لأن من شروط صحة الصلاة طهارة البقعة التي يصلي عليها المسلم، فإن وضع عليها حائلا صفيقا طاهرا صحت الصلاة عليه. ولا يجوز للمسلم أن يصلي في الحدائق- ولو على حائل صفيق طاهر- بل الواجب عليه أن يصلي مع إخوانه المسلمين في بيوت الله- المساجد- التي قال فيها سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (1) {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} (2) {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (3) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر (4) » رواه ابن ماجه، والدارقطني، وابن حبان، والحاكم، وإسناده على شرط مسلم، «وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل تسمع النداء
__________
(1) سورة النور الآية 36
(2) سورة النور الآية 37
(3) سورة النور الآية 38
(4) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(10/404)
بالصلاة؟ قال نعم قال فأجب (1) » أخرجه مسلم في صحيحه.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. والواجب على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تمنع الناس من الصلاة في الحدائق، وأن تأمرهم بالصلاة في المساجد؛ عملا بقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (2) وقوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (3) الآية، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (4) » رواه مسلم في صحيحه.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(2) سورة المائدة الآية 2
(3) سورة التوبة الآية 71
(4) صحيح مسلم الإيمان (49) ، سنن الترمذي الفتن (2172) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5008) ، سنن أبو داود الصلاة (1140) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) ، مسند أحمد بن حنبل (3/10) .(10/405)
حكم كشف الرأس في الصلاة
س: إمام يصلي بالناس وليس على رأسه غطاء فما الحكم في هذا؟
ج: لا حرج في ذلك؛ لأن الرأس ليس من العورة، وإنما الواجب أن يصلي بالإزار والرداء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء (1) » لكن إذا أخذ زينته واستكمل لباسه كان ذلك أفضل؛ لقول الله جل وعلا:
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (360) ، صحيح مسلم الصلاة (516) ، سنن النسائي القبلة (769) ، سنن أبو داود الصلاة (626) ، مسند أحمد بن حنبل (2/464) ، سنن الدارمي الصلاة (1371) .(10/405)
{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1) أما إن كان في بلاد ليس من عادتهم تغطية الرأس فلا بأس عليه في كشفه.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 31(10/406)
حكم الصلاة بدون عمامة (1) .
س: هل تجوز الصلاة بدون عمامة - أي: غترة - وهل يجوز للإمام الذي يصلي بالناس أن يصلي بدون غترة، وهل تجزئ الطاقية، مع الدليل حفظكم الله تعالى؟ هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ج: الصلاة بغير عمامة لا حرج فيها؛ لأن الرأس ليس بعورة، ولا يجب ستره في الصلاة، سواء كان المصلي إماما أو منفردا أو مأموما، ولكن إذا لبس العمامة المعتادة كان أفضل، ولا سيما إذا صلى مع الناس؛ لقول الله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (2) وهي من الزينة.
ومعلوم أن المحرمين من الذكور يصلون كاشفي الرؤوس؛ لكونهم ممنوعين من سترها حال الإحرام، فعلم بذلك أن كشف الرأس في الصلاة لا حرج فيه.
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل به، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته في 19 \ 1 \ 1416 هـ.
(2) سورة الأعراف الآية 31(10/406)
حكم صلاة المرأة وهي لم تغط رأسها (1)
س: إذا اضطرت غير المحجبة إلى الصلاة أو لم تكن محجبة وفق الشريعة الإسلامية، كأن يكون بعض شعر رأسها ظاهرا أو بعض ساقها لظرف من الظررف فما الحكم؟
ج.: أولا: ينبغي أن يعلم أن الحجاب واجب على المرأة، فلا يجوز لها تركه أو التساهل فيه، وإذا وجب وقت الصلاة والمرأة المسلمة غير متحجبة الحجاب الكامل أو غير متسترة فهذا فيه تفصيل:
1 - فإن كان عدم الحجاب أو عدم التستر لظروف قهرية، فتصلي حينئذ على حسب حالها، وصلاتها صحيحة ولا إثم عليها؛ لقول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3)
2 - وإن كان عدم الحجاب أو التستر لأمور اختيارية، مثل اتباع العادات والتقاليد ونحو ذلك:
فإن كان عدم الحجاب مقتصرا على الوجه والكفين، فالصلاة صحيحة مع الإثم إذا كان ذلك بحضرة الرجال الأجانب. وإن كان الكشف وعدم التستر للساق أو الذراع أو شعر الرأس
__________
(1) نشرت في كتاب الدعوة (الفتاوى) لسماحته، الجزء الثاني، ص 94.
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) سورة التغابن الآية 16(10/407)
ونحو ذلك فلا يجوز لها الصلاة على تلك الحال، وإذا صلت حينئذ فصلاتها باطلة، وهي آثمة أيضا من وجهين:
من جهة الكشف مطلقا إذا كان عندها رجل ليس من محارمها، ومن جهة دخولها في الصلاة على تلك الحال.
أما إذا لم يكن لديها رجل غير محرم، فإن السنة لها كشف الوجه حين الصلاة، أما الكفان فهي مخيرة فيهما، فإن شاءت سترتهما، وإن شاءت كشفتهما في أصح قولي العلماء، ولكن سترهما أفضل.(10/408)
حكم وضع العباءة على الكتف أثناء الصلاة (1) .
س: الأخت التي رمزت لاسمها بـ: أمة الله - من أبها تقول في سؤالها: ما حكم وضع العباءة على الكتف أثناء الصلاة؟ مع العلم أنه لا يوجد رجال في نفس المكان.
ج: لا يجوز للمرأة وضع العباءة على الكتفين؛ لما في ذلك من التشبه بالرجال، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال (2) » .
ولكن يجب عليها أن تستر بدنها في الصلاة بغير هذه الكيفية.
أما الوجه: فالسنة للمرأة كشفه في الصلاة كالرجل إذا لم يكن لديها رجل غير محرم.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية (237) لشهر شوال من عام 1417 هـ.
(2) صحيح البخاري اللباس (5885) ، سنن الترمذي الأدب (2784) ، سنن أبو داود اللباس (4097) ، سنن ابن ماجه النكاح (1904) ، مسند أحمد بن حنبل (1/251) ، سنن الدارمي الاستئذان (2649) .(10/408)
أما الكفان فالأفضل سترهما؛ لعموم الأدلة.
وفق الله الجميع.(10/409)
تساهل كثير من النساء في ستر
الذراع وبعض الساق في الصلاة (1) .
س: يتساهل كثير من النساء في الصلاة، فيبدو ذراعاها أو شيء منهما، وكذا قدمها ربما بعض ساقها، فهل صلاتها صحيحة حينئذ؟
ج: الواجب على المرأة الحرة المكلفة ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين؛ لأنها عورة كلها.
فإن صلت وقد بدا شيء من عورتها كالساق والقدم والرأس أو بعضه لم تصح صلاتها. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار (2) » رواه أحمد، وأهل السن إلا النسائي بإسناد صحيح. والمراد بالحائض: البالغة؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة (3) » ولما روى أبو داود رحمه الله، عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تصلي في درع وخمار بغير إزار فقال إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها (4) » .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في البلوغ: (وصحح الأئمة وقفه على أم سلمة رضي الله عنها) ، فإن كان عندها أجنبي وجب عليها أيضا ستر وجهها وكفيها.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة قدمها لسماحته بعض طلبة العلم عام 1413 هـ.
(2) سنن الترمذي الصلاة (377) ، سنن أبو داود الصلاة (641) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (655) ، مسند أحمد بن حنبل (6/218) .
(3) سنن الترمذي الرضاع (1173) .
(4) سنن أبو داود الصلاة (640) ، موطأ مالك النداء للصلاة (326) .(10/409)
حكم الصلاة في الثياب الخفيفة التي لا تستر
العورة في الصلاة (1) .
س: الأخ: م. ز. أ- من رأس الخيمة يقول في سؤاله: نلاحظ أن بعض المصلين يلبسون ملابس خفيفة يستطيع الإنسان رؤية البشرة من خلالها، وهم أيضا لا يلبسون تحتها سراويل طويلة، فما حكم الصلاة في مثل هذه الثياب؟ أفتونا جزاكم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ج: الواجب على المصلي ستر عورته في الصلاة بإجماع المسلمين، ولا يجوز له أن يصلي عريانا سواء كان رجلا أو امرأة.
والمرأة أشد عورة وأكثر. وعورة الرجل: ما بين السرة والركبة، مع ستر العاتقين أو أحدهما إذا قدر على ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه: «إن كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به (2) » متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء (3) » متفق على صحته. أما المرأة فكلها عورة في الصلاة إلا وجهها.
واختلف العلماء في الكفين:
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (172) لشهر جمادى الأولى من عام 1412 هـ.
(2) صحيح البخاري الصلاة (361) ، صحيح مسلم الصلاة (518) ، سنن أبو داود الصلاة (633) ، مسند أحمد بن حنبل (3/335) ، موطأ مالك النداء للصلاة (321) .
(3) صحيح البخاري الصلاة (360) ، صحيح مسلم الصلاة (516) ، سنن النسائي القبلة (769) ، سنن أبو داود الصلاة (626) ، مسند أحمد بن حنبل (2/464) ، سنن الدارمي الصلاة (1371) .(10/410)
فأوجب بعضهم سترهما، ورخص بعضهم في ظهورهما، والأمر فيهما واسع إن شاء الله، وسترهما أفضل خروجا من خلاف العلماء في ذلك.
أما القدمان: فالواجب سترهما في الصلاة عند جمهور أهل العلم.
وخرج أبو داود رحمه الله، عن أم سلمة رضي الله عنها، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار؟ فقال صلى الله عليه وسلم «إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها (1) » قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام: (وصحح الأئمة وقفه على أم سلمة رضي الله عنها) .
وبناء على ما ذكرنا: فالواجب على الرجل والمرأة أن تكون الملابس ساترة، فإن كانت خفيفة لا تستر العورة بطلت الصلاة، ومن ذلك لبس الرجل السراويل القصيرة التي لا تستر الفخدين، ولا يلبس عليها ما يستر الفخذين، فإن صلاته والحال على ما ذكر غير صحيحة. وهكذا المرأة إذا لبست ثيابا رقيقة لا تستر العورة بطلت صلاتها، والصلاة هي عمود الإسلام، وهي أعظم أركانه بعد الشهادتين، فالواجب على جميع المسلمين ذكورا وإناثا العناية بها واستكمال شرائطها، والحذر من أسباب بطلانها؛ لقول الله عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (2) ولقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} (3)
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (640) ، موطأ مالك النداء للصلاة (326) .
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة البقرة الآية 43(10/411)
ولا شك أن العناية بشرائطها وجميع ما أوجب الله فيها داخلة في المحافظة والإقامة المأمور بها، وإذا كان عند المرأة أجنبي حين الصلاة وجب عليها ستر وجهها، وهكذا في الطواف تستر جميع بدنها؛ لأن الطواف في حكم الصلاة. وبالله التوفيق.(10/412)
الصلاة في ثوب خفيف جدا بدون سراويل طويلة (1) .
س: سائل من اليمن يقول: بعض الناس يصلون في ثوب خفيف جدا بدون سراويل طويلة، فهل صلاتهم صحيحة؟ وبما ننصحهم؟
ج: إذا كان الذي يصلي رجلا، فالواجب أن يستر ما بين السرة والركبة، وإذا كان الثوب خفيفا ترى منه العورة المذكورة، فالصلاة غير صحيحة، أما إذا كان اللباس يستر الفخدين وبقية العورة ولا يرى معه لحمته فلا حرج في ذلك، أو كان عليه سراويل وافية تستر ما بين السرة والركبة، فلا يضره كون الثوب خفيفا، لكن يشرع للرجل مع ذلك ستر العاتقين أو أحدهما. لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يصلي الرجل في ثوب ليس على عاتقه منه شيء (2) » متفق على صحته.
أما المرأة فيجب أن تستر بدنها كله في الصلاة، وأن تكون ملابسها ساترة صفيقة لا يرى من ورائها شيء من بدنها، ماعدا الوجه
__________
(1) من برنامج نور على الدرب
(2) صحيح البخاري الصلاة (359) ، صحيح مسلم الصلاة (516) ، سنن النسائي القبلة (769) ، سنن أبو داود الصلاة (626) ، مسند أحمد بن حنبل (2/464) ، سنن الدارمي الصلاة (1371) .(10/412)
فقط في الصلاة، وإن كشفت الكفين فلا بأس، لكن الأفضل سترهما، ولا يجوز لها أن تصلي في أثواب خفيفة يرى منها لحمها ويعرف لونه أحمر أو أسود، فإن كان يراها أجنبي وجب عليها ستر وجهها أيضا.(10/413)
حكم الصلاة في الثوب شبه الشفاف.
س: هل ثوب السلك شبه الشفاف يستر العورة أم لا؟ وهل تصح الصلاة والمسلم لابسه؟
ج: إذا كان الثوب المذكور لا يستر البشرة. لكونه شفافا أو رقيقا فإنه لا تصح الصلاة فيه من الرجل، إلا أن يكون تحته سراويل أو إزار يستر ما بين السرة والركبة.
وأما المرأة فلا تصح صلاتها في مثل هذا الثوب إلا أن يكون تحته ما يستر بدنها كله.
أما السراويل القصيرة تحت الثوب المذكور فلا تكفي، ويجب على الرجل إذا صلى في مثل هذا الثوب أن تكون عليه (فنيلة) ، أو شيء آخر يستر المنكبين أو أحدهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء (1) » متفق على صحته.
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (360) ، صحيح مسلم الصلاة (516) ، سنن النسائي القبلة (769) ، سنن أبو داود الصلاة (626) ، مسند أحمد بن حنبل (2/464) ، سنن الدارمي الصلاة (1371) .(10/413)
حكم الصلاة (بالبنطلون)
س: السائل: ع. ع - الرياض يقول: ما حكم لباس سروال (البنطلون) ؟ خاصة إن بعض من يلبسه ينكشف جزء من عورته، وذلك وقت ركوعه وسجوده في الصلاة.(10/413)
ج: إذا كان البنطلون - وهو: السراويل - ساترا ما بين السرة والركبة للرجل، واسعا غير ضيق صحت فيه الصلاة، والأفضل أن يكون فوقه قميص يستر ما بين السرة والركبة، وينزل عن ذلك إلى نصف الساق أو إلى الكعب؛ لأن ذلك أكمل في الستر. والصلاة في الإزار الساتر أفضل من الصلاة في السراويل إذا لم يكن فوقها قميص ساتر؛ لأن الإزار أكمل في الستر من السراويل.(10/414)
حكم ستر العاتقين في الصلاة (1) .
س: يصلي بعض الناس صلاة الفريضة وليس على عاتقيه شيء يسترهما، وخصوصا أيام الحج أثناء الإحرام. فما حكم ذلك؟
ج: إن كان عاجزا فلا شيء عليه؛ لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «إن كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به (3) » متفق على صحته.
أما مع القدرة على ستر العاتقين أو أحدهما، فالواجب عليه سترهما أو أحدهما في أصح قولي العلماء، فإن ترك ذلك لم تصح صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء (4) » متفق على صحته.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة قدمتها لسماحته بعض طلبة العلم في عام 1413 هـ.
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) صحيح البخاري الصلاة (361) ، صحيح مسلم الصلاة (518) ، سنن أبو داود الصلاة (633) ، مسند أحمد بن حنبل (3/335) ، موطأ مالك النداء للصلاة (321) .
(4) صحيح البخاري الصلاة (360) ، صحيح مسلم الصلاة (516) ، سنن النسائي القبلة (769) ، سنن أبو داود الصلاة (626) ، مسند أحمد بن حنبل (2/464) ، سنن الدارمي الصلاة (1371) .(10/415)
حكم الصلاة في ثوب مرسوم عليه صور حيوانات (1) .
س: الأخ: ز. م. ع- من اللاذقية في سوريا يقول في سؤاله: أرجو أن تفيدوني عن حكم الصلاة في ثوب مرسوم عليه صور حيوانات وجزاكم الله خيرا.
__________
(1) نشرت في المجلة العربية في العدد (157) لشهر صفر من عام 1411 هـ.(10/415)
ج: لا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأخبر أنهم يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم، وأمر بطمس الصور، ولما رأى عند عائشة رضي الله عنها سترا فيه صورة غضب وهتكه، لكن الصلاة صحيحة؛ لأن النهي عن لبس المصور عام وليس خاصا بحال الصلاة، فهو كالمغصوب وثوب الحرير للرجال تصح الصلاة فيها في أصح قولي العلماء، وعلى من فعل ذلك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعدم العود لمثله.
ولكن إذا كانت الصورة في شيء يمتهن كالبساط والوسادة ونحوهما، فلا حرج في ذلك بالنسبة لاستعمال ما فيه الصور؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، أما التصوير فمحرم مطلقا، سواء أكان فيما يعلق ويحترم أو فيما يمتهن؛ لعموم الأحاديث الدالة على تحريم التصوير ولعن المصورين.
والله ولي التوفيق.(10/416)
حكم صلاة من يلبس ساعة فيها صورة أو صليب.
س: من: إبراهيم. س- منطقة الجنوب يقول: يوجد في بعض الساعات صور لبعض الحيوانات من داخلها فهل يجوز الصلاة بها؟ وكذلك هل يجوز الصلاة بالساعة التي فيها صليب أم لا؟(10/416)
ج: إذا كانت الصور في الساعات مستورة لا ترى فلا حرج في ذلك، أما إذا كانت ترى في ظاهر الساعة أو في داخلها إذا فتحها لم يجز ذلك. لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله لعلي رضي الله عنه: «لا تدع صورة إلا طمستها (1) » .
وهكذا الصليب، لا يجوز لبس الساعة التي تشتمل عليه إلا بعد حكه أو طمسه بالبوية ونحوها؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه كان لا يرى شيئا فيه تصليب إلا نقضه) ، وفي لفظ: (إلا قضبه) .
__________
(1) صحيح مسلم الجنائز (969) ، سنن الترمذي الجنائز (1049) ، سنن النسائي الجنائز (2031) ، سنن أبو داود الجنائز (3218) ، مسند أحمد بن حنبل (1/96) .(10/417)
حمل الصور أثناء الصلاة (1) .
س: ما حكم صلاة الرجل وفي جيبه بوك يحتوي على عدد من البطاقات الهاملة لصوره؛ كالرخصة وبطاقة العمل ونحوهما؟
ج: صلاته صحيحة، وحمله للصورة المذكورة لا يقدح في صلاته. لكونه مضطرا أو محتاجا إلى حملها.
أما الصور التي للذكرى وأشباهها فلا يجوز حملها ولا بقاؤها في البيت، بل يجب إتلافها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته (2) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه «ولأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصورة في البيت، وأن يصنع ذلك (3) » خرجه الترمذي، وغيره؛ ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها
__________
(1) نشرت في كتاب الدعوة (الفتاوى) لسماحته، الجزء الثاني ص110، 111.
(2) صحيح مسلم الجنائز (969) ، سنن الترمذي الجنائز (1049) ، سنن النسائي الجنائز (2031) ، سنن أبو داود الجنائز (3218) ، مسند أحمد بن حنبل (1/96) .
(3) سنن الترمذي اللباس (1749) ، مسند أحمد بن حنبل (3/335) .(10/417)
أنه «دخل عليها ذات يوم فرأى عندها سترا فيه تصاوير فتغير وجهه وهتكه وقال إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم (1) » أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
__________
(1) صحيح البخاري البيوع (2105) ، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107) ، مسند أحمد بن حنبل (6/246) ، موطأ مالك الجامع (1803) .(10/418)
الصلاة في مكان فيه صور (1) .
س: هل يجوز الصلاة في مكان فيه صور مثل الصور في الجرائد والمجلات والكتب حتى وإن كانت في أدراج؟ وهل ذلك المنزل الذي به تلك الصور لا تدخله الملائكة؟
ج: الصلاة في مكان فيه صورة صحيحة إذا أداها المسلم على الوجه الشرعي، لكن كونه يلتمس مكانا ليس فيه صورة أولى وأفضل.
أما دخول الملائكة للمحل الذي فيه تصوير ففيه تفصيل:
فإن كانت معلقة أو مطروحة على كرسي ونحوه، فإنها تمنع دخول الملائكة؛ لعموم الأحاديث الواردة في ذلك، أما إن كانت مستورة في الدواليب ونحوها ففي منعها دخول الملائكة نظر، والأحوط للمؤمن: ألا يبقى عنده شيئا من الصور، إذا كان بحاجة إلى شيء منها جاز ذلك بعد قطع الرأس وإزالته.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1489) بتاريخ 27 \ 11 \ 1415 هـ.(10/418)
حكم الصلاة إلى صناديق تحتوي
على أحذية تتخلل الصفوف (1) .
س: في بعض المساجد صناديق تحتوي على الأحذية تتخلل الصفوف، فما الحكم في الصلاة إلي هذه الصناديق؟
ج: لا حرج في ذلك إذا كان في الصناديق نعال، وهكذا لو كان فيها مصاحف أو كتب أو غير ذلك من حاجات المسجد.
والله الموفق.
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، قرئ على سماحته ثانية في 2\12\1414 هـ.(10/419)
الصلاة خلف، دورات المياة أو في أسطحها.
س: هل يجوز الصلاة في مكان تقع أمامه دورة مياه ولا يفصل بينهما سوى حائط فقط؟ وهل الأفضل الصلاة في مكان آخر؟
ج: لا مانع من الصلاة في الموضع المذكور إذا كان طاهرا ولو كانت دورة المياه أمامه. كما تجوز الصلاة في أسطح دورات المياه إذا كانت طاهرة في أصح قولي العلماء.
والله ولي التوفيق.(10/419)
الصلاة إلي غير القبلة جهلا.
س: سؤال من ع. م. أ - من الخبر يقول: إذا صلى جماعة إلى غير جهة القبلة وهم لم يعلموا جهتها تحديدا، فهل يجب عليهم إعادة الصلاة؟
ج: إن كانوا في الصحراء وقد اجتهدوا وصلوا بعد الاجتهاد إلى الذي ظنوه القبلة فلا قضاء عليهم، أما إن كانوا في الحضر فعليهم القضاء؛ لأن في إمكانهم سؤال من حولهم عن جهة القبلة.(10/420)
حكم من صلى إلى غير القبلة بعد الاجتهاد (1) .
س: ما الحكم إذا تبين أن الصلاة تمت إلى غير القبلة بعد الاجتهاد؟ وهل هناك فرق بين ما إذا كان ذلك في بلد مسلم أو كافر أو كان في البرية؟
ج: إذا كان المسلم في السفر أو في بلاد لا يتيسر فيها من يرشده إلى القبلة فصلاته صحيحة، إذا اجتهد في تحري القبلة ثم بان أنه صلى إلى غيرها.
أما إذا كان في بلاد المسلمين فصلاته غير صحيحة؛ لأن في إمكانه أن يسأل من يرشده إلى القبلة، كما أن في إمكانه معرفة القبلة من طريق المساجد.
__________
(1) من ضمن الفتاوى المهمة المتعلقة بأركان الإسلام الخمسة قدمها لسماحته بعض طلبة العلم في عام 1413 هـ.(10/420)
س: الأخ: م. أ. س - من الشارقة يقول في سؤاله: عندما وصلنا إلى أمريكا كنا نصلي على حسب البوصلة وفي غير اتجاه القبلة، وعندما تعرفنا على بعض إخواننا المسلمين هناك أفادونا: بأننا كنا نصلي في غير اتجاه القبلة وأرشدونا إلي الاتجاه الصحيح، هل الصلاة التي صليناها قبل معرفة الاتجاه الصحيح صحيحة أم لا؟ .
ج: إذا اجتهد المؤمن في تحري القبلة حال كونه في الصحراء أو في البلاد التي تشتبه فيها القبلة، ثم صلى باجتهاده، وبعد ذلك ظهر أنه صلى إلى غير القبلة، فإنه يعمل باجتهاده الأخير إذا ظهر له أنه أصح من اجتهاده الأول، وصلاته الأولى صحيحة؛ لأنه أداها عن اجتهاد وتحر للحق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم حين تحولت القبلة من جهة بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة ما يدل على ذلك.
وبالله التوفيق.(10/421)
حكم الصلاة داخل الكعبة وعلى
سطحها وأين يتجه في صلاته (1) .
س: سؤال من: ع، ش- من الأردن يقول في رسالته: هل يجوز الصلاة داخل الكعبة أو على سطحها؟ وإذا كان الجواب نعم فإلى أي اتجاه يتجه المصلي بارك الله فيكم؟
ج: الصلاة في الكعبة جائزة، بل مشروعة، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة لما فتح مكة، دخلها وصلى فيها ركعتين، وكبر ودعا في نواحيها عليه الصلاة والسلام، وجعل بينه وبين الجدار الغريب منها حين صلى ثلاثة أذرع عليه الصلاة والسلام، وقال لعائشة في حجة الوداع لما أرادت الصلاة في الكعبة «صلي في الحجر فإنه من البيت (2) » .
لكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يصلي فيها الفريضة، بل تصلي في خارجها؛ لأنها هي القبلة فتصلي الفريضة في خارجها، وأما النافلة فلا بأس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيها النافلة ولم يصل فيها الفريضة.
والصواب: أنه لو صلى فيها الفريضة أجزأه وصحت، لكن الأفضل والأولى: أن تكون الفريضة خارج الكعبة. خروجا من الخلاف، وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى بالناس الفريضة خارج الكعبة، وتكون الكعبة أمام المصلي في جميع الجهات الأربع في النافلة والفريضة، وعليه أن يصلي مع الناس الفريضة، ولا يصلي وحده.
__________
(1) برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (107)
(2) سنن النسائي مناسك الحج (2911) .(10/422)
التلفظ بنية الصلاة بدعة (1) .
س: السائل: س. أ. س - من مصر يقول: ما حكم التلفظ بالنية جهرا في الصلاة؟
ج: التلفظ بالنية بدعة، والجهر بذلك أشد في الأثم، وإنما السنة النية بالقلب؛ لأن الله سبحانه يعلم السر وأخفى، وهو القائل عز وجل: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (2)
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن الأئمة المتبوعين التلفظ بالنية، فعلم بذلك أنه غير مشروع، بل من البدع المحدثة.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في جريدة المسلمون في العدد (12) ليوم السبت الموافق 7 \ 8 \ 1415هـ
(2) سورة الحجرات الآية 16(10/423)
حكم التلفظ بالنية للوضوء والصلاة
س: إذا تلفظت في داخل المسجد وقلت: اللهم إني نويت الوضوء لصلاة العصر مثلا، أو نويت الصلاة بهذه الطريقة هل هذا يعتبر بدعة؟
ج: ليس التلفظ بالنية لا في الصلاة ولا في الوضوء بمشروع؛ لأن النية محلها القلب، فيأتي المرء إلى الصلاة بنية الصلاة ويكفي،(10/423)
ويقوم للوضوء بنية الوضوء ويكفي، وليس هناك حاجة إلى أن يقول: نويت أن أتوضأ، أو نويت أن أصلي، أو نويت أن أصوم، أو ما أشبه ذلك، إنما النية محلها القلب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » .
ولم يكن عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه يتلفظون بنية الصلاة، ولا بنية الوضوء، فعلينا أن نتأسى بهم في ذلك، ولا نحدث في ديننا ما لا يأذن به الله ورسوله، يقول عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » يعني: فهو مردود على صاحبه.
فبهذا يعلم أن التلفظ بالنية بدعة.
والله ولي التوفيق.
س: يسأل: ا. ب - سوداني مقيم في جدة فيقول: ما حكم التلفظ بالنية في الصلاة والوضوء؟ (3) .
ج: حكم ذلك أنه بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، فوجب تركه، والنية محلها القلب، فلا حاجة مطلقا إلى التلفظ بالنية.
والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .
(2) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1009) بتاريخ 16 \ 1 \ 1406هـ(10/424)
هل النية شرط لجواز الجمع (1) .
س: هل النية شرط لجواز الجمع؟ فكثيرا ما يصلون المغرب بدون نية وبعد صلاة المغرب يتشاور الجماعة فيرون الجمع ثم يصلون العشاء؟
ج: اختلف العلماء في ذلك:
والراجح: أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصلاة الأولى، بل يجوز الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وجد شرطه من خوف أو مرض أو مطر.
__________
(1) نشرت في جريدة البلاد في العدد (10854) ليوم السبت 21 \ 10 \ 1414هـ(10/425)
انتهى بحمد الله الجزء العاشر ويليه بمشيئة الله الجزء الحادي عشر
القسم الثاني من الصلاة وأوله باب صفة الصلاة(10/426)
صفحة فارغة(11/1)
صفحة فارغة(11/2)
بسم الله الرحمن الرحيم(11/3)
صفحة فارغة(11/4)
باب صفة الصلاة(11/5)
صفحة فارغة(11/6)
بسم الله الرحمن الرحيم
كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (1)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.
أما بعد: فهذه كلمات موجزة في بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، أردت تقديمها إلى كل مسلم ومسلمة؛ ليجتهد كل من يطلع عليها في التأسي به صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » رواه البخاري، وإلى القارئ بيان ذلك:
1 - يسبغ الوضوء: وهو أن يتوضأ كما أمره الله؛ عملا بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (3) وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) كلمة صدرت من مكتب سماحته ونشرت في كتيب
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (595) ، والدارمي في (الصلاة) برقم (1225) .
(3) سورة المائدة الآية 6(11/7)
«لا تقبل صلاة بغير طهور (1) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم للذي أساء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء (2) »
2 - يتوجه المصلي إلى القبلة: وهي الكعبة أينما كان بجميع بدنه قاصدا بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا ينطق بلسانه بالنية؛ لأن النطق باللسان غير مشروع؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ولا أصحابه رضي الله عنهم، ويجعل له سترة يصلي إليها إن كان إماما أو منفردا، واستقبال القبلة شرط في الصلاة إلا في مسائل مستثناة معلومة موضحة في كتب أهل العلم.
3 - يكبر تكبيرة الإحرام قائلا: الله أكبر، ناظرا ببصره إلى محل سجوده.
4 - يرفع يديه عند التكبير إلى حذو منكبيه أو إلى حيال أذنيه.
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (95) ، سنن أبو داود الطهارة (157) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (553) ، مسند أحمد بن حنبل (5/213) .
(2) رواه البخاري في الاستئذان برقم (5782) وفي الأيمان والنذور برقم (6174) ، وأبو داود في الصلاة برقم (730) ، وابن ماجه في الطهارة وسننها برقم (441) .(11/8)
5 - يضع يديه على صدره، اليمنى على كفه اليسرى؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
6 - يسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح وهو: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد (1) » ....، وإن شاء قال بدلا من ذلك: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (2) » ، وإن أتى بغيرهما من الاستفتاحات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة؛ لأن ذلك أكمل في الاتباع، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (3) » ويقول بعدها: آمين جهرا في الصلاة الجهرية، ثم يقرأ ما تيسر من القرآن.
7 - يركع مكبرا رافعا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه جاعلا
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (744) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (598) ، سنن النسائي الافتتاح (895) ، سنن أبو داود الصلاة (781) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (805) ، مسند أحمد بن حنبل (2/231) ، سنن الدارمي الصلاة (1244) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (242) ، سنن النسائي الافتتاح (900) ، سنن أبو داود الصلاة (775) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (804) ، مسند أحمد بن حنبل (3/50) ، سنن الدارمي الصلاة (1239) .
(3) رواه البخاري في الأذان برقم (714) ومسلم في الصلاة برقم (595) ، والترمذي في الصلاة برقم (230) والنسائي في الافتتاح برقم (901) .(11/9)
رأسه حيال ظهره واضعا يديه على ركبتيه مفرقا أصابعه ويطمئن في ركوعه ويقول: سبحان ربي العظيم، والأفضل أن يكررها ثلاثا أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي.
8 - يرفع رأسه من الركوع رافعا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلا: سمع الله لمن حمده إن كان إماما أو منفردا، ويقول حال قيامه: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد (1) » ، أما إن كان مأموما فإنه يقول عند الرفع: ربنا ولك الحمد، إلى آخر ما تقدم، ويستحب أن يضع كل منهما - أي الإمام والمأموم - يديه على صدره كما فعل في قيامه قبل الركوع لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل ابن حجر وسهل بن سعد رضي الله عنهما.
9 - يسجد مكبرا واضعا ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه مستقبلا بأصابع رجليه ويديه القبلة ضاما أصابع يديه ويسجد على أعضائه السبعة: الجبهة مع الأنف، واليدين، والركبتين، وبطون أصابع الرجلين، ويقول: سبحان ربي الأعلى، ويكرر ذلك ثلاثا أو أكثر، ويستحب أن يقول مع ذلك:
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (799) ، سنن النسائي التطبيق (1062) ، سنن أبو داود الصلاة (770) ، مسند أحمد بن حنبل (4/340) ، موطأ مالك النداء للصلاة (491) .(11/10)
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) » ، ويسأل ربه من خير الدنيا والآخرة سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، ويجافي عضديه عن جنبيه وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب (2) » .
10 - يرفع رأسه مكبرا ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويضع يديه على فخذيه وركبتيه، ويقول: «رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني واجبرني (3) » ، ويطمئن في هذا الجلوس.
11 - يسجد السجدة الثانية مكبرا ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (738) ، وأبو داود في الصلاة برقم (742) وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم (1260) ، ومسند بني هاشم برقم (1801) .
(2) رواه البخاري في الأذان برقم (779) ، ومسلم في الصلاة برقم (762) ، والنسائي في التطبيق برقم (1098) .
(3) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2696) ، مسند أحمد بن حنبل (1/185) .(11/11)
12 - يرفع رأسه مكبرا ويجلس جلسة خفيفة كالجلسة بين السجدتين، وتسمى جلسة الاستراحة، وهي مستحبة وإن تركها فلا حرج، وليس فيها ذكر ولا دعاء، ثم ينهض قائما إلى الركعة الثانية معتمدا على ركبتيه إن تيسر ذلك، وإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى.
13 - إذا كانت الصلاة ثنائية، أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد، جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصبا رجله اليمنى مفترشا رجله اليسرى واضعا يده اليمنى على فخذه اليمنى قابضا أصابعه كلها إلا السبابة، فيشير بها إلى التوحيد وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن؛ لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وركبته، ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس، وهو: «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يقول: اللهم صل على(11/12)
محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » ، ويستعيذ بالله من أربع فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (2) » ، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود لما علمه التشهد: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (3) » وفي لفظ آخر: «ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء (4) » ، وهذا يعم جميع ما ينفع العبد في الدنيا والآخرة، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
14 - إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء فإنه يقرأ التشهد المذكور آنفا مع
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (831) ، صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبو داود الصلاة (968) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، مسند أحمد بن حنبل (1/428) ، سنن الدارمي الصلاة (1340) .
(2) صحيح البخاري الجنائز (1377) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (588) ، سنن الترمذي الدعوات (3604) ، سنن النسائي الاستعاذة (5506) ، سنن أبو داود الصلاة (983) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (909) ، مسند أحمد بن حنبل (2/523) ، سنن الدارمي الصلاة (1344) .
(3) رواه النسائي في السهو برقم (1281) وأبو داود في الصلاة برقم (825) .
(4) رواه مسلم في الصلاة برقم (609) .(11/13)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينهض قائما معتمدا على ركبتيه رافعا يديه إلى حذو منكبيه قائلا: الله أكبر، ويضعهما - أي يديه - على صدره كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان فلا بأس؛ لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وإن ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأول فلا بأس؛ لأنه مستحب وليس بواجب في التشهد الأول، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، كما تقدم ذلك في الصلاة الثنائية، ثم يسلم عن يمينه وشماله ويستغفر الله ثلاثا، ويقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (1) » ، ويسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمده مثل ذلك ويكبره مثل ذلك ويقول
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (592) ، سنن الترمذي الصلاة (298) ، سنن النسائي السهو (1338) ، سنن أبو داود الصلاة (1512) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (924) ، مسند أحمد بن حنبل (6/62) ، سنن الدارمي الصلاة (1347) .(11/14)
تمام المائة: «لا الله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير (1) » ، ويقرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس بعد كل صلاة، ويستحب تكرار هذه السور الثلاث ثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب؛ لورود الأحاديث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.
ويشرع لكل مسلم ومسلمة أن يصلي قبل الظهر أربع ركعات وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين وقبل صلاة الفجر ركعتين، الجميع اثنتا عشرة ركعة، وهذه الركعات تسمى الرواتب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ عليهما في الحضر، أما في السفر فكان يتركها إلا سنة الفجر والوتر؛ فإنه كان عليه الصلاة والسلام يحافظ عليهما حضرا وسفرا.
والأفضل أن تصلى هذه الرواتب والوتر في البيت، فإن صلاها في المسجد فلا بأس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (2) » .
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (844) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593) ، سنن النسائي السهو (1341) ، سنن أبو داود الصلاة (1505) ، مسند أحمد بن حنبل (4/245) ، سنن الدارمي الصلاة (1349) .
(2) رواه البخاري في الأذان برقم (689) ، واللفظ له، ومسلم في صلاة المسافرين برقم (1301) ، والترمذي في الصلاة برقم (412) .(11/15)
والمحافظة على هذه الركعات من أسباب دخول الجنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعا بنى الله له بيتا في الجنة (1) » رواه مسلم في صحيحه.
وإن صلى أربعا قبل العصر، واثنتين قبل صلاة المغرب، واثنتين قبل صلاة العشاء فحسن؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، وإن صلى أربعا بعد الظهر وأربعا قبلها فحسن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى على النار (2) » رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن أم حبيبة رضي الله عنها.
والمعنى أنه يزيد على السنة الراتبة ركعتين بعد الظهر؛ لأن السنة الراتبة أربع قبلها وثنتان بعدها.
فإذا زاد ثنتين بعدها حصل ما ذكر في حديث أم حبيبة رضي الله
__________
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين برقم (1198) ، (1199) ، وأبو داود في الصلاة برقم (1059) والنسائي في قيام الليل وتطوع النهار برقم (1773)
(2) رواه الترمذي في الصلاة برقم (393) ، وأبو داود في الصلاة برقم (1077) ، وأحمد في باقي مسند الأنصار برقم (25547) .(11/16)
عنها.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز(11/17)
كيفية الصلاة من الوضوء حتى التسليم (1)
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (844) .(11/17)
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز سلمه الله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
لدي سؤال حيرني كثيرا وأرغب من سماحتكم التكرم بالإجابة عليه بالتفصيل وجزاكم الله خيرا.
السؤال: أنا فتاة مسلمة ملتزمة أعمل الخير وأتجنب الشر إلا أنني لم أقم الصلاة وذلك بسبب الحيرة حيث إن الناس في العراق منقسمون إلى قسمين قسم يدعى شيعة والقسم الآخر يدعى سنة، وصلاة كل منهما تختلف عن الآخر وكل منهما يدعي أن صلاته هي الأصح، وأنا إن صليت مع القسم الشيعي أو السني فإن الوسوسة لا تفارقني. لهذا أرجو أن تفيدوني عن الصلاة من الوضوء وحتى التسليم؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد:(11/18)
فأسأل الله لك ولجميع أخواتك في الله التوفيق والهدايا وأوصيك أولا بلزوم ما عليه أهل السنة والجماعة وأن يكون الميزان ما قاله الله ورسوله، الميزان هو كتاب الله العظيم القرآن، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وسيرته عليه الصلاة والسلام وأهل السنة هم أولى بهذا وهم الموفقون لهذا الأمر وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، وعند الشيعة أغلاط كثيرة وأخطاء كبيرة نسأل الله لنا ولهم الهداية حتى يرجعوا إلى الكتاب والسنة وحتى يدعوا ما عندهم من البدعة فنوصيك بأن تلزمي ما عليه أهل السنة والجماعة وأن تستقيمي على ذلك حتى تلقي ربك على طريق السنة والجماعة.
أما ما يتعلق بالصلاة فالواجب عليك أن تصلي وليس لك أن تدعيها؛ لأنها عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه العظيمة والصواب ما عليه أهل السنة في الصلاة وغيرها، فعليك أن تصلي كما يصلي أهل السنة وعليك أن تحذري التساهل في ذلك فالصلاة عمود الإسلام وتركها كفر وضلال، فالواجب عليك الحذر من تركها والواجب عليك وعلى كل مسلم ومسلمة البدار إليها والمحافظة عليها في أوقاتها كما قال الله عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)
__________
(1) سورة البقرة الآية 238(11/19)
وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (1) وقال سبحانه {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) فعليك أن تعتني بالصلاة وأن تجتهدي في المحافظة عليها وأن تنصحي من لديك في ذلك والله وعد المحافظين بالجنة والكرامة قال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (3) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (4) ثم عدد صفات عظيمة لأهل الإيمان ثم ختمها بقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (5) {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (6) {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (7) وهذا وعد عظيم من الله عز وجل لأهل الصلاة وأهل الإيمان، وقال سبحانه في سورة المعارج: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} (8) {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} (9) {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (10) {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} (11) {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} (12) ثم عدد صفات عظيمة بعد ذلك ثم قال سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (13) {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} (14)
__________
(1) سورة البقرة الآية 43
(2) سورة النور الآية 56
(3) سورة المؤمنون الآية 1
(4) سورة المؤمنون الآية 2
(5) سورة المؤمنون الآية 9
(6) سورة المؤمنون الآية 10
(7) سورة المؤمنون الآية 11
(8) سورة المعارج الآية 19
(9) سورة المعارج الآية 20
(10) سورة المعارج الآية 21
(11) سورة المعارج الآية 22
(12) سورة المعارج الآية 23
(13) سورة المعارج الآية 34
(14) سورة المعارج الآية 35(11/20)
فنوصيك بالعناية بالصلاة والمحافظة عليها.(11/21)
كيفية الوضوء:
وأما ما سألت عنه من الوضوء وكيفية الصلاة
فهذا جوابه:
أولا: الوضوء شرط لصحة الصلاة لا بد منه قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (1) هكذا أمر الله سبحانه المؤمنين في سورة المائدة، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور (2) » وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ (3) » فلا بد من الوضوء،.
والوضوء أولا بالاستنجاء إذا كان الإنسان قد أتى الغائط أو البول يستنجي بالماء من بوله وغائطه أو يستجمر باللبن أو
__________
(1) سورة المائدة الآية 6
(2) رواه الإمام مسلم في (كتاب الطهارة) برقم (329) .
(3) رواه البخاري في (كتاب الحيل) برقم (6440) ومسلم في (كتاب الطهارة) برقم (330) واللفظ له.(11/21)
بالحجارة أو بالمناديل الخشنة الطاهرة عما خرج منه ثلاث مرات أو أكثر حتى ينقي المحل، الدبر والقبل من الرجل والمرأة حتى ينقي الفرجين من آثار الغائط والبول، والماء أفضل وإذا جمع بينهما استجمر واستنجى بالماء كان أكمل وأكمل.
ثم يتوضأ الوضوء الشرعي ويبدأ الوضوء بالتسمية يقول بسم الله عند بدء الوضوء هذا هو المشروع، وأوجبه جمع من أهل العلم أن يقول بسم الله عند بدء الوضوء، ثم يغسل كفيه ثلاث مرات هذا هو الأفضل ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت الشعر من فوق إلى الذقن أسفل وعرضا إلى فروع الأذنين هكذا غسل الوجه ثم يغسل يديه من أطراف الأصابع إلى المرافق مفصل الذراع من العضد، والمرفق يكون مغسولا يغسل اليمنى ثم اليسرى الرجل والمرأة، ثم بعد ذلك يمسح الرأس والأذنين الرجل والمرأة، ثم بعد ذلك يغسل رجله اليمنى ثلاثا مع الكعبين ثم اليسرى ثلاثا مع الكعبين حتى يشرع في الساق فالكعبان مغسولان.
والسنة ثلاثا ثلاثا في المضمضة والاستنشاق والوجه واليدين والرجلين أما الرأس مسحة واحدة مع أذنيه هذه هي السنة وإن لم يغسل وجهه إلا مرة عمه بالماء ثم عم يديه بالماء(11/22)
مرة مرة وهكذا الرجلان عمهما بالماء مرة مرة أو مرتين مرتين أجزأ ذلك ولكن الأفضل ثلاثا ثلاثا. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ في بعضها ثلاثا وفي بعضها مرتين فالأمر واسع بحمد الله.
والواجب أن يغسل كل عضو مرة يعمه بالماء يعم وجهه بالماء مع المضمضة والاستنشاق، ويعم يده اليمنى بالماء حتى يغسل المرفق وهكذا اليسرى يعمها بالماء، وهكذا يمسح رأسه وأذنيه يعم رأسه بالمسح، ثم الرجلان يغسل اليمنى مرة يعمها بالماء واليسرى كذلك يعمها بالماء مع الكعبين، هذا هو الواجب وإن كرر ثنتين كان أفضل وإن كرر ثلاثا كان أفضل، وبهذا ينتهي الوضوء.
ثم يقول «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (1) » ، هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم وصح عنه أنه قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء (2) » رواه مسلم في صحيحه
__________
(1) سنن الترمذي الطهارة (55) ، سنن النسائي الطهارة (148) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (470) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) برقم (16676) واللفظ له، ورواه مسلم في الطهارة برقم (345) .(11/23)
وزاد الترمذي بإسناد حسن بعد ذلك: «اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين (1) » فهذا يقال بعد الوضوء يقوله الرجل وتقوله المرأة خارج الحمام.
وبهذا عرفت الوضوء الشرعي وهو مفتاح الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم (2) »
__________
(1) رواه الترمذي في (كتاب الطهارة) برقم (50)
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) برقم (957) . والترمذي في (كتاب الطهارة) برقم (3) ، وابن ماجه في (الطهارة وسننها) برقم (271) .(11/24)
كيفية الصلاة
ثانيا: الصلاة وكيفيتها يبدأها بالتكبير في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقول: الله أكبر - الرجل والمرأة - ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (1) » ، هذا هو أخصر ما ورد في الاستفتاحات، أو يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (2) »
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (242) ، سنن النسائي الافتتاح (900) ، سنن أبو داود الصلاة (775) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (804) ، مسند أحمد بن حنبل (3/50) ، سنن الدارمي الصلاة (1239) .
(2) صحيح البخاري الأذان (744) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (598) ، سنن النسائي الافتتاح (895) ، سنن أبو داود الصلاة (781) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (805) ، مسند أحمد بن حنبل (2/231) ، سنن الدارمي الصلاة (1244) .(11/24)
وهذا أصح شيء ورد في الاستفتاح، فإن فعل هذا أو هذا فكله صحيح، وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بشيء منها صح ولكن هذان الاستفتاحان من أخصرها، فإذا أتى الرجل أو المرأة بواحد منهما كفى، وهذا الاستفتاح مستحب وليس بواجب، فلو شرع في القراءة حالا بعد التكبير أجزأ ولكن كونه يأتي بالاستفتاح أفضل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.(11/25)
صفة القراءة في الصلاة:
ثم يقول الرجل أو المرأة بعد دعاء الاستفتاح أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقرأ الفاتحة وهي: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (1) {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (3) {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (4) {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (5) {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (6) {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (7) ثم يقول آمين، وآمين ليست من الفاتحة وهي مستحبة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الفاتحة في الجهرية والسرية يقول آمين ومعناها اللهم استجب.
ثم يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم بعد الفاتحة في الأولى
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 1
(2) سورة الفاتحة الآية 2
(3) سورة الفاتحة الآية 3
(4) سورة الفاتحة الآية 4
(5) سورة الفاتحة الآية 5
(6) سورة الفاتحة الآية 6
(7) سورة الفاتحة الآية 7(11/25)
والثانية من الظهر، والأولى والثانية من العصر، والأولى والثانية من المغرب، والأولى والثانية من العشاء، وفي الثنتين كلتيهما من الفجر، يقرأ الفاتحة وبعدها سورة أو آيات، والأفضل في الظهر أن يكون من أوساط المفصل مثل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (1) ومثل {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (2) ومثل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (3) ومثل {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (4) ومثل {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (5) وما أشبه ذلك.
وفي العصر مثل ذلك لكن تكون أخف من الظهر قليلا، وفي المغرب كذلك يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من هذه السور أو أقصر منها، وإن قرأ في بعض الأحيان بأطول في المغرب فهو أفضل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في بعض الأحيان بالطور وقرأ فيها بالمرسلات وقرأ فيها في بعض الأحيان بسورة الأعراف قسمها في الركعتين ولكنه في الأغلب يقرأ فيها من قصار المفصل مثل: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (6) ، {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} (7) أو {إِذَا زُلْزِلَتِ} (8) أو القارعة أو العاديات ولا بأس في ذلك ولكن في بعض الأحيان يقرا أطول كما تقدم.
وفي العشاء يقرأ مثلما قرأ في الظهر والعصر يقرأ الفاتحة وزيادة معها في الأولى والثانية مثل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} (9) و {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (10) و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (11) و {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (12) و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (13) وما أشبه ذلك أو آيات بمقدار ذلك في
__________
(1) سورة الغاشية الآية 1
(2) سورة الليل الآية 1
(3) سورة عبس الآية 1
(4) سورة التكوير الآية 1
(5) سورة الانفطار الآية 1
(6) سورة الغاشية الآية 1
(7) سورة البلد الآية 1
(8) سورة الزلزلة الآية 1
(9) سورة البروج الآية 1
(10) سورة الطارق الآية 1
(11) سورة الغاشية الآية 1
(12) سورة عبس الآية 1
(13) سورة التكوير الآية 1(11/26)
الأولى والثانية، وهكذا في الفجر يقرأ بعد الفاتحة زيادة ولكنها أطول من الماضيات ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويقرأ في الفجر مثل: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (1) و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} (2) أو أقل من ذلك مثل التغابن والصف و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} (3) و {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (4) وما أشبه ذلك، ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولو قرأ في بعض الأحيان أقل أو أطول من ذلك فلا حرج عليه؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في بعض الأحيان بأقل من ذلك ولكن كونه يقرأ في الفجر في الغالب بالطوال فهذا أفضل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء فيقرأ فيها بالفاتحة ثم يكبر للركوع، لكن ورد في الظهر ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان قد يقرأ زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة، فإذا قرأ في بعض الأحيان في الظهر في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة مما تيسر من القرآن الكريم فهو حسن تأسيا به صلى الله عليه وسلم. فهذه صفة القراءة في الصلاة.
__________
(1) سورة ق الآية 1
(2) سورة القمر الآية 1
(3) سورة الملك الآية 1
(4) سورة المزمل الآية 1(11/27)
الركوع:
ثم يركع قائلا الله أكبر ويعتدل في الركوع ويطمئن ولا يعجل، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويسوي رأسه بظهره ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب (1) » وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الركوع سبحان ربي العظيم، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان يكثر أن يقول في الركوع والسجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (2) » وهذا كله مستحب والواجب سبحان ربي العظيم مرة واحدة وإن كررها ثلاثا أو خمسا أو أكثر كان أفضل، وجاء أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الركوع: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند بني هاشم) برقم (1801) ومسلم في (كتاب الصلاة) برقم (738) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23034) والبخاري في (الأذان) برقم (775) ومسلم في (الصلاة) برقم (746) .(11/28)
سبوح قدوس رب الملائكة والروح (1) » ، فإذا قال مثل هذا فحسن اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22855) و (23460) والنسائي في (التطبيق) برقم (1039) .(11/29)
الرفع من الركوع:
ثم يرفع من الركوع قائلا سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا ويرفع يديه مثلما فعل عند الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله سمع الله لمن حمده، ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: «ربنا ولك الحمد أو اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد (1) » ، فهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم شخصا سمعه يقول: «حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه (2) » . فأقره على ذلك صلى الله عليه وسلم وقال «إنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يبادر ليكتبها ويرفعها» أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: «أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (3) » ، فذلك حسن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوله في بعض الأحيان.
ومعنى لا ينفع ذا الجد
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (799) ، سنن النسائي الافتتاح (931) ، سنن أبو داود الصلاة (770) ، مسند أحمد بن حنبل (4/340) ، موطأ مالك النداء للصلاة (491) .
(2) صحيح البخاري الأذان (799) ، سنن النسائي الافتتاح (931) ، سنن أبو داود الصلاة (770) ، مسند أحمد بن حنبل (4/340) ، موطأ مالك النداء للصلاة (491) .
(3) صحيح البخاري الأذان (844) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593) ، سنن النسائي السهو (1341) ، سنن أبو داود الصلاة (1505) ، مسند أحمد بن حنبل (4/245) ، سنن الدارمي الصلاة (1349) .(11/29)
يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى والجد هو الحظ والغنى، وأما إذا كان مأموما فإنه يقول ربنا ولك الحمد عند الرفع من الركوع ويرفع يديه أيضا حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلا: ربنا ولك الحمد أو ربنا لك الحمد أو اللهم ربنا لك الحمد أو اللهم ربنا ولك الحمد، كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعا، لكن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده أولا وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقولها بعد انتهائه من الركوع يقول عند رفعه ربنا ولك الحمد ولا يأتي بالتسميع أي لا يقول: سمع الله لمن حمده على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواجب الاعتدال في هذا الركن ولا يعجل، فإذا رفع واعتدل واطمأن قائما وضع يديه على صدره هذا هو الأفضل، وقال بعض أهل العلم يرسلهما ولكن الصواب أن يضعهما على صدره فيضع كف اليمنى على كف اليسرى على صدره، كما فعل قبل الركوع وهو قائم هذه هي السنة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان قائما في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره ثبت هذا من حديث وائل بن حجر وثبت هذا أيضا من حديث قبيصة الطائي عن أبيه وثبت مرسلا من حديث طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الأفضل(11/30)
وهذه هي السنة، فإن أرسل يديه في صلاته فلا حرج وصلاته صحيحة لكنه ترك السنة ولا ينبغي لمؤمن أو مؤمنة المشاقة في هذا أو المنازعة، بل ينبغي لطالب العلم أن يعلم السنة لإخوانه من دون أن يشنع على من أرسل ولا يكون بينه وبين غيره ممن أرسل العداوة والشحناء لأنها سنة نافلة، فلا ينبغي من الإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء، بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه فهذا هو الذي ينبغي في هذه الأمور، وجاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «كان الرجل يؤمر أن يجعل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1) » .
قال أبو حازم الراوي عن سهل: لا أعلمه إلا يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن المصلي إذا كان قائما يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى على كفه والرسغ والساعد لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعت على الذراع؛ لأن الساعد من الذراع، فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى وعلى الرسغ والساعد كما جاء مصرحا في حديث وائل المذكور وهذا يشمل القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع. وهذا الاعتدال بعد الركوع من أركان الصلاة فلا بد منه، وبعض الناس قد يعجل من حين أن يرفع ينزل ساجدا وهذا لا يجوز، فالواجب على المصلي أن يعتدل
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (759) .(11/31)
بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل قال أنس رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلا حتى يقول القائل: قد نسي وهكذا بين السجدتين (1) » ، فالواجب على المصلي في الفريضة والنافلة ألا يعجل بل يطمئن بعد الركوع ويأتي بالذكر المشروع وهكذا بين السجدتين لا يعجل بل يطمئن ويعتدل كما يأتي ويقول بينهما رب اغفر لي رب اغفر لي كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (821) ، صحيح مسلم الصلاة (472) ، سنن أبو داود الصلاة (853) ، مسند أحمد بن حنبل (3/226) .(11/32)
السجود الأول:
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجدا قائلا: الله أكبر من دون رفع اليدين لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدم الرفع في هذا المقام فيسجد على أعضائه السبعة جبهته وأنفه هذا عضو وكفيه وعلى ركبتيه وعلى أصابع رجليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين (1) » هذا هو المشروع وهو الواجب على الرجال والنساء جميعا أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة الجبهة والأنف هذا عضو واليدين ويمد أطراف
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (812) ، صحيح مسلم الصلاة (490) ، سنن الترمذي الصلاة (273) ، سنن النسائي التطبيق (1097) ، سنن أبو داود الصلاة (889) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (883) ، مسند أحمد بن حنبل (1/280) ، سنن الدارمي الصلاة (1319) .(11/32)
أصابعه إلى القبلة ضاما بعضهما إلى بعض والركبتين وأطراف القدمين يعني على أصابع القدمين باسطا الأصابع على الأرض معتمدا عليها وأطرافها إلى القبلة هكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود هذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه ولكن الأرجح أن يقدم ركبتيه ثم يديه لأن هذا ثبت من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه (1) » ، وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه (2) » فأشكل هذا على كثير من أهل العلم فقال بعضهم: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: آخرون بل يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الذي يخالف بروك البعير؛ لأن بروك البعير يبدأ بيديه فإذا برك المؤمن على ركبتيه فقد خالف البعير وهذا هو الموافق لحديث وائل بن حجر وهذا هو الصواب أن يسجد على ركبتيه أولا ثم يضع يديه على الأرض ثم يضع جبهته أيضا على الأرض هذا هو المشروع فإذا رفع رفع وجهه أولا ثم يديه ثم ينهض هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبو داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) برقم (8598) وأبو داود في الصلاة برقم (714)(11/33)
صلى الله عليه وسلم وهو الجمع بين الحديثين، وأما قوله في حديث أبي هريرة: «وليضع يديه قبل ركبتيه (1) » . فالظاهر والله أعلم أنه انقلاب كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله إنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه، وفي هذا السجود يقول سبحان ربي الأعلى ويكررها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، ولكن إذا كان إماما فإنه يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم أما المنفرد فلا يضره لو أطال بعض الشيء وكذلك المأموم تابع لإمامه يسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه، والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (2) » أي حري أن يستجاب لكم، وجاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا (3) » . فالقرآن لا يقرأ لا في الركوع ولا في السجود، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (269) ، سنن النسائي التطبيق (1091) ، سنن أبو داود الصلاة (840) ، مسند أحمد بن حنبل (2/381) ، سنن الدارمي الصلاة (1321) .
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم 738، وأبو داود في الصلاة برقم 742.
(3) رواه مسلم في الصلاة برقم 738.(11/34)
وهو قاعد أما الركوع والسجود فليس فيهما قراءة وإنما فيهما تسبيح للرب وتعظيمه وفي السجود زيادة على ذلك وهو الدعاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده فيقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره (1) » فيدعو بهذا الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به كما رواه مسلم في صحيحه، وثبت في صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (2) » .
وهذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد ويدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح أي مع قوله: سبحان ربي الأعلى ومع قوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي؛ لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين البخاري ومسلم رحمة الله عليهما قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (3) » .
ويشرع في السجود مع
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم 745، وأبو داود في الصلاة برقم 744.
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم 744، وأحمد في باقي مسند المكثرين برقم 9083
(3) رواه البخاري في الأذان برقم (752 و775) وفي المغازي برقم (3955) ورواه مسلم في الصلاة برقم 746.(11/35)
العناية بالدعاء بالمهمات في أمر الدنيا والآخرة ولا حرج أن يدعو لدنياه كأن يقول: اللهم ارزقني زوجة صالحة أو تقول المرأة اللهم ارزقني زوجا صالحا أو ذرية طيبة أو مالا حلالا أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا ويدعو بما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر والأهم كأن يقول: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره اللهم أصلح قلبي وعملي وارزقني الفقه في دينك اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، وما أشبه هذا الدعاء، ويكثر في سجوده من الدعاء ولكن بغير إطالة تشق على المأمومين فيراعيهم إذا كان إماما ويقول مع ذلك في سجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، كما تقدم مرتين أو ثلاثا كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام.(11/36)
الجلوس بين السجدتين:
ثم يرفع من السجدة قائلا الله أكبر ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسط الأصابع على ركبته ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته اليسرى ويبسط أصابعه عليها هكذا السنة ويقول(11/36)
رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله، ويستحب أن يقول مع هذا: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني، لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وإذا قال زيادة فلا بأس كأن يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار اللهم أصلح قلبي وعملي ونحو ذلك، ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين كما ورد عن النبي.(11/37)
السجود الثاني:
ثم بعد ذلك يسجد السجدة الثانية قائلا الله أكبر ويسجد على جبهته وأنفه وعلى كفيه وعلى ركبتيه وعلى أطراف القدمين كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل في سجوده فيرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه، ويعتدل في السجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب (1) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك (2) » فالسنة أنه يعتدل واضعا كفيه على الأرض رافعا
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (779) ، ومسلم في الصلاة برقم (762)
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (494) وأحمد في مسند الكوفيين برقم (18022) وابن حبان 5 \ 1916، والبيهقي 2 \ 113، وفي كنز العمال برقم (19769)(11/37)
ذراعيه عنها ولا يبسطها كالكلب والذئب ونحو ذلك، بل يرفعهما ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود وحتى يكون مرتفعا معتدلا واضعا كفيه على الأرض رافعا ذراعيه عن الأرض كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعل عليه الصلاة والسلام ثم يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ويكرر ذلك ثلاثا أو أكثر ويدعو كما تقدم في السجود الأول.(11/38)
جلسة الاستراحة:
ثم يكبر رافعا وناهضا إلى الركعة الثانية والأفضل للمصلي أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني، يسميها بعض الفقهاء جلسة الاستراحة يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين ولكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، هذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض أهل العلم: إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض ولكن الصحيح أنها سنة من سنن الصلاة مطلقة للإمام والمنفرد والمأموم، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:(11/38)
«صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » ولو كان المصلي شابا أو صحيحا فهي مستحبة على الصحيح ولكنها غير واجبة لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تركها في بعض الأحيان ولأن بعض الصحابة لم يذكرها في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على عدم الوجوب.
ثم ينهض إلى الركعة الثانية مكبرا قائلا: الله أكبر. من حين يرفع من سجوده جالسا جلسة الاستراحة أو حين يفرغ من جلسة الاستراحة ينهض ويقول الله أكبر، فإن بدأ بالتكبير ثم جلس نبه الجماعة على أن لا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة وإن جلس قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة، فإذا أتى بالتكبير قبلها وجه المأمومين حتى لا يسبقوه، وإن جلس أولا ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التنبيه إلى ذلك إلا من باب تعليم السنة.
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (595) ، والأدب برقم (5549) ، وأخبار الآحاد برقم (6705)(11/39)
القيام والقراءة في الركعة الثانية:
ثم بعد أن يقوم للثانية يفعل فيها كما فعل في الأولى ويقرأ الفاتحة ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الركعة الأولى فلا بأس(11/39)
وإن أعاده فهذا أفضل؛ لأنه مع قراءة جديدة فيتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات كما فعل في الركعة الأولى، لكن تكون السورة في الركعة الثانية أقصر من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.(11/40)
الركوع الثاني:
فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى فيكبر رافعا يديه قائلا: الله أكبر ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الركعة الأولى ويكون مستويا ورأسه حيال ظهره، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول سبحان ربي العظيم ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك ولكن بشرط ألا يشق على المأمومين إذا كان إماما، ويستحب أن يقول مع ذلك سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، كما تقدم وإن قال سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فحسن أيضا وهكذا سبوح قدوس رب الملائكة والروح، كل هذا حسن فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود.(11/40)
القيام بعد الركوع الثاني:(11/40)
ثم بعد ما يأتي بالأذكار المشروعة في الركوع ينهض رافعا يديه قائلا سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا ثم يفعل كما تقدم في الركعة الأولى.
ثم ينحط ساجدا كما تقدم من غير رفع اليدين ويكبر عند الانحطاط للسجود ويقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ويدعو بما تيسر كما تقدم، ثم يرفع من السجود قائلا: الله أكبر ويجلس ويقول رب اغفر لي ويطمئن، ويفعل كما تقدم في الركعة الأولى ثم يكبر ويسجد للثانية ويفعل كما تقدم.(11/41)
التشهد الأول:
ثم يرفع فيجلس للتشهد الأول مفترشا رجله اليسرى ناصبا اليمنى كجلسته بين السجدتين هذا هو الأفضل وكيفما جلس أجزأه إذا كانت الصلاة رباعية مثل الظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية مثل المغرب، فيأتي بالتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإن(11/41)
أتى بغيره مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى لكن هذا أفضل لأنه أثبتها وأصحها ثم بعد هذا يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم ينهض إلى الثالثة وإذا لم يأت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل نهض بعد الشهادة حين قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فلا بأس لأن بعض أهل العلم قالوا: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تستحب هنا وإنما هي مشروعة في التشهد الأخير، ولكن دلت الأحاديث الصحيحة على أنها تشرع هنا وهناك فيأتي بها هنا - أي في التشهد الأول - هذا هو الأصح لعموم الأحاديث لكنها ليست واجبة عليه وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.(11/42)
القيام في الركعة الثالثة والرابعة:
فإذا فرغ من التشهد الأول وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الأفضل ينهض بعده مكبرا قائلا: الله أكبر رافعا يديه كما ثبت هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري رحمه الله حتى يأتي بالثالثة من المغرب وحتى يأتي بالثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء ويقرأ الفاتحة، وتكفيه الفاتحة بدون زيادة كما ثبت هذا في حديث(11/42)
أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وإن قرأ زيادة في الظهر في بعض الأحيان فحسن لما ثبت في حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخيرتين من الظهر، وهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة بعض الأحيان فإذا قرأ زيادة فلا بأس بل هو حسن في بعض الأحيان وفي غالب الأحيان يقتصر على الفاتحة في الظهر، جمعا بين حديث أبي سعيد وحديث أبي قتادة فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فهو حسن عملا بحديث أبي سعيد وإذا ترك ذلك في غالب الأحيان فهو أفضل عملا بحديث أبي قتادة لأنه أصح وأصرح من حديث أبي سعيد فيفعل هذا تارة وهذا تارة وأما الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب فليس فيهما إلا قراءة الفاتحة فلا يستحب فيها الزيادة على الفاتحة لعدم الدليل على ذلك.(11/43)
الركوع والرفع منه والسجود في الركعتين الأخيرتين:
ثم إذا فرغ من الفاتحة في الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب كبر راكعا الركوع الشرعي ويفعل فيه كما تقدم ثم يرفع قائلا: سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو(11/43)
منفردا أما إذا كان مأموما فيقول: ربنا ولك الحمد ثم يكمل الإمام والمأموم والمنفرد الذكر الوارد في ذلك كما تقدم، ثم ينحط ساجدا قائلا: الله أكبر، ويسجد كما تقدم ثم يجلس بين السجدتين ثم يسجد السجود الثاني كل ذلك كما تقدم ويفعل في الركعة الرابعة كما فعل في الركعة الثالثة سواء بسواء، وهكذا الثالثة في المغرب سواء بسواء، أما الفجر فليس فيها ثالثة أو رابعة فالفريضة ركعتان وهكذا الجمعة ركعتان وهكذا العيد ركعتان يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم كما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتحرى في ذلك ما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.(11/44)
التشهد الأخير:
وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد، فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء ومن الثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة والعيد ورفع من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة فإنه يجلس لقراءة التحيات كما قرأها في التشهد الأول يقرأها هنا فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم(11/44)
فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، هذا هو أكمل ما ورد في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ومتى أتى بها المصلي على أي وجه من الوجوه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه ذلك.(11/45)
الدعاء بعد التشهد الأخير:
وقد شرع الله سبحانه لنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة وبعد قراءة التحيات والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال وهذا مشروع للرجال والنساء جميعا في الفرض والنفل ويستحب مع هذا أن يدعو المصلي بما تيسر من الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الصحابة التشهد قال: «ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به (1) » وفي لفظ آخر قال: «ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء (2) » وكان
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة برقم (825)
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم (609)(11/45)
النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال (1) » ، وقال لمعاذ: «يا معاذ إني لأحبك فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (2) » وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث علي رضي الله عنه أنه كان يقول في آخر الصلاة قبل أن يسلم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (3) » وثبت أيضا في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا ومن عذاب القبر (4) » .
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1377) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (588) ، سنن الترمذي الدعوات (3604) ، سنن النسائي الاستعاذة (5506) ، سنن أبو داود الصلاة (983) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (909) ، مسند أحمد بن حنبل (2/523) ، سنن الدارمي الصلاة (1344) .
(2) رواه النسائي في السهو برقم (1286) ، وأبو داود في الصلاة برقم (1301)
(3) رواه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم (691 و 764) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها برقم (1290)
(4) رواه البخاري في الأذان برقم (790) والدعوات برقم (5851) والتوحيد برقم (6893) ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم (4876)(11/46)
فهذه دعوات طيبة يشرع أن تقال في آخر الصلاة بعدما يقرأ التحيات والشهادة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يستحب الدعاء الوارد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال قل: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (1) » وإن دعا بغير ذلك من الدعوات الطيبة فلا بأس.
المرأة كالرجل في الصلاة: وينبغي أن يعلم أن المرأة كالرجل في هذه الأشياء كلها لعموم الأحاديث.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (834) ، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2705) ، سنن الترمذي الدعوات (3531) ، سنن النسائي السهو (1302) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3835) ، مسند أحمد بن حنبل (1/4) .(11/47)
التسليم:
فإذا فرغ المصلي من الدعاء يسلم، الرجل والمرأة سواء فيقول: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه والسلام عليكم ورحمة الله عن يساره، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة والفرض والنفل جميعا.(11/47)
الأذكار التي تقال بعد الصلاة(11/47)
ثم بعدما يسلم يقول: استغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. يقول ذلك الرجل والمرأة فيستغفر الله ثلاثا ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف الإمام إلى الناس بعد هذا ويعطي الناس وجهه ويقول بعد هذا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وهكذا المأمومون من الرجال والنساء يقولون كما يقول الإمام لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فتارة يقول: يحيي ويميت بيده الخير، وتارة لا يقول ذلك، والأمر واسع بحمد الله فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وتارة يزيد: يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كل هذا مستحب بعد كل صلاة من الصلوات الخمس للرجال(11/48)
والنساء، ثم يشرع بعد ذلك أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة، يعقد أصابعه ثلاثا وثلاثين مرة الرجل والمرأة فيكون الجميع تسعا وتسعين، ثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة وثلاثا وثلاثين تكبيرة، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قالها غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر (1) » فهذا فضل عظيم وخير كثير، والمعنى: إذا قال هذا مع التوبة والندم والإقلاع لا مجرد الكلام فقط بل يقول هذا مع الاستغفار والندم والتوبة وعدم الإصرار على المعاصي والذنوب عندها يرجى له هذا الخير العظيم حتى في الكبائر، إذا قال هذا عن إيمان وعن صدق وعن توبة صادقة وعن ندم على الذنوب فإن الله يغفر له صغائرها وكبائرها بتوبته وصدقه وإخلاصه، ويقرأ بعد ذلك آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2) فهذه الآية
__________
(1) رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم (939)
(2) سورة البقرة الآية 255(11/49)
يقرأها الرجل والمرأة بعد الفريضة، جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قالها بعد كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» والحديث في ذلك له طرق كثيرة تدل على صحته وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الآية عظيمة وهي أعظم وأفضل آية في كتاب الله سبحانه، ويستحب أن تقال بعد السلام وبعد هذا الذكر، ويستحب أن تقال أيضا عند النوم وهي من أسباب حفظ الله للعبد من الشيطان ومن كل سوء كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي من أسباب دخول الجنة إذا قالها بعد كل صلاة فريضة كما تقدم، كذلك يستحب له بعد هذا أن يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) والمعوذتين، الإمام والمنفرد والمأموم بينه وبين نفسه، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (3) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (4) مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء، أما بعد المغرب والفجر فيقولها ثلاثا يقرأ هذه السور الثلاث ثلاثا، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (5) ثلاثا، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (6) ثلاثا، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (7) ثلاثا بعد الفجر والمغرب، ويستحب أيضا بعد الفجر والمغرب أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات زيادة على الذكر المشروع السابق بعد الفجر والمغرب، جاء في ذلك عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1
(3) سورة الفلق الآية 1
(4) سورة الناس الآية 1
(5) سورة الإخلاص الآية 1
(6) سورة الفلق الآية 1
(7) سورة الناس الآية 1(11/50)
والله جل وعلا هو المسئول أن يوفقنا جميعا - للتأسي به صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته والاستقامة على دينه حتى نلقاه سبحانه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(11/51)
بيان كيفية الوضوء والصلاة
(1) .
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (844)(11/51)
س: أرجو بيان كيفية الوضوء والصلاة على ضوء ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لشدة الحاجة إلى ذلك. جزاكم الله خيرا؟ .
ج: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه كان في أول الوضوء يغسل كفيه ثلاثا مع نية الوضوء، ويسمي لأنه المشروع، وروي عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه قال: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه (1) » . فيشرع للمتوضئ أن يسمي الله في أول الوضوء، وقد أوجب ذلك بعض أهل العلم مع الذكر، فإن نسي أو جهل فلا حرج، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات ويغسل وجهه ثلاثا ثم يغسل يديه مع المرفقين ثلاثا يبدأ باليمنى ثم اليسرى ثم يمسح رأسه وأذنيه مرة واحدة ثم يغسل رجليه مع الكعبين ثلاث مرات يبدأ
__________
(1) رواه الترمذي في الطهارة برقم (25) وابن ماجه في الطهارة وسنتها برقم (398)(11/52)
باليمنى وإن اقتصر على مرة أو مرتين فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا، وربما غسل بعض أعضائه مرتين وبعضها ثلاثا، وذلك يدل على أن الأمر فيه سعة والحمد لله لكن التثليث أفضل، وهذا إذا لم يحصل بول أو غائط فإن حصل شيء من ذلك فإنه يبدأ بالاستنجاء ثم يتوضأ الوضوء المذكور.
أما الريح والنوم ومس الفرج وأكل لحم الإبل فكل ذلك لا يشرع منه الاستنجاء، بل يكفي الوضوء الشرعي الذي ذكرناه، وبعد الوضوء يشرع للمؤمن والمؤمنة أن يقولا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع لمن توضأ أن يصلي ركعتين وتسمى سنة الوضوء وإن صلى بعد الوضوء السنة الراتبة كفت عن سنة الوضوء.
أما كيفية الصلاة: فإنه ينوي بقلبه الصلاة التي يريد فعلها من فرض أو نفل قبل التكبير، ولا يتلفظ بالنية لعدم الدليل على ذلك بل ذلك بدعة ثم يقول: الله أكبر ناويا الصلاة التي كبر لها من فرض أو نفل رافعا يديه إلى حذاء منكبيه أو فروع أذنيه تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع له الاستفتاح بنوع من الاستفتاحات الثابتة عن النبي صلى الله عليه(11/53)
وسلم ومنها: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ومنها: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد ومنها: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وهناك أنواع أخرى من الاستفتاحات صحيحة لكن هذه الثلاثة أخصرها، وبأي نوع استفتح المصلي صلاته من الأنواع الصحيحة أجزأه ذلك. ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يسمي ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر معها في الأولى والثانية من الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء والجمعة والعيد وصلاة الاستسقاء وصلاة النفل، ويقتصر على الفاتحة في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء، وفي الثالثة من المغرب، لصحة الأحاديث الواردة في ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة بعض الأحيان فلا بأس لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ما يدل على(11/54)
ذلك. والأفضل أن يقرأ في الفجر من طوال المفصل وفي العشاء والظهر والعصر من أوساطه وأن تكون الظهر أطول من العصر. أما المغرب فيستحب أن يقرأ فيها من قصار المفصل في بعض الأحيان وفي بعضها من طواله لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما النافلة فيسلم فيها من كل ركعتين ويقرأ بعد الفاتحة ما شاء إلا سنة الفجر فإنه يستحب أن يقرأ فيها سورة: قل يا أيها الكافرون في الأولى وسورة: قل هو الله أحد في الثانية بعد الفاتحة أو يقرأ في الأولى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} (1) الآية من سورة البقرة بعد الفاتحة، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (2) الآية من سورة آل عمران. وفي سنة المغرب يقرأ السورتين المذكورتين بعد الفاتحة، وهكذا في سنة الطواف. أما صلاة الجمعة فيشرع أن يقرأ فيها بعد الفاتحة: سورة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (3) في الأولى، وبسورة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (4) في الثانية. أو بسورتي: (الجمعة والمنافقين) ، أو بسورة: (الجمعة) في الأولى وسورة:
__________
(1) سورة البقرة الآية 136
(2) سورة آل عمران الآية 64
(3) سورة الأعلى الآية 1
(4) سورة الغاشية الآية 1(11/55)
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (1) في الثانية. كل هذا قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستحب أن يقرأ في صلاة العيد وصلاة الاستسقاء مثلما يقرأ في صلاة الجمعة، وربما قرأ صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد بسورة: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} (2) وسورة: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} (3) بعد الفاتحة وكل ذلك واسع والحمد لله، وإن قرأ بغير هذه السور بعد الفاتحة أجزأه لقول الله سبحانه: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (4) «ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أساء في صلاته لما علمه الفاتحة ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن (5) »
وبعد القراءة يسكت سكتة لطيفة ثم يرفع يديه كما رفع عند تكبيرة الإحرام ويكبر للركوع قائلا: الله أكبر ثم يسوي ظهره ويجعل رأسه حياله ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويقول: سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم، وهذا يستوي فيه المرأة والرجل جميعا، ويشرع له أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك
__________
(1) سورة الغاشية الآية 1
(2) سورة ق الآية 1
(3) سورة القمر الآية 1
(4) سورة المزمل الآية 20
(5) أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان برقم (5782) واللفظ له وسلم في كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة برقم (602) .(11/56)
اللهم اغفر لي والأفضل أن يكرر التسبيح ثلاثا سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم إن كرر أكثر فهو أفضل ما لم يشق على المأمومين إذا كان إماما، وثبت عن أنس رضي الله عنه أنهم كانوا يعدون للنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود عشر تسبيحات، وقد ثبت «عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (1) »
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة (2) » ، «سبوح قدوس رب الملائكة والروح (3) » ، فإذا قال مثل هذا فحسن لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (4) » وفي هذا اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع قائلا: سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا ويرفع يديه مثلما رفع في الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله سمع الله لمن حمده ثم بعد انتصابه
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (23034) والبخاري في الأذان برقم (775) ومسلم في الصلاة برقم (746) .
(2) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (22855 و23460) والنسائي في التطبيق برقم (1039)
(3) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (23699) ومسلم في الصلاة برقم (752)
(4) رواه البخاري في الأذان برقم (595) والأدب برقم (5549) وأخبار الآحاد برقم (6705)(11/57)
واعتداله يقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد لأن هذا قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة وإن زاد على هذا فقال: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد فذلك حسن لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام.
ومعنى (لا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك الغنى فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى والجد هو الحظ والغنى.
وأما المأموم فإنه يقول: (ربنا ولك الحمد) عند الرفع من الركوع ويرفع يديه أيضا حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلا: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعا، لكن الإمام يقول عند الرفع: سمع الله لمن حمده أولا، وهكذا المنفرد، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقول هذا عند ارتفاعه من الركوع: ربنا ولك الحمد ولا يقول: سمع الله لمن حمده على الصحيح(11/58)
المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والواجب الاعتدال في هذا الركن فلا يعجل بالسجود إذا رفع بل يعتدل ويطمئن قائما ويضع يديه على صدره هذا هو الأفضل، وقال بعض أهل العلم يرسلهما، لكن الصواب أن يضعهما على صدره يضع كف اليمنى على كف اليسرى كما فعل قبل الركوع وهو قائم، هذا هو السنة لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا كان قائما في الصلاة يضع كفه اليمنى على اليسرى في الصلاة على صدره، كما ثبت من حديث وائل ابن حجر، ومن حديث قبيصة بن هند الطائي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت مرسلا من حديث طاوس عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو السنة، وإن أرسل يديه فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، لكنه ترك السنة ولا ينبغي للإخوان في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء؛ بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه هكذا ينبغي في هذه الأمور، وجاء في حديث سهل بن سعد المخرج في صحيح البخاري رحمه الله أنه قال: كان الرجل يؤمر أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى إذا كان قائما في الصلاة قال أبو حازم الراوي عن سهل: (لا أعلمه إلا ينمي ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم) فدل ذلك(11/59)
على أنه في الصلاة إذا كان قائما يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، والمعنى: على كفه وطرف ذراعه، وفي هذا الجمع بينه وبين حديث وائل بن حجر وقبيصة؛ لأنه إذا وضع يده على الرسغ والساعد فقد وضعها على الذراع لأن الساعد من الذراع، وهذا يشمل القيام قبل الركوع، والقيام الذي بعد الركوع، وهذا الاعتدال بعد الركوع من أركان الصلاة ولا بد منه، وبعض الناس يعجل من حين يرفع ينزل ساجدا وهذا لا يجوز بل الواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلا حتى يقول القائل قد نسي (1) » فالواجب على المصلي في الفريضة أو النافلة ألا يعجل، بل يطمئن بعد الركوع طمأنينة واضحة يأتي فيها بالذكر المشروع وهكذا بين السجدتين يطمئن ويعتدل بين السجدتين ويقول بينهما: ربي اغفر لي ربي اغفر لي ربي اغفر لي كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجدا قائلا: (الله أكبر) بدون رفع اليدين لأن
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (821) ، صحيح مسلم الصلاة (472) ، سنن أبو داود الصلاة (853) ، مسند أحمد بن حنبل (3/226) .(11/60)
الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الرفع في هذا المقام فيسجد على أعضائه السبعة: جبهته وأنفه- هذا عضو- وكفيه، وركبتيه، وعلى أصابع قدميه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين (1) » . هذا هو المشروع والمفروض على الرجال والنساء أن يسجدوا على الأعضاء السبعة الجبهة والأنف - هذا عضو -. والكفين يعني: اليدين يبسطهما ويمدهما إلى القبلة يعني: أطراف أصابعه ضاما بعضها إلى بعض. والركبتين. وأطراف القدمين يعني: على أصابع القدمين باسطا لها على الأرض، يعني: أطراف الأصابع على الأرض معتمدا عليها وأطرافها إلى القبلة، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل هو أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود وهذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه، ولكن الأرجح أنه يقدم ركبتيه قبل يديه لأنه ثبت من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه (2) » ، وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (770) ومسلم في الصلاة برقم (758)
(2) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبو داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .(11/61)
البعير وليضع يديه قبل ركبتيه (1) » . فاحتج به بعض أهل العلم وقال: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون: بل يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا هو الذي يخالف به بروك البعير لأن بروك البعير يبدأ باليدين، فإذا برك المؤمن على ركبتيه خالف البعير، وهذا هو الموافق لحديث وائل، وهذا هو الصواب: أن يسجد على ركبتيه أولا ثم يضع يديه على الأرض ثم يضع جبهته وأنفه على الأرض، هذا هو المشروع فإذا رفع رفع جبهته أولا ثم يديه ثم ركبتيه، هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الجامع بين الحديثين، وأما قوله في حديث أبي هريرة: «وليضع يديه قبل ركبتيه (2) » فالظاهر والله أعلم أنه وهم من بعض الرواة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله، وإنما الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه، وفي هذا السجود يقول: سبحان ربي الأعلى ويكرر ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، لكن يراعي الإمام المأمومين حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فهذا لا يضره لو أطال بعض الشيء، كذلك المأموم تابع لإمامه يسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه، والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (8598) وأبو داود في الصلاة برقم (714)
(2) سنن الترمذي الصلاة (269) ، سنن النسائي التطبيق (1091) ، سنن أبو داود الصلاة (840) ، مسند أحمد بن حنبل (2/381) ، سنن الدارمي الصلاة (1321) .(11/62)
السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1) » . رواه مسلم في صحيحه والمعنى: فحري أن يستجاب لكم، وفي صحيح مسلم أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (2) » ، وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا (3) » . خرجه مسلم في صحيحه.
فالركوع والسجود ليس فيهما قراءة فلا يقرأ المصلي في الركوع ولا في السجود، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر عليه، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما السجود والركوع فليس فيهما قراءة، وإنما فيهما تسبيح الرب وتعظيمه وفي السجود زيادة على ذلك الدعاء فيقول: سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى ويدعو، وكان النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (738) وأبو داود في الصلاة برقم (742)
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم (744) وأحمد في باقي مسند المكثرين برقم (9083)
(3) رواه الإمام أحمد في مسند بني هاشم برقم (1903) ، ومسلم في الصلاة برقم (479) والنسائي في كتاب التطبيق برقم (1045) وأبو داود في الصلاة برقم (876)(11/63)
يدعو في سجوده ويقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره (1) » . ويستحب للمسلم أن يدعو بهذا الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم في صحيحه. وثبت في صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (2) » . فهذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد، فيدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح بعد قول: سبحان ربي الأعلى، ومع قول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين البخاري ومسلم رحمة الله عليهما قالت: «كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (3) » . ويشرع مع هذا الإكثار من الدعاء في طلب خيري الدنيا والآخرة فلا حرج أن يطلب حاجاته الدنيوية كأن يقول: (اللهم ارزقني ذرية صالحة) ، أو تقول المرأة: (اللهم ارزقني زوجا صالحا، أو ذرية طيبة، أو مالا حلالا) ، أو ما
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (745) وأبو داود في الصلاة برقم (744)
(2) صحيح مسلم الصلاة (482) ، سنن النسائي التطبيق (1137) ، سنن أبو داود الصلاة (875) ، مسند أحمد بن حنبل (2/421) .
(3) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (23034) والبخاري في الأذان برقم (775) ومسلم في الصلاة برقم (746)(11/64)
أشبه ذلك من حاجات الدنيا ويدعو فيما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر والأهم كأن يقول: (اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره، اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في الدين، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار) وما أشبه ذلك من الدعاء فيكثر في سجوده من الدعاء ولكن من غير إطالة تشق على المأمومين، بل يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم إذا كان إماما، ويقول مع ذلك في سجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي - كما تقدم- مرتين أو ثلاثا كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع من السجدة قائلا: الله أكبر، ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه فيضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسطا أصابعه على ركبته، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته ويبسط أصابعه على ركبته هكذا السنة إذا جلس بين السجدتين يضع يده اليمنى على فخده اليمنى أو على ركبته اليمنى ويده اليسرى على ركبته اليسرى أو فخذه اليسرى ويقول: ربي اغفر لي ربي اغفر لي ربي اغفر لي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، ويستحب أن يقول مع هذا: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني(11/65)
وعافني تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك يسجد الثانية قائلا: الله أكبر، ويسجد على جبهته وأنفه وعلى كفيه وركبتيه وعلى أطراف قدميه كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل فيرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه لا يبرك بروك البهيمة بل يعتدل في السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب (1) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك (2) » . فالسنة أن يعتدل ويكون واضعا كفيه على الأرض رافعا ذراعيه عنها ولا يبسطهما كالكلب والذئب ونحوهما، بل يرفعهما ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود ويكون مرتفعا معتدلا واضعا كفيه على الأرض رافعا ذراعيه عن الأرض، كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعل عليه الصلاة والسلام، ثم يقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ويدعو كما تقدم في السجود الأول ويقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي مثلما قال في السجود الأول، ثم يكبر رافعا ناهضا إلى
__________
(1) رواه البخاري في الآذان برقم (779) ومسلم في الصلاة برقم (762) والنسائي في التطبيق برقم (1098)
(2) رواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (494) وأحمد في مسند الكوفيين برقم (18022) وابن حبان 5 \ 1916، والبيهقي 2 \ 113، وفي كنز العمال برقم (19769)(11/66)
الركعة الثانية، والأفضل أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني يسميها بعض الفقهاء (جلسة الاستراحة) يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين، ولكن خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء وهذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض أهل العلم: إن هذه الجلسة تفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة مطلقا جاء النص بها ولو كان المصلي شابا وصحيحا فهي مستحبة على الصحيح، ولكنها غير واجبة وهي: جلسة خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء كما تقدم.
ثم ينهض إلى الثانية مكبرا قائلا: الله أكبر، ثم يقرأ الفاتحة بعد أن يسمي الله ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الأولى فلا بأس، وإن أعاده فهو أفضل؛ لأنه مع قراءة جديدة فيتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها سورة أو آيات كما فعل في الأولى، لكن تكون القراءة في الثانية أقل من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع، كما فعل في الركعة الأولى رافعا يديه قائلا: الله أكبر، ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الأول، ويكون ظهره مستويا، ويكون رأسه حيال(11/67)
ظهره مستويا، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه ويقول: سبحان ربي العظيم (ثلاثا) أو خمسا أو سبعا، ويستحب أن يقول مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي كما تقدم، وإن قال: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فحسن أيضا، وهكذا: سبوح قدوس رب الملائكة والروح كل هذا حسن فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع مراعاة الإمام عدم المشقة على المأمومين.
ثم ينهض من الركوع قائلا: سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا كما تقدم في الركعة الأولى رافعا يديه حذو منكبيه أو أذنيه ثم يقول: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، هذا هو الأفضل إن زاد فقال: أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، فهو سنة فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحكم عام للإمام والمأموم والمنفرد جميعا، لكن المأموم عند الرفع لا يقول سمع الله لمن حمده بل يقول: ربنا ولك الحمد- كما سبق في الركعة الأولى- ثم بعد الفراغ من هذا الذكر يكبر ويخر ساجدا كما فعل في الركعة الأولى ويفعل في(11/68)
سجوده وجلسته بين السجدتين كما فعل في الركعة الأولى، ولا يرفع يديه عند السجود لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى) ويدعو بما تيسر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره (1) » . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (2) » . وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «إني نهيت أن أقرا القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (3) » . أخرجهما مسلم في صحيحه. ثم يرفع من السجدة الأولى ويجلس بين السجدتين معتدلا مطمئنا ويقول: رب اغفر لي رب اغفر لي ويستحب أن يقول بين السجدتين مع ما تقدم: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني ثم يكبر ويسجد الثانية ويقول فيها مثل ما قال في الأولى.
ثم يرفع ويجلس للتشهد الأول إذا كانت الصلاة رباعية كالظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية كالمغرب فيأتي بالتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (483) ، سنن أبو داود الصلاة (878) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (482) ، سنن النسائي التطبيق (1137) ، سنن أبو داود الصلاة (875) ، مسند أحمد بن حنبل (2/421) .
(3) صحيح مسلم الصلاة (479) ، سنن النسائي التطبيق (1045) ، سنن أبو داود الصلاة (876) ، مسند أحمد بن حنبل (1/219) ، سنن الدارمي الصلاة (1325) .(11/69)
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ويستحب أن يقول بعد هذا التشهد اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد لعموم الأحاديث الواردة في الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، وإن تركها في التشهد الأول فلا حرج لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث أنه نهض إلى الثالثة بعد الشهادتين ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ من هذا التشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الأفضل ينهض مكبرا إلى الثالثة قائلا: الله أكبر رافعا يديه كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وغيره حتى يأتي بالثالثة كالمغرب وحتى يأتي بالثالثة والرابعة في العشاء والظهر والعصر ويقرأ الفاتحة في الثالثة والرابعة هذا هو الأفضل، وتكفيه الفاتحة بدون زيادة كما ثبت هذا من حديث قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، وهكذا يفعل المصلي في الثالثة من المغرب، وفي الثالثة والرابعة من العشاء(11/70)
لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاد فيهما على الفاتحة، وإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فحسن لأنه قد ثبت من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، تم بعد فراغه من قراءة الفاتحة في الثالثة من المغرب، وفي الثالثة والرابعة من العصر والظهر والعشاء يركع كما فعل في الأولى والثانية ثم يقول في ركوعه مثل ما تقدم، ثم يرفع من الركوع كما فعل في الركعة الأولى والثانية، ويعتدل بعد الركوع ويقول مثل ما قال بعد الركوع في الركعة الأولى والثانية، ثم ينحط ساجدا بعد الركوع في الثالثة والرابعة قائلا: الله أكبر فيسجد سجدتين مثل ما فعل في الركعة الأولى والثانية، ويقول فيهما وبينهما مثلما تقدم في الركعة الأولى والثانية فإذا فرغ من السجود في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، والثالثة من المغرب، والثانية من الفجر والجمعة والعيد جلس للتشهد وقرأه كما فعل في التشهد الأول فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يصلي على النبي فيقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد(11/71)
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذه الصفة هي أكمل الصفات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أتى بصفة غيرها مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس، وهي فرض في التشهد الأخير من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وفي صلاة الفجر والجمعة والعيدين في أصح قولي العلماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهما، والأصل في الأمر الوجوب، ثم يستعيذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ويأمر به في التشهد، ويستحب أن يدعو في هذا التشهد بما ورد من الدعاء ومن ذلك: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ومن ذلك: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وإن دعا بغير ذلك من أنواع الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فكله حسن، وإن دعا بغير ذلك من الدعوات التي تهمه فلا حرج في ذلك إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود لما علمهم التشهد «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (1) » . وفي رواية أخرى:
__________
(1) رواه النسائي في السهو برقم (1281) وأبو داود في الصلاة برقم (825)(11/72)
«ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء (1) » وكلها روايات صحيحة. ثم يسلم تسليمتين قائلا: (السلام عليكم ورحمة الله، عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله، عن يساره) تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » . هذا التسليم ركن من أركان الصلاة لا يخرج منها خروجا شرعيا إلا به، أما الالتفات فسنة، فلو سلم ولم يلتفت صحت صلاته وخرج بذلك من الصلاة لكن يكون تاركا للسنة وهي الالتفات. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (609) .
(2) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(11/73)
حكم دعاء الاستفتاح (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية(11/73)
س: الأخ أ. ع. م. من الجزائر يقول في سؤاله بعض أئمة المساجد في رمضان لا يقرءون دعاء الاستفتاح في صلاة التراويح فما حكم فعلهم هذا؟ أثابكم الله.
ج: الاستفتاح سنة في الفريضة والنافلة ومن تركه فلا شيء عليه. والله ولي التوفيق. .(11/74)
معنى قول (وتعالى جدك) في دعاء الاستفتاح (1) .
س: ما معنى قولنا في دعاء الاستفتاح للصلاة: (وتعالى جدك) ؟
ج: معنى ذلك: تعالى كبرياؤك وعظمتك كما قال سبحانه في سورة الجن، عن الجن أنهم قالوا: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} (2) وفق الله الجميع.
__________
(1) سؤال موجه من ع. س. من الرياض في مجلس سماحته.
(2) سورة الجن الآية 3(11/74)
رد على ما نشر في جريدة البلاد
حول ما نسب إلى سماحته من بعض الأدعية
التي تقال عند ذكر الجنة والنار (1) .
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (1508) بتاريخ 12 \5 \ 1415 هـ(11/74)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم سعادة رئيس تحرير جريدة البلاد، وفقه الله لكل خير، آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد جاء في جريدة البلاد العدد (11030) الصادر يوم الأحد 20 ربيع الآخر سنة 1415 هـ في صفحة روضة الإسلام (8) تحت عنوان " فتاوى العلماء " السؤال التالي مع جوابه المنسوب إلي وهو:
س: سمعت بعض المصلين أثناء قراءته القرآن في الصلاة يقطع القراءة ويدعو بأدعية مناسبة فيقول عند ذكر الجنة: اللهم إني أسألك الجنة، وعند ذكر النار: اللهم أجرني من النار، فهل ذلك جائز شرعا؟ .(11/75)
الجواب: يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار. وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه نزهه فقال: سبحانه وتعالى، أو نحو ذلك، ويستحب لكل من قرأ. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} (1) أن يقول: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين) ، إذا قرأ: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (2) قال: (بلى أشهد) ، وإذا قرأ: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (3) قال: (آمنت بالله) ، إذا قرأ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (4) قال: (لا نكذب بشيء من آيات ربنا) ، إذا قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (5) قال: (سبحان ربي الأعلى) ، ويستحب هذا للإمام والمأموم والمنفرد؛ لأنه دعاء فهو مطلوب منهم كالتأمين، وكذلك الحكم في القراءة في غير الصلاة. اهـ.
__________
(1) سورة التين الآية 8
(2) سورة القيامة الآية 40
(3) سورة الأعراف الآية 185
(4) سورة الرحمن الآية 13
(5) سورة الأعلى الآية 1(11/76)
ولا أدري من أين نقلتم هذا السؤال مع جوابه، وقد سبق أن كتبنا لكم برقم 40 \ 1 وتاريخ 6 \ 1 \ 1415 هـ نستوضح عن المصدر الذي تأخذون منه هذه الفتاوى.
وهذا السؤال وجوابه فيه أشياء لست أفتي بها. منها:
- ما يقال عند آخر قراءة سورة التين، وآخر سورة المرسلات؛ لأن الحديث في ذلك ضعيف.
- ومنها ما ذكرتم أنه يقال عند قراءة: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (1) فإنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك عند قراءته هذه الآية في الصلاة أو غيرها.
وإنما المنقول عنه صلى الله عليه وسلم «أنه لما قرأ سورة الرحمن على الصحابة رضي الله عنهم أخبرهم أن الجن كانوا يقولون لما قرأ عليهم هذه الآية: ولا شيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد (3) » .
فاصلة: فأرجو الإفادة عن أي كتاب نقلتم عنه هذا السؤال وجوابه، وأرجو أن ترسلوا إلي الأسئلة التي تحبون الجواب عنها حتى أجيب عنها إن شاء الله، ولا أسمح لكم أن تنقلوا الجواب إلا من كتاب آذن لكم بالنقل منه، حذرا من الأخطاء.
__________
(1) سورة الرحمن الآية 13
(2) سنن الترمذي تفسير القرآن (3291) .
(3) سورة الرحمن الآية 13 (2) {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}(11/77)
وفق الله الجميع لما يرضيه، وأعاننا وإياكم على كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء.(11/78)
ليس بين صلاة الرجل وصلاة المرأة فرق (1)
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(11/78)
من السائلة: أ. ع. ف. ي- من كينيا:
السؤال الأول: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » والذي يفهم من هذا الحديث أنه لا فرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة لا في القيام ولا في القعود ولا في السجود، وعلى هذا فأنا أعمل به منذ بلوغي سن التكليف ولكن عندنا نساء في كينيا يخاصمنني ويقلن إن صلاتك غير صحيحة لأنها تشبه صلاة الرجل ويذكرن أمثلة تختلف فيها صلاة الرجل عن صلاة المرأة عند إمساك اليدين عند الصدر وإطلاقهما واستواء الظهر في الركوع وغير ذلك في الأمور التي أقتنع بها فأود أن تبينوا لي هل بين صلاة الرجل وصلاة المرأة في الأداء فرق؟
ج: أيتها الأخت في الله السائلة، الصواب أنه ليس بين صلاة الرجل وصلاة المرأة فرق وما ذكره بعض الفقهاء من الفرق ليس عليه دليل والحديث الذي ذكرتيه في السؤال وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: «صلوا كما رأيتموني
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(11/79)
أصلي (1) » . أصل يعم الجميع، والتشريعات تعم الرجال والنساء، إلا ما قام عليه الدليل بالتخصيص.
فالسنة للمرأة أن تصلي كما يصلي الرجل في الركوع والسجود والقراءة ووضع اليدين على الصدر، وغير ذلك هذا هو الأفضل وهكذا وضعها على الركبتين في الركوع وهكذا وضعهما على الأرض في السجود حيال المنكبين أو حيال الأذنين، وهكذا استواء الظهر في الركوع وهكذا ما يقال في الركوع والسجود وبعد الرفع من الركوع وبعد الرفع من السجود وبين السجدتين كله كالرجل سواء، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (2) » رواه البخاري في الصحيح.
__________
(1) سبق تخريجه في ص 7 وفي ص 39
(2) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(11/80)
السؤال الثاني: أصلي وأنا أدافع الريح أحيانا، فهل صلاتي صحيحة.
ج: الواجب على المؤمن إذا شغل بالريح أو البول أو الغائط شغلا يؤذي أنه لا يدخل الصلاة بل يقضي حاجته من غائط وبول وريح ثم يتوضأ ويصلي وهو خاشع القلب والجوارح مقبل على صلاته، هذا هو الذي ينبغي لكل مؤمن ومؤمنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة(11/80)
طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان (1) » يعني البول والغائط، والريح في معناهما فإن الريح إذا اشتدت تكون في معنى البول والغائط في إيذاء المصلي وفي إشغاله عن صلاته فالمشروع لك أيتها الأخت في الله إذا أحسست بالريح الشديدة أن تتخلصي منها وتتوضئي ثم تصلي.
__________
(1) رواه أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23037) ، ومسلم في (المساجد ومواضع السجود) برقم (869) ، وأبو داود في (الطهارة) برقم (82) .(11/81)
حكم تكرار السورة من القرآن
في الأسبوع مرتين أو ثلاثا (1) .
س: م. م. ا- الرياض يسأل: هل يجوز أن تكرر سورة من القرآن في الأسبوع مرتين أو ثلاثا أو أكثر؟ .
ج: يجوز تكرار السورة في الأسبوع وفي اليوم وليس لذلك حد محدود، بل يجوز أن يكررها في الركعتين بعد الفاتحة في صلاة واحدة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «قرأ سورة: في الركعتين الأولى والثانية (3) » . . .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الأول، ص (71)
(2) سنن أبو داود الصلاة (816) .
(3) سورة الزلزلة الآية 1 (2) {إِذَا زُلْزِلَتِ}(11/81)
السنة للإمام والمنفرد
أن يقرأا في الأولى أطول من الثانية (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(11/81)
س: ع. م- كفر الشيخ - مصر، يسأل: ما الحكم لو قرأ الإمام في الصلاة في الركعة الأولى مثلا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) ثم قرأ في الثانية: {وَالضُّحَى} (2) ؟ .
ج: لا حرج على الإمام إذا قرأ في الركعة الأولى أقل مما يقرأ في الثانية لعموم قول الله سبحانه: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (3) وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أساء صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فاسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن (4) » . وفي لفظ: «ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله (5) » . الحديث.
لكنه بذلك قد ترك الأفضل؛ لأن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، تدل على أن السنة للإمام والمنفرد
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الضحى الآية 1
(3) سورة المزمل الآية 20
(4) رواه البخاري في الاستئذان برقم (5782) واللفظ له، ومسلم في الصلاة برقم (602)
(5) رواه أبو داود في الصلاة برقم (730)(11/82)
أن يقرأ. في الأولى أطول من الثانية، في جميع الصلوات الخمس، أما المأموم فهو تبع لإمامه. وفق الله الجميع.(11/83)
قراءة سورة الزلزلة في ركعتي الفجر (1) .
س: لاحظت بعض الأئمة يقرأ سورة الزلزلة في ركعتي الفجر مستدلين على ذلك أنه كان من هديه عليه الصلاة والسلام، فما رأيكم في ذلك؟ جزاكم الله خيرا.
ج: قد روى أبو داود عن معاذ بن عبد الله الجهني بإسناد حسن «أن رجلا من جهينة أخبره بأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح في الركعتين كلتيهما (3) » ، وأخرج النسائي بإسناد حسن عن عقبة بن عامر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ في الفجر بالمعوذتين» ، لكن الأفضل أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل مثل {ق} (4) و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} (5) و {وَالذَّارِيَاتِ} (6) ونحوها؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تطويل القراءة في صلاة الفجر.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (7) » . رواه البخاري في الصحيح. وفق الله الجميع..
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، الخميس 10 \ 3 \ 1417 هـ
(2) رواه أبو داود في الصلاة برقم (693)
(3) سورة الزلزلة الآية 1 (2) {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ}
(4) سورة ق الآية 1
(5) سورة القمر الآية 1
(6) سورة الذاريات الآية 1
(7) صحيح البخاري الأذان (631) ، سنن الدارمي الصلاة (1253) .(11/83)
حكم سكتة الإمام بعد قراءة الفاتحة (1) .
__________
(1) ضمن الأسئلة التابعة لمحاضرة ألقاها سماحته بعنوان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .(11/83)
س: ما حكم سكتة الإمام بعد الفاتحة، وقد سمعت أنها بدعة؟ .
ج: الثابت في الأحاديث سكتتان: إحداهما: بعد التكبيرة الأولى، وهذه تسمى سكتة الاستفتاح، والثانية: عند آخر القراءة قبل أن يركع الإمام وهي سكتة لطيفة تفصل بين القراءة والركوع. وروي سكتة ثالثة بعد قراءة الفاتحة، ولكن الحديث فيها ضعيف، وليس عليها دليل واضح فالأفضل تركها، أما تسميتها بدعة فلا وجه له؛ لأن الخلاف فيها مشهور بين أهل العلم، ولمن استحبها شبهة فلا ينبغي التشديد فيها، ومن فعلها أخذا بكلام بعض أهل العلم لما ورد في بعض الأحاديث مما يدل على استحبابها، فلا حرج في ذلك، ولا ينبغي التشديد في هذا كما تقدم.
والمأموم يقرأ الفاتحة في سكتات إمامه، فإن لم يكن له سكتة قرأ المأموم الفاتحة ولو في حالة قراءة الإمام، ثم ينصت للإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرأون خلف(11/84)
إمامكم. قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (1) »
رواه الإمام أحمد والترمذي بإسناد حسن. وهذا في الجهرية، أما في السرية فيقرأ المأمومون الفاتحة وما تيسر معها من القرآن في الأولى والثانية من الظهر والعصر. والله الموفق.
__________
(1) رواه الترمذي في الصلاة برقم (286) وأبو داود في الصلاة برقم (701) وأحمد في باقي مسند الأنصار برقم (21636) و (21684) .(11/85)
ما يقال في الفراغات أثناء الصلاة (1) .
س: في الفراغات أثناء الصلاة مثل ما بين الرفع من الركوع والسجود والرفع ما بين السجود والقيام والجلوس، هل الدعاء فيها أفضل أم السكوت؟
ج: المشروع عند الرفع من الركوع أن يقول الإمام والمنفرد: سمع الله لمن حمده ثم يقولان: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد (2) » . كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما زاد عليه الصلاة والسلام
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.
(2) صحيح البخاري الأذان (799) ، سنن النسائي التطبيق (1062) ، سنن أبو داود الصلاة (770) ، مسند أحمد بن حنبل (4/340) ، موطأ مالك النداء للصلاة (491) .(11/85)
في هذا المقام: «أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1) » . أما المأموم فالمشروع له عند الرفع من الركوع أن يقول: ربنا ولك الحمد ثم يكمل الثناء المذكور بعد الاعتدال وإن قال كل واحد من الثلاثة: اللهم ربنا ولك الحمد أو ربنا لك الحمد أو اللهم ربنا لك الحمد، فكل ذلك جائز وجاءت به السنة. وبذلك يعلم أن الحمد المذكور له صفات أربع:
1 - ربنا ولك الحمد.
2 - ربنا لك الحمد.
3 - اللهم ربنا لك الحمد.
4 - اللهم ربنا ولك الحمد. إلى آخره.
وأما عند الرفع من السجود وعند السجود فالمشروع للجميع التكبير وكل ذلك واجب في حق الجميع في أصح قولي العلماء.
وبذلك تعلمون أنه ليس هناك فراغات خالية من الذكر والدعاء وأما الجلسة بين السجدتين فيقول فيها الجميع: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي، ثلاث مرات فأكثر
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (844) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593) ، سنن النسائي السهو (1341) ، سنن أبو داود الصلاة (1505) ، مسند أحمد بن حنبل (4/245) ، سنن الدارمي الصلاة (1349) .(11/86)
والواجب مرة واحدة والباقي سنة، كما يقول الجميع في الركوع: سبحان ربي العظيم وفي السجود: سبحان ربي الأعلى، والواجب من ذلك مرة وما زاد عليها فهو سنة، ويستحب أن يدعو بين السجدتين بهذا الدعاء: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (1) » ، ويستحب أن يكثر الجميع من الدعاء في السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (2) » . خرجه مسلم في صحيحه. وخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (3) » . وقالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (4) » متفق على صحته.
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (284) ، سنن أبو داود الصلاة (850) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (898) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (479) ، سنن النسائي التطبيق (1120) ، سنن أبو داود الصلاة (876) ، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3899) ، مسند أحمد بن حنبل (1/219) ، سنن الدارمي الصلاة (1325) .
(3) رواه مسلم في الصلاة برقم (744) والنسائي في الصلاة برقم (741) .
(4) رواه البخاري في الأذان برقم (286) وأبو داود في الصلاة برقم (752، 775) ومسلم في الصلاة برقم (746) .(11/87)
السنة طرح البصر إلى مكان السجود في الصلاة (1)
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(11/87)
س: نحن نصلي في الصحراء ولا يتقيد الواحد منا بالنظر إلى مكان سجوده بل يمد بصره في الصحراء فهل هذا يبطل الصلاة؟
ج: مد البصر إلى جهة الأمام في الصحراء أو عن يمين أو عن شمال لا يبطل الصلاة لكنه مكروه والسنة الخشوع في الصلاة والإقبال عليها وطرح البصر إلى محل السجود كما قال الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2)
«وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من الخشوع طرح البصر إلى محل السجود» وهكذا نص الأئمة والعلماء على شرعية طرح البصر إلى موضع السجود لأن هذا أجمع للقلب وأبعد عن الحركة والعبث، فالسنة للمؤمن أن يطرح البصر إلى موضع سجوده وأن لا ينظر هاهنا وهاهنا لا في الصحراء ولا في غير الصحراء بل يخشع في صلاته ويقبل عليها ويدع الحركات، فبعض الناس قد يعبث في الساعة أو في لحيته أو في أنفه أو
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(11/88)
في شيء من ثيابه وغير ذلك وهذا خلاف المشروع لأن العبث يكره إلا من حاجة إذا كان قليلا أما الحركة الكثيرة المتوالية من غير ضرورة فإنها تبطل الصلاة، فينبغي للمؤمن أن يتحرى الخشوع ويحرص على ذلك في صلاته حتى يكملها عملا بقوله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) وعملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اسكنوا في الصلاة (3) » ؛ لما رأى ناسا يشيرون بأيديهم في الصلاة قال: «اسكنوا في الصلاة (4) » وأمرهم بالسكون وهو ترك العبث، أما الطمأنينة فلا بد منها وهي من أركان الصلاة لحديث المسيء في صلاته فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بالإعادة لما أخل بالطمأنينة، أما ما زاد على ذلك من الخشوع المشروع فهو سنة كما تقدم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) رواه الإمام احمد في مسند البصريين برقم (19959) و (20053) و (20059) و (20119) ، ورواه مسلم في كتاب الصلاة برقم (651) والنسائي في السهو برقم (1171)
(4) صحيح مسلم الصلاة (430) ، سنن النسائي السهو (1184) ، مسند أحمد بن حنبل (5/107) .(11/89)
حكم المرور بين يدي المصلي (1) .
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (11) .(11/89)
س: هل تبطل صلاة المرأة بمرور رجل أو امرأة أمامها سواء كان من أهلها أو من غيرهم، كما هو مع الرجال، يعني إذا مرت المرأة أمامهم؟ .
ج: مرور الرجل لا يبطل صلاة المرأة، لكن لا يجوز له المرور بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته سواء كان المصلي رجلا أو امرأة؛ وإنما الذي «يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود (1) » ، كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ذر وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم.
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (510) ، سنن الترمذي الصلاة (338) ، سنن النسائي القبلة (750) ، سنن أبو داود الصلاة (702) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (952) ، مسند أحمد بن حنبل (5/161) ، سنن الدارمي الصلاة (1414) .(11/90)
س: لو كان المصلي مكفوف البصر، هل ينطبق عليه هذا إذا علم أنها مرت أو لم تمر؟.
ج: إذا علم يعيد، وإذا لم يعلم فلا شيء عليه.(11/90)
المرور بين يدي المصلي في الحرم وغيره.(11/90)
س: ما حكم المرور بين يدي المصلي، وهل الحرم يختلف عن غيره في ذلك؟ وما معنى قطع المار للصلاة؟ وهل يستأنفها إذا مر من أمامه مثلا كلب أسود أو امرأة أو حمار؟ .
ج: حكم المرور بين يدي المصلي أو بينه وبين السترة التحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه (1) » متفق عليه. وهو يقطع الصلاة ويبطلها إذا كان المار امرأة بالغة أو حمارا أو كلبا أسود.
إما إن كان المار غير هذه الثلاث فإنه لا يقطع الصلاة، ولكن ينقص ثوابها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود (2) » . خرجه مسلم في صحيحه من
__________
(1) رواه الإمام أحمد في مسند الشاميين برقم (16882) والبخاري في الصلاة برقم (480) ومسلم في الصلاة برقم (785)
(2) رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار برقم (20414) ومسلم في الصلاة برقم (789) والترمذي في الصلاة برقم (310) والنسائي في القبلة برقم (742) وأبو داود برقم (602) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (942)(11/91)
حديث أبي ذر رضي الله عنه.
وخرج مثله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. لكنه لم يقيد الكلب بالأسود والمطلق محمول على المقيد عند أهل العلم.
أما المسجد الحرام فلا يحرم فيه المرور بين يدي المصلي ولا يقطع الصلاة فيه شيء من الثلاثة المذكورة ولا غيرها، لكونه مظنة الزحام ويشق فيه التحرز من المرور بين يدي المصلي، وقد ورد بذلك حديث صريح فيه ضعف ولكنه ينجبر بما ورد في ذلك من الآثار عن ابن الزبير وغيره وبكونه مظنة الزحام ومشقة التحرز من المار- كما تقدم- ومثله في المعنى المسجد النبوي وغيره من المساجد إذا اشتد فيه الزحام وصعب التحرز من المار لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقوله سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم (3) » متفق على صحته.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم (7449 و 27258 و 9890) ورواه الإمام البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم (7288) ومسلم في الفضائل برقم (1337) .(11/92)
المرأة والكلب الأسود والحمار يقطعون الصلاة (1) .
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(11/92)
س: لقد سمعنا منكم إذا مر كلب أو حمار أو امرأة أمام المصلي تبطل الصلاة فما هي المسافة التي تمر فيها هذه الأشياء وهل إذا كانت هذه المرأة من المحارم أيضا تبطل الصلاة؟ أفيدونا أفادكم الله؟ .
ج: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود (1) » . وجاء في الحديث الآخر: «المرأة الحائض (2) » . والمراد: المكلفة.
فمن مر بين يديه واحد من هؤلاء الثلاثة وراء السترة لم يقطع صلاته أما إن مر بينه وبين السترة فإنه يقطع صلاته، فإن لم يكن له سترة ومر واحد من الثلاثة بين يديه قريبا منه في
__________
(1) رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار برقم (20414) ومسلم في الصلاة برقم (789) والترمذي برقم (310) والنسائي في القبلة برقم (742) وأبو داود برقم (602) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (942)
(2) صحيح البخاري الأذان (736) ، صحيح مسلم الصلاة (390) ، سنن الترمذي الصلاة (255) ، سنن النسائي الافتتاح (877) ، سنن أبو داود الصلاة (722) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (858) ، مسند أحمد بن حنبل (2/134) ، موطأ مالك النداء للصلاة (165) ، سنن الدارمي الصلاة (1308) .(11/93)
حدود ثلاثة أذرع من قدمه فإنه يقطع الصلاة، أما إذا كان المار من هذه الثلاثة بعيدا أكثر من ثلاثة أذرع فإنه لا يقطع الصلاة لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه لما صلى في الكعبة جعل بينه وبين جدارها الغربي ثلاثة أذرع وصلى» ، ولأن من مر أمام المصلي في أكثر من المسافة المذكورة لا يعتبر مارا بين يديه.
أما غير الثلاثة كالرجل وكالكلب غير الأسود وكالدواب الأخرى فإنها لا تقطع الصلاة لكن يحرص المصلي على أن يمنع المرور بين يديه مطلقا حتى غير الثلاثة لكن لا يقطع الصلاة ويبطلها إلا هذه الثلاثة المرأة والحمار والكلب الأسود إلا في المسجد الحرام فإن المار بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة مطلقا لأدلة وردت في ذلك ولصعوبة التحرز من ذلك. والله ولي التوفيق.(11/94)
حديث: لو يعلم المار
بين يدي المصلي ماذا عليه (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الأول ص (84) .(11/94)
س: بعد الاطلاع المستمر على مجلة الدعوة ذات العدد (828) بتاريخ 16 ربيع الأول الموافق 11 يناير 1982 م، وبعنوان فتاوى إسلامية وبقراءة السؤال الثاني والذي الدليل عليه من السنة وهو الحديث عن [أبي جهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه (1) » رواه البخاري ومسلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم] فهل الحديث صحيح كتابة أم فيه أخطاء حيث وجد اشتباه في: أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر. وفقكم الله. .
ج: الحديث صحيح، رواه البخاري ومسلم في الصحيحين ولفظه هو كما ذكر في السؤال، وأما ما يوجد في بعض الكتب من زيادة [من الإثم] بعد قوله " ماذا عليه " فليست هذه الزيادة صحيحة من جهة الرواية ولكن معناها صحيح.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في مسند الشاميين برقم (16882) والبخاري في الصلاة برقم (480) ومسلم في الصلاة برقم (785)(11/95)
الصلاة إلى سترة سنة مؤكدة(11/95)
س: كثير من الإخوان يشدد في أمر السترة حتى إنه ينتظر وجود سترة فيما إذا كان في مسجد ولم يجد عمودا خاليا، وينكر على من لا يصلي إلى سترة، وبعضهم يتساهل فيها، فما هو الحق في ذلك، وهل الخط يقوم مقام السترة عند عدمها، وهل ورد ما يدل على ذلك؟ .
ج: الصلاة إلى سترة سنة مؤكدة وليست واجبة فإن لم يجد شيئا منصوبا أجزأه الخط. والحجة فيما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها (1) » . رواه أبو داود بإسناد صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود (2) » . رواه مسلم في صحيحه. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليجعل
__________
(1) رواه البخاري في الصلاة برقم (479) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (944) واللفظ له
(2) رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار برقم (20414) ومسلم في الصلاة برقم (789) والترمذي في الصلاة برقم (310) والنسائي في القبلة برقم (742) وأبو داود برقم (602) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (942)(11/96)
تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يجد فليخط خطا ثم لا يضره من مر بين يديه (1) » . رواه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد حسن، قاله الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في بعض الأحيان إلى غير سترة، فدل على أنها ليست واجبة ويستثنى من ذلك الصلاة في المسجد الحرام فإن المصلي لا يحتاج فيه إلى سترة لما ثبت عن ابن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان يصلي في المسجد الحرام إلى غير سترة والطواف أمامه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك لكن بإسناد ضعيف، ولأن المسجد الحرام مظنة الزحام غالبا، وعدم القدرة على السلامة من المرور بين يدي المصلي، فسقطت شرعية ذلك لما تقدم ويلحق بذلك المسجد النبوي في وقت الزحام وهكذا غيره من أماكن الزحام عملا بقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (3) » . متفق على صحته. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (7087) و (7149) و (7297) ، وأبو داود في الصلاة برقم (591)
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) رواه الإمام أحمد في مسند المكثرين برقم (10199) ورواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم (6744) واللفظ له، ورواه مسلم في كتاب الحج برقم (2380) وفي كتاب الفضائل برقم (4348)(11/97)
أين يضع المصلي يديه أثناء الصلاة (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/97)
س: نشاهد كثيرا من الناس يضع يديه تحت سرته والبعض يضعهما فوق صدره وينكر إنكارا شديدا على من يضعهما تحت سرته. والبعض يضعهما تحت لحيته، والبعض يرسل يديه. فما هو الصواب في ذلك وفقكم الله؟ .
ج: قد دلت السنة الصحيحة على أن الأفضل للمصلي حين قيامه في الصلاة أن يضع كفه اليمنى على كفه اليسرى على صدره قبل الركوع وبعده ثبت ذلك من حديث وائل بن حجر وقبيصة بن هلب الطائي عن أبيه رضي الله عنهما. وثبت ما يدل على ذلك من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
أما وضعهما تحت السرة فقد ورد فيه حديث ضعيف عن علي رضي الله عنه، أما إرسالهما أو وضعهما تحت اللحية فهو خلاف السنة. والله ولي التوفيق.(11/98)
جلسة الاستراحة مستحبة
للإمام والمأموم والمنفرد (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/98)
س: كثير من الإخوان يهتم بجلسة الاستراحة وينكر على من تركها فما حكمها؟ وهل تشرع للإمام والمأموم كما تشرع للمنفرد؟ .
ج: جلسة الاستراحة مستحبة للإمام والمأموم والمنفرد، وهي من جنس الجلسة بين السجدتين، وهي جلسة خفيفة لا يشرع فيها ذكر ولا دعاء ومن تركها فلا حرج.
والأحاديث فيها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث مالك بن الحويرث ومن حديث أبي حميد الساعدي، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. والله ولي التوفيق. .(11/99)
الصلاة في الطائرة (1) .
س: كيف يؤدي المسلم الصلاة في الطائرة؟ وهل الأفضل له الصلاة في الطائرة أول الوقت، أو الانتظار
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/99)
حتى يصل المطار إذا كان سيصل في آخر الوقت؟ .
ج: الواجب على المسلم في الطائرة إذا حضرت الصلاة أن يصليها حسب الطاقة: فإن استطاع أن يصليها قائما ويركع ويسجد فعل ذلك، وإن لم يستطع صلى جالسا وأومأ بالركوع والسجود، فإن وجد مكانا في الطائرة يستطيع فيه القيام والسجود في الأرض بدلا من الإيماء وجب عليه ذلك لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنهما وكان مريضا: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب (2) » رواه البخاري في الصحيح، ورواه النسائي بإسناد صحيح وزاد: «فإن لم تستطع فمستلقيا (3) » .
والأفضل له أن يصلي في أول الوقت فإن أخرها إلى آخر الوقت ليصليها في الأرض فلا بأس، لعموم الأدلة. وحكم السيارة والقطار والسفينة حكم الطائرة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) رواه البخاري في الجمعة برقم (1050) .
(3) صحيح البخاري الجمعة (1117) ، سنن الترمذي الصلاة (371) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1660) ، سنن أبو داود الصلاة (952) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1231) ، مسند أحمد بن حنبل (4/435) .(11/100)
أطراف الفرش ليست سترة للمصلي (1)
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (116) .(11/100)
س: هل تعتبر أطراف الفرش التي في المساجد سترة للمصلي؟ .
ج: لا تعتبر أطراف الفرش سترة للمصلي، والسنة أن تكون السترة شيئا قائما مثل مؤخرة الرحل أو أكثر من ذلك كالجدار والعمود والكرسي ونحو ذلك، فإن لم يجد طرح عصا أو نحوها قدامه إذا كان إماما أو منفردا، أما المأموم فسترة الإمام سترة له وإن كان في أرض ولم يجد سترة خط خطا.
والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها (1) » أخرجه أبو داود عن أبي سعيد رضي الله عنه بإسناد صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود (2) » . خرجه مسلم في صحيحه وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا
__________
(1) رواه البخاري في الصلاة برقم (479) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (944) واللفظ له.
(2) صحيح مسلم الصلاة (510) ، سنن الترمذي الصلاة (338) ، سنن النسائي القبلة (750) ، سنن أبو داود الصلاة (702) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (952) ، مسند أحمد بن حنبل (5/156) ، سنن الدارمي الصلاة (1414) .(11/101)
فإن لم يجد فلينصب عصا فإن لم يجد فليخط خطا ثم لا يضره من مر بين يديه (1) » خرجه الإمام أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في (البلوغ) ، ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حسن. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (7087) و (7149) و (7297) ، وأبو داود في الصلاة برقم (591) .(11/102)
حكم المرور بين يدي المصلي
في المسجد الحرام (1)
س: ما حكم المرور بين يدي المصلي في الحرم، وهل للمصلي أن يمنع المار بين يديه؟ .
ج: لا حرج في ذلك، وليس لمن في الحرم - أعني المسجد الحرام - أن يمنع المار بين يديه لما ورد في ذلك من الآثار الدالة على أن السلف الصالح كانوا لا يمنعون المار بين أيديهم في المسجد الحرام من الطائفين وغيرهم، منهم ابن الزبير رضي الله عنهما، ولأن المسجد الحرام مظنة الزحام والعجز عن منع المار بين يدي المصلي، فوجب التيسير في ذلك.
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) العدد (10946) بتاريخ 24 \ 1 \ 1415 هـ.(11/102)
لا سترة للمصلي في الحرم (1) .
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1421) .(11/102)
س: إذا انتهى الإمام في المسجد الحرام من الصلاة وقام المأموم ليقضي ما فاته من الركعات ومرت امرأة من أمامه فهل تبطل صلاته؟ أم أن سترة الإمام إذا انتهت تستمر للمصلي؟ وما المسافة التي يمكن بها تحديد سترة المصلي؟ جزاكم الله خيرا.
ج: بسم الله والحمد لله. المسجد الحرام لا يحتاج المصلي فيه إلى سترة، فالناس يصلون فيه جميعا ولا يحتاجون إلى سترة، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم لأنه لا يمكن التحرز من المار، فإذا مرت امرأة أو غيرها لم تقطع الصلاة والصلاة صحيحة والغالب في المسجد الحرام العجز عن التحرز من ذلك، وقد جاء في حديث ضعيف «أنه صلى الله عليه وسلم كانت تمر بين يديه المرأة وغيرها وهو يصلي في المسجد الحرام» .
وجاء عن ابن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يصلي والناس أمامه يطوفون، والمقصود أن المسجد الحرام لا يحتاج المصلون فيه إلى سترة. والله ولي التوفيق.(11/103)
س: لقد وجدت حديثا هذا نصه: «إذا كان أحدكم يصلي في صلاة فمر أمامه حمار أو كلب أسود أو امرأة فإن صلاته باطلة» فإذا كان نص الحديث صحيحا فما رأيكم في الذين يصلون في الحرم الشريف وتمر النساء أمامهم وهن طائفات؟ (1) .
__________
(1) برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (8) .(11/103)
ج: الحديث صحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود (1) » . رواه الإمام مسلم في صحيحه، وروي مثله عن أبي هريرة رضي الله عنه لكن ليس فيه تقييد الكلب بالأسود، والمقصود أن هذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والقاعدة أن المطلق يحمل على المقيد فإن مر بين يدي المصلي أو بينه وبين سترته كلب أسود أو حمار أو امرأة، كل واحد يقطع صلاته. هكذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الأصح من أقوال أهل العلم وفي ذلك خلاف بين أهل العلم:
- منهم من يؤوله على أن المراد قطع الثواب، أو قطع الكمال.
- ولكن الصواب أنها تقطع الصلاة وأنها تبطل بذلك.
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (510) ، سنن الترمذي الصلاة (338) ، سنن النسائي القبلة (750) ، سنن أبو داود الصلاة (702) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (952) ، مسند أحمد بن حنبل (5/156) ، سنن الدارمي الصلاة (1414) .(11/104)
لكن ما يقع في المسجد الحرام معفو عنه عند أهل العلم؛ لأن في المسجد الحرام لا يمكن للإنسان أن يتقي ذلك بسبب الزحام ولا سيما في أيام الحج ورمضان. فهذا مما يعفى عنه في المسجد الحرام ويستثنى من عموم الأحاديث فما يقع من مرور بعض النساء أو الطائفات بين يدي المصلين في المسجد الحرام لا يضرهم وصلاتهم صحيحة: النافلة والفريضة، هذا هو المعتمد عند أهل العلم. والله ولي التوفيق.(11/105)
مقدار سترة المصلي (1)
س: ما مقدار سترة المصلي؟ ومن الذي يقطع الصلاة؟ وإذا قطعت الصلاة هل تعاد أم لا؟ .
ج: بسم الله والحمد لله، سترة المصلي هي مقدار مؤخرة الرحل كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهي تقارب ذراعا إلا ربعا وإذا كان أمام المصلي جدار أو عمود أو كرسي بهذا المقدار أو نحو ذلك كفى في السترة فإن لم يجد وضع شيئا كعصا أو نحوها أو خط خطا إن كان في أرض يتضح فيها الخط مع العلم بأن السترة سنة وليست واجبة لقول
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) في 23 / 10 / 1413 هـ.(11/105)
النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها (1) » . رواه أبو داود بإسناد صحيح وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى في بعض الأماكن إلى غير سترة فدل ذلك على أن الأمر بالسترة للاستحباب لا للوجوب، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود (2) » خرجه مسلم في صحيحه، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وخرج مثله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه لكن ليس فيه تقييد الكلب بالأسود، والمطلق يحمل على المقيد عملا بالقاعدة الشرعية المتبعة المنصوص عليها في كتب الأصول ومصطلح الحديث، وقد صح من حديث ابن عباس رضي الله عنه تقييد المرأة بالحائض وهي البالغة فدل ذلك على أن الصغيرة لا تقطع الصلاة، والمشروع للمسلم أن يرد من يريد المرور بين يديه من إنسان أو غيره لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يمر بين يديه فليمنعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان (3) » متفق على
__________
(1) رواه البخاري في الصلاة برقم (479) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (944) واللفظ له
(2) صحيح مسلم الصلاة (510) ، سنن الترمذي الصلاة (338) ، سنن النسائي القبلة (750) ، سنن أبو داود الصلاة (702) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (952) ، مسند أحمد بن حنبل (5/156) ، سنن الدارمي الصلاة (1414) .
(3) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (1117) والبخاري في الصلاة برقم (479) بلفظ '' فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ''(11/106)
صحته. وهذا الحكم يخص الإمام والمنفرد، أما المأموم فسترته سترة إمامه، ولا يضره من مر بين يديه من هذه الثلاث وغيرها. ويستثنى من ذلك أيضا المسجد الحرام فإنه لا يضر المصلي فيه من مر بين يديه لأدلة معلومة في ذلك.
وهذه الثلاث تقطع صلاة المسلم والمسلمة إذا مر أحدها بين يديه أو بين يديها في حدود ثلاثة أذرع من قدم المصلي فأقل إن لم يكن لهما سترة. فإن كان لهما سترة قطعت هذه الثلاث الصلاة إذا مر أحدها بين يدي المصلي وبين السترة، ولزمته الإعادة إن كانت الصلاة فريضة إلا في المسجد الحرام كما تقدم. والله ولي التوفيق.(11/107)
الإشارة في الصلاة
لا بأس بها ولا تبطل بها الصلاة (1)
س: ما حكم من يرد على السائل بإماءة برأسه بنعم أو لا وهو في الصلاة، مثال ذلك أنه في حالة استعجال السائل يأخذ الجواب مني وأنا داخل في الصلاة بأن يسأل مثلا: هل انتظرك وذلك بأن أرد عليه برأسي نعم. هل تبطل الصلاة؟
__________
(1) برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (11) .(11/107)
ج: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فالإشارة في الصلاة لا بأس بها ولا حرج فيها ولا تبطل بها الصلاة، قد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق ومعلمهم وقد فعلها أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم فلا حرج في ذلك، فإذا سألك السائل هل أنتظرك وأنت في الصلاة وأشرت برأسك بما يدل على الموافقة فلا بأس بذلك أو سأل سائل عن حكم من الأحكام وأشرت بما يدل على نعم أو لا كل ذلك لا بأس به قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ورد السلام بالإشارة عليه الصلاة والسلام. والله ولي التوفيق.(11/108)
حكم قطع الصلاة عند حدوث أمر مهم (1) .
س: إذا كنت أصلي وجرس الباب يدق ولم يوجد في البيت غيري. فماذا أفعل؟ وإذا خرجت من الصلاة فهل علي إثم؟
ج: الصلاة إن كانت نافلة فالأمر أوسع لا مانع من
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (11) .(11/108)
قطعها لمعرفة من يدق الباب أما الفريضة فلا يجوز قطعها إلا إذا كان هناك شيء مهم يخشى فواته وإذا أمكن التنبيه بالتسبيح في حق الرجل والتصفيق في حق المرأة حتى يعلم الذي عند الباب أن صاحب البيت مشغول بالصلاة كفى ذلك عن قطع الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء (1) » متفق عليه. فإذا أمكن إشعار من يدق الباب أن صاحب البيت مشغول بالصلاة بالتصفيق في حق المرأة والتسبيح في حق الرجل في الصلاة فعل ذلك واستغنى به عن القطع، وإن كان هذا لا ينفع لبعد أو عدم سماعه لذلك فلا بأس أن يقطعها للحاجة في النافلة خصوصا أما الفرض فإن كان الشيء مهما أو ضروريا يخشى فواته فلا بأس أيضا بالقطع ثم يعيدها من أولها والحمد لله.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (21778) و (21793) ورواه الإمام مسلم في الصلاة برقم (639) والدرامي في الصلاة برقم (1330) .(11/109)
حكم العبث باللحية والثياب (1) .
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) العدد (184) في جمادى الأولى 1413 هـ.(11/109)
س: ما حكم العبث باللحية أو الثياب أثناء الصلاة؟ .
ج: العبث باللحية أو الثياب أثناء الصلاة لا يجوز، بل الواجب السكون. قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) فالمشروع للمسلم أن يخشع في صلاته ولا يعبث لا باللحية ولا بالثوب، ولكن الشيء اليسير يعفى عنه، والكثرة لا تجوز. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(11/110)
كثرة العبث والحركة في الصلاة (1) .
س: كثير من الناس يكثر من العبث والحركة في الصلاة، فهل هناك حد معين من الحركة يبطل الصلاة؟ وهل لتحديده بثلاث حركات متواليات أصل؟ وبماذا تنصحون من يكثر من العبث في الصلاة؟ .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/110)
ج: الواجب على المؤمن والمؤمنة الطمأنينة في الصلاة وترك العبث؛ لأن الطمأنينة من أركان الصلاة لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه أمر الذي لم يطمئن في صلاته أن يعيد الصلاة» والمشروع لكل مسلم ومسلمة الخشوع في الصلاة والإقبال عليها وإحضار القلب فيها بين يدي الله سبحانه. لقول الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ويكره له العبث بثيابه أو لحيته أو غير ذلك وإذا كثر وتوالى حرم وأبطل الصلاة.
وليس لذلك حد محدود فيما نعلمه من الشرع المطهر، والقول بتحديده بثلاث حركات قول ضعيف لا دليل عليه.
وإنما المعتمد كونه عبثا كثيرا في اعتقاد المصلي.
فإذا اعتقد المصلي أن عبثه كثير وقد توالى فعليه أن يعيد الصلاة إن كانت فريضة. وعليه التوبة من ذلك.
ونصيحتي لكل مسلم ومسلمة العناية بالصلاة والخشوع فيها وترك العبث فيها وإن قل لعظم شأن الصلاة وكونها عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، وفق الله المسلمين لأدائها على الوجه الذي يرضيه سبحانه.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(11/111)
س: مشكلتي أنني كثير الحركة في الصلاة. وقد سمعت أن هناك حديثا معناه أن أكثر من ثلاث حركات في الصلاة تبطلها. فما صحة هذا الحديث وما هو السبيل إلى التخلص من كثرة العبث في الصلاة؟ (1) .
ج: السنة للمؤمن أن يقبل على صلاته ويخشع فيها بقلبه وبدنه سواء كانت فريضة أو نافلة لقول الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) وعليه أن يطمئن فيها وذلك من أهم أركانها وفرائضها لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أساء في صلاته ولم يطمئن فيها: «ارجع فصل فإنك لم تصل فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (4) » متفق على صحته.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الأول، ص (86) .
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2
(4) رواه البخاري في الاستئذان برقم (5782) وفي الأيمان والنذور برقم (6174) ومسلم في الصلاة برقم (602) .(11/112)
وفي رواية لأبي داود قال فيها: «ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله (1) » . وهذا الحديث الصحيح يدل على أن الطمأنينة ركن في الصلاة وفرض عظيم فيها لا تصح بدونه، فمن نقر صلاته فلا صلاة له والخشوع هو لب الصلاة وروحها فالمشروع للمؤمن أن يهتم بذلك ويحرص عليه أما تحديد الحركات المنافية للطمأنينة وللخشوع بثلاث حركات فليس ذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ذلك من كلام بعض أهل العلم وليس عليه دليل يعتمد.
ولكن يكره العبث في الصلاة كتحريك الأنف واللحية والملابس والاشتغال بذلك وإذا كثر العبث وتوالى أبطل الصلاة. أما إن كان قليلا عرفا أو كان كثيرا ولكن لم يتوال فإن الصلاة لا تبطل به ولكن يشرع للمؤمن أن يحافظ على الخشوع ويترك العبث قليله وكثيره حرصا على تمام الصلاة وكمالها.
ومن الأدلة على أن العمل القليل والحركات القليلة في الصلاة لا تبطلها وهكذا العمل والحركات المتفرقة غير المتوالية ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فتح الباب يوما لعائشة وهو يصلي، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه «أنه صلى ذات يوم بالناس وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها (2) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الاستئذان (6251) ، صحيح مسلم الصلاة (397) ، سنن الترمذي كتاب الصلاة (302) ، سنن النسائي كتاب التطبيق (1136) ، سنن أبو داود الصلاة (856) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1060) ، مسند أحمد بن حنبل (4/340) .
(2) صحيح البخاري الصلاة (516) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (543) ، سنن النسائي السهو (1205) ، سنن أبو داود الصلاة (917) ، مسند أحمد بن حنبل (5/303) ، موطأ مالك النداء للصلاة (412) ، سنن الدارمي الصلاة (1360) .(11/113)
التلثم في الصلاة (1) .
__________
(1) نشرت في (جريدة عكاظ) العدد (10877) وتاريخ الجمعة 7 محرم 1417 هـ(11/113)
س: هل يجوز التلثم في الصلاة؟ أو الاستناد إلى جدار أو عمود ونحو ذلك؟ .
ج: يكره التلثم في الصلاة إلا من علة، ولا يجوز الاستناد في الصلاة - صلاة الفرض - إلى جدار أو عمود؛ لأن الواجب على المستطيع الوقوف معتدلا غير مستند، فأما النافلة فلا حرج في ذلك لأنه يجوز أداؤها قاعدا، وأداؤها قائما أفضل من الجلوس.(11/114)
كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة (1) .
س: كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة. وهل إذا كانت الصلاة جهرية يجب أن يجهر بها؟ .
ج: من كان عليه صلوات يقضيها كما لو أداها، إن كانت جهرية قضاها جهرا كالفجر، وإن كانت سرية قضاها سرا
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (11) .(11/114)
كالظهر والعصر. هذا إذا كان تركها نسيانا أو لنوم أو عن شبهة مرض يزعم أنه لا يستطيع فعلها، وهو في المرض، فأخرها جهلا منه ليقضيها حال الصحة.
أما إن كان تركه لها تكاسلا وتهاونا بذلك، ففي كفره خلاف بين أهل العلم، والصواب أنه يكفر بذلك، وليس عليه قضاء، وإنما عليه التوبة من ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » . رواه الإمام مسلم في صحيحه. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح.
أما إن تركها جحدا لوجوبها فإنه يكفر بإجماع العلماء. نسأل الله السلامة والعافية.
والخلاصة: إن كان قد تركها عمدا جاحدا لوجوبها كفر إجماعا. أما إن كان تركه لها تهاونا وتكاسلا، فهذا قد شابه المنافقين، وذلك كفر أكبر في أصح قولي العلماء فعليه التوبة
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (14762) ومسلم في الإيمان برقم (82) واللفظ له(11/115)
إلى الله، التوبة الصادقة النصوح، المتضمنة الندم على ما مضى والإقلاع من ذلك، والعزم على أن لا يعود إلى ذلك. فهذا تكفيه التوبة والحمد لله، ولا قضاء عليه.(11/116)
الجهر بالقراءة للمنفرد (1) .
س: من أبي عبد الله - الرياض، ما حكم القراءة الجهرية للمصلي المنفرد؟ وهل يجوز أن يسر بها؟
ج: الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية كالفجر والأولى والثانية في المغرب والعشاء سنة للإمام والمنفرد، ومن أسر فلا حرج عليه، لكنه قد ترك السنة. وإذا رأى المنفرد أن الإسرار أخشع له فلا بأس؛ لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في صلاة الليل ربما جهر وربما أسر كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها عنه عليه الصلاة والسلام، أما الإمام فالسنة له الجهر دائما اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ولما في ذلك من نفع الجماعة لإسماعهم لكلام الله سبحانه سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد رقم (1563) بتاريخ 5 \ 6 \ 1417 هـ.(11/116)
القراءة في المصحف في الفريضة (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني، ص (116) .(11/116)
س: هل يجوز للإمام في أثناء الصلوات الخمس أن يقرأ من المصحف وخاصة صلاة الفجر لأن تطويل القراءة فيها مطلوب وذلك مخافة الغلط أو النسيان؟ .
ج: يجوز ذلك إذا دعت إليه الحاجة كما تجوز القراءة من المصحف في التراويح لمن لا يحفظ القرآن، وقد كان ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها يصلي بها في رمضان من مصحف، ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به، وتطويل القراءة في صلاة الفجر سنة، فإذا كان الإمام لا يحفظ المفصل ولا غيره من بقية القرآن الكريم جاز له أن يقرأ من المصحف، ويشرع له أن يشتغل بحفظ القرآن، وأن يجتهد في ذلك، أو يحفظ المفصل على الأقل حتى لا يحتاج إلى القراءة من المصحف، وأول المفصل سورة ق إلى آخر القرآن، ومن اجتهد في الحفظ يسر الله أمره لقوله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (1) وقوله عز وجل: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} (2)
__________
(1) سورة الطلاق الآية 2
(2) سورة القمر الآية 17(11/117)
والله ولي التوفيق.(11/118)
ما أدركه المأموم مع الإمام يعتبر أول صلاته (1) .
س: حضرت مع الإمام في صلاة العشاء، وكان ذلك في الركعتين الأخيرتين وهي سرا. فماذا أفعل في الركعتين اللتين فاتتا، فهل أقرأ فيهما سرا أم جهرا؟ .
ج: الصواب أن ما أدركه المأموم يعتبر أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها. هذا هو الصواب والأصح من قولي العلماء لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (2) » ، وفي اللفظ الآخر: «فاقضوا (3) » ، ومعناه أتموا لأن القضاء هنا بمعنى الإتمام
__________
(1) من برنامج نور على الدرب، الشريط رقم (11) .
(2) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (9525) والبخاري في كتاب الجمعة برقم (908) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم (602)
(3) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (7309)(11/118)
جمعا بين الروايتين.
وهذا معنى قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} (1) وقوله عز وجل: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} (2) ومعنى ذلك في الآيتين أتممتم.
فإذا أدرك ركعتين من العشاء مثلا، أو من المغرب فإنه يقضي الباقي على حسب الحال، فإن كانت المغرب، فإنه يقضي الثانية بالجهر، والثالثة بغير جهر، وإن كانت العشاء فإنه يقضيهما سرا دون جهر، ويكتفي بالفاتحة فقط لأنهما آخر صلاته.
__________
(1) سورة النساء الآية 103
(2) سورة البقرة الآية 200(11/119)
حكم الجهر بالبسملة في الصلاة (1) .
س: ما حكم الجهر بالبسملة في الصلاة عند قراءة الفاتحة، وغيرها من السور؟
ج: اختلف العلماء في ذلك، فبعضهم استحب الجهر
__________
(1) من ضمن الأجوبة التي صدرت من مكتب سماحته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(11/119)
بها، وبعضهم كره ذلك وأحب الإسرار بها، وهذا هو الأرجح والأفضل لما ثبت في الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وكانوا لا يجهرون بـ بسم الله الرحمن الرحيم (1) » ، وجاء في معناه عدة أحاديث، وورد في بعض الأحاديث ما يدل على استحباب الجهر بها ولكنها أحاديث ضعيفة، ولا نعلم في الجهر بالبسملة حديثا صحيحا صريحا يدل على ذلك، ولكن الأمر في ذلك واسع وسهل ولا ينبغي فيه النزاع وإذا جهر الإمام بعض الأحيان بالبسملة ليعلم المأمومون أنه يقرأها فلا بأس، ولكن الأفضل أن يكون الغالب الإسرار بها عملا بالأحاديث الصحيحة.
رئيس الجامعة الإسلامية.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم (12434) ومسلم في الصلاة برقم (399) والنسائي في كتاب الافتتاح برقم (907)(11/120)
س: أحد الأئمة في قيام رمضان كان يقرأ كالمعتاد لا يجهر بالبسملة في الفاتحة ولا غيرها من السور لكنه عندما جاء عند سورة الفلق جهر بالبسملة، وكذلك في سورة الناس فهل لما فعله أصل في الشرع المطهر؟ (1) .
ج: السنة عدم الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، وإن جهر بعض الأحيان فلا حرج ليعلم المأموم أنه يسمي، وأن التسمية مشروعة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين عدم الجهر بالبسملة.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1549) في 25 صفر 1417 هـ.(11/121)
حكم رفع الصوت بالتأمين
خلف الإمام في الصلاة السرية (1) .
س: ما حكم رفع الصوت بالتأمين خلف الإمام في صلاة الظهر؟
ج: لا نعلم دليلا من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل الخلفاء الأربعة ما يدل على جواز
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (899) بتاريخ 6 \ 11 \ 1398 هـ(11/121)
فعل ذلك وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » . والذي يقول بمشروعيته مطالب بالدليل. وإنما رفع الصوت بالتأمين في القراءة في الصلاة الجهرية خاصة للإمام والمأموم.
__________
(1) رواه الإمام مسلم في كتاب الأقضية برقم (3243)(11/122)
حكمة الجهر والإسرار بالتلاوة أثناء الصلاة (1) .
س: لماذا شرع الجهر بالتلاوة في صلاة المغرب والعشاء والفجر دون بقية الفرائض. وما الدليل على ذلك؟ .
ج: الله سبحانه أعلم بحكمة شرعية الجهر في هذه المواضع، والأقرب والله أعلم أن الحكمة في ذلك أن الناس في الليل وفي صلاة الفجر أقرب إلى الاستفادة من الجهر وأقل شواغل من حالهم في صلاة الظهر والعصر.
__________
(1) نشرت في (جريدة المدينة) العدد (11497) بتاريخ 11 / 4 / 1415 هـ.(11/122)
حكم الجهر في الصلاة السرية (1) .
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1525) بتاريخ 20 \8 \1416 هـ.(11/122)
س: هل يجوز الجهر في الصلاة السرية؟ جزاكم الله خيرا.
ج: يجوز الجهر بالقراءة في الصلاة السرية مع الكراهة، والسنة أن يقرأ فيها سرا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر القراءة في الصلاة السرية، ويجهر بها في الجهرية، ويستحب أن يجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية بعض الأحيان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. متفق عليه من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.(11/123)
الجهر بالقراءة في صلاة الليل (1) .
س: من السائلة م. ع. ح. - الرياض، إذا صلى الإنسان إماما لزوجته في صلاة الليل فهل يجهر بالقراءة في الصلاة أم لا؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/123)
ج: السنة في صلاة الليل الجهر بالقراءة سواء كان المصلي يصلي وحده أو معه غيره، فإذا كانت زوجته أو غيرها من النساء يصلين معه فإنهن يصلين خلفه ولو كانت واحدة، أما إن كان يصلي وحده فهو مخير بين الجهر والإسرار، والمشروع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن ذلك فقالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ربما جهر وربما أسر (1) » . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه وغيره «أنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في صلاة الليل ويقف عند آية الرحمة فيسأل وعند آية الوعيد فيتعوذ وعند آية التسبيح فيسبح (2) » والمعنى عند ذكر الآيات التي فيها أسماء الله وصفاته فيسبح الله سبحانه، وقد قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3)
وقال عليه الصلاة والسلام: «صلوا كما
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (3682) ، والترمذي في الصلاة برقم (449) والنسائي في قيام الليل وتطوع النهار برقم (1662)
(2) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (22750) ، ومسلم في صلاة المسافرين برقم (772) والترمذي في الصلاة برقم (262)
(3) سورة الأحزاب الآية 21(11/124)
رأيتموني أصلي (1) » أخرجه البخاري في صحيحه.
فدلت هذه الأحاديث على أن الجهر بالقراءة في صلاة الليل أفضل، ولأن ذلك أخشع للقلب وأنفع للمستمعين إلا أن يكون حوله مرضى أو نوام أو مصلون أو قراء، فالأفضل خفض الصوت على وجه لا يترتب عليه إشغال المصلين والقراء، وإيقاظ النائمين، وإزعاج المرضى.
وإن أسر في بعض صلاة الليل إذا كان وحده فلا حرج لحديث عائشة المذكور. ولأن ذلك قد يكون أخشع لقلبه وأرفق به في بعض الأوقات. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (631) والأدب برقم (6008) وأخبار الآحاد برقم (7246) والدارمي في الصلاة برقم (1253)(11/125)
السنة الإسرار بالأدعية في الصلاة (1) .
س: السائل أ. ع. ق. - سبت العلايا، بعض الناس يجهر بالأدعية جهرا يشوش به على من حوله، فما حكم فعله هذا؟ نرجو التكرم بالإفادة. .
ج: السنة الإسرار بالأدعية في الصلاة وغيرها لقول الله
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/125)
سبحانه {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1) ولأن ذلك أكمل في الإخلاص، وأجمع للقلب على الدعاء، ولما في ذلك من عدم التشويش على من حوله من المصلين والقراء، إلا إذا كان الدعاء مما يؤمن عليه كدعاء القنوت والاستسقاء فإن الإمام يجهر به حتى يؤمن المستمعون. والله الموفق.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 55(11/126)
حكم رفع الصوت
بالقراءة في الصلاة للمنفرد
(1) .
س: السائل أ. ع. - إسلام آباد، هل يجوز رفع الصوت بالقراءة في الصلاة قليلا بحيث لا يسمع ذلك إلا أنا؛ لأنني والحال ما ذكر أكون أكثر خشوعا؟ .
ج: إذا كان الإنسان يصلي لنفسه شرع له أن يفعل ما هو أصلح لقلبه من الجهر والإسرار إذا كان في صلاة النافلة ليلا ولم يتأذ بجهره أحد. فإذا كان حوله من يتأذى بجهره كالمصلين والقراء والنوم شرع له خفض الصوت. أما في
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) في شعبان 1414 هـ.(11/126)
الصلاة النهارية كصلاة الضحى والرواتب وصلاة الظهر والعصر، فإن السنة فيها الإسرار ويشرع للإمام أن يجهر بعض الأحيان ببعض الآيات لقول أبي قتادة رضي الله عنه «كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعنا الآية أحيانا (1) » ، يعني في صلاة الظهر والعصر. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (778) ، صحيح مسلم الصلاة (451) ، سنن النسائي الافتتاح (977) ، سنن أبو داود الصلاة (798) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (829) ، سنن الدارمي الصلاة (1291) .(11/127)
رفع الصوت للبعد عن
الوسوسة في الصلاة السرية
(1) .
س: في أحيان كثيرة يأتي إبليس في الصلاة للشوشرة، مما يؤدي إلى حالة السهو وربما لا أعي ما أقرا من آيات، ولا كم ركعة ركعت، وقد سمعت أن الإنسان ليس له من صلاته إلا ما حضر قلبه فيها فأخذت أرفع صوتي بالصلاة قليلا حتى أبعد إبليس عني، وفعلا أصبحت أعي ما أقرأ فهل هذا يجوز، علما بأن الصوت يكون بشكل لا يسمعه أحد سواي تقريبا؟
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(11/127)
ج: المشروع للمؤمن والمؤمنة الإقبال على الصلاة وإحضار القلب فيها والاجتهاد في الخشوع فيها كما قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) وعند كثرة الوسوسة يشرع للمصلي سواء كان رجلا أو امرأة أن ينفث عن يساره وهو في الصلاة ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه إلى ذلك لما اشتكى إليه كثرة الوسوسة في الصلاة. ولا حرج في رفع صوتك بالقراءة حتى تسمعي نفسك وتحاربي الوسوسة بذلك في الصلاة السرية، أما الجهرية كالفجر والأولى والثانية من المغرب والعشاء فيستحب فيها الجهر للرجال والنساء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهكذا في صلاة الليل.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(11/128)
كيفية قضاء ما فات من صلاة المغرب (1) .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم 640.(11/128)
س: من ش. ع. م. - مصري يعمل بالمنطقة الشرقية، أصلي في بعض المرات مع الإمام لكنني لا أدرك سوى ركعة من المغرب وبعد أن يسلم الإمام أقوم فآتي بالركعة الثانية بالفاتحة وسورة جهرا ثم أجلس للتشهد وآتي بالركعة الثالثة بعد ذلك جهرا وأجلس. هل صلاتي صحيحة أم لا؟ .
ج: صلاتك صحيحة والجهر في الثانية مشروع ولكن يكون غير شديد حتى لا تشوش على من حولك من المصلين أو الذاكرين أما الأخيرة فلا تجهر فيها لأنها سرية وأنت أدركت أول الصلاة والركعة التي أدركتها مع الإمام هي أول صلاتك على الصحيح وما تقضيه هو آخرها. والله ولي التوفيق.(11/129)
حكم الالتفات في
الصلاة للاستعاذة من الشيطان (1) .
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 3493 \2 وتاريخ 20 \12 \ 1411 هـ.(11/129)
س: سائلة تسأل عن حكم الالتفات بالصلاة للاستعاذة من الشيطان (خنزب) ؟
ج: الالتفات في الصلاة للتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند الوسوسة لا حرج فيه بل هو مستحب عند شدة الحاجة إليه بالرأس فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه لما اشتكى إليه ما يجده من وساوس الشيطان فأمره أن يتفل عن يساره ثلاث مرات ويتعوذ بالله من الشيطان، ففعل ذلك فشفاه الله من ذلك. أما الالتفات في الصلاة لغير سبب فهو مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد (1) » . وفق الله الجميع لما فيه رضاه إنه سميع مجيب.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.
__________
(1) رواه الإمام احمد في باقي مسند الأنصار برقم (23891) والبخاري في الأذان برقم (751)(11/130)
أين يضع المصلي يديه
بعد الرفع من الركوع (1) .
__________
(1) صدر من مكتب سماحته حينما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.(11/130)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه. أما بعد، فقد كثر السؤال من الداخل والخارج عن موضع اليدين إذا رفع المصلي رأسه من الركوع فرأيت أن أجيب عن ذلك جوابا مبسوطا بعض البسط نصحا للمسلمين وإيضاحا للحق وكشفا للشبهة ونشرا للسنة فأقول: قد دلت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه كان يقبض بيمينه على شماله إذا كان قائما في الصلاة، كما دلت على أنه كان عليه الصلاة والسلام يأمر بذلك.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: (باب وضع اليمنى على اليسرى) حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعة اليسرى في الصلاة (1) »
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (740) ، مسند أحمد بن حنبل (5/336) ، موطأ مالك النداء للصلاة (378) .(11/131)
قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (1) انتهى المقصود.
ووجه الدلالة من هذا الحديث الصحيح على شرعية وضع اليمين على الشمال حال قيام المصلي في الصلاة قبل الركوع وبعده أن سهلا أخبر أن الناس كانوا يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، ومعلوم أن السنة للمصلي في حال الركوع أن يضع كفيه على ركبتيه، وفي حال السجود أن يضعهما على الأرض حيال منكبيه أو حيال أذنيه، وفي حال الجلوس بين السجدتين وفي التشهد أن يضعهما على فخذيه وركبتيه على التفصيل الذي أوضحته السنة في ذلك، فلم يبق إلا حال القيام فعلم أنه المراد من حديث سهل، وبذلك يتضح أن المشروع للمصلي في حال قيامه في الصلاة أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى سواء كان ذلك في القيام قبل الركوع أو بعده؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم التفريق بينهما، ومن فرق فعليه الدليل،.
وقد ثبت في حديث وائل بن حجر عند النسائي بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا كان قائما في الصلاة قبض بيمينه على شماله (2) » وفي رواية له أيضا ولأبي داود بإسناد
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم 740.
(2) صحيح مسلم الصلاة (401) ، سنن النسائي الافتتاح (887) ، سنن أبو داود الصلاة (726) .(11/132)
صحيح عن وائل أنه «رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما كبر للإحرام وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد (1) » وهذا صريح صحيح في وضع المصلي حال قيامه في الصلاة كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد وليس فيه تفريق بين القيام الذي قبل الركوع والذي بعده، فاتضح بذلك شمول هذا الحديث للحالين جميعا، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح على ترجمة البخاري المذكورة آنفا ما نصه: (قوله: (باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة) أي في حال القيام، قوله: (كان الناس يؤمرون) هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الأمر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي.
قوله: (على ذراعه) أبهم موضعه من الذراع وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي «ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد (2) » وصححه ابن خزيمه وغيره وأصله في صحيح مسلم بدون الزيادة، والرسغ بضم الراء وسكون السين المهملة بعدها معجمة هو المفصل بين الساعد والكف، وسيأتي أثر على نحوه في أواخر الصلاة ولم يذكرا أيضا محلهما من الجسد، وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، والبزار عند صدره،.
وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه، وهلب بضم الهاء، وسكون
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (401) ، سنن النسائي الافتتاح (889) ، سنن أبو داود الصلاة (726) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (401) ، سنن النسائي الافتتاح (889) ، سنن أبو داود الصلاة (726) .(11/133)
اللام بعدها موحدة، وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيفا، واعترض الداني في أطراف الموطأ فقال: هذا معلوم لأنه ظن من أبي حازم، ورد بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلمه. إلخ لكان في حكم المرفوع لأن قول الصحابي: كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فإنه محمول على أن الأمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل والله أعلم.
وقد ورد في سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن السكن شيء يستأنس به على تعيين الأمر والمأمور، فروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعا يدي اليسرى على يدي اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى (1) » إسناده حسن. قيل: لو كان مرفوعا ما احتاج أبو حازم إلى قوله: (لا أعلمه.) إلخ.،
والجواب: أنه أراد الانتقال إلى التصريح فالأول لا يقال له: مرفوع، وإنما يقال: له حكم الرفع، قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو المنع من العبث وأقرب إلى الخشوع، وكأن البخاري رحمه الله لحظ ذلك فعقبه بباب الخشوع، ومن
__________
(1) سنن النسائي الافتتاح (888) ، سنن أبو داود الصلاة (755) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (811) .(11/134)
اللطائف قول بعضهم: القلب موضع النية والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.
قال ابن عبد البر: (لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف) . وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة ومنهم من كره الإمساك ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك متعمدا لقصد الراحة) انتهى المقصود من كلام الحافظ وهو كاف شاف في بيان ما ورد في هذه المسألة، وفيما نقله عن الإمام ابن عبد البر الدلالة على أن قبض الشمال باليمين حال القيام في الصلاة هو قول أكثر العلماء، ولم يفرق ابن عبد البر رحمه الله بين الحالين، وأما ما ذكره الإمام الموفق في المغني وصاحب الفروع وغيرهما عن الإمام أحمد رحمه الله أنه رأى تخيير المصلي بعد الرفع من الركوع بين الإرسال والقبض فلا أعلم له وجها شرعيا بل ظاهر الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يدل على أن السنة القبض في الحالين، وهكذا ما ذكره بعض الحنفية من تفضيل الإرسال في القيام بعد الركوع لا وجه له لكونه مخالفا للأحاديث السابقة، والاستحسان إذا خالف الأحاديث لا يعول عليه كما نص عليه أهل العلم.(11/135)
أما ما نقله ابن عبد البر عن أكثر المالكية من تفضيل الإرسال فمراده في الحالين أعني قبل الركوع وبعده ولا شك أن هذا القول مرجوح مخالف للأحاديث الصحيحة ولما عليه جمهور أهل العلم كما سلف، وقد دل حديث وائل بن حجر وحديث هلب الطائي على أن الأفضل وضع اليدين على الصدر حال القيام في الصلاة وقد ذكرهما الحافظ كما تقدم وهما حديثان جيدان لا بأس بإسنادهما، أخرج الأول أعني حديث وائل الإمام ابن خزيمة رحمه الله وصححه كما ذكره العلامة الشوكاني في (النيل) ، وأخرج الثاني أعني حديث هلب الإمام أحمد رحمه الله بإسناد حسن، وأخرج أبو داود رحمه الله عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق حديث وائل وهلب وهو مرسل جيد، فإن قلت: قد روى أبو داود عن علي رضي الله عنه «أن السنة وضع اليدين تحت السرة (1) » فالجواب: أنه حديث ضعيف كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر كما تقدم في كلامه رحمه الله، وسبب ضعفه: أنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، ويقال الواسطي وهو ضعيف عند أهل العلم لا يحتج بروايته، ضعفه الإمام أحمد وأبو حاتم وابن معين وغيرهم، وهكذا حديث أبي هريرة عند أبي داود مرفوعا «أخذ الأكف على الأكف تحت السرة (2) » لأن في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق المذكور وقد عرفت حاله.
وقال الشيخ أبو الطيب
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (756) ، مسند أحمد بن حنبل (1/110) .
(2) سنن أبو داود الصلاة (758) .(11/136)
محمد شمس الحق في (عون المعبود شرح سنن أبي داود) بعد كلام سبق ما نصه: (فمرسل طاوس وحديث هلب وحديث وائل بن حجر تدل على استحباب وضع اليدين على الصدر وهو الحق، وأما الوضع تحت السرة أو فوق السرة فلم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث) انتهى. والأمر كما قال رحمه الله للأحاديث المذكورة.
فإن قيل: قد ذكر الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في حاشية كتابه: (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) ص (145) من الطبعة السادسة ما نصه: (ولست أشك في أن وضع اليدين على الصدر في هذا القيام - يعني بذلك القيام بعد الركوع - بدعة ضلالة؛ لأنه لم يرد مطلقا في شيء من أحاديث الصلاة وما أكثرها ولو كان له أصل لنقل إلينا ولو عن طريق واحد ويؤيده أن أحدا من السلف لم يفعله ولا ذكره أحد من أئمة الحديث فيما أعلم) انتهى. والجواب عن ذلك أن يقال: قد ذكر أخونا العلامة الشيخ ناصر الدين في حاشية كتابه المذكور ما ذكر والجواب عنه من وجوه:
الأول: أن جزمه بأن وضع اليمنى على اليسرى في القيام بعد الركوع بدعة ضلالة خطأ ظاهر لم يسبقه إليه أحد فيما نعلم(11/137)
من أهل العلم وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها، ولست أشك في علمه وفضله وسعة اطلاعه وعنايته بالسنة زاده الله علما وتوفيقا ولكنه قد غلط في هذه المسألة غلطا بينا وكل عالم يؤخذ من قوله ويترك، كما قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: (ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا قال أهل العلم قبله وبعده، وليس ذلك يغض من أقدارهم، ولا يحط من منازلهم، بل هم في ذلك بين أجر وأجرين، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حكم المجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.
الوجه الثاني: أن من تأمل الأحاديث السالفة حديث سهل وحديث وائل بن حجر وغيرهما اتضح له دلالتها على شرعية وضع اليمنى على اليسرى في حال القيام في الصلاة قبل الركوع وبعده لأنه لم يذكر فيها تفصيل والأصل عدمه.
ولأن في حديث سهل الأمر بوضع اليمنى على ذراع(11/138)
اليسرى في الصلاة ولم يبين محله من الصلاة، فإذا تأملنا ما ورد في ذلك اتضح لنا: أن السنة في الصلاة وضع اليدين في حال الركوع على الركبتين، وفي حال السجود على الأرض، وفي حال الجلوس على الفخذين والركبتين، فلم يبق إلا حال القيام فعلم أنها المرادة في حديث سهل وهذا واضح جدا.
أما حديث وائل ففيه التصريح من وائل رضي الله عنه بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبض بيمينه على شماله إذا كان قائما في الصلاة خرجه النسائي بإسناد صحيح، وهذا اللفظ من وائل يشمل القيامين بلا شك ومن فرق بينهما فعليه الدليل وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا المقال.
الوجه الثالث: أن العلماء ذكروا أن من الحكمة في وضع اليمين على الشمال أنه أقرب إلى الخشوع والتذلل وأبعد عن العبث كما سبق في كلام الحافظ ابن حجر، وهذا المعنى مطلوب للمصلي قبل الركوع وبعده فلا يجوز أن يفرق بين الحالين إلا بنص ثابت يجب المصير إليه.
أما قول أخينا العلامة: (إنه لم يرد مطلقا في شيء من أحاديث الصلاة وما أكثرها ولو كان له أصل لنقل إلينا ولو عن طريق واحد) فجوابه أن يقال: ليس الأمر كذلك بل قد ورد ما يدل عليه من حديث سهل ووائل وغيرهما كما تقدم، وعلى من أخرج القيام بعد الركوع من مدلولها الدليل الصحيح المبين(11/139)
لذلك، وأما قوله وفقه الله: (ويؤيده أن أحدا من السلف لم يفعله ولا ذكره أحد من أئمة الحديث فيما أعلم) فجوابه أن يقال: هذا غريب جدا، وما الذي يدلنا على أن أحدا من السلف لم يفعله، بل الصواب أن ذلك دليل على أنهم كانوا يقبضون في حال القيام بعد الركوع، ولو فعلوا خلاف ذلك لنقل؛ لأن الأحاديث السالفة تدل على شرعية القبض حال القيام في الصلاة سواء كان قبل الركوع أو بعده، وهو مقتضى ترجمة الإمام البخاري رحمه الله التي ذكرناها في أول هذا المقال، كما أن ذلك هو مقتضى كلام الحافظ ابن حجر عليها، ولو أن أحدا من السلف فعل خلاف ذلك لنقل إلينا، وأكبر من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه أرسل يديه حال قيامه من الركوع ولو فعل ذلك لنقل إلينا كما نقل الصحابة رضي الله عنهم ما هو دون ذلك من أقواله وأفعاله عليه الصلاة والسلام، وسبق في كلام ابن عبد البر رحمه الله أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف القبض، وأقره الحافظ ولا نعلم عن غيره خلافه، فاتضح بما ذكرنا أن ما قاله أخونا فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين في هذه المسألة حجة عليه لا له عند التأمل والنظر ومراعاة القواعد المتبعة عند أهل العلم، فالله يغفر لنا وله ويعاملنا جميعا بعفوه، ولعله بعد اطلاعه على ما ذكرنا في هذه الكلمة يتضح له الحق فيرجع إليه، فإن الحق ضالة(11/140)
المؤمن متى وجدها أخذها وهو بحمد الله ممن ينشد الحق ويسعى إليه ويبذل جهوده الكثيرة في إيضاحه والدعوة إليه.
تنبيه هام
ينبغي أن يعلم أن ما تقدم من البحث في قبض الشمال باليمين ووضعهما على الصدر أو غيره قبل الركوع وبعده كل ذلك من قبيل السنن وليس من قبيل الواجبات عند أهل العلم، فلو أن أحدا صلى مرسلا ولم يقبض قبل الركوع أو بعده فصلاته صحيحة، وإنما ترك الأفضل في الصلاة، فلا ينبغي لأحد من المسلمين أن يتخذ من الخلاف في هذه المسألة وأشباهها وسيلة إلى النزاع والتهاجر والفرقة، فإن ذلك لا يجوز للمسلمين، حتى ولو قيل إن القبض واجب، كما اختاره الشوكاني في (النيل) ، بل الواجب على الجميع بذل الجهود في التعاون على البر والتقوى، وإيضاح الحق بدليله، والحرص على صفاء القلوب وسلامتها من الغل والحقد من بعضهم على بعض، كما أن الواجب الحذر من أسباب الفرقة التهاجر لأن الله سبحانه أوجب على المسلمين أن يعتصموا بحبله جميعا وأن لا يتفرقوا كما قال سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1)
__________
(1) سورة آل عمران الآية 103(11/141)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم (1) » .
وقد بلغني عن كثير من إخواني المسلمين في أفريقيا وغيرها أنه يقع بينهم شحناء كثيرة وتهاجر بسبب مسألة القبض والإرسال، ولا شك أن ذلك منكر لا يجوز وقوعه منهم، بل الواجب على الجميع التناصح والتفاهم في معرفة الحق بدليله مع بقاء المحبة والصفاء والأخوة الإيمانية، فقد كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم والعلماء بعدهم رحمهم الله يختلفون في المسائل الفرعية ولا يوجب ذلك بينهم فرقة ولا تهاجرا لأن هدف كل واحد منهم هو معرفة الحق بدليله، فمتى ظهر لهم اجتمعوا عليه ومتى خفي على بعضهم لم يضلل أخاه ولم يوجب له ذلك هجره ومقاطعته وعدم الصلاة خلفه، فعلينا جميعا معشر المسلمين أن نتقي الله سبحانه وأن نسير على طريق السلف الصالح قبلنا في التمسك
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم (8581) واللفظ له، ومسلم في الأقضية برقم (1715) ، ومالك في الموطأ كتاب الجامع برقم (1863)(11/142)
بالحق والأخوة الإيمانية وعدم التقاطع والتهاجر من أجل مسألة فرعية قد يخفى فيها الدليل على بعضنا فيحمله اجتهاده على مخالفة أخيه في الحكم.
فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يزيدنا وسائر المسلمين هداية وتوفيقا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه ونصرته والدعوة إليه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه وعظم سنته إلى يوم الدين.
رئيس الجامعة
الإسلامية بالمدينة المنورة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.(11/143)
حكم قبض اليدين وإرسالهما
بعد الرفع من الركوع في الصلاة (1) .
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (844) وتاريخ 21 \5 \1392 هـ.(11/143)
س: يسأل ح. م. عن حكم قبض اليدين بعد الرفع من الركوع في الصلاة وعن الإرسال؟
ج: الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض يديه حال قيامه في الصلاة وحالة الإنسان بعد الرفع من الركوع حالة قيام تشرع له قبض يديه، أما إرسال اليدين في الصلاة فمكروه لا ينبغي فعله لكونه خلاف السنة، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «كانوا يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1) » قال أبو حازم: ولا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث الصحيح يدل على أن المشروع في الصلاة هو قبض اليسرى باليمنى، وقد علم من السنة الصحيحة أن المشروع للمصلي في حال الركوع أن يضع بديه على ركبتيه وفي حال السجود يضعهما حيال منكبيه أو أذنيه، وفي حال الجلوس يضعهما على فخذيه وركبتيه، فلم
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (740) ، مسند أحمد بن حنبل (5/336) ، موطأ مالك النداء للصلاة (378) .(11/144)
يبق من أحوال الصلاة إلا حال القيام فعلم أن السنة قبض الشمال باليمين في حال القيام قبل الركوع وبعده لأن الحديث يعم الحالين، ويؤيد ذلك ما خرجه النسائي بإسناد صحيح عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما في الصلاة يضع يده اليمنى على كفه اليسرى (1) » وهذا يعم القيام الذي قبل الركوع والذي بعده وليس مع من قال بإرسالهما بعد الركوع حجة يحسن الاعتماد عليها فيما نعلم، بل ذلك خلاف صريح السنة، والأفضل جعلهما على الصدر لأن وائل بن حجر وهلبا الطائي رويا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن ولهما شواهد، أما حديث علي رضي الله عنه في وضعهما تحت السرة فضعيف عند أهل العلم بالحديث.
وبما ذكرناه تعلمون أن إرسال اليدين لا يقدح في إسلام المسلم ولا في أكل ذبيحته لكنه مكروه ومخالف للسنة لا ينبغي فعله، ونسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دينه والثبات عليه والنصح له ولعباده إنه خير مسئول.
__________
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/318) .(11/145)
وضع اليد أثناء الصلاة (1) .
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1556) في 15 \4 \1417 هـ.(11/145)
س: يوجد اختلاف بين العلماء في القبض والإرسال أيهما أصح بطريق الكتاب والسنة؟ .
ج: الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر وسهل بن سعد رضي الله عنهما هو القبض، وهو وضع اليمين على الشمال حال القيام، والأفضل وضعهما على الصدر، ومن أرسل فصلاته صحيحة لكنه ترك الأفضل ولا ينبغي في هذا النزاع بين الإخوان، بل ينبغي لهم المذاكرة بالحكمة والأسلوب الحسن لطلب الفائدة.
وقد كتبنا في هذه المسألة مقالا موجزا.
س: أين يضع المصلي يديه في الصلاة؟ .
ج: في حال القيام يضعهما على صدره، هذا هو الأفضل لصحة الأحاديث في ذلك قبل الركوع وبعده، أما في حال الركوع فيضعهما على ركبتيه، وفي حال السجود يضعهما على الأرض حيال منكبيه أو حيال أذنيه، وأما في حال(11/146)
الجلوس بين السجدتين فيضعهما على فخذيه أو ركبتيه، وهكذا في حال التشهد الأول والأخير ولكنه في حال التشهد يضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة حتى يسلم إشارة إلى وحدانية الله سبحانه ويحركها عند الدعاء وفي بعض الأحيان يقبض الأصابع كلها - أعني: أصابع كفه اليمنى - ويشير بالسبابة لأن كلتا الصفتين قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله ولي التوفيق.(11/147)
السنة في وضع اليد في الصلاة
وما يقال بعد الرفع من الركوع
(1) .
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (11594) وتاريخ 24 \2\ 1415 هـ.(11/147)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ب. أ. ع،
وفقه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد وصلتني رسالتك المؤرخة في 27\4\1994 م، المتضمنة الإفادة عن قراءتك لكتب السلف الصالح، ومن ثم السؤال عن بعض الأشياء التي ظهرت لك أثناء القراءة وأخبرك بأن السنة وضع اليمين على الشمال على الصدر لحديث وائل بن حجر وقبيصة بن هلب الطائي عن أبيه. وأبعث لك نسخة مما كتبنا في ذلك تعقيبا على الشيخ الألباني.
وأما الجواب عن سؤالك الثاني، فإن المحفوظ من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الرفع من الركوع أربع صفات:
إحداها: ربنا لك الحمد.
والثانية: ربنا ولك الحمد.(11/148)
والثالثة: اللهم ربنا لك الحمد.
والرابعة: اللهم ربنا ولك الحمد.
وأما عن سؤالك الثالث، فإن الأناشيد فيها تفصيل، فإن كانت سليمة مما يخالف الشرع المطهر فلا بأس بها كسائر الشعر السليم. ولا أذكر أني أفتيت بتحريمها مطلقا.
وأسال الله سبحانه أن يمنحك المزيد من التوفيق والمزيد من العلم النافع والعمل الصالح. وقد عمدت الجهة المختصة لدينا بإرسال نسخة من مجموع فتاوانا ونسخة من بعض الكتب النافعة إليك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء.(11/149)
حكم الصلاة خلف صوفي لا يقبض يديه في
الصلاة ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(11/149)
س: إذا حضرت بقرية وكان إمامها أحد الصوفية ولا يقبض يديه في الصلاة ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود فهل تجوز صلاتي خلفه أم لا؟
ج: إذا كان موحدا معروفا بالتوحيد ليس مشركا وإنما عنده شيء من الجهل والتصوف ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده ولا يعبد المشايخ ويدعوهم من دون الله كالشيخ عبد القادر أو غيره بل يعبد الله وحده فلا بأس بالصلاة خلفه ومجرد كونه لا يضم يديه لا يمنع من الصلاة خلفه لأن ضم اليدين أمر مسنون وليس واجبا.
والسنة أن يضع اليمنى على كف اليسرى ويجعلهما على صدره فيجعل اليمنى فوق كفه اليسرى والرسغ والساعد هذا هو الأفضل وهذا هو المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والنسائي وآخرون من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه، وجاء له شاهد عن الإمام أحمد رحمه الله في مسنده(11/150)
بإسناد حسن من حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على صدره في الصلاة» . وهذا هو الأفضل للحديثين المذكورين. وروى البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ما يدل على هذا المعنى إلا أنه قال: على ذراعه اليسرى بدل كفه اليسرى.
والمعنى والله أعلم: أن أطراف أصابعه اليمنى كانت على ذراعه اليسرى مما يلي الكف جمعا بين الأحاديث. لكن من أرسلهما فصلاته صحيحة ولكنه خالف السنة في ذلك.
أما تقديم الركبتين قبل اليدين في السجود فهو الأفضل لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه في ذلك وما جاء في معناه. وهو قول أكثر أهل العلم. وقال بعضهم: يقدم يديه قبل ركبتيه لما ورد في ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والأمر في هذا واسع سواء قدم ركبتيه أو قدم يديه فالصلاة صحيحة، وإنما الخلاف في الأفضل، والصواب أن الأفضل هو تقديم الركبتين قبل اليدين لما تقدم، وإن قدم يديه ثم ركبتيه فلا حرج في ذلك والصلاة صحيحة والحمد لله ولا مانع من الصلاة خلف من يفعل ذلك.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه في نهي المصلي عن بروك كبروك البعير لا يخالف حديث وائل بل يوافقه؛ لأن(11/151)
البعير يبرك على يديه قبل رجليه. أما قوله في آخر حديث أبي هريرة: «وليضع يديه قبل ركبتيه (1) » . فالأظهر فيه عند كثير من المحققين أنه غلط من بعض الرواة وإنما الصواب: «وليضع ركبتيه قبل يديه (2) » حتى يوافق آخر الحديث أوله. وبذلك يتفق الحديثان حديث وائل، وحديث أبي هريرة ويزول الخلاف. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (8598) وأبو داود برقم (714)
(2) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبو داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .(11/152)
المشروع وضع اليدين على
الصدر حال القيام قبل الركوع وبعده (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/152)
س: من الأخ م. م. ص. - صبيا، المملكة العربية السعودية، أرى بعض المصلين عندما يضمون أيديهم لا يضعونها فوق الصدر وإنما بعضهم يضعها تحت السرة وبعضهم فوقها قليلا. نرجو التوجيه حول هذا الموضوع مأجورين إن شاء الله.
ج: المشروع وضعها على الصدر حال القيام قبل الركوع وبعده، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر، وقبيصة بن هلب الطائي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله ولي التوفيق.(11/153)
حكم وضع المرفقين على الأرض أثناء السجود (1) .
__________
(1) برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (517) .(11/153)
س: سائلة تقول: ما حكم وضع المرفقين على الأرض أثناء السجود؟
ج: هذا مكروه ولا ينبغي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك (1) » . خرجه مسلم في صحيحه. ونهى عن الافتراش كافتراش السبع، فالسنة أن يرفع مرفقيه سواء كان رجلا أو امرأة وسواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، ويعتمد على كفيه حال السجود.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في مسند الكوفيين برقم (18022) ومسلم في الصلاة برقم (494)(11/154)
صفة رفع اليدين
عند التكبير في الصلاة (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/154)
س: الأخ ع. م. س. - الدار البيضاء، يسأل ويقول: إنه يشاهد بعض المصلين عندما يرفع من الركوع يرفع يديه كأنه يدعو أي أن باطنيهما جهة وجهه فهل فعلهم هذا موافق للسنة؟ وإذا كان غير ذلك فما هي الهيئة المناسبة للرفع بعد الركوع وغيره؟
ج: السنة للمصلي أن يرفع يديه حذاء منكبيه أو حذاء أذنيه عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، موجها بطونهما إلى القبلة. هذا هو السنة وهو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله الموفق.(11/155)
مواضع رفع اليدين
عند التكبير في الصلاة (1) .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (52) .(11/155)
س: هل يجوز رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام فقط أم لا بد من رفعها في جميع أركان الصلاة؟
ج: السنة رفع اليدين عند الإحرام وعند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك واجبا بل سنة فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم وفعله خلفاؤه الراشدون وهو المنقول عن أصحابه صلى الله عليه وسلم، فالسنة للمؤمن أن يفعل ذلك في جميع الصلوات وهكذا المؤمنة؛ لأن الأصل أن الرجال والنساء سواء في الأحكام إلا ما خصه الدليل، فالسنة أن يرفع المصلي يديه عند التكبيرة الأولى حيال منكبيه أو حيال أذنيه، وهكذا عند الركوع، وهكذا عند الرفع منه، وهكذا عند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، كما جاءت فيه الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كله مستحب وسنة وليس بواجب، ولو صلى ولم يرفع صحت صلاته اهـ.(11/156)
حكم من تكلم في الصلاة ناسيا (1) .
__________
(1) نشرت في (جريد البلاد) العدد (10935) وتاريخ الأربعاء 13 \1 \1415 هـ.(11/156)
س: إذا تكلم الإنسان في الصلاة ناسيا فهل تبطل صلاته؟.
ج: إذا تكلم المسلم في الصلاة ناسيا أو جاهلا لم تبطل صلاته بذلك فرضا كانت أم نفلا لقول الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (1) وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قال: «قد فعلت (2) » .
وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه شمت عاطسا في الصلاة جهلا بالحكم الشرعي فأنكر عليه من حوله ذلك بالإشارة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلم يأمره بالإعادة، والناسي مثل الجاهل وأولى؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في الصلاة ناسيا فلم يعدها عليه الصلاة والسلام بل كملها كما في الأحاديث الصحيحة من
__________
(1) سورة البقرة الآية 286
(2) رواه الإمام مسلم في الإيمان برقم (126) والترمذي في تفسير القرآن برقم (2992)(11/157)
حديث ابن مسعود وعمران بن حصين وأبي هريرة رضي الله عنهم.
أما الإشارة في الصلاة فلا حرج فيها إذا دعت الحاجة إليها.(11/158)
حكم وضع الغترة
تحت الوجه أثناء السجود (1) .
س: من أ. ع. م. - الخبر، المملكة العربية السعودية، يقول: أشاهد بعض المصلين يضع طرف غترته تحت وجهه أثناء السجود فما حكم فعلهم هذا وفقكم الله؟
ج: إذا كان هناك حاجة كبرودة الأرض أو حرارتها أو وعورتها فلا بأس بذلك فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك عند الحاجة. أما عند عدم الحاجة فالأفضل ترك ذلك وأن يباشر المصلي المصلى بوجهه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وأصحابه رضي الله عنهم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) عدد ربيع الأول 1412 هـ.(11/158)
السنة للمصلي إذا هوى
للسجود أن يضع ركبتيه قبل يديه (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/158)
س: هل الأفضل وضع الركبتين قبل اليدين عند الخفض للسجود أو العكس أفضل؟ وما الجمع بين الحديثين الواردين في ذلك؟
ج: السنة للمصلي إذا هوى للسجود أن يضع ركبتيه قبل يديه إذا استطاع ذلك في أصح قولي العلماء وهو قول الجمهور؛ لحديث وائل بن حجر رضي الله عنه وما جاء في معناه من الأحاديث. أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فهو في الحقيقة لا يخالف ذلك بل يوافقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى فيه المصلي عن بروك كبروك البعير، ومعلوم أن من قدم يديه فقد شابه البعير. أما قوله في آخره: «وليضع يديه قبل ركبتيه (1) » فالأقرب أن ذلك انقلاب وقع في الحديث على بعض الرواة، وصوابه: «وليضع ركبتيه قبل يديه (2) » وبذلك تجتمع الأحاديث ويوافق آخر الحديث المذكور أوله، ويزول عنها التعارض وقد نبه على هذا المعنى العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه: (زاد المعاد) .
أما العاجز عن تقديم الركبتين لمرض أو كبر سن فإنه لا حرج عليه في تقديم يديه لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3)
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (269) ، سنن النسائي التطبيق (1091) ، سنن أبو داود الصلاة (840) ، مسند أحمد بن حنبل (2/381) ، سنن الدارمي الصلاة (1321) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (268) ، سنن النسائي التطبيق (1089) ، سنن أبو داود الصلاة (838) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (882) ، سنن الدارمي الصلاة (1320) .
(3) سورة التغابن الآية 16(11/159)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم (1) » متفق على صحته. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم (7449 و27258 و 9890)(11/160)
حكم النحنحة والنفخ والبكاء في الصلاة (1) .
س: ما رأي سماحتكم في النحنحة في الصلاة والنفخ والبكاء هل يبطل الصلاة أم لا؟ .
ج: النحنحة والنفخ والبكاء كلها لا تبطل الصلاة ولا حرج فيها إذا دعت إليها الحاجة، ويكره فعلها لغير حاجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنحنح لعلي رضي الله عنه إذا استأذن عليه وهو يصلي.
وأما البكاء فهو مشروع في الصلاة وغيرها إذا صدر عن خشوع وإقبال على الله من غير تكلف، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبكي في الصلاة، وصح ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما وعن جماعة غيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/160)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
بعد التشهد الأول في الصلاة (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(11/160)
س: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قراءة التشهد الثاني في الركعة الثانية من الصلاة الرباعية أم يكتفى بالتشهد الأول؟
ج: اختلف العلماء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأول مع إجماعهم على شرعيتها في التشهد الثاني إذا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله في التشهد الثاني في الظهر والعصر والمغرب والعشاء فإنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة، فقد سئل صلى الله عليه وسلم فكيف نصلي عليك؟ وفي رواية أخرى في صلاتنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » . وهذه الرواية أكمل
__________
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3370) ، صحيح مسلم الصلاة (406) ، سنن الترمذي الصلاة (483) ، سنن النسائي السهو (1288) ، سنن أبو داود الصلاة (976) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (904) ، مسند أحمد بن حنبل (4/244) ، سنن الدارمي الصلاة (1342) .(11/161)
الروايات فيها الصلاة على محمد وآله وعلى إبراهيم وآله وهكذا التبريك وهذا لا خلاف فيه أنه يؤتى به في التشهد الأخير.
واختلف هل هذا واجب أو ركن أم مستحب على أقوال ثلاثة، وبكل حال فهو مشروع للمصلي للرجال والنساء وأن يأتي بهذه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ثم يدعو بما تيسر من الدعوات مثل: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال (1) » ، «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (2) » ، «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (3) » .
هذا هو الدعاء المشروع في آخر الصلاة وهكذا «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (4) » . هذا شيء من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة خرجه مسلم في صحيحه، وهكذا يشرع للمسلم في آخر الصلاة قبل أن يسلم. أن يقول:
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1377) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (588) ، سنن الترمذي الدعوات (3604) ، سنن النسائي الاستعاذة (5506) ، سنن أبو داود الصلاة (983) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (909) ، مسند أحمد بن حنبل (2/523) ، سنن الدارمي الصلاة (1344) .
(2) سنن النسائي السهو (1303) ، سنن أبو داود الصلاة (1522) ، مسند أحمد بن حنبل (5/247) .
(3) صحيح البخاري الأذان (834) ، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2705) ، سنن الترمذي الدعوات (3531) ، سنن النسائي السهو (1302) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3835) ، مسند أحمد بن حنبل (1/4) .
(4) رواه أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم (691 و 764) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها برقم (1290)(11/162)
«اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر (1) » . خرجه البخاري في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وهذا الدعاء كله مشروع في التشهد الأخير في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء وفي الثالثة من المغرب وفي الثانية من الفجر والجمعة. أما التشهد الأول في الظهر والعصر والمغرب والعشاء فإن الصحيح فيه أنه يشرع أن يصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم فقط أما الدعاء فيكون في التشهد الأخير كما تقدم وكما دل على ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه المخرج في الصحيحين. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (790) والدعوات برقم (5851) والتوحيد برقم (6839) ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم (4876)(11/163)
كيفية التسليم في ختام الصلاة (1) .
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم 1667 \2 في 15\ 8 \ 1405 هـ.(11/163)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. أ. ع. خ وفقه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إشارة إلى استفتائك المقيد في إدارة البحوث برقم 1221 في 23\4\1405 هـ. نفيدك بأنه جرى النظر فيه وإليك جواب كل سؤال عقبه:
س: هل يجوز للإمام في السلام من الصلاة أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أو يكتفي بقول السلام عليكم ورحمة الله، وهل إذا زاد في السلام لفظ: وبركاته، تكون الصلاة باطلة أم صحيحة؟ .
ج: الأفضل الاقتصار على السلام عليكم ورحمة الله؛ لأن هذا هو المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما زيادة وبركاته ففي ثبوتها خلاف بين أهل العلم، والأفضل تركها، وإن أتى بها لم تبطل الصلاة بها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(11/164)
س: إذا فرغ المصلي من صلاته وأراد أن يسلم فهل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يمينا ثم شمالا، أم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فقط، وما حكم صلاة من فعل ذلك بزيادة وبركاته؟ (1) .
ج: المحفوظ في السنة ورحمة الله فقط وهذا هو المشروع أن يقول: «السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه وشماله (2) » ، أما زيادة (وبركاته) ففيها خلاف بين أهل العلم، وقد روى علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هكذا: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (3) » ، لكن في رواية علقمة عن أبيه خلاف بين أهل العلم في صحة سماعه من أبيه أو عدمها، ومنهم من قال: إنها منقطعة، فالمشروع للمؤمن ألا يزيدها وأن يقتصر على: (ورحمة الله) ، ومن زادها ظانا صحتها أو جاهلا بالحكم فلا حرج وصلاته صحيحة، ولكن الأولى والأحوط ألا يزيدها خروجا من خلاف العلماء وعملا بالأمر الأثبت والأحوط..
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (517) .
(2) سنن النسائي السهو (1320) ، مسند أحمد بن حنبل (2/152) .
(3) سنن أبو داود الصلاة (997) .(11/165)
حكم الاقتصار على تسليمة واحدة (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/165)
س: أم بنا رجل فسلم بنا واحدة عن يمينه فهل يجوز الاقتصار على واحدة وهل ورد في السنة شيء من ذلك؟ .
ج: ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن التسليمة الواحدة كافية لأنه قد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا بد من تسليمتين لثبوت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي (1) » رواه البخاري في صحيحه. وهذا القول هو الصواب.
والقول بإجزاء التسليمة الواحدة ضعيف لضعف الأحاديث الواردة في ذلك وعدم صراحتها في المطلوب ولو صحت لكانت شاذة؛ لأنها قد خالفت ما هو أصح منها وأثبت وأصرح. لكن من فعل ذلك جاهلا أو معتقدا لصحة الأحاديث في ذلك فصلاته صحيحة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (595) والدرامي في الصلاة برقم (1225)(11/166)
الدعاء بعد الفريضة (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني، ص (109) .(11/166)
س: لقد ذكر لنا بعض الإخوة المسلمين بأن سماحتكم سبق أن أفتيتم بعدم جواز الدعاء بعد الفريضة وإنما يكون بعد النافلة، فإن كان ما يقولون صحيحا، نرجو من سماحتكم التفضل بتوضيح هذا الأمر وذكر الأدلة حتى نكون على بصيرة من ديننا وهدي نبينا؟ .
ج: لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم أنهم كانوا يرفعون أيديهم بالدعاء بعد صلاة الفريضة وبذلك يعلم أنه بدعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1) » . خرجه مسلم في صحيحه. وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » . متفق على صحته.
أما الدعاء بدون رفع اليدين وبدون استعماله جماعيا فلا
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الأقضية برقم (3242) .
(2) رواه مسلم في كتاب الأقضية برقم (3242) .(11/167)
حرج فيه لأنه «قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم دعا قبل السلام وبعده» وهكذا الدعاء بعد النافلة لعدم ما يدل على منعه، ولو مع رفع اليدين؛ لأن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة لكن لا يكون بصفة دائمة بل في بعض الأحيان لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو رافعا يديه بعد كل نافلة والخير كله في التأسي به صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه لقوله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1)
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 21(11/168)
الدعاء مشروع
وليس بواجب في الصلاة (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (840) .(11/168)
س: يقول بعض الناس إن الدعاء واجب وهو أن يدعو الإمام ويؤمن المصلون فهل هذا صحيح أم لا؟
ج: الدعاء مشروع ولكنه ليس بواجب فالإنسان يدعو في صلاته وفي غير صلاته، يدعو الله ويجتهد في الخير ويسأل ربه المغفرة والرحمة وصلاح النية والعمل ويسأل ربه الرزق الحلال والزوجة الطيبة الصالحة والذرية الصالحة، ويسأل ربه أن يدخله الجنة ويبعده عن النار إلى غير ذلك من الأدعية الطيبة، لكن يجب أن يقول ربي اغفر لي بين السجدتين عند جماعة من أهل العلم. أما بقية الدعاء فهو مستحب بأن يدعو في آخر الصلاة قبل أن يسلم ومستحب أن يدعو في سجوده ومستحب أن يدعو في خارج الصلاة، ويطلب من ربه من خيري الدنيا والآخرة.
كل هذا مستحب مطلوب ولا يجب ذلك أما ما يفعله بعض الناس من الدعاء بعد صلاة الفريضة إذا سلموا دعا(11/169)
الإمام ثم رفعوا أيديهم وأمنوا فهذا لا أصل له وما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يفعلونه. فالإنسان يدعو بينه وبين نفسه والإمام يدعو بينه وبين نفسه والمأموم كذلك. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعد الصلاة بينه وبين نفسه. وأما كون الإمام يدعو والمأمومون يرفعون أيديهم ويؤمنون فهذا لا أصل له بل هو من البدع التي يجب تركها والأفضل أن يدعو وهو في صلاته في سجوده وقبل أن يسلم لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما علم أصحابه التحيات قال: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (1) » . أي قبل أن يسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: «وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (2) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (3) » . خرجهما مسلم في صحيحه. فينبغي للمسلم أن يكثر من الدعاء في سجوده وفي آخر الصلاة قبل أن يسلم وإذا دعا بعد السلام وبعد الذكر بينه وبين ربه فلا بأس من دون رفع اليدين؛ لأن رفع اليدين بالدعاء بعد السلام من الفريضة لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم، وإذا رفع يديه في بعض الأحيان بعد النوافل فلا بأس أو في غير صلاة في أي وقت لأن رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (835) ، صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبو داود الصلاة (968) ، مسند أحمد بن حنبل (1/431) ، سنن الدارمي الصلاة (1340) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (479) ، سنن النسائي التطبيق (1120) ، سنن أبو داود الصلاة (876) ، سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3899) ، مسند أحمد بن حنبل (1/219) ، سنن الدارمي الصلاة (1325) .
(3) صحيح مسلم الصلاة (482) ، سنن النسائي التطبيق (1137) ، سنن أبو داود الصلاة (875) ، مسند أحمد بن حنبل (2/421) .(11/170)
حكم الدعاء في الفريضة (1) .
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) ، عدد ذو الحجة 1411 هـ.(11/170)
س: من السائل ع. ع. أ. - المنوفية، مصر - هل يجوز أن يدعو المصلي في صلاته المفروضة مثلا بعد فعل الأركان والواجبات كأن يقول في السجود بعد سبحان ربي الأعلى اللهم اغفر لي وارحمني وغير ذلك؟ أرجو إفادتي بالأذكار اللازمة لذلك؟ .
ج: يشرع للمؤمن أن يدعو في صلاته في محل الدعاء سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة ومحل الدعاء في الصلاة هو السجود وبين السجدتين وفي آخر الصلاة بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل التسليم كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بين السجدتين بطلب المغفرة وثبت أنه كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (1) » .
وقال عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (2) » .
أخرجه مسلم
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (284) ، سنن أبو داود الصلاة (850) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (898) .
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم (738) وأبو داود في الصلاة برقم (742) وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم (1260) ومسند بني هاشم برقم (1801) .(11/171)
في صحيحه وخرج مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء (1) » .
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه التشهد قال: «ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء (2) » .
وفي لفظ: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (3) » .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تدل على شرعية الدعاء في هذه المواضع بما أحبه المسلم من الدعاء سواء كان يتعلق بالآخرة أو يتعلق بمصالحه الدنيوية بشرط ألا يكون في دعائه إثم ولا قطيعة رحم والأفضل أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (744) وأحمد في باقي مسند المكثرين برقم (9083) .
(2) رواه مسلم في الصلاة برقم (609) .
(3) رواه النسائي في السهو برقم (1281) وأبو داود في الصلاة برقم (825) .(11/172)
الدعاء في الصلاة للوالدين (1) .
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1564) في 29\ 6\ 1417 هـ.(11/172)
س: يقولون إن الدعاء في صلاة الفريضة لا يجوز للوالدين، والقرآن لا يجوز أن يجعل ثواب الختمة لوالديه، وإذا طاف لا يجوز أن يجعل ثواب السبع لوالديه. فما الحكم في ذلك؟ .
ج: الدعاء في الصلاة لا بأس به سواء كان لنفسه أو لوالديه أو لغيرهما، بل هو مشروع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» . أخرجه مسلم في صحيحه. وقال عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» . خرجه مسلم أيضا، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه التشهد قال: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (1) » . وفي رواية: «ثم ليتخير بعد من
__________
(1) رواه النسائي في السهو برقم (1281) وأبو داود في الصلاة برقم (825)(11/173)
المسألة ما شاء (1) » .
والمراد بذلك قبل أن يسلم، فإذا دعا في سجوده أو في آخر الصلاة لنفسه أو لوالديه أو المسلمين فلا بأس لعموم هذه الأحاديث وغيرها.
وأما تثويب القراءة أو الطواف لوالديه أو لغيرهما من المسلمين فهذا محل خلاف بين العلماء، والأفضل والأحوط تركه لعدم الدليل عليه، والعبادات توقيفية لا يفعل منها إلا ما جاء به الشرع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » . متفق على صحته، وفي رواية أخرى: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » . خرجه مسلم في الصحيح. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (609) .
(2) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .(11/174)
تنبيه حول دعاء غير مشروع (1) .
__________
(1) نشرت في (مجلة البحوث الإسلامية) ، العدد (26) ص (349) .(11/174)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد اطلعت على الكتيب الذي جمعته وهو (كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) وقد طبعه بعض المحسنين وأضاف في آخره دعاء هذا نصه: (دعاء مستحب بعد صلاة الفجر، اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها يا الله من جميع الأحوال والآفات وتقضي لي بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات وترفعنا بها أعلى الدرجات وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات يا رب العالمين) .
وهذا الدعاء لا دليل على مشروعيته على هذه الكيفية ولا أساس له من السنة ولا أسمح لأحد أن يضيف إلى كتبي ما ليس منها وإنما المشروع للمسلم أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا في كل وقت بالكيفية التي ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس(11/175)
سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فيكف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم (1) » . رواه مسلم في صحيحه.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: «قد عرفنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . متفق عليه. وغيرهما من الأحاديث التي تدل على كيفية الصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) رواه مسلم في الصلاة برقم (613) .(11/176)
وينبغي للمسلم أن يتقيد بما ورد ولا يأتي بكيفية للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لم ترد بها السنة لأن اتباع السنة فيه الخير والبركة والسعادة في الدنيا والآخرة. وفق الله الجميع للفقه في دينه والثبات عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.(11/177)
حكم رفع اليدين في الدعاء (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/177)
س: ما حكم رفع اليدين في الدعاء؟ .
ج: رفع اليدين في الدعاء سنة ومن أسباب الإجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (1) » . أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى وقال سبحانه ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي
__________
(1) رواه الترمذي في الدعوات برقم (3479) وأبو داود في الصلاة برقم (1373) واللفظ له، ورواه ابن ماجه في الدعاء برقم (3855) .
(2) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (7998) ومسلم في الزكاة برقم (1686) والترمذي في تفسير القرآن برقم (2915) .
(3) سورة البقرة الآية 172 (2) {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}(11/178)
بالحرام فأنى يستجاب لذلك (1) » . أخرجه مسلم في صحيحه.
فذكر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن مد اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة لولا المانع المذكور في الحديث، وهو أكل الحرام. ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء، كما في الاستسقاء ودعائه على الصفا والمروة في حجه وعمره، وفي مواضع أخرى.
لكن المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز الرفع فيها لأن فعله سنة وتركه سنة عليه الصلاة والسلام وذلك مثل الدعاء بين السجدتين والدعاء في آخر الصلاة قبل السلام فإنه لا يشرع الرفع فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع في ذلك وهكذا الدعاء بعد الصلوات الخمس بعد الفراغ من الذكر فإنه لا مانع من الدعاء بينه وبين نفسه بعد الذكر لوجود أحاديث تدل على ذلك ولكن لا يشرع في ذلك رفع اليدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك والواجب على المسلمين جميعا التقيد بالكتاب والسنة في كل شيء والحذر من مخالفتهما. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 51 (3) {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}(11/179)
حكم رفع الأيدي للدعاء بعد الصلاة (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(11/179)
س: ما رأي سماحتكم في رفع الأيدي للدعاء بعد الصلاة؟ وهل هناك فرق بين صلاة الفريضة والنافلة؟ .
ج: رفع الأيدي في الدعاء سنة ومن أسباب الإجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (1) » أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث سلمان الفارسي. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال سبحانه وقال عز وجل: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي
__________
(1) رواه الترمذي في الدعوات برقم (3479) وأبو داود في الصلاة برقم (1373) واللفظ له، ورواه ابن ماجه في الدعاء برقم (3855) .
(2) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم (7998) ومسلم في الزكاة برقم (1686) والترمذي في تفسير القرآن برقم (2915) .
(3) سورة البقرة الآية 172 (2) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}(11/180)
بالحرام فأنى يستجاب لذلك (1) » رواه مسلم.
لكن لا يشرع رفعهما في المواضع التي وجدت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفع فيها كأدبار الصلوات الخمس وبين السجدتين وقبل التسليم من الصلاة وحين خطبة الجمعة والعيدين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع في هذه المواضع وهو عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة فيما يأتي ويذر لكن إذا استسقى في خطبة الجمعة أو خطبة العيدين شرع له رفع اليدين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الصلاة النافلة فلا أعلم مانعا من رفع اليدين بعدها في الدعاء عملا بعموم الأدلة لكن الأفضل عدم المواظبة على ذلك؛ لأن ذلك لم يثبت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو فعله بعد كل نافلة لنقل ذلك عنه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم قد نقلوا أقواله وأفعاله في سفره وإقامته وسائر أحواله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم جميعا.
أما الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة تضرع وتخشع وأن تقنع أي ترفع يديك تقول يارب يا رب» فهو حديث ضعيف.
كما أوضح ذلك الحافظ بن رجب وغيره والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 51 (3) {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(11/181)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم وفقه الله لما فيه رضاه آمين (1) .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده يا محب.
كتابكم الكريم وصل وصلكم الله بهداه وما تضمنه من السؤال حول موضوع حكم رفع اليدين في الدعاء بعد التسليم من صلاة الفريضة وغيرها. إلخ. كان معلوما وعليه نفيدكم بأن رفع اليدين في الدعاء سنة ومن أسباب الإجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا (2) » .
والأحاديث كثيرة صحت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما رفع اليدين في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم كالرفع بعد صلاة الفريضة للإمام والمأموم والمنفرد فلا يشرع لأحد منهم أن يرفع يديه بعد الفريضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفعهما بعد سلامه من الفريضة.
أما النوافل فلا بأس بالرفع في الدعاء بعده بين وقت وآخر لا بصفة دائمة وهكذا لا يشرع رفع اليدين في خطبة
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (1211\ 1) وتاريخ 2\ 5\ 1408 هـ.
(2) سنن الترمذي الدعوات (3556) ، سنن أبو داود الصلاة (1488) ، سنن ابن ماجه الدعاء (3865) ، مسند أحمد بن حنبل (5/438) .(11/182)
الجمعة وخطبة العيدين ولا بين السجدتين ولا بعد قراءة التحيات قبل أن يسلم ونحو ذلك من المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ويشرع الرفع في خطبة الاستسقاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة صلاة الاستسقاء وهكذا رفع يديه لما استسقى في خطبة الجمعة ورفع الناس أيديهم.
وبما ذكرنا تجتمع الأحاديث الواردة في ذلك وقد نص جمع من أهل العلم على ما ذكرنا.
ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للفقه في دينه والثبات عليه إنه سبحانه خير مسئول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(11/183)
س: من السائلة م. م. - الرياض، هل ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع الأيدي في الدعاء بعد صلاة الفريضة بالذات حيث هناك من قالوا لي إنه لم يكن يرفع يديه حين الدعاء بعد صلاة الفرض؟ (1) .
ج: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بعد صلاة الفريضة ولم يصح ذلك أيضا عن أصحابه رضي الله عنهم فيما نعلم وما يفعله بعض الناس من رفع أيديهم بعد صلاة الفريضة بدعة لا أصل لها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (2) » . أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الأول، ص (74) .
(2) رواه الإمام مسلم في كتاب الأقضية برقم (3243) .(11/184)
ما السنة في تحريك السبابة عند التشهد (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الأول، ص (75) .(11/184)
س: من ع. ح. أ- الدمام، ألاحظ أنه أثناء قراءة التشهد يقوم بعض المصلين بتحريك السبابة يمينا ويسارا وبعضهم إلى أعلى وأسفل، وذلك بحركات سريعة متتالية أو بطيئة، والبعض الآخر يرفع أصبعه ولا يحركها وآخرون لا يرفعون أصبعهم هذه بالمرة، فما الحكم في ذلك؟ .
ج: السنة للمصلي حال التشهد أن يقبض أصابعه كلها أعني أصابع اليمنى ويشير بالسبابة ويحركها عند الدعاء تحريكا خفيفا إشارة للتوحيد وإن شاء قبض الخنصر والبنصر وحلق الإبهام مع الوسطى وأشار بالسبابة كلتا الصفتين صحتا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما يده اليسرى فيضعها على فخذه اليسرى مبسوطة ممدودة أصابعها إلى القبلة وإن شاء وضعها على ركبته كلتا الصفتين صحتا عن النبي صلى الله عليه وسلم.(11/185)
حكم التسبيح باليد اليمنى (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الأول، ص (75) .(11/185)
س: من م. ع. أ. - الخرج، صلى بنا أحد الشباب وبعد الصلاة صار يسبح بيده اليمنى فقط فاستغرب بعض المصلين وسألوا الشاب عن ذلك فقال إن هذه هي السنة. أرجو أن تفيدونا عن صحة ذلك؟ .
ج: ما فعله الإمام هو الصواب فقد ثبت «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد التسبيح بيمينه» ، ومن سبح باليدين فلا حرج في ذلك لإطلاق غالب الأحاديث.(11/186)
التسبيح باليد اليمنى أفضل (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني، ص (111) .(11/186)
س: هل التسبيح والتحميد والتكبير بعد كل فريضة يكون أفضل بأصابع اليد اليمنى أو اليدين معا؟ .
ج: الأفضل أن يكون ذلك بيده اليمنى؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعدهن باليمنى ولقول عائشة رضي الله عنها: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله (1) » ويجوز عقدهن بالأصابع كلها؛ لأنه ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك عنه عليه الصلاة والسلام وقال: «إنهن مسئولات مستنطقات (2) » .
وبذلك يعلم التوسعة في هذا الأمر وأنه لا ينبغي فيه التشدد ولا التنازع.
__________
(1) صحيح البخاري الوضوء (168) ، صحيح مسلم الطهارة (268) ، سنن الترمذي الجمعة (608) ، سنن النسائي الغسل والتيمم (421) ، سنن أبو داود اللباس (4140) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (401) ، مسند أحمد بن حنبل (6/130) .
(2) رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار برقم (25841) والترمذي في الدعوات برقم (3408) والنسائي وأبو داود في الصلاة برقم (1283) .(11/187)
الأذكار التي تقال بعد الفراغ من الصلاة (1) .
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته بتاريخ 24 \ 10 \ 1414 هـ.(11/187)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله وزادهم من العلم والإيمان، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فيسرني أن أذكر إخواني في الله أن السنة أن يقول المسلم بعد كل فريضة سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا أستغفر الله ثلاث مرات، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف إلى الناس إن كان إماما ويستقبلهم بوجهه. ثم يقول هو وغيره من المأمومين وهكذا المنفرد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد(11/188)
منك الجد.
ويقول بعد صلاة المغرب والفجر مع ما تقدم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات. ثم بعد ذلك يقول: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
والسنة للإمام والمنفرد والمأموم الجهر بهذه الأذكار بعد كل صلاة فريضة جهرا متوسطا ليس فيه تكلف وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (1) » .
ولا يجوز أن يجهروا بصوت جماعي بل كل واحد يذكر بنفسه من دون مراعاة لصوت غيره؛ لأن الذكر الجماعي بدعة لا أصل لها في الشرع المطهر.
ثم يشرع أن يقرأ كل من الإمام والمأمومين والمنفرد (آية الكرسي) سرا ثم يقرأ كل منهم: (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس) سرا. وبعد المغرب والفجر يكرر: (قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس)
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (841) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (583) ، سنن النسائي السهو (1335) ، سنن أبو داود الصلاة (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (1/367) .(11/189)
ثلاث مرات. وهو الأفضل لصحة كل ما ذكرنا آنفا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحابته وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
24 \10\1414 هـ.(11/190)
السنة الجهر بالذكر عقب الصلوات
الخمس وعقب صلاة الجمعة بعد التسليم (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/190)
س: ما حكم الذكر الجماعي بعد الصلاة على وتيرة واحدة كما يفعله البعض وهل السنة الجهر بالذكر أو الإسرار؟ .
ج: السنة الجهر بالذكر عقب الصلوات الخمس وعقب صلاة الجمعة بعد التسليم لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (1) » . أما كونه جماعيا بحيث يتحرى كل واحد نطق الآخر من أوله إلى آخره وتقليده في ذلك فهذا لا أصل له بل هو بدعة، وإنما المشروع أن يذكروا الله جميعا بغير قصد لتلاقي الأصوات بدءا ونهاية.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (841) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (583) ، سنن النسائي السهو (1335) ، سنن أبو داود الصلاة (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (1/367) .(11/191)
تكرار بعض الأذكار
بعد صلاة المغرب والفجر (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(11/191)
س: ورد الحث على قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب. فهل ما ورد صحيح؟
ج: ورد في هذا أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تدل على شرعية الذكر المذكور بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب، وهو أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات فيشرع لكل مؤمن ومؤمنة المحافظة على ذلك بعد الصلاتين المذكورتين. وذلك بعد الذكر المشروع بعد السلام من جميع الصلوات الخمس، وهو أن يقول بعد السلام: أستغفر الله، ثلاثا، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا(11/192)
إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وإن كان إماما شرع له الانصراف إلى الناس ويعطيهم وجهه بعد قوله أستغفر الله ثلاثا، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. وللإمام عند الانصراف أن ينصرف عن يمينه أو عن شماله لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا وهذا. ويستحب للمصلي أيضا بعد كل صلاة من الصلوات الخمس بعد الذكر المذكور أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة. فتلك تسع وتسعون، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الترغيب في ذلك وبيان أنه من أسباب المغفرة. ويشرع للمصلي أيضا بعد كل صلاة من الصلوات الخمس: أن يقرأ آية الكرسي بعد هذه الأذكار وأن يقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. ويشرع أن يكرر هذه السور الثلاث بعد المغرب وبعد الفجر وعند النوم ثلاث مرات؛ لورود الأحاديث الصحيحة في ذلك.(11/193)
المراد بدبر الصلاة (1) .
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/193)
س: ما المراد بدبر الصلاة في الأحاديث التي ورد فيها الحث على الدعاء أو الذكر دبر كل صلاة؟ هل هو آخر الصلاة أو بعد السلام؟ .
ج: دبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام، ويطلق على ما بعد السلام مباشرة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بذلك وأكثرها يدل على أن المراد آخرها قبل السلام فيما يتعلق بالدعاء كحديث ابن مسعود رضي الله عنه لما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم التشهد، ثم قال: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو (1) » . وفي لفظ: «ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء» . متفق على صحته.
ومن ذلك حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (2) » أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة برقم (825) .
(2) رواه النسائي في السهو برقم (1286) وأبو داود في الصلاة برقم (1301) .(11/194)
بإسناد صحيح. ومن ذلك ما رواه البخاري رحمه الله عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا ومن عذاب القبر (1) » .
أما الأذكار الواردة في ذلك، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ذلك في دبر الصلاة بعد السلام. ومن ذلك أن يقول حين يسلم: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا ثم ينصرف الإمام بعد ذلك إلى المأمومين ويعطيهم وجهه ويقول الإمام والمأموم والمنفرد بعد هذا الذكر والاستغفار: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله. لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. ويستحب أن يقول المسلم والمسلمة هذا الذكر بعد كل
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (790) والدعوات برقم (5851) والتوحيد برقم (6839) ومسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار برقم (4876) .(11/195)
صلاة من الصلوات الخمس ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ثلاثا وثلاثين، ثم يقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
وهذا كله قد ثبتت به الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحب أن يقرأ بعد ذلك آية الكرسي مرة واحدة سرا ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين بعد كل صلاة سرا مرة واحدة، إلا في المغرب والفجر فيستحب له أن يكرر قراءة السور الثلاث المذكورة ثلاث مرات، ويستحب أيضا للمسلم والمسلمة بعد صلاة المغرب والفجر أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات زيادة على ما تقدم قبل قراءة آية الكرسي وقبل قراءة السور الثلاث. عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك. والله ولي التوفيق.(11/196)
الأفضل قول اللهم أعني على ذكرك
شكرك وحسن عبادتك قبل السلام (1)
__________
(1) سؤال موجه من ع. س. من الرياض، في مجلس سماحته.(11/196)
س: بعد السلام من صلاة الفريضة أنكر علي من بجواري عندما سمعني أدعو بقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) حيث ذكر لي أن هذا الدعاء يكون قبل السلام لا بعده فما الصواب في ذلك؟
ج: الأفضل أن يكون هذا الدعاء وأشباهه قبل السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الصحابة التشهد قال: «ثم ليتخير من المسألة ما شاء (1) » . وفي لفظ: «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به (2) » . وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «لا تدع أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (3) » . ودبر الشيء آخره، كدبر الحيوان. ويلحق بذلك ما يلي الصلاة بعد السلام، فإنه يسمى دبرا، لما ثبت في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (4) » .
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبو داود الصلاة (968) ، سنن الدارمي الصلاة (1340) .
(2) صحيح البخاري الأذان (835) ، صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبو داود الصلاة (968) ، مسند أحمد بن حنبل (1/431) ، سنن الدارمي الصلاة (1340) .
(3) سنن النسائي السهو (1303) ، سنن أبو داود الصلاة (1522) .
(4) صحيح البخاري الأذان (844) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (593) ، سنن النسائي السهو (1341) ، سنن أبو داود الصلاة (1505) ، مسند أحمد بن حنبل (4/245) ، سنن الدارمي الصلاة (1349) .(11/197)
ومعلوم أن هذا الذكر يقال بعد السلام، وقد جاء ذلك صريحا في بعض روايات حديث المغيرة وغيرها فدل ذلك على أنه لا حرج في الدعاء بعد السلام وبعد الذكر فيما بين العبد وبين ربه، عملا بالأدلة كلها. والله ولي التوفيق.(11/198)
حكم مسح الجبهة عن التراب بعد الصلاة (1) .
س: سمعنا من يقول: يكره مسح الجبهة عن التراب بعد الصلاة فهل لهذا أصل؟ .
ج: ليس له أصل فيما نعلم وإنما يكره فعل ذلك قبل السلام؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض صلواته أنه سلم من صلاة الصبح في ليلة مطيرة ويرى على وجهه أثر الماء والطين فدل ذلك أن الأفضل عدم مسحه قبل الفراغ من الصلاة.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(11/198)
حكم المصافحة عد صلاة الفريضة والنافلة (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/198)
س: ما حكم المصافحة بعد الصلاة، وهل هناك فرق بين صلاة الفريضة والنافلة؟
ج: الأصل في المصافحة عند اللقاء بين المسلمين شرعيتها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصافح أصحابه رضي الله عنهم إذا لقيهم وكانوا إذا تلاقوا تصافحوا. قال أنس رضي الله عنه والشعبي رحمه الله: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا. وثبت في الصحيحين أن طلحة بن عبيد الله - أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم - قام من حلقة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده عليه الصلاة والسلام إلى كعب بن مالك رضي الله عنه لما تاب الله عليه فصافحه وهنأه بالتوبة. وهذا أمر مشهور بين المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده(11/199)
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلمين يتلاقيان فيتصافحان إلا تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات عن الشجرة ورقها (1) » . ويستحب التصافح عند اللقاء في المسجد أو في الصف وإذا لم يتصافحا قبل الصلاة تصافحا بعدها تحقيقا لهذه السنة العظيمة. ولما في ذلك من تثبيت المودة وإزالة الشحناء.
لكن إذا لم يصافحه قبل الفريضة شرع له أن يصافحه بعدها بعد الذكر المشروع.
أما ما يفعله بعض الناس من المبادرة بالمصافحة بعد الفريضة من حين يسلم التسليمة الثانية فلا أعلم له أصلا بل الأظهر كراهة ذلك لعدم الدليل عليه؛ ولأن المصلي مشروع له في هذه الحال أن يبادر بالأذكار الشرعية التي كان يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام من صلاة الفريضة.
وأما صلاة النافلة فيشرع المصافحة بعد السلام منها إذا لم يتصافحا قبل الدخول فيها. فإن تصافحا قبل ذلك كفى.
__________
(1) سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2727) ، سنن ابن ماجه الأدب (3703) .(11/200)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الفريضة والنافلة (1) .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من المجلة العربية.(11/200)
س: إذا مر الإنسان في الصلاة بآية فيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فهل يصلي عليه بمناسبة ذكره عملا بحديث: «أن الرسول صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: آمين ثلاثا، فقيل له: إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين. فقال: إن جبريل أتاني» ... إلى أن قال: «رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك (1) » إلى آخر الحديث، أم أن الصلاة عليه ليست من أعمال الصلاة إلا في موضعها من التشهد فلا تفعل إلا فيه وأما في غيره فلا؟ .
ج: أما في الفريضة فلا يفعل ذلك لعدم نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما في النافلة فلا بأس لأنه كان صلى الله عليه وسلم في تهجده بالليل يقف عند كل آية فيها تسبيح فيسبح، وعند كل آية فيها تعوذ فيتعوذ، وعند كل آية فيها سؤال فيسأل.
والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم من هذا الباب. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سنن الترمذي الدعوات (3545) ، مسند أحمد بن حنبل (2/254) .(11/201)
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
مشروعة في التشهد الأول والأخير (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (66) .(11/201)
س: من. أس. ع. - أرتيريا، هل الصلاة المفروضة أو الدعاء إذا لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم تكون صحيحة أو لا فإن بعض الأشخاص قال إن الصلاة والدعاء لا يقبلان إلا إذا كان فيهما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. أفيدونا أفادكم الله؟
ج: الحمد لله الصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة في صلاتنا المفروضة والنافلة وذلك في التحيات في آخر الصلاة بعد أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1) » ، وهناك أنواع أخر ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بواحد منها كفى كأن يقول:
__________
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3370) ، صحيح مسلم الصلاة (406) ، سنن الترمذي الصلاة (483) ، سنن النسائي السهو (1288) ، سنن أبو داود الصلاة (976) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (904) ، مسند أحمد بن حنبل (4/244) ، سنن الدارمي الصلاة (1342) .(11/202)
«اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (1) » . أو يقول: «اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2) » . وهناك أنواع أخرى فإذا أتى بأي نوع منها فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم صحت صلاته وكفى. ثم بعدها يتعوذ بالله من أربع: من عذاب النار ومن عذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات، ويدعو بما أحب من الدعاء الطيب قبل أن يسلم.
وهذه الصلاة تشرع أيضا في التشهد الأول على الصحيح وقال أكثر أهل العلم: إنها لا تشرع إلا في التشهد الأخير، ولكن الصحيح مشروعيتها أيضا في التشهد الأول، لعموم الأحاديث الواردة في ذلك. ولكنها في التشهد الأخير ركن أو واجب لا بد منه أما في الأول فمستحبة لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على تركها في التشهد الأول فدل على عدم وجوبها فيه. وقد اختلف العلماء هل هي ركن أو واجب أو سنة في التشهد الأخير على أقوال: قيل: إنها ركن لا بد منها ولا تصح الصلاة إلا بها وهو المعروف عن الإمام أحمد بن
__________
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3369) ، صحيح مسلم الصلاة (407) ، سنن النسائي السهو (1294) ، سنن أبو داود الصلاة (979) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (905) ، مسند أحمد بن حنبل (5/424) ، موطأ مالك النداء للصلاة (397) .
(2) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3370) ، صحيح مسلم الصلاة (406) ، سنن الترمذي الصلاة (483) ، سنن النسائي السهو (1288) ، سنن أبو داود الصلاة (976) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (904) ، مسند أحمد بن حنبل (4/244) ، سنن الدارمي الصلاة (1342) .(11/203)
حنبل رحمه الله وجماعة، وقيل: إنها واجبة إن تعمد تركها بطلت الصلاة وإن نسيها لم تبطل الصلاة ولكن يسجد للسهو وهذا قول وسط، وقال آخرون: إنها سنة لا تبطل الصلاة بتركها لا عمدا ولا سهوا بل هي سنة مؤكدة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل كيف نصلي عليك قال: «قولوا: اللهم صل على محمد (1) » . إلخ ولو كانت فرضا لفرضها عليهم قبل أن يسألوه وبينها لهم مع التشهد، وبكل حال فالذي ينبغي للمسلم أن يجيء بها ويحافظ عليها في التشهد الأخير لأن الرسول أمر بها والأمر يقتضي الوجوب فلا ينبغي للمؤمن أن يدعها في التشهد الأخير وهكذا المؤمنة، أما التشهد الأول فإن أتى بها فهو أولى وأفضل وإن لم يأت بها فلا حرج عليه ولكن ليس المجيء بها شرطا في القبول لعدم الدليل على ذلك.
وقد ذكرنا الخلاف في وجوبها في التشهد الأخير. وأما الدعاء في التشهد الأخير فهو مستحب ولكن ليس شرطا في القبول فلو لم يدع في التشهد الأخير فصلاته صحيحة ولا حرج عليه في ذلك، ولكن يستحب له الدعاء في التشهد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وبعد التعوذ من الأربع التي تقدم ذكرها لقوله صلى الله عليه سلم: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح
__________
(1) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3369) ، صحيح مسلم الصلاة (407) ، سنن النسائي السهو (1294) ، سنن أبو داود الصلاة (979) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (905) ، مسند أحمد بن حنبل (5/424) ، موطأ مالك النداء للصلاة (397) .(11/204)
الدجال (1) » . وقوله صلى الله عليه وسلم لما علم ابن مسعود التشهد: «ثم ليختر من المسألة ما شاء (2) » . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه سمع رجلا يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عجل هذا ثم دعاه وقال صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء (3) » . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وإسناده صحيح.
ويشرع للمؤمن أن يحرص على أسباب الإجابة من الأكل الحلال والدعاء بقلب حاضر مشفق راغب راهب راج عفو ربه بعيد عن المعاصي ويتحرى أوقات الإجابة آخر الصلاة وقبل السلام والدعاء في السجود وبين الأذان والإقامة وفي آخر الليل وبعد العصر يوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس حال كونه ينتظر صلاة المغرب وحين صعود الخطيب المنبر يوم الجمعة إلى أن تقضى الصلاة. والله أعلم.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1377) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (588) ، سنن الترمذي الدعوات (3604) ، سنن النسائي الاستعاذة (5514) ، سنن أبو داود الصلاة (983) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (909) ، مسند أحمد بن حنبل (2/477) ، سنن الدارمي الصلاة (1344) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (402) ، سنن النسائي السهو (1298) ، سنن أبو داود الصلاة (968) ، سنن الدارمي الصلاة (1340) .
(3) سنن الترمذي الدعوات (3477) ، سنن النسائي السهو (1284) .(11/205)
التسبيح بعد الصلاة بين الجهر والإسرار (1) .
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) ، عدد شوال 1412 هـ.(11/205)
س: من ع. أ. ص. - لوس أنجلوس في أمريكا، يقول: كثر الحديث والجدل حول الجهر والإسرار بالتسبيح بعد الصلوات المكتوبة فنرجو من سماحتكم إفادتنا أيهما أفضل الجهر أم الإسرار بالتسبيح؟ فإذا كان الجهر يشوش على من فاتته بعض الركعات فما هو الحل؟ .
ج: ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من الصلاة المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته (1) » .
فهذا الحديث الصحيح وما جاء في معناه من حديث ابن الزبير والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما وغيرهما كلها تدل على شرعية رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على وجه يسمعه الناس الذين عند أبواب المسجد وحول المسجد حتى يعرفوا انقضاء الصلاة بذلك، وإن كان حوله من يقضي الصلاة فالأفضل له أن يخفض قليلا حتى لا يشوش عليه
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (841) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (583) ، سنن النسائي السهو (1335) ، سنن أبو داود الصلاة (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (1/367) .(11/206)
عملا بأدلة أخرى جاءت في ذلك، وفي رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة فوائد كثيرة منها إظهار الثناء على الله سبحانه وتعالى على ما من به عليهم من أداء هذه الفريضة العظيمة، ومن ذلك تعليم للجاهل وتذكير للناسي ولولا ذلك لخفيت السنة على كثير من الناس. والله الموفق.(11/207)
الإكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله صلى عليه وسلم سبب طمأنينة القلب (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (523) .(11/207)
س: قبل ثلاث سنوات شكوت إلى أحد الرجال الصالحين عندنا من كثرة تذبذبي بين أمور الدنيا وعدم اطمئناني على عبادتي كالصوم والصلاة لأني أصوم وأصلي منذ عشر سنوات ومغريات الدنيا كبيرة فقال لي هذا الرجل اتبع هذه الطريقة لعل قلبك يهدأ تقول: اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه مائة مرة، وتقول: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم مائة مرة، وتقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير مائة مرة.
فهل هذا صحيح أم لا؟ وهل هو المقصود بقوله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1) ؟
__________
(1) سورة الرعد الآية 28(11/208)
ج: لا شك أن الإكثار من ذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله من أعظم الأسباب في طمأنينة القلوب وراحتها، وفي السكون إلى الله سبحانه وتعالى والأنس به سبحانه، وزوال الوحشة والذبذبة والحيرة، فالذي أوصاك به هذا الرجل قد أحسن في هذه الوصية، لكن ليس للاستغفار حد محدود، ولا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حد محدود، بل المشروع أن تكثر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتعين عدد معين، وتستغفر كثيرا مائة أو أكثر أو أقل، أما التحديد بمائة فليس له أصل ولكنك تكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قائما وقاعدا، في الليل والنهار، وفي الطريق وفي البيت؛ لأن الله جل وعلا قال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا (2) » . فأكثر من ذلك وأبشر بالخير وليس هناك حد محدود تصلي على النبي ما تيسر عشرا أو أكثر أو أقل على
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 56
(2) رواه الإمام أحمد في مسند المكثرين برقم (6280) ومسلم في الصلاة برقم (577) .(11/209)
حسب التيسير من غير تحديد وهكذا الاستغفار تكثر من الاستغفار لأنك مأمور بهذا قال الله عز وجل: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) وقال سبحانه: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} (2) فالاستغفار له شأن عظيم وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب (3) » . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله له ذنوبه (4) » . فهذا له شأن عظيم فينبغي لك أن تكثر من الاستغفار في جميع الأوقات، وتقول بعد كل صلاة مكتوبة: أستغفر الله ثلاث مرات، من حين تسلم وبعدها تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. فقد كان النبي يبدأ بهذا حين يسلم عليه الصلاة
__________
(1) سورة البقرة الآية 199
(2) سورة هود الآية 3
(3) رواه أبو داود في الصلاة برقم (1297) وابن ماجه في الأدب برقم (3809) .
(4) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم (10652) والترمذي في الدعوات برقم (3319) .(11/210)
والسلام في صلواته الخمس، وتكثر من الصلاة والاستغفار في الليل والنهار، وأول النهار وأول الليل وآخر النهار، كل هذا مطلوب، أما كلمة لا إله إلا الله فقد جاء فيها الحديث الصحيح: «من قالها في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب الله له مائة حسنة ومحى عنه مائة سيئة وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله (1) » . وهذا الحديث مخرج في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، فينبغي المحافظة على هذا كل يوم.
ويشرع أيضا لكل مسلم ومسلمة الإكثار من قول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» . أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين برقم (7666) والبخاري في بدء الخلق برقم (3050) ومسلم في الذكر والدعاء والاستغفار برقم (4857) .(11/211)
وهكذا يستحب للمسلم أن يقول: سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات. فلها شأن عظيم لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل ذات يوم على زوجته جويرية ضحى وهي في مصلاها بعد الصبح فقال: «ما زلت مكانك الذي فارقتك عليه قالت: نعم. قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله العظيم وبحمده عدد خلقه سبحان الله رضى نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته» .
وهكذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لها شأن عظيم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (1) » .
وقال عليه الصلاة والسلام: «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله كبر أحب إلى مما طلعت عليه الشمس» .
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الآداب برقم (3985) .(11/212)
وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله» .
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله» .
فينبغي الإكثار من هذه الأذكار التي تطمئن بها القلوب وتستقيم بها الأحوال مع الإكثار من الأعمال الصالحات والتوبة النصوح من جميع السيئات مع تقوى الله والاستقامة على دينه والحذر من المعاصي دائما.
ويشرع لكل مسلم الإكثار من هذه الأذكار ومن الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من الأجر العظيم والعاقبة الحميدة وصلاح القلب وانشراحه(11/213)
وزوال الذبذبة والحيرة؛ لأن الله سبحانه وعد بذلك من استقام على أمره وسارع إلى طاعته وأكثر من ذكره ومن الصلاة والسلام على رسوله عليه الصلاة والسلام. رزق الله الجميع الاستقامة وأعاذنا جميعا من نزغات الشيطان وهدانا جميعا لصراطه المستقيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(11/214)
أركان الصلاة(11/215)
صفحة فارغة(11/216)
قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام (1) .
س: هل قراءة الفاتحة مع الإمام في الصلاة الجهرية واجبة على المأموم علما أن الإمام لا يترك فرصة للمأمومين بقراءتها بل يبدأ بقراءة القرآن بعد قولهم آمين مباشرة؟ .
ج: نعم، يقرأ المأموم الفاتحة وإن كان الإمام يقرأ لأنه مأمور بذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/217)
فعلى المأموم أن يقرأها في سكتات الإمام إن سكت وإلا وجب عليه أن يقرأها ولو في حال قراءة الإمام عملا بالأحاديث المذكورة وهي مخصصة لقوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا قرأ الإمام فأنصتوا» .
وقال بعض أهل العلم إنها تسقط عنه واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان له إمام فقراءته له قراءة (2) » . والصواب الأول لضعف الحديث المذكور ولو صح لكان محمولا على غير الفاتحة جمعا بين النصوص كما تقدم لكن لو نسيها المأموم أو لم يقرأها جهلا بالحكم الشرعي أو تقليدا لمن قال بعدم وجوبها على المأموم صحت صلاته وهكذا من أدرك الإمام راكعا ركع معه وأجزأته الركعة، وسقطت عنه الفاتحة لما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله «عن أبي بكرة الثقفي أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم راكعا
__________
(1) سورة الأعراف الآية 204
(2) رواه أحمد في باقي مسند الكوفيين من الصحابة برقم (14116) .(11/218)
فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة فدل ذلك على سقوط الفاتحة عنه لعدم إدراكه القيام والناسي والجاهل في حكمه فتسقط عنه الفاتحة بجامع العذر، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (741) والنسائي في الإمامة برقم (861) وأبو داود في الصلاة برقم (585) .(11/219)
قراءة الفاتحة في سكتات الإمام أفضل (1) .
س: الأخ ع. م. س. من الهفوف في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: يتأخر الإمام في الشروع في قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية في بعض الأحيان مما يمكنني من قراءة الفاتحة قبله فهل فعلي هذا موافق للسنة أم لا بد من قراءتها بعد انتهائه من قراءتها؟ أفتونا جزاكم الله خيرا. .
ج:: الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في جميع الركعات إذا تيسر أن يقرأها في سكوت إمامه قبل أن يقرأ
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة (المجلة العربية) .(11/219)
الفاتحة أو بعدها فهو أفضل فإن لم يتيسر ذلك قرأها ولو في حال قراءة الإمام ثم ينصت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (1) » خرجه الإمام أحمد، وأبو داود والترمذي وابن حبان بإسناد صحيح. ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2) » متفق على صحته من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
لكن لو تركها المأموم ناسيا أو جاهلا صحت صلاته لأنها في حقه واجبة لا ركن، وهكذا لو جاء والإمام راكع، أو عند الركوع ركع مع إمامه وسقطت عنه الفاتحة، لما روى البخاري في صحيحه «عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه جاء إلى المسجد والإمام راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعدما فرغ من الصلاة: زادك الله حرصا ولا تعد (3) » ولم يأمره بقضاء الركعة فدل ذلك على أنه معذور إذا لم يدرك الإمام حال القيام على وجه يمكنه فيه قراءة الفاتحة والجاهل والناسي في حكمه في المعنى بخلاف المنفرد والإمام فإنها ركن في حقهما لا تسقط عنهما بوجه من الوجوه عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (920) ، سنن أبو داود الصلاة (823) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(2) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبو داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(3) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/220)
المراد بسكتات الإمام (1) .
__________
(1) سؤال موجه لسماحته السائل ع. س. من الرياض، في مجلس سماحته.(11/220)
س: قراءة الفاتحة في سكتات الإمام هل يقصد بذلك سكتات الإمام أثناء قراءة الفاتحة أو أثناء قراءته ما تيسر بعد الفاتحة أو السكتة التي تحصل بين قراءة الفاتحة وقراءة سورة بعدها؟ .
ج: المقصود قراءة الفاتحة من المأموم في أي سكتة تحصل من الإمام في الفاتحة أو بعدها، أو في السورة التي بعدها، فإن لم يسكت فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» . أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد صحيح، وأصله في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» .(11/221)
لكن لو أدرك المأموم الإمام في الركوع أو عند الركوع سقطت عنه الفاتحة، لما روى البخاري في صحيحه «عن أبي بكرة رضي الله عنه، أنه أتى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف ثم دخل في الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعدما سلم: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » . .
ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل ذلك على أن قراءة الفاتحة تسقط عن المأموم إذا لم يتمكن من ذلك لكونه أتى المسجد والإمام في الركوع، أو عند شروعه في الركوع، ويلحق بذلك في الحكم ما لو نسي المأموم الفاتحة أو جهل الحكم فلم يقرأها. عند من أوجبها على المأموم لأن الناسي والجاهل في هذا الحكم يشبه الذي جاء والإمام راكع، أو هو أولى منه بالعذر. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (741) والنسائي في الإمامة برقم (861) وأبو داود في الصلاة برقم (585) .(11/222)
مجموعة استفسارات حول
قراءة المأموم الفاتحة خلف الإمام (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.(11/222)
س: اختلفت آراء العلماء في قراءة المؤتم خلف الإمام فما هو الصواب في ذلك؟ وهل قراءة الفاتحة واجبة عليه؟ ومتى يقرؤها إذا لم يكن للإمام سكتات تمكن المأموم من قراءتها؟ وهل يشرع للإمام السكوت بعد قراءة الفاتحة لتمكين المأموم من قراءة الفاتحة؟
ج: الصواب وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في جميع الصلوات السرية والجهرية لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (1) » وقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (2) » خرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح والمشروع أن يقرأ بها في سكتات الإمام. فان لم يكن له سكتة قرأ بها ولو كان الإمام يقرأ ثم أنصت.
وهذا مستثنى من عموم الأدلة الدالة على وجوب
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبو داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(2) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (920) ، سنن أبو داود الصلاة (823) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .(11/223)
الإنصات لقراءة الإمام، لكن لو نسيها المأموم أو تركها جهلا أو لاعتقاد عدم وجوبها فلا شيء عليه وتجزئه قراءة الإمام عند جمهور أهل العلم وهكذا لو جاء والإمام راكع ركع معه وأجزأته الركعة وسقطت عنه القراءة لعدم إدراكه لها، لما ثبت من «حديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة. رواه البخاري في الصحيح ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ولا تعد يعني إلى الركوع دون الصف وبذلك يعلم أن المشروع لمن دخل المسجد والإمام راكع ألا يركع قبل الصف بل عليه أن يصبر حتى يصل إلى الصف ولو فاته الركوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا نودي بالصلاة فأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (2) » متفق على صحته. أما حديث: «من كان له إمام فقراءته له قراءة (3) » فهو
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .
(2) رواه البخاري في الأذان برقم (600) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم (946) واللفظ له في باب استحباب إتيان الصلاة بوقار.
(3) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (850) ، مسند أحمد بن حنبل (3/339) .(11/224)
حديث ضعيف لا يحتج به عند أهل العلم. ولو صح لكانت الفاتحة مستثناة من ذلك جمعا بين الأحاديث.
وأما السكتة بعد الفاتحة فلم يصح فيها شيء فيما أعلم والأمر فيها واسع إن شاء الله، فمن فعلها فلا حرج ومن تركها فلا حرج؛ لأنه لم يثبت فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم إنما الثابت عنه صلى الله عليه وسلم سكتتان: إحداهما: بعد تكبيرة الإحرام يشرع فيها الاستفتاح، والسكتة الثانية: بعد الفراغ من القراءة وقبل أن يركع وهي سكتة خفيفة تفصل بين القراءة والتكبير، والله ولي التوفيق.(11/225)
قراءة المأموم للفاتحة خلف الإمام إذا لم تكن هناك سكتة تكفي (1) .
س: أثناء فراغ الإمام من قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية والتراويح يشرع في قراءة القرآن دون أن أتمكن من قراءة الفاتحة لأنه ليس هناك سكتة تكفي للقراءة علما بأنني قرأت حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (61) .(11/225)
الكتاب (1) » وحديث: «قراءة الإمام قراءة لمن خلفه (2) » فكيف الجمع بينهما؟
ج:: اختلف العلماء في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم والأرجح وجوبها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (3) » متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (4) » أخرجه أبو داود وغيره بإسناد حسن، فإذا لم يسكت الإمام في الصلاة الجهرية قرأها المأموم ولو في حالة قراءة إمامه، ثم ينصت عملا بالحديثين المذكورين فإن نسي المأموم ذلك أو جهل وجوب ذلك سقطت عنه كالذي جاء والإمام راكع فإنه يركع مع الإمام وتجزئه الركعة في أصح قولي العلماء وهو قول أكثر أهل العلم «لحديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه أتى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام من الصلاة: زادك الله حرصا ولا
__________
(1) رواه البخاري في الأذان برقم (714) باب وجوب القراءة للإمام والمأموم ومسلم في الصلاة برقم (595) باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (850) ، مسند أحمد بن حنبل (3/339) .
(3) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبو داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(4) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (920) ، سنن أبو داود الصلاة (823) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .(11/226)
تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة رواه البخاري في صحيحه.
أما حديث: «قراءة الإمام قراءة لمن خلفه (2) » فهو حديث ضعيف لا تقوم به الحجة كما نبه على ذلك بعض أهل العلم بالحديث ولو صح لكان من العام المخصوص بقراءة الفاتحة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (850) ، مسند أحمد بن حنبل (3/339) .(11/227)
قراءة المأموم الفاتحة
في الركعة الثالثة والرابعة
س: ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة الجماعة في الركعة الثالثة والرابعة بالنسبة للمأموم إذا لم يعط الإمام المجال للمأموم لتكملة الفاتحة؟
ج: الواجب على المأموم أن يبادر بقراءة الفاتحة في الثالثة والرابعة كما يقرأها في الأولى والثانية، ولا يتساهل في ذلك، ويقرأ قراءة متصلة حتى لا تفوته، فإذا كبر الإمام وهو لم يكملها كملها إذا كان الباقي قليل كالآية والآيتين، فإن خاف أن يفوته الركوع ركع وسقط عنه باقي الفاتحة؛ لأنه مأمور بمتابعة الإمام لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا ركع الإمام(11/227)
فاركعوا (1) » ، وهكذا لو جاء والإمام راكع ركع وأجزأه ذلك، كما في حديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه «أنه أتى والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف وكمل الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (2) » رواه البخاري في صحيحه. ولم يأمره بقضاء الركعة فالمأموم أسهل من الإمام والمنفرد. إن أدرك الفاتحة قرأها فإن فاتته سقطت عنه كما إذا أتى والإمام راكع أو عند الركوع بخلاف الإمام والمنفرد فلا بد من قراءتهما للفاتحة لأنها ركن في حقهما.
أما المأموم فإنها واجبة في حقه تسقط عنه بالسهو والجهل كما تسقط عنه إذا أدرك الإمام راكعا فإنه يركع معه وتجزئه الركعة لحديث أبي بكرة المذكور.
__________
(1) رواه البخاري في الصلاة برقم (365) ومسلم في الصلاة برقم (623) وأحمد في مسند المكثرين برقم (10960) واللفظ له.
(2) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/228)
حكم قراءة الفاتحة قبل إكمال القيام (1) .
__________
(1) سؤال موجه من السائل ع. س. من الرياض، في مجلس سماحته.(11/228)
س: بعض كبار السن لا يستطيعون القيام بسرعة خلف الإمام في الصلاة فيقرءون الفاتحة وهم لم يكملوا القيام حيث إن الإمام قد يكبر قبل إتمامهم قراءة الفاتحة فهل قراءة الفاتحة قبل أن يعتدل المصلي قائما جائزة أفتونا مأجورين؟
ج: لا يجوز للمأموم القادر على القيام أن يقرأ الفاتحة حال قعوده، ولا حال قيامه، بل يجب عليه أن يؤخر قراءتها حتى يستتم قائما. لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب (1) » . رواه البخاري في الصحيح.
وزاد النسائي في سننه بإسناد صحيح: «فإن لم تستطع فمستلقيا (2) » . أما العاجز فلا حرج عليه للحديث المذكور. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (1117) ، سنن أبو داود الصلاة (952) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (1117) ، سنن الترمذي الصلاة (371) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1660) ، سنن أبو داود الصلاة (952) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1231) ، مسند أحمد بن حنبل (4/435) .(11/229)
صلاة من لا يعرف إلا الفاتحة (1) .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (9) .(11/229)
س: إن والدتي تصلي ولكنها لا تعرف الصلاة بصورة كاملة فهي تعرف الفاتحة فقط وعندما أعلمها تنسى بسرعة فهل صلاتها صحيحة؟
ج: نعم صلاتها صحيحة وعليك وعلى إخوانك تعليمها والاستمرار في تعليمها في أوقات كثيرة حتى يستقر العلم في قلبها، والفاتحة مجزئة والحمد لله، إذا عرفت الفاتحة أجزأت وإذا تيسر معها بعض السور القصيرة مثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (2) {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (3) وغيرها من السور القصيرة إذا تيسر لكم تعليمها إياها فهذا خير عظيم، ومع الاستمرار والملاحظة تحفظ إن شاء الله، حتى الذي لا يعرف الفاتحة تصح صلاته، إذا عجز عن تعلمها، وعليه أن يقرأ ما تيسر من القرآن ولو بعض الآيات، فإن عجز عن ذلك سبح الله وحمده وكبره وهلله في محل القراءة ثم كبر وركع لقوله سبحانه: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (4)
وقوله
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الفلق الآية 1
(3) سورة الناس الآية 1
(4) سورة المزمل الآية 20(11/230)
سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن» . «وقوله صلى الله عليه وسلم للذي عجز عن القرآن قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (2) » . (3)
ولا يجوز ترك الصلاة أبدا، بل يجب أن يصلي المرء على حسب حاله ولكن يلزمه أن يتعلم ويتقي الله في ذلك، ويلزم أولاد المرأة وأقاربها إذا كانوا يعلمون أن يعلموها ويوجهوها، وهكذا أولاد الرجل وأقاربه يعلمون أباهم إذا كان جاهلا وهم يعلمون ويعلمون إخوتهم، وهكذا كل طالب علم يعلم الجاهل، وهكذا المؤمنون جميعا يتعاونون على البر والتقوى كما قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (4) وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ} (5) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (6) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (7)
فالواجب عليك أيتها السائلة أنت وإخوانك بأن تعلموها
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) سنن أبو داود الصلاة (832) ، مسند أحمد بن حنبل (4/353) .
(3) رواه ابو داود في الصلاة برقم (700) واللفظ له وأحمد في مسند الكوفيين برقم (18322) .
(4) سورة المائدة الآية 2
(5) سورة العصر الآية 1
(6) سورة العصر الآية 2
(7) سورة العصر الآية 3(11/231)
وتصبروا وتتصفوا بالحلم والكلام الطيب لا بالنهر ولا بالغلظة ولكن بالأسلوب الحسن في أوقات مناسبة ليلا أو نهارا حتى تتعلم، مع الاستمرار الدائم وهكذا عماتكم وخالاتكم أحسنوا إلى الجميع، هذه الدنيا دار العمل، ودار التعليم، ودار التعاون، ودار التكليف، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.(11/232)
الصواب أن المأموم يؤمن في الجهرية إذا قال الإمام ولا الضالين (1) .
س هل صحيح أن المأموم في الصلاة الجهرية لا يقرأ الفاتحة مع إمامه ولا يؤمن بعد إتمام الإمام الفاتحة حسب المذهب الحنفي إذا كان الأمر كذلك فماذا عليه أن يفعل؟
ج: الصحيح من أقوال أهل العلم أن المأموم يقرأ خلف الإمام ويؤمن في الجهرية إذا قال الإمام ولا الضالين، ولكنه في الجهرية يقتصر على الفاتحة ثم ينصت لإمامه، أما في السرية فيقرأ الفاتحة وما تيسر معها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2) » وقوله صلى
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (67) .
(2) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبو داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .(11/232)
الله عليه وسلم يخاطب أصحابه: «لعلكم تقرءون خلف الإمام؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (1) » . أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان بإسناد صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا: آمين فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (2) » . . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه أبو داود في الصلاة برقم (701) واللفظ له وأحمد في باقي مسند الأنصار برقم (22383) .
(2) صحيح البخاري الأذان (780) ، صحيح مسلم الصلاة (410) ، سنن الترمذي الصلاة (250) ، سنن النسائي الافتتاح (927) ، سنن أبو داود الصلاة (936) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (851) ، مسند أحمد بن حنبل (2/270) ، موطأ مالك النداء للصلاة (195) ، سنن الدارمي الصلاة (1246) .(11/233)
إنصات المأموم بعد الفاتحة
في الصلاة الجهرية (1) .
س الأخ م. ع. ج. من طنطا في جمهورية مصر العربية يقول في سؤاله: بعد أن ينتهي الإمام من قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية يقرأ المأموم الفاتحة، ولكني
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) بتاريخ 5 شعبان 1412 هـ.(11/233)
أسمع بعض الناس يقرأ سورة قصيرة بعدها فما حكم ذلك؟ جزاكم الله حيرا.
ج: لا يجوز للمأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ زيادة على الفاتحة بل الواجب عليه بعد ذلك الإنصات لقراءة الإمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (1) » ولقول الله سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (2) وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ الإمام فأنصتوا (3) » . (4) . وإنما يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة فقط للحديث السابق ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (5) » . (6) . متفق على صحته.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (920) ، سنن أبو داود الصلاة (823) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(2) سورة الأعراف الآية 204
(3) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (847) .
(4) رواه ابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها برقم (838) .
(5) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبو داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(6) رواه البخاري في الأذان برقم (714) ومسلم في الصلاة برقم (595) واللفظ متفق عليه.(11/234)
سكوت الإمام بعد الفاتحة (1)
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) ، في ربيع الآخر 1412 هـ.(11/234)
س الأخ: أ. س. م. من سلطنة عمان يقول في سؤاله: ما حكم سكوت الإمام بعد قراءته الفاتحة لكي يقرأ المأموم الفاتحة؟ وإذا لم يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟
ج: ليس هناك دليل صريح صحيح يدل على شرعية سكوت الإمام حتى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية. أما المأموم فالمشروع له أن يقرأها في حالة سكتات إمامه إن سكت فان لم يتيسر ذلك قرأها المأموم سرا ولو كان إمامه يقرأ ثم ينصت بعد ذلك لإمامه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرا بفاتحة الكتاب (1) » متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (2) » رواه أحمد وأبو داود وابن حبان بإسناد حسن.
وهذان الحديثان يخصصان قوله عز وجل {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3)
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبو داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/313) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(2) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (920) ، سنن أبو داود الصلاة (823) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(3) سورة الأعراف الآية 204(11/235)
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا (1) » . (2) . الحديث رواه مسلم في صحيحه.
فإن نسي المأموم قراءة الفاتحة أو جهل وجوبها سقطت عنه كالذي جاء والإمام راكع فإنه يركع مع الإمام وتجزئه الركعة في أصح قولي العلماء وهو قول أكثر أهل العلم لحديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه «أنه أتى المسجد والنبي عليه الصلاة والسلام راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعدما سلم: زادك الله حرصا ولا تعد (3) » . (4) . ولم يأمره بقضاء الركعة رواه البخاري في صحيحه.
أما الإمام والمنفرد فقراءة الفاتحة ركن في حقهما عند جمهور أهل العلم لا تسقط عنهما بوجه من الوجوه مع القدرة عليها.
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (378) ، صحيح مسلم الصلاة (411) ، سنن الترمذي الصلاة (361) ، سنن النسائي الإمامة (832) ، سنن أبو داود الصلاة (601) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مسند أحمد بن حنبل (3/200) ، موطأ مالك النداء للصلاة (306) ، سنن الدارمي الصلاة (1256) .
(2) رواه البخاري في الأذان برقم (680) ومسلم في الصلاة برقم (625) .
(3) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .
(4) رواه البخاري في الأذان برقم (741) والنسائي في الإمامة برقم (861) .(11/236)
المنفرد يجهر بالقراءة في الصلوات الجهرية (1)
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (120) .(11/236)
س: هل يجوز للمصلي المنفرد أن يجهر بالقراءة في الصلوات الجهرية؟
ج: يشرع له ذلك كما يشرع للإمام وذلك سنة لكن لا يرفع رفعا يؤذي من حوله من المصلين أو الذاكرين أو النائمين، لأحاديث وردت في ذلك.(11/237)
جهر المأموم بالقراءة يشوش على من حوله (1)
س: ما حكم رفع الصوت " الجهر " بالقراءة أثناء الصلاة للمأموم الذي يشوش على من حوله من المأمومين؟
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (60) .(11/237)
ج: السنة للمأموم الإخفات بقراءته وسائر أذكاره ودعواته في الصلاة لعدم الدليل على جواز الجهر، ولأن في جهره بذلك تشويشا على من حوله من المصلين.(11/238)
ما أدركه المسبوق من الصلاة يعتبر أول صلاته (1) .
س: هل ما يدركه المسبوق من ركعات مع الإمام يعتبر أول صلاته أو آخرها فإذا فاته- مثلا- ركعتان من الرباعية فهل يشرع له قراءة ما تيسر بعد الفاتحة؟ .
ج:: الصواب أن ما أدركه المسبوق مع الإمام يعتبر أول صلاته وما يقضيه هو آخرها في جميع الصلوات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (2) » . (3) . متفق على صحته وبذلك يستحب أن يقتصر في
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) في عددها الصادر برقم (10936) يوم الخميس 14\ 1\1415 هـ.
(2) صحيح البخاري الجمعة (908) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (602) ، سنن الترمذي الصلاة (327) ، سنن النسائي الإمامة (861) ، سنن أبو داود الصلاة (572) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (775) ، مسند أحمد بن حنبل (2/270) ، موطأ مالك النداء للصلاة (152) ، سنن الدارمي الصلاة (1282) .
(3) رواه البخاري في الجمعة برقم (857) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة برقم (944) واللفظ متفق عليه.(11/238)
الثالثة والرابعة من الرباعية والثالثة من المغرب على قراءة الفاتحة لما في الصحيحين عن أبي قتادة رضي الله عنه قال:
«كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب (1) » .
إذا قرأ بعض الأحيان في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة فهو حسن؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأوليين من الظهر قدر ألم تنزيل السجدة وفي الأخريين على النصف من ذلك وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك (2) » وهذا محمول على أنه كان صلى الله عليه وسلم يفعله بعض الأحيان في الأخريين من الظهر جمعا بين الحديثين.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (759) ، صحيح مسلم الصلاة (451) ، سنن النسائي الافتتاح (976) ، سنن أبو داود الصلاة (798) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (829) ، مسند أحمد بن حنبل (5/307) ، سنن الدارمي الصلاة (1293) .
(2) صحيح مسلم الصلاة (452) ، سنن النسائي الصلاة (475) ، سنن أبو داود الصلاة (804) .(11/239)
حكم الجهر في الركعة الأخيرة من صلاة المغرب (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (105، 106)(11/239)
س: دخل رجل المسجد ليصلي المغرب وأدرك ركعتين مع الإمام، وصلى الركعة الأخيرة وحده، فهل يجهر في هذه الركعة ويقرأ سورة الفاتحة على اعتبار أنه صلى الركعة الأخيرة مع الإمام أم تعتبر الركعة التي صلاها مع الإمام هي الثانية؟ .
ج: تعتبر الركعة التي قضاها بعد سلام إمامه هي الركعة الأخيرة، فلا يشرع الجهر فيها لأن الصحيح من قولي العلماء أن ما أدركه المسبوق من الصلاة يعتبر أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (1) » متفق عليه.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (908) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (602) ، سنن الترمذي الصلاة (327) ، سنن النسائي الإمامة (861) ، سنن أبو داود الصلاة (572) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (775) ، مسند أحمد بن حنبل (2/270) ، موطأ مالك النداء للصلاة (152) ، سنن الدارمي الصلاة (1282) .(11/240)
من دخل والإمام راكع
هل يكبر للإحرام أم للركوع (1) .
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (96، 97)(11/240)
س: إذا أتيت جماعة المسجد وهم في الصلاة في حالة الركوع. فهل أدخل معهم في هذه الحالة مكبرا تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وهل أقرأ دعاء الاستفتاح أم لا؟
ج: إذا دخل المسلم المسجد والإمام راكع، فإنه يشرع له الدخول معه في ذلك مكبرا تكبيرتين، التكبيرة الأولى للإحرام وهو واقف، والثانية للركوع عند انحنائه للركوع، ولا يشرع في هذه الحالة دعاء الاستفتاح ولا قراءة الفاتحة من أجل ضيق الوقت، وتجزئه هذه الركعة لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه «أنه دخل المسجد ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل على إجزائها وعلى أن من دخل والناس ركوع ليس له أن يركع وحده بل يجب عليه الدخول في الصف ولو فاته الركوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/241)
لأبي بكرة: «زادك الله حرصا ولا تعد (1) » والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/242)
من خاف فوات الركوع
أجزأته تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع (1) .
س: ما حكم الإسراع للدخول مع الإمام وهو راكع وهل تكفي تكبيرة واحدة عن تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع في حالة عدم وجود متسع من الوقت؟ .
ج: المشروع للمؤمن المشي للصلاة بالسكينة والوقار كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولو كان الإمام راكعا فإن أمكنه الركوع فالحمد لله، وإلا لزمه قضاء الركعة، والصواب الذي عليه جمهور أهل العلم أنه متى أدرك الركوع فقد أدرك الركعة، وتسقط عنه قراءة الفاتحة على القول بوجوبها على المأموم لحديث أبي بكرة الثققي الثابت في صحيح البخاري «أنه رضي الله عنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم راكعا فركع دون الصف، ثم دخل في الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (2) » ولم
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (97، 98)
(2) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/242)
يأمره بقضاء الركعة وإنما نهاه عن العود إلى الركوع دون الصف.
وبذلك يعلم أن المشروع للمؤمن إذا أدرك الإمام راكعا ألا يعجل وألا يركع دون الصف، بل يصبر حتى يدخل في الصف ولو فاته الركوع وتجزئه تكبيرة الإحرام إذا خاف فوت الركوع عن تكبيرة الركوع، وإن جمع بينهما فهو أحوط وأفضل خروجا من خلاف بعض أهل العلم القائلين بوجوبها- أعني تكبيرة الركوع- في هذه الحال، والواجب عليه أيضا أن يؤدي تكبيرة الإحرام في حال القيام قبل أن يركع لأن تكبيرة الإحرام يجب أن تؤدى حال قيامه، والله ولي التوفيق.(11/243)
الفاتحة أهم من دعاء الاستفتاح (1)
س: إذا دخلت في الصلاة قبيل الركوع بقليل، فهل أشرع في قراءة الفاتحة أو أقرأ دعاء الاستفتاح؟ وإذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة فماذا أفعل؟ .
ج: قراءة الاستفتاح سنة وقراءة الفاتحة فرض على المأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها، ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (98) .(11/243)
معه ويسقط عنك باقيها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا (1) » الحديث متفق عليه.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (680) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (625) .(11/244)
س: إذا دخلت المسجد ووجدت الإمام راكعا أو ساجدا، هل لي أن أستفتح الصلاة في هذه الحالة أم يكفيني استفتاح الإمام؟ .
ج: إذا وجدته راكعا أو ساجدا فكبر وادخل معه، وليس هناك حاجة إلى الاستفتاح.(11/244)
ما يجب على المأموم
إذا حضر والإمام راكع (1)
س: إذا حضر المأموم إلى الصلاة والإمام راكع هل يكبر تكبيرة الافتتاح والركوع أو يكبر ويركع؟ .
ج: الأولى والأحوط أن يكبر التكبيرتين: إحداهما: تكبيرة الإحرام، وهي ركن ولا بد أن يأتي بها وهو قائم،
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (55) .(11/244)
والثانية: تكبيرة الركوع يأتي بها حين هويه إلى الركوع فإن خاف فوت الركعة أجزأته تكبيرة الإحرام في أصح قولي العلماء؛ لأنهما عبادتان اجتمعتا في وقت واحد؛ فأجزأت الكبرى عن الصغرى، وتجزئ هذه الركعة عند أكثر العلماء؛ لما روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة الثقفي - رضي الله عنه - «أنه أتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم دخل في الصف. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » والمعنى: لا تعد إلى الركوع دون الصف؛ بل على الداخل ألا يركع حتى يصل إلى الصف ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل على إجزائها وسقوط الفاتحة في حقه؛ لفوات محلها وهو القيام، وهذا هو الأصح عند من قال بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/245)
ما يشرع للمسبوق أن
يفعله إذا أدرك الإمام راكعا (1)
س: إذا أدرك المسبوق الإمام راكعا فما المشروع له حينئذ؟ وهل يشترط للحكم بإدراكه الركعة أن يقول: سبحان ربي العظيم قبل رفع الإمام؟
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/245)
ج: إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (1) » خرجه مسلم في صحيحه.
ومعلوم أن الركعة تدرك بإدراك الركوع؛ لما روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة الثقفي - رضي الله عنه - «أنه أتى المسجد ذات يوم والنبي - صلى الله عليه وسلم - راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فلما سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له - صلى الله عليه وسلم -: زادك الله حرصا ولا تعد (2) » ولم يأمره بقضاء الركعة، وإنما نهاه أن يعود إلى الركوع دون الصف، فعلى المسبوق ألا يعجل بالركوع حتى يدخل في الصف.
__________
(1) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (546) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (954) واللفظ متفق عليه.
(2) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/246)
شرعية انتظار الإمام قليلا
للداخل للمسجد أثناء الركوع (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/246)
س: بعض الأئمة ينتظر الداخل لإدراك الركعة، وبعضهم يقول: لا يشرع الانتظار؟ فما هو الصواب وفقكم الله؟
ج: الصواب شرعية الانتظار قليلا حتى يلحق الداخل بالصف تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.(11/247)
الأفضل للإمام إذا سمع بمن
يدخل المسجد وهو راكع التريث (1) .
س: إذا كان الإمام في الركوع وسمع بعض المصلين يسرعون لإدراك الركوع، فهل يجوز له أن ينتظر أم لا؟ .
ج: الأفضل للإمام في هذه الحال ألا يعجل بالرفع، لكن على وجه لا يشق على المأمومين الذين معه، حتى يدرك
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (115) .(11/247)
من أحس بدخولهم الركوع معه حرصا على إدراكهم الركعة، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على استحباب ذلك.(11/248)
حكم صلاة من سلم
ولم يكمل التشهد الأخير (1)
س: من المعلوم أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة، وفي إحدى الصلوات سلم الإمام ولم أكمل إلا جزءا يسيرا من التحيات فهل أعيد صلاتي؟
ج: عليك أن تكمل التشهد ولو تأخرت بعض الشيء عن إمامك؛ لأن التشهد الأخير ركن في أصح قولي العلماء، وفيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم.
فالواجب أن تكمله ولو بعد سلام الإمام، ومنه التعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالتعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير، ولأن بعض أهل العلم قد رأى وجوب ذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سؤال موجه من السائل ع. س. من الرياض، في مجلس سماحته.(11/248)
صفحة فارغة(11/249)
سجود السهو(11/250)
الحكم إذا شك المصلي في عدد الركعات (1) .
س: إذا شك الإمام في الصلاة الرباعية ولم يعلم أصلى ثلاثا أم أربعا ثم سلم، وبعد السلام أخبره بعض المأمومين أنه لم يصل إلا ثلاثا، في هذه الحالة هل يكبر الإمام تكبيرة الإحرام للرابعة أو يقوم فقط ويقرأ الفاتحة بدون تكبير؟ وما موقع سجود السهو، قبل السلام أم بعده؟ .
ج: إذا شك الإمام أو المنفرد في الصلاة الرباعية هل صلى ثلاثا أم أربعا، فإن الواجب عليه البناء على اليقين وهو الأقل فيجعلها ثلاثا، ويأتي بالرابعة ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم؛ لما ثبت عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا شك أحدكم في الصلاة فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان (2) » . . أخرجه مسلم في صحيحه.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (78) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (571) ، سنن الترمذي الصلاة (396) ، سنن النسائي السهو (1238) ، سنن أبو داود الصلاة (1024) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1210) ، مسند أحمد بن حنبل (3/83) ، موطأ مالك النداء للصلاة (214) ، سنن الدارمي الصلاة (1495) .(11/251)
أما إن سلم من ثلاث ثم نبه على ذلك فإنه يقوم بدون تكبير بنية الصلاة ثم يأتي بالرابعة ثم يجلس للتشهد وبعد فراغه من التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والدعاء يسلم ثم يسجد سجدتين بعد ذلك للسهو ثم يسلم هذا هو الأفضل في حق كل من سلم عن نقص في الصلاة ساهيا؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه سلم من اثنتين في الظهر أو العصر فنبهه ذو اليدين، فقام فأكمل صلاته ثم سلم ثم سجد للسهو ثم سلم (1) » . وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - «أنه سلم من ثلاث في العصر فلما نبه على ذلك أتى بالرابعة ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم (2) » .
__________
(1) صحيح البخاري الأدب (6051) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (573) ، سنن الترمذي الصلاة (399) ، سنن النسائي السهو (1224) ، سنن أبو داود الصلاة (1008) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1214) ، مسند أحمد بن حنبل (2/235) ، موطأ مالك النداء للصلاة (211) ، سنن الدارمي الصلاة (1496) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (574) ، سنن الترمذي الصلاة (395) ، سنن النسائي السهو (1237) ، سنن أبو داود الصلاة (1018) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1215) ، مسند أحمد بن حنبل (4/427) .(11/252)
حكم من سجد للسهو ظانا
سجود الإمام فاتضح له قيامه (1)
س: كنا نصلي صلاة المغرب جماعة وأثناء التشهد الأخير في الركعة الثالثة كبر الإمام وقام بقصد الإتيان بركعة. لم ينتبه بعض المصلين لقيام الإمام وسجدوا باعتبار أن الإمام كبر لسجود سهو وعندما رفعوا من
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (79) .(11/252)
السجدة لاحظوا الإمام وهو يجلس لسماعه قول [سبحان الله] فسجد الإمام سجدتين.
واتضح لبعض المصلين بعد السلام أنهم سجدوا ثلاث سجدات. ما حكم الصلاة في هذه الحالة؟ وما حكم السجدة الثالثة لبعض المأمومين؟
ج: ليس على من سجد ظانا سجود الإمام للسهو حرج وصلاته صحيحة لكونه لم يتعمد الزيادة في الصلاة، وإنما سجد متابعة للإمام حسب اعتقاده.(11/253)
حكم صلاة من شك في قراءة الفاتحة (1)
س: أثناء صلاتي أنسى أنني قرأت فاتحة الكتاب، فهل أسجد سجود السهو؟ وماذا يقرأ الشخص في سجود السهو؟ وإذا كان أغلب الظن أنني قرأتها فهل أسجد للسهو؟ .
ج: إذا شك المصلي المنفرد أو الإمام في قراءة الفاتحة فإنه يعيد قراءتها قبل أن يركع وليس عليه سجود سهو. أما إن
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (79، 80) .(11/253)
كان الشك بعد فراغه من الصلاة فإنه لا يلتفت إليه وصلاته صحيحة؛ لأن الأصل سلامتها، أما المأموم فصلاته صحيحة إذا نسي قراءة الفاتحة ويتحملها عنه الإمام في هذه الحال كما لو تركها جاهلا، وهكذا لو جاء والإمام في الركوع، فإنه يكبر وهو واقف ثم يركع مع الإمام وتجزئه الركعة وتسقط عنه الفاتحة في هذه الحال لعدم إدراكه القيام؛ لحديث أبي بكرة في ذلك.
أما سجود السهو فيشرع فيه ما يشرع في سجود الصلاة من الدعاء وقول سبحان ربي الأعلى وغير ذلك، والله ولي التوفيق.(11/254)
حكم صلاة من شك في
تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة (1)
س: مشكلتي أنني إذا دخلت المسجد واستقبلت القبلة وكبرت تكبيرة الإحرام أرجع فأشك هل كبرت تكبيرة الإحرام فأكبر ثانية وبعد ذلك أقرأ الفاتحة فأسهو وأعود إلى قراءتها من جديد، وخاصة إذا كنت مع الإمام. هل صلاتي على هذه الحال صحيحة؟ وماذا أفعل للتجنب من السهو؟ أفيدوني أثابكم الله.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (80) .(11/254)
ج: الصلاة والحال ما ذكرت صحيحة ولكن ينبغي لك الحذر من الوساوس، وذلك بالإقبال على الله واستحضار عظمته إذا دخلت في الصلاة وجمع قلبك على ذلك مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وبذلك تزول الوساوس إن شاء الله وترغم الشيطان، وترضي ربك سبحانه.(11/255)
ماذا يفعل من شك هل صلى أم لم يصل (1)
س: إذا شك المصلي في أنه صلى أم لم يصل، فماذا يفعل، سواء كان الشك في الوقت أو في خارجه؟
ج: إذا شك المسلم في أي صلاة من الصلوات المفروضة، هل أداها أم لا؟ فإن الواجب عليه أن يبادر بأدائها؛ لأن الأصل بقاء الواجب، فعليه أن يبادر بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (2) » . (3) .
والواجب على المسلم أن يهتم بالصلاة كثيرا، وأن
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (80) .
(2) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (597) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (684) ، سنن الترمذي الصلاة (178) ، سنن النسائي المواقيت (614) ، سنن أبو داود الصلاة (442) ، سنن ابن ماجه الصلاة (695) ، مسند أحمد بن حنبل (3/269) .
(3) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (562) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1103) .(11/255)
يحرص على أدائها في الجماعة، وأن لا يتشاغل عنها بما ينسيه إياها؛ لأنها عمود الإسلام وأهم الفرائض بعد الشهادتين، وقد قال الله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)
وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (3) » . وقال عليه الصلاة والسلام: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت (4) » . والآيات والأحاديث في تعظيم شأن الصلاة ووجوب المحافظة عليها كثيرة.
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة البقرة الآية 43
(3) رواه الترمذي في (الإيمان) برقم (2541) ، والإمام أحمد في (مسند الأنصار) برقم (21054) .
(4) رواه البخاري في (الإيمان) برقم (7) ، ومسلم في (الإيمان) برقم (22) ، والترمذي في (الإيمان) برقم (2534) واللفظ له.(11/256)
الوساوس والشكوك في الصلاة
(1)
س: سائلة تقول في سؤالها: إنني أتشكك كثيرا في عدد الركعات، مع أنني أقرأ بصوت عال حتى أتذكر ما أقرؤه، ولكن أيضا يصيبني الشك، فعندما أنتهي من أداء الصلاة أحس كأني نسيت ركعة أو سجدة أو الجلوس للتشهد، رغم إنني أحرص كثيرا على ألا أتشكك في الصلاة، ولكن بدون فائدة، فأرجو أن ترشدوني ماذا أفعل والحال ما ذكر، وهل يجب علي إعادة الصلاة عند الشك، وهل هناك دعاء أدعو به عند بداية الصلاة لإزالة الشك؟
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (84) .(11/256)
ج: يجب عليك محاربة الوساوس والحذر منها، والإكثار من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقول الله سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (1) {مَلِكِ النَّاسِ} (2) {إِلَهِ النَّاسِ} (3) {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} (4) السورة.
وقوله سبحانه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (5)
__________
(1) سورة الناس الآية 1
(2) سورة الناس الآية 2
(3) سورة الناس الآية 3
(4) سورة الناس الآية 4
(5) سورة الأعراف الآية 200(11/257)
وإذا فرغت من الصلاة أو الوضوء ثم طرأ عليك الشك في ذلك فأعرضي عنه ولا تلتفتي إليه، واعتمدي أن الصلاة صحيحة والوضوء صحيح، وإذا وقع الشك في الصلاة هل صليت ثلاثا أو أربعا فاجعليها ثلاثا وأكملي الصلاة ثم اسجدي سجدتين للسهو قبل السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من وقع له مثل هذا السهو أن يفعل ما ذكرنا، أعاذنا الله وإياك من الشيطان.(11/258)
علاج الوساوس في الصلاة
(1)
س: إذا قمت إلى الصلاة يصيبني نوع من الوساوس والهواجس، ولا أعلم أحيانا ماذا قرأت ولا عدد الركعات، أفيدوني ماذا أفعل؟ .
ج: المشروع للمصلي من الرجال والنساء أن يقبل على صلاته ويخشع فيها لله، ويستحضر أنه قائم بين يدي ربه حتى يتباعد عنه الشيطان وتقل الوساوس، عملا بقول الله سبحانه:
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (85) .(11/258)
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ومتى كثرت الوساوس فالمشروع التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولو في الصلاة، فينفث عن يساره ثلاثا ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثا كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص لما أخبره أن الشيطان قد لبس عليه صلاته، ومتى شك المصلي في عدد الركعات فإنه يأخذ بالأقل، ويبني على اليقين ويكمل صلاته، ثم يسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم؛ لما ثبت عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا شك أحدكم في الصلاة فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان (3) » . خرجه مسلم في صحيحه، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (888) واللفظ له، ورواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (11356) .(11/259)
حكم إعادة الصلاة عند كثرة الوساوس (1)
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) في جمادى الأولى 1414هـ.(11/259)
س: الأخت س. أ. من بريدة بالمملكة العربية السعودية تقول في سؤالها: عندما أريد أن أؤدي الصلاة أكون شاردة الذهن وكثيرة التفكير ولا أشعر بنفسي إلا إذا سلمت، ثم أعيدها مرة ثانية وأجد نفسي مثل الحالة الأولى، لدرجة أنني أنسى التشهد الأول ولا أدري كم صليت مما يزيد اضطرابي وخوفي من الله، ثم أسجد سجود السهو. أفتوني جزاكم الله خيرا ولكم جزيل الشكر. .
ج: الوساوس من الشيطان، والواجب عليك العناية بصلاتك والإقبال عليها، والطمأنينة فيها حتى تؤديها على بصيرة، وقد قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا لا يتم صلاته ولا يطمئن فيها أمره بالإعادة وقال له: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2(11/260)
حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (1) » متفق عليه.
وإذا تذكرت أنك في الصلاة قائمة بين يدي الله تناجينه سبحانه، فإن ذلك يدعو إلى خشوعك في الصلاة وإقبالك عليها وبعد الشيطان عنك، وسلامتك من وساوسه، وإذا كثر عليك الوسواس في الصلاة فانفثي عن يسارك ثلاث مرات وتعوذي بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، فإنه يزول عنك إن شاء الله. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بذلك لما قال له: (يا رسول الله، إن الشيطان لبس علي صلاتي) وليس عليك أن تعيدي الصلاة بسبب الوسواس، بل عليك أن تسجدي للسهو إذا فعلت ما يوجب ذلك، مثل ترك التشهد الأول سهوا، ومثل ترك التسبيح في الركوع والسجود سهوا، وإذا شككت هل صليت ثلاثا أو أربعا في الظهر مثلا فاجعليها ثلاثا وكملي الصلاة، واسجدي للسهو سجدتين قبل السلام، وإذا شككت في المغرب هل صليت اثنتين أم ثلاثا فاجعليها اثنتين وكملي الصلاة، ثم اسجدي للسهو سجدتين قبل السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (كتاب الاستئذان) باب (18) ، ومسلم في (كتاب الصلاة) ح (45) باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإن لم يحسنها ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر من غيرها.(11/261)
حكم الشك بعد الصلاة
(1)
__________
(1) إجابة على رسالة للأخ ع. م. م، بتاريخ 19\ 8\ 1401 هـ.(11/261)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى الأخ المكرم\ ع. م. م. سلمه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد اطلعت على سؤالك الآتي نصه (صلينا العشاء الآخرة وبعد أن صلينا الراتبة وخرجنا من المسجد وقفنا عند باب المسجد وصار عند بعضنا شك في تمام الصلاة وأننا لم نصل إلا ثلاثا، وبعد هذا التنبيه صار الشك عند الجميع إلا قليلا من الجماعة الذين خرجوا قبل الوتر، وقبل أن ينبهوا، ونحن الذين اجتمعنا وصار عندنا هذا الشك، رجعنا وصلينا ركعة واحدة خلف الإمام، ونحن نسأل سماحتكم عن حكم صلاتنا هل تجزئ أم لا بد من إعادة الصلاة كاملة لأنه طال الفصل وفصلنا بالراتبة والوتر، وما حكم صلاة من لم يصل؟)
الجواب: ما دام الشك بعد الصلاة فلا إعادة عليكم؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر فيها. وبالله التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وببركاته.(11/262)
حكم صلاة من شك في عدد
الركعات ثم اقتدى بمن يقف بجواره (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من المجلة العربية.(11/262)
س: من: ع. م. غ. - الباحة بالمملكة العربية السعودية، يقول: دخلت المسجد لأداء صلاة الظهر وقد فاتني بعض الركعات، وبعد سلام الإمام وقيامي بقضاء ما فاتني شككت في عدد ما فاتني من الركعات، فاقتديت وتابعت بالمأموم الذي بجواري؛ لأنني دخلت وإياه إلى المسجد سويا، فصرت أركع بعده وأسجد بعده حتى أنهيت ما فاتني، ولم أسجد للسهو فما حكم الشرع فيما عملت، وهل علي شيء؟ أرجو التكرم بالإفادة جزاكم الله خيرا.
ج: الواجب على المسلم في مثل هذه الحال أن يبني على اليقين، فإذا شك هل أدرك مع الإمام ركعة أو ركعتين جعلها ركعة ثم أتم الصلاة وسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم، فإن شك هل أدرك ركعتين أو ثلاثا جعلها ركعتين، ثم أتم الصلاة وسجد للسهو سجدتين قبل أن يسلم؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه(11/263)
أنه قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا؛ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان (1) » . أخرجه مسلم في صحيحه. وبناء على ذلك فإن عليك أن تعيد الصلاة المذكورة؛ لأنك لم تؤدها على الوجه الشرعي، وتقليدك للشخص الذي دخل معك لا يعول عليه. وفق الله الجميع لما يرضيه.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (11292 و11373) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (571) واللفظ له.(11/264)
أسباب الخشوع في الصلاة
(1) .
س: ما هو السبب في عدم الخشوع في الصلاة؟ وكيف يتخلص الإنسان من ذلك؟ .
ج: الله جل وعلا يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (2) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (3) والخشوع له أسباب، وعدمه له
__________
(1) من ضمن أسئلة تابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير، بالرياض.
(2) سورة المؤمنون الآية 1
(3) سورة المؤمنون الآية 2(11/264)
أسباب، فللخشوع أسباب وهي: الخضوع بين يدي الله، وأن تذكر أنك واقف بين يديه سبحانه وتعالى، وقد ورد في الحديث الصحيح: «إذا كبر أحدكم فلا يمسح الحصى فإن الرحمة تواجهه (1) » ، وفي لفظ آخر: «إذا قام أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه (2) » .
فالإنسان إذا دخل في الصلاة فإنه يناجي ربه فيتذكر هذا المقام العظيم، وأنه بين يدي الله، فليخشع لله، وليقبل على صلاته، وليتذكر عظمة الله عز وجل، وأنه بين يدي أعظم عظيم سبحانه وتعالى، وليقبل على صلاته وليقبل على قراءته وعلى سجوده وركوعه، ويتذكر كل ما يلزم في هذا المقام، وأن غفلته عن الله تنقص صلاته فينبغي له أن يتذكر ذلك حتى تزول عنه الغفلة وحتى تزول عنه الوساوس، ويسأل ربه العون على هذا في سجوده، وفي آخر التحيات يقول اللهم أعني على الخشوع، اللهم يسر لي الخشوع، اللهم أعذني من الشيطان ومن شر نفسي، يسأل ربه، ويستعين به سبحانه وتعالى.
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (346) ، والنسائي في (السهو) برقم (1178) .
(2) رواه البخاري في (الصلاة) برقم (390) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (856) ، والإمام أحمد في (مسند المكثرين) برقم (4673) .(11/265)
يبني على اليقين من شك هل صلى ثلاثا أم أربعا (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/265)
س: إذا شك المصلي هل صلى ثلاثا أم أربعا فماذا يفعل؟ .
ج: الواجب عليه مع الشك أن يبني على اليقين وهو الأقل، وذلك بأن يجعلها ثلاثا في الصورة المذكورة، ويأتي بالرابعة ثم يسجد للسهو، ويسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان (1) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
أما إن غلب على ظنه أحد الأمرين من النقص أو التمام فإنه يبني على غلبة ظنه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين بعد السلام (2) » . خرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (571) ، سنن الترمذي الصلاة (396) ، سنن النسائي السهو (1238) ، سنن أبو داود الصلاة (1024) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1210) ، مسند أحمد بن حنبل (3/83) ، موطأ مالك النداء للصلاة (214) ، سنن الدارمي الصلاة (1495) .
(2) رواه البخاري في (الصلاة) برقم (386) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (889) واللفظ متفق عليه.(11/266)
جواز سجود السهو قبل السلام وبعده (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/266)
س: بعض الأئمة يسجد للسهو بعد السلام، وبعضهم يسجد له قبل السلام. وبعضهم يسجد مرة قبل السلام وأخرى بعده. فمتى يشرع السجود قبل السلام ومتى يشرع بعده. وهل ما يشرع فيه السجود قبل السلام أو بعده على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ .
ج: الأمر واسع في ذلك فكلا الأمرين جائز وهما السجود قبل السلام وبعده؛ لأن الأحاديث جاءت بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن الأفضل أن يكون السجود للسهو قبل السلام إلا في صورتين:
إحداهما: إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر. فإن الأفضل أن يكون سجود السهو بعد إكمال الصلاة والسلام منها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم عن نقص ركعتين في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعن نقص ركعة في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما، سجد للسهو بعد التمام والسلام.(11/267)
والصورة الثانية: إذا شك في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا في الرباعية أو اثنتين أو ثلاثا في المغرب أو واحدة أو ثنتين في الفجر لكنه غلب على ظنه أحد الأمرين وهو النقص أو التمام فإنه يبني على غالب ظنه، ويكون سجوده بعد السلام على سبيل الأفضلية لحديث ابن مسعود المذكور في جواب السؤال السابق، والله ولي التوفيق.(11/268)
إذا سها المسبوق فإنه
يسجد للسهو بعد إكماله الصلاة (1)
س: إذا سها المسبوق فهل يسجد للسهو، ومتى يسجد له؟ وهل على المأموم سجود سهو إذا سها؟
ج: ليس على المأموم سجود سهو إذا سها، وعليه أن يتابع إمامه إذا كان دخل معه في أول الصلاة. أما المسبوق فإنه يسجد للسهو إذا سها مع إمامه أو فيما انفرد به بعد إكماله الصلاة على التفصيل السابق في جواب السؤالين السابقين. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/268)
مجموعة استفسارات حول سجود السهو (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/268)
س: هل يشرع سجود السهو في المواضع الآتية:
1 - إذا قرأ في الأخيرتين من الرباعية مع الفاتحة ما تيسر من القرآن.
2 - إذا قرأ في سجوده أو قال: سبحان ربي العظيم بين السجدتين مثلا.
3 - إذا جهر في السرية أو أسر في الجهرية.
ج: إذا قرأ في الأخيرتين من الرباعية أو إحداهما آية أو أكثر، أو سورة ساهيا لم يشرع له السجود؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه قد يقرأ زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة من الظهر، وقد ثبت أنه أثنى على الأمير الذي كان يقرأ في جميع ركعات صلاته بعد الفاتحة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) ولكن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقرأ في الثالثة والرابعة سوى الفاتحة كما في الصحيحين من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
وثبت عن الصديق رضي الله عنه أنه قرأ في الثالثة من
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1(11/269)
صلاة المغرب بعد الفاتحة {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (1) وكل هذا يدل على التوسعة في ذلك.
أما من قرأ في الركوع أو السجود ساهيا فإنه يسجد للسهو؛ لأنه لا يجوز له تعمد القراءة في الركوع والسجود؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك. فإذا قرأ ساهيا في الركوع أو السجود وجب عليه سجود السهو. وهكذا من سها في الركوع فقال سبحان ربي الأعلى بدل سبحان ربي العظيم أو سها في السجود فقال: سبحان ربي العظيم بدل سبحان ربي الأعلى وجب عليه السجود لكونه ترك الواجب سهوا أما إن كان جمع بينهما في الركوع والسجود سهوا فإنه لا يجب عليه السجود. وإن سجد للسهو فلا بأس لعموم الأدلة. وهذا في حق الإمام والمنفرد والمسبوق. أما المأموم الذي كان مع الإمام من أول الصلاة فليس عليه سجود سهو في هذه المسائل وعليه أن يتبع إمامه، وهكذا لو جهر في السرية أو أسر في الجهرية لم يلزمه السجود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمعهم الآية بعض الأحيان في السرية، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة آل عمران الآية 8(11/270)
حكم متابعة المأموم للإمام في سجود السهو بعد قيامه (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/270)
س: الأخ م. س. ع. - من الرياض يقول في سؤاله: قمت لقضاء ما فاتني بعد سلام الإمام، وبعد لحظات سجد الإمام للسهو (أي بعد السلام) فسجدت معه، ثم قمت وصليت ما فاتني، فهل ما فعلته صحيح، وإذا لم يكن فماذا علي أن أفعل. أفتونا مأجورين؟
ج: قد أحسنت فيما فعلت ولا شيء عليك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه (1) » .
ولو أكملت صلاتك وسجدت للسهو بعد إكمالها فلا بأس عليك؛ لكونك قد نويت الانفراد لقضاء ما عليك. وفق الله الجميع.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (680) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (625) .(11/271)
من نسي قراءة سورة بعد الفاتحة هل عليه سجود السهو (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (64) .(11/271)
س: سائل يقول صليت الظهر وحدي، وفي الركعة الثانية لم أقرأ سورة بعد الفاتحة نسيانا فتذكرت قبل السلام فسجدت للسهو، فهل علي حرج في هذا؟
ج: ليس عليك حرج ولا يجب عليك سجود السهو؛ لأن قراءة سورة بعد الفاتحة أو ما تيسر من الآيات ليست واجبة، وإنما الواجب قراءة الفاتحة، ويستحب قراءة سورة بعدها في الأولى والثانية من كل صلاة، وإن سجدت للسهو فلا بأس وصلاتك صحيحة.(11/272)
حكم من سلم من ركعتين سهوا ومن نسي تكبيرة الإحرام (1)
__________
(1) صدر من مكتب سماحته برقم (203\ 2) في 2\ 7\ 1407 هـ.(11/272)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم هـ. م. ث. سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 1513 وتاريخ 21\ 4\ 1407هـ المشتمل على سؤالين، وإليك الجواب عن كل واحد بعد ذكره:
س1: نحن قمنا برحلة، ولما وجب المغرب قمنا لأداء الصلاة جاعلين واحدا منا إماما، لكن الإمام لما أتى بالركعتين سلم تسليمتين سهوا، وليست عمدا تاركا ركعة واحدة، فقام أحدنا وقال له أنت تركت ركعة وهي الثالثة فقم فصل بنا ما تبقى علما بأننا ذكرنا التسبيح، ولكنه لم يدرك ذلك فصلى بنا الثالثة وسلم وسجد للسهو بعد التسليم. فهل صلاتنا صحيحة أم تعاد، وهل الرجل المتكلم صلاته صحيحة ويعتبر كلامه من جنس الصلاة،(11/273)
وينطبق عليه حديث ذي اليدين، أو أن كلامه خارج عن الصلاة، وصلاته باطلة لأن الكلام يبطل الصلاة؟ .
ج: صلاة الإمام صحيحة، وأما المأمومون فمن كان منهم عالما بالنقص عارفا بالحكم الشرعي، وهو أنه لا يجوز أن يسلم معه في اثنتين بل عليه أن يقوم ويأتي بالثالثة، فهذا صلاته باطلة؛ لأنه سلم عمدا قبل أن يكملها عارفا بأن ذلك لا يجوز له، أما من سلم مع الإمام جاهلا بالنقص أو جاهلا بالحكم الشرعي فلا إعادة عليه إذا كان قد أكمل صلاته مع الإمام لما نبه. وصلاة الذي كلم الإمام صحيحة إذا كان جاهلا بالحكم الشرعي لحديث ذي اليدين.(11/274)
س2: هذا السؤال لم يحدث، ولكن نقاشا بين مجموعة أدى بي إلى معرفة الحقيقة، وهو من جاء بطريق ووجد جماعة أقامت الصلاة ودخل بنية الصلاة معها، ولكنه نسي أن يكبر تكبيرة الإحرام، ولم يتذكر ذلك إلا في الركعة الثالثة هل صلاته صحيحة، أم باطلة لأنه نسي ركنا، وهل يبدأ الصلاة إذا من ركوع الهوي في الركعة الأولى أم يبدأها عندما تذكر أنه لم يكبر تكبيرة الإحرام. .
ج: الصلاة المذكورة غير صحيحة؛ لأنه لم يأت بتكبيرة الإحرام، وهي ركن بإجماع المسلمين ولا تنعقد الصلاة إلا بها.(11/274)
حكم صلاة من سلم قبل الإمام سهوا (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (842) .(11/274)
س: ما حكم السلام قبل الإمام في حالة السهو هل الصلاة صحيحة أم لا؟ .
ج: إذا سلم المأموم قبل الإمام سهوا فإنه يرجع إلى نية الصلاة ثم يسلم بعد إمامه، ولا شيء عليه وصلاته صحيحة إذا سلم قبل إمامه سهوا ثم انتبه، فإنه يعود إلى نية الصلاة ثم يسلم بعد إمامه ولا شيء عليه، إلا أن يكون مسبوقا، فإن كان مسبوقا بركعة أو أكثر فإنه يسجد للسهو بعدما يقضي ما عليه من الركعات عن سلامه سهوا قبل إمامه.(11/275)
حكم صلاة من نسي تكبيرة الإحرام (1)
س: إذا نسي الإنسان تكبيرة الإحرام فهل يستمر في الصلاة حتى ينتهي ثم يعيدها أو يقطعها ثم يعيدها؟ .
ج: إذا نسي تكبيرة الإحرام أو شك في ذلك فعليه أن
__________
(1) من ضمن أسئلة تابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير، بالرياض.(11/275)
يكبر في الحال، ويعمل بما أدرك بعد التكبيرة، فإذا كبر بعد فوات الركعة الأولى من صلاة الإمام اعتبر نفسه قد فاتته الركعة الأولى فيقضيها بعد سلام الإمام، واذا أعاد التكبيرة في الركعة الثالثة اعتبر نفسه قد فاتته ركعتان فيأتي بركعتين بعد السلام من الصلاة، هذا إذا كان ليس لديه وسوسة، أما إن كان موسوسا فإنه يعتبر نفسه قد كبر في أول الصلاة ولا يقضي شيئا مراغمة للشيطان ومحاربة لوسوسته، والحمد لله.(11/276)
من نسي قراءة الفاتحة فهل يأتي بركعة ويسجد سجود السهو (1)
س: إذا نسي المصلي الفاتحة فهل يأتي بركعة أخرى تحل محلها؟ وهل يسجد سجود السهو؟ .
ج: إذا كان مأموما فليس عليه شيء ويتحملها عنه الإمام إذا كان ناسيا أو جاهلا أو قد فاته القيام، أما إذا كان إماما أو منفردا فيأتي بركعة بدلا من الركعة التي ترك فيها الفاتحة ويسجد للسهو. أما المأموم فتابع لإمامه إذا نسي أو جهل أو
__________
(1) من ضمن أسئلة تابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير، بالرياض.(11/276)
فاته القيام، أجزأه ما أدركه مع الإمام كما تقدم لحديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه جاء والرسول صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة التي لم يدرك قيامها.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(11/277)
حكم صلاة من سجد سجدة واحدة فقط ناسيا (1)
س: إمام صلى صلاة العصر، وأثناء الركعة الأخيرة سجد سجدة واحدة فقط، وجلس للتشهد الأخير وسلم، وبعد ذلك نبهه بعض المصلين إلى أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة ولم يسجد الثانية للركعة الأخيرة، ثم قام وصلى بهم ركعة كاملة وجلس للتشهد ثم سلم وسجد سجود السهو، هل هذه الصفة صحيحة؟
ج: نعم، هذا هو المشروع، إذا نسي الإمام سجدة وسلم ثم ذكر أو نبه، يقوم ويأتي بركعة ثم يكمل ثم يسلم ثم
__________
(1) من ضمن أسئلة تابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير، بالرياض.(11/277)
يسجد سجود السهو بعد السلام، وهو أفضل، وهكذا المنفرد حكمه حكمه. وإن سجد للسهو قبل السلام فلا بأس ولكن بعده أفضل.(11/278)
حكم سجود السهو عند نسيان دعاء الوتر والجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية (1)
س: (ي. س. م. ن) العراق الأنبار يقول: هل يلزم عندما أنسى دعاء الوتر أن أقوم بسجود السهو وعندما لا أجهر بصلاتي في وقت يجب الجهر فيه وكان ذلك عن نسيان؟
ج: لا يجب إذا ترك الإنسان قنوت الوتر سهوا أو لم يجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية سهوا لا يجب عليه السجود للسهو ولكن لو سجد فلا بأس.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (517) .(11/278)
حكم صلاة من ترك التشهد الأول ناسيا أو متعمدا (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/278)
س: إذا صلى الإمام الصلاة وقام ولم يتشهد التشهد الأول ونبه ولم يرجع وعندما سلم من الصلاة نبه وسلم ولم يسجد وبعد السلام قال له بعض المأمومين لم لم تسجد؟ فقال ذهب محله، فماذا عليه هل عليه الإعادة لأنه ترك واجبا عمدا، وإذا كان جاهلا والمأمومون يجهلون الحكم فماذا عليهم؟ أفتونا مأجورين.
ج: التشهد الأول إذا تعمد المصلي تركه بطلت صلاته في أصح قولي العلماء إذا كان عالما بالحكم ذاكرا، فإن كان جاهلا فلا شيء عليه، وإن تركه ناسيا وجب عليه السجود للسهو، فإن تعمد تركه بطلت صلاته، أما إذا نسي وسلم قبل أن يسجد ثم نبه أو ذكر فإنه يجب عليه أن يسجد بعد السلام للسهو ثم يسلم كالحال في سجود السهو الذي محله بعد السلام، فإن لم يفعل فقد اختلف في بطلان الصلاة بذلك، أي بترك سجود السهو بعد السلام، سواء كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه(11/279)
فصار بعد السلام، قال أبو محمد بن قدامة رحمه الله في المغني: (فإن ترك الواجب عمدا فإن كان قبل السلام بطلت صلاته؛ لأنه أخل بواجب في الصلاة عمدا، وإن ترك الواجب بعد السلام لم تبطل صلاته؛ لأنه جبر للعبادة خارج منها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج، وسواء كان محله بعد السلام أو قبله فنسيه فصار بعد السلام، وقد نقل عن أحمد ما يدل على بطلان الصلاة، ونقل عنه التوقف) . انتهى المقصود.
وبهذا يعلم أن الصواب صحة الصلاة وعدم وجوب الإعادة على الجميع إلا إذا كان الإمام قد تعمد الترك لما يشرع الإتيان به قبل السلام مع العلم بالحكم الشرعي، فإنها تلزمه الإعادة لكونه ترك واجبا بدون عذر شرعي، أما المأموم فعليه أن يسجد للسهو إذا لم يسجد إمامه بعد السلام في قول الأكثرين كما في المغني؛ لأن السهو ينقص صلاة الجميع، فإذا لم يسجد الإمام لجبران النقص الحاصل بالسهو، وجب على المأموم السجود، سواء سجدوا فرادى أو عينوا من يؤمهم في ذلك؛ لأن الإمام لما امتنع من الواجب انقطعت تبعيتهم له، ووجب عليهم الاستقلال بأداء الواجب كما لو سلم عن نقص ونبهوه فلم يرجع للصواب فإنه يلزمهم أن يكملوا صلاتهم فرادى أو بإمام منهم لوجوب تكميل الصلاة على الجميع، فلما امتنع منه الإمام انقطعت تبعيتهم له، فإن لم يسجدوا لم تبطل(11/280)
صلاتهم؛ لأنه واجب خارج الصلاة فلم تبطل الصلاة بتركه كالأذان والإقامة وكجبرانات الحج والله سبحانه وتعالى أعلم.(11/281)
حكم صلاة من ترك التشهد الأول سهوا ثم ترك سجود السهو (1)
س: إذا ترك المصلي التشهد الأول سهوا، ثم ترك أيضا سجود السهو فماذا عليه؟
ج: إن ذكر بعد السلام سجد للسهو، وإن طال الفصل سقط عنه ذلك في أصح قولي أهل العلم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن أسئلة تابعة لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير، بالرياض.(11/281)
صلاة التطوع(11/282)
صفحة فارغة(11/283)
حكم صلاة التطوع وقت النهي (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (11) .(11/284)
س: ما حكم من يصلي قبل الظهر بربع ساعة أو عشر دقائق، حيث إنني سمعت من إحدى الأخوات أن هذا الوقت من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. نرجو التوضيح؟ .
ج: لا يجوز للمسلم أن يصلي قبل الظهر في وقت وقوف الشمس؛ لأنه من أوقات النهي، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاث ساعات لا يصلى فيهن ولا يقبر فيهن موتى: بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وحين تقف الشمس حتى تزول، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب (1) » .
والمقصود أنه قبيل الظهر لا يصلى، وهذا الوقت ليس بالطويل بل هو وقت قصير، حين تتوسط الشمس في كبد
__________
(1) رواه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1373) ، والترمذي في (الجنائز) برقم (951) ، والنسائي في (المواقيت) برقم (557) .(11/285)
السماء يسمى (وقوف الشمس) (وقت الوقوف) فلا يجوز التعبد بالصلاة في ذلك الوقت حتى تزول الشمس، أي حتى يؤذن الظهر، فإذا زالت الشمس صلى الإنسان ما شاء، أما قبل الزوال فالواجب التوقف عن التطوع بالصلاة، والوقت ليس بالطويل يقارب الربع ساعة أو الثلث ساعة، وإذا احتاط الإنسان وتوقف عن الصلاة قبل الزوال بنصف ساعة تقريبا فهو حسن، فإذا زالت الشمس انتهى وقت النهي إلى أن يصلي العصر.(11/286)
حكم صلاة تحية المسجد وقت النهي (1)
س: هل يجوز للإنسان إذا دخل المسجد قبل أذان المغرب أن يصلي ركعتين أم يجلس، أفيدونا أفادكم الله؟ .
ج: الأوقات المنهي عن الصلاة فيها معلومة وهي خمسة: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن طلوعها حتى ترتفع قيد رمح، وعند وقوفها قبل الظهر حتى تزول، وبعد صلاة العصر حتى تميل الشمس للغروب، وعند ميولها للغروب حتى تغيب. لكن ذوات الأسباب لا حرج في فعلها
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (64) .(11/286)
في وقت النهي في أصح قولي العلماء، فإذا دخل المسجد بعد العصر أو بعد الصبح فالأفضل أن يصلي تحية المسجد ركعتين قبل أن يجلس لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (1) » متفق عليه.
وهكذا إن طاف بالكعبة فإنه يصلي ركعتي الطواف سواء كان بعد العصر أو بعد الصبح أو في أي وقت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (2) » . رواه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع وصححه الترمذي وابن حبان.
وهكذا صلاة الكسوف لو كسفت الشمس بعد العصر فإن السنة أن تصلى صلاة الكسوف في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف (3) » . متفق عليه وفي
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين برقم (425) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (166) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21600) واللفظ له.
(2) رواه الترمذي في (الحج) برقم (795) ، والنسائي في (المواقيت) برقم (581) .
(3) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1000) ، ومسلم في (الكسوف) برقم (1522) واللفظ له.(11/287)
رواية البخاري حتى تنجلي (1)
س: كثر القول في تحية المسجد، منهم من قال: إنها لا تفعل في أوقات النهي مثل عند طلوع الشمس وعند غروبها، ومنهم من قال: إنها تجوز حيث إنها من ذوات الأسباب التي لا توقيت لها وتفعل حتى ولو كانت الشمس قد مضى نصفها في الغروب: أرجو إفادتي عن ذلك تفصيليا. (2)
ج: في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن تحية المسجد مشروعة في جميع الأوقات حتى بعد الفجر وبعد العصر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (3) » متفق على صحته، ولأنها من ذوات الأسباب كصلاة الطواف وصلاة الخسوف والصواب فيها كلها أنها تفعل في أوقات النهي كلها كقضاء الفوائت من الفرائض لقول النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الطواف: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (4) » أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم:
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1000) .
(2) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول ص (54) .
(3) صحيح البخاري الجمعة (1167) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (714) ، سنن الترمذي الصلاة (316) ، سنن النسائي المساجد (730) ، سنن أبو داود الصلاة (467) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، مسند أحمد بن حنبل (5/311) ، سنن الدارمي الصلاة (1393) .
(4) سنن الترمذي الحج (868) ، سنن النسائي مناسك الحج (2924) ، سنن أبو داود المناسك (1894) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1254) ، مسند أحمد بن حنبل (4/84) ، سنن الدارمي المناسك (1926) .(11/288)
في صلاة الكسوف: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف (1) » . متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك (2) » . وهذه الأحاديث تعم أوقات النهي وغيرها، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، والله ولي التوفيق. (3)
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1000) ، ومسلم في (الكسوف) برقم (1522) واللفظ له.
(2) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (562) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1103) .
(3) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1449) وتاريخ 6\ 2\1415 هـ.(11/289)
س: إذا دخل رجل المسجد وقت نهي هل يصلي تحية المسجد أم لا؟. .
ج: الأفضل له أن يصلي تحية المسجد في أصح قولي العلماء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (1) » متفق على صحته وإن جلس ولم يصل فلا حرج.
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين برقم (425) ، ومسلم في (166) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21600) واللفظ له.(11/289)
الصلاة وقت النهي (1)
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (127) .(11/289)
س: هل الصلاة قبل المغرب مكروهة ولو كانت الصلاة تحية للمسجد؟ .
ج: هذا السؤال فيه إبهام يحتاج إلى تفصيل من جهة الوقت ومن جهة نوع الصلاة: لأن ما بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس يعتبر وقت نهي، فلا يصلى في هذا الوقت في الجملة للأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة وقت النهي ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس (1) » . متفق على صحته.
أما إذا كانت الصلاة قضاء فائتة فلا تدخل في ذلك بإجماع أهل العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك (2) » .
__________
(1) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (551) واللفظ له، ورواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1368) ، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10921) .
(2) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (562) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1103) .(11/290)
وأما ذوات الأسباب مثل: صلاة الكسوف وسجود التلاوة وصلاة الركعتين إذا دخل الإنسان المسجد وكان يريد الجلوس، وهي المعروفة بتحية المسجد فتجوز في وقت النهي على الراجح من أقوال أهل العلم؛ لأن الأحاديث الواردة في ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات وقت النهي وغيره، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (1) » متفق عليه.
وأما أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي فمحمولة على غير قضاء الفائتة وغير ذوات الأسباب.
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين برقم (425) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (166) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21600) واللفظ له.(11/291)
ركعتا الطواف وقت النهي (1)
س: ما حكم صلاة الركعتين خلف مقام أبينا إبراهيم عليه السلام في أوقات النهي عن النوافل؟ .
ج: لا حرج في ذلك لقول ال نبي صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (2) » أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع بإسناد صحيح.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (128) .
(2) سنن الترمذي الحج (868) ، سنن النسائي مناسك الحج (2924) ، سنن أبو داود المناسك (1894) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1254) ، مسند أحمد بن حنبل (4/84) ، سنن الدارمي المناسك (1926) .(11/291)
ولأن صلاة الطواف من ذوات الأسباب فلا حرج من فعلها في وقت النهي كتحية المسجد وصلاة الخسوف للحديث المذكور وغيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف (1) » متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (2) » أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1000) ، ومسلم في (الكسوف) برقم (1522) واللفظ له.
(2) صحيح البخاري الجمعة (1167) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (714) ، سنن الترمذي الصلاة (316) ، سنن النسائي المساجد (730) ، سنن أبو داود الصلاة (467) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1013) ، مسند أحمد بن حنبل (5/311) ، سنن الدارمي الصلاة (1393) .(11/292)
حديث "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " (1)
س: ما درجة صحة هذا الحديث: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا بمكة.. إلا بمكة.. إلا بمكة.. "؟ .
ج: هذا الحديث بهذه الزيادة إلا بمكة ضعيف.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (82) .(11/292)
أما أصل الحديث فهو ثابت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس (1) » . لكن هذا العموم يستثنى منه الصلاة ذات السبب في أصح قولي العلماء كصلاة الكسوف وصلاة الطواف وتحية المسجد، فإن هذه الصلوات يشرع فعلها ولو في وقت النهي لأحاديث صحيحة وردت في ذلك تدل على استثنائها من العموم، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (551) واللفظ له، ورواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1368) ، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10921) .(11/293)
حكم تحية المسجد والتنفل بعد غروب الشمس وقبل صلاة المغرب (1)
س: ما حكم تحية المسجد عقب أذان المغرب وقبل الصلاة - والوقت بين الأذان والإقامة قصير - وما حكم التنفل قبل صلاة المغرب أيضا غير تحية المسجد؟
ج: تحية المسجد سنة موكدة في جميع الأوقات حتى في وقت النهي في أصح قولي العلماء؛ لعموم قول النبي صلى
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (52) .(11/293)
الله عليه وسلم: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (1) » متفق عليه.
والصلاة بعد أذان المغرب وقبل الإقامة سنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، ثم قال في الثالثة لمن شاء (2) » . رواه البخاري.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن للمغرب بادروا بصلاة ركعتين قبل الإقامة، والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهدهم ولا ينهاهم عن ذلك، بل قد أمر بذلك كما في الحديث المذكور آنفا.
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين برقم (425) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (166) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21600) واللفظ له.
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1111) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1089) ، والإمام أحمد في (مسند البصريين) برقم (19643) .(11/294)
تحية المسجد ليس لها قراءة خاصة (1)
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (123) .(11/294)
س: هل يتعين شيء من القراءة حين أداء تحية المسجد؟
ج: ليس لها قراءة خاصة، بل هي كسائر الصلوات يقرأ في كل ركعة بالفاتحة وما تيسر معها، والواجب قراءة الفاتحة فقط؛ لأنها ركن الصلاة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (1) » . متفق على صحته.
والسنة أن يأتي بها إذا دخل المسجد في كل وقت، ولو كان وقت نهي كما بعد صلاة العصر، وما بعد صلاة الفجر؛ لعموم الأحاديث الدالة على شرعيتها؛ ولأنها من ذوات الأسباب كصلاة الكسوف وركعتي الطواف وذوات الأسباب تجوز في كل وقت في أصح قولي العلماء، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (714) ، باب (وجوب القراءة للإمام والمأموم) . ومسلم في (الصلاة) برقم (595) ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.(11/295)
حكم صلاة الليل وصفتها (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) رقم الشريط (32) .(11/295)
س: ما حكم صلاة الليل وما صفتها؟ .
ج: صلاة الليل سنة مؤكدة لقول الله سبحانه في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (1) وفي سورة الذاريات في صفة المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (2) {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (3)
ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل (4) » رواه مسلم في صحيحه.
وصلاة الليل لها شأن عظيم كما قال الله جل وعلا في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (5) وقال سبحانه في وصف المتقين:
__________
(1) سورة الفرقان الآية 64
(2) سورة الذاريات الآية 17
(3) سورة الذاريات الآية 18
(4) رواه مسلم، باب (فضل صوم المحرم) ، ج8 ص (54) .
(5) سورة الفرقان الآية 64(11/296)
{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (1) {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (2) وقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (3) {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} (4) {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} (5) {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (6) وقال سبحانه وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (7) {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (8)
فصلاة الليل لها شأن عظيم، والمشروع فيها أن تكون مثنى مثنى؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (9) » متفق على صحته من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وأفضلها في آخر الليل إلا من خاف ألا يقوم في آخره، فالأفضل له أن يصليها في أول الليل قبل أن ينام لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم في آخر الليل فليوتر آخر الليل،
__________
(1) سورة الذاريات الآية 17
(2) سورة الذاريات الآية 18
(3) سورة المزمل الآية 1
(4) سورة المزمل الآية 2
(5) سورة المزمل الآية 3
(6) سورة المزمل الآية 4
(7) سورة السجدة الآية 16
(8) سورة السجدة الآية 17
(9) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) ، والترمذي برقم (401) ، والنسائي برقم (1648) ، وأبو داود برقم (1211) ، وابن ماجه برقم (1164) ، وأحمد برقم (4263) ، ومالك برقم (241) ، والدارمي برقم (1422) .(11/297)
فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل (1) » رواه مسلم في صحيحه. وأقلها واحدة، ولا حد لأكثرها، فإن أوتر بثلاث فالأفضل أن يسلم من اثنتين ويوتر بواحدة، وهكذا إذا صلى خمسا يسلم من كل اثنتين ثم يوتر بواحدة، وإن سرد الثلاث أو الخمس بسلام واحد ولم يجلس إلا في آخرها فلا حرج، بل ذلك نوع من السنة؛ لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك في بعض تهجده كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سرد سبعا ولم يجلس إلا في آخرها، وثبت عنه أنه في بعض الأحيان جلس بعد السادسة، وأتم التشهد الأول، ثم قام قبل أن يسلم وأتى بالسابعة. وثبت عنه أيضا عليه الصلاة والسلام أنه سرد تسعا وجلس في الثامنة، وأتى بالتشهد الأول ثم قام قبل أن يسلم وأتى بالتاسعة.
ولكن الأفضل وهو الأكثر من عمله - صلى الله عليه وسلم - أن يسلم من كل اثنتين ثم يوتر بواحدة، كما تقدم ذلك من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
والأغلب من فعله - صلى الله عليه وسلم - أنه يوتر بإحدى عشرة ركعة ويسلم من كل ثنتين وربما أوتر بثلاث عشرة كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها -
__________
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1255) .(11/298)
وثبت أيضا أنه أوتر بثلاث عشرة من غير حديث عائشة، يسلم من كل ثنتين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
ومن صلى أكثر من ذلك فلا حرج؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1) » ولم يحد حدا في عدد الركعات التي يأتي بها المصلي قبل الوتر. فدل ذلك على التوسعة، فمن صلى عشرين وأوتر في رمضان أو غيره أو صلى أكثر من ذلك فلا حرج عليه. وقد تنوعت صلاة السلف الصالح في الليل، فمنهم من يكثر الركعات ويقصر القراءة، ومنهم من يقلل الركعات ويطيل القراءة، وكل ذلك واسع بحمد الله ولا حرج فيه مع مراعاة الخشوع والطمأنينة.
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة - رضي الله عنها - «أنه كان إذا شغله نوم أو مرض عن صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة (2) » أخرجه مسلم في صحيحه.
وعلى هذا فمن كانت عادته في الليل ثلاثا ونام عنها أو شغله عنها مرض صلى من النهار أربعا بتسليمتين، وهكذا من كانت عادته أكثر يصلي من النهار مثل ذلك لكن يزيدها حتى
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) .
(2) رواه مسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1234) ، والترمذي في (الصلاة) برقم (407) .(11/299)
يسلم من كل ثنتين تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكرته عنه عائشة - رضي الله عنها - في الحديث المذكور، والله ولي التوفيق.(11/300)
ماذا يفعل من أذن الفجر قبل أن يوتر (1)
س: نويت إن استيقظت في منتصف الليل أن أصلي الوتر، وعندما استيقظت مبكرا صليت قبل أن أصلي الوتر، لكن أخذني الوقت قبل أن أصلي الوتر، فأذن الفجر فهل أصلي الوتر بعد دخول صلاة الفجر، أو أصلي الفجر وأترك الوتر لما بعد الصلاة؟
ج: إذا أذن الفجر ولم يوتر الإنسان أخره إلى الضحى بعد أن ترتفع الشمس فيصلي ما تيسر، يصلي ثنتين أو أربع أو أكثر، ثنتين ثنتين، فإذا كانت عادته ثلاثا ولم يصلها في الليل، صلاها الضحى أربعا بتسليمتين، فإذا كانت عادته خمسا ولم يتيسر له فعلها في الليل لمرض أو نوم أو غير ذلك صلاها الضحى ستا بثلاث تسليمات، وهكذا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفعل ذلك إذا شغله عن وتره في الليل نوم أو
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (9) .(11/300)
مرض، كان يوتر بإحدى عشرة فإذا شغله مرض أو نوم صلاها من النهار ثنتي عشرة ركعة. هكذا قالت عائشة - رضي الله عنها - فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم عنها، وهذا هو المشروع للأمة اقتداء به عليه الصلاة والسلام.(11/301)
فضل صلاة الليل (1)
س: رأيت والدي يصلي في منتصف الليل ثماني ركعات، فسألته عن فائدة الصلاة في الليل فقال: إن الذي يصلي في الليل لا تأكل الأرض جسده بعد وفاته، فهل هذا صحيح، وهل يبقى الإنسان في قبره إذا كان يصلي صلاة الليل والناس نيام، وهل الروح تبعث في الجسد بعد الوفاة أم تعود إلى خالقها؟
ج: صلاة الليل مرغب فيها قال تعالى في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (2) وقال سبحانه في صفة المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (3)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) رقم الشريط (69) .
(2) سورة الفرقان الآية 64
(3) سورة الذاريات الآية 17(11/301)
{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (1) وقال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (2) {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} (3) {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} (4) {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (5) وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (6) {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (7)
والآيات الدالة على فضل قيام الليل كثيرة والنبي عليه الصلاة والسلام كان كثيرا ما يتهجد بالليل ويقول: «أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام (8) » وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأغلب يصلي إحدى عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين، ويوتر بواحدة، وربما أوتر بتسع أو بسبع أو خمس، ولكن الأغلب أنه يصلي إحدى عشرة، وربما صلى ثلاث عشرة يطيل في قراءته وركوعه وسجوده عليه الصلاة والسلام.
أما كون المرء لا تأكل الأرض جسده إذا كان يصلي الليل
__________
(1) سورة الذاريات الآية 18
(2) سورة المزمل الآية 1
(3) سورة المزمل الآية 2
(4) سورة المزمل الآية 3
(5) سورة المزمل الآية 4
(6) سورة السجدة الآية 16
(7) سورة السجدة الآية 17
(8) رواه الترمذي في (صفة القيامة والرقائق والورع) برقم (2409) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) برقم (1324) .(11/302)
فهذا لا أعلم له أصلا، وليس هناك دليل شرعي يدل على ذلك إلا أجساد الأنبياء، فإن الله حرم على الأرض أن تأكلها، كما صح بذلك الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أما الروح فإن المؤمن روحه تصعد إلى الجنة فتأكل من ثمارها في صورة طائر كما صح به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه قال: «روح المؤمن طائر معلق في شجر الجنة (1) » رواه الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح.
وأما أرواح الشهداء فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -: أنها تكون في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تعود إلى قناديل معلقة تحت العرش، ويعيد الله الأرواح إلى أجسادها إذا شاء كما يعيدها عند السؤال في القبر فيسمع السؤال ويجيب إن كان صالحا، ويتردد إن كان كافرا، وهكذا تعاد الأرواح إلى أجسادها عند البعث والنشور، أما أرواح الكفار ففي النار، وقد قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (2) واختلف العلماء في مستقرها في الدنيا فقيل:
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) برقم (15216) بلفظ '' إنما نسمة المؤمن ''، وابن ماجه في (كتاب الزهد) برقم (4261) .
(2) سورة غافر الآية 46(11/303)
في نفس النار، وقيل: في قبور أصحابها، وقيل: غير ذلك، والله أعلم.(11/304)
وقت صلاة الوتر (1)
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (492\خ) في 26\ 4\ 1409 هـ.(11/304)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. حفظه الله من كل سوء، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ في 16\2\1409 هـ، وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق، وما تضمنه من الأسئلة كان معلوما، وهذا نصها وجوابها:
س: صلاة الوتر نهايتها هل هي عند ابتداء الأذان، أذان الفجر أم نهاية الأذان، وإذا نام عنها هل تقضى وكيف؟ .
ج: المشروع لكل مؤمن ومؤمنة الإيتار في كل ليلة، ووقته ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1) » وروى مسلم
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1239) واللفظ متفق عليه.(11/305)
في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي أنه قال: «أوتروا قبل أن تصبحوا (1) » وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الحاكم عن خارجة بن حذافة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، قلنا: يا رسول الله، ما هي؟ قال: الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر (2) » .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وهي دالة على أن الوتر ينتهي بطلوع الفجر وإذا لم يعلم المصلي طلوع الفجر اعتمد على المؤذن المعروف بتحري الوقت، فإذا أذن المؤذن الذي يتحرى وقت الفجر فاته الوتر، أما من أذن قبل الفجر فإنه لا يفوت بأذانه الوتر، ولا يحرم به على الصائم الأكل والشرب، ولا يدخل به وقت صلاة الفجر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم (3) » متفق على صحته.
وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي
__________
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1253) ، والترمذي في (الصلاة) برقم (430) .
(2) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (414) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1208) .
(3) رواه البخاري في (الأذان) برقم (587) ، ومسلم في (الصيام) برقم (1829) واللفظ متفق عليه.(11/306)
حتى يقال له: أصبحت أصبحت.
وبما ذكرنا يتضح لكم أن وقت الوتر ينتهي بأول الأذان إذا كان المؤذن يتحرى الصبح في أذانه، لكن إذا أذن المؤذن والمسلم في الركعة الأخيرة أكملها لعدم اليقين بطلوع الفجر بمجرد الأذان، ولا حرج في ذلك إن شاء الله، ومن فاته الوتر شرع له أن يصلي عادته من النهار لكن يشفعها بركعة، فإذا كانت عادته ثلاثا صلى أربعا، وإذا كانت عادته خمسا صلى ستا، وهكذا يسلم من كل اثنتين لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فاته وتره من الليل لمرض أو نوم صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة (1) » وكانت عادته - صلى الله عليه وسلم - الغالبة الإيتار بإحدى عشرة ركعة، فإذا شغل عنها بمرض أو نوم صلى ثنتي عشرة ركعة كما قالت عائشة - رضي الله عنها -، «يسلم من كل اثنتين (2) » ؛ لما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل عشر ركعات، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة (3) » متفق على صحته؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (4) » رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (746) ، سنن الترمذي الصلاة (445) ، سنن أبو داود الصلاة (1342) .
(2) سنن النسائي الأذان (685) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1358) .
(3) صحيح البخاري الجمعة (995) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1174) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) .
(4) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (389) ، وابن ماحه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) ، برقم (1312) ، والإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (4560) .(11/307)
صحيح من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، وأصله في الصحيحين بلفظ «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » كما تقدم في أول هذا الجواب، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1239) .(11/308)
ما آخر وقت يدرك الوتر فيه؟ (1)
س: ما آخر وقت يمكن فيه إدراك صلاة الوتر؟ .
ج: هو آخر وقت من الليل قبل طلوع الفجر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (2) » متفق على صحته.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني، ص (123) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1239) .(11/308)
صلاة الوتر هل تختلف عن صلاة الليل (1)
__________
(1) تابع لتعليق سماحته على محاضرة بعنوان (الصلاة وأهميتها) في الجامع الكبير، بالرياض.(11/308)
س: هل صلاة الوتر تختلف عن صلاة الليل من حيث وقتها والدعاء الذي يقال في الصلاتين، وكذلك عدد ركعات الصلاة؟
ج: الوتر من صلاة الليل وهو سنة، وهو ختامها، ركعة واحدة يختم بها صلاة الليل في آخر الليل، أو في وسط الليل، أو في أول الليل بعد صلاة العشاء، يصلي ما تيسر ثم يختم بواحدة يقرأ فيها الفاتحة، وقل هو الله أحد، هذا هو الوتر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا (1) » ويقنت فيها بعد الركوع بالدعاء المأثور (اللهم اهدنا فيمن هديت. إلخ) وهو الدعاء الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي - رضي الله عنهما -، ويدعو معه ما تيسر من الدعاء الطيب.
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) برقم (452) ، وفي (الجمعة) برقم (943) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1245) .(11/309)
لا وتران في ليلة (1)
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (125) .(11/309)
س: هل يجوز أن نصلي وترين في ليلة؟
ج: لا ينبغي لأحد أن يصلي وترين في ليلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا وتران في ليلة (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا (2) » ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل (3) » خرجه مسلم في صحيحه.
فإذا تيسر للمسلم أن يكون تهجده في آخر الليل فليختم صلاته بركعة توتر له صلاته، ومن لم يتيسر له ذلك أوتر في
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (432) ، والنسائي في (قيام الليل) برقم (1661) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (943) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1245) .
(3) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1255) .(11/310)
أول الليل، فإذا يسر الله له القيام في آخر الليل صلى ما تيسر شفعا ركعتين ركعتين، ولا يعيد الوتر بل يكفيه الوتر الأول للحديث السابق، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا وتران في ليلة (1) » .
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (470) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1679) ، سنن أبو داود الصلاة (1439) .(11/311)
كيف يصلي من أوتر أول الليل وقام آخره (1)
س: إذا أوترت أول الليل، ثم قمت في آخره فكيف أصلي؟
ج: إذا أوترت من أول الليل ثم يسر الله لك القيام في آخره، فصل ما يسر الله لك شفعا بدون وتر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا وتران في ليلة (2) » ، ولما ثبت عن عائشة - رضي الله عنها - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس (3) » والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن يبين للناس جواز الصلاة بعد الوتر.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (124) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (470) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1679) ، سنن أبو داود الصلاة (1439) .
(3) مسند أحمد بن حنبل (6/299) .(11/311)
حكم عمل من صلى مع الإمام أول
الليل وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/311)
س: بعض الناس إذا صلى مع الإمام الوتر وسلم الإمام قام وأتى بركعة ليكون وتره آخر الليل، فما حكم هذا العمل؟ وهل يعتبر انصرف مع الإمام؟
ج: لا نعلم في هذا بأسا، نص عليه العلماء ولا حرج فيه حتى يكون وتره في آخر الليل.
ويصدق عليه أنه قام مع الإمام حتى ينصرف؛ لأنه قام معه حتى انصرف الإمام، وزاد ركعة لمصلحة شرعية حتى يكون وتره آخر الليل فلا بأس بهذا ولا يخرج به عن كونه ما قام مع الإمام، بل هو قام مع الإمام حتى انصرف لكنه لم ينصرف معه، بل تأخر قليلا.
س: ما رأيكم هل الجهر بالقراءة مقصور على المساجد أم يشمل غيرها؟.
ج: لا يختص الحكم بالمساجد، فلو كانوا في محل(11/312)
آخر كالمدرسة، والبيت والمجلس العام، فيوجههم المدرس أو غيره حتى لا يشوش بعضهم على بعض.(11/313)
الوتر آخر الليل أفضل من أوله (1)
س: السائلة ن. ح، من البحرين تقول: هل يجوز تأخير صلاتي الشفع والوتر إلى حين قيام الليل بأن أصلي صلاة الليل ثم أختمها بالشفع والوتر، أو أنه يجب الإتيان بها قبل النوم؟
ج: المؤمن والمؤمنة مخيران، من شاء أوتر في أول الليل ومن شاء في آخره، والأفضل آخر الليل لمن تيسر له ذلك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل (2) » رواه مسلم في الصحيح.
وإذا تيسر للمؤمن أو المؤمنة الإيتار والتهجد آخر الليل كان ذلك أفضل؛ لأن ذلك وقت نزول الله، ووقت إجابة
__________
(1) من (برنامج نور على الدرب) ، الشريط رقم (63) .
(2) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1255) .(11/313)
الدعاء لما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر (1) » وفي لفظ آخر: «يقول سبحانه: هل من سائل فيعطى سؤله، هل من مستغقر فيغفر له، هل من تائب فيتاب عليه (2) » وهذا الحديث العظيم متواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا النزول يليق بالله لا يشابهه شيء من خلقه في جميع صفاته، لا بكيف ولا بمثل، كاستوائه على عرشه، وكسمعه وبصره، وغضبه ورضاه، ونحو ذلك، كلها صفات تليق بالله لا يشابه فيها خلقه سبحانه وتعالى، هكذا قال أهل السنة والجماعة: يجب إثبات صفات الله كما جاءت في الكتاب والسنة على وجه يليق به سبحانه وتعالى كما قال جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (3) وقال سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (4)
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1077) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1261) و (1265) ، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7196) .
(2) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1263) و (1265) ، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (9220) .
(3) سورة الشورى الآية 11
(4) سورة الإخلاص الآية 4(11/314)
والسنة أن يجعل المؤمن آخر وتره ركعة واحدة، يقرأ فيها الفاتحة، وقل هو الله أحد، ثم يركع، ثم يرفع، وإن أوتر بثلاث بتشهد واحد وسلام واحد فلا بأس، وإن سرد خمسا فلا بأس، ولكن الأفضل مثنى مثنى يسلم كل اثنتين، ويوتر بواحدة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1) » ، متفق على صحته.
فهذه السنة، أما إن كان يخاف أن لا يقوم آخر الليل، فالسنة أن يوتر أول الليل يصلي ثنتين أو أربعا أو ستا أو ثمان أو أكثر، ويسلم من كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة قبل أن ينام.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (936) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1239) واللفظ متفق عليه.(11/315)
الوتر ختم لصلاة الليل (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (8) .(11/315)
س: نحن نعلم أن صلاة الوتر تختم بها صلاة الليل والنهار، وقد كنت في يوم بالمسجد فصليت العشاء ثم الشفع والوتر، ثم عند خروجي قابلني أحد الأصدقاء وأصر علي أن أصلي معه حتى يكسب أجر الجماعة، فما رأي الإسلام في ذلك؟
ج: الوتر ختم لصلاة الليل، وليس ختم لصلاة النهار، المغرب هي التي تختم صلاة النهار فهي وتر النهار، وأما التهجد في الليل فيختم بالوتر (ركعة واحدة) . فالركعة هي الختام لصلاة الليل، ولكن لا مانع أن يصلي بعدها ما شاء، وهكذا لو أوتر أول الليل ثم يسر الله له القيام في آخر الليل؛ فإنه يشرع له أن يصلي ما تيسر: ركعتين أو أربع ركعات أو أكثر، مثنى مثنى، ولا يعيد الوتر يكفيه الوتر الأول؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا وتران في ليلة (1) » .
وإذا صادف جماعة من إخوانه فصلى معهم، أو أخا من إخوانه فصلى معه فلا بأس بذلك ولا حرج؛ لأن هذه صلاة دعت لها الأسباب التي وقعت له مثل
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (432) ، والنسائي في (قيام الليل) برقم (1661) .(11/316)
طلب أخيه أن يصلي معه، ومثل جماعة أحب أن يصلي معهم، ومثل سعة الوقت في آخر الليل وأحب أن يصلي ما تيسر، كل هذا لا بأس به.
والمقصود أن كون الإنسان يصلي بعد الوتر في آخر الليل لا حرج عليه في ذلك، لكن لا يعيد الوتر بل يكفيه الوتر الأول.(11/317)
الفرق بين صلاة التراويح والقيام والتهجد (1)
س: الأخ ع. م. ص. - من الإسكندرية بمصر، يقول في سؤاله: ما هو الفرق بين صلاة التراويح والقيام والتهجد. أفتونا مأجورين؟
ج: الصلاة في الليل تسمى تهجدا وتسمى قيام الليل، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (2) وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} (3) {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} (4) وقال سبحانه في سورة الذاريات عن عباده المتقين: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} (5) {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (6)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) سورة الإسراء الآية 79
(3) سورة المزمل الآية 1
(4) سورة المزمل الآية 2
(5) سورة الذاريات الآية 16
(6) سورة الذاريات الآية 17(11/317)
أما التراويح فهي تطلق عند العلماء على قيام الليل في رمضان أول الليل مع مراعاة التخفيف وعدم الإطالة، ويجوز أن تسمى تهجدا، وأن تسمى قياما لليل ولا مشاحة في ذلك، والله الموفق.(11/318)
فضل صلاة التراويح وتلاوة القرآن وختمه (1)
س: ماذا عن التراويح وتلاوة القرآن وختم القرآن خلال شهر رمضان؟
ج: لا ريب أن صلاة التراويح قربة وعبادة عظيمة مشروعة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها ليالي بالمسلمين ثم خاف أن تفرض عليهم فترك ذلك وأرشدهم إلى الصلاة في البيوت ثم لما توفي - صلى الله عليه وسلم - وأفضت الخلافة إلى عمر بعد أبي بكر - رضي الله عنهما - ورأى الناس في المسجد يصلونها أوزاعا، هذا يصلي لنفسه، وهذا يصلي لرجلين، وهذا لأكثر، قال: لو جمعناهم على إمام واحد، فجمعهم على أبي بن كعب، وصاروا يصلونها جميعا، واحتج على ذلك بقوله عليه
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/318)
الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (1) » .
واحتج أيضا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك الليالي، وقال: إن الوحي قد انقطع وزال الخوف من فرضيتها، فصلاها المسلمون جماعة في عهده - صلى الله عليه وسلم - ثم صلوها في عهد عمر واستمروا على ذلك.
والأحاديث ترشد إلى ذلك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة (2) » خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بأسانيد صحيحة فدل ذلك على شرعية القيام جماعة في رمضان، وأنه سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، وفي ذلك مصالح كثيرة في اجتماع المسلمين على الخير واستماعهم لكتاب الله وما قد يقع من المواعظ والتذكير في هذه الليالي العظيمة، ويشرع للمسلمين في هذا الشهر العظيم دراسة القرآن الكريم ومدارسته في الليل والنهار تأسيا بالنبي - صلى الله عليه
__________
(1) رواه البخاري في (صلاة التراويح) برقم (1875) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1269) واللفظ متفق عليه.
(2) رواه الترمذي في الصوم برقم (734) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) برقم (1317) ، والإمام أحمد في (مسند الأنصار) برقم (20450)(11/319)
وسلم - فإنه كان يدارس جبرائيل القرآن كل سنة في رمضان، ودارسه إياه في السنة الأخيرة مرتين، ولقصد القربة والتدبر لكتاب الله عز وجل والاستفادة منه والعمل به وهو من فعل السلف الصالح، فينبغي لأهل الإيمان من ذكور وإناث أن يشتغلوا بالقرآن الكريم تلاوة وتدبرا وتعقلا ومراجعة لكتب التفسير للاستفادة والعلم.(11/320)
عدد ركعات صلاة التراويح (1)
س: ما عدد ركعات صلاة التراويح، وهل لها عدد محدد؟ وما أفضل ما تصلى به؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يدل على التوسعة في صلاة الليل وعدم تحديد ركعات معينة، وأن السنة أن يصلي المؤمن وهكذا المؤمنة مثنى مثنى، يسلم من كل اثنتين، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/320)
رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1) » .
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى (2) » خبر معناه الأمر، يعني: " صلوا في الليل مثنى مثنى " ومعنى مثنى مثنى يسلم من كل اثنتين، ثم يختم بواحدة وهي الوتر، وهكذا كان يفعل عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يصلي من الليل مثنى مثنى ثم يوتر بواحدة عليه الصلاة والسلام كما روت ذلك عائشة - رضي الله عنها - وابن عباس وجماعة، قالت عائشة - رضي الله عنها -: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل عشر ركعات، يسلم من كل اثنتين، ثم يوتر بواحدة (3) » ، وقالت - رضي الله عنها -: «ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا (4) » متفق عليه.
وقد ظن بعض الناس أن هذه الأربع تؤدى بسلام واحد، وليس الأمر كذلك، وإنما مرادها أنه يسلم من كل اثنتين
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (991) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .
(2) صحيح البخاري الصلاة (472) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .
(3) رواه أبو داود في (الصلاة) برقم (1137) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (24155) .
(4) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1147) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1219) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23307) .(11/321)
كما ورد في روايتها السابقة، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » ولما ثبت أيضا في الصحيح من حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم من كل اثنتين.
وفي قولها - رضي الله عنها -: «ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة (2) » ما يدل على أن الأفضل في صلاة الليل في رمضان وفي غيره إحدى عشرة، يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة، وثبت عنها - رضي الله عنها -، وعن غيرها أيضا أنه ربما صلى ثلاث عشرة ركعة عليه الصلاة والسلام.
فهذا أفضل ما ورد، وأصح ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام الإيتار بثلاث عشرة أو إحدى عشرة ركعة، والأفضل إحدى عشرة، فإن أوتر بثلاث عشرة فهو أيضا سنة وحسن، وهذا العدد أرفق بالناس وأعون للإمام على الخشوع في ركوعه وسجوده وفي قراءته، وفي ترتيل القراءة وتدبرها، وعدم العجلة في كل شيء، وإن أوتر بثلاث وعشرين كما فعل ذلك عمر والصحابة - رضي الله عنهم - في بعض الليالي من رمضان فلا بأس؛ فالأمر واسع، وثبت عن عمر والصحابة - رضي الله عنهم - أنهم أوتروا بإحدى عشرة كما في حديث عائشة.
فقد ثبت عن عمر هذا وهذا، ثبت عنه - رضي الله عنه - أنه أمر من عين من الصحابة أن يصلي إحدى عشرة، وثبت عنهم أنهم صلوا بأمره ثلاثا وعشرين. وهذا يدل على التوسعة في ذلك، وأن الأمر
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (472) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .
(2) صحيح البخاري المناقب (3569) ، سنن الترمذي الصلاة (439) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1697) ، سنن أبو داود الصلاة (1341) ، مسند أحمد بن حنبل (6/36) ، موطأ مالك النداء للصلاة (265) .(11/322)
عند الصحابة واسع كما دل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » .
ولكن الأفضل من حيث فعله - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة أو ثلاث عشرة، وسبق ما يدل على أن إحدى عشرة أفضل لقول عائشة - رضي الله عنها -: «ما كان يزيد - صلى الله عليه وسلم - في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة (2) » يعني غالبا.
ولهذا ثبت عنها - رضي الله عنها - أنه صلى ثلاث عشرة وثبت عن غيرها فدل ذلك على أن مرادها الأغلب، وهي تطلع على ما كان يفعله عندها، وتسأل فإنها كانت أفقه النساء وأعلم النساء بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت تخبر عما يفعله عندها وما تشاهده وتسأل غيرها من أمهات المؤمنين ومن الصحابة، وتحرص على العلم، ولهذا حفظت علما عظيما وأحاديث كثيرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب حفظها العظيم وسؤالها غيرها من الصحابة عما حفظوه رضي الله عن الجميع. وإذا نوع فصلى في بعض الليالي إحدي عشرة، وفي بعضها ثلاث عشرة فلا حرج فيه فكله سنة، ولكن لا يجوز أن يصلي أربعا جميعا بل السنة والواجب أن يصلي اثنتين اثنتين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «صلاة الليل مثنى مثنى (3) » وهذا
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (472) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .
(2) صحيح البخاري المناقب (3569) ، سنن الترمذي الصلاة (439) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1697) ، سنن أبو داود الصلاة (1341) ، مسند أحمد بن حنبل (6/36) ، موطأ مالك النداء للصلاة (265) .
(3) صحيح البخاري الصلاة (472) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .(11/323)
خبر معناه الأمر. ولو أوتر بخمس جميعا أو بثلاث جميعا في جلسة واحدة فلا بأس فقد فعله النبي عليه الصلاة والسلام، لكن لا يصلي أربعا جميعا أو ستا جميعا أو ثمان جميعا؛ لأن هذا لم يرد عنه عليه الصلاة والسلام، ولأنه خلاف الأمر في قوله: «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » ولو سرد سبعا أو تسعا فلا بأس، ولكن الأفضل أن يجلس في السادسة للتشهد الأول، وفي الثامنة للتشهد الأول ثم يقوم ويكمل.
كل هذا ورد عنه عليه الصلاة والسلام، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه سرد سبعا ولم يجلس، فالأمر واسع في هذا، والأفضل أن يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة كما تقدم في حديث ابن عمر: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى (2) » .
هذا هو الأفضل وهو الأرفق بالناس أيضا، فبعض الناس قد يكون له حاجات يحب أن يذهب بعد ركعتين أو بعد تسليمتين أو بعد ثلاث تسليمات، فالأفضل والأولى بالإمام أن يصلي اثنتين اثنتين ولا يسرد خمسا أو سبعا، وإذا فعله بعض الأحيان لبيان السنة فلا بأس بذلك، أما سرد الشفع، والوتر مثل صلاة المغرب فلا ينبغي، وأقل أحواله الكراهة؛ لأنه ورد النهي عن تشبيهها بالمغرب فيسردها سردا ثلاثا بسلام واحد وجلسة واحدة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (472) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (991) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (437) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/71) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .(11/324)
السنة إتمام صلاة التراويح مع الإمام (1)
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) ، رمضان 1414 هـ.(11/324)
س: إذا صلى الإنسان في رمضان مع من يصلي ثلاثا وعشرين ركعة واكتفى بإحدى عشرة ركعة ولم يتم مع الإمام، فهل فعله هذا موافق للسنة؟
ج: السنة الإتمام مع الإمام، ولو صلى ثلاثا وعشرين لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة (1) » ، وفي اللفظ الآخر: «بقية ليلته (2) » .
فالأفضل للمأموم أن يقوم مع الإمام حتى ينصرف، سواء صلى إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة أو ثلاثا وعشرين أو غير ذلك.
هذا هو الأفضل أن يتابع الإمام حتى ينصرف، والثلاث والعشرون فعلها عمر - رضي الله عنه - والصحابة فليس فيها نقص وليس فيها إخلال، بل هي من السنن - سنن الخلفاء الراشدين - ودل عليها حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن
__________
(1) رواه الترمذي في (الصوم) برقم (734) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة) برقم (1317) ، والإمام أحمد في (مسند الأنصار) برقم (20450) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) برقم (20474) .(11/325)
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى (1) » متفق عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحد فيه عددا معينا، بل قال: «صلاة الليل مثنى مثنى (2) » الحديث.
لكن إذا اقتصر الإمام في التراويح على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة كان أفضل يسلم من كل ثنتين؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن ذلك هو الأرفق بالناس في رمضان وفي غيره، ومن زاد أو نقص فلا حرج؛ لأن صلاة الليل موسع فيها، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (991) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (437) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/71) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .
(2) صحيح البخاري الصلاة (472) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .(11/326)
حكم التنويع في
عدد الركعات في التراويح (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/326)
س: هل الأفضل للإمام التنويع في عدد الركعات أم الاقتصار على إحدى عشرة ركعة؟
ج: لا أعلم في هذا بأسا، فلو صلى بعض الليالي إحدى عشرة، وفي بعضها ثلاث عشرة فلا شيء فيه، ولو زاد فلا بأس، فالأمر واسع في صلاة الليل، لكن إذا اقتصر على إحدى عشرة لتثبيت السنة وليعلم الناس صلاته حتى لا يظنوا أنه ساه فلا حرج في ذلك.(11/327)
تتبع المساجد طلبا لحسن الصوت (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/327)
س: ما حكم تتبع المساجد طلبا لحسن صوت الإمام لما ينتج عن ذلك من الخشوع وحضور القلب؟
ج: الأظهر والله أعلم أنه لا حرج في ذلك إذا كان المقصود أن يستعين بذلك على الخشوع في صلاته، ويرتاح في صلاته ويطمئن قلبه؛ لأنه ما كل صوت يريح، فإذا كان قصده من الذهاب إلى صوت فلان أو فلان الرغبة في الخير وكمال الخشوع في صلاته فلا حرج في ذلك، بل قد يشكر على هذا ويؤجر على حسب نيته، والإنسان قد يخشع خلف إمام ولا يخشع خلف إمام بسبب الفرق بين القراءتين والصلاتين، فإذا كان قصد بذهابه إلى المسجد البعيد أن يستمع لقراءته لحسن صوته وليستفيد من ذلك وليخشع في صلاته لا لمجرد الهوى والتجول، بل لقصد الفائدة والعلم وقصد الخشوع في الصلاة، فلا حرج في ذلك وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «أعظم الناس أجرا في الصلاة(11/328)
أبعدهم فأبعدهم ممشى (1) » فإذا كان قصده أيضا زيادة الخطوات، فهذا أيضا مقصد صالح.
س: ما حكم التنقل بين المساجد فكل ليلة في مسجد طلبا لحسن الصوت؟.
ج: لا أعلم في هذا بأسا، وإن كنت أميل إلى أنه يلزم المسجد الذي يطمئن قلبه فيه ويخشع فيه؛ لأنه قد يذهب إلى مسجد آخر لا يحصل له فيه ما حصل في الأول من الخشوع والطمأنينة، فأنا أرجح حسب القواعد الشرعية أنه إذا وجد إماما يطمئن إليه ويخشع في صلاته وقراءته يلزم ذلك أو يكثر من ذلك معه، والأمر في ذلك واضح لا حرج فيه بحمد الله، فلو انتقل إلى إمام آخر لا نعلم فيه بأسا إذا كان قصده الخير وليس قصده شيئا آخر من رياء أو غيره، لكن الأقرب من حيث القواعد الشرعية أنه يلزم المسجد الذي فيه الخشوع والطمأنينة وحسن القراءة أو فيه تكثير المصلين بأسبابه إذا صلى فيه كثر المصلون بأسبابه يتأسون به، أو لأنه يفيدهم وليس عندهم من يفيدهم ويذكرهم بعض الأحيان، أو يلقي عليهم درسا، بمعنى أن يحصل لهم بوجوده فائدة، فإذا كان هكذا فكونه في هذا
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (614) واللفظ له، ورواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1064) .(11/329)
المسجد الذي فيه الفائدة منه أو من غيره، أو كونه أقرب إلى خشوع قلبه والطمأنينة وتلذذه بالصلاة فيه فكل هذا مطلوب.(11/330)
هل الأفضل للإمام أن يكمل
قراءة القرآن في صلاة التراويح (1)
س: هل الأفضل للإمام أن يكمل قراءة القرآن في صلاة التراويح؟
ج: الأمر في هذا واسع، ولا أعلم دليلا يدل على أن الأفضل أن يكمل القراءة، إلا أن بعض أهل العلم قال: يستحب أن يسمعهم جميع القرآن حتى يحصل للجماعة سماع القرآن كله، ولكن هذا ليس بدليل واضح، فالمهم أن يخشع في قراءته ويطمئن ويرتل ويفيد الناس ولو ما ختم، ولو ما قرأ إلا نصف القرآن أو ثلثي القرآن فليس المهم أن يختم وإنما المهم أن ينفع الناس في صلاته، وفي خشوعه وفي قراءته حتى يستفيدوا ويطمئنوا، فإن تيسر له أن يكمل القراءة فالحمد لله، وإن لم يتيسر كفاه ما فعل، وإن بقي عليه بعض الشيء؛ لأن
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/330)
عنايته بالناس وحرصه على خشوعهم وعلى إفادتهم أهم من كونه يختم، فإذا ختم بهم من دون مشقة وأسمعهم القرآن كله فهذا حسن.(11/331)
أفضلية ختم القرآن في رمضان (1)
س: هل يمكن أن يستفاد من مدارسة جبريل عليه السلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في رمضان أفضلية ختم القرآن؟
ج: يستفاد منها المدارسة وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دارس جبرائيل للاستفادة؛ لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله جل وعلا، وهو السفير بين الله والرسل.
فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي - صلى الله عليه وسلم - أشياء من جهة الله عز وجل، من جهة إقامة حروف القرآن ومن جهة معانيه التي أرادها الله، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن ومن يعينه على إقامة ألفاظه فهذا مطلوب، كما دارس - النبي صلى الله
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/331)
عليه وسلم - جبرائيل، وليس المقصود أن جبرائيل أفضل من النبي عليه الصلاة والسلام، لكن جبرائيل هو الرسول الذي أتى من عند الله فيبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمره الله به من جهة القرآن ومن جهة ألفاظه ومن جهة معانيه، فالرسول عليه الصلاة والسلام يستفيد من جبرائيل من هذه الحيثية، لا أن جبرائيل أفضل منه عليه الصلاة والسلام بل هو أفضل البشر، وأفضل من الملائكة عليه الصلاة والسلام، لكن المدارسة فيها خير كثير للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللأمة؛ لأنها مدارسة لما يأتي به من عند الله وليستفيد مما يأتي به من عند الله عز وجل.
وفيه فائدة أخرى وهي أن المدارسة في الليل أفضل من النهار؛ لأن هذه المدارسة كانت في الليل ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهارا.
وفيه أيضا من الفوائد: شرعية المدارسة وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان؛ لأن فيه فائدة لكل منهما ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس يستفيد كل منهم من أخيه ويشجعه على القراءة وينشطه، فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده لكن إذا كان معه زميل له يدارسه أو زملاء كان ذلك أشجع له وأنشط له مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة(11/332)
والمطالعة فيما قد يشكل عليهم كل ذلك فيه خير كثير.
ويمكن أن يفهم من ذلك أن قراءة القرآن كاملة من الإمام على الجماعة في رمضان نوع من هذه المدارسة؛ لأن في هذا إفادة لهم عن جميع القرآن، ولهذا كان الإمام أحمد رحمه الله يحب ممن يؤمهم أن يختم بهم القرآن، وهذا من جنس عمل السلف في محبة سماع القرآن كله، ولكن ليس هذا موجبا؛ لأن يعجل ولا يتأنى في قراءته، ولا يتحرى الخشوع والطمأنينة بل تحري هذه الأمور أولى من مراعاة الختمة.(11/333)
ختم القرآن
في التراويح والتهجد عمل حسن (1)
س: يحرص كثير من الأئمة على أن يختموا القرآن في التراويح والتهجد لإسماع الجماعة جميع القرآن فهل في ذلك حرج؟
ج: هذا عمل حسن فيقرأ الإمام كل ليلة جزءا أو أقل لكن في العشر الأخيرة يزيد حتى يختم القرآن ويكمله هذا إذا
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/333)
تيسر بدون مشقة، وهكذا دعاء الختم فعله الكثير من السلف الصالح، وثبت عن أنس - رضي الله عنه - خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله، وفي ذلك خير كثير والمشروع للجماعة أن يؤمنوا على دعاء الإمام رجاء أن يتقبل الله منهم، وقد عقد العلامة ابن القيم رحمه الله بابا في كتابه: " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " ذكر فيه حال السلف في العناية بختم القرآن فنوصي بمراجعته للمزيد من الفائدة.
س: الذي لا يتمكن من الختم يشعر بشيء من الألم فما رأيكم؟
ج: لا حرج في ذلك والأمر في هذا واسع والحمد لله إن ختم فهو أفضل حتى يسمع الجماعة جميع القرآن وحتى يفوز الجميع بالأجر العظيم في هذا الشهر الكريم، وإن حال حائل دون ذلك ولم يتيسر للإمام ختم القرآن فلا حرج في ذلك، والمشروع للإمام أن يراعي المأمومين ولا يشق عليهم ويرفق بهم، فإذا كانت الإطالة تشق عليهم تركها مراعاة لترغيبهم في الصلاة وعدم تركها، فإذا صلى بهم إحدى عشرة ركعة فهو أفضل أو ثلاث عشرة ركعة مع الترتيل والاطمئنان في الركوع والسجود فذلك أفضل من كثرة القراءة والركعات ومن صلاها عشرين أو أكثر فلا بأس، ولكن الاقتصار على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة أفضل؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحفظ(11/334)
عنه أنه زاد على ذلك كما قالت عائشة - رضي الله عنها -: «ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة (1) » الحديث متفق عليه.
وثبت عنها - رضي الله عنها - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - «صلى في بعض الليالي ثلاث عشرة ركعة (2) » ، وقد صلى الصحابة - رضي الله عنهم - في عهد عمر - رضي الله عنه - ثلاثا وعشرين ركعة، وصلوا في بعض الليالي إحدى عشرة ركعة وذلك يدل على التوسعة وعدم الحرج.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1147) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1219) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23307) .
(2) صحيح البخاري الأذان (698) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (763) ، سنن الترمذي الصلاة (442) ، مسند أحمد بن حنبل (1/343) .(11/335)
س: ما رأيكم حفظكم الله ونفع بعلومكم فيما يفعله بعض الأئمة من تخصيص قدر معين من القرآن لكل ركعة ولكل ليلة؟
ج: لا أعلم في هذا شيئا؛ لأن الأمر يرجع إلى اجتهاد الإمام فإذا رأى أن من المصلحة أن يزيد في بعض الليالي أو بعض الركعات لأنه أنشط، ورأى من نفسه قوة في ذلك، ورأى من نقسه تلذذا بالقراءة فزاد بعض الآيات لينتفع وينتفع من خلفه، فإنه إذا حسن صوته وطابت نفسه بالقراءة وخشع فيها ينتفع هو ومن وراءه، فإذا زاد بعض الآيات في بعض الركعات(11/335)
أو في بعض الليالي فلا نعلم فيه بأسا، والأمر واسع بحمد الله تعالى.(11/336)
مراعاة حال الضعفاء من
كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح (1)
س: هل ينبغي للإمام مراعاة حال الضعفاء من كبار السن ونحوهم في صلاة التراويح؟
ج: هذا أمر مطلوب في جميع الصلوات، في التراويح وفي الفرائض لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أيكم أم الناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والصغير وذا الحاجة (2) » فالإمام يراعي المأمومين ويرفق بهم في قيام رمضان، وفي العشر الأخيرة، وليس الناس سواء، فالناس يختلفون فينبغي له أن يراعي أحوالهم ويشجعهم على المجيء وعلى الحضور؛ فإنه
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (622) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (714، 716) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (674) ، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7343) .(11/336)
متى أطال عليهم شق عليهم ونفرهم من الحضور، فينبغي له أن يراعي ما يشجعهم على الحضور ويرغبهم في الصلاة ولو بالاختصار وعدم التطويل، فصلاة يخشع فيها الناس ويطمئنون فيها ولو قليلا خير من صلاة يحصل فيها عدم الخشوع ويحصل فيها الملل والكسل.(11/337)
ضابط عدم التطويل في الصلاة (1)
س: ما الضابط في عدم التطويل فبعض الناس يشكون من التطويل؟
ج: العبرة بالأكثرية والضعفاء، فإذا كان الأكثرية يرغبون في الإطالة بعض الشيء وليس فيهم من يراعى من الضعفة والمرضى أو كبار السن فإنه لا حرج في ذلك، وإذا كان فيهم الضعيف من المرضى أو من كبار السن، فينبغي للإمام أن ينظر إلى مصلحتهم.
ولهذا جاء في حديث عثمان بن أبي العاص قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقتد بأضعفهم (2) » وفي
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) رواه النسائي في (الأذان) برقم (666) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (447) ، والإمام أحمد في (مسند المدنيين) برقم (15679) .(11/337)
الحديث الآخر: «فإن وراءه الضعيف والكبير (1) » كما تقدم، فالمقصود أنه يراعي الضعفاء من جهة تخفيف القراءة والركوع والسجود وإذا كانوا متقاربين يراعي الأكثرية.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10118) .(11/338)
الفرق بين التراويح والقيام
والإطالة في العشر الأواخر (1)
س: هل هناك فرق بين التراويح والقيام؟ وهل من دليل على تخصيص العشر الأواخر بطول القيام والركوع والسجود؟
ج: الصلاة في رمضان كلها تسمى قياما كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (2) » فإذا قام ما تيسر منه مع الإمام سمي قياما، ولكن في العشر
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7729) ، البخاري في (الإيمان) برقم (37) .(11/338)
الأخيرة يستحب الإطالة؛ لأنه يشرع إحياؤها بالصلاة والقراءة والدعاء؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام «كان يحيي الليل كله في العشر الأخيرة» ، ولهذا شرعت الإطالة فيها كما أطال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه «قرأ في بعض الليالي بالبقرة والنساء وآل عمران في ركعة واحدة» ، فالمقصود أنه عليه الصلاة والسلام كان يطيل في العشر الأخيرة ويحييها؛ فلهذا شرع للناس إحياؤها والإطالة فيها حتى يتأسوا به - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف العشرين الأول، فإنه ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يحييها كان يقوم وينام عليه الصلاة والسلام كما جاء ذلك في الأحاديث، أما في العشر الأخيرة فكان عليه الصلاة والسلام يحيي الليل كله، ويوقظ أهله، ويشد المئزر عليه الصلاة والسلام، ولأن فيها ليلة مباركة، ليلة القدر.(11/339)
جواز حمل الإمام المصحف يقرأ منه (1)
س: ما حكم حمل الإمام للمصحف؟
ج: لا بأس بهذا على الراجح، وفيه خلاف بين أهل
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/339)
العلم، لكن الصحيح أنه لا حرج أن يقرأ من المصحف إذا كان لم يحفظ، أو كان حفظه ضعيفا وقراءته من المصحف أنفع للناس وأنفع له فلا بأس بذلك. وقد ذكر البخاري رحمه الله تعليقا في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - أنه كان مولاها ذكوان يصلي بها في الليل من المصحف (1) .
والأصل جواز هذا، ولكن أثر عائشة يؤيد ذلك أما إذا تيسر الحافظ فهو أولى؛ لأنه أجمع للقلب، وأقل للعبث؛ لأن حمل المصحف يحتاج وضع ورفع وتفتيش الصفحات فيصار إليه عند الحاجة، وإذا استغنى عنه فهو أفضل.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) باب إمامة العبد والمولى.(11/340)
حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (1)
س: ما حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟
ج: لا أعلم لهذا أصلا، والأظهر أن يخشع ويطمئن ولا يأخذ مصحفا، بل يضع يمينه على شماله كما هي السنة، يضع
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/340)
يده اليمنى على كفه اليسرى الرسغ والساعد ويضعهما على صدره، هذا هو الأرجح والأفضل، وأخذ المصحف يشغله عن هذه السنن ثم قد يشغل قلبه وبصره في مراجعة الصفحات والآيات وعن سماع الإمام، فالذي أرى أن ترك ذلك هو السنة، وأن يستمع وينصت ولا يستعمل المصحف، فإن كان عنده علم فتح على إمامه وإلا فتح غيره من الناس، ثم لو قدر أن الإمام غلط ولم يفتح عليه ما ضر ذلك في غير الفاتحة، إنما يضر في الفاتحة خاصة؛ لأن الفاتحة ركن لا بد منها، أما لو ترك بعض الآيات من غير الفاتحة ما ضره ذلك إذا لم يكن وراءه من ينبهه. ولو كان واحد يحمل المصحف على الإمام عند الحاجة، فلعل هذا لا بأس به، أما أن كل واحد يأخذ مصحفا فهذا خلاف السنة.(11/341)
س: بعض المأمومين يتابعون الإمام في المصحف أثناء قراءته، فهل في ذلك حرج؟
ج: الذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا والأولى الإقبال على الصلاة والخشوع ووضع اليدين على الصدر متدبرين لما يقرأه الإمام لقول الله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1) وقوله سبحانه:
__________
(1) سورة الأعراف الآية 204(11/341)
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا (3) » .
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) رواه النسائي في (الافتتاح) برقم (912) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة) برقم (837) ، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (8534) .(11/342)
رفع الصوت بالبكاء (1)
س: ما رأي سماحتكم في ظاهرة ارتفاع الأصوات بالبكاء؟
ج: لقد نصحت كثيرا ممن اتصل بي بالحذر من هذا الشيء، وأنه لا ينبغي لأن هذا يؤذي الناس ويشق عليهم ويشوش على المصلين وعلى القارئ، فالذي ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن لا يسمع صوته بالبكاء، وليحذر من الرياء، فإن الشيطان قد يجره إلى الرياء، فينبغي له أن لا يؤذي أحدا بصوته ولا يشوش عليهم، ومعلوم أن بعض الناس ليس ذلك
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/342)
باختياره بل يغلب عليه من غير قصد وهذا معفو عنه إذا كان بغير اختياره، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه «إذا قرأ يكون لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء (1) » . وجاء في قصة أبي بكر - رضي الله عنه - أنه كان إذا قرأ لا يسمع الناس من البكاء، وجاء عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف، ولكن هذا ليس معناه أنه يتعمد رفع صوته بالبكاء، وإنما شيء يغلب عليه من خشية الله عز وجل. فإذا غلبه البكاء من غير قصد فلاحرج عليه في ذلك.
__________
(1) سنن النسائي السهو (1214) ، سنن أبو داود الصلاة (904) ، مسند أحمد بن حنبل (4/25) .(11/343)
ترديد الإمام لبعض
آيات الرحمة أو العذاب (1)
س: ما حكم ترديد الإمام لبعض آيات الرحمة أو العذاب؟
ج: لا أعلم في هذا بأسا لقصد حث الناس على التدبر والخشوع والاستفادة، فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه ردد قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) سورة المائدة الآية 118(11/343)
رددها كثيرا عليه الصلاة والسلام، فالحاصل أنه إذا كان لقصد صالح لا لقصد الرياء فلا مانع من ذلك، لكن إذا كان يرى أن ترديده لذلك قد يزعجهم ويحصل به أصوات مزعجة من البكاء فترك ذلك أولى حتى لا يحصل تشويش، أما إذا كان ترديد ذلك لا يترتب عليه إلا خشوع وتدبر وإقبال على الصلاة فهذا كله خير.(11/344)
ترديد الإمام آيات الصفات (1)
س: ما حكم ترديد آيات الصفات؟
ج: لا أعلم في هذا شيئا منقولا؛ لأن الذي نقل عن النبي عليه الصلاة والسلام ليس فيه تفصيل بين آيات الصفات وغيرها فيما نعلم، فقد يكون البكاء والخشوع عندها، فآيات الصفات لا شك أنها مما يؤثر ويستدعي البكاء؛ لأنه يتذكر عظمة الله وعظيم إحسانه، فيبكى مثل قوله جل وعلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} (2)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) سورة الأعراف الآية 54(11/344)
الآية. فإنه إذا تدبرها أوجب له ذلك البكاء والخشوع من خشية الله جل وعلا، وهكذا ما أشبهها من الآيات مثل قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (1) {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (2) إلى آخر السورة، كل هذه الآيات مما يسبب البكاء، لتذكره عظمة الله وكمال إحسانه وصفاته إلى عباده، وكمال معاني هذه الصفات فيؤثر عليه ما يسبب البكاء، فالتدبر للآيات التي فيها أسماء الله وصفاته مهم جدا كتدبر الآيات التي فيها ذكر الجنة والنار، وفيها ذكر الرحمة والعذاب، وكان عليه الصلاة والسلام «إذا مرت به آية التسبيح سبح في صلاة الليل، وإذا مرت به آية وعيد استعاذ، وإذا مرت به آيات الوعد دعا» ، روى ذلك حذيفة - رضي الله عنه - عنه عليه الصلاة والسلام وهذا من فعله عليه الصلاة والسلام وسنته الدعاء عند آيات الرجاء، والتعوذ عند آيات الخوف، والتسبيح عند آيات أسماء الله وصفاته.
__________
(1) سورة الحشر الآية 22
(2) سورة الحشر الآية 23(11/345)
البكاء عند الدعاء وعند القراءة(11/345)
س: ما حكم من يبكي في الدعاء ولا يبكي عند سماع كلام الله تعالى؟
ج: هذا ليس باختياره فقد تتحرك نفسه في الدعاء ولا تتحرك في بعض الآيات، لكن ينبغي له أن يعالج نفسه ويخشع في قراءته أعظم مما يخشع في دعائه؛ لأن الخشوع في القراءة أهم، وإذا خشع في القراءة وفي الدعاء كان ذلك كله طيبا، لأن الخشوع في الدعاء أيضا من أسباب الإجابة، لكن ينبغي أن تكون عنايته بالقراءة أكثر؛ لأنه كلام الله فيه الهدى والنور، كان النبي عليه الصلاة والسلام يتدبر ويتعقل، وهكذا الصحابة - - رضي الله عنهم - وأرضاهم - ويبكون عند تلاوته ولهذا لما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «اقرأ علي القرآن. قال عبد الله: كيف أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأ عليه أول سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى:
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (3595) و (4107) ، والبخاري في (فضائل القرآن) برقم (5050) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (800) .(11/346)
قال حسبك، قال ابن مسعود: فالتفت إليه أو قال: فرفعت رأسي إليه فإذا عيناه تذرفان (1) » .
يعني يبكي، وظاهره أنه يبكي بكاء ليس فيه صوت، وإنما عرف ذلك بوجود الدمع. كذلك حديث عبد الله بن الشخير أنه «سمع لصدره - صلى الله عليه وسلم - أزيزا كأزيز المرجل من البكاء (2) » ، فهذا يدل على أنه قد يحصل له صوت لكنه ليس بمزعج.
__________
(1) سورة النساء الآية 41 (1) {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}
(2) سنن النسائي السهو (1214) ، سنن أبو داود الصلاة (904) ، مسند أحمد بن حنبل (4/25) .(11/347)
حكم التباكي (1)
س: ما حكم التباكي؟ وعن صحة ما ورد في ذلك؟
ج: ورد في بعض الأحاديث: «إن لم تبكوا فتباكوا (2) » ولكن لا أعلم صحته، وقد رواه أحمد، ولكن لا أتذكر لأن
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1337) .(11/347)
صحة الزيادة المذكورة، وهي: «فإن لم تبكوا فتباكوا (1) » إلا أنه مشهور على ألسنة العلماء، لكن يحتاج إلى مزيد عناية، لأني لا أذكر الآن حال سنده والأظهر أنه لا يتكلف، بل إذا حصل بكاء فليجاهد نفسه على أن لا يزعج الناس بل يكون بكاء خفيفا ليس فيه إزعاج لأحد حسب الطاقة والإمكان.
__________
(1) رواه ابن ماجه في (إقامة الصلاة) برقم (1327) باب في حسن الصوت بالقرآن، وفي (الزهد) برقم (4186) .(11/348)
معنى التغني بالقرآن (1)
س: ما معنى التغني بالقرآن؟
ج: جاء في السنة الصحيحة الحث على التغني بالقرآن، يعني تحسين الصوت به، وليس معناه أن يأتي به كالغناء، وإنما المعنى تحسين الصوت بالتلاوة، ومنه الحديث الصحيح: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به (2) » وحديث: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به (3) » ومعناه
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) رواه البخاري في (التوحيد) برقم (6989) واللفظ له، ورواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1319) .
(3) رواه البخاري في (التوحيد) برقم (6973) .(11/348)
تحسين الصوت بذلك كما تقدم.
ومعنى الحديث المتقدم " ما أذن الله " أي ما استمع الله " كإذنه " أي كاستماعه، وهذا استماع يليق بالله لا يشابه صفات خلقه مثل سائر الصفات، يقال في استماعه سبحانه وإذنه مثل ما يقال في بقية الصفات على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى، لا شبيه له في شيء سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) والتغني الجهر به مع تحسين الصوت والخشوع فيه حتى يحرك القلوب؛ لأن المقصود تحريك القلوب بهذا القرآن حتى تخشع وحتى تطمئن وحتى تستفيد، ومن هذا قصة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - لما «مر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ فجعل يستمع له عليه الصلاة والسلام وقال: لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود (3) » .
ولم ينكر عليه النبي عليه الصلاة والسلام ذلك، فدل على أن تحبير الصوت وتحسين
__________
(1) سورة الشورى الآية 11
(2) صحيح البخاري فضائل القرآن (5048) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (793) ، سنن الترمذي المناقب (3855) .
(3) (2) ، فلما جاء أبو موسى أخبره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك قال أبو موسى: لو علمت يا رسول الله أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيرا(11/349)
الصوت والعناية بالقراءة أمر مطلوب ليخشع القارئ والمستمع ويستفيد هذا وهذا.(11/350)
أقل مدة يختم فيها القرآن (1)
س: ما أقل مدة يختم فيها القرآن؟
ج: ليس فيه حد محدود إلا أن الأفضل أن لا يقرأه في أقل من ثلاث كما في حديث عبد الله بن عمرو: «لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث (2) » .
فالأفضل أن يتحرى في قراءته الخشوع والترتيل والتدبر، وليس المقصود العجلة، بل المقصود أن يستفيد وينبغي أن يكثر القراءة في رمضان كما فعل السلف - رضي الله عنهم -، ولكن مع التدبر والتعقل، فإذا ختم في كل ثلاث فحسن، وبعض السلف قال: إنه يستثنى من ذلك أوقات الفضائل، وأنه لا بأس أن يختم كل ليلة أو في كل يوم
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .
(2) رواه أبو داود في (الصلاة) برقم (1182) واللفظ له، والترمذي في (القراءات) برقم (2873) ، والإمام أحمد في (مسند المكثرين) برقم (6546) .(11/350)
كما ذكروا هذا عن الشافعي، وعن غيره، ولكن ظاهر السنة أنه لا فرق بين رمضان وغيره، وأنه ينبغي له أن لا يعجل وأن يطمئن في قراءته، وأن يرتل كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمرو فقال: «اقرأه في سبع (1) » هذا آخر ما أمره به وقال: «لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث (2) » ولم يقل إلا في رمضان، فحمل بعض السلف هذا على غير رمضان محل نظر، والأقرب - والله أعلم - أن المشروع للمؤمن أن يعتني بالقرآن ويجتهد في إحسان قراءته وتدبر القرآن والعناية بالمعاني ولا يعجل، والأفضل أن لا يختم في أقل من ثلاث، هذا هو الذي ينبغي حسب ما جاءت به السنة، ولو في رمضان.
__________
(1) صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن (5052) ، صحيح مسلم الصيام (1159) ، سنن أبو داود الصلاة (1390) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1346) .
(2) رواه أبو داود في (الصلاة) برقم (1182) واللفظ له، والترمذي في (القراءات) برقم (2873) ، والإمام أحمد في (مسند المكثرين) برقم (6546) .(11/351)
تحديد الإمام أجرة لصلاته بالناس التراويح (1)
س: ما حكم تحديد الإمام أجرة لصلاته بالناس خصوصا إذا كان يذهب لمناطق بعيدة ليصلي بهم التراويح؟
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/351)
ج: التحديد ما ينبغي، وقد كرهه جمع من السلف، فإذا ساعدوه بشيء غير محدد فلا حرج في ذلك. أما الصلاة فصحيحة لا بأس بها إن شاء الله ولو حددوا له مساعدة؛ لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، لكن ينبغي أن لا يفعل ذلك وأن تكون المساعدة بدون مشارطة، هذا هو الأفضل والأحوط كما قاله جمع من السلف رحمة الله عليهم. وقد يستأنس لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -: «واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا (1) » . واذا كان هذا في المؤذن فالإمام أولى.
والمقصود أن المشارطة في الإمامة غير لائقة وإذا ساعده الجماعة بما يعينه على أجرة السيارة فهذا حسن من دون مشارطة.
__________
(1) رواه الخمسة، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم. ذكر ذلك الحافظ في (البلوغ) .(11/352)
المداومة على قراءة
بعض سور القرآن في صلاه التهجد
. (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/352)
س: ما حكم المداومة على قراءة (سبح اسم ربك الأعلى) و (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) في الركعات الثلاث الأخيرة من صلاة التهجد. وعن ما ورد من قراءة السور الثلاث الأخيرة من القرآن في الركعة الأخيرة التي يوتر بها؟ .
ج: هذا هو الأفضل لكن إذا تركه بعض الأحيان ليعلم الناس أنه ليس بواجب فحسن، وإلا فالأفضل التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يقرأ بـ: (سبح) و (الكافرون) و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) في الثلاث التي يوتر بها. لكن إذا تركها الإنسان بعض الأحيان ليعلم الناس أنه ليس بلازم مثل ما قال بعض السلف في ترك قراءة سورة (السجدة) ، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (2) في بعض الأحيان في صلاة الفجر يوم الجمعة من باب إشعار الناس أنها ليست بلازمة، وإلا فالسنة قراءتهما في
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإنسان الآية 1(11/353)
صلاة الفجر في كل جمعة لكن إذا تركها الإمام بعض الأحيان ليعلم الناس أن هذا ليس بواجب، فهذا لا بأس به مثل ترك قراءة (سبح) و (الكافرون) و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (1) في الثلاث التي يوتر بها كما تقدم؛ ليعلم الناس أن قراءتها ليست بواجبة، لكن الأفضل أن يكثر من قراءتها، ويكون الغالب عليه ذلك، وأما ما ورد من قراءة السور الثلاث الأخيرة من القرآن فضعيف، والمحفوظ أن يقرأ بعد الفاتحة سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2) فقط في الركعة التي يوتر بها.
__________
(1) سورة الإخلاص الآية 1
(2) سورة الإخلاص الآية 1(11/354)
حكم دعاء ختم القرآن (1)
س: ما حكم دعاء ختم القرآن؟
ج: لم يزل السلف يختمون القرآن ويقرءون دعاء الختمة في صلاة رمضان، ولا نعلم في هذا نزاعا بينهم، فالأقرب في مثل هذا أنه يقرأ لكن لا يطول على الناس، ويتحرى الدعوات المفيدة والجامعة مثل ما قالت عائشة رضي الله
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/354)
عنها: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحب جوامع الدعاء، ويدع ما سوى ذلك (1) » .
فالأفضل للإمام في دعاء ختم القرآن والقنوت تحري الكلمات الجامعة وعدم التطويل على الناس يقرأ: (اللهم اهدنا فيمن هديت) الذي ورد في حديث الحسن في القنوت ويزيد معه ما يتيسر من الدعوات الطيبة كما زاد عمر ولا يتكلف ولا يطول على الناس ولا يشق عليهم، وهكذا في دعاء ختم القرآن يدعو بما يتيسر من الدعوات الجامعة، يبدأ ذلك بحمد الله، والصلاة على نبيه عليه الصلاة والسلام ويختم فيما يتيسر من صلاة الليل أو في الوتر ولا يطول على الناس تطويلا يضرهم ويشق عليهم.
وهذا معروف عن السلف تلقاه الخلف عن السلف، وهكذا كان مشائخنا مع تحريهم للسنة وعنايتهم بها يفعلون ذلك، تلقاه آخرهم عن أولهم، ولا يخفى على أئمة الدعوة ممن يتحرى السنة ويحرص عليها. فالحاصل أن هذا لا بأس به إن شاء الله ولا حرج فيه بل هو مستحب لما فيه من تحري إجابة الدعاء بعد تلاوة كتاب الله عز وجل، وكان أنس - رضي الله عنه - إذا أكمل القرآن جمع أهله ودعا في خارج الصلاة، فهكذا في الصلاة، فالباب واحد؛ لأن الدعاء مشروع في الصلاة وخارجها وجنس الدعاء مما يشرع في الصلاة فليس بمستنكر.
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (1482) ، مسند أحمد بن حنبل (6/189) .(11/355)
ومعلوم أن الدعاء في الصلاة مطلوب عند قراءة آية العذاب وعند آية الرحمة يدعو الإنسان عندها كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل، فهذا مثل ذلك مشروع بعد ختم القرآن، وإنما الكلام إذا كان في داخل الصلاة، أما في خارج الصلاة فلا أعلم نزاعا في أنه مستحب الدعاء بعد ختم القرآن، لكن في الصلاة هو الذي حصل فيه الإثارة الآن والبحث فلا أعلم عن السلف أن أحدا أنكر هذا في داخل الصلاة، كما أني لا أعلم أحدا أنكره خارج الصلاة، هذا هو الذي يعتمد عليه في أنه أمر معلوم عند السلف قد درج عليه أولهم وآخرهم، فمن قال: إنه منكر فعليه الدليل، وليس على من فعل ما فعله السلف، وإنما إقامة الدليل على من أنكره وقال: إنه منكر أو إنه بدعة، هذا ما درج عليه سلف الأمة وساروا عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم وفيهم العلماء والأخيار والمحدثون، وجنس الدعاء في الصلاة معروف من النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الليل؛ فينبغي أن يكون هذا من جنس ذاك.(11/356)
موضع دعاء ختم القرآن
هل هو قبل الركوع أم بعده (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/356)
س: ما موضع دعاء ختم القرآن؟ وهل هو قبل الركوع أم بعد الركوع؟
ج: الأفضل أن يكون بعد أن يكمل المعوذتين فإذا أكمل القرآن يدعو سواء في الركعة الأولى أو في الثانية أو في الأخيرة، يعني بعد ما يكمل قراءة القرآن يبدأ في الدعاء بما يتيسر في أي وقت من الصلاة في الأولى منها أو في الوسط أو في آخر ركعة. كل ذلك لا بأس به، المهم أن يدعو عند قراءة آخر القرآن، والسنة أن لا يطول وأن يقتصر على جوامع الدعاء في القنوت وفي دعاء ختم القرآن.
وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قنت قبل الركوع، وقنت بعد الركوع» ، والأكثر أنه قنت بعد الركوع، ودعاء ختم القرآن من جنس القنوت في الوتر؛ لأن أسبابه الانتهاء من ختم القرآن والشيء عند وجود سببه يشرع فيه القنوت عند وجود(11/357)
سببه وهو الركعة الأخيرة بعدما يركع وبعدما يرفع من الركوع لفعل النبي عليه الصلاة والسلام، وأسباب الدعاء في ختم القرآن هو نهاية القرآن؛ لأنه نعمة عظيمة أنعم الله بها على العبد فهو أنهى كتاب الله وأكمله، فمن هذه النعمة أن يدعو الله أن ينفعه بهدي كتابه وأن يجعله من أهله، وأن يعينه على ذكره وشكره وأن يصلح قلبه وعمله؛ لأنه بعد عمل صالح كما يدعو في آخر الصلاة بعد نهايتها من دعوات عظيمة قبل أن يسلم بعد أن من الله عليه بإكمال الصلاة وإنهائها، وهكذا في الوتر يدعو في القنوت بعد إنهاء الصلاة وإكمالها.(11/358)
حكم تخصيص
دعاء معين لختم القرآن (1)
س: هل هناك دعاء معين لختم القرآن؟ وما صحة الدعاء المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؟
ج: لم يرد دليل على تعيين دعاء معين فيما نعلم ولذلك
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/358)
يجوز للإنسان أن يدعو بما شاء ويتخير من الأدعية النافعة كطلب مغفرة الذنوب، والفوز بالجنة والنجاة من النار، والاستعاذة من الفتن، وطلب التوفيق لفهم القرآن الكريم على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، والعمل به وحفظه ونحو ذلك؛ لأنه ثبت عن أنس - رضي الله عنه - أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو.
أما النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عنه شيء في ذلك فيما أعلم.
أما الدعاء المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فلا أعلم صحة هذه النسبة إليه، ولكنها مشهورة بين مشائخنا وغيرهم، ولكنني لم أقف على ذلك في شيء من كتبه، والله أعلم.(11/359)
تتبع الختمات في المساجد (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/359)
س: ما حكم تتبع الختمات في المساجد؟
ج: هذا له أسبابه، فإذا كانت رجاء قبول الدعاء لأن الله جل وعلا قد وعد بالإجابة وقد يجاب هذا ولا يجاب هذا، فالذي ينتقل إلى المساجد إذا كان قصده خيرا لعله يدخل في هؤلاء المستجاب لهم يرجو أن الله يجيبهم ويكون معهم فلا حرج في ذلك إذا كان بنية صالحة وقصد صالح، رجاء أن ينفعه الله بذلك ويقبل دعاءهم وهو معهم.(11/360)
حكم السفر إلى مكة والمدينة لقصد حضور الختمة (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/360)
س: ما حكم السفر إلى مكة والمدينة لقصد حضور الختمة؟
ج: السفر إلى مكة أو المدينة قربة وطاعة، للعمرة أو للصلاة في المسجد الحرام أو للصلاه في المسجد النبوي في رمضان وفي غيره بإجماع المسلمين ولا حرج في هذا؛ لأن حضور الختمة ضمن الصلاة في الحرمين وقد يكون معه عمرة فهو خير يجر إلى خير.(11/361)
حكم سفر الإمام للعمرة بعد ختم القرآن (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/361)
س: ما رأي سماحتكم فيما يقوم به بعض الأئمة من التوكيل لمن يقوم مقامه في الصلاة في آخر رمضان بعد ختم القرآن من أجل العمرة؟
ج: الذي يظهر لي التوسعة في هذا وعدم التشديد ولا سيما إذا تيسر نائب صالح يكون في قراءته وصلاته مثل الإمام أو أحسن من الإمام، فالأمر في هذا واسع جدا والمقصود أنه إذا اختار لهم إماما صالحا ذا صوت حسن وقراءة حسنة فلا بأس، أما كونه يعجل في صلاته أو يعجل في ختمته على وجه يشق عليهم من أجل العمرة فهذا لا ينبغي له، بل ينبغي له أن يصلي صلاة راكدة فيها الطمأنينة وفيها الخشوع، ويقرأ قراءة لا تشق عليهم، ولو لم يعتمر ولو لم يختم أيضا لما في ذلك من المصلحة العامة لجماعته ولمن يصلي خلفه.(11/362)
أيهما أفضل في نهار رمضان قراءة القرآن أم صلاة التطوع (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/362)
س: أيهما أفضل في نهار رمضان قراءة القرآن أم صلاة التطوع؟
ج: كان من هديه - صلى الله عليه وسلم - في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات وكان جبريل يدارسه القرآن ليلا، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف، هذا هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب، وفي هذا الشهر الكريم.
أما المفاضلة بين قراءة القارئ وصلاة المصلي تطوعا فتختلف باختلاف أحوال الناس، وتقدير ذلك راجع إلى الله عز وجل؛ لأنه بكل شيء محيط.(11/363)
أيهما أفضل قراءة القرآن أم استماعه عبر الأشرطة المسجلة (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته المنشورة في رسالة: (الجواب الصحيح من أحكام صلاة الليل والتراويح) .(11/363)
س: أيهما أفضل قراءة القرآن أم الاستماع إلى أحد القراء عبر الأشرطة المسجلة؟
ج: الأفضل أن يعمل بما هو أصلح لقلبه وأكثر تأثيرا فيه من القراءة أو الاستماع؛ لأن المقصود من القراءة هو التدبر والفهم للمعنى والعمل بما يدل عليه كتاب الله عز وجل كما قال الله سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) وقال عز وجل {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (2) الآية. وقال سبحانه {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (3) الآية.
__________
(1) سورة ص الآية 29
(2) سورة الإسراء الآية 9
(3) سورة فصلت الآية 44(11/364)
تنبيه هام حول كيفية صلاة التراويح (1)
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته بتاريخ 19\9\1414 هـ.(11/364)
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فقد بلغني أن بعض أئمة المساجد وفقهم الله في هذه الليالي يصلون في التراويح أربعا جميعا بسلام واحد، ثم أربعا جميعا بسلام واحد، وبلغني أن بعضهم يصلي الثمان جميعا بسلام واحد. ويعتقدون أن ذلك هو مراد عائشة - رضي الله عنها - حين قالت في الحديث الصحيح: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - «يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا (1) » الحديث.
وهذا الفهم خلاف الصواب وخلاف السنة، والصواب أن مرادها أنه يصلي أربعا يسلم من كل ثنتين، وإنما أرادت بذلك وصفهن بالحسن والطول لا أنهن بسلام واحد، والدليل على
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1147) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1219) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23307) .(11/365)
ذلك ما ثبت عنها في الصحيحين - رضي الله عنها - قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - «يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة (1) » وأحاديثها يفسر بعضها بعضا.
ولا يجوز أن يفسر ما أجمل من حديثها بغير ما فسر منه، ويدل على ذلك أيضا ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (2) » فهذا الخبر من النبي - صلى الله عليه وسلم - معناه الأمر، والمعنى صلوا بالليل اثنتين اثنتين.
فالمشروع للمؤمن والمؤمنة في صلاة الليل التقيد بما أوضحته السنة والحذر مما يخالف ذلك، ولا يخفى ما في السلام من كل اثنتين من التيسير والتسهيل على الجماعة وعدم المشقة عليهم مع موافقة السنة.
لكن لو أراد الرجل أو المرأة الإتيان بثلاث جميعا بسلام
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (24791) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (1211) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1334) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (991) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .(11/366)
واحد وجلوس واحد أو خمس جميعا بسلام واحد، فلا بأس بذلك؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفعل ذلك في بعض الأحيان، وهكذا لو أوتر بسبع جميعا بسلام واحد فلا بأس، وإن أوتر بسبع وجلس في السادسة، وأتى بالتشهد الأول ثم قام إلى السابعة فلا بأس، لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل هذا وهذا.
وهكذا لو أوتر بتسع جميعا وجلس في الثامنة وأتى بالتشهد الأول ثم قام إلى التاسعة فلا بأس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك.
ولكن الأفضل والأكمل أن يسلم من كل ثنتين كما تقدم، ولا يجوز أن يوتر بثلاث كالمغرب حيث يجلس في الثانية، وإن تشهد التشهد الأول ثم يقوم إلى الثالثة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يشبه الوتر بالمغرب، ولوجوب النصيحة وبيان السنة والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى جرى تحريره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء.(11/367)
التهجد في رمضان وغيره يكون بعد سنة العشاء الراتبة (1)
__________
(1) من الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/367)
س: الأخ ص. م. ح. يقول في سؤاله: عند الانتهاء من صلاة العشاء يقوم المصلون لأداء السنة قبل البدء في صلاة التراويح والسؤال يا سماحة الشيخ لماذا لا يشرع الإمام في صلاة التراويح بعد الاستغفار والتهليل والتسبيح بدون أداء ركعتي السنة؟
ج: السنة أن يكون التهجد في رمضان وغيره بعد سنة العشاء الراتبة كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك.
ولا فرق في ذلك بين كون التهجد في المسجد أو في البيت. وفق الله الجميع.(11/368)
حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ركعات التراويح (1)
__________
(1) من ضمن الأجوبة التي صدرت من مكتب سماحته عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية.(11/368)
س: السائل ص. م. ح. من المملكة العربية السعودية، يسأل ويقول: ما حكم رفع الصوت بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والترضي عن الخلفاء الراشدين بين ركعات التراويح؟
ج: لا أصل لذلك - فيما نعلم - من الشرع المطهر، بل هو من البدع المحدثة، فالواجب تركه، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو اتباع الكتاب والسنة، وما سار عليه سلف الأمة، والحذر مما خالف ذلك.(11/369)
لا إعادة لسنة الفجر إذا كان الأذان بعد طلوع الفجر (1)
س: دخلت المسجد في صلاة الصبح وصليت ركعتين، وعند قيامي للركعة الثانية قام المؤذن يؤذن للصلاة، وقد نويت في صلاتي تلك أنها سنة الصبح، حيث قمت من منزلي وهو يؤذن في بعض المساجد، وعندما فرغت من
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) ، العدد (11053) في 13\5\1415 هـ.(11/369)
صلاتي جلست اقرأ القرآن، فقال لي شخص بجانبي: قم صل سنة الصبح، فقلت له: إنني صليتها. فقال: لا يجوز ذلك إلا أن تصلي مرة أخرى حيث المؤذن أذن وأنت تصلي. أرجو إفادتي عن ذلك؟
ج: إذا كان المؤذن الذي أذن وأنت تصلي سنة الفجر قد أخر الأذان وصادف فعلك لها بعد طلوع الفجر فقد أديت السنة ويكفي ذلك ولا حاجة أن تعيدها، أما إذا كنت تشك في ذلك ولا تعلم هل المؤذن الذي أذن وأنت في الصلاة هل أذانه بعد الصبح أو عند طلوع الفجر، فالأحوط لك والأفضل أن تعيد الركعتين، حتى تكون أديتهما بعد طلوع الفجر يقينا.(11/370)
إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1)
س: هناك من يدخل والصلاة تقام ولكنه يعرف من الإمام أنه يطيل في الركعة الأولى فيصلي ركعتي الفجر قبل أن يدخل مع الإمام فما حكم ذلك؟
ج: هذا لا يجوز؛ لأن السنة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على أن المأموم إذا دخل والإمام قد دخل
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/370)
في الصلاة أن يصف ولا يصلي راتبة الفجر ولا غيرها بل يصف مع الإمام لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1) » خرجه مسلم في صحيحه، فالواجب على من دخل والإمام قد أقام الصلاة أن يصلي مع الإمام ويؤجل السنة إلى ما بعد الصلاة أو بعد طلوع الشمس، أما أن يصليها والإمام يصلي فهذا لا يجوز للحديث المذكور.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (9563) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (710) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1266) .(11/371)
س: الأخ ع. ع. س. يقول في سؤاله: أرى بعض المصلين وخاصة من إخواننا الباكستانيين إذا دخل المسجد لصلاة الفجر والإمام قد شرع في الصلاة فإنه لا يدخل معه مباشرة، وإنما يصلي ركعتي الفجر قبل الدخول معه، فما حكم فعلهم هذا جزاكم الله خيرا؟
ج: هذا الفعل لا يجوز والواجب على من دخل المسجد والإمام قد شرع في الصلاة أن يدخل معه. ولا يجوز له أن يشتغل بتحية المسجد ولا بالراتبة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1) » لما خرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (710) ، سنن الترمذي الصلاة (421) ، سنن النسائي الإمامة (865) ، سنن أبو داود الصلاة (1266) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1151) ، مسند أحمد بن حنبل (2/455) ، سنن الدارمي الصلاة (1448) .(11/371)
ولا فرق بين راتبة الفجر وغيرها.
ويشرع لمن فاتته سنة الفجر أن يصليها بعد الصلاة، أو بعد ارتقاع الشمس كما صحت بذلك السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والله ولي التوفيق. (1)
س: نلاحظ بعض الناس إذا دخل المسجد لصلاة الفجر وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتي الفجر ثم يلحق بالإمام، فما حكم ذلك؟ وهل الأفضل أن يصليهما بعد الفجر مباشرة أو ينتظر طلوع الشمس؟
ج: لا يجوز لمن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة أن يصلي راتبة أو تحية المسجد بل يجب عليه أن يدخل مع الإمام في الصلاة الحاضرة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (2) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
وهذا الحديث يعم صلاة الفجر وغيرها. ثم هو مخير إن شاء صلى الراتبة بعد الصلاة وإن شاء أخرها إلى ما بعد ارتفاع الشمس وهو الأفضل؛ لأنه قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على هذا وهذا، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.
(2) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (710) ، سنن الترمذي الصلاة (421) ، سنن النسائي الإمامة (865) ، سنن أبو داود الصلاة (1266) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1151) ، مسند أحمد بن حنبل (2/455) ، سنن الدارمي الصلاة (1448) .(11/372)
وقت سنة الفجر (1)
__________
(1) نشرت في جريدة (المدينة) العدد (11497) في ربيع الآخر 1415 هـ.(11/372)
س: أذهب إلى صلاة الفجر دائما وأجد الصلاة قد أقيمت وأنا لم أصل ركعتي الفجر بعد. هل مسموح لي أن أصليها بعد انتهاء الصلاة؟ أي بعد تسليم الإمام؟ وإذا انتظرت حتى تطلع الشمس هل ينقص ذلك من أجري شيئا مع العلم أن ركعتي الفجر هما خير من الدنيا وما فيها، كما ورد في الأثر.
ج: إذا لم يتيسر للمسلم أداء سنة الفجر قبل الصلاة فإنه يخير بين أدائها بعد الصلاة أو تأجيلها إلى ما بعد ارتفاع الشمس؛ لأن السنة قد ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمرين جميعا، لكن تأجيلها أفضل إلى ما بعد ارتفاع الشمس؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، أما فعلها بعد الصلاة فقد ثبت من تقريره عليه الصلاة والسلام ما يدل على ذلك.
س: إذا فاتتني سنة الفجر فمتى أقضيها؟ (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (866) .(11/373)
ج: إذا فاتت سنة الفجر فالمسلم مخير وهكذا المسلمة إن شاء صلاها بعد الصلاة وإن شاء صلاها بعد ارتفاع الشمس وهو أفضل، وكل هذا ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - بأنه رأى من يصلي بعد صلاة الفجر فأنكر عليه فقال يا رسول الله: إنها سنة الفجر فسكت عنه - صلى الله عليه وسلم -.
وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - الأمر بقضائها بعد ارتفاع الشمس، وكل هذا بحمد الله جائز.(11/374)
التحية للمسجد سنة لا تقضى (1)
س: ما حكم من أتى بركعتين بعد صلاة الفجر، وهل تجب على من فاتته تحية المسجد قبل الصلاة ومتى وقتها؟
ج: التحية للمسجد سنة لا تقضى وتسقط عن المسلم إذا دخل وهم يصلون وتكفيه الفريضة، وإذا لم يصل الراتبة في
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/374)
بيته أي سنة الفجر وجاء والإمام قد دخل في الصلاة فإنه مخير إن شاء صلاها بعد الصلاة وإن شاء صلاها بعد ارتفاع الشمس كما ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما إن جاء والإمام لم يقم الصلاة فإنه يصلي الراتبة وتكفيه عن تحية المسجد.(11/375)
الراتبة تكفي عن تحية المسجد (1)
س: إذا دخل الرجل المسجد يريد صلاة الفجر بعد طلوع الفجر فهل يشرع له أن يصلي تحية المسجد ثم يصلي الراتبة أم تكفي إحداهما عن الأخرى؟
ج: المشروع في مثل هذا أن يصلي الراتبة وتكفي عن التحية كما لو دخل المسجد والفريضة تقام فإنه يدخل مع الإمام وتكفيه الفريضة عن تحية المسجد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (2) » خرجه مسلم في صحيحه.
ولأن المقصود أن لا يجلس المسلم في المسجد حتى يصلي ما تيسر من الصلوات فإذا وجد ما يقوم مقام التحية كفى ذلك كالفريضة وصلاة الراتبة وصلاة الكسوف ونحو ذلك.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (710) ، سنن الترمذي الصلاة (421) ، سنن النسائي الإمامة (865) ، سنن أبو داود الصلاة (1266) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1151) ، مسند أحمد بن حنبل (2/455) ، سنن الدارمي الصلاة (1448) .(11/375)
السنة لمن دخل المسجد والإمام يصلي أن يدخل معه مباشرة (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/375)
س: الأخ. أ. ع. أ. من جدة يقول في سؤاله: بعض المصلين إذا دخل لصلاة التراويح والإمام يصلي صلى ركعتين منفردا تحية المسجد ثم يدخل بعدها مع الإمام في صلاة التراويح، فهل فعله هذا موافق للسنة؟ نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا.
ج: السنة لمن دخل والإمام يصلي في الفريضة أو في التراويح أو في صلاة الكسوف أن يدخل مع الإمام مباشرة، ولا يصلي تحية المسجد؛ لأن الصلاة القائمة تكفي عنها. ولا أعلم خلافا في هذا بين أهل العلم. والله ولي التوفيق.(11/376)
من قام بعد طلوع الفجر فإنه يصلي السنة ثم الفريضة (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/376)
س: ما حكم سنة الفجر إذا قام المسلم للصلاة بعد طلوع الفجر هل يستحب أن يؤديها أم يجب عليه أن يؤدي صلاة الفجر على الفور ثم يصلي سنتها؟
ج: السنة للمؤمن أن يقدم سنة الفجر فيصليها في البيت ثم يخرج إلى المسجد فإذا جاء والصلاة لم تقم صلى تحية المسجد ركعتين، هذا هو السنة فإن لم يصل في البيت بل جاء إلى المسجد صلى السنة الراتبة في المسجد ركعتين عن تحية المسجد، وإن نواهما جميعا فلا بأس أعني سنة الفجر والتحية، أما إن فاتته هذه السنة بأن نام مثلا ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فإنه يبدأ بسنة الفجر ثم يصلي الفريضة كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نام هو وأصحابه في بعض الأسفار عن صلاة الفجر.(11/377)
حديث من صلى الصبح في جماعة (1)
__________
(1) نشرت في (جريدة عكاظ) العدد (10877) في 7\1\1417 هـ.(11/377)
س: ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حديث ما معناه: أن «من صلى صلاة الصبح في جماعة وجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، فإن ذلك يعدل حجة وعمرة تامتين (1) » هل هذا صحيح؟
ج: في صحته خلاف، والصواب أنه حديث حسن لكثرة طرقه.
__________
(1) سنن الترمذي الجمعة (586) .(11/378)
تغيير المكان لأداء السنة بعد الصلاة (1)
س: هل ورد في تغيير المكان لأداء السنة بعد الصلاة ما يدل على استحبابه؟
ج: لم يرد في ذلك فيما أعلم حديث صحيح، ولكن كان ابن عمر - رضي الله عنهما - وكثير من السلف يفعلون ذلك، والأمر في ذلك واسع والحمد لله. وقد ورد فيه حديث ضعيف عند أبي داود رحمه الله.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/378)
وقد يعضده فعل ابن عمر - رضي الله عنهما - ومن فعله من السلف الصالح، والله ولي التوفيق.(11/379)
الحكمة من تغيير المكان لأداء السنة (1)
س: ما الحكمة في أن المصلي إذا انتهى من أداء الصلاة وقام يؤدي السنة غير مكانه إلى مكان آخر غير الذي صلى فيه الفريضة؟
ج: لم يثبت في تغيير المكان حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما نعلم، وإنما ورد في ذلك بعض الأحاديث الضعيفة.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الحكمة في ذلك على القول بشرعيته هي شهادة البقاع التي يصلى فيها، والله سبحانه أعلم وهو الحكيم العليم.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (122) .(11/379)
السنن الرواتب (1)
__________
(1) تعليق لسماحته على كلمة ألقيت في مسجد الإفتاء يوم الأربعاء 26\7\1415 هـ عن '' السنن الرواتب ''.(11/379)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه فائدة مهمة حول رواتب الصلاة وبقية النوافل، ونصيحتي لإخواني المسلمين المحافظة عليها وعلى كل ما شرع الله مع أداء الفرائض وترك المحارم.
قد دلت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شرعية الرواتب بعد الصلوات، وفيها فوائد كثيرة، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن «من حافظ على ثنتي عشرة ركعة تطوعا في يومه وليلته بني له بهن بيت في الجنة (1) » ، والرواتب اثنتا عشرة ركعة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها عشر، ولكن ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أنها اثنتا عشرة ركعة، وعلى أن الراتبة قبل الظهر أربع، قالت عائشة - رضي الله عنها -: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدع أربعا قبل الظهر (2) » . أما ابن
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (728) ، سنن الترمذي الصلاة (415) ، سنن النسائي كتاب قيام الليل وتطوع النهار (1797) ، سنن أبو داود الصلاة (1250) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1141) ، مسند أحمد بن حنبل (6/428) ، سنن الدارمي الصلاة (1438) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1110) ، والنسائي في (قيام الليل وتطوع النهار) برقم (1737) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23992) .(11/380)
عمر - رضي الله عنهما - فثبت عنه أنها عشر، وأن الراتبة قبل الظهر ركعتان، ولكن عائشة وأم حبيبة - رضي الله عنهما - حفظتا أربعا، والقاعدة أن من حفظ حجة على من لم يحفظ. وبذلك استقرت الرواتب اثنتي عشرة ركعة: أربعا قبل الظهر، وثنتين بعدها، وثنتين بعد المغرب، وثنتين بعد العشاء، وثنتين قبل صلاة الصبح.
ففي هذه الرواتب فوائد عظيمة والمحافظة عليها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار مع أداء الفرائض وترك المحارم، فهي تطوع وليست فريضة لكنها مثل ما جاء في الحديث تكمل بها الفرائض، وهي من أسباب محبة الله للعبد، وفيها التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام، فينبغي للمؤمن المحافظة عليها والعناية بها كما اعتنى بها النبي عليه الصلاة والسلام مع سنة الضحى، ومع التهجد بالليل والوتر فالمؤمن يعتني بهذا كله، لكن لو فاتت سنة الظهر فالصواب أنها لا تقضى بعد خروج وقتها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «لما قضى سنة الظهر البعدية بعد العصر سألته أم سلمة عن ذلك(11/281)
قالت أنقضيهما إذا فاتتا؟ قال لا (1) » .
فهي من خصائصه عليه الصلاة والسلام، أعني قضاءها بعد العصر، أما سنة الفجر فإنها تقضى بعد الفجر، وتقضى بعد طلوع الشمس إذا فاتت قبل الصلاة؛ لأنه قد جاء في الأحاديث ما يدل على قضائها بعد الصلاة، وقضائها بعد طلوع الشمس وارتفاعها.
وأما قول بعض أهل العلم: إن ترك الرواتب فسوق فهو قول ليس بجيد، بل هو خطأ؛ لأنها نافلة، فمن حافظ على الصلوات الفريضة وترك المعاصي فليس بفاسق بل هو مؤمن سليم عدل.
وهكذا قول بعض الفقهاء: إنها من شرط العدالة في الشهادة: قول مرجوح فكل من حافظ على الفرائض وترك المحارم فهو عدل ثقة. ولكن من صفة المؤمن الكامل المسارعة إلى الرواتب وإلى الخيرات الكثيرة والمسابقة إليها.
وبذلك يكون من المقربين؛ لأن المؤمنين في هذا الباب ثلاثة أقسام: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات. كما قال جل وعلا في سورة فاطر: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} (2) وهو صاحب المعاصي
__________
(1) الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (26138) .
(2) سورة فاطر الآية 32(11/382)
{وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} (1) وهو البر الذي حافظ على الفرائض وترك المحارم {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} (2) وهو الذي اجتهد في الطاعات النافلة مع الفرائض وهو الأعلى في المرتبة، والمقتصد في الرتبة الوسطى، وأما الظالم لنفسه فهو في الرتبة الدنيا، فالعاصي تحت مشيئة الله، إذا مات على ظلمه لنفسه بالمعاصي فهو تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، ومتى دخل النار لم يخلد فيها بل يعذب على قدر معاصيه ثم يخرج منها، ولا يخلد في النار إلا الكفرة نسأل الله العافية، والمقصود أن هذه الرواتب وسائر التطوعات من كمال الإيمان، ومن أعمال السابقين إلى الخيرات، ولهذا لما «سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام فسره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج فقال السائل هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع (3) » .
فدل ذلك على أن الرواتب وغيرها من النوافل كلها تطوع وليست واجبة. ولهذا «قال - صلى الله عليه وسلم - في حق السائل لما أدبر قائلا: لن أزيد على ذلك ولا أنقص: أفلح إن
__________
(1) سورة فاطر الآية 32
(2) سورة فاطر الآية 32
(3) رواه البخاري في (الشهادات) برقم (2481) ، ومسلم في (الإيمان) برقم (12) .(11/383)
صدق (1) » فعلم بذلك أن التطوع ليس شرطا في العدالة وليس شرطا في الإيمان، ولكنه من المكملات ومن أسباب الخير العظيم، ومضاعفة الحسنات، ومن أسباب دخول الجنة مع المقربين، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين التوفيق والهداية وحسن الخاتمة.
__________
(1) رواه البخاري في (الشهادات) برقم (2481) ، ومسلم في (الإيمان) برقم (12) .(11/384)
قضاء السنن الرواتب (1)
س: أ. ن. ت، هل يجوز قضاء السنن الرواتب بعد فوات أوقاتها أو تسقط؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: تسقط إذا فات وقتها إلا سنة الفجر فإنها تقضى بعد الصلاة أو بعد طلوع الشمس؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قضوها مع صلاة الفجر، لما ناموا عن الفجر في بعض أسفاره، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر من فاتته سنة الفجر أن يقضيها بعد طلوع الشمس، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - رأى من يقضيها بعد صلاة الفجر فلم ينهه عن ذلك. وهكذا راتبة الظهر الأولى إذا فاتت تقضى بعد صلاة الظهر مع
__________
(1) سؤال موجه من سائل من الرياض، في مجلس سماحته.(11/384)
الراتبة البعدية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فاتته قضاها بعد الصلاة. والله ولي التوفيق.(11/385)
وقت راتبة الظهر وعدد ركعاتها (1)
س: هل سنة صلاة الظهر قبلها أم بعدها، وهل هي ثنتان أو أربع أفيدونا أفادكم الله؟
ج: ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يصلي في اليوم والليلة عشر ركعات يواظب عليها: ثنتين قبل الظهر وثنتين بعدها وثنتين بعد المغرب وثنتين بعد العشاء وثنتين قبل صلاة الصبح» . رواه الشيخان في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وثبت عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان لا يدع أربعا قبل الظهر (2) » . رواه البخاري في الصحيح فالأفضل أن يصلي المؤمن والمؤمنة أربع ركعات قبل الظهر وثنتين بعدها لحديث عائشة المذكور، وإن صلى أربعا بعد الظهر مع أربع قبلها كان الأفضل لما روى الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع بإسناد
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (64) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1110) ، والنسائي في (قيام الليل وتطوع النهار) برقم (1737) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23992) .(11/385)
حسن عن أم حبيبة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار (1) » . وهذا فضل عظيم.
وهذه تسمى الرواتب وهي المذكورة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة (2) » . أخرجه مسلم عن أم حبيبة وأخرجه الترمذي بإسناد حسن وزاد «أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد صلاة العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر (3) » .
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (393) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1077) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (25547) .
(2) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1198) .
(3) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (380) .(11/386)
الصلاة قبل العصر (1)
س: ص. ح. من الخرج يقول: أصلي قبل العصر أربع ركعات، فهل أفصل بينهما أم أتمها أربعا ثم
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1560) في 14\5\1417 هـ.(11/386)
أسلم؟ أفيدونا. والسلام عليكم.
ج: يشرع لكل مسلم ومسلمة أن يصلي قبل العصر أربع ركعات يسلم من كل اثنتين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رحم الله امرءا صلى قبل العصر أربعا (1) » . ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (2) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (395) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1079) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (4776) ، ورواه الترمذي في (الصلاة) برقم (424) و (429) ، وفي الجمعة برقم (597) ، النسائي في (قيام الليل وتطوع النهار) برقم (1666) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1295) ، وابن ماجه في (إ(11/387)
المشروع صلاة ركعتين بين كل أذانين (1)
س: من ع. ن. ع. - الرياض يقول في سؤاله: دخلت المسجد قبل أذان صلاة العصر بربع ساعة وصليت تحية المسجد وجلست أقرأ القرآن، وبعد أن أذن المؤذن قام
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/387)
أكثر من في المسجد وصلوا ركعتين ثانيتين غير تحية المسجد، وكان بجانبي طالب علم لم يقم لأدائها فلم أقم أنا أيضا لأدائها، نرجو إيضاح حكم الشرع المطهر فيما حصل وهل هناك فرق بين كونها صلاة العصر أو غيرها من الصلوات؟
ج: المشروع لكل مسلم أن يصلي ركعتين بين الأذانين، سواء كانت الركعتان راتبة أو غير راتبة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة لمن شاء (1) » . متفق على صحته، وهذا يعم جميع الصلوات. والمراد بالأذانين الأذان والإقامة.
فدل هذا الحديث وما جاء في معناه على شرعية صلاة الركعتين بين الأذانين، وإذا كانت راتبة كسنة الفجر والظهر كفت إلا الأذان الذي بين يدي الخطيب يوم الجمعة، فإنه لا يشرع للخطيب ولا غيره من الجالسين أن يصلوا بين هذين الأذانين؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يفعله وهكذا أصحابه - رضي الله عنهم - والحكمة في ذلك، والله أعلم أنهم
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند البصريين) برقم (20021) ، البخاري في (الأذان) برقم (624) و (627) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (838) .(11/388)
مأمورون بالتهيؤ للخطبة أما من دخل المسجد والإمام يخطب فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بذلك من دخل والإمام يخطب، ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين (1) » . متفق على صحته، والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) باب إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين برقم (425) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (166) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21600) واللفظ له.(11/389)
صلاة النافلة مثنى مثنى (1)
س: كبرت لأداء السنة الراتبة قبل صلاة الظهر ونويت أن أصليها أربع ركعات بتسليمة واحدة، وبعد أدائي لركعة واحدة أقيمت الصلاة، فهل أغير النية وأصليها ركعتين أم أقطعها؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (2) » . أخرجه مسلم في صحيحه، فالمشروع لك إذا أقيمت الصلاة وأنت في نافلة أن
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) في جمادى الأولى 1414 هـ.
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (9563) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) برقم (710) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (1266) .(11/389)
تقطعها لهذا الحديث الشريف، كما أن المشروع للمسلم أن يصلي النافلة مثنى مثنى ليلا ونهارا؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى (1) » متفق على صحته، وفي رواية صحيحة: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (2) » خرجها الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح، لكن لو أقيمت الصلاة وهو في الركوع الأخير من النافلة أو في السجود الأخير فالأفضل إتمامها؛ لأنه لم يبق منها إلا أقل من ركعة وأقل الصلاة ركعة واحدة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الصلاة (472) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (749) ، سنن الترمذي الصلاة (461) ، سنن النسائي قيام الليل وتطوع النهار (1694) ، سنن أبو داود الصلاة (1421) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1175) ، مسند أحمد بن حنبل (2/78) ، موطأ مالك النداء للصلاة (269) ، سنن الدارمي الصلاة (1458) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (429) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1161) .(11/390)
الراتبة في السفر (1)
س: هل تسقط مشروعية الراتبة " السنن الرواتب" في السفر، وما الدليل على ذلك؟ أفيدونا أفادكم الله.
ج: المشروع ترك الرواتب في السفر ما عدا الوتر وسنة الفجر؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر وغيره أنه كان يدع الرواتب في السفر ما عدا الوتر وسنة الفجر، أما النوافل المطلقة فمشروعة في السفر والحضر وهكذا ذوات الأسباب كسنة الوضوء وسنة الطواف وصلاة الضحى
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (122) .(11/390)
والتهجد في الليل لأحاديث وردت في ذلك، والله ولي التوفيق.
س: اختلفوا في أفضلية فعل السنن الرواتب مع القصر في السفر، فمن قائل يستحب فعلها، ومن قائل لا يستحب، وقد قصرت الفريضة فماذا ترون في ذلك؟ وكذا في فضل النوافل المطلقة كصلاة الليل؟ (1)
ج: السنة للمسافر ترك راتبة الظهر والمغرب والعشاء مع الإتيان بسنة الفجر تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، وهكذا يشرع له التهجد في الليل والوتر في السفر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك.
وهكذا جميع الصلوات المطلقة وذوات الأسباب كسنة الضحى وسنة الوضوء وصلاة الكسوف.
وهكذا يشرع له سجود التلاوة وتحية المسجد إذا دخل المسجد للصلاة أو لغرض آخر فإنه يصلي التحية.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ\ محمد الشايع في كتاب.(11/391)
قطع الراتبة إذا أقيمت الصلاة (1)
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (121) .(11/391)
س: رجل دخل المسجد لأداء سنة الظهر، فلما كبر أقيمت الصلاة. هل يقطع الرجل صلاته أو يكملها؟ أرجو توضيح هذه المسالة.
ج: إذا أقيمت الصلاة وبعض الجماعة يصلي تحية المسجد أو الراتبة، فإن المشروع له قطعها والاستعداد لصلاة الفريضة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1) » رواه مسلم.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يتمها خفيفة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (2) وحملوا الحديث المذكور على من بدأ في الصلاة بعد الإقامة.
والصواب القول الأول؛ لأن الحديث المذكور يعم الحالين، ولأنه وردت أحاديث أخرى تدل على العموم، وعلى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلام لما رأى رجلا يصلي والمؤذن يقيم الصلاة.
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (710) ، سنن الترمذي الصلاة (421) ، سنن النسائي الإمامة (865) ، سنن أبو داود الصلاة (1266) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1151) ، مسند أحمد بن حنبل (2/455) ، سنن الدارمي الصلاة (1448) .
(2) سورة محمد الآية 33(11/392)
أما الآية الكريمة فهي عامة والحديث خاص، والخاص يقضي على العام ولا يخالفه كما يعلم ذلك من أصول الفقه الحديث، لكن لو أقيمت الصلاة وقد ركع الركوع الثاني فإنه لا حرج في إتمامها؛ لأن الصلاة قد انتهت ولم يبق منها إلا أقل من ركعة، والله ولي التوفيق.(11/393)
شرح حديث «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (1) » (2)
س: نرجو من فضيلتكم شرحا مبسطا لحديث: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (3) » .
ج: الحديث على ظاهره رواه مسلم في الصحيح. ومعنى إذا أقيمت الصلاة أي إذا شرع المؤذن في الإقامة، فإن الذي يصلي يقطع صلاة النافلة سواء كانت راتبة أو تحية المسجد يقطعها ويشتغل بالاستعداد للدخول في الفريضة.
وليس له الدخول في الصلاة بعدما أقيمت الصلاة بل يقطع الصلاة التي هو فيها ويمتنع من الدخول في صلاة جديدة؛ لأن الفريضة أهم.
__________
(1) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (710) ، سنن الترمذي الصلاة (421) ، سنن النسائي الإمامة (865) ، سنن أبو داود الصلاة (1266) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1151) ، مسند أحمد بن حنبل (2/455) ، سنن الدارمي الصلاة (1448) .
(2) من برنامج (نور على الدرب) .
(3) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (710) ، سنن الترمذي الصلاة (421) ، سنن النسائي الإمامة (865) ، سنن أبو داود الصلاة (1266) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1151) ، مسند أحمد بن حنبل (2/455) ، سنن الدارمي الصلاة (1448) .(11/393)
هذا هو معنى هذا الحديث الصحيح في أصح قولي العلماء.
وقال بعض أهل العلم يتمها خفيفة ولا يقطعها ويحتجون بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (1) لكن من قال يقطعها وهو القول الصحيح كما تقدم يجيب عن الآية الكريمة بأنها عامة وهذا خاص، والخاص يقدم على العام ولا يخالفه، وهذه قاعدة جليلة معروفة عند أهل العلم وأمثلتها كثيرة.
وقيل المراد بالآية المذكورة وهي قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (2) النهي عن إبطالها بالردة، وهذه ليست ردة.
وبكل حال فالآية عامة وقطع الصلاة التي هو فيها عند إقامة الصلاة دليلها خاص، والخاص يخص العام ولا يخالفه ويقضي عليه، وهذا هو الذي نعتقده ونفتي به: أنه إذا كان المصلي في النافلة وأقيمت الصلاة فإنه يقطعها ولا يتمها إلا إذا كان في آخرها قد ركع الركوع الثاني أو في السجود أو في التحيات فإنه يتمها؛ لأن أقل الصلاة ركعة ولم يبق إلا أقل منها، فإتمامها لا يخالف الحديث المذكور. وهذا هو الأفضل ولا يخالف هذا الحديث الصحيح.
__________
(1) سورة محمد الآية 33
(2) سورة محمد الآية 33(11/394)
وقت صلاة الضحى (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/394)
س: إنني أصلي صلاة الضحى بعد صلاة الفجر، أي بعد شروق الشمس مباشرة، وأحيانا أصليها قبل الظهر، فهل هذا صحيح؟
ج: صلاة الضحى يدخل وقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح، إلى وقوف الشمس قبل الزوال.
والأفضل صلاتها بعد اشتداد الحر، وهذه صلاة الأوابين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال (1) » . أخرجه مسلم في صحيحه، والفصال أولاد الإبل، ومعنى ترمض تشتد عليها الرمضاء، وهي حرارة الشمس.
ومن صلاها في أول الوقت بعد ارتفاع الشمس قدر رمح فلا بأس، ومن صلاها بعد اشتداد الشمس قبل دخول صلاة الظهر فلا بأس؛ لأن الأمر في هذا موسع فيه بحمد الله.
__________
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1237) واللفظ له، ورواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18470) .(11/395)
والمهم المحافظة والعناية بها، فإن كان الإنسان ينشغل عنها في آخر الوقت ويخشى أن لا يصليها بادر بها في أول الوقت حتى يدرك فضلها، وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا هريرة وأبا الدرداء بصلاة الضحى، وقال عليه الصلاة والسلام: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى (1) » . خرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر - رضي الله عنه -.
وهذا يدل على فضل هاتين الركعتين، وأن لهما شأنا عظيما، وإذا صلى أربعا أو ستا أو ثمانا أو أكثر فلا بأس، ولكن أقل ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.
__________
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1181) واللفظ له، ورواه الإمام أحمد في (مسند الأنصار) برقم (20501) .(11/396)
س: أشاهد بعض الإخوة يبادر إلى أداء سنة الإشراق بعد طلوع الشمس مباشرة، فهل فعلهم هذا صحيح، وإذا كان ليس كذلك فمتى تؤدى؟ وحبذا يا سماحة الشيخ لو كان ذلك بالدقائق حتى يكون الإنسان على بينة من أمره. جزاكم الله خيرا. (1)
ج: صلاة الضحى مشروعة كل يوم وأقلها ركعتان والأحاديث فيها كثيرة، ووقتها يبتدئ من ارتفاع الشمس قيد رمح في عين الناظر وذلك يقارب ربع ساعة بعد طلوعها، وأفضل وقتها حين ترمض الفصال؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال (2) » خرجه مسلم في صحيحه. ومعنى ذلك حين تحتر الشمس على أولاد الإبل. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (748) ، مسند أحمد بن حنبل (4/366) ، سنن الدارمي الصلاة (1457) .(11/397)
صفة صلاة الضحى (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/397)
س: يقال: إن صلاة الضحى أقل ما فيها ركعتان وأكثرها اثنا عشر ركعة، والبعض الآخر قال: إنها ثمان لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاها هكذا، وأنا صليت حسب ما لدي من الوقت فبعض المرات أصليها ركعتين والبعض الآخر أصلي ثمان ركعات، وإذا يسمح لي وقتي أصلي اثنتي عشرة ركعة بكاملها وعندما أصلي الركعة الأولى أقرأ الحمد والشمس وفي الركعة الثانية أقرأ الحمد والضحى، ولكن بعض الأحيان بسبب مرض لا أواظب على صلاتها فقالوا لي هذا غير ممكن ويجب المواظبة على الصلاة.
سؤالي: على كم ركعة أواظب على صلاة الضحى هل أبقى على ثمان كما صلاها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما هي السور التي أقرأها في البدء الشمس أم الضحى بالإضافة إلى سورة الحمد؟ .(11/398)
ج: صلاة الضحى سنة مؤكدة فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأرشد إليها أصحابه وأقلها ركعتان، فإذا حافظت على ركعتين فقد أديت الضحى، وإن صليت أربعا أو ستا أو ثمانا أو أكثر من ذلك فلا بأس على حسب التيسير، وليس فيها حد محدود ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى اثنتين وصلى أربعا وصلاها يوم الفتح ثمان ركعات يوم فتح الله عليه مكة، فالأمر في هذا واسع.
وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء الله (1) » . وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام (2) » .
وفي الصحيحين عن أم هانئ - رضي الله عنها -: «أنها رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم فتح مكة الضحى ثمان
__________
(1) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1175) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة) برقم (1371) ، والإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (25084) .
(2) رواه البخاري في (الصوم) برقم (1845) واللفظ له، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1182) .(11/399)
ركعات (1) » . .
فمن صلى ثمانيا أو عشرا أو اثنتي عشرة أو أكثر من ذلك أو أقل فلا بأس؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (2) » فالسنة أن يصلي الإنسان اثنتين اثنتين يسلم لكل اثنتين، وأقل ذلك ركعتان من الضحى بعد ارتفاع الشمس إلى وقوفها عند الظهر هذا كله ضحى، والأفضل أن تصلى حين يشتد الضحى وحين تحتر الشمس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال (3) » رواه مسلم في صحيحه والمعنى حين تحتر الأرض على أولاد الإبل.
فلو صليتها يوما وتركتها يوما فلا بأس، ولكن الأفضل المداومة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أحب العمل إلى الله ما دام عليه صاحبه وإن قل (4) » . فالمداومة أفضل.
ومن ترك سنة الضحى دائما أو بعض الأيام فلا حرج
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) برقم (344) واللفظ له، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1177) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (4776) ، ورواه الترمذي في (الصلاة) برقم (424) و (429) ، وفي (الجمعة) برقم (597) ، النسائي في (قيام الليل وتطوع النهار) برقم (1666) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (12950) ، وابن ماجه ف
(3) صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (748) ، مسند أحمد بن حنبل (4/366) ، سنن الدارمي الصلاة (1457) .
(4) رواه البخاري في (الرقاق) برقم (5983) ، ومسلم في (الصيام) برقم (1958) واللفط له.(11/400)
والحمد لله؛ لأنها نافلة غير واجبة.
ثم السنة أن تقرئي مع الفاتحة ما تيسر من السور أو الآيات، وليس في هذا حد محدود؛ لأن الواجب الفاتحة فما زاد فهو سنة، فإذا قرأت معها " والشمس وضحاها " أو " الليل إذا يغشى " أو " والضحى " أو " ألم نشرح " أو " والتين " أو " اقرأ " أو غير ذلك من السور فلا بأس، أو قرأت آيات معدودات أو آية واحدة بعد الفاتحة فكله طيب، وكله حسن والحمد لله. وفق الله الجميع.(11/401)
صلاة الإشراق هي صلاة الضحى (1)
س: الأخ ع. أ. ج. من بلاد ميسان يقول في سؤاله: ما هو الفرق بين صلاة الإشراق وصلاة الضحى، وما هو أدنى عدد ركعاتها وما هو أكثرها، ومتى تؤدى كل منهما؟
ج: صلاة الإشراق هي صلاة الضحى في أول وقتها، والأفضل فعلها عند ارتفاع الضحى واشتداد الرمضاء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الأوابين حين ترمض الفصال (2) » . رواه مسلم في صحيحه.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1237) واللفظ له، ورواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18470) .(11/401)
والمعنى حين تحتر الشمس على أولاد الإبل. وهذا هو معنى ترمض الفصال ومعنى ترمض أي: تشتد عليها الرمضاء.
وأقل صلاة الضحى ركعتان لما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل النوم (1) » .
وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه «صلى صلاة الضحى يوم الفتح ثماني ركعات (2) » ، ولا حد لأكثرها على الأصح؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن عبسة - رضي الله عنه -: «إذا صليت الفجر فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس قيد رمح، ثم صل، فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى أن تقف الشمس (3) » أخرجه مسلم في صحيحه مطولا.
فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي بعد ارتفاع الشمس إلى أن تقف الشمس، ولم يحدد له ركعات فدل ذلك على أن صلاة الضحى لا حد لأكثرها، والأفضل أن يسلم من كل ركعتين لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (4) » . أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي
__________
(1) رواه البخاري في (الصوم) برقم (1845) واللفظ له، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1182) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (1104) ، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (336) ، سنن الترمذي الصلاة (474) ، سنن النسائي الطهارة (225) ، سنن أبو داود الصلاة (1290) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (614) ، مسند أحمد بن حنبل (6/423) ، موطأ مالك النداء للصلاة (359) ، سنن الدارمي الصلاة (1453) .
(3) سنن النسائي المواقيت (572) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1251) .
(4) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (4776) ، ورواه الترمذي في (الصلاة) برقم (424) و (429) ، وفي (الجمعة) برقم (597) ، النسائي في (قيام الليل وتطوع النهار) برقم (1666) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (12950) ، وابن ماجه ف(11/402)
والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -. والله ولي التوفيق.(11/403)
قراءة القرآن في المنزل
بعد الفجر حتى تطلع الشمس (1)
س: هل المكوث في المنزل بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن حتى تطلع الشمس ثم يصلي الإنسان ركعتي الشروق له نفس الأجر الذي يحصل بالمكوث في المسجد. نرجو من سماحتكم الإفادة أطال الله في عمركم على طاعته؟
ج: هذا العمل فيه خير كثير وأجر عظيم، ولكن ظاهر الأحاديث الواردة في ذلك أنه لا يحصل له نفس الأجر الذي وعد به من جلس في مصلاه في المسجد.
لكن لو صلى في بيته صلاة الفجر لمرض أو خوف ثم جلس في مصلاه يذكر الله أو يقرأ القرآن حتى ترتفع الشمس ثم يصلي ركعتين، فإنه يحصل له ما ورد في الأحاديث لكونه معذورا حين صلى في بيته.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/403)
وهكذا المرأة إذا جلست في مصلاها بعد صلاة الفجر تذكر الله أو تقرأ القرآن حتى ترتفع الشمس ثم تصلي ركعتين، فإنه يحصل لها ذلك الأجر الذي جاءت به الأحاديث، وهو أن الله يكتب لمن فعل ذلك أجر حجة وعمرة تامتين. والأحاديث في ذلك كثيرة يشد بعضها بعضا، وهي من قسم الحديث الحسن لغيره. والله ولي التوفيق.(11/404)
المشروع قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة في صلاة النافلة (1)
س: هل على من صلى النوافل قراءة شيء من القرآن غير الفاتحة، وأنا أداوم في ركعتي الفجر خاصة على سورتي الكافرون والإخلاص؟
ج: المشروع لمن كان يصلي النافلة في الليل أو في النهار، أن يقرأ مع الفاتحة ما تيسر، هذا هو الأفضل. أما الوجوب فلا يجب إلا الفاتحة، وهي ركن من الصلاة فرضا كانت أو نفلا في كل ركعة. فإذا قرأها وحدها كفت، وإن قرأ معها زيادة آيات أو سورة أخرى كان أفضل؛ لأن النبي - صلى الله
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/404)
عليه وسلم - كان يقرأ الفاتحة، ويقرأ معها زيادة، ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (1) » .
أما سنة الفجر فيقرأ فيها بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (2) في الأولى، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (3) في الثانية.
وإن قرأ مع الفاتحة في الأولى آية البقرة: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (4) الآية وفي الثانية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (5) الآية من سورة آل عمران. فكل ذلك قد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -.
إن قرأ غير ذلك فلا بأس، ولكن يستحب أن يقرأ فيها ما قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - تأسيا في ذلك به عليه الصلاة والسلام. كما يستحب أن يقرأ في سنة المغرب، وسنة الطواف بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (6) في الأولى، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (7) في الثانية، لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (714) ، باب (وجوب القراءة للإمام والمأموم) . ومسلم في (الصلاة) باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.
(2) سورة الكافرون الآية 1
(3) سورة الإخلاص الآية 1
(4) سورة البقرة الآية 136
(5) سورة آل عمران الآية 64
(6) سورة الكافرون الآية 1
(7) سورة الإخلاص الآية 1(11/405)
صفة سجود التلاوة والطهارة له (1)
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) في 7\5\1415 هـ.(11/405)
س: هل يشترط لسجود التلاوة طهارة، وهل يكبر إذا خفض ورفع سواء كان في الصلاة أو خارجها؟
وماذا يقال في هذا السجود؟ وهل ما ورد من الدعاء فيه صحيح؟ وهل يشرع السلام في هذا السجود إذا كان خارج الصلاة؟
ج: سجود التلاوة لا تشترط له الطهارة في أصح قولي العلماء وليس فيه تسليم ولا تكبير عند الرفع منه في أصح قولي أهل العلم.
ويشرع فيه التكبير عند السجود؛ لأنه قد ثبت من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ما يدل على ذلك.
أما إذا كان سجود التلاوة في الصلاة فإنه يجب فيه التكبير عند الخفض والرفع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك في الصلاة في كل خفض ورفع. وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صلوا كما(11/406)
رأيتموني أصلي (1) » . رواه البخاري في صحيحه، ويشرع في سجود التلاوة من الذكر والدعاء ما يشرع في سجود الصلاة؛ لعموم الأحاديث، ومن ذلك: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين (2) » . روى ذلك مسلم في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول هذا الذكر في سجود الصلاة من حديث علي - رضي الله عنه -.
وقد سبق آنفا أنه يشرع في سجود التلاوة ما يشرع في سجود الصلاة، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «دعا في سجود التلاوة بقوله: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا وامح عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام (3) » .
والواجب في ذلك قول: سبحان ربي الأعلى، كالواجب
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (595) ، والدارمي في (الصلاة) برقم (1225) .
(2) رواه مسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1290) ، والترمذي في (الدعوات) برقم (3344) .
(3) رواه الترمذي في (الجمعة) برقم (528) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة) برقم (1043) .(11/407)
في سجود الصلاة، وما زاد عن ذلك من الذكر والدعاء فهو مستحب. وسجود التلاوة في الصلاة وخارجها سنة وليس بواجب؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث زيد بن ثابت ما يدل على ذلك، وثبت عن عمر - رضي الله عنه - ما يدل على ذلك أيضا، والله ولي التوفيق.(11/408)
حكم سجود التلاوة لمن لم يكن على طهارة ولم يكن مستقبل القبلة (1)
س: الأخ م. م. ص. من اللاذقية في سوريا يقول في سؤاله: إذا كنت أقرأ القرآن الكريم، وأنا غير مستقبل القبلة، ومررت بآية فيها سجدة تلاوة فهل أسجد؟ وهل يشترط لسجدة التلاوة أن يكون الإنسان على طهارة؟ وإذا كنت أقرأ القرآن الكريم وأنا مسافر بالسيارة أو الطائرة، ومررت بآية فيها سجدة تلاوة فهل أسجد وأنا على الكرسي؟ وماذا لو مررت بها وأنا جالس على الكرسي في المكتب أو المنزل؟ نرجو التكرم بالإجابة، جزاكم الله خيرا.
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) في ربيع الأول 1417 هـ.(11/408)
ج: السنة لمن مر بآية السجدة في حال قراءته أن يسجد تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - لأنه - صلى الله عليه وسلم - «كان يقرأ بين أصحابه، فإذا مر بآية فيها سجدة سجد، وسجدوا معه» .
والسنة استقبال القبلة إذا تيسر ذلك، وسجدة التلاوة ليست مثل الصلاة، بل هي خضوع لله وتأس برسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يشترط لها شروط الصلاة، لعدم الدليل على ذلك، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - «كان يقرأ القرآن في مجلسه بين أصحابه فإذا مر بآية السجدة سجد وسجدوا معه» ، ولم يقل لهم لا يسجد إلا من كان على طهارة.
والمجالس تجمع من هو على طهارة، ومن هو على غير طهارة، فلو كانت الطهارة شرطا لنبههم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أفصح الناس، وقد أمره الله بالبلاغ، ولو كانت الطهارة شرطا في سجود التلاوة لأبلغهم بذلك - رضي الله عنهم -، ولو بلغهم لنقلوا ذلك لمن بعدهم، كما نقلوا عنه سيرته وأحاديثه عليه الصلاة والسلام، فإذا كان القارئ في الطائرة أو السيارة أو الباخرة، أو على دابة في السفر فإنه يسجد إلى جهة سيره، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك في أسفاره في صلاة النافلة. وإن تيسر له استقبال القبلة حال صلاة النافلة عند الإحرام، ثم يتجه(11/409)
إلى جهة سيره، فذلك أفضل؛ لأنه ثبت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأحاديث. والله ولي التوفيق.(11/410)
حكم التكبير لسجود التلاوة (1)
س: هل يلزم التكبير لسجدة التلاوة في الصلاة وخارجها، وهل يلزم السلام خارجها؟ أرجو الإفادة، وفقكم الله.
ج: سجدة التلاوة مثل سجود الصلاة، فإذا سجد في الصلاة عند السجود يكبر وإذا رفع يكبر إذا كان في الصلاة والدليل على هذا ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنه في الصلاة يكبر في كل خفض ورفع، إذا سجد كبر وإذا نهض كبر (2) » - هكذا أخبر الصحابة عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة وغيره - أما إذا سجد للتلاوة في خارج الصلاة فلم يرو إلا التكبير في أوله، هذا هو المعروف كما رواه أبو داود والحاكم. أما عند الرفع في خارج الصلاة فلم يرو في تكبير ولا تسليم. وبعض أهل العلم قال: يكبر عند النهوض ويسلم
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) في 7\5\1415 هـ.
(2) سنن الترمذي الصلاة (253) ، سنن النسائي التطبيق (1083) ، سنن الدارمي الصلاة (1249) .(11/410)
أيضا. ولكن لم يرو في هذا شيء فلا يشرع له إلا التكبيرة الأولى عند السجود إذا كان خارج الصلاة. والمشروع أن يقول في سجود التلاوة مثلما يقول في سجود الصلاة من التسبيح والدعاء، وليس فيها تشهد ولا تكبير عند الرفع ولا تسليم في أصح قولي العلماء؛ لعدم نقل ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.(11/411)
سجود التلاوة للمعلم (1)
س: إذا مررت بآية سجدة وأنا أقرأ القرآن على مكتبي أو أنا أدرس التلاميذ أو في أي مكان، هل أسجد سجود التلاوة أم لا، وهل السجدة للقارئ والمستمع؟
ج: سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع وليس واجبا ولا يشرع للمستمع إلا تبعا للقارئ، فإذا سجد القارئ سجد المستمع، وإذا قرأت آية السجدة في مكتبك أو في حال التعليم فالمشروع لك السجود، ويشرع للطلبة أن يسجدوا معك؛ لأنهم مستمعون، وإن تركت السجود فلا بأس لأنه ثبت عن زيد بن ثابت أنه «قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم فلم يسجد فيها فلم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم (2) » -. متفق
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني ص (126) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (1072) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (577) ، سنن الترمذي الجمعة (576) ، سنن النسائي الافتتاح (960) ، سنن أبو داود الصلاة (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (5/186) .(11/411)
على صحته.
وذلك دليل على أن سجود التلاوة ليس واجبا، وعلى أن المستمع إنما يشرع له السجود إذا سجد القارئ، والله ولي التوفيق.(11/412)
سجود التلاوة للجنب (1)
س: السائلات: أ. ر. و. أ،. ف. أ. - من اللاذقية بسوريا يسألن: هل يجوز للجنب الرجل أو المرأة السجود للتلاوة أو لغيرها؟ نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا. .
ج: اختلف العلماء في سجود التلاوة والشكر هل يشترط لهما الطهارة من الحدثين على قولين: أصحهما لا يشترط لعدم الدليل على ذلك، ولأن السجود وحده ليس صلاة ولا في حكم الصلاة، ولكنه جزء من الصلاة فلم تشترط له الطهارة كأنواع الذكر غير القرآن. وقد «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ القرآن، فإذا مر بالسجدة سجد وسجد معه أصحابه (2) » ، ولم يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه أمرهم بالطهارة في ذلك، ومعلوم أن المجالس تضم من هو
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) سنن أبو داود الصلاة (1413) .(11/412)
جنب ومن هو غير جنب، ولو كانت الطهارة شرطا للسجود من الحدث الأكبر أو من الحدثين لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما بين - صلى الله عليه وسلم - بفعله وقوله أن الجنب لا يقرأ القرآن.
وبذلك يتضح جواز سجود التلاوة والشكر للجنب والحائض وغيرهما ممن هو على غير طهارة من المسلمين في أصح قولي العلماء، والله ولي التوفيق.(11/413)
المشروع للإمام إذا قرأ آية
السجدة في الصلاة الجهرية أن يسجد (1)
س: الأخ م. س. ع. من ثادق في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: صليت مع أحد الأئمة صلاة المغرب وقرأ في الركعة الأولى سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (2) وبعد تكبيرة سجدت سجدة التلاوة ولكني فوجئت به يقول سمع الله لمن حمده، أي أنه لم يسجد سجدة التلاوة فنهضت وتابعت معه للركعة بدون ركوع وبعد السلام نهضت وأتيت بركعة بدل الركعة
__________
(1) من الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .
(2) سورة العلق الآية 1(11/413)
الأولى التي لم أتمكن فيها من الركوع مع الإمام. أرجو من سماحة الشيخ الإفادة عن فعلي هذا هل وافق الصواب أم لا؟ كما أرجو الإفادة عن ترك الإمام لسجدة التلاوة؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: المشروع للإمام إذا قرأ آية السجدة في الصلاة الجهرية أن يسجد تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ومن لم يسجد فلا حرج عليه؛ لأن سجود التلاوة سنة وليس بواجب.
ومن الدليل على ذلك أنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن زيد بن ثابت قرأ عليه سورة النجم فلم يسجد فيها، ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسجود (1) » ، فدل ذلك على عدم الوجوب.
أما أنت فصلاتك صحيحة، والأفضل لك لما عرفت أنه لم يسجد أن ترفع وتستتم قائما، ثم تركع وتطمئن في الركوع، ثم ترفع وتستتم قائما وتطمئن، ثم تتابع إمامك ولا حرج عليك في التخلف عنه؛ لأنك معذور لعدم علمك بأنه راكع، وهكذا لو غفل المأموم عند ركوع الإمام بنعاس أو وسوسة أو نحو ذلك فلم ينتبه حتى رفع الإمام من الركوع فإنه يركع ويطمئن، ثم يرفع ويطمئن، ثم يتابع إمامه. ولا حرج عليه؛ لكونه لم يتعمد التخلف. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (1072) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (577) ، سنن الترمذي الجمعة (576) ، سنن النسائي الافتتاح (960) ، سنن أبو داود الصلاة (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (5/186) .(11/414)
لا يشرع للمستمع أن
يسجد إلا إذا سجد القارئ (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(11/414)
س: إن كان الإنسان يستمع إلى تلاوة القرآن الكريم بواسطة جهاز التسجيل ومر القارئ بآية فيها سجدة تلاوة فهل يسجد؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «قرأ عليه زيد بن ثابت - رضي الله عنه - سورة النجم ولم يسجد، فلم يسجد النبي - صلى الله عليه وسلم (1) » -. فدل ذلك على عدم وجوب سجود التلاوة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على زيد تركه.
كما دل الحديث أيضا على أن المستمع لا يسجد إلا إذا سجد القارئ، وفق الله الجميع.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (1072) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (577) ، سنن الترمذي الجمعة (576) ، سنن النسائي الافتتاح (960) ، سنن أبو داود الصلاة (1404) ، مسند أحمد بن حنبل (5/186) ، سنن الدارمي الصلاة (1472) .(11/415)
حكم الصلاة للميت (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط (127) .(11/415)
س: منذ أن توفيت والدتي وأنا أصلي لها ركعتين، فهل عملي هذا يصح أم لا؟
ج: ليس بصحيح، وإنما المشروع الدعاء لها والترحم عليها والصدقة عنها أو الحج عنها أو العمرة، كل هذا مشروع ونافع لها، أما الصلاة لها فلا أصل لذلك؛ لأنه لم يشرع لنا أن نصلي عن الأموات، ولكن الحج لا بأس به وكذا العمرة لا بأس بها والصدقة كل هذا مشروع، وهكذا الدعاء والترحم عليها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (1) » . فلم يقل يصلي له بل يدعو له، فتدعو لوالدتك وتستغفر لها وتسأل لها الرحمة والمنزلة العالية في الجنة، وغفران الذنوب، وتتصدق عنها بما يسر الله من الطعام أو من النقود أو من الملابس على الفقراء والمحاويج كل هذا طيب.
__________
(1) رواه مسلم في (الوصية) برقم (3084) باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته واللفظ له، ورواه الترمذي في (الأحكام) برقم (1297) ، ورواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (8489) .(11/416)
س: سائلة من العراق، تقول قتل أخي في المعركة، ولما كان على قيد الحياة كان يصلي صلاته المفروضة عليه، ولم يترك ولله الحمد الصلاة في يوم من الأيام، ولكن بعد موته قال لنا أناس كثير: صلوا له كل يوم ركعتين هدية له يصل ثوابه إليه، ونحن الآن نفعل ذلك ونقرأ له من القرآن كي يصل إليه ثوابه، أفيدونا ما حكم هذا العمل بارك الله فيكم؟. . (1) .
ج: ليس على هذا دليل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا من الصحابة بأنهم كانوا يصلون لأمواتهم ولا يقرءون لأمواتهم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز هذا لكن الصواب أنه لا يشرع؛ لأن الشرع يرجع إلى النقل عن الله وعن رسوله، ولم ينقل لنا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة أنهم صلوا لأمواتهم من المسلمين أو قرءوا لهم، فالأفضل ترك ذلك، لكن الدعاء يدعى له بالمغفرة والرحمة، ويتصدق عنه بالمال ويحج عنه ويعتمر عنه، كل هذا طيب، أما كونه يصلى له ركعتين أو أكثر أو يقرأ له القرآن، فالأولى ترك ذلك.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (109) .(11/417)
حكم الصلاة للوالدين (1)
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/417)
س: من السائلة أم محمد - الرياض، تقول: هل هناك صلاة للوالدين المتوفيين وما كيفيتها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا. .
ج: ليس على الأولاد صلاة للوالدين بعد الوفاة ولا غيرهما، وإنما يشرع الدعاء لهما والاستغفار لهما والصدقة عنهما، وهكذا الحج عنهما والعمرة. أما الصلاة فلا يشرع لأحد أن يصلي عن أحد أو لأحد، وإنما يصلى على الميت المسلم قبل الدفن، ومن لم يصل عليه قبل الدفن شرع له أن يصلي عليه بعد الدفن إذا كانت المدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر تقريبا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «صلى على قبر أم سعد بن عبادة وقد مضى لها شهر (1) » .
وهكذا سنة الطواف، وهي ركعتان بعد الطواف تشرع لمن طاف، ومن ذلك الحاج أو المعتمر عن الغير، فإنه يشرع له إذا طاف عن المنوب عنه أن يصلي ركعتين تبعا للطواف.
والأصل في ذلك كله: أن العبادات توقيفية، لا يشرع منها إلا ما ثبت في الكتاب أو السنة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سنن الترمذي الجنائز (1038) .(11/418)
صلاة التوبة (1)
__________
(1) نشرت في (الجزء الرابع) من كتاب سماحته (مجموع فتاوى ومقالات متنوعة) ، ص (227) .(11/418)
س: شاب يقول: في فترة الشباب المبكر من العمر ارتكبت بعض المعاصي، وقد تبت إلى الله ولله الحمد والشكر، ولكن لا زال في نفسي شيء، وسمعت عن صلاة التوبة، أرجو أن تفيدوني نحو هذا جزاكم الله خيرا؟
ج: التوبة تجب ما قبلها وتمحوه والحمد لله؛ فلا ينبغي أن يبقى في قلبك شيء من ذلك، والواجب أن تحسن الظن بربك، وأن تعتقد أن الله تاب عليك إن كنت صادقا في توبتك؛ لأن الله يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (1) فعلق الفلاح بالتوبة، فمن تاب فقد أفلح، وقال سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (2) وهو الصادق سبحانه وتعالى في خبره ووعده، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (3)
__________
(1) سورة النور الآية 31
(2) سورة طه الآية 82
(3) سورة التحريم الآية 8(11/419)
و (عسى) من الله واجبة.
فعليك أن تحسن ظنك بربك، وأنه قبل توبتك، إذا كنت صادقا في توبتك نادما على ما عملت، مقلعا منه، عازما ألا تعود فيه، وإياك والوساوس، والله جل وعلا يقول في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي (1) » .
فينبغي أن تظن بالله خيرا، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل (2) » خرجه مسلم في صحيحه.
أما صلاة التوبة فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث الصديق - رضي الله عنه - أنه قال:
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكيين) برقم (15442) ، وفي (مسند الشاميين) برقم (16365) ، والدارمي في (الرقائق) برقم (2615) .
(2) رواه مسلم في (كتاب الجنة وصفة نعيمها) برقم (5125) واللفظ له، ورواه أبو داود في (الجنائز) برقم (2706) ، والإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (14053) .(11/420)
«ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتطهر فيحسن الطهور، ثم يصلي ركعتين ثم يتوب لله من ذنبه إلا تاب الله عليه (1) » . رواه الإمام أحمد. وبالله التوفيق.
__________
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه في (كتاب الرقائق) باب التوبة برقم (623) ، وأبو داود في (كتاب الصلاة) برقم (1521) ، وابن ماجه في (الصلاة) برقم (1395) .(11/421)
صلاة الاستخارة (1)
س: ما كيفية صلاة الاستخارة ومتى يكون الدعاء قبل السلام أم بعده؟
ج: صلاة الاستخارة سنة، والدعاء فيها يكون بعد السلام كما جاء بذلك الحديث الشريف.
وصفتها: أن يصلي ركعتين مثل بقية صلاة النافلة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وما تيسر من القرآن، ثم يرفع يديه بعد السلام ويدعو بالدعاء الوارد في ذلك وهو: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسميه بعينه من زواج أو سفر
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني ص (126) .(11/421)
أو غيرهما) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به (1) » . رواه الإمام البخاري في صحيحه.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (1096) .(11/422)
موضع دعاء الاستخارة في الصلاة (1)
س: سائل من مكة المكرمة يقول: متى يقرأ أو يقال: دعاء الاستخارة خارج الصلاة أي بعد الصلاة؟ أم في أثناء الصلاة؟ وفي أي موضع منها؟ وهل هناك فرق بين قراءة الدعاء " الاستخارة " من كتاب أو ورقة، وبين الدعاء غيبا؟ وهل تشرع إعادة صلاة الاستخارة للأمر نفسه عدة مرات؟
ج: المشروع للمسلم إذا صلى صلاة الاستخارة، أن يدعو بعد السلام منها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل:
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/422)
اللهم إني أستخيرك بعلمك (1) » الحديث.
وهذا يدل على أن الدعاء يكون بعد السلام من الصلاة، والأفضل أن يرفع يديه؛ لأن رفعهما من أسباب استجابة الدعاء، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه -، وهذا نصه: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني له قال: ويسمي حاجته (2) » . رواه البخاري.
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (1166) ، سنن الترمذي الصلاة (480) ، سنن النسائي النكاح (3253) ، سنن أبو داود الصلاة (1538) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1383) ، مسند أحمد بن حنبل (3/344) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (1166) ، سنن الترمذي الصلاة (480) ، سنن النسائي النكاح (3253) ، سنن أبو داود الصلاة (1538) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1383) ، مسند أحمد بن حنبل (3/344) .(11/423)
الوارد سجود الشكر وليس صلاة الشكر (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (106) .(11/423)
س: تسأل سائلة تقول: ما هي صفة صلاة الشكر، وما صفة صلاة الاستخارة؟
ج: لا أعلم أنه ورد شيء في صلاة الشكر، وإنما الوارد في سجود الشكر وصلاة التوبة، فيشرع للإنسان إذا أذنب ذنبا أن يصلي ركعتين ويتوب إلى الله توبة صادقة، فهذه هي صلاة التوبة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتطهر فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين ويتوب إلى الله من ذلك الذنب إلا قبل توبته (1) » . خرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث علي - رضي الله عنه - عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
وهكذا الشكر له سجود مشروع إذا بشر بشيء يسره بولد، أو فتح للمسلمين، أو بانتصار المسلمين على عدوهم، أو بغير هذا مما يسره فإنه يسجد لله شكرا مثل سجود الصلاة
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند العشرة المبشرين بالجنة) برقم (2) ، (57) بلفظ ''.. فيستغفر الله عز وجل إلا غفر له ''، وأخرجه ابن حبان في صحيحه في كتاب (الرقائق) برقم (623) .(11/424)
ويقول سبحان ربي الأعلى، ويدعو في السجود، ويحمد الله ويثني عليه على ما حصل من الخير؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا جاءه أمر يسره سجد لله شكرا، ولما بشر الصديق - رضي الله عنه - بقتل مسيلمة سجد لله شكرا، ولما وجد علي - رضي الله عنه - المخدج في قتلى الخوارج سجد لله شكرا.
وأما صلاة الاستخارة فهي مثل بقية الصلوات أيضا ركعتين يقرأ فيهما الفاتحة وما تيسر معها وبعد السلام يرفع يديه ويدعو ربه ويستخيره، فيقول: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر- ويسمي حاجته من زواج أو سفر أو غيرهما - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كان شرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث كان، ثم ارضني به (1) » . خرجه البخاري في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (14096) .(11/425)
حكم صلاة التسابيح (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/425)
س: ما حكم صلاة التسابيح؟
ج: اختلف العلماء في حديث صلاة التسابيح، والصواب أنه ليس بصحيح؛ لأنه شاذ ومنكر المتن ومخالف للأحاديث الصحيحة المعروفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة النافلة، الصلاة التي شرعها الله لعباده في ركوعها وسجودها وغير ذلك، ولهذا الصواب: قول من قال بعدم صحته لما ذكرنا، ولأن أسانيده كلها ضعيفة، والله ولي التوفيق.(11/426)
بدع في شهر رجب (1)
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد رقم (1566) في جمادى الآخرة 1417 هـ.(11/426)
س: يخص بعض الناس شهر رجب ببعض العبادات كصلاة الرغائب وإحياء ليلة (27) منه فهل ذلك أصل في الشرع؟ جزاكم الله خيرا.
ج: تخصيص رجب بصلاة الرغائب أو الاحتفال بليلة (27) منه يزعمون أنها ليلة الإسراء والمعراج كل ذلك بدعة لا يجوز، وليس له أصل في الشرع، وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم، وقد كتبنا في ذلك غير مرة وأوضحنا للناس أن صلاة الرغائب بدعة، وهي ما يفعله بعض الناس في أول ليلة جمعة من رجب، وهكذا الاحتفال بليلة (27) اعتقادا أنها ليلة الإسراء والمعراج، كل ذلك بدعة لا أصل له في الشرع، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفل بها، وهكذا خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه - رضي الله عنهم -، ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليها.(11/427)
والخير كله في اتباعهم والسير على منهاجهم كما قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1) وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (2) » . متفق على صحته، وقال عليه الصلاة والسلام: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (3) » . أخرجه مسلم في صحيحه، ومعنى فهو رد، أي مردود على صاحبه، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبه: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة (4) » . أخرجه مسلم أيضا.
فالواجب على جميع المسلمين اتباع السنة والاستقامة عليها والتواصي بها والحذر من البدع، كلها عملا بقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (5) وقوله سبحانه:
__________
(1) سورة التوبة الآية 100
(2) صحيح البخاري الصلح (2697) ، صحيح مسلم الأقضية (1718) ، سنن أبو داود السنة (4606) ، سنن ابن ماجه المقدمة (14) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(3) صحيح مسلم الأقضية (1718) ، مسند أحمد بن حنبل (6/256) .
(4) رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1435) ، والنسائي في (العيدين) برقم (1560) .
(5) سورة المائدة الآية 2(11/428)
{وَالْعَصْرِ} (1) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (2) {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (4) » . أخرجه مسلم في صحيحه.
أما العمرة فلا بأس بها في رجب، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «اعتمر في رجب» ، وكان السلف يعتمرون في رجب، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه: (اللطائف) عن عمر وابنه وعائشة - رضي الله عنهم - ونقل عن ابن سيرين أن السلف كانوا يفعلون ذلك. والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة العصر الآية 1
(2) سورة العصر الآية 2
(3) سورة العصر الآية 3
(4) رواه مسلم في (الإيمان) برقم (55) .(11/429)
صلاة التطوع لا تكون
واجبة إذا اعتاد عليها الإنسان (1)
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(11/429)
س: سائل يقول: صلاة التطوع إذا اعتاد عليها الإنسان هل تكون واجبة؟
ج: لا، لا تكون واجبة. التطوع يكون دائما تطوعا لا يكون واجبا أبدا، لكن بالنسبة للحج والعمرة إذا أحرم بهما الإنسان وجبتا عليه؛ لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1) فهذا شيء خاص بالحج والعمرة إذا أحرم بهما وجبتا حتى يكملهما، وأما ما سواهما كالصلاة والصيام والصدقة أو نحو ذلك فهذه التطوعات تبقى على حالها تطوعا. فلو شرع في الصلاة جاز له قطعها، ولو شرع في الصيام نافلة جاز له قطعه، ولكن الأفضل له أن يتم ويكمل، ولو أخرج مالا ليتصدق به جاز له أن يرجع قبل أن يسلم ذلك للفقير، لكن الأفضل عدم الرجوع في الصدقة.
والمقصود أن جميع النوافل على حالها هي تطوع حتى
__________
(1) سورة البقرة الآية 196(11/430)
ينتهي منها إلا الحج والعمرة، فإنهما إذا شرع فيهما وجبا حتى يكملهما.(11/431)
هل يأثم من ترك بعض
النوافل التي كان يداوم على أدائها (1)
س: الأخت التي رمزت لاسمها بأم يوسف من مكة المكرمة تقول في سؤالها: هل يأثم المرء بسبب ترك بعض النوافل التي كان يداوم على أدائها؛ لأني مثلا أثناء حملي تركت صوم الاثنين والخميس، أفتونا جزاكم الله خيرا. .
ج: النوافل جميعا يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها مثل صوم الاثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وسنة الضحى والوتر، ولكن يشرع للمؤمن أن يواظب ويحافظ على السنن المؤكدة، لما في ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ولأن النوافل يكمل بها نقص الفرائض. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(11/431)
حكم الصلاة في
حجر إسماعيل وهل له مزية (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(11/431)
س: نشاهد بعض الناس يتزاحمون من أجل الصلاة في حجر إسماعيل، فما حكم الصلاة فيه، وهل له مزية؟
ج: الصلاة في حجر إسماعيل مستحب؛ لأنه من البيت، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه دخل الكعبة عام الفتح وصلى فيها ركعتين (1) » . متفق على صحته من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - عن بلال - رضي الله عنه -.
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه «قال لعائشة - رضي الله عنها - لما أرادت دخول الكعبة: صلي في الحجر فإنه من البيت (2) » .
أما الفريضة فالأحوط عدم أدائها في الكعبة أو في الحجر
__________
(1) رواه البخاري في (الصلاة) برقم (382) ، وفي (الجمعة) برقم (1101) ، ومسلم في (الحج) برقم (2362) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (23475) ، والترمذي في (الحج) برقم (802) ، والنسائي في (مناسك الحج) برقم (2863) .(11/432)
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك، ولأن بعض أهل العلم قالوا: إنها لا تصح في الكعبة ولا في الحجر؛ لأنه من البيت.
وبذلك يعلم أن المشروع أداء الفريضة خارج الكعبة وخارج الحجر تأسيا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم صحتها في الكعبة ولا في الحجر، والله ولي التوفيق.(11/433)
السلام على قارئ القرآن بعد النافلة (1)
س: ما هو الأفضل لمن يكون بجانب قارئ القرآن هل يسلم عليه ويصافحه بعد انتهائه من تحية المسجد، أم أن عدم قطع قراءته وإشغاله عن التلاوة أفضل؟
ج: السنة أن يسلم عليه ويصافحه لما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا التقى المسلمان فتصافحا، تحاتت عنهما ذنوبهما كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها (2) » . ويقول أنس - رضي الله عنه -: كان
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) صحيح البخاري الإيمان (31) ، صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (2888) ، سنن النسائي تحريم الدم (4121) ، سنن أبو داود الفتن والملاحم (4268) ، مسند أحمد بن حنبل (5/51) .(11/433)
أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا. رواه الطبراني ورواته محتج بهم في الصحيح.
ولأن في ذلك تأكيد للمودة والإيناس والتعارف بين المسلمين وقطع القراءة لمصلحة عارضة أمر مطلوب، والله ولي التوفيق.
انتهى الجزء الحادي عشر ويليه
بمشيئة الله الجزء الثاني
عشر وأوله باب صلاة الجماعة.(11/434)
صفحة فارغة(12/1)
صفحة فارغة(12/2)
صفحة فارغة(12/3)
صفحة فارغة(12/4)
صفحة فارغة(12/5)
صفحة فارغة(12/6)
بسم الله الرحمن الرحيم
وجوب أداء الصلاة جماعة (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من تبلغه هذه النصيحة من إخواننا المسلمين أئمة المساجد والمأمومين وسواهم، سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فغير خاف على الجميع عظم شأن الصلاة في الإسلام إذ هي عموده، بها يستقيم دين المسلم وتصلح أعماله ويعتدل سلوكه في شئون دينه ودنياه متى أقيمت على الوجه المشروع؛ عقيدة وعبادة وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما لها من خاصية قال الله عنها في محكم التنزيل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (2) وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (3) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (4) وكما أن هذا شأنها فهي أيضا مطهرة لأدران الذنوب ماحية للخطايا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت
__________
(1) كلمة توجيهية صدرت من مكتب سماحته.
(2) سورة العنكبوت الآية 45
(3) سورة المؤمنون الآية 1
(4) سورة المؤمنون الآية 2(12/7)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا (1) » متفق عليه.
فحري بالمسلم تجاه فريضة هذا شأنها أن لا يفرط فيها، كيف وهي الصلة بينه وبين ربه تعالى كما أنها جديرة بالتفقه في أحكامها وغير ذلك مما شرع الله فيها حتى يؤديها المؤمن بعناية في الخشوع والإحسان والطمأنينة ظاهرا وباطنا. فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله (2) » رواه مسلم.
فعليكم معشر المسلمين بتقوى الله في أموركم عامة وفي صلاتكم خاصة أن تقيموها محافظين عليها وحافظين لها عما يبطلها أو ينقص كمالها من تأخير لها عن أوقاتها الفاضلة من
__________
(1) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (497) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1071) واللفظ له.
(2) رواه مسلم في (الطهارة) برقم (235) .(12/8)
غير عذر شرعي، أو التثاقل عن أدائها جماعة في المساجد، أو الإتيان فيها بما يذهب الخشوع ويلهي القلوب عن استحضار عظمة من تقفون بين يديه تعالى، وتدبر لكلامه وذكره ومناجاته جل شأنه من نحو تشاغل في أمور خارجة عنها، أو حركات غير مشروعة فيها كالذي يحدث من البعض عبثا من كثرة تعديل لباسه من غترة وعقال ونظر إلى الساعة أو تمسيح شعر لحيته ونحو ذلك بعد الإحرام بها. كل هذا مما ينافي الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها وسبب قبولها أو ينقصه أو يضعفه. وللتحذير من مثل هذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الرجل ليقوم في الصلاة ولا يكتب له منها إلا نصفها إلى أن قال إلا عشرها (1) » رواه أبو داود بإسناد جيد.
فعلى الجميع عامة وعلى الأئمة خاصة أن يكونوا على جانب كبير من الفقه في أحكام الصلاة، وأن يكونوا قدوة حسنة في إقامة هذه الشعيرة العظيمة لأنه يقتدي بهم المأمومون ويتعلم منهم الجاهل والصغير، وربما ظن البعض من العامة أن
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18136) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (675) .(12/9)
ما يفعله الإمام ولو كان خلاف السنة أنه سنة، ولا سيما بعض المسلمين الوافدين من بعض البلدان الخارجية ممن لا يعرف أحكام الصلاة على الوجه المشروع، كما أن مما تساهل فيه بعض الأئمة وبعض المأمومين العناية بتسوية الصفوف واستقامتها والتراص فيها وهو أمر يخشى منه غضب الله سبحانه، للوعيد الوارد في ذلك. فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم (1) » رواه مسلم.
وفي المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم (2) » .
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة (3) » متفق عليه.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الشاميين) برقم (16482) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (654) ، والنسائي في (الإمامة) برقم (803) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (676) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (659) واللفظ متفق عليه.
(3) رواه البخاري في (الأذان) برقم (681) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (656) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) برقم (983) واللفظ له.(12/10)
فكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على تسوية الصفوف، والحث على المحافظة على أداء الصلوات في المساجد جماعة كما درج عليها الصحابة والتابعون لهم بإحسان سلفا وخلفا، وفي ذلك الأجر العظيم من الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح (1) » متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة (2) » رواه مسلم.
وإذ علم هذا فمما يجب الحذر منه ظاهرة التثاقل من البعض عن صلاة العشاء وصلاة الفجر في المساجد جماعة وهي عادة خطيرة؛ لأنها من صفات المنافقين لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أثقل الصلاة على
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (622) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1073) واللفظ له.
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1070) .(12/11)
المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا (1) » . فلا عذر ولا رخصة دونما عذر شرعي لمن سمع النداء فلم يجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » واستأذنه رجل أعمى ليس له قائد يلازمه هل له رخصة أن يصلي في بيته قال له صلى الله عليه وسلم: «هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (3) » ، وفي رواية أخرى قال: «لا أجد لك رخصة (4) » . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وأنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (617) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1041) .
(2) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) برقم (785) .
(3) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (653) ، والنسائي في (الإمامة) برقم (850) .
(4) رواه أبو داود في (الصلاة) برقم (552) ، وابن ماجه في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (792) .(12/12)
لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (1) رواه مسلم.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها دليل على وجوب حضور الجماعة حيث ينادى بالصلاة وفي امتثال ذلك طاعة الله ورسوله وسعادة الدارين والبعد عن مشابهة أهل النفاق وصفاتهم.
فأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يرزقنا جميعا الاستقامة على دينه. والمحافظة على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن وأدائهن بالطمأنينة والخشوع الكامل رغبة فيما عند الله وحذرا من عذابه إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1064) .(12/13)
التهاون بأداء صلاة الجماعة منكر عظيم (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه، ونظمني وإياهم في سلك من خافه واتقاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد بلغني أن كثيرا من الناس قد يتهاونون بأداء الصلاة في الجماعة ويحتجون بتسهيل بعض العلماء في ذلك فوجب علي أن أبين عظم الأمر وخطورته، ولا شك أن ذلك منكر عظيم وخطره جسيم، فالواجب على أهل العلم التنبيه على ذلك والتحذير منه لكونه منكرا ظاهرا لا يجوز السكوت عليه.
ومن المعلوم أنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمر عظم الله شأنه في كتابه العظيم، وعظم شأنه رسوله الكريم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.
ولقد أكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة،
__________
(1) كلمة صدرت من مكتب سماحته ونشرت أيضا في جريدة (الجزيرة) ، يوم الأحد 22 \ 2 \ 1412 هـ.(12/14)
وأخبر أن التهاون بها والتكاسل عنها، من صفات المنافقين، فقال تعالى في كتابه المبين: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)
وكيف يعرف الناس محافظة العبد عليها، وتعظيمه لها، وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه وتهاون بشأنها وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2) وهذه الآية الكريمة نص في وجوب الصلاة في الجماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) ؛ لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، وقال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (4) الآية.
فأوجب سبحانه أداء الصلاة في الجماعة في حال الحرب وشدة الخوف، فكيف بحال السلم؟ ولو كان أحد يسامح في ترك الصلاة في جماعة، لكان المصافون للعدو، المهددون
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة البقرة الآية 43
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) سورة النساء الآية 102(12/15)
بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك، علم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا يجوز لأحد التخلف عن ذلك.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (1) » الحديث. وفي مسند الإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم (2) » .
وفي صحيح مسلم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ولقد كان الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (3) . وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في
__________
(1) رواه البخاري في (الأحكام) برقم (6683) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1041) واللفظ له.
(2) رواه مسلم في (باقي مسند المكثرين) برقم (8441) .
(3) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1045) .(12/16)
المسجد الذي يؤذن فيه (1) . وفيه أيضا عنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. (2) .
وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (3) » . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (4) » . قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال:
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1045) .
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1046) .
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(4) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(12/17)
(خوف أو مرض) .
والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كثيرة جدا، فالواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر، والمبادرة إليه، والتواصي به مع أبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين، امتثالا لأمر الله ورسوله، وحذرا مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعادا عن مشابهة أهل النفاق الذين وصفهم الله بصفات ذميمة من أخبثها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1) {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} (2)
ولأن التخلف عن أدائها في الجماعة من أعظم أسباب تركها بالكلية، ومعلوم أن ترك الصلاة كفر وضلال وخروج عن دائرة الإسلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » . خرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم
__________
(1) سورة النساء الآية 142
(2) سورة النساء الآية 143
(3) رواه مسلم في (الإيمان) برقم (82) .(12/18)
الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » . رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع بإسناد صحيح.
والآيات والأحاديث في تعظيم شأن الصلاة، ووجوب المحافظة عليها وإقامتها كما شرع الله والتحذير من تركها كثيرة ومعلومة، فالواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها في أوقاتها، وأن يقيمها كما شرع الله، وأن يؤديها مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله، طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحذرا من غضب الله وأليم عقابه.
ومتى ظهر الحق واتضحت أدلته، لم يجز لأحد أن يحيد عنه لقول فلان أو فلان؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2)
ويقول سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3)
ولا يخفى ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة،
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (21859) ، والترمذي في (الإيمان) برقم (2545) .
(2) سورة النساء الآية 59
(3) سورة النور الآية 63(12/19)
والمصالح الجمة، ومن أوضح ذلك التعارف والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتشجيع المتخلف، وتعليم الجاهل، وإغاظة أهل النفاق، والبعد عن سبيلهم، وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه سبحانه بالقول والعمل، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.
ومن الناس من قد يسهر بالليل ويتأخر عن صلاة الفجر، وبعضهم يتخلف عن صلاة العشاء، ولا شك أن ذلك منكر عظيم وتشبه بأعداء الدين المنافقين الذين قال الله فيهم سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (1) وقال فيهم عز وجل {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (2) {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (3) وقال سبحانه في حقهم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} (4) {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (5)
__________
(1) سورة النساء الآية 145
(2) سورة التوبة الآية 67
(3) سورة التوبة الآية 68
(4) سورة التوبة الآية 54
(5) سورة التوبة الآية 55(12/20)
فيجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من مشابهة هؤلاء المنافقين في أعمالهم وأقوالهم، وفي تثاقلهم عن الصلاة وتخلفهم عن صلاة الفجر والعشاء حتى لا يحشر معهم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا (1) » متفق على صحته.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم (2) » رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بإسناد حسن.
وفقني الله وإياكم لما فيه رضاه وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وأعاذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن مشابهة الكفار والمنافقين، إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (617) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1041) .
(2) رواه أبو داود في (اللباس) برقم (3512) ، وأحمد في (مسند المكثرين) برقم (4868) .(12/21)
س: السائل أ. ص. م. ب. من الرياض يقول في سؤاله: عندي أولاد أعمارهم من التاسعة إلى الخامسة والعشرين لا يصلون مع الجماعة دائما وأنا آمرهم وأزجرهم وأوقظهم من النوم إذا كانوا نائمين ويدخلون دورات المياه للوضوء ثم أطلب من أمهم إكمال المهمة وحثهم على سرعة الخروج للصلاة في المسجد ولكنهم لا يحضرون إلى المسجد دائما خاصة في صلاة الفجر، هذا إذا كنت عندهم أما إذا كنت في البيت الآخر لأنني متزوج من أخرى فإنهم لا يحضرون إلى المسجد إلا نادرا، وقد طلبت من أمهم أن تأمرهم بالصلاة مع الجماعة وأن تكمل ما بدأت حيث إنني أوقظهم وأخرج وهم في دورة المياه وأن تتولاهم إذا لم أكن موجودا وأن تستعمل معهم التخويف وربما الضرب إذا لزم الأمر ذلك ولكنها لا تفعل ذلك فهل من نصيحة لهم ولها ولي مع العلم يا سماحة الشيخ أنها تقول: إن هذا الموضوع مسئوليتك وليست مسئوليتي. فهل كلامها صحيح أرشدونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الواجب عليك وعليهم وعلى أمهم التعاون على البر والتقوى، وبذل الأسباب الممكنة لأداء الصلاة في الجماعة، ولو بالضرب منك ومن أمهم، لمن بلغ عشر سنوات فأكثر
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/22)
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع (1) » .
ولقول الله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (3) » أخرجه مسلم في صحيحه.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (4) » قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) .
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة. أسأل الله أن يصلح ذرياتنا وذرياتكم وذريات المسلمين جميعا. وأن يعينك وأمهم على كل ما فيه صلاح الجميع، وبراءة الذمة إنه جواد كريم.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (6716) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (495) .
(2) سورة التوبة الآية 71
(3) رواه مسلم في (الإيمان) برقم (70) ، والنسائي في (الإيمان وشرائعه) برقم (4922) .
(4) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) برقم (785) .(12/23)
س: رجل قارب من العمر الثلاثين عاما ويصلي في المنزل غالبا، إلا أنه يحضر الجماعة في بعض الأوقات وفي الجمعة، ولكن لا يبدو عليه الحرص على ملازمة الجماعة، والدته تلح عليه في لزوم الجماعة، وهناك من اقترح عليها أن تظهر غضبها عليه وألا تجالسه لعله يرجع، ولكنها تخاف عليه، وتقول: أنصحه، أريد توجيها مفصلا لهذا الرجل حول أدلة وجوب الجماعة وما ينبغي للمسلم من طاعة الله وشكره على ما أنعم على الإنسان من نعم صالحة، ومن نعمة الصحة والشباب والعافية وسعة الرزق ولله الحمد، وما هو الحكم الشرعي في مجالسته ومؤاكلته والحالة هذه، ونصيحة أخرى نرجو أن تتفضلوا بتوجيه هذه الأم وتوصيتها بأي أسلوب تستعمله مع هذا الشاب لعله أن يرجع (1) ؟
ج: لا ريب أن الصلاة جماعة مع المسلمين في بيوت الله من أهم الفرائض، وهي من شعائر الإسلام، الواجب على كل مكلف أن يعتني بها، وأن يبادر ويسارع إلى إقامة الصلاة في الجماعة مع المسلمين، وأن يتباعد عن مشابهة أهل النفاق.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) شريط رقم (3) .(12/24)
فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها - يعني الصلاة في الجماعة - إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل - يعني من الصحابة - يؤتى به يهادى بين الرجلين - يعني المريض أو كبير السن - حتى يقام في الصف من شدة حرصهم على أداء الصلاة مع الجماعة. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » قيل لابن عباس رضي الله عنه: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) .
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل أعمى وقال: يا رسول الله ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء إلى الصلاة فقال: نعم قال: فأجب (2) » رواه مسلم في صحيحه.
__________
(1) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793) .
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المجد على من سمع النداء برقم (653) ، والنسائي في (الإمامة) باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن برقم (850) .(12/25)
وفي رواية أخرى عند غير الإمام مسلم: «لا أجد لك رخصة (1) » .
وقد هم صلى الله عليه وسلم أن يحرق على المتخلفين بيوتهم كما في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر برجل فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجال لا يشهدون الصلاة - يعني في المساجد - فأحرق عليهم بيوتهم (2) » . هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وفي رواية الإمام أحمد: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقتها عليهم (3) » . والمقصود أن الصلاة في الجماعة في بيوت الله - وهي المساجد - أمر مفترض وأمر لازم، ومن شعار المسلمين، ومن شعار أهل الحق، والتخلف عن ذلك في البيوت من شعار المنافقين، فلا ينبغي للمسلم أن يرضى بمشابهة أهل النفاق الذين قال الله فيهم سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (4) {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (5)
__________
(1) رواه أبو داود في (الصلاة) باب في التشديد في ترك الجماعة برقم (552) ، وابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة برقم (792) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (9202) ، والبخاري في (الأحكام) باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت برقم (7224) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة برقم (651) .
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (8578) .
(4) سورة النساء الآية 142
(5) سورة النساء الآية 143(12/26)
ذكرهم سبحانه بخمس صفات للمنافقين: إحداها: أنهم يخادعون الله والذين آمنوا، فليس عندهم نصيحة ولا أمانة، بل عندهم مكر وخديعة وكيد للمسلمين في معاملاتهم. والثانية: أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، فليس عندهم نشاط لعدم إيمانهم إنما هو رياء. والثالثة: أنهم لا يذكرون الله إلا قليلا، فذكرهم لله قليل تعرف فيهم الغفلة. والرابعة: أنهم أهل رياء يراءون الناس بأعمالهم ليس عندهم إخلاص لله في ذلك وإنما قصدهم في أعمالهم الرياء والسمعة وطلب المحمدة وليس عندهم إخلاص لله سبحانه وتعالى. والخامسة: أنهم مذبذبون ليس عندهم ثبات وليس عندهم هدف مستقيم، بل هم تارة مع المؤمنين وتارة مع الكافرين، ليس عندهم قاعدة ولا دين ثابت ولا إيمان صادق، بل إن ظهر المؤمنون ونصروا صاروا مع المؤمنين، وإن ظهر الكفار على المسلمين صاروا مع الكفار. هذا هو حال المنافقين فكيف يرضى المؤمن أن يتشبه بهم في التخلف عن الصلاة في الجماعة.
والوالدة التي نصحت ولدها في أن يصلي مع الجماعة قد أحسنت وهذا هو الواجب عليها، والواجب عليها أيضا أن تستمر في ذلك، وأن تنصحه دائما وتهجره إذا امتنع ولم يمتثل(12/27)
وتستعين عليه بالله ثم بمن ترى من أقاربه كأبيه أو أخيه الكبير أو عمه ونحو ذلك إذا كان له أقارب صالحون تستعين بالله ثم بهم.
والخلاصة: أن من يعرف بالتخلف عن الجماعة يستحق الهجر ويستحق التأديب من ولاة الأمر حتى يستقيم، وحتى يحافظ على صلاة الجماعة.
ومن المعلوم أن التخلف عن الصلاة في الجماعة من أعظم الأسباب لتركها بالكلية - أعوذ بالله - لأن هذا المرض في القلب الذي أوجب له التخلف سيجره في الغالب إلى الترك وعدم المبالاة فتارة يصلي وتارة لا يصلي، وهذا يحمله على الرياء إن رأى من يستحي منهم صلى وإن خلا له الجو ترك، وهذه حال المنافقين - والعياذ بالله - فالواجب الحذر، والواجب على الوالدة وعلى أقارب الرجل وعلى أصدقائه أن ينصحوه وأن يعينوا والدته عليه، وأن يهجروه إذا استمر في باطله وتخلفه. نسأل الله الهداية للجميع.(12/28)
س: غالبا ما تفوتني صلاة العصر، وأصليها في المنزل وذلك بسبب عملي الذي لا ينتهي إلا بأذان العصر، وأخرج من العمل وأنا مرهق وليس لدي وقت للراحة والأكل ولا أقدر على الصلاة في وقتها. فهل يصح لي(12/28)
الصلاة في البيت وتأخير الصلاة عن وقتها (1) ؟
ج: ليس ما ذكرته عذرا يسوغ لك تأخير الصلاة مع الجماعة، بل الواجب عليك أن تبادر إليها مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل، ثم تكون الراحة وتناول الطعام بعد ذلك؛ لأن الله سبحانه أوجب عليك أداء الصلاة في وقتها مع إخوانك المسلمين في الجماعة وليس ما ذكرته عذرا شرعيا في تأخيرها، ولكن ذلك من خداع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ومن ضعف الإيمان وقلة الخوف من الله عز وجل فاحذر هواك وشيطانك ونفسك الأمارة بالسوء تحمد العاقبة وتفوز بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة. وقاك الله شر نفسك وأعاذك من نزغات الشيطان.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1447) ، وتاريخ 21 \ 1 \ 1415 هـ.(12/29)
س: بعض الناس - هدانا الله وإياهم - يتخلفون عن صلاة الجماعة بدون عذر شرعي، وبعضهم يعتذر بأعماله الدنيوية وحينما تسدي لهؤلاء النصيحة يستمرون في تعنتهم بل يرددون دائما الصلاة لله وليس لأحد دخل في ذلك، فما قولكم في ذلك (1) ؟
ج: التناصح بين المسلمين وإنكار المنكر من أهم
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (101) .(12/29)
الواجبات كما قال الله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (2) » . وقال صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (3) » رواهما مسلم في صحيحه.
ولا شك أن ترك الصلاة في الجماعة بغير عذر من المنكرات التي يجب إنكارها، ويجب أن تؤدى الصلوات الخمس في المساجد في حق الرجال لأدلة كثيرة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (4) » خرجه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما، وصححه الحاكم وإسناده جيد، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه «قال له رجل أعمى: يا رسول الله ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال
__________
(1) سورة التوبة الآية 71
(2) رواه مسلم في (الإيمان) برقم (70) ، والنسائي في (الإيمان وشرائعه) برقم (4922) .
(3) رواه مسلم في (الإيمان) برقم (82) .
(4) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) برقم (785) .(12/30)
عليه الصلاة والسلام هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (1) » خرجه مسلم في صحيحه.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والواجب على المسلم إذا أنكر عليه أخوه المنكر ألا يغضب وألا يرد عليه إلا خيرا، بل ينبغي له أن يشكره ويدعو له بالخير لكونه دعاه إلى طاعة الله وذكره بحقه، ولا يجوز له أن يتكبر على داعي الحق؛ لقول الله سبحانه ذاما من فعل ذلك ومتوعدا له بعذاب جهنم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (2) نسأل الله لجميع المسلمين الهداية.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(2) سورة البقرة الآية 206(12/31)
س: من سائلة من جدة في المملكة العربية السعودية تقول: زوجي رجل ذو خلق يصلي ولكنه لا يصلي في المسجد ولا يصلي السنة، إذا حاولت إيقاظه لصلاة الفجر يصرخ في وجهي مما جعلني لا أحاول إيقاظه حتى لا يصرخ في وجهي، وأحيانا يتعلل بأنه لا يفعل شيئا يغضب الله، وأنه نظيف القلب، ويقول هذا يكفي، أرجو توجيه النصح (1) .
ج: الواجب على كل مسلم مكلف أن يصلي الصلوات
__________
(1) نشرت في (جريدة المسلمون) .(12/31)
الخمس مع المسلمين في المسجد، لقول الله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (1) وقوله سبحانه: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (2) الآية، فإذا وجبت الصلاة في الجماعة حال الخوف فوجوبها في حال الأمن أحق وأولى، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (3) » أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح، قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض) . وصح «عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سأله رجل أعمى قائلا: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (4) » . أخرجه مسلم في صحيحه. وقال ابن مسعود
__________
(1) سورة البقرة الآية 43
(2) سورة النساء الآية 102
(3) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793) .
(4) رواه الإمام مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) ، والنسائي في (الإمامة) باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن، برقم (850) .(12/32)
رضي الله عنه: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله قد شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف. أخرجه مسلم في صحيحه.
فالواجب عليك نصيحته بأسلوب حسن، وترغيبه في صلاة الرواتب مع الفرائض، وهي أربع قبل الظهر، يسلم من كل ثنتين، وثنتان بعد الظهر، وثنتان بعد المغرب، وثنتان بعد العشاء، وثنتان قبل صلاة الصبح، الجميع اثنتا عشرة ركعة وتسمى الرواتب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليهن، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من صلى في يومه وليلته اثنتي عشرة ركعة تطوعا بني له بهن بيت في الجنة (1) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (26228) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، برقم (728) .(12/33)
وصح عن أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر هذه الركعات بهذه الرواتب. ويستحب للمسلم أن يصلي قبل العصر أربعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا (1) » . والأفضل أن يسلم من كل ثنتين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (2) » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح. والأفضل أيضا أن يصلي بعد الظهر أربعا كما صلى قبلها أربعا، يسلم من كل ثنتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار (3) » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) باب ما جاء في الأربع قبل العصر برقم (430) ، وأبو داود في (الصلاة) باب الصلاة قبل العصر، برقم (1271) .
(2) رواه الترمذي في (الجمعة) باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم (597) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب ما جاء في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، برقم (1322) .
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (26232) ، والترمذي في (الصلاة) برقم (428) ، وأبو داود في (الصلاة) باب الأربع قبل الظهر وبعدها، برقم (1269) .(12/34)
الأربع بإسناد صحيح من حديث أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
ويجب على زوجك، أن يحذر تأخير صلاة الفجر عن وقتها؛ لأن ذلك كفر أكبر في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » أخرجه مسلم في صحيحه.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
والأحاديث في عظم شأن الصلاة، والحث على أدائها في الوقت وفي الجماعة كثيرة جدا، ونسأل الله أن يهدي زوجك وكافة المسلمين لكل خير، وأن يعيذه من شر نفسه وهواه، وأن يجعلك من خير أعوانه في الخير، إنه سميع قريب.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند جابر بن عبد الله) برقم (14762) ، ومسلم في (الإيمان) باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم (82) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22428) ، والترمذي في (الإيمان) باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621) .(12/35)
وأما، قول زوجك إنه لا يفعل شيئا يغضب الله، وأنه نظيف القلب، فهذا غرور وتزكية للنفس، ولا شك أن تأخير الصلاة عن وقتها، وعدم أدائها في الجماعة في المسجد كلاهما يغضب الله سبحانه، ولا شك أن نظيف القلب الذي قد عمر الله قلبه بالإيمان والتقوى لا يؤخر الصلاة عن وقتها، ولا يتأخر عن الصلاة في الجماعة في المسجد؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب (1) » متفق على صحته. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) حديث نعمان بن بشير برقم (27638) ، والبخاري في (الإيمان) باب فضل من استبرأ لدينه برقم (52) ، ومسلم في (المساقاة) باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (1599) .(12/36)
حكم الصلاة في المنزل إذا كان المسجد بعيدا (1)
س: أسكن في بيت بعيد عن المسجد وأضطر لاستخدام السيارة للذهاب إلى الصلاة، وإذا مشيت على قدمي أحيانا تفوتني الصلاة، مع العلم أنني أسمع الأذان عبر مكبرات الصوت، فهل علي حرج إذا صليت في البيت أو
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (103) .(12/36)
صليت مع ثلاثة أو أربعة من الجيران في منزل أحدنا؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
ج: الواجب عليك أن تصلي مع إخوانك المسلمين في المسجد إذا كنت تسمع النداء في محلك بالصوت المعتاد بدون مكبر عند هدوء الأصوات وعدم وجود ما يمنع السمع. فإن كنت بعيدا لا تسمع صوت النداء بغير مكبر جاز لك أن تصلي في بيتك أو مع بعض جيرانك؛ لما «ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للأعمى لما استأذنه أن يصلي في بيته: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال فأجب (1) » رواه الإمام مسلم في صحيحه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » خرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح، ومتى أجبت المؤذن ولو كنت بعيدا وتجشمت المشقة على قدميك أو في السيارة فهو خير لك وأفضل والله يكتب لك آثارك ذاهبا إلى المسجد وراجعا منه مع الإخلاص والنية، لما «ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل كان بعيدا عن المسجد النبوي وكانت لا تفوته صلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء وفي الليلة الظلماء؟ فقال رضي الله عنه: ما أحب أن يكون بيتي بقرب المسجد إني أحب أن يكتب لي
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(2) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(12/36)
ممشاي إلى المسجد ورجوعي إلى أهلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد جمع لك ذلك كله (1) » . خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1065) .(12/38)
حديث «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (1)
س: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» هل هو حديث صحيح أم قول مأثور؟ وهو قول فيه تشدد فالدين يسر وليس بعسر فما قول سماحتكم؟
ج: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» هذا اللفظ رواه الإمام أحمد والدارقطني والحاكم والطبراني والديلمي كلهم بأسانيد ضعيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (ليس له إسناد ثابت وإن اشتهر بين الناس) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، وعلى فرض صحته فمعناه محمول على أنه لا صلاة كاملة لجار المسجد إلا في المسجد؛ لأن الأحاديث الصحيحة قد دلت على صحة صلاة المنفرد لكن مع الإثم إن لم يكن له عذر شرعي؛ لأن الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين واجبة لأحاديث أخرى
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (104) .(12/38)
غير الحديث المسئول عنه، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » خرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم وإسناده على شرط مسلم، «ولقوله صلى الله عليه وسلم للأعمى الذي استأذنه أن يصلي في بيته واعتذر بأنه ليس له قائد يقوده إلى المسجد: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (2) » خرجه مسلم في صحيحه.
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(12/39)
هل تجب صلاة الجماعة على المسافر (1)
س: الأخ م. س. أ. من أسيوط في مصر، يقول في سؤاله إذا أراد الإنسان أن يسافر إلى مكان يبعد عن مقر إقامته مدة ساعة بالطائرة، فهل يجوز له أن يجمع ويقصر الصلاة وهو مقيم في فندقه أو مقر إقامته، وهل له الفطر في رمضان؟ نرجو الإجابة.
ج: ليس لأحد أن يقصر الصلاة وهو مقيم إلا إذا كان مريضا يشق عليه الصوم أو مسافرا في أثناء سفره.
أما من أراد السفر وهو في بلده فليس له أن يقصر حتى يسافر ويغادر عامر البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا لم يقصر حتى يغادر المدينة وليس لأحد أن يصلي
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/39)
وحده سواء كان مسافرا أو مقيما في محل تقام فيه الجماعة، بل عليه أن يصلي مع الناس ويتم معهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناده على شرط مسلم. وقد قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ فقال: خوف أو مرض.
«وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (2) » أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (3) » متفق على صحته.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(3) رواه البخاري في (الأحكام) برقم (6683) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1040) واللفظ له.(12/40)
الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ولقد كان الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (1) أخرجه مسلم في صحيحه.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على كل مسلم مسافر أو مقيم أن يصلي في الجماعة، وأن يحذر الصلاة وحده إذا كان يسمع النداء للصلاة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1046) .(12/41)
جواز التخلف عن صلاة الجماعة لمن كان له عذر شرعي (1)
س: أعيش في منزل ليس فيه سوى أبي وزوجتي، وطفلين صغيرين وفي إحدى المرات أمرني والدي بأن أذهب لأصلي في المسجد، لكن زوجتي استحلفتني بالله
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (18) .(12/41)
ألا أخرج من البيت إلا بعد مجيء والدي من المسجد خوفا من بقائها وحدها. وعندما عاد والدي سألني عن عدم ذهابي إلى المسجد أخبرته فاستحلفني بالله ألا أذهب إلى المسجد وأن أصلي في البيت. فأخبرته أن صلاة المسجد أفضل من صلاة المنزل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ، ومع هذا أصر علي بأن أصلي في البيت وأنني إذا خرجت سوف لن يسمح لي بالدخول مرة أخرى. فأطعته امتثالا لأمره. أفتونا جزاكم الله خيرا لا سيما وأن المرأة تشكو دائما من بقائها وحدها في المنزل؟ .
ج: إذا كان على زوجتك خطر وهي غير آمنة، وحولها ما يخشى منه، فلك عذر بأن تصلي في البيت خوفا على زوجتك، وأما إذا كان المحل آمنا ولا شبهة فيما ذكرته الزوجة، إنما هذا تساهل منها فصل في المسجد، وأطع والدك فيما يأمرك بالمعروف؛ بل أطع الله قبل والدك، وعليك أن تصلي في المسجد مع المسلمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » ، وقد «سأله رجل أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي فقال عليه
__________
(1) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) برقم (785) .(12/42)
الصلاة والسلام هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (1) » .
فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر الأعمى الذي ليس له قائد يلائمه أن يصلي في المسجد ولم يعذره، فأنت أولى وأولى، ولا تلزم طاعة الوالد في خلاف الشرع؛ لأن الرسول يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الطاعة في المعروف (2) » ، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (3) » ، لكن إذا كانت الزوجة غير آمنة والمحل غير آمن والخطر موجود فلا بأس أن تصلي في البيت، وهذا عذر شرعي.
أما حديث: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» فهو حديث ضعيف ليس بمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو مشهور عن علي رضي الله عنه. ولكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني عن ذلك وهو: الحديثان السابقان: «من سمع النداء فلم يأته فلا
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1044) ، والنسائي في (الإمامة) برقم (841) .
(2) رواه البخاري في (الأحكام) برقم (6612) ، ومسلم في (الإمارة) برقم (3424) .
(3) رواه ابن أبي شيبة في (الجهاد) برقم (15564) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (2 \ 177) .(12/43)
صلاة له إلا من عذر (1) » ، وحديث قصة الأعمى الذي تقدم ذكره قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أجب ". فهذان الحديثان الصحيحان يغنيان عن حديث: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» .
والمقصود أن الواجب على المسلمين من الرجال أن يصلوا في المساجد وأن يكثروا سواد المسلمين، وأن يخرجوا إلى المسجد وألا يتشبهوا بالمنافقين، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها - يعني الصلاة - إلا منافق معلوم النفاق) (2) ، وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عن الصلاة بيته بالنار.
فالواجب عليك وعلى كل مسلم قادر أن يصلي في المسجد وليس له أن يصلي في بيته إلا من عذر شرعي.
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1046) .(12/44)
س: سائل من البحرين يقول: لدينا بستان يبعد عنا حوالي عشرين إلى ثلاثين كم، أذهب إليه بعد صلاة العصر مع أخي ونصلي المغرب في البستان وأكون أنا إمامه وبعض الأوقات نكون جماعة إذا حضر بعض إخواني والأصدقاء ولا أستطيع الذهاب إلى المسجد لأن المساجد(12/44)
التي بقربنا لفئات معينة تعلمونها ويصلون متأخرين ولا يمكن الرجوع إلى منطقتنا وذلك لضيق الوقت وخطر الشارع الذي يكون مزدحما بالأطفال والسيارات ولو خرجت إلى الصلاة قبل نصف ساعة لأدركت الصلاة في المسجد ولكن هذا يضيع علي مراقبة العمال وهم من السيخ ليس لهم ذمة، فهل صلاتي صحيحة وما حكم العمال الذين على غير دين الإسلام (1) ؟
ج: إذا كان الواقع كما ذكرتم فلا حرج عليكم في الصلاة في البستان مع أخيك ومع من حضر معكم وأما الصلاة مع من ذكرتم من أهل البدع فلا تصلوا معهم لأنهم ليسوا أهلا لأن يأموكم ولا يمكنكم أن تأموهم، أما لو تيسر أن تأموهم وتصلوا بهم فلا بأس لكن كون الإمام من أهل البدع لا يصلح أن يكون إماما لأهل السنة ولكن لا حرج عليكم في الصلاة في البستان أنت ومن حضر معك المغرب والعشاء لبعدكم عن المساجد مساجد أهل السنة، وأما وجود السيخ عمالا فالواجب عليكم أن تستعملوا مسلمين لأن بلادكم البحرين من جملة الجزيرة العربية والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بإخراج الكفار منها والذي أنصحكم به أن تستقدموا المسلمين وأن تبعدوا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (842) .(12/45)
العمال من الكفار من السيخ أو من النصارى أو من الهندوس أو من غيرهم، الواجب إبعاد الكفار وتقريب المسلمين واستقدامهم للعمل في بلاد المسلمين ولا سيما في الجزيرة العربية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإبعاد الكفار منها وأوصى عند موته بإخراج الكفار من هذه الجزيرة.
فالواجب عليكم أيها الإخوة في كل مكان أن تستعملوا المسلمين دون الكفار وهذه ليست خاصة بكم فإن وصيته صلى الله عليه وسلم هذه لجميع أهل الجزيرة في البحرين وفي المملكة العربية السعودية وفي قطر وفي الكويت وفي دولة الإمارات وفي اليمن وفي كل مكان من الجزيرة الواجب إبعاد الكفار وأن يستقدم المسلمون للحاجة في الأعمال وهم أولى بمنفعتكم وأولى بأموالكم من الكفار لكن من هداه الله من الكفار وأسلم على أيديكم فلا بأس ببقائه إذا أسلم، ويجوز استقدام الكافر إلى هذه الجزيرة لمصلحة راجحة مؤقتة يراها ولي الأمر كما نص على ذلك أهل العلم. نسأل الله للجميع الهداية.(12/46)
هل ترك الجماعة سبب في نزع البركة (1)
س: هل صحيح أن عدم ذهاب الرجل للصلاة مع الجماعة سبب في نزع البركة من حاله وماله؟
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/46)
ج: لا ريب أن الصلاة هي عمود الإسلام وهي أعظم الواجبات والفرائض بعد الشهادتين. وقد دل على ذلك آيات كثيرات وأحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله جل وعلا: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1) وقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2) وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (3) وقوله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (4) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5) إلى أن قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (6) {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (7) {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (8) وقال جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} (9) فجعلها سبحانه قرينة التوحيد.
وقال عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا} (10) يعني: من الشرك،
__________
(1) سورة البقرة الآية 238
(2) سورة البقرة الآية 43
(3) سورة العنكبوت الآية 45
(4) سورة المؤمنون الآية 1
(5) سورة المؤمنون الآية 2
(6) سورة المؤمنون الآية 9
(7) سورة المؤمنون الآية 10
(8) سورة المؤمنون الآية 11
(9) سورة البينة الآية 5
(10) سورة التوبة الآية 5(12/47)
{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} (1) فدل ذلك على عظمتها وأنها قرينة التوحيد. وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (2)
وقال عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله (3) » متفق على صحته.
ومن أهم واجباتها وأعظمها أداؤها في جماعة في حق الرجل حتى إن الرب سبحانه أوجبها في حال الخوف، فقال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (4) الآية.
فأوجب سبحانه صلاة الجماعة في حال الخوف، وحال مصافة المسلمين لعدوهم بأن يصلوا جماعة ويحملوا السلاح
__________
(1) سورة التوبة الآية 5
(2) سورة التوبة الآية 11
(3) رواه البخاري في (الإيمان) برقم (24) واللفظ له، ورواه مسلم في (الإيمان) برقم (33) .
(4) سورة النساء الآية 102(12/48)
لئلا يحمل عليهم العدو.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » ، «وأتاه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني للمسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (2) » خرجه مسلم في الصحيح.
فهذا رجل أعمى لم يأذن له الرسول عليه الصلاة والسلام في التخلف عن الجماعة. وفي اللفظ الآخر: لا أجد لك رخصة فصرح أنه ليس له رخصة وهو أعمى ليس له قائد يلائمه - يعني يحافظ على الذهاب به -.
فإن كان الرجل الأعمى الذي ليس له قائد يقوده إلى المسجد ليس له رخصة، بل يتعين عليه أن يصلي في المسجد فكيف بحال القوي المعافى، فالأمر في حقه أعظم وأكبر، ثم التخلف عن صلاة الجماعة من أعظم الوسائل للتهاون بها وتركها بعد ذلك فإنه اليوم يتخلف، وغدا يترك ويضيع الوقت؛ لأن قلة اهتمامه بها جعلته يتخلف عنها في الجماعة والمساجد التي هي بيوت الله، والتي قال الله فيها سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (3) الآية، وهي المساجد، وهذا
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .
(3) سورة النور الآية 36(12/49)
أمر معلوم، فإن الذين يتخلفون عن الجماعة يسهل عليهم ترك الصلاة بأدنى عذر وبأقل سبب، ثم بعد ذلك يتركونها بالكلية لقلة وقعها في صدورهم ولقلة عظمتها في قلوبهم فيتركونها بعد ذلك.
فترك الصلاة في جماعة وسيلة وذريعة معلومة لتركها بالكلية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » خرجه الإمام أحمد في المسند وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.
وخرج مسلم في الصحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2) » . وهذا يدل على أنه كفر أكبر لأنه أتى به معرفا، وقال آخرون من أهل العلم: إنه كفر دون كفر إذا لم يجحد وجوبها، لكن الصحيح الذي قامت عليه الأدلة أنه كفر أكبر وهو ظاهر إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (21859) ، والترمذي في (الإيمان) برقم (2545) .
(2) رواه مسلم في الإيمان برقم (82) .(12/50)
وقد حكى عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة، ومراده كفر أكبر؛ لأن هناك أشياء عملها كفر لكن ليس بكفر أكبر، مثل: الطعن في الأنساب، والنياحة على الأموات سماها النبي صلى الله عليه وسلم كفرا، والصحابة كذلك، لكنه كفر أصغر، فلما أخبر عنهم أنهم كانوا لا يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة، علم أنه أراد بذلك الكفر الأكبر كما جاء في الحديث.
وأما كون هذه المعصية تسبب محق البركة، وتسبب أيضا شرا كبيرا عليه في بدنه وتصرفاته فهذا لا يستغرب، فإن المعاصي لها شؤم كبير، ولها عواقب وخيمة في نفس الإنسان وفي قلبه وفي تصرفاته وفي رزقه فلا يستغرب هذا، وقد دلت الأدلة على أن المعاصي لها عواقب وخيمة.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه (1) » . ومعلوم أن المعاصي تسبب الجدب في الأرض، ومنع المطر، وحصول الشدة، وهذا كله بأسباب المعاصي، كما قال تعالى:
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (21379) ، وابن ماجه في الفتن برقم (4012) .(12/51)
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (1) وقال عز وجل: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (2)
وهذا أمر معلوم بالنصوص وبالواقع فجدير بالمؤمن أن يحذر مغبة المعاصي وشرها ويتباعد عنها، وأن يحرص على أداء ما أوجب الله عليه، وعلى المسارعة إلى الطاعات، فهي خير في الدنيا والآخرة، والمعاصي شر في الدنيا والآخرة. رزق الله الجميع العافية والسلامة.
__________
(1) سورة الشورى الآية 30
(2) سورة النساء الآية 79(12/52)
الواجب على كل مسلم أن
يجيب النداء للصلاة إذا كان يسمعه (1)
س: كنت ضيفا على بعض الإخوة فأدركت عندهم صلاة العصر، فسألتهم عن المسجد هل هو بعيد أم قريب فأجابوني بأنه بعيد قليلا، وقالوا: الأحسن أن نصلي جماعة في المنزل، لكنني خشيت أن يكون قريبا وأن بإمكاني الذهاب إلى المسجد، لكن يتفرق إخوتي فمنهم من يأتي معي ومنهم من لا يأتي؛ لذلك صليت معهم بالمنزل وقدموني لأصلي بهم، ونظرا لضيق الغرفة صلى واحد
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (63) .(12/52)
منهم عن يميني.
السؤال: هل صلاتنا صحيحة في هذه الصورة، وإن كانت الإجابة بـ " لا "، هل أعيد الصلاة وحدها أم أعيد كل صلاة صليتها بعدها؟ أفيدوني أفادكم الله. .
ج: الصلاة والحالة هذه صحيحة، ولكن إذا كان المسجد بعيدا لا يسمعون النداء فلا حرج في صلاتهم في محلهم، أما إن كانوا يسمعون النداء من غير مكبر فإنه يجب عليهم الذهاب إلى المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » .
فالواجب على كل مسلم أن يجيب النداء إذا كان يسمعه، لكن إذا كان لا يسمعه إلا من المكبر فإنه لا يلزمه الذهاب إلى المسجد، فإن ذهب فإن ذلك أفضل وأحسن.
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(12/53)
س: الأخ: ع. م. ز. من الباحة في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: إذا زرت إنسانا مريضا لا يستطيع الصلاة في المسجد في منزله وحان وقت الصلاة وأنا عنده فطلب مني التصدق عليه والصلاة معه جماعة، وعدم الذهاب للصلاة في المسجد، فهل يجوز لي ذلك؟ أرجو الإفادة (1) . .
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(12/53)
ج: الواجب عليك أن تصلي مع الجماعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » . وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر فقال: (خوف أو مرض) . أما المريض فهو معذور في الصلاة في بيته، وله فضل الجماعة بسبب العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا (2) » رواه البخاري في صحيحه. والله الموفق.
__________
(1) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793) .
(2) رواه البخاري في (الجهاد والسير) باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، برقم (2996) .(12/54)
س: ما هي نصائحكم لإخواننا الذين يصلون في أماكنهم وفي أعمالهم؟ (1)
ج: من سمع النداء فليجب، والواجب على المسلمين إجابة المنادي للصلاة إن لم يكن هناك عذر شرعي، وقد ثبت «أن رجلا أعمى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (2) » .
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (63) .
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(12/54)
فهذا رجل أعمى أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أجب ". وفي لفظ قال: لا أجد لك رخصة.
فالواجب على المسلمين الصلاة مع الجماعة في المساجد ومن تأخر بغير عذر شرعي فقد تشبه بالمنافقين؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإن الله شرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم - وفي لفظ لكفرتم - ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق - وفي لفظ أو مريض -.
فهذا عبد الله بن مسعود وهو من كبار الصحابة رضي الله عنهم يقول: لا يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق أو مريض. فهذا يدل على أن الواجب على المؤمن أن يجتهد في أداء الصلاة في الجماعة وأن يحذر صفات المنافقين، والله ولي التوفيق.(12/55)
س: السائل ص. م. م. - من طنطا في جمهورية مصر العربية يقول في سؤاله: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » سماحة الشيخ فإن الوقت قد تغير ووضعت مكبرات الصوت في المساجد وهي تصل إلى مدى بعيد جدا فهل
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(12/55)
معنى الحديث من سمع النداء بدون مكبرات أم ماذا وهل لهذا تقدير بالأمتار أو الكيلوات؟ أفتونا أثابكم الله (1) . .
ج: المراد سماع صوت المنادي بدون مكبر، عند هدوء الأصوات وعدم وجود موانع ويعرف ذلك بالعادة المستمرة عند عدم وجود مانع.
وعلى المؤمن أن يجتهد في ذلك وأن يحتاط لدينه وذلك بالحرص على حضور الجماعة والمشاركة لإخوانه في هذه العبادة العظيمة. امتثالا لقوله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (2) وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (4) » رواه الإمام أحمد بإسناد حسن. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) رواه أحمد في (مسند المكثرين) برقم (6288) ، والدارمي في (الرقائق) برقم (2605) .(12/56)
«أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (1) » .
وفي صحيح مسلم أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق أو مريض ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفق الله المسلمين جميعا لما يرضيه إنه جواد كريم.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(12/57)
س: من ع. س. س. - الرياض، يقول: يوجد عندنا بالقرب من المسجد أناس يسمعون النداء ولا يشهدون الصلاة. فضيلة الشيخ هل سماعهم للنداء موجب للحجة عليهم؟ وهل مناصحة من علمنا عدم أدائه للصلاة مع جماعة المسلمين واجبة علينا نأثم بتركها؟ وما دور إمام(12/57)
المسجد ومؤذن المسجد في حيهما؟ أفتونا مأجورين (1) . .
ج: الواجب على من سمع النداء بالصوت المعتاد من غير مكبر أن يجيب إلى الصلاة في الجماعة في المسجد الذي ينادى بها فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » . أخرجه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم، بإسناد صحيح وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر؟ فقال: خوف أو مرض، وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: أجب (3) » .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة
__________
(1) سؤال موجه من سائل من الرياض في مجلس سماحته.
(2) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) برقم (785) .
(3) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1044) ، والنسائي في (الإمامة) برقم (841) .(12/58)
نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ولقد كان الرجل يؤتى به إلى الصلاة يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (1) ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار (2) » .
والأحاديث في تعظيم شأن الصلاة والحث على أدائها في المساجد كثيرة فالواجب على المسلمين المحافظة عليها في المساجد والتواصي بذلك والتعاون في ذلك وعلى الإمام والمؤذن تشجيع الناس على ذلك وتفقدهم، وعلى ولي الأمر أن يعاقب من يتخلف عن الصلاة في المسجد بما يردعهم عن ذلك لأن الصلاة هي عمود الإسلام وهي أعظم شعائره، وأعظم أركانه بعد الشهادتين من حافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (3) » .
__________
(1) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (654) .
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (651) .
(3) رواه أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22428) ، والترمذي في الإيمان برقم (2621) .(12/59)
وقال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (1) » . وأخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حافظ على الصلاة كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (2) » . وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى أمرائه في أنحاء البلاد ويقول لهم: إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
أما من كان بعيدا عن المسجد، لا يسمع النداء إلا بالمكبر، فإنه لا يلزمه الحضور إلى المسجد وله أن يصلي ومن معه في جماعة مستقلة لظاهر الأحاديث المذكورة. فإن تجشموا المشقة وحضروا مع الجماعة في المساجد التي لا يسمعون منها النداء إلا بالمكبر بسبب بعدهم عنها كان ذلك أعظم لأجرهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس
__________
(1) رواه مسلم في (الإيمان) برقم (117) واللفظ له، والترمذي في (الإيمان) برقم (2543) .
(2) رواه أحمد في (مسند المكثرين من الصحابة) برقم (6540) ، والدارمي في (الرقائق) برقم (2721) .(12/60)
أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى (1) » .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ المسلم في بيته ثم خرج إلى الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة (2) » . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة وكتب له بها حسنة (3) » .
وفي صحيح مسلم «أن رجلا كان بعيدا عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه: لو اشتريت حمارا تركبه في الرمضاء وفي الليلة الظلماء فأبى وقال: إنني أحب أن يكتب الله خطاي ذاهبا وراجعا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله قد جمع له ذلك كله (4) » .
والأحاديث في فضل الذهاب إلى المساجد والحث على ذلك كثيرة جدا. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (651) واللفظ له، ورواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (662) .
(2) رواه البخاري في (الصلاة) برقم (457) بلفظ '' فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى إلى المسجد لا يريد إلا الصلاة برقم (663) .
(3) صحيح البخاري الأذان (647) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (649) ، سنن أبو داود الصلاة (559) ، مسند أحمد بن حنبل (2/252) .
(4) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (663) .(12/61)
الصلاة في مقر العمل
س: الأخ \ ع. م. من الرس بالمملكة العربية السعودية، يقول في سؤاله: نحن جماعة من الموظفين نعمل في إدارة حكومية تضم حوالي 30 موظفا ونصلي في مصلى الإدارة خلف المسئول عن الإدارة وبعض زملائنا لا يصلون معنا بل يصلون في مسجد يبعد عنا حوالي 300 متر فما الصواب، هل نصلي في المصلى أم نذهب للصلاة في المسجد مع الجماعة علما بأن المسئول قال: عندما قيل له في ذلك إنهم إذا ذهبوا إلى المسجد ربما تأخروا في العودة إلى أعمالهم أفتونا جزاكم الله خيرا (1) ؟ .
ج: الواجب على مثلكم أداء الصلاة في المسجد مع إخوانكم المسلمين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » . قيل لابن عباس رضي الله عنهما - الراوي لهذا الحديث -: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض. رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح على شرط مسلم.
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) ، في رجب 1414 هـ.
(2) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(12/62)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم «لما سأله رجل أعمى ليس له قائد يقوده إلى المسجد هل له أن يصلي في بيته؟ قال له صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (1) » .
أخرجه مسلم في صحيحه. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وفق الله الجميع لما يرضيه.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(12/63)
سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - مفتي عام المملكة العربية السعودية حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س: نفيدكم يا سماحة الشيخ أننا مجموعة من الموظفين نعمل في دائرة حكومية، ويوجد مسجد مجاور لنا يفصلنا عنه شارع عرضه ثلاثون مترا فقط، ونسمع النداء بوضوح جلي، ونحن نصلي في مصلى عملناه في المكتب. وقد اطلعنا على فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، والمرفق لسماحتكم صورة منها، بأنه لا تجوز الصلاة في إدارة حكومية بجوارها مسجد، وأنه يجب على الموظفين الصلاة في المسجد.
والسؤال: هل تجوز لنا الصلاة في مكتبنا جماعة، أم يجب علينا الصلاة في المسجد، وهل يجوز لمدير مكتبنا أن يلزمنا بالصلاة في المكتب مع عدم العذر الشرعي؟ (1) نرجو الإجابة من سماحتكم. والله يحفظكم ويرعاكم من كل سوء.
الداعين لك بالخير \ موظفي دائرة حكومية
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بعده:
__________
(1) إجابة على استفتاء شخصي موجه إلى سماحته من موظفي دائرة حكومية في مجلس سماحته.(12/64)
الواجب عليكم وعلى المدير الصلاة في المسجد ولا يجوز منكم التخلف عنها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر فقال: (خوف أو مرض) . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه سأله رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (2) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. وقال ابن مسعود رضي الله عنه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض) . فالواجب عليكم جميعا العناية بالصلاة في المسجد مع الجماعة، وعدم التشبه بأعداء الله المنافقين. وفقكم الله ويسر أمركم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتى عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793) .
(2) رواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم (653) ، والنسائي في (الإمامة) باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن برقم (850) .(12/65)
س: إننا نبعد عن مسجد القرية، ولكننا نصلي جماعة في مكان اتخذناه مصلى لنا، فهل علينا شيء في عدم الذهاب إلى المسجد (1) ؟ .
ج: إذا كنتم تسمعون النداء بالصوت المجرد من غير مكبر لقربه منكم فإنه يلزمكم الذهاب والصلاة معهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » «وجاءه رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي فقال عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء للصلاة قال: نعم قال: فأجب (3) »
فالواجب عليكم أن تصلوا مع الجماعة في المسجد إذا كنتم تسمعون النداء وتستطيعون الذهاب إليه، أما إذا كان بعيدا منكم يشق عليكم الذهاب إليه لبعده، أو لأن أحدكم مريض أو عاجز لكبر سن ونحو ذلك فلا حرج في الصلاة في محلكم؛
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (2)
(2) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793)
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(12/66)
لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)
والخلاصة: أن الواجب عليكم الصلاة مع الجماعة ما دمتم تسمعون النداء العادي عند هدوء الأصوات، فعليكم السعي، أما إذا كان بعيدا عنكم عرفا يشق عليكم السعي إليه ولا تسمعون النداء فلا مانع من أن تصلوا في محلكم ولا حرج في ذلك.
س: تقام في المستشفى عدة جماعات للصلاة، والمساجد قريبة فهل يلزم من بقربها الذهاب للمسجد أم يكتفى بهذه الجماعات داخل المستشفى؟ (2)
ج: هذا فيه تفصيل فالذي لا بد من وجوده في المستشفى كالحارس ونحوه، أو المريض الذي لا يستطيع الوصول إلى المسجد فإنه لا يجب عليه الخروج إلى المسجد، بل يصلي في محله مع الجماعة التي يستطيع الصلاة معها، أما من يستطيع الوصول إلى المسجد فإنه يجب عليه ذلك عملا بالأدلة الشرعية ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (3) » قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض. رواه ابن ماجه والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم وإسناده صحيح.
__________
(1) سورة التغابن الآية 16
(2) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1557) في 22 \ 4 \ 1417 هـ.
(3) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(12/67)
س: الأخ أ. م. ع. من ينبع البحر بالمملكة العربية السعودية، يقول في سؤاله إذا فاتت الإنسان صلاة الجماعة في المسجد ثم صلى في بيته إماما لزوجته فهل يحصل له بذلك فضل وأجر صلاة الجماعة؟ أرجو الإفادة أمد الله في عمركم على طاعته (1) .
ج: الواجب على المؤمن أن يسارع إلى الصلاة في المسجد مع الجماعة لقول الله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (2) وقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (3) وقوله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (4) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5) إلى أن قال سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (6) {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (7) {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (8)
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر (9) » قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ قال: خوف أو مرض.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) سورة البقرة الآية 238
(3) سورة البقرة الآية 43
(4) سورة المؤمنون الآية 1
(5) سورة المؤمنون الآية 2
(6) سورة المؤمنون الآية 9
(7) سورة المؤمنون الآية 10
(8) سورة المؤمنون الآية 11
(9) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .(12/68)
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رجلا أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (1) » .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ومن فاتته الصلاة مع الجماعة وصلى إماما لزوجته فلا بأس ويرجى لهما فضل الجماعة إذا كان معذورا ولكنها تصف خلفه ولا تقف معه.
__________
(1) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(12/69)
التأخر عن صلاة الفجر منكر عظيم (1)
س: شخص مواظب على الصلوات إلا صلاة الصبح فإنه يصليها متى قام من النوم ولا يصليها في المسجد فهل هذا جائز؟ ونرجو منكم الدعاء له بالتوفيق لهذه الصلاة خاصة وبقية أمور الدين عامة. .
ج: هذه بلية وقع فيها الكثير من الناس، فكثيرون يسهرون بالليل على التلفاز أو على غيره، فإذا جاء الفجر فإذا هم نيام لا يقومون للصلاة، وهذا منكر عظيم لا يجوز لمسلم
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/69)
فعله، والإنسان إذا تعمد ذلك فإنه على خطر عظيم؛ لأن بعض العلماء قد ذهب إلى كفره بتعمد ترك أدائها في الوقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) » رواه أهل السنن بإسناد صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2) » رواه مسلم.
فالواجب على هذا وعلى غيره من الذين يسهرون أن يتقوا الله وأن يتقدموا بالنوم ويسارعوا إليه حتى يستطيعوا أن يصلوا مع الناس صلاة الفجر، أما من يؤخر الصلاة حتى يقوم لعمله الدنيوي ثم يصليها بعد طلوع الشمس، فهذا منكر عظيم يستحق عليه التأديب والعقوبة الزاجرة ويستتاب فإن تاب وإلا قتل على هذا العمل، ويجب على ولاة الأمر أن يستتيبوه فإن تاب وإلا قتل كافرا أو حدا على الخلاف في هذا بين أهل العلم.
فالحاصل أن هذا منكر عظيم قد ابتلي به كثير من الناس، وأسبابه: السهر والتساهل في عدم النوم مبكرا، فإذا جاء وقت الصلاة فإذا هم أموات عاجزون عن القيام وهذا ليس بعذر لهم، فإن عليهم أن يتقوا الله وأن يبادروا بالنوم وأن يستعينوا بالساعات التي يسمعون صوتها عند أذان الفجر، أو بمن
__________
(1) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(2) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .(12/70)
يوقظهم من أهاليهم أو غيرهم، ثم يصلون مع الناس، وليس لهم الصلاة بالبيت ولا الصلاة بعد طلوع الشمس كل هذا حرام ومنكر لا يجوز السكوت عليه، بل عليهم أن يقوموا في الوقت ويصلوا مع المسلمين في مساجدهم، وليس لهم تأخيرها حتى يصلوها في البيت ولو في الوقت، وليس لهم أن يؤخروها إلى ما بعد طلوع الشمس وهذا أنكر وأشد وأقبح، نسأل الله السلامة والعافية، ونسأل الله للسائل ولغيره التوفيق والهداية.(12/71)
س: سائل يقول: أنام في بعض الليالي متأخرا وأنا تعبان ومرهق ولا أستطيع أداء صلاة الفجر إلا في البيت فهل يجوز ذلك؟ وآخر يرجو توجيه نصيحة لمن يتكاسل عن أداء صلاة الفجر في المسجد مع الجماعة (1) .
ج: الواجب على المكلف من الرجال أن يصلي الصلوات الخمس كلها في المسجد مع إخوانه المسلمين ولا يجوز له التساهل في ذلك، والتخلف عن ذلك في الفجر أو غيرها من صفات النفاق كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (2)
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) في ربيع الآخر 1413 هـ.
(2) سورة النساء الآية 142(12/71)
الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا (1) » متفق على صحته.
وقال عليه الصلاة والسلام: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » أخرجه ابن ماجه والدارقطني والحاكم بإسناد صحيح.
«وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (3) » خرجه مسلم في صحيحه، فإذا كان الأعمى الذي ليس له قائد يلائمه ليس له عذر في ترك الصلاة في الجماعة فغيره من باب أولى.
فالواجب عليك أيها السائل أن تتقي الله عز وجل، وأن تحافظ على الصلاة في الجماعة في الفجر وغيرها، وأن تبادر بالنوم مبكرا حتى تستطيع القيام لصلاة الفجر وليس لك الصلاة في البيت إلا من عذر شرعي كمرض أو خوف.
وفق الله الجميع للتمسك بالحق والثبات عليه.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (617) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1041) .
(2) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(3) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (653) ، سنن النسائي الإمامة (850) .(12/72)
س: تهاون عدد من المسلمين عن أداء صلاة الفجر، وتهاون الناس في إنكار ذلك، فما نصيحتكم جزاكم الله خيرا (1) .
ج: الواجب على الإنسان المسلم أن ينصح أخاه إذا رأى منه تخلفا عن صلاة الفجر وغيرها، فالجار ينصحه وكذلك الإمام والمؤذن فلا يترك، كأن يذهب بعض الإخوة إليه ويناصحونه، كقولهم: فلان لم نرك اليوم أو منذ يومين أو ثلاثة ونخشى أن تكون مريضا، فينصح لعله يستجيب فإن لم يستجب يرفع الأمر للهيئة المسئولة.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1556) بتاريخ 15 \ 4 \ 1417 هـ.(12/73)
الخوف من النظر إلى النساء
ليس عذرا لترك صلاة الجماعة
(1)
س: إن أكثر الشباب عندما أنصحهم بالصلاة يقولون: لا نستطيع أن نصلي لأننا ننظر إلى النساء وخاصة المتبرجات، فهل النظر يمنع الصلاة أو يبطلها؟
ج: هذا عذر باطل، الواجب عليهم أن يصلوا مع المسلمين ويحافظوا على ما أوجب الله عليهم من الصلاة
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(12/73)
وغض البصر والصلاة في جماعة بالمساجد فريضة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » . وهي عمود الإسلام يجب على المسلم أن يؤديها إذا كان مكلفا، وتركها كفر بالله وضلال.
وليس رؤية النساء في الطريق أو إذا كن يصلين في المسجد - ليس هذا عذرا في ترك الصلاة أو ترك الجماعة بل هذا غلط ومنكر واعتذار عن منكر بمنكر وهو ترك الصلاة - نسأل الله العافية - والواجب على المسلم غض البصر وأن يتقي الله فيغض بصره في الأسواق وفي كل مكان، وليس عذرا له أن تصادفه في الطريق للصلاة النساء، بل إذا صادفه في الطريق للصلاة نساء عليه بغض بصره، يجاهد نفسه، قال الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (2)
والمسلم يغض بصره ليتقي الله، ويحفظ فرجه ويؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في مساجد الله مع المسلمين، يخاف الله ويرجوه، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (3) وقال عليه الصلاة والسلام: «من
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(2) سورة النور الآية 30
(3) سورة النور الآية 36(12/74)
سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (1) » ، وقال في شأن الصلاة وعظمتها: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (2) » رواه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح. وقال عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (3) » رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وفيه أحاديث أخرى دالة على عظم شأنها، يقول صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (4) » ، وقد هم عليه الصلاة والسلام أن يحرق على المتخلفين بيوتهم - أي المتخلفين عن صلاة الجماعة -.
فالواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتقي الله، وأن يحافظ على الصلاة في أوقاتها، وأن يحذر التخلف عنها فإن التخلف عنها من صفات أهل النفاق والكفار ومن أسباب دخول النار، قال الله تعالى في كتابه العظيم عن الكفار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (5) {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (6) فأجابوا بأنهم دخلو النار لأنهم لم يكونوا من المصلين - نسأل الله العافية -.
فالمؤمن يتقي الله في كل شيء فيغض البصر ويحفظ
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (551) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (793) .
(2) سنن الترمذي الإيمان (2621) ، سنن النسائي الصلاة (463) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1079) ، مسند أحمد بن حنبل (5/346) .
(3) صحيح مسلم الإيمان (82) ، سنن الترمذي الإيمان (2620) ، سنن أبو داود السنة (4678) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1078) ، مسند أحمد بن حنبل (3/370) ، سنن الدارمي الصلاة (1233) .
(4) رواه الترمذي في سننه كتاب (الإيمان) برقم (2616) ، وذكره السيوطي في (الدر المنثور) (5 \ 175) .
(5) سورة المدثر الآية 42
(6) سورة المدثر الآية 43(12/75)
الفرج ويحفظ الجوارح عما حرم الله، ويؤدي ما أوجب الله من الصلاة والزكاة وبر الوالدين وصلة الرحم وغير ذلك، يجمع بين هذا وهذا، هذه الدار دار العمل ودار التكليف، دار الابتلاء والامتحان، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يتقي الله وأن يحافظ على ما أوجب الله، ويتباعد عن محارم الله ويقف عند حدود الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ولهذا خلق الإنس والجن، قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)
وهذه العبادة هي التوحيد والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وبر الوالدين، وصلة الرحم، إلى غير هذا مما شرع الله، وهكذا ترك المحارم التي حرمها الله على عباده، تركها عبادة لله وطاعة له سبحانه، وذلك من أعظم القربات.
__________
(1) سورة الذاريات الآية 56(12/76)
النساء ليس عليهن أن يصلين جماعة (1)
س: نحن أكثر من ست نساء نعيش في بيت واحد وتمر علينا أوقات الصلاة المفروضة ونصلي فرادى، وأتانا بعض الأقارب ونصحنا بإقامة الصلاة جماعة، وبين لنا
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته، وهي من ضمن أسئلة مقدمة من بعض الأخوات في الله.(12/76)
أننا بذلك ندرك فضل الجماعة، فهل هذا صحيح؟
ج: النساء ليس عليهن جماعة، ولكن إذا صلين جماعة فلا بأس، وإن صلت كل واحدة وحدها فلا بأس، وإذا صلين جماعة فنرجو لهن فضل الجماعة ولا سيما إذا تيسر طالبة علم تأمهن وترشدهن؛ ولأن في اجتماعهن على الصلاة تعاونا على البر والتقوى، وإمامتهن تقف وسطهن في الصف الأول وتجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية كالرجال.(12/77)
س: ما حكم صلاة الجماعة للمرأة في المدارس، نرجو التوجيه؟ (1)
ج: صلاة الجماعة على النساء غير واجبة، لكن إذا صلين جماعة فلا بأس حتى يتعلم بعضهن من بعض ويستفيد بعضهن من بعض، وقد جاء عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أنهما أمتا بعض النساء.
ومعلوم ما في هذا من الفضل والمصلحة إذا كان بينهن امرأة ذات علم تأمهن ويستفدن منها كثيرا ويتعلمن منها كيف يؤدين الصلاة وهي تقف وسطهن لا أمامهن وتجهر في الجهرية، فهذا مستحب إذا تيسر وليس بواجب، إنما تجب الجماعة على الرجال في بيوت الله عز
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته، وهي ضمن أسئلة مقدمة من بعض الأخوات في الله.(12/77)
وجل عملا بالأدلة الشرعية، وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن خير لهن سواء كن فرادى أو جماعات.(12/78)
س: هل الأفضل أن تصلي المرأة وحدها أو تصلي في جماعة النساء؟ (1)
ج: كل ذلك جائز، إن صلت وحدها فلا بأس وإن صلت مع النساء فلا بأس، الأمر واسع في ذلك، وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلين على حدة، كل واحدة تصلي لوحدها، فإذا تيسر جماعة من النساء فصلين جميعا في البيت وأمتهن خيرهن فذلك حسن، وقد روي عن أم سلمة وعن عائشة رضي الله عنهما أنهما أمتا بعض النساء في بعض الأحيان.
فالحاصل أنه لا باس بأن تصلي في جماعة من النساء وتكون الإمامة وسطهن، عن يمينها بعضهن، وعن يسارها بعضهن، ترفع صوتها بالتكبير والقراءة في أوقات الجهر كالمغرب والعشاء والفجر، وتعمل كما يعمل الرجل تكبر وترفع يديها حذاء منكبيها وتقول بعد التكبير سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، أو تأتي بنوع من أنواع الاستفتاح الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(12/78)
تسمي وتقرأ الفاتحة، ثم تقرأ سورة معها، وهكذا في الثانية في المغرب والعشاء، أما في الثالثة فتقرأ الفاتحة فقط، وهكذا في الرابعة، وفي الفجر تقرأ الفاتحة وما تيسر معها من السور لكن أطول من العشاء والمغرب، وهكذا في الظهر والعصر تصلي بهم سرا ليس فيها جهر بقراءة. فالحاصل أنها مثل ما يصلي الرجل، لكنها لا تتقدم، تكون في وسطهن.(12/79)
صلاة المرأة في المسجد (1)
س: تسأل سائلة وتقول: هل تجوز صلاة المرأة في المسجد وهي مستترة ومحتشمة ولم تمس طيبا ولم تتبرج وهي تريد بذلك وجه الله عز وجل إلا أن زوجها غير راض عنها، أفيدونا أفادكم الله؟
ج: للمرأة أن تصلي في المسجد مع التستر وعدم الطيب، وليس لزوجها منعها من ذلك إذا التزمت بالآداب الشرعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (2) » ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذنت
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (106) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (849) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (668) واللفظ له.(12/79)
أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها (1) » متفق على صحته.
فإذا خرجت محتشمة وبدون طيب فلا بأس ولو أن زوجها غير راض للحديثين المذكورين، وإن صلت في بيتها ولم تخرج تطييبا لنفسه وابتعادا عن أسباب الفتنة فهو أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن (2) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين) برقم (4328) ، والبخاري في (النكاح) برقم (4837) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (5211) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (480) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (900) ، صحيح مسلم الصلاة (442) ، سنن النسائي المساجد (706) ، سنن أبو داود الصلاة (568) ، سنن ابن ماجه المقدمة (16) ، مسند أحمد بن حنبل (2/36) ، سنن الدارمي المقدمة (442) .(12/80)
هل للمرأة أن تصلي
جميع الأوقات في المسجد
(1)
س: الفتاة الشابة المتحجبة والمتمسكة بالزي الإسلامي الشرعي وتستر كل جسمها عدا الوجه والكفين، إذا رغبت أن تصلي كل أوقاتها في المسجد هل مسموح لها بذلك؟ وهل لها أن تذهب له دائما مع زوجها؟
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (63) .(12/80)
ج: لا حرج على المرأة أن تصلي في المسجد إذا كانت متحجبة الحجاب الشرعي، ساترة وجهها وكفيها وجميع بدنها، ومتجنبة للطيب والتبرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله (1) » لكن بيتها أفضل لها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث المذكور: «وبيوتهن خير لهن (2) » .
__________
(1) صحيح البخاري الجمعة (900) ، صحيح مسلم الصلاة (442) ، سنن ابن ماجه المقدمة (16) ، مسند أحمد بن حنبل (2/16) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (900) ، صحيح مسلم الصلاة (442) ، سنن أبو داود الصلاة (567) ، مسند أحمد بن حنبل (2/76) .(12/81)
حكم قول من قال إن صلاة
الجماعة مع الإمام الراتب فقط (1)
س: ما حكم قول من قال: إن صلاة الجماعة مع الإمام الراتب فقط؟
ج: ليس لهذا القول أصل يعتمد عليه، ولكن الواجب البدار بالصلاة مع الإمام الراتب وعدم التأخر، لكن متى قدر الله أنه تأخر لعلة من العلل ثم صادف من يصلي معه فإنه يرجى لهم ثواب الجماعة لعموم الأدلة.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/81)
كراهة حضور صلاة الجماعة في المسجد لمن وجدت منه رائحة تؤذي من حوله (1)
س: هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أكل بصلا أو ثوما أو كراثا فلا يقربن مساجدنا ثلاثة أيام فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" أو كما قال عليه الصلاة والسلام. هل معنى ذلك أن من أكل أيا من هذه الأشياء لا تجوز له الصلاة في المسجد حتى تمضي عليه تلك المدة، أم يعتبر أكلها غير جائز لمن تلزمه صلاة الجماعة؟
ج: هذا الحديث وما في معناه من الأحاديث الصحيحة يدل على كراهة حضور المسلم لصلاة الجماعة ما دامت الرائحة توجد منه ظاهرة تؤذي من حوله، سواء كان ذلك من أكل الثوم أو البصل أو الكراث أو غيرها من الأشياء المكروهة الرائحة كالدخان حتى تذهب الرائحة، مع العلم بأن الدخان مع قبح رائحته هو محرم لأضراره الكثيرة وخبثه المعروف، وهو داخل في قوله سبحانه عن نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (81) .(12/82)
الأعراف: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (1) ويدل على ذلك أيضا قوله سبحانه في سورة المائدة: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (2)
ومعلوم أن الدخان ليس من الطيبات فعلم بذلك أنه من المحرمات على الأمة. أما التحديد بثلاثة أيام فلا أعلم له أصلا في شيء من الأحاديث الصحيحة، وإنما الحكم متعلق بوجود الرائحة فمتى زالت ولو قبل ثلاثة أيام زالت كراهية الحضور في المساجد لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، ولو قيل بتحريم حضوره المساجد ما دامت الرائحة موجودة لكان قولا قويا؛ لأن ذلك هو الأصل في النهي، كما أن الأصل في الأوامر الوجوب إلا إذا دل دليل خاص على خلاف ذلك، والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة الأعراف الآية 157
(2) سورة المائدة الآية 4(12/83)
س: ورد في الحديث الصحيح النهي عن قرب المسجد لمن أكل بصلا أو ثوما أو كراثا، فهل يلحق بذلك ما له رائحة كريهة وهو محرم كالدخان؟ وهل معنى ذلك أن من تناول هذه الأشياء معذور بالتخلف عن الجماعة بحيث لا يأثم بتخلفه؟ (1)
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/83)
ج: ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أكل ثوما أو بصلا فلا يقربن مسجدنا وليصل في بيته (1) » ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو الإنسان (2) » .
وكل ما له رائحة كريهة حكمه حكم الثوم والبصل كشارب الدخان ومن له رائحة في إبطيه أو غيرهما يؤذي جليسه فإنه يكره له أن يصلي مع الجماعة، وينهى عن ذلك حتى يستعمل ما يزيل هذه الرائحة.
ويجب عليه أن يفعل ذلك مع الاستطاعة حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من الصلاة في الجماعة، أما التدخين فهو محرم مطلقا ويجب عليه تركه في جميع الأوقات؛ لما فيه من المضار الكثيرة في الدين والبدن والمال، أصلح الله حال المسلمين ووفقهم لكل خير.
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (808) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (875، 876) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (14483) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (874) .(12/84)
أحكام الإمامة(12/85)
صفحة فارغة(12/86)
المشروع للإمام أن
يتحرى الوقت المناسب للإقامة
س: الأخ: خ. ع. م. من حلب في سوريا يقول في سؤاله: ما حكم تأدية الفريضة مباشرة بعد أن ينتهي المؤذن من الأذان، أي بدون انتظار أو فاصل بين الأذان والإقامة (1) ؟
ج: المشروع للإمام ألا يعجل حتى يحضر المسلمون لأداء الصلاة في الجماعة، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده، وعلى الأئمة أن يتحروا الوقت المناسب الذي يتلاحق فيه الناس لأداء الصلاة في الجماعة. وإذا كان الإمام في بلد قد حددت أوقات الإقامة فيه من الجهات المسئولة، فإنه يراعي ذلك حتى يمكن إخوانه المسلمين من أداء الصلاة في الجماعة. أما إن كان المصلي في بيته كالمريض والمرأة فإنه يتأخر بعد الأذان قليلا احتياطا حتى يصلي الصلاة في وقتها على بصيرة؛ لأن بعض المؤذنين
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة لسماحته من (المجلة العربية) .(12/87)
قد يعجل في الأذان. ويشرع لكل مسلم ذكرا كان أو أنثى أن يصلي قبل الظهر راتبتها وهي أربع ركعات يسلم من كل ثنتين. ويشرع له أيضا أن يصلي قبل العصر أربع ركعات يسلم من كل ثنتين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا (1) » . ويشرع لكل مسلم ذكرا كان أو أنثى أيضا أن يصلي بين أذان المغرب وبين صلاتها ركعتين، وهكذا بين أذان العشاء وصلاتها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة، ثم قال في الثالثة: لمن شاء (2) » . ويشرع أيضا أن يصلي قبل الفجر ركعتين وهي راتبتها وهي مشروعة للرجل والمرأة والمسافر والمقيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الفجر في السفر والحضر، أما بقية الصلوات المذكورة فإنها تصلى في الحضر لا في السفر، تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) باب ما جاء في الأربع قبل العصر برقم (430) ، وأبو داود في (الصلاة) باب الصلاة قبل العصر برقم (1271) .
(2) رواه الإمام أحمد في (أول مسند البصريين) برقم (20037) ، والبخاري في (الأذان) باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء برقم (627) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب بين كل أذانين صلاة برقم (838) .(12/88)
ويستحب لكل مسلم أن يصلي في الحضر بعد الظهر ركعتين، وبعد المغرب ركعتين، وبعد العشاء ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على ذلك في الحضر، وتسمى هذه الصلوات الرواتب، وهي اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل صلاة الصبح. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته تطوعا بني له بهن بيت في الجنة (1) » أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أم حبيبة رضي الله عنها، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى عن النار (2) » أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربع بإسناد صحيح من حديث أم حبيبة رضي الله عنها. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (26228) ، ومسلم في (صلاة المسافرين وقصرها) باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن برقم (728) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (26232) ، والترمذي في (الصلاة) برقم (428) ، وأبو داود في (الصلاة) باب الأربع قبل الظهر وبعدها برقم (1269) .(12/89)
الحث على التخفيف لمن كان إماما يصلي بالناس (1)
س: كيف نجمع بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أفتان أنت يا معاذ (2) » وفعله هو عليه الصلاة والسلام حيث ثبت عنه أنه قرأ بالبقرة وآل عمران والمائدة والأعراف وغيرها؟
ج: مراده صلى الله عليه وسلم الحث على التخفيف إذا كان إماما يصلي بالناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيكم أم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء (3) » .
وكان صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام، كما قال أنس رضي الله عنه: «ما صليت خلف أحد أتم صلاة ولا أخف صلاة من النبي صلى الله عليه وسلم (4) » متفق عليه.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) صحيح البخاري كتاب الأذان (705) ، صحيح مسلم الصلاة (465) ، سنن النسائي الإمامة (835) ، سنن أبو داود الصلاة (790) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (986) ، مسند أحمد بن حنبل (3/308) ، سنن الدارمي الصلاة (1296) .
(3) رواه البخاري في (الأذان) برقم (662) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (714) .
(4) رواه البخاري في (الأذان) برقم (667) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (721) .(12/90)
أما إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. وقراءته صلى الله عليه وسلم بالبقرة والنساء وآل عمران كانت في تهجده بالليل. وفق الله الجميع.(12/91)
سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أسكنه الله الفردوس الأعلى في الجنة آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
لدينا مسجد في الحي ليس له إمام فقمت بالتطوع لإمامة المسجد ولكن بعض الإخوان من جماعة المسجد هدانا الله وإياهم وهم القلة يدعون بأني أطيل في الصلاة، وسوف أشرح لسماحتكم طريقتي في الصلاة فإن كان بها إطالة فسوف أترك الإمامة لأني لا أستطيع التخفيف أكثر من ذلك وإن كان ليس بها إطالة فأرجو توجيه نصحكم لجماعة المسجد حيث إنهم يشعرون بثقل عند الصلاة وكأنهم يقولون: أرحنا منها. مدة الصلاة في الغالب لا تقل عن تسع دقائق وإن أطلتها فلا تزيد عن أربع عشرة دقيقة وهي صلاة الفجر يوم الجمعة حيث إنني أقرأ بالسجدة، وهل أتى، أما التسبيح فلا يزيد عن سبع مرات في الركوع أما السجود فثلاث مرات بالإضافة إلى الدعاء وغالبا يكون الدعاء مقدار قول: (اللهم فارج الهم كاشف الغم) إلخ الدعاء، أو قول (اللهم إني أسألك فعل الخيرات) إلخ الدعاء. أما القراءة فأحيانا أقرأ في المغرب ما مقداره صفحة ونصف الصفحة للركعتين.(12/92)
أرجو إفادتي وتوجيهي بما ترونه، وأحب إفادتكم بأن هؤلاء الذين يشتكون الإطالة يتمتعون بصحة جيدة فهم يقفون خارج المسجد يتحدثون في أمور الدنيا ولا يشعرون بالتعب مع أنهم يقفون من ربع ساعة إلى نصف ساعة والله المستعان. والله يحفظكم وينفع بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (1) .
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بعده: إذا كان الواقع هو ما ذكرت وأن مدة الصلاة لا تزيد عن أربع عشرة دقيقة فهذه الصلاة ليس فيها إطالة بل هي خفيفة، ونوصيك بالاستمرار في ذلك والعمل في كل شيء بما تعلمه من كلام الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفقك الله ونفع بك عباده، ووفق الجماعة لما فيه رضاه ولما فيه أداء الصلاة على وجهها الشرعي إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
__________
(1) استفتاء شخصي مقدم من م. ع. م. من المملكة العربية السعودية(12/93)
لا حرج في ارتفاع
الإمام على بعض المأمومين (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. ع. س. سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 682 وتاريخ 17 \ 2 \ 1457 هـ الذي تسأل فيه عن حكم ارتفاع الإمام عن المأمومين أو عن بعضهم في الصلاة، وأفيدك بأنه لا حرج في ارتفاع الإمام على بعض المأمومين إذا كان معه في المحل المرتفع بعض الصفوف، وهكذا لو كان وحده وكان الارتفاع يسيرا فإنه يعفى عنه؛ لأن «النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم على المنبر وقال إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي (2) » متفق على صحته.
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر ويركع على المنبر ثم ينزل
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (838) في 1 \ 7 \ 1407 هـ.
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (866) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (847) ، ورواه أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22364) واللفظ له.(12/94)
فيسجد في الأرض. وفق الله الجميع لما فيه رضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(12/95)
س: ع. م. - من تيرانا، يسأل ويقول: هل يجوز أن يكون الإمام في الصلاة أعلى من المأمومين، أي: المحراب أعلى من بقية المسجد؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك إذا كان العلو يسيرا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «صلى على المنبر ثم نزل فسجد وقال بعد السلام: إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي (2) » متفق على صحته. وهكذا يجوز مطلقا إذا كان معه بعض المأمومين؛ لأن الحاجة قد تدعو لذلك كثيرا، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) صحيح البخاري الجمعة (917) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (544) ، سنن النسائي المساجد (739) ، سنن أبو داود الصلاة (1080) ، مسند أحمد بن حنبل (5/339) .(12/95)
حكم إمامة من يسقط عليه بعض الأحرف للثغة في لسانه (1)
س: إذا كان الإمام يسقط عليه بعض الأحرف للثغة في لسانه فما الحكم؟
__________
(1) من برنامج نور على الدرب.(12/95)
ج: إذا كانت قراءته للفاتحة سليمة ولم يخل بشيء منها على وجه يغير المعنى فلا حرج في إمامته؛ لأن قراءة ما زاد عليها ليست واجبة، أما إذا كانت حالته تخالف ذلك لم تجز إمامته إلا بمثله.(12/96)
حكم إمامة ضعيف القراءة والتجويد (1)
س: أفيدكم أنني إمام مسجد في إحدى ضواحي الرياض، والمشكلة أنني ضعيف التجويد في القراءة وكثير الخطأ، وأنا أحفظ من القرآن ثلاثة أجزاء مع بعض الآيات في بعض السور، وأنا خائف على ذمتي، فأرجو إفادتي هل أستمر في الإمامة أم أستقيل؟
ج: عليك أن تجتهد في حفظ ما تيسر من القرآن وتجويده وأبشر بالخير والإعانة من الله عز وجل إذا صلحت نيتك وبذلت الوسع في ذلك؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (2) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (56) .
(2) سورة الطلاق الآية 4(12/96)
وهو عليه شاق له أجران (1) » ولا ننصحك بالاستقالة بل نوصيك بالاجتهاد الدائم والصبر والمصابرة حتى تنجح في تجويد كتاب الله وفي حفظه كله أو ما تيسر منه وفقك الله ويسر أمرك.
__________
(1) رواه البخاري في (تفسير القرآن) برقم (4556) ، ومسلم في (صلاة المسافرين) برقم (1329) واللفظ له.(12/97)
س: يقول السائل: إنه خجول جدا ولا يستطيع أن يؤم الناس، رغم أنه في بعض الحالات يكون أقرأ في فريضة من الفرائض وإذا وجه إليه سؤال يرتعش كما يقول ويرجو من سماحتكم التوجيه والنصح (1) .
ج: الواجب على المؤمن وعلى طالب العالم أن تكون عنده الهمة العالية، والقوة والنشاط في إبلاغ الخير، والدعوة إلى الخير وتعليم الجاهل وإرشاد الضال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا هو الواجب، وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير (2) » .
فالمؤمن القوي هو الذي يعلم الناس ويصلي بهم إذا احتاجوا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (3) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (8573) ، ومسلم في (كتاب القدر) باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، برقم (2664) .(12/97)
ويقرأ عليهم العلم ويرشدهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهو أفضل من المؤمن الضعيف العاجز الذي لا يستطيع أن يبذل ما ينفعهم.
ووصيتي لهذا السائل أن يتقي الله وأن تكون همته عالية وأن يؤم إذا كان أفضل الموجودين، فإنه يؤم الناس ويبادر بذلك، وأن يظهر علمه إن كان عنده علم، وأن يفتي السائل بما عنده من العلم عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن لا يخجل فإن هذا ليس محل خجل، الخجل لجاهل أو لفاعل المعصية، أما من يعلم الناس الخير ويفتيهم في العلم الشرعي ويسعى في مصالحهم فلا يليق به أن يخجل، ولا ينبغي له أن يجبن، ولا ينبغي له أن يتأخر بل ينبغي أن يتقدم وأن يكون في المقدمة في كل شيء حتى ينفع الناس ويرشدهم ويكون إماما في الخير، والله المستعان.(12/98)
حكم الصلاة خلف من يلحن في القرآن (1)
س: إمام يلحن في القرآن وأحيانا يزيد وينقص في أحرف الآيات القرآنية، ما حكم الصلاة خلفه؟
ج: إذا كان لحنه لا يحيل المعنى فلا حرج في الصلاة خلفه مثل نصب رب أو رفعها في {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2)
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (57) .
(2) سورة الفاتحة الآية 2(12/98)
وهكذا نصب الرحمن أو رفعه ونحو ذلك، أما إذا كان يحيل المعنى فلا يصلى خلفه إذا لم ينتفع بالتعليم والفتح عليه، مثل أن يقرأ إياك نعبد بكسر الكاف، ومثل أن يقرأ أنعمت بكسر التاء أو ضمها فإن قبل التعليم وأصلح قراءته بالفتح عليه صحت صلاته وقراءته، والمشروع في جميع الأحوال للمسلم أن يعلم أخاه في الصلاة وخارجها؛ لأن المسلم أخو المسلم يرشده إذا غلط ويعلمه إذا جهل ويفتح عليه إذا ارتج عليه القرآن.(12/99)
إذا كان الإمام يلحن في
الفاتحة فما حكم صلاة من خلفه (1)
س: إذا كان الإمام يلحن في قراءة الفاتحة فهل تبطل صلاة من خلفه من المأمومين؟
ج: إذا كان الإمام يلحن في الفاتحة لحنا يحيل المعنى وجب تنبيهه والفتح عليه، فإن أعاد القراءة مستقيمة فالحمد لله وإلا لم تجز الصلاة خلفه ووجب على الجهة المسئولة عن الإمامة عزله، واللحن الذي يحيل المعنى مثل أن يقرأ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (2) بكسر التاء أو ضمها أو {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) بكسر الكاف، أما اللحن الذي لا يحيل المعنى مثل أن يقرأ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4) أو {الرَّحْمَنِ} (5) بالفتح أو الضم فإنه لا يقدح في الصلاة.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (57) .
(2) سورة الفاتحة الآية 7
(3) سورة الفاتحة الآية 5
(4) سورة الفاتحة الآية 2
(5) سورة الفاتحة الآية 3(12/99)
إذا أخطأ الإمام في الصلاة
الجهرية فهل يفتح عليه المأموم (1)
س: إذا أخطأ الإمام في القراءة أثناء الصلاة الجهرية، كأن يسقط آية أو جزءا من آية أو يغير. لفظ الآية خطأ ونحو ذلك، فهل يفتح عليه المأموم؟
ج: إذا غلط الإمام في القراءة بإسقاط آية أو لحن فيها شرع لمن خلفه أن يفتح عليه، وإذا كان ذلك في الفاتحة وجب على من خلفه أن يفتح عليه؛ لأن قراءتها ركن في الصلاة إلا أن يكون اللحن لا يحيل المعنى في الآية فإنه لا يجب الفتح كما لو نصب الرحمن أو الرحيم أو نحو ذلك.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (58) .(12/100)
حكم إمامة من قطعت رجله (1)
س: أنا رجل قطعت رجلي من تحت المعطف وذلك بسبب حادث سيارة، هل يجوز لي أن أتقدم لإمامة المصلين أثناء غياب الإمام أم لا؟ وهل يجوز لي المسح
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (58) .(12/100)
عليها عند الوضوء للصلاة؟
ج: إذا كان هذا القطع لا يمنعك من الصلاة قائما فلا حرج في إمامتك للناس إذا توافرت فيك بقية شروط الإمامة.
أما المسح عليها فلا بأس به إذا كان قد بقي من القدم شيء إذا لبست الخف أو الجورب على طهارة وكان ساترا مدة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر كما جاءت السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
أما إن كانت الرجل قد قطعت فوق الكعب فلا مسح ولا غسل لها؛ لأن ما فوق الكعبين ليس محلا للغسل ولا المسح، عوضك الله خيرا وجبر مصيبتك ومنحك الصبر والاحتساب.(12/101)
حكم سكوت الإمام
بعد الفاتحة حتى يقرأها المأموم (1)
س: ما حكم وقوف الإمام بعد الفاتحة لحين يقرأ المأموم الفاتحة، وإذا لم يقف الإمام تلك الوقفة فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟
ج: ليس هناك دليل صحيح صريح يدل على شرعية
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (59) .(12/101)
سكوت الإمام حتى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة الجهرية، أما المأموم فالمشروع له أن يقرأها في حالة سكتات إمامه إن سكت، فإن لم يتيسر ذلك قرأها المأموم سرا ولو كان إمامه يقرأ، ثم ينصت بعد ذلك لإمامه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (1) » متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم قالوا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (2) » رواه أحمد وأبو داود وابن حبان بإسناد حسن.
وهذان الحديثان يخصصان قوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا (4) » الحديث رواه مسلم في صحيحه.
لكن لو ترك المأموم قراءة الفاتحة جاهلا أو ناسيا صحت صلاته في أصح قولي العلماء؛ لأن قراءتها في حقه واجبة لا ركن. وهكذا لو جاء المأموم والإمام راكع فركع معه أجزأته الركعة وسقطت عنه الفاتحة لفوات محلها، والأصل في هذا حديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه «جاء إلى الصلاة
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (911) ، سنن أبو داود الصلاة (822) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(2) صحيح البخاري الأذان (756) ، صحيح مسلم الصلاة (394) ، سنن الترمذي الصلاة (247) ، سنن النسائي الافتتاح (920) ، سنن أبو داود الصلاة (823) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (837) ، مسند أحمد بن حنبل (5/316) ، سنن الدارمي الصلاة (1242) .
(3) سورة الأعراف الآية 204
(4) صحيح البخاري الصلاة (378) ، صحيح مسلم الصلاة (411) ، سنن الترمذي الصلاة (361) ، سنن النسائي الإمامة (832) ، سنن أبو داود الصلاة (601) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1238) ، مسند أحمد بن حنبل (3/200) ، موطأ مالك النداء للصلاة (306) ، سنن الدارمي الصلاة (1256) .(12/102)
والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال له: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » رواه البخاري في صحيحه ولم يأمره بقضاء الركعة. فدل ذلك على سقوط الفاتحة عمن لم يدرك القيام مع الإمام، وفي حكمه من تركها جاهلا أو ناسيا من المأمومين في أصح قولي العلماء كما تقدم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(12/103)
الواجب على الأئمة
الطمأنينة والخشوع في الصلاة
(1)
س: نظرا للسرعة المفرطة التي يؤدي بها بعض الأئمة الصلاة، غالبا ما يضطر الإنسان معهم إلى عدم قراءة السورة بعد الفاتحة في الصلاة السرية، فهل أعيد الصلاة بعد مثل هؤلاء فإن الصلاة معهم ينقصها الخشوع والاطمئنان؟
ج: الواجب على الأئمة أن يتقوا الله، وأن يطمئنوا في صلاتهم وفي ركوعهم وسجودهم، وأن يرتلوا القراءة ويحسنوا أصواتهم بها حتى يؤدوا كلام الرب بتلاوة حسنة وقراءة واضحة تخشع لها القلوب.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، الشريط رقم (58) .(12/103)
هذا هو الواجب على الأئمة أن يجتهدوا في الطمأنينة والخشوع في الصلاة حتى يستفيدوا ويستفيد من خلفهم، وحتى يؤدوها كما شرع الله، وقد قال الله سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (1) {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته أن يطمئن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا (3) » الحديث. فالواجب على الأئمة أن يعنوا بهذا الأمر، وأن يطمئنوا في ركوعهم وسجودهم وبعد الركوع وبين السجدتين، وأن يعنوا بالقراءة فيقرءوا قراءة واضحة بينة ليس فيها خفاء ولا إسقاط شيء من الحروف، وأن يمكنوا من وراءهم من القراءة بعد الفاتحة وإن كانت غير واجبة، ولكن الأفضل في الصلاة السرية أن يقرأ المأموم الفاتحة وما يتيسر معها مع إمامه، والإمام كذلك يقرأ سورة بعد الفاتحة أو آيات في السرية
__________
(1) سورة المؤمنون الآية 1
(2) سورة المؤمنون الآية 2
(3) رواه البخاري في (الاستئذان) برقم (5782) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (602) .(12/104)
والجهرية في الأولى والثانية. لكن في السرية يقرأ المأموم زيادة على الفاتحة وفي الجهرية تكفيه الفاتحة وينصت للإمام، فإذا لم يتمكن المأموم من أن يقرأ مع الفاتحة شيئا لأن الإمام استعجل فلا يضره ذلك؛ لأن الواجب الفاتحة وما زاد عليها ليس بواجب فلا يضر تركه ولا يبطل الصلاة، ولكن يجب أن يعتني بالركوع والسجود من جهة الطمأنينة وبين السجدتين وبعد الركوع كذلك، هذه أمور عظيمة وفريضة لا بد منها في حق الجميع: الإمام والمأموم والمنفرد، والله ولي التوفيق.(12/105)
حكم الصلاة خلف من عرف بالغلو في الأنبياء والصالحين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن سألني أعضاء الهيئة التعليمية السعودية في اليمن في عام 1395 هـ عن حكم الصلاة خلف الزيدية، فأجبتهم بتاريخ 3 \ 9 \ 1395 هـ بأني لا أرى الصلاة خلفهم؛ لأن الغالب عليهم الغلو في أهل البيت بالاستغاثة بهم ودعائهم والنذر لهم ونحو ذلك، هذا هو الذي صدر مني، وذلك مبني على ما بلغني من طرق كثيرة أن الزيدية يغلون في أهل البيت بأنواع من الشرك كدعائهم والاستغاثة بهم ونحو ذلك، ثم بلغني في هذه الأيام أعني في شعبان من عام 1396 هـ استغراب كثير من أهل العلم في اليمن هذه الفتوى، واتصل بي جماعة منهم ومن خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة ممن أثق بعلمه ودينه مستغربين هذه الفتوى وقائلين: إن الغالب على(12/106)
علماء الزيدية هو عدم الغلو في أهل البيت هذا هو الذي نعلمه منهم، وإنما يقع هذا الغلو في بعض العامة ومن بعض الزيدية الذين ليس عندهم من العلم والبصيرة ما يعرفون به حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك، وذكروا أنهم يعلمون من علماء الزيدية إنكار الغلو في أهل البيت وإنكار الشرك، ولا يجوز أن يكون وقوع الشرك من بعضهم أو من بعض العامة مسوغا لتهمة الأغلبية منهم بذلك، وبناء على هذا وجب علي أن أعيد النظر في هذه الفتوى؛ لأن الواجب هو الأخذ بالحق؛ لأن الحق هو ضالة المؤمن متى وجده أخذه.
فأقول: إن هذه الفتوى التي سبق ذكرها قد رجعت عنها بالنسبة إلى ما فيها من التعميم والإطلاق؛ لا الهدف هو الأخذ بالحق والدعوة إليه وأعوذ بالله أن أكفر مسلما أو أمنع من الصلاة خلف مسلم بغير مسوغ شرعي، والواجب أن يؤخذ كل إنسان بذنبه وأن يحكم عليه بما ظهر من أقواله وأعماله، فكل إمام علم منه ما يدل على أنه يغلو في أهل البيت أو في غيرهم سواء كان من الزيدية أو من غيرهم وسواء كان في اليمن أو غير اليمن فإنه لا يصلى خلفه.
ومن لم يعرف بذلك من الزيدية أو غيرهم من المسلمين فإنه يصلى خلفه، والأصل سلامة المسلم مما يوجب منع الصلاة خلفه، كما أن الأصل سلامة المسلم من الحكم عليه بالشرك حتى يوجد بأمر واضح(12/107)
وبينة عادلة ما يدل على أنه يفعل الشرك أو يعتقد جوازه، هذا هو الذي أعتقده وأعلنه الآن لإخواننا في اليمن وغيرها، وقد تقدم أن الحق ضالة المؤمن متى وجده أخذه، ومعلوم أن العصمة لله ولرسله فيما يبلغونه عن الله عز وجل، وكل مفت وكل عالم وكل طالب علم قد يقع منه بعض الخطأ أو بعض الإجمال، ثم بعد وضوح الحق وظهوره يرجع إليه وفي ذلك شرف وفضل، وهذه طريقة أهل العلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وقد أثنى عليهم أهل العلم بذلك وشكروهم على هذه الطريقة الحميدة، وهذا هو الذي يجب علينا وعلى غيرنا الرجوع إليه والأخذ به في جميع الأحوال، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما فيه رضاه، وأن يمنحنا وإخواننا جميعا في اليمن وغيره إصابة الحق في القول والعمل إنه سبحانه وتعالى سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(12/108)
س: ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك؟ (1)
ج: هذا فيه تفصيل إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك فهذا مبتدع فينبغي أن لا يكون إماما لما ثبت في
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(12/108)
الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1) »
والاحتفال بالموالد من البدع، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو بالجن، أو غيرهم من المخلوقات فيقول: يا رسول الله انصرني، أو اشف مريضي، أو يقول: يا سيدي الحسين، أو يا سيدي البدوي، أو غيرهم من الأموات، أو الجمادات كالأصنام، المدد المدد، فهذا مشرك شركا أكبر لا يصلى خلفه، ولا تصح إمامته - نسأل الله العافية - أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بالشرك، أو يقرأ القرآن عند القبور، أو يصلي عندها، ولا يأتي بشرك فهذا يكون قد ابتدع في الدين فيعلم ويوجه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور، أما الصلاة في المقبرة فلا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (2) » متفق عليه.
__________
(1) رواه أبو داود في (السنة) برقم (3991) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند الأنصار) برقم (22931) ، والبخاري في (الجنائز) برقم (1301) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (823) .(12/109)
حكم الصلاة خلف من يستغيث بغير الله (1)
س: هل يصح أن أصلي خلف من يستغيث بغير الله ويتلفظ بمثل هذه الكلمات: (أغثنا يا غوث، مدد يا جيلاني) وإذا لم أجد غيره فهل لي أن أصلي في بيتي؟ .
ج: لا تجوز الصلاة خلف جميع المشركين ومنهم من يستغيث بغير الله ويطلب منه المدد؛ لأن الاستغاثة بغير الله من الأموات والأصنام والجن وغير ذلك من الشرك بالله سبحانه، أما الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر الذي يقدر على إغاثتك فلا بأس بها، لقول الله عز وجل في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (2) وإذا لم تجد إماما مسلما تصلي خلفه جاز لك أن تصلي في بيتك، وإن وجدت جماعة مسلمين يستطيعون الصلاة في المسجد قبل الإمام المشرك أو بعده فصل معهم، وإن استطاع المسلمون عزل الإمام المشرك وتعيين إمام مسلم يصلي بالناس وجب عليهم ذلك؛ لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن
__________
(1) سبق نشره في جـ (4) ، صـ (314) من هذا المجموع، وفي (مجلة الدعوة) في 13 \ 10 \ 1409 هـ.
(2) سورة القصص الآية 15(12/110)
المنكر وإقامة شرع الله في أرضه إذا أمكن ذلك بدون فتنة، لقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (1) الآية، وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (3) » رواه مسلم في صحيحه.
__________
(1) سورة التوبة الآية 71
(2) سورة التغابن الآية 16
(3) صحيح مسلم الإيمان (49) ، سنن الترمذي الفتن (2172) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5008) ، سنن أبو داود الصلاة (1140) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) ، مسند أحمد بن حنبل (3/10) .(12/111)
س: هل يجوز للمسلم أن يدع ذلك المسجد الذي يؤمه المشرك ويذهب إلى مسجد يؤمه موحد يفعل السنة؟
ج: نعم، يجوز له ذلك بل يجب عليه؛ لأن الصلاة خلف الإمام المشرك لا تصح كما تقدم.(12/111)
حكم الصلاة خلف ومع المتمسكين بالبدعة
س: ما حكم المقيم في بلد أهله متمسكون بالبدعة، هل يصح له أن يصلي معهم صلاة الجمعة والجماعة، أو يصلي وحده، أو تسقط عنه الجمعة؟ وإذا كان أهل السنة ببلد أقل من اثني عشر فهل تصح لهم الجمعة أم لا؟ .
ج: إن إقامة صلاة الجمعة واجبة خلف كل إمام بر أو فاجر، فإذا كان الإمام في الجمعة لا تخرجه بدعته عن الإسلام فإنه يصلى خلفه، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم) انتهى، قال الشارح لهذه العقيدة وهو من العلماء المحققين في شرح هذه الجملة: (قال صلى الله عيه وسلم: «صلوا خلف كل بر وفاجر (1) » رواه مكحول
__________
(1) رواه الدارقطني في سننه (كتاب العيدين) باب من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه برقم (10) .(12/112)
عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الدارقطني وقال: مكحول لم يلق أبا هريرة، وفي إسناده معاوية بن صالح متكلم فيه وقد احتج به مسلم في صحيحه.
وخرج له الدارقطني أيضا وأبو داود عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر والجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر (1) » ، وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكذا أنس بن مالك، وكان الحجاج فاسقا ظالما. وفي صحيحه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم وإن أخطئوا فلكم وعليهم (2) » ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله وصلوا على من قال: لا إله إلا الله (3) » أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها.
__________
(1) رواه أبو داود في (الجهاد) برقم (2171) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (653) واللفظ له، ورواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (8309) .
(3) رواه الدارقطني في سننه في (كتاب العيدين) باب صفة من تجوز الصلاة معه والصلاة عليه برقم (3، 4) .(12/113)
اعلم رحمك الله وإيانا أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا باتفاق الأئمة، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف المستور الحال، ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه - كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك - فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند أكثر العلماء، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها.
فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يصلي خلف الحجاج بن يوسف وكذلك أنس بن مالك رضي الله عنه كما تقدم، وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وغيره يصلون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعا ثم قال: أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: " ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة " وفي الصحيح أن عثمان(12/114)
رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان: إنك إمام عامة وهذا الذي صلى بالناس إمام فتنة؟ فقال: " يا ابن أخي إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم " (1) .
والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب.
ومن ذلك: أن من أظهر بدعة وفجورا لا يرتب إماما للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه، فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة.
وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم، وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور وليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا يترك الصلاة
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (654) .(12/115)
خلفه بل الصلاة خلفه أفضل.
فإذا أمكن للإنسان أن لا يقدم مظهرا للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك، لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما، فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، فتفويت الجمع والجماعات أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بالإمام الفاجر، لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجورا فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة.
وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر، وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء، منهم من قال: يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد، وموضع بسط ذلك في كتب الفروع) انتهى كلام الشارح.
والأقرب في هذه المسألة الأخيرة عدم الإعادة للأدلة السابقة؛ ولأن الأصل عدم وجوب الإعادة فلا يجوز الإلزام بها إلا بدليل خاص يقتضي ذلك، ولا نعلم وجوده. والله الموفق.
وأما السؤال الثاني: فجوابه أن يقال: هذه المسألة فيها(12/116)
خلاف مشهور بين أهل العلم، والصواب في ذلك: جواز إقامة الجمعة بثلاثة فأكثر إذا كانوا مستوطنين في قرية لا تقام فيها الجمعة، أما اشتراط أربعين أو اثني عشر أو أقل أو أكثر لإقامة الجمعة فليس عليه دليل يعتمد عليه فيما نعلم، وإنما الواجب أن تقام في جماعة وأقلها ثلاثة، وهو قول جماعة من أهل العلم واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الصواب كما تقدم.(12/117)
حكم الصلاة خلف صاحب عقيدة
مخالفة لأهل السنة كالأشعري ونحوه (1)
س: هل تجوز الصلاة خلف صاحب عقيدة مخالفة لأهل السنة والجماعة كالأشعري مثلا؟ .
ج: الأقرب والله أعلم أن كل من نحكم بإسلامه يصح أن نصلي خلفه ومن لا فلا، وهذا قول جماعة من أهل العلم وهو الأصوب.
وأما من قال: إنها لا تصح خلف العاصي فقوله هذا مرجوح، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة
__________
(1) سبق نشره في ج (5) ص (426) من هذا المجموع.(12/117)
خلف الأمراء، والأمراء منهم الكثير من العصاة، وابن عمر وأنس وجماعة صلوا خلف الحجاج وهو من أظلم الناس.
والحاصل أن الصلاة تصح خلف مبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام، أو فاسق فسقا ظاهرا لا يخرجه من الإسلام.
لكن ينبغي أن يولى صاحب السنة، وهكذا الجماعة إذا كانوا مجتمعين في محل يقدمون أفضلهم.(12/118)
الصلاة خلف المبتدع والمسبل إزاره (1)
س: هل تصح الصلاة وراء المبتدع والمسبل إزاره؟ .
ج: نعم تصح الصلاة خلف المبتدع وخلف المسبل إزاره وغيرهما من العصاة في أصح قولي العلماء ما لم تكن البدعة مكفرة لصاحبها، فإن كانت مكفرة له كالجهمي ونحوه ممن بدعتهم تخرجهم عن دائرة الإسلام، فلا تصح الصلاة خلفهم، ولكن يجب على المسئولين أن يختاروا للإمامة من هو سليم من البدعة والفسق، مرضي السيرة؛ لأن الإمامة أمانة عظيمة، القائم بها قدوة للمسلمين، فلا يجوز أن يتولاها أهل البدع والفسق مع القدرة على تولية غيرهم.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، صـ (113) .(12/118)
والإسبال من جملة المعاصي التي يجب تركها والحذر منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار (1) » رواه البخاري في صحيحه، وما سوى الإزار حكمه حكم الإزار كالقميص والسراويل والبشت ونحو ذلك، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم المسبل إزاره والمنان فيما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب (2) » خرجه مسلم في صحيحه.
وإذا صار سحبه للإزار ونحوه من أجل التكبر، صار ذلك أشد في الإثم وأقرب إلى العقوبة العاجلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة (3) » .
والواجب على كل مسلم أن يحذر ما حرم الله عليه من الإسبال وغيره من المعاصي، كما يجب عليه أن يحذر البدع كلها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو
__________
(1) رواه البخاري في (اللباس) برقم (5341) ، وأحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (9555) .
(2) رواه مسلم في (الإيمان) برقم (154) ، والترمذي في (البيوع) برقم (1132) ، والنسائي في (الزكاة) برقم (2516) .
(3) رواه البخاري في (المناقب) برقم (3392) واللفظ له، ورواه مسلم في (اللباس والزينة) برقم 3889) .(12/119)
رد (1) » . خرجه مسلم في صحيحه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة (2) » خرجه مسلم أيضا.
نسأل الله لنا وللمسلمين جميعا العافية من البدع والمعاصي إنه خير مسئول.
__________
(1) رواه مسلم في (الأقضية) برقم (3243)
(2) رواه مسلم في (الجمعة) برقم (1435) .(12/120)
حكم الصلاة خلف الصوفي (1)
س: إذا حضرت بقرية وكان إمامها من الصوفية، ولا يقبض يده في الصلاة ولا يدلي بركبتيه قبل يديه إلى السجود، فهل تجوز صلاتي معه؟ .
ج: إذا كان معروفا بالتوحيد ليس مشركا وإنما عنده شيء من الجهل أو التصوف ولكنه موحد مسلم يعبد الله وحده ولا يعبد المشايخ ولا غيرهم من المخلوقات كالشيخ عبد القادر وغيره، فمجرد كونه لا يضم يديه في الصلاة لا يمنع من
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(12/120)
الصلاة خلفه؛ لأن هذا أمر مسنون، وليس بواجب، وهو جعل كفه اليمنى على كفه اليسرى ورسغه وساعده على صدره حال القيام في الصلاة، فمن أرسلها فلا حرج عليه وصلاته صحيحة، وقد استحب ذلك بعض أهل العلم، لكن الصواب أن المشروع هو الضم لثبوت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
وهذه الأحاديث تعم حال المصلي قبل الركوع وبعده، وهكذا الخلاف في تقديم المصلي ركبتيه قبل يديه، أو يديه قبل ركبتيه لاختلاف الأحاديث الواردة في ذلك من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وابن عمرو، ووائل بن حجر، وأفتى به مالك رضي الله عنهم جميعا.
والأرجح في ذلك أن الأفضل تقديم الركبتين عند السجود ثم اليدين ثم الوجه، وبذلك تجتمع الأحاديث، ويوافق أول حديث أبي هريرة صريح حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه؛ لأن النهي عن بروك البعير الوارد في حديث أبي هريرة يوافق ما دل عليه حديث وائل من تقديم الركبتين على اليدين؛ لأن البعير إذا أنيخ يقدم يديه على رجليه، وأما قوله في آخر حديث أبي هريرة: «وليضع يديه قبل ركبتيه (1) » فالأظهر في ذلك أنه انقلاب في الرواية، غلط فيه بعض الرواة والصواب:
__________
(1) سنن الترمذي الصلاة (269) ، سنن النسائي التطبيق (1091) ، سنن أبو داود الصلاة (840) ، مسند أحمد بن حنبل (2/381) ، سنن الدارمي الصلاة (1321) .(12/121)
«وليضع ركبتيه قبل يديه (1) » .
وبذلك يوافق آخر الحديث أوله كما أشار إلى ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، وهذا مع القدرة، أما العاجز لكبر أو مرض فلا حرج عليه في تقديم يديه قبل ركبتيه، ومن قدم اليدين على الركبتين في الصلاة اعتقادا منه أن ذلك هو الأفضل فلا حرج عليه، والأمر في ذلك واسع والخلاف فيه مشهور بين أهل العلم.
ولا ينبغي التشديد في ذلك؛ لأن الاختلاف في الأفضلية فقط، والصلاة صحيحة على كلا القولين، ولا حرج في الصلاة خلف من فعل هذا أو هذا. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (248) ، والنسائي في (التطبيق) برقم (1077) .(12/122)
حكم الصلاة خلف العاصي كحالق اللحية وشارب الدخان (1)
س: ما حكم الصلاة خلف العاصي كحالق اللحية وشارب الدخان؟ .
ج: اختلف العلماء في هذه المسألة، فذهب بعضهم إلى
__________
(1) سبق نشره في جـ (6) صـ (400) من هذا المجموع.(12/122)
عدم صحة الصلاة خلف العاصي لضعف إيمانه وأمانته، وذهب جمع كبير من أهل العلم إلى صحتها، ولكن لا ينبغي لولاة الأمر أن يجعلوا العصاة أئمة للناس مع وجود غيرهم وهذا هو الصواب؛ لأنه مسلم يعلم أن الصلاة واجبة عليه ويؤديها على هذا الأساس فصحت صلاة من خلفه، والحجة في ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصلاة خلف الأمراء الفسقة: «يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم (1) » ، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أحاديث أخرى ترشد إلى هذا المعنى، وصلى بعض الصحابة خلف الحجاج وهو من أفسق الناس، ولأن الجماعة مطلوبة في الصلاة فينبغي للمؤمن أن يحرص عليها وأن يحافظ عليها ولو كان الإمام فاسقا، لكن إذا أمكنه أن يصلي خلف إمام عدل فهو أولى وأفضل وأحوط للدين.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (694) ، مسند أحمد بن حنبل (2/355) .(12/123)
حكم إمامة من يشرب الدخان
س: ما حكم شرب الدخان وحكم إمامة من يجاهر بذلك؟(12/123)
ج: قد دلت الأدلة الشرعية على أن شرب الدخان من الأمور المحرمة شرعا، وذلك لما اشتمل عليه من الخبث والأضرار الكثيرة، والله سبحانه لم يبح لعباده من المطاعم والمشارب إلا ما كان طيبا نافعا، أما ما كان ضارا لهم في دينهم أو دنياهم أو مغيرا لعقولهم، فإن الله سبحانه قد حرمه عليهم، وهو عز وجل أرحم بهم من أنفسهم، وهو الحكيم العليم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، فلا يحرم شيئا عبثا، ولا يخلق شيئا باطلا، ولا يأمر بشيء ليس للعباد فيه فائدة؛ لأنه سبحانه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح العباد وينفعهم في العاجل والآجل، كما قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (1) وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (2)
والآيات في هذا المعنى كثيرة، ومن الدلائل القرآنية على تحريم شرب الدخان قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (3) وقال في سورة الأعراف في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (4) الآية.
__________
(1) سورة الأنعام الآية 83
(2) سورة النساء الآية 11
(3) سورة المائدة الآية 4
(4) سورة الأعراف الآية 157(12/124)
فأوضح سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه سبحانه لم يحل لعباده إلا الطيبات؛ وهي الأطعمة والأشربة النافعة، أما الأطعمة والأشربة الضارة كالمسكرات والمخدرات وسائر الأطعمة والأشربة الضارة في الدين أو البدن أو العقل فهي من الخبائث المحرمة.
وقد أجمع الأطباء وغيرهم من العارفين بالدخان وأضراره أن الدخان من المشارب الضارة ضررا كبيرا، وذكروا أنه سبب لكثير من الأمراض كالسرطان وموت السكتة وغير ذلك، فما كان بهذه المثابة فلا شك في تحريمه ووجوب الحذر منه فلا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يشربه، فقد قال الله تعالى في كتابه المبين: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (1) وقال عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (2)
أما إمامة شارب الدخان وغيره من العصاة في الصلاة فلا ينبغي أن يتخذ مثله إماما، بل المشروع أن يختار للإمامة الأخيار من المسلمين المعروفين بالدين والاستقامة؛ لأن
__________
(1) سورة الأنعام الآية 116
(2) سورة الفرقان الآية 44(12/125)
الإمامة شأنها عظيم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما (1) » الحديث رواه مسلم في صحيحه.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمالك بن الحويرث وأصحابه: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم (2) » لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل تصح إمامة العاصي والصلاة خلفه، فقال بعضهم: لا تصح الصلاة خلفه؛ لضعف دينه ونقص إيمانه، وقال آخرون من أهل العلم: تصح إمامته والصلاة خلفه؛ لأنه مسلم قد صحت صلاته في نفسه فتصح صلاة من خلفه؛ ولأن كثيرا من الصحابة صلوا خلف بعض الأمراء المعروفين بالظلم والفسق، ومنهم ابن عمر رضي الله عنهما قد صلى خلف الحجاج وهو من أظلم الناس، وهذا هو القول الراجح وهو صحة إمامته والصلاة خلفه.
لكن لا ينبغي أن يتخذ إماما مع القدرة على
__________
(1) رواه مسلم في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة) باب (من أحق بالإمامة) برقم (673) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (592) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (1080) .(12/126)
إمامة غيره من أهل الخير والصلاح، وهذا جواب مختصر أردنا منه التنبيه على أصل الحكم في هاتين المسألتين وبيان بعض الأدلة على ذلك وقد أوضح العلماء حكم هاتين المسألتين فمن أراد بسط ذلك وجده.
والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين ويوفقهم جميعا للاستقامة على دينه، والحذر مما يخالف شرعه إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.(12/127)
س: إذا كان الرجل معلنا لشرب الدخان أو يتشبه بالكفرة في لباس أو غيره، هل يصلى خلفه أم لا؟
ج: تصح الصلاة خلف المذكور إذا كان مسلما في أصح قولي العلماء، لكن إذا تيسرت الصلاة جماعة في المساجد خلف من هو خير منه فهو أولى وأحوط.(12/127)
س: ما حكم إمامة من يفعل شيئا من المعاصي كشرب الدخان أو حلق اللحية أو إسبال الثياب أو نحو ذلك؟ (1)
ج: صلاته صحيحة إذا أداها كما شرع الله بإجماع أهل العلم، وهكذا صلاة من خلفه؛ إذا كان إماما في أصح قولي
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) ، العدد (10935) ، الأربعاء 13 \ 1 \ 1415 هـ.(12/127)
العلماء. أما الكافر فلا تصح صلاته ولا صلاة من خلفه لفقد شرطها وهو الإسلام، ولكن الواجب على الجهات المسئولة أن تختار للإمامة من هو معروف بالعلم والفضل والعدالة حسب الإمكان. والله الموفق.(12/128)
الواجب على الإمام عدم التخلف عن الصلاة بالجماعة (1)
س: عينت إمام مسجد إماما راتبا، ولكن جماعة المسجد لا يصلون في هذا المسجد إلا يوم الجمعة، حيث يغادرون إلى مناطقهم بعد صلاة الجمعة، وفي هذه الحالة لا يوجد جماعة في المسجد إلا ثلاثة، وقد قال المؤذن لي: لا تحضر إلا يوم الجمعة، حيث إن مكان سكني يبعد عن المسجد نحو 30 كم، أرجو التكرم بالإجابة عن حالتي هذه وخصوصا أنني لا أقدر أن أصلي فيه جميع الفروض؛ لأنني أعمل مدرسا والمسافة بعيدة، علما أنه قد طلب مني حضور جميع الفروض عند تعييني إماما لهذا المسجد؟ نرجو الإفادة والله يبارك فيكم.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1420) .(12/128)
ج: الواجب عليك أن تصلي بهم جميع الأوقات كما أمرك بذلك مرجعك، إلا إذا سمح لك المرجع بأن تستنيب المؤذن أو غيره ممن هو أهل للإمامة في بعض الأوقات فلا بأس.(12/129)
ما يفعله الإمام إذا أخطأ ولم يفتح عليه (1)
س: إذا قرأ الإمام في الصلاة ما تيسر من القرآن ثم نسي تكملة الآية، ولم يعرف أحد أيرد عليه من المصلين، فهل يكبر وينهي الركعة أم يقرأ سورة غيرها؟ .
ج: هو مخير إن شاء كبر وأنهى القراءة، وإن شاء قرأ آية أو آيات من سورة أخرى، على حسب ما تقتضيه السنة المطهرة في الصلاة التي يقرأ فيها إذا كان ذلك في غير الفاتحة. أما الفاتحة فلا بد من قراءتها جميعها؛ لأن قراءتها ركن من أركان الصلاة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1377) ، بتاريخ 6 \ 8 \ 1413 هـ.(12/129)
إمامة المرأة للنساء (1)
س: هل يجوز للنساء أن يتخذن لهن إمامة منهن تصلي بهن في رمضان وفي غيره؟ .
ج: نعم لا بأس بذلك، وقد روي عن عائشة وأم سلمة وابن عباس رضي الله عنهم ما يدل على ذلك، وإمامة النساء تقف وسطهن وتجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، صـ (120) .(12/130)
س: سائل من لوس أنجلوس يقول في سؤاله: أين تقف المرأة عند إمامتها للنساء، وهل هناك خلاف بين المذاهب في هذا الأمر؟ أفتونا جزاكم الله خيرا (1) .
ج: تقف المرأة في وسط صفهن كما فعلت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ولئلا تتشبه بالرجال في ذلك، ولا أعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك، ويستحب لها الجهر في الجهرية كالرجل لعظم الفائدة في ذلك، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/130)
جهر المرأة بالقراءة في الصلاة (1)
س: ما حكم العدد اللازم لجماعة النساء وهل ترفع المرأة صوتها إذا صلت بهن؟ .
ج: إذا كانت تصلي بالنساء فيشرع لها أن تجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية حتى تسمعهن ويستفدن من كلام الله عز وجل ولا يشترط لذلك عدد معين، لكن إذا لم يكن معها إلا امرأة واحدة وقفت عن يمينها فإن كن أكثر وقفن عن يمينها وشمالها وكانت الإمامة في الوسط.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(12/131)
إمامة المرأة للرجل (1)
س: الأخت أم يوسف من مكة المكرمة تقول في سؤالها: هل يجوز أن تؤم المرأة زوجها في صلاة الليل إذا كانت أقرأ منه. وتقول أيضا: إن زوجها فاتته صلاة العصر وعندما دخل المنزل وجدها تصلي دخل معها مأموما فهل تصح صلاتهما؟
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/131)
ج: لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ولا تصح صلاته خلفها لأدلة كثيرة، وعلى المذكور أن يعيد صلاته. وفق الله الجميع.(12/132)
الاستخلاف أثناء الصلاة (1)
س: ذهبت إلى المسجد لصلاة العشاء فوجدت الجماعة قد سبقوني بركعتين، وبعد أن كبرت للدخول في الصلاة حصل للإمام عذر جعله يقطع الصلاة ويضعني إماما مكانه، فماذا أفعل في هذه الحالة وأنا مسبوق بركعتين؟ .
ج: عليك أن تصلي الركعتين اللتين أدركتهما، وأن تجلس للتشهد الأول بالنسبة إليك وهو التشهد الأخير بالنسبة للمأمومين، والأفضل أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تقوم وتشير إليهم بأن يجلسوا حتى تفرغ من قضاء الركعتين، ثم تسلم بهم جميعا؛ لأنك معذور في هذه الحالة وهم معذورون وعليهم أن ينتظروك.
هذا هو الواجب عليكم جميعا، ولو أنه استخلف إنسانا لم يفته شيء من الصلاة لكان أولى، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (60) .(12/132)
س: السائل ع. م. أ - من أسوان في جمهورية مصر العربية، يقول: بعد أن صلى الإمام ركعتين من صلاة العشاء تذكر أنه غير متوضئ، فقطع صلاته والتفت إلى من خلفه من المأمومين ليقدم أحدهم للصلاة بدلا منه، فوجدهم من العامة الذين لا يحسنون القراءة، وكان الذي يحسن القراءة بعيدا عنه بعض الشيء فكيف يتقدم هذا الشخص للصلاة بدلا منه، هل يقطع صلاته ثم يكبر ثانية بالمأمومين، أم يمشي حتى يصل إلى مكان الإمام وهو في صلاته، وماذا لو كان هذا الشخص المطلوب منه التقدم في الصف الثاني؟ أفتونا مأجورين (1) .
ج: الأفضل أن يستنيب الإمام من يصلي بقية الصلاة إذا عرض له ما يوجب انصرافه من الصلاة، فإن لم يتيسر ذلك أتم كل واحد لنفسه، وإن انتظروا حتى يرجع ويصلي بهم فلا بأس، وقد استناب عمر رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأتم الصلاة بالناس، فإذا كان النائب ليس خلف الإمام وخطى خطوات قليلة إلى محل الإمامة فلا بأس لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك لما صلى بالناس على المنبر ثم نزل فسجد
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/133)
بالأرض ليعلمهم الصلاة في مثل هذا، وليأتموا به. وهكذا في صلاة الكسوف لما عرضت عليه الجنة تقدم خطوات فتقدم الناس معه، ولما عرضت عليه النار تأخر وتأخروا. والله ولي التوفيق.(12/134)
حكم صلاة من تقدم للإمامة أثناء الصلاة بدون استخلاف (1)
س: إذا صلى الإمام بعض الصلاة ثم قطع الصلاة وقام محله آخر وأتم الصلاة بغير استخلاف، وبعد انقضاء الصلاة حصل عند المأمومين تشويش هل استخلف أم لا، وبعضهم سأل الإمام الآخر هل استخلفك الإمام قال: لا، فهل يلزم المأمومين إعادة الصلاة، وهل يلزم البحث إذا كانوا لم يعلموا الحال، وهل في المسألة أقوال؛ لأن بعض طلبة العلم أفتى بصحة الصلاة وبعضهم ببطلانها؟
ج: إذا قدم الإمام رجلا من المأمومين عند احتياجه إلى قطع الصلاة جاز في أظهر أقوال أهل العلم، وقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما، وفعله عمر رضي الله عنه لما طعن وهو
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/134)
في الصلاة، فإنه قدم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ليتم الصلاة. والقصة في صحيح البخاري، وكذا لو قدم المأمومون أحدهم إذا كانوا قلة أو قدمه بعضهم إذا كانوا كثيرا، وكذا لو تقدم أحدهم وأتم الصلاة دون أن يقدمه أحد، قال أبو محمد ابن قدامة رحمه الله في المغني بعد أن استدل للرأي الراجح وهو جواز الاستخلاف: إذا ثبت هذا فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة كما فعل عمر رضي الله عنه، وإن لم يستخلف فقدم المأمومون منهم رجلا فأتم بهم جاز، وإن صلوا وحدانا جاز، قال الزهري في إمام ينوبه الدم أو يرعف أو يجد مذيا: ينصرف وليقل أتموا صلاتكم. انتهى.
ولا شك أن تقدم أحد المأمومين ليتم بهم الصلاة أولى من إتمامهم الصلاة فرادى وليس الاستخلاف من الإمام ولا من المأمومين شرطا في صحة الصلاة بعد خروج الإمام منها، فإنه لو تقدم أحد الجماعة عند إقامة الصلاة وصلى بهم دون أن يقدمه أحد منهم فإن صلاته وصلاتهم وراءه صحيحة، فكذا لو تقدم في أثناء الصلاة ليتم الصلاة بعد خروج الإمام وإن لم يقدمه أحد؛ لأن تقدمه يتضمن نية الإمامة، ومتابعتهم له تتضمن قصدهم الائتمام به، ولأن الصلاة جماعة مطلوبة شرعا فما كان محققا لها أولى من عدمه، والله ولي التوفيق.(12/135)
س: سائل يسأل ويقول: خرج الإمام من الصلاة ولم يستخلف فهل أتقدم الناس؟ أم أتم الصلاة لوحدي (1) ؟
ج: المشروع للإمام إذا أحدث في الصلاة، أو تذكر أنه دخلها على غير طهارة أن ينصرف ويستخلف من يكمل الصلاة بالناس، كما فعل عمر رضي الله عنه، لما طعن في صلاة الفجر، فإنه استخلف عبد الرحمن بن عوف وكمل بالناس الصلاة. فإن لم يستخلف شرع لمن خلفه أن يتقدم أحدهم ويكمل بالناس، فإن لم يفعلوا كمل كل واحد الصلاة لنفسه لأنه معذور، كما بين ذلك أهل العلم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/136)
من صلى إماما ولم يتوضأ ناسيا (1)
س: صلى الإمام بجماعة على غير وضوء نسيانا، فما حكم هذه الصلاة في الحالات الآتية: 1 - إذا تذكر أثناء الصلاة؟
2 - إذا تذكر بعد السلام وقبل تفرق الجماعة؟
3 - إذا تذكر بعد تفرق الجماعة؟
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/136)
ج: إذا لم يذكر إلا بعد السلام فصلاة الجماعة صحيحة وليس عليهم إعادة، أما الإمام فعليه الإعادة. أما إن ذكر وهو في أثناء الصلاة فإنه يستخلف من يكمل بهم صلاتهم في أصح قولي العلماء لقصة عمر رضي الله عنه، فإنه لما طعن استخلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأتم بهم الصلاة ولم يستأنف. وبالله التوفيق.(12/137)
س: شخص أم آخرين إحدى الصلوات المفروضة، وعند انتهائهم من الصلاة وتفرقهم تذكر أنه لم يتوضأ، فأعاد الصلاة بعد الوضوء وحده، فهل الصلاة في هذه الحالة صحيحة أم يلزمه إبلاغ المأمومين، وإذا لم يكن يعرفهم فماذا يفعل (1) ؟
ج: صلاة المأمومين صحيحة أما الإمام فعليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور (2) » خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، (الجزء الثاني) ، صـ (92) .
(2) رواه مسلم في (كتاب الطهارة) باب وجوب الطهارة للصلاة برقم (224) ، والترمذي في (الطهارة) برقم (1) .(12/137)
من صلى إماما وانتقض وضوءه أثناء الصلاة (1)
س: إذا انتقض وضوء الإمام أثناء الصلاة، فهل يستخلف من يتم بهم الصلاة، أم تبطل صلاة الجميع ويأمر من يستأنف بهم الصلاة من أولها؟
ج: الصواب: أن المشروع للإمام أن يستخلف من يكمل بهم الصلاة، كما فعل عمر رضي الله عنه لما طعن وهو يصلي استخلف عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأتم بهم صلاة الفجر، فإن لم يستخلف بهم الإمام تقدم بعض من وراءه فأكمل بالناس، فإن استأنفوا الصلاة من أولها فلا حرج في ذلك؛ لأن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم لكن الأرجح هو أن الإمام يستخلف من يكمل بهم لما ذكرنا من فعل عمر رضي الله عنه فإن استأنفوا فلا بأس، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/138)
س: شخص صلى إماما لجماعة من الناس، وبعد أن أتم الصلاة تذكر أنه لم يكن على طهارة ثم ذهب وتطهر وأعاد الصلاة هو فقط، فهل ما فعل هذا الشخص صواب؟ وما الذي يلزمه الآن إن كان على خطأ؟ (1)
ج: هذا الذي فعله الشخص المذكور هو الصواب، وهو الواجب عليه، أما الجماعة فصلاتهم صحيحة؛ لأنهم لم يعلموا حاله حين الصلاة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/139)
من صلى إماما بغير وضوء وذكر أثناء الصلاة (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم س. ع. م سلمه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد في إدارة البحوث العلمية برقم (2954) في 16 \ 9 \ 1406 هـ والذي تسأل فيه عن إمام مسجد لم يكن على وضوء عندما صلى ولكنه لم يعلم إلا بعد الركعة الثانية من الصلاة، ولكنه أتم الصلاة، فلما انقضت الصلاة قام وتوضأ، ما الحكم بالنسبة لصلاة المأمومين هل هي صحيحة أم يعيدون صلاتهم، وإن ظهر منه صوت وهو في الصلاة وسمعه بعض المأمومين وبعد نهاية الصلاة قام الإمام وتوضأ ما الحكم في صلاة المأمومين بذلك؟
ج: أفيدك بأنه إذا تذكر الإمام في أثناء الصلاة أنه على غير وضوء حرم عليه الاستمرار في الصلاة، وإذا استمر حتى انقضاء الصلاة ولم يعلم المأمومون بذلك فإن صلاتهم
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 98 \ 2 في 24 \ 1 \ 1407 هـ.(12/140)
صحيحة، أما صلاته هو فهي باطلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم (1) » .
أما إذا علم المأمومون بانتقاض وضوء الإمام وتابعوه في الصلاة، فإن صلاة من علم منهم انتقاض وضوء الإمام واستمر في متابعته باطلة وعليهم إعادتها.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (694) ، مسند أحمد بن حنبل (2/355) .(12/141)
س: إذا تقدم الإمام وصلى بعض الصلاة ثم ذكر بأنه لم يتوضأ وانصرف، هل يبني المأمومون على ما مضى أو يستأنفون الصلاة؟ (1)
ج: الصواب أنه يستخلف من يصلي بهم كما فعل عمر رضي الله عنه لما طعن، وإن لم يستخلف واستخلفوا من أكمل بهم صحت صلاتهم، هذا هو الراجح من أقوال العلماء، وإن صلوا فرادى وأتموا لأنفسهم فلا بأس. أما إذا كان قد أكمل بهم ثم تذكر أنه صلى بغير وضوء صحت صلاتهم ويعيد لنفسه.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهه لسماحته في ندوة في الجامع الكبير في الرياض.(12/142)
س: رجل يصلي مع الجماعة، وهو في الصلاة تذكر أنه على غير طهارة
هل يكمل الصلاة؟ أم يخرج رغم الحرج عليه؟ (1) .
ج: لا يجوز له أن يكمل الصلاة وهو على غير طهارة، وعليه أن ينصرف ويتوضأ ويصلي فإن لم يستطع لكثرة الصفوف جلس حتى تنتهي الصلاة، ثم يخرج ويتطهر ويصلي لقول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2) وقول النبي صلى الله
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) سورة التغابن الآية 16(12/142)
عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور (1) » أخرجه مسلم في صحيحه. وفق الله الجميع.
__________
(1) صحيح مسلم الطهارة (224) ، سنن الترمذي الطهارة (1) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (272) ، مسند أحمد بن حنبل (2/73) .(12/143)
الصلاة من غير إذن الإمام الراتب (1)
س: هناك مسجد له إمام، وهناك رجل في بعض الأحيان يصلي ويؤم الناس بدون إذن الإمام الراتب، فهل صلاته صحيحة؟
ج: إذا كان الإمام تأخر عن الموعد المعتاد وتقدم بعض المأمومين وصلى بالناس فلا حرج، وصلاته صحيحة، وصلاتهم صحيحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تأخر صلى عبد الرحمن بن عوف بالناس، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، بل أقره على ذلك وصلى معهم ما بقي من الصلاة، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في غزوة تبوك في صلاة الفجر تخلف لقضاء حاجته، فلما حضر وقت الصلاة وتأخر النبي صلى الله عليه وسلم أقيمت الصلاة وصلى عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه - أحد العشرة المبشرين بالجنة - بالناس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (53) .(12/143)
وقد صلى عبد الرحمن ركعة، فأراد أن يتأخر فأشار له النبي صلى الله عليه وسلم فاستمر في الصلاة، وصلى معه النبي صلى الله عليه وسلم الركعة التي بقيت، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف قام النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المغيرة بن شعبة فقضيا ما فاتهما، فدل ذلك على أن الإمام إذا تأخر فإن الجماعة لا يعطلون بل يقدمون من شاءوا من أهل الخير فيصلي بهم حتى لا يتعطل الناس وهذا هو الحق.
أما كون بعض الناس يتسرع ويقيم قبل أن يأتي وقت الصلاة، فهذا غلط لا يجوز وليس لأحد أن يتقدم على الإمام الراتب قبل مجيء الوقت المعتاد إلا بإذنه. اهـ.(12/144)
قراءة القرآن متتابعا في صلوات المغرب والعشاء والفجر (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ح. ح. ث. سلمه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم (1684) وتاريخ 3 \ 5 \ 1407 هـ الذي نصه: أفيدكم أنني أقوم بإمامة جامع بالطائف، وأني والحمد لله أحفظ القرآن الكريم كاملا. وإني أجد رغبة في قراءة القرآن الكريم متتابعا في صلوات المغرب والعشاء والفجر خلال العام، بحيث أختم القرآن الكريم مرتين من شهر شوال إلى شهر شعبان من كل عام، ثم أختمه في رمضان مرة ثالثة، فهل في ذلك محذور شرعي، ولو قرأت في المغرب صفحة، والعشاء صفحة ونصف الصفحة، وفي الفجر ثلاث صفحات، فهل في ذلك إطالة على المصلين؟ وهل يجوز أن أدعو في ختام القرآن بالمصلين في رمضان وغيره؟ كما أن المصلين يجدون إطالة في فجر الجمعة
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم (2247) .(12/145)
إذا قرأت السجدة في الركعة الأولى والدهر في الثانية فما هو الحل في هذه الحالة؟ وهل يجوز أن أقرأ السجدة في جمعة مقسومة على ركعتين والدهر في جمعة أخرى مقسومة أيضا على ركعتين وهكذا، أو لا داعي لقراءتها إذا كان هناك من المصلين من يستثقل الصلاة في هذه الحالة؟ آمل من الله ثم منكم توضيحا محررا كاملا لهاتين القضيتين وجزاكم الله خيرا.
ج: أفيدك بالنسبة لسؤالك عن قراءة القرآن متتابعا في صلوات المغرب والعشاء والفجر حتى تختمه، أن الأولى ترك ذلك؛ لأنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم، وكل الخير في اتباع سيرته عليه الصلاة والسلام وسيرة خلفائه رضي الله عنهم، وإذا تيسر لك أن تختم القرآن في التهجد فذلك خير لك في الدنيا والآخرة وفي إمكانك إن شاء الله أن تختمه مرات كثيرة قبل رمضان.
أما الدعاء عند ختم القرآن فلا بأس به في الصلاة وخارجها وهو من هدي السلف الصالح، كما ذكر ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه: (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) .
أما قراءة سورة السجدة وسورة الدهر في فجر يوم الجمعة فننصحك بالاستمرار في ذلك تأسيا بالنبي صلى الله(12/146)
عليه وسلم وأتباعه بإحسان ولو ثقل ذلك على بعض الناس.
نسأل الله للجميع التوفيق لما فيه رضاه والثبات على الحق والإعانة على كل خير إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(12/147)
إمامة المسبوق (1)
س: دخل رجل المسجد بعد تسليم الإمام والمصلين، ولكنه وجد مسبوقا يتم صلاته، فوقف بجانبه ليجعل المسبوق إماما له لينال ثواب الجماعة، فهل يجوز له ذلك، أم لا يكون المسبوق إماما، وهل الصلاة التي أداها هذا الرجل مع المسبوق صحيحة؟
ج: إذا دخل المسبوق المسجد وقد صلى الناس ووجد مسبوقا يصلي، شرع له أن يصلي معه ويكون عن يمين المسبوق حرصا على فضل الجماعة، وينوي المسبوق الإمامة ولا حرج في ذلك في أصح قولي العلماء، وهكذا لو وجد إنسانا يصلي وحده بعد ما سلم الإمام شرع له أن يصلي معه، ويكون عن يمينه تحصيلا لفضل الجماعة، وإذا سلم المسبوق أو الذي يصلي وحده قام هذا الداخل فكمل ما عليه لعموم الأدلة الدالة على فضل الجماعة، ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى رجلا دخل المسجد بعد انتهاء الصلاة قال: «ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه (2) » .
__________
(1) نشرت في كتاب الدعوة، الجزء، صـ (117) . من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (11380) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (487) .(12/148)
س: رجل فاتته بعض الركعات مع الإمام، فدخل رجل آخر قد فاتته الصلاة وجعل من هذا الذي يقضي إماما له فهل هذا جائز؟ (1) .
ج: الصواب أنه لا حرج في ذلك، حرصا على تحصيل الجماعة.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية)(12/149)
النية شرط في الإمامة (1)
س: هل يشترط في الإمامة نية الإمامة، وإذا دخل رجل فوجد آخر يصلي فهل يأتم به، وهل يشرع الائتمام بالمسبوق؟
ج: تشترط النية في الإمامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (2) » وإذا دخل رجل المسجد وقد فاتته الجماعة فوجد من يصلي وحده فلا بأس أن يصلي معه مأموما بل ذلك هو الأفضل؛
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.
(2) رواه الإمام البخاري في (بدء الوحي) برقم (1) واللفظ له، ورواه مسلم في (الإمارة) برقم 3530) .(12/149)
«لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا قد دخل المسجد بعد ما صلى الناس: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي (1) » معه وبذلك يحصل فضل صلاة الجماعة لهما جميعا، وهي نافلة بالنسبة لمن قد صلى.
وقد كان معاذ رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فرضه، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فهي له نافلة ولهم فرض، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
أما المسبوق فلا حرج أن يصلي معه من فاتته صلاة الجماعة، رجاء حصول فضل الجماعة، وإذا أكمل المسبوق صلاته قام من لم يكمل صلاته فأتمها لعموم الأدلة، وهذا الحكم عام لجميع الصلوات الخمس؛ «لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه لما ذكر له من يأتي من الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل معهم فإنها لك نافلة ولا تقل صليت فلا أصلي (2) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (574) ، سنن الدارمي الصلاة (1368) .
(2) رواه مسلم في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة برقم (648) .(12/150)
س: إذا دخل المسجد عدة أشخاص ووجدوا شخصا يصلي منفردا وقد مضى بعض صلاته هل يقتدون به إماما لهم أو يتقدم بهم واحد منهم؟ أفيدونا (1) .
ج: الحمد لله، إن المشروع لهؤلاء أن يصلوا جماعة، بل هذا هو الواجب عليهم فإن رأوا أن من سبقهم أهلا للإمامة وصلوا خلفه فلا بأس وعليهم أن يقضوا ما فاتهم بعد سلامه.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1622) وتاريخ 18 شعبان 1418 هـ.(12/151)
س: إذا دخلت المسجد بعد انتهاء الجماعة من الصلاة، وأقمت الصلاة وكبرت تكبيرة الإحرام وجاء من بعدي رجل ودخل معي في صلاتي وأنا لم أنو بذلك، هل تصح صلاته أم لا؟ (1)
ج: الصواب أن المشروع لك أن تنوي الإمامة حين دخول واحد أو أكثر معك في الصلاة؛ لأن الجماعة مطلوبة وفيها فضل عظيم، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك إنما يصح في النافلة، والصواب أنه يصح في الفرض والنفل؛ لأن الأصل أنهما سواء في الأحكام إلا ما خصه الدليل، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أنه كان يصلي في الليل وحده في بيت
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/151)
ميمونة - خالة ابن عباس - رضي الله عنهم جميعا، فقام ابن عباس فتوضأ، وصف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وصلى به (1) » ، متفق عليه.
وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يصلي وحده، فجاء جابر وجبار فصفا عن يمينه وشماله فجعلهما خلفه وصلى بهما» ، وهذان الحديثان يدلان على ما ذكرنا، كما يدلان على أن الواحد يكون عن يمين الإمام، والاثنين فأكثر يكونان خلفه.
__________
(1) صحيح البخاري الوضوء (138) ، سنن الترمذي الصلاة (232) ، مسند أحمد بن حنبل (1/369) ، سنن الدارمي الصلاة (1255) .(12/152)
س: لقد حضرت لصلاة العصر ودخلت في الركعة الثالثة وبعد تسليم الإمام قمت لتكملة ما فاتني من الصلاة وأثناء ذلك حضر مسلم وصلى خلفي وجعلني إماما له، فهل يحق لي أن أكون إماما له وهل تحسب له صلاة الجماعة؟ أفيدونا أفادكم الله (1) . .
ج: لا حرج في ذلك إن شاء الله على الصحيح يكون مأموما وأنت إمام، ويرجى أن يحصل لكما فضل الجماعة، وإن صلى وحده وكملت أنت وحدك فلا حرج، ولكنه إذا صلى معك يكون عن يمينك لا خلفك إذا كان واحدا كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/152)
س: شخص دخل المسجد بعد صلاة العصر وانتهاء الجماعة وقام يصلي منفردا وأثناء الصلاة دخل شخص آخر فهل يصلي معه؟ (1)
ج: الأفضل إذا قام المسبوق يصلي وجاء آخر أن يصف معه عن يمينه ويصلي معه، فإن كانا اثنين صفا خلفه حتى يحصل لهم فضل الجماعة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه رأى رجلا دخل وقد فاتته الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام: من يتصدق على هذا فيصلي معه (2) » فالسنة أن يقوم بعض الحاضرين فيصلي مع الداخل حتى تحصل له الجماعة هذا هو المشروع، وفي هذا فضل عظيم.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (220) ، سنن أبو داود الصلاة (574) ، مسند أحمد بن حنبل (3/45) ، سنن الدارمي الصلاة (1369) .(12/153)
حكم التبليغ خلف الإمام بالتكبير في الصلاة (1)
س: ما حكم التبليغ خلف الإمام بالتكبير في الصلاة بصوت عال مع العلم أن الجميع يسمعون صوت الإمام تكبيره وتحميده؟
ج: إذا كان الجماعة يسمعون صوت الإمام، ولا يخفى عليهم فلا حاجة إلى التبليغ، أما إذا كان قد يخفى على بعضهم كالصفوف المؤخرة فإنه يستحب التبليغ.
وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم في مرضه وكان صوته ضعيفا فكان الصديق رضي الله عنه يبلغ عنه عليه الصلاة والسلام، فهذا لا بأس به.
فإذا احتيج إلى التبليغ لسعة المسجد وكثرة الجماعة أو لضعف صوت الإمام لمرض أو غيره فإنه يقوم بعض الجماعة بالتبليغ، أما إذا كان الصوت واضحا للجميع ولا يخفى على أحد في الأطراف، بل علم أن الجميع يسمعه فليس هناك حاجة للتبليغ ولا يشرع.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب)(12/154)
حكم جمع السجناء على إمام واحد
في صلاة الجمعة والجماعة وهم داخل العنابر
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى فضيلة الأخ المكرم مدير إدارة الشئون الدينية بالأمن العام. . وفقه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأشير إلى كتابكم رقم 275 \ د وتاريخ 1 \ 5 \ 1405 هـ ومشفوعه الذي تستفسرون فيه عن حكم صلاة السجناء جمعة وجماعة خلف إمام واحد يتقدمهم وهم في عنابرهم بواسطة مكبر الصوت؟ ونظرا إلى أن المسألة عامة ومهمة رأيت عرضها على مجلس هيئة كبار العلماء وقد اطلع عليها المجلس في دورته السادسة والعشرين المنعقدة في الطائف في 25 \ 10 \ 1405 هـ إلى 7 \ 11 \ 1405 هـ، وبعد دراسة المسألة واطلاعه على أقوال أهل العلم في الموضوع أفتى بعدم الموافقة على جمع السجناء على إمام واحد في صلاة الجمعة والجماعة وهم داخل(12/155)
عنابر السجن يقتدون به بواسطة مكبر الصوت لعدم وجوب صلاة الجمعة عليهم حيث لا يمكنهم السعي إليها، واتفاقا مع فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رقم 762 وتاريخ 11 \ 10 \ 1388 هـ بعدم وجوب إقامتها في السجن، ولأسباب أخرى. ومن أمكنه الحضور لأداء صلاة الجمعة في مسجد السجن إذا كان فيه مسجد تقام فيه صلاة الجمعة صلاها مع الجماعة، وإلا فإنها تسقط عنه ويصليها ظهرا، وكل مجموعة تصلي الصلوات الخمس جماعة داخل عنبرهم إذا لم يمكن جمعهم في مسجد أو مكان واحد.
فآمل الاطلاع والإحاطة وإليكم برفقه كتابكم المشار إليه آنفا ومرفقاته، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما فيه رضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(12/156)
الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة (1)
س: هل الجماعة تدرك بإدراك السلام مع الإمام أم لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وإذا دخل جماعة والإمام في التشهد الأخير هل الأفضل لهم الدخول مع الإمام أم ينتظرون سلامه ويصلون جماعة؟
ج: لا تدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (2) » خرجه مسلم في صحيحه، لكن من كان له عذر شرعي يحصل له فضل الجماعة وإن لم يدركها مع الإمام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا (3) » رواه البخاري
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) ، بتاريخ 15 \ 10 \ 1414 هـ.
(2) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (546) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (954) واللفظ متفق عليه.
(3) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18848) ، والبخاري في (الجهاد والسير) برقم (2774) واللفظ له، ورواه أبو داود في (الجنائز) برقم (2687) .(12/157)
في الصحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: «إن في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم حبسهم العذر (1) » ، وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر (2) » متفق عليه.
ومتى أدرك جماعة الإمام في التشهد الأخير فدخولهم معه أفضل، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (3) » متفق عليه، ولو صلوا جماعة وحدهم فلا حرج إن شاء الله.
__________
(1) رواه البخاري في (المغازي) برقم (4071) ، ومسلم في (الإمارة) برقم (3534) .
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (12409) ، ومسلم في (الإمارة) برقم (3534) .
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7209) ، والبخاري في (الجمعة) برقم (908) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (602) .(12/158)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم م. أ. س. وفقني الله وإياه للفقه في السنة والقرآن، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعده: كتابكم المكرم وصل وما تضمنه من المسائل علم، وهذا نص السؤال والجواب:
الأول: ما قولكم فيمن أدرك الإمام راكعا ودخل معه في الركوع، هل يعتد بتلك الركعة أم لا؟
ج: قد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين: أحدهما: لا يعتد بهذه الركعة؛ لأن قراءة الفاتحة فرض ولم يأت به، وروي هذا القول عن أبي هريرة، ورجحه البخاري في كتابه (جزء القراءة) وحكاه عن كل من يرى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم، كذا في (عون المعبود) ، وقد حكي هذا القول عن ابن خزيمة، وجماعة من الشافعية، ورجحه الشوكاني في (النيل) وبسط أدلته.(12/159)
والقول الثاني: يعتد بها، حكاه الحافظ ابن عبد البر عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم، وحكاه أيضا عن جماهير أهل العلم، منهم الأئمة الأربعة، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبو ثور، ورجحه الشوكاني في رسالة مستقلة نقلها عنه صاحب (عون المعبود) . وهذا القول أرجح عندي؛ لحديث أبي بكرة الذي في البخاري فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء الركعة، ولو كان ذلك واجبا عليه لأمره به؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، وقوله في الحديث: «زادك الله حرصا ولا تعد (1) » يعني لا تعد إلى الركوع دون الصف؛ لأن المسلم مأمور بالدخول مع الإمام في الصلاة على أي حال يجده عليها. ومن أدلة الجمهور أيضا على ذلك ما رواه أبو داود، وابن خزيمة، والدارقطني، والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا: «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة (2) » ، وفي لفظ لابن خزيمة،
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (أول مسند البصريين) برقم (19922) ، والبخاري في (كتاب الأذان) باب إذا ركع دون الصف برقم (783) .
(2) رواه أبو داود في (الصلاة) باب في الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع، برقم (893) .(12/160)
والدارقطني، والبيهقي: «ومن أدرك ركعة في الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه (1) » . فهذا الحديث نص واضح الدلالة لقول الجمهور من وجوه: أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم في السجود: ولا تعدوها شيئا فإنه يفهم منه أن من أدرك الركوع يعتد به. الثاني: أن لفظ الركعة إذا ذكر مع السجود يراد به الركوع كما جاء ذلك في أحاديث، منها حديث البراء: «رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته (2) » الحديث، ومنها أحاديث الكسوف وقول الصحابة فيها: «صلى النبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات في أربع سجدات (3) » يعنون أربع ركوعات. الوجه الثالث: قوله في رواية ابن خزيمة، والدارقطني، والبيهقي «قبل أن يقيم صلبه» نص واضح في أنه أراد بالركعة الركوع. وحديث أبي هريرة المذكور قد جاء من طريقين يشد أحدهما الآخر، وتقوم بمثلهما الحجة على ما قد تقرر في مصطلح الحديث، ويعتضد بعمل من ذكر الصلاة من الصحابة بما دل عليه. وقال النووي رحمه الله في شرح المهذب صفحة (215) (جلد 4) بعد
__________
(1) سنن النسائي المواقيت (554) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18124) ، ومسلم في (الصلاة) باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، برقم (471) .
(3) صحيح البخاري كتاب الجمعة (1046) ، صحيح مسلم الكسوف (901) ، سنن الترمذي الجمعة (561) ، سنن النسائي الكسوف (1472) ، سنن أبو داود الصلاة (1180) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1263) ، مسند أحمد بن حنبل (6/164) ، موطأ مالك النداء للصلاة (446) ، سنن الدارمي كتاب الصلاة (1527) .(12/161)
كلام سبق ما نصه: (وهذا الذي ذكرناه - من إدراك الركعة بإدراك الركوع - هو الصواب الذي نص عليه الشافعي وقاله جماهير الأصحاب، وجماهير العلماء، وتظاهرت به الأحاديث، وأطبق عليه الناس، وفيه وجه ضعيف مزيف أنه لا يدرك الركعة حكاه صاحب التتمة عن إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة من أكبر أصحابنا الفقهاء المحدثين، وحكاه الرافعي عنه، وعن أبي بكر الصبغي من أصحابنا، وقال صاحب التتمة: هذا ليس بصحيح؛ لأن أهل الأمصار اتفقوا على الإدراك به، فخلاف من بعدهم لا يعتد به) انتهى كلامه.
وقد حكى الحافظ ابن حجر في (التلخيص) عن ابن خزيمة ما يدل على موافقته للجمهور على أن الركعة تدرك بإدراك الركوع. والله أعلم.(12/162)
س: إذا لحق المصلي صلاة الجماعة في التشهد الأخير، هل يحسب له أجر صلاة الجماعة أم لا؟ (1)
ج: الجماعة لا تدرك إلا بركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (2) » ولكن من تأخر لعذر فله أجر الجماعة كالمرض ونحوه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا (3) » رواه البخاري في الصحيح.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول صـ (55)
(2) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (580) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (607) ، سنن الترمذي الجمعة (524) ، سنن النسائي المواقيت (553) ، سنن أبو داود الصلاة (893) ، سنن ابن ماجه الصلاة (699) ، مسند أحمد بن حنبل (2/459) ، موطأ مالك وقوت الصلاة (15) ، سنن الدارمي الصلاة (1222) .
(3) رواه البخاري في (الجهاد والسير) برقم (2774) واللفظ له، ورواه أبو داود في (الجنائز) برقم (2687) ، وأحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18848) .(12/163)
س: شخص دخل في الصلاة والناس جلوس في التشهد الأخير وجلس معهم، وبعد سلام الإمام أكمل الصلاة، هل يحصل له أجر الجماعة؟ (1)
ج: النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون وعليكم السكينة فما
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/163)
أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (1) » .
فالمشروع للمسبوق إذا جاء والناس جلوس للتشهد الأخير أن يدخل معهم، يكبر أولا وهو واقف تكبيرة الإحرام، ثم يجلس ويقرأ التحيات معهم، فإذا سلم الإمام التسليمتين قام وقضى صلاته وكملها. أما أجر الجماعة ففيه تفصيل، فإن كان معذورا بعذر شرعي كقضاء الحاجة التي نزلت به أو ذهب يتوضأ أو شغله شاغل لا حيلة فيه فله أجر الجماعة؛ لأن المعذور بعذر شرعي حكمه حكم من حضر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا (2) » ، رواه البخاري في الصحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: «إن في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم (3) » ، وفي لفظ آخر: «إلا شركوكم في الأجر قالوا: يا رسول الله وهم في المدينة؟ قال: وهم في المدينة حبسهم العذر (4) » وفي لفظ: «حبسهم المرض (5) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (7209) ، والبخاري في (الجمعة) برقم (908) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (602) .
(2) صحيح البخاري الجهاد والسير (2996) ، سنن أبو داود الجنائز (3091) ، مسند أحمد بن حنبل (4/410) .
(3) صحيح البخاري المغازي (4423) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2764) .
(4) صحيح مسلم الإمارة (1911) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2765) ، مسند أحمد بن حنبل (3/341) .
(5) صحيح مسلم الإمارة (1911) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2765) ، مسند أحمد بن حنبل (3/341) .(12/164)
فدل ذلك على أن من حبسه عذر شرعي يكون له أجر من عمل العمل على وجه شرعي. أما إن كان تأخر عن تساهل فإنه لا يحصل له فضل الجماعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (1) » ، أي أدرك فضل الجماعة وإن لم يدرك الركعة فليس له فضل الجماعة إلا من عذر شرعي كما تقدم.
__________
(1) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (580) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (607) ، سنن الترمذي الجمعة (524) ، سنن النسائي المواقيت (553) ، سنن أبو داود الصلاة (893) ، سنن ابن ماجه الصلاة (699) ، مسند أحمد بن حنبل (2/459) ، موطأ مالك وقوت الصلاة (15) ، سنن الدارمي الصلاة (1222) .(12/165)
الجماعة الثانية مشروعة
لمن فاتته الجماعة الأولى (1)
س: هل الصلاة في جماعة ثانية مشروعة، وما الدليل عليها، وهل إذا أتى أحد والإمام في التشهد الأخير يجلس مع الإمام أم الأفضل انتظار الجماعة الأخرى، وهل يحسب له إذا جلس أجر الجماعة إذا أدرك الإمام في التشهد الأخير؟
ج: الجماعة الثانية مشروعة، وقد تجب لعموم الأدلة إذا فاتته الجماعة الأولى، فإذا جاء الإنسان إلى المسجد وقد
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/165)
صلى الناس وتيسر له جماعة فإنه مشروع له أن يصلي جماعة ولا يصلي وحده، وقد يقال بالوجوب لعموم الأدلة، ومن الدليل على هذا «أن رجلا جاء والنبي صلى الله عليه وسلم قد سلم من صلاته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من يتصدق على هذا فيصلي معه (1) » ؛ ولعموم الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة، ومن قال: إنها تختص بالأولى فعليه الدليل المخصص، ومجرد الرأي ليس حجة.
ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاته في سوقه وفي بيته بخمس وعشرين ضعفا (2) » . فإذا فاتته الأولى ويسر الله جماعة في مسجد آخر أو في نفس المسجد، فمشروع له أن يصلي جماعة، وأما ما يروى عن بعض السلف أنه كان يرجع ويصلي وحده فهذا اجتهاد منه لا يحكم به على الشريعة.
وثبت عن أنس رضي الله عنه كما في البخاري (أنه جاء ذات يوم والناس قد صلوا فجمع أصحابه فصلى بهم جماعة) ، وأنس من الصحابة ومن الأخيار ومن المقتدى بهم، فالمقصود
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (574) ، مسند أحمد بن حنبل (3/85) ، سنن الدارمي الصلاة (1368) .
(2) صحيح البخاري البيوع (2119) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (649) ، سنن الترمذي الصلاة (216) ، سنن أبو داود الصلاة (559) ، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (786) ، مسند أحمد بن حنبل (2/252) ، موطأ مالك النداء للصلاة (385) ، سنن الدارمي الصلاة (1276) .(12/166)
أن الأصل شرعية الجماعة هذا هو الأصل ولا يخرج عنه إلا بدليل.
ثم من عمل السلف الصالح أنهم صلوا جماعة لما فاتتهم الجماعة الأولى، ونفس النبي صلى الله عليه وسلم شجع من عنده على أن يصلوا مع الذي فاتته الصلاة، حيث قال: «من يتصدق على هذا فيصلي معه (1) » والمقصود بذلك حصول فضيلة الجماعة، وهذا الحديث حجة واضحة في هذه المسألة. وإذا جاء والإمام في التشهد الأخير فالأفضل أن يصلي مع الإمام؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (2) » ، فقوله صلى الله عليه وسلم: «فما أدركتم فصلوا (3) » يعم الركعة الأخيرة ويعم التشهد ويعم ما هو أكثر من ذلك، فيصلي معه ما أدرك ثم يكمل صلاته، أما إدراك فضل الجماعة فإنه لا يحصل إلا بإدراك ركعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (4) » رواه مسلم في صحيحه.
لكن من كان معذورا بعذر شرعي فإنه لا يفوته فضل
__________
(1) سنن أبو داود الصلاة (574) ، مسند أحمد بن حنبل (3/85) ، سنن الدارمي الصلاة (1368) .
(2) رواه البخاري في (الجمعة) برقم (857) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (944) .
(3) صحيح البخاري الأذان (635) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (603) ، مسند أحمد بن حنبل (5/306) ، سنن الدارمي الصلاة (1283) .
(4) صحيح البخاري مواقيت الصلاة (580) ، صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (607) ، سنن الترمذي الجمعة (524) ، سنن النسائي المواقيت (553) ، سنن أبو داود الصلاة (893) ، سنن ابن ماجه الصلاة (699) ، مسند أحمد بن حنبل (2/459) ، موطأ مالك وقوت الصلاة (15) ، سنن الدارمي الصلاة (1222) .(12/167)
الجماعة، حتى لو فاتته الصلاة كلها، كالذي خرج مثلا يريد الجماعة ثم نزل به حدث فذهب يقضي حاجته ويتوضأ، فهو معذور، أو صده صاد في الطريق بغير اختياره فإنه معذور، وفضل صلاة الجماعة حاصل له وإن فاتته بسبب العذر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إذا سافر العبد أو مرض كتب الله له مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما (1) » ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: «إن في المدينة أقواما ما سرتم سيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم حبسهم العذر (2) » ، وفي لفظ آخر: «إلا شركوكم في الأجر (3) » ، «قالوا: يا رسول الله وهم في المدينة؟ قال: وهم في المدينة حبسهم المرض (4) » فدل ذلك على أن المعذور حكمه حكم الحاضر، وحكمه حكم الفاعل؛ وهذا من فضل الله وإحسانه إلى عباده.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في مسند الكوفيين برقم 18848، والبخاري في الجهاد والسير برقم 2774 واللفظ له، وأبو داود في الجنائز برقم 2687) .
(2) رواه البخاري في (المغازي) برقم (4071) ، ومسلم في (الإمارة) برقم (3534) .
(3) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (12409) ومسلم في (الإمارة) برقم (3534) .
(4) صحيح البخاري المغازي (4423) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2764) .(12/168)
س: عندما يدخل جماعة متخلفون عن الجماعة الأولى، هل ينعقد لهم جماعة أم لا (1) ؟
ج: نعم، ينعقد لهم جماعة والواجب عليهم أن يصلوا جماعة إذا فاتتهم الجماعة الأولى؛ لعموم الآيات والأحاديث في الأمر بالصلاة في الجماعة، ولكن فضلها ليس كفضل الجماعة الأولى، وقد ثبت أن رجلا دخل المسجد بعدما صلى الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يتصدق على هذا فيصلي معه (2) » ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله (3) » خرجه أبو داود وغيره بإسناد حسن.
__________
(1) من ضمن أسئلة مقدمة من س. ع أجاب عليها سماحته عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة.
(2) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10636) ، وأبو داود في (الصلاة) باب الجمع في المسجد مرتين برقم (574) .
(3) رواه النسائي في (الإمامة) باب الجماعة إذا كانوا اثنين برقم (843) ، وأبو داود في (الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة برقم (554) .(12/169)
حكم إقامة جماعة أخرى
في المسجد بعد انتهاء جماعة المصلين (1)
س: قال البعض: إنه لا يجوز إقامة جماعة أخرى في المسجد بعد انتهاء جماعة المصلين فهل لهذا أصل؟ وما هو الصواب؟
ج: هذا القول ليس بصحيح ولا أصل له في الشرع المطهر فيما أعلم بل السنة الصحيحة تدل على خلافه، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (2) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده (3) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا دخل المسجد بعد ما صلى الناس: «من يتصدق على هذا فيصلي معه (4) » .
ولكن لا يجوز للمسلم أن يتأخر عن صلاة الجماعة بل يجب عليه أن يبادر حين يسمع النداء، والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.
(2) رواه الترمذي في (الصلاة) برقم (199) .
(3) رواه النسائي في (الإمامة) برقم (834) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (467) .
(4) سنن أبو داود الصلاة (574) ، مسند أحمد بن حنبل (3/85) ، سنن الدارمي الصلاة (1368) .(12/170)
س: الأخ أ. ع من الرياض يسأل ويقول: دخل جماعة المسجد فوجدوا الإمام قد سلم، فهل لهم أن يصلوا كجماعة أخرى؟ (1)
ج: لا حرج في ذلك، فإذا وجدوا الإمام قد صلى فإنهم يقيمون ويصلون جماعة أخرى، كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم جماعة أخرى في قصة الرجل الذي دخل وقد فاتته الصلاة فقال لبعض الحاضرين: «من يتصدق على هذا فيصلي معه (2) » لأن صلاة الرجل مع أخيه أزكى من صلاته وحده، فإذا فاتته الجماعة ووجد آخرين صلى معهم جماعة، وقد فعله أنس وغيره من الصحابة.
وأما قول من قال من أهل العلم: إنهم لا يصلون جماعة، بل يرجعون إلى بيوتهم ويصلون أفرادا فهو قول مرجوح وضعيف وخلاف السنة وخلاف قواعد الشريعة، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، في ذى القعدة 1412 هـ.
(2) سنن أبو داود الصلاة (574) ، مسند أحمد بن حنبل (3/85) ، سنن الدارمي الصلاة (1368) .(12/171)
س: ما حكم أداء الجماعة ثانية لفرض من الفروض لمسجد له إمام راتب ومؤذن راتب (1) ؟
ج: إذا جاء الإنسان وقد صلى الناس ووجد جماعة في المسجد لم يصلوا فعليه أن يصلي معهم جماعة ولا يصلي
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1567) وتاريخ 3 رجب 1417 هـ.(12/171)
منفردا؛ لأن الجماعة مطلوبة حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم من غير تقييد بالجماعة الأولى، فعمم الرسول وأطلق صلى الله عليه وسلم فقال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (1) » ، وفي رواية: «بخمس وعشرين ضعفا (2) » ، وروى أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الاثنين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل (3) » وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا دخل المسجد والناس قد صلوا؛ فقال لبعض الحاضرين: «من يتصدق على هذا فيصلي معه (4) »
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين من الصحابة) برقم (5310) ، والبخاري في (الأذان) باب فضل صلاة الجماعة برقم (645) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم (650) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) باب فضل صلاة الجماعة (647) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها برقم (650) .
(3) رواه النسائي في (الإمامة) باب الجماعة إذا كانوا اثنين برقم (843) ، وأبو داود في (الصلاة) باب في فضل صلاة الجماعة برقم (554) .
(4) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10636) ، وأبو داود في (الصلاة) باب في الجمع في المسجد مرتين برقم (574) .(12/172)
فقام بعض الصحابة وصلى معه جماعة، وثبت عن بعض الصحابة كأنس أنه إذا أتى المسجد والناس قد صلوا صلى بأصحابه جماعة، والله ولي التوفيق.(12/173)
المشروع لمن دخل المسجد
والإمام في الصلاة أن يدخل معه (1)
س: إذا دخل شخصان أو أكثر المسجد والإمام في التشهد الأخير فهل يدخلون معه ويجب لهم فضل صلاة الجماعة؟ أم ينتظرون حتى تقام جماعة أخرى؛ لأن المسجد تقام فيه أكثر من جماعة؟
ج: المشروع لمن دخل والإمام في الصلاة أن يدخل معه على أي حال وجده ولو كان في التشهد الأخير؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (2) » متفق عليه، واللفظ للبخاري.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (600) واللفظ له، ورواه مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (944) .(12/173)
ولكن المسبوق لا يدرك فضل الجماعة إلا بإدراك ركعة فأكثر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (1) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، ولكن من حبسه عذر شرعي من مرض أو غيره عن صلاة الجماعة فأجره كامل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا (2) » رواه البخاري. ولقوله صلى الله عليه وسلم في الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بسبب العذر: «ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم حبسهم العذر (3) » وفي لفظ: «إلا شركوكم في الأجر قال الصحابة: يا رسول الله وهم في المدينة؟ قال: وهم في المدينة حبسهم العذر (4) » . والأحاديث في هذا كثيرة.
__________
(1) رواه البخاري في (مواقيت الصلاة) برقم (546) ، ومسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) برقم (954) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) برقم (18848) ، والبخاري في (الجهاد والسير) برقم (2774) واللفظ له، وأبو داود في (الجنائز) برقم (2687) .
(3) صحيح البخاري المغازي (4423) ، سنن ابن ماجه الجهاد (2764) .
(4) رواه البخاري في (المغازي) برقم (4071) ، ومسلم في (الإمارة) برقم (3534) .(12/174)
المشروع لمن فاتتهم الصلاة في جماعة أن يصلوا جميعا (1)
س: السائل أ. م. ص. من معان في الأردن، يقول: دخلت المسجد بعد سلام الإمام بقليل للصلاة فوجدت جماعتين من الناس يقضون الصلاة، كل جماعة في جهة من المسجد ولا أعلم أيهما بدأ الصلاة أولا، فكيف أفعل؟ ومع من أصلي؟ وهل يشرع لي إشعار إحداهما أو أقلهما عددا بأن هناك جماعة أخرى تقضي الصلاة؟ وأن الأولى أن يقطعوا صلاتهم ويصلوا معها؟ أرشدونا جزاكم الله خيرا.
ج: يشرع لك الدخول مع إحدى الجماعتين والأفضل مع أكثرهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله (2) » . والمشروع لمن فاتتهم الصلاة في جماعة؛ أن يصلوا جميعا
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) رواه أحمد في (مسند الأنصار) برقم (20758) ، والنسائي في (الإمامة) برقم (843) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (554) .(12/175)
وألا يتفرقوا، للحديث المذكور، ولأن ذلك هو الأصل فلا تجوز مخالفته مع القدرة. والله ولي التوفيق.(12/176)
صفة صلاة المغرب لمن أدرك الإمام في التشهد الأخير (1)
س: إذا دخلت إلى صلاة المغرب والجماعة في التشهد الأخير ودخلت معهم، ثم سلم الإمام وقمت لأكمل الصلاة، فهل أصلي ركعة وأجلس للتشهد الأول أم أصلي ركعتين وأجلس للتشهد الأول وآتي بثالثة. أفيدوني أفادكم الله؟
ج: المشروع لمن دخل والإمام في الركعة الأخيرة في التشهد أو السجود أن يدخل معه ويكمل الصلاة معه، ثم إذا سلم الإمام قام فأتى بركعتين ثم يجلس للتشهد الأول، ثم يأتي بالثالثة، هذه الصفة الشرعية لأداء صلاة المغرب لمن فاتته الصلاة كلها، أما من فاتته واحدة فإنه إذا سلم الإمام يقوم ويأتي بواحدة تكون ثانية له فيجلس ويأتي بالتشهد الأول ثم يقوم للثالثة فيكمل صلاته، والله ولي التوفيق. اهـ.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/176)
المسبوق لا يعتد بالركعة الزائدة
إذا تبين له أن الإمام صلى خمسا (1)
س: إذا دخل المسبوق مع الإمام فصلى معه ركعتين ثم تبين له أن الإمام قد صلى خمسا، هل يعتد بالركعة الزائدة التي صلاها مع الإمام حيث يأتي بركعتين فقط أم لا يعتد بها ويأتي بثلاث؟
ج: الصواب أنه لا يعتد بها؛ لأنها لاغية في الحكم الشرعي والواجب عدم متابعة الإمام عليها لمن علم أنها زائدة، وعلى المسبوق ألا يعتد بها، وهذا السائل يجب أن يقضي ثلاث ركعات لكونه لم يدرك في الحقيقة إلا ركعة واحدة. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته، طبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/177)
س: أدركت مع الإمام ركعتين من الصلاة الرباعية، ثم زاد الإمام ركعة ناسيا، وبهذا أكون قد صليت مع الإمام ثلاث ركعات، فهل أكمل ما سبقني وهو ركعتان؟ أم أصلي ركعة واحدة، حيث إن الإمام سلم دون أن يسجد للسهو وعندما نبهه أحد المصلين توجه إلى القبلة مرة(12/177)
أخرى وسجد للسهو، وفي هذه الحالة كنت رافعا أصلي ما سبقت به ولم أسجد مع الإمام للسهو؟ (1)
ج: عليك أن تقضي الركعتين اللتين لم تدركهما مع الإمام ثم تسجد للسهو، أما الركعة التي زادها الإمام سهوا فلا تحتسب.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1548) ، في 18 \ 2 \ 1417 هـ(12/178)
حكم صلاة من يصلي فرضا خلف من يصلي نافلة (1)
س: ما حكم صلاة من يصلي الفرض خلف من يصلي نافلة؟
ج: الحكم في ذلك الصحة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره أنه صلى بطائفة من أصحابه صلاة الخوف ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فالصلاة الثانية له نافلة. وهكذا ثبت في الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه: أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فرضه
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني ص (119) .(12/178)
ثم يذهب فيصلي بجماعته فرضهم فهي لهم فريضة وهي له نافلة.(12/179)
س: ما رأي سماحتكم في صلاة المفترض خلف المتنفل؟ (1)
ج: لا حرج في صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أنواع صلاة الخوف أنه صلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين ثم سلم، فكانت الأولى له فريضة والثانية نافلة، أما المصلون خلفه فهم مفترضون.
وثبت أيضا في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة فهي له نافلة ولهم فريضة، ومثل ذلك لو حضر إنسان في رمضان وهم يصلون التراويح وهو لم يصل فريضة العشاء فإنه يصلي معهم صلاة العشاء ليحصل له فضل الجماعة فإذا سلم الإمام قام وأتم صلاته.
__________
(1) نشرت في (جريدة البلاد) ، العدد (10936) ، بتاريخ 14 \ 1 \ 1415 هـ.(12/179)
س: ما الحكم في الرجل يصلي مع جماعة له ثم يذهب إلى مسجد ثان فيصلي معهم من غير حاجة له ويداوم على ذلك؟
ج: الذي يصلي في المسجد ثم يذهب إلى جماعة أخرى فيصلي معهم على طريقة معتادة لا أعلم له وجها من الشرع، والذي يظهر أن ذلك لا ينبغي؛ لأنه خلاف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وليس من جنس قصة معاذ؛ لأن معاذا يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم، والمسئول عنه لا يصلي بهم وإنما يصلي معهم، وبين الأمرين فرق ظاهر، ولا يجوز أن يقاس أحدهما على الآخر؛ لأن الجماعة الثانية قد تحتاج إلى إمام أعلم منهم وأقرأ يصلي بهم ويعلمهم بخلاف الفرد من الجماعة فليست الحاجة داعية إليه.(12/180)
حكم صلاة التراويح بنية العشاء (1)
س: إذا جاء المسلم إلى المسجد ووجد الجماعة يصلون التراويح وهو لم يصل العشاء فهل يصلي معهم بنية العشاء؟
ج: لا حرج أن يصلي معهم بنية العشاء في أصح قولي العلماء، وإذا سلم الإمام قام فأكمل صلاته، لما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ولم ينكر ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وفي الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه في بعض أنواع صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين ثم سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم فكانت الأولى فرضه أما الثانية فكانت نفلا وهم مفترضون، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) ، في رمضان 1413 هـ.(12/181)
اختلاف النية بين الإمام والمأموم (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم: ع. ر. ن. سلمه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 1114 وتاريخ 21 \ 3 \ 1407 هـ. الذي تسأل فيه عن: الحكم فيما إذا فاتتك صلاة جهرية ولم تذكرها إلا وقت صلاة الظهر وأردت قضاءها ولما دخلت المسجد وجدت الجماعة يصلون الظهر. إلخ؟ وكذلك إذا أخرت صلاة الظهر ووجدت جماعة يصلون العصر؟
وأفيدك بأن الترتيب بين الصلوات واجب ولا حرج في دخولك مع الجماعة بنية قضاء الصلاة الفائتة، ثم بعد فراغك من الفائتة تصلي الصلاة الحاضرة، أما الفائتة الجهرية فالأمر في الجهر في قضائها واسع والأفضل أن تصليها جهرية؛ لأن
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته، وقرئت على سماحته بتاريخ 11 \ 4 \ 1415 هـ.(12/182)
القضاء يحكي الأداء. وفق الله الجميع لما فيه رضاه إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد(12/183)
س: رجل دخل ليصلي المغرب فوجد رجلا يصلي فالتحق به فإذا هو يصلي العصر فماذا يفعل الرجل الذي يصلي المغرب هل يكمل معه أم ينفصل عنه في الركعة الثالثة؟ (1)
ج: إذا دخل المسلم مع إنسان يصلي صلاة رباعية وهو يقصد صلاة المغرب فإنه يجلس في الثالثة وإذا سلم سلم معه، وقد يقع هذا كثيرا في الأسفار، وفي الجمع بين الصلاتين في الحضر في أوقات الأمطار، فإنه إذا دخل معه في العشاء وهو لم يصل المغرب فدخل معه بنية المغرب، إذا قام الإمام للرابعة فإنه يجلس هو في الثالثة ويقرأ التشهد ويدعو حتى يسلم إمامه ثم يسلم معه وتجزئه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات (2) » فهذا له نيته وهذا له نيته لهذا الحديث الشريف وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (3) » .
وهكذا لو صلى معه العشاء وهو ناو المغرب والإمام
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) الشريط رقم (9) .
(2) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .
(3) رواه البخاري في بدء الوحي برقم (1) ، ورواه مسلم في (كتاب الإمارة) باب (45) .(12/184)
مسافر يصلي العشاء قصرا فسلم من ثنتين فإنه يقوم ويصلي الثالثة، وصلاته صحيحة، له نيته وللإمام نيته، هذا نوى المغرب وهي ثلاث وهذا نوى العشاء مقصورة؛ لأنه مسافر وسلم من ثنتين فإذا سلم قام المأموم الذي نوى المغرب وأتى بالثالثة، وهكذا لو صلى الظهر خلف من يصلي العصر، كمن جاء وهم يصلون في وقت الجمع في السفر مثلا فظن أنهم يصلون الظهر فصاروا يصلون العصر وهو يصلي الظهر فإن صلاته صحيحة وله نيته ولهم نيتهم. هذا هو الصواب، الأعمال بالنيات.
وقد ثبت في الحديث الصحيح أن معاذا رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء فريضته، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم صلاة العشاء وهي له نفل ولهم فرض ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه في بعض أنواع صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين ثم صلى بطائفة أخرى ركعتين، فكانت صلاته بالطائفة الثانية نفلا له، وهي لهم فرض.(12/185)
حكم صلاة من يصلي المغرب مع من يصلي العشاء (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ في الله المكرم: ر. ح. ش. سلمه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 1692 وتاريخ 2 \ 5 \ 1407 هـ الذي نصه: إذا كان فيه جمع لصلاتي المغرب والعشاء بسبب أمطار ولحقت الصلاة وكان الإمام في الركعة الثانية الجهرية من صلاة العشاء، وأنا نويت أن تكون صلاتي التي لحقت مغربا، ثم جلس الإمام للتشهد الأول، ثم قام فأكمل الركعتين الأخيرتين للعشاء وعرفت في هذه الحالة أنها صلاة العشاء، وأنا لم ألحق على الركعة الأولى الجهرية حيث المغرب ركعتين جهرية، فهل يجزئ ما لحقت من الصلاة عن صلاة المغرب ثم أصلي العشاء؟
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته، برقم (1516 \ 2) في 25 \ 5 \ 1407 هـ.(12/186)
وكذلك إذا لحقت أيضا صلاة العشاء من أولها وأنا لم أصل المغرب، فهل عند قيام الإمام للركعة الرابعة للعشاء أبقى جالسا، حيث المغرب ثلاث ركعات والعشاء أربع وتبين لي أن الصلاة للعشاء وأنا لم أصل المغرب، ومتى يجوز الجمع أفيدوني جزاكم الله خيرا؟
والجواب: أفيدك بأنها تجزئك الركعات الثلاث التي أدركتها مع الإمام من صلاة العشاء عن صلاة المغرب التي فاتتك، وهكذا من صلى المغرب خلف من يصلي العشاء ودخل معه من أولها فإنه يجلس بعد انتهاء الركعة الثالثة، ولا يتابع الإمام في الرابعة، والأفضل له أن ينتظر الإمام حتى يسلم فإذا سلم الإمام سلم بعده. وفق الله الجميع لما فيه رضاه إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد(12/187)
س: قد يحصل في الجمع بين المغرب والعشاء (للمطر) أن يحضر بعض الجماعة والإمام يصلي العشاء، فيدخلون مع الإمام ظانين أنه يصلي المغرب فماذا عليهم؟ (1)
ج: عليهم أن يجلسوا بعد الثالثة ويقرءوا التشهد والدعاء ثم يسلموا معه، ثم يصلون العشاء بعد ذلك، تحصيلا لفضل الجماعة وأداء للترتيب الواجب، وإن كان قد سبقهم بواحدة صلوا معه الباقي بنية المغرب وأجزأتهم عن المغرب.
وإن كان سبقهم بأكثر صلوا معه ما أدركوا ثم قضوا ما بقي عليهم. وهكذا لو علموا أنه في العشاء فإنهم يدخلون معه بنية المغرب ويعملون ما ذكرنا، ثم يصلون العشاء بعد ذلك في أصح قولي العلماء.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/188)
س: الأخ ع. ص. ح. من عيون الجواء، يقول في سؤاله: من المعروف أن الإنسان إذا دخل مع الإمام في صلاة العشاء من أولها وهو ينوي صلاة المغرب، أن يجلس بعد الركعة الثالثة ويقرأ التشهد الأخير وينتظر حتى(12/188)
يسلم الإمام ثم يسلم معه، وسؤالي يا سماحة الشيخ هو: لو أن الإنسان دخل مع الإمام وهو قد صلى الركعة الأولى من صلاة العشاء وهو ينوي صلاة المغرب فهل يسلم معه باعتبار أنه صلى ثلاث ركعات التي هي صلاة المغرب، أم ماذا عليه أن يفعل؟ جزاكم الله خيرا (1) . .
ج: إذا دخل المسلم مع الإمام في صلاة العشاء وقد صلى ركعة، والداخل لم يصل المغرب فإنه يجزئه عن صلاة المغرب ما أدركه مع الإمام في أصح قولي العلماء. والله الموفق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/189)
من لم يصل المغرب والعشاء حاضرة (1)
س: دخلت المسجد وصلاة العشاء قائمة، وقبل الدخول في الصلاة تذكرت أنني لم أصل المغرب، فهل أصلي المغرب ثم أدرك ما أدرك من العشاء مع الجماعة، أم أصلي مع الجماعة ثم أصلي المغرب بعد ذلك؟
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (المجلة العربية) .(12/189)
ج: إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة، ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب، فادخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة فاجلس أنت في الثالثة واقرأ التشهد الأخير - أعني التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - والدعاء بعدها وانتظر الإمام حتى يسلم ثم تسلم معه، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم، وإن صليت المغرب وحدك ثم دخلت مع الجماعة فيما أدركت من صلاة العشاء فلا بأس.(12/190)
س: سائل يسأل يقول: صليت مع الجماعة العشاء ولم أكن صليت المغرب نسيانا وبعد رجوعي للبيت صليت المغرب فهل صلاتي صحيحة؟ (1)
ج: صلاتك صحيحة إذا صليت العشاء مع الجماعة في المسجد وقد نسيت المغرب؛ لقول الله سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (2) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن الله جل وعلا قال: قد فعلت (3) » والله الموفق.
__________
(1) سؤال موجه من ع. س. من الرياض، في مجلس سماحته.
(2) سورة البقرة الآية 286
(3) صحيح مسلم الإيمان (126) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (2992) ، مسند أحمد بن حنبل (1/233) .(12/190)
من دخل المسجد والإمام يصلي العصر وهو لم يصل الظهر (1)
س: إذا كان على شخص فائتة كالظهر مثلا فذكرها وقد أقيمت صلاة العصر، فهل يدخل مع الجماعة بنية العصر أو بنية الظهر؟ أو يصلي الظهر وحده أولا ثم يصلي العصر؟ وما معنى قول الفقهاء: (فإن خشي فوات الحاضرة سقط الترتيب) وهل خشية فوات الجماعة يسقط الترتيب؟
ج: المشروع لمن ذكر في السؤال أن يصلي مع الجماعة الحاضرة صلاة الظهر بالنية، ثم يصلي العصر بعد ذلك لوجوب الترتيب، ولا يسقط الترتيب خشية فوات الجماعة.
وأما قول الفقهاء رحمهم الله: (فإن خشي خروج وقت الحاضرة سقط الترتيب) ، فمعناه: أنه يلزم من عليه صلاة فائتة أن يبدأ بها قبل الحاضرة، فإن ضاق وقت الحاضرة بدأ بالحاضرة، مثال ذلك: أن تكون عليه صلاة العشاء فلم يذكرها إلا قرب طلوع الشمس ولم يصل الفجر ذلك اليوم،
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/191)
فإنه يبدأ بصلاة الفجر قبل خروج وقتها؛ لأن الوقت قد تعين لها، ثم يصلي الفائتة.(12/192)
س: إذا نام الإنسان عن صلاة العصر ولم ينهض إلا مع إقامة صلاة المغرب، هل يصلي المغرب ليدرك فضل صلاة الجماعة ثم العصر أم أن الترتيب أولى ويصلي منفردا العصر ثم المغرب أم ما هو الحل؟
ج: إن أمكنه أن يصلي العصر وحده حتى يحصل الترتيب ثم يصلي معهم المغرب وجب ذلك، فيبادر بالعصر ويصليها حالا ثم يصلي معهم المغرب، فإن لم يمكن ذلك فالأرجح أنه يصلي معهم المغرب بنية العصر وإذا سلم الإمام قام وأتى بالرابعة، ثم يصلي المغرب بعد ذلك محافظة على الترتيب بينهما وعملا بالأدلة كلها.(12/192)
من دخل مع الإمام وهو يصلي صلاة الجنازة ظانا أنه يصلي الفريضة (1)
س: الأخ م. ع. م. - من العلا يقول في سؤاله: دخلت المسجد لأداء صلاة الظهر فوجدت الناس وقوفا يصلون فكبرت معهم وبعد قليل اكتشفت أنهم يصلون على جنازة
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/192)
فارتبكت وقطعت الصلاة ثم كبرت مرة أخرى تكبيرة الإحرام لأقضي صلاة الظهر ولم أكمل معهم الصلاة على الجنازة. فما حكم ما فعلت وهل عملي سيئ؟ أرجو التكرم بإجابتي على سؤالي.
ج: المشروع لك في مثل هذا الأمر أن تنوي صلاة الجنازة إذا علمت أنها صلاة جنازة ثم تكبر وتكمل معهم صلاة الجنازة، وتقضي ما فاتك من التكبيرات إن فاتك شيء، ثم بعد ذلك تصلي صلاة الظهر لأن صلاة الجنازة تفوت، وصلاة الظهر لا تفوت لأن وقتها واسع. وفق الله الجميع.(12/193)
حكم صلاة من صلى ظهر عرفة بنية الجمعة (1)
س: صليت يوم عرفة الظهر بنية الجمعة لكن الإمام صلى ظهرا، فهل تجزئ هذه الصلاة مع اختلاف نية الإمام والمأموم؟
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1445) ، بتاريخ 26\7\1415 هـ.(12/193)
ج: بسم الله والحمد لله. . عليك أن تعيد الصلاة ظهرا، فالحاج ليس عليه جمعة في عرفة، بل يصليها ظهرا كما صلاها النبي عليه الصلاة والسلام في حجته التي وافقت يوم جمعة.(12/194)
المرأة تكون خلف الرجل عند الصلاة جماعة (1)
س: كيف يقوم رجل وامرأته بتأدية صلاة الجماعة؟
ج: هذا له أحوال: تارة يمكن أن يصليا جميعا في النوافل، كأن يصلي هو وامرأته وأهل بيته في صلاة الضحى نافلة أو صلاة الليل أو الوتر، فيقوم هو وحده وتصف النساء خلفه حتى وإن كانت زوجته تصف خلفه لا تصف معه، ولا بأس بهذا، وهكذا في التراويح لو صلين مع الإمام صلين خلفه، أو صلى بهن صاحب البيت صلين خلفه سواء كن واحدة أو أكثر يصلين خلفه. ويجوز في الفرائض لو جاء النساء إلى المساجد وصلين مع الناس فإنهن يصلين خلف الأئمة وخلف المأمومين، ولا تصف المرأة مع الرجل، لا مع زوجها ولا مع أبيها ولا مع
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) .(12/194)
غيرهما، فالنساء موقفهن خلف الرجال سواء في الفريضة أو في النافلة، في الليل أو في النهار كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والمقصود أن هذه الأنواع كلها طريقها واحد، المرأة تكون فيها خلف الإمام أو خلف المأمومين، ولا تقف مع الإمام ولا مع المأمومين. أما إن كن نساء فتقف الإمامة وسطهن ولا تتقدمهن حتى لا تتشبه بالرجال.(12/195)
صلاة الرجال والنساء من العائلة الواحدة جماعة (1)
س: الأخ ع. ن. ع. - من الزلفى في المملكة العربية السعودية يقول في سؤاله: عندما أكون مسافرا أشاهد الناس على الطرق جماعات ووحدانا يصلون وهذا والحمد لله يسر الخاطر، ولكني أرى الرجال من العائلة الواحدة يصلون لوحدهم والنساء لوحدهن، أليس من الأفضل يا سماحة الشيخ أن يصلي الجميع جماعة حتى
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/195)
يكتب لهم أجرها - أعني الرجال والنساء الذين يكونون في سيارة واحدة - أرشدونا جزاكم الله خيرا.
ج: الأمر في هذا واسع، إن صلوا جماعة فحسن وتكون النساء خلف الرجال، وإن صلى الرجال وحدهم والنساء وحدهن فلا حرج، والله ولي التوفيق.(12/196)
بوجود ساتر خير صفوف النساء أولها (1)
س: الأخت ج. ع. م من الرياض تقول في سؤالها: نحن مجموعة من النساء نصلي في المسجد في رمضان في مكان منعزل عن الرجال بحيث لا يروننا ولا نراهم، وقد لاحظت أن الأخوات لا يكملن الصفوف الأولى ولا يسوينها وقد احتج بعضهن بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها (2) » فقلت لهن: إن هذا الحديث يقصد به عندما
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .
(2) رواه مسلم في (الصلاة) برقم (664) ، والترمذي في (الصلاة) برقم (208) .(12/196)
كان النساء يصلين خلف الرجال بدون ساتر، أما الآن فقد اختلف الوضع ولكنهن لم يسمعن كلامي. نرجو من سماحتكم إفادتنا عن المشروع في هذا حيث إن هذا هو الحال في كثير من مساجد المسلمين؟ جزاكم الله خيرا.
ج: الحديث المذكور صحيح، ولكنه محمول عند أهل العلم على المعنى الذي ذكرت، وهو كون الرجال ليس بينهم وبين النساء حائل، أما إذا كن مستورات عن الرجال فخير صفوفهن أولها وشرها آخرها كالرجال، وعليهن إتمام الصفوف الأول فالأول، وسد الفرج كالرجال، لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.(12/197)
موقف الصبي في الصلاة مع الإمام وهل البلوغ شرط لمصافة الصبي (1)
س: إذا أم رجل صبيين فأكثر، فهل يجعلهما خلفه أو عن يمينه، وهل البلوغ شرط لمصافة الصبي؟
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من بعض طلبة العلم إلى سماحته، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/197)
ج: المشروع في هذا أن يجعلهما خلفه كالمكلفين إذا كانا قد بلغا سبعا فأكثر، وهكذا لو كان صبي ومكلف يجعلهما خلفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأنس واليتيم وجعلهما خلفه لما زار النبي صلى الله عليه وسلم جدة أنس، وهكذا لما صف معه جابر وجبار من الأنصار جعلهما خلفه.
أما الواحد فإنه يكون عن يمينه، سواء أكان رجلا أو صبيا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صف معه ابن عباس في صلاة الليل عن يساره أداره عن يمينه.
وهكذا أنس رضي الله عنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض صلوات النافلة فجعله عن يمينه، أما المرأة فأكثر فإنها تكون خلف الرجال ولا يجوز لها أن تصف مع الإمام ولا مع الرجال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بأنس واليتيم جعل أم سليم خلفهما وهي أم أنس.(12/198)
المشروع للمأموم إذا كان منفردا أن يقف عن يمين الإمام مساويا له (1)
س: من المعروف أن موقف المأموم إذا كان واحدا عن
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/198)
يمين الإمام، فهل يشرع أن يتأخر عنه شيئا كما يلاحظ عند البعض؟
ج: المشروع للمأموم إذا كان واحدا أن يقف عن يمين الإمام مساويا له، وليس في الأدلة الشرعية ما يدل على خلاف ذلك. والله ولي التوفيق.(12/199)
حكم تقدم الإمام إذا لم يكن هناك متسع لرجوع المأمومين (1)
س: يوجد اثنان في صلاة الجماعة فقدم فرد ثالث بعد دخولهما في الصلاة فتقدم الإمام لأنه لا يوجد مكان بالخلف حتى يرجع أحد الرجلين، فهل يجوز للإمام أن يتقدم خاصة أننا نعلم من الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه بأن يتأخر واحد من الشخصين ولا يتقدم الإمام؟
ج: إذا كان الإمام في محل يمكنه أن يصلي فيه ويتأخران، تأخرا وصليا خلفه، أما إن كان الإمام في محل لا
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1566) ، بتاريخ 26 \ 5 \1417 هـ.(12/199)
يمكن تأخيرهما فيه فإنه يتقدم هو ولا حرج، وعلى كل حال فالمشروع في مثل هذه المسألة أن يكون الرجلان خلفه سواء تقدم هو أو تأخرا عنه، وإن صلوا جميعا صفا واحدا وهما عن يمينه أو أحدهما عن يمينه والثاني عن شماله صحت الصلاة وتركوا الأفضل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي وحده فجاء جابر وجبار فوقفا عن يمينه وعن شماله فأخرهما وجعلهما خلفه، وهكذا قصته مع أنس واليتيم جعلهما خلفه.(12/200)
تسوية الصفوف في الصلاة (1)
س: بعض الناس في الصلاة لا يهتمون بتسوية الصفوف مطلقا، فتراه يتقدم أو يتأخر ويكون بينه وبين الذي بجانبه فرجة ظاهرة، فما حكم عمل هؤلاء وهل يخل ذلك بالصلاة وما واجب الإمام تجاه ذلك؟
ج: الواجب على المصلين إقامة الصفوف وسد الفرج بالتقارب وإلصاق القدم بالقدم من غير أذى من بعضهم لبعض. والواجب على الإمام تنبيههم على ذلك، وأمرهم بإقامة
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (115) .(12/200)
الصفوف والتراص فيها. عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقيموا الصفوف وسدوا الفرج (1) » ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة (2) » . وعلى كل مسلم أن يلاحظ من حوله حتى يتعاونوا جميعا على إقامة الصف وسد الفرج. والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10571) بلفظ '' فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسدوا الفرج ''.
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (681) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (656) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) برقم (983) .(12/201)
س: بعض الأئمة لا يهتم بتسوية الصفوف، بل يعتمد فقط على لفظة استووا واعتدلوا ثم يكبر للصلاة، دون تفقد المصلين ومدى التزامهم في الصف، مما قد يضيع على البعض اللحاق بتكبيرة الإحرام؟ ما نصيحتكم جزاكم الله خيرا (1) .
ج: المشروع لكل إمام أن يعتني بتسوية الصفوف، وأن يأمر المأمومين بذلك، وألا يكبر حتى يعلم استواءهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ولأن تسوية الصفوف من تمام الصلاة. .
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، العدد (1549) ، في 25 \ 2 \ 1417 هـ.(12/201)
هل الحركة لسد الفرج تؤثر على الصلاة (1)
س: سؤال عن الفرج في الصفوف هل الحركة بسدها يؤثر على الصلاة أو لا؟
ج: سدها مشروع والحركة في ذلك مشروعة ولا تؤثر في الصلاة، فإذا كان في الصف خلل وجذب الإنسان أخاه ليقترب حتى يسد الخلل، أو جاء إنسان من خلفه فسد الخلل من الصف الذي يليهم فكل هذا مشروع، وليس ذلك مؤثرا في الصلاة بل هو من كمال الصلاة وتمامها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بسد الفرح في الصفوف.
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(12/202)
س: مما هو شائع هنا في المملكة في الصلاة عدم سد الفرج بين المصلين في صفوفهم، هذا فضلا عن علو الأصوات في المسجد بقراءة القرآن. فهل معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يقرأ أحدكم على قراءة أخيه» ؟ صححوا هذين الأمرين جزاكم الله خيرا (1) .
ج: عدم سد الفرج لا يجوز بل الواجب سدها امتثالا
__________
(1) من برنامج (نور على الدرب) ، شريط رقم (11) .(12/202)
لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «سدوا الفرج وتراصوا في الصف (1) » .
والمشروع لمن رأى ذلك أن ينصح إخوانه ويأمرهم بسد الفرج، وعلى الأئمة أن يأمروا الجماعة بذلك تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وتنفيذا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك.
وأما الجهر بالقراءة من المنتظرين للصلاة فلا ينبغي ذلك، وإنما المشروع للمؤمن أن يقرأ قراءة منخفضة حتى لا يشوش على من حوله من المصلين، والقراء في الصف، «لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة إلى المسجد وفيه جماعات من المصلين فقال لهم: كلكم يناجي الله فلا يجهر بعضكم على بعض (2) » .
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) برقم (10611) بلفظ: '' فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسدوا الفرج ''.
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المكثرين) برقم (4909) .(12/203)
المشروع للمؤمن إذا دخل المسجد أن يصل الصف الأول فالأول (1)
س: الأخ م. م. ص. من مكة المكرمة يقول في
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/203)
سؤاله: رأيت بعض الأشخاص عندما يدخل المسجد الحرام والإمام قد شرع في أداء الصلاة المكتوبة لا يدخل مع الإمام في الصلاة بمجرد دخوله الحرم في أقرب مكان يصل إليه وإنما يستمر في المشي ليصلي في صحن الحرم وحتى لو فاتته بعض الركعات، فهل فعله هذا جائز، إذا كان ليس كذلك فهل من نصيحة له ولأمثاله؟ جزاكم الله خيرا.
ج: المشروع للمؤمن إذا دخل المسجد أن يصل الصف الأول فالأول، وأن يسد الفرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ولو فاته بعض الركعات، لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه «أنه أتى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه رضي الله عنهم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال عليه
__________
(1) رواه البخاري في (الأذان) برقم (683) ، والنسائي في (الإمامة) برقم (871) ، وأبو داود في (الصلاة) برقم (683) .(12/204)
الصلاة والسلام يتمون الصفوف الأول ويتراصون (1) » ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. والله الموفق.
__________
(1) رواه مسلم في (الصلاة) برقم (430) ، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) برقم (992) .(12/205)
الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام ويمين كل صف أفضل من يساره (1)
س: هل يبدأ الصف من اليمين أو من خلف الإمام؟ وهل يشرع التوازن بين اليمين واليسار؟ بحيث يقال: اعدلوا الصف كما يفعله كثير من الأئمة؟
ج: الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام، ويمين كل صف أفضل من يساره، والواجب ألا يبدأ في صف حتى يكمل الذي قبله ولا بأس أن يكون الناس في يمين الصف أكثر ولا حاجة إلى التعديل، بل الأمر بذلك خلاف السنة، ولكن لا يصف في الثاني حتى يكمل الأول، ولا في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا بقية الصفوف؛ لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بذلك.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/205)
المشروع للمسلم الحرص على الصف الأول والقرب من الإمام (1)
س: الأخ م. م. ز. من خميس مشيط يقول في سؤاله: ألحظ في بعض المساجد أن كثيرا من الناس عندما يدخلون لأداء الصلاة والصلاة لم تقم بعد لا يتقدمون إلى الصفوف الأولى وإلى الروضة وإنما يتفرقون في المسجد يمنة ويسرة وفي المؤخرة، وبعد الإقامة يتقاربون ويصفون ولكنهم لا يحرصون على القرب من الإمام فهل فعلهم هذا موافق للسنة، وإذا كان ليس كذلك فهل من نصيحة لهم؟
ج: المشروع للمسلم إذا أتى المسجد أن يتقدم إلى الصف الأول، وأن يحرص على القرب من الإمام ومتى كمل الصف الأول، شرع للمسلم التقدم للصف الثاني وهكذا، وما كان من نقص فليكن في الصف الآخر. هكذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأمرهم بذلك. ويمين كل صف أفضل من يساره. ومما ورد في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من (المجلة العربية) .(12/206)
لأصحابه رضي الله عنهم: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقالوا: يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها؟ فقال عليه الصلاة والسلام يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف (1) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) صحيح مسلم الصلاة (430) ، سنن النسائي الإمامة (816) ، سنن أبو داود الصلاة (661) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (992) ، مسند أحمد بن حنبل (5/106) .(12/207)
حديث: «" من عمر مياسر الصفوف فله أجران» حديث ضعيف (1)
س: أقيمت صلاة العشاء واكتمل الجانب الأيمن من الصف الأول والجانب الأيسر فيه قليل من الناس، فقلنا: اعدلوا الصف من اليسار فقال أحد المصلين: اليمين أفضل، لكن أحد الناس عقب عليه وجاء بحديث « (من عمر مياسر الصفوف فله أجران) » . أفتونا ما هو الصواب في هذه المسألة؟
ج: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن يمين كل صف أفضل من يساره، ولا يشرع أن يقال للناس: اعدلوا الصف ولا حرج أن يكون يمين الصف أكثر، حرصا على تحصيل الفضل.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (60) .(12/207)
أما ما ذكره بعض الحاضرين من حديث: (من عمر مياسر الصفوف فله أجران) فهو حديث ضعيف خرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف.(12/208)
لا يجوز لأحد أن يحجز مكانا في المسجد (1)
س: سائل يسأل عن حجز الأماكن يوم الجمعة وحبسها لأناس خلف الإمام ومنع من جاء ليجلس فيها. . إلخ، وعن موقف المأمومين خلف الجنازة؟
ج: المسجد لمن سبق، فلا يجوز لأحد أن يحجز مكانا في المسجد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا (2) » أي: لاقترعوا، فحجزه أمر لا يجوز وغصب للمكان ولا حق لمن غصبه، فالسابق أولى منه وأحق به حتى يتقدم الناس إلى الصلاة بأنفسهم.
والناس في الجنائز يكونون خلف الإمام والجنائز يتسامح
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1564) في 19 \ 6 \ 1417 هـ.
(2) رواه البخاري في (الأذان) برقم (615) ، ومسلم في (الصلاة) برقم (437) .(12/208)
في صفوفها لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه رحمهم الله عن مالك بن هبيرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب (1) » . ولهذا كان مالك المذكور رضي الله عنه إذا استقل الجماعة جعلهم ثلاثة صفوف ولو كانت غير تامة.
__________
(1) رواه أبو داود في (الجنائز) برقم (3166) .(12/209)
حكم الصلاة في حوش المسجد والجماعة بداخله والدعاء عقب الإقامة (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم (ع. ف. م) سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 1732 وتاريخ 24 \ 4 \ 1408 هـ الذي تسأل فيه عن الصلاة في حوش المسجد والجماعة في داخله وعن الدعاء عقب الإقامة. .
وأفيدك بأنه لا مانع من الصلاة في حوش المسجد إذا كان الجماعة كلهم يصلون فيه، أما إذا كان الجماعة يصلون في داخل المسجد فإنه لا مانع من الصلاة في الحوش إذا اتصلت الصفوف، وإلا فالواجب الصلاة مع الناس في الداخل، لما ثبت في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 1323 \ 2 في 17 \ 5 \ 1408 هـ.(12/210)
وجوب إتمام الصف الأول فالأول.
أما الدعاء بعد الإقامة فلا حرج فيه إذا لم يتخذ عادة مستمرة؛ لأننا لا نعلم شيئا مأثورا في ذلك.
وفق الله الجميع لما فيه رضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد(12/211)
حكم الصلاة في الشوارع والطرقات خارج المسجد مؤتمين بالإمام (1)
س: بسبب كثرة الزحام في بعض مساجد الجمعة قد يمتلئ المسجد فيصلي البعض في الشوارع والطرقات مؤتمين بالإمام فما رأيكم في ذلك؟ وهل هناك فرق بين ما إذا كان الطريق بين المصلين والمسجد أو لا طريق فاصل؟
ج: إذا اتصلت الصفوف فلا بأس، وهكذا إذا كان المأمومون خارج المسجد يرون بعض الصفوف أمامهم ولو فصل بينهم بعض الشوارع فلا حرج في ذلك لوجوب الصلاة في الجماعة وتمكنهم منها بالرؤية للإمام أو بعض المأمومين، لكن ليس لأحد أن يصلي أمام الإمام. لا ذلك ليس موقفا للمأموم. والله ولي التوفيق.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة إلى سماحته من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ \ محمد الشايع في كتاب.(12/212)
حكم الصلاة في قبو المسجد (1)
س: ما حكم الصلاة في قبو المسجد إذا كان المأموم لا يرى الإمام ولا يرى المأمومين الذين خلف الإمام، بل يسمع صوت الإمام عبر مكبر الصوت فقط؟
ج: لا حرج في ذلك إذا كان القبو تابعا للمسجد لعموم الأدلة.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الثاني، ص (105) .(12/213)
س: لدينا مسجد مكون من طابقين، الدور العلوي للرجال والدور السفلي للنساء، وتقوم النساء بالصلاة فيه جماعة مع الرجال ومن في الدور السفلي والرجال في الدور العلوي ولا ترى النساء الإمام ولا حتى صفوف الرجال، ولكن يسمعن التكبير من خلال (الميكرفون) فما حكم الصلاة في هذه الحالة؟ (1)
ج: ما دام الحال ما ذكر فصلاة الجميع صحيحة لكونهم جميعا في المسجد والاقتداء ممكن بسبب سماع صوت الإمام
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) ، الجزء الأول، ص (64) .(12/213)
بواسطة المكبر وهذا هو الأصح من قولي العلماء.
وإنما الخلاف ذو الأهمية فيما إذا كان بعض المأمومين خارج المسجد ولا يرى الإمام ولا المأمومين، والله ولي التوفيق.(12/214)
حكم الاقتداء بالإمام لمن كان خارج المسجد وهو لا يرى الإمام أو المأمومين (1)
حضرة الأخ المكرم الشيخ م. خ. س. نيس فرنسا. وفقه الله. .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد اطلعت على السؤال الوارد منك هاتفيا وهو: ما حكم ائتمام النساء بالإمام حال كونهن يصلين في غرفة في الدور الأرضي من المسجد ضمن مكاتب الجمعية؟ .
والجواب: أما صلاة النساء في غرفة في الدور الأرضي مع جماعة المسجد، فليس لهن الاقتداء بالإمام؛ لأن من شرط الاقتداء لمن كان خارج المسجد أن يرى الإمام أو المأمومين في أصح أقوال أهل العلم، ولا يكفي مجرد سماع صوت الإمام إلا لمن كان في داخل المسجد.
فأرجو الإحاطة، بارك الله فيكم ورزقنا وإياكم العلم
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 2130 \ 1، في 13 \ 9 \ 1413 هـ.(12/215)
النافع والعمل الصالح إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.(12/216)
س: لدينا مسجد وإلى جانبه من الناحية الشمالية أرض مسورة وملاصقة للمسجد ونود تخصيصها للنساء يصلين فيها في رمضان، هل يجوز ذلك مع العلم أنهن لا يرين الإمام وإنما يتابعنه من مكبر الصوت؟ (1)
ج: في صحة صلاتهن في الأرض المذكورة خلاف بين العلماء إذا كن لا يرين الإمام ولا من وراءه إنما يسمعن التكبير، والأحوط لهن أن لا يصلين في الأرض المذكورة، بل يصلين في بيوتهن، إلا أن يجدن مكانا في المسجد خلف المصلين أو في مكان خارجه يرين وهن فيه الإمام أو بعض المأمومين.
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الأول ص (64) .(12/217)
مشروعية اتخاذ المساجد في العمائر (1)
س: الأخ م. م. ص. من اللاذقية في سوريا يقول في سؤاله: يقوم بعض المسلمين من بعض البلدان الإسلامية بتخصيص الدور الأرضي في إحدى العمائر السكنية
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) عدد جمادى الأولى 1411 هـ.(12/217)
مسجدا تؤدى فيه الصلاة وذلك لعدم وجود أماكن أخرى فهل يجوز ذلك؟ أفتونا جزاكم الله خيرا.
ج: لا نعلم حرجا في ذلك لعموم الأدلة الشرعية الدالة على شرعية تعمير المساجد وأداء الصلاة فيها ولحصول المقصود بذلك دون ضرر ولما في ذلك أيضا من تسهيل أداء المسلمين صلاتهم جماعة في بيت من بيوت الله. ويعطي هذا الدور حكم المسجد إذا وقفه مالكه لذلك. والله ولى التوفيق.(12/218)
حكم صلاة المنفرد خلف الصف (1)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم د \ ش. ع. ع. سلمه الله.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 3231 وتاريخ 15 \ 8 \ 1407 هـ الذي تسأل فيه عن رأينا بالنسبة لما اطلعت عليه من رأي ابن تيمية في حكم صلاة المنفرد خلف الصف.
وأفيدك بأنني قد اطلعت على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي أرفقته بالرسالة وهو القول بصحة صلاة المنفرد خلف الصف للحاجة إذا لم يجد من يصف معه وهو قول قوي بلا شك، ولكن الأصح منه والأوفق لظاهر السنة عدم الصحة لأمور ثلاثة: أولها: عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 3116 \ 2، وتاريخ 10 \ 11 \ 1417 هـ.(12/219)
لمنفرد خلف الصف (1) » ولم يفصل.
ثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم أمر من صلى خلف الصف وحده أن يعيد ولم يستفصل منه هل وجد أحدا أم لم يجد، ولو كان معذورا عند عدم وجود من يصف معه لاستفصله، ومعلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز عند أهل العلم.
ثالثها: أن في ذلك سدا لذريعة التساهل بالصلاة خلف الصف منفردا بدعوى أنه لم يجد فرجة في الصف، والغالب أنه لو لم يستعجل لوجد فرجة في الصف أو تمكن من الوقوف عن يمين الإمام. وفق الله الجميع لما فيه رضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
__________
(1) رواه أحمد في (مسند المدنيين) برقم (5708) بلفظ '' لا صلاة لمنفرد خلف الصف ''، وابن ماجه في (إقامة الصلاة) برقم (993) بلفظ: '' لا صلاة للذي خلف الصف ''.(12/220)
س: هل تصح الصلاة للمنفرد خلف الصف؟ وهل يجوز له سحب أحد المصلين من الصف الأمامي بدلا من الصلاة بعد الجماعة لوحده؟ (1)
ج: لا يجوز للمنفرد أن يصلي خلف الصف، ولا تصح صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (2) » ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة.
بل عليه أن يلتمس فرجة حتى يدخل فيها، فإن لم يجد صف عن يمين الإمام إن أمكن ذلك، إلا وجب عليه الانتظار حتى يأتي من يصف معه، ولو خاف أن تفوته الصلاة. فإن انقضت الصلاة ولم يأته أحد صلى وحده. والواجب على كل مسلم أن يبادر للصلاة مع الجماعة، وأن يحرص على إدراكها كاملة مع الجماعة في بيوت الله، وهي المساجد. لقول الله عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (3) الآية، وقوله عز وجل:
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) العدد (1610) وتاريخ 24 \ 5 \ 1418 هـ.
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) برقم (15862) ولفظه: '' لا صلاة لرجل فرد خلف الصف ''، وابن ماجه في (إقامة الصلاة والسنة فيها) باب صلاة الرجل خلف الصف وحده برقم (1003) ولفظه: '' لا صلاة للذي خلف الصف ''.
(3) سورة البقرة الآية 238(12/221)
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر (2) » قيل لابن عباس رضي الله عنهما: ما هو العذر؟ (قال خوف أو مرض) .
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل أعمى فقال: «يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم قال: فأجب (3) » أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
__________
(1) سورة البقرة الآية 43
(2) رواه ابن ماجه في (المساجد والجماعات) باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793) .
(3) رواه الإمام مسلم في (المساجد ومواضع الصلاة) باب إتيان المسجد على من سمع النداء، برقم (653) ، والنسائي في (الإمامة) باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن، برقم (850) .(12/222)
س: دخلت المسجد لأداء الصلاة فوجدت أن الصف قد اكتمل، ولم استطع أن أصف بجانب الإمام، فصليت خلف الصف ركعة وحدي، وفي الركعة الثانية حضر من جاورني من الصف وبعد تسليم الإمام قمت وأتيت بهذه الركعة فهل هذا صحيح؟ (1)
__________
(1) نشرت في (المجلة العربية) في ذي القعدة 1412 هـ.(12/222)
ج: من صلى خلف الصف لا صلاة له. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (1) » فإذا صليت وحدك خلف الصف ركعة أو أكثر فالصلاة غير صحيحة وعليك أن تعيدها، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه «رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد (2) » الصلاة وقال: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (3) » فعليك أن تصبر حتى يأتي من يصف معك أو تلتمس فرجة في الصف فتدخل فيها أو مع الإمام عن يمينه، أما أن تصلي وحدك خلف الصف فلا، وبالله التوفيق.
__________
(1) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (4/23) .
(2) سنن الترمذي الصلاة (230) ، سنن أبو داود الصلاة (682) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1004) ، مسند أحمد بن حنبل (4/228) ، سنن الدارمي الصلاة (1285) .
(3) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (4/23) .(12/223)
س: ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف؟ وإذا دخل داخل ولم يجد مكانا في الصف فماذا يفعل؟ وإذا وجد صبيا لم يبلغ فهل يصف معه؟ (1)
ج: حكم الصلاة خلف الصف منفردا: البطلان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (2) » ولأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر من صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة ولم يسأله هل وجد فرجة أم لا. فدل ذلك على أنه لا فرق بين من وجد فرجة في الصف ومن لم يجد، سدا لذريعة التساهل في الصلاة خلف الصف منفردا.
__________
(1) من ضمن الأسئلة الموجهة من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ محمد الشايع في كتاب.
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (4/23) .(12/223)
لكن لو جاء المسبوق والإمام راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف قبل السجود أجزأه ذلك، لما ثبت في صحيح البخاري رحمه الله عن أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه أنه جاء إلى الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل إلى الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام «زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة. أما من جاء والإمام في الصلاة ولم يجد فرجة في الصف فإنه ينتظر حتى يوجد من يصف معه، ولو صبيا قد بلغ السابعة فأكثر، أو يتقدم فيصف عن يمين الإمام عملا بالأحاديث كلها. وفق الله المسلمين جميعا للفقه في الدين والثبات عليه إنه سميع قريب.
__________
(1) صحيح البخاري الأذان (783) ، سنن النسائي الإمامة (871) ، سنن أبو داود الصلاة (684) ، مسند أحمد بن حنبل (5/42) .(12/224)
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم أ. أ. ع. خ. وفقه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإشارة إلى استفتائك المقيد في إدارة البحوث برقم 1221 في 23 \ 4 \ 1405 هـ نفيدك بأنه جرى النظر فيه وإليك جواب كل سؤال عقبه:
س: رجل دخل المسجد ووجد الصلاة قائمة والصف تاما ولم يجد فرجة وصلى خلف المأمومين خلف الصف ولم يسحب أحد المصلين، فهل صلاته صحيحة أم لا؟ (1)
ج: صلاته غير صحيحة في أصح قولي العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (2) » ولأنه صلى الله عليه وسلم «رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد (3) » الصلاة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ابن حبان وإسناده حسن. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
__________
(1) صدرت من مكتب سماحته برقم 1667 \ 2، وتاريخ 15 \ 8 \ 1405 هـ.
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (4/23) .
(3) سنن الترمذي الصلاة (230) ، سنن أبو داود الصلاة (682) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1004) ، مسند أحمد بن حنبل (4/228) ، سنن الدارمي الصلاة (1285) .(12/225)
س: أرجو من سماحتكم إفادتنا عن صلاة الرجل منفردا خلف الصف في الفريضة، هل هي صحيحة أم عليه الإعادة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي رآه منفردا خلف الصف بالإعادة، وهل هذا الحديث صحيح أم غير صحيح أم منسوخ أم يتضارب مع أحاديث أخرى في هذا الصدد؟ نرجو توضيح ذلك توضيحا شافيا كافيا؛ لأنه كثر الجدل في ذلك، وهل يجوز لمن أتى إلى المسجد والصف الأول منه منته ويخشى فوات الركعة أن يسحب رجلا من وسط الصف أم يكبر ويدخل في الصلاة أم ينتظر، مع العلم أنه إذا انتظر يخشى فوات الركعة؟ أفتونا بارك الله فيكم (1) .
ج: لا يجوز للمسلم أن يصلي خلف الصف وحده. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (2) » ، وإذا صلى وحده وجب عليه أن يعيد، لهذا الحديث وللحديث الذي ذكرته في السؤال وهما حديثان صحيحان.
وليس له أن يجر من الصف أحدا؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف، وعليه أن يلتمس فرجة في الصف حتى يدخل
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني، ص (106) .
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (4/23) .(12/226)
فيها أو يصف عن يمين الإمام إن تيسر ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك انتظر حتى يوجد من يصف معه ولو فاتته ركعة، هذا هو الأصح من قولي العلماء للأحاديث المذكورة وغيرها مما جاء في هذا المعنى.
والواجب على أهل العلم في مسائل التنازع، ردها إلى الله ورسوله وعدم التقليد في ذلك. لقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) ولقوله سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2) والله ولي التوفيق.
__________
(1) سورة النساء الآية 59
(2) سورة الشورى الآية 10(12/227)
س: ما الحكم إذا دخل المصلي المسجد ولم يجد له مكانا في الصف الأول، هل يجوز له أن يسحب أي شخص من الصف الأول أم ماذا يفعل؟ (1)
ج: إذا دخل الرجل المسجد فوجد الصفوف كاملة ولم يجد فرجة في الصف، فعليه أن ينتظر حتى يجد فرجة أو يحضر معه أحد أو يصف عن يمين الإمام، وليس له جذب
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني، ص (107) .(12/227)
أحد من الصف؛ لأن الحديث الوارد في ذلك ضعيف. ولأن جذبه من الصف يسبب فرجة في الصف، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسد الفرج، وبالله التوفيق.(12/228)
س: رجل دخل في الصلاة منفردا وفي الركعة الثانية دخل معه شخص آخر، وبعد سلام الإمام قام وأتى بركعة خامسة علي اعتبار أن الركعة الأولى غير صحيحة لأنه أداها منفردا خلف الصف، فهل صلاته صحيحة؟ وكيف يتصرف من حصل له مثل ذلك؟ (1)
ج: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (2) » ، وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أيضا أنه «رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد (3) » الصلاة. لكن من ركع دون الصف ثم دخل في الصف قبل السجود أجزأته الركعة، لما روى البخاري في صحيحه «أن أبا بكرة الثقفي رضي الله عنه جاء إلى المسجد والنبي صلى الله
__________
(1) نشرت في (كتاب الدعوة) الجزء الثاني، ص (108) .
(2) رواه الإمام أحمد في (مسند المدنيين) برقم (5708) بلفظ: '' لا صلاة لرجل فرد خلف الصف ''، وابن ماجه في (إقامة الصلاة) برقم (993) بلفظ: '' لا صلاة للذي خلف الصف ''.
(3) سنن الترمذي الصلاة (230) ، سنن أبو داود الصلاة (682) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1004) ، مسند أحمد بن حنبل (4/228) ، سنن الدارمي الصلاة (1285) .(12/228)
عليه وسلم راكع فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد (1) » ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل ذلك على إجزائها، وأن مثل هذا العمل مستثنى من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف (2) » . والله ولي التوفيق.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في (مسند البصريين) برقم (9892) ، والبخاري في (الأذان) برقم (783) .
(2) سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1003) ، مسند أحمد بن حنبل (4/23) .(12/229)
مضاعفة الصلاة يعم الحرم كله (1)
س: هل مضاعفة الصلاة في المسجد الحرام يشمل الحرم كله أم هو خاص بالمسجد نفسه؟ .
ج: في المسألة قولان لأهل العلم، وأصحهما أن المضاعفة تعم جميع الحرم لعموم الآيات والأحاديث الدالة على أن الحرم كله يسمى المسجد الحرام، منها قوله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) والمسجد الحرام هنا يعم جميع الحرم وفي معناها آيات أخرى.
لكن الصلاة في المسجد الذي حول الكعبة لها مزية فضل من وجوه كثيرة منها: كثرة الجمع، والقرب من الكعبة، وإجماع العلماء على مضاعفة الصلاة فيه، بخلاف المساجد الأخرى ففيها الخلاف الذي أشرنا إليه، والله ولي التوفيق.
__________
(1) نشرت في (مجلة الدعوة) ، بتاريخ 2 \ 5 \ 1410 هـ.
(2) سورة الحج الآية 25(12/230)