قَالَ أَبُو بكر: وَمِمَّنْ قَالَ يتَصَدَّق بِهِ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَالزهْرِيّ، وَمَالك،
وَالْأَوْزَاعِيّ، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَقَالَ اللَّيْث بن سعد: يدْفع خمس مَا
غل فِي بَيت مَال الْمُسلمين وَيتَصَدَّق بِمَا بَقِي عَن جَمِيع من كَانَ مَعَه، وَقد
روينَا عَن ابْن مَسْعُود أَنه رأى أَن يتَصَدَّق بِالْمَالِ الَّذِي لَا يعرف صَاحبه،
وروينا مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس.
6449 - حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ وَإِسْرَائِيل
عَن عَامر بن شَقِيق عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: اشْترى
عبد الله بن، مَسْعُود من رجل جَارِيَة بستمائة أَو سَبْعمِائة
فنشده أَو نَشد سنة، ثمَّ خرج بهَا إِلَى السدة، فَتصدق بهَا من
دِرْهَم ودرهمين عَن رَبهَا، فَإِن جَاءَ خيِّره فَإِن اخْتَار الْأجر كَانَ
لَهُ الْأجر، وَإِن اخْتَار مَاله كَانَ مَاله، ثمَّ قَالَ ابْن مَسْعُود: هَكَذَا
فافعلوا باللقطة.
6450 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سَعِيدٌ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص حَدثنَا
عَبْدُ الْعَزِيز بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ: أَخْبرنِي أَبى أَنه ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا بِمَكَّة
فَقَبَضْتُ مِنْهُ الثَّوْب فَانْطَلَقت بِهِ لأُنْقِدَهُ الثَّمَنَ، فَضَلَّ مِنِّي فِي زِحَامِ النَّاس
فَطَلَبْتُهُ فَلم أَجِدهُ، فَأتيت ابْن عَبَّاس فَذكرت ذَلِك لَهُ قَالَ: إِذا كَانَ مِنَ
الْعَام الْمقبل فَانْشُدِ الرَّجُلَ فِي الْمَكَان الَّذِي اشْتَرَيْته، فَإِن قَدَرْتَ عَلَيْهِ وَإِلَّا
فَتصدق بهَا، فَإِن جَاءَ بَعْدُ فخيِّره فَإِن شَاءَ كَانَت لَهُ الصَّدَقَة وَإِن شَاءَ
أَعْطيته الدَّرَاهِم وَكَانَت لَك صَدَقَة.(11/61)
وَقد روينَا مثل هَذَا عَن شُرَيْح، وَالنَّخَعِيّ، وَغَيرهمَا، وَقَالَ أَحْمد: فِي الْحبَّة والقيراط
يبْقى على الرجل للبقال وَلَا يعرف مَوْضِعه؟ قَالَ: يتَصَدَّق بِهِ.
قَالَ أَبُو بكر: وَقَالَ بعض أهل الْعلم فِي مثل هَذَا: يوقفه أبدا حَتَّى يَأْتِي رب
الشَّيْء أَو من ورث الشَّيْء عَنهُ، لَا يجوز أَن يتَصَدَّق بِهِ لاحْتِمَال أَن يَأْتِي
صَاحبه يَوْمًا مَا، وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " فِيمَن فضل فِي يَده من الطَّعَام
شَيْء قل أَو كثر، فَخرج من دَار الْعَدو، لم يكن لَهُ أَن يَبِيعهُ، وَعَلِيهِ أَن
يردهُ إِلَى الإِمَام فَيكون فِي الْمغنم، فَإِن لم يفعل حَتَّى يفْتَرق الْجَيْش فَلَا
يُخرجهُ مِنْهُ أَن، يتَصَدَّق بِهِ وَلَا بأضعافه كَمَا لَا يُخرجهُ من حق
وَاحِد وَلَا جمَاعَة إِلَّا تأديته إِلَيْهِم، فَإِن قَالَ: لَا أجدهم فَهُوَ يجد الإِمَام
الْأَعْظَم الَّذِي عَلَيْهِ تفريقه فيهم، وَلَا أعرف لقَوْل من قَالَ: يتَصَدَّق بهَا
وَجها، فَإِن كَانَ مَالا لَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة، وَإِن كَانَ مَالا لغيره فَلَيْسَ لَهُ
الصَّدَقَة بِمَال غَيره.
قَالَ أَبُو بكر: مَا قَالَه أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعوام أهل الْعلم أولى.
ذكر امْتنَاع الإِمَام من قبض الْغلُول من الغال تَغْلِيظًا عَلَيْهِ
وليوافى بِهِ الغال يَوْم الْقِيَامَة
6451 - حَدثنَا بَصرِي بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: حَدثنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: حَدثنِي
عِيسَى بْنُ يُونُس عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَب عَن عَامر بْنِ عَبْدِ الْوَاحِد
عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو قَالَ: كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا أَرَادَ أَن يَقْسِمَ غنيمَة أَمر(11/62)
بِلَالًا، فَنَادَى بِلَالًا فجَاء رَجُلٌ بِزِمَامٍ مِنْ شَعَرٍ بَعْدَ مَا قَسَمَ الْغَنِيمَة
فَقَالَ: «مَا مَنعك أَن تَأْتِيَ بِهِ؟» فَاعْتَذر لَهُ، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ أَقْبَلَهُ
مِنْك حَتَّى تَكُونَ أَنْت الَّذِي تُوَافِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة» .
قَالَ أَبُو بكر: روى هَذَا الحَدِيث:
6452 - بَحر بن نصر عَن أَيُّوب بن سُوَيْد حَدثنَا عبد الله بْنِ شَوْذَب عَن
عَامر بْنِ عَبْدِ الْوَاحِد عَن عَبْدِ اللَّهِ بن بُرَيْدَة الأسلمي عَن
عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى، الله عَلَيْهِ وَسلم.
كتب إِلَى بعض أَصْحَابِي أَن بحرا حَدثهمْ بذلك.
ذكر مدح من ترك الْغلُول فِي سَبِيل الله
6453 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل حَدثنِي زُهَيْر حَدثنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ
قَالَ: حَدثنَا أَبِي قَالَ: سَمِعت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَلاذٍ يُحَدِّثُ عَن نُمَيْرِ بْنِ أَوْس
عَن مَالك بْنِ مَسْرُوحٍ عَن عَامر بْنِ أَبى عَامر الْأَشْعَرِيّ عَن أَبِيه أَبِي عَامر
عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نِعْمَ الْقَوْم الأَزْدُ وَالأَشْعَرُونَ لَا يَفِرُّونَ فِي الْقِتَال وَلَا
يَغُلُّونَ هُمْ مِنِّي وَأَنا مِنْهُم» ، قَالَ عَامر: فَحدثت بِهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ: لَيْسَ(11/63)
هَكَذَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا قَالَ: «هُمْ مِنِّي وَإِلَيَّ» ، فَقلت: لَيْسَ
هَكَذَا حَدثنِي أَبِي وَلكنه حَدثنِي أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هُمْ مِنِّي وَأَنا مِنْهُم،
قَالَ: فَأَنت إِذا أَعْلَمُ بِحَدِيث أَبِيك.
ذكر الحكم كَانَ فِي الْأُمَم قبل أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتغليظ
كَانَ عَلَيْهِم فِي الْغلُول وإحلال الله الْغَنَائِم لهَذِهِ الْأمة
6454 - أخبرنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ قَالَ: أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاق قَالَ: أخبرنَا
مَعْمَرٌ عَن هَمَّامِ بْنِ مُنَبّه قَالَ: هَذَا مَا حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " غَزَا نَبِي مِنَ الْأَنْبِيَاء فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتبعني رَجُلٌ كَانَ
قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَة وَهُوَ يُرِيد أَن يَبْنِي بهَا، وَلَا أَحَدٌ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا لَهُ وَلما
يَرْفَعْ سُقُفَهَا، وَلَا أَحَدٌ اشْترى غَنَمًا أَو خَلِفَاتٍ وَهُوَ ينْتَظر وِلادَهَا،
فَغَزَا، فَدَنَا مِنَ الْقرْيَة حِين صلى الْعَصْر أَو قَرِيبا مِنْ ذَلِك،
فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْت مَأْمُورَةٌ وَأَنا مَأْمُور اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَنِّي شَيْئا،
فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجمعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلت النَّار لِتَأْكُلَهُ
فَأَبت أَن تَطْعَمَ، [فَقَالَ:] ، فِيكُم غلُول فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلَة مِنْكُم(11/64)
رَجُلٌ، فَبَايعُوهُ فَلَصِقَتْ يَد رَجُلٍ أَو رجلَيْنِ، أَو ثَلَاثَة بِيَدِهِ فَقَالَ: فِيكُم
الْغلُول، أَنْتُم غَلَلْتُمْ، فأخرجوا مثل رَأس بقرة مِنْ ذَهَبٍ فَوَضَعُوهُ فِي
المَال، فأصابت النَّار فَأَكَلَتْهُ، وَلم تَحِلَّ الْغَنَائِم لأَحَدٍ مِنْ قبلنَا، ذَلِك بِأَن
اللَّهَ رَأَى عَجْزَنَا وَضَعْفَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا ".
ذكر فضل ترك الْغلُول رَجَاء أَنا يكون الْمُسلمُونَ الغالبين
6455 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل حَدثنَا عبد بن سعيد وَمُحَمّد بْنُ عُمَرَ الْمُعَيْطِيُّ
قَالَا: حَدثنَا بَقِيَّة بْنُ الْوَلِيد حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن
الْيحصبِي قَالَ: حَدثنِي أَبِي عَن حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَالَ لَنَا أَبُو ذَر:
هَل يَقُومُ لأَحَدِكُمُ الْعَدو حَلْبَ شَاة؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَحَلْبَ ثَلَاث شِيَاه
غُزُرٍ أَو عُزُزٍ شَكَّا جَمِيعًا فَقَالَ: غَلَلْتُمْ وَرب الْكَعْبَة سَمِعت رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «إِذا لَمْ تَغُلَّ أمتِي لَمْ يَقُمْ لَهَا عَدو أَبَدًا» .(11/65)
جماع أَبْوَاب مَا هُوَ مُبَاح أَخذه للجيش إِذا احتاجوا إِلَيْهِ مِمَّا هُوَ
خَارج من أَبْوَاب الْغلُول
ذكر الْأَخْبَار الدَّالَّة على إِبَاحَة أكل الْأَطْعِمَة من أَمْوَال
أهل الْحَرْب
6456 - حَدثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أخبرنَا
هُشَيْمٌ عَن أَشْعَث عَن مُحَمَّد بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلُ الْمَسْجِد
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أسئله كَيفَ صَنَعَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَعَام خَيْبَر
أَخَمَّسَهُ؟ فَقَالَ: كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِك كَانَ أَحَدنَا إِذا احْتَاجَ إِلَى شَيْء
أَخذ حَاجته.
6457 - حَدثنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا يَحْيَى عَن
سُلَيْمَان بْنِ الْمُغيرَة قَالَ: حَدثنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلَال قَالَ: حَدثنِي
عبد الله بن الغفل قَالَ: دُلي جِرَابٌ مِنْ شَحم يَوْم خَيْبَر فَذَهَبت أَلْتَزِمُهُ
وَقلت: لَا أُعْطِي الْيَوْم أَحَدًا مِنْهُ شَيْئا، فَالْتَفت فَإِذا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يتبسم إليّ.(11/66)
6458 - حَدثنَا أَبُو ميسرَة حَدثنَا ابْن حَيَّان قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن
نَافِع عَن ابْن عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نُصِيبُ الْعَسَل وَذكر الْفَاكِهَة فِي مَغَازِينَا
فَنَأْكُلُهُ وَلَا نرفعه.
6459 - حَدثنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا بِشْرُ بن الْفضل
حَدثنَا الْجريرِي عَن أَبِي نَضرة عَن أَبى سَعِيدٍ قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَن فُتِحَتْ
خَيْبَر وَالنَّاس جِيَاع فَوَقَعْنَا فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ فَأَكْثَرْنَا مِنْهَا، ثمَّ
رَجعْنَا إِلَى الْمَسْجِد فَوجدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحهَا فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ
مِنْ هَذِه الْبَقْلَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئا فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِد» ، فَقَالَ
النَّاس: حُرِّمَ الثَّوْمُ، فَبلغ ذَلِك رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخرج
فَقَالَ: «يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّه لَيْسَ تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكِنَّهَا شَجَرَة
أَكْرَهُ رِيحهَا» .
ذكر خبر دل على أَن أَمر النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالقدور أَن تكفأ، لِأَنَّهُ كَانَ
نهي عَن النهبة، لَا أَن أكل لُحُوم أنعام أهل الْحَرْب غير جَائِز
6460 - حَدثنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَان حَدثنَا أَسد بْنُ مُوسَى حَدثنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا
ابْن أَبى زَائِدَة قَالَ: حَدثنِي أَبِي وَغَيره عَن سِمَاكِ بْنِ حَرْب عَن
ثَعْلَبَة بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: أصبْنَا يَوْم خَيْبَر غَنَمًا فَانْتَهَبْنَاهَا فجَاء(11/67)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدروهم تَغْلِي، فَقَالُوا: إِنَّهَا نُهْبَةٌ، قَالَ:
فَقَالَ: «اكْفُوا الْقُدُور وَمَا فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ النُّهْبَةُ» .
ذكر الْأَخْبَار الَّتِي رويت عَن الْأَوَائِل فِي إِبَاحَة طَعَام
الْعَدو وعلفهم
أجمع عوام أهل الْعلم إِلَّا من شَذَّ عَنْهُم على أَن للْقَوْم إِذا دخلُوا
دَار الْحَرْب غزَاة أَن يَأْكُلُوا طَعَام الْعَدو، وَأَن يعلفوا دوابهم
من أعلافهم.
6461 - حَدثنَا عَليّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر
الرَّازِيّ عَن الربيع بن أنس عَن أبي الْعَالِيَة عَن سُوَيْد غُلَام سلمَان
قَالَ: لما فتحت الْمَدَائِن وَهزمَ الْعَدو وَرجع سلمَان ورهط من أَصْحَاب
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا سُوَيْد: عنْدك شَيْء نأكله؟ قَالَ: مَا عِنْدِي
شَيْء وَلَكِنِّي خرجت فِي أثر الْعَدو فَأَصَبْت سلة مَا أَدْرِي مَا فِيهَا،
قَالَ: هَات فَإِن يكن مَالا دفعناه، إِلَى هَؤُلَاءِ، وَإِن
يكن طَعَاما أكلناه، فجَاء بالسلة فَإِذا فِيهَا أرغفة جواري وجبنة
وسكين، قَالَ: وَذَاكَ أول مَا رَأَتْ الْعَرَب الْجَوَارِي، فعجبوا من(11/68)
بَيَاض ذَلِك الْخبز فَجعلُوا يَقُولُونَ: يَا سلمَان! كَيفَ يصنع هَذَا،
فَجعل سلمَان يُخْبِرهُمْ ويلقي إِلَيْهِم الْخبز وَيقطع من ذَلِك الْجُبْن
فَيَأْكُلُونَ.
وَمِمَّنْ رخص فِي الطَّعَام سعيد بن الْمسيب، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَالْحسن
الْبَصْرِيّ، وَالشعْبِيّ، وَالقَاسِم، وَسَالم.
وَرخّص فِي الْعلف الْحسن الْبَصْرِيّ، وَالقَاسِم، وَسَالم، وَالشعْبِيّ،
وَالثَّوْري، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ.
وَرخّص مَالك بن أنس، وَاللَّيْث بن سعد، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالثَّوْري،
وَالشَّافِعِيّ فِي أكل الطَّعَام فِي بِلَاد الْعَدو.
وَذبح الْأَنْعَام من الْإِبِل، وَالْبَقر، وَالْغنم للْأَكْل جَائِز فِي قَول مَالك،
وَاللَّيْث بن سعد، وَجَمَاعَة من أهل الْعلم.
وَكَانَ الزُّهْرِيّ يَقُول: " لَا يُؤْخَذ الطَّعَام فِي أَرض الْعَدو إِلَّا بِإِذن الإِمَام،
وَقَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى: " لَا يبْقى الطَّعَام بِأَرْض الْعَدو وَلَا يسْتَأْذن
فِيهِ الْأَمِير بِأَخْذِهِ من سبق إِلَيْهِ، إِلَّا أَن ينْهَى الْأَمِير عَن شَيْء فَيتْرك
لنَهْيه، وَكَانَ مَكْحُول يَأْكُل مِمَّا جَاءَ بِهِ أعوانه من الطَّعَام مِمَّا أَصَابُوهُ(11/69)
دون المسالح، وَلَا يَأْكُل مِمَّا جاؤا بِهِ فِيمَا خلف المسالح وَيَقُول: أصبتموه
فِي عزة الْإِسْلَام.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد ذكرنَا مَا حَضَرنَا من الْأَخْبَار عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي تَعْظِيمه أَمر الْغلُول والتغليظ فِيهِ، وَقَوله: أَدّوا الْخياط
والمخيط، فَإِن الْغلُول يكون على أَهله عاراً وَنَارًا شناراً،
وَقَوله: «هُوَ فِي النَّار» ، لصَاحب الكساء الَّذِي غله،
وَقَوله: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَن الشملة الَّتِي غلها،
الرجل يَوْم خَيْبَر لتشتعل عَلَيْهِ نَارا، ثمَّ ذكرنَا بعد
ذَلِك الْأَخْبَار الدَّالَّة على إِبَاحَة أكل الطَّعَام ثمَّ مَا عَلَيْهِ حمل
أهل الْعلم من عُلَمَاء الْأَمْصَار من إباحتهم أكل طَعَام
الْعَدو، فالطعام هُوَ المرخص فِيهِ من بَين الْأَشْيَاء، والعلف
فِي مَعْنَاهُ، فَلَيْسَ لأحد أَن ينَال من أَمْوَال الْعَدو إِلَّا
الطَّعَام للْأَكْل، والعلف للدواب، وَكلما اخْتلف فِيهِ بعد
ذَلِك من ثمن طَعَام بَهِيمَة، أَو فضلَة طَعَام يصل بِهِ
إِلَى أَهله، أَو نعل، وجراب، وسقاء وحبل وَغير ذَلِك
مَرْدُود إِلَى مَا أَمر برده من الْخياط والمخيط، وَقد
روينَا أَخْبَارًا عَن الْأَوَائِل فِي مَنعهم من بيع الطَّعَام وَأخذ
ثمنه، وأخبار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيم ذَلِك مُسْتَغْنى بهَا
عَن كل قَول.(11/70)
ذكر مَا روينَاهُ عَن الْأَوَائِل فِي كراهيتهم بيع الطَّعَام
وَأخذ ثمنه
6462 - حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عَبْدِ الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَن خَالِد بْنِ دُرَيْكٍ عَن ابْن مُحَيْرِيزٍ عَن فضَالة بْنِ عُبَيْدٍ
الْأنْصَارِيّ قَالَ: إِن هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَن يَسْتَزِلُّونِي عَن دِينِي، وَلَا وَالله
لأَمُوتَنَّ وَأَنا عَلَى دِينِي، مَا بِيعَ مِنْهُ بِذَهَب أَو فضَّة مِنَ الطَّعَام وَغَيره فَفِيهِ
خس الله وَسَهْم الْمُسلمين.
وَقد روينَا عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَنه قَالَ فِي بيع طَعَام الْعَدو: هُوَ غلُول
حَتَّى يُؤَدِّيه، وروينا عَن عبد الرَّحْمَن بن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: كلوا
لحم الشَّاة، ورُدوا إهابها إِلَى الْغنم فَإِن لَهُ ثمنا، وَبِه
قَالَ اللَّيْث بن سعد.
وَكره الْقَاسِم، وَسَالم بيع الطَّعَام، والودك من منَازِل الروم، وَقَالَ
سُلَيْمَان بن مُوسَى فِي الطَّعَام يُبَاع بورق أَو ذهب: لَا يحل هُوَ من
الْمَغَانِم، وَقَالَ الثَّوْريّ فِي الطَّعَام والعلف: إِن باعوه بِشَيْء
رَفَعُوهُ إِلَى إمَامهمْ فَكَانَ فِيهِ الْخمس، وَقَالَ مَالك فِي الْعلف فِي
أَرض الْعَدو، وَكره بَيْعه كَرَاهِيَة شَدِيدَة، وَقَالَ الشَّافِعِي فِي
الطَّعَام وَالشرَاب: يَأْكُلهُ ويشربه ويعلفه ويطعمه غَيره، وَلَيْسَ لَهُ(11/71)
أَن يَبِيعهُ، وَإِن بَاعه رد ثمنه فِي الْمغنم، وَكره أَحْمد شرى الْعلف من علف
الروم، وأبي أَن يرخص فِيهِ.
ذكر النَّعْل يتخذها الرجل من جلد الثور، والجراب
يتخذها من الإهاب
وَاخْتلفُوا فِي النَّعْل يتخذها الرجل من جُلُود الْبَقر والإهاب يتَّخذ مِنْهُ
الجراب فَرخص فِيهِ بَعضهم.
6463 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد
عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرة عَن عبد الله بن سَلمَة قَالَ: كَانَ سلمَان إِذا
أصَاب شَاة من الْمغنم ذبحت أَو ذبحوها، عمد إِلَى جلدهَا فَجعل مِنْهُ
جرابا، وَإِلَى شعرهَا فَجعل مِنْهُ حبلا، وَإِلَى لَحمهَا فيقدِّدُه، فاستنفع
بجلدها، ويعمد إِلَى الْحَبل فَينْظر رجلا مَعَه فرس قد صرع بِهِ فيعطيه،
ويعمد إِلَى اللَّحْم فيأكله فِي الْأَيَّام.
وَقَالَ مَالك فِي جُلُود الْبَقر وَالْغنم يجدهَا السلمون فِي الْغَنَائِم: «لَا بَأْس أَن يحتذوا مِنْهَا
نعالا إِذا احتاجوا إِلَيْهَا ويجعلوا مِنْهَا على أكفهم ويجعلوا مِنْهَا حزما،
ويصلحوا مِنْهَا أخفافهم، أَو يتخذوا مِنْهَا خفافا إِن احتاجوا إِلَيْهَا» .
وكرهت طَائِفَة وَمِمَّنْ كرهه يحيى بن أَبى كثير، وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَالشَّافِعِيّ،
قَالَ الشَّافِعِي: " لِأَنَّهُ إِنَّمَا أذن لَهُم فِي الْأكل من لحومها وَلم يُؤذن(11/72)
لَهُم فِي ادخار جلودها وأسمنتها وَعَلَيْهِم رده إِلَى الْمغنم، وَإِذا
كَانَت الرُّخْصَة فِي الطَّعَام خَاصَّة فَلَا رخصَة فِي جلد شَيْء من
الْمَاشِيَة وَلَا ظرف فِيهِ طَعَام، فَإِن اسْتَهْلكهُ فَعَلَيهِ قِيمَته، وَإِن
انْتفع بِهِ فَعَلَيهِ ضَمَان حَتَّى يردهُ وَمَا نَقصه الِانْتِفَاع فأجر مثله
إِن كَانَ لمثله أجر ".
مسَائِل من هدا الْبَاب
وَاخْتلفُوا فِي أَخذ الإبرة من الْمغنم، فَقَالَ مَالك: الإبرة ينْتَفع بهَا أرى
هَذَا خَفِيفا، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَو أَخذ إبرة أَو خيطا كَانَ محرما، وَاسْتدلَّ
الشَّافِعِي بقوله: «أَدّوا الْخياط والمخيط» .
قَالَ أَبُو بكر: وَبِه نقُول.
6464 - حَدثنَا يَحْيَى حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا حَمَّاد بْنُ زَيْدٍ عَن بُدَيْلِ بْنِ ميسرَة
وخَالِد الْحذاء، وَالزُّبَيْر بْنِ حُرَيْث عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيق عَن رَجُلٍ
مِنْ بَلْقَيْن قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقرى يَعْرِضُ فَرَسًا
قَالَ: قُلْتُ: مَا تَقول فِي الْغَنِيمَة؟ قَالَ: لله خمسها
وَأَرْبَعَة أخماسه لِلْجَيْشِ، قُلْتُ: فَمَا أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَا السهْم نَسْتَخْرِجُهُ مِنْ جُعْبَتِكَ لَيْسَ أَنْت أَحَق بِهِ مِنْ
أَخِيك السّلم.(11/73)
وَاخْتلفُوا فِي صيد الطير فِي أَرض الْعَدو فَقَالَ مَالك: إِذا اصطاد طيراً
فِي أَرض الْعَدو فَبَاعَهُ أدى ثمنه إِلَى صَاحب الْمقسم، وَكَانَ الشَّافِعِي
يَقُول: مَا أَخذ من صيد لَيْسَ بِملك لأحد، فَهُوَ لآخذه.
وَقد روينَا عَن الْقَاسِم، وَسَالم أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرجل يصيد الطير فِي أَرض الْعَدو،
وَالْحِيتَان: أَنه يَبِيعهُ وَيَأْكُل ثمنه.
وَقَالَ بكر بن سوَادَة: «رَأَيْت النَّاس يَنْقَلِبُون بالمشاجب والعيدان،
لَا يُبَاع فِي قسم من ذَلِك شَيْء» ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْحَطب يحتطبه
الرجل فِي أَرض الْعَدو، والحشيش يحتشه: إِن بَاعه فَلهُ عَنهُ وَلَا خمس
فِيهِ، وَقَالَ فِيمَا لم يحرزوه فِي بُيُوتهم نَحْو الشجر، والأقلام، والأحجار،
والمسن، والأدوية إِن لم يكن شَيْء مِنْهَا ثمن أَخذه من شَاءَ، وَإِن
عالجه فَصَارَ لَهُ ثَمن هُوَ لَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء، قَالَ: وَكَانَ مَكْحُول
يَقُول ذَلِك.
وَقَالَ الثَّوْريّ فِي ذَلِك: إِذا جَاءَ بِهِ إِلَى دَار الْإِسْلَام فَكَانَ لَهُ ثمن دَفعه إِلَى
الْمقسم، وَإِن لمن يكن لَهُ ثمن حَتَّى عمله فعالجه أعْطى بِقدر عمله فِيهِ،
وَكَانَ نَفَقَته فِي الْقسم.
وَفِي قَول الشَّافِعِي: مَا أَخذ مِنْهُ مِمَّا لم يملكهُ أحد فَهُوَ لَهُ دون الْجَيْش.
وَكَانَ مَالك يَقُول فِي أَخذ الشَّيْء من أَرض الْعَدو مثل حجر الرخام، والمسن فَفِيهِ
سهل، لِأَنَّهُ لم ينل ذَلِك الْموضع إِلَّا بِجَمَاعَة الْجَيْش وَلَا أحبه،
وَسَهل مَالك فِي السرج يصنعه مِنْهُ والنشاب.(11/74)
وَقَالَ اللَّيْث بن سعد: حَدثنَا من أدركنا من مَشَايِخنَا أَن الرجل كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ينْتَفع
بِشَيْء مِمَّا يَأْخُذ من الشّجر فِي أر فالعدو، أَتَى إِلَى صَاحب الْمَغَانِم فَألْقى
إِلَيْهِ مِنْهُمَا ليتحلل بِهِ مَا يَأْخُذ من الشّجر ليعمله مشاجبا، أَو مَا أَرَادَ ثمَّ
يَنْقَلِب بِهِ إِلَى أَهله.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: " مَا كَانَ مُبَاحا لَيْسَ ملكه لآدمي، أَو صيد من
بر أَو بَحر، فَأَخذه مُبَاح، يدْخل فِي ذَلِك الْقوس يقطعهَا
الرجل من الصَّحرَاء، أَو الْحَبل، أَو الْقدح ينحته، أَو مَا شَاءَ من
الْخشب وَمَا شَاءَ من الْحِجَارَة للبرام وَغَيرهَا، فَكل مَا أُصِيب من هَذَا
فَهُوَ لمن أَخذه.
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: كل شَيْء أَصَابَهُ السلمون فِي دَار الْحَرْب لَهُ ثمن مِمَّا فِي عَسْكَر
أهل الْحَرْب، أَو مِمَّا فِي الصَّحَارِي، والفيضان، والفياض فَهُوَ فِي الْغَنِيمَة
لَا يحل لرجل كتمه، وَلَا يغله من قبل أَنه لم يقدر على أَخذه إِلَّا بالجند،
وَلَا على مبلغه حَيْثُ بلغ إِلَّا بِجَمَاعَة أَصْحَابه.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: مَا أصَاب فِي بِلَاد الروم مِمَّا لَيْسَ لَهُ هُنَاكَ قيمَة قَالَ: لَا
بَأْس بِأَخْذِهِ.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: «لَا يوقح الرجل دَابَّته وَلَا يدهن أشاعرها من أدهان
الْعَدو، لِأَن هَذَا غير مَأْمُور لَهُ بِهِ من الْأكل، فَإِن فعل رد
قِيمَته، والأدوية كلهَا فَلَيْسَ من حِسَاب الْمَأْذُون لَهُ بِهِ، وَكَذَلِكَ
الزنجبيل مريبا وَغير مريب، والألباء طَعَام يُؤْكَل فلصاحبه
أكله» .(11/75)
وَكَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِي الزَّيْت من زَيْت الروم يدهن بِهِ فِي بِلَاد
الروم: إِذا كَانَ ذَلِك من صداع أَو ضَرُورَة فَلَا بَأْس، وَأما التزين
فَلَا يُعجبنِي.
ذكر الطَّعَام بِالطَّعَامِ فِي بِلَاد الْعَدو
كَانَ مَالك بن أنس يَقُول فِي الْقَوْم فِي أَرض الْعَدو يصيبون الطَّعَام،
ويصيب قوم اللَّحْم، ويصيب قوم الْخبز وَالْعَسَل وَالسمن مثل ذَلِك
يَقُول هَؤُلَاءِ: أعطونا مِمَّا أصبْتُم ونعطيكم مِمَّا أصبْنَا، قَالَ: أَرْجُو أَن
يكون خَفِيفا إِذا كَانَ إِنَّمَا يُؤْكَل، وَقَالَ مرة فِي الْبَدَل: لَا بَأْس بِهِ، فَأَما
البيع فَلَا أرى ذَلِك.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: «إِذا تبَايع رجلَانِ طَعَاما بِطَعَام فِي بِلَاد الْعَدو فَالْقِيَاس
أَن لَا بَأْس بِهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخذ مُبَاحا بمباح فَليَأْكُل كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا
صَار إِلَيْهِ، وَإِن دخل رجل لم يشركهم فِي الْغَنِيمَة فَبَاعَهُ لم يجز لَهُ
بَيْعه، لِأَنَّهُ أعْطى من لَيْسَ لَهُ أكله، وَالْبيع مَرْدُود فَإِن فَاتَ رد
قِيمَته إِلَى الإِمَام» .
وَقَالَ اللَّيْث بن سعد فِي الرجل يُصِيب الشَّاة من الْغَنِيمَة فِي أَرض الْغَزْو فيعطون بعض
الشَّاة أَو كلهَا فِي زَيْت، أَو يبيعون تِلْكَ الشَّاة ويشترون بِثمنِهَا طَعَاما
آخر: فَقَالَ: لَا بَأْس بذلك.(11/76)
ذكر اخْتِلَاف أهل الْعُلُوّ فِي الطَّعَام يَأْخُذهُ الْمَرْء فيفضل
مَعَه فضلَة
وَاخْتلفُوا فِي الطَّعَام يَأْخُذهُ الْمَرْء للْأَكْل فَيخرج وَمَعَهُ مِنْهُ،
فضلَة، فَقَالَت طَائِفَة: يرد مَا أَخذ إِلَى الإِمَام، كَذَلِك قَالَ: سُفْيَان
الثَّوْريّ، وَالشَّافِعِيّ كَذَلِك قَالَ فِي كتاب سير الْوَاقِدِيّ، وَقَالَ فِي
كتاب سير الْأَوْزَاعِيّ: «فَإِن الَّذِي قَالَ الْأَوْزَاعِيّ من أَن ينْصَرف بِفضل
الطَّعَام للْقِيَاس إِن كَانَ يَأْخُذ الطَّعَام فِي بِلَاد الْعَدو فَيكون لَهُ دون
غَيره من الْجَيْش ففضل مِنْهُ فضل، كَانَ مَا فضل من شَيْء لَهُ دون غَيره
وَالله أعلم» .
وَقَالَت طَائِفَة: لَهُ أَن يحملهُ إِلَى أَهله، وَيهْدِي بَعضهم لبَعض هَذَا قَول الْأَوْزَاعِيّ،
قَالَ: وَقد كَانُوا يخرجُون بالقديد، والجبن إِذا كَانَ للْأَكْل أَو
هَدِيَّة فَأَما للْبيع فَلَا يصلح، وقَالَ: إِن خرج بِفضل علفه فليعلفه
ظَهره حَتَّى يقدم على أَهله، وَمن بَعْدَمَا يقدم إِن شَاءَ فَإِن بَاعه
وضع ثمنه فِي مَغَانِم الْمُسلمين، وَإِن كَانَت قد قسمت تصدق بهَا عَن
ذَلِك الْجَيْش.
وَكَانَ سُلَيْمَان بن مُوسَى يَقُول فِي رجل حمل طَعَاما إِلَى أَهله: " لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ
أَبُو ثَوْر: فِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَهُ، وَالثَّانِي أَن يردهُ إِلَى الْغَنِيمَة،
وَالْأول أقيسهما وَأحب إِلَيّ.(11/77)
وَفِيه قَول ثَالِث: وَهُوَ قَول من فرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير مِنْهُ فَقَالَ مَالك: أما الْخَفِيف
من ذَلِك فَلَا بَأْس إِنَّمَا هِيَ فضلَة زَاد تزوده مثل الْجُبْن وَاللَّحم،
وَهَذِه الْأَطْعِمَة إِذا كَانَ يَسِيرا لَا بَال لَهُ أَن يَأْكُلهُ فِي أَهله، وَقَالَ
أَحْمد بن حَنْبَل فِي الطَّعَام يحمل من بِلَاد الْعَدو،: كرهه إِذا كثر، وَسَهل
فِي التقليل مِنْهُ، وَقَالَ: أهل الشَّام يتسهلون فِيهِ، وَقَالَ
اللَّيْث بن سعد: أحب إِلَى إِذا دنا من أَهله أَن يطعمهُ أَصْحَابه.
وَقَالَ النُّعْمَان فِي الرجل يَأْخُذ الْعلف فيفضل مَعَه مِنْهُ شَيْء بعد أَن يخرج إِلَى بِلَاد
الْإِسْلَام إِن كَانَت الْغَنِيمَة لم تقسم أَعَادَهُ فِيهَا، وَإِن كَانَت قسمت بَاعه
فَيصدق بِثمنِهِ.
وَأنكر يَعْقُوب قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ: الْقَلِيل من هَذَا وَالْكثير مَكْرُوه ينْهَى عَنهُ
أَشد النهي.
ذكر الْخَبَر الدَّال على أَن الِانْتِفَاع بِشَيْء من الْمَغَانِم غير جَائِز
قبل الْقسم غير الطَّعَام
6465 - حَدثنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ الْمُغيرَة حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَم
قَالَ: أخبرنَا نَافِع بْنُ يزِيد قَالَ: حَدثنِي ربيعَة بْنُ أَبِي سُلَيْمَان مَوْلَى
عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ حَسَّانَ التجِيبِي أَنه سَمِعَ حَنش الصَّنْعَانِيّ يُحَدِّثُ أَنه سَمِعَ(11/78)
رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابت فِي غَزْوَة أنَاس قَبْلَ الْمغرب يَقُول: إِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
فِي غَزْوَة خَيْبَر: «مَنْ كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يركب دَابَّة
من الْمَغَانِم حَتَّى إِذا أَنْقَصَهَا ردهَا فِي الْمَغَانِم، وَلَا ثوب حَتَّى إِذا أَخْلَقَهُ
رَدَّهُ فِي الْمَغَانِم» .
قَالَ أَبُو بكر: فاستعمال دَوَاب الْعَدو، ولباس ثِيَابهمْ غير جَائِز محلى
ظَاهر هَذَا الحَدِيث إِلَّا أَن يجمع أهل الْعلم على شَيْء من ذَلِك،
فيستعمل مَا أجمع عَلَيْهِ أهل الْعلم من ظَاهر هَذَا الحَدِيث لعِلَّة مَا،
ولحال الضَّرُورَة فِي معمعة الْحَرْب، فَإِذا انْقَضتْ الضَّرُورَة
وزالت الْعلَّة الَّتِي لَهَا أَجمعُوا محلى إِبَاحَة ذَلِك رَجَعَ الْأَمر
إِلَى الْحَظْر، وَوَجَب رد مَا أُبِيح اسْتِعْمَاله فِي حَال الضَّرُورَة إِلَى
جملَة المَال، وَقد روينَا فِي ذَلِك حَدِيثا فِي اسناده مقَال عَن
عبد الله بن مَسْعُود أَنه اسْتعْمل بعض سلَاح الْعَدو
لما احْتَاجَ إِلَيْهِ.
6466 - حَدثنَا عَليّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاء حَدثنَا
إِسْرَائِيل عَن أَبى إِسْحَاق عَن أَبِي عُبَيْدَة عَن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْتَهَيْت
إِلَى أَبِي جَهْلٍ وَقد ضُرِبَتْ رِجْلُهُ وَلَا أَخَافُهُ يَوْمئِذٍ وَهُوَ يَذُبُّ بِسَيْفِهِ
فَقلت لَهُ: الْحَمد لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاكَ يَا أَبَا جَهْلٍ قَالَ: فَاضْرِبْهُ
بِسيف مَعِي غَيْرَ طَائِلٍ، قَالَ: فَوَقع سَيْفه مِنْ يَده فَأخذت
سَيْفه فَضَرَبْتُهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ، ثمَّ أَتَيْتُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبَشِّرَهُ بِهِ وَأَنا مِنْ(11/79)
أسْرع النَّاس يَوْمئِذٍ شَدًّا، فَأتيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقلت: قَتَلَ اللَّهُ أَبَا جَهْلٍ،
وَذكر الحَدِيث.
قَالَ أَبُو بكر: وَمِمَّنْ رخص فِي اسْتِعْمَال السِّلَاح فِي معمعة الْحَرْب
وَفِي حَال الضَّرُورَة مَالك بن أنس، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَالْأَوْزَاعِيّ،
وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد بن حَنْبَل، وَأَبُو ثَوْر، والنعمان، وَيَعْقُوب.
وَالْجَوَاب فِي الْفرس يُقَاتل عَلَيْهِ فِي الْحَرْب كالجواب فِي السِّلَاح، غير أَن الْأَوْزَاعِيّ
قَالَ: لَا يُمكن أخذهما إِلَّا بِإِذن الإِمَام، إِلَّا أَن يكون فِي حَال لَا يَسْتَطِيع
أَن يسْتَأْذن الإِمَام فيكفي ضَرُورَة، قيل للأوزاعي: فيلبس الرجل
من الثَّوْب من الْبرد من الْفَيْء وَيُعْطى من الْفَيْء بِقَدرِهِ مَا
لبس؟ قَالَ: ذَلِك مَكْرُوه إِلَّا أَن يخَاف الْمَوْت فيلبس فَإِنَّهَا ضَرُورَة،
قلت: فَإِن أصَاب علفا وَلَيْسَ مَعَه وعَاء وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى علف يخَاف
إِن لم يفعل يقطع بِهِ، أيأخذ وعَاء من الْفَيْء فَيحمل فِيهِ إِلَى الْعَسْكَر؟
قَالَ: هَذِه ضَرُورَة لَا بَأْس.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الْفرس لَا يركبه فِي غير وَقت الضَّرُورَة حَتَّى يتعبه، ثمَّ قَالَ
أَخذ ابْن مَسْعُود سيف أبي جهل فَضَربهُ.
وَكَانَ أَبُو ثَوْر يَقُول فِي السِّلَاح وَالدَّوَاب من الْغَنِيمَة يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ: أَخَذُوهُ
فَإِذا استغنوا عَنهُ ردُّوهُ إِلَى الْغَنِيمَة حَتَّى يقسم، فَإِن كَانُوا على خوف
كَانَ لَهُم أَن يستعملوه حَتَّى يخرجُوا من بِلَاد الْحَرْب، أَو يأمنوا
وَالله أعلم بِإِذن الإِمَام وَغير إِذْنه، قَالَ: وَقَالَ أَبُو عبد الله،(11/80)
وَالْأَوْزَاعِيّ: لَهُ أَن يَأْخُذ مَا كَانَ فِي معمعة الْحَرْب، وَلَا يُؤَخِّرهُ إِلَى
أَن تَنْقَضِي الْحَرْب فيعرضه للهلاك، قَالَ: وَقَالَ بعض النَّاس، وَصَاحبه
يَعْنِي النُّعْمَان وَيَعْقُوب: لَهُ أَن يَأْخُذهُ بِغَيْر إِذن الإِمَام حَتَّى يفرغ من
الْحَرْب ثمَّ يردهُ.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: «مَا أعلم مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِلَّا مُوَافقا للسّنة،
معقولاً، لِأَنَّهُ يحل فِي حَال الضَّرُورَة الشَّيْء، فَإِذا انْقَضتْ
الضَّرُورَة لم يحل، وَمَا علمت مَا قَالَ أَبُو حنيفَة قِيَاسا
وَلَا خَبرا» .
ذكر الشَّيْء، يتْركهُ صَاحب الْمقسم أَو الدَّابَّة يعجز صَاحبهَا
عَن سوقها فيدعها
وَاخْتلفُوا فِي الشَّيْء يَدعه صَاحب الْمقسم، أَو الدَّابَّة يعجز عَنْهَا
صَاحبهَا فيرسلها فيأخذها رجل وَتصْلح فِي يَده فَقَالَت طَائِفَة: من
ترك دَابَّة قَامَت عَلَيْهِ بمضيعة وَلَا يَأْكُل وَلَا يشرب فَهِيَ لمن
أَخذهَا أَو أحياها، كَذَلِك قَالَ اللَّيْث بن سعد، قَالَ اللَّيْث: إِلَّا
أَن يكون تَركه وَهُوَ يُرِيد أَن يرجع إِلَيْهِ فَرجع مَكَانَهُ فَهُوَ لَهُ،
وَقَالَ الْحسن بن صَالح فِي الرجل يَأْكُل التَّمْر ويلقي نَوَاه، إِن النَّوَى لمن
أَخذه، وَكَذَلِكَ كل شَيْء سوى النَّوَى مِمَّا للرجل إِذا خلا عَنهُ
وأباحه للنَّاس من دَابَّة أَو غير ذَلِك، فَإِذا أَخذه إِنْسَان وَقَبضه فَلَيْسَ لرب
المَال أَن يرجع فِيهِ.(11/81)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَا بَأْس أَي ينْتَفع بالشَّيْء يَرْمِي بِهِ صَاحب الْمقسم، وَقَالَ
الشّعبِيّ: من قَامَت عَلَيْهِ دَابَّته فَتَركهَا فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا، قلت: عَمَّن هَذَا
يَا أَبَا عَمْرو؟ قَالَ: إِن شِئْت عددت لَك كَذَا وَكَذَا من أَصْحَاب
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ مَالك فِي الْقَصعَة وَأَشْبَاه ذَلِك تلقي من
الْمَغَانِم ثمَّ يَأْخُذهَا الرجل: أَرَاهَا لَهُ إِذا أسلموها وَارْتَحَلُوا عَنْهَا وَلَا
أرى فِيهَا خمْسا.
وَكَانَ اللَّيْث بن سعد يَقُول فِي الْقَوْم فِي الْبَحْر يتخوفون الْغَرق فيلقون
بعض مَتَاعهمْ فَيَأْخذهُ غَيرهم، أَو الدَّابَّة تقوم على الرجل
فيتركه بالموضع من أَرض الفلاة فيمر بِهِ بعض النَّاس ويصلحه، ثمَّ
يَأْتِي صَاحبه فيريد أَخذه، قَالَ: لَا أرى لأهل الْمركب الَّذين ألمَوا
مَتَاعهمْ وَلَا لصَاحب الدبة شَيْئا، لأَنهم قد طرحوه وألقوه
على وَجه الإياس مِنْهُ.
وَقَالَ مَالك: يرد إِلَى صَاحبه فَإِن كَانَ أنفق عَلَيْهِ شَيْئا أَخذ مِنْهُ،
وَقَالَ ابْن وهب: مثل قَول اللَّيْث فِي الدَّابَّة، وَقَالَ فِيمَن
عَاص على الْمَتَاع حَتَّى أخرجه لَهُ قدر جُعله، وَفِي مَذْهَب
الشَّافِعِي: يَأْخُذهُ صَاحبه وَلَا شَيْء للَّذي أنفق عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَطَوّع
لم يُؤمر بذلك.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الْمَتَاع يلقيه الرجل فَيَأْخذهُ آخر، يعْطى كراءه، وَيرد
على صَاحبه، وَأما الدَّابَّة فَهِيَ لمن أَحْيَاهَا إِذا كَانَ يركبهَا صَاحبهَا
لمهلكة، قَالَ إِسْحَاق كَمَا قَالَ أَحْمد، وَاحْتج بِمَا ذكر عَن الشّعبِيّ،
وَبِحَدِيث مُرْسل.(11/82)
6467 - حَدثنَا عَليّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا
هِشَام بن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِي قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
تَرَكَ دَابَّة بِمَهْلَكَةٍ فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا» .
وَقيل للأوزاعي: أيجبر الْأَمَام الْقَوْم على حمل غنائمهم؟ قَالَ: نعم إِذا لم يجد من
يحملهَا بكرا فِي غير إِضْرَار بهم على قدر مَا يرى من قوتهم، فَإِن
قَالَ: من حمل شيئا فَهُوَ لَهُ يُرِيد أَن يحضهم وَلَا يفيء لَهُم؟ قَالَ: لَا
يصلح للْإِمَام الْكَذِب إِلَّا فِي مكايدة عدوه، فليف لَهُم بِمَا جعل لَهُم بعد
الْخمس فَهُوَ خير، وَلِأَن يستحله من أَخذه بِشَيْء من الإِمَام أحب إِلَيّ،
وَلَا بَأْس أَن يَقُول: من حمل شَيْئا من الْغَنِيمَة، فَلهُ مِنْهَا ثلثا أَو ربعا هَذِه
إجَازَة، وَقَالَ الثَّوْريّ: لَا بَأْس أَن يَقُول الإِمَام: من جَاءَ
بِرَأْس فَلهُ كَذَا، وَمن جَاءَ بأسير فَلهُ كَذَا يغريهم.
وَكَانَ أَبُو ثَوْر يَقُول: وَإِذا قَالَ الإِمَام: من أصَاب شَيْئا فَهُوَ لَهُ، فَكَانَ هُوَ أصلح
للنَّاس واذعا لِلْقِتَالِ وأكلب على الْعَدو كَانَ ذَلِك جَائِزا، وَكَانَ من
أصَاب شَيْئا فَهُوَ لَهُ وَلم يُخَمّس.
ذكر الرِّكَاز يُوجد فِي دَار الْحَرْب
وَاخْتلفُوا فِي الرِّكَاز يُوجد فِي دَار الْحَرْب، فَقَالَت طَائِفَة: هُوَ
بَين الْجَيْش كَذَلِك قَالَ مَالك، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَاللَّيْث بن سعد،(11/83)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: لَيْسَ لمن وجده مِنْهُ شَيْء إِلَّا أَن يَشَاء
ذَلِك الإِمَام.
وَفِيه قَول ثَان: وَهُوَ أَن الرِّكَاز دفن الْجَاهِلِيَّة مَا وجد فِي غير ملك لأحد فِي الأَرْض
الَّتِي من أَحْيَاهَا من بِلَاد الْإِسْلَام كَانَت لَهُ وَمن الأَرْض الْموَات، وَكَذَلِكَ
هُنَا فِي أَرض الْحَرْب هَذَا قَول الشَّافِعِي.
وَقَالَ النُّعْمَان: إِذا دخل الرجل أَرض الْحَرْب بِأَمَان فَوجدَ ركازا فِي الصَّحرَاء فَهُوَ لَهُ
وَلَيْسَ عَلَيْهِ خمس، وَقَالَ يَعْقُوب، وَمُحَمّد: فِيهِ الْخمس.(11/84)
كتاب قسم خمس الْغَنِيمَة
قَالَ الله جل ذكره (واعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمسَه وِللرّسُول وِلذِي
القُرَبي) الْآيَة.
ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي معنى قَوْله: (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمسَه
وِللرّسُول) الْآيَة
اخْتلف أهل الْعلم فِي معنى قَوْله: (واعلَمُوا أَنّما غَنِمتُم مِن
شَيءٍ فَأَنَّ لله خُمسَه) الْآيَة، فَقَالَ جمَاعَة: قَوْله (فَأَنَّ لله خُمسَه)
مِفْتَاح كَلَام، لِأَن لله الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَله كل شَيْء، وَأَن
خمس الْخمس إِنَّمَا خص الله بِهِ رَسُوله حضر الرَّسُول الْغَنِيمَة
أَو لم يحضرها، كَانَ الْحسن بن مُحَمَّد الْحَنَفِيَّة يَقُول فِي قَوْله (فَأَنَّ
لله خُمسَه) يَقُول: هَذَا مِفْتَاح كَلَام، لله الدُّنْيَا وَالْآخِرَة،
وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح، وَالشعْبِيّ: خمس الله وَخمْس رَسُوله
وَاحِد، وَقَالَ قَتَادَة: فَإِن لله خمسه، قَالَ: هُوَ لله، ثمَّ بيَن
قسم الْخمس خَمْسَة أَخْمَاس للرسول، وَلِذِي الْقُرْبَى واليتامى،(11/85)
وَالْمَسَاكِين، وَابْن السَّبِيل.
قَالَ أَبُو بكر: فَمن هَذَا مذْهبه يرى أَن الْغَنِيمَة يجب قسمهَا على خَمْسَة أَخْمَاس
فَأَرْبَعَة أخماسها لمن قَاتل عَلَيْهَا وَيقسم الْخمس الْبَاقِي على خَمْسَة أَخْمَاس،
وَقد فسر ذَلِك قَتَادَة فَقَالَ: أَرْبَعَة أخماسها لمن قَاتل عَلَيْهَا وَيقسم الْخمس
على خَمْسَة أَخْمَاس، فَخمس لله وَلِلرَّسُولِ وَخمْس لقرابة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي حَيَاته، وَخمْس لِلْيَتَامَى، وَخمْس للْمَسَاكِين، وَخمْس لِابْنِ السَّبِيل.
وَفِيه قَول ثَان: «وَهُوَ أَن الْغَنِيمَة كَانَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسمها على خَمْسَة أسْهم فيعزل
مِنْهَا سَهْما وَيقسم الْأَرْبَعَة بَين النَّاس قسم يضْرب بِيَدِهِ فِي السهْم
الَّذِي عَزله فَمَا قبض عَلَيْهِ من شَيْء جعله للكعبة فَهُوَ الَّذِي سمى
لَا تجْعَلُوا لله نَصِيبا فَإِن لله الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، ثمَّ يقسم بَقِيَّة السهْم
الَّذِي عَزله على خَمْسَة أسْهم سهم للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَهْم
لذِي الْقُرْبَى، وَسَهْم لِلْيَتَامَى، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل،
هَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة» .
وَقَالَ بعض أهل الْكَلَام: يقسم الْخمس على سِتَّة أسْهم سهم لله، وَسَهْم للرسول،
وَالْأَرْبَعَة الأسهم للَّذين سموا فِي الْآيَة، قَالَ: فالسهم الَّذِي لله مَرْدُود
على عباد الله أهل الْحَاجة مِنْهُم.
ذكر الْأَخْبَار الدَّالَّة على صِحَة القَوْل الأول
6468 - أخبرنَا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أخبرنَا ابْن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي(11/86)
مَالك عَن عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَن عَمْرو بْنِ شُعَيْب أَن
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين صَدَرَ يَوْم حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيد الْجِعِرَّانَة تنَاول
بِيَدِهِ شَيْئا مِنَ الأَرْض أَو وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ،
مَالِي مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكُم مِثْلُ هَذَا أَو هَذِه إِلَّا الْخمس وَالْخمس
مَرْدُود عَلَيْكُم» .
6469 - وَأخْبرنَا مُحَمَّد قَالَ: أخبرنَا ابْن وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس
عَن ابْن شهَاب عَن عُمَرَ بْنِ مُحَمَّد بْنِ جُبَير بْنِ مطعم عَن جَدِّهِ عَن رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْو هَذَا.
6470 - وَحَدَّثُونَا عَن مُحَمَّد بْنِ الْمُصَفَّا قَالَ: أخبرنَا الْمسيب بْنُ وَاضح
قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق عَن سُفْيَان عَن عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عَيَّاش عَن
سُلَيْمَان بْنِ مُوسَى عَن مَكْحُول عَن أَبِي سَلام عَن أَبى أُمَامَة عَن
عبَادَة قَالَ: أَخذ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم حُنَيْنٍ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ بَعِيرٍ
فَقَالَ: «أَيهَا النَّاس إِنَّه لَا يَحِلُّ لِي مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكُم قَدْرُ
هَذِه إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود عَلَيْكُم» .
وَقَالَ غَيره سُلَيْمَان بن مُحَمَّد.(11/87)
قَالَ أَبُو بكر: فدل قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَالِي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم إِلَّا الْخمس» على
أَن الْخمس لَهُ، وَأَن قَوْله «لله» مِفْتَاح كَلَام كَمَا قَالَه الْحسن بن مُحَمَّد
وَغَيره.
ذكر الْأَشْيَاء الَّتِي خص الله جل ذكره بهَا نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعلهَا لَهُ
من جملَة الْغَنِيمَة فِي حَيَاته وَلم يَجْعَل ذَلِك لغيره
قَالَ أَبُو بكر: خص الله جل ثَنَاؤُهُ رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأَشْيَاء ثَلَاثَة أَحدهَا: خمس
الْخمس، خصه بِهِ من بَين النَّاس وَجعل لَهُ سَهْما فِي الْغَنِيمَة كسهم رجل
مِمَّن حضر الْوَقْعَة، حضرها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَو لم يحضرها، وَخَصه بالصفي جعل
لَهُ أَن يخْتَار من جملَة الْغَنِيمَة فرسا، أَو عبدا، أَو أمة، أَو سَيْفا، أَو مَا
شَاءَ، وَلم يَجْعَل ذَلِك لغيره، فَأَما مَا جعله لَهُ من الْخمس فقد بينا ذكر
ذَلِك من كتاب الله تبَارك وَتَعَالَى وَسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأما الصفي الَّذِي
خصه بهَا فالأخبار دَالَّة على ذَلِك.
6471 - حَدثنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا بِشْرُ هُوَ
ابْن الْفضل عَن الْجريرِي عَن أَبِي الْعَلَاء قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُطَرِّفٍ فِي
سُوقِ هَذِه الْإِبِل فجَاء أَعْرَابِي يقطعهُ أَدِيم أَو جِرَابٍ فَقَالَ: فِيكُم
مَنْ يقْرَأ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ أَنا اقْرَأ، قَالَ: فَدُونَكَ هَذِه فَإِن
رَسُول اللَّهِ كتبهَا لِي، فَإِذا فِيهَا من مُحَمَّد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني
زهر بْنِ أُقَيْش حَيّ مِنْ عُكْلٍ أَنهم إِن شهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدًا(11/88)
رَسُول اللَّهِ، وَفَارَقُوا الْمُشْركين، وَأَقَرُّوا بِالْخُمُسِ فِي غَنَائِمِهِمْ وَسَهْم النَّبِي
وَصفيه، فَإِنَّهُم آمنُوا بِأَمَان الله وَرَسُوله.
6472 - وَحدثنَا عَليّ عَن أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: حَدثنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: حَدثنَا
أَبُو جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَدِمَ وَفد عَبْدِ الْقَيْس عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ! إِن هَذَا الْحَيّ مِنْ ربيعَة وَقد حَالَتْ بَيْننَا وَبَيْنك
كُفَّارُ مُضر وَلَا يَخْلُصُ إِلَيْك إِلَّا فِي شَهْرٍ حرَام، فَمُرْنَا بِأَمْر نَعْمَلُ بِهِ
وندعو إِلَيْهِ من وَرَائِنَا، فَقَالَ: " آمركُم بِأَرْبَع وَأَنْهَاكُمْ عَن أَربع، الْإِيمَان
بِاللَّه ثمَّ فَسَّرَهُ لَهُم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله،
وَإِقَامِ الصَّلَاة، وَإِيتَاءِ الزَّكَاة، وَأَن تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُم، وَأَنْهَاكُمْ عَن
الدّباء، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، والمُقيّر.
6473 - وَحدثنَا عَلِيٌّ عَن أبي عبيد قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بْنُ عِيسَى عَن
أَبِي هِلَال الرَّاسِبِي عَن أَبِي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِك،
وَزَاد فِيهِ وَتُعْطُوا مِنَ الْغَنَائِم سَهْمَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصفي.
6474 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن
الزُّهْرِيّ عَن عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرو عَن أَنَسِ بْنِ مَالك قَالَ: كُنْتُ أَخْدِمُ
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا نَزَلَ فَكنت أسمعهُ كَثِيرًا يَقُول: " اللَّهُمَّ(11/89)
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهم، وَالْحَزَنِ، وَالْعجز، وَالْكَسَلِ وَالْبخل،
وَالْجُبْنِ، وَغَلَبَة الرِّجَال، ثمَّ قدمنَا خَيْبَر فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْحصن ذُكِرَ
لَهُ جَمَالُ صَفِيَّة بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخطب، وَقد قُتِلَ زَوجهَا وَكَانَت
عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنَفسِهِ، فَخرج بهَا حَتَّى إِذا بلغنَا سَدَّ
الصَّهْبَاء حَلَّتْ، فَبنى بهَا ثمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِير، فَكَانَت
تِلْكَ وَلِيمَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
6475 - وَمن حَدِيث أبي مُوسَى حَدثنَا أَبُو أَحْمد قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن
هِشَام بْنِ عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت صَفِيَّة من الصفي.
6476 - حَدثنَا عَليّ بْنُ الْحسن قَالَ: حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيد عَن سُفْيَان عَن
مُطَرِّفٍ عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمُ الصَّفِيِّ إِن شَاءَ عبد اوَإِن
شَاءَ أَمَةً، وَإِن شَاءَ فَرَسًا يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخمس.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقد قَالَ بَعْضُ أَصْحَابنَا مِنْ أَهْلِ الحَدِيث: إِن خَبَرَ ابْن عَبَّاس «
تَنَفَّلَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفه ذُو الْفَقَارِ يَوْم بَدْرٍ» مِنْ هَذَا الْبَاب، أَي
أَخذه نفلا لنَفسِهِ.(11/90)
6477 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سَعِيدٌ حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ أَبِي الزِّنَاد
عَن أَبِيه عَن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تَنَفَّلَ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفه ذَا الْفَقَارِ يَوْم بَدْرٍ.
قَالَ أَبُو بكر: وَلَا أعلم أَنِّي سَمِعت أحدا يُنكر أَن يكون الصفي كَانَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لما خصه الله بِهِ، بل كل من أحفظ عَنهُ من أهل الْعلم يرى
أَن ذَلِك كَانَ حَقًا لَهُ من كل غنيمَة، وَأما سَهْمه كسهم رجل من
السلمين غَابَ أَو حضر فَإِن:
6478 - مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا قَالَ: حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا هُشَيْمٌ
قَالَ: أخبرنَا مُطَرِّفٌ الْحَارِثِيّ قَالَ: سَأَلت الشّعبِيّ عَن سَهْمَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالصَّفِيِّ فَقَالَ: أَمَّا السهْم فَكَانَ سَهْمه كَسَهْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسلمين، وَأما
الصَّفِيُّ فَكَانَت لَهُ غرَّة يصطفيها من الْمغنم.
6479 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدثنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدثنَا
أَشْعَث عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضْرب لَهُ سَهْمه من
الغانم شَهِدَ أَو غَابَ.
قَالَ أَبُو بكر: وَخبر الْعِرْبَاض يدل على ذَلِك.(11/91)
6480 - حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِشْرٍ الطَّالقَانِي حَدثنَا صَاع بْنُ أَحْمد بْنِ حَنْبَل
قَالَ: حَدثنَا أَبِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: حَدثنَا وَهْبٌ أَبُو خَالِد
قَالَ: حَدَّثتنِي أُمُّ حَبِيبَة بِنْتُ الْعِرْبَاض بْنِ سَارِيَة عَن أَبِيهَا أَن
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذ الْوَبرَة مِنْ فَيْء اللَّهِ فَيَقُول: «مَالِي مِنْ هَذَا إِلَّا
مِثْلَ مَا لأَحَدِكُمْ إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود فِيكُم» .
فَقَوله: «إِلَّا مَا لأَحَدِكُمْ» يُرِيد أَنِّي إِن كنت فرسا فَمثل مَا لِلْفَارِسِ مِنْكُم، أَو رَاجِلا
فَمثل مَا لِلرَّاجِلِ مِنْكُم.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسّنة وَالاتِّفَاقُ، إِلَّا مَا روينَاهُ عَن أَبِي
الْعَالِيَة فَإِنَّهُ قَول شَاذ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ، أَن الْخمس
يُقْسَمُ عَلَى خَمْسَة فَيكون لِلرَّسُولِ خُمُسُهُ، وَيقسم أَرْبَعَة أَخْمَاسِهِ عَلَى
مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجل، فِي كِتَابه، وَسَأَذْكُرُ مَا حَفِظْنَاهُ عَن أَهْلِ الْعلم فِي
كُلِّ صِنْفٍ مِمَّن ذَكَرَ اللَّهُ إِن شَاءَ اللَّهُ.
وحَدثني عَليّ عَن أبي عبيد قَالَ: قَالَ الله جل وَعلا فِي الْخمس (واعلَمُوا أَنّما غَنِمُتم
مِن شَيءٍ فَإنَّ لله خُمسُه وِللرّسُول) الْآيَة، فَاسْتَفْتَحَ الْكَلَام بِأَن نسبه إِلَى
نَفسه جل ثَنَاؤُهُ، ثمَّ ذكر أَهله بعد، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْفَيْء (مَا آفَاء الله
عَلى رَسُوِله مِن أَهل القُرَي فَللَّه) الْآيَة، نسبه جل ثَنَاؤُهُ إِلَى نَفسه ثمَّ
اخْتصَّ ذكر أَهله فَصَارَ فيهم الْخِيَار أَن للْإِمَام فِي كل شَيْء يُرَاد بِهِ الله،
قَالَ: وَقد كَانَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة مَعَ هَذَا فِيمَا حكى عَنهُ، يَقُول: إِن الله
جل ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا استفتح الْكَلَام فِي الْفَيْء وَالْخمس بِذكر نَفسه جل ثَنَاؤُهُ،(11/92)
لِأَنَّهُ أشرف الْكسْب وَإِنَّمَا ينْسب إِلَيْهِ كل شَيْء ليشرف ويعظم، قَالَ:
وَلم ينْسب الصَّدَقَة إِلَى نَفسه لِأَنَّهَا أوساخ النَّاس ".
ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِيمَا يفعل بِسَهْم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وَفَاته
ثَبت أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَالِي مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكُم إِلَّا الْخمس وَالْخمس مَرْدُود
فِيكُم» .
وَاخْتلفُوا فِيمَا يفعل فِي سهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وَفَاته، فَقَالَت
طَائِفَة: يرد على الَّذين كَانُوا مَعَه فِي الْخمس وَأَنَّهُمْ ذووا الْقُرْبَى،
واليتامى وَالْمَسَاكِين، وَابْن السَّبِيل فَيقسم الْخمس كُله بَينهم
أَربَاعًا، وَكَانَ أَحَق النَّاس بِهَذَا القَوْل من أوجب قسم الصَّدقَات
بَين جَمِيع أهل السهْمَان محتجا بقوله: (واعلَمُوا أَنما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَإِنّ لله
خُمسُه) الْآيَة، فَمن حَيْثُ ألزَمَ من قَالَ: أَن الصَّدقَات يجوز
تفريقها فِي بعض السِّهَام دون بعض حكم آيَة الْغَنِيمَة، لزمَه أَن يرد سهم
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى من مَعَه فِي الْخمس لتشبيه أحد الْقسمَيْنِ بِالْآخرِ، لِأَنَّهُ
لَا قَالَ: إِذا فَقدنَا صنفا من أهل الصَّدقَات رددنا سَهْمه على البَاقِينَ،
وَقد سوى بَين حكم الْآيَتَيْنِ، فَكَذَلِك كل صنف يفقد من أهل
الْخمس يجب رد سهم ذَلِك الصِّنْف على الْأَصْنَاف الْبَاقِيَة، وَلنْ يلْزم فِي
أَحدهمَا شَيْئا إِلَّا لزم فِي الآخر مثله، وَيلْزم ذَلِك من وَجه ثَان وَهُوَ أَنهم(11/93)
قَالُوا: إِذا فَقدنَا من سَائِر الْأَصْنَاف صنفا سوى الرَّسُول وَجب رد
حق ذَلِك الصِّنْف على الآخرين، فَكَذَلِك يلْزم فِي سهم الرَّسُول
لما مضى، ثمَّ لسبيله أَن يرد سَهْمه على سَائِر السهْمَان كَمَا قَالُوا قي
غير سَهْمه سَوَاء.
وَقَالَت طَائِفَة: يجب رد خمس الْخمس سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الَّذين شهدُوا الْوَقْعَة،
وَوَجَب لَهُم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة، لأَنهم الَّذين قَاتلُوا وغنموا، وَيقسم
أَرْبَعَة أَخْمَاس خمس الْغَنِيمَة بَين الْأَصْنَاف الْأَرْبَعَة ذَوي الْقُرْبَى، واليتامى،
وَالْمَسَاكِين، وَابْن السَّبِيل أَربَاعًا كَمَا كمان لَهُم فِي الأَصْل.
وَقَالَت طَائِفَة: هُوَ للخليفة بعد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقوم مقَامه فِي ذَلِك
فيصرفه فِيمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصرفهُ فِيهِ.
6481 - من حَدِيث أبي كريب عَن ابْن الفضيل عَن الْوَلِيد بن جَمِيع
عَن أبي الطُّفَيْل عَن أبي بكر عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذا أطْعم نَبيا
طعمة ثمَّ قَبضه فَهُوَ للَّذي يقوم من بعده، فَرَأَيْت أَن أرده
على الْمُسلمين» ، فَقَالَت: يَعْنِي فَاطِمَة، أَنْت أعلم بِمَا سَمِعت من
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَت طَائِفَة: يَجْعَل فِي الْخَيل وَالْعدة فِي سَبِيل الله، قَالَ الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة:
" اخْتلفُوا بعد وَفَاة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هذَيْن السهمين يَعْنِي سهم الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى، فَقَالَ قَائِل: سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للخليفة بعده، وَقَالَ
قَائِل: سهم ذِي الْقُرْبَى لقرابة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ قَائِل: سهم ذِي الْقُرْبَى(11/94)
لقرابة الْخَلِيفَة، فَاجْتمع رَأْيهمْ على أَن يجْعَلُوا هذَيْن السهمين فِي الْخَيل
وَالْعدة فِي سَبِيل الله، فَكَانَ خلَافَة أبي بكر، وَعمر فِي الْخَيل وَالْعدة فِي
سَبِيل الله ".
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي سهم الله وَالرَّسُول: هُوَ فِي السِّلَاح والكراع، وَقَالَ قَتَادَة فِي
سهم ذِي الْقُرْبَى كَانَت طعمة لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاته، فَلَمَّا توفى حمل
عَلَيْهِ أَبُو بكر وَعمر فِي سَبِيل الله.
وَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: «وَالَّذِي اخْتَار فِي سهم رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن يَضَعهُ الإِمَام فِي كل أَمر حصن بِهِ الْإِسْلَام وَأَهله من سد
ثغر، أَو اعداد كرَاع، أَو سلَاح، أَو اعطائه أهل الْبِلَاد فِي الْإِسْلَام نفلا
عِنْد الْحَرْب، وَغير الْحَرْب، إعدادا للزِّيَادَة فِي تعزيز الْإِسْلَام وَأَهله،
على مَا صنع رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أعْطى الْمُؤَلّفَة وَنفل
فِي الْحَرْب، وَأعْطى عَام حنين نَفرا من أَصْحَابه من الْمُهَاجِرين
وَالْأَنْصَار أهل حَاجَة وَفضل، وَأَكْثَرهم أهل فاقة، نرى وَالله أعلم ذَلِك
كُله من سَهْمه» .
وَقَالَت طَائِفَة: الْقِسْمَة مقسومة على خَمْسَة، أَرْبَعَة أَخْمَاس للجيش، وَخمْس
مقسوم على ثَلَاثَة بَين الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل، هَذَا قَول
أَصْحَاب الرَّأْي، وَكَانَ أَبُو ثَوْر يَقُول: وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه
كَانَ لَهُ صفى، وَكَانَ ثَبت هَذَا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بعد مَا نزل الحكم
فِي قسم الْغَنَائِم، فللإمام أَخذه على نَحْو مَا كَانَ يَأْخُذ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(11/95)
ويجعله كجعل سهم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْخمس، وَإِن لم يثبت ذَلِك لم يَأْخُذ
الإِمَام من ذَلِك شَيْئا.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي الصفي: إِنَّمَا كَانَ للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة، قلت: فتعلم أحدا
قَالَ: هُوَ لن بعده؟ فَقَالَ: لَا.
قَالَ أَبُو بكر: وَلَا أعلم أحدا وَافق أَبَا ثَوْر على مَا قَالَ.
ذكر الإسهام على أَجزَاء الْخمس
6482 - حَدثنَا عَليّ عَن أبي عبيد حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَن عبد الله
ابْن لَهِيعَة عَن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَر عَن نَافِع عَن ابْن عُمَرَ قَالَ: رَأَيْت
الْمَغَانِم تُجَزَّأُ خَمْسَة أَجزَاء، ثمَّ يُسهم عَلَيْهَا، فَمَا صَار لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ
لَهُ، لَا يخْتَار.
ذكر الْإِعْلَام بِأَن إِعْطَاء، الْخمس من الْغَنِيمَة من الْإِيمَان إِذْ هُوَ
مقرون إِلَى إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة
6483 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا أَبُو النَّصْر قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن
أَبى جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس أَن وَفد عَبْدِ الْقَيْس لَمَّا أَتَوا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمرهم
بِأَرْبَع أَمرهم بِالْإِيمَان وَحده، وَقَالَ: " أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه وَحده؟
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ قَالَ: " شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ وَأَن مُحَمَّدًا(11/96)
رَسُول اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاة وَإِيتَاءُ الزَّكَاة، وَصَوْم رَمَضَان، وَأَن تُعْطُوا
مِنَ الْمغنم الْخمس".
ذكر بعثة الإِمَام من يقبض الْخمس عِنْد قسم الْغَنَائِم
6484 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنِي بَكْرُ بْنُ خَلَفٍ وَزُهَيْر قَالَا: حَدثنَا
رَوْحُ بْنُ عبَادَة حَدثنَا عَليّ بْنُ سُوَيْد بْنِ مَنْجُوفٍ قَالَ: حَدثنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَة الأَسْلَمِيُّ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا
إِلَى خَالِد بْنِ الْوَلِيد لِيَقْسِمَ الْخمس فاصطفى مِنْهَا عَلِيٌّ سَبِيَّةً فَأصْبح
يَقْطُرُ رَأسه فَقَالَ خَالِد لِبُرَيْدَةَ: أَلا تَرَى مَا صَنَعَ هَذَا وَكنت أبْغض
عَلِيًّا، فَأتيت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرته بِمَا صَنَعَ فَلَمَّا أخْبرته قَالَ
لِي: «أَتُبْغِضُ علياَّ؟» قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «فَأَحبهُ فَإِن لَهُ فِي
الْخمس أَكثر من ذَلِك» .
6485 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل الصَّائِغ وَعبد الرَّحْمَن بْنُ يُوسُف قَالَا: حَدثنَا
أَبُو عمار حَدثنَا الْمفضل بن مُوسَى عَن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ
عَن عَليّ فَقَالَ: رَابَنِي مِنْهُ أَنه نَكَحَ جَارِيَة مِنَ الْخمس، فَقَالَ: «لايريبك
فَإِنَّمَا نَكَحَ فِي سَهْمه» .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقد احْتج بِهَذَا الْخَبَر مَنْ قَالَ: لِقَاسِمِ الْخمس أَن يَقْبِضَ حَقه مِنَ
الْخمس ويُفرزه، إِذْ لَو كَانَ فِي جَائِز لَنَهَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا عَن ذَلِك، بَلْ
فِي إِجَازَته ذَلِك دَلِيل عَلَى إِطْلَاق ذَلِك وَإِبَاحَتِهِ.(11/97)
ذكر سهم ذِي الْقُرْبَى وَذكر الدَّلِيل على أَن الله جل ثَنَاؤُهُ أَرَادَ
بقوله: (ولذِي القُربَى) بعض قرَابَة رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون بعض
6486 - حَدثنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّد بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا هُشَيْمٌ
قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّد بْنُ إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عَن سَعِيدِ بْنِ الْمسيب
قَالَ: أَخْبرنِي جُبَير بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْم خَيْبَر وَضَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشم وَبني الْمطلب وَترك بَنِي نَوْفَل وَبني
عَبْدِ شَمْسٍ، فَانْطَلَقت أَنا وَعُثْمَان بْنُ عَفَّان حَتَّى أَتَيْنَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا
رَسُول اللَّهِ! هَؤُلَاءِ بَنو هَاشم لَا نُنْكِرُ فَضلهمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ
بِهِ مِنْهُم فَمَا بَال إِخْوَاننَا بني الطّلب أَعطيتهم وَتَرَكتنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَة؟
فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنا وَبَنُو الْمطلب لَا يفْتَرق فِي جَاهِلِيَّة
وَلَا إِسْلَام، إِنَّمَا نَحن وَهُمْ شَيْء وَاحِد وَشَبك بَين أَصَابِعه» .
6487 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا ابْن شُعَيْب قَالَ: حَدثنَا أَبِي
عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِث بْنِ نَوْفَل
الْهَاشِمِي أَن عَبْدَ الْمطلب بْنَ ربيعَة بْنِ الْحَارِث بْنِ عَبْدِ الْمطلب أخبرهُ
أَن أَبَاهُ ربيعَة بْنَ الْحَارِث وَعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمطلب قَالَا لِعَبْدِ
الْمطلب بْنِ ربيعَة وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبَّاس: ائْتِيَا رَسُول اللَّهِ فَقُولا
لَهُ: قَدْ بلغنَا مِنَ السِّنِّ مَا تَرَى وَأَحْبَبْنَا أَن نَتَزَوَّجَ وَأَنت يَا رَسُول الله
أَبُو النَّاس وَأَوْصَلُهُمْ، وَلَيْسَ عِنْد أَبَوَيْنَا مَا يُصْدِقَانِ عَنَّا،
فَاسْتَعْمِلْنَا يَا رَسُول اللَّهِ عَلَى الصَّدقَات فَلْنُؤَدِّ إِلَيْك مَا يُؤَدِّي الْعمَّال،(11/98)
وَلْنُصِبْ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ رفق، قَالَ: فَأتى عَليّ بْنُ أَبِي طَالب
وَنحن عَلَى تِلْكَ الْحَال فَقَالَ لَنَا: وَالله لَا يسْتَعْمل أَحَدًا مِنْكُم عَلَى
الصَّدَقَة، فَقَالَ ربيعَة بْنُ الْحَارِث: هَذَا مِنْ حَسَدِكَ وَبَغْيِكَ، وَقد نلْت
صِهْرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا حَسَدْنَاكَ، فَألْقى رِدَاءَهُ ثمَّ اضْطجع عَلَيْهِ ثمَّ
قَالَ: أَنا أَبُو حَسَنٍ الْقَرْمُ وَالله لَا أَرِيمُ مِنْ مَكَاني حَتَّى يرجع
إلَيْكُمَا أنباء كَمَا بِجَوَاب مَا بَعَثْتُمَا بِهِ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ
عَبْدُ الْمطلب: فَانْطَلَقت أَنا وَالْفضل حَتَّى نُوَافِقَ صَلَاة الظّهْر قَدْ قَامَت،
فَصَلَّيْنَا مَعَ النَّاس ثمَّ أَسْرَعْتُ أَنا وَالْفضل إِلَى بَاب حجرَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ يومئذٍ عِنْد زَيْنَب بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُمْنَا بِالْبَابِ حَتَّى أَتَى رَسُول الله
فَأخذ بِأُذُنِي وَأذن الْفضل ثمَّ قَالَ: " أخرجَا مَا تُصَرِّرَانِ،
ثمَّ دَخَلَ فَأذن لِي وَالْفضل، فَدَخَلْنَا فَتَوَاكَلْنَا الْكَلَام قَلِيلا ثمَّ كَلمته،
أَو كَلمه الْفضل، شَكَّ فِي ذَلِك عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: فَكَلَّمْنَاهُ بِالَّذِي أمرنَا بِهِ
أَبَوَانَا، فَسكت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَة وَرفع بَصَره قِبَلَ سَقْفِ الْبَيْت حَتَّى
طَال عَلَيْنَا أَنه لَا يَرْجِعُ إِلَيْنَا شَيْئا، وَحَتَّى رَأينَا زَيْنَب تَلْمَعُ مِنْ
وَرَاء الْحجاب تُرِيدُ أَن لَا تَعْجَلا، أَو إِن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أمرنَا،
ثمَّ خَفَضَ رَأسه فَقَالَ لَنَا: إِن هَذِه الصَّدَقَة إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاس، وَإِنَّهَا
لَا تَحِلُّ لمُحَمد وَلَا لآلِ مُحَمَّد، ادعو لِي نَوْفَل بْنَ الْحَارِث فَدُعِيَ لَهُ نَوْفَل(11/99)
فَقَالَ: يَا نَوْفَل أَنْكِحْ عَبْدَ الْمطلب فَأَنْكَحَنِي، ثمَّ قَالَ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ادْعُوا لِي مَحْمِيَةَ بْنَ جُزْء وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُبيد كَانَ رَسُول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْملهُ عَلَى الْأَخْمَاس، فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَحْمِيَةُ!
أَنْكِحِ الْفضل» ، فَأَنْكَحَهُ ثمَّ قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُم فَأَصْدِقْ عَنْهُمَا
مِنَ الْخمس كَذَا وَكَذَا، لَمْ يُسَمِّهِ لِي عبد الْحَارِث» .
6488 - حَدثنَا عَليّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدثنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ عَن يُونُس بْنِ يزِيد الأَيْلِيِّ قَالَ: سَمِعت الزُّهْرِيّ
يُحَدِّثُ عَن يزِيد بْنِ هُرْمُز أَن نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ حِين حَجَّ فِي فتْنَة ابْن الزُّبَيْرِ
أَرْسَلَ إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله عَن سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى وَيَقُول: لِمَنْ ترَاهُ؟ فَقَالَ
ابْن عَبَّاس: هُوَ لِقُرْبَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَهُ لَهُم رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقد كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِك عَرْضًا رَأَيْنَاهُ دُونَ حَقنا، فَرَدَدْنَاهُ
عَلَيْهِ وَأَبَيْنَا أَن نَقْبَلَهُ، وَكَانَ عَرَضَ عَلَيْهِم أَن يُعِينَ نَاكِحَهُمْ، وَأَن يقْضى
عَن غَارِمِهِمْ، وَأَن يعْطى فَقِيرَهُمْ، وَأبي أَن يَزِيدَهُمْ عَلَى ذَلِك.
ذكر اخْتِلَاف أهل الْعُلُوّ فِي سَهْو ذِي الْقُرْبَى
وَاخْتلفُوا فِي سهم ذِي الْقُرْبَى فَقَالَت طَائِفَة: سهم ذِي الْقُرْبَى لقرابة
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني هَاشم وَبني الطّلب دون سَائِر قرَابَته، لِأَن الله عز(11/100)
وَجل أوجب لَهُم ذَلِك فِي كِتَابه وَبَين ذَلِك على لِسَان رَسُوله، فَأَما
الْكتاب فَقَوله: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمسُه وِللرّسُول وِلذِي
القُرَبى) الْآيَة، فَأثْبت ذَلِك لَهُم كإثباته سهم الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن
السَّبِيل، وَقسم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِك بَين بني هَاشم وَبني الطّلب، فَدلَّ قسم
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى بَين بني هَاشم وَبني الطّلب، على أَن الله أَرَادَ
بِهِ هَؤُلَاءِ دون سَائِر قراباته، هَذَا قَول الشَّافِعِي، وَأبي ثَوْر، قَالَ
الشَّافِعِي: «فَيعْطى جَمِيع سهم ذِي الْقُرْبَى بَين بني هَاشم وَبني الْمطلب
حَيْثُ كَانُوا لَا يفضل مِنْهُم أحد حضر الْقِتَال على أحد لم يحضرهُ» .
6489 - حَدثنَا عَليّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا حَجَّاجٌ قَالَ حَدثنَا
جَرِيرُ بْنُ حَازِم قَالَ: حَدثنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَن يزِيد بْنِ هُرْمُز
قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس وَأَتَاهُ كِتَابُ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ يسْأَله عَن
ذَوي الْقُرْبَى الَّذين ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآن، فَكتب إِلَيْهِ، إِنَّا كُنَّا نَرَى قرَابَة
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ، وَأَبَى ذَلِك عَلَيْنَا قَومنَا.
وَقَالَ ابْن الْحَنَفِيَّة فِي سهم ذِي الْقُرْبَى: هُوَ لنا أهل الْبَيْت، وَقد روينَا أَن
عمر بن عبد الْعَزِيز لما قدم بعث إِلَيْهِم بِهَذَيْنِ السهمين سهم الرَّسُول
وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى يَعْنِي لبني هَاشم، قَالَ مُجَاهِد: آل مُحَمَّد لَا تحل لَهُم
الصَّدَقَة، فَجعل لَهُم ذَلِك.(11/101)
وَقَالَت طَائِفَة: يَجْعَل سهم ذِي الْقُرْبَى فِي الْخَيل وَالْعدة فِي سَبِيل الله، روينَا
عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ أَنه قَالَ فِي سهم الرَّسُول وَسَهْم ذِي
الْقُرْبَى: اجْتمع رَأْي أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أَن يجْعَلُوا
هذَيْن السهمين فِي الْخَيل وَالْعدة فِي سَبِيل الله فَكَانَ ذَلِك خلَافَة
أبي بكر وَعمر.
وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق: سَأَلت أَبَا جَعْفَر كَيفَ صنع عَليّ فِي سهم ذِي الْقُرْبَى،
فَقَالَ: سلك بِهِ طَرِيق أبي بكر وَعمر، قَالَ: أما وَالله مَا كَانُوا
يصدرون عَن رَأْيه، وَلكنه كره أَن يتَعَلَّق عَلَيْهِ خلاف أَبى بكر
وَعمر.
قَالَ أَبُو بكر: أَظُنهُ سقط من كتابي ألا وَهُوَ فِيمَا بَين «يصدرون»
وَبَين «عَن رَأْيه» .
وَقد رويا فِيمَا مضى عَن الشّعبِيّ أَن عليا لما قدم يَعْنِي الْكُوفَة قَالَ: مَا قدمت لأحل
عقدَة شدّها عمر.
6490 - وحَدثنَا عَليّ قَالَ: حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد
عَن أَيُّوب قَالَ: سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: قَالَ لي عُبَيْدَة: بعث
إِلَى علي وَإِلَى شُرَيْح فَقَالَ: إِنِّي أبْغض الِاخْتِلَاف
فاقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون حَتَّى يكون النَّاس جمَاعَة، أَو أَمُوت كَمَا
مَاتَ أَصْحَابِي.(11/102)
وَمِمَّنْ مذْهبه أَن الْخمس يقسم أَخْمَاسًا خمس لله وَرَسُوله يَضَعهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ
شَاءَ، وخمسه لِذَوي قرَابَة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولليتامى خمسه،
وللمساكين خمسه، وَلابْن السَّبِيل خمسه مُجَاهِد، وَقَتَادَة
وَابْن جريج.
وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: " قَالَ مَالك: الْفَيْء، وَالْخمس سَوَاء يجعلان فِي بَيت
المَال، قَالَ بَلغنِي عَمَّن أَثِق بِهِ أَن مَالِكًا قَالَ: وَيُعْطى الإِمَام
أقرباء رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على مَا يرى ويجتهد "، وَكَانَ سُفْيَان
الثَّوْريّ يَقُول: الْغَنِيمَة مَا أَخذ الْمُسلمُونَ قسوا فَصَارَت فِي
أَيْديهم من الْكفَّار، فالخمس من ذَلِك إِلَى الإِمَام يَضَعهُ حَيْثُ
أرَاهُ الله.
وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: سهم الرَّسُول، وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى سقطا بِمَوْت
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيجب رد سهامهما على الثَّلَاثَة، فقسم خمس الْغَنِيمَة بعد
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ثَلَاثَة أسْهم، سهم لِلْيَتَامَى، وَسَهْم للْمَسَاكِين، وَسَهْم
لِابْنِ السَّبِيل.
قَالَ أَبُو بكر: أَعلَى مَا يحْتَج بِهِ أَصْحَاب الرَّأْي فِي دفعهم مَا قد ثَبت بِكِتَاب الله
وَسنة رَسُوله دَعْوَى ادعوها على أبي بكر وَعمر، وَعُثْمَان أَنهم قسموا
الْخمس على ثَلَاثَة أسْهم، وَهَذَا لَا يثبت عَنْهُم، وَغير جَائِز أَن يتَوَهَّم
على مثلهم أَنهم خالفوا كتاب الله وَسنة رَسُوله، وَقد بَلغنِي أَنهم احْتَجُّوا
فِي ذَلِك بِشَيْء رَوَاهُ:(11/103)
6491 - مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أَبى صَالح عَن
ابْن عَبَّاس.
وَمُحَمّد بن مَرْوَان عِنْدهم ضَعِيف، والكلبي قَالَ يحيى بن معِين: لَيْسَ بِشَيْء،
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: قَالَ لي أَبُو صَالح: كل شَيْء حدثتك فَهُوَ كذب،
وَقَالَ مُعْتَمر بن سُلَيْمَان: بِالْكُوفَةِ كَذَا بِأَن السدي، والكلبي،
وَلَا يجوز أَن يثبت على الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين بقول كَذَّاب أَو
كَذَّابين أَنهم خالفوا بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَو روى عَنْهُم
من يصدق فِي الحَدِيث مَا ذَكرُوهُ لم يجز ترك مَا ثَبت بِكِتَاب
الله وَسنة رَسُوله بقول أحد من الْخلق، فَكيف وَذَلِكَ بِحَمْد الله غير
ثَابت عَنْهُم، وَكلما روينَاهُ عَنْهُم فِي هَذَا الْبَاب بأخبار، مُنْقَطِعَة
غير ثَابِتَة، وَلَيْسَ تقوم الْحجَج بِشَيْء مِنْهَا، وَقد ذكرت تِلْكَ
الْأَخْبَار فِي الْكتاب الَّذِي اختصرت مِنْهُ هَذَا الْكتاب، وَقد ذكر الشَّافِعِي(11/104)
كلَاما طَويلا جرى بَينه وَبَين بعض النَّاس فِي هَذَا الْبَاب، وَقد أثبت
ذَلِك الْكَلَام فِي الْكتاب الَّذِي اختصرت مِنْهُ هَذَا الْكتاب.
مَسْأَلَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا يعْطى الذكر وَالْأُنْثَى من ذَوي الْقُرْبَى فَكَانَ الشَّافِعِي
يَقُول: يعْطى الرجل سَهْمَان وَالْمَرْأَة سهم.
وَخَالفهُ أَصْحَابه أَبُو ثَوْر، والمزني، وَغَيرهمَا فَقَالُوا: الذكر وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير
وَالْكَبِير فِيهِ سَوَاء، وَاحْتَجُّوا، أَو من احْتج مِنْهُم بِأَنَّهُ لَا يعلم خلافا فِي
رجل لَو أوصى بِثلث مَاله لبني فلَان، فهم يُحصونَ أَن الذكر مِنْهُم
وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِير وَالْكَبِير فِيهِ سَوَاء، وَكَذَلِكَ كل شَيْء
صير لقوم فهم فِيهِ سَوَاء.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا أَخَذُوهُ باسم الْقَرَابَة فَيَأْخُذ ابْن الابْن مَعَ الابْن، وَلَو كَانَ من جِهَة
الْمَوَارِيث يحجب بَعضهم بَعْضًا، فَدلَّ ذَلِك على أَن تَشْبِيه ذَلِك بالمواريث
غير جَائِز، وَقَالَ آخر: وَقد أَجمعُوا على أَن للْإِمَام أَن يُعْطي الْأُنْثَى من
الْمَسَاكِين مَا يُعْطي الذكر، وَلَا فرق بَين ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا جَازَ أَن يُسَوِّي
بَين الذكر وَالْأُنْثَى، لأَنهم أعْطوا باسم المسكنة، فَذَلِك جَائِز أَن يسوى
بَين ذكران الْقَرَابَة وإناثهم، لأَنهم أعْطوا باسم الْقَرَابَة.
قَالَ أَبُو بكر: وَكَذَلِكَ نقُول.
وَاخْتلفُوا فِي إِعْطَاء الْغَنِيّ مِنْهُم فَكَانَ الشَّافِعِي يَقُول: لَا يفضل فَقير على
غَنِي لأَنهم أعْطوا باسم الْقَرَابَة، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر.(11/105)
وروينا عَن مَكْحُول أَنه قَالَ: الْخمس بِمَنْزِلَة الْفَيْء، وَيُعْطى مِنْهُ الْغَنِيّ وَالْفَقِير،
وَقَالَ بعض أَصْحَابه من أهل الْعرَاق: الْفَيْء لمن سمى الله فِي كِتَابه
لرَسُوله، وَلِذِي الْقُرْبَى، واليتامى والساكين، وَابْن السَّبِيل، وَلم يَجْعَل
فِي حظا لَغَنِيّ لقَوْله: (كَي لَا يَكُون دوَلة بَينَ الأغنِيَاءِ مِنْكُم)
الْآيَة، وَلقَوْله: (للِفُقَرَاءِ المُهَاجِرِين الّذِين أخرِجُوا مِن دِيَارِهِم
وأَمواِلهِم) إِلَى قَوْله (الصَّادِقُون) الْآيَة، فَكَانَ بَنو هَاشم،
وَبَنُو الْمطلب قرَابَة رَسُول الله الَّذين نصروا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جعل لَهُم
هَذَا الْفَيْء الَّذِي خصهم بِهِ مطعما، ومنعهم الصَّدَقَة الَّتِي هِيَ أوساخ
النَّاس فَجعل لَهُم الْفَيْء الَّذِي رضيه لنَبيه وأكرمه بِهِ،
وَمنعه الصَّدَقَة الَّتِي هِيَ ذلة ومسكنة يضرع لَهَا السَّائِل ويعلو بهَا الْمُعْطى،
قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِي: سهم ذِي الْقُرْبَى الْغَنِيّ مِنْهُم وَالْفَقِير، وَلم يزْعم
ذَلِك إِلَى الْأَصْنَاف الْبَاقِيَة من الْيَتَامَى وَابْن السَّبِيل، فَزعم أَبُو عبد الله أَن
الْقُرْآن على ظَاهره يحكم لقربى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغنيهم وفقيرهم بِخمْس
الْخمس وَقَالَ: وَلَهُم بِظَاهِر الْآيَة، ثمَّ قَالَ: لَيْسَ لِلْيَتَامَى وَلَا لِابْنِ السَّبِيل
فِيهَا حق إِلَّا أَن يَكُونُوا فُقَرَاء مَسَاكِين، فنقض أَصله وَترك مذْهبه.
قَالَ أَبُو بكر: وَهَذَا غير لَازم للشَّافِعِيّ، لِأَن الشَّافِعِي حكم لذِي الْقُرْبَى لغنيهم
وفقيرهم بِظَاهِر الْآيَة، وَبِأَن الْعَبَّاس بن عبد الطّلب أعْطى مِنْهُ وَهُوَ
كثير المَال، وَمنع عُثْمَان وَجبير حَيْثُ طلبا أَن يعطيا من الْخمس،
لَيْسَ من جِهَة غناهما، إِذْ لَو كَانَ منعهما من جِهَة غناهما لأشبه أَن(11/106)
يَقُول: لَا يحل لَكمَا ذَلِك لأنكما غنيان، إِذْ لاحظ فِيهَا لغنى، كَمَا
قَالَ للرجلين اللَّذين سألاه الصَّدَقَة، وَلَو اخْتلف أهل الْعلم فِي الْيَتِيم
الْغَنِيّ، وَابْن السَّبِيل الْغَنِيّ لأجاب فِيمَا يعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَا
أجَاب بِهِ فِي سهم ذِي الْقُرْبَى، وَلَكِن الْإِجْمَاع لما منع من إعطاء
الْيَتِيم الْغَنِيّ، وَابْن السَّبِيل الْغَنِيّ منع أَن يعطيان لمنع الْإِجْمَاع مِنْهُ،
وَلم يمْنَع الْإِجْمَاع من إعطاء أَغْنِيَاء الْقَرَابَة، فَمَنعهُمْ لعِلَّة الْإِجْمَاع،
وَلكنه لما اخْتلف فِي الْغَنِيّ من الْقَرَابَة، رد أمره إِلَى ظَاهر الْكتاب،
وَمنع الْيَتِيم الْغَنِيّ وَابْن السَّبِيل الْغَنِيّ لِأَن الْإِجْمَاع منع أَن يعطيا إِذا
كَانَا غَنِيَّيْنِ.
وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي جملَة الْخمس الَّذِي ذكره فِي سُورَة
الْأَنْفَال، فَكَانَ الشَّافِعِي لَا يرى أَن يصرف الْخمس عَن أَهله الَّذين
سَمَّاهُ الله لَهُم إِلَى غَيرهم، وَلَا يرى النَّفْل إِلَّا من خمس النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الَّذِي كَانَ لَهُ فِي حَيَاته، وَلَا يجوز عِنْده أَن ينفل من أَرْبَعَة
أَخْمَاس الْخمس وَلَا من سَائِر الْغَنِيمَة إِلَّا السَّلب الَّذِي نفله
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاتِل.
وَاخْتلف فِيهِ عَن الأوزاعي فَحكى الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ، وَعَن سعيد بن عبد الْعَزِيز
وَغَيرهمَا أَنهم قَالُوا: أَن قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالْخمس مَرْدُود فِيكُم» ،
أَنه مَرْدُود على من يوجف عَلَيْهِ من الغازية من الْمُنْقَطع بهم، هم أَحَق من
أَهله الَّذِي سمى لَهُم من القاعدين.
وَزعم أَبُو عبيد أَن الْمَعْرُوف من رأى الْأَوْزَاعِيّ أَنه كَانَ لَا يرى النَّفْل
من الْخمس، وَيَقُول: الْخمس للأصناف الَّذِي سمى الله فِي(11/107)
كِتَابه قَوْله: (واعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ) الْآيَة وَكَانَ أَبُو عبيد
يَقُول: " الأَصْل فِي الْخمس أَن يوضع فِي أَهله المسمين فِي التَّنْزِيل إِلَّا أَن
يكون صرفه عَن الْأَصْنَاف الْمُسَمَّاة فِي التَّنْزِيل إِلَى غَيرهم خير للْمُسلمين
عَامَّة من أَن يوضع فِي الْأَصْنَاف الْخَمْسَة فَيصْرف حِينَئِذٍ إِلَيْهِم على
مَا جَاءَت بِهِ الْأَخْبَار وَيكون حَظه إِلَى الإِمَام، لِأَنَّهُ النَّاظر فِي مصلحتهم
والقائم بأمرهم، فَأَما على مُحَابَاة أَو ميل إِلَى هوى فَلَا، وَإِذ كَانَت
الْأَصْنَاف المسمون إِلَيْهِم أحْوج فَلَيْسَ كَذَلِك.
جماع أَبْوَاب الأسلاب والأنفال الَّتِي تجب لأَهْلهَا
ذكر الْأَخْبَار الدَّالَّة على أَن السَّلب يسْتَحقّهُ الْقَاتِل من جملَة
الْغَنِيمَة قبل أَن يُخَمّس المَال
قَالَ الله جل ذكره: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه) الْآيَة، فَكَانَ
الْجَواب على ظَاهر الْآيَة أَن إخراج خمس جَمِيع مَا يغنمه الْجَيْش يجب على
ظَاهر الْآيَة، فَلَمَّا لم يُخَمّس رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلب دل على أَن الله أَرَادَ
بقوله: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِلَّهِ خُمسُه) الْآيَة، بعض الْغَنِيمَة
لَا الْجَمِيع وَأَن الأسلاب خَارِجَة من جملها.(11/108)
6492 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور حَدثنَا
إِسْمَاعِيل بْنُ عَيَّاش عَن صَفْوَان بْنِ عَمْرو عَن عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ جُبَير بْنِ نُفَيْرٍ
عَن عَوْف بْنِ مَالك، وخَالِد بْنِ الْوَلِيد أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ
للْقَاتِل وَلم يُخَمّس السَّلب.
6493 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سَعِيدٌ حَدثنَا سُفْيَان عَن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَن
عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلح عَن أَبِي مُحَمَّد عَن أَبِي قَتَادَة أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفلَهُ
سلْب رَجُلٍ قَتله يَوْم حُنَيْنٍ وَلم يُخَمّس.
ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب
وَاخْتلفُوا فِي إِخْرَاج السَّلب من جملَة الْغَنِيمَة فَقَالَت طَائِفَة: يخرج
السَّلب من جملَة الْغَنِيمَة قبل أَن يُخَمّس، هَذَا قَول الشَّافِعِي،
وَأحمد بن حَنْبَل.
وَفِيه قَول ثَان: وَهُوَ أَن الأسلاب إِذا كثرت تخمس، فعل ذَلِك
عمر بن الْخطاب.
6494 - حَدثنَا عَليّ بْنُ الْحسن قَالَ: حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ عَن سُفْيَان عَن هِشَام
عَن مُحَمَّد بْنِ سِيرِين عَن أَنَسٍ أَن الْبَراء بْنَ مَالك بَارَزَ مَرْزُبَانَ
الدَّارَةَ فَقتله فَبلغ سَلَبُهُ سُوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتَهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَقَالَ(11/109)
عُمَرُ بْنُ الْخطاب: إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الأَسْلابَ وَلَكِن سَلَبَ مَرْزُبَانَ مَال،
فَكَثَّرَهُ وَخَمَّسَهُ،
وَكَانَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه يَقُول: ذَلِك إِلَى الْأَمَام أَن استكثره فَلهُ أَن يفعل مَا فعل
عمر بن الْخطاب.
6495 - وَحدثنَا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو النَّضر قَالَ: حَدثنَا الْأَشْجَعِيّ
قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن الْقَاسِم بْنِ مُحَمَّد عَن
ابْن عَبَّاس قَالَ: السَّلب مِنَ النَّفْل وَالنَّفْل فِيهِ الْخمس.
وَكَانَ مَكْحُول يَقُول: «السَّلب مغنم وَفِيه الْخمس» ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: بلغنَا أَن
عمر بن الْخطاب أَمر بِخمْس السَّلب.
قَالَ أَبُو بكر: وبالقول الأول أَقُول للْأَخْبَار الَّتِي ذَكرنَاهَا عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَفِي حَدِيث عمر حجَّة لمن قَالَ: أَن السَّلب من جملَة الْغَنِيمَة، أَلا ترَاهُ
يَقُول: كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الأسلاب، وَقَالَ قَائِل: إِن عمر إِنَّمَا فعل
ذَلِك برضى الْبَراء، وَلَو كَانَ على مَا توهم بعض النَّاس أَن عمر تَأَول
قَوْله: (وَاعلَمُوا أَنّمَا غَنِمتُم مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لله خُمسُه) الْآيَة، لَكَانَ أَرْبَعَة
أَخْمَاس السَّلب للجيش غنيمَة بَينهم وَيَكون الْبَراء كأحدهم، وَلَكِن مَعْنَاهُ
مَا قُلْنَا، وَالله أعلم.
وَقَالَت طَائِفَة: فِي النَّفْل لايكون إِلَّا بعد الْخمس.(11/110)
6496 - حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيد عَن سُفْيَان عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ وَغَيره
عَن مُحَمَّد بْنِ سِيرِين عَن أَنَسِ بْنِ مَالك أَن أَمِيرا مِنَ الْأُمَرَاء
أَرَادَ أَن ينفلهُ مِنَ الْمغنم، قَالَ: أُخَمِّسُهُ قَالَ: لَا فَأبى أَن يقبل
مِنْهُ حَتَّى خَمَّسَهُ.
وَقَالَ سُلَيْمَان بْنُ مُوسَى: لَا نَفْلَ حَتَّى يُقْسَمَ الْخمس، وَقد روينَا عَن
رَجَاء بن حَيْوَة، وَعبادَة بن نسي، وعدي بن عدي، وَمَكْحُول،
وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، وَيزِيد بن أبي مَالك، وَيحيى بن جَابر أَنهم
قَالُوا: الْخمس من جملَة الْغَنِيمَة، وَالنَّفْل من بعد الْخمس، ثمَّ الْغَنِيمَة بَين
أهل الْعَسْكَر بعد ذَلِك، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يَقُول فِي سَائل: ينفل الإِمَام
بعد الْخمس.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَإِسْحَاق: يخرج الْخمس ثمَّ ينفل فِيمَا بَقِي وَلَا يُجَاوز
هَذَا، يبْعَث الإهام سَرِيَّة فَيَقُول: مَا أصبْتُم فلكم الربع أَو الثُّلُث بعد
الْخمس، وَقَالَ أَحْمد: إِنَّمَا يكون النَّفْل فِي الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس وَلَا يكون
فِي الْخمس الَّذِي يعْزل ثمَّ قَالَ: هَذَا خلاف قَول مَالك، وَقَول سُفْيَان
هم يَقُولُونَ: النَّفْل من جَمِيع الْغَنِيمَة وَهَذَا يضر بِأَهْل الْخمس نفل
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُث بعد الْخمس، وَالرّبع بعد الْخمس، الحَدِيث الَّذِي
يرويهِ أهل الشَّام.
وَقَالَ أَبُو عبيد: وَالنَّاس الْيَوْم فِي الْمغنم على هَذَا أَنه لَا نفل من جملَة الْغَنِيمَة حَتَّى(11/111)
يُخَمّس، وَإِنَّمَا جَازَ أَن يعْطى الأدلاء والرعاة من صلب الْغَنِيمَة قبل
الْخمس لحَاجَة أهل الْعَسْكَر إِلَى هذَيْن الصِّنْفَيْنِ فَصَارَ نفلهما عَاما عَلَيْهِم،
فَهُوَ من جَمِيع المَال، وَأما مَا سوى ذَلِك فَمَا نعلم أحدا نفل
من نفس الْغَنِيمَة قبل الْخمس إِلَّا مَا خص الله بِهِ نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ قد رُوِيَ
عَنهُ فِي ذَلِك شَيْء لَا يجوز لأحد بعده.
6497 - حَدثنَا عَليّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز عَن أَبِي عُبَيْدٍ حَدثنِي عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ مهْدي
عَن عِكْرِمَة بْنِ عَمَّارٍ عَن إِيَاس بْنِ سَلمَة بْنِ الْأَكْوَع عَن أَبِيه أَن
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطَاهُ سَهْمَ الْفَارِس وَالرَّاجِلِ وَهُوَ عَلَى رجلَيْهِ،
وَكَانَ اسْتَنْقَذَ لِقَاحَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «خَيْرُ فُرْسَانُنَا أَبُو قَتَادَة وَخير
رَجَّالَتِنَا سَلمَة» .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَن: قَالَ سُفْيَان: هَذَا خَاص لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6498 - حَدثنِي عَلِيٌّ عَن أَبى عُبَيْدٍ قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بْنُ جَعْفَر عَن
حُمَيْدٍ عَن أَنَسِ بْنِ مَالك قَالَ: قَسَمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِم حُنَيْنٍ
فَأعْطى الْأَقْرَع بْنَ حَابِس مائَة مِنَ الْإِبِل، وَأعْطى عُيَيْنَة بْنَ حِصْنٍ
مائَة مِنَ الْإِبِل، فَبلغ ذَلِك الْأَنْصَار فَذكر عَنْهُم فِي ذَلِك
كلَاما فِيهِ طُولٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " لهَذَا الحَدِيث عِنْدِي وَجْهَان أَحدهمَا أَن يَكُونَ فِعْلُهُ ذَلِك لَهُ خَاصّا
مِنْ جَمِيع الْغَنِيمَة، أَو تَكُونَ تِلْكَ الْعَطِيَّة كَانَت مِنَ الْخمس، هَذَا أَوْلَى(11/112)
الْأَمريْنِ بِهِ عِنْدِي "، وَذكر حَدِيث أَنَسٍ الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَن أَمِيرا مِنَ
الْأُمَرَاء أَرَادَ أَن ينفلهُ مِنَ الْمغنم.
وَقَالَت طَائِفَة: إِن شَاءَ الْأَمِير نفلهم قبل الْخمس وَإِن شَاءَ بعد الْخمس هَذَا
قَول النَّخعِيّ.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا تكون الْأَنْفَال إِلَّا فِي خمس الْخمس كَذَلِك قَالَ
سعيد بن الْمسيب، قَالَ مَالك: وَذَلِكَ رَأْي أَن النَّفْل من الْخمس.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا تكون الْأَنْفَال إِلَّا فِي أول الْمغنم، روينَا هَذَا
القَوْل عَن رَجَاء بن حَيْوَة، وعبَادَة بن نسي، وعدي بن عدي الْكِنْدِيّ،
وَمَكْحُول، وَسليمَان بن مُوسَى، وَيزِيد بن يزِيد بن جَابر،
وَيحيى بن جَابر، وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، وَيزِيد بن أَبى مَالك،
والتوكل بن اللَّيْث، وَابْن عتيبة، والمحاربي أَنهم يَقُولُونَ: لَا نفل إِلَّا
فِي أول الْمغنم.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا نفل فِي أول شَيْء يصاب من الْمَغَانِم، كَانَ الْأَوْزَاعِيّ
يَقُول: السنة عندنَا أَن لَا نفل فِي ذهب، وَلَا فضَّة، وَلَا لُؤْلُؤ،
وَلَا فِي أول غنيمَة، وَلَا سلب فِي يَوْم هزيمَة وَلَا فتح، وَقَالَ(11/113)
سُلَيْمَان بْنُ مُوسَى: لَا نَفْلَ فِي أول شَيْء يصاب من الْمَغَانِم، وَقد روينَا
عَن مَالك بن عبد الله الجثعمي أَنه كره أَن ينفل فِي أول مغنم، وَقيل
لِأَحْمَد بن حَنْبَل: لَا نفل فِي أول شَيْء يصاب من الْمَغَانِم؟ قَالَ: هَذَا لَا
أعرفهُ، النَّفْل يكون فِي كل شَيْء، قَالَ إِسْحَاق كَمَا قَالَ، وَسُئِلَ مَالك
عَن النَّفْل فِي أول الْمغنم قَالَ: ذَلِك على وَجه الِاجْتِهَاد من الإِمَام، لَيْسَ
فِي ذَلِك أَمر مَوْقُوف يَعْنِي عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِشَيْء ثَابت، وَسُئِلَ مَالك: هَل
ينفل بِأَكْثَرَ من الثُّلُث؟ قَالَ: لَيْسَ فِي ذَلِك وَقت، إِنَّمَا ذَلِك على وَجه
الِاجْتِهَاد، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: مَا نفل الإِمَام فَهُوَ جَائِز.
وَقَالَت طَائِفَة: لَا نفل فِي الْعين الْمَعْلُوم الذَّهَب وَالْفِضَّة
كَذَلِك قَالَ سُلَيْمَان بن مُوسَى، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَإِسْحَاق، وَسَعِيد بن عبد
الْعَزِيز، وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، وروى ذَلِك عَن مَكْحُول،
ورجاء بن حَيْوَة، وعدي بن عدي وَعبادَة بن نسي، وَقَالَ عَطاء
الخراساني: سَمِعت أهل الشَّام يَقُولُونَ: لَا نفل فِي ذهب وَلَا فضَّة.
6499 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ قَالَ: حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا
أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن مُحَمَّد بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيّ
عَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقاص قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْرٍ قَتَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ
وَأخذت سَيْفه، وَكَانَ يُسمى ذَا الكثيفة، فَجئْت بِهِ إِلَى النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقد قَتَلَ أَخِي عتبَة قَبْلَ ذَلِك، فَقَالَ لِي رَسُول اللَّهِ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْهُ
فِي الْقَبْض» قَالَ: فَرَجَعت وَبِي مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا اللَّهُ من قتل أخي، وَأخذ
سَلِي، فَمَا جَاوَزت إِلَّا قَرِيبا حَتَّى نَزَلَتْ سُورَة الْأَنْفَال، قَالَ: فَدَعَانِي(11/114)
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «اذْهَبْ فَخذ سَيْفك» .
قَالَ أَبُو بكر: يُقَال: أَن مُحَمَّد بن عبيد الله لم يلق سَعْدا، والمرسل لَا يجوز
الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقد احْتج بعض من أَبَاحَ النَّفْل لغير السَّرَايَا بِحَدِيث
عمر بن الْخطاب، قَالَ: إِنَّمَا يكون ذَلِك بعد الْخمس.
6500 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بْنُ أَبِي
الزِّنَاد عَن هِشَام بْنِ عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَت عَائِشَة: يَابْنَ أُخْتِي نَفَلَ
عُمَرُ بْنُ الْخطاب أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَن بْنَ أَبِي بَكْرٍ لَيْلَى وَكَانَت مِنْ سَبْيِ
دِمَشْقَ، فَرَأَيْتُهَا عِنْدِي مَا أَعُدُّ لَهَا قيمَة مِنْ جمَالهَا وَفَضْلِهَا
وَحُسْنِهَا.
قَالَ أَبُو بكر: وَاحْتج هَذَا الْقَائِل فِي إِبَاحَة النَّفْل لغير السَّرَايَا بِخَبَر معن.
6501 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ زَكَرِيَّا الْجَوْهَرِي حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدثنَا
أَبُو عوَانَة عَن عَاصِم بْنِ كُلَيْب قَالَ: حَدثنِي أَبُو الجورية قَالَ: أَصَبْتُ
جَرَّةً حَمْرَاء فِي إِمَارَة مُعَاوِيَة فِي أَرض الْعَدو، وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَاب
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَال لَهُ مَعْنُ بْنُ يزِيد فَأَتَيْته بهَا فَقَسمهَا بَين
النَّاس، فَأَعْطَانِي مِثْلَ مَا أعْطى رَجُلا مِنْهُم، ثمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَيْتُهُ يَفْعَلُ، سَمِعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «لَا نَفْلَ إِلَّا
مِنْ بَعْدِ الْخمس» ، إِذا لأعطينك ثمَّ أَخذ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نصِيبه فَأتيت
فَقلت: مَا أَنا بِأَحَق بِهِ مِنْك.(11/115)
ذكر طَالب السَّلب الْبَيِّنَة على أَنه الْقَاتِل الْمُسْتَحق للسلب
6502 - أخبرنَا مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أخبرنَا ابْن وَهْبٍ قَالَ: سَمِعت مَالِكًا
يَقُول: حَدثنِي يحيى بْنِ سَعِيدٍ عَن عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلح عَن أَبِي
مُحَمَّد مولى أبي قَتَادَة عَن أَبى قَتَادَة.
6503 - وَأخْبرنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أخبرنَا الشَّافِعِي قَالَ: أخبرنَا مَالك عَن
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَن عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلح عَن أَبِي مُحَمَّد مولى أَبى قَتَادَة
عَن أَبى قَتَادَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام حُنَيْنٍ فَلَمَّا
الْتَقَيْنَا كَانَت للْمُسلمين جَوْلَة، فَرَأَيْت رَجُلا مِنَ الْمُشْركين
قَدْ عَلا رجلا من السلمين، فَاسْتَدَرْتُهُ حَتَّى أَتَيْته مِنْ وَرَائه، فَضَرَبْتُهُ عَلَى
حَبل عَاتِقه ضَرْبَة، وَأَقْبل عَليّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً شَمَمْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْت،
ثمَّ أدْركهُ الْمَوْت فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخطاب فَقلت لَهُ: مَا بَال
النَّاس؟ فَقَالَ: أَمر اللَّهِ، ثمَّ إِن النَّاس رجعُوا فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلهُ سَلَبُهُ» ، فَقُمْت فَقلت مَنْ يشْهد لِي؟
ثمَّ جَلَست، ثمَّ قَالَهَا الثَّانِيَة، فَقُمْت فَقلت مَنْ يشْهد لِي؟ ثمَّ جَلَست،
ثمَّ قَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة» ، فَقُمْت فَقَالَ
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَة» ، فَاقْتَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الْقَوْم: صَدَقَ يَا رَسُول اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِك الرَّجُلِ الْقَتِيل عِنْدِي
، فَأَرْضِهِ يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا هاءَ اللَّهِ، إِذا لَا يَعْمِدُ(11/116)
إِلَى أَسد مِنْ أَسد اللَّهِ يُقَاتل عَن اللَّهِ فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ» قَالَ: فَأعْطَاهُ إِيَّاه، قَالَ أَبُو قَتَادَة: فَأَعْطَانِيهِ، فَبِعْت
الدرْع فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلمَة، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَال تأثَّلْتُه فِي
الْإِسْلَام، قَالَ مَالك: المخرفة النخيل.
وَقد اخْتلف أهل الْعلم فِي السَّلب يَدعِيهِ من يذكر أَنه قَاتل فَقَالَت طَائِفَة
من أَصْحَاب الحَدِيث: لَا يُعْطي إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ مُدع، واستدلت هَذِه
الطَّائِفَة بقول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة» قَالُوا: وَغير جَائِز
أَن يكون قَوْله: «لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة» ، لَا فَائِدَة مِنْهُ وَلَا يُعْطي
السَّلب إِلَّا من أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا على دَعْوَاهُ وَيحلف مَعَ شَاهده على
مَذْهَبنَا فِي الحكم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد فِي الْأَمْوَال، وَقَالَ اللَّيْث: لَهُ سلبه
إِذا علم ذَلِك وَلَيْسَ لَهُ من مَاله شَيْء سوى السَّلب الَّذِي عَلَيْهِ.
وَفِيه قَول ثَان: وَهُوَ أَن يعطاه إِذا قَالَ: أَنه قَتله وَلَا يسئل عَن ذَلِك بَيِّنَة، هَذَا قَول
الْأَوْزَاعِيّ، الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ.
ذكر الْخَبَر الدَّال على أَن الْقَاتِل يسْتَحق بالسلب قَتله مبارزاً
أَو غير مبارزاً
6504 - حَدثنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنَا أَسد بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدثنَا(11/117)
حَمَّاد بْنُ سَلمَة عَن إِسْحَاق بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَة عَن أَنَسِ بْنِ مَالك
أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلهُ سَلَبُهُ، وَقتل أَبُو طَلْحَة يومئذٍ
عشْرين رَجُلا وَأخذ أَسْلابَهُمْ»
6505 - وَحدثنَا عَليّ عَن أَبى عُبَيْدٍ قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن أَبِي مَالك
الْأَشْجَعِيّ عَن نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْد عَن ابْن سَمُرَة بْنِ جُنْدُب عَن أَبِيه
قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ فَلهُ السَّلب» .
6506 - حَدثنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ: حَدثنَا هِشَام بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد
قَالَ: حَدثنَا صَفْوَان عَن عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ جُبَير بْنِ نُفَيْرٍ عَن أَبِيه عَن
عَوْف قَالَ:
6507 - وَحدثنَا الْوَلِيد قَالَ: حَدثنِي ثَوْر بْنُ يزِيد عَن
خَالِد بْنِ مَعْدَانَ عَن جُبَير بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: حَدثنِي عَوْف
قَالَ: قُلْتُ لخَالِد بْنِ الْوَلِيد يَوْم مَوته: أَلَمْ تَعْلَمْ أَن رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَضَى بِالسَّلَبِ للْقَاتِل؟
قَالَ: بلَى.(11/118)
ذكر اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب
وَاخْتلفُوا فِي الحكم بالسلب للْقَاتِل فَقَالَت طَائِفَة بِظَاهِر الْأَخْبَار
الَّتِي ذَكرنَاهَا، قَالَت: وَفِي قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قتل كَافِرًا فَلهُ
سلبه» ، قولا عَاما مُطلقًا أبين الْبَيَان على أَن ذَلِك لكل من قتل
كَافِرًا فِي الْحَرْب وَغير الْحَرْب فِي الإقبال والإدبار هَارِبا أَو نذيرا
لأَصْحَابه على الْوُجُوه كلهَا، وَلَيْسَ لأحد أَن يخص من سنَن
رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئا بِرَأْيهِ وَلَا يَسْتَثْنِي من سنَنه إِلَّا بِسنة مثلهَا،
وَمن الْجِهَة الْبَيِّنَة مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ خبر سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَهُوَ
خبر لَيْسَ لمتأول مَعَه تَأْوِيل، وَذَلِكَ أَن سَلمَة قتل الْقَتِيل
وهُوَ مُوَلٍّ، هارب.
6508 - حَدثا مُحَمَّد بْنُ إِسْمَاعِيل الصَّائِغ قَالَ: حَدثنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاء
قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدثنَا إِيَاس أَن أَبَاهُ أخبرهُ
قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هوَازن، فجَاء رَجُلٌ عَلَى بَعِيرٍ
أَحْمَر فَأطلق حَقَبًا مِنْ حَقَبِ الْبَعِير فَقَيَّدَ بِهِ الْبَعِير، ثمَّ جَاءَ حَتَّى أَكَلَ
مَعَ الْقَوْم فَلَمَّا رأى ضعفهم ورِقّة ظهْرهمْ خَرَجَ إِلَى بَعِيرِهِ فَأَطْلقهُ
وَقعد عَلَيْهِ، وَهُوَ طَلِيعَة الْكفَّار فَرَكَضَهُ هَارِبا، فَخرج رَجُلٌ مِنْ
أَسْلَمَ عَلَى نَاقَة فَأتبعهُ، وَخرجت أَعْدُو فِي أَثَره، حَتَّى أَخَذْتُ
بِخِطَام الْجمل فَقلت لَهُ: أَخ فَمَا عَدَا أَن وَضَعَ رُكْبَتَهُ عَلَى الأَرْض
ضَرَبْتُ رَأسه، ثمَّ جِئْت براحلة أقودها عَلَيْهِ رَحْله
وَسَلَبُهُ، فَاسْتَقْبَلَنِي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاس يَقُولُونَ: مَنْ قَتله؟(11/119)
قَالُوا: سَلمَة بْنُ الْأَكْوَع، قَالَ: «بِهِ سِلَبُهُ أَجْمَعُ» .
قَالَ أَبُو بكر: فَهَذَا مقتول هارب غير مقبل وَقد حكم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لسَلمَة
بالسلب، وَفِيه دَلِيل على إغفال من قَالَ: لَا يكون السَّلب إِلَّا لمن قتل
مُشْركًا مُقبلا، إِذْ سَلمَة قَاتل قتيلٍ مُدبرا، وَيدل على إغفال من
قَالَ: أَن الَّذِي لَا يشك فِي أَن لَهُ سلب الْمُشرك وَالْحَرب قَائِمَة، لِأَن
سَلمَة قد حكم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بالسلب وَصَاحبه مُدبر غير مقبل وَقَتله
وَالْحَرب لسيت بقائمة، لِأَن الْمَقْتُول إِنَّمَا قتل مُنْفَردا فِي غير حَال الْحَرْب،
ليعلم أَن من سنة النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن من قتل قَتِيلا من الْعَدو على أَي جِهَة قَتله
بعد أَن لَا يكون للمقتول أَمَان أَن لَهُ سلبه، وَهَذَا قَول طَائِفَة من
أَصْحَاب الحَدِيث، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَاحْتج بِظَاهِر قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من
قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه» ، وبخبر سَلمَة هَذَا.
وَقَالَت طَائِفَة: إِنَّمَا يكون السَّلب لمن قتل وَالْحَرب قَائِمَة والمشرك مقبل هَذَا قَول
الشَّافِعِي، قَالَ الشَّافِعِي: " وَالَّذِي لَا شك فِيهِ أَن لَهُ سلب من قتل الَّذِي
يقتل الْمُشرك وَالْحَرب قَائِمَة وَالْمُشْرِكُونَ يُقَاتلُون، ولقتلهم هَكَذَا مُؤنَة
لَيست لَهُم إِذا انْهَزمُوا أَو انهزم الْمَقْتُول، وَلَا أرى أَن يعْطى السَّلب إِلَّا
من قتل مُشْركًا مُقبلا.
وَقَالَ أَحْمد فِي السَّلب للْقَاتِل: إِنَّمَا ذَلِك فِي المبارزة لَا يكون فِي الْهَزِيمَة.
قَالَ أَبُو بكر: السَّلب للْقَاتِل أذن الإِمَام فِي ذَلِك أَو لم يَأْذَن فِيهِ على
ظَاهر قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قتل كَافِرًا فَلهُ سلبه، وَذَلِكَ عَام لكل قَاتل(11/120)
قتل كَافِرًا من أهل الْحَرْب الَّذين لَا أَمَان لَهُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، كَسَائِر
السّنَن الَّتِي سنّهَا النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنَّاس، وَقد روينَا ذَلِك عَن سعد بن مَالك،
وَابْن عمر.
6509 - حَدثنَا عَليّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيز قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان
عَن الْأسود بن قيس عَن شبر بن عَلْقَمَة أَنه بارز رجلا يَوْم الْقَادِسِيَّة
فَقتله فَأخذ سلبه، فقوم اثني عشر ألفا فَأتى بِهِ سعد بن مَالك
فَقَالَ: خُذْهُ نفله إِيَّاه.
6510 - حَدثنَا مُحَمَّد بْنُ عَليّ حَدثنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا هُشَيْمٌ أخبرنَا
حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاة عَن نَافِع أَن ابْن عُمَرَ بَارَزَ رَجُلا يَوْم الْيَمَامَة فَقتله فَسلم
لَهُ سَلَبُهُ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِظَاهِر الحَدِيث أَن السَّلب للْقَاتِل اللَّيْث بن سعد، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَالشَّافِعِيّ،
وَأحمد بن حَنْبَل، وَأَبُو ثَوْر، وأَبُو عبيد، قَالَ أَحْمد، وأَبُو عبيد: قَالَه
الإِمَام أَو لم يقلهُ، وَهَكَذَا قَول الشَّافِعِي.
وَفِيه قَول سواهُ: وَهُوَ أَن لَا يكون ذَلِك لأحد إِلَّا بِإِذن الإِمَام، سُئِلَ مَالك عَن
رجل قتل رجلا يكون لَهُ سلبه بِغَيْر إِذن الإِمَام؟ قَالَ: لَا يكون
ذَلِك لأحد دون الإِمَام وَلَا يكون من الإِمَام إِلَّا على وَجه
الِاجْتِهَاد وَلم يبلغنَا أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "من قتل قَتِيلا فَلهُ
سلبه فِي غير يَوْم حنين، وَلَو أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سن ذَلِك فِي غير يَوْم
حنين أَو أَمر بِهِ كَانَ أمرا ثَابتا قَائِما لَيْسَ لأحد فِيهِ قَول، وَلَكِن لم يبلغنَا(11/121)
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد يَوْم حنين عمل بِهِ، فَكَانَ أَبُو بكر بعد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ
عمر فَلم يبلغنَا أَنه صنع ذَلِك.
قَالَ أَبُو بكر: وَقد عَارض الشَّافِعِي مَالِكًا فَقَالَ: أَرَأَيْت مَا روى عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْ أَنه أعْطى من حضر أَرْبَعَة أَخْمَاس الْقِسْمَة، لَو قَالَ قَائِل هَذَا من
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الِاجْتِهَاد، هَل كَانَت الْحجَّة عَلَيْهِ إِلَّا أَن يُقَال: أَن إِعْطَاء
النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْعَام وَالْحكم حَتَّى تَأتي دلَالَة عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَن قَوْله خَاص
فنتبع، فَأَما أَن يتحكم متحكم فيدعي أَن قَول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحدهمَا حكم
وَالْآخر اجْتِهَاد بِلَا دلَالَة، فَإِن جَازَ هَذَا خرجت السّنَن من أَيدي النَّاس،
قَالَ: وَلَو لم يقلهُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا يَوْم حنين، أَو فِي آخر غزَاة غَزَاهَا،
أَو أَولا، لَكَانَ أولى مَا أَخذ بِهِ.
وَحكى الشَّافِعِي عَن النُّعْمَان أَنه " قَالَ فِي الرجل يقتل الرجل وَيَأْخُذ سلبه: لَا يَنْبَغِي
للْإِمَام أَن ينفلهُ إِيَّاه لِأَنَّهُ صَار فِي الْغَنِيمَة، وَقَالَ يَعْقُوب: حَدثنَا
النُّعْمَان عَن حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ: إِذا نفل الإِمَام أَصْحَابه
فَقَالَ: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَمن أسر أَسِيرًا فَلهُ سلبه
فَهُوَ مُسْتَقِيم جَائِز وَهَذَا النَّفْل، وَأما إِذا لم ينفل الإِمَام شَيْئا من هَذَا
فَلَا نفل لأحدٍ دون أحد وَالْغنيمَة كلهَا من جَمِيع الْجند على مَا
وَقعت عَلَيْهِ المقاسم، وَهَذَا أوضح وَأبين من أَن يشك فِيهِ أحد
من أهل الْعلم ".
قَالَ أَبُو بكر: هَذَا أوضح فِي بَاب الْخَطَأ وَأبين من أَن يشك فِيهِ أحد لَهُ معرفَة
بأخبار رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقد ذكرنَا الْأَخْبَار فِي هَذَا الْبَاب فِيمَا مضى،
وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجَّة الله على الْأَوَّلين والآخرين من خلقه.(11/122)
وَكَانَ مَكْحُول يَقُول: إِذا التقى الزحفان فَلَا نفل إِنَّمَا النَّفْل قبل وَبعد، وَكَانَ نَافِع
مولى ابْن عمر يَقُول: إِذا قتل رجل من الْمُسلمين رجلا من الْكفَّار فَإِن
لَهُ سلبه إِلَّا أَن يكون فِي معمعة الْقِتَال أَو فِي زحف، فَإِنَّهُ لَا يدْرِي
أحد قتل أحدا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ، وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز،
وَأَبُو بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم: السَّلب للْقَاتِل مَا لم تشتد
الصُّفُوف بَعْضهَا على بعض، فَإِذا كَانَ ذَلِك فَلَا سلب لأحد،
وَذكر الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز،
وَأبي بكر بن عبد الله عَن مشيختهم أَنه لَا سلب فِي يَوْم هزيمَة الْعَدو،
وَإِذا طَلَبهمْ الْمُسلمُونَ، وَلَا سلب عِنْد ذَلِك.
ذكر النَّفر يضْربُونَ الرجل ضربات مختلفات
وَاخْتلفُوا فِي النَّفر يضْربُونَ الرجل ضربات مختلفات فَقَالَت
طَائِفَة: «إِذا ضرب أحدهم ضَرْبَة لَا يعاش من مثلهَا، أَو ضَرْبَة يكون
مُسْتَهْلكا من مثلهَا وَذَلِكَ مثل أَن يقطع يَدَيْهِ أَو رجلَيْهِ، ثمَّ يقْتله آخر،
أَن السَّلب لقاطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ، لِأَنَّهُ صيره فِي حَال لَا يمْنَع فِيهَا سلبه
وَلَا يمْتَنع من أَن يدفنه عَلَيْهِ، وَإِن ضربه وبقى مِنْهُ مَا يمْتَنع بِنَفسِهِ ثمَّ قَتله
بعده آخر، فالسلب للْآخر، إِنَّمَا يكون السَّلب للَّذي صيره بِحَال لَا يمْتَنع
فِيهَا» ، هَذَا قَول الشَّافِعِي.(11/123)
وَكَانَ مَكْحُولٌ، وَحَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ يَقُولَانِ: إِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَجَارَ عَلَيْهِ آخَرُ، فَسَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ، وَاحْتَجَّ حَرِيزٌ بِقِصَّةِ أَبِي جَهْلٍ، وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ قَضَى، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي مُبَارِزٍ عَانَقَ رَجُلًا، وَحَمَلَ عَلَيْهِ آخَرُ قَالَ: سَلَبُهُ لِلْمُعَانِقِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: سَلَبُهُ لِلْقَبَائِلِ اسْتِدْلَالًا بِمَا قَالَ فِي كِتَابِ جِرَاحِ الْعَمْدِ فِي الْقَاتِلِ، وَالْحَابِسِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ بَارَزَ رَجُلٌ رَجُلًا، فَاسْتَأْمَرَ الْعِلْجَ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ سَلَبِهِ شَيْءٌ، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ نَفَّلَهُ شَيْئًا مِنَ الْخُمُسِ(11/124)
ذِكْرُ خَبَرٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَانِ اشْتَرَكَا فِي قَتْلِ الرَّجُلِ أَنَّ الْخِيَارَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ يَجْعَلُ السَّلَبَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ(11/124)
6511 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ، فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي، وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ، غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمَّاهُ؟ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، فَعَجِبْتُ بِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ لِي [ص:125] مِثْلَهَا قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفِهِمَا، فَضَرَبَاهُ، حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ» ؟، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَكُمَا» ؟ قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» ، فَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْروَ بْنِ الْجَمُوحِ، وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ، وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ السَّلَبِ إِذَا انْفَرَدَ الْقَاتِلُ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِ، فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَكَا فِي قَتْلِهِ، فَالْخِيَارُ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ يَجْعَلُ السَّلَبَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَقَائِلُ هَذَا قَائِلٌ بِالْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا فِي مَوْضِعِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَهُ قَائِلٌ إِنْ صَحَّ خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا، فَإِنَّ فِي قَلْبِي مِنْ صِحَّتِهِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ، فَالنَّظَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ بَيْنَهُمَا إِذَا كَانَا قَاتِلَيْهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ [ص:126] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَهُ الْأَنْصَارِيَّانِ، وَأَزْمَنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ السَّلَبَ لِلَّذِي أَزْمَنَهُ دُونَ الْقَاتِلِ بَعْدُ، لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أَجَارَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَزْمَنَهُ الْأَنْصَارِيَّانِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، فَلَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَيْئًا(11/124)
ذِكْرُ خَبَرٍ رُوِيَ لَا أَحْسَبُهُ يُثْبَتُ أَنَّ سَلَبَ الْأَسِيرِ يَجِبُ لِمَنْ أَسَرَهُ(11/126)
6512 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَبْدٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى بِمَوْلًى فَلَهُ سَلَبُهُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ، لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ إِلَّا مَكْحُولًا، فَإِنَّا رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا سَلَبَ إِلَّا لِمَنْ قَتَلَ عِلْجًا، أَوْ أَسَرَهُ(11/126)
ذِكْرُ السَّلَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ(11/126)
6513 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ [ص:127] هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، بَارَزَ مَرْزَبَانَ الزَّأْرَةِ، فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ سِوَارَاهُ، وَمَنْلِقَتُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الْأَسْلَابَ، وَلَكِنْ سَلَبُ مَرْزَبَانَ مَالٌ، فَكَثَّرَهُ فَخَمَّسَهُ(11/126)
6514 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: كُنَّا بِالْقَادِسِيَّةِ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ السِّلَاحِ وَالْهَيْئَةِ، فَقَالَ: مُرْدٌ، وَمُرْدٌ، يَقُولُ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ، فَعَزَمْتُ عَلَى أَصْحَابِي أَنْ يُبَارِزُوهُ، فَأَبَوْا، وَكُنْتُ رَجُلًا قَصِيرًا قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَصَاحَ صَوْتًا، وَكَبَّرْتُ، وَهَدَرَ، وَكَبَّرْتُ قَالَ: فَاحْتَمَلَ بِي، فَضَرَبَ بِي قَالَ: وَيَمِيلُ فَرَسُهُ فَأَخَذْتُ خِنْجَرَهُ، فَوَثَبْتُ عَلَى صَدْرِهِ فَذَبَحْتُهُ قَالَ: وَأَخَذْتُ مِنْطَقَةً لَهُ وَسَيْفًا وَرَايَتَيْنِ، وَدِرْعًا، وَسِوَارَيْنِ، فَقُوِّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا قَالَ: فَأَتَيْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: فَرُحْ إِلَيَّ وَرُحْ بِالسَّلَبِ قَالَ: فَرُحْتُ إِلَيْهِ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: هَذَا سَلَبُ شِبْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، خُذْهُ هَنِيئًا مَرِيئًا، فَنَفَّلَنِيهِ كُلَّهُ(11/127)
6515 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَعْدِي كَرِبَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، وَهُوَ يُحَرِّضُ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُونُوا أَسَدًا أَسَدًا أَغْنَا شَاتَهُ، إِنَّمَا الْفَارِسِيُّ تَيْسٌ إِذَا أَلْقَى نَيْزَكَهُ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ بَوَّأَ لَهُ أُسْوَارٌ مِنْ أَسَاوِرَةِ فَارِسَ بِنُشَّابِهِ، [ص:128] فَقُلْنَا لَهُ: يَا أَبَا ثَوْرٍ إِنَّ هَذَا الْأُسْوَارَ قَدْ بَوَّأَ بِكَ بِنُشَّابِهِ، فَأَرْسَلَ الْآخَرُ بِنُشَّابَتِهِ، فَأَتَتْ سِيَّةَ قَوْسِ عَمْرٍو، فَطَعَنَهُ، فَدَقَّ صُلْبَهُ، فَصَرَعَهُ، وَنَزَلَ إِلَيْهِ، فَقَطَعَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ سِوَارَيْنِ كَانَا عَلَيْهِ، وَتُلْمُقًا مِنْ دِيبَاجٍ، وَمِنْطَقَةً، فَسَلَبَ ذَلِكَ لَهُ(11/127)
6516 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ بن أَنَسِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْأَلُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْأَنْفَالِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ مِنَ النَّفَلِ، وَالسَّلَبُ مِنَ النَّفَلِ وَكَانَ مَكْحُولٌ يَقُولُ: لِلْمُبَارِزِ الْمُقَاتِلِ سَلَبُ الْمَقْتُولِ: فَرَسُهُ بِسَرْجِهِ وَلِجَامِهِ، وَسَيْفُهُ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَدِرْعُهُ، وَبَيْضَتُهُ، وَسَاعِدَاهُ، وَسَاقَاهُ، وَرَانَاهُ بِمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، أَوْ جَوْهَرٍ، أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ طَوْقِهِ، وَسَوَارِيهِ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ، بِمَا فِيهَا مِنْ جَوْهَرٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَهُ فَرَسُهُ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ، وَسِلَاحُهُ، وَسَرْجُهُ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَقِرْطَاهُ، وَخَاتَمُهُ، وَمَا كَانَ فِي سَرْجِهِ وَسِلَاحِهِ مِنْ حِلْيَةٍ قَالَ: وَلَا يَكُونُ لَهُ الْهِمْيَانُ فَيهِ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ قَاتَلَهُ عَلَى فَرَسِهِ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ، فَقَاتَلَهُ، وَمَقُودُ فَرَسِهِ فِي يَدِهِ فَقَتَلَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسُهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَرَعَهُ هُوَ عَنْ فَرَسِهِ بِطَعْنَةٍ، أَوْ ضَرْبَةٍ فَيَكُونَ لَهُ إِذَا أَشْعَرَهُ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ، فَصُرِعَ، أَوْ نَزَلَ هُوَ عَنْ دَابَّتِهِ بَعْدَمَا أَشْعَرَهُ فَقَاتَلَهُ، فَقَتَلَهُ، كَانَتْ دَابَّتُهُ لَهُ مَعَ سَلَبِهِ، وَقَالَ: لَهُ تَاجٌ إِنْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: مَا كَانَ مَعَ الْعِلْجِ مِنْ دَنَانِيرَ، أَوْ ذَهَبٍ لَيْسَ مِمَّا يَتَزَيَّنُ بِهِ لِحَرْبِهِ، وَفِي مِنْطَقَتِهِ نَفَقَةٌ، أَوْ كُمِّهِ، أَوْ نُكْتَهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، هُوَ مَغْنَمٌ بَيْنَ الْجَيْشِ. [ص:129] وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَالسَّلَبُ الَّذِي يَكُونُ لِلْقَاتِلِ كُلُّ ثَوْبٍ عَلَيْهِ، وَكُلُّ سَلَاحٍ عَلَيْهِ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَفَرَسُهُ، إِنْ كَانَ رَاكِبَهُ، أَوْ مُمْسِكَهُ، فَإِنْ كَانَ مُنْفَلِتًا مِنْهُ، أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا سَلَبُهُ مَا أَخَذَ مِنْ يَدَيْهِ، أَوْ مَا عَلَى بَدَنِهِ، أَوْ تَحْتَ بَدَنِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي سَلَبِهِ أَسْوَارُ ذَهَبٍ، أَوْ خَاتَمٌ، أَوْ تَاجٌ، أَوْ مِنْطَقَةٌ فِيهَا نَفَقَةٌ، فَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا مِمَّا عَلَيْهِ مِنْ سَلَبِهِ كَانَ مَذْهَبًا، وَلَوْ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ عِدَّةِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا لَهُ سَلَبُ الْمَقْتُولِ الَّذِي هُوَ سِلَاحٌ كَانَ وَجْهًا، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَلَا يُخَمِّسُ السَّلَبِ. وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ فِي الْمِنْطَقَةِ فِيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، هُوَ مِنَ السَّلَبِ، وَقَالَ: الْفَرَسُ لَيْسَ مِنْ سَلَبِهِ، وَسُئِلَ عَنِ السَّيْفِ مِنَ السَّلَبِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَقِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: أَيَسْلُبُوا قَتْلَاهُمْ، حَتَّى يُتْرَكُوا عُرَاةً؟ فَقَالَ: أَنْقَذَ اللهُ عَوْرَتَهُمْ، وَلَوْ تُرِكَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ كَانَ أَحْسَنَ، وَكَرِهَ الثَّوْرِيُّ أَنْ يُتْرَكُوا عُرَاةً. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الَّذِي قَالَهُ الثَّوْرِيُّ أَحْسَنُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَاتِلِ يَكْتُمُ السَّلَبَ خَوْفًا أَنْ لَا يُعْطِيَهُ الْإِمَامُ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَا يَأْخُذُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْخُذَهُ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، كَمَا يَأْخُذُ سَائِرَ حُقُوقِهِ الَّذِي لَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهِ أَقُولُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْأَجِيرِ الَّذِي اسْتُؤْجِرَ لِلْخِدْمَةِ: إِنْ بَارَزَ فَقَتَلَ صَاحِبَهُ فَلَهُ [ص:130] سَلَبُهُ، وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَتَلَ قَبْلَ الْفَتْحِ، إِنَّ لَهُ السَّلَبَ مَا كَانَ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلْجِ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَيَسْتَأْخِرُ لَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ، فَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَهُ سَلَبُهُ إِذَا كَانَ قَدْ بَارَزَهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ لَهُ سَلَبُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ حَدَّدَ إِلَيْهِ بِسِلَاحٍ وَإِنْ أَسَرَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ سَلَبُهُ، قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: سَلَبُهُ لِلَّذِي اعْتَنَقَهُ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَسَرَ رَجُلًا عِلْجًا، ثَمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَتَلَهُ قَالَ: لَا يَكُونُ السَّلَبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ أَسَرَ رَجُلًا عِلْجًا، ثُمَّ أَتَى بِهِ إِلَى الْإِمَامِ، فَقَتَلَهُ الْإِمَامُ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سَلَبُهُ، قِيلَ لَهُ: فَرَجُلٌ حَمَلَ عَلَى فَارِسٍ فَقَتَلَهُ، فَإِذَا هُوَ امْرَأَةٌ قَالَ: إِنْ كَانَتْ حَدَّدَتْ لَهُ بِسِلَاحٍ فَإِنَّ لَهُ سَلَبَهَا، وَالْغُلَامُ كَذَلِكَ إِذَا قَاتَلَ فَقُتِلَ كَانَ سَلَبُهُ لِمَنْ قَتَلَهُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا يُبَارِزُ الْعَبْدُ إِلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، فَإِنْ بَارَزَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، فَقَتَلَ صَاحِبَهُ لَمْ يُنَفَّلْ سَلَبَهُ، وَيُرْضَخُ لَهُ مِنْهُ(11/128)
ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَنْفَالِ مُخْتَصَرَةً تَدُلُّ عَلَى مَعَانِيهَا الْأَخْبَارُ الَّتِي أَنَا ذَاكِرُهَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى(11/130)
6517 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا قِبَلَ نَجْدٍ كُنْتُ فِيهِمْ، فَبَلَغَتْ سُهْمَانُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، اثْنَيْ عَشَرَ [ص:131] بَعِيرًا، وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا، ثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا(11/130)
6518 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّ مَكْحُولًا، حَدَّثَهُ عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُ بِالثُّلُثِ(11/131)
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُفَسِّرَةِ لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ النَّفَلَ الَّذِي أُجْمِلَ ذِكْرُهُ فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، إِنَّمَا هُوَ نَقَلُ السَّرَايَا(11/131)
6519 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، وَرِجَالٌ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَغَنِمُوا إِبِلًا كَثِيرَةً، فَكَانَ سُمْهَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا(11/131)
6520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَبْنَا [ص:132] نَعَمًا كَثِيرًا، فَنَفَّلَنَا بَعِيرًا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهْمَانَنَا، فَأَصَابَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، سِوَى الْبَعِيرِ الَّذِي نَفَّلَ، فَمَا عَابَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعْنَا، وَلَا عَلَى الَّذِي أَعْطَانَا(11/131)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي نَفَلِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ الَّتِي بَعَثَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ نُفِّلُوا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أُعْطُوا مَا لَهُمْ مِمَّا أَصَابُوا عَلَى أَنَّهُمْ نُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا، وَالنَّفَلُ هُوَ شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ، وَقَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفَلَ مِنَ الْخُمُسِ، كَمَا قَالَ، وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللهُ كَمَا يَصْنَعُ بِسَائِرِ مَالِهِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ، وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ، وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَفَّلَ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يُنَفِّلْ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: وَهَذَا النَّفَلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ السِّهَامِ، لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخُمُسِ، ثُمَّ جَاءَ مُفَسَّرًا مُسَمًّى بَيِّنًا، وَذَكَرَ حَدِيثَ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا نَفَلَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ» . وَذَكَرَ أَخْبَارًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمَتِ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُمُسِ، وَاسْتَجَازُوا صَرْفَهُ عَنِ الْأَصْنَافِ الْمُسَمَّاةِ فِي التَّنْزِيلِ إِلَى غَيْرِهِمْ، إِذَا كَانَ(11/132)
هَذَا خَيْرًا لِلْإِسْلَامِ، وَأَهْلِهِ وَأَرَدَّ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ عَامَّتُهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَفْقَرُ، وَلَهُمْ أَصْلَحُ مِنْ أَنْ يُفَرَّقَ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ الرُّخْصَةُ فِي النَّفَلِ مِنَ الْخُمُسِ وَقَالَ: أَمَّا مُعْظَمُ الْآثَارِ وَالسُّنَنِ فَعَلَى أَنَّ الْخُمُسَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْإِمَامِ يُنَفِّلُ مِنْهُ إِنْ شَاءَ، وَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنْكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا احْتِجَاجَ أَبِي عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَالِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ» ، وَقَالَ: لَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ خُمُسِ الْخُمُسِ، فَقَوْلُهُ: «وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» يُرِيدُ فَخُمُسُهُ الَّذِي هُوَ لَهُ، فَكَانَ يُنَفِّلُ مِنْهُ، وَيَحْمِلُ مِنْهُ الرَّجُلُ، ثُمَّ الرَّجُلُ، يَعْنِي الْمُنْقَطِعَ بِهِ قَالَ: وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ: إِنَّ هَذَا النَّفَلُ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْخُمُسِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سِوَى هَذَا، أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ النَّفَلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ السَّرَايَا فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّفَلُ كَانَ مِنْ جُلَّةِ الْقِسْمَةِ قَالَ: فَهَذَا يَعْنِي حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمِيرَهُمْ قَدْ كَانَ نَفَّلَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ(11/133)
قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ غَنِيمَتَهُمْ، بَعْدَ أَنْ خَمَّسَهَا، وَأَمْضَى لَهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ أَمِيرُهُمْ قَالَ: غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ جَاءَ بِهِ مَالِكٌ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، وَغَيْرُهُمَا، فَلَمْ يَجِيئُوا بِهِ كَمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الرَّسُولِ وَهُوَ خَمْسُ الْخُمُسِ، وَقَالَ: قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ: مَا كَانُوا يُنَفَّلُونَ إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ خَطَأٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَفَّلَ السَّرَايَا الرُّبُعَ، إِذِ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ وَقَدْ نَفَّلَ السَّلَبَ الْقَاتِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ: كَانُوا لَا يُنَفِّلُونَ الْمَسَاكِينَ الَّذِينَ لَا يَحْضُرُونَ الْقِتَالَ، إِلَّا مِنَ الْخُمُسِ فَيَكُونَ لَهُ وَجْهًا إِنْ كَانَ أَرَادَ ذَلِكَ. قَالَ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِنَا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّفَلِ الَّذِي فِي خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّمَا هُوَ نَفَلُ السَّرَايَا، كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُهُمْ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ، أَيْ مِنَ الثُّلُثِ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةَ، أَوِ الرُّبُعِ الَّذِي كَانَ يُنَفِّلُ فِي الْقُفُولِ، وَاحْتَجَّ بِشَيْءٍ رَوَاهُ(11/134)
6521 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةَ النَّفَلِ سِوَى قَسْمِ الْعَامَّةِ مِنَ الْجَيْشِ، وَالْخُمُسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاجِبٌ قَالَ: فَخُبِّرَ بِأَنَّهُ كَانَ يُنَفِّلُ السَّرَايَا الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الْجَيْشِ الَّذِي يُشْرِكْهُمُ الْجَيْشُ فِي بَعْضِ الْغَنِيمَةِ لَا السَّرِيَّةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنَ الْمُدُنِ وَيُقِيمُ الْإِمَامُ مَعَ الْجَيْشِ فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا حَقَّ لِلْإِمَامِ مَعَ الْجَيْشِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ(11/134)
ذِكْرُ قَدْرِ النَّفَلِ لِلسَّرَايَا الَّذِي لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْبَدْأَةِ وَالْقُفُولِ، وَتَفْضِيلِ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ(11/135)
6522 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنَفِّلُ مَبْدَأَهُ الرُّبُعَ، وَإِذَا قَفَلَ الثُّلُثَ(11/135)
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يُنَفِّلُهُمْ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ وَفِي الْقُفُولِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ(11/135)
6523 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعُبَيْدُ اللهِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ التَّيْمِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ الرُّبُعَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْقَوْمُ فِي الْبَدْأَةِ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ(11/135)
6524 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جَارِيَةَ، عَنْ [ص:136] حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَّلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا فَرَّقَ الْبَدْأَةَ وَالْقُفُولَ، حَيْثُ فَضَّلَ إِحْدَى السَّرِيَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِقُوَّةِ الظَّهْرِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ، وَضَعْفِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ أَنْشَطُ، وَأَشْهَى لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَانِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَأَنَّهُمْ وَهُمْ عِنْدَ الْقُفُولِ لِضَعْفِ دَوَابِّهِمْ، وَأَبْدَانِهِمْ فَهُمْ أَشْهَى لِلرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، وَأَهَالِيهِمْ لِطُولِ عَهْدِهِمْ بِأَهَالِيهِمْ، وَأَوْطَانِهِمْ، وَحُبِّهِمْ لِلرُّجُوعِ إِلَيْهَا، فَيُقَالُ: إِنَّهُ زَادَهُمْ فَجَعَلَ لَهُمُ الثُّلُثَ فِي الْقُفُولِ لِهَذِهِ الْعِلَلِ، وَاللهُ أَعْلَمُ(11/135)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِمَامِ يُنَفِّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ، وَإِذَا قَفَلَ الثُّلُثَ، فَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَ الْإِمَامُ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانَ الْإِمَامُ يُنَفِّلُ السَّرِيَّةَ الثُّلُثَ، أَوِ الرُّبُعَ يَضْرِبُهُمْ، أَوْ يُحَرِّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَالَ مَكْحُولٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُنَفِّلُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَإِنْ نَفَّلَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الرُّبُعِ فِي الْبَدْأَةِ، وَالثُّلُثِ فِي الرَّجْعَةِ فَعَمِلُوا عَلَيْهِ قَالَ: فَلْيَفِ لَهُمْ بِهِ، وَلْيَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنَ الْخُمُسِ(11/136)
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَقَدْ رَوَى بَعْضُ الشَّامِيِّينَ فِي النَّفَلِ فِي الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ الثُّلُثَ فِي وَاحِدَةٍ، وَالرُّبُعَ فِي الْأُخْرَى، وَرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَفَّلَ نِصْفَ السُّدُسِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِلنَّفَلِ حَدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ الْإِمَامُ، وَأَكْثَرُ مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنْفَالٌ، فَإِذَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاجْتِهَادِ غَيْرَ مَحْدُودٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: وَقَدْ نَفَّلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فِي الْبَدْأَةِ، وَالرُّجُوعِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَفَّلَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا، بَعِيرًا، وَإِنَّمَا النَّفَلُ قَبْلَ الْخُمُسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ كَرَاهِيَةَ مَالِكٍ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ قَاتَلَ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَكَذَا، أَوْ مَنْ قَتَلَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَ بِرَأْسِهِ، فَلَهُ كَذَا، أَوْ بَعْضَ سَرِيَّةٍ فِي وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَقَالَ: مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَلَكُمْ نِصْفَهُ، كَرِهَ أَنْ يُقَاتِلَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُجْعَلَ لَهُ وَيَسْفِكَ دَمَ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ هَذَا. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي أَمِيرٍ أَغَارَ فَقَالَ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ مَالٌ هُوَ كَمَا قَالَ: وَقَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا يُغْرِيهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا نَفَّلَ الْإِمَامُ فَهُوَ جَائِزٌ(11/137)
6525 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرٍ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ، كَانُوا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَدِيجٍ فِي غَزْوَةٍ [ص:138] بِالْمَغْرِبِ، فَنَفَّلَ النَّاسَ، وَمَعَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرُ حُبَابِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ(11/137)
6526 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيَّ، قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْمِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ الشَّامَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ، وَلَكَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَشَيْءٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، فَلَوْلَا الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَاتِلَ السَّلَبَ، وَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ كَافِرًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» ، مَا جَازَ أَنْ يُعْطَى الْقَاتِلُ السَّلَبَ، فَالسَّلَبُ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ الْآيَةِ يَكُونُ لِلْقَاتِلِ مِنْ حَقِّهِ الْغَنِيمَةُ قَبْلَ الْخُمُسِ، وَالطَّعَامُ مُبَاحٌ أَكْلُهُ مِنْ طَعَامِ الْعَدُوِّ لِلْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ، وَالْعَلَفُ فِي مَعْنَاهُ، ثُمَّ يُخْرِجُ الْإِمَامُ مَا لَا غِنًى بِالْجَيْشِ عَنْهُ لِحِمْلَانِ النَّبِيِّ، وَالْغَنَائِمِ وَأُجْرَةِ الرُّعَاةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كُلٌّ مُسْتَثْنًى بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَبْوَابِ فِيمَا مَضَى ذِكْرُهُ مِنَ الْحُجَجِ، ثُمَّ لِلْإِمَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّلَ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، لَا يَزِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ زَادَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا. وَلَوْلَا الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى إِبَاحَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، لَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُبِيحَ مَا أَبَاحَتِ الْأَخْبَارُ، وَيَقِفُ عَنْ إِجَازَةِ مَا لَا تَدُلُّ الْأَخْبَارُ عَلَى إِجَازَتِهِ، لِأَنَّ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ [ص:139] رَدُّهُ إِلَى قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. وَلَوْ أَعْطَى إِمَامٌ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةَ أَحَدًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا، وَلَمْ يَطَبْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ أُعْطِيَهُ، بَلْ عَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى جُمْلَةِ الْغَنَائِمِ، إِنْ لَمْ يَكُنِ اسْتَهْلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ، فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ، إِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ قِيمَةٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِمَّنْ لَا يُوصَلُ إِلَى أَخْذِ الشَّيْءِ مِنْهُ، وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ غُرْمُهُ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدُّوا الْخِيَاطَ، وَالْمَخِيطَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(11/138)
ذِكْرُ الْعَطَايَا الَّتِي أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَنَائِمِ هَوَزَانَ(11/139)
6527 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُيَيْنَةَ، وَالْأَقْرَعَ، وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فِي آخَرِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: سُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَهُمْ يَذْهَبُونَ بِالْمَغْنَمِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ لَهُ، حَتَّى فَاضَتْ قَالَ: «أَفِيكُمْ غَيْرُكُمْ؟» قَالُوا: لَا، إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا قَالَ: «فَإِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» ، ثُمَّ قَالَ: «قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا» ، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «أَنْتُمُ الشِّعَارُ، وَالنَّاسُ الدِّثَارُ، أَمَا تَرْضَوْنَ يَذْهَبُ النَّاسُ بِالشَّاءِ، وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دِيَارَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى [ص:140] قَالَ: " الْأَنْصَارُ كَرِشِي، وَعَيْبَتِي، لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَهُمْ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ(11/139)
6528 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عَدْلٌ فِيهَا، وَلَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللهِ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ الرَّجُلُ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَانَ كَالصُّوفِ، ثُمَّ قَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» ، فَقُلْتُ: لَا جَرَمَ لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَ هَذَا حَدِيثًا أَبَدًا(11/140)
6529 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَاسًا، مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَ هَوَزَانَ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ يُعْطِي قُرَيْشًا، وَتَرَكْنَا [ص:141] وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ آدَمَ، لَمْ يَدَعْ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ» ، قَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ، فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالُوا قَالَ: «إِنَّمَا أُعْطِي رِجَالًا حُدَثَاءَ عَهْدٍ أُبَالِغُهُمْ» ، أَوْ قَالَ: «أَسْتَأْلِفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَوَاللهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» ، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوَا اللهَ وَرَسُولَهُ، وَإِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا(11/140)
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُفَسِّرَةِ لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْطَى تِلْكَ الْعَطَايَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْخُمُسِ، لَا مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ(11/141)
6530 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي [ص:142] عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ، وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمُ الْمَقَالَةُ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ وَاللهِ رَسُولُ اللهِ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَّمْتَ فِي قَوْمِكَ، فَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ: «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي قَالَ: «فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ» قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ، فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ، فَرَدَّهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ، وَوَجْدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا، فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي، وَعَالَةً، فَأَغْنَاكُمُ اللهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» ؟ قَالُوا: بَلَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ قَالَ: «أَلَا تُجِيبُونِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟» قَالُوا: وَمَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ؟ قَالَ: «أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ، وَلَصَدَقْتُمْ، وَلَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، [ص:143] وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، أَنْ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ» قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفَرَّقُوا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ
6531 - أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا فَرَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَطَايَا الَّتِي أَعْطَى النَّاسَ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ مِنْ تِلْكَ الْخَوَّاصِ شَيْئًا، فَتَكَلَّمَتِ الْأَنْصَارُ، وَقَدِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا مِمَّنْ قَالَ: بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْخُمُسِ بِقَوْلِهِ: «لَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ»(11/141)
6532 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، بَيْنَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَهُ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَوَقَفَ، فَقَالَ: «رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، أَتَخْشَوْنَ عَليَّ الْبُخْلَ، [ص:144] فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا» وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ، إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ» وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا حِينَ اسْتَوْهَبَهُ رَجُلٌ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ، فَقَالَ: «أَمَّا نَصِيبِي، وَنُصِيبُ بَنِي هَاشِمٍ فَلَكَ» ، فَفِي هَذَا بَيَانٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعَطَايَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الْخُمُسِ، وَدَلَّ حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ(11/143)
6533 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَزَانَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ، وَقَدْ نَزَلَ بِنَا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: «اخْتَارُوا مِنْ نِسَائِكُمْ، وَأَبْنَائِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ» ، فَقَالُوا: خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا، وَأَمْوَالِنَا، بَلْ نَخْتَارُ نِسَاءَنَا، وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ» ، وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: أَمَّا مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: أَمَّا مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ، فَلَا فَقَالَ [ص:145] الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا، وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا، فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: كَذَبْتَ بَلْ هُوَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ رُدُّوا عَلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَإِنَّ لَهُ بِهِ عَلَيْنَا بِسِتَّةِ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يُفِيئُهُ اللهُ عَلَيْنَا» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَطَايَا الَّتِي أَعْطَاهَا الْقَوْمَ مِنْ حِصَّتِهِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَطَابَ أَنْفَسَ الْقَوْمِ فِيمَا صَارَ لَهُمْ مِنَ السَّبْيِ، وَعَوَّضَ مَنْ تَمَسَّكَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعْطِيَ مِمَّا هُوَ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ إِلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِ أَصْحَابِهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي السَّبْيِ(11/144)
كِتَابُ قَسْمِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ(11/146)
ذِكْرُ قَسْمِ الْغَنَائِمِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُهُمْ، وَحَازَهَا بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ(11/146)
6534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانَ الْمُقْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا» ، فَأَمَّا الْمَشْيَخَةُ، فَثَبَتُوا تَحْتَ الرَّيَاتِ، وَأَمَّا الشُّبَّانُ فَتَسَارَعُوا إِلَى الْقَتْلِ وَالْغَنَائِمِ قَالَ: قَالَتِ الْمَشْيَخَةُ لِلشُّبَّانِ: أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا لَكُمْ رِدْأً، وَلَوْ كَانَ مِنْكُمْ شَيْئًا لَجَأْتُمْ إِلَيْنَا، فَأَبَوْا وَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] الْآيَةَ، وَقَسَمَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ بِالتَّسْوِيَةِ(11/146)
6535 - حَدَّثَنَا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالَ،: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ [ص:147] مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، فَلَقِيَ الْعَدُوَّ، فَلَمَّا هَزَمَهُمُ اللهُ اتَّبَعْتُهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُونَهُمْ، وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَوْلَتْ طَائِفَةٌ يَعْنِي بِالْعَسْكَرِ وَالنَّهْبِ، فَلَمَّا أَنْفَا اللهُ الْعَدُوَّ، وَرَجَعَ الَّذِينَ طَلَبُوهُمْ، قَالُوا: لَنَا النَّفَلُ نَحْنُ طَلَبْنَا الْعَدُوَّ، وَبِنَا نَفَاهُمُ اللهُ وَهَرَّبَهُمْ، وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ مِنَّا، بَلْ هُوَ لَنَا نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنَالُ الْعَدُوُّ مِنْ غِرَّةٍ، وَقَالَ الَّذِينَ اسْتَوْلَوْا عَلَى الْعَسْكَرِ وَالنَّهْبِ: وَاللهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقَّ مِنَّا، نَحْنُ حَوَيْنَاهُ، وَاسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأَنْفَالِ: 1] ، قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الْآيَةَ قَسَمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ عَنْ فُوَاقٍ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُهُمْ إِذَا خَرَجُوا نَاوِينَ الرُّبُعَ، وَيُنَفِّلُهُمْ إِذَا قَفَلُوا الثُّلُثَ قَالَ: وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ بَعِيرٍ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ، فَأَدُّوا الْخِيَاطَ، وَالْمَخِيطَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُولَ، فَإِنَّهُ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(11/146)
ذِكْرُ جَيْشٍ يَلْحَقُهُمْ نَاسٌ لَمْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ(11/148)
6536 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّ عَنْبَسَةَ بْنَ سَعِيدٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَانَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، فَقَدِمَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَصْحَابُهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا، وَأَنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ لِيفٌ، فَقَالَ أَبَانُ: اقْسِمْ لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا تَقْسِمْ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبَانُ: أَنْتَ بِهَا يَا وَبْرُ، تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَالٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اجْلِسْ يَا أَبَانُ، وَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(11/148)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْجَيْشِ يَلْحَقُ جَيْشًا قَدْ غَنِمُوا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ لَحِقَ بِجَيْشٍ قَدْ غَنِمُوا غَنَائِمَ، فَجَاؤُهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْحَرْبِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا سَهْمَ لَهُمْ، وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إِنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ(11/148)
6537 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ، كَتَبَ إِلَى عَمَّارٍ أَنَّ الْغَنِيمَةِ، لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: لَا أَرَى أَنْ يُقْسَمَ، إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجَيْشِ يَدْخُلُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَغَنِمُوا غَنِيمَةً، ثُمَّ يَلْحَقُهُمْ جَيْشٌ آخَرُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجُوا بِهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مَدَدًا لَهُمْ وَلَمْ يَلْقَوْا عَدُوًّا حَتَّى خَرَجُوا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ: إِنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِيهَا، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ بِخَبَرٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ أَنِ اقْسِمْ لِمَنْ جَاءَ مَا لَمْ يَتَفَقَّأْ يَعْنِي مَا لَمْ تَتَفَطَّرْ بُطُونُ الْقَتْلَى، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ، لِأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ لَمْ يَلْقَهُ. وَاحْتَجَّ بِشَيْءٍ رَوَاهُ الْحَكَمُ مُنْقَطِعٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنَّمَا قَدِمُوا بَعْدَمَا فُتِحَتْ [ص:150] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ يَحُوطُ هَذَا الْقَوْلَ، بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَسْهَمَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ غَنِيمَةِ بَدْرٍ، وَهُوَ غَائِبٌ، وَجَبَ أَنْ يُسْهِمَ لِلْجَيْشِ الَّذِينَ لَحِقُوا بِالْآخَرِينَ، وَأَمْرُ عُثْمَانَ لَا يُشْبِهُ جَيْشًا يَلْحَقُ جَيْشًا قَبْلَ أَنْ يَقْسِمُوا الْأَمْوَالَ بَعْدَمَا غَنِمُوا، وَحَازُوا الْغَنَائِمَ وَذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَدْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدِينَةِ يُمَرِّضُ ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تُوُفِّيَتْ، فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ بَايَعَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ كَمَنْ شَهِدَ مَعَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُ عُثْمَانَ(11/149)
6538 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقِ عَنْ عُثْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: إِنِّي تَخَلَّفْتُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنِّي كُنْتُ أُمَرِّضُ رُقَيَّةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَاتَتْ، وَضَرَبَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِي، وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمِهِ، فَقَدْ شَهِدَ(11/150)
6539 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَبَايَعَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللهِ، وَحَاجَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ [ص:151] عَلَى الْأُخْرَى، فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ خَيْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمْرُ عُثْمَانَ لَيْسَ مِمَّا ذَكَرُوهُ بِسَبِيلٍ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ بِأَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمًا بِالْمَدِينَةِ، وَهُمْ لَا يَجْعَلُونَ لِلْمُقِيمِ بِالْمُدُنِ نَصِيبًا فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَيْسَ الْجَيْشُ الَّذِينَ لَحِقُوا الْجَيْشَ مُقِيمُونَ، وَلَا يُشْبِهُ أَمْرُهُمْ أَمْرَ عُثْمَانَ، وَكَذَلِكَ لَمَّا خَرَجَ لِحَاجَةِ اللهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ، وَغَابَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فِيمَا فِيهِ صَلَاحُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْقَوْمُ يَلْحَقُونَ الْجَيْشَ خَارِجُونَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَاللهُ أَعْلَمُ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَلَوْ غَزَتْ جَمَاعَةٌ بَاغِيَةٌ مَعَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ شَرَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي سَرِيَّةٍ خَرَجَتْ فَأَخْطَأَ بَعْضٌ الطَّرِيقَ، وَلَقِيَ بَعْضُهُمُ الْعَدُوَّ، فَأَصَابُوا غَنِيمَةً قَالَ: تُقْسَمُ فِيهِمْ جَمِيعًا(11/150)
ذِكْرُ رَدِّ السَّرَايَا مَا تَغْنَمُ عَلَى الْعَسْكَرِ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «وَتُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ» .(11/151)
6540 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: «وَالْمُسْلِمُونَ يَدٌ [ص:152] عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَتُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَعْنَى رَدِّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدَتِهِمْ بَعْدَمَا تَقْبِضُ السَّرِيَّةُ، مَا جَعَلَ لَهَا، وَخَصَّ بِهَا مِنَ النَّفَلِ فِي الْبَدْأَةِ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، إِذَا جَعَلَ الْإِمَامُ لَهُمْ ذَلِكَ، اسْتِدْلَالًا بِخَبَرِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا تُصِيبُ السَّرَايَا، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ أَوِ الْقَائِدُ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَأَقَامَ بِمَكَانٍ وَبَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ سَرَايَا فِي وُجُوهٍ شَتَّى، فَأَصَابَتِ السَّرَايَا مَغْنَمًا أَنَّ مَا أَصَابَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَسْكَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ الْعَسْكَرُ شَيْئًا، شَرَكَهُمْ مَنْ خَرَجَ فِي السَّرِيَّةِ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ رِدْءٌ لِصَاحِبِهِ، أَوْ لِأَصْحَابِهِ، فَفِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ: تُرَدُّ السَّرَايَا عَلَى الْعَسْكَرِ، وَالْعَسْكَرُ عَلَى السَّرَايَا، وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: إِذَا أَصَابَتِ السَّرِيَّةُ الْغَنِيمَةَ، وَخَلَفَهُمُ الْجَيْشُ رَدُّوا عَلَى الْجَيْشِ، لِأَنَّهُمْ رِدْءٌ لَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ [ص:153] وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: إِذَا خَرَجَتِ السَّرِيَّةُ بِإِذْنِ الْأَمِيرِ، فَمَا أَصَابُوا مِنْ شَيْءٍ خَمَّسَهُ الْإِمَامُ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِتِلْكَ السَّرِيَّةِ، وَإِذَا خَرَجُوا بِغَيْرِ إِذْنِهِ خَمَّسَهُ الْإِمَامُ، وَكَانَ مَا بَقِيَ بَيْنَ الْجَيْشِ كُلِّهِمْ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِي الْإِمَامِ يَبْعَثُ السَّرِيَّةَ فَيُصِيبُوا الْمَغْنَمَ، إِنْ شَاءَ الْإِمَامُ خَمَّسَهُ، وَإِنْ شَاءَ نَفَّلَهُمْ كُلَّهُ(11/151)
ذِكْرُ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ مِنَ السِّهَامِ قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. فَأَعْلَمَ اللهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابِهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ مُسْتَحِقِّي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا، فَتَوَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمَ ذَلِكَ وَبَيَانَ مِقْدَارِ مَا يَسْتَحِقُّ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ مِنْهُ، فَأَثْبَتَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ(11/153)
6541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ [ص:154] رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهُمَ لِرَجُلٍ وَفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، لِلرَّجُلِ سَهْمٍ، وَلِلْفَرَسِ سَهْمَانِ(11/153)
6542 - وَأَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ»(11/154)
6543 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا(11/154)
6544 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ كَثِيرٍ، مَوْلَى ابْنِ مَخْزُومٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ(11/154)
6545 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ الْأَقْمَرِ الْوَادِعِيِّ، عَنْ مُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو الْوَادِعِيِّ، وَكَانَ، عُمَرُ بَعَثَهُ عَلَى خَيْلٍ بِالشَّامِ، ثُمَّ أَنَّ الْمُنْذِرَ قَسَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَر: قَدْ أَحْسَنْتَ(11/155)
6546 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، وَفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، أَنَّهُمَا كَانَ مَعَ عَلِيٍّ فِي مَغْزًى لَهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرَسَانِ وَعَبْدٌ، فَأَسْهَمَ لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا، وَلَمْ يُسْهِمْ لِلْعَبِيدِ شَيْئًا(11/155)
6547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُدَيْجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ فَرَضَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَمَكْحُولٌ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، وَهَذَا قَوْلُ عَوَامِّ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَيَعْقُوبُ، وَمُحَمَّدٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ خَالَفَ [ص:156] ذَلِكَ، وَلَا عَدَلَ عَنِ الْقَوْلِ بِمَا يُثَبِّتُ بِهِ الْأَخْبَارَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، إِلَّا النُّعْمَانَ فَإِنَّهُ خَالَفَ كُلَّ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ: لَا يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ إِلَّا سَهْمًا وَاحِدًا، وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ مَهْجُورًا مُخَالِفًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ مَنْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا مَا حَكَى أَبُو يُوسُفَ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى مُسْلِمٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ مَحْجُوجًا بِخِلَافِهِ، كَانَ قَوْلُهُ: لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى مُسْلِمٍ خَطَأً مِنْ جِهَتَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ إِنَّمَا أُعْطِيَ بِسَبَبِ الْفَرَسِ سَهْمَيْنِ كَانَ مُفَضِّلًا لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ، إِذْ كَانَ إِنَّمَا يُعْطِي الْمُسْلِمَ سَهْمًا انْبَغَى لَهُ أَنْ لَا يُسَوِّيَ الْبَهِيمَةَ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا يُقَرِّبَهَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ هَذَا كَلَامًا عَرَبِيًّا، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَ الْفَارِسَ سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَانِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ، لِأَنَّ اللهَ نَدَبَ إِلَى اتِّخَاذِ الْخَيْلِ، فَقَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] الْآيَةَ، وَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَصَفْنَا، فَإِنَّمَا سَهْمَا الْفَرَسِ لِرَاكِبِهِ لَا لِلْفَرَسِ، وَالْفَرَسُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، إِنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ بِغِذَاءِ الْفَرَسِ، وَالْمُؤْتَةِ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَا مَلَّكَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(11/155)
ذِكْرُ الْفَرَسَيْنِ يَكُونَانِ مَعَ الْفَارِسِ الْوَاحِدِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَ مَعَهُ بِأَفْرَاسٍ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، وَأَنَّ سَهْمَهُ وَسَهْمَ فَرَسٍ وَاحِدٍ يَجِبُ وَاخْتَلَفُوا فِي إِعْطَاءِ الْفَارِسَيْنِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَهْمِ فَرَسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، لَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسٍ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالنُّعْمَانُ، وَيَعْقُوبُ، وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُسْهَمُ لِلْفَرَسيْنِ لَا يُسْهَمُ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ فِيمَا مَضَى. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ: أُسْهِمَ لِي وَلِهَانِئِ بْنِ هَانِئٍ فِي إِمَارَةِ سَعِيدِ بْنِ عُثْمَانَ لِفَرَسَيْنِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ، وَلِهَانِئِ بْنِ هَانِئٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: لَا يُسْهَمُ إِلَّا لِفَرَسَيْنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ يَقُولُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ سَهْمَ فَرَسٍ وَاحِدٍ يَجِبُ مَعَ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْجَبَ ذَلِكَ،(11/157)
وَجَبَ اتِّبَاعُ ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ بِهِ، إِذْ مَعَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ سُنَّةٌ وَإِجْمَاعٌ وَيَجِبُ الْوُقُوفُ عَلَى أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقَاتِلًا أَبَدًا فِي حَالٍ إِلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ، جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، وَصَارَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُسْهَمَ لِمَنْ مَعَهُ الْخَيْلُ الْكَثِيرَةُ عَلَى قَدْرِ خَيْلِهِ، وَمَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُ ذَلِكَ. وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ رَأَى أَنْ يُسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ تُكِلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ(11/158)
6548 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الزُّبَيْرَ، حَضَرَ بِأَفْرَاسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِفَرَسَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْخَبَرِ(11/158)
6549 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ الزُّبَيْرَ، وَافَى، بِأَفْرَاسٍ فَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ مُعَارِضٌ لِلْخَبَرِ قَبْلَهُ، وَلَوْ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي هَذَا لَمْ يَقُمْ بِالْحَدِيثِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ تُكِلَّمَ فِي حِفْظِهِ
6550 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُهُ [ص:159]
6551 - وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمْدَانُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الْعُمَرِيِّ، كَيْفَ حَدِيثُهُ؟ فَضَعَّفَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ خَبَرٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَجَبَ الْقَوْلُ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: إِنْ أَدْرَبَ الرَّجُلُ بِأَفْرَاسٍ كَانَ لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَانِ، قُلْتُ: وَإِنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَفْرَاسٌ: فُرْسَانِ، فَهُوَ كَقَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ قَوْلٌ شَاذُّ، لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ(11/158)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ جَمْعِ الْإِمَامِ لِلرَّاجِلِ سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ إِذَا وَصَلَ إِلَى فَتْحٍ بِفَنَائِهِ وَقُوَّتِهِ(11/159)
6552 - حَدَّثَنَا الصَّائِغٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَارُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ صَدْرًا مِنَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ: اتَّبَعْتُ [ص:160] الْقَوْمَ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، حَتَّى أَحْرَزْتُ الظَّهْرَ الَّذِي أَخَذُوا، وَأَحْرَزْتُ مِنْ سَلَبِهِمْ سِوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا، وَثَلَاثِينَ بُرْدَةً قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ جَمِيعًا(11/159)
ذِكْرُ الْهُجْنِ وَالْبَرَاذِينِ وَالْإِسْهَامِ لَهَا أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَ أَوْ حَضَرَ الْقِتَالَ عَلَى الْعِرَابِ مِنَ الْخَيْلِ، أَنَّ سَهْمَ فَارِسٍ يَجِبُ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يُقَاتِلُ عَلَى الْهُجْنِ وَالْبَرَاذِينِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْبَرَاذِينُ وَالْمَقَارِيفُ يُسْهَمُ لَهَا سُهْمَانَ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّهَا تُغْنِي غِنَاءَهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ، وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لَهَا، قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] الْآيَةَ وَقَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] ، فَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الْخَيْلَ وَالْبَرَاذِينَ سَوَاءٌ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْبَرَاذِينَ أَنَّهَا مِنَ الْخَيْلِ، فَاسْهِمْ لَهَا، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] الْآيَةَ وَأَنَّهَا مِنَ الْخَيْلِ،(11/160)
وَلَعَمْرِي مَا صَاحِبُ الْعَرَبِيِّ بِأَعْفَا مِنْ صَاحِبِ الْمُقْرِفِ، فِيمَا كَانَ مِنْ مُسَلَّحَةٍ، أَوْ حَرَسٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْبَرَاذِينَ وَالْهُجْنِ: مَا أَرَاهَا إِلَّا مِنَ الْخَيْلِ، إِذَا أَجَازَهَا الْوَالِي، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْبَرَاذِينُ وَالْهُجْنُ سَوَاءٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَحَبُّ الْأَقَاوِيلِ إِلَيَّ: أَنَّ الْبَرَاذِينَ، وَالْمَقَارِيفَ يُسْهَمُ لَهَا سُهْمَانَ الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّهُ تُغْنِي غِنَاءَهَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ، وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لَهَا، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِي الْهَجِينِ كَذَلِكَ، وَقَالَ النُّعْمَانُ: سَهْمُ الْفَارِسِ وَالْبِرْذَوْنِ سَوَاءٌ، وَقَالَ يَعْقُوبُ فِي الْهَجِينِ كَذَلِكَ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ، فَلَا يُدْخِلُ إِلَّا شَدِيدًا، وَلَا يُدْخِلُ حَطِمًا، وَلَا قَحْمًا ضَعِيفًا، وَلَا ضَرَعًا، وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا، فَإِنْ غَفَلَ فَشَهِدَ رَجُلًا عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ، فَقَدْ قِيلَ: لَا يُسْهِمُ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا مِنَ الْخَيْلِ الَّتِي أَسْهَمَ لَهَا، وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ فِيمَا مَضَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ كَمَا أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلَمْ يُقَاتِلْ كَانَتْ شُبْهَةً، وَلَكِنْ فِي الْحَاضِرِ غَيْرُ الْمُقَاتِلِ الْعَوْنُ فِي الرَّأْيِ وَالدُّعَاءِ، وَأَنَّ الْجَيْشَ قَدْ يُنْصَرُونَ بِأَضْعَفِهِمْ، وَأَنَّهُ قَدْ لَا يُقَاتِلُ ثُمَّ يُقَاتِلُ وَفِيهِمْ مَرَضٌ، فَأَعْطَى سَهْمَهُ سُنَّةً، وَلَيْسَتْ فِي فَرَسٍ ضَرَعٌ، وَلَا قَحْمٌ وَاحِدٌ مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي(11/161)
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يُسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِلْبِرْذَوْنِ سَهْمٌ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ سَهْمِ الْبِرْذَوْنِ؟ قَالَ: سَهْمٌ وَاحِدٌ، قِيلَ: مَعَهُ الْبِرْذَوْنُ؟ قَالَ: يُسْهَمُ لِلْاثْنَيْنِ(11/162)
6553 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ، إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، أَوْ قَالَ: عَنِ ابْنِ الْأَقْمَرِ، قَالَ: أَغَارَتِ الْخَيْلُ بِالشَّامِ، فَأَدْرَكَتِ الْعِرَابَ فِي يَوْمِهَا، وَأَدْرَكَتِ الْكَوَادِنَ مِنْ ضُحَى الْغَدِ، وَعَلَى الْخَيْلِ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ يُقَالُ لَهُ: الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حِمْصَةَ، فَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمَا مِثْلَ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ، فَفَضَّلَ الْخَيْلَ، فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: هَبَلَتِ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ، لَقَدْ أَذْكَتْ بِهِ، أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يُسْهِمَ لِلْبَرَاذِينَ كَذَلِكَ، قَالَ مَكْحُولٌ قَالَ: لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِلْمُقْرِفِ سَهْمٌ، وَلَيْسَ لِلْبِغَالِ وَالْبَرَاذِينَ شَيْءٌ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ بِإِسْهَامِ الْخَيْلِ سَهْمَانِ سِوَى سَهْمِ صَاحِبِهِ، وَيُسْهِمُ مَا شُبِّهَ بِالْعِرَابِ مِنَ الْهُجْنِ سَهْمَيْنِ، وَمَا شُبِّهَ بِالْهُجْنِ مِنَ الْمَقَارِيفِ سَهْمًا، وَيَتْرُكُ الْبَرَاذِينَ وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ غَزَا عَلَى بَغْلٍ، أَوْ حِمَارٍ، أَوْ بَعِيرٍ فَلَهُ سَهْمُ الرَّاجِلِ، وَمِمَّنْ نَحْفَظُ عَنْهُ ذَلِكَ [ص:163] الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ ذَلِكَ(11/162)
ذِكْرُ غُزَاةِ الْبَحْرِ يَكُونُ مَعَهُمُ الْخَيْلُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِسْهَامِ لِلْخَيْلِ فِي فَتْحِ الْحُصُونِ الَّتِي لَا تُقَاتِلُ عَلَيْهَا إِلَّا رَاجِلٌ وَفِي غُزَاةِ الْبَحْرِ يَكُونُ مَعَ بَعْضِهِمُ الْخَيْلُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي غُزَاةِ الْبَحْرِ: إِذَا كَانَ مَعَ بَعْضِهِمُ الْخَيْلُ أُسْهِمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَ فَارِسٍ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمَ الرَّاجِلِ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو، عَنْ إِسهامِ الْخَيْلِ مِنْ غَنَائِمِ الْحُصُونِ؟ فَقَالَ: كَانَتِ الْوُلَاةُ قَبْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْوَلِيدُ، وَسُلَيْمَانُ لَا يُسْهِمُونَ الْخَيْلَ مِنَ الْحُصُونِ، وَيَجْعَلُونَ النَّاسَ كُلَّهُمْ رَجَّالَةً، حَتَّى وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِإِسْهَامِهَا مِنْ فَتْحِ الْحُصُونِ وَالْمَدَائِنِ(11/163)
ذِكْرُ الدَّابَّةِ تَمُوتُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَيْشِ أَرْضَ الْعَدُوِّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى يَغْنَمَ النَّاسُ وَيَحُوزُوا الْغَنَائِمَ، ثُمَّ تَمُوتُ الدَّابَّةُ، أَنَّ صَاحِبَهَا مُسْتَحِقٌّ لِسَهْمِ الْفَارِسِ(11/163)
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَاتَتْ دَابَّتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِهِمْ أَرْضَ الْعَدُوِّ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا يُسْهَمُ لِلرَّجُلِ سَهْمَ الْفَارِسِ إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ فَارِسًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ، فَأَمَّا إِذَا دَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ فَارِسًا، فَمَاتَتْ قَبْلَ الْقِتَالِ، وَقَبْلَ الْغَنَائِمِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ سَهْمَ فَارِسٍ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: فِيمَنْ جَاوَزَ الدَّرْبَ، ثُمَّ مَاتَ فَرَسهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ، الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، قَالَ إِسْحَاقُ: كُلَّمَا لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ، فَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُقَاتِلُ فِيهِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي رَجُلٍ جَاوَزَ الدَّرْبَ، وَبَاعَ فَرَسهُ مِنْ رَاجِلٍ، ثُمَّ غَنِمَ الْقَوْمُ أَنَّ سَهْمَ الْفَارِسِ لِمَنِ اشْتَرَى الْفَرَسَ، وَقَالَ: هَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، إِنَّمَا أَخْطَأَ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا: إِذَا جَاوَزَ الدَّرْبَ فَبَاعَ فَرَسهُ، أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ يَكُونُ لَهُ، وَهُوَ جَهْلٌ بَيِّنٌ، وَحَكَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو فِي رَجُلٍ دَخَلَ دَارِ الْحَرْبِ بِفَرَسٍ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ رَاجِلًا، وَقَدْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ قَبْلَ شِرَائِهِ وَبَعْدَهُ قَالَ: سَهْمُ الْفَرَسِ مِمَّا غَنِمُوا قَبْلَ الشِّرَاءِ لِلْبَائِعِ، وَمِمَّا غَنِمُوا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَسَهْمُهُ لِلْمُشْتَرِي، قِيلَ لِأَبِي عَمْرٍو: فَإِنْ ذَلِكَ أُشْبِهَ عَلَى صَاحِبِ الْمُقْسِمِ؟ قَالَ: يُقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا أَجَابَ بِهِ أَبُو عَمْرٍو فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، إِلَّا قَوْلَهُ: إِذَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ الْمُقْسِمِ، فَإِنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِ، أَنْ يُوَقِّتَ مَا أَشْبَهَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، حَتَّى يَصْطَلِحَا وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الدِّيوَانِ رَاجِلًا، أَوْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ غَازِيًا رَاجِلًا، ثُمَّ ابْتَاعَ فَرَسًا، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ وَأُحْرِزَتِ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ فَارِسٌ أَنَّهُ(11/164)
لَا يُضْرَبُ لَهُ إِلَّا سَهْمُ رَاجِلٍ وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ فِيمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِفَرَسٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَقَدْ غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ قَبْلَ شِرَائِهِ وَبَعْدَهُ، كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ(11/165)
ذِكْرُ مَوْتِ الرَّجُلِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ دُخُولِ بِلَادِ الْعَدُوِّ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ الْقِسْمَةُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ وَمَاتَ بَعْدَ أَنْ تُحَازَ الْغَنِيمَةُ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ، وَأُعْطِيَ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَفِي قَوْلِهِمَا: إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِتَالِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ لَهُ إِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِتَالِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الرَّجُلِ يُقَاتِلُ فِي الْغَزْوِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ، أَتَرَى أَنْ يُعْطَى سَهْمَهُ مِمَّا غَنِمُوا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَمَا الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: فَلَوْ لَمْ يَفْتَحُوا إِلَّا بَعْدَ يَوْمٍ، أَتَرَى أَنْ يُعْطَى؟ قَالَ: نَعَمْ، وَحَكَى الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَخْرُجُ فِي الْغَزْوِ فَيَمُوتُ أَيُقْسَمُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: لَا أَرَى الْقَسْمَ إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا يُدَرَّبُ فَاضِلًا فِي سَبِيلِ اللهِ أُسْهِمَ لَهُ، هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنْكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ عَلَى الْكُوفِيِّ قَوْلَهُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الدِّيوَانِ رَاجِلًا، أَوْ دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ غَازِيًا رَاجِلًا ثُمَّ ابْتَاعَ فَرَسًا فَقَاتَلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمِ رَاجِلٍ، وَدَخَلَ فِي مِثْلِهِ، حَيْثُ جَعَلَ لِلْمَيِّتِ الَّذِي(11/165)
مَاتَ، أَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا يُدَرَّبُ فَاضِلًا فِي سَبِيلِ اللهِ سَهْمَهُ، لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَقْتِ الْقِتَالِ فَيَحْكُمَ بِالسَّهْمِ لِمَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا، فَلَيْسَ لِمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِتَالِ شَيْءٌ، أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ مَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَعْدَمَا يُدَرَّبُ فَاضِلًا فِي سَبِيلِ اللهِ يُسْهَمُ لَهُ، فَلْيَقُلْ مِثْلَهُ فِيمَنْ أَدْرَبَ رَاجِلًا، وَاشْتَرَى فَرَسًا، فَقَاتَلَ عَلَيْهِ، أَنْ يُعْطَى سَهْمَ رَاجِلٍ، لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ حَيْثُ أَوْجَبَ لِمَنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بَعْدَ أَنْ أُدْرِبَ سَهْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدِ الْقِتَالَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ غَزَا رَجُلٌ بِفَرَسٍ، فَمَاتَ بَعْدَمَا قُطِعَ الدَّرْبُ، وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ غَنِيمَةً قَالَ: سَهْمُ نَفْسِهِ لِوَرَثَتِهِ، وَلَا يُسْهَمُ فَرَسهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا لَا يَنْقَاسُ، لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ مَنْ حَضَرَ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى سَهْمَ فَارِسٍ، أَوْ يَكُونَ فِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ، فَلَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ، وَأَمَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: هُوَ فِي مَعْنَى مَنْ حَضَرَ حَيْثُ يُعْطَى سَهْمَ رَاجِلٍ، وَفِي مَعْنَى مَنْ لَمْ يَحْضُرْ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَى سَهْمَ فَارِسٍ فَهَذَا عِنْدِي الِاخْتِلَافُ مِنَ الْقَوْلِ، وَلَا أَعْلَمُ مَعَ قَائِلِهِ حُجَّةً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْ مَاتَ بَعْدَمَا أَصَابُوا الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَحُوزَ الْمُسْلِمُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُسْهَمْ لَهُ، وَلَا لِوَرَثَتِهِ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ أَحْرَزَ الْمُسْلِمُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لِوَرَثَتِهِ سَهْمُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقُولُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ مَلَّكَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ غَنَائِمَ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَأَجَلَّهُ لَهُمْ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] ، الْآيَةَ، فَإِذَا غَنِمَ قَوْمٌ(11/166)
غَنِيمَةً، فَقَدْ مَلَكُوا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا، وَالْخُمُسُ لِمَنْ ذَكَرَ اللهُ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَلَيْسَ بِتَأْخِيرِهِمْ أَنْ يَقْسِمُوا مَا قَدْ مَلَكُوهُ عَلَى الْعَدُوِّ مِمَّا يَجِبُ إِنْ زَالَ بِهِ مِلْكُ مَالِكٍ عَمَّا مَلَكَهُ، وَلَمَّا قَالَ مُخَالِفُنَا: إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقَسْمَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ عِنْدَهُمْ، أَنْ يُؤَخَّرَ ذَلِكَ، حَتَّى يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ قَبَضَ سَهْمَهُ مِمَّا غَنِمَ، فَإِنَّمَا قَبَضَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ، لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ فِي حَيَاتِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، مَعَ أَنَّ أَحْكَامَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ جَارِيَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَدَارِ الْإِسْلَامِ، دَارُ الْحَرْبِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمًا عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ، وَلَا يُزِيلُ أَمْلَاكَ النَّاسِ(11/167)
مَسْأَلَةٌ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: إِذَا أَدْخُلَ فَرَسًا كَسِيرًا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يُرْكَبُ، أَوْ يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْغَنَائِمِ، فَلَا يُسْهَمُ لِصَاحِبِهِ سَهْمَ فَارِسٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ، وَلَا يُدْخِلُ إِلَّا شَدِيدًا، وَلَا يُدْخِلُ حَطِمًا، وَلَا قَحْمًا ضَعِيفًا، وَأَعْجَفًا رَازِحًا، فَإِنْ غَفَلَ فَشَهِدَ رَجُلٌ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ، فَقَدْ قِيلَ لَا سَهْمَ لَهُ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: يُسْهَمُ لِلْفَرَسِ كَانَتْ شُبْهَةً(11/167)
مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مَرِيضًا، أَوْ كَانَ صَحِيحًا مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ، أَوْ مِمَّنْ يُقَاتِلُ فَلَمْ يُقَاتِلْ، فَلَهُ سَهْمُ الْمُقَاتِلِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: كُلُّ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ يُسْهَمُ لَهُ(11/168)
ذِكْرُ التُّجَّارِ يَحْضُرُونَ الْقِتَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِذَا حَضَرَ التَّاجِرُ الْقِتَالَ، قَاتَلَ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ وَجَبَ سَهْمُهُ كَسَائِرِ الْجَيْشِ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَذَلِكَ إِلَّا الْقَدِيدِيِّينَ، قُلْتُ: وَمَا الْقَدِيدِيُّونَ؟ قَالَ: السِّفَارُ، وَالْبَيْطَارُ، وَالْحَدَّادُ، وَنَحْوُهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْهَمُ لَهُ إِذَا قَاتَلَ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّاجِرِ يَكُونُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُسْلِمُ وَيَلْحَقَانِ جَمِيعًا بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَمَا يُصِيبُوا الْغَنِيمَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَاحْتَجَّتْ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالنُّعْمَانِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُسْهَمُ لَهُمَا، الشَّافِعِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: مَنْ لَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ الْغَنَائِمُ أُسْهِمَ لَهُ(11/168)
ذِكْرُ الْأَجِيرِ يَحْضُرُ الْوَقْعَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَجِيرِ يَحْضُرُ الْحَرْبَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُسْهَمُ لَهُ كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى خِدْمَةِ الْقَوْمِ لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: لَا يُسْهَمُ لَهُ، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ إِنْ قَاتَلَ، وَلَا يُسْهَمَ لَهُ إِنِ اشْتَغَلَ بِالْخِدْمَةِ، وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُقْسَمُ لَهُ إِذَا غَزَا وَقَاتَلَ، وَيَدْفَعُ عَنْ مَنِ اسْتَأْجَرَ بِقَدْرِ مَا شُغِلَ عَنْهُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ إِذَا شَهِدَ، وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا قَاتَلَ الْأَجِيرُ فَسَهْمُهُ ثَابِتٌ، اسْتِدْلَالًا بِخَبَرِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ خَبَرُ سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ تَابِعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ(11/169)
6554 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ البَّاوَرْدِي، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ حَدَثٌ، فَكُنْتُ تَبِيعًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ أَخْدُمُهُ، وَآكُلُ مَعَهُ مِنْ طَعَامِهِ، وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَلَمَّا كَانَ الْغَلَسُ إِذَا نَحْنُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، قَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَاقَ السَّرْحَ، ثُمَّ نَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي يَا صَاحِبَاهُ، ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ، حَتَّى أَحْرَزْتُ الظَّهْرَ الَّذِي أَحْرَزُوا كُلَّهُ، وَأَحْرَزْتُ مِنْ سَلَبِهِمْ سِوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا، [ص:170] وَثَلَاثِينَ بُرْدَةً يَطْرَحُونَهَا، لَا أَضُمُّ مِنْهَا شَيْئًا، إِلَّا جَعَلْتُهُ عَلَى طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ، وَجَعَلْتُ عَلَيْهِ حِجَارَةً عَلَامَةً لِيَعْرِفُوا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: قَالَ: وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الْفَارِسِ، وَسَهْمَ الرَّاجِلِ جَمِيعًا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(11/169)
ذِكْرُ اكْتِرَاءِ الدَّابَّةِ غَزَاةً إِلَى أَنْ رَجَعَ النَّاسُ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّابَّةَ الْغَزَاةَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، فَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ فِي الَّذِي يُكْرِي دَابَّتَهُ إِلَى الضَّائِعَةِ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَتَى يَنْصَرِفُونَ، فَقَالَ: قَدْ عُرِفَ وَجْهُ ذَلِكَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: يُسَمِّي لَهُ حِينَ يُؤَجِّرُهُ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، فَإِنْ زَادَتْ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا أَحْدَثَ النَّاسُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكْتَرِيَ شَهْرًا بِكَذَا، فَمَا زَادَ يَوْمٌ بِكَذَا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إِلَّا عَلَى مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ، فَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّتَهُ غَزَاةً بِكَذَا دِينَارٍ، فَأَدْرَكَ قَبْلَ الرُّكُوبِ فَسَخَ ذَلِكَ، وَإِنْ رَكِبَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، فِيمَا رَكِبَ(11/170)
مَسْأَلَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ فَرَسهُ عَلَى شَطْرِ مَا يُصِيبُ عَلَيْهِ، [ص:171] فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ، وَمِمَّنْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الرَّجُلِ يُعْطِي فَرَسهُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ: أَرْجُو أَلَّا يَكُونَ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الرَّجُلِ يَدْفَعُ فَرَسهُ، أَوْ بَغْلَهُ إِلَى الرَّجُلِ يَغْزُو، وَيَشْتَرِطُ النِّصْفَ مِمَّا يُصِيبُ فِي غَزَاتِهِ مِنْ بَغْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مَا دَامَتِ الدَّابَّةُ مَعَهُ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هَذَا حَدَثٌ وَأَرَاهُ جَائِزًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَفْعُ الْفَرَسِ عَلَى شَطْرِ مَا يُصِيبُ عَلَيْهِ فَاسِدٌ، فَإِنْ أَصَابَ الْفَارِسُ شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ وَيُعْطِي صَاحِبَ الْفَرَسِ أَجْرَ مِثْلِهِ فِيمَا رَكِبَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَغْزُو لِيَأْخُذَ جُعْلًا، فَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِيهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَرْكُهَا أَفْضَلُ(11/170)
6555 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ الْعَيْزَارِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْجَعَائِلِ،؟ فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ لِأَرْتَشِيَ، إِلَّا مَا رَشَانِي اللهُ قَالَ: وَسَأَلْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: تَرْكُهَا أَفْضَلُ، وَإِنْ أَخَذْتَهَا فَأَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ(11/171)
6556 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ الْقَاعِدُ يَتْبَعُ الْغَازِيَ، فَأَمَّا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ غَزْوَهُ، فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ [ص:172] وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا أَخَذَهُ الرَّجُلُ بِنِيَّةٍ يَتَقَوَّى بِهِ فَلَا بَأْسَ، وَكَانَ مَسْرُوقٌ يَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهِ إِذَا خَرَجَ الْبَعْثَ، وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ يَجْعَلُ الْقَاعِدُ لِلْخَارِجِ، وَقَالَ مَرَّةً: أَهْلُ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا، فَيَخْرُجُ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا بَأْسَ إِذَا أَحَسَّ الْمُوسِرُ مِنْ نَفْسِهِ جُبْنًا أَنْ يَجْعَلَ لِرَجُلٍ جُعْلًا فَيَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ، رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ(11/171)
6557 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، وَيُونُسُ، وَهِشَامٌ، وَمُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، سُئِلَ عَنِ الْجَعَائِلِ فِي الْعَطَاءِ، يَجْعَلُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ الْجُعْلَ لِيَغْزُوَ عَنْهُ، فَكَرِهَهُ قَالَ: أَرَى الْغَازِيَ يَبِيعُ غَزْوَةً، وَأَرَى هَذَا يَفِرُّ مِنْ غَزْوَةٍ وَرُوِّينَا مِنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَأَلَ شُرَيْحًا عَنِ الْجُعَلِ؟ فَقَالَ: يَأْخُذُ كَثِيرًا وَيُعْطِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، يَجْعَلُهُ لِرَجُلٍ قَالَ: أَفَيَرِيبُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَغْزُوَ بِجُعْلٍ مِنْ مَالِ رَجُلٍ، وَإِنْ غَزَا بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَرُدَّ الْجُعَلَ، وَإِنَّمَا أَجَزْتُ لَهُ هَذَا مِنَ السُّلْطَانِ، أَنَّهُ يَغْزُو بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ حَبْسُهُ فِي حَالٍ، قُلْتُ فِيهَا عِلَّةُ الرُّجُوعِ إِلَّا فِي حَالِ الِاسْتِجْعَالِ، أَوْ فِي حَالٍ ثَانِيَةٍ أَنْ يَكُونَ يَخَافُ بِرُجُوعِهِ وَرُجُوعِ مَنْ هُوَ فِي حَالِهِ أَنْ يَكْثُرُوا وَأَنْ يُصِيبَ الْمُسْلِمِينَ خَلَّةٌ لِخُرُوجِهِمْ يَعْظُمُ الْخَوْفُ فِيهَا عَلَيْهِمْ، فَيَكُونُ لَهُ حَبْسُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَلَا يَكُونُ لَهُمُ الرُّجُوعُ [ص:173] عَلَيْهَا، فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الْحَالُ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُخَلِّيَهُمْ وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلًا ثَالِثًا(11/172)
6558 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ الْأَعْجَمِ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ يَخْرُجُ عَلَيْنَا الْبَعْثُ فِي الْجَعَائِلِ، فَتَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ عَنْ وَاحِدِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِي كُرَاعٍ، أَوْ سِلَاحٍ، فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ جَعَلَهَا فِي عَبْدٍ، أَوْ أَمَةٍ، أَوْ غَنَمٍ، فَهُوَ غَيْرُ طَائِلٍ(11/173)
6559 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، أَنْ يَعْمَرَ بْنَ خَالِدٍ الْمُدْلِجِيَّ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَا مُتَجَاعِلٌ، فِي الْغَزْوِ، فَكَيْفَ تَرَى؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: إِذَا أَحَدُكُمْ أَجْمَعَ عَلَى الْغَزْوِ، فَعَرَّضَهُ اللهُ رِزْقًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِنْ أُعْطِيَ دِرْهَمًا غَزَا، وَإِنَّ مُنِعَ دِرْهَمًا مَكَثَ، فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الْعَطَاءُ يُقَدَّمُ لِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فَيَتَنَافَسُ الْقَوْمُ فِيهِ، وَيَتَجَاعَلُونَ؟ قَالَ: إِذَا كَانَتْ نِيَّةُ الْغَازِي عَلَى الْغَزْوِ، فَلَا أَرَى بَأْسًا، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَأْخُذُوا الْجَعَائِلَ، وَلَا يَرَوْنَ بِإِعْطَائِهِ بَأْسًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّةِ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ حَدِيثٌ رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ لَا نَحْسَبُهُ ثَابِتًا(11/173)
6560 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَبَلَةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللهِ وَهُوَ لَا يَنْوِي فِي غَزَاتِهِ إِلَّا عِقَالًا، فَلَهُ مَا نَوَى» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَصَّحَ مِنْ ذَلِكَ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ(11/174)
6561 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ فَتًى مِنْ أَسْلَمَ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أَتَجَهَّزُ بِهِ، فَقَالَ: " إِئْتِ فُلَانًا الْأَنْصَارِيَّ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يُجَهِّزُ فَمَرِضَ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: ادْفَعْ إِلَيَّ مَا تَجَهَّزْتَ بِهِ "، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: فُلَانَةُ ادْفَعِي إِلَيْهِ مَا جَهَّزْتِينِي بِهِ، وَلَا تَحْبَسِي مِنْهُ شَيْئًا، فَوَاللهِ لَا تَحْبَسِي مِنْهُ شَيْئًا، فَيُبَارَكُ لَكِ فِيهِ(11/174)
6562 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ شَيْخًا، أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنَّ الرَّجُلَ يُجَاهِدُ لِيُذْكَرَ، وَيُجَاهِدَ لِيَغْنَمَ، وَيُجَاهِدَ لِكَذَا وَكَذَا؟، [ص:175] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَاهَدَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ»(11/174)
ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ(11/175)
6563 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نِيَارٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ، فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ، أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يَذْكُرُ مِنْهُ جُرْأَةً وَنَجْدَةً، فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ، فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جِئْتُ لِأَتَّبِعَكَ، وَأُصِيبَ مَعَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» قَالَ: فَرَجَعَ، ثُمَّ مَضَى، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ، أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: «فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ» ، فَرَجَعَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ: «تُؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ؟» قَالَ لَهُ: نَعَمْ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَانْطَلِقْ»(11/175)
6564 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى إِذَا خَلَّفَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، أَوْ كَمَا قَالَ: نَظَرَ وَرَاءَهُ، فَإِذَا كَتِيبَةٌ خَشْنَاءُ قَالَ: «مَنْ هَؤُلَاءِ؟» قَالَ: هَذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَمَوَالِيهِ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَّامٍ، فَقَالَ: «أَوَ قَدْ أَسْلَمُوا؟» قَالَ: بَلْ هُمْ عَلَى دِينِهِمْ قَالَ: «قُلْ لَهُمْ فَلْيَرْجِعُوا، فَإِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ»(11/176)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُشْرِكِ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُعْطَاهُ الْمُشْرِكُ إِذَا اسْتُعِينَ بِهِ عَلَى حَرْبِ الْعَدُوِّ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعْطَوْنَ سِهَامًا كَسِهَامِ الْمُسْلِمِينَ، كَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، وَالْأَوْزَاعِيُّ، قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ، خَمْسَةَ أَسْهُمٍ؟، قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: لَا يُسْتَعَانُ مُشْرِكٌ، فَإِنْ غَزَوْا، أَوْ غُزِيَ بِهِمْ، أُسْهِمَ خَيْرٌ لَهُمْ سُهْمَانَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُسْهَمُونَ أَيْضًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، كَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالنُّعْمَانُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الَّذِي رَوَى مَالِكٌ كَمَا رَوَى، اسْتَعَانَ(11/176)
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَهُودٍ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ كَانُوا أَشِدَّاءَ، وَقَالَ مَرَّةً: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ لَا يُعْطَى مِنَ الْفَيْءِ شَيْئًا، وَيُسْتَأْجَرُ إِجَارَةً مِنْ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ سَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أُنْفِلَ ذَلِكَ، أُعْطِيَ مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الْغَالِبُ عَلَى أَنْ يُسْتَعَانَ بِمُشْرِكٍ وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا غَزَوْا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يُسْتَعَانُ بِهِمْ؛ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ خَبَرِ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعٍ، فَلَيْسَ مِمَّا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُهُ ثَابِتًا، وَلَعَلَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْمَغَازِي، وَعَامَّةُ أَخْبَارِ الْمَغَازِي لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ، فَإِنِ اسْتَعَانَ بِهِمْ إِمَامٌ أُعْطُوا أَقَلَّ مَا قِيلَ، وَهُوَ أَنْ يَرْضَخَ لَهُمْ شَيْئًا، إِذَا لَا نَعْلَمُ حُجَّةً تُوجِبُ أَنْ يُسْهَمَ لَهُمْ(11/177)
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لَا سَهْمَ لَهُ(11/177)
6565 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَرَدَّنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَأَجَازَنِي، قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ، وَالْمُقَاتِلَةِ(11/177)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا يَجِبُ لِمَنْ حَضَرَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُعْطَى غَيْرُ الْبَالِغِ، إِذَا حَضَرَ الْقِتَالَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُرْضَخُ لَهُمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ سَهْمُ الْبَالِغِ، كَذَلِكَ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالنُّعْمَانُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ سَهْمٌ، وَلَكِنْ يُحْذَى، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ الصِّبْيَانُ، وَالْعَبِيدُ يُحْذَوْنَ مِنَ الْغَنَائِمِ، إِذَا حَضَرُوا الْغَزْوَ فِي صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يُسْهَمَ لَهُ، كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الصَّبِيِّ يُغْزَى بِهِ، وَالْجَارِيَةِ، وَالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ: لَا نَرَى لِهَؤُلَاءِ مِنْ غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، قَالَ مَالِكٌ فِي الصِّبْيَانِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْعَبِيدِ يَحْضُرُونَ، قَالَ: لَا أَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا، وَلَا يُحْذَوْنَ شَيْئًا، وَقَالَ فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَدْ بَلَغَ، وَأَطَاقَ الْقِتَالَ، وَلَمْ يَحْتَلِمْ: إِنْ قَاتَلَ، وَمِثْلُهُ قَدْ بَلَغَ الْقِتَالَ، فَأَرَى أَنْ يُسْهَمَ لَهُ(11/178)
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ إِنَّمَا يَجِبُ لِلْأَحْرَارِ دُونَ الْعَبِيدِ(11/178)
6566 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، [ص:179] قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ، يَحْضُرَانِ الْفَتْحَ، هَلْ يُسْهَمُ لَهُمَا؟ فَقَالَ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ يَحْضُرَانِ الْفَتْحَ هَلْ يُسْهَمُ لَهُمَا؟، وَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمَا، وَلَكِنْ يُحْذَيَانِ(11/178)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي الْعَبِيدِ يَحْضُرُونَ الْحَرْبَ، وَمَا يُعْطَوْنَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْعَبِيدِ يَحْضُرُونَ قَسْمَ الْغَنَائِمِ، وَقَدْ حَضَرُوا الْوَقْعَةَ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُسْهَمُ لَهُمْ، رُوِّينَا عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ عَبِيدٌ، فَضُرِبَ لَهُمْ سُهْمَانُهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ حُرْمَتَهُ، وَحُرْمَةَ الْحُرِّ بِمَنْزِلَةٍ مِنْ طَرِيقِ الدِّينِ، وَهُوَ يُقَاتِلُ كَمَا يُقَاتِلُ الْحُرُّ، وَأَكْثَرُ، وَفِيهِ مِنَ الْغَنَاءِ مَا فِي الْحُرِّ، [ص:180] وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ(11/179)
6567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنَ الْمَغْنَمِ شَيْءٌ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ قُسِمَ لِلنِّسَاءِ، وَالْعَبْدِ(11/180)
6568 - وَمِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
6569 - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَا: لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنَ الْمَغْنَمِ شَيْءٌ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْعَبِيدِ، وَالصِّبْيَانِ، هَلْ يُحْذَوْنَ مِنَ الْمَغَانِمِ فِي الْغَزْوِ؟، فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: الْعَبْدُ، يَقُولُونَ: لَيْسَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ لَا سَهْمَ لَهُمْ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ(11/180)
6570 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، هَلْ لَهُمَا سَهْمٌ؟ فَقَالَ: لَا لَيْسَ لَهُمَا سِهَامٌ(11/180)
6571 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ، أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَمْلُوكِ، يَحْضُرَانِ الْفَتْحَ أَلَهُمَا مِنَ الْمَغْنَمِ شَيْءٍ؟ قَالَ: يُحْذَيَانِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: لَا سَهْمَ لِعَبْدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: لَا يُلْحَقُ عَبْدٌ فِي دِيوَانٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالصَّبِيِّ يَحْضُرُونَ النَّاسَ فِي الْغَزْوِ: لَا سَهْمَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مَعَ الرِّجَالِ إِلَّا أَنْ يُحْذَوْنَ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا يُسْهَمُ لَهُمْ، وَقِيلَ: يُحْذَوْنَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: سَمِعْنَا أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ، وَلَا لِلْأَجِيرِ، وَلَا يُرْضَخُ لَهُمْ، إِلَّا أَنْ يُحْذَى بِغَنِيمَةٍ، أَوْ يَكُونَ لَهُمْ بَلَاءٌ، فَتُرْضَخَ لَهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ فِي الْعَبْدِ: يُرْضَخُ لَهُ(11/181)
ذِكْرُ قَدْرِ مَا يُحْذَى الْعَبْدُ مِنَ الْغَنِيمَةِ(11/181)
6572 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ الْقُرَشِيِّ، عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدْ جَمَعْتُ إِلَيْهِ الْغَنَائِمَ، [ص:182] فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي، فَقَالَ: «تَقَلَّدْ هَذَا السَّيْفَ» ، فَتَقَلَّدْتُهُ، فَوَقَعَ فِي الْأَرْضِ، فَأَعْطَانِي مِنْ حَرْثِيِّ الْمَتَاعِ(11/181)
6573 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ، قَالَ: شَهِدْتُ الْخَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَمْلُوكٌ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْهِمْ لِي، فَأَعْطَانِي سَيْفًا، فَقَالَ لِي: «تَقَلَّدْهُ» ، وَأَعْطَانِي مِنْ حَرْثِيِّ الْمَتَاعِ(11/182)
ذِكْرُ خَبَرٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا سَهْمَ لَهُنَّ كَسَهْمِ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُعْطَيْنَ مَا لَا خُمْسَ فِيهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ الْمُبَاحَةِ لِلنَّاسِ(11/182)
6574 - حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنِ تَوْبَةَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ فَضْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَافِعُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَشْرَجِ بْنِ زِيَادٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاةَ خَيْبَرَ، وَأَنَا سَادِسُ سِتَّةِ نِسْوَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَعَهُ نِسَاءٌ، فَدَعَانَا فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَضَبَ، قَالَتْ: فَقَالَ لَنَا: «مَا أَخْرَجَكُنَّ؟، وَبِأَمْرِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟» ، قَالَتْ: قُلْنَا: خَرَجْنَا مَعَكَ نُنَاوِلُ السِّهَامَ، وَنَسْقِي السَّوِيقَ، وَنُدَاوِي [ص:183] الْجَرْحَى، وَنَغْزِلُ الشَّعْرَ، وَنُعِينُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَتْ: فَقَالَ لَنَا: «قُمْنَ فَانْصَرِفْنَ» ، قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ لِرَسُولِهِ خَيْبَرَ، أَسْهَمَ لَنَا كَسِهَامِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا جَدَّةُ: مَا الَّذِي أَسْهَمَ لَكُنَّ؟ قَالَتِ: التَّمْرُ(11/182)
ذِكْرُ الْخَبَرِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ سَهْمَ النِّسَاءِ إِنَّمَا زَالَ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ سَاقِطٌ عَنْهُنَّ(11/183)
6575 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مِهْرَانَ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ» ، قُلْتُ: وَمَا ذَلِكَ؟، قَالَ: «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، فَذَلِكَ جِهَادُهُنَّ»(11/183)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْغَزْوِ(11/183)
6576 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ص:184] جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْزُو بِأُمِّ سُلَيْمٍ، وَنِسْوَةٍ مَعَهَا مِنَ الْأَنْصَارِ يَسْقِينَ الْمَاءَ، وَيُدَاوِينَ الْجِرَاحَاتِ(11/183)
6577 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَزْوَاجَ، رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ يَوْمَ أُحُدٍ يُدْلِجْنَ بِالْقِرَبِ عَلَى ظُهُورِهِنَّ بَادِيَةً خِدَامُهُنَّ يَسْقِينَ النَّاسَ(11/184)
6578 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَسْقِي الْمَاءَ، وَنَخْدُمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى، وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ(11/184)
6579 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، قَالَ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةُ، قَالَتْ: وَقَدْ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَوَاتٍ كُنَّا نَقُومُ عَلَى الْكَلْمِ، وَنُدَاوِي الْجَرْحَى(11/184)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ قِتَالِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُشْرِكِينَ، وَدَفْعِهِنَّ إِيَّاهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِنَّ(11/185)
6580 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ هَوَازِنَ جَاءَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ بِالنِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ، قَالَ: وَلَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، وَمَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ وَاللهِ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ أَبْعَجَ بِهِ بَطْنَهُ، فَأَخْبَرَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَعْنِي أَقْتُلُ الطُّلَقَاءَ إِنْ هُزِمُوا بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، إِنَّ اللهَ قَدْ كَفَى وَأَحْسَنَ»(11/185)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْمَرْأَةِ تَحْضُرُ الْقِتَالَ مَعَ النَّاسِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ تَحْضُرُ الْقِتَالَ مَعَ الرِّجَالِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُرْضَخُ لَهَا، وَلَيْسَ لَهَا سَهْمٌ، رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ(11/185)
6581 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ يَحْضُرَانِ الْبَأْسَ، قَالَ: لَيْسَ لَهُمَا سَهْمٌ، وَقَدْ يُرْضَخُ لَهُمَا [ص:186] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: كَانَ الصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ يُحْذَوْنَ مِنَ الْغَنَائِمِ إِذَا حَضَرُوا الْغَزْوَ فِي سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالنُّعْمَانُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ: لَا يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا لِلْمَمْلُوكِ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُحْذَوْنَ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ لَا يُسْهَمَ لَهُمْ، وَلَا يُحْذَيْنَ شَيْئًا، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ(11/185)
6582 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ مُراجِمٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَيْحَانُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي مُوسَى بِتُسْتَرَ، وَفِي النَّاسِ خَمْسُ نِسْوَةٍ، أَوْ أَرْبَعَةٌ، يُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيَسْقِينَ الْمَاءَ، فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنَّ أَبُو مُوسَى وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، قَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَسْهَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ بِخَيْبَرَ، وَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ(11/186)
ذِكْرُ الْجَمَاعَةِ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْعَدُوِّ، وَيَغْنَمُونَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَاحِدِ، أَوِ الْجَمَاعَةِ يَدْخُلُونَ دَارَ الْحَرْبِ، وَيَغْنَمُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُخَمَّسُ، وَيَكُونُ الْبَاقِي لَهَا، أَوْ لَهُ، هَكَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، [ص:187] وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ لَا شَيْءَ لَهَا، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَيُّمَا سَرِيَّةٍ تَسَرَّتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَمَامِهَا، وَلَا مَصَالَحَتِهِ، فَغَنِمَتْ، فَلَا غَنِيمَةَ لَهَا، وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يُخَمَّسَ مَا أَصَابَتْ، وَهُوَ لَهَا، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ(11/186)
مَسْأَلَةٌ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْمُشْرِكِينَ يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَيُصِيبُونَ غَنِيمَةً، حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ كَحَالِ الْمُسْلِمِينَ، إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ قَالَ الثَّوْرِيُّ فِي الَّذِي يُغِيرُ وَحْدَهُ: يُخَمَّسُ مَا أَخَذَهُ، وَبَقِيَّتُهُ لَهُ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْخُمُسُ، وَسَائِرُهُ لِلْأَنْبَاطِ، كَتَبَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي صِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ فِي عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِمَوَالِيهِمْ(11/187)
ذِكْرُ الْمَالِ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، وَيَسْتَنْقِذُهُ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ يُدْرِكُهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، لَمْ يَأْخُذْهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ، فَيَأْتِي صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: صَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ، وَقَدْ قُسِمَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ، كَذَلِكَ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالنُّعْمَانُ،(11/187)
غَيْرَ أَنَّ النُّعْمَانَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَالِ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ، وَبَيْنَ الْعَبْدِ يَأْبَقُ، فَيَدْخُلُ بِلَادَ الْعَدُوِّ، فَيَأْخُذُهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ فِي الْعَبْدِ يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ، كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ فِي الْمَالِ، وَقَالَ فِي الْعَبْدِ يَأْبَقُ إِلَى الْعَدُوِّ: إِذَا أَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَبَعْدَهُ يَأْخُذُهُ مَوْلَاهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُحَرِّزُوهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَأْخُذُهُ صَاحِبُهُ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا قُسِمَ، فَلَا حَقَّ لَهُ، رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ(11/188)
6583 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: فِيمَا أَحْرَزَهُ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، فَهُوَ لَهُ، وَإِذَا جَرَتْ فِيهِ السِّهَامُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ، اقْتُسِمَ، أَوْ لَمْ يُقْتَسَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا قَوْلُ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمَقَاسِمُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَ، فَلَا يُرَدُّ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَائِمِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً فِي الْمَالِ يُصِيبُهُ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْإِسْلَامِ هَكَذَا، وَقَالَ فِي الْعَبْدِ: صَحَابُهُ [ص:189] أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا قُسِمَتِ الْغَنَائِمُ، فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَكُونَ بِالثَّمَنِ أَرْشًا وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يُرَدَّ فِي صَاحِبِهِ هُوَ لِلْجَيْشِ، هَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: سَمِعْنَا أَنَّ مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ يَقْتَسِمُونَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ قَتَادَةُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(11/188)
6584 - حَدَّثُونَا عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلَاسٍ، أَنَّ عَلِيًّا، قَالَ: مَنِ اشْتَرَى مَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ فَهُوَ جَائِزٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْعَبْدِ يَأْبَقُ إِلَى الْعَدُوِّ، قَالَ: إِنْ أُخِذَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ حِصْنًا مِنْ حُصُونِهِمْ رُدَّ إِلَى مَوْلَاهُ، وَإِنْ دَخَلَ حِصْنًا، فَسُبِيَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْحِصْنِ يُجْعَلُ فِي الْفَيْءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: سَوَاءٌ أَبَقَ الْعَبْدُ إِلَى الْعَدُوِّ، أَوْ أَخَذَ الْعَدُوُّ الْعَبْدَ، فَأَحْرَزُوهُ، لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا لِسَيِّدِهِمَا إِذَا ظَفِرَ بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَا، وَبَعْدَ الْقَسْمِ سَوَاءٌ يَأْخُذُهُمَا السَّيِّدُ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَبَعْدَهُ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، قَالَ: وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَدَلَّتِ السُّنَّةُ، وَكَذَلِكَ يَدُلُّ الْعَقْلُ وَالْإِجْمَاعُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ اللهَ أَوْرَثَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَهُمْ، وَدِيَارَهُمْ، فَجَعَلَهَا غَنْمًا لَهُمْ، وَحَوْلًا بِإِعْزَازِ أَهْلِ دِينِهِ، وَإِذْلَالِ مَنْ خَالَفَ سِوَى أَهْلِ دِينِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَدَرُوا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ تَخَوَّلُوهُمْ، وَتَمَوَّلُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْحَرْبِ يَحُوزُونَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَيْئًا، فَيَكُونُ [ص:190] لَهُمْ أَنْ يَتَخَوَّلُوهُ أَبَدًا، فَإِنْ قَالَ: فَأَيْنَ السُّنَّةُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ؟ قُلْتُ:(11/189)
6585 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سُبِيَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَتِ النَّاقَةِ قَدْ أُصِيبَتْ قَبْلَهَا - قَالَ الشَّافِعِيِّ -: كَأَنَّهُ يَعْنِي نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ آخِرَ حَدِيثِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَانَتْ تَكُونُ فِيهِمْ، فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَائِقِ، فَأَتَتِ الْإِبِلَ، فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ بَعِيرًا، فَمَسَّتْهُ رَغَا، فَتَرَكَتْهُ، حَتَّى أَتَتْ تِلْكَ النَّاقَةَ فَمَسَّتْهَا، فَلَمْ تَرْغُ، وَهِيَ نَاقَةٌ هَدِرَةٌ، فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا، ثُمَّ صَاحَتْ بِهَا، فَانْطَلَقَتْ، فَطُلِبَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا، فَجَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا، إِنِ اللهُ أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ عَرَفُوا النَّاقَةَ، وَقَالُوا: نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَقَالُوا: وَاللهِ لَا تَنْحَرِيهَا، حَتَّى نُؤْذِنَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَوْهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ قَدْ جَاءَتْ عَلَى نَاقَتِكَ، وَأَنَّهَا جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إِنْ نَجَّاهَا اللهُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْحَرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ اللهِ، بِئْسَ مَا جَزَتْهَا، إِنْ أَنْجَاهَا اللهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، أَوِ ابْنُ آدَمَ» [ص:191] قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ أَحْرَزُوا نَاقَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ انْفَلَتَتْ مِنْ إِسَارِهِمْ عَلَيْهَا بَعْدَ إِحْرَازِهِمُوهَا، وَرَأَتْ أَنَّهَا لَهَا، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا نَذَرَتْ فِيمَا لَا تَمْلِكُ، وَلَا نَذْرَ لَهَا، وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ بِخَيْلِهِمْ، فَأَحْرَزُوهُ فِي دِيَارِهِمْ أَشْبَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ، أَلَّا يَمْلِكَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَمْلِكُوا هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَلَا بَعْدَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَحْرَزُوا عَبْدًا لِرَجُلٍ، أَوْ مَالًا، فَأَدْرَكَهُ قَدْ أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بِلَا قِيمَةٍ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَمَا تَقَعُ فِي الْمَقَاسِمِ، وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لِمَالِكِهِ بَعْدَ إِحْرَازِ الْعَدُوِّ لَهُ، وَإِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْعَدُوِّ لَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَسْمِ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ(11/190)
6586 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يَزْعُمُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَهَبَ الْعَدُوُّ بِفَرَسهِ فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ وَجَدَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَسَهُ، فَرَدَّهُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ(11/191)
6587 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَبَقَ غُلَامٌ لِي يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَرَدُّوهُ إِلَيَّ [ص:192] وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إِلَى الْعَبْدِ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَصَاحِبُهُ أَحَقُّ بِهِ قُسِمَ، أَوْ لَمْ يُقْسَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُهُ هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ النُّعْمَانِ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا أَصَابَ الْعَدُوُّ مَمْلُوكًا، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْتَقَهُ، فَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، هُوَ اسْتِهْلَاكٌ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ، فَلَيْسَ لِمَوْلَاهَا شَيْءٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ احْتَجَّ بِخَبَرِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِرْقَتَانِ مِنَ النَّاسِ، احْتَجَّ إِلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ: حَدِيثُ عِمْرَانَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَدْرَكَ مَالَهُ الَّذِي أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يُقْسَمْ، لِأَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ جَرَى فِي النَّاقَةِ الَّتِي كَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَذَلِكَ يَأْخُذُ مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ قَبْلَ الْقَسْمِ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَوْلُهُ خِلَافُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِخَبَرِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ(11/191)
6588 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، أَنَّ الْعَدُوَّ، أَصَابُوا نَاقَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَدُوِّ، فَعَرَفَهَا صَاحِبُهَا، وَأَقَامَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةَ، فَاخْتَصَمْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ مِنَ الْعَدُوِّ، وَإِلَّا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي [ص:193] وَدَفَعَ هَذَا الْقَائِلُ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ لِمَنْ خَالَفَنَا حُجَّةٌ، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ فَرَسَ ابْنِ عُمَرَ عَادَ، فَلَحِقَ بِالرُّومِ، وَبَيْنَ الْعَائِدِ، وَالْآبِقِ، وَالْمَغْلُوبِ عَلَيْهِ فَرْقٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِفَرْقٍ يُلْزِمُ غَيْرَ قَوْلِهِ، بَيْنَ ذَلِكَ فَرْقٌ، وَذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا، قَدْ أَثْبَتُّهُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي اخْتَصَرْتُ مِنْهُ هَذَا الْكِتَابَ، تَرَكْتُهُ؛ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي بِهِ أَقُولُ: إِنَّ مَا هُوَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ عَنْهُ إِلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ مَعَ مَنْ أَوْجَبَ مِلْكَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ، وَنَقْلَ مِلْكِ الْمُسْلِمِ عَنْهُ حُجَّةً مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ، إِلَّا دَعْوَاهُ الَّذِي لَا حُجَّةَ مَعَهُ، وَمَالُ الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَوْ بِحُكْمٍ يُلْزِمُهُ، فَمَنْ أَزَالَ مِلْكَ الْمُسْلِمِ عَمَّا كَانَ مِلْكَهُ لَهُ بِإِجْمَاعٍ بِغَيْرِ إِجْمَاعٍ، لَمْ يَجِبْ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَقِينٌ، وَالِاخْتِلَافَ شَكٌّ، وَلَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ عَنِ الْيَقِينِ إِلَى الشَّكِّ(11/192)
6589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَائِدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي الرُّكَيْنُ بْنُ الرَّبِيعِ الْغَزَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ فَرَسًا لَهُمْ زَمَانَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، كَانُوا أَحْشَرُوهُ، فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ أَزْمَانَ سَعْدٍ، قَالَ: فَكَلَّمْنَاهُ، فَرَدَّهُ عَلَيْنَا بَعْدَمَا قُسِمَ، وَصَارَ فِي خُمْسِ الْإِمَارَةِ(11/193)
ذِكْرُ أُمِّ الْوَلَدِ تُسْبَى وَاخْتَلَفُوا فِي أُمِّ الْوَلَدِ تُسْبَى، ثُمَّ يَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُونَ، وَيَجْرِي فِيهَا الْقَسْمُ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا بِقِيمَةِ عَدْلٍ، كَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ تُسْتَرَقَّ، وَأَرَى أَنْ يُفِيدَهَا الْإِمَامُ لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَأَرَى عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْدِيَهَا، وَلَا يَدَعَهَا، وَلَا أَرَى لِلَّذِي صَارَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا، وَلَا يَسْتَحِلَّ فَرْجَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يُكَلَّفُ أَنْ يَفْدِيَهَا إِذَا جُرِحَتْ، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَلَيْسَ لَهُ إِنْ تَسَلَّمَ أُمَّ وَلَدٍ، يَسْتَرِقُّ، وَيِسْتَحِلُّ فَرْجَهَا، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَفْدِيهَا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ يُتْبَعُ بِهِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: تَكُونُ أُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُمَلَّكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَغْرَمُ السَّيِّدُ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ شَيْئًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ: أُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدْبَرَةُ لَيْسَ يَمْلِكُهَا الْعَدُوُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ، وَمُدْبَرَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ مُقَامٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقُولُ(11/194)
ذِكْرُ الْجَارِيَةِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ مِنَ الْغَنْمِ، فَيَجِدُ مَعَهَا مَالًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَارِيَةِ تُشْتَرَى مِنَ الْغَنْمِ، فَيَجِدُ مَعَهَا الْمُشْتَرِي مَالًا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، كَذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ،(11/194)
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّهُ يُرَدُّ إِلَى مَغَانِمِ الْجَيْشِ الَّتِي غَنِمُوهَا، هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتِدْلَالٌ بِقَوْلِهِ: مَنْ بَاعِ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، فَلَمَّا كَانَ صَاحِبُ الْمَقْسَمِ هُوَ الْبَائِعَ، وَهُوَ الْقَائِمَ بِأَمْرِ الْجَيْشِ الَّذِينَ غَنِمُوا الْغَنَائِمَ، وَجَبَ رَدُّ السَّبْيِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ عَلَى الَّذِينَ يَبْعَثُ عَلَيْهِمُ الْجَارِيَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ الْغَنَائِمَ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ، وَغَيْرِهِمْ يُقْسَمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا يَجِبُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ: وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَكْحُولٌ، وَحِزَامُ بْنُ حَكِيمٍ، وَالْمُتَوَكِّلُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَرُدُّهُ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ» ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، وَكَانَ مَالِكٌ يُسَهِّلُ فِي الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَرَى ذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ، وَالْيَسِيرِ عِنْدَهُ مِثْلَ الْقُرْطَيْنِ، وَأَشْبَاهِهِمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْكَثِيرِ، إِذَا افْتَرَقَ الْجَيْشُ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهِ كَمَا قَالَ فِيمَا يُغَلُّ، وَقَدْ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَقُولُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْهُ، إِذَا لَمْ يَجِدِ السَّبِيلَ إِلَى رَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمَغْنَمِ؛ لِافْتِرَاقِ الْجَيْشِ، أَنْ يُعْطَى الْإِمَامُ خُمُسَهُ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَفِي كِتَابِ تَعْظِيمِ أَمْرِ الْغُلُولِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْمُشْتَرِي: هُوَ لَكَ(11/195)
ذِكْرُ قَسْمِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَسْمِ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَكَانَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ: يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِنْ شَاءَ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَنْبَغِي لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ إِذَا أَصَابُوا غَنَائِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَنْ يَقْسِمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يُحْرِزُوهُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِهِمْ جَيْشٌ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ غَنِمُوا شَرَكَهُمْ مِنْ تِلْكَ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوهَا، حَتَّى يُحْرِزُوهَا، قَدْ أَسَاءُوا، وَجَازَ ذَلِكَ، وَإِنِ احْتَاجَ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَى مَا صَارَ فِي الْغَنِيمَةِ مِنَ الثِّيَابِ، وَالْمَتَاعِ، وَالدَّوَابِّ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْسِمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى يُحْرِزُوهُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ فَعَلَ وَقَسَمَ ذَلِكَ جَازَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ أَقُولَ؛ وَذَلِكَ لِلثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَسَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، وَقَدْ ذَكَرْتُ أَسَانِيدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ ذِكْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْفَارِسُ، وَالرَّاجِلُ مِنَ السِّهَامِ، وَفِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ يَوْمَ خَيْبَرَ سَهْمَيْنِ، سَهْمَيْنِ(11/196)
6590 - أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَصَبْتُ شَارِفًا فِي مَغْنَمِ بَدْرٍ، وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارِفًا، فَأَنَخْتُهَا عَلَى بَابِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا، وَمَعِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍ أَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْبَيْتِ، وَقَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ، فَقَالَتْ:
[البحر الوافر]
أَلَا يَا حَمْزُ، لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ
فَثَارَ إِلَيْهِمَا بِالسَّيْفِ، فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ: فَمَا صَنَعَ بِالسَّنَامِ؟ قَالَ: ذَهَبَ بِهِ كُلِّهِ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى امْرِئٍ أَفْظَعَنِي، قَالَ: فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَخَرَجَ يَمْشِي حَتَّى قَامَ عَلَى حَمْزَةَ، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عُبَيْدُ آبَائِي، قَالَ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُقَهْقِرُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَصَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارِفًا يَوْمَ بَدْرٍ [ص:198] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَسَمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بِبَدْرٍ لِمَا كَانَ فِي خَبَرِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ شَارِفًا، وَفِي خَبَرِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا، قَالَ: فَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَسَمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ بِبَدْرٍ(11/197)
6591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَلَبَ قَوْمًا أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا(11/198)
6592 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَالْوَلِيدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِبِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُدِّمُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ، وَكَانَ إِذْ ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أَقَامَ ثَلاثًا(11/198)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ تَأْخِيرِ الْإِمَامِ قَسْمَ الْغَنَائِمِ إِذَا غَنِمَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَنْ يُمْكِنَهُ قَسْمُهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ(11/199)
6593 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ السُّمَيْطِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ، قَالَ: فَصَفَّ الْخَيْلَ، ثُمَّ صَفَّ الْمُقَاتِلَةَ، ثُمَّ صَفَّ النِّسَاءَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صَفَّ الْغَنْمَ، ثُمَّ صَفَّ النَّعْمَ قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ، وَعَلَى مُجَنِّبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا، تَلُوذُ خَلْفَ ظُهُورِنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ، وَمَنْ تَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ، فَنَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، يَا لَلْمُهَاجِرِينَ» ، ثُمَّ قَالَ: «يَا لَلْأَنْصَارِ، يَا لَلْأَنْصَارِ» ، قَالَ: " فَايْمِ اللهِ، مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللهُ، قَالَ: فَقَبَضْنَا ذَلِكَ الْمَالَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ، فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ رَجَعْنَا فَنَزَلْنَا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ، وَيُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ(11/199)
6594 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَرَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ يُرِيدُ الْجِعْرَانَةِ سَأَلَهُ النَّاسُ حَتَّى دَنَتْ نَاقَتُهُ مِنْ شَجَرَةٍ، وَتَشَبَّكَتْ بِرِدَائِهِ، حَتَّى نُزِعَتْ عَنْ ظَهْرِهِ فَقَالَ: «رُدُّوا عَلَيَّ رِدَائِي، أَتَخَافُونَ أَنْ لَا أَقْسِمَ بَيْنَكُمْ مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ؟، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ سَمُرِ تِهَامَةَ نَعْمًا، لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا، وَلَا جَبَانًا، وَلَا كَذَّابًا»
6595 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ هَذَا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَوْمَ حُنَيْنٍ يَعْنِي عَامَ حُنَيْنٍ إِذْ كَانَ تَفْرِيقُهُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الطَّائِفِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ(11/200)
6596 - ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ سَأَلَهُ النَّاسُ فَأَعْطَى مِنَ الْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْ ذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَسَمَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ عَلَى قَدْرِ فَرَاغِهِ وَشُغُلِهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوجِهِ، وَعَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنَ الصَّلَاحِ فِيهِ(11/200)
ذِكْرُ اسْتِئْجَارِ الْإِمَامِ عَلَى الْغَنَائِمِ مَنْ يَحْمِلُهَا وَيَقُومُ بِحِفْظِهَا أَوْ سَوْقِ رَقِيقٍ أَوْ حَيَوَانٍ إِنْ كَانَ فِيهَا غَنْمٌ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِئْجَارِ مَنْ يَحْمِلُ الْغَنَائِمَ وَيَقُومُ بِحِفْظِهَا، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي الْإِمَامِ تَجْتَمِعُ عِنْدَهُ الْغَنَائِمُ، فَيَخَافُ أَنْ تَضِيعَ الْغَنِيمَةُ: لَا أَعْلَمُ بَأْسًا أَنْ يَقُولَ: مَنْ حَرَسَ اللَّيْلَةَ الْعَسْكَرَ فَلَهُ دَابَّةٌ مِنَ السَّبْيِ، أَوْ دَابَّةٌ مِنَ الْفَيْءِ، فَإِنَّ الرَّاعِيَ يُعْطَى أَجْرَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ فِي الْأُسَارَى: يُوثَقُونَ بِالْحِبَالِ وَالْحَدِيدِ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْ جَمَاعَةِ الْفَيْءِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَجْعَلُ الْإِمَامُ لِلرَّاعِي وَالدَّلِيلِ مِنْ جَمَاعَةِ الْمَالِ، قِيلَ لِأَبِي عَمْرٍو: فِمِنْ أَيْنَ يُعْطِي الْجَاسُوسَ؟، قَالَ: مِنَ الْمَالِ الَّذِي تَجَهَّزُوا بِهِ إِلَى الصَّائِفَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ، أَعْطَاهُ مِنَ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: كَانَتِ الْوُلَاةُ يُجَهِّزُونَ أُمَرَاءَ الصَّوَائِفِ بِمَالٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَحْمِلُ مِنْهُ لِرِجَالِهِ وَيُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ وَيُنْفِقُ عَلَى الْجَوَاسِيسِ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ أُبْلِيَ بَلَاءً فِي مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: فَإِنْ لَمْ يُجَهَّزُوا إِلَيَّ الصَّائِفَةِ بِمَالٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أُعْطِي الْجَوَاسِيسُ، وَالدَّلِيلُ، وَرَاعِي دَوَابِّ الْغَنِيمَةَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْسِمَ الْغَنِيمَةَ، وَيُنْفِقُ عَلَى جَمَاعَةِ السَّبْيِ مِنْ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَ مَنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْإِمَامِ يَسْتَأْجِرُ الْقَوْمَ عَلَى سِبَاقِ الرَّمَلِ إِلَيَّ مَكَانٍ بِالشَّامِ عَلَى النِّصْفِ أَوْ بِدَنَانِيرَ مَعْلُومَةٍ: أَكْرَهُهُ عَلَى فَرَسٍ حُبِسَ، وَأَمَّا أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِذَا جَرَّاهُ الْإِمَامُ يَعْنِي مَا أَصَابَ مِنَ الْغَنِيمَةِ عَنْ مَوْضِعِهِ إِلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ حَمُولَةٌ حَمَلَهَا عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلُوهُ إِنْ كَانَتْ مَعَهُمْ، حَمَلُوهُ بِلَا كِرَاءٍ،(11/201)
وَإِنِ امْتَنَعُوا فَوُجِدَ كِرَاءٌ مُكَارًى عَلَى الْغَنَائِمِ وَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَخْرَجَ الْكِرَاءَ أَوِ الْإِجَارَةَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: وَإِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلَيْسَ مَعَ الْإِمَامِ فَضْلٌ مِنَ الدَّوَابِّ وَالْإِبِلِ، وَيَحْمِلُهُمْ عَلَيْهَا فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، مَشَى الرِّجَالُ وَمَنْ أَطَاقَ مِنَ الصِّبْيَانِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ دَوَابُّ وَإِبِلٌ اسْتَاقُوهَا مَعَهُمْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا أَنْ يَسْتَاقُوهَا ذَبَحُوا الْإِبِلَ، وَالْغَنَمَ، وَالدَّوَابَّ وَأَحْرَقُوهَا بِالنِّيرَانِ؛ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهَا أَهْلُ الْحَرْبِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ يُعَقِّبُوهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَصَابُوا سِلَاحٌ، وَمَتَاعٌ، وَآنِيَةٌ كَثِيرَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الظَّهْرِ مَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَلْيَحْرِقُوا ذَلِكَ بِالنَّارِ وَلَا يَدْعُوهُ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْحَرْبِ(11/202)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَسْمِ أَشْيَاءَ مِمَّا يُغْنَمُ مِمَّا يُخْتَلَفُ فِي بَيْعِهَا اخْتَلَفَتْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ مَصَاحِفِ الْمُسْلِمِينَ وَيُوجَدُ فِي الْمَغَانِمِ، فَكَانَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ يَقُولَانِ: إِنْ لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُهُ جُعِلَ فِي الْمَغَانِمِ فَبِيعَ، وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ مِمَّا أُخِذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُوقَفُ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَقَاسِمِ حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ(11/202)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ مَصَاحِفِ الرُّومِ يُصَابُ فِي بِلَادِهِمْ: يُدْفَنُ أَحَبُّ إِلَيَّ، قُلْتُ: وَلَا تَرَى أَنْ يُبَاعَ؟، قَالَ: كَيْفَ وَفِيهِ شِرْكُهُمْ؟، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أَتَعْلَمُ مَا فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَكَيْفَ يُبَاعُ؟، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا وُجِدَ مِنْ كُتُبِهِمْ فَهُوَ مَغْنَمٌ كُلُّهُ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ يُتَرْجِمُهُ، فَإِنْ كَانَ عِلْمًا مِنْ طِبٍّ أَوْ غَيْرِهِ لَا مَكْرُوهُ فِيهِ، بَاعَهُ كَمَا يَبِيعُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَغَانِمِ، وَإِنْ كَانَ كِتَابَ شِرْكٍ شَقُّوا الْكِتَابَ، وَانْتَفَعُوا بَأَوْعِيَتِهِ وَأَدَاتِهِ فَبَاعَهَا، وَلَا مَعْنَى لِتَحْرِيقِهِ أَوْ دَفْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ مَا هُوَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَرَسِ يُوجَدُ مَوْسُومًا عَلَيْهِ حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَحْمِلَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ رَجُلًا فَيَكُونُ عِنْدَهُ حَبِيسًا كَمَا كَانَ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُقْسَمُ مَا لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُهُ، فَإِنْ جَاءَ وَقَدْ قُسِمَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ حَبِيسٌ يُرَدُّ كَمَا كَانَ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ عُرِفَ صَاحِبُهُ، رُدَّ عَلَيْهِ وَإِلَّا حُبِسَ كَمَا كَانَ، وَقِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ: فَأَصَابُوا سَيْفًا حَبِيسًا؟، قَالَ: لَيْسَ السَّيْفُ مِثْلَ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ رُبَّمَا تَبَايَعَهُ الْقَوْمُ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ السَّيْفِ وَالْفَرَسِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ حَبِيسٌ، يُرَدُّ كَمَا كَانَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلْبِ يُصَابُ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: لَا يُبَاعُ فِي مِقَاسِمِ الْمُسْلِمِينَ، الْكَلْبُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: مَا أُصِيبَ مِنَ الْكِلَابِ فَهُوَ مَغْنَمٌ إِنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ لِلصَّيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ زَرْعٍ وَإِنْ(11/203)
لَمْ يَكُنْ مِنَ الْجَيْشِ أَحَدٌ يُرِيدُهُ لِذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهُ، وَمَنِ اقْتَنَاهُ لِغَيْرِ هَذَا كَانَ آثِمًا، وَرَأَيْتُ لِصَاحِبِ الْجَيْشِ أَنْ يُخْرِجَهُ فَيُعْطِيَهُ أَهْلَ الْأَخْمَاسِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ، إِنْ أَرَادَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِزَرْعٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، أَوْ صَيْدٍ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ قَتَلَهُ، أَوْ خَلَّاهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ بَيْعُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ: لَا يُجْعَلُ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ ثَمَنُ الْكَلْبِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا مُوَافِقٌ قَوْلَ كُلِّ مَنْ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ، وَكَرِهَ ثَمَنَهُ(11/204)
6597 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا نَكْرَهُ مَهْرَ الْبَغِيِّ، وَثَمَنَ الْكَلْبِ، وَقَالَ: هُوَ مِنَ السُّحْتِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَرِهَ ثَمَنَ الْكَلْبِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ رَخَّصَ فِي ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ أَنْ يُقْسَمَ مَا كَانَ مِنْ كِلَابِ الصَّيْدِ(11/204)
6598 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، إِلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ وَرَخَّصَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُثْمَانَ قَضَى بِثَمَنِهِ عَلَى قَاتِلِهِ، [ص:205] وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَثْمَانَ الْكِلَابِ كُلِّهَا، وَيَرَى عَلَى مَنْ قَتَلَ كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ قِيمَتَهُ، وَكَانَ النُّعْمَانُ يَرَى بَيْعَ الْكِلَابِ كُلِّهَا، وَيُوجِبُ عَلَى قَاتِلَهَا الْغُرْمَ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي كَلْبٍ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ، وَذَكَرُوهُ بِالْغِنَاءِ، وَفِي السَّبُعِ، فَرَآهُ إِلَى صَاحِبِ الْمَقَاسِمِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكِلَابِ وَلَا يُقْسَمُ إِنْ وَقَعَ فِي الْغَنَائِمِ، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ يُعْطِي مَا كَانَ مِنْهُ مِمَّا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَقَاسِمِ، وَإِنَّمَا مَنَعَنَا مِنْ قِيمَتِهِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ فَذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ(11/204)
6599 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْهِرِّ تُوجَدُ فِي الْمَغَانِمِ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: لَا تُبَاعُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهُ مَكْرُوهٌ(11/205)
6600 - حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُمَا كَرِهَا ثَمَنَ الْهِرِّ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاؤُسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُمْ كَرِهُوا بَيْعَ السِّنَّوْرِ(11/205)
6601 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي بَيْعِ السِّنَّوْرِ، وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ رَخَّصَ فِي بَيْعِهِ أَنْ يَبِيعَهُ صَاحِبُ الْمَقَاسِمِ، وَيَضُمَّ ثَمَنَهُ إِلَى أَثْمَانِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَيَقْسِمَ ذَلِكَ(11/206)
6602 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِثَمَنِ السِّنَّوْرِ بَأْسًا وَرَخَّصَ فِي ثَمَنِ الْهِرِّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا الصَّقْرُ، وَالْبَازِيُّ، فَبَيْعُهَا جَائِزٌ وَقَسْمُ أَثْمَانِهَا، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحُمُرِ، وَالْبِغَالِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَكْلُهَا، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي الْخَنَازِيرِ: إِذَا كَانَتْ تَعْدُو، يَقْتُلُهَا، وَإِنْ أَصَابُوا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ خَمْرًا فِي خَوَابٍى، أَوْ زِقَاقٍ، أَهْرَقُوا الْخَمْرَ، وَانْتَفَعُوا بِالزِّقَاقِ وَالْخَوَابِي، وَطَهَّرُوهَا، وَقَالَ: وَإِذَا ظَفِرُوا بِالْكُشُوثِ انْتَفَعُوا بِهِ، قَالَ: وَلَا يُوقِحُ الرَّجُلُ دَابَّتَهُ، وَلَا يُدْهِنُ أَشْعَارَهَا مِنْ أَدْهَانِ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنَ الْأَكْلِ وَإِنْ فَعَلَ رَدَّ قِيمَتَهُ. [ص:207] وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْقَوْمِ يَفِرُّونَ فَيُوَافِقُ ذَلِكَ يَوْمَ الْأَضْحَى: قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُضَحُّونَ فِي بِلَادِ عَدُوِّهِمْ، فَإِذَا كَانَتْ نُسُكًا شَاةً شَاةً عَنْ كُلِّ رَجُلٍ، فَلَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ بَأْسًا(11/206)
ذِكْرُ بَيْعِ الرَّقِيقِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ السَّبْيِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْهُمْ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِمْ، مِنْهُمْ هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يُبَاعُونَ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ الصِّبْيَانُ إِذَا كَانُوا مَعَ آبَائِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَرَوْنَ بِبَيْعِ السَّبْيِ مِنْهُمْ بَأْسًا، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ بَيْعَ الرِّجَالِ إِلَّا أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي رَقِيقِ الْعَجَمِ: إِنْ شَاءَ الْمُسْلِمُ بَاعَهُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ، لَا يَبِيعُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يُبَاعُونَ صِغَارًا أَوْ كِبَارًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا كَانَ السَّبْيُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً، فَأُخْرِجُوا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يُبَايَعُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَيَتَقَوَّى أَهْلُ الْحَرْبِ بِهِمْ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، وَلَا صَبِيُّ، وَلَا امْرَأَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى دَارِ الْحَرْبِ،(11/207)
وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: الَّذِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِنْ هَذَا خِلَافُ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَارَى يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْفِدْيَةَ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، ثُمَّ أُسِرَ بَعْدَهُمْ بِدَهْرٍ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ قَالَ: فَمَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ، وَمَنَّ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَوَهَبَ الزُّبَيْرَ بْنَ بَاطَا لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ؛ لِيَمُنَّ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فِيهِمُ النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ فَبَعَثَ بِثُلُثٍ إِلَى نَجْدٍ، وَبِثُلُثٍ إِلَى تِهَامَةَ، وَبِثُلُثٍ قِبَلَ الشَّامِ، فَبِيعُوا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَفَدَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ(11/208)
6603 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: أَمَّا الصِّبْيَانَةُ إِذَا صَارُوا إِلَيْنَا لَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَاحِدٌ مِنْ وَالِدَيْهِ، فَلَا نَبِيعُهُمْ مِنْهُمْ، وَلَا يُفَادَى بِهِمْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ آبَائِهِمْ مَا كَانُوا مَعَهُمْ، فَإِذَا تَحَوَّلُوا إِلَيْنَا، وَلَا وَالِدَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مَالِكِهِ [ص:209] وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ: رُدَّ إِلَيْهِمْ صَغِيرًا بِمُسْلِمٍ فَيَرُدَّهُ اللهُ عَلَيْنَا كَبِيرًا فَيُضْرَبَ عُنُقُهُ، قَالَ الرَّاوِي: ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، فَأُسِرَ الْغُلَامُ فِي وِلَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ السَّبْيُ إِذَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُبَاعُونَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ(11/208)
جُمَّاعُ أَبْوَابِ الْحُكْمِ فِي رِقَابِ أَهْلِ الْعَنْوَةِ مِنَ الْأُسَارَى أَوِ الْفِدَاءِ أَوِ الْقَتْلِ(11/209)
ذِكْرُ إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْإِمَامِ بَيْنَ قَتْلِ الْبَالِغِينَ مِنْ رِجَالِ الْعَدُوِّ، وَبَيْنَ الْمَنِّ، أَوِ الْفِدَاءِ بِهِمْ قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4] الْآيَةَ.(11/209)
6604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ، وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَمَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ [ص:210] يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ "، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبِهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبِّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] الْآيَةَ، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتُ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبِ السَّوْطِ، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاء الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ: «صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ» ، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، وَعَلِيُّ، وَعُمَرُ، مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ، وَالْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمُ الْإِسْلَامَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟» ، قُلْتُ: لَا وَاللهِ [ص:211] يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَنْ تُمَكِّنَّا مِنْهُمْ، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، فَتُمَكِّنُ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنُنِي مِنْ فُلَانٍ، نَسِيبٌ لِعُمَرَ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهُمْ، فَهَوَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ، فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً لَتَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَبْدُ اللهِ لِي أَصْحَابَكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، شَجَرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] الْآيَةَ، فَأَحَلَّ اللهُ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ "(11/209)
6605 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي [ص:212] الْأُسَارَى، إِنْ شَاءُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاءُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَلَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ عِدَّتُهُمْ مِنْهُمْ، قَالُوا: الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ(11/211)
ذِكْرُ خَبَرٍ ثَابِتٍ احْتَجَّ بِهِ مَنِ اسْتَدَّلَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى إِثْبَاتِ الرِّقِّ عَلَى الْعَرَبِ إِذَا سُبُوا وَاخْتَارَ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُمْ(11/212)
6606 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ، رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهَا فِيهِمْ، قَالَ: «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الرِّجَالِ» ، وَكَانَتْ مِنْهُمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ» ، قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ: " هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا(11/212)
6607 - وَحَدَّثُونَا عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ثَلَاثٌ سَمِعْتُهُنَّ لِبَنِي تَمِيمٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا أُبْغِضُ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَهُنَّ أَبَدًا، كَانَ عَلَى عَائِشَةَ نَذْرُ مُحْرَزٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، فَسُبِيَ سَبْيٌ [ص:213] مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ إِنْ سَرَّكِ أَنْ تَفِي بِنَذْرِكِ، فَأَعْتِقِي مُحَرَّرًا مِنْ هَؤُلَاءِ» ، فَجَعَلَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ(11/212)
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِ عَلَى إِبَاحَةِ إِطْلَاقِ الْأُسَارَى وَالْمَنِّ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَخْذِ مَالٍ قَالَ اللهُ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] الْآيَةَ.(11/213)
6608 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا فَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»(11/213)
6609 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ [ص:214] فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا، كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: «إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، فَافْعَلُوا» ، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَطْلَقُوهُ وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ، أَوْ وَعَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسَلَّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي إِطْلَاقِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَعْلَمْ مَا هُوَ إِلَّا إِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إِلَى مَكَّةَ، وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ، فَقَالَ: «كُونَا بِبَطْنِ يَأْجِجَ حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَانِهَا حَتَّى تَأْتِيَانِي بِهَا» ، فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ، أَوْ شَيْعِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكَّةَ أَمَرَهَا بِاللُّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَجَعَلَتْ تُجَهِّزُ(11/213)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى إِطْلَاقِ الْأُسَارَى(11/214)
6610 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ قَالَ: نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ [ص:215] ثُمَّ قَالُوا: لَا تَفْعَلُوا فَبَلَغَ ذَلِكَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَيَشْمَتُوا بِكُمْ وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ، لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ، وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ صُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنَا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ، وَكَأَنَّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَكُمْ فِي فِدَاءِ أَبِيهِ» ، فَإِنَّمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَا تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أَسْرَاكُمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَاهُ: صَدَقْتُمْ فَلَا تَجْعَلُوا، ثُمَّ انْسَلَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ:
6611 - نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ قُرَيْشًا، نَاحَتْ قَتْلَاهُمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(11/214)
6612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رِجَالًا، مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، قَالَ: «لَا وَاللهِ، لَا تَذَرُونَ لَهُ دِرْهَمًا»(11/215)
6613 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلَيَّةِ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ(11/216)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ إِطْلَاقِ الْأَسِيرِ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ يَعْمَلُهُ، تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ(11/216)
6614 - وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ لَيْسَ لَهُمْ فِدَاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ، قَالَ: فَجَاءَ غُلَامٌ مَنْ أَوْلَادِ الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِيهِ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟، قَالَ: ضَرَبَنِي مُعَلِّمِي، قَالَ: الْخَبِيثُ يَطْلُبُ بِذَحْلِ بَدْرٍ، وَاللهِ لَا تَأْتِيهِ أَبَدًا(11/216)
ذِكْرُ خَبَرٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أَسْرَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَرْهًا إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ(11/217)
6615 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنَّاسِ يَوْمَ بَدْرٍ: أَنْظِرُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَأْسِرُوا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّمَا أُخْرِجُوا كَرْهًا "(11/217)
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَرْهًا إِلَى الْقِتَالِ حُكْمُ مَنْ خَرَجَ طَائِعًا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنَ الْفِدَاءِ(11/217)
6616 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأُمَوِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، أَصَبْنَا مِنْ ثِمَارِهَا، وَاجْتَوَيْنَاهَا، وَأَصَابَنَا بِهَا وَعَكٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَيَّرُ عَنْ بَدْرٍ، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَنَا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَقْبَلُوا، سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، وَبَدْرٌ بِئْرٌ، وَسَبَقْنَا الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا، فَوَجَدْنَا فِيهِ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ: رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَمَوْلًى لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، فَأَمَّا الْقُرَشِيُّ فَانْفَلَتَ، وَأَمَّا مَوْلَى عُقْبَةَ فَأَخَذْنَاهُ، فَجَعَلْنَا نَقُولُ لَهُ، كَمِ الْقَوْمُ؟ قَالَ: هُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَعَلُوا إِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [ص:218] فَقَالَ: «كَمِ الْقَوْمُ؟» ، هُمْ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدٌ بَأْسُهُمْ، فَجَهَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُ كَمْ هُمْ؟ فَأَبَى، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ: «كَمْ يَنْحَرُونَ مِنَ الْجُزُرِ؟» قَالَ: عَشَرَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقَوْمُ أَلْفٌ» ، قَالَ: ثُمَّ أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو، «اللهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ» ، فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ، نَادَى بِالصَّلَاةِ، فَجَاءَ النَّاسُ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ، فَصَلَّى بِهِمْ، وَحَضَّ عَلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ جَمْعَ قُرَيْشٍ عِنْدَ هَذَا الضِّلَعِ الْحَمْرَاءِ مِنَ الْجَبَلِ» ، فَلَمَّا دَنَا الْقَوْمُ مِنَّا وَصَافَفْنَاهُمْ، إِذَا رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ، يَسِيرُ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَادِ حَمْزَةُ» ، وَكَانَ أَقْرَبَهُمْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ، وَمَاذَا يَقُولُ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ يَكُ فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ يَأْمُرُ بِخَيْرٍ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ» ، فَقَالُوا: هُوَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْهَى عَنِ الْقِتَالِ، وَيَقُولُ: يَا قَوْمُ إِنِّي أَرَى قَوْمًا لَا تَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَفِيكُمْ خَيْرٌ، يَا قَوْمُ اعْصِبُوهَا الْيَوْمَ بِرَأْسِي وَقُولُوا: جَبُنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَسْتُ بِأَجْبَنِكُمْ، فَسَمِعَ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: أَنْتَ تَقُولُ هَذَا؟، وَاللهِ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا عَضَضْتُهُ، قَدْ مُلِئَتْ رِئَتَاكَ وَجَوْفُكَ رُعْبًا، [ص:219] فَقَالَ عُتْبَةُ: إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَا مُصَفِّرَ اسْتِهِ؟، سَتَعْلَمُ الْيَوْمَ أَيُّنَا أَجْبَنُ؟، فَبَرَزَ عُتْبَةُ وَأَخُوهُ شَيْبَةُ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ، فَقَالُوا: مَنْ يُبَارِزُ فَخَرَجَ فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ سِتَّةٌ، فَقَالَ عُتْبَةُ: لَا نُرِيدُ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنْ يُبَارِزُنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ، فَقَتَلَ اللهُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنِي رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ، وَجُرِحَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَتَلْنَا مِنْهُمْ سَبْعِينَ وَأَسَرْنَا سَبْعِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَصِيرٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسِيرًا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هَذَا وَاللهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ، مَا أَرَاهُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ «اسْكُتْ، فَقَدْ أَرَزَّكَ اللهُ بِمَلَكٍ كَرِيمٍ» ، فَقَالَ عَلِيُّ: وَأَسَرْنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْعَبَّاسَ، وَعَقِيلًا، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ(11/217)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ إِيثَاقِ الْأُسَارَى إِلَى أَنْ يَرَى الْإِمَامُ فِيهِمْ رَأْيَهُ(11/219)
6617 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ النَّجَّارُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ بَدْرٍ: عَلَيْكَ الْعِيرُ لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ، قَالَ: فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ، [ص:220] لَا يَصْلُحُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِمَ؟» قَالَ: لِأَنَّ اللهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَقَدْ أَعْطَاكَ مَا وَعَدَكَ(11/219)
6618 - أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: أَمَّنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَقِيلٍ فَأَوْثَقُوهُ، وَطَرَحُوهُ فِي الْحَرَّةِ، فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ مَعَهَ، أَوْ قَالَ: أَتَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، وَتَحْتَهُ قَطِيفَةٌ، فَنَادَاهُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قَالَ: فِيمَا أُخِذْتُ؟، وَفِيمَا أُخِذَتْ سَابِقَةُ الْحَاجِّ؟ فَقَالَ: «أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ ثَقِيفٍ» ، وَكَانَتْ ثَقِيفٌ قَدْ أَسَرَتْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَكَهُ وَمَضَى، فَنَادَاهُ، يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَرَحِمَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قَالَ: إِنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: «لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ» ، فَتَرَكَهُ وَمَضَى، فَنَادَاهُ: يَا مُحَمَّدُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَإِنِّي عَطْشَانُ فَاسْقِنِي، قَالَ: «هَذِهِ حَاجَتُكَ» ، قَالَ: فَنَادَاهُ، يَا رَسُولَ اللهِ، بِالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُمَا ثَقِيفٌ، وَأَخَذَ نَاقَتَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَكَلَّمَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِهِ: إِنِّي مُسْلِمٌ، قَالَ: «لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ نَفْسَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ» ، قَالَ قَائِلٌ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ [ص:221] قَوْلُهُ: إِنِّي مُسْلِمٌ لِلْخَوْفِ، يُرِيدُ مُسْتَسْلِمًا لَا مُسْلِمًا لِلَّهِ فَقَالَ: «لَوْ قُلْتَهَا» لَا عَلَى الْخَوْفِ الَّذِي اضْطَرَّكَ إِلَى مَا قُلْتَ، «أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ» ، فَهَذَا صِدْقٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ إِذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ، كَانَ إِسْلَامُهُ اخْتِيَارَ اللهِ وَرَغْبَةً فِي تَوْحِيدِ اللهِ، فَأَعْلَمَهُ لَوْ سَبَقَ هَذَا الْقَوْلُ الْإِكْرَاهَ كَانَ إِيمَانًا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ سَابِقًا حَتَّى كَانَ الْإِكْرَاهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ، بَلْ كَانَ عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ بِذَلِكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ الَّذِي طَلَبْتَ» ، فَأَبَانَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي ضَمِيرِهِ، لَمَّا أَعْلَمَهُ اللهُ وَكَذَلِكَ يَكُونُ اللهُ أَعْلَمَهُ أَنَّ إِسْلَامَهُ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ، فَكَانَ عَلَى كُفْرِهِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِذَلِكَ فَدَى بِهِ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ أَلَّا يُفْدِيَ مُسْلِمًا بِمُسْلِمٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُمَكِّنْ مِنْهُ الْكُفَّارَ. وَقَالَ آخَرُ: فِي قَوْلِهِ: «لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ» يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ لَوْ قُلْتَ: إِنِّي مُسْلِمٌ قَبْلَ أَنْ تُؤْسَرَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ أَيْ دُنْيَا وَآخِرَةً، فَلَمْ تُؤْسَرْ فِي الدُّنْيَا فَتُوثَقْ، وَلَمْ تُعَذَّبْ فِي الْآخِرَةِ إِذَا أَسْلَمْتَ طَوْعًا لَا كَرْهًا، وَأَمَّا إِذَا قُلْتَ: إِنِّي مُسْلِمٌ بَعْدَ الْأَمْرِ فَلَمْ تُفْلِحْ كُلَّ الْفَلَاحِ أَيْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُخْرِجُكَ مِنَ الرِّقِّ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ إِذْ أُسِرْتَ وَأَنْتَ كَافِرٌ لَا مُسْلِمٌ، إِذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْأَسِيرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِسَارِ، لَا يَصِيرُ حُرًّا بِإِسْلَامِهِ، إِلَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ مِلْكٌ، فَأَمَّا فِدَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُقَيْلِيَّ بِالرَّجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَا فِي يَدَيِ ثَقِيفٍ أَسِيرَيْنِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَطْلَقَهُ مِنَ الْأَسْرِ؛ لِتُطْلِقَ ثَقِيفٌ عَنِ الْأَسِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَهُ فِي أَيْدِيهِمْ، فَيَرْجِعَ الثَّقَفِيُّ إِلَيْهِمْ حُرًّا مُسْلِمًا مُطْلَقًا مِنَ الْأَسْرِ وَالْوَثَاقِ، خَارِجًا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، لَا أَنَّ ثَقِيفًا يَمْلِكُونَهُ مِلْكَ رِقٍّ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَهُمْ مُشْرِكُونَ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَنْ [ص:222] يُرَدَّ مُسْلِمٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَيُسْتَعْبَدُوا فِي دَارِ الشِّرْكِ، وَلَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْعُقَيْلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ: إِنِّي مُسْلِمٌ حُكْمَ الْمُشْرِكِينَ، إِذْ كَانَ أَحْكَامُ الدُّنْيَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ حُكْمُ الظَّاهِرِ لَا حُكْمَ الْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ الَّذِي يَتَوَلَّى الله عِلْمَهُ، فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ عِبَادَهُ، أَلَا تَسْمَعُ خَبَرَ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ، وَاسْتِئْذَانِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الرَّاجِلِ، بَعْدَ قَوْلِهِ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ، وَتَعْلِيقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلَهُ: «لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلِتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَالَ» ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ: «أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ» إِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْرِكٌ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمَالِ بِشِرْكِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُبَاحٌ، فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا، لَمْ يُنْكِرْ أَنْ يَقُولَ: «أُخِذْتَ» أَيْ: حُبِسَتْ «بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكُمْ ثَقِيفٍ» ، وَلَمَّا كَانَ حَبْسُهُ هَذَا حَلَالًا بِغَيْرِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ، وَإِرْسَالُهُ مُبَاحًا، جَازَ أَنْ يُحْبَسَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ، لَاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ قَوْلَهُ «أُخِذْتَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ» كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُوَادَعَةٌ أَوْ صُلْحٌ، فَنَقَضَتْ ثَقِيفٌ الْمُوَادَعَةَ أَوِ الصُّلْحَ بِأَسْرِهِمُ الرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَ الْعُقَيْلِيّ بِنَقْضِ ثَقِيفٍ الْمُوَادَعَةَ أَوِ الصُّلْحَ، وَتَرَكَ بَنُو عَقِيلٍ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمْ مِنْ فِعْلِهِمُ الَّذِي كَانَ نَقَضَ الصُّلْحَ أَوِ الْمُوَادَعَةَ(11/220)
ذِكْرُ السُّنَنِ فِي الْأُسَارَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَنَّ فِي الْأُسَارَى سُنَنًا ثَلَاثًا، الْمَنَّ، وَالْفِدَاءَ، وَالْقَتْلَ، فَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَنِّ مِنْ سُنَّتِهِ وَقَوْلِهِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا وَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» ، وَدَلَّ إِطْلَاقُهُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ مَكَّةَ أَمَّنَهُمْ، فَقَالَ: «مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنً، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٍ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ» ، وَمَنَّ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ فَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، افْتَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَسَّمَ أَرَاضِيهَا، وَمَنَّ عَلَى رِجَالِهِمْ وَتَرَكَهُمْ عُمَّالًا فِي الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ مُعَامَلَةً عَلَى الشَّطْرِ؛ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ كَانَتْ إِلَيْهِمْ، حَتَّى أَخْرَجَهُمْ عُمَرُ حِينَ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْدِيَ بِأُسَارَى الْمُشْرِكِينَ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ خَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ(11/223)
6619 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا سُنَّتُهُ فِي قَتْلِ الْأُسَارَى فَقَتْلُهُ فَرِيضَةَ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَأَمْرُهُ بِقَتْلِ ابْنِ خَطَلٍ يَوْمَ دَخَلَ مَكَّةَ(11/223)
6620 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ»(11/224)
6621 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَادَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِ أُسَارَى بَدْرٍ، وَكَانَ فِدَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ قَبْلَ الْفِدَاءِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي كُلَابٍ، فَقَتَلَهُ صَبْرًا، فَقَالَ: مَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟، قَالَ رَسُولُ اللهِ: «النَّارُ»(11/224)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأُسَارَى، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَقَتَلَ بَعْضَهُمْ، وَفَادَى بَعْضَهُمْ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إِلَّا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَقْوِيَةِ دِينِ اللهِ وَتَوْهِينِ عَدُوِّهِ وَغَيْظِهِمْ، وَقَتْلِهِمْ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٍ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.(11/224)
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ: ذَلِكَ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْأَسِيرِ: يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ يَقُولَانِ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ: إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ فَلَا بَأْسَ، فَإِنْ شَاءَ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ وَيُصَيِّرَهُمْ فَيْئًا يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ قَتْلُهُمْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْكَى لِلْعَدُوِّ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ رَأَى قَتْلَهُمْ فَلَا يَقْتُلْ شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا مُقْعَدًا وَلَا أَعْمَى وَلَا مُصَابًا وَلَا زَمِنًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَيَكُونُونَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا أَوْ يَقْسَمُونَ مَعَ الْقِسْمَةِ(11/225)
6622 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، قَالَ: " ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْأُسَارَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] الْآيَةَ، فَجَعَلَ اللهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ، [ص:226] إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَعْبَدُوهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا فَادَوْا بِهِمْ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدٍ بَعْدُ فِي: اسْتَعْبَدُوهُمْ(11/225)
ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ مَالَ إِلَى الْقَتْلِ وَرَأَى أَنَّهُ أَعْلَى مِنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي أَسِيرٍ: يُعْطَى بِهِ كَذَا وَكَذَا: اقْتُلُوهُ، قَتْلُ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِيَاضُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ يَقْتُلَانِ الْأُسَارَى، وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي أَسِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا يُقْتَلُ فِي الْأُسَارَى، وَالْآخَرُ يُفَادَى: يُفَادَى الَّذِي يُقْتَلُ أَفْضَلُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْأُسَارَى: أَمْثَلُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقْتَلَ كُلُّ مَنْ خِيفَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: الْإِثْخَانُ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا يَطْمَعُ بِهِ الْكَثِيرُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَعَلَّ مَنْ يَمِيلُ إِلَى الْقَتْلِ قَوْلُهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67] الْآيَةَ
6623 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاؤُدَ الزَّهْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ، فَاسْتَشَارَ(11/226)
رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَادِهِمْ، وَقَالَ عُمَرُ: اقْتُلْهُمْ، قَالَ قَائِلٌ: أَرَادُوا قَتْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَدْمَ الْإِسْلَامِ، وَيَأْمُرُهُ أَبُو بَكْرٍ بِالْفِدَاءِ، وَقَالَ قَائِلٌ: لَوْ كَانَ فِيهِمْ أَبُو عُمَرَ، أَوْ أَخُوهُ مَا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، فَفَادَاهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَادَ لَيُصِيبُنَا فِي خِلَافِ ابْنِ الْخَطَّابِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، وَلَوْ نَزَلَ الْعَذَابُ مَا أَفْلَتَ إِلَّا عُمَرُ»(11/227)
6624 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ جِيءَ بِالْأَسَارَى، وَمِنْهُمُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ، اسْتَبْقِهِمْ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَذَّبُوكَ، وَأَخْرَجُوكَ، وَقَاتَلُوكَ، قَدِّمْهُمْ، فَأَضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَاضْرِبْهُ عَلَيْهِمْ نَارًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ وَهُوَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ: قَطَعَتْكَ رَحِمُكَ، قَالَ: فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَقَالَ نَاسٌ: يَأْخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّ اللهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللهَ لَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، [ص:228] حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ، مَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36] الْآيَةَ، وَمَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى إِذْ قَالَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] الْآيَةَ، وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ إِذْ قَالَ: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26] الْآيَةَ، وَمَثَلُكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ مُوسَى إِذْ قَالَ: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوَا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] الْآيَةَ، أَنْتُمْ عَالَةٌ فَلَا يَنْفَلِتَنَّ أَحَدٌ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِلَّا سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُنِي أَخْوَفَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنِّي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَّا سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ» ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ [ص:229] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: " {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، فَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: الْإِثْخَانُ الْقَتْلُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي: حَتَّى يُثْخِنَ عَدُوَّهُمْ حَتَّى يَنْفِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَجَازُهُ حَتَّى يَغْلِبَ وَيُبَالِغَ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: " {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، أَيْ تَقْتُلُهُمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي يُرِيدُونَ إِطْفَاءَهُ الَّذِي بِهِ نُدْرِكُ الْآخِرَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَتْلُ الْأَسِيرِ خَيْرٌ مِنْ إِمْسَاكِهِ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] الْآيَةَ، ثُمَّ نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ بَعْدُ، إِنْ شِئْتَ فَمُنَّ، وَإِنْ شِئْتَ فَفَادِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَوَائِلِ: إِنَّ قَوْلَهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] الْآيَةَ، نَزَلَ بَعْدَ قَوْلِهِ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] الْآيَةَ، رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالسُّدِّيِّ(11/227)
6625 - حَدَّثَنَا عَلَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] الْآيَةَ، يَعْنِي " نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ(11/229)
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: " {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] " قَدْ نَسَخَتْهَا قَوْلُهُ: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ} [الأنفال: 57] الْآيَةَ(11/230)
6626 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ قِيلَ لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ، فَقَالُوا: نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ» ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سَعْدٍ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْكُمْ فِيهِمْ» ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ»(11/230)
6627 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ حَبِيبٍ أَبِي يَحْيَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَتْ عَيْنُهُ أُصِيبَتْ بِالسُّوسِ، فَقَالَ: " حَاصَرْنَا مَدِينَتَهَا فَلَقِيَنَا جَهْدًا، وَأَمِيرُ الْجَيْشِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، فَصَالَحَهُ دِهْقَانٌ عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ، وَيُؤَمِّنَ مِائَةً مِنْ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَ عَهْدَ أَبِي مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: اعْزِلْهُمْ، فَجَعَلَ يَعْزِلُهُمْ، وَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَخْدَعَهُ اللهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَعَزَلَ الْمِائَةَ، وَبَقِيَ عَدُوُّ اللهِ، فَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى، قَالَ: فَنَادَى، وَبَذَلَ مَالًا كَثِيرًا، فَأَبَى عَلَيْهِ، وَضَرَبَ عُنُقَهُ(11/230)
ذِكْرُ قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنَّ أَخْذَ الْفِدَاءِ وَالْمَنِّ عَلَى الْأَسِيرِ أَعْلَى مِنَ الْقَتْلِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِنْ حُجَّةِ مَنْ مَالَ إِلَى أَخْذِ الْفِدَاءِ وَالْمَنِّ عَلَى الْأَسِيرِ أَعْلَى مِنَ الْقَتْلِ، أَنَّ أَكْثَرَ أُسَارَى بَدْرٍ أُخِذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءُ، وَخَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَى الرَّجُلَ بِرَجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أُسِرَا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ فِيمَا مَضَى(11/231)
رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ فَادَى، فَقَسَمَهُمْ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَطَاءٌ يَكْرَهَانِ قَتْلَ الْأَسِيرِ، وَقَالَا: مِنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادِهِ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُصْنَعُ بِهِ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِ أُسَارَى بَدْرٍ، مِنَّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادَى(11/231)
6628 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ ثَمَانِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ لِيُقَاتِلُوهُمْ، فَأَخَذَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْذًا وَأَعْتَقَهُمْ، وَأَنْزَلَ اللهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24] الْآيَةَ(11/231)
ذِكْرُ الْأَسِيرِ يَقْتُلُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْعَامَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسِيرِ يَقْتُلُهُ الرَّجُلُ مِنَ الْعَامَّةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَيَقْتُلَهُ، وَيُفَادِيَ، وَكَانَ حُكْمُهُ عَنْ حُكْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ لِلْإِمَامِ إِلَّا إِعْطَاؤُهَا مَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لَوْ قَتَلَ طِفْلًا أَوِ امْرَأَةً، عُوقِبَ وَغُرِّمَ أَثْمَانَهُمَا، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ إِنْ كَانَ قَتَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ بِهِ إِلَى الْإِمَامِ بَعْدَمَا أَسَرَهُ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَمَا يَبْلُغُ بِهِ إِلَى الْإِمَامَ أَغْرَمَهُ ثَمَنَهُ، هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ: وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: وَالْأَسِيرُ لَا يَقْتُلُهُ حَتَّى يَرْفَعَهُ إِلَى الْإِمَامِ، إِلَّا أَنْ يَخَافَهُ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ أَسِيرَ غَيْرِهِ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَالِي لِيَكُونَ لَهُ نِكَايَةً فِي الْعَدُوِّ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ(11/232)
ذِكْرُ فِدَاءِ الْمَأْسُورَاتِ بِالْمَالِ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مَكَانَهُنَّ(11/232)
6629 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ نَوْفٍ أَبُو الْوَدَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَكُنَّا نَعْزِلُ عَنْهُنَّ، نَلْتَمِسُ أَنْ يُفَادَى بِهِنَّ عَنْ أَهْلِهِنَّ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: أَتَفْعَلُونَ هَذَا؟ وَفِيكُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ائْتُوهُ فَاسْأَلُوهُ، [ص:233] فَأَتَيْنَاهُ فَسَأَلْنَاهُ، أَوْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: " مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ، وَإِذَا قَضَى اللهُ أَمْرًا كَانَ(11/232)
ذِكْرُ إِطْلَاقِ الْأَسِيرِ بِغَيْرِ مَالٍ مِنْ مَعَانٍ جَامِعَةٍ(11/233)
6630 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ. فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ. وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟» فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى [ص:234] الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: أَصَبَوْتَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا، وَاللهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(11/233)
6631 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ، وَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ قَالَ ثُمَامَةُ: وَاللهِ لَا يَأْتِي أَهْلَ مَكَّةَ حَبَّةٌ مِنْ طَعَامٍ حَتَّى يُسْلِمُوا، فَقَدِمَ الْيَمَامَةَ، فَحَبَسَ عَنْهُمُ الْحِمْلَ، حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَكَتَبُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ ثُمَامَةَ قَدْ حَبَسَ عَنَّا الْحِمْلَ، فَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ثُمَامَةَ: أَنْ خَلِّ إِلَيْهِمُ الْحِمْلَ، فَخَلَّاهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ إِبَاحَةُ رَبْطِ الْأَسِيرِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِبَاحَةُ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ، وَإِبَاحَةُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُسْلِمِ الْجُنُبِ الَّذِي خَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ تَعَاهُدِ الْأُسَارَى مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِئَلَّا يَضْرِبَهُمُ الْعَطَشُ وَالْجُوعُ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ مَنْ [ص:235] رَأَى أَنَّ الْعَرَبَ تُجْرِي عَلَيْهِمُ الرِّقَّ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهُ مِنْ حَدِيثِ:(11/234)
6632 - مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: فَأَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُطْلِقَ، فَقَالَ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامَةُ، وَأَعْتَقْتُكَ»(11/235)
ذِكْرُ النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الدِّيَةِ لِجِيفَةِ الْمُشْرِكِ(11/235)
6633 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ، أَصَابُوا رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَتَلُوهُ، فَسَأَلُوا أَنْ يَشْتَرُوا جِيفَتَهُ فَنهَاهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(11/235)
6634 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُتِلَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَبَعَثَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْعَثْ إِلَيْنَا بِجَسَدِهِ وَنُعْطِيكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا خَيْرَ فِي جَسَدِهِ، وَلَا فِي ثَمَنِهِ»(11/235)
اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَيَعْقُوبَ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَإِنَّمَا أَحَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ حَدَّثَنَا عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ» وَكَرِهَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ أَقُولُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَهَى عَنِ الرِّبَا نَهْيًا عَامًّا(11/236)
وُجُوبُ فَكَاكِ الْأُسَارَى مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ(11/236)
6635 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ» قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي الْأَسِيرُ(11/236)
6636 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، [ص:237] عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ
6637 - وَعَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ، وَأَنْ يَفُكُّوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِصْلَاحٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ(11/236)
6638 - أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَى بِرَجُلٍ مِنَ الْعَدُوِّ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(11/237)
6639 - حَدَّثَنَا أَبُو غَانِمٍ الْبُوشَنْجِيُّ، مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ هَنَّادٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدُ، هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَغَزَوْنَا فَزَارَةَ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ، أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَشَنَنَّا الْغَارَةَ، وَقَتَلْنَا عَلَى الْمَاءِ مَنْ قَتَلْنَا، قَالَ أَبِي: ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ، فِيهِ الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ، وَأَنَا أَعْدُو فِي آثَارِهِمْ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِيَ إِلَى الْجَبَلِ، فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَقَامُوا فَجِئْتُ بِهِمْ أَسْوَاقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، حَتَّى أَتَيْتُهُ عَلَى الْمَاءِ، فَإِذَا فِيهِمُ امْرَأَةٌ مِنْ فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ، مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ، فَنَفَّلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ [ص:238] هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، وَهِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَبَعَثَ بِهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَفِي أَيْدِيهِمْ أُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَفَدَاهُمْ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَفَكَّهُمْ بِهَا(11/237)
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ عَنِ الْأَوَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ(11/238)
6640 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ حِينَ طُعِنَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ أَسِيرٍ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ فِكَاكَهُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ(11/238)
6641 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَرِيكٍ الْعَامِرِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ، قَالَ: سَأَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى مَنْ فِكَاكُ الْأَسِيرِ؟ قَالَ: يَعْنِي عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي تُقَاتِلُ عَنْهَا [ص:239] وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا لِيَخْرُجَ بِهِ يَفْدِي الْأُسَارَى، فَقَالَ: الرَّجُلُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّا سَنَجِدُ نَاسًا فَرُّوا إِلَى الْعَدُوِّ طَوْعًا، فَنَفْدِيهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَعَبِيدًا فَرُّوا طَوْعًا، وَإِمَاءً، قَالَ: افْدُوهُمْ، فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ صِنْفًا مِنَ النَّاسِ مِنْ خَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَمَرَ بِهِ فَفُدِيَ، وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا خَرَجَ الرُّومِيُّ بِالْأَسِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى الْكُفْرِ، لِيُفَادُوهُ بِمَا اسْتَطَاعُوا. قَالَ اللهُ: {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} [البقرة: 85] الْآيَةَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ بَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ يَفْدِي أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْقُسْطَنْطِينَيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَبَوْا أَنْ يَفْدُوا الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: زِدْهُمْ، قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا إِلَّا أَرْبَعًا؟ قَالَ: فَأَعْطِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ مَا سَأَلُوكَ، وَاللهِ لَرَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ مُشْرِكٍ عِنْدِي، وَإِنَّكَ مَا فَدَيْتَ بِهِ الْمُسْلِمَ فَقَدْ ظَفِرْتَ، وَإِنَّكَ إِنَّمَا تَشْتَرِي الْإِسْلَامَ، قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدْتُ رِجَالًا قَدْ تَنَصَّرُوا، فَأَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَفْدِيهِمْ بِمِثْلِ مَا تَفْدِي بِهِ غَيْرَهُمْ، وَقَالَ فِي النِّسَاءِ: وَفِيمَنْ تَنَصَّرَ مِنْهُنَّ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي الْعَبِيدِ: إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَصَالَحْتُ عَظِيمَ الرُّومِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلَيْنِ مِنَ الرُّومِ. [ص:240] وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ: أَفْدِيهِمْ بِمِثْلِ مَا تَفْدِي بِهِ غَيْرَهُمْ، وَسُئِلَ مَالِكٌ، وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ افْتِدَاءُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَلَيْسَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يَسْتَنْفِذُوهُمْ، فَقِيلَ: بَلَى، فَقَالَ: فَكَيْفَ لَا يَفْدُوهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى: لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَأْبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُفَادَى رَأْسٌ بِرُءُوسٍ، أَلَيْسَ قَدْ فادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ لَا يُفَادَى بِالْأَمْوَالِ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ إِسْحَاقُ: الْفِدَاءُ بِالرُّءُوسِ أَحَبُّ إِلَيْنَا، وَلَوْ رَأْسٌ بِرُءُوسٍ، وَلَكِنْ إِنْ أَبَوْا إِلَّا أَنْ يُفَادُوا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لَا يَحِلُّ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنْ يُفَادِيَهُمْ وَلَوْ بِمَالٍ عَظِيمٍ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا أَوْصَى بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ طُعِنَ(11/238)
ذِكْرُ مَا يَجِبُ مِنْ حِيَاطَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمِنْهُمْ مِمَّا يَجِبُ مِنْهُ مَنْعُ الْمُسْلِمِينَ(11/240)
6642 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ كَانَ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: " أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِكَذَا وَكَذَا، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللهِ. وَذِمَّةِ رَسُولِهِ خَيْرًا، وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ [ص:241] وَقَالَ عَوَّامٌ: أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ: يُسْبَوْنَ، ثُمَّ يُصِيبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدُ، إِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ وَيُرَدُّونَ إِلَى ذِمَّتِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنْ يُفْدَى أَسْرَاهُمْ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ: هُمْ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ إِنْ أَدْرَكُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ كَانُوا أَوْلَى بِهَا، وَإِنْ أَدْرَكُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالثَّمَنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ غَيْرَ ذَلِكَ، رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، سَبَاهُمُ الْعَدُوُّ فَبَاعُوهُمْ مِنْ أَهْلِ قُبْرُسَ، ثُمَّ بَاعَهُمْ أَهْلُ قُبْرُسَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا خَاصَمُوهُمْ، فَكَتَبَ هِشَامٌ: أَنَّ أَجْرَ بَيْعِهِمْ لِمَنِ اشْتَرَاهُمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ أَصَابَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ شَيْئًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ رُدَّ إِلَى ذِمَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهُنَّ بَيِّنَةٌ، كَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ سَائِرِ الرِّجَالِ الَّذِينَ الْإِمَامُ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى(11/240)
ذِكْرُ الْحُكْمِ فِي الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَشْتَرِي أَسِيرًا مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَدُوِّ بِإِذْنِ الْأَسِيرِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ اشْتَرَى أَسِيرًا(11/241)
مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعَدُوِّ بِأَمْرِهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ، وَدَفَعَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِنِ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، كَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَشَرِيكٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ قَتَادَةَ، وَأَبُو هَاشِمٍ: يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْقَسِيمَةَ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْأَسِيرُ وَالْمُشْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِذَا اشْتَرَاهُ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ الْغَارِمِ مَعَ يَمِينِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ يَشْرِيهِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْعَدُوِّ: إِنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ دُفِعَا إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُمَا بِهِ مَا اشْتَرَاهُمَا، وَيُرَدُّ الذِّمِّيُّ إِلَى أَهْلِ دِينِهِ، وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، يُعْطَاهُ الَّذِي اشْتَرَاهُمَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ ذَلِكَ السُّلْطَانُ، رَأَيْتُ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرِيَا بِهِ دَيْنًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّذِي اشْتَرَى بِهِ: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَجِبُ عَلَى الْأَسِيرِ شَيْءٌ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْأَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْأَسِيرِ لَزِمَهُ، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ لِلثَّوْرِيِّ: فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ إِذَا أَقَرَّ الْأَسِيرُ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ الثَّمَنَ؟ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا قَالَ الْأَسِيرُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَشْتَرِيَنِي بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَمَرْتَنِي بِكَذَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لِيَلِيَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ الْآمِرُ مَعَ يَمِينِهِ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ(11/242)
الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الْحُرِّ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ مِنَ الْعَدُوِّ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالُوا فِي التَّاجِرِ يَشْتَرِي مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ: هُوَ أَسِيرٌ فِي يَدِي الْعَدُوِّ مِنْهُمْ، أَنَّهُ يَصِيرُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ، فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ إِنْ شَاءَ بِالثَّمَنِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِقَوْلِ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ أَقُولُ، لَا يَرْجِعُ بِمَا اشْتَرَاهُ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ، وَإِذَا تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَ الْأَسِيرَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ حُجَّةً تُوجِبُ لِمُشْتَرٍ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَسِيرِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَالْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ التَّاجِرُ مِنَ الْعَدُوِّ، فِيمَا أَخَذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَالْجَوَابِ فِي الْحُرِّ يَأْخُذُهُ مَوْلَاهُ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي، كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ سَوَاءً(11/243)
ذِكْرُ الْأَسِيرِ يُرْسِلُهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَنْ يَجِيئَهُمْ بِمَالٍ أَوْ يَبْعَثَ بِهِ إِلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسِيرِ يَشْتَرِي نَفْسَهُ مِنَ الْعَدُوِّ، عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِالثَّمَنِ إِلَيْهِمْ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَفِي لَهُمْ كَذَلِكَ، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي هَذَا: يَفِي لَهُمْ، وَكَذَلِكَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَوْ يَبْعَثُ فِيمَا قَالَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا خَلَّوْهُ عَلَى فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِمْ إِلَى وَقْتٍ، وَأَخَذُوا عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَدْفَعِ الْفِدَاءَ أَنْ يَرْجِعَ فِي إِسَارِهِمْ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعُودَ فِي إِسَارِهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَدَعُهُ إِنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ، فَإِنْ كَانُوا امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إِلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمُوهُ، فَلَا يُعْطِهِمْ مِنْهُ شَيْئًا، لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ(11/243)
حَقٍّ، وَإِنْ صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا عَلَى شَيْءٍ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهِمْ، إِنَّمَا اطَّرَحَ عَنْهُ مَا اسْتَكْرَهَ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي نَاسٍ مِنَ الْعَدُوِّ اسْتَأْمَنُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِ الْأُسَارَى فَيُفَادُوهُمْ، فَأَمَّنَهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَدَخَلُوا لَهُمْ، وَأَسْقَطُوا عَلَيْهِمْ فِي الْفِدَاءِ، وَقَالُوا: يُفَادَى كُلُّ رَجُلٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ تَرُدُّونَهُمْ مَعَنَا إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَكِنْ يُفَادُوهُمْ بِمَا يُفَادَى بِهِ مِثْلُهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا، مَنَعَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَقَالَ لَهُمْ: خُذُوا مِنَّا فِدَاءَ مِثْلِهِمْ، وَإِلَّا فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ، إِلَّا أَنْ يَعْقُوبَ قَالَ: إِذَا اسْتَطَاعُوا فِي الْفِدَاءِ فَادَى الْإِمَامُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِدِيَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ، أَوْ مُدَبَّرِينَ، أَوْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ، أَوْ عُبَيْدٍ مُسْلِمِينَ، فَادَاهُمْ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا، لَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَدَعْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِنْ أَرْسَلُوهُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ بِفِدَاءٍ، أَوْ رَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِنْ وَجَدَ فَدَاهُ، وَإِلَّا رَجَعَ إِلَيْهِمْ. وَرُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَقَالَ: يَفِي لَهُمْ بِالْعَهْدِ، وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الْعَدُوِّ يُخَلُّونَ سَبِيلَ الْأَسِيرِ وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ عَلَى أَنَّهُ يَهْرَبُ، وَلَا يُقَاتِلُ، وَيَبْغِيهِمْ شَرًّا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ عَلَى هَذَا، هَلْ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ؟ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ جَعَلَ لَهُمْ عَهْدًا فَلْيَفِ بِعَهْدِهِ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَيْهِ عَهْدًا، فَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَهْرُبَ فَلْيَفْعَلْ , وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إِذَا خَلَّوْهُ عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحَ مِنْ عِنْدِهِمْ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ، لَا أَرَى أَنْ يُفَارِقَهُمْ، فَإِنْ هُوَ فَعَلَ كَانَ قَدْ خَتَرَ(11/244)
بِالْعَهْدِ: وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ قَدَرَ عَلَى فِدَاءٍ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّ هُوَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْفِدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى كُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ، فَلَا يَبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ بِقِيمَتِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِيمَا مَضَى(11/245)
6643 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: أَخَذَنِي وَأَبِي الْمُشْرِكُونَ أَيَّامَ بَدْرٍ، فَأَخَذُوا عَلَيْنَا عَهْدًا أَنْ لَا نُعِينَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «فَوَلِّهِمْ، وَلَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمَنْ حُجَّتُهُمْ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةُ أَبِي بَصِيرٍ فِي أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُمْ بَعْدَ الصُّلْحِ مُسْلِمًا، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ فَرَدَّهُ إِلَى أَبِيهِ، وَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَرَدَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يُؤْسَرُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، يَأْسِرُهُ الرُّومُ يُوثِقُوهُ ثُمَّ يُحِلُّونَهُ بَعْدُ، فَيَهْرَبُ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا لَا أَرَاهُ أَعْطَاهُمْ عَهْدًا وَلَا مِيثَاقًا، وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يَهْرُبَ مِنْهُمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَوْلُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ: إِذَا ائْتَمَنُوهُ عَلَى شَيْءٍ لَهُمْ فَلْيُؤَدِّ أَمَانَتَهُ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ، وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ، وَيَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ، فَلْيَفْعَلْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " إِذَا أَمَّنُوهُ، فَأَمْنُهُمْ إِيَّاهُ أَمَانٌ لَهُمْ مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلَا يَخُونَهُمْ، فَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ، وَإِنْ أُدْرِكَ لِيُؤْخَذَ، [ص:246] فَلَهُ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ قَتَلَ الَّذِي أَدْرَكَهُ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِيُؤْخَذَ إِحْدَاثٌ مِنَ الطَّالِبِ غَيْرَ الْأَمَانِ، فَيَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْ طَلَبِهِ(11/245)
ذِكْرُ رَقِيقِ أَهْلِ الْحَرْبِ يَخْرُجُونَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ(11/246)
6644 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أَعْتَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الطَّائِفِ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ(11/246)
6645 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الطَّائِفِ، بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(11/246)
6646 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى أَبُو الْأَصْبَغِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: خَرَجَ عِبْدَانٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ الصُّلْحِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ [ص:247] مَوَالِيهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُمْ، وَقَالَ: «هُمْ عُتَقَاءُ اللهِ» وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْعَبْدُ يَجِيءُ فَيُسْلِمُ، ثُمَّ يَجِيءُ سَيِّدَهُ بَعْدُ، فَيُسَلِّمُ، قَالَ: لَا يُرَدُّ إِلَيْهِ، وَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ جَاءَ السَّيِّدُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ جَاءَ الْعَبْدُ فَأَسْلَمَ، رُدَّ إِلَى سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: فَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا، قَالَ: هُوَ حُرٌّ وَهُوَ أَخُوهُمْ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي الْعَبْدِ مِنْ عَبِيدِ الْعَدُوِّ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُسْلِمُ، قَالَ اللَّيْثُ هُوَ حُرٌّ، وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَرَضِيَ بِالْخَيْرِيَّةِ، فَذَلِكَ لَهُ، وَيُتْرَكُ مَا أَرَادَ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَهُوَ حُرٌّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إِنْ أَسْلَمُوا أَنَّ بَيْعَهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَمِمَّنْ حَفِظْنَا ذَلِكَ عَنْهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ [ص:248] وَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، يَقُولَانِ: إِذَا أَسَرَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا، فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ، وَيُبَاعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الْحَرْبِيِّ يَدْخُلُ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَيَشْتَرِي عَبْدًا مُسْلِمًا ثُمَّ يُدْخِلُهُ مَعَهُ دَارَ الْحَرْبِ، قَالَ: يَعْتِقُ الْعَبْدُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَعْتِقُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا لَا يَعْتِقُ، وَلَكِنَّهُ إِذَا صَارَ إِلَيْنَا بِأَمَانِ أَوْ غَيْرِهِ بِيعَ عَلَيْهِ(11/246)
ذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ مِنَ السَّبْيِ يَصِيرُونَ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَاءَ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(11/248)
6647 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنِ الْوَلَدِ وَبَيْنَ أُمِّهِ، وَالْوَلَدُ طِفْلٌ لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ أُمِّهِ، غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ بِجُمْلَةِ هَذَا الْقَوْلِ: وَإِنِ اخْتَلَفَ أَلْفَاظٌ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْأَوْزَعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ(11/249)
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِّينَا عَنِ الْأَوَائِلِ فِي هَذَا الْبَابِ(11/249)
6648 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عِقَالٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، كَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: «لَا تُفَرِّقْ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ» ، يَعْنِي فِي الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ(11/249)
6649 - حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، عَنْ حَمَّادٍ
6650 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ عِقَالٍ، أَنَّ عُمَرَ، كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ مِائَةً مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ لَا تَشْتَرِيَ مِنْهُمْ أَحَدًا تُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَالِدَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ(11/249)
6651 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، قَدِمَ بِسَبْيٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَصُفُّوا، فَقَامَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: بِيعَ ابْنِي فِي بَنِي عَبْسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي أُسَيْدٍ: «لَتَرْكَبَنَّ فَلَتَجِيئَنَّ بِهِ كَمَا بِعْتَهُ بِالْيَمَنِ» فَرَكِبَ أَبُو أُسَيْدٍ فَجَاءَ بِهِ(11/250)
6652 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مَنْ، سَمِعَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، قَالَ سَالِمٌ: وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلِ الْقَسْمُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: «وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلِ الْقَسْمُ» وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا، فَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: حَدُّ ذَلِكَ ثَغْرٌ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنَّ حَدَّ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَعَ نَفْسَهُ، وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ فَوْقَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، هَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الصِّغَرِ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَصِيرَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالرَّبِيعُ عَنْهُ. وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَلْبَسُ وَحْدَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَحْدَهُ، وَيَأْكُلُ وَحْدَهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ، وَهَذَا قَوْلٌ رَابِعٌ. [ص:251] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَا تُولَهُ امْرَأَةٌ عَنْ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: لَا تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ حَتَّى يُرْفَعَ عَنْهُ اسْمُ الْيَتِيمِ(11/250)
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى فِي السَّبْيِ «أَنْ لَا يُولَهُ وَلَدٌ عَنْ وَالِدَتِهِ»
6653 - ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرَنِي عَنِ ابْنِ وَهْبٍ " عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ وَحِكَايَةُ سَعِيدٍ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلٌ خَامِسٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَوْلًا سَادِسًا، قِيلَ لِأَحْمَدَ: مَنِ الَّذِي يُكْرَهُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ مِنَ السَّبَايَا؟ قَالَ: السَّبْيُ خَاصَّةً لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، قَالَ: وَقَدْ تَرَخَّصَ بَعْضُ النَّاسِ فِي الْوَلَدَيْنِ مِنْهُمْ، فَأَمَّا السَّبْيُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ، قَالَ: فَالْمُحْتَلِمَيْنِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ: بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا وَالْأَخَوَيْنِ، قَالَ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنَ السَّبْيِ، قُلْتُ لَهُ: وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ عُثْمَانُ حِينَ قَالَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَهْلِ الْبَيْتِ: بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ كِبَارٌ، وَقَالَ النُّعْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا إِذَا كَانُوا صِغَارًا، وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا أَوْ نِسَاءً أَوْ غِلْمَانًا قَدِ احْتَلَمُوا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إِلَّا مَا رُوِّينَاهُ، عَنْ عُمَرَ هُوَ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَلَدِ وَوَالِدَتِهِ فِي الْبَيْعِ، وَأَحْسَبُ أَنَّ الْحَدِيثَ هُوَ عَنْ عُثْمَانَ، وَلَكِنَّ الَّذِي حَدَّثَنِي، قَالَ: عَنْ عُمَرَ فَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَالِدِهِ فَإِنَّ مَالِكًا قِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ الْوَالِدَ وَوَلَدَهُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ. [ص:252] وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَبَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ لَا يَجُوزَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: أَمَّا الْأَبُ وَالْأَخُ وَالْوَلَدُ فَهُوَ أَبْيَنُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُشْتَرَى لَهُ مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنَ السَّبْيِ، وَفِي قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ فِي الْبَيْعِ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ كُلِّ مَنْ يَرَى أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ. وَيُشْبِهُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: " فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، وَلَمْ تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ، قِيلَ: السُّنَّةُ فِي الْوَلَدِ وَأُمِّهِ، وَوَجَدْتُ حَالَ الْوَلَدِ مِنَ الْوَالِدِ مُخَالِفًا حَالَ الْأَخِ مِنْ أَخِيهِ، وَوَجَدْتُنِي أَجْبُرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَالِدِ، وَالْوَالِدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ، وَذَكَرَ كَلَامًا تَرَكْتُ ذِكْرَهُ هَا هُنَا(11/251)
ذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْقَرَابَاتِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَكُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنَ السَّبْيِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قِيلَ لَهُ: وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ(11/252)
6654 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: «أَنْ لَا، يُفَرِّقَ بَيْنَ أَخَوَيْنِ، يَعْنِي فِي الْبَيْعِ»(11/253)
6655 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: كَتَبَ إِلَيَّ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بِذَلِكَ(11/253)
6656 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ قَالَتْ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى مَدِينَةِ مَقْنَا فَأَصَابَ مِنْهُمْ سَبَايَا فِيهِمْ ضُمَيْرَةُ مَوْلَى عَلِيٍّ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعِهِمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: «مَا لَهُمْ يَبْكُونَ؟» قَالَ: فَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ وَهُمْ إِخْوَةٌ، فَقَالَ: «لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ بِيعُوهُمْ جَمِيعًا» وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَرَابَةِ فِي الْبَيْعِ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، وَالْأَخِ وَأُخْتِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَنْبَغِي لِوَالِي الْجَيْشِ إِذَا أَصَابُوا غَنِيمَةً مِنَ الْعَدُوِّ وَفِيهِمْ رَقِيقٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ أَوْ يَبِيعَهُمْ وَفِيهِمْ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ، وَمَعَهُمَا وَلَدٌ [ص:254] صَغِيرٌ: أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا، يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ فِي سَهْمِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الرَّقِيقَ مَا يَصِيرُ هَذَا الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ وَوَلَدُهُ لَهُمْ جَعَلَهُمْ لِعِدَّةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ ذَلِكَ بَاعَهُمْ جَمِيعًا، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ هُوَ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ جَازَ ذَلِكَ. وَقَدْ آسَى فِي قَوْلِ النُّعْمَانِ وَزُفَرَ، وَأَمَّا فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ: فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ أَوْ يَسْتَرِدَّهُمْ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمْ جَمِيعًا وَبَيْنَهُمْ، أَوْ يَجْعَلَهُمْ فِي سَهْمِ رَجُلٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي السَّبْيِ امْرَأَةٌ وَوَلَدُهَا صَغِيرٌ وَلَمْ يُسْبَى أَبُوهُ مَعَهُمَا، أَوْ كَانَ رَجُلٌ وَوَلَدٌ لَهُ صَغِيرٌ وَلَيْسَ مَعَهُمَا أُمُّ الصَّبِيِّ، أَوْ كَانَ غُلَامَانِ آخَرَانِ صَغِيرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ، وَلَيْسَ مَعَهُمَا أَحَدٌ مِنْ أَبَوَيْهِمَا، كَذَلِكَ الْأُخْتَانِ، كَذَلِكَ الرَّجُلُ وَابْنُ أَخِيهِ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ أَوِ الصِّبْيَةُ إِذَا كَانَتْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّةٌ، أَوْ خَالَةٌ، أَوْ جَدٌّ، أَوْ جَدَّتُهُ، أَوِ ابْنُ أَخِيهِ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مُحَرَّمٍ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي قِسْمَةٍ وَلَا بَيْعٍ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ سَمَّيْنَا فَقَدْ أَسَاءَ فِي ذَلِكَ، وَجَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ، وَإِنْ فَرَّقَ اسْتَرَدَّهُمَا حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُصَيِّرَهُمَا جَمِيعًا فِي سَهْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يَبِيعَهُمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ، وَلَا بَأْسَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا إِذَا كَانُوا فِي السَّبْيِ فِي الْقَسْمِ وَالْبَيْعِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا مَا دَامُوا صِغَارًا، وَإِذَا كَانُوا كِبَارًا قَدْ أَدْرَكُوا وَلَيْسَ فِيهِمْ صَغِيرٌ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ كُلِّ مَنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْوَالِدِ. هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. [ص:255] وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَبَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَلَا يُفَرَّقُوا بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا، حَتَّى يَبْلُغَ وَحْدَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ فَوْقَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمُ الْوَالِدَةُ وَوَلَدِهَا، وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ لَمْ يَبْلُغْ سَبْعَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا حَالٌ قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّهُ حُكْمُ الْأَبِ كَحُكْمِ الْأُمِّ فِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ الطِّفْلِ كَمَا قُلْنَا فِي الْأُمِّ سَوَاءً، لَكَانَ مَذْهَبًا حَسَنًا، فَأَمَّا سَائِرُ الْقَرَابَاتِ فَالْمَنْعُ مِنَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذَا لَا أَعْلَمُ مَعَ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ حُجَّةٌ تَلْزَمُ، وَاللهُ أَعْلَمُ(11/253)
جِمَاعُ أَبْوَابِ الْأَمَانِ(11/255)
ذِكْرُ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ دَمَ الْكَافِرِ يَحْرُمُ بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْأَمَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَامَّةِ غَيْرَ الْإِمَامِ(11/255)
6657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ، وَأَبُو خَالِدٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَنَّ رَجُلًا، مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجَارَ رَجُلًا وَهُوَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالَ عَمْرٌو [ص:256] وَخَالِدٌ: لَا يُجِيرُ مَنْ أَجَارَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بَلَى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ»(11/255)
6658 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ»(11/256)
ذِكْرُ خَبَرٍ يُوَافِقُ ظَاهِرَ خَبَرِ أَبِي عُبَيْدَةَ بِإِجَازَةِ أَمَانِ كُلِّ مُسْلِمٍ كَانَ أَدْنَاهُمْ أَوْ أَفْضَلَهُمْ(11/256)
6659 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَقْصَاهُمْ»(11/256)
ذِكْرُ إِجَازَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ(11/257)
6660 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى عَلِيٍّ أَنَا وَرَجُلٌ، فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ عَهِدَ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا بِمَ يَعْهَدُهُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا مَا فِي قِرَابِي هَذَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ كِتَابًا، فَإِذَا فِي كِتَابِهِ ذَلِكَ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوِ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(11/257)
6661 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَا كَانَ حَلِيفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، تُرَدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعَدِهِمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُؤْمِنِ، وَلَا جَنَبَ وَلَا جَلَبَ، وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ»(11/257)
6662 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابٍ شَيْءٌ إِلَّا كِتَابَ اللهِ، وَشَيْءٌ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَالْعَدْلُ: هِيَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، وَالصَّرْفُ: صَلَاةُ التَّطَوُّعِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَيُقَالُ: الْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ، وَالصَّرْفُ: التَّوْبَةُ(11/258)
ذِكْرُ أَمَانِ الْعَبْدِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ وَالِي الْجَيْشِ أَوِ الرَّجُلِ الْحُرِّ الَّذِي يُقَاتِلُ جَائِزٌ عَلَى جَمْعِهِمْ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَمَانِ الْعَبْدِ فَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ، مِمَّنْ أَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ:(11/258)
6663 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَالِ، قَالَ: حَدَّثَنِي فُضَيْلٌ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: حَاصَرْنَا حِصْنًا يُقَالُ لَهُ: صَهْرَتَاجُ، فَحَاصَرْنَاهُمْ، فَقُلْنَا: نَرُوحُ إِلَيْهِمْ، فَكَتَبَ عَبْدٌ مِنِ الْمُسْلِمِينَ فِي سَهْمٍ فِي أَمَانِهِمْ، فَرَمَى بِهِ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجْنَا إِلَيْهِمْ فِي مَوَانِهِ إِلَيْنَا فَكَفَفْنَا عَنْهُمْ، وَكَتَبْنَا فِي ذَلِكَ [ص:259] إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ: «أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ، أَوْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ فَوفَّيْنَا لَهُمْ» وَمِمَّنْ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ وَلَمْ يَشْرِطْ كَانَ مِمَّنْ يُقَاتِلُ أَوْ لَمْ يَكُنْ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَرَى أَنْ يُجَازَ جِوَارُهُ، أَوْ رُدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَانُ الْعَبْدِ إِذَا كَانَ يُقَاتِلُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاتِلُ، وَإِنَّمَا يَخْدِمُ مَوْلَاهُ، فَأَمَّنَهُمْ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَمَانًا لَهُمْ، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ، وَيَعْقُوبَ، ثُمَّ قَالَا: وَأَمَّا الْأَجِيرُ، أَوِ الْوَكِيلُ، أَوِ الْمُسْتَوْفِي إِذَا كَانُوا أَحْرَارًا، فَأَمَانُهُمْ جَائِزٌ، قَاتِلُوا، أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّازِمُ إِذَا كَانَ يُجِيزُونَ أَمَانَ الْأَجِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَكَانَ فِي خِدْمَةِ صَاحِبِهِ، أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ أَمَانُ الْعَبْدِ يَلْزَمُ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِي الْعَبْدِ أَنْ يُقَاتِلَ، فَالْأَجِيرُ الَّذِي لَا يُقَاتِلُ، لَمْ يَجُزْ أَمَانُهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِظَاهِرِ خَبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقُولُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» قَوْلُهُ: «يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ» وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ قَاتَلَ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَكَذَلِكَ لَمَّا أَجَازَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمَانَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، لَمْ يَذْكُرْ قَاتَلَ، أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ [ص:260] فَرْقٌ لَذَكَرَهُ، وَهُمْ قَدْ يُجِيزُونَ أَمَانَ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ، وَأَمَانَ الرَّجُلِ الْمَرِيضِ، وَالْجَبَانِ، وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا، وَقَوْلُهُمْ: خَارِجٌ عَنْ ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، مُخَالِفٌ لَهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ(11/258)
ذِكْرُ أَمَانِ الْمَرْأَةِ(11/260)
6664 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ ابْنَةَ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلَى أَنَّهُ قَاتِلٌ مَنْ أَجَرْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ»(11/260)
6665 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بِذَلِكَ
6666 - وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُرَّة مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: أَجَرْتُ حَمْوَيْنِ لِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَتَفَلَّتَ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا، وَقَالَ: لَمْ تُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ، لَا تَقْتُلْهُمَا حَتَّى تَبْدَأَ بِي قَبْلَهُمَا، فَخَرَجْتُ، وَقُلْتُ: أَغْلِقُوا دُونَهُ الْبَابَ، [ص:261] وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «مَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَقَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتَ، وَأَجَرَنَا مَنْ أَجَرْتَ»(11/260)
6667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، أُسِرَ بِطَرِيقِ الشَّامِ، فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَارَتْ»(11/261)
ذِكْرُ مَا حَفِظْنَاهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ أَجْمَعَ عَامَّةُ مَنْ تَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ جَائِزٌ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ " فَيَجُوزُ(11/261)
6668 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَأْخُذُ عَلَى الْقَوْمِ تَقُولُ: «تُجِيرُ عَلَيْهِمْ» [ص:262] وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ: وَدَلَّتِ الْأَخْبَارُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ إِجَارَةُ أُمِّ هَانِئٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا ذَلِكَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، إِلَّا شَيْئًا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ صَاحِبُ مَالِكٍ، لَا أَحْفَظُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، سُئِلَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنِ الْأَمَانِ إِلَى مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ: ذَاكَ إِلَى الْأَئِمَّةِ، وَوَالِي الْجَيْشِ، وَوَالِي السَّرِيَّةِ، وَالْجَيْشِ، قِيلَ: فَمَا جَاءَ أَنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَمَا جَاءَ مِنْ أَمْرِ أُمِّ هَانِئٍ، وَمَنْ أَجَارَتْ، فَقَالَ: لَعَلَّ الَّذِي جَاءَ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَ بَعْدَمَا بَاتَتْ وُجُوهُهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَوْلَى، وَهُوَ الْمُصْلِحُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَاصَّةً، فَأَمَّا أَمْرُ الْأَمَانِ، فَهُوَ إِلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ فِيمَا أَعْلَمُ مِنْ أَعْظَمِ مَا اسْتَعْمَلَ لَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتْرُكُ ظَاهِرَ الْأَخْبَارِ بِأَنْ يُكَرِّرَ «لَعَلَّ» فِي كَلَامِهِ، وَقَلَّ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ يَحْتَمِلُ «لَعَلَّ» وَتَرْكُ ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْعِلَلِ، وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» ، دَلِيلٌ عَلَى إِغْفَالِ هَذَا الْقَائِلِ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ خِلَافُ خَبَرِ أُمِّ هَانِئٍ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخِلَافُ قَوْلِ عَائِشَةَ، وَخِلَافُ مَا قَالَ أُسْتَاذُهُ مَالِكٌ، وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَأَهْلُ الرَّأْيِ، وَبِخَبَرِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى، كَانَ يَجُوزُ(11/261)
ذِكْرُ أَمَانِ الذِّمِّيِّ أَجْمَعَ أَكْثَرُ مَنْ نَحْفَظُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَمَانَ الذِّمِّيِّ لَا يَجُوزُ، كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ " كَالدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ لَا يُجِيرُ عَلَيْهِمْ، لَكَانَ مَذْهَبًا. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَشْيَاخًا يَقُولُونَ: لَا جِوَارَ لِلصَّبِيِّ، وَالْمُعَاهِدِ، فَإِنْ أَجَارُوا، فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ، فَإِنْ أَحَبَّ أَمْضَى جِوَارَهُمْ، وَإِنْ أَحَبَّ رَدَّهُ، فَإِنْ أَمْضَاهُ، فَهُوَ مَاضٍ، وَإِنْ لَمْ يُمْضِهِ تَعَيَّنَ رَدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانَ غَزَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ أَجْرَاهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ(11/263)
ذِكْرُ أَمَانِ الصَّبِيِّ وَأَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ الصَّبِيِّ غَيْرُ جَائِزٍ، وَمِمَّنْ حَفِظْتُ عَنْهُ ذَلِكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ(11/263)
ذِكْرُ الْإِشَارَةِ بِالْأَمَانِ(11/264)
6669 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «وَاللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ، أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى مُشْرِكٍ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، فَقَتَلَهُ لَقَتَلْتُهُ بِهِ» وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: الْإِشَارَةُ بِالْأَمَانِ أَمَانٌ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ بِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا، فَلَيْسُوا بِآمِنِينَ، إِلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لَهُمُ الْوَالِي أَمَانًا، وَعَلَى الْوَالِي إِذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ، أَوْ قَالَ: وَهُوَ حَيُّ لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى مَأْمَنِهِمْ، وَيَنْبِذَ إِلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْإِشَارَةُ بِالْأَمَانِ إِذَا فُهِمَ عَنِ الْمُشِيرِ، يَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَشَارَ إِلَى الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُ فِي الصَّلَاةِ بِالْقُعُودِ، فَقَعَدُوا(11/264)
ذِكْرُ إِعْطَاءِ الْأَمَانِ بِأَيِّ لُغَةٍ تُفْهَمُ أَعْطُوا بِهَا الْأَمَانَ(11/264)
6670 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، [ص:265] حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَنَحْنُ مُحَاصِرُوا قَصْرٍ، فَقَالَ: " إِذَا حَاصَرْتُمْ قَصْرًا، فَلَا تَقُولُوا لَهُمُ: انْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللهِ وَحُكْمِنَا، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا حُكْمُ اللهِ، وَلَكِنِ انْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ، ثُمَّ احكُمُوا فِيهِمْ مَا شِئْتُمْ، وَإِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ، فَقَالَ: مَتْرَسْ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ: لَا تَخَفْ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِذَا قَالَ: لَا تَدْهَلْ، فَقَدْ أَمَّنَهُ، إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ الْأَلْسِنَةَ "(11/264)
6671 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ أَبُو مُوسَى تُسْتَرَ، وَأَتَى بِالْهُرْمُزَانِ أَسِيرًا، فَقَدِمْتُ بِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَكَلَّمْ، فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: بِلِسَانِ مَيِّتٍ أَتَكَلَّمُ أَمْ بِلِسَانِ حَيٍّ؟ فَقَالَ: تَكَلَّمْ، فَلَا بَأْسَ، فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ كَفَانَا مَا خَلَّى اللهُ بَيْنَنَا، وَبَيْنَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَكُمْ بِنَا يَدَانِ، فَلَمَّا كَانَ اللهُ مَعَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَنَا لَكُمْ يَدَانِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: كَانَ اللهُ مَعَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لَنَا بِكُمْ يَدَانِ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ قَدْ أَمَّنْتُهُ، قَالَ: كَلَّا، وَلَكِنَّكَ ارْتَشَيْتَ مِنْهُ، وَفَعَلْتَ، وَفَعَلْتَ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: لَيْسَ إِلَى قَتْلِهِ سَبِيلٌ، فَقَالَ: وَيْحَكَ أَسْتَحْيِيهِ بَعْدَ قَتْلِهِ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ، وَمَجْزَأَةَ بْنَ ثَوْرٍ، ثُمَّ قَالَ: هَاتِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا تَقُولُ، فَقَالَ [ص:266] الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ: قَدْ قُلْتُ لَهُ تَكَلَّمْ، فَلَا بَأْسَ، فَدَرَأَ عَنْهُ عُمَرُ الْقَتْلَ، وَأَسْلَمَ، فَفَرَضَ لَهُ مِنَ الْعَطَاءِ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَلْفَيْنِ، شَكَّ هُشَيْمٌ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَذَكَرَ مَالِكٌ قِصَّةَ الْهُرْمُزَانِ مُخْتَصَرًا، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سُئِلَ أَظُنُّهُ الثَّوْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يُدْرِكُ الْعِلْجَ، فَيَقُولُ لَهُ: قُمْ، أَوْ أَلْقِ سِلَاحَكَ، فَفَعَلَ، قَالَ: رَفَعَ عَنْهُ الْقَتْلَ، أَوْ يُلْقَى فِي الْمُقْسِمِ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ، كَأَنَّهُ قَدْ أَمَّنَهُ لِهَذَا الْقَوْلِ، قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ شَيْءٍ يَرَى الْعِلْجُ أَنَّهُ أَمَانٌ، فَهُوَ أَمَانٌ. قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ: إِذَا قَالَ: قِفْ، أَوْ قُمْ، أَوْ أَلْقِ سِلَاحَكَ، وَنَحْوَ هَذَا بِلِسَانِهِ أَوْ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَوَقَفَ، فَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ، وَيُبَاعُ إِلَّا أَنْ يِدَّعِيَ أَمَانًا، وَيَقُولُ: إِنَّمَا رَجَعْتُ، أَوْ وَقَفْتُ لِنِدَاكَ، فَهُوَ آمِنٌ، وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِعِلْجٍ، وَهُوَ فِي حِصْنِهِ: اخْرُجْ، فَخَرَجَ، قَالَ: لَا تَعْرِضْ لَهُ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْحَرْبِ: أَنْتَ آمِنٌ، أَوْ قَالَ: قَدْ أَمَّنْتُكَ، أَوْ قَالَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، أَوْ قَالَ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: مَتْرَسْ، أَوَ قَدْ أَمِنْتَ، فَهُوَ آمِنٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ(11/265)
ذِكْرُ أَمَانِ الْأَسِيرِ وَالتَّاجِرِ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ فِي أَمَانِ الْأَسِيرِ، وَالتَّاجِرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضَ الْحَرْبَ يْؤَمِّنَانِ الْمُشْرِكِينَ: لَا يَجُوزُ أَمَانُهُمَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. [ص:267] وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَمَانِ الْأَجِيرِ جَائِزٌ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: لَوْ أَنَّ أَسْرَى فِي عَمُّورِيَّةَ نَزَلَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونِ، فَقَالَ الْأَسْرَى: أَنْتُمْ آمِنُونَ يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ الْقُرْبَةَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: يَرْحَلُونَ عَنْهُمْ(11/266)
ذِكْرُ الْمُشْرِكِ يَطْلُبُ الْأَمَانَ لَيَسْمَعَ كِتَابَ اللهِ، وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، أَيُرَدُّ هَذَا، وَمَنْ أَشْبَهَهُ إِلَى مَأْمَنِهِ قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] الْآيَةَ. رُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} [التوبة: 6] أَيْ كِتَابَ اللهِ، فَإِنْ أَمِنَ، فَهُوَ الَّذِي دَنَا إِلَيْهِ، وَإِنْ أَبَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ، وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ: إِذَا قَالَ حَيْثُ أَسْمَعُ كَلَامَ اللهِ لَمْ يُؤْذَنْ بِحَرْبٍ، حَتَّى يُسْمَعَ مَا حَالُهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى النَّاسِ. وَرُوِّينَا عَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ: " {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] الْآيَةَ، وَإِبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَمَا كَانَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ،(11/267)
أَوْ حَيْثُ مَا اتَّصَلَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ قَرَبَ ذَلِكَ أَوْ بَعُدَ، قَالَ: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ مِنْكَ، أَوْ مِمَّنْ يَقْتُلُهُ عَلَى دِينِكَ مِمَّنْ يُطِيعُكَ، لَا أَمَانَةَ مِنْ غَيْرِكَ مِنْ عَدُوِّكَ أَوْ عَدُوِّهِ الَّذِي لَا يَأْمَنُهُ وَلَا يُطِيعُكَ، فَإِذَا أَبْلَغَهُ الْإِمَامُ أَدْنَى بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا فَقَدْ بَلَّغَهُ مَأْمَنَهُ الَّذِي كَلَّفَهُ، إِذَا أَخْرَجَهُ سَالِمًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ عَهْدِهِمْ، قَالَ: فَإِنْ قُطِعَ بِهِ بِلَادَنَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَرَدَّهُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَإِنْ عَرَضَ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كُلِّفَ الْمَشْيَ وَزُوِّدَ، أَوْ حُمِّلَ وَلَمْ يَقِرَّ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَأُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ عَشِيرَتُهُ الَّتِي يَأْمَنُ فِيهَا بَعِيدًا، فَأَرَادَ أَنْ يَبْلُغَ أَبْعَدَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَأْمَنَانِ، فَعَلَى الْإِمَامِ إِلْحَاقُهُ بِحَيْثُ كَانَ يَسْكُنُ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بِلَادَا شِرْكٍ يَسْكُنْهُمَا مَعًا، أَلْحَقَهُ الْإِمَامُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَمَتَى سَأَلَهُ أَنْ يُجِيرَهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ، ثُمَّ يُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ وَغَيْرَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ مَوْضِعَهُ الَّذِي اسْتَأْمَنَهُ مِنْهُ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ(11/268)
ذِكْرُ الْحَرْبِيِّ يُصَابُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَقُولُ: جِئْتُ مُسْتَأْمَنًا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْحَرْبِيِّ يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَيَقُولُ: جِئْتُ مُسْتَأْمَنًا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ بِالْخِيَارِ يَرَى فِيهِمْ رَأْيَهُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا وُجِدَ لَيْسَ مَعَهُ سِلَاحٌ فَأَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ، إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَحْيَاهُ،(11/268)
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا قَالَ: جِئْتُ رَسُولًا، أَوْ نُرِيدُ إِلَى إِمَامِكُمْ إِنْ وُجِدَ ظَاهِرًا، وَكَانَ مَعَهُ كِتَابٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَهُوَ آمِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ كِتَابٌ، وَقَالَ: جِئْتُ رَسُولًا، قَالَ: إِنْ وُجِدَ ظَاهِرًا أُمِّنَ أَوْ رُدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ وَقَدْ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَعَلَى الْقَاتِلِ دِيَتُهُ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَقَالَ: جِئْتُ رَسُولًا مُبَلِّغًا، قَبْلَ مِنْهُ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ، فَإِنِ ارْتَبْتَ بِهِ حُلِّفَ، فَإِذَا حَلَفَ تُرِكَ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ سِلَاحٌ، وَكَانَ مُنْفَرِدًا لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِثْلُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ: وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، عَقَدَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَرَادَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ، فَهَذِهِ الدَّارُ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِمُؤْمِنٍ، أَوْ مُعْطِي الْجِزْيَةِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قِيلَ لَهُ: أَدِّ الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا فَارْجِعْ إِلَى مَأْمَنِكَ، فَإِنِ اسْتُنْظِرَ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَلَّا يُنْظَرَ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللهَ جَعَلَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسِيحُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَكْثَرُ مَا يُجْعَلُ لَهُ أَنْ لَا يَبْلُغَ بِهِ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ فِي حَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَلَا يُنْظَرُ، إِلَّا دُونَ الْحَوْلِ، وَإِذَا دَخَلَ الْقَوْمُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِتِجَارَةٍ ظَاهِرِينَ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ حَالَ هَؤُلَاءِ حَالُ مَنْ لَمْ يَزَلْ يُؤَمَّنُ مِنَ التُّجَّارِ، وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ مُشْرِكًا، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مَالِهِ، وَلَوْ قَاتَلَ فَأُسِرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُوَ فَيْءٌ وَمَالُهُ، وَلَا سَبِيلَ عَلَى دَمِهِ لِلْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَ بِبَلَدِ الْحَرْبِ، أَحْرَزَ لَهُ إِسْلَامُهُ(11/269)
دَمَهُ وَمَالَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رِقٌّ، وَهَكَذَا إِنْ صَلَّى فَالصَّلَاةُ مِنَ الْإِيمَانِ، أَمْسَكَ عَنْهُ. وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي الرَّجُلِ يُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ عَهْدٍ: إِذَا جَاءَ عَلَى وَجْهِ فِدَاءِ أُسَارَى، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ، رُدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي رَجُلٍ دَخَلَ أَرْضَ الْمُسْلِمِينَ تَاجِرًا: لَا يُقْتَلُ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالُهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أُخِذَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَهْدٍ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، إِذَا قَالَ: جِئْتُ أَسْتَأْمَنُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ وَيَعْقُوبُ: إِذَا قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ إِلَى وَالِي الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ دَخَلْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولٌ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَصَارَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُ هَدَايَا، فَذَكَرَ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ أَرْسَلَ بِهَا مَعَهُ هَدِيَّةً إِلَى وَالِي الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَصَارَ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ فَهُوَ آمِنٌ كَانَ دَخَلَ بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِ أَمَانٍ، وَلَا يَعْرِضُ لَهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ مَتَاعًا، أَوْ سِلَاحًا، أَوْ رَقِيقًا، فَهُوَ كُلُّهُ حَلَالٌ لِوَالِي الْمُسْلِمِينَ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الْعِلْجِ يُلْقَى فِي بِلَادِ الرُّومِ مُحْتَمِلًا إِلَيْنَا، فَإِذَا أُخِذَ قَالَ: جِئْتُ أَطْلُبُ الْأَمَانَ، أَتَرَى أَنْ تُصَدِّقَ؟ قَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ أُمُورٌ مُشْكِلَةٌ وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمَرَ اللهُ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدِّيَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ، فَمَنْ وُجِدَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ، أَوْ إِنَّهُ دَخَلَ بِأَمَانٍ، سُئِلَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَقَامَهَا حَقَنَ دَمَهُ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ(11/270)
يُقِمْهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ أَهْلِ الْحَرْبِ، يُظْفَرُ بِهِمْ، إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَرَقَّ، وَإِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ، وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ قَالَ مَنْ خَالَفَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا وُجِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي دِينِ أَهْلِ الشِّرْكِ، إِنَّ دَمَهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ، حَتَّى يُعْلَمَ انْتِقَالُهُ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ هَذَا الْحَرْبِيُّ دَمُهُ مُبَاحٌ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ يُوجَدُ، حَتَّى يُعْلَمَ لَهُ حَالَةٌ يَجِبُ الْوُقُوفُ عَنْ قَتْلِهِ بِهَا(11/271)
ذِكْرُ أَمَانِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ ثُمَّ يَخْفَى وَيَشْتَبِهُ ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلْجِ يُشْرِفُ مِنْ حِصْنٍ، فَيُؤَمَّنُ، ثُمَّ لَمَّا فُتِحَ الْبَابُ، ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الَّذِي أُمِّنَ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَنَقَضَ بَعْضُهُمُ الصُّلْحَ، وَاخْتَلَطُوا فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ لَمْ يَغْدِرْ، وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ اعْتَزَلَتْ، أَمْسَكَ عَنْ كُلِّ مَنْ شَكَّ فِيهِ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَمْ يَسُبَّ ذُرِّيَّتَهُ، وَلَمْ يَغْنَمْ مَالَهُ، وَقَتَلَ وَسَبَى ذُرِّيَّةَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَدَرَ، وَغَنَمَ مَالَهُ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِهِ: " أَمْسَكَ عَنْ كُلِّ مَنْ شَكَّ فِيهِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، مَا يَجِبُ الْوُقُوفُ عَنْ قَتْلِ جَمِيعِ أَهْلِ الْحِصْنِ إِذَا خَفِيَ الَّذِي أُمِّنَ بِعَيْنِهِ.(11/271)
وَحُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي حِصْنٍ نَزَلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ فَتَحُوا الْحِصْنَ، فَادَّعَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ الَّذِي أَسْلَمَ وَهُمْ عَشْرَةٌ، قَالَ: يَسْعَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي قِيمَتِهِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ، وَيُتْرَكُ لَهُ عُشْرُ قِيمَتِهِ(11/272)
ذِكْرُ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بِهَا مَالٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بِهَا مَالٌ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَرَقِيقِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَوَلَدٍ صِغَارٍ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ فَهُوَ فَيْءٌ، وَامْرَأَتُهُ فَيْءٌ إِذَا كَانَتْ كَافِرَةً، وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى فَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ. وَخَالَفَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، فَقَالَ: كَانَتْ مَكَّةُ دَارَ حَرْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارًا، وَلَا أَرْضًا، وَلَا امْرَأَةً، وَأَمَّنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَعَفَا عَنْهُمْ، وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ وَالْأَوْزَاعِيَّ فِي قَوْلِهِ، وَخَالَفَهُ فِي الْحُجَّةِ، فَقَالَ: قَوْلُ الْأَوْزَاعِيُّ، كَمَا قَالَ: غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ، سَيَأْتِي احْتِجَاجُهُ بِمَكَّةَ، قَالَ: وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا أَنَّ ابْنَيْ شُعْبَةَ الْقُرَظِيَّانِ خَرَجَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَسْلَمَا، فَأَحْرَزَ لَهُمَا إِسْلَامَهُمَا دِمَاءَهُمَا، وَجَمِيعَ أَمْوَالِهِمَا مِنَ النَّخْلِ وَالدُّورِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ.(11/272)
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَغْنُومًا بِحَالٍ، فَأَمَّا وَلَدُهُ الْكِبَارُ وَزَوْجَتُهُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَإِنَّ سُبِيَتِ امْرَأَةٌ حَامِلًا مِنْهُ، فَلَيْسَ إِلَى إِرْقَاقِ ذِي بَطْنِهَا سَبِيلٌ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَلَا يَجُوزُ السِّبَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ(11/273)
مَسْأَلَةٌ قَالَ النُّعْمَانُ فِي الْمُسْتَأْمَنِ إِذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَتَرَكَ مَالًا، وَوَرَثَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ: يُوقَفُ حَتَّى يَقْدَمَ وَرَثَتُهُ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ جَاءَ الْوَرَثَةُ مُسْتَأْمَنِينَ بِكِتَابٍ مِنْ مَلِكِ أَرْضِهِمْ أَنَّهُمْ مِنَ الْوَرَثَةِ، هَلْ يَقْبِضُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الشُّهُودُ عِنْدَهُ، قَالَ: لَا يُقْبَلُ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا كَانُوا أَوْلَى بِمِيرَاثِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُعْطِيَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ بِكِتَابِ مَلِكِهِمْ أَنَّهُمْ وَرَثَتُهُ، وَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِيرَاثًا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَادِلَةٍ، فَأَمَّا شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَغَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَيُوقَفُ الشَّيْءُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْوَرَثَةُ(11/273)
ذِكْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى أَمَانِ الْحَرْبِيِّ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنِّي قَدْ أَمَّنْتُهُمْ، جَازَ أَمَانَةً عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ» وَلَمْ يَقُلْ إِنْ جَاءُوا عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا أَمَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، هَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوِ اثْنَانِ: قَدْ كُنَّا أَمَّنَّاهُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا وَذَلِكَ بَعْدَمَا صَارُوا فِي الْقِسْمَةِ، لَمْ يُصَدَّقُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا عَنْ فِعْلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا قَالَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوِ امْرَأَةٌ: قَدْ أَمَّنْتُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ آمِنُونَ، وَإِنْ صَارُوا فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ: قَدْ أَمَّنْتُهُمْ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ إِنْ قَامَ شَاهِدَانِ فَشَهِدَا أَنَّ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِيرُوا أَسْرَى فَهُمْ آمِنُونَ أَحْرَارٌ، وَإِذَا أَبْطَلْنَا شَهَادَةَ الَّذِي أَمَّنَهُ، فَحَقُّهُ مِنْهُمْ بَاطِلٌ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ، وَقَدْ زَعَمَ أَنْ لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهِ(11/274)
ذِكْرُ الْعِلْجِ يُضْمَنُ لَهُ أَنْ يُعْطَى كَذَا عَلَى أَنْ يُفْتَحَ بَابُ حِصْنٍ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، وَوُجُوبُ الْوَفَاءِ لَهُ بِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا قَالَ الْعِلْجُ لِلْإِمَامِ: أَفْتَحُ لَكُمْ بَابَ هَذَا الْحِصْنِ(11/274)
عَلَى أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا الشَّيْءَ يَذْكُرُهُ، فَمِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ مَعْلُومًا فَفَتَحَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفِيَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْ أَحَدٍ لَقِيتُهُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّهُ صَالَحَ دِهْقَانًا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ الْمَدِينَةَ وَيُؤَمِّنَ مِائَةً مِنْ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَأَخَذَ عَهْدَ أَبِي مُوسَى، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: فِي عِلْجٍ دَلَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْقَلْعَةِ صَالَحُوا صَاحِبَ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يَفْتَحَهَا لَهُمْ، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، فَفَعَلَ، فَإِذَا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ، قَالَ: فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ: إِنْ رَضِيتَ الْعِوَضَ عَوَّضْنَاكَ قِيمَتَهَا، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَعْطَيْنَا مَا صَالَحْنَاكَ عَلَيْهِ غَيْرَكَ، فَإِنْ رَضِيَ الْعِوَضَ أُعْطِيَهُ، وَتَمَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعِوَضَ، قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ: قَدْ صَالَحْنَا هَذَا عَلَى شَيْءٍ صَالَحْنَاكَ عَلَيْهِ بِجَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ، فَإِنْ سَلَّمْتَهُ إِلَيْهِ عَوَّضْنَاكَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْهُ نَبَذْنَا إِلَيْكَ وَقَاتَلْنَاكَ، وَإِنْ كَانَتِ الْجَارِيَةُ قَدْ أَسْلَمْتَ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِهَا فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهَا، وَيُعْطَى قِيمَتَهَا، وَإِنْ مَاتَتْ عُوِّضَ مِنْهَا بِالْقِيمَةِ، وَلَا يُبَيَّنُ فِي الْمَوْتِ كَمَا يُبَيَّنُ إِذَا أَسْلَمَتْ(11/275)
مَسْأَلَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشْرِكِ يَخْرُجُ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، ثُمَّ يُسْلِمُ فَغَزَا الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الدَّارَ، فَأَصَابُوا أَهْلَهُ وَمَالَهُ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَهْلُهُ وَمَالُهُ فَيْءُ الْمُسْلِمِينَ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِثْلَهُ فِي صِبْيَةٍ صِغَارٍ، وَكِبَارٍ تَرَكَهُ الرَّجُلُ الَّذِي أَتَى فَأَسْلَمَ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، قَالَ: مَا أَرَاهُمْ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَالِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمَاعَةٍ أَسْلَمُوا فِيهَا مِثْلُ الْإِسَارِ: حَقَنُوا دِمَاءَهُمْ، وَأَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ، إِلَّا مَا حَوَى قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا، وَكَانُوا أَحْرَارًا، وَلَمْ يُسْبَى مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدٌ صَغِيرٌ، فَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمُ الْبَالِغُونَ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ فِي الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ لَا حُكْمُ الْأَبِ وَالزَّوْجِ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، قَالَهُ النُّعْمَانُ، قَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ، أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَرَقِيقِهِ، وَمَتَاعِهِ، وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ حَامِلًا، وَهِيَ كَافِرَةٌ، كَانَتْ فَيْئًا، وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ بِمَنْزِلَتِهَا. وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: أَيُّمَا أَرْضٍ افْتُتِحَتْ عَنْوَةً، فَأَسْلَمَ أَهْلُهَا قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوا، فَهُمْ أَحْرَارٌ، وَمَا لَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَهَكَذَا أَرْضُ السَّوَادِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ فِي بِلَادِ عَدُوِّهِمْ مُسْلِمًا مَعَهُ امْرَأَةٌ وَأَمَةٌ وَوَلَدٌ، فَقَالَ: امْرَأَتِي وَوَلَدِي وَمَالِي(11/276)
وَأَمَتِي ابْتَعْتُهَا، إِنْ كَانُوا فِي يَدَيْهِ صَدَقَ، قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ لِلْعَدُوِّ(11/277)
ذِكْرُ الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ أَوْ يَزْنِي أَوْ يُصِيبُ حَدًّا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْتَأْمَنِ يَسْرِقُ، أَوْ يَقْذِفُ، أَوْ يَزْنِي، أَوْ يُصِيبُ بَعْضَ الْحُدُودِ، فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: ذَلِكَ وَجْهَانِ مَا كَانَ مِنْهَا لِلَّهِ لَا حَقَّ لِلْآدَمَيِّينَ فِيهِ، يَكُونُ لَهُمْ عَفْوُهَا، وَإِكْذَابُ شُهُودٍ لَوْ شَهِدُوا لَهُمْ بِهِ، فَهُوَ مُعَطَّلٌ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُسْلِمِ، إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَمْ تُؤَمَّنُوا عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَفَفْتُمْ وَإِلَّا رَدَدْنَا عَنْكُمُ الْأَمَانَ وَأَلْحَقْنَاكُمْ بِمَأْمَنِكُمْ، فَإِنْ فَعَلُوا أَلْحَقُوهُمْ بِمَأْمَنِهِمْ وَنَقَضُوا الْأَمَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ حَدِّ الْآدَمِيِّينَ أُقِيمَ عَلَيْهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ قَتَلُوا قَتَلْنَاهُمْ، فَإِذَا كَانُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَنْ يُقِيدَ مِنْهُمْ حَدُّ الْقَتْلِ، لِأَنَّهُ لِلْآدَمَيِّينَ كَانَ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّ مَا دُونَهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِثْلَ الْقِصَاصِ فِي الشَّجَّةِ وَأَرْشِهَا، وَمَثَلَ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ. وَالْقَوْلُ فِي السَّرِقَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَطَّعُوا وَيُغَرَّمُوا. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُغَرَّمَ الْمَالَ، وَلَا يُقَطَّعُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلْآدَمَيِّينَ وَالْحَدَّ لِلَّهِ ". وَاحْتُجَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُدُودِ اللهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ بِآيَةِ الْمُحَارِبِ. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا زَنَى بَعْضُهُمْ، أَوْ سَرَقَ، أَوْ قَذَفَ مُسْتَعْلِنِينَ بِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِينَا، أَوْ فِي أَهْلِ ذِمَّتِنَا، أُخِذُوا بِالْحُدُودِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤَمَّنُوا عَلَى إِتْيَانِهَا فِينَا، وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ،(11/277)
وَقَالَ النُّعْمَانُ، وَيَعْقُوبُ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مُسْتَأْمَنِينَ لِتِجَارَةٍ، فَزَنَى بَعْضُهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ سَرَقَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ(11/278)
ذِكْرُ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْ ذَلِكَ(11/278)
6672 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: " أَصَابَ أَمِيرُ الْجَيْشِ، وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ شَرَابًا فَسَكِرَ، فَقَالَ النَّاسُ لِأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَوِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: أَقِيمَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَقَالَا: لَا نَفْعَلُ، نَحْنُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَنَكْرَهُ أَنْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ، فَتَكُونَ جُرْأَةٌ مِنْهُمْ عَلَيْنَا وَضَعْفٌ بِنَا وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ بِأَرْضِ الرُّومِ، قَالَ: تُؤَخَّرُ إِقَامَتُهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَقَالَ فِي الْأَسِيرِ يُصِيبُ حَدًّا، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْإِسْلَامِ: يُقَامُ عَلَيْهِ إِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ عَدْلٍ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ غَزَا عَلَى جَيْشٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ مِصْرَ، وَلَا شَامٍ، وَلَا عِرَاقَ، وَأَقَامَ الْحُدُودَ فِي الْقَذْفِ، وَالْخَمْرِ، وَيَكُفُّ عَنِ الْقَطْعِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَدُوِّ، فَإِذَا فَصَلَ مِنَ الْحَرْبِ قَافِلًا قُطِعَ، [ص:279] وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمُسْلِمَ يَسْبِيهِ الْعَدُوُّ، فَيَقْتُلُ هُنَاكَ مُسْلِمًا، أَوْ يَزْنِي، قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا يُقَامُ عَلَيْهِ إِذَا خَرَجَ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْجَيْشِ، قَالَ: لَا، حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ. قَالَ إِسْحَاقُ: إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى إِقَامَةَ ذَلِكَ أَحْسَنَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقَامُ الْحُدُودُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ كَمَا تُقَامُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ، وَحَدِّ الزَّانِي، وَالْقَاذِفِ، وَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ فِي كِتَابِهِ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا يُقِيمُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ سَوَاءً، وَغَيْرُ جَائِزٍ الْمَنْعُ مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِإِقَامَتِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ حُجَّةً خَصَّتْ بِذَلِكَ أَرْضًا دُونَ أَرْضٍ، وَلَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُرَادٌ، لَيْسَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى رَسُولِهِ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْجَيْشِ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَسَرَقَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، أَوْ شَرِبُوا الْخُمُورَ، أَوْ زَنَوْا: يُقِيمُ عَلَيْهِمُ الْحُدُودَ أَمِيرُ الْجَيْشِ كَمَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الْحَقِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا فَرَّطَ فِيهِ الْوَالِي وَأَخَّرَهُ حَتَّى يَقْدَمُوا أَرْضَ الْإِسْلَامِ، أَرَى أَنْ يُقَامَ ذَلِكَ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ مُسْتَأْمَنِينَ، أَوْ أَسْرَى فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ، فَالْحُكْمُ عَلَيْهِمْ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا أُسْقِطَ عَنْهُمْ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إِذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ، وَلَا يُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا، كَمَا لَا يُسْقِطُ صَوْمًا، وَلَا صَلَاةً، وَلَا زَكَاةً، وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا هُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ، أُقِيمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْحَقَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ [ص:280] بِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادَعُونَ، وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا، وَلَا سَمِعْتُ أَنَّهُ يَرُدُّ حَدًّا أَنْ يُقِيمَهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا إِذَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ فِي الْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ: يَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِيهِمْ إِذَا خُلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: الدَّارُ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةُ، وَالْخَمْرُ، وَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَدَارِ الْحَرْبِ، وَيُحْكَمُ عَلَى مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ اللهِ فِي كُلِّ دَارٍ وَمَكَانٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ، لَا يَبْطُلُ حُكْمُ اللهِ إِلَّا بِكِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ فِي الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَزَنَى هُنَاكَ وَخَرَجَ، فَأَقَرَّ بِهِ: لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ زَنَى حَيْثُ لَا تَجْرِي أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَخَلَتْ سَرِيَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَزَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ هُنَاكَ، لَمْ أَحُدَّهُ، وَإِذَا كَانَ فِي عَسْكَرٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَا الْقِصَاصَ إِلَّا أَمِيرُ مِصْرَ، يُقِيمُ عَلَى أَهْلِهِ الْحُدُودَ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُقِيمُ حَدًّا وَلَا قِصَاصًا. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الرَّجُلِ الْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَيَدْخُلُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَيَقْتُلُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ، فَإِنْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ إِلَيْنَا، ثُمَّ قَتَلَهُ هَاهُنَا فَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً، فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيَأْخُذُهَا الْإِمَامُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ. [ص:281] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، إِذَا عَلِمَهُ مُسْلِمًا فَقَتَلَهُ عَمْدًا، وَكَانَ لَهُ أَوْلِيَاءُ يَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ، فَلَهُمُ الْقِصَاصُ، وَهُمْ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا الْقِصَاصَ، وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ، وَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الرَّجُلَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ يَدْخُلَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، قَالَ: عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: عَلَى الْقَاتِلِ الْقَوَدُ إِنْ شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ، إِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي أَسِيرَيْنِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ كَفَّارَةٌ. وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ الدِّيَةُ أَيْضًا. فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ(11/278)
ذِكْرُ إِسْلَامِ رَقِيقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْمَعَ عَامَّةُ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا أَسْلَمُوا بِيعُوا عَلَيْهِمْ. رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَمِيلُ إِلَى أَنْ لَا يَجِبَ بَيْعُهُمْ عَلَيْهِمْ(11/281)
وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ
6673 - جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ، حَدَّثَنَا الْمَجَازِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِي، قَالَ: " ابْتَاعَنِي رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ وَادِي الْقُرَى فَابْتَاعَنِي، ثُمَّ خَرَجَ بِي، حَتَّى قَدِمَ بِي، وَتَحَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَأَكْبَبْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقَبِّلُ الْخَاتَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَبْكِي، فَقَالَ: تَحَوَّلْ، قَالَ: فَحَوَّلَنِي فَأَجْلَسَنِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَدَّثْتُهُ مِنْ شَأْنِي، قَالَ: ثُمَّ أَنِّي أَسْلَمْتُ فَشَغَلَنِي مَا كُنْتُ فِيهِ، فَفَاتَنِي بَدْرٌ، وَأُحُدٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَاتِبْ» ، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي الْكِتَابَةَ، فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى كَاتَبَنِي عَلَى أَنْ أَجِيءَ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَعَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ وَرِقٍ "(11/282)
ذِكْرُ الرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَطْلُعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَيْنُ الْمُشْرِكِينَ، قَدْ كَتَبَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُفْعَلُ بِالرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كَاتَبَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَرَى فِيهِ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي جَاسُوسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ أَبَى عَاقَبَهُ الْإِمَامُ عُقُوبَةً مُوجِعَةً، ثُمَّ غَرَّبَهُ إِلَى بَعْضِ الْآفَاقِ وَضُمِّنَ الْحَبْسَ.(11/282)
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنْ كَانَ مُسْلِمًا عَاقَبَهُ الْإِمَامُ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً، وَغَرَّبَهُ إِلَى بَعْضِ الْآفَاقِ فِي وَثَاقٍ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قُتِلَ، فَإِنَّهُ قَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ حَرْبٍ بَعَثُوا إِلَيْهِمْ بِأَمْوَالٍ عَلَى مُنَاصَحَتِهِمْ، قَبَضَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ، فَوَضَعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُوجَعُ عُقُوبَةً، وَيُطَالُ حَبْسُهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ: أَمَّا مَنْ جَهِلَ الْجَهَالَةَ وَقَدْ عُرِفَ بِسُوءِ الْوَعْدِ وَفَسَادِ الطَّرِيقَةِ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَفْلَتِهِ مِنْهُ تَأَبُّدٌ، وَلَا إِوَاءٌ يُخْشَى عَوْرَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمَرَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الضَّغْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فُطِنَ بِهِ الْجَهْلُ، أَدَّبَهُ الْأَدَبَ الْغَلِيظَ، وَجَعَلَهُ نَكَالًا لِمَنْ سِوَاهُ، وَإِذَا وَجَدْتَ مَنْ قَدْ أَعَادَ ذَلِكَ، وَعُرِفَ مِنْهُ، وَتَوَاطَأَ بِهِ عَلَيْهِ اللِّسَانُ وَالذِّكْرُ، فَهُوَ الْجَاسُوسُ الْمُخْتَانُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَسُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ دَمُ مَنْ قَدْ ثَبَتَ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، إِلَّا أَنْ يَقْتُلَ، أَوْ يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ يَكْفُرَ كُفْرًا بَيِّنًا بَعْدَ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَثْبُتُ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى عَوْرَةِ مُسْلِمٍ بِكُفْرٍ بَيِّنٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْحُجَّةُ فِيهِ السُّنَّةُ الْمَنْصُوصَةُ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ "(11/283)
6674 - أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرُ، وَالْمِقْدَادُ، فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ» ، فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا، [ص:284] فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟» ، فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللهِ مَا فَعَلْتُهُ شَكًّا فِي دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ» ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَضْرِبُ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ "، وَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] الْآيَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ مَا وَصَفْتُ لَكَ طَرْحُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِ الظُّنُونِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْكِتَابُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَاطِبٌ كَمَا قَالَ، وَاحْتَمَلَ الْمَعْنَى الْأَصَحَّ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا احْتَمَلَ فِعْلَهُ، وَحُكْمُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا [ص:285] أَتَى فِي مِثْلِ هَذَا أَعْظَمَ فِي الظَّاهِرِ مِنْ هَذَا، لِأَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَايِنٌ فِي عَظَمَتِهِ لِجَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ بَعْدَهُ، وَإِذَا كَانَ مَنْ خَانَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَسُولَ اللهِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عُزْلَتَهُمْ فَصَدَّقَهُ عَلَى مَا عَابَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَيْهِ الْأَغْلَبَ مِمَّا يَقَعُ فِي النُّفُوسِ، فَيَكُونُ لِذَلِكَ مَقْبُولًا، كَانَ مَنْ بَعْدَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ حَالِهِ وَأَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ مَا قِيلَ فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ هَذَا مِنَ الرَّجُلِ ذِي الْهَيْئَةِ بِجَهَالَةٍ، كَمَا كَانَ هَذَا مِنْ حَاطِبٍ بِجَهَالَةٍ، وَكَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، أَحْبَبْتُ أَنْ يُتَجَافَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذِي الْهَيْئَةِ كَانَ لِلْإِمَامِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، تَعْزِيرُهُ(11/283)
ذِكْرُ الْمُسْتَأْمَنِ يَطْلُعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْمُشْرِكِينَ يَكْتُبُ إِلَيْهِمْ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَا مَضَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قُتِلَ، فَإِنَّهُ قَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الَّذِي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُخْبِرُ عَنْهُمْ، بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شَيْئًا، لِيَحْذَرُوهُ يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ، وَيُحْبَسُونَ عُقُوبَةً، وَلَيْسَ هَذَا يَنْقُضُ لِلْعَهْدِ، يُحِلُّ سَبْيَهُمْ، وَلَا أَمْوَالَهُمْ، وَلَا دِمَاءَهُمْ، وَإِذَا صَارَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِهَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، فَلَيْسَ(11/285)
يَنْقُضُ لِلْعَهْدِ، وَيُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَقَالَ فِي الرُّهْبَانِ: إِذَا دَلُّوا عَلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ يُعَاقَبُونَ وَلَا يُعْزَلُونَ مِنَ الصَّوَامِعِ، وَيَكُونُ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ إِخْرَاجُهُمْ إِلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ، فَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَيُقِيمُونَ بِبِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ يُتْرَكُونَ يَرْجِعُونَ، فَإِنْ عَادُوا أَوْدَعَهُمُ السِّجْنَ، وَعَاقَبَهُمْ مَعَ السِّجْنِ، قِيلَ: فَإِنْ أَعَانُوهُمْ بِالْكُرَاعِ، وَالسِّلَاحِ وَالْمَالِ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ قَاتَلَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْإِسْلَامِ رَاهِبٌ أَوْ ذَمِّيٌّ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ حَلَّ قَتْلُهُ وَسِبَاهُ وَسَبْيُ ذُرِّيَّتِهِ، فَأَمَّا مَا دُونَ الْقِتَالِ فَيُعَاقَبُونَ بِمَا وَصَفْتُ، وَلَا يُقْتَلُونَ وَلَا تُغْنَمْ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا يُسْبَوْنَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَوْ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكَاتَبُ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُوجِعَهُ عُقُوبَةً، وَيُطِيلَ حَبْسَهُ، حَتَّى يُظْهِرَ تَوْبَةً، أَوْ إِقْلَاعًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَقْتُلَهُ(11/286)
ذِكْرُ أُمِّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ تُسْلِمُ وَتَخْرُجُ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ يَوْمَ الطَّائِفِ [ص:287] مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ مِنْ رَقِيقِ الْمُشْرِكِينَ، وَذَكَرْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أُمِّ وَلَدِ الْحَرْبِيِّ تُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ تَخْرُجُ إِلَى أَرْضِ الْإِسْلَامِ، فَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ: إِنَّهُ تَزَوَّجَ إِنْ شَاءَتْ، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: أَيُّ امْرَأَةٍ هَاجَرَتْ إِلَى اللهِ بِدِينِهَا , فَحَالُهَا كَحَالِ الْمُهَاجِرَاتِ، لَا تُزَوَّجُ، حَتَّى تَقْضِيَ عِدَّتَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ، لَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ(11/286)
مَسْأَلَةٌ قَالَ النُّعْمَانُ فِي امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَخَرَجَتْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَتْ بِحُبْلَى: إِنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَوْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمُهَاجِرَاتِ قَدِمْنَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجُهُنَّ بِمَكَّةَ مُشْرِكُونَ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، فَأَدْرَكَ امْرَأَتَهُ فِي عِدَّتِهَا، رَدَّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ يَعْقُوبُ: عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ الْعِدَّةُ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعِدَّةُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ، لَا يَتَزَوَجْنَ، حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهُنَّ، وَلَا سَبِيلَ لِأَزْوَاجِهِنَّ، وَلَا لِمَوَالِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ آخِرَ الْأَبَدِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمَةٌ، وَزَوْجُهَا كَافِرٌ يُقِيمُ بِدَارِ الْحَرْبِ: لَا تَتَزَوَّجُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ قَدِمَ(11/287)
زَوْجُهَا حُرًّا مُسْلِمًا قِيلَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا، فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا(11/288)
ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ السَّفَرِ، بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْمُشْرِكِ(11/288)
6675 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، وَمَالِكٌ , وَغَيْرُهُمَا، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ "(11/288)
6676 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَهَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْمُشْرِكُونَ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُسَافَرُ الرَّجُلُ بِالْمُصْحَفِ؟ فَقَالَ: أَمَّا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَلَا، وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فَنَعْمَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْزُوَ الرَّجُلُ مَعَهُ مُصْحَفٌ. [ص:289] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَخَالَفَ النُّعْمَانُ الْخَبَرَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ(11/288)
ذِكْرُ وَطْءِ الرَّجُلِ جَارِيَةً يَشْتَرِيهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاخْتَلَفُوا فِي وَطْءِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ الَّتِي يَبْتَاعُهَا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، فَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ وَطْأَهَا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ: " {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] الْآيَةِ، وَمَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْجَارِيَةَ فِي أَرْضِ الرُّومِ مِنَ الْفَيْءِ يَطَؤُهَا بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَذَلِكَ، وَقَالَ: فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ وَطِئُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصَابُوا مِنَ السَّبَايَا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَبْلَ أَنْ يَقْفِلُوا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ وَطِئَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ، وَعَرَّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَفِيَّةَ بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ غَيْرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّبْيُ قَدْ جَرَى عَلَيْهِمُ الرِّقُّ، وَانْقَضَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ يَمْلِكُهُمْ بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ.(11/289)
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي أَمَةٍ يَشْتَرِيهَا الْمَرْءُ مِنْهُمْ: أَيَطَؤُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَطَؤُهَا، وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا. وَقَالَ يَعْقُوبُ: قَالَ النُّعْمَانُ: لَا يَطَؤُهَا، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ هَذَا أَشَدَّ النَّهْيِ، وَيَقُولُ: قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُ الشِّرْكِ، وَلَوْ أَعْتَقُوهَا مَا جَازَ عِتْقُهُمْ، وَلِذَلِكَ لَا يَطَؤُهَا مَوْلَاهَا، وَلَيْسَ هَذِهِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الْأَمَةَ، وَلَا يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلِيدِ وَلَا الْمُدَبَّرَةِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْجَوَّابُ فِيمَا أَجَابَ بِهِ يَعْقُوبُ حَيْثُ قَالَ مُحْتَجًّا لِقَوْلِهِمْ: وَلَوْ أَعْتَقُوهَا جَازَ عِتْقُهَا، لَيْسَ كَمَا ذَكَرْتُ، بَلِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُمْ غَيْرُ جَائِزٍ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ "، وَلِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ "، فَأَمَّا أَنْ يَجْعَلَ يَعْقُوبُ مَسْأَلَةً قَدْ خُولِفَ فِيهَا، فَمَنْ شَاءَ فَعَلَ كَفِعْلِهِ، وَالْحُجَّةُ أَنْ يَفْزَعَ الْمُحْتَجُّ إِلَى كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ(11/290)
ذِكْرُ وَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ اللَّتَيْنِ قَدْ سَبَاهُمَا الْعَدُوُّ وَاخْتَلَفُوا فِي وَطْءِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ وَطْؤُهُمَا وَهُمَا بِأَيْدِي الْعَدُوِّ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهُمَا إِذَا لَقِيَهُمَا، هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِذَا أَحْرَزَهُمْ عَدُوٌّ كَانُوا أَقْدَرَ عَلَى فُرُوجِهِنَّ سِرًّا وَجَهْرًا مِنْهُ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا يَتَعَاوَرَهُ رَجُلَانِ، يَطَؤُهَا هُوَ فِي السِّرِّ، وَزَوْجُهَا الْكَافِرُ فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَوْ لَقِيَهَا وَلَيْسَتْ بِذَاتِ زَوْجٍ فِيهِمْ، مَا لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا , فَيَخْرُجُ بِهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ(11/291)
ذِكْرُ الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَغْدِرُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ فِي الْحَرْبِ، أَوِ الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَمْ لَا؟ فَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ فِي أَمَانِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهِ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لَهُمْ، أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ آمِنِينَ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْأَوْزَاعِيِّ؛ قَالَ: الْمُؤْمِنُ لَيْسَ بِخَتَّارٍ، وَلَا غَدَّارٍ، يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِلْغَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ» ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا غَدَرَ بِأَصْحَابِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي سَيْرِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَأَقْبَلَ بِأَسْلَابِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ أَخْذَهَا مِنْهُ، وَحَمَّلَهُ مِنْهُ مَا يُحَمَّلُ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ.(11/291)
وَكَانَ النُّعْمَانُ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ , فَقَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ غَضِبَ مِنْهُمْ مَتَاعًا، وَرَقِيقًا، فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ اسْتَأْمَنُوا وَصَارُوا ذِمَّةً، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرُدُّ عَلَيْهِمْ، قِيلَ: فَلَوْ غَدَرَ بِهِمْ فَأَخَذَ مَالًا، وَرَقِيقًا، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ , فَاشْتَرَى رَجُلٌ مُسْلِمٌ مِنْ أُولَئِكَ الرَّقِيقِ شَيْئًا، قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَهُوَ آمِنٌ بِأَمَانِهِمْ، وَهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِهِ , وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْدِرَ بِهِمْ، وَلَا يُخَوِّنَهُمْ، وَلَا يَغْتَالَهُمْ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ رَدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ رَدَّ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ وَلَا يُتْلِفَهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ، وَقَدْ كَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا , فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْغَدْرُ لَا يَجُوزُ، وَالْأَمَانَاتُ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُؤْمِنِ، وَالْمُشْرِكِ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ مَالِكٌ: تَدْفَعُ دِيَتَهُ إِلَى وَرَثَتِهِ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي رَجُلٍ مِنَ الْعَدُوِّ اسْتَأْمَنَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَتَلَهُ بَعْدَ أَمَانِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، قَالَ: إِنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، ثُمَّ يُوقَفُ عَقْلُهُ، فَإِنْ جَاءَ لَهُ وَلِيٌ يُثْبِتُ، دَفَعَ إِلَيْهِ عَقْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا عَاقَبَهُ الْإِمَامُ، وَجَعَلَ عَقْلَهُ فِي مَالِهِ خَاصَّةً، فَإِنْ جَاءَ لَهُ وَلِيٌ دَفَعَ إِلَيْهِ(11/292)
مَسْأَلَةٌ قَالَ النُّعْمَانُ فِي رَجُلٍ مُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ، فَأَدَانَهُ حَرْبِيٌّ دَيْنًا، ثُمَّ خَرَجَا إِلَيْنَا، خَرَجَ الْحَرْبِيُّ مُسْتَأْمِنًا , فَأَرَادَ الْحَرْبِيُّ أَنْ يَأْخُذَهُ بِمَالِهِ. قَالَ: لَا يُقْضَى لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ هُوَ أَدَانَ الْحَرْبِيَّ دَيْنًا، كَانَ سَوَاءً، وَلَمْ يُقْضَ لَهُ عَلَى الْحَرْبِيِّ بِدَيْنٍ. وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: يَقْضِي بِالْمَالِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ أَقُولُ(11/293)
جِمَاعُ أَبْوَابِ الصُّلْحِ وَالْعُهُودِ الْجَائِزَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ سِوَى أَهْلِ الْكِتَابِ(11/293)
ذِكْرُ مُصَالَحَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا مَالَهُمْ , وَلَا يَتَعَرَّضُوا لِأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ مِنْ غَيْرِ مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَلَا جِزْيَةٍ(11/293)
6677 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ، وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، فَقَالَ: إِنَّ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ [ص:294] قَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِشَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْأَحَابِيشَ , وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ، فَإِنْ قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ، وَإِنْ نَجَوْا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُمْ قَاتَلْنَاهُ؟ "، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، يَا نَبِيَّ اللهِ , إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرُوحُوا إِذًا» قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ: فَرَاحُوا يَعْنِي حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ "، فَوَاللهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُوَ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، ثُمَّ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلَأَتْ، [ص:295] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَلِكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ "، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا "، ثُمَّ زَجَرَهَا , فَوَثَبَتْ بِهِ , قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ، إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ، فَشَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَطَشَ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ , فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ أَعْدَادَ مِيَاهَ الْحُدَيْبِيَةِ، مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرَ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمْرَهُ» ، فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لَا حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ: ذَوُوا الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ. يَقُولُ: قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، [ص:296] فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ: أَيْ قَوْمِ , أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظَ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيْكُمْ، جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنْ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَأَتَاهُ. قَالَ: فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ , أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَإِنِ الْأُخْرَى، فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُهُ، فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِ بِهِ لَأَجَبْتُكَ. قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ السَّيْفُ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ بِيَدِهِ بِنَصْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَقَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. قَالَ: أَيْ غُدَرُ، أَوَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَغَدَرَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ , فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ صَحَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:297] بِعَيْنِهِ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، فَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، فَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ. قَالَ: فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ، وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ، وَكِسْرَى، وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلَكًا يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدَلِّكُ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ , فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلَانٌ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ "، فَبُعِثَتْ لَهُ , وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَصْدُرُوا عَنِ الْبَيْتِ قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ. قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ , فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ: دَعُونِي آتِهِ، قَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مِكْرَزٌ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ "، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ سَهَّلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» . [ص:298] قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدُعِيَ الْكَاتِبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا هِيَ، وَلَكِنِ اكْتُبُ بِاسْمِكَ اللهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللهُمَّ "، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ "، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُهُ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ "، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: «لَا تَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ، إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ "، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: وَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ لَكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ، كَيْفَ يَرُدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، حَتَّى رَمَى نَفْسَهُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا نُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ» ، قَالَ: فَوَاللهِ إِذًا لَا أُصَالِحُكَ عَلَى شَيْءٍ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَجِزْهُ لِي» . قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ، [ص:299] قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، فَقَالَ مِكْرَزٌ: بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ , أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، أَلَا تَرَوْنَ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاللهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى "، قُلْتُ: أَلَسْتَ عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ، قَالَ: بَلَى "، قَالَ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ وَعَدْتَنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفَ بِهِ، قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ "، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ "، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟، قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَفَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، فَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَوَ لَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟، قَالَ: فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِ الْعَامَ؟، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا "، قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ أَحَدٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ [ص:300] مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ , ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ فَخَرَجَ، وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَ النِّسْوَةُ مُؤْمِنَاتٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٌ} [الممتحنة: 10] حَتَّى بَلَغَ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] الْآيَةُ، فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ ابْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللهِ إِنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ يَا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ، فَقَالَ: أَجَلْ وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَّى بَرَدَ، وَفَرَّ الْآخَرُ، حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: «لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا» ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللهُ ذِمَّتَكَ، وَقَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي اللهُ مِنْهُمْ، [ص:301] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ» ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ، قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ، إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بَعِيرٍ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ، إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللهِ وَالرَّحِمِ، إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح: 24] ، حَتَّى بَلَغَ: {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26] ، وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ "(11/293)
6678 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو زُمَيْلٍ، سِمَاكُ الْحَنَفِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: " كَاتِبُ الْكِتَابِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. [ص:302] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَعَانِي أَحْرُفٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: الْغَمِيمِ، قَالَ: هُوَ مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَضَجَنَانَ، وَقَوْلُهُ: قَتَرَةُ الْجَيْشِ، الْقَتَرَةُ هُوَ الْغُبَارُ، يُرِيدُ غَبَرَةَ الْجَيْشِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: " {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ} [يونس: 26] ، الْآيَةَ، قَالَ: الْقَتَرُ الْغُبَارُ. وَقَوْلُهُ: فَأَلَحَّتْ، يُرِيدُ لَزِمَتْ مَكَانَهَا، أَوْ لَمْ تَبْرَحْ، يُقَالُ: أَلَحَّ الْجَمَلُ، وَخَلَدَتِ النَّاقَةُ، وَحَرَنَ الْفَرَسُ، وَالثَّمَدُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ، وَجَمْعُهُ ثِمَادٌ، وَيُقَالُ: مَاءٌ مَثْمُودٌ، إِذَا كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى يَفْنَى، وَرَجُلٌ مَثْمُودٌ، وَقَدْ ثَمِدَتْهُ النِّسَاءُ، إِذَا نَزَفَتْ مَاءَهُ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ. وَقَوْلُهُ: يَتَبَرَّضُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، أَيْ يَأْخُذُونَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا، يُقَالُ: بَرَضْتُ لَهُ بَرْضًا إِذَا أَعْطَيْتُهُ شَيْئًا يَسِيرًا. وَقَوْلُهُ: مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ أَيْ يَرْتَفِعُ مَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ , قَوْلُهُ: عَيْبَةُ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ: يَعْنِي مَوْضِعَ سِرِّهِ، وَمَنْ يُسْتَنْصَحُ وَيُؤُتَمَنُ عَلَى أَمْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي. وَقَوْلُهُ: مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، يُرِيدُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ، وَالْعُوذُ جَمْعُ عَائِذٍ. وَقَوْلُهُ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ يُنْفِذَنَّ اللهُ أَمَرَهُ، وَالسَّالِفَتَانِ نَاحِيَتَا مُقَدَّمِ الْعُنُقِ مِنْ بَدَنِ مُعَلَّقِ الْقُرْطِ إِلَى التَّرْقُوَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ حَتَّى أَنْفُذَ لِأَمْرِ اللهِ وَأُبَلِّغَهُ، أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ رَأْسِي وَجِسْمِي. [ص:303] وَقَوْلُهُ: فَوَاللهِ إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا، وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ، خَلِقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، قَالَ: هُمُ الْأَخْلَاطُ مِنَ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْأَوْبَاشُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَضَمَّنَ خَبَرُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَدَدَ أَبْوَابٍ مِنْ كِتَابِ الْمَنَاسِكِ، وَالْجِهَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَالْآدَابِ أَحْبَبْتُ إِثْبَاتَ مَا حَضَرَنِي مِنْ ذَلِكَ بِعَقِبِ حَدِيثِهِمَا، فَمِنْ ذَلِكَ. أَنَّ نَبِيَّ اللهِ سَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتًا لِمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَسَنَّ الْمَوَاقِيتَ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ. وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الْأَفْضَلَ وَالْأَعْلَى الْإِحْرَامُ مِنَ الْمَوَاقِيتِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ يُرِيدُ الْعُمْرَةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَأَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمَوَاقِيتِ أَفْضَلُ مِنْ إِحْرَامِ الرَّجُلِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ قَبْلِ الْمَوَاقِيتِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمَوَاقِيتِ مَحْظُورٌ , وَقَدْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتِّبَاعُ السُّنَنِ أَفْضَلُ، وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196] الْآيَةُ، أَنْ يُحْرِمَ الْإِنْسَانُ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ مَعْنَى الْآيَةِ لَكَانَ أَشَدُّ النَّاسِ لَهُ اسْتِعْمَالًا مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ , وَفُرِضَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ، فَفِي إِحْرَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَنْزِلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْآيَةِ لَيْسَ كَمَا تَأَوَّلَهُ أُولَئِكَ. [ص:304] وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ. الْحَدِيثُ، يَأْمُرُهُمْ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ مَوَاقِيتِهِمْ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ مَنْ قَالَ: تَمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْمَوَاقِيتِ، وَبَيْنَ مَكَّةَ، اسْتِدْلَالًا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَهُنَّ فَمَهِلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ فَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا أَحْسَبُهُ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهُوَ كَانَ كَاتِبَ الْكِتَابِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُظَنَّ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ خَبَرُهُ الَّذِي:(11/301)
6679 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَبُو، نُعَيْمٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: عَنْ عَلِيٍّ، وَقَالَ، يَعْلَى: قَالَ عَلِيٌّ: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْدَى، وَالَّذِي هُوَ أَنْقَى، وَالَّذِي هُوَ أَتْقَى، فَإِذَا كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَأْمُرُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ أَنْ يُظَنَّ بِأَخْبَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ أَهْدَى، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ عَدَلَ عَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسُنُّهُ لِأُمَّتِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَخَالَفَهُ» وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ سَنَّ إِشْعَارَ الْبُدْنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِأَعْوَامٍ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ خَالَفَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِشْعَارَ مُثْلَةٌ، مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ، وَنَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ إِنَّمَا كَانَ عَامَ خَيْبَرَ، وَإِشْعَارُ الْبُدْنِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزَاهُ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ. [ص:305] وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُشْعِرَ الْمَرْءُ بَدَنَتِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، فَأَعْلَمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَغْفَلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ قَلَّدَ فَقَدْ أَحْرَمَ، لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ، وَأَحْرَمَ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِحْرَامَهُ كَانَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ، وَالْإِشْعَارِ، إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَدْ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِالتَّقْلِيدِ: أَحْرَمَ بَعْدَ ذِكْرِ التَّقْلِيدِ، لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى إِحْرَامٍ قَبْلَهُ إِلَّا حَيْثُ دَلَّتِ السُّنَّةُ مِنْ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ السُّنَّةُ فِي تَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ فِي الْعَامِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، ذَكَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ كَانَ أَحَلَّهُ اللهُ لَهُ، حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُونُ بِالتَّقْلِيدِ مُحْرِمًا. وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْأَئِمَّةِ الطَّلَائِعَ وَالْعُيُونَ بَيْنَ يَدَيِ الْجُيُوشِ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ، يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، قَالَ: وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ، أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، مَعَ مَا يَجْمَعُ , فَاعِلٌ ذَلِكَ مِنَ الْحَزْمِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ عُيُونِ الْعَدُوِّ وَبَغَتَاتِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي بَابِ الِاسْتِعْدَادِ وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ , وَرُبَّمَا ظَفِرَتِ الطَّلِيعَةُ بِ الْعِلْجِ يَدُلُّ عَلَى غَفَلَاتِ الْعَدُوِّ وَعَوَرَاتِهِ، وَيُخْبِرُ عَنْ قُرْبِ الْعَدُوِّ وَبُعْدِهِ، وَمَوْضِعِ نُزُولِهِ، وَمَا يُدَبِّرُ مِنْ كَيَدِ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَيَحْتَرِزُ الْإِمَامُ مِنْ مَكَائِدِهِ وَيَغْتَنِمُ غَفَلَاتِهِ، فَرُبَّمَا ظَفِرَ بِالْحِيلَةِ، وَرُبَّمَا نَجَا بِالتَّيَقُّظِ. [ص:306] وَمِنْ ذَلِكَ مَا دَلَّ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَنَّ خَبَرَهُ حُجَّةٌ يَلْزَمُ قَبُولُهَا، إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ ثِقَةٍ، لِأَنَّ طَلِيعَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَبْعَثَ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنِ الْعَدُوِّ بِخَبَرٍ، إِلَّا مَنْ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مَا قُلْنَاهُ، فَلَا مَعْنَى لِلْبَعْثَةِ، وَلَا فَائِدَةَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْمُرُ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ. وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي مَسِيرِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ طَلِيعَةً لِجَيشٍ، لِأَنَّ الْخُزَاعِيَّ قَدْ مَضَى وَحْدَهُ سَائِرًا، بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوِحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ أَبَدًا فِي غَيْرِ بَابِ الضَّرُورَةِ، وَالْحَرْبِ، لَا لِحَاجَةٍ إِلَيْهِ، فَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لَهُمَا السَّيْرُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ وَلِصَاحِبٍ لَهُ: «إِذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا، وَأَقِيمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» , فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَدْ عَارَضَهُ خَبَرُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَإِذَا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ رُجِعَتِ الْأُمُورُ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ، حَتَّى نَعْلَمَ حَظْرًا، يَعْنِي خَبَرًا يُعَارِضُهُ. وَمِنْ ذَلِكَ الرُّخْصَةُ فِي هُجُومِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ الْعَدَدِ مِنَ الْعَدُوِّ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَيْنَهُ الْخُزَاعِيَّ، عَيْنًا وَحْدَهُ إِلَى عَدُوٍّ [ص:307] كَثِيرٍ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ» ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ؟ أَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ، وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» ، وَقَدْ ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ فِيمَا مَضَى. وَفِيهَا السُّنَّةُ فِي مُشَاوَرَةِ الْإِمَامِ أَصْحَابَهُ فِيمَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ مِنْ أَمَرِ عَدُوِّهِمْ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِمَا قَالَ حِينَ جَاءَهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ، يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ وَجَمْعِهِمْ لَهُ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى قِتَالِهِ، وَصَدِّهِ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ» ، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا قَبْلَ ذَلِكَ بِبَدْرٍ، اسْتَشَارَ مَنِ اسْتَشَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أَمَرِ الْأُسَارَى، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ مَا أَشَارَا بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِيمَا مَضَى، وَكُلُّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِأَمْرِ اللهِ، وَلْيَتَأَدَّبْ بِهِ الْأَئِمَّةُ، قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] الْآيَةُ. كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: قَدْ عَلِمَ اللهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ إِلَيْهِمْ حَاجَةٌ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُسْتَنَّ بِهِ بَعْدَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا شَاوَرَ قَوْمٌ إِلَّا هُدُوا لِأَرْشَدِ أَمْرِهِمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا أَمَرَ اللهُ بِالْمَشُورَةِ إِلَّا لَمَّا عَلِمَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ، وَكَانَ سُفْيَانُ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّهَا نِصْفُ الْعَقْلِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ الْأَخْبَارَ فِي [ص:308] هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ مِمَّا يُدْرِكُ بِهِ مِنَ الصَّوَابِ، قَدْ أُمِرَ بِذَلِكَ، فَمَنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَبِدَّ أَحَدُهُمْ بِرَأْيٍ دُونَ أَصْحَابِهِ، لِأَنَّ الصَّوَابَ رُبَّمَا أَجْرَاهُ اللهُ عَلَى لِسَانِ مَنْ دُونَ الْإِمَامِ فِي الْعِلْمِ، وَالرَّأْيِ، يُقَالُ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُشَاوِرُ حَتَّى الْمَرْأَةِ. وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشُورَةَ لَا تُؤَدِّي إِلَّا إِلَى خَيْرٍ، وَعَلَى أَنَّ الْمُخْطِئَ بَعْدَ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ أَعْذَرُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْتَبِدِّ بِرَأْيِهِ دُونَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ يَجِبُ قَبُولُهُ مِمَّنْ أَشَارَ بِهِ، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا» ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ , أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ , اخْرُجْ , ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ فَخَرَجَ، وَفَعَلَ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ "، فَذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْإِمْرَةِ، لِأَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ لَمَّا تُوُفِّيَ وَلَّوْا أَمَرَهُمُ امْرَأَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ " عَلَى مَعْنَى الْإِمْرَةِ لَا عَلَى مَعْنَى الْمَشُورَةِ(11/304)
6680 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَنْ يَهْلِكَ امْرُؤٌ بَعْدَ مَشُورَةٍ» [ص:309] وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى إِبَاحَةِ سَبْيِ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ، قَبْلَ قَتْلِ الرِّجَالِ إِذَا خَرَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَوْنًا لِقَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ: " أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، لَمَّا كَانَ سَبْيُ ذَرَارِيِّ الْقَوْمِ وَتَرْكُ ذَلِكَ مُبَاحًا. وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ قِتَالِ الْمُحْرِمِ مَنْ صَدَّهُ عَنِ الْبَيْتِ، وَعَنْ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، مَوْجُودٌ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: " أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. وَقَوْلُهُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا» ، تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَأَضْمَرَ ذَلِكَ وَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ فَاعِلٌ فِعْلًا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إِلَّا عَلَى مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، قَالَ اللهُ: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الكهف: 24] الْآيَةُ، أَوْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ اللهَ لَمَّا أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مُعْطِيهِمْ كُلَّ خُطَّةٍ دَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللهِ، تَرَكَ الِاسْتِثْنَاءَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، لَمَّا أَعْلَمُهُ اللهُ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَعَ أَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَمَا صَالَحَهُمْ وَتَرْكَهُ قِتَالَهُمْ فِي الْحَرَمِ مِنْ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ أَهْلِهِ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتْحَ اللهُ عَلَيْهِ مَكَّةَ: «إِنَّ اللهَ حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ مَكَّةَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَ اللهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ» . [ص:310] وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ لَا تَبْدَؤا فِيهَا بِقِتَالٍ، لَا أَنَّ مُحَارَبَةَ مَنْ حَارَبَهُمْ لَا يَجُوزُ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ , فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: 191] الْآيَةُ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ: " أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ، فَيَكُونُوا مُقَاتِلِينَ إِذَا بُدِئُوا بِالْقِتَالِ، لَا مُبْتَدِئِينَ قِتَالًا فِي الْحَرَمِ. وَمِنْ ذَلِكَ انْتِزَاعُهُ السَّهْمَ مِنْ كِنَانَتِهِ، لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ الْعَطَشَ، وَأَمْرُهُ إِيَّاهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي الْمَاءِ، وَذَلِكَ أَحَدُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللهُ لِيَتَحَقَّقَ عِنْدَ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ أَمَرُهُ، وَإِنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَلِيَزْدَادُوا مِنْ أَمْرِهِ وَصِدْقِهِ بِذَلِكَ بَصِيرَةً. وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبَاحَةُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، عَلَى غَيْرِ مَالٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانَ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقِتَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَإِنَّمَا فَرَضَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَطَاقَ قِتَالَهُمْ، دُونَ مَنْ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ مِمَّنْ يَعْجَزُ عَنْ قِتَالِهِمْ، إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَرْجُو أَنْ يَقْوَى إِلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ، إِذَا مِنْ يُخَلِّفُ عَنِ الْقِتَالِ لِلْعُذْرِ غَيْرُ آثَمٍ، وَلَا حَرَجَ، وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ نَاسًا عَلَى غَيْرِ مَالٍ أَخَذَهُ، وَفَعَلَ ذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ أَحْوَطَ لِلْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَةُ عَدُوِّهِمْ إِلَى مُدَّةٍ يَقْوَوْنَ بِانْقِضَائِهَا عَلَيْهِمْ، فَهَادَنَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ، يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيُقَالُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1](11/308)
6681 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يُخَالِطُونَ الْحُزْنَ وَالْكَآبَةَ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنَاسِكِهِمْ، وَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ، فَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: نَزَلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا، قَالَ: فَلَمَّا تَلَاهَا نَبِيُّ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَنِيئًا مَرِيًّا لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ بَيَّنَ اللهُ لَكَ مَا يَفْعَلُ بِكَ، فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدَهَا: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الفتح: 5] إِلَى قَوْلِهِ: " {وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا} [الفتح: 5] الْآيَةُ "(11/311)
6682 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] الْآيَةُ، قَالَ: خَيْبَرُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَتْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبَايَعُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَأُطْعِمُوا نَخِيلَ خَيْبَرَ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِتَصْدِيقِ كِتَابِ اللهِ , وَظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ. [ص:312] وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّمَا صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى جِهَةِ النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى لِكَثْرَةِ عَدَدِ الْمُشْرِكِينَ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى مَنْعِهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، وَطَلَبًا لِلتَّفَرُّغِ لِقِتَالِ غَيْرِهِمْ، وَأَمْنًا لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ، وَلِيَتَقَوَّى لِحَرْبِهِمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مُهَادَنَةُ الْعَدُوِّ عَلَى النَّظَرِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، لَا يَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ إِلَى غَيْرِ مُدَّةٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُمْ عَلَى الْأَبَدِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ قِتَالَهُمْ مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ يَجِبُ إِذَا كَانُوا أَهْلَ أَوْثَانٍ حَتَّى يُسْلِمُوا، وَقِتَالُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَجِبُ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِذَا هَادَنَهُمْ عَلَى غَيْرِ مُدَّةٍ، كَانَ ذَلِكَ عَقْدًا خِلَافَ ظَاهِرِ كِتَابِ اللهِ، وَذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا خِلَافَ أَمَرِ اللهِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا صَالَحَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ قِتَالِهِمْ، أَلَا تَرَاهُ أَخْبَرَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ، لِأَنَّهُمْ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَكْثَرُ عَدَدًا وَعُدَّةً مِنْهُ، بَلْ طَمَعًا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ. وَفِي مُهَادَنَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ مُدَّةً أَطْوَلَ مِنْ مُدَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَ قَوْمًا أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ هَادَنَ قَوْمًا، وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ فَرَضَ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا هَادَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ، كَانَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ مَعَ الْعُذْرِ الْمَوْجُودِ أَقْصَى مُدَّةً، يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُهَادِنَ إِلَى مِثْلِهَا عَلَى الصَّلَاحِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِهِ أَقُولُ. [ص:313] وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ , يُصَالِحُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى فِيهِ الصَّلَاحُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَمَتَى أَبَحْنَا لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَالِحَ قَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهَا، وَاحْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ يَمْدُدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا إِلَى مُدَّةٍ ثَانِيَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَنْ يَقْوَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا صَالَحَهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَائِمَةٌ حِينَ صَالَحَهُمُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا لِحَاجَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى ذَلِكَ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ إِذَا رَأَى مُصَالَحَةَ عَدُوٍّ وَمُهَادَنَتَهُمْ أَنْ يَبْدَأَ هُوَ فَيَعْرِضُ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ فَقَالَ لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ، فَإِنْ شَاؤُوا هَادَنْتُهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرَ، فَإِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ، فَعَلُوا وَإِلَّا فَقَدْ جَمَعُوا، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ لَيُنْفِذَنَّ اللهُ أَمَرَهُ " وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُعَاقَدَةَ بَعْضِ وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ الْإِمَامَ عَنْ أَصْحَابِهِ جَائِزٌ، لِأَنَّ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، إِنَّمَا عَقَدَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَحْدَهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ أَصْحَابِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ إِبَاحَةُ الْوُقُوفِ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ فِي حَالِ الْحَرْبِ عِنْدَ مَجِيءِ رَسُولِ الْعَدُوِّ بِالسُّيُوفِ، تَرْهِيبًا لِلْعَدُوِّ، وَحِرَاسَةً لِلْإِمَامِ , أَنْ يُنَالَ بِمَكْرُوهٍ، وَهَذَا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، اسْتِدْلَالًا بِقِيَامِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ يَدَهُ، [ص:314] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَهِ الْحَالِ وَبَيْنَ الْحَالِ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ "، وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمْوَالَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، مَغْنُومَةً إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ قَهْرًا، فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ بِالْأَمَانِ لَهُمْ عَلَيْهَا، مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا، إِذَا أَخَذُوا ذَلِكَ فِي حَالِ الْأَمَانِ لَهُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُغِيرَةِ: أَمَّا الْإِسْلَامُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ " وَإِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُغِيرَةِ لِأَمْنِهِمْ لَمَّا صَحِبُوهُ، وَقَدْ أَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ، عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَكَانَ سَفْكُهُ دِمَاءَهُمْ وَأَخَذُهُ أَمْوَالَهُمْ فِي الْوَقْتِ غَدْرًا مِنْهُ بِهِمْ، وَالْغَدْرُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالْأَمَانَاتُ مُؤَدَّاةٌ إِلَى الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ. وَمِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلُ عَلَى طَهَارَةِ النُّخَامَةِ، لِأَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ لِأَصْحَابِهِ، مِنْ فِعْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَوْلُهُ: فَوَاللهِ لَمَا يَتَنَخَّمُ رَسُولُ اللهِ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَهَذَا يُلْزِمُ النَّخَعِيَّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ الْبُزَاقَ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ أُهْرَاقَ الْمَاءُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى طَهَارَةِ الْبُزَاقِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِحْبَابُ الْفَأْلِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَ عِكْرِمَةُ: قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ "، لَمَّا أَقْبَلَ سُهَيْلٌ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ(11/311)
6683 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ فِيمَا يُصَالِحُ عَلَيْهِ مَنْ رَأَى صُلْحَهُ صَلَاحًا بَعْضَ مَا فِيهِ الْغَيْمُ وَالضَّعْفُ، فِيمَا يَشْرُطُهُ الْعَدُوُّ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي صُلْحِهِمْ، إِذَا كَانَ يَرْجُو فِيمَا يُسْتَقْبَلُ عَاقِبَةَ نَفْعِ ذَلِكَ، بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيمَا يُعْطِيهِمْ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ، فَمِمَّا أَعْطَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَرْكُهُ كِتَابَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَكَتَبَ بِاسْمِكَ اللهُمَّ، وَكِتَابَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ مَكَانَ رَسُولِ اللهِ، وَالِانْصِرَافَ عَنْهُمْ عَامَهُ عَلَى غَيْرِ تَمَامِ الْعُمْرَةِ، وَرَدَّهُ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا إِلَيْهِمْ، وَقَدْ ضَاقَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاضْطَرَبُوا مِنْهُ، وَعَجِبُوا إِذْ لَمْ تَحْتَمِلْ عُقُولُهُمْ، وَأَنَّ لَهُمْ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانَ مَحْمُودًا فِي الْعَاقِبَةِ غَيْرَ الصِّدِّيقِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ خُصَّ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْرِفَةِ صَوَابِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ(11/315)
6684 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: " اتَّهِمُوا الرَّأْيَ عَلَى الدِّينِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا أَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِي اجْتِهَادًا، وَاللهِ مَا آلُو عَنِ الْحَقِّ، وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ [ص:316] اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، فَقَالُوا: إِذًا صَدَّقْنَاكَ بِمَا تَقُولُ، وَلَكِنْ نَكْتُبُ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، بِاسْمِكَ اللهُمَّ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَيْتُ عَلَيْهِمْ حَتَّى قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتُرَانِي رَضِيتُ وَتَأْبَى أَنْتَ؟» ، قَالَ: فَرَضِيتُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدَّهُمْ لَهُ خَشْيَةً، وَلِأَمْرِهِ تَعْظِيمًا، وَلِدِينِهِ إِعْزَازًا، وَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ أَحْوَطُ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ كَانَ عَنْ أَمَرِ رَبِّهِ، بَلْ لَا شَكَّ فِيهِ، لِقَوْلِهِ لِعُمَرَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِلَّهِ مَعْصِيَتُهُ "، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: " بِاسْمِكَ اللهُمَّ، كَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُخَاطَبَةٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، مَعَ ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا يُغَيِّرُ مَعْنَى النُّبُوَّةِ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى أَبِيهِ صِدْقًا وَحَقًّا، وَلَيْسَ فِي رَدِّ مَنْ رَدَّ مِنْهُمِ فِيمَا شَرَطُوهُ فِي الْكِتَابِ أَكْثَرُ مِنْ تَخَوُّفِ الْفِتْنَةِ عَلَى مَنْ رَدَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ اللهُ الْحَرَجَ عَنْ مَنْ فُتِنَ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ، فَأَعْطَى بِلِسَانِهِ مُكْرَهًا خِلَافَ مَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ، فَإِمَّا مُعْطِيًا بِلِسَانِهِ عَلَى الْإِكْرَاهِ مَا لَا يَضُرُّهُ، أَوْ صَابِرًا عَلَى الْمَكْرُوهِ حَتَّى يُقْتَلَ شَهِيدًا، عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَرُدُّونَ إِمَّا إِلَى أَبٍ أَوْ إِلَى أَخٍ، أَوْ ذَوِي رَحِمٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ مَكْرُوهًا، لِأَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ مِنْ أَهَالِيهِمْ أُشْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُسْلِمُوهُ لِلْمَكْرُوهِ، وَقَدْ أَمْضَى اللهُ لِنَبِيِّهِ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَمَّاهُ فَتْحًا مُبِينًا(11/315)
قَالَ الزُّهْرِيُّ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ، يَعْنِي غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَافِلًا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] الْآيَةُ.
6685 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ تَبَيَّنَ صَلَاحُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا جَنْدَلٍ صَارَ مِنْ أَمْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ جِيءَ بِأَبِي بَصِيرٍ، وَاجْتَمَعَتِ الْعِصَابَةُ الَّتِي اجْتَمَعَتْ، وَصَارَ مِنْ أَمْرِهِمْ أَنَّ قُرَيْشًا أَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللهِ وَالرَّحِمِ، إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا مَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، وَوَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُرِيدُوا إِلَّا عَزَّ الدِّينِ، وَكَرِهُوا دُخُولَ الضَّعْفِ وَالْوَهَنِ عَلَى الْإِسْلَامِ، مَعَ أَنَّ الْأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلَ تَسْلِيمُ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ، لِمَا سَلَّمَ لَهُ رَسُولُ اللهِ مِنْ ذَلِكَ، وَرَضِيَ بِهِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ فَضْلُ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ، قَالَ عُمَرُ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ يَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى "، قَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى "، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي "، قُلْتُ: أَوَ لَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟، قَالَ: أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ "، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟، قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟، قَالَ: بَلَى، [ص:318] قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِ الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟، قَالَ: أَيْهِ الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، لَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كَانَ عُدَّتُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ، قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيَهُ الْعَامَ؟ قَالَ: لَا، وَقَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَفَعَلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا. فَفِي جَوَّابِ أَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَحْكَامِ اللهِ، وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينِهِ بَعْدَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي قَوْلِهِ: «إِنِّي رَسُولُ اللهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَجَابَ إِلَى مَا أَجَابَ بِهِ بِأَمْرِ اللهِ. وَيَدُلُّ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ، بَعْدَمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ، عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا لَمْ يَجْعَلْ لِذَلِكَ وَقْتًا: أَنَّ وَقْتَ ذَلِكَ جَمِيعُ حَيَاتِهِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ إِذَا كَانَتِ الْيَمِينُ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَفِي إِجَابَةِ أَبِي بَكْرٍ بِمِثْلِ مَا أَجَابَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُ فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَفْعَلَنَّ فِعْلًا، لَهُ أَجَلُ الْمَوْلَى، خِلَافَ ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَمِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ كِتَابِ الْكَاتِبِ، هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَعَلَى إِغْفَالِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ «هَذَا مَا» نَفْيٌ، وَلَيْسَ بِإِثْبَاتٍ، كَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ كَاتِبَ: هَذَا مَا [ص:319] اشْتَرَى " يُنْفَى بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَى شَيْئًا يَجْعَلُهُ فِي مَوْضِعِ جَحْدٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إِغْفَالِ هَذَا الْقَائِلِ بَيِّنٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 35] الْآيَةُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ جَحْدٌ لِمَا أَعَادَ مِنْ ذِكْرِ الْكَنْزِ، وَأَوَّلُ الْكَلَامِ وَآخِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى: {هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 35] ، هَذَا الَّذِي كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْجَحْدِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ} [ص: 53] الْآيَةُ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ بِعُمْرَةٍ إِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ يُحِلُّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّ وَنَحَرَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أُحْصِرُوا فِيهِ فِي الْحِلِّ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ الْحَرَمِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ. وَمِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ النِّسْوَةِ الْمُؤْمِنَاتِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٌ} [الممتحنة: 10] حَتَّى بَلَغَ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] الْآيَةُ، فَطَلَّقَ عُمَرُ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالْأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، [ص:320] وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الزَّوْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، فَكَرِهْتُ إِعَادَةَ ذَلِكَ هَهُنَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ أَبِي بَصِيرٍ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ دَفَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا لِيَرُدَّاهُ إِلَى مَكَّةَ، فَفِي عِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَتَرَكَهُ إِنْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ عَنِ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَشَبَهُهُ إِذَا لَمْ يَحْضُرْ أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ، اقْتِدَاءَا بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي الْعَقْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ قَوْمٌ: لَمْ يَنْعَقِدِ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ قَطُّ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ، وَمَرْوَانَ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، فَاحْتَجَّ لِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ، وَقَالَ غَيْرُهُمُ: انْعَقَدَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ فِي خَبَرِ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَلِيٍّ: أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، قَالُوا: فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: " أَحَدٌ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، قَالُوا: ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] الْآيَةُ، فَامْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنْ يَرُدَّهُنَّ إِلَيْهِمْ، [ص:321] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَعْطَاهُمْ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمُ الرِّجَالَ مِنْهُمْ وَالنِّسَاءَ، فَأَبْطَلَ اللهُ الشَّرْطَ فِي النِّسَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَعْطَى شَرْطًا خِلَافَ كِتَابِ اللهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ "، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا يَمِيلُونَ أَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَنْعَقِدْ إِلَّا عَلَى رَدِّ الرِّجَالِ وَحْدَهُمْ. وَفِي قَوْلِهِ: " وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ الَّذِي عَقَدَ الصُّلْحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُ إِلَيْهِمُ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ أَبَا بَصِيرٍ خَرَجَ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، فَجَعَلَ لَا يَخْرُجُ مِنْ قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أَسْلَمَ إِلَّا لَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بَعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ، إِلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُونَهُ بِاللهِ وَالرَّحِمِ إِلَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنَ جَاءَ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ أَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُ(11/317)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ مُوَادَعَةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ(11/321)
6686 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُدْلِجِيُّ، هُوَ ابْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ، يَقُولُ: جَاءَتْنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةً كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لِمَنْ قَتَلَهُمَا [ص:322] أَوْ أَسَرَهُمَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجَالِسِ قَوْمِي مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ آنِفًا أَسْوِدَةٌ بِالسَّاحِلِ، أَرَاهُمَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا، وَفُلَانًا انْطَلَقُوا بُغَاةً، قَالَ: ثُمَّ مَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ إِلَّا سَاعَةً، حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تُخْرِجَ لِي فَرَسِي مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ تَحْبِسُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزَجِّي الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَةَ الرُّمْحِ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي، فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ بِي، حَتَّى رَأَيْتُ أَسْوَدَتَهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، عَثُرَتْ فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي عَلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ أَلَا أَضُرُّهُمْ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تَقَرَّبُ بِي مِنْهُمْ أَيْضًا، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي حَتَّى بَلَغَتِ الرِّكَابَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَزَجَرْتُهَا، فَمَا كَادَتْ تَخْرُجُ يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا الْأَثَرُ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِنَ الدُّخَانِ. قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، مَا الْعُثَانُ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: هُوَ الدُّخَانُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ أَلَّا أَضُرَّهُمَا، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ، فَوَقَفَا، وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ [ص:323] مِنْهُمْ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمَرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ دِيَةً، وَأَخْبَرْتُهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سَفَرِهِمْ، وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَؤُنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلُونِي إِلَّا أَنْ أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَهُ لِي فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَنَزَلَتْ سُورَةُ بَرَاءَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، خُزَاعَةَ، وَمُدْلِجٍ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ(11/321)
6687 - وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بَنِي النَّضِيرِ إِلَى أَنْ يُعْطُونَهُ عَهْدًا يُعَاهِدُونَهُ عَلَيْهِ، فَأَبَوْا فَقَاتَلَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ(11/323)
ذِكْرُ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ(11/323)
6688 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ، أَخْبَرَهُمْ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، [ص:324] أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، أَقْبَلَ بِكِتَابٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْقِيَ فِي قَلْبِيَ الْإِسْلَامُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي وَاللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ، وَلَا أَحْبِسُ الْبَرْدَ، وَلَكِنِ ارْجِعْ، فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِكَ الَّذِي فِي قَلْبِكَ الْآنَ فَارْجِعْ» ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنِّي أَقْبَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمْتُ، قَالَ بُكَيْرٌ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ قِبْطِيًّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ، مَا لَمْ يَنْقُضُ الْعَدُوُّ، فَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ جَازَ نَقْضُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُهُ فِي ذَلِكَ مَذْمُومًا اسْتِدْلَالًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7] الْآيَةَ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاقَدَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَّةِ، فَلَمَّا نَقَضَتْ قُرَيْشٌ الْعَهْدَ سَارَ إِلَيْهِمْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الْوَفَاءُ بِكُلُّ عَهْدٍ لَا يُخَالِفُ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً، فَأَمَّا مَا خَالَفَ مِنْهُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةٍ، فَنَقْصُ ذَلِكَ يَجِبُ، وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِشَيْءٍ عُقِدَ خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ(11/323)
ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ التَّأَهُّبِ لِقِتَالِ مَنْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ عَهْدٌ مُدَّةً حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ(11/325)
6689 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّايِغُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَغْزُوَهُمْ فَجَعَلَ يَتَهَيَّأُ، قَالَ: فَجَعَلَ رَجُلٌ بِأَرْضِ الرُّومِ عَلَى بِرْذَوْنٍ لَهُ يَقُولُ: وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، فَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْسَةَ، قَالَ: فَدَعَاهُ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحِلَّ عَقْدَهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يُنْبَذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»(11/325)
6690 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ»(11/325)
6691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْغَادِرُ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ "(11/326)
ذِكْرُ تَخَوُّفِ الْفِتْنَةِ وَظُهُورِ الْقَتْلِ إِذَا نُقِضَ الْعَهْدُ(11/326)
6692 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلَّا كَانَ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ، وَلَا ظَهَرَتْ فَاحِشَةٌ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ، وَلَا مَنَعَ قَوْمٌ الزَّكَاةَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطْرُ»(11/326)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ دَمِ الْمُعَاهَدِ، وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِ، وَأَخْذِ أَمْوَالِهِ إِذَا نَقَضَ الْعَهْدَ(11/326)
6693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنْ يَهُودَ بَنِي النَّضِيرِ، وَقُرَيْظَةَ، [ص:327] حَارَبُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ بَنِي النَّضِيرِ، وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَّمَ نِسَاءَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلَّا بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِرَسُولِ اللهِ فَأَمَّنَهُمْ، وَأَسْلَمُوا، وَأَجْلَى رَسُولُ اللهِ يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ، بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ، يَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ، وَكُلَّ يَهُودِيٍّ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَبْدَأَ مَنْ خَافَ خِيَانَتَهُ بِالْحَرْبِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَجِدَ دَلَالَةً قَوِيَّةً تَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِمُ الْعَهْدَ، وَيُقَالُ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قُرَيْظَةَ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبُذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] الْآيَةُ، كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] مُجَازُ فَأَمَّا فَإِنْ تَخَافَنَّ، وَمَعْنَاهَا فَإِمَّا تُوقِنَنَّ مِنْهُمْ خِيَانَةً، وَغَدْرًا، أَوْ خِلَافًا، وَغِشًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي غَيْرِهِ: السَّوَاءُ الْعَدْلُ، وَأَنْشَدَ لِبَعْضِهِمْ:
[البحر الرجز]
فَاضْرِبْ وُجُوهَ الْغَدْرِ الْأَعْدَاءِ ... حَتَّى يُجِيبُوكَ إِلَى السَّوَاءِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ {فَانْبُذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] أَعْلِمْهُمْ أَنَّكَ قَدْ حَارَبْتَهُمْ حَتَّى يَصِيرُوا مِثْلَكَ فِي الْعِلْمِ، فَذَلِكَ السَّوَاءُ(11/326)
ذِكْرُ مَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَمَا لَا يَكُونُ نَقْضًا لَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَتْ قُرَيْظَةُ قَدْ عَاهَدَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ، أَتَى حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ النَّصْرِيُّ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيَّ، صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَجَابَهُ إِلَى نَقْضِ الْعَهْدِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَخَوَّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ لِيَنْظُرُوا صِحَّةَ ذَلِكَ، فَجَاؤُوا وَأَخْبَرُوا بِخَبَرِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَغَطَفَانَ، عَنِ الْمَدِينَةِ، سَارَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَاصَرَهُمْ، وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَحَكَمَ بِأَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيَّهُمْ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ، فَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: إِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، فَخَبَّرَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَدَلَّ عَلَيْهَا، وَآوَى عُيُونَهُمْ، فَقَدْ نَقَضَ عَهْدَهُ، وَخَرَجَ مِنْ ذِمَّتِهِمْ، إِنْ شَاءَ الْوَالِيُّ قَتَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ، وَإِنْ كَانَ مُصَالِحًا، لَمَّا يَدْخُلْ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ نَبَذَ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَمَرِ الْحَبَشَةِ: أَرَى أَنْ يَنْظُرَ وَيَتَبَيَّنَ، فَإِنْ كَانُوا أَسْوَأَ قُتِلُوا، وَلَا يَهْجُمْ عَلَيْهِمُ الْإِمَامُ، إِلَّا بِأَمْرَيْنِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمَّا اسْتَحَلَّ رَسُولُ اللهِ دِمَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمُظَاهَرَتِهِمُ الْأَحْزَابَ عَلَيْهِ، وَكَانُوا فِي عَهْدٍ مِنْهُ، فَرَأَى ذَلِكَ نَكْثًا لِعَهْدِهِمْ،(11/328)
وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْتُلُوا مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا، وَنَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَعْنِي فَفِي قَوْلِهِ: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب: 26] الْآيَةُ(11/329)
6694 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ، إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، قَالَ: فَأَتَى بِالرَّبِيعِ وَكِنَانَةَ ابْنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَحَدُهُمَا عَرُوسٌ بِصَفِيَّةَ، قَالَ: فَلَمَّا أُتِيَ بِهِمَا، قَالَ: «أَيْنَ آنِيَتُكُمَا الَّتِي كَانَ تُسْتَعَارُ فِي أَعْرَاسِ الْمَدِينَةِ» ، قَالَا: أَخْرَجْتَنَا، وَأَجْلَيْتَنَا، فَأَنْفَقْنَاهَا، قَالَ: انْظُرَا مَا تَقُولَانِ فَإِنَّمَا إِنْ كَتَمْتُمَانِي اسْتَحْلَلْتَ بِذَلِكَ دِمَاءَكُمَا وَذُرِّيَّتَكُمَا "، قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى مَكَانِ كَذَا، إِلَى نَخْلِ كَذَا، فَانْظُرْ نَخْلَةً فِي رَأْسِهَا رُقْعَةٌ، فَانْزِعِ الرُّقْعَةُ، فَاسْتَخْرِجْ تِلْكَ الْآنِيَةَ، فَائْتِ بِهَا، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى جَاءَ بِهَا، قَالَ: فَقَدَّمَهُمَا رَسُولُ اللهِ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمَا، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِمَا، وَأَتَى بِصَفِيَّةَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ(11/329)
6695 - وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي رُقْيَةَ، وَكَانَ، مِمَّنِ افْتَتَحَ مِصْرَ، قَالَ: افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: " مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ فَلْيَأْتِنَا بِهِ، قَالَ: فَأُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ، وَبَعَثَ إِلَى عَظِيمِ أَهْلِ الصَّعِيدِ، فَقَالَ: الْمَالُ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي مَالٌ، فَسَجَنَهُ، وَكَانَ عَمْرٌو يَسْأَلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ، هَلْ تَسْمَعُونَهُ يَذْكُرُ أَحَدًا؟، قَالُوا: نَعَمْ، رَاهِبًا بِالطُّورِ، فَبَعَثَ عَمْرٌو، فَأَتَى بِخَاتَمِهِ فَكَتَبَ كِتَابًا عَلَى لِسَانِهِ بِالرُّومِيَّةِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ مِنْ قِبَلِهِ إِلَى الرَّاهِبِ، قَالَ: فَأَتَى بِقُلَّةٍ مِنْ نُحَاسٍ مَخْتُومَةٍ بِرَصَاصٍ، فَإِذَا فِيهَا كِتَابٌ، وَإِذَا فِيهِ، يَا بَنِيَّ إِنْ أَرَدْتُمْ مَالَكُمْ فَاحْفُرُوا تَحْتَ الْفِسْقِينَةِ، قَالَ: فَبَعَثَ عَمْرٌو الْأُمَنَاءَ فَحَفَرُوا فِيهَا، فَاسْتَخْرَجُوا خَمْسِينَ إِرْدَبًّا دَنَانِيرَ، فَضَرَبَ عُنُقَ النَّبَطِيَّ وَصَلَبَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَمْرًو كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمُونَ أَمْوَالَهُمْ، كَحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ ابْنِي أَبِي الْحُقَيْقِ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ: أَهْلُ الْعَهْدِ إِذَا نَقَضُوا، تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ أَمْ لَا؟، قَالَ: كُلُّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ النَّقْضِ يُسْبَوْنَ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُسْبَوْنَ. [ص:331] وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَإِذَا جَاءَتْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَمْ يُوَفِّ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِجَمِيعِ مَا عَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَنْبُذَ إِلَيْهِمْ، يُلْحِقُهُ بِمَأْمَنِهِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يُحَارِبَهَ، فَإِنْ قَالَ إِمَامٌ: أَخَافُ خِيَانَةَ قَوْمٍ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى خِيَانَتِهِمْ مِنْ خَبَرٍ وَلَا عِيَانٍ فَلَيْسَ لَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، نَقْضُ مُدَّتِهِمْ إِذَا كَانَتْ صَحِيحَةً. وَإِذَا وَادَعَ الْإِمَامُ قَوْمًا، فَأَغَارُوا عَلَى قَوْمٍ مُوَادِعِينَ، أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ، أَوْ مُسْلِمَيْنَ، فَقَتَلُوا، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرُوا نَقْضَ الصُّلْحِ، فَلِلْإِمَامِ غَزْوُهُمْ، وَقَتْلُهُمْ، وَسَبَاهُمْ، وَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ، لَزِمَهُمْ مَنْ قَتَلُوا أَوْ جَرَحُوا أَوْ أَخَذُوا مَالَهُ الْحُكْمُ كَمَا يَلْزَمُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ قَوْدٍ وَعَقْلٍ وَضَمَانٍ قَالَ: وَإِذَا أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْ قَوْمٍ فَقَطَعَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الطَّرِيقَ، أَوْ قَاتَلُوا رَجُلًا مُسْلِمًا فَضَرَبُوهُ، أَوْ ظَلَمُوا مُسْلِمًا، أَوْ مُعَاهِدًا، أَوْ زَنَا مِنْهُمْ زَانٍ، أَوْ أَظْهَرَ فَسَادًا فِي مُسْلِمٍ، أَوْ مُعَاهِدٍ، حَدَّ فِيهَا الْحَدَّ، وَعُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكِّلَةً فِيمَا فِيهِ الْعُقُوبَةُ، وَلَمْ يُقْتَلْ إِلَّا بِأَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ يُحِلُّ دَمَهُ، لَا يَكُونُ نَقْضُ الْعَهْدِ إِلَّا مَنْعَ الْجِزْيَةِ، أَوِ الْحُكْمَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالِامْتِنَاعَ بِذَلِكَ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي الَّذِي يَكْتُبُ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِخَبَرٍ عَنْهُمْ، بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَدُوِّ شَيْئًا، لِتَحْذَرُوهُ الْمُسْتَأْمَنَ أَوِ الْمُوَادِعَ، أَنْ يَمْضِيَ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا عَنْهُمْ، فَقَالَ: يُعَزَّرُ هَؤُلَاءِ، وَيُحْبَسُونَ [ص:332] عُقُوبَةً، وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ يُحِلُّ سَبْيَهُمْ، وَلَا أَمْوَالَهُمْ، وَلَا دِمَاءَهُمْ، إِذَا صَارَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ إِلَى بِلَادِ الْعَدُوِّ، فَقَالُوا: لَمْ نُرِدْ بِهَذَا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، فَلَيْسَ بِنَقْضٍ لِلْعَهْدٍ، وَيُعَزَّرُ، وَيَحْبِسُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: فِي الْمَلِكِ مِنَ الْمُلُوكِ يُصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَيَصِيرُ لَهُمْ ذِمَّةٌ، ثُمَّ جَعَلَ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا، وَيُؤْوِي عَيْنَهُمْ إِلَيْهِ لَا يَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُعَاقِبُوهُ، وَيَحْبِسُوهُ، وَإِنْ قَتَلَ هُوَ وَبَعْضُ مَنْ صَارَ ذِمَّةً رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَيْضًا نَقْضًا لِلْعَهْدِ، وَلَكِنْ يَنْظُرُونَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، قُتِلَ بِهِ(11/330)
ذِكْرُ الصُّلْحِ وَالْهُدْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ إِلَى مُدَّةٍ مِنَ الْمُدَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ(11/332)
فَفِي خَبَرِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ قُرَيْشًا هَادَنَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَالَحَتْهُ عَلَى سِنِينَ أَرْبَعٍ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَكَانَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللهُ بِهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، يَكُونُ النَّظَرُ لَهُمْ فِيهِ مُهَادَنَةُ الْعَدُوِّ، وَأَلَّا يُهَادِنَهُ إِلَّا فِي مُدَّةٍ، وَلَا تَجَاوَزَ بِالْمُدَّةِ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، كَانَتِ النَّازِلَةُ مَا كَانَتْ، فَإِنْ هَادَنَهُمْ أَكْثَرَ(11/332)
مِنْهَا فَالْهُدْنَةُ مُنْتَقِضَةٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرْضُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ أَهْلَ الْجِزْيَةِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إِنْ صَالَحَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْجِزْيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ، لَمْ نَعْمَدْ مُصَالَحَتَهُمْ، قَدْ صَالَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى غَيْرِ خَرَاجٍ يُؤَدُّنَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، أَهْلُ حِصْنٍ، وَأَهْلُ مَدِينَةٍ، أَوْ أَهْلُ عَسْكَرٍ، أَوْ أَهْلُ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ أَهْلِ الْحَرْبِ سَأَلُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُوَادِعُوهُمْ سِنِينَ مَعْلُومَةً، عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ، وَعَلَى أَنْ لَا تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَخَشِيَ الْمُسْلِمُونَ إِنْ لَمْ يُوَادِعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ يَقْوَوْا عَلَيْهِمْ وَادَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ وَادَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ لَهُمْ قُوَّةً، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَنْبُذُوا إِلَيْهِمْ، ثُمَّ يُقَاتِلُوهُمْ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ ثُمَّ نَقَضُوهُ الْعَامَ الرَّابِعَ لِلْحُدَيْبِيَةِ، حَكَى ابْنُ حِزَامٍ هَذَا الْقَوْلَ، قَالَ: قِيلَ لِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُهَادَنَةً، فَلِلْإِمَامِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ مُهَادَنَتُهُمْ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، لَيْسَ لَهُ مُهَادَنَتُهُمْ عَلَى النَّظَرِ عَلَى غَيْرِ جِزْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] الْآيَةَ، فَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ مُدَّةً بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَبِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِمَا وَصَفْتُ(11/333)
مِنْ فَرْضِ اللهِ فِيهِمْ، وَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لَهُ أَنْ يُهَادِنَ إِلَّا عَلَى النَّظَرِ، وَيَجُوزُ لَهُ فِي النَّظَرِ لِمَنْ رَجَا إِسْلَامَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَى بِلَادٍ، وَقَدْ صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِصَفْوَانَ حِينَ خَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ مُدَّتُهُ، وَمُدَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لِهَذَا مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبُذَ إِلَيْهِ، مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَيُوَفِّيَهُ الْمُدَّةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَفِي بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، لِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا جَاوَزَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ(11/334)
ذِكْرُ مُصَالَحَةِ الْإِمَامِ أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى مَالٍ يَقْبِضُهُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمْ، وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَا يَجُوزُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، جَازَ لَهُمُ الْكَفُّ عَنْهُمْ، وَمُهَادَنَتُهُمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُعْطِيَهُمُ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا بِحَالٍ، عَلَى أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ، وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ مُشْرِكًا عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، إِلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَأُخْرَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنْ يَلْتَحِمَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُصْطَلَمُوا لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ، أَوْ خِلَّةٍ فِيهِمْ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، عَلَى أَنْ يَخْلُصُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُ(11/334)
مِنْ مَعَانِي الضَّرُورَاتِ يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، أَوْ يُوسِرُ مُسْلِمٌ فَلَا يُخَلَّى إِلَّا بِفِدْيَةٍ، فَلَا بَأْسَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ بِرَجُلَيْنِ(11/335)
6696 - أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ مُوَادَعَةِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى فِدْيَةٍ أَوْ جِزْيَةٍ يُؤَدِّيهَا الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، وَشُغْلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ حَرْبِهِمْ عَنْ قِتَالِ عَدُوِّهِمْ، أَوْ فِتْنَةٍ شَمَلَتِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى عِدَّةِ سَبْيٍ يُؤَدُّونَهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الرُّوسُ وَالْفِدْيَةُ وَالسَّبْيُ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَحْرَارِهِمْ يَبْعَثُ بِهِ مَلِكُهُمْ إِلَيْهِ؟، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ مِنْ أَحْرَارِهِمْ كَانَ ذَلِكَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، إِذَا كَانَ الصُّلْحُ لَيْسَ بِصُلْحِ ذِمَّةٍ وَخَرَاجٍ يُقَاتِلُ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُصَالِحُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى أَلْفِ رَأْسٍ كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَ يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ يُؤَدُّونَهُ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ يَجِيءُ بِهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ: إِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِمْ مِائَةَ رَأْسٍ كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ يُؤَدُّونَهَا مِنْ أَبْنَائِهِمْ، فَلَا خَيْرَ فِي الصُّلْحِ عَلَى هَذَا، وَلَا يَنْبَغِي [ص:336] لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ أَحَدًا لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى ذَرَارِيِّهِمْ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ حِصْنٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَزَلَ بِهِ الْعَدُوُّ، فَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ بِهِ طَاقَةٌ، أَلَهُمْ أَنْ يُصَالِحُوهُمْ، عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِمْ سِلَاحَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، وَكِرَاعَهُمْ، عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنْهُمْ؟، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمُوا أَنْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِمْ، وَسَأَلَهُمُ الْعَدُوُّ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ إِلَّا ذَلِكَ، قَالَ: فَلَا يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ، وَلْيُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَمُوتُوا. وَقَالَ النُّعْمَانُ فِي الْقَوْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِنْ أَرَادُوا مُصَالَحَةَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِمْ أَهْلَ الْحَرْبِ كُلَّ سَنَةٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، عَلَى أَنَّ لَا يَدْخُلَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمْ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُهُمْ، أَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصَالِحُوهُمْ عَلَى ذَاكَ؟، قَالَ: لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ(11/335)
ذِكْرُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، وَمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَخْبَارِ(11/336)
6697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ مَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، وَعَلَى أَنْ يَدْخُلُوهَا مِنْ قَابِلٍ، فَيُقِيمُونَ [ص:337] بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ، وَالْقَوْسِ، وَالسَّيْفِ، وَنَحْوِهِ، فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجِلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ(11/336)
6698 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحُوا أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيُقِيمُ بِهَا ثَلَاثًا، وَلَا يَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يَمْكُثَ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا "، فَكَتَبَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ تَابَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحَاهَا، فَقَالَ عَلِيُّ: وَاللهِ لَا أَمْحَاهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: أَرِنِي مَكَانَهَا «، فَأَرَاهُ، فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ» ابْنُ عَبْدِ اللهِ "، فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثِ، قَالُوا لِعَلِيٍّ: إِنَّ هَذَا آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَرْطِ صَاحِبِكَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ، فَحَدَّثَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجَ(11/337)
6699 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدْعُوهُ، وَذَكَرَ بَعْضَ [ص:338] الْحَدِيثِ، قَالَ: فَكَتَبَ: " هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَهْلَ مَكَّةَ، أَنْ لَا يَدْخُلَ مَكَّةَ بِسِلَاحٍ إِلَّا السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لَا يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدٌ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَلَا يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا، فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ فَلْيَخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(11/337)
ذِكْرُ نِسَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الممتحنة: 10] الْآيَةُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10] مِنَ النَّفَقَاتِ، وَاحْتَمَلَ الصَّدَاقَ الَّذِي أَعْطَوهُ، فَوَجَدْنَا قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، أَنَّ ذَلِكَ الصَّدَاقُ، كَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَا ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ إِلَى الْكُفَّارِ فَلْيُعْطِهِمُ الْكُفَّارُ صَدُقَاتِهِنَّ وَأَمْسَكُوهُنَّ، وَمَا ذَهَبَ مِنْ أَزْوَاجِ الْكُفَّارِ إِلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَمِثْلِ ذَلِكَ، هَذَا فِي صُلْحٍ كَانَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَقُرَيْشٍ(11/338)
وَأَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَإِذَا جَاءَتْنَا الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مِنْ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مَسْلَمَةً مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ، فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا، مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ، وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجُهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ طَلَبَهَا غَيْرُهُ لِوِكَالَتِهِ مُنِعَهَا، وَفِيهَا قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا يُعْطَى الْعِوَضَ، وَالْعِوَضُ مَا قَالَ اللهُ: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، قَالَ: قَالَ: وَمِثْلُ مَا أَنْفَقُوا يَحْتَمِلُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، مَا دَفَعُوا بِالصَّدَاقِ، لَا النَّفَقَةَ غَيْرَهُ، وَلَا الصَّدَاقَ كُلَّهُ، إِنَّ كَانُوا لَمْ يَدْفَعُوهُ، قَالَ: وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْعِوَضَ بِحَالٍ، إِلَّا أَنْ يَطْلُبَهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ إِلَى وَالٍ يُخَلِّفُهُ بِبَلَدِهِ، فَإِنْ طَلَبَهَا إِلَى مَنْ دُونَ الْإِمَامِ مِنْ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ، أَوْ إِلَى مَنْ يُوَلِّيهِ الْإِمَامُ هَذَا، فَلَا يَكُونُ لَهُ بِهِ الْعِوَضُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يُعْطَى الزَّوْجُ الْمُشْرِكَ الَّذِي جَاءَتْ زَوْجَتُهُ مَسْلَمَةً الْعِوَضَ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ بِرَدِّ النِّسَاءِ كَانَ الشَّرْطُ مُنْتَقِضًا، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إِنَّ شَرْطَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، إِذْ دَخَلَ فِيهِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ، وَكَانَ النِّسَاءُ مِنْهُمْ كَانَ شَرْطًا صَحِيحًا، فَنَسَخَهُ اللهُ، ثُمَّ رَسُولُهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا نُسِخَ مِنْهُ الْعِوَضَ، وَلَمَّا قَضَى اللهُ، ثُمَّ رَسُولُهُ، أَنْ لَا تُرَدَّ النِّسَاءُ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ رَدُّهُنُّ، وَلَا عَلَيْهِ عِوَضٌ فِيهِنَّ، لِأَنَّ شَرْطَ مَنْ شَرَطَ رَدَّ النِّسَاءِ بَعْدَ نَسْخِ اللهِ ثُمَّ رَسُولِهِ لَهَا بَاطِلٌ، وَلَا يُعْطَى بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ شَيْءٌ، قَالَ: وَكَانَ أَشْبَهُهُمَا أَنْ يُعْطُوا عِوَضًا، وَالْآخَرُ كَمَا وَصَفْتُ، يُعْطَوْنَ فِيهِ الْعِوَضَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْقِدَ هَذَا الْعَقْدَ [ص:340] إِلَّا الْخَلِيفَةُ، أَوْ رَجُلٌ بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ، لِأَنَّهُ يَلِي الْأَمْوَالَ كُلَّهَا، فَمَنْ عَقَدَهُ غَيْرُ الْخَلِيفَةِ فَعَقْدُهُ مَرْدُودٌ(11/339)
6700 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: إِنَّ الْمُهَاجِرَاتِ كُنَّ إِذَا قَدِمْنَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُنَّ: «أُبَايِعْكُنَّ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللهِ» ، وَيَتْلُو عَلَيْهِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا، فَإِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ، قَالَ: قَدْ بَايَعْتُكُنَّ فَارْتَفَعْنَ "، وَلَا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ: مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إِلَّا امْرَأَةً أَحَلَّهَا اللهُ لَهُ، أَوْ مِنْ قَرَابَتِهِ، قَالَ: وَكُنَّ إِذَا أَقْرَرْنَ بِهَذَا الْكَلَامِ فَهِيَ الْمِحْنَةُ، قَالَ وَكَتَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَإِذًا أَدُّوا إِلَيْنَا صَدَاقَ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ نِسَائِنَا اللَّاتِي أَقَمْنَ عِنْدَكُمْ، وَاسْأَلُونَا الصَّدَاقَ مَنْ نَكَحْنَا مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي هَاجَرْنَ إِلَيْنَا، قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِمُ الْمُشْرِكُونَ: لَا وَاللهِ مَا نَعْلَمُ لَكُمْ عِنْدَنَا حَقًّا فَنُعْطِيَكُمْ، فَإِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّ لَنَا عِنْدَكُمْ حَقًّا فَأَعْطُونَا، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، قَالَتْ: فَتَعَاطَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ حُقُوقِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ نِسَائِهِمُ الَّذِينَ نَكَحُوا بِمَكَّةَ، بِقَدْرِ مَا أَمْسَكُوا عَنْهُمْ، قَالَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِلرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: قَدْ أَنْكَحْتُكَ امْرَأَتَهُ بِمَكَّةَ [ص:341] لَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، وَقَدْ نَكَحَ هَذَا امْرَأَتَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ، هَلُمَّ إِلَى حَقِّكَ فَخُذْهُ، قَالَتْ: فَهَذَا الْعَقِبُ الَّذِي قَالَ اللهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، قَالَ: بَعْدَ الصُّلْحِ وَالْعَهْدِ، {فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11] ، قَالَ: اقْتَصَصْتُمْ أَصَبْتُمْ مَغْنَمًا مِنْ قُرَيْشٍ، أَوْ غَيْرِهِمْ، {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، صَدُقَاتِهِنَّ عِوَضًا(11/340)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَإِنَّ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 11] الْآيَةُ، يَقُولُ: إِلَى كُفَّارٍ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ عَهْدٌ يَأْخُذُونَ بِهِ، {فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11] ، وَهِيَ الْغَنِيمَةُ إِذَا أَغْنَمُوا أَنْ يُعْطُوا زَوْجَهَا صَدَاقَهُ الَّذِي كَانَ سَاقَ مِنَ الْغَنِيمَةِ، ثُمَّ يُقَسِّمُ الْغَنِيمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحَكَمُ وَهَذَا الْعَهْدُ فِي «بَرَاءَةَ» ، فَنُبِذَ إِلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدُهُ. قَالَ عَطَاءٌ: لَا يُعَاضُ زَوْجُهَا مِنْهَا شَيْءٌ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ عَهْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ. [ص:342] قَالَ الزُّهْرِيُّ: انْقَطَعَ ذَلِكَ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يُعَاضُ زَوْجُهَا مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: لَا يُعْمَلُ بِهِ الْيَوْمَ(11/341)
ذِكْرُ إِبَاحَةِ إِعْطَاءِ الْإِمَامِ الْعَهْدَ وَالْأَمَانَ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِيهِمْ، وَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَى فَتْحِ حُصُونِهِمْ(11/342)
6701 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى قَصْرِهِمْ وَغَلَبَ عَلَى الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ، فَصَالَحُوهُ أَنْ يُخَلُّوا عَلَيْهَا، وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلِرَسُولِ اللهِ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ وَالْجُعْلَةُ، وَهِيَ السِّلَاحُ، كَذَا قَالَ، وَالصَّحِيحُ الْحَلْقَةُ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا، وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مِسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيُّ لَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْيَةَ عَمِّ حُيَيٍّ: مَا فَعَلَ مِسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ؟ "، فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فَقَالَ: الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالْمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ "، فَقَدْ كَانَ حُيَيُّ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ، [ص:343] فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ سَعْيَةَ إِلَى الزُّبَيْرِ، أَشَمَّهُ بِعَذَابٍ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُهُ يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَهُنَا، يَنْظُرُ فِيهَا، فَذَهَبُوا فَطَافُوا فَوَجَدُوا الْمِسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ، كَانَ أَحَدُهُمَا زَوْجَ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، وَسَبَا رَسُولُ اللهِ ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَقَبِلُوا أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا، وَنَقُومُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ، وَلَا لِأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَقُومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يَفْرُغُونَ أَنْ يَقُومُوا هُمْ، فَأَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ نَخْلٍ وَزَرْعٍ وَشَيْءٍ، مَا بَدَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَأْتِيهِمْ فَيَخْرُصُهَا عَلَيْهِمْ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ شِدَّةَ خَرْصِهِ، وَأَرَادُوا أَنْ يُرْشُوهُ، فَقَالَ: يَا أَعْدَاءَ اللهِ، أَتُطْعِمُونِي السُّحْتَ، وَاللهِ لَقَدْ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَأَنْتُمْ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَا يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ وَحُبِّي إِيَّاهُ عَلَى أَنْ لَا أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَالَ: وَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنِ صَفِيَّةَ خَضِرَةً، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذِهِ الْخَضِرَةُ؟ "، فَقَالَتْ: كَانَ رَأْسِي فِي حِجْرِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَنَا نَائِمَةٌ، فَرَأَيْتُ كَأَنَّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَلَطَمَنِي، وَقَالَ: تَمَنِّينَ مُلْكَ يَثْرِبَ، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ، قَتَلَ زَوْجِي، وَأَخِي، وَأَبِي، فَمَا زَالَ يَعْتَذِرُ إِلَيَّ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكِ أَلَّبَ عَلَيَّ الْعَرَبَ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، حَتَّى ذَهَبَ ذَلِكَ. قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي كُلَّ امْرَأَةٍ مِنْ سَلَبِهِ كُلَّ عَامٍ سِتِّينَ وَسْقًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، هَكَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِي، وَلَا أَحْسِبُهُ [ص:344] إِلَّا غَلَطًا، إِنَّمَا هُوَ تَمْرٌ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ، غَالَوْا فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَشُّوهُمْ، وَأَلْقَوَا ابْنَ عُمَرَ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ، فَفَرَغُوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَنْ كَانَ لَهُ سَهْمٌ مِنْ خَبِيرَ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى نُقَسِّمَهَا بَيْنَهُمْ، فَقَسَّمَهَا عُمَرُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ رَئِيسُهُمْ: لَا تُخْرِجْنَا، دَعْنَا نَكُونُ فِيهَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتُرَاهُ سَقَطَ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ، كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّامِ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا فَقَسَّمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ(11/342)
ذِكْرُ مَا يُصَالِحُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَهْلَ الذِّمَّةِ قَبْلَ مُحَارَبَتِهِمْ(11/344)
6702 - أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّ الْحُمَيْدِيَّ، حَدَّثَهُمْ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مَالِكَ بْنَ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: " إِنَّ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ، وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ خَالِصًا، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً [ص:345] فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: يَحْبِسُ نَفَقَةَ سَنَةٍ(11/344)
6703 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ، قَالَ أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: " إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ قَوْمِكَ، وَإِنَّا قَدْ أَمَرْنَا لَهُمْ بِرَضْخٍ، فَاقْسِمْ بَيْنَهُمْ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُرْ بِذَلِكَ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَهُ مَوْلَاهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ: هَذَا عُثْمَانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي ذَكَرَ طَلْحَةَ أَوْ لَا؟ يَسْتَأْذِنُونَ عَلَيْكَ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُمْ، قَالَ: ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَذَا الْعَبَّاسُ، وَعَلِيُّ يَسْتَأْذِنَانِ عَلَيْكَ، قَالَ: ائْذَنْ لَهُمَا، فَلَمَّا دَخَلَ الْعَبَّاسُ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَتَخَاصَمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: اقْضِ بَيْنَهُمَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرِحْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَقَدْ طَالَتْ خُصُومَتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» ، قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَا: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّى سَأُخْبِرُكُمْ عَنْ هَذَا الْفَيْءِ، إِنَّ اللهَ خَصَّ نَبِيَّهُ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ غَيْرَهُ، [ص:346] فَقَالَ: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6] الْآيَةُ، فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللهِ خَاصَّةً، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا اخْتَارَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ قَسَّمَهَا اللهُ بَيْنَكُمْ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، وَرُبَّمَا قَالَ: يَحْبِسُ قُوتَ أَهْلِهِ مِنْهُ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ بِجَعْلِ مَالِ اللهِ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ بَعْدَهُ، وَأَعْمَلُ فِيهَا مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ، فَقَالَ: وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا ظَالِمًا فَاجِرًا، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ وُلِّيتُهَا بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي، فَعَمِلْتُ فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَنْتُمَا تَزْعُمَانِ أَنِّي فِيهَا ظَالِمٌ فَاجِرٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهَا صَادِقٌ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي، جَاءَنِي هَذَا، يَعْنِي الْعَبَّاسَ، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَهُ مِنَ ابْنِ أَخِيهِ، وَجَاءَنِي هَذَا، يَعْنِي عَلِيًّا، يَسْأَلُنِي مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ "، ثُمَّ بَدَا بِي أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكُمَا، فَأَخَذْتُ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَأَنَا مَا وُلِّيتُهَا، فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا عَلَى ذَلِكَ، [ص:347] أَتُرِيدَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ هَذَا، وَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، لَا أَقْضِي فِيهَا بَيْنَكُمَا بِقَضَاءٍ غَيْرِ هَذَا، إِنْ كُنْتُمَا عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ، قَالَ: فَغَلَبَهُ عَلِيُّ عَلَيْهَا، فَكَانَتْ بِيَدِ عَلِيٍّ: ثُمَّ بِيَدِ حَسَنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: ثُمَّ بِيَدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَسَنٍ، ثُمَّ أَخَذَهَا هَؤُلَاءِ، يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ(11/345)