فليحملها إن كانت تحل له أو يذرها إن كانت لا تحل له، نعم.
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله بن أبي بكرة، وهو قاضي بسجستان: أن لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)) وفي رواية: ((لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الرحمن بن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: كتب أبي وكتبت له" كتب أبي يعني أمرني بالكتابة، أمر بالكتابة والآمر بالشيء ينسب إليه، كما يقال: كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قيصر وإلى كسرى وإلى عظيم البحرين وإلى .. ، كتب، النبي يكتب؟ النبي لا يكتب بيمينه، لا يكتب بيده، وإنما أمر بالكتابة، فأسندت إليه ونسبت إليه، يقول: كتب أبي وكتبت له، يعني أملى علي وأمرني بالكتابة فكتبت، يعني تولى الكتابة بنفسه.
"إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضي في سجستان" فيه التحمل بالكتابة، وهي طريق معتبر من طرق التحمل، المكاتبة طريق معتبر من طرق التحمل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كتب، والصحابة كتب بعضهم إلى بعض، والصحابة كتبوا إلى التابعين والعكس، ومن بعدهم إلى شيوخ الأئمة، وفي البخاري: كتب إلي محمد بن بشار، يعني يكتبون، فالرواية تثبت بالمكاتبة.(50/13)
"وكتبت له إلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضي بسجستان: ألا تحكم بين اثنين وأنت غضبان" لأن الغضب يستولي على الذهن ويشوش، فلا يترك فرصة للتفكير الصحيح، والنظر التام في القضايا، لا تحكم بين اثنين وأنت غضبان "فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان)) وفي رواية: ((لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان)) " نعم لأن الغضب شعبة من شعب الجنون لا سيما إذا أزداد، ولذا طلاق الغضبان مما اختلف فيه أهل العلم، وتصرفاته أيضاً محل مثار خلاف بين أهل العلم إلا أنه يحكم بما يتصرف فيه من حقوق العباد يؤاخذ بها من باب ربط الأسباب بالمسببات، فمثل هذا الغضب إذا وصل إلى حد بحيث لا يتمكن القاضي من النظر في القضية، وإلا ففي مجالس الخصوم ما يثير الغضب باستمرار، بعض القضاة ما يتحمل فيثور ويغضب عند أدنى شيء، مثل هذا عليه أن يعتزل القضاء؛ لأنه يمكن أن يغضب في كل قضية فيتجه إليه هذا النهي، بعض الناس جبلة يثور لأدنى سبب، مثل هذا لا يصلح للقضاء؛ لأنه ما من قضية إلا وفيها يعني في الغالب إلا وفيها ما يثير، فإذا كان هذا مستعد للغضب يشتعل لأدنى مناسبة مثل هذا لا يصلح للقضاء، لكن هناك عموم القضاة كغيرهم يغضبون، لكن عليه أن ينظر في القضايا، وإذا وصل به الحد في الغضب إلى أن لا يتمكن من النظر في القضية يترك لا يقضي، يؤجل القضية، وقل مثل هذا في كل ما يشوش الخاطر والبال كالجوع والحر الشديد والبرد الشديد، وكونه حاقن مثلاً، أو مشوش الذهن لمصيبة مثلاً، مثل هذا ينتظر، يؤجل القضايا حتى يتمكن من النظر فيها، لكن هناك دعاوى باطلة، يعني لا توجد عندنا ولله الحمد، لكن توجد في بلدان أخرى، توجد في بلدان أخرى بعض القضاة تجده مدخن مثلاً، هذا لا يوجد عندنا البتة، لكن يوجد بعض القضاة يدخن، ويقول: إنه لا يتمكن من النظر في القضية حتى .. ، بعضهم يصرح، يعني وكتب في الصحف بعضهم على سبيل التنكيت، وبعضهم يحكي واقع، لا يتمكن من النظر الصائب في القضية حتى يبطل بكت كامل، وش الكلام هذا؟ يدخل في هذا أو لا يدخل؟ الأصل أن مثل هذا ليس بأهل للقضاء أصلاً، فاختيار مثل هذا قاضي خطأ، والله المستعان، فمثل هذه(50/14)
الأمور لا ينظر إليها لأنها من أساسها باطلة، فلا يبنى نتائج شرعية على مقدمات غير شرعية، نبني نتائج شرعية على مقدمات شرعية، نتائجنا لا بد أن يكون القاضي مرتاح البال حتى يتمكن من النظر في القضية، هذه النتيجة لا بد أن تبنى على مقدمات شرعية، يقال: والله ما دام يدخن لازم يدخن حتى ينظر القضية، نقول: أبداً لا هو ولا دخانه، ولا ينظر ولا شيء، لا قبل ولا بعد مثل هذا، قد يقول لك قائل: هذه معصية ولا يسلم منها، ولا يفترض في القاضي أن يكون معصوم، لكن المسألة منصب نبوي هذا، فصل الخصومات ينبغي أن يكون لأولى الناس، للقدوات، الذين إذا قالوا سُمع لهم، وإذا أمروا امتثل لهم، فمثل هذا لا ينظر إليه، نعم الأسباب الشرعية الجبلية مثل الغضب، مثل جوع شديد، مثل برد شديد، مثل حر شديد، كونه حاقن، كونه محتاج، كونه مريض، كل هذا لا يقضي بين الناس وهو متصف بهذه الصفات، نعم.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ )) ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) وكان متكئاً فجلس فقال: ((ألا وقول الزور، وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.(50/15)
وهذا الحديث أيضاً: "عن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أنبئكم)) " ألا أخبركم، والنبأ هو الخبر إذا كان مهماً عظيماً ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ )) أكبر الكبائر فدل على أن من الذنوب ما يسمى كبائر، وفي قوله -جل وعلا-: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] ووجود الكبائر وتسميتها بهذا الاسم المستند إلى الكتاب والسنة أمر مجمع عليه، لكن النزاع في وجود صغائر، يقول بعضهم: إنه لا يوجد ما يدل على أن هناك صغائر، فمن باب المقابلة أنه ما دام يوجد كبائر لا بد من وجود صغائر، إذا قلت: فلان أكبر من .. بس وسكت، كلام صحيح؟ لا بد من طرف مقابل يكون أصغر منه، لا بد من تمام الكلام، لا بد لتمام الكلام من هذا، ما دام وجد كبائر لا بد أن يوجد ما يقابلها وهي الصغائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] والمراد بالسيئات الصغائر، والنصوص في تكفير الذنوب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، ما لم تغشَ كبيرة، إذاً كفارات لإيش؟ للصغائر، فلا بد من وجود صغائر، أما أن نقول: ما في في النصوص ما يدل على صغائر، بهذا اللفظ قد يسلم، لكن هذه العبادات التي تكفر الذنوب هي لا تكفر الكبائر إذاً تكفر إيش؟ لا بد من ما يقابل هذه الكبائر مما يتناوله تكفير هذه العبادات العظيمة لها وهي الصغائر، إذا قررنا أن هناك صغائر وكبائر، هناك كبائر وهناك أكبر، الكبائر متفاوتة، إذ ليست على درجة واحدة، فأكبر الكبائر، ويختلف أهل العلم في ضابط الكبيرة، لكن منهم من ضبطها بأن كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا، أو عذاب في الآخرة، أو توعد فاعله بلعن أو غضب، أو بعدم دخول الجنة، أو بدخول النار، أو نفي عنه الإيمان، هذه كلها كبائر.(50/16)
" ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ )) قلنا: بلى يا رسول الله" تصور من الصحابة أن يقولوا: ما يحتاج؟ كثيراً ما يسألونه من غير طلب للسؤال "قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله)) " وهذا أعظم أنواع الظلم، وهو الذي لا يقبل المغفرة {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] والظلم الشرك هنا، كما فسره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالشرك غير قابل للغفران.
((الإشراك بالله)) واللفظ يتناول الأكبر والأصغر، أما الأكبر فالجنة على صاحبه حرام لا يغفر ومرتكبه مخلد في النار نسأل الله السلامة والعافية، وأما الشرك الأصغر كالريا مثلاً، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، ما شاء الله وشئت ونحو هذا، هذا شرك أصغر، ولولا الله وفلان هذا شرك أصغر، من أهل العلم من يدرجه في الكبائر، وأن المشيئة تشمله، ويغفر ما دون ذلك بما في ذلك الشرك الأصغر، ومنهم من يقول: إن الشرك بنوعيه لا يقبل المغفرة، بل لا بد من أن يعذب صاحبه، وبهذا يختلف الشرك الأصغر عن الكبائر، بأنه لا بد من أن يعذب، ويدخل في عموم قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] سواء كان شرك أصغر أو أكبر، لكن يبقى الفرق بين الأكبر والأصغر بأن الأكبر صاحبه مخلد، والأصغر إذا عذب بقدر ذنبه مآله إلى الجنة، لا يخلد صاحبه في النار.(50/17)
المقصود أن أعظم الذنوب الإشراك بالله ((وعقوق الوالدين)) أعظم الناس حقاً عليك والداك، وحقهما مقرون بحق الله في نصوص كثيرة، وكان متكئاً فجلس؛ لأن الإشراك بالله يستبعد وقوعه من المسلم، عقوق الوالدين أيضاً كثير من المسلمين الأصل فيهم الوفاء مع عامة الناس فضلاً عن أعظم الناس عليهم حقاً، لكن الأمر الثالث والدواعي إليه تجر إلى التساهل فيه فاحتاج أن يهتم له النبي -عليه الصلاة والسلام- "وكان متكئاً فجلس، فقال: ((ألا وقول الزور)) " قول الزور وشهادة الزور قد يدعو إليها ما يدعو، إما حمية يشهد لقريبه، أو إحن وعداوات، فيشهد على عدوه، أو طمع دنيا فيشهد لراشيه، أو خوف فيشهد لمن هدده، أو رجاء بأن يرجو فلاناً أن يعطيه أو يزوجه، أو يوليه ولاية أو ما أشبه ذلك، المقصود أن الدواعي كثيرة، فاهتم النبي -عليه الصلاة والسلام- لها.
((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)) ومن لم يدع قول الزور فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، فقول الزور شأنه خطير، وشهادة الزور أمرها عظيم، والمتلبس بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، الذي في المجالس أنا فعلت، أنا فعلت، أنا حفظت، أنا تركت، أنا علمت، أنا قرأت، أنا سويت وهو ما سوى شيء هذا كلابس ثوبي زور.
"فما زال يكررها" ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور "فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت" شفقة عليه، -عليه الصلاة والسلام-، شفقة على النبي -عليه الصلاة والسلام- كررها حتى أشفقوا عليه، اهتماماً بها، جاء في أحاديث بيان بعض الكبائر كالسبع الموبقات، وقيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب، وفي رواية: إلى السبعمائة، وألف في الكبائر كتب، من أجمعها كتاب الزواجر عن اقتراب الكبائر، والكبائر للذهبي، كتب يعني في هذه المسألة، نعم.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(50/18)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم)) " جمع دعوى، وجمع الدعوى دعاوي ودعاوى، كالفتوى جمعها فتاوي وفتاوى ((لو يعطى الناس)) كل من أدعى شيء قيل له: خذ، لو يعطى الناس كل من يدعي يُعطى إياه، يدعي زيد على عمرو أن في ذمته له مبلغ كذا قال: ي الله أدفع، يدعي عمرو أن فلاناً قتل ابنه، قال: خذ اقتله، لو يدعي بكر أن فلاناً زوجه ابنته أمسك بيد زوجتك، لو المسألة هكذا وش يصير الوضع؟ نعم ((لادّعى ناس دماء رجال)) يعني لولا أن هناك ضوابط تضبط أمور الناس لصارت الحياة لا تطاق، لو كل من أدعى شيء قيل له: خذه، ما بقي شيء؛ لأنهم ليس الناس كلهم على مستوى واحد من التدين والورع والتقوى والالتزام والانقياد ((لادعى ناس دماء رجال)) هذا قتلني، هذا قتل ولدي، هذا قتل أبي ((لادعى ناس دماء رجال وأموالهم)) هذا سرق مني، هذا اقترض مني، هذا استدان مني ((ولكن اليمين على المدعى عليه)) والمدعي عليه البينة ((شاهداك أو يمينه)) فاليمين في الغالب تكون في الجانب الأقوى، المدعي يدعي خلاف الأصل فجانبه ضعيف يحتاج إلى بينة قوية تشهد له بأنه يستحق ما أدعاه، ما وجد بينة جانب المدعى عليه قوي؛ لأن معه الأصل، الأصل أن ما في ذمته شيء، لكن ما دام أدعى عليه هذا، والأصل في المسلم أنه يوجد نسبة عنده من الصدق ترجح شيء من جانبه تطلب اليمين لترفع أثر هذه الدعوى فيحلف المدعى عليه، وتنتهي القضية، وهل ترتفع القضية بيمين المدعى عليه أو ترفع الدعوى؟ يعني بيمين المدعى عليه ترفع الدعوى أو تنتهي القضية؟ وش الفرق بينهما؟ إذا قلنا: تنتهي القضية، نعم صحيح، إذا قلنا: إنها ترفع الدعوى، متى وجد المدعي بينة يحكم له، ولو حلف المدعى عليه، وإذا قلنا: إنها تنهي القضية، معناه لو أحضر ما أحضر خلاص انتهت، وهذه مسألة خلافية بين أهل العلم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(50/19)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الأطعمة (1)
شرح: أحاديث كتاب الأطعمة وباب الصيد
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
كتاب: الأطعمة
عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه-: ((إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الأطعمة
الكتاب سبق التعريف به مراراً، وأنه مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، وهو كما يقول أهل العلم: من المصادر السيالة التي تحدث شيئاً فشيئاً، يعني لا تحدث دفعة واحدة، يقول: قمت قياماً، دفعة واحدة، القيام مرة واحدة، لكن كتبت كتاباً، مصدر سيال يحدث شيئاً فشيئاً؛ لأنه يحدث يكتمل من مجموع الكلمات والحروف فلا يكون دفعة واحدة، يعني لا يمكن تضغط زر ويطلع لك كتاب، لا، ولا يمكن تجري القلم بلحظة يطلع لك كتاب، إنما يحدث شيئاً فشيئاً، تجتمع الحروف وتكون كلمات، والكلمات تكون أسطر، ثم الأسطر أوراق ومجلدات، شيئاً فشيئاً، والأصل في هذه المادة -والموضوع تكلمنا فيه مراراً لكن قد يكون في الحاضرين من لم يسمع الكلام السابق- والأصل في المادة الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، ويقال لجماعة الخيل: كتيبة، ومنه قول الحريري في مقاماته:
وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً ... ولا قرؤوا ما خط في الكتبِ
وكاتبين الواو هذه؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟(51/1)
طالب:. . . . . . . . .
الواو هذه وش تكون؟
طالب:. . . . . . . . .
واو رب، نعم ولذلك جر كاتبين، وكاتبين مجرور برب المحذوفة بعد الواو، المراد بهم؟ إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما المراد بكاتبين الذي لم يكتبوا حرفاً، ولا قرؤوا ما خط في الكتب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الخرز؟ ما هو بالخرازين؟
طالب:. . . . . . . . .(51/2)
نعم الخرازين، والخراز الذي يجمع بين صفائح الجلود، ويصنعها قرب وأحذية، وخذاف وما أشبه ذلك؛ لأنهم يكتبونها يجمعونها بسيور، هذا الأصل في الكتاب والمراد به هنا المكتوب، إطلاق المصدر ويراد به المفعول كما تقول في الحمل وتريد المحمول، المكتوب الجامع لمسائل الأطعمة، والأطعمة: جمع طعام، والأصل في الطعام ما يطعم، ويصل إلى الجوف عن طريق الفم؛ لأن الطعم إنما يتبين من خلال الفم، هذا الأصل فيه، ولذا يشمل الشراب والطعام، لكن هم قابلوا الشراب بالطعام فدل على أن الطعام ما يؤكل دون ما يشرب، وإن كان الأصل في الشراب أنه يتناوله لأنه يطعم، العسل طعام وإلا شراب؟ {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ} [(69) سورة النحل] لكن هو يطعم أو ما يطعم؟ يطعم؛ لأن له طعم حلو، فهو داخل في عموم ما يطعم، لكنهم قابلوا -وجاءت النصوص بذلك- الشراب بالطعام، فدل على أن الطعام له حقيقة، والشراب له حقيقة، وإن دخل في العموم، ولذا يترجمون في كتاب الأطعمة وكتاب الأشربة، والأطعمة من أهم ما يعنى به المسلم، على المسلم أن يعنى بهذا الجانب عناية فائقة، لماذا؟ لأن ينبت جسده على شيء سحت خالص أو مشكوك فيه، وطيب الطعام من أعظم أسباب إجابة الدعوة ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) وجاء في الحديث الصحيح ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب يكرر، ذكر من أسباب قبول الدعاء كونه مسافر، وكونه على هيئة رثة منكسر بين يدي الله -جل وعلا-، ويمد يديه إلى السماء إلى الله -جل وعلا-، ورفع اليدين من أسباب إجابة الدعوة؛ لأن الله -جل وعلا- يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً، ومن أسباب إجابة الدعوة يا رب يا رب، الدعاء بهذا الاسم الكريم، وتكراره مظنة للإجابة، كما في آخر سورة آل عمران، حتى قال أهل العلم: إن من كررها خمس مرات يوشك أن يستجاب له، في آخر سورة آل عمران كم كررت؟ خمس مرات، وفي النتيجة {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ} [(195) سورة آل عمران] لكن هناك مانع من إجابة الدعوة، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له، استبعاد، كيف يستجاب له وهو يتقلب في الحرام؟ ولذا على المسلم أن يعنى بطعامه، وأن(51/3)
ينظر في مصدره ومورده، وأن لا يدخل في جوفه إلا الطعام الحلال، لا بد من هذا، فكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، ولذا صدر المؤلف -رحمه الله تعالى- كتاب الأطعمة بهذا الحديث العظيم، حديث النعمان بن بشير في الشبهات، وهو أصل أصيل من أصول الدين، من الأحاديث التي يدور عليها الدين، حتى قال أهل العلم: إنه رابع أربعة أحاديث.
عمدة الدين عندنا كلمات ... أربع من قول خير البرية
اتق الشبهات. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
هذا الحديث.
اتق الشبهات وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنية
هذه الأربعة الأحاديث يدور عليها الدين، حديث "النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول -وأشار النعمان بأصبعيه إلى أذنيه-" لماذا؟ ليؤكد السماع، أنه يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلاماً متأكداً منه، كلاماً محققاً صدر منه -عليه الصلاة والسلام- من دون واسطة، سمعه بأذنيه من غير واسطة.
"يقول: ((إن الحلال بين والحرام بين)) " أولاً: ما الأصل في الأطعمة الحل أو الحرمة؟ نعم؟ الإباحة أو الحظر؟ نعم التحريم، على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، والخلاف لن ينهى أو بمثل هذا الدرس، المسألة خلافية بين أهل العلم وكل على أصله، منهم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، وهذه مسألة داخلة في المسألة الكبرى وهي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، متى يظهر لنا مثل هذا الخلاف؟ إذا كنت في البر مثلاً، تتنزه في مكان مُربع، فأعجبك نبات، أعجبك رائحته، أعجبك طعمه، تأخذ من هذا النبات تأكل وإلا ما تأكل؟ نعم؟(51/4)
بناء كل على أصله، الذي يقول: الأصل الحل حتى يرد ما يمنع يأكل ما عنده مشكلة، والذي يقول: إن الأصل المنع حتى يرد ما يبيح يأكل، طيب رأيت دويبة وأعجبتك، تكون مثلاً الصقنقور -إن كان تعرفون الصقنقور- دويبة تشبه الوزغ إلا أنها ملساء، وفي الرمل غالباً توجد، نعم أعجبتك أو ذكرت لك علاج للظهر مثلاً، يسمونها العطارين علاج للظهر، تأكل وإلا ما تأكل؟ ليس فيها دليل يخصها لا إباحة ولا منع، تقول: الأصل الإباحة وتأكل حتى يرد ما يمنع أو تقول: الأصل المنع حتى يرد ما يبح؟ تأكل صقنقور وإلا ما تأكل؟ يؤكل وإلا ما يؤكل؟ كل على أصله، الذي يقول: الأصل الإباحة يأكل، والذي يقول: الأصل المنع .. ، وبعض الناس يسمع الكلام "قال بعض أهل العلم: الحلال ما أحله الله، وقال آخرون: الحرام ما حرمه الله" في فرق بين العبارتين؟ في فرق بين الجملتين؟ نعم؟ في فرق كبير، إذا قيل: الحلال ما أحله الله فلا بد أن تتوقف في كل شيء تراه حتى تعرف دليله، وإذا قلت: الحرام ما حرمه الله تأكل كل شيء حتى يرد ما يمنع، ثم بعد ذلك يأتي الورع الذي هو مضمون هذا الحديث ((إن الحلال بين)) الذي جاءت به النصوص بين، الذي جاءت النصوص بحله بين، كبهيمة الأنعام مثلاً، الإبل والبقر والغنم ((إن الحلال بين، والحرام بين)) {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(3) سورة المائدة] .. إلى آخره، هذه أمور لا يختلف فيها أحد، لكن يختلفون فيما بين هذين، يقول: ((وبينهما أمور مشتبهات)) يعني هل تلحق بالحلال أو تلحق بالحرام؟ الصقنقور هذا هل نلحقه بالضب أو نلحقه بالوزغ؟ بينهما أمور مشتبهات، يعني مترددة بين هذا وهذا، وهنا على المسلم أن يقف، لكن ما هي بمثل تناول الحرام البين، يعني من أكل صقنقور ما هو بمثل من أكل وزغ، نعم، وليس مثل من أكل الضب على ما سيأتي؛ لأنها أمور مشتبهة بين هذا وهذا لم يرد فيها دليل بالخصوص، ولذا يقول بعضهم: إن المشتبهات هذه الأمور المختلف فيها بين أهل العلم، ومنهم من يقول: المكروهات؛ لأن المكروه برزخ بين المباح والحرام، برزخ، هذا مشتبه، فيه وجه شبه من الممنوع، وفيه وجه شبه من المباح، وجه شبه المكروه بالممنوع، والحد(51/5)
المكروه عند أهل العلم ما يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله، فكونه يثاب تاركه مثل المحرم، وكونه لا يعاقب فاعله مثل المباح، ففيه وجه شبه من الاثنين فهو برزخ بينهما، وهو محل هذا الحديث، يعني ما تتعارض فيه الأدلة مشتبه، ما يختلف فيه أهل العلم من غير ترجيح مشتبه، المكروه مشتبه؛ لأنه واقع بين الحلال والحرام ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) يخفى الأمر على كثير من الناس، لكن من الناس من يعلم، كيف يعلم؟ يعني ترجح لفلان أن هذا حلال مما اختلف فيه، فبان له أنه من قسم الحلال عرف، وترجح لآخرين أنه حرام فاستبان له الأمر، ما صار في تردد الآن، إذا تم الترجيح انتهى التردد ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس)) فدل على أن بعض الناس يعلم حقيقة هذه الأشياء ((لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات)) يعني الأمور المشتبه، الأمور الملتبسة ((استبرأ لدينه وعرضه)) يعني طلب البراءة التامة لدينه؛ لأن السين والتاء للطلب، طلب البراءة للدين فلا يخدش دينه بأكل ما لا يجوز أكله؛ لأن هذا احتمال أنه لا يجوز أكله، واستبرأ أيضاً لعرضه؛ لئلا لا يقع الناس في عرضه؛ هذا في الأمور المشتبه؛ لأن من أكل الصقنقور هذا -المشكلة كثير من الإخوان ما هم متصورين الصقنقور إيش هو؟ - معروف وإلا ما هو معروف؟ إيه الذي يأكل الصقنقور وهو ليس فيه نص، احتمال أنه يشبه الوزغ من وجوه ويشبه الضب، هذا الذي يأكل ما هو مثل الذي يأكل الوزغ، لكن ما يؤمَن أن يقال في المجالس: رأينا فلان يأكل الوزغ، يقول أحد جالس في المجلس: لا يا أخي هذا ما هو بوزغ هذا صقنقور يقول: وش الفرق بينهم؟ فالناس يبي يقعون فيه، يتكلمون فيه، يبي يتكلمون في هذا الرجل الذي أكل من هذا المشتبه ((فمن اتقى الشبهات)) جعل بينه وبينها وقاية في الابتعاد عنها وتركها ((استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) السلف -رحمهم الله- يتركون كما نقل عنهم واستفاض تسعة أعشار الحلال خشية أن يوقعهم في الحرام، كيف الحلال يوقع في الحرام؟ نعم الاسترسال في المباحات، وتعويد النفس عليها قد تكون في مكان يصعب عليك الحصول عليها، وتجد مسلك فيه كلام يعني مكروه، ما(51/6)
تملك نفسك، تبي تجرؤ على هذا المكروه، تقول: مكروه لا عقاب فيه، وإن كان تركه أفضل، ثم بعد ذلك إذا جرؤت على المكروه تدرجت النفس واستشرفت بحيث تكون في مكان لا تصل إلى هذا الذي عودت نفسك عليه إلا من طريق الحرام، ثم تأتي تعلل للنفس تقول: الله غفور رحيم، الحمد لله ما أشركنا ولا كفرنا، ونصلي ونصوم، ونسمي ولا عندنا مشكلة، يعني المسألة قد يظن بعض الناس أن هذا تعنت وأن هذا تشتيت ما هو بصحيح، يعني الإنسان يجد هذا من نفسه، لما استرسلنا وتوسعنا في المباحات جرنا هذا إلى ارتكاب .. ، المكروهات هذه أمر مفروغ منه يعني ما أحد يتردد فيها إلا القليل النادر، لكن المحرمات، وهذا تجده في كافة القطاعات، الذي يشتغل في المعاملة مع الناس أول الأمر أول ما يفتح المحل تجده يتحرز، ثم بعد ذلك مع الوقت يتوسع في الأمر، ثم يأتي التأويل المكروه لا عقاب فيه، سهل، ثم بعد ذلك يتجاوزه إلى ما بعده، يعني على سبيل المثال المقاول يأخذ من فلان ومن فلان أعمال ينفذها أو يشرف عليها وما أشبه ذلك، تجده في أول الأمر من الإخوان اللي ما عندهم حل وسط في أول الأمر كل شخص حسابه في دفتر ما هو في صفحة؛ لئلا يلتبس، أخذ من زيد من الناس عمارة يشرف عليها، وأخذ من فلان عمارة ينفذها، وأخذ من فلان استراحة، كل واحد بدفتر، تمضي الأمور شهر شهرين، يجد مشقة الدراهم تدخل الحساب، وحساب هذا يجتمع مع حساب هذا، ثم ينقص على هذا شيء يقترض له من فلان، هذا فلان توه، الآن ما بعد صبينا، ما إحنا محتاجين دراهم الآن، نبي نأخذ لفلان الذي الآن البمب واقف على السطح، فتجده يقترض من هذا لهذا، يعني إلى هذا الحد، شيء ما هو بكبير ترى، نعم، ويقترض من هذا ويعطي هذا، ثم بعد ذلك يبدأ هو يحتاج، اليوم والله أهله عندهم مناسبة، والله نظر الجيب ما في شيء، حسابه ما في شيء، هات من حساب الإخوان، والمسألة. . . . . . . . .، إحنا نبي نأكل لهم شيء؟ ما إحنا بآكلين شيء، نبي نرجع عليهم، وحسابهم مضبوط، وكل شيء شيكات، والأكعب موجودة، والأوضاع ما فيها شيء، ثم يسترسل مع ذلك إلى أن يصل به الحد إلى أن يأكل أموال الناس، وهذا شيء مجرب ومشاهد، لماذا؟ لأن التساهل في هذه الأمور يجر إلى ما(51/7)
وراءه، قد يقول قائل: نترك الطعام. . . . . . . . .، لا، لا تترك، لكن لا تفتح على نفسك باب التأويل، كن على حذر شديد، وعامل نفسك بالأشد، وعساك تنجو؛ لأن هذه حقوق العباد.
((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) كالراعي يرعى حول الحمى، يعني الذي يمتهن الصيد مثلاً على حدود الحرم مثلاً يقول: أنا لا أصيد في الحرم، الصيد في الحرم حرام، نعم وش يبي يسوي؟ على الحدود، وهو يصيد أول الأمر يبي يصير ظهره إلى الحرم، علشان ما يصيد إلى الجهة الثانية، ثم بعد ذلك يعتدل يصير الحرم عن يمينه أو عن يساره ويجرب على شوي شوي، ثم طارت هذه ووقعت، قال: هذا احتمال ما هو بالحرم، شيء يسير، نعم، ثم المرة الثانية يدخل الصيد في الحرم، يقول: أنا برع، أنا ما أنا بداخل الحرم، والصيد ما هو مكلف، المكلف أنا وأنا خارج الحرم، ترى الشيطان يأتي بهذه الطريقة، يسهل الأمور بهذه الطريقة، المقصود أن من وقع في الشبهات وقع في الحرام ولا بد؛ لأن النفس لا بد لها من حاجز قوي دونها ودون الحرام، فليكن بينك وبين الحرام برزخ، بحيث لو اضطررت تكون في حدود هذا البرزخ ثم تعود إذا انتهت الضرورة.(51/8)
((وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام- مقرراً الحكم الشرعي، ومنظراً له بما تعارفوا عليه، كل ملك له حمى، الملك له إبل، له غنم، له خيول، له .. ، فيحدد مساحة من الأرض مثلاً كيلو بكيلو، يشبك، كيلو بكيلو هذه للملك، وفيها نعم الملك من إبل وبقر وغنم وخيول ترعى في هذا، الذي يرعى حول هذه الحدود، أولاً: لن يملك أبله من أن تدخل من غير قصد، وقد لا يملك نفسه، يصير المحدد للملك هذا الحمى مربع، والذي بجواره ممحل، الربيع فيه أقل، ثم يقول له: الملك هذا الوقت نايم،. . . . . . . . . ما يمديهم، وش النتيجة؟ النتيجة أنه لو اطلع عليها أحد تعرض للعقوبة، وهؤلاء البشر عاد من يفلت، عقوبات ما هي بالعقوبات السهلة بعد؛ لأن كثير منهم ظلمة، هذا افترضنا أن الملك نايم وأنت دخلت الإبل، وطلعتها ما دري، لكن إذا وقعت في الحرام يمكن تقول: الله يغفل {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [(42) سورة إبراهيم] لا تخفى عليه خافية، يعني إذا كنت تبي تلبس على الملك، وتبي تجي في وقت غفلته، طيب رجاله، عنده حرس وعنده .. ، لكن هناك من لا يغفل ولا ينام ولا تخفى عليه خافية، فهي بمجرد ما تقع تسجل عليك، وليست مثل عقوبة الدنيا، عقوبة الدنيا قد يضربك الملك، ويمكن بعد تموت من الضرب أو تشل أو يجيك أمر عظيم، لكن أين هذا من عقوبة الآخرة؟ عقوبة الدنيا لا شيء بالنسبة لعقوبة الآخرة، فعلى الإنسان أن يحتاط ويستبرئ لدينه وعرضه.
((ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه)) المحارم لا تجوز أن تقرب بحال، الأمور التي حرمها الله -جل وعلا- ورتب عليها العقوبات لا يجوز أن ينتهكها الإنسان، وهي متفاوتة بلا شك، لكن يجمعها أنها كلها عليها عقاب ((ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة)) وش المناسبة لذكر القلب هنا؟ المناسبة الارتباط الوثيق وصلاح القلب وفساده، يعني أثر المطعوم على القلب ظاهر، والفضول كلها لها أثر على القلب، فضول الطعام، فضول الشراب، فضول النوم، فضول الكلام، كل الفضول لها أثر على القلب، لكن من أعظمها أثر على القلب الطعام.(51/9)
((ألا وإن في الجسد)) ألا حرف تنبيه، "وإن في الجسد" تأكيد، في الجسد يعني بدن الإنسان ((مضغة)) يعني بقدر قطعة من اللحم، بقدر ما يمضغه الإنسان، بقدر اللقمة، يعني ما هو بكبير ((إذا صلحت)) هذه المضغة ((صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) القلب شأنه عظيم، وفساده خطير، ومرضه شر مستطير، وكثير من الناس يعيش بين الناس وقلبه ممسوخ وهو لا يشعر، نسأل الله السلامة والعافية، وقد يكون ممن ينتسب إلى العلم، أو إلى طلب العلم، يعني لا نكابر، يعيش بين الناس بقلب ممسوخ نعم، وش المانع؟ لكثرة ما يزاوله وينتهكه من محرمات، فالقلب تنبغي العناية به، العناية بالقلب في غاية الأهمية، وجميع خطاب الشرع موجه إلى القلب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] فالقلب شأنه عظيم، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم أن يعنى بصلاح قلبه، هناك أمراض للقلوب، وهناك أدوية للقلوب، وخير ما يداوى به القلب المريض بالقرآن الكريم، بقراءته على الوجه المأمور به، الترتيل والتدبر، أيضاً الارتباط بالله -جل وعلا-، بالأذكار، بنوافل العبادات، من الصيام والقيام، وأن يعين على نفسه بكثرة السجود، المقصود أن هناك أمور تعينه على صلاح القلب.(51/10)
طيب القلب وحدد في البدن أنه مضغة يعني مضغة محسوسة، القلب يتجه إليه جميع الخطاب الشرعي، والعقل هو مناط التكليف، بمعنى أنه إذا ارتفع العقل ارتفع التكليف، فهل القلب هو العقل؟ النصوص كلها تخاطب العقل، والتكليف مرتبط بالعقل فهل القلب هو العقل أو غيره؟ {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا} [(179) سورة الأعراف]، المقصود أن هناك ارتباط وثيق بين المضغة هذه وبين العقل، الأطباء يقولون: إن العقل شيء يختلف اختلاف كلي عن القلب، لماذا؟ لأن الإنسان قد يحصل له ما يحصل مما يغير عقله أو يذهب العقل بالكلية، وتفحص القلب تجده سليم مائة بالمائة، والعقل ما له عقل، فلا ارتباط بين .. ، لكن العلماء ينصون على أن العقل في القلب، والإمام أحمد يربط بين .. ، الأطباء يقولون: إن العقل في الدماغ، ماله ارتباط بالقلب، والفقهاء يقولون: العقل محله القلب، لكن يرد على هذا أنه لو ضرب جاءته ضربة في رأسه أثرت في عقله ما أثرت في قلبه، والإمام أحمد -رحمه الله- يجمع بين القولين ويقول: العقل في القلب وله اتصال بالدماغ، بمعنى أن هذا له أثر، وذاك له أثر، مثل الموجب والسالب، يمكن يشتغل الكهرب بدون موجب وسالب؟ لو فصلنا واحد ما اشتغل، صح وإلا لا؟ إذاً القلب له أثر، والدماغ له أثر على العقل، على كل حال النص واضح، وتسميته مضغة لا شك أنه هذه القطعة المعروفة المحسوسة، كذلك أيضاً النصوص كلها تخاطب القلب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(51/11)
هنا كثير من الناس لا يعرفون، لا يعرفون هذا المتشابه، كثير من الناس يتردد، حتى من طلاب العلم، كون العامة لا يدرون شيء إلا القليل النادر، الأمور التي عرفت من الدين بالضرورة، لكن كثير من طلاب العلم تجده يتردد في كثير من المسائل، هذا التردد هو التشابه، والقرآن فيه متشابه، التشابه لا يعلمه أحد، لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، فمثل هذا للامتحان والابتلاء، المتشابه الذي لا يعلمه كثير من الناس الحكمة من وجوده في الشرع لا لخلل في الشرع أو اضطراب فيه، لا، لكي يجتهد الناس في معرفته، وتمييز حلاله من حرامه فتعظم الأجور، وبهذا يتخرج العلماء، أما ما في القرآن من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله على خلاف في الوقف، قلنا: على القول الأكثر أنه لا يعلمه أحد، المتشابه، لكي يختبر مدى إيمان الإنسان، وإذعان الإنسان، واستسلام الإنسان، وانقياد الإنسان، خلاص ما تعرف ما تعرف، وش المانع؟ يعني بعض الناس يكابر يقول: إنه يعرف كل شيء، وهو مسكين روحه التي بين جنبيه ما يدري وش هي؟ ما يملك من أمرها شيء.
((وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) القلب بمنزلة الملك، والجوارح أعوان لهذا الملك، فإذا كان الملك صالح وجه هؤلاء الأعوان إلى ما يصلح، وإذا كان الملك فاسد وجه الأعوان إلى ما يفسد ويضر ((إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))، نعم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أنفجنا أرنباً بمرج الظهران فسعى القوم فلغبوا، وأدركتها فأخذتها فأتيت أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوركها وفخذيها، فقبله.
لغبوا: أعيوا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/12)
"وعن أنس بن مالك" خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "قال: أنفجنا أرنباً" يعني أثرناها، وهذا يدل على أنهم مجموعة أثاروا هذه الأرنب لما سمعت بجلبتهم أو سعوا إلى إثارتها، أنفجنا يعني أثرناها أرنباً، وهي الحيوان المعروف "بمر الظهران، فسعى القوم" لإدراكها وصيدها، سعى القوم أسرعوا ركضوا إليها "فلغبوا" يعني تعبوا وأعيوا {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [(38) سورة ق] يعني إعياء وتعب "وأدركتها" لأنه ما زال صغير، والصغير أسرع حركة من الكبير، يقول: "فأخذتها" أمسكها "فأتيت بها أبا طلحة" وش علاقة أنس بأبي طلحة؟ نعم زوج أمه "فأتيت بها أبا طلحة فذبحها" دل على أنهم ليس معهم سلاح وإلا كان بادروها بالسلاح "فأتيت بها أبا طلحة فذبحها" استقل بها أنس مع أنهم كلهم سعوا، وهي مما يباح، ومن سبق إلى مباح فهو أحق به، يعني لو أنت طالع في رحلة ونزهة مع أولادك وأعجبك مكان وجلست فيه ليس لأحد كائناً من كان أن يقول: قوم عن هذا المكان، إلا إذا كان يملكه، لكن إذا كان مباح أرض ميتة ليست لأحد فليس لأحد كائناً من كان أن يقول لك: قم عن هذا المكان؛ لأنك سبقت إليه، فمن سبق إلى مباح فهو أحق به، أنس سبق إلى هذه الأرنب فأدركها وأمسكها وسلمها لزوج أمه فذبحها، هذه لا بد من تذكيتها، لا تحل إلا بالتذكية، إلا لو كانت صيد مصيدة، على ما سيأتي في كتاب الصيد "فذبحها" والذبح يكون بقطع .. عندنا أربعة أشياء، الودجين والحلقوم والمريء، لا بد من الأربعة أو ثلاثة من الأربعة تكفي؟ ثلاثة من أربعة تكفي "فأتيت بها أبا طلحة فذبحها، وبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوركها" من الذي بعث؟ الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وهو أبو طلحة، ومن صاحبها؟ من الذي يملكها الآن؟ أنس، الذي يملكها أنس، فلعل أبا طلحة عرف أن أنس لا يكره ذلك، بل يحب ذلك "فبعث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوركها وفخذها، فقبله" فقبل الهدية، وهي هدية من مسلم لعظيم، والمهداة شيء يسير، فدل على أن المهدى إليه يقبل الهدية ولو كانت حقيرة في نظره، ولا يعيبها ((لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)) واحد من العباد لقيه شخص توفي -رحمه الله-، لقيه شخص قال: عندي لك هدية يا أبا(51/13)
فلان، وين هي؟ قال: تجي إن شاء الله، من الغد عندي لك هدية طيب خير، مقبولة يا أبو فلان، من اليوم الثالث جاب الهدية وإذا هي إيش هي؟ ما هذه الهدية؟ مسواك أعوج، يقول: أنا في أول الأمر قلت .. ، ثلاثة أيام عندي لك هدية عندي لك هدية، وفي النهاية مسواك أعوج، لولا الحياء كان رميته وهو يشوف، جامله ووضعه في مخبأته، في جيبه، يقول: وأنا في طريقي حاسبت نفسي، قلت: هذا رجل أهدى لك شيء، وأنت ليس لك عليه أدنى حق، والله -جل وعلا- الذي خلقك ورباك بنعمه، وتتقلب في نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ويرتفع له من أعمالك ما هو أعوج، يعني هل كل الأعمال التي يعملها المسلم مستقيمة على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-؟ يقول: من أنت؟ أنت ما لك حق عليه ولا معروف، يعني إن أجبته بجزاك الله خير بعد طيب، لكن أنت مخلوق لهدف تحقق عبودية على مراد الله وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فيصعد من أعمالك ما هو أعوج، غير مستقيمة على مراد الله ومراد رسوله، وهذا محاسبة، محاسبة للنفس {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] عمر -رضي الله عنه- يقول: "حاسبوا أنفسكم" لأن المحاسبة ينشأ عنها مراقبة لله -جل وعلا-، وينشأ عنها عدم تكرار ما وقع من خطأ، يعني لو تتصورون شركة مثلاً كبرى، شركة من الشركات الكبيرة ما فيها محاسبين ولا شيء، أموال تطلع وأموال تدخل، وبعد عشر سنين وش تصير النتيجة؟ ما يدرون وش النتيجة؟ لكن لو عندهم محاسب في كل شهر يقدم تقرير صاروا على بينة، والمسلم لو كل ليلة كل ما أوى إلى فراشه قال: أنا صنعت كذا، وصنعت كذا، وصنعت كذا من الواجبات، وصنعت من المستحبات، وصنعت من المحرمات، وتاب إلى الله -جل وعلا- وندم على ما حصل منه يعني صار على خير عظيم، فالمحاسبة لا بد منها؛ ليكون الإنسان على بينة، والذي أدى إلى هذا الكلام هذا الرجل العظيم، أعظم من وطئ على الأرض يهدى له فخذ أرنب فقبله، فدل على إباحة أكل الأرنب، يعني يجوز أكل الأرنب، وجاء في حديث ضعيف في النهي عن أكلها لأنها تدمي، وش تدمي؟ وش معنى تدمي؟ تحيض، لكن الخبر ضعيف، وعامة أهل العلم على جوازها، عامة أهل العلم على جواز(51/14)
أكل الأرنب، وبعض المبتدعة مشابهة لليهود لا يأكلون الأرنب؛ لأن اليهود لا يأكلون الأرنب، وهؤلاء شابهوا اليهود فلا يأكلون الأرنب، ولذا ابن بطوطة لما دخل أصفهان وابن بطوطة مالكي المذهب، لما صلى أرسل يديه على طريقة متأخري المالكية، ما قبض يديه على صدره وإلا .. ، أرسل يديه، فاتهموه بالتشيع؛ لأن الرافضة لا يقبضون، اتهموه بالتشيع، فاختبروه بأي شيء؟ بالأرنب، قدموا له أرنب، قالوا: سبحان الله شيعي يأكل أرنب، قال: لا أنا ما أنا بشيعي، قالوا: شفناك ما تقبض ترسل يديك، قال: إحنا مالكية ما نقبض، هذا معروف عند متأخري المالكية، فالشيعة والرافضة لا يأكلون الأرنب، ومن قبلهم اليهود، نسأل الله السلامة والعافية، فهذا فيه دليل على إباحة الأرنب، نعم.
وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- قالت: نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه، وفي رواية: ونحن في المدينة.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل.
ولمسلم وحده قال: أكلنا زمن خيبر الخيل، وحمر الوحش، ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحمار الأهلي.
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً.
وعن أبي ثعلبة -رضي الله عنه- قال: حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحوم الحمر الأهلية.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/15)
"وعن أسماء بنت أبي بكر" ذات النطاقين زوج الزبير أم عبد الله "قالت نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه، وفي رواية: ونحن في المدينة" نحرنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلناه، قول الصحابي: فعلنا أو كنا نفعل له حكم الرفع عند أهل العلم، لا سيما إذا أضافه إلى العهد النبوي كما هنا، نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه، وهذا عند أهل العلم يثبت بالسنة التقريرية، وهي إحدى وجوه السنن؛ لأن السنن المضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إما أن تكون قولية كأن يقول: لا بأس بأكل الفرس، أو فعلية بأن يأكل -عليه الصلاة والسلام- من الفرس، أو تقريرية بأن يؤكل الفرس ولا ينكر.
"نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" أقرهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يقول قائل: النبي ما أطلع عليهم، ما أطلع، أولاً: هذا فرس إذا ذبح في المدينة كل بيدري؛ لأن البلد صغير، الأمر الثاني: أن هذا وقت تنزيل، لو كان مما يحرم أكله لنزل القرآن بتحريمه، ولذا يقول جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيئاً مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، فكونه نحروه على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم ينكر عليهم، أيضاً القرب بين بيت أبي بكر الصديق وأسرة أبي بكر والأسرة النبوية واضح، يعني ما يمكن أن يذبح شيء في بيت أبي بكر، أو من أحد أفراد أسرة أبي بكر ولا يطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- "وفي رواية: ونحن في المدينة".(51/16)
وهنا "عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن لحوم الأحمر الأهلية" وأذن في لحوم الخيل، حديث جابر صريح في إباحة لحوم الخيل، إذا كان حديث أسماء يعتريه ما يعتريه من قول بعضهم: احتمال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف ولا رأى، ولا بلغه، والمعتمد عند أهل العلم أن مثل هذا له حكم الرفع، لكن أصرح منه أذن في لحوم الخيل، هل يمكن أن يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف ولا درى، لا ما يمكن، هو الذي أذن، فدل على إباحة لحوم الخيل "ولمسلم وحده قال: أكلنا زمن خيبر الخيل، وحمر الوحش" ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الحمار الأهلي.(51/17)
فهذه النصوص تدل على إباحة لحوم الخيل، وقال بهذا أكثر أهل العلم؛ بأن لحم الخيل مباح، ومثله حمر الوحش، الحنفية قالوا: بكراهة أكل لحوم الخيل، وأيضاً هو مروي عن الإمام مالك، والمحقق عند الحنفية عند المتأخرين أن الكراهة هذه للتحريم، يعني يحرم أكل لحوم الخيل عند الحنفية، طيب دليلكم يالحنفية؟ قالوا: الله -جل وعلا- امتن بركوب الخيل {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] فلو كانت مما يؤكل ما جمعت مع الحمر الخيل الحمير البغال تجمع وتساق بمساق واحد، أولاً: معروف عند أهل العلم أن الاستدلال بدلالة الاقتران ودلالة الاقتران ضعيفة، يبقى أقوى ما عندهم الامتنان بالركوب والتزين، ولو كانت مما يؤكل لكان الامتنان بأكلها؛ لأن الأكل أعظم وجوه الانتفاع، هل هذا مطرد؟ أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع فلو كانت تؤكل لامتن بأكلها، ما امتن بركوبها، هم يقولون هذا، لكن هذا لا يطرد، الغنم وش أعظم وجوه الانتفاع بها؟ الأكل، وذلك ما يمتن بما هو أعظم من الأكل، لكن الخيل تركب وتؤكل أيهما أعظم نفع؟ الركوب، ركوبها أعظم في الانتفاع من أكلها؛ لأن لحمها أقل من مستوى لحم غيرها مثل الإبل والغنم والبقر، من جهة، وأيضاً استعمالها مركوب أفضل من غيرها، ولذلك يمتن بها على أساس أنها مركوب، ولا يمتن بها على أساس أنها مأكول، وإن كانت مأكولة، ولذا الإنسان يمدح بأبرز ما فيه، وإن كان فيه صفات أخرى، نعم لو تصورنا أن شخص خطيب من أخطب الناس ويقول الشعر، لكن صفة الخطابة أقوى، يترجم في طبقات الخطباء أو في طبقات الشعراء؟ الخطباء، لكن العكس لو كان شاعر بارع وخطابته ما لها زود مثل غيره، يترجم في طبقات الشعراء، وقل مثل هذا فيما لو كان مفسر وعنده شيء من الفقه يترجم في طبقات المفسرين، لو كان فقيه ومشارك في التفسير وهكذا، فكل إنسان يدرج فيما يتميز به أكثر من غيره، وهنا بالنسبة للخيل ركوبها أفضل من أكلها، وقولهم أيضاً بعد: إن الأكل أعظم وجوه الانتفاع صحيح، لكن يبقى أنه ليس على سبيل الاطراد، ليس على سبيل الاطراد، لو قدر أنك في مفازة واحتجت للأكل، يعني معنى ضرورة بحيث تموت، احتجت للأكل واحتجت إلى قطع هذه المفازة،(51/18)
هل تقول: والله أنحر الفرس وآكله وأتغدى وأتعشى واستأنس والركوب يحلها الله؟ أو تقول: لا أتعدى هذه المفازة ثم بعد ذلك أشوف أنظر، فالمسألة ما هي مطردة أن الأكل أعظم من غيره باستمرار، لا، قد تكون الحاجة إلى الركوب أكثر من الحاجة إلى الأكل، ولذا لما امتن -جل وعلا- في آخر سورة ياسين {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [(71 - 72) سورة يس] قدم الركوب على الأكل؛ لأن الركوب أحياناً يكون أهم من الأكل، أنت الآن في طريق ومعك خمسين ريال ما معك غيرها، السيارة تحتاج إلى بنزين وإلا تبي تقف، وأنت تبي تتعشى، تتعشى أو تعبي بنزين؟ تعبي بنزين تتعشى وتجلس، ما هو بصحيح، لكن لو قدر أن هناك ضرورة تبي تموت، لا تأكل يا أخي أهم، الركوب ينحل، فليس بمطرد أن الأكل أعظم وجوه الانتفاع من كل وجه في كل ظرف وفي كل زمان، فقولهم مرجوح، والأدلة لا إشكال فيها وهي صريحة في إباحة أكل لحوم الخيل، والبغل جاء النهي عنه كالحمار، في خيبر نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية وعن البغال، وهو متولد بين الخيل والحمار، بين مباح ومحظور، فالذي يتولد بين مباح ومحظور يغلب فيه جانب الحظر من باب اتقاء الشبهة، وهذا فيه نص.(51/19)
يقول: "عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من لحوم الحمر الأهلية" وجاء النهي عنها، نعم ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن لحوم الحمار الأهلي، وهنا اكفاء القدور التي غلت بها؛ لأن ما في هذا القدر من سائل خالط هذا اللحم المحرم، وجاء التصريح بأنها رجس، فدل على أنها محرمة الأكل لأنها رجس، نجسة، وكانت مباحة، قبل خيبر كانت مباحة، كانت مباحة ثم حرمت، في قوله -جل وعلا- في وصفه -عليه الصلاة والسلام-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] طيب الحمار طيب وإلا خبيث؟ جاء الوصف بأنه رجس فهو خبيث، طيب قبل تحريمه بليلة طيب وإلا خبيث؟ يوم كان حلال طيب يوم صار حرام خبيث؟ نعم هل التحليل والتحريم وصف حسي وإلا معنوي؟ يعني هذه الآلة لزيد من الناس حلال، سرقها منه عمرو فصارت حرام، تغيرت حقيقتها؟ ما تغيرت، طيب نأتي إلى الحمار أمس حلال واليوم حرام هذا الواقع، حرمت يوم خيبر قبل ذلك حلال، يعني قبل التحريم كانت طيبة ثم صارت خبيثة أو من الأصل هي خبيثة وأجيزت للحاجة إلى أكلها؟ أو استمرت طيبة ومنعت للحاجة إليها في الركوب؟ يعني هل تغيرت حقيقتها وانقلبت من كونها طيبة إلى خبيثة؟ نعم؟ أو نقول: إن التحريم والتحليل وصف معنوي والطيب والخبيث وصفان معنويان أيضاً؟ نعم؟ إذا قلنا: كسب الحجام خبيث، ولو عرضنا هذا على الآية قلنا: حرام، لأن النبي يحرم الخبائث، وجاء الأمر بإطعامه الناضح، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحاجم صارت أجرة يجوز أكلها، أجرته، فالخبث والطيب قد يكون وصف حسي وقد يكون وصفاً معنوياً، وإذا كان معنوياً دار مع التحليل والتحريم كما في الآية، وقد تكون هذه العين التي كانت مباحة ثم صارت محرمة قد تكون في أول الأمر طاهرة طيبة، ثم سلبت الطيب والطهارة بالتحريم، يعني مثلما جاء في الخمر أنها لما حرمت سلبت المنافع، وهذا قول لجمع من أهل العلم، انتقلت عينها من(51/20)
كونها طيبة إلى خبيثة تبعاً للآية، وعلى كل حال الحمار الأهلي حرام، بخلاف حمار الوحش، حمار الوحش: أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش، وأيضاً اصطادوا حمار الوحش، وأهدوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، في حجة الوداع، وأكل من ذلك، وما في مشكلة، وفي عام الفتح، فلا إشكال في حمار الوحش، الإشكال في الحمار الأهلي، وجاء في الخبر: "أكلت الحمر أفنيت الحمر" وكانت مركوب الناس في ذلك الوقت، فنهي عن أكلها، وعلى كل حال الحمر الأهلية حرام عند الجمهور، ومنهم من يقول: بكراهتها، لكن مما يدل على التحريم "أكفئوا القدرو" يعني ما يكفي إنكم بس ما تأكلون، لا تأكلوا من لحمها، هذا مبالغة في تحريمها، فالقول المحرر والمحقق: إنها حرام.
حديث أبي ثعلبة الخشني جرهم أو جرثوم الخشني، قال: "حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحوم الحمر الأهلية" عندكم حرم ولا تأكلوا، عندنا حرم وعندنا لا تأكلوا، وعندنا نهى، يعني جاء المنع منها على ثلاث صيغ الأولى: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحمار الأهلي، والثانية: ((ولا تأكلوا من لحوم الحمر)) والثالثة: حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقوله: ((لا تأكلوا)) نهي صريح، والأصل في النهي التحريم، ويدل عليه قوله: "حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومثل: ((لا تأكلوا)) ومثل "حرم" نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند عامة أهل العلم، وإن كان من أهل العلم بعض المتكلمين يقول: لا يدل على التحريم حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي؛ لأنه يسمع كلام فيظنه نهي وهو في الحقيقية ليس بنهي، نقول: هذا الكلام باطل؛ لأنك تتحدث عن من؟ عن الصحابة العرب الأقحاح الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعايشوه، وهم أتقى الناس، وأورع الناس، فقوله: نهى يقابله حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويؤيده ((لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئاً)) نعم.(51/21)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، فقلت: تأكله هو ضب، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده، فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته فأكلته والنبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر.
المحنوذ: المشوي بالرضف، وهي الحجارة المحماة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة" زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين خالة ابن عباس "دخلت أنا وخالد بن الوليد" دخلت أنا وخالد، الضمير هنا دخلت هذا فعل وفاعل، والواو عاطفة وخالد معطوف على الفاعل، أنا هذه وش موقعها من الإعراب؟ التأكيد، يجوز حذفها إذا كانت لمجرد التأكيد، يعني له محل من الإعراب وإلا ما له محل من الإعراب؟ ضمير فصل لا محل له من الإعراب، يؤتى به للعطف على ضمير الرفع المتصل؛ لأنه لا يجوز العطف عليه إلا بفاصل، لا يجوز العطف على ضمير الرفع المتصل إلا بفاصل.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد
المقصود أنه هنا يؤتى بالضمير وجوباً؛ ليمكن العطف على ضمير الرفع المتصل.(51/22)
"قال: دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيت ميمونة، فأوتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بضب محنوذ" بضب، الضب معروف، نعم الدابة البرية معروفة يعني التي أشرنا إليها سابقاً، وقسنا عليها الصقنقور في وجه؛ لأن هذا مقياس الشبه "فأوتي بضب محنوذ -مشوي على الحجارة- فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مد النبي -عليه الصلاة والسلام- ليأكل من هذا الضب، "فأهوى إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده ليأكل، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل" الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب، ما يدري وش هو هذا؟ إنما لحم قدم في دار مسلمين، والأصل فيه الحل فأهوى ليأكل، ولذا الذي يقدم(51/23)
في بيوت المسلمين لا يسأل عنه، يؤكل، لأن الأصل في بيوت المسلمين أنها لا تأكل إلا الحلال، لكن إذا غلب على ظنه أن هؤلاء ناس متساهلين يأكلون الحلال وغير الحلال يسأل "فأهوى النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده إليه فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل" يعني أنت لو كان عندك شيء ما تأكله، تتقزز منه، و. . . . . . . . . جاء هذا بطريقة غير مكشوفة، أنت ما تأكل مثلاً كاتشب، ما تأكل مايونيز، ما تأكل .. ، فأدخل مع أشياء بحيث لا تراه فتخبر عنه، تقول: يا أخي ترى هذا الطعام الذي بتأكله الآن فيه هذا الشيء التي تكرهه، وهذا من النصيحة؛ لأنه لو علم فيما بعد، يمكن يخرجه، فأنت من باب النصيحة تخبر "فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل، فقلت: تأكله؟ " تسأل تأكله "هو الضب" لأنه ما رأته، هي زوجته -عليه الصلاة والسلام- لكن ما رأت النبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل الضب، وكأنها هي أيضاً تكرهه وتعافه، "هو ضب فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده فلم يأكل، فقلت: يا رسول الله أحرام هو؟ قال: ((لا)) " الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يحرم ما أحل له الله، هو حلال، لكن فرق بين كون النفس تعاف، وكون النفس تحرم، يعني بعض الناس ما يشرب اللبن، هل نقول: إن فلان يحرم اللبن؟ ما يأكل التمر هل نقول: إنه يحرم التمر؟ لا، كون النفس ما تقبل هذا الطعام لا يعني أنه حرام "فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده فلم يأكل، فقلت: يا رسول الله أحرام هو؟ قال: ((لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) " هناك مأكولات برية وبحرية أناس يعتبرونها من أفضل الأطعمة ومن ألذها، ولو عرضت على بعض الناس يمكن يقيء إذا رآها، نعم ولا يعني أنك تكره شيئاً فتحرمه ((ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)) يعني ما اعتاد على رؤيته فضلاً عن أكله، وما زالت الوقفة موجودة عند كثير من الناس، كثير من الناس ما يأكل الضب، لكن كونه لا يأكله لا يعني أنه حرام ((فأجدني أعافه)) هناك تصرفات من الضب تجعل الإنسان يتوقف في أمره نفسياً ما هو بحكم شرعي، الحكم(51/24)
الشرعي هنا، الحكم الشرعي في هذا الحديث، لكن بعضهم يذكر أشياء أشبه بالأساطير عن الضب، وهذا يزيد عند بعض الناس الذين يتوقفون في أكله " ((فأجدني أعافه)) قال خالد: فاجتررته" خالد بن الوليد سيف الله، ترى الشجاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشجع الناس، كما جاء في البخاري، أشجع الناس، لكن ذكر العلة في كونه عاف هذا الطعام؛ لأنه ما اعتاده ولا رآه ولا أكل ولا .. ، فهو يعافه، شجاعة خالد تناولت مثل هذا الطعام، يقول: "فاجتررته وأكلته والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينظر" لأنه سمع أحرام هو؟ قال: ((لا)) قال: إذاً ما فيه إشكال، كون الإنسان يعاف ما علينا، يعني أمر عادي جبلي سهل، لكن الكلام في الحكم الشرعي، أحرام؟ قال: ((لا)) قال: هات، "فاجتررته فأكلته والنبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر" فدل هذا على جواز أكل الضب، من السنة التقريرية، أقره، أولاً: السنة القولية أحرام هو؟ قال: ((لا)) ثم دعمت بالسنة التقريرية رأى خالد بن الوليد يأكل ولم ينكر عليه، فدل على إباحته، وكرهه بعض أهل العلم؛ لأنه جاء أنه من الأمم الممسوخة، جاء ما يدل على أنه من الأمم الممسوخة، لكن هذا ليس بصحيح؛ لأن الممسوخ لا نسل له، فدل هذا الحديث على جواز أكله، وأن الكراهية الجبلية لا دخل لها في التشريع، ودل أيضاً على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم المغيبات، وأنه قد يخفى بعض الأمور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى غيره من باب أولى، فإذا أكل الشخص ولا يعلم قُدم له لحم فظنه لحم في غير بلاد المسلمين قدم له لحم فغلب على ظنه أنه لحم غنم، فبان من المحرمات، من الممنوعات، الأصل أن يسأل ما دام في بلاد غير المسلمين، أما في بلاد المسلمين فلا يسأل إلا إذا عرف عن هؤلاء أنهم أهل تساهل فيسألهم، إذا اشتبه عليه طعام بطعام فأقدم عليه، سئل بعضهم عن الذي يخفى عليه لحم الإبل، فأجاب بأن الذي يخفى عليه لحم الإبل من غيره من اللحوم هذا رجل مغفل، نعم لو كان اللحم بتمامه بعظامه بأجزائه يمكن التفريق، لكن إذا كان مفروم، يحط مع الفطور في رمضان سنبوسة فيها لحم مفروم لحم إبل يمكن التفريق بينه وبين لحم الغنم؟ فاستدرك عليه السائل فقال: يا الشيخ إذا كان(51/25)
مفروم؟ قال: لا أعد السؤال، إذا خفي عليه مثل هذا وأكل لحم مفروم لحم إبل وصلى، لحم الإبل على القول الصحيح ناقض للوضوء، عليه أن يعيد الصلاة، وإذا احتاط لنفسه وسأل أولى، وإذا لم يسأل هل يلزم إخباره أو لا يلزم؟ هنا قالت: أخبروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يريد أن يأكل، هل يلزم إخباره أو ما يلزم؟ لأن الحكم صريح، يعني أنت تريد أن تأكل، تأكل شيء مبطل لعبادتك، ومثله من أراد أن يشرب مثلاً في نهار رمضان يجب إخباره، ما يقال: هذا مسكين ناسي أطعمه الله وسقاه اتركوه، لا لا يجب إخباره، لكن شخص موسوس نزل عليه شيء رطب، وتردد هل هو نجس أو طاهر؟ يبي يروح يسأل لا لا مثل هذا ما يقبل؛ لأن الأصل الطهارة، نعم.
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/26)
"وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" الجراد نقل الإجماع على حل أكله، أكله حلال، لكن هل يلزمه تذكيته أو يؤكل ولو كان ميتاً؟ ولو مات حتف أنفه؟ منهم من يقول: لا يؤكل إلا إذا مات بسبب، لكن إذا مات حتف أنفه لا يؤكل، لكن قول جمهور أهل العلم وهو الذي يدل عليه حديث: ((أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال)) يدل على أن الجراد يؤكل ولو كان ميتاً، والسبب في هذا أنه ليس فيه دم، ليس فيه نفس سائلة؛ لأن الذبح والتذكية من أجل أن يخرج الدم، وهذا ما فيه دم، فلا يحتاج إلى تذكية، ولذا جاء في الحديث: ((أحلت لنا ميتتان ودمان)) فلا يحتاج إلى تذكية، هذا الأصل في الجراد أنه يؤكل، لكن إذا كان الجراد ضار، يقولون: جراد الأندلس عموماً فيه مادة سامة فهل يؤثر هذا على الحكم؟ يبقى الحكم الجراد حلال، لكن الضار حرام؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يدخل في جوفه ما يضره، فلكونه ضار يحرم من هذه الحيثية، ويكون التحريم طارئاً كما لو رش الجراد بسم، أو أطعم السم، وهذا مثل ما يفعلون الزراعة وغيرهم يرشونه بالمبيدات، فإذا ثبت أنه ضار لأنه تناول من هذا المبيد يحرم من هذه الحيثية، كما يحرم غيره من المباحات، غيره من المباحات إذا ترتب عليه ضرر يحرم، نعم.
وعن زهدم بن مضرب الجرمي قال: كنا عند أبي موسى -رضي الله عنه- فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج، فدخل رجل من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي، فقال له: هلم، فتلكأ، فقال: هلم فإني قد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل منه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/27)
"وعن زهدم" إيش؟ "ابن مضرب الجرمي قال: كنا عند أبي موسى الأشعري فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج، فدخل رجل من بني تيم الله" تيمي، يعني من قوم من؟ أشهر الصحابة من هو؟ أبو بكر "من بني تيم الله أحمر" يعني لونه أحمر، شبيه بالموالي، شبيه بالأعاجم؛ لأنهم تكثر فيهم الحمرة، وأما العرب تكثر فيهم السمرة، فهذا متميز من بين العرب لأنه أحمر، فشبهوه بالموالي؛ لأن الموالي يكثر فيهم الأعاجم يكثر فيهم الحمرة "شبيه بالموالي" وهذا من باب التعريف، يعني هل يظن أنهم قالوا: شبيه بالموالي لأنه رجل مترف، وهذه صفة ذم، وحمرته هذه بسبب الترف، ولذا تردد في أكل الدجاج، أو مجرد وصف كاشف، هذا الوضع، من بني تيم الله، وهذا لونه، ويشبه الموالي في ألوانه، هذا مجرد وصف كاشف، وليس المراد من ذلك عيبه ولا شينه.
"فقال له: هلم" أدنو، فهذه كلمة يدعى بها الشخص، وتلزم صيغة واحدة للمذكر وللمؤنث وللمثنى وللجمع، ومنهم من قال: تطابق هلم يا زيد، هلم يا هند، هلم يا زيدان، هلم يا الهندان، هلم يا الهنود، هلم يا الرجال .. إلى آخره، ومنهم من يقول بالمطابقة، يقول: هلم، وهلمي وهلما وهلموا، يطابق على كل حال هذه كلمة تستعمل في دعوة الإنسان وطلب قربه "فتلكأ" تردد؛ لأن المائدة عليها لحم دجاج، وسبب هذا التلكؤ وهذا التردد لأن الدجاج أحياناً يأكل النجاسات، فتجعل الإنسان يتقزز من أكله، يأكل النجاسات ويشرب منها، ولا يتردد في شيء من ذلك، فجعلت هذا الرجل يتلكأ ويتردد، لكن هل لمثل هذا الأمر الطارئ المظنون أثر في الحكم الشرعي؟ ليس له أثر في الحكم الشرعي.(51/28)
"فقال له: هلم فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل منه" فدل على أن الدجاج حلال، ولو كان هذا وصفه، ما يغير من الحكم شيء، لكن إذا أكل وتأكدنا أنه أكل وتغير لحمه بالمأكول، وطرأ عليه الرائحة رائحة النجاسة أو شيء الجلالة عند أهل العلم تحبس مدة حتى يطيب لحمها، وسواء كانت من الدجاج أو من غير الدجاج، هذا أمر طارئ له حكمه الخاص، ورؤبة بن العجاج الشاعر المعروف يأكل الفار ولا يأكل الدجاج، لماذا؟ يقول: الفار ما يأكل إلا البر والسمن، ما يأكل الفار إلا البر والسمن، ودجاجكم يأكل. . . . . . . . . لكن هل هذا يؤثر في .. ، مثل هذا الكلام يعارض به نصوص؟ لا ولو عرفنا أن الدجاج يأكل النجاسة، وعرفنا من طبعها أنها تأكل، لكن إذا أكلت وأثر هذا في لحمها تحبس، وتطعم الطعام الطيب حتى يطيب لحمها، وقل مثل هذا في غيرها مما يؤكل، وأما بالنسبة للفار وأي محرم من المحرمات لو حبس العمر كله على السمن والعسل ما طاب لحمه، تبقى عينه محرمة، نجس العين، لماذا؟ لأن نجاسته عينية، لو كانت نجاسته حكمية أمكن تطهيره، لكن النجاسة العينية لو تخلي الدش يضرب على الكلب مائة سنة يطهر؟ ما يطهر؛ لأن النجاسة العينية ما تطهر مهما وجد في تطهيرها، لكن النجاسة الحكمية تطهر، لكن يبقى الجلد -جلد الميتة- نجاسته عينية أو حكمية؟ حكمية ولذا يطهر بالدباغ، وإن كان جزءاً من الميتة التي نجاستها عينية، نعم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُلعقها)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/29)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يُلعقها)) " يعني باقي الطعام الذي في اليد، يلعقه بنفسه أو يُلعقه غيره، أو يُلعقه غيره ممن لا يتقزز من لعقه، لا يتكره ولا يتبرم من لعقه، من يطيق ذلك، وليس لأحد أن يكره أحداً مهما كان، مهما قرب منه، إذا كانت الزوجة لا تطيق لعق اليد تكره على ذلك الطاعة بالمعروف، إذا كان الولد لا يطيق، إذا كان الخادم لا يطيق لا يكره، لماذا؟ لأن الطاعة بالمعروف، إنما يلعقها بنفسه، أو يترك أحداً ممن لا يكره ذلك يلعقها، والسبب أن هذا هو باقي الطعام، كما جاء في الباقي الذي في القصعة، تلعق القصعة؛ لأنه لا يدرى في أي الطعام البركة؟ هل يكون في أوله أوفي آخره؟ وأيضاً لئلا يذهب في أماكن الغسيل شيء له جرم من الطعام، إذا لعقه ولم يبق إلا شيء لا جرم له كالدهن مثلاً مثل هذا أمر سهل، لكن لو كان على يده قطعة من الطعام حبات رز وإلا شبهها وبيغسل بالمغسلة تروح مع النفايات، لا ما يجوز، لا بد أن يلعقها والعلة في ذلك أنه لا يدري يمكن أن هذا الذي في اليد الشيء اليسير هو الذي فيه البركة، وجاء التعليل بذلك في الحديث، وبعض الناس يستنكف عن مثل هذا، لكن الأمر إذا جاء به الشرع فلا كلام لأحد، إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وإلا بعض الناس بعض أهل الترف لا يأكل مثل هذا، ولا يأكل اللقمة إذا سقطت منه، ولا يشرب الإناء الذي وقع فيه الذباب، وقد جاء الأمر باللعق، والأمر بأكل اللقمة إذا طاحت، إذا سقطت منه، فليمط ما بها من أذى، ولا يدعها للشيطان، أيضاً إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، كل هذا لا أثر له، بل هذا علاج طب نبوي، فكون الإنسان يكون من أهل الترف.
إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
هذا مثل هذا يعارض به النصوص؟ أبداً، فالخير كل الخير ما جاء عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(51/30)
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
باب: الصيد
عن أبي ثعلبة الخشني قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ وفي أرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم، وبكلبي المعلم فما يصلح لي؟ قال: ((أما ما ذكرت - يعني من آنية أهل الكتاب- فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوا وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الصيد
باب الصيد داخل في كتاب الأطعمة؛ لأن الصيد مما يطعم، والباب الأصل فيه ما يدخل معه ويخرج منه، هذا الأصل، وحقيقته العرفية عند أهل العلم ما يضم مسائل وفصول غالباً، وإطلاقه من باب الحقيقة العرفية، وليس من باب المجاز كما يقولون، والصيد مصدر صاد يصيد صيداً، ويراد به اسم المفعول المصيد أو الاصطياد، المصيد اسم المفعول أو الاصطياد؟ الصيد يطلق ويراد به اسم المفعول المصيد، ويطلق ويراد به فعل الذي يصيد، الذي هو الاصطياد {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [(96) سورة المائدة] يعني هل المباح الاصطياد من البحر أو الصيد الذي يحصل عليه من البحر؟ {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] هل المحرم الاصطياد أو المحرم الصيد؟ وبينهما انفكاك، يعني قد يقول: المحرم الصيد أنا بأصيد وأعطي غيري، الاصطياد ما هو محرم المحرم الصيد نفسه، أنا أصيد لغيري، وقد يقول قائل: المحرم الاصطياد، نعم المحرم الاصطياد، يصيد غيري وأكل أنا، وش المانع؟ أنا أكل الصيد ما أنا بأصيد، نعم أيهما؟
طالب:. . . . . . . . .(51/31)
الاصطياد، طيب إذا صيد من أجله يأكل وإلا ما يأكل؟ هاه؟ كلاهما؟ يعني لو وجدت، يعني لو شخص حلال غير محرم صاد صيد، وأهدى إليك تأكل وإلا ما تأكل؟ إن كان صاده من أجلك له حكم، وإن كان صاده لا من أجلك له حكم آخر، فهل نقول: إنه يشمل الأمرين؟ أو نقول: إنه يشمل الاصطياد من وجه، ويشمل الصيد من وجه؟ يعني بينهما انفكاك وجهي، بمعنى أنه لو صاد الحلال، وأهدى لمحرم، ولم يصده من أجله جاز، الاصطياد جائز والصيد جائز، حلال يعني ما أحرم، وش اللي يمنعه من الصيد؟ نعم، الاصطياد جائز والصيد جاز لمن لم يصد من أجله وهو محرم، هذا بالنسبة لوجه الجواز، ووجه المنع الاصطياد للمحرم حلال أو حرام؟ حرام، الصيد لغير من صاده، إذا صيد من أجله حرام؟ فهناك وجه حرمة ووجه إباحة في كل من الصيد والاصطياد، فيطلق على هذا وذاك.
يقول الحديث الأول:(51/32)
"عن أبي ثعلبة الخشني" وثعلبة مر بنا قريباً، واسمه جرثوم بن ناشر، أو جرهم أو جرثم، بن ناشر، على كل حال مثل هذا الذي يشهر بالكنية يضيع الاسم غالباً، "رضي الله تعالى عنه قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب" يعني في أطراف الشام، ويسكنها من تنصر من العرب، وصاروا من أهل الكتاب "بأرض قوم أهل كتاب" وأهل الكتاب يطلق ويراد به اليهود والنصارى، "أفنأكل في آنيتهم؟ " هم أهل كتاب، نأكل في آنيتهم؟ وهم يشربون فيها الخمر، يطبخون فيها الخنزير "وفي أرض صيد" يعني فيها الطيور كثيرة، والحيوانات المتوحشة كثيرة مما يباح أكله "وفي أرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم، وبكلبي المعلم" سؤال مفصل يحتاج إلى جواب مفصل، سؤال مفصل والسؤال بمثابة اللف، والجواب بمثابة النشر، ثم جاء التفصيل في الجواب، "قال: فما يصلح لي؟ قال: ((أما ما ذكرته من آنية أهل الكتاب)) " جواب تفصيلي ((أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها)) وهذا يسري على كل ما يشك فيه، كل ما يشك فيه إن وجدت غيره اتركه؛ لأنه يريبك، وجاء الأمر بتركه ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) اترك ما تشك فيه إلى الشيء الذي لا تشك فيه، وما دام يزالون النجاسات في أوانيهم فلا تأكلوا فيها إذا وجدتم غيرها، لكن أحياناً يضطر الإنسان، يعني إنسان محتاج إلى مبلغ من المال، بحث عن مقرض لم يجد، احتاج إلى مسألة التورق، بحث إلى شخص أمواله نظيفة، ومعاملاته صحيحة ما وجد، ما وجد إلا من هو مخلط في معاملاته، من معاملاته ما هو في الصحيح، ومنها ما هو الباطل، إذا لم يجد مثل ما عندنا، إن وجدت غير هذا فلا تتعاون معه، إن وجدت غيره لا يجوز لك أن تتعاون معه، وإن لم تجد فاحرص على أن تكون معاملتك معه صحيحة، ومعاملته مع غيرك تولاها. . . . . . . . .، ((فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، فإن لم تجدوا)) المسألة مسألة حاجة أو ضرورة أحياناً ((فاغسلوها وكلوا ما فيها)) الأصل في الأواني طاهرة أو نجسة؟ الأصل الطهارة، لماذا أمرنا بغسلها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(51/33)
قوة الشبهة، الأصل فيها الطهارة، نعم وعندنا هذا الأصل ثابت بيقين، وكونها متنجسة ظن، الظن يرفع اليقين وإلا ما يرفع اليقين؟ أما الشك فلا يرفع اليقين، لكن الظن؟ إذا غلب على الظن لأن عندنا اليقين القطعي المجزوم به مائة بالمائة، ما فيه أدنى تردد، الظن الذي ينزل عنه، ويكون هو الغالب، والشك المساوي، الاحتمال المساوي يسمى شك، والاحتمال المرجوح يسمى وهم، الشك لا يرفع اليقين بلا شك، إذا ترددت خمسين مائة احتمال الأصل الطهارة، لكن إذا وصل إلى درجة الظن الغالب، يكون عندنا أمر هو مقرر عند أهل العلم، وهو تعارض الأصل مع الظاهر فهل يحكم بالأصل أو يحكم بالظاهر؟ يحكم بالأصل أو يحكم بالظاهر؟ أو نحتاج إلى مرجح؟ نجيب مثال يهمكم كلكم: وجدت كتاب، زرت زميلك ووجدت في مكتبته كتاباً عليه اسمك، هذا الكتاب ملك فلان بن فلان الذي هو أنت، الأصل أنه لك، والظاهر أنه ما دام بيده وأنت لا تذكر أنه استعاره منك، ما تذكر، والظاهر أنه له ما دام في مكتبته، فتعارض عندنا هذا وهذا، أنت يمكن تأخذه وتطلع به، تقول: والله هذا كتابي، صحيح وإلا لا؟ تبني على الأصل أو الظاهر أن هذا الكتاب دخل في مكتبته وأنت ما تذكر أنه استعاره منك، كما أنك لا تذكر أنك أهديته له أو بعته عليه، يصير لمن الكتاب؟ الأصل أن الكتاب ما دام عليه اسمك الكتاب ملك فلان هل يظن أن صاحب المكتبة كتب على الكتاب اسمك؟ يظن به هذا؟ لا ما يمكن، ما يظن به هذا، فالأصل أن الكتاب لك، لكن هل عندك استعداد تشيل الكتاب وتطلع به، وتقول: والله هذا كتابي، اثبت أنك اشتريته مني، الأصل أنه لك، والظاهر أنه بيده نحتاج إلى ما يرجح بمثل هذا ...(51/34)
شرح: عمدة الأحكام – كتاب الأطعمة (2)
باب: الأضاحي
الشيخ: عبد الكريم الخضير
نحتاج إلى ما يرجح بمثل هذا، تنظر هل من عادتك هل عمرك بعت كتاباً؟ إن كنت قافل الباب مرة ما تذكر إنك بعت كتاب فهذا مرجح، هل أنت ممن يعير الكتب؟ هذا أيضاً مرجح، الكتاب احتمال أنه اشتراه منك، احتمال أنه استعاره منك، فالاحتمالات قائمة فلا بد من مرجح، الآن عندنا الأصل في هذه الآنية أنها طاهرة، وغلبة الظن أنها طرأ عليها نجاسة، لكن أيضاً في احتمال آخر أنها غسلت بعد النجاسة، هل معنى هذا أن النصراني يشرب في هذا الكوب خمر ثم يغسله ثانية؟ والغسل لا يحتاج إلى نية، ينظف ولو لم ينوِ، فعندنا تعارض أصله ظاهر، وهنا من باب اتقاء الشبهة لا بد من غسله، من باب اتقاء الشبهة.(52/1)
((فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، فإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل)) لا بد من ذكر اسم الله على المذبوح والمصيد ((ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه)) والتسمية شرط لحل المذكى، التسمية شرط لحل المذكى، ومنهم من يقول على سبيل الاستحباب كالتسمية على الوضوء، لكن الفرق بينهما أن التسمية على المذكى ثابتة بالنصوص القطعية، والنهي عن أكل غير المذكى ثابت بالنص القطعي، ولا يرد تذكية ولا يرد صيد إلا مقترن بالتسمية، كل النصوص فيها تسمية، فلا بد منها، فهي شرط والأصل في الشرط أنه لا يسقط لا عمداً ولا سهواً ونسياناً، الشرط لا يسقط، والمعروف عند جمع من أهل العلم أن التسمية تجب على الذاكر دون الناسي، فمن نسي {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] لكن النهي هنا عاد إلى شرط، والشرط عندهم لا يسقط بالنسيان، ولذا المرجح عند جمع من أهل التحقيق أن الذي لا يسمى عليه لا يؤكل، سواء تركت التسمية عمداً أو نسياناً، وجاء في الحديث: "إنا قوم حديث عهد بالإسلام يأتينا اللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: ((سموا الله أنتم وكلوا)) هذا اللحم الذي يرد هو يرد من مسلمين، نعم هم حديثو عهد بالإسلام، جديد إسلامهم، فالذي يردك من المسلم إذا شككت هل سمى أو لم يسم الأصل أنه سمى، لكن إذا شككت سم أنت، أما الذي يرد الذي يجزم صاحبه ما وردك أنت اللي صدت، أو أنت الذي ذبحت ونسيت التسمية أنت نسيت شرط، وقد جاء النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.(52/2)
((وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل)) ما صدت بكلبك المعلم وما صدت بكلبك غير المعلم، التعليم والتعلم رفعة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] ارتفع الكلب بالتعليم ((وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل)) {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ} [(4) سورة المائدة] فالتعليم نفع الكلب، بينما ما يصيده الكلب غير المعلم غير المدرب لا يحل إلا بالتذكية، لا بد أن يذكى، فالتعليم تشرف به كلب دون كلب، وتعليم الكلاب وغيرها من الجوارح بأن تكون بحيث أرسلت تنطلق، وإذا زجرت كفت، يعني تأتمر وتنتهي، تأتمر بالأمر إذا أرسلت، وتكف بالنهي إذا عدل عن إرسالها، هذا ضابط التعليم، فإذا عرف من حال هذا الكلب أنه إذا أمر ائتمر، وإذا نهي كف، هنا يكون معلماً، ومثله الجوارح التي هي الطيور ((وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل)) يكفي أن يصيده الكلب ويجرحه الكلب، فكل عند إرسالك الكلب تسمي، تقل: بسم الله، الآن صاد الكلب المعلم فأحضر الفريسة ميتة، إن كان جرحها وخرج منها شيء من الدم من أي موضع كان حلت، لكن إذا كان قتلها بثقله رمى بنفسه عليها فماتت من غير جرح، فأحضرها لك من دون أي جرح ميتة تحل وإلا ما تحل؟ نعم؟ لا تحل، على ما سيأتي في الصيد بالمعراض ((وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل)) غير معلم ذهب وراء الفريسة ثم قتلها وأحضرها، صادها، وأنهر الدم منها، إن أحضرها حية وأدركت ذكاتها كل وإلا فلا، وهذا ما يختلف فيه الكلب المعلم من غير المعلم، نعم.(52/3)
وعن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي، وأذكر اسم الله، فقال: ((إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك)) قلت: وإن قتلن؟ قال: ((وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها)) قلت: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب؟ فقال: ((إذا رميت بالمعراض فخزق فكل، وإن أصابه بعرض فلا تأكله)) وحديث الشعبي عن عدي نحوه، وفيه: ((إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره)) وفيه: ((إذا أرسلت كلب المكلب فاذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، فإن أخذ الكلب ذكاته)) وفيه أيضاً: ((إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله)) وفيه: ((فإن غاب عنك يوماً أو يومين)) وفي رواية: ((اليومين والثلاثة فلم تجد إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(52/4)
"وعن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة، فيمسكن علي، وأذكر اسم الله"، يعني الشروط متوافرة "فقال: ((إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك)) " يعني ما أمسكه لك، لا ما أمسكه لنفسه، كيف أعرف أن الكلب أمسكه لنفسه أو أمسكه لي؟ الفارق إن أكل منه فقد أمسكه لنفسه، وإن لم يأكل منه فقد أمسكه لك " ((فكل ما أمسك عليك)) قلت: وإن قتلن؟ قال: ((وإن قتلن)) " يعني ماتت الفريسة، وإن ماتت الفريسة ((ما لم يشركها كلب ليس منها)) يعني أشليت الكلب وانبعث إلى الفريسة ثم التقى مع كلب آخر فاجتمعا على هذه الفريسة، لا تأكل، أنت سميت على كلبك، لكن الكلب الثاني أنت ما سميت عليه، لكن لو افترض مثلاً أن هناك كلبين كلب لك وكلب لزميلك، أنت سميت وهو سمى تسمعه وهو يسمعك، فالكلبان سمي عليهما فانبعثا إلى الفريسة وافترساها معاً، التسمية حصلت، فالصيد حلال "قال: قلت: وإن قتلن؟ قال: ((وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها)) " لأنك سميت على كلبك، ما سميت على الثاني "قلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب" المعراض خشبة طويلة طرفها محدد محدب بحيث لو غرز في شيء انغرز، وهو في الأصل خشبة طويلة، يقتل بعرضه، ويقتل بحده "فقلت له: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، قال: ((إذا رميت بالمعراض فخزق فكله)) " إذا نفذ في جلده وأنهر الدم أخرج شيئاً من الدم فكل ((وإن أصابه بعرضه فلا تأكل)) يعني إذا أصاب الصيد بثقله وما خزق الجلد لا تأكل، يعني مات بالرض بالمثقل، لا يؤكل مثل هذا.(52/5)
"وحديث الشعبي عن عدي نحوه، وفيه: ((إلا أن يأكل الكلب)) " إن أكل منه، فإن أكل فلا تأكل، لماذا؟ ((فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه)) يعني كيف تدري أنه أمسك لك أو لنفسه؟ ما في دليل إلا كونه يأكل، إذا أكل دل على أنه أمسك لنفسه، وإذا لم يأكل دل على أنه أمسك لك ((وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل، فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره)) وفيه -حديث عدي-: ((إذا أرسلت كلبك المعلم فأذكر اسم الله، فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه)) نعم يعني لو جاء في الصيد وخزقه جرحه، مات خلاص هذا صيد، لكن إذا ما مات جابه لك وهو حي، وخزقه لا بد .. ، إذا أدركته لا بد من تزكيته، طيب جاء لك بصيد حي وقطع منه رجل، جاب الرجل بيد، والصيد بفمه، نعم الصيد لا بد من تذكيته لأنه جاء به حياً، لكن لو جاء به ميتاً وقطع منه رجل الصيد حلال، نعم حلال، لكن الرجل حلال وإلا حرام؟ وما أبين من حي فهو كميتته، لا يجوز أكلها الرجل، لكن بقيته يجوز أكله.(52/6)
((فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه)) لأن الحي لا بد من تذكيته، الحي مقدور عليه، المقدور عليه لا بد من أن يذكى التذكية الشرعية ((وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته)) وبهذه الجملة يستدل من يقول بأن الكلب لو قتل الفريسة بثقله، نفترض المسألة في صقر يصاد به من الجوارح، هذا الصقر انقض على الفريسة فبثقله ماتت الفريسة، لا بمنقاره ولا بمخلبه، يعني لو جرحها بمنقاره أو بمخلبه انتهى الإشكال، صيد، لكن بثقله لما رمى بنفسه عليها ماتت تحل وإلا لا تحل؟ الجمهور على أنها لا تحل حتى يخزق ويخرج الدم، ومن أهل العلم وهو قول عند الشافعية فإن أخذ الكلب ذكاة، مجرد أخذه ذكاة، يعني مجرد أخذه له ذكاة "وفيه: ((إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه)) وفيه: ((وإن غاب عنك يوماً أو يومين)) وفي رواية: ((اليومين والثلاثة)) " يعني فكل إن لم تجد إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وفي بعض الروايات: ((فكل ما لم ينتن)) يعني غاب عنك يومين، ثلاثة، صوبت على الصيد وما تدري هل هو طاح وإلا طار وإلا مدري إيش؟ ورحت في طريقك للصيد، بعد يومين رجعت ووجدت الصيد الذي صوبت إليه، سددت إليه سهمك قد سقط، وفيه أثر سهمك، يومين، بعد يومين، وما فيه إلا أثر سهمك، يقول: ((فكل إن شئت)) وفي بعض الروايات: ((فكله ما لم ينتن)) يعني تتغير رائحته، وفي اليومين والثلاث تتغير رائحته، فما حكم أكل المنتن؟ حلال وإلا حرام؟ نعم؟ مفهومها إيش؟ نعم شرط، الشرط في جواز أكله عدم النتن، النبي -عليه الصلاة والسلام- أضافه اليهودي على خبز شعير وإهالة سنخة، يعني متغيرة، وأكل -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن المنتن تتفاوت درجاته، فمنه ما هو في مبادئه، متغير تغير يسير ما يضر فمثل هذا يؤكل، لكن إذا كان تغيره شديد، وأكله مضر بالصحة لا يجوز أكله ((فكل إن شئت، وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك)) توارد على الصيد سببان، كل منها يصلح لأن يكون قاتلاً له، السهم موجود وسقط في ماء، فما تدري هل الذي قتله السهم أو الذي قتله الغرق؟ نعم؟ كيف؟ ((وإن وجدته غريقاً في الماء)) غريق .... الحظر تغلب جانب المنع، إذا وجد سببان أحدهما مقتضي(52/7)
للإباحة والثاني مقتضي للمنع يغلب جانب الحظر، وهنا نغلب جانب أنه مات غريقاً، ولذا لو التبس عليك الأمر، وجدت شاة مذكاة وشاة ميتة، أو وجدت اختلط شاة ذبحها مسلم وشاة ذبحها مشرك تأكل وإلا ما تأكل؟ نعم؟ ما استطعت أن تميز هذه من هذه، نعم؟ نعم لا تأكل، تغلب جانب الحظر، لكن أنت افترض هذا في شاة ذبحها مشرك اختلطت بقطيع ذبحه مسلمون، يعني جاءت تريلة فيها غنم مذبوحة ذبحها المسلمون، وقلت: ترى لحقها واحدة ما ندري أين؟ ذبحها مشرك، العمال يحملون على التريلة وشالوا هذه مع هذه، تترك التريلة كلها علشان واحدة؟ نعم ما تترك، مثله لو أن شخصاً ذهب أبوه قبل عشرين سنة إلى بلد من البلدان، إلى مصر أو الهند أو الشمال أو الجنوب أو الشرق والغرب فتزوج هناك، وجاءه بنت، وانقطعت أخبارها هذه البنت، طلق الأم ورجع إلى البلد وانقطعت أخبار هذه البنت، نقول لأولاد هذا الرجل: لا يجوز لكم أن تتزوجوا من مصر لأن أباكم جايه بنت من مصر، واحتمال تزوجونها وما تدرون؟ نعم؟ أو الهند، ثمانمائة أو تسعمائة مليون علشان واحدة، لا، لكن لو اشتبهت أخته واحدة بأجنبية واحدة نقول: لا، ما يجوز، نعم ومنه هذا ((وإن وجدته غريقاً في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك)) فإذا ترددت بين مبيح وحاظر فرجح جانب الحظر، المنع، وهذه قاعدة مطردة عند أهل العلم، إذا شك في صلاة هل هي من صلاة الحضر أو السفر يتمها، إذا ابتدأ المسح في الحضر ثم سافر أو العكس يغلب جانب الحضر، فلا يمسح إلا مسح مقيم، نعم.
عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان)) قال سالم: وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرث، وكان صاحب حرث.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه" وهذا من أصح الأسانيد عند الإمام أحمد، بل هو أصح الأسانيد مطلقاً عنده.
وجزم ابن حنبل بالزهري ... عن سالم أي عن أبيه البري(52/8)
"عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من اقتنى كلباً إلا)) " ما استثنى ((فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط)) وهنا الرواية: ((قيراطان)) وجاء في الروايات الصحيحة أيضاً: ((قيراط)) القيراط مقدار من الثواب ينقص من عمله يوماً، علشان إيش؟ من أجل اقتناء هذا الكلب؛ لأن الملائكة لا تدخل المكان الذي فيه كلب، واقتناء الكلب لا شك أنه مضر بصاحبه وبغيره، يروع الناس، وينجس الأواني، وما أشبه ذلك، ويمنع من دخول الملائكة، والمكان الذي لا تدخله الملائكة من يدخله؟ الشياطين بلا شك، يكون مرتعاً للشياطين، فإذا اقتنى الكلب نقص من أجره قيراط، وهذه الرواية التي معنا: قيراطان، وجاء في مقدار القيراط من الثواب في صلاة الجنازة، القيراط في صلاة الجنازة جاء تفسيره بأنه مثل جبل أحد، فهل القيراط الذي ينقص من عمل الإنسان بسبب اقتناء الكلب مثل جبل أحد؟ مثل القيراط الذي يحصل عليه بسبب صلاة الجنازة؟ أو نقول: القيراط جزء من أربعة وعشرين جزءاً من إيش؟ من الدينار؟ نعم جزء من أربعة وعشرين جزءاً، يعني شيء يسير، أو نقول: مثل قيراط صلاة الجنازة مثل جبل أحد؟ مسكين وش يبقى له من الأعمال هذا؟ إن كان كل يوم يبي ينقص من عمله مثل جبل أحد أو مثله مرتين على أن النقص قيراطان، ولا يوجد مبرر إلا تقليد الكفار، نسأل الله السلامة والعافية، خذلان هذا، وعلامة خسران، من أجل تقليد الكفار أنهم اقتنوا الكلاب يقتني كلب ينجس الأواني، ويطر الملائكة، ويكون مبائة للشياطين، ويروع الآمنين، هذا خذلان بلا شك، حتى لو قلنا: إنه جزء من أربعة وعشرين، وقلنا: إنه شيء يسير علشان إيش؟ ما أنت بحاجة إلى حسنات، ما أنت بحاجة إلى اكتساب رصيد يوصلك إلى المنازل العالية في الجنة، لماذا تسرب هذا الرصيد يذهب بدون فائدة؟ حتى جاء في تعريف المفلس أنه يأتي بأعمال أمثال الجبال، لكن يأتي شتم هذا، ضرب هذا، أكل مال هذا، ثم هذا يأخذ من حسناته، وهذا من حسناته .. إلى آخره، إن فنيت حسناته أضيف عليه من سيئاتهم، هذا المفلس الحقيقي، أما من لا درهم له ولا متاع الدنيا دار ممر تنتهي، لكن الإشكال المفلس الآخر، وهذا يرد(52/9)
يوم القيامة كل يوم ينقص من أجره قيراط أو قيراطان، وهل أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بنقص القيراط ثم زيد على ذلك فقيل: قيراطان كما يقال: نظيره في السبع والعشرين والخمس والعشرين درجة لمن صلى مع الجماعة؟ أو نقول: إن القيراط يحمل على حال والقيراطان يحملان على حال؟ فالقيراط للبادية؛ لأن الضرر أخف، في البراري تقتني كلب ما هو بمثل تقتنيه بين بيوت الناس، وترويع الصغار والكبار، فالحاضرة ينقص قيراطان، وفي البادية ينقص قيراط؛ لأن الأثر المترتب على اقتنائه في البادية أخف من الضرر المترتب على اقتنائه في الحاضرة، بين البيوت بيوت الناس، وأيضاً البادية تعودوا عليها كبارهم وصغارهم يسمعون ويرون، الكلاب تنبح بهم من يمين من يسار ما يخافون، بينما الحضر كبارهم وصغارهم كثير منهم يخاف من أصوات الكلاب، فضرره أعظم.
((من اقتنى كلباً إلا كلب صيد)) كلب صيد معلم، معلم للصيد، معلم يصيد به هذا لا ينقص من أجره شيء؛ لأن وجوده عنده له مبرر صحيح، ومثله كلب الماشية الذي يحرس الماشية أيضاً لا ينقص من أجره شيء لأنه محتاج إليه، قد يقول قائل: كيف يقتني الإنسان الكلب المأذون فيه؟ كيف يقتنيه؟ نعم بالشراء، أولاً: لا يجوز نهى عن ثمن الكلب، لا يجوز بيع الكلب، يقتنيه قبل ثم يعلمه، الجرو الصغير الذي يقبل التعليم، ويقبل التمرين قبل أن يكون معلماً ينقص من الأجر أو لا ينقص؟ ينقص أو ما ينقص؟ أهل العلم يختلفون في اقتناء الجرو -الكلب الصغير- من أجل التعليم، يقولون: قبل أن يكون معلماً ينقص الأجر؛ لأنه ما رخص إلا بكلب الصيد وكلب الصيد لا بد أن يكون معلماً، ومنهم من يقول: لا، هذا ما لا يتم هذا إلا به، فما لا يتم المأذون به إلا به فهو مأذون به، والمسألة خلافية، كلب ماشية يحرس الغنم يحرس المواشي هذا مأذون فيه، ولا ينقص من أجر مقتنيه شيء.(52/10)
"قال سالم: وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: أو كلب حرث" كلب زرع، عندك مزرعة تضع فيها كلب لئلا يسرق منها شيء "وكان صاحب حرث" أبو هريرة كان صاحب حرث، كان صاحب زرع، ما الفائدة من قول ابن عمر: وكان صاحب حرث؟ ظاهر السياق "قال سالم: وكان أبو هريرة يقول" أنه من كلام سالم، لكن ابن عمر قال: "وكان صاحب زرع" هل ابن عمر يتهم أبا هريرة بأنه زاد هذه الكلمة لأنه بحاجة إليها؟ أو ابن عمر يؤكد أن أبا هريرة ضبط هذه الكلمة وحفظها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه محتاج إليها؟ نعم هذا هو المقرر، أن أبا هريرة حفظ هذه الكلمة لحاجته إليها، فالإنسان الذي يحتاج إلى الشيء يضبطه، نعم لو أنت مريض بمرض معين، وجالس مع مجموعة من عشرة مثلاً، وجاء برنامج في الإذاعة طبيب يتحدث عن أمراض كثيرة فمر هذا المرض الذي أنت تعاني منه فذكر له علاج وكذا، في النهاية من يحفظ العلاج هذا من العشرة؟ ما حافظه له إلا أنت لأنك بحاجة، فالذي يحتاج إلى الشيء يحفظه ويضبطه بخلاف من لا يحتاجه، فابن عمر يريد أن يقرر ويؤكد أن أبا هريرة ضبط هذه الكلمة؛ لأنه محتاج إليها، لا يستثنى من اقتناء الكلب إلا هذه الثلاثة، الصيد والماشية والزرع، لكن هناك حوائج أخرى، حراسة البيوت هل هي مثل حراسة الماشية؟ الأصل أنه ينقص من أجره، وما استثني يقدر بقدر الحاجة، لكن هناك مصالح أعظم من هذا مثلاً الكلاب البوليسية التي تكشف المجرمين، هل نقول: إن الحاجة إليها أعظم من حاجتنا إلى الصيد وإلى الماشية؟ فقياسها من باب قياس الأولى، قال بهذا جمع من أهل العلم، وقال آخرون: لا يجوز اقتناء الكلب في أي حال من الأحوال إلا في الثلاثة المنصوص عليها، وعلى كل حال المسألة محل خلاف بين أهل العلم، وإذا كان الأثر المترتب عليها كبير فيرجى -إن شاء الله تعالى- أن يعفى عنه، نعم.(52/11)
وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة من تهامة فأصاب الناس جوع، فأصابوا إبلاً وغنماً، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في أخريات القوم، فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقدور فأكفئت، ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير، فند منها بعير فطلبوه فأعياهم، وكان في القوم خيل يسيرة، فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله، فقال: ((إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا)) قال: قلت: يا رسول الله إنا لاقوا العدو غداً وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب؟ قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة من تهامة" ذو الحليفة المعروف، نعم، ميقات أهل المدينة أبيار علي، هل هي من تهامة؟ كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة من تهامة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟ بذي الحليفة هل المقصود به الميقات المعروف أبيار علي وإلا موضع أخر في تهامة يقال له: ذو الحليفة؟
طالب:. . . . . . . . .(52/12)
هذا الظاهر، الظاهر أنه موضع آخر "فأصاب الناس جوع، فأصابوا إبلاً وغنماً" أغاروا على الكفار فغزوهم وأصابوا مغانم، إبل وغنم "وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- في أخريات القوم" في أخريات القوم "فعجلوا" لأن فيهم جوع "فعجلوا وذبحوا" تعجلوا قبل أن يستشيروا النبي -عليه الصلاة والسلام- وقبل أن تقسم هذه الغنائم، كأن بعضهم قال لبعض: أعطونا يا الله اثنين ثلاثة من الإبل نأكل، وبعدين نقسم -إن شاء الله- "فعجلوا وذبحوا ونصبوا القدور، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالقدور فأكفئت" هذا تعزير لهم، بالقدور فأكفئت؛ لأنه الأصل أن المغانم لا بد أن تقسم، والأخذ من الغنائم قبل قسمتها غلول، وهذا يندرج تحت القاعدة من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، يحرم إذا تعجل "فأكفئت" كب ما فيها "ثم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير" طيب مو البعير عن سبع؟ نعم؟ في الأضحية، في الهدي، البعير يجزئ؟ عن سبعة، هنا عدل عشرة من الغنم ببعير، لماذا؟ يعني إذا أراد الإنسان أن يضحي يشترك عشرة ببعير وإلا سبعة؟ طيب وهذا ما يكفي؟ نعم؟ كيف يأكله؟ لا هذه غنائم تبي توزع على الغانمين فعدل كل بعير بعشرة، أنت لك يا فلان عشر غنم، وأنت لك بعير، وأنت لك عشر من الغنم، وأنت لك بعير، وأنت لك بعير وأنت لك عشر من الغنم وهكذا، "فعدل عشرة من الغنم ببعير" هذا تعديل بالقيمة، طيب أنت وزيد لكما دين على عمرو عشرة آلاف مثلاً، لكما دين على عمرو مبلغ عشرة آلاف، فأعطاكم عن العشرة آلاف بعيرين وعشرين رأس من الغنم أو واحد وعشرين رأس من الغنم، نعم، هل نقول: لك أنت البعيرين، وذاك له الواحد والعشرين رأس أو العشرين رأس؟ أو نقول: أنت لك البعيرين وهذا له أربعة عشرة رأس يبقى سبع نقسمها بينكم بالسوية؟. . . . . . . . . كل واحد بسبعة، أو نقول: لا يا أخي هذه قسمة قيمة، كم تسوى الغنم وكم يسوى البعير؟ أحياناً ثلاث من الغنم تعادل بعير، فهذا تعديل بالقيمة يختلف عن تعديل التعبد، مثل هذه الأمور التي هي من باب الحقوق، حقوق العباد تقوم؛ لأنها أموال متقومة، فتقوم بالدراهم، يمكن البعير في ذلك الوقت يستحق مائة درهم، والشاة ما تستحق إلا عشرة دراهم، صح وإلا لا؟ لكن يجي يوم من(52/13)
الأيام مثل الآن البعير بكم؟ تجده بألفين البعير، وتجد ثلاث طليان بألفين، هل نقول: لا ما عدلتم؟ لا لا بد يعطى سبعة مثل الأضاحي؟ هذه ما يمكن يقبلها أحد، هل نقول: أنت خالفت النبي عدل واحد بسبعة؟ أو مثل ما عندنا عدل واحد بعشرة يلزمك؟ هذه قسمة نبوية تلزمك؟ لو افترضنا أن لكم خمسة آلاف مثلاً، اثنين لكم خمسة آلاف على زيد من الناس، أعطاكم بعير وعشر من الغنم، نقول: هذه مسألة مفروغ منها، محلولة النبي عدل البعير بعشرة، أنا أخذ العشر وأنت لك البعير قسمة نبوية ما يرضيك قسمة النبي؟ ترضى وإلا ما ترضى؟ يلزم ترضى وإلا ما يلزم؟ ما يلزم؛ لأن هذا تعديل بالقيمة والأقيام تترفع وتنزل، يعني نظير تعديل الذهب بالفضة، أحياناً يرتفع قيمة الذهب، وأحياناً ترتفع قيمة الفضة، فليس هناك سعر ثابت، وهنا نقول: الغنم أحياناً يكون ثلاثة ببعير، أحياناً يكون خمسة ببعير، أحياناً يكون سبعة ببعير، أحياناً يكون عشرة ببعير، تبعاً لارتفاع الأقيام ونزولها، "فند منها بعير" ند يعني شرد هرب "فند منها بعير فطلبوه فأعياهم" أعجزهم، عجزوا عن الإمساك به "فأعياهم –أعجزهم- وكان في القوم خيل يسيرة" يعني لو كانت الخيل كثيرة كان كل واحد مع جهة حتى يقبض عليه ويمسك "وكان في القوم خيل يسيرة فأهوى رجل منهم بسهم" ضربه بسهمه، يعني مثل ما يضرب كفر السيارة، إذا هرب أحد يبنشر الكفر، هذا مثله "فأهوى رجل منهم بسهم فحبسه الله" ضربه، "فحبسه الله، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن لهذه الخيل أوابد)) " جمع آبدة، يقال: أبدت ((إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش)) يعني لها نفرة مثل الوحوش يعتريها أحياناً هيجان، يعتريها شيء ثم تنفر، هذا يوجد في البهائم، أحياناً ينطلق تيس فما يمسك إلا بالبندق، مثل هذا البعير اللي شرد، وقل مثل هذا في سائر البهائم ((كأوابد الوحش، فما ند)) يعني شرد وهرب ((عليكم منها فاصنعوا به هكذا)) خلاص السهم يصيدوه، بالبندق ((فاصنعوا به هكذا)) وعلى طارئ البندق هل يجوز الصيد بالبندق؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(52/14)
يؤكل وإلا ما يؤكل؟ لا، البندق ما يجوز الصيد به، لماذا؟ ما يصيد أصلاً إلا ترمي به عصفور أو شيء يطيح، البندق أصله مأكول صغير، أو شيء من الطين يجمع ويجعل على هيئة الكرة وييبس، فإذا يبس يرمى به الصيد، لكن يؤكل الذي يرمى به؟ لا ما يؤكل، لكن البندق الذي هي تظهر الرصاص تصيد بالرصاص، الصيد بالرصاص مثل السهم؛ لأنه يخرق الجلد، فرق بين البُندق والبَندق، عاد ما أدري البندق عربية وإلا أعجمية؟ نعم، لكن الصيد بالرصاص جائز، أما الصيد بالبندق .. ؛ لأنه يقرأ بعض الإخوان في بعض الحواشي الصيد بالبندق، ما يميز بين هذا وهذا.
" ((فما ند عليكم منها فاصنعوا به هكذا)) قال: فقلت: يا رسول الله إن لاقوا العدو غداً، وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ " سألوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء النهي عن السؤال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] وجاء في الحديث: ((ذروني ما تركتم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم)) سؤال الاستفهام عن المسائل الواقعة والمحققة الوقوع لا يدخل في النهي، هم سألوا "إنا لا قوا العدو غداً وليس معنى مدى" يعني ليس معنى سكاكين "أفنذبح بالقصب؟ " سؤال عن شيء معين، نذبح بالقصب؟ لو قال: نعم، تم الجواب عن المسئول عنه بعينه، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء بقاعدة يندرج فيها القصب وغير القصب، جاء بقاعدة يندرج فيها المسئول عنه، وغير المسئول عنه، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أنهر الدم)) يعني أسال الدم ((وذكر اسم الله فكلوا، ليس السن والظفر)) استثناء لا يجوز الذبح بالسن ولا يجوز الذبح بالظفر، والسبب بين في الحديث ((وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم)) فدل على أن الذبح بالعظام لا يجوز، لا يجوز الذبح بالعظام وإن أنهرت، وإن كانت محددة، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(52/15)
هي عظم؛ لأنها طعام الجن، ولذا لا يجوز الاستنجاء بها، ولا يجوز الذبح بها؛ لأن الدم الذي يخرج المسفوح نجس، وهذا تنجيس لها، فلا يجوز الذبح بالعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة، يقتلون الطيور بأظافرهم هكذا، بالظفر مدى الحبشة وهم كفار، وقد نهينا عن مشابهة الكفار، نعم.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: الأضاحي
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما.
الأملح: الأغبر وهو الذي فيه سواد وبياض.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الأضاحي
والأضاحي: جمع أضحية، وتجمع أيضاً على ضحية وأضحية، ضحية: تجمع على ضحايا، وأضحية تجمع على أضاحي، كالهدية جمعها الهدايا، والأضحية كالأعطية تجمع على .. ، والأمنية تجمع على أماني، الأعطية والعطية بمعنى واحد، مثل الأضحية والضحية، وهي ما يذبح في يوم النحر تقرباً إلى الله -جل وعلا- وما يليه من أيام التشريق.
يقول: "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: ضحى النبي -عليه الصلاة والسلام-" في يوم النحر يقول الله -جل وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وفي يوم الفطر: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(14 - 15) سورة الأعلى] فالذكر في يوم الفطر، والنسك في يوم الأضحى.(52/16)
"عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: ضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين" وكبش ذكر الضأن "أملحين" والأملح كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: الأغبر، وهو الذي فيه سواد وبياض، ومنهم من يقول: هو الأبيض المشبه بالملح، لكن الأكثر على أنه الأغبر الذي فيه سواد وبياض "بكبشين أملحين أقرنين" وجاء في الصحيح: سمينين، وجاء في المستخرج: ثمينين، أقرنين: لهما في كل واحد منها قرنين ذبحهما -عليه الصلاة والسلام- بيده، فيستحب التضحية بالذكر من الضأن، وأن يكون اللون المذكور أملح، وأن يكون له قرن، التضحية بالأقرن أفضل من التضحية بالأجم، وإن كان مجزياً، ذبحهما، وأن يتولى ذبح أضحيته بنفسه، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان يحسن ذلك، وإذا كان لا يحسن لم يتعود هذا يشهد أضحيته، وقد ذبح النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً وستين من البدن التي أهداها في حجة الوادع، ذبحهما بيده "وسمى وكبر" قائلاً: بسم الله والله أكبر، أما التسمية فهي شرط لحل الذبيحة، وأما التكبير فهو على سبيل الندب والاستحباب، الندب والاستحباب، الخطباء يرددون قبيل الذبح في الخطب يقول: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، يعني على ما يقول الفقهاء، قائلاً: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، تجد العامة إذا أضجع أضحيته قال: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، يظنون أن هذا اللفظ مطلوب، مع أنه –الخطيب- يتبع الفقهاء العلماء الذين قالوا هذا، يذكر اللفظ مقروناً ببيان حكمه، أن التسمية واجبة، والتكبير مستحب، فتجد العامي الذي يسمع هذا الكلام يقول إذا أضجع أضحيته قال: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، يعني حرفية المسألة، مع أنه ينبغي أن تغير هذه الصيغة إذا حفظها الناس وصاروا يتداولونها.(52/17)
"وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما" يعني السنة أن تضجع الأضحية إذا كانت من الغنم أو من البقر على الجنب الأيسر، ويضع رجله اليمنى على الصفحة اليمنى، الرقبة، ويمسك الرأس باليد اليسرى، والمدية باليد اليمنى، ويمرها على الحلق والمري والودجين، والدم الذي يخرج نجس إجماعاً، وهو الدم المسفوح، "وضع رجله على صفاحمها" كل هذه سنن، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى بكبشين أحدهما عن محمد -عليه الصلاة والسلام- وآل محمد، والثاني: عمن لم يضح من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-، فالأضحية سنة في قول عامة أهل العلم، وأوجبها أبو حنيفة، ومال شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى ذلك، وتستحب في حق الجميع حتى الفقير يستحب له أن يقترض فيضحي، وهي تجزئ عن الشخص، وعن أهل بيته، يكفيهم أضحية واحدة عنه وعن أهل بيته.
سم ...(52/18)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الأشربة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الأشربة
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر -رضي الله عنه- قال على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما بعد، أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل، ثلاث وددت لو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان عهد إلينا فيهن عهداً ننتهي إليه، الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الأشربة
والكتاب سبق التعريف به، والأشربة ما يشرب ويتناول من السوائل عن طريق الفم، وإن كان داخل في المعنى العام للأطعمة؛ لأنها مما يطعم، والمراد بذلك الأشربة الممنوعة كالخمر وما يلحق به.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن عمر" أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- "قال على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أما بعد" يعني خطب، وقال في خطبته: "أما بعد" والإتيان بها سنة ثبتت عن ثلاثين من الصحابة، يعني رويت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أكثر من ثلاثين طريقاً، كلها يقول في خطبه ومخاطباته ورسائله: ((أما بعد)) و (أما) حرف شرط وتفصيل, و (بعد) قائم مقام الشرط، مبني على الضم؛ لأنه قطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه.(53/1)
"أيها الناس" الأصل أن يقترن جوابها بالفاء "أما بعد فأيها الناس" لأنه شرط لا بد من أن يقترن جوابه بالفاء ويراجع الصحيح، لعله يراجع، نعم، "أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} [(90) سورة المائدة] لأنه نزل تدريجي، نزل تحريمه تدريجياً، منع من قربانها وقت الصلاة، ثم بُين أن الضرر أكثر من النفع، ثم نزل التحريم القطعي لأنهم بهذا التدريج يتكيفون؛ لأنهم أشربت قلوبهم حب الخمر، العرب يحبون الخمر، ويشربونها ويزاولونها بكثرة، فمن رحمة الله -جل وعلا- أن نزل تحريمها تدريجياً فجاء في آخر الأمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [(90) سورة المائدة] أخر ما نزل فيها، التحريم .. ، البت في تحريمها.(53/2)
"نزل تحريم الخمر وهي من خمسة" يعني تتخذ من خمسة أشياء، مادتها تستمد من خمسة أشياء من العنب ومن التمر ومن العسل ومن الحنطة والشعير، فما يتخذ من العنب يسمى؟ خمر، إذا خامر خلاص انتهى صار خمر، ما نقول: نبيذ، النبيذ فترة قبل الإسكار، إذا صار خمر وأصله من العنب نقول: خمر، إذا كان أصله من التمر نقول: خمر، إذا كان أصله من العسل نقول: خمر، إذا كان أصله من الحنطة نقول: خمر، إذا كان أصله من الشعير نقول: خمر، لماذا؟ لأن عمر بن الخطاب عربي قح، والكلمة عربية الخمر، وأطلق عليها أنها تؤخذ من العناصر ومن المواد الخمسة، ثم جاء بقاعدة عامة، نعم "والخمر ما خامر العقل" لو وجدنا شيء يخامر العقل، ويغطي العقل من غير هذه الأمور الخمسة نسميه؟ خمر، هذا قول الجمهور، نزل تحريم الخمر والمدينة ما فيها إلا التمر فهل يعد ما يعتصر أو ما يخمر من التمر خمر؟ نعم يسمى خمر، يدخل في النص دخول قطعي، لكن الحنفية وش يقولون؟ الحنفية عندهم أن الخمر خاص بالعنب، على أن الخمر ما خامر العقل من أي مادة كانت، وقت نزول الخمر تتخذ الخمرة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، المسألة اصطلاحية، يعني إطلاق الخمر إطلاقاً حقيقاً عند الحنفية ما يطلقونه إلا على ما أتخذ من العنب، بينما غيرهم يطلقونه على كل ما خامر العقل، ولذا من أراد أن يعرف الخمر يرجع إلى أي كتاب، هناك كتب اعتنت بالاصطلاحات، لكن هل نذهب إلى الكتب التي اعتنت بالاصطلاحات متأثرة بالمذاهب؟ لا انتبهوا يا إخوان، ما نعرف الحقائق الشرعية من كتب تأثرت بالاصطلاحات المذهبية، مثلاً (المغرب) للمطرزي من أنفس كتب اللغة، هل نعرف منه الخمر؟ نقول: لا المطرزي حنفي، يعرف لنا الخمر بأنه عصير العنب، ولا نعتمد على مثل المصباح المنير أو المطلع لأنها تأثرت بالمذاهب، عندنا لغة نرجع إلى العرب الأقحاح، وعمر منهم؛ لأنه قال في النهاية: "والخمر ما خامر العقل" ومن أوضح الأدلة على ذلك أن المدينة ليس فيها عنب في وقت لما نزل الخمر، إنما فيها التمر.(53/3)
"والخمر ما خامر العقل، ثلاثٌ وددت" يتمنى عمر -رضي الله تعالى عنه- أن يكون فيه نصوص قطعية، ما تحتمل تردد في المسائل الثلاث "وددت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان عهد إلينا فيهن" ثلاث مسائل عنده تردد في حكمها، فتمنى لو كان عنده نص قاطع من النبي -عليه الصلاة والسلام- يحسم الخلاف "ننتهي إليه، الجد" هل مثل الأب في الميراث؟ هل هو يحجب الإخوة؟ أو الإخوة يرثون مع الجد؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، والقول المرجح أنه أب {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي} [(38) سورة يوسف] {يَا بَنِي آدَمَ} [(26) سورة الأعراف] وجد جد بعيد، فالجد أب فهو يحجب الإخوة كالأب.
"الجد والكلالة" الكلالة من مات ليس له ولد ولا والد {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [(176) سورة النساء] ولذلك قال: ألا تكفيك أية الصيف؟ نعم، فعمر -رضي الله تعالى عنه- أراد أن يكون هناك نص قاطع في هذه المسائل، ولا يعني أنه إذا خفي على عمر بعض هذه المسائل أن الأمة بكاملها خفي عليها الحكم، لا النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك شيء ما بينه، والكلالة وأبواب من أبواب الربا، مسائل من مسائل الربا خفيت على عمر -رضي الله تعالى عنه-، منهم من يقول: إن منها ربا الفضل، أما ربا النسيئة فهو متفق عليه ومقرر، لكن ربا الفضل قد يشك فيه من يسمع الحديث: ((إنما الربا في النسيئة)) جاء النص القطعي عنه -عليه الصلاة والسلام- في قوله: ((أوه إنه الربا)) لما باع الصاع بالصاعين، هذا ربا الفضل، فهو مقطوع بتحريمه، والإجماع قائم عليه.
الحديث الثاني.
وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن البتع، فقال: ((كل شراب أسكر فهو حرام)).
البتع: نبيذ العسل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(53/4)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن البتع" البتع فسره المؤلف بأنه نبيذ العسل، النبيذ يتخذ شيء من العسل، ويجعل في مكان، وفي الغالب أن يكون المكان دافئ حار؛ لأنه لو حفظ في مكان بارد ما تغير، ويحكم إغلاقه، وقد يوضع عليه شيء مواد يتخمر، مثلما يتخذ من التمر أو من العنب أو من غيرهما، يحبس يوم يومين ثلاثة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان ينتبذ له، لكن يشربه من يومه، أما إذا مضى عليه يومان أو ثلاث وتغير وقذف الزبد لا يجوز شربه، هذا النبيذ.
"فقال: ((كل شراب أسكر فهو حرام)) " كل ما يسكر فهو حرام، ويلحق بالشراب المأكول المطعوم، الحشيشة حرام بالإجماع وهي مأكولة وليست مشروبة، عاد ما ندري وش يسوون بها الآن؟ وإلا كان تأكل على عهد النووي وعلى عهد شيخ الإسلام وهي محرمة بالإجماع، وغيرها مما يرد من حبوب وأبر وأمور نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله أن يقي المسلمين من شرها، وردت عليهم وأثرت في عقولهم وأديانهم وأبدانهم وتصرفاتهم وأخلاقهم، أثرت فيها تأثيراً بالغاً نسأل الله -جل وعلا- أن يحصن الأمة منها، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم، فجاءت هذه القاعدة: كل شراب أسكر فهو حرام، ولو كان طيب، ولو كان مأكول مشروب أياً كان، إذا أسكر فهو حرام، وإن كان بالشم يسكر يغطي العقل فهو حرام داخل في هذه القاعدة، نعم.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: بلغ عمر -رضي الله عنه- أن فلاناً باع خمراً، فقال: قاتل الله فلاناً، ألم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمولها فباعوها)).
يقول المؤلف:(53/5)
"وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: بلغ عمر أن فلاناً" جاء تسميته في بعض الروايات أنه سمرة، صحابي جليل، لكن عرف تحريم الخمر ولم يعرف حكم بيع الخمر، عرف تحريم الشرب ولم يعرف حكم البيع، وخفي عليه أن الله -جل وعلا- إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، وجاء النهي عن التجارة بالخمر "بلغ عمر أن فلاناً باع خمراً، فقال: قاتل الله فلاناً" دعا عليه، يستحق الدعاء، ولم يعزره، ولم يعاقبه، ولم يضربه، عذره بجهله وإلا فمثل هذا تجب عقوبته، هذه وظيفة السلطان، هذه وظيفة الحاكم، وكان عمر -رضي الله عنه- يضرب على أقل من هذا، الذي يصلي بعد صلاة العصر يضربه عمر بالدرة؛ لأنه خالف النهي، فكان عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- حازم، لكن هنا عذر صحابي جليل تأول، وما عرف أن البيع حرام فعذره "وقال: قاتل الله فلاناً" دعا عليه "ألم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قاتل الله اليهود)) " عمر -رضي الله عنه- خفي عليه النص الذي يدل على تحريم التجارة في الخمر، فقاس بيع الخمر على بيع الشحوم، واستعمل القياس هنا، فقال: ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجمولها)) جمولها يعني أذابوها، قالوا: والله ما بعنا شحم، ولا أكلنا شحم، ولا أكلنا حرام، إحنا بعنا سمن، وهذا حلية من حيل اليهود التي عرفوا بها، ولذا جاء النهي عن التشبه بهم ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)) هذه حيلة دنيئة، وكما فعلوا في الصيد يوم السبت ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها)) يعني وأكلوا ثمنها وإن لم يأكلوها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(53/6)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب اللباس (1)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
كتاب اللباس:
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)).
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب اللباس:(54/1)
لما أنهى الكلام عن الأطعمة، وهي من أعظم ما يمتن به الرب -جل وعلا- على عباده، وأردفها بالأشربة، وثلث باللباس، وهي من أعظم النعم التي أنعم الله بها على العباد {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} [(26) سورة الأعراف] يعني تصور أن الناس يمشون بدون لباس، الناس يمشون عراة، من أعظم النعم على الخلق هذا اللباس الذي يواري السوءات؛ لأن ظهورها يسوء الإنسان، فسترها نعمة من نعم الله -جل وعلا-، يجب شكر المنعم عليها كالطعام والشراب، وعلى هذا لا تستعمل على خلاف أمر الله وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك أردفت الآية، الامتنان أردف بقوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} [(26) سورة الأعراف] يعني ما يكفي أن تكتسي لباس تستر عورتك وسوءتك بهذه النعمة من الله -جل وعلا- وتتجرد عن شكرها، لا بد من شكر هذه النعم، وشكرها باستعمالها على الوجه المأمور به، بأن تكون مباحة طاهرة بالضوابط والحدود الشرعية، واللباس هو مشترك بين الرجال والنساء، ومع الأسف الشديد أن نجد المخالفات من الرجال ومن النساء، الرجال يلبسون ما حرم الله عليهم من حرير وغيره ويسبلون، ويلبسون الثياب التي تبين عن سوءاتهم أحياناً وتظهرها، وكل هذا لا يجوز، والنساء الأمر فيهن أشد؛ لأن الستر مطلوب منهن أكثر، الستر مطلوب من الرجال، عورة الرجل لا يجوز أن يطلع عليها أحد إلا زوجته، أو ما ملكت يمينه، مطلوب منه الستر، لا يجوز له بحال أن يكشف عورته، والمرأة كذلك بل أشد؛ لأن الافتتان بها أعظم، وعورة الرجل معروفة عند أهل العلم، محددة من السرة إلى الركبة، وستر هذا شرط في الصلاة، ويجب ستر المنكبين أيضاً في الصلاة ((لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) يجب لكن الصلاة صحيحة مع الإثم، بينما العورة سترها شرط لصحة الصلاة، المرأة عورتها في الصلاة جميع بدنها إلا الوجه، ومنهم من يستثني الكفين، ومنهم من يستثني القدمين، على كل حال الأطراف محل خلاف بين أهل العلم، لكن ما عدا ذلك لا، محل إجماع هذا في الصلاة، وعند الرجال الأجانب معروف عورتها لا يجوز لها أن تبدي شيء من بدنها البتة، عند الرجال الأجانب(54/2)
وأدلة الحجاب كثيرة جداً ليس هذا موضعها، ستر عورتها عند النساء، وهذه هي المشكلة التي الآن يعانى منها الأمرين وما يحصل في محافل النساء واجتماعهن شيء لا يخطر على البال، يعني يذكر في الأعراس والأفراح وأماكن التجمعات والمناسبات شيء لا يخطر على قلب عاقل.(54/3)
وعورتها عند النساء كعورتها عند محارمها؛ لأن النساء عطفن على المحارم في آية النور والأحزاب، عطفن على المحارم في آية النور والأحزاب، فحكم النساء حكم المحارم، فالذي تبديه لأخيها وعمها وخالها ووالد زوجها وابن زوجها تبديه للنساء، وما عدا ذلك فلا يجوز إظهاره؛ لأنها نسقت على المحارم، فعلى المسلم رجلاً كان أو امرأة أن يتقي الله -جل وعلا-، لا يسلب هذه النعمة، لا يتمنى أن يجد ما يستر عورته فلا يستطيع، هذه نعم تحتاج إلى شكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] وليس المراد الكفر المخرج من الملة، كفر النعم، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [(28) سورة إبراهيم] يعني ليس المقصود به الكفر المخرج عن الملة كفر النعم، واستعمال النعم فيما لا يرضي الله -جل وعلا- هذا هو كفرها، هذا هو كفر النعم؛ لأنه يقابل الشكر، ألا يخشى الله المسلم أن يتمنى ما يستر به عورته فلا يجد؟! يعني ما قرؤوا في كتب الفقه كيف يصلي العراة، يعني مستحيل أن يوجد يوم من الأيام ما عندك شيء تلبسه؟ ما هو مستحيل، مستحيل في يوم من الأيام وجلدها لا تريد ولا ترغب أن يراه أحد من الناس عقوبة لها على ما تصنعه في نعم الله، فتساهل الناس تساهل شديد، والتبعة على المباشر لهذه المنكرات، وعلى من ولاه الله -جل وعلا- أمر أي مخالف ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) وعوقب الناس بعقوبات كثير منها لا يشعرون بها بسبب هذه المخالفات، هناك قصص وأخبار واقعية، ليست تخرصات ولا ظنون ولا توقعات، كلها واقعة، والذي يخفى عليه شيء يسأل، يسأل إما القضاة أو رجال الحسبة، ورجال الحسبة في أي بلد من البلدان إذا كان هناك زواج أكثر عملهم ينصب على هذا القصد، لا لأنهم يباشرون الإنكار على النساء، لا المرأة تدخل بعباءة متلففة، لكن إذا دخلت إن كان زوجها يعلم هو الآثم، أو أخوها، أو أبوها، ويعانون من هذا أشد المعاناة، وعوقب كثير من هذا بالفضيحة، نسأل الله السلامة والعافية؛ لأن الله -جل وعلا- يغار، كل ذنب له عقوبة، لا يتصور الإنسان أن الله -جل(54/4)
وعلا- ظلمه حينما قُبض على بنته أو على أخته أو على زوجته مع شخص أجنبي، هذا بما كسبت أيديكم، أنت السبب، أنت المتساهل، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ولأهله، ولا يترك موليته التي ولاه الله أمرها فريسة لوحوش البشر، مهما قالوا من كلام لين وكلام معسول، يزداد الأمر سوءاً بعد مسائل التصوير، التصوير الآن أوجد كوارث في كثير من البيوت، كوارث، يعني تصور المرأة ثم بعد ذلك يدبلج أحياناً عليها جسد عاري، أو يدبلج عليها من يفعل معها الفاحشة، ويقال لوالدها أو لزوجها: تفضل، تهدد قبل ذلك، بالتمكين من نفسها، إن مكنت وإلا أخبر الوالد أو الزوج، طيب وش تصير الحياة بعد هذا التساهل؟ كيف يعيش الإنسان وهو يرى صورة بنته أو زوجته معها شخص يعاشرها عراة؟ وهو ما هو بصحيح، يفعله الفجار الآن، كثير منه ليس بصحيح، لكن يفعله الفجار ليش؟ لتصير وسيلة ضغط، والنساء ضعيفات يستجبن، لكن على كل حال لو حصل مثل هذا الأمر فلا يجوز للمرأة أن تستجيب مهما بلغت الضغوط، وإذا صدقت في كلامها، صدقت مع ربها -جل وعلا- برأها كما برأ عائشة؛ لأن بعض الفجار ينتهك الأعراض بهذه الطريقة، يطلب أحد يصور الوجه فقط، ثم بعد ذلك يدبلج عليها أي صورة عارية، تعاشر وإلا شيء، ثم بعد ذلك البنت مسكينة أو الزوجة، ووقع كثير من النساء -نسأل الله السلامة والعافية- بهذا السبب، وأقول: لا يجوز لها بحال مهما كان الضغط، ومهما ترتب عليه من أثر ولو الطلاق، أن تستجيب لهذا الفاجر، لهذا الخبيث؛ لأن هذا يزيد يزداد الأمر سوء، يعني بعد أن كان مظنون صار حقيقة واقعة، فسوف يبرئها الله -جل وعلا-، الذي برأ عائشة، إذا صدقت يبرئها، والله المستعان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(54/5)
"عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلبسوا الحرير)) " والخطاب للرجال؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال بالنسبة للذهب والحرير: ((هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)) فالمقصود: لا تلبسوا الحرير يعني الرجال، لا يجوز لهم أن يلبسوا الحرير، فلبس الحرير حرام إلا ما استثني من الشيء القليل على ما سيأتي، وإذا كان علاج حكة مثلاً أو جرب أو شيء لا يرتفع إلا بالحرير فقد رخص النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه.
((فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)) من لبس الحرير لم يلبسه في الآخرة، يعني ما لأحد كلام هذا في الصحيحين، فمن قيل فيه: لا يلبسه في الآخرة وهو لباس أهل الجنة وين بيصير هذا؟ {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [(33) سورة فاطر] ذا كان هذا لباس أهل الجنة وقد منع منه فهل يلبس غيره في الجنة؟ {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [(33) سورة فاطر] أو لا يكون مآله إلى الجنة، يعني لا بد أن يدخل النار؟ على كل حال هذا من نصوص الوعيد، فمنهم من قال: إن هذا وعيد بالنار على من لبس الحرير؛ لأنه إذا قيل: لا يلبسه في الآخرة وهي لباس أهل الجنة، لن يبقى عاري ولا يلبس غيره، نعم إذاً لا يدخل الجنة التي لباسهم فيها حرير، وهذا من نصوص الوعيد، ومنهم من يقول: يحرم التنعم بهذه النعمة في الجنة كما يحرم شارب الخمر من شربها في الآخرة، كما يحرم من يسمع الأغاني والمعازف والمزامير من سماع غناء الحور العين، جزاء وفاقاً، الجزاء من جنس العمل، وإن كان إن عذب بقدر معصيته ثم صار مآله إلى الجنة يحرم من هذه النعمة التي تعجلها، وعلى كل حال التوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها، فمن زاول شيئاً من هذه المنكرات وهذه المعاصي، عليه أن يبادر بالتوبة النصوح، والله -جل وعلا- يقبل التوبة.(54/6)
((فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة)) هل للإنسان أن يقول: أنا بأتنعم في هذه الدنيا ولا ما بدي إلا الحرير في الآخرة ما يحتاج، ما نبيه، مثل ما قال بعضهم ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) قال: بصره، يعني يظنه من القميص، ما أسفل من الكعبين يعني من الثوب في النار بكيفه، هذا كلام، تصور بعض السفهاء بعض الجهال قد يتصور هذا، قد يقول: أنا بشرب الخمر وفي الآخرة ما ني بحاجته يوجد غيره، هذه معاندة، هذه مكابرة -نسأل الله السلامة والعافية-، لا يجوز أن يقال مثل هذا الكلام، هذا وعيد شديد ممن لا ينطق عن الهوى.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج)) " قد يقول قائل مثلاً: السوق فيه أقمشة تسمى حرير ويلبسها الرجال، وثياب ناعمة، لكن التسمية ما تضر، التسمية. . . . . . . . . بحقيقته يجتنبه المسلم خشية أن يقع في المنهي عنه، اللهم إلا إذا كانت التسمية تسمية من وجه شبه بعيد جداً، مثل ما يسمون البترول الذهب الأسود، يجوز للرجال مزاولته وإلا ما يجوز؟ نعم بعيد جداً، بعيد عن حقيقة الذهب الذي جاءت به النصوص.
((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج)) والديباج نوع من الحرير، ومنهم من يقول: إنه ما غلظ من الحرير ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج)) وعطفه على الحرير من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأنه والعناية به ((ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها)) فيحرم الأكل والشرب في الأواني المصنوعة من الذهب والفضة، لا تجوز بحال لا للرجال ولا للنساء؛ لأنه إنما أبيح للنساء الحلية فقط؛ لأنها جبلت على حب التزين {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] فيباح لها أن تتحلى بالذهب والفضة، لكن تستعمل الذهب والفضة في غير حلية هي كالرجل، فلا يجوز لها أن تستعمل إناء ذهب ولا فضة، ولا يجوز لها أن تستعمل قلم ذهب ولا فضة، فلا يجوز لها بحال أن تستعمل.(54/7)
الأكل والشرب منصوص عليه، وعامة أهل العلم على قياس سائر الاستعمالات على الذهب والفضة، ولذا الفقهاء يجعلون هذا الحديث في باب الآنية في كتاب الطهارة، لا يجيزون الوضوء من إناء الذهب والفضة، والوضوء غير الأكل والشرب فدل على أنهم يتوسعون في النهي، ويعدونه من الأكل والشرب إلى سائر الاستعمالات، ومنهم من يقصره على مورد النص، يجوز سائر الاستعمالات ما عدا الأكل والشرب، وحجة الجماهير أنه إذا منع الأكل والشرب بآنية الذهب والفضة مع الحاجة إلى ذلك فلئن يمنع ما سواه من باب أولى، والعلة التي استنبطوها الفخر الخيلاء، وكسر قلوب الفقراء، والتشبه بأهل الجنة، والتضييق على النقدين، علل كثيرة استنبطت بسبب المنع من استعمال الذهب والفضة.
((ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم)) الضمير يعود على من؟ على الكفار، طيب وين مرجع الضمير؟ مذكور؟ غير مذكور، إنما حذف للعلم به، بدليل المقابلة ((فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)) دل على أن الذي يستعملها في الدنيا لا يمكن منها في الآخرة، وقوله: ((لهم في الدنيا)) لا يدل على إباحتها لهم؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم ما يحرم على المسلمين، والقول بمخاطبة الكفار لفروع الشريعة قول جمهور العلماء لأدلة كثيرة، منها: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [(42 - 45) سورة المدثر] ذكروا فروع يعذبون عليها، والمسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، فلا يعني أنها لهم في الدنيا أنها تباح لهم، لكن هم الذين يستعملونها، وهم الذين لا يمتثلون الأوامر والنواهي، فصارت لهم باعتبار أنهم يتناولونها ويستعملونها من غير نكير، نعم.
عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: "ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، له شعر يضرب منكبيه، بعيد ما بين المنكبين، ليس بالقصير ولا بالطويل".(54/8)
يقول: "البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه-: "ما رأيت من ذي لمة" يعني من صاحب لمة "في حلة حمراء" واللمة الشعر إلى شحمة الأذن، ثم الجمة ثم .. ، أولاً: الوفرة إلى شحمة الأذن، ثم أنزل منها الجمة، بين شحمة الأذن والمنكب، فإذا وصل إلى المنكبين كما هنا سمي لمة، هذا بالنسبة لشعر الرجال، اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، وذكرنا في سؤال مر بنا أن اتخاذ الشعر اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- وتكميلاً للسنن إذا دل على صدق صاحبه لا شك أنه يؤجر على ذلك، أما من يزاول المنكرات، ويقترف الفواحش والجرائم، ويربي الشعر، ويحلق لحيته، ويقول: مقتدٍ، نقول: لا ما هو بصحيح، تقتدي بشيء غير واجب وتدرك الواجبات؟! قد يقول قائل: الجهة منفكة هذا عليه إثمه وهذا له أجره، وش المانع؟ نقول: لا يا أخي الباب واحد، نعم لو كانت من بابين مختلفين قلنا: الجهة منفكة، الآن الجهة غير منفكة، هذا كله شعر، تترك المستحب وتحلق الواجب؟! نقول: لا يا أخي الباب واحد والجهة غير منفكة، ولذا عيب على من يقول من الأشعرية: إنه يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، يجب عليه أن يغض؛ لأنه مأمور بغض البصر، نقول: يا أخي الباب واحد وين رحت؟ ما حرم البصر إلا من أجل الزنا، وهذا مثله هذا بيربي شعر لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- .. ، لكن الأوامر الصريحة التي عدها أهل العلم من كبائر الذنوب حلق اللحية يحلق لحيته، نقول: لا يا أخي الجهة ما هي منفكة كله شعر، فهذا يفعله كثير من الناس يربي شعره يقول: الرسول يربي شعره وش المانع؟ نقول: نعم إذا صار مظهرك مثل مظهر الرسول لماذا؟ لأنه يوجد من ينازع، يوجد من يقتدى به من الكفار والفجار يربون شعورهم، واقتداؤك -الله أعلم- بهم، بدليل اقتدائك بهم في حلق اللحية، فأنت مقتدٍ بهم لا بالرسول -عليه الصلاة والسلام-، وتربية الشعر لا شك أن له كلفة وله مشقة، ولذلك اعتذر الإمام أحمد عنه، قال: "لولا المشقة لاتخذناه" يحتاج إلى تسريح، ويحتاج إلى ترجيل، ويحتاج إلى دهن، كثير من الناس ما هو بفاضي لهذه الأمور، بالمقابل في ناس يبالغون، في أناس يجلس ساعتين ثلاث يتنظف ويتجمل وعنده صالون يتحلق به على ما يقولون الأشوام ساعتين(54/9)
ثلاث، ودين الله -جل وعلا- وسط بين الغالي والجافي، ديننا دين الطهارة دين النظافة، لكن المبالغة والغلو وإضاعة الوقت في مثل هذه الأمور لا، ولذا جاء لكسر هذه الحدة، جاء حديث وهو صحيح: ((البذاذة من الإيمان)) وهذا يعالج به من يبالغ في النظافة، من يبالغ بحيث يخرج عن الحد الشرعي، ويعالج الطرف الآخر بـ ((الطهور شطر الإيمان)) والنصوص كما تعرفون جاءت لعلاج الأطراف المتباعدة؛ ليكون المسلم في الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] وأهل السنة وسط بين الفرق كلها، يعني إذا كان الخوارج في كفة، والمرجئة في كفة فأهل السنة وسط بينهم في نصوص الوعد والوعيد، وقل مثل هذا في جميع أبواب الدين، في حلة حمراء، الحلة تتكون من ثوبين إزار ورداء، وجاء النهي عن لبس الأحمر الخالص وسيأتي ذكر المياثر في السبع المنهي عنهن، في الحديث الذي يليه، والمراد بها المياثر الحمر كما في بعض الروايات، وأنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- على من رآه قد لبس الأحمر، على كل حال لبس الأحمر الخالص منهي عنه، وعلى هذا يحمل قوله: "في حلة حمراء" كما قال ابن القيم أنها ليست حمراء خالصة فيها خطوط سود، ويطلق اللون على الغالب، الشماغ هذا وش لونه؟ إيش؟ أحمر، وهل هو أحمر خالص؟ لا ليس بأحمر خالص، إنما فيه بقدر النصف ترى، ما هو بقليل، بقدر النصف البياض، لكن باعتبار أن الأحمر لون غالب، يغلب ما معه من الألوان؛ لأنه فاقع، فيأخذ التسمية، وإلا مثل شماغ الأخذ هذا، الحمرة ما تجي الثلث، أقل من الثلث، ويقال له: أحمر؛ لأن اللون الأحمر غالب، وهنا حلة حمراء فيها خطوط، وفيها ألوان أخرى، لكن الأحمر غالب، وعلى هذا لبس الأحمر الخالص منهي عنه لا يجوز، على ما سيأتي في الحديث الذي يليه، وأما كونه -عليه الصلاة والسلام- لبس الحلة الحمراء فلئن فيها لون آخر.(54/10)
"أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أجمل الخلق -عليه الصلاة والسلام-، وأكمل الخلق، وهو أحسن الناس خلقاً وخلقاً، له شعر يضرب إلى منكبيه، يعني إلى كتفيه، "بعيد ما بين المنكبين" يعني أعلى الظهر عريض، وصدره متسع -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت الأوصاف الدقيقة في كتب الشمائل التي مع الأسف كثير من طلاب العلم لا يراجعها، ولا يتم اقتداؤه بالنبي القدوة الأسوة حتى يعرف أوصافه -عليه الصلاة والسلام- الخلقية والخلقية بعيد ما بين المنكبين، ليس بالقصير ولا بالطويل، يعني ربعه -عليه الصلاة والسلام-، ليس بالقصير ولا بالطويل، وإنما ربعة من الرجال، نعم.
عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا بعيادة المريض، وإتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونهانا عن خواتيم أو عن تختم بالذهب، وعن شرب بالفضة، وعن المياثر، وعن القسي، وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج.
نعم، يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:(54/11)
"وعن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إذا صرح الصحابي بالآمر فهو مرفوع قطعاً، من قبيل المرفوع إذا صرح بالآمر، هل يحتمل أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هنا لا، لكن إذا لم يصرح بالآمر فقال: أمرنا بسبع، ونهينا عن سبع، فالجمهور على أنه مرفوع؛ لأنه لا يتصور أمر ونهي في الأمور الشرعية إلا لمن له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع" خصال "ونهانا عن سبع كذلك، أمرنا بعيادة المريض" وعيادة المريض جماهير أهل العلم على أنها سنة، وتتأكد في حق الأقرب، وفي حق من يؤنس به، وعلى كل حال هي من حق المسلم، ونقل النووي الإجماع على أنه سنة، نقل الإجماع على أن عيادة المريض سنة، وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض؛ لأن الأمر صريح، أمرنا بعيادة المريض، لكنه وجوب عيني وإلا على الكفاية؟ على الكفاية وإلا لو كان عيني لكان كل من مرض من الأمة اجتمعت الأمة كلها لزيارته، وإلا فهو واجب على الكفاية، وعامة أهل العلم الجماهير على أنه سنة مستحب، بعيادة المريض لأي مرض؟ زيد من الناس مزكوم نزوره أو ما نزوره؟ الأصل أنه مريض يزار، طيب زيد من الناس في العناية المركزة ما يشعر بأحد، زرت أو ما زرت ما يختلف الأمر، تزوره وإلا ما تزوره؟ تزوره، تدعو له، وأجرك ثابت، وهذا من حقه عليك، وقد زار النبي -صلى الله عليه وسلم- جابر وهو مغمى عليه، وترجم الإمام البخاري: باب زيارة المغمى عليه؛ لأن بعض الناس يقول: وش الفائدة من زيارته؟ هل هو بيدري بك؟ أنت تزوره له، أو لله -جل وعلا-؟ أنت تزوره لطلب الأجر والثواب من الله -جل وعلا- "أمرنا بعيادة المريض، وإتباع الجنازة" أنت افترض أن شخص خرف وهو ممن تجب صلته، وكنت تزوره من باب صلة الرحم، وهو من أقرب الناس إليك، وخرف صار ما يدري بك جيت وإلا ما جيت، وقد تتأثر برؤيته، وقد تتقزز من رؤيته، وقد ينالك شيء من الأذى من زيارته، فالحق باقي يزار ويؤانس، ويتحمل ما يأتي منه، والأجر على الله -جل وعلا-.(54/12)
"وإتباع الجنازة" إتباع الجنازة من بيت أهلها إلى المسجد حيث يصلى عليها، ومن المسجد إلى المقبرة حيث تدفن، ويشارك في الصلاة عليها، يشارك في دفنها، ومن صلى على جنازة كان له قيراط من الأجر، وجاء تفسيره أنه مثل جبل أحد من الأجر، أجر عظيم، وتجد بعض المحرومين وهم في المسجد ما يصلي، ما تصلي على الجنازة فيها أجر، قال: صلينا أمس على واحد، قال هذا، هذا محروم بالمقابل أناس يقصدون المساجد من بُعد التي يصلى فيها على الجنائز طلباً للثواب، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] واحد جالس في المسجد، والناس يكبرون الله أكبر على الجنازة، ويقول: صلينا أمس على جنازة، هذا الحاصل يا إخوان، وأناس يتجشمون من بعد إلى المساجد التي يصلى فيها على الجنائز طلباً للأجر والثواب من الله -جل وعلا-، والحرمان له وجوه وأبواب كثيرة، ما نظن أن هذا الذي ما صلى على جنازة محروم فقط، الحرمان له وجوه، شخص جالس يفكر وش يبي يسوي؟ وش يبي يزين؟ ما عنده شغل، ما هو محتاج للنوم، وما في أحد يزوره ولا شيء، والمصحف بين يديه ما يفتحه ولا يقرأه، حتى ولا يذكر الله ولا يسبح ولا يهلل، هذا أيضاً محروم، يا أخي لك بكل حرف عشر حسنات، يعني هل الوقت الذي أنت جالس ضايقتن بك الدنيا ما تدري وش تسوي؟ افتح المصحف ولك بكل حرف عشر حسنات، الجزء الواحد مائة ألف حسنة، يكد عمره كله ما وفر مائة ألف ريال، وجزء بربع ساعة يقرأه مائة ألف حسنة ...(54/13)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب اللباس (2)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
يعني هل الوقت الذي أنت جالس ضايقتن بك الدنيا ما تدري إيش تسوي؟ افتح المصحف ولك بكل حرف عشر حسنات، الجزء الواحد مائة ألف حسنة، يكد عمره كله ما وفر مائة ألف ريال، وجزء بربع ساعة يقرأه بمائة ألف حسنة، فنقول: أبواب الخير موجودة -ولله الحمد- وكثيرة ومتيسرة، وتنوع العبادات لله -جل وعلا- أعظم المنن على عباده في تنوع العبادات؛ لأن الإنسان الذي ما تهوى نفسه هذا الباب عنده أبواب أخرى، بعض الناس مستعد يصلي مائة ركعة، وليس بمستعد يدفع ريال في سبيل الله، وبعض الناس العكس، يدفع الدراهم وهو مبسوط ومستأنس، لكن تقول له: صل ركعتين، يقول: الله يعيننا على أنفسنا، إن سعيكم صحيح، لكن الحمد لله من نعم الله أن الأبواب -ولله الحمد- متعددة، وهذا الذي تقول له: صل، قم صل مع المسلمين على الجنازة، والله صلينا أمس على واحد يكفي، فعلى الإنسان أن يحرص على ما ينفعه، أحرص على ما ينفعك، أحرص على ما يوصلك إلى مرادك، أحرص على تحقيق ما خلقت من أجله وهو العبودية لله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك حافظ على مكتسباتك، لا تجمع الحسنات، وتأتي بالأعمال أمثال الجبال، ثم بعد ذلك إذا وصلت إلى وقت الحاجة إليها ما وجدت شيء، ثم تقع في قوله -جل وعلا-: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] ما خطر على بالك ولا حسبت حساب، فعلى الإنسان أن يعنى بعمله، وأن يحافظ على مكتسباته.
"وإتباع الجنازة، وتشميت العاطس" يعني إذا عطس المسلم والعطاس نعمة؛ لأنه يخرج أشياء وأبخره من الرأس لو بقيت فيه ضرته، فهذه نعمة تحتاج إلى شكر، ولذا أمر أن يقول: الحمد لله على هذه النعمة، فيشمته السامع بعد أن يحمد الله -جل وعلا-، بقوله: يرحمك الله، فيجبيه العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، فلا يشمت من لا يحمد الله، وإذا شمت تعين الرد.(55/1)
"وتشميت العاطس، وإبرار القسم، أو المقسم" القسم يعني تنفيذ ما أقسم به الحالف، والله أن تدخل، يا أخي أدخل إن كان ما عندك مانع، بر بقسم أخيك المقسم، إذا لم يكن ثم مانع، لكن بعض الناس جميع تصرفاته وجميع أقواله مقرونة بالقسم: والله تقوم، والله تقعد، والله إن تشرب، والله إن تأكل، إلى متى طيب؟ فهذا الذي جاء النهي {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] نعم، لكن الذي يقسم على أخيه ولا يشق عليه إبراره ينبغي له أن بير بقسمه، ولا يلجئه إلى الحنث بقسمه بحيث يكلفه الكفارة.
"ونصر المظلوم" وقد جاء الأمر به ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فنصر المسلم واجب {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} [(72) سورة الأنفال] نصر المظلوم لا بد منه، ورفع الظلم عن أخيك المسلم واجب، سواء كان ظالماً أو مظلوماً، فإن كان ظالماً تكفه عن الظلم، فهذا نصر له، نصر له على نفسه الأمارة بالسوء التي تحمله ما لا يحتمل، وأيضاً رفع الظلم عنه نصر ظاهر.
"وإجابة الداعي" الداعي إذا دعاك فأجبه، إلا إذا كان لديك مانع، واعتذرت من أخيك، وقبل عذرك، فالإجابة مستحبة، وأوجبها أهل العلم بالنسبة لوليمة العرس ((إذا دعا أحدكم أخوه فليجبه، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليصل)) يعني فليدعو، فإجابة وليمة العرس واجبة عند جمع من أهل العلم، كل هذا إذا لم يكن ثم منكر، أما إذا كان في الدعوة منكر لا تمكن إزالته، ولا يستطاع إنكاره، فلا تجوز إجابة الدعوة حينئذٍ.(55/2)
"وإجابة الداعي، وإفشاء السلام" إفشاء السلام بين المسلمين سبب للمحبة والمودة والتراحم ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم)) هذا ينشر المودة والمحبة بين المسلمين، إفشاء السلام، تمر بأخيك: السلام عليكم، وجاء في الحديث الصحيح: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) تمر من عند شخص ما تسلم، وراء ما سلمت يا فلان؟ قال: والله أنا أكبر الحق لي، ما يقال هذا؟ يقال، ولذلك كثير من الناس يستغفل بعض الناس، أحياناً يحكم على عقليته ما هي بـ .. ، تجده جالس ثم يمر واحد، الجالس يقول: السلام عليكم،. . . . . . . . . قاصر هذا، وش. . . . . . . . .؟ الماشي هو اللي يسلم على الجالس، نقول: نعم هذا الأصل الماشي، لكن إذا ما سلم؟ خيرهما الذي يبدأ بالسلام، الصغير يسلم على الكبير، طيب ما سلّم تسلم أنت، قل مثل هذا في جميع من له الحق على أحد، كبير على صغير، أب من أبيه، دخل الولد والله ما سلم، أو مر من عندك .. ، خيرهما الذي يبدأ بالسلام، أنت مخاطب بنصوص وهو مخاطب، لك ما يخصك وله ما يخصه، لماذا لا تكون أنت الخير؟ والله يا أخي لي سنتين ما شفت ولد أخوي، بعض الناس يقول هذه. . . . . . . . . عليه ما شافه، الصلة واجبة يا أخي، قال: الحق لي، هذا الأصل، يأثم إذا لم يزوره، إذا لم يزرك أثم ويصلك، لكن أنت أيضاً عليك كفل، بادر أنت بفعل الخير، النفوس مملؤة بمثل هذه الأمور، لكن الذي يرجو ثواب الله وما عند الله يبرئ الناس من حقوقه كلها، بلاش ولد أخوي ما جانا، وبنت أخوي والله ما كلمت، لا لا أبداً، أو أخوي ما دعانا، هذا كله تنساه، وتجده موفور لك يوم القيامة، لكن أنت تؤدي الذي عليك، أنت عليك حقوق لا بد أن تؤديها.(55/3)
"وإفشاء السلام" والسلام سنة عند أهل العلم، ورده واجب، {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] فإذا قال: السلام عليكم، تقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ لتكسب أقدر من الحسنات، إذا قلت: وعليكم السلام عشر حسنات، المقصود أن الإنسان يحرص على أكبر قدر ممكن يستطيعه مما يقربه إلى الله -جل وعلا-، لكن لو قال: السلام عليكم قلت: مرحباً يكفي وإلا ما يكفي؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بدونها، قال: السلام عليكم قلت: مرحباً يا أخي، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما جاءته أم هانئ وهو يغتسل، قالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: من؟ قالت: أم هانئ، قال: مرحباً بأم هانئ، وثبت عنه أنه قال: مرحباً بابنتي لما سلمت فاطمة، وما حفظ أنه رد السلام، فهل تكفي مرحباً كما يقول بعض أهل العلم استدلالاً بهذين الحديثين؟ أو نقول: بأنه رد السلام امتثالاً للآية لكنه ما نقل؟ ما نقله الراوي اكتفاء بما ثبت فيه من النصوص؟ يعني هل في كل قضية ينقل ما يلزم نقله أو إذا نقل من وجه يثبت به الحكم يكفي؟ وهذا أحوط، يعني إذا رد السلام وقال: مرحباً يعني هذا أكمل بلا شك، وإن كان بعض أهل العلم يرى أن مرحباً تكفي.
"ونهانا" انتهينا من السبع المأمور بها، ونهانا يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويأتي فيه من الكلام مثلما في "أمرنا" حيث صرح الصحابي بالآمر والناهي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عشرين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هين، رد السلام لا بد منه، يعني رد السلام ثابت بأفضل منه في القرآن، فمثل هذا كونه لم ينقل، الثلاثة الذين جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وما رد السلام، ما نقل رد السلام، في بعض الروايات ما نقل رد السلام، الأمور التي تنقل بمن تثبت الحجة بنقله لا يلزم أن تنقل من كل وجه، يعني عندنا ما يدل على أن رد السلام واجب إذاً رد السلام، كونه ما نقل في بعض القضايا، أوفي بعض .. ، يعني الصحابي تركه للعلم به، ما يحتاج إلى أن ينقله في كل قضية.(55/4)
"ونهانا عن خواتم، أو عن التختم" خواتم وخواتيم، جمع خاتم، خواتم وخواتيم مثل: مفاتح ومفاتيح، وجوامع وجواميع، ومساند ومسانيد، ومراسل ومراسيل، على كل حال الجمع .. ، هذه يسمونها صيغة منتهى الجموع، "عن خواتم أو عن التختم" يعني نهانا عن نفس الخاتم أن نقتنيه إذا كان من ذهب، وعن التختم الذي هو لبس هذا الخاتم، فالاقتناء شراء الخاتم من الذهب حرام للرجال، ولبس الخاتم من الذهب ولو لم يكن عن طريق الشراء، لو أخذت خاتم من امرأة ولبسته وتبي تعيده عليها، ما يجوز؛ لأن هذا تختم، وذاك نهي عن الخاتم، نهى عن الخواتم يعني عن اقتنائها وعن لبسها وعن شرائها، نعم وعن التختم الذي هو لبس الخاتم، بالذهب وعن الشرب .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس خاتم الذهب في أول الأمر، ثم رآهم يتختمون بالذهب فألقاه، رمى به، فرموا به، وثبت تحريمه، ثم أتخذ -عليه الصلاة والسلام- خاتم من فضة على ما سيأتي، "وعن الشرب بالفضة" ويدل له حديث: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة)).
"وعن المياثر" المياثر: جمع ميثرة، وهي التي توضع على الدابة ليركب عليها، المياثر: غطاء يجعل على الدابة ليركب عليها، والعوام كانوا يسمونها إيش؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هي مثل الوسادة تجعل على ظهر الدابة بعير وإلا حمار وإلا فرس وإلا ..
طالب:. . . . . . . . .
غير السرج، هذه غيرها، البردعة قريبة منها نعم، لكنها من اللفظ نفسه من المياثر، ما أدركتم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، يسمونها وثارة، من المياثر مأخوذة، أدركتها أنت وإلا؟ ما في شيء ترى الكبر ما هو بعيب يا أخي، بعض الناس يذكر بعض القضايا التي ما يدركها سنه، وش يقول؟ والله ماني بكبير، أنا صغير لكني ذاك الوقت ذهين، لا لا قطعاً أنت ما أدركتها، الذي يظهر أنك ما أدركتها.(55/5)
"وعن المياثر" لكن كل المياثر ممنوعة؟ أي شيء يوضع على ظهر الدابة ممنوع؟ لا جاء تقييدها في الروايات الأخرى: بالحمر، المياثر الحمر، فالمنهي عنه الأحمر "وعن القسي" القسي نوع من الثياب يأتي من بلد يقال له: القس في مصر، يصنع فيه الحرير، حرير مضلعة، حرير مضلع يأتي من بلاد يقال لها: القس من مصر "وعن لبس الحرير" وهذا من عطف العام على الخاص للعناية بشأن الخاص، والإستبرق نوع منه، الإستبرق نوع من الحرير، والديباج ما غلظ منه، على كل حال الحرير بجميع أنواعه وأشكاله حرام على ذكور هذه الأمة، نعم إذا كان يجتمع منه مادة، إذا كان يجتمع منه مع الإذابة مادة من الذهب أو الفضة يصير مستعمله مستعمل لهذه المادة، أما مجرد اللون فلا يضر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
هو كل ما كانت نسبة الذهب فيه أقوى كانت التحريم أشد، معروف أربعة وعشرين ذهب خالص، ستة عشر فيه نسبة من غير الذهب لكن جله ذهب فهو محرم، ويسمى ذهب حقيقة وعرفاً، نعم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما -أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اصطنع خاتماً من ذهب فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه جلس فنزعه وقال: ((إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصه من داخل)) فرمى به، ثم قال: ((والله لا ألبسه أبداً)) فنبذ الناس خواتيمهم، وفي لفظ: جعله في يده اليمنى.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(55/6)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اصطنع خاتماً من ذهب" اتخاذ الخاتم من قبله -عليه الصلاة والسلام- إنما كان للحاجة، إنما اتخذه -عليه الصلاة والسلام- لما قيل له: إن فارس لا يقرءون إلا ما كان مختوماً، فاتخذ الخاتم، وعلى هذا يقول جمع من أهل العلم: إنه لا يستحب اتخاذ الخاتم إلا لمن يحتاجه لختم مكاتباته وخطاباته، الأمير يحتاجه، القاضي يحتاجه، المسئول يحتاجه، صاحب المؤسسة يحتاجه؛ لتوثيق ما يكتبه، فلا يستحب إلا لمن يحتاجه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أتخذه إلا لما قيل له: إن فارس والروم لا يقرءون إلا ما كان مختوماً، ومنهم من يقول: هذا من أفعاله -عليه الصلاة والسلام- التي يؤجر المسلم على اقتدائه بها، بدليل أنه لما أتخذ الخاتم للحاجة اتخذه الصحابة اقتداء به، اتخذوه، وكثير منهم لا يحتاجه، فاصطنع خاتماً من ذهب، فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، إذا لبسه جعل الفص؛ لأنه مكتوب فيه محمد رسول الله، وكونه خارج الكف يعرضه للامتهان، بينما لو كان داخل الكف والكف أكثر ما تكون مقفلة لا .. يقيه شيء من ذلك.
"فكان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس مثل ذلك" اقتدوا به -عليه الصلاة والسلام-، وهذا يدل على أنه يستحب اتخاذ الخاتم ولو لم يحتاجه الإنسان "فصنع الناس" مثل ذلك "ثم إنه جلس" على المنبر "فنزعه" خلعه، ورمى به "فنزعه وقال: ((إني كنت ألبس هذا الخاتم، وأجعل فصه من داخل)) فرمى به، ثم قال: ((والله لا ألبسه أبداً)) " لأن الذهب حرام على الذكور، والآمر والناهي لا يمتثل أمره ونهيه المجرد عن الفعل، فعلى من أراد أن يأمر أو ينهى يكون قدوة بالفعل قبل القول، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمرهم بالحلق في الحديبية ترددوا، ما حلقوا لأول الأمر، لكن لما حلق كاد الناس أن يقتتلوا، وفي حجة الوداع في الخطبة المشهورة لما وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- دماء الجاهلية، وربا الجاهلية، وقال: ((أول من أضع دم ابن عمي)) من هو؟
طالب:. . . . . . . . .(55/7)
لا، الربا رب العباس، دم الحارث بن عبد المطلب ((وأول ربا أضع ربانا ربا العباس)) فالآمر والناهي إذا أراد أن يمتثل أمره ونهيه أول ما يبدأ بنفسه وبأقرب الناس إليه؛ ليكون قدوة، لما رمى به النبي -عليه الصلاة والسلام- رموا به " ((والله لا ألبسه أبداً)) فنبذ الناس خواتيمهم، وفي لفظ: جعله في يده اليمنى" لأن التختم باليمين وإن كان المسألة مختلف فيها من الصحابة من لبسه باليسار، وجاء من النصوص ما يدل على ذلك، لكن ما جاء في اليمين أكثر، والسبب في ذلك ليصان الخاتم عن امتهان المفضولات؛ لأن اليمين للفاضلات والمستحبات والمستحسنات، واليسار لغير ذلك، بخلاف ذلك، نعم.
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبعيه السبابة والوسطى.
ولمسلم: نهى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع.
نعم لما ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- تحريم لبس الحرير بالنسبة للرجال ذكر ما يستثنى من ذلك، وذكرنا أن مما يستثنى العلاج، يعني إذا كان هناك حساسية حكة أو جرب وما أشبه ذلك لا تذهب إلا بلبس الحرير رخص النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك، أما ما عدا ذلك فلا يباح منه إلا الشيء اليسير فقال: "عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس الحرير إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصبعيه السبابة والوسطى" يعني يجعل مثلاً قيطان وإلا على أطراف الأكمام شيء يسير جداً، أصبعين فرفع السبابة والوسطى.
"ولمسلم: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع" على الحد الكثير بحيث لا تجوز الزيادة عن أربعة أصابع، هل معنى هذا أنها بقدر الأربعة الأصابع فقط قطعة بقدر هذا أو أنها على طول الثوب أو على عرضه أو كذا؟ هذه مجملة، والأصل المنع، فينبغي أن يقتصر من الحرير على أقل قدر منه لمن يحتاجه، وإلا فالأصل أنه ممنوع؛ لأن الرخصة، نعم؛ لأن هذه رخصة والرخصة ما جاء على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، على كل حال الرخصة تقدر بقدرها، ولا تزاد عما جاءت به النصوص، نعم ...(55/8)
عمدة الأحكام - كتاب الجهاد (1)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الجهاد
عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: ((يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)) ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الجهاد(56/1)
والجهاد: مصدر جاهد يجاهد جهاداً ومجاهدة، والمراد به بذل الجهد، واستفراغ الوسع في قتال الأعداء، في قتال الكفار، بذل الجهد، والمادة كلها تدل على أن هناك مشقة، فلا جهاد إلا بمشقة، ولا مجاهدة للنفس إلا مع مشقة، ولا اجتهاد في عبادة إلا مع مشقة، ولا اجتهاد في علم إلا مع بذل مشقة، فالعلم لا ينال براحة الجسد، والاجتهاد عند أهل العلم: بذل الجهد، واستفراغ الوسع، متى يقال: اجتهد فلان؟ يقال: اجتهد في حمل الرحى، صح وإلا لا؟ الرحى ثقيل يعني عندك كيس فيه مائة كيلو تجتهد في حمله، لكن عندك نواة أو تمرة مثلاً، يقال: اجتهد في حمل التمرة أو في حمل النواة؟ لا؛ لأنها ما تحتاج إلى بذل جهد ولا استفراغ وسع، بينما الحمل الثقيل يحتاج إلى بذل الوسع، يحتاج إلى بذل الجهد واستفراغ الوسع، وكل المادة تدل على هذا، والجهاد سواءً كان جهاد عدو، جهاد نفس كل هذا يحتاج إلى مجاهدة، والجهاد ذروة سنام الإسلام، ومصدر عز الأمة، وما ذلت الأمة إلا بترك الجهاد، وجاء في الحديث: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله ضرب الله عليكم ذلاً لا يرفعه)) يعني إلا أن تعاودوا الدين، فهذا هو سبب ما تعيشه الأمة من ذل، تركهم لهذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام، وهو فرض كفاية، والنصوص القطعية من الكتاب والسنة تدل على وجوبه {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [(73) سورة التوبة] {قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ} [(123) سورة التوبة] .. إلى آخره، المقصود أن الجهاد فرض على الأمة، فرض كفاية، نعم في وقت الضعف ضعف الأمة يعني يكتفى منها بجهاد الدفع، وأما جهاد الطلب ففي وقت القوة، وفي وقت العز والنصر للإسلام والمسلمين، نسأل الله -جل وعلا- أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، وأن يقيم علم الجهاد.(56/2)
وهو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وإلا لو تعين وهو يتعين عند أهل العلم في صور منها: إذا حضر الصف، حضرت لا يجوز لك أن تفر، ومنها: إذا استنفرك الإمام، لا يجوز لك أن تعتذر، ومنها: إذا دهم العدو بلد من بلدان المسلمين، لا سيما أهل البلد، هنا يتعين الجهاد، لا يجوز لأحد أن يفر من البلد الذي يدهمه الكفار.
"عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى مالت الشمس" العادة أنه -عليه الصلاة والسلام- يغزو في أول النهار، في وقت البركة، لكن إذا تأخر واشتد الحر، واشتدت الشمس انتظر حتى تميل الشمس، حتى تزول، وتهب الأرواح، الريح تقف، والحرارة تقل، "حتى مالت الشمس قام فيهم، فقال: ((يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو)) " وهذا جزء عن النهي عن تمني الموت؛ لأن العدو لقاؤه في الجملة يعرض الإنسان للموت، ويعرض النساء للسبي، يعرض الأموال، ويعرض الأعراض، ويعرض لقاء العدو أنت ما تضمن النتيجة، هل تضمن النتيجة أنك إذا لقيت العدو ضفرت به وقتلته؟ لا، فلا تتمنى لقاء العدو، كما أنك لا تتمنى الموت لضر نزل بك، مع هذا لا تتمنى لقاء العدو ((واسألوا الله العافية)) الله -جل وعلا- يعافيكم، طيب هل في هذا معارضة مع تمني الشهادة، وقد تمناها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وفي هذا معارضة عن عدم تحديث النفس بالجهاد؟ أو نقول: إنه إذا سنحت فرصة الجهاد .. هو يحدث نفسه بالجهاد إذا سنحت الفرصة له، أما أن يتمنى عدواً يدهم بلده أو يواجهه ليقاتله فلا؛ لأن لقاء العدو ما تدري ما يصيبك، يمكن يقتلك، يمكن يسبي .. ، يمكن ينتهك عرضك، يمكن يسبي أموالك، يمكن .. ، فلا تتمنى لقاء العدو.
((واسألوا الله العافية)) نعم على الإنسان أن يلهج وأن يكون من ديدنه سؤال العافية في الدين والدنيا، في الدنيا والآخرة ((اسألوا الله العافية)) ما رزق إنسان خير من العافية، والعافية لا يعدلها شيء.(56/3)
((فإذا لقيتموهم فاصبروا)) لا تتمنى، لكن إذا لقيت فاصبر، بعض الناس يقول: أنا أبحث عن الأجر، أبحث عن امرأة فيها عيب أكفلها وأضمها، واحتمال أن تكون لا تجد من يتزوجها فاحتسب فيها، ثم بعد ذلك إذا تزوج بها صارت على خلاف ما يريد، فأخذ يتذرع بالأعذار، وأخذ يتململ، وأخذ يتشكى، ثم بعد ذلك، أنا أقول: يا أخي لا تتمنى لقاء العدو، لكن لو قدر أنك أخذتها سليمة، ثم أصابها ما أصابها عندك، اصبر واحتسب، أما أن تذهب تبحث عن معيبة ثم بعد ذلك لا تصبر عليها، نعم هذا فيه ما فيه، أما إذا أصيبت عندك نعم، كنت أنت في وقت السعة تقول: والله أنا أبحث عن مريضة لأعالجها وأقوم عليها وكذا، ثم بعد ذلك لا تصبر على هذا، أنت الذي بحثت لنفسك عن هذا الأمر، لكن إذا أصيبت عندك اصبر واحتسب وعالج، وعلى كل حال ((إذا لقيتموهم فاصبروا)) {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} [(200) سورة آل عمران] كل هذا مأمور به، ولا يجوز للإنسان أن يفر، والفرار من الزحف من الموبقات، -نسأل الله السلامة والعافية- فلا بد من الصبر على العدو.
((واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)) يعني التحام المسلمين بالكفار بحيث إذا ارتفعت سيوف الجميع مع الالتصاق يكون لها ظل من كثرتها، فاقتحم، الجنة هنا يا أخي، ((الجنة تحت ظلال السيوف)) ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على صلة دائمة بربه: ((اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم)).
ليس للإنسان غنى من اللجوء إلى الله -جل وعلا-، فعليه أن يلجأ إلى ربه في كل شيء، في كل ما يريد، في كل صغير وفي كل كبير؛ لأنه إذا لم ييسر الله -جل وعلا- ما تيسر شيء، ولو كان من أيسر الأمور، ((اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً)) فعلى الإنسان أن يكون على صلة بربه دائمة.(56/4)
((اللهم منزل الكتاب)) الدعاء بهذا الدعاء، الله -جل وعلا- أنزل الكتاب على نبيه، وتضمن نصره، وتضمن حفظه، وتضمن بقاءه، تكفل بهذا كله، لكن الإنسان يدعو بهذا الدعاء، مع أن الله -جل وعلا- تكفل بحفظه، الدين منصور، الكتاب منصور، الدين محفوظ، الكتاب محفوظ، الدين باقٍ إلى قيام الساعة، لكن ماذا عن أهل الدين؟ يعني ليس عندنا شك أن الدين باقٍ إلى قيام الساعة، وأنه لا تزال طائفة منصورة، لكن عنا، ماذا عنا حينما فرطنا، وحينما ضيعنا، وحينما تولينا عن الدين، وإلا لا خوف على الدين، الخوف المشكلة فيمن يفرط بهذا الدين.
((اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب)) يعني امتنيت علينا يا ربنا بهذا الكتاب العظيم الذي هو خير نعمة أنزلتها علينا، وأنزلت علينا نعمة الدنيا بإنزال المطر الذي ينشأ عنه الزرع والضرع، امتننت علينا بنعم الدنيا والآخرة، وهزمت أعداءنا، وطردتهم عنا، وتوليت وتكفلت بحفظنا، وكبت عدونا ((اهزمهم وانصرنا عليهم)) فإذا أراد الإنسان أن يدعو بشيء يقدم بمقدمات مناسبة، فإذا دعا يدعو يأتي بمقدمات، يصف الله -جل وعلا-، يمجد الله، يحمد الله، يعظم الله، ثم بعد ذلك يدعو بما شاء، نعم.
عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)).
نعم يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:(56/5)
"عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رباط يوم)) " الرباط لزوم الثغور، هي الحدود التي بين المسلمين والأعداء، التي يخشى على المسلمين من مرور الأعداء من خلالها، الثغور، فالمرابطة في هذه الثغور من أفضل الأعمال، ومن خير ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، فرباط يوم في سبيل الله، خير من الدنيا وما عليها، وابن المبارك الإمام المجاهد يقول: إذا أشكل على أحد أمر –يعني وإن كان من أهل العلم- فليسأل أهل الثغور، طيب أنت أشكل عليك مسألة علمية تسأل أهل الثغور؟ قد يكون أهل الثغور ما عندهم شيء من العلم مثلما عندك، يقول: لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [(69) سورة العنكبوت] يقول: اسألوهم، تجدون الخير كله عندهم.
((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها)) يوم واحد، وركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها، تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، طيب إذا كانت هذه الأمور اليسيرة خير من الدنيا ليش عامة المسلمين عموم المسلمين خاصتهم وعامتهم تعلقوا بالدنيا؟ هذه غفلة.
الناس في غفلة عما يراد بهم ... كأنهم غنم في أيدي جزارِ
غفلة، ركعتين بدقيقتين خير من الدنيا وما فيها، من يعرف حقيقة الدنيا؟ يعرفها أهل الآخرة، يعرفها العباد، يعرفها الزهاد، يعرفها سعيد بن المسيب، لما خطبت ابنته لابن الخليفة للوليد بن عبد الملك، السفير الخطيب، الخطيب هذا الواسطة بينهما السفير بينهما يقول: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يتزوج ابنتك، جاءتك الدنيا بحذافيرها، يقول: إيش الدنيا؟ إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا يقسم لي الخليفة من هذا الجناح؟ ويزوجها طالب لا يملك شيئاً البتة، لكنه يملك رأس المال الدين، هؤلاء الذين عرفوا حقيقة الدنيا، وعرفوا ما أعد الله لخلقه في الآخرة.(56/6)
((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها)) الشيء اليسير جداً من الجنة خير من الدنيا وما عليها ((والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة)) المسير في أول النهار أو في آخره ((خير من الدنيا وما عليها)) فعلينا أن ندرك حقيقة هذه الدنيا، وحقارة هذه الدنيا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وراوي الحديث ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" لأنك إذا تصورت الدنيا على حقيقتها عرفت كيف تتعامل مع نفسك، مع أهلك، مع جيرانك، مع ربك، مع الخلق، مع كل أحد، ومع ذلك يقول الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] نعم الإنسان الذي ينهمك فيما خلق له، قد يأتي وقت ينسى نصيبه من الدنيا الذي يعينه على تحقيق هدفه العبودية، قد ينسى لا يشعر بنفسه إلا .. ، قد يقول قائل: كيف الدنيا تنسى؟ الأكل والشرب؟ نعم ينسى الأكل والشرب، نعم؛ لأن هناك لذة ونعيم في الدنيا يعيشها أهل الفضل، العباد يعيشون عيشة ما يعيشها أحد ولا الملوك، يعني تصورون واحد ليلة الزواج دخل على الزوجة وبنى بها، تلك الليلة، دخل على زوجته فتذكر آية أشكلت عليه فنزل في المكتبة ومن تفسير إلى تفسير إلى أن أذن الفجر، هذا يحتاج أن نقول له: ولا تنس نصيبك من الدنيا، لكن عامة المسلمين اليوم حتى -نسأل الله المسامحة- من ينتسب إلى العلم بحاجة إلى أن يقال له: ولا تنس نصيبك من الآخرة، هذا الواقع، هذا واقعنا -نسأل الله السلامة والعافية- نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا.(56/7)
((والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)) ولنعلم جميعاً أن أبواب الجهاد كثيرة، يعني إذا لم يتح في وقت من الأوقات قتال العدو لضعف المسلمين، فجهاد النفس جهاد، السلف جاهدوا أنفسهم على قيام الليل، وعلى صيام الهواجر، وعلى اكتساب العلوم، وعلى اكتساب ما يقرب إلى الله -جل وعلا-، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أبواب الجهاد، طلب العلم باب عظيم من أبواب الجهاد، فعلى الإنسان أن يسعى في هذه الأبواب عله أن يلحق بدرجات المجاهدين، ومع ذلك يتمنى الشهادة، وجاء في الحديث: ((من تمنى الشهادة بصدق بلغها ولو مات على فراشه)) والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((انتدب الله)) ولمسلم: ((تضمن الله)) لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة)).
ولمسلم: ((مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث:(56/8)
"عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((انتدب الله)) ولمسلم: ((تضمن الله)) " وسيأتي قوله: ((توكل الله)) وفي رواية: ((تكفل الله)) بمعنى التزم، وهذا إلزام وتضمين وكفالة من الله -جل وعلا- على نفسه بمعنى أنه ألزم نفسه بذلك، وتكفل به، وتضمن به من غير أن يلزمه أحد، ولا ملزم لله -جل وعلا-، وإنما من كرمه وجوده التزم بذلك، كما أنه من عدله وفضله حرّم الظلم على نفسه، ولا ملزم لله -جل وعلا-، ولا يجب على الله شيء، فالله -جل وعلا- انتدب، أي: سارع بالثواب، وحسن الجزاء، والتزمه وتضمنه، وتكفله لمن؟ لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي، والجهاد إذا أطلق إنما يراد به قتال الأعداء كما هنا.
((تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي)) ما قال: في سبيله، هذا التفات من الغيبة إلى التكلم، ((لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي)) يقول أهل العلم: فيه التفات، أهل العلم يقولون: هذا فيه التفات، نعم الضمير تغير من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم.
((إلا الجهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي)) يعني لا يخرجه لذلك إلا إعلاء كلمة الله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لربه، مبتغياً بذلك رضاه، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي، وإيمان به، لا يبعثه ولا ينهزه إلى الجهاد إلا الإيمان بالله -جل وعلا- والإخلاص له، وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار منهم الذي يخرج للجهاد، ويقدم مهجته، ونحره للعدو فيقتل في ساحات الجهاد، فيؤتى به يوم القيامة فيقال له: ماذا فعلت؟ قال: قاتلت وجاهدت في سبيلك حتى قتلت، فيقال له: كذبت، إنما قاتلت ليقال: شجاع، وقد قيل، فيؤمر به إلى النار نسأل الله العافية، فأول من تسعر بهم الثلاثة منهم هذا، نسأل الله العافية.(56/9)
((وإيمان بي، وتصديق برسلي فهو علي ضامن)) ضامن أو مضمون؟ مضمون أو ضامن؟ ((فهو علي ضامن)) منهم من يقول: ضامن اسم فاعل بمعنى اسم المفعول يعني مضمون، {فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [(7) سورة القارعة] يعني مرضية {مِن مَّاء دَافِقٍ} [(6) سورة الطارق] يعني مدفوق، يأتي اسم الفاعل ويراد به اسم المفعول وهذا منه، ومنهم من يقول: فهو علي ضامن كلابن وتامر، يعني ذو لبن، صاحب لبن، وصاحب تمر، وهذا صاحب ضمان، وهو يعود في حقيقته إلى الأول.
((فهو علي ضامن أن أدخله الجنة)) يعني الله -جل وعلا- تكفل له وضمن له الجنة ((أو أرجعه)) أدخله الجنة إن قتل في سبيل الله شهيداً يدخل الجنة ((أو أرجعه إلى مسكنه)) وإلى أهله وذويه ((الذي خرج منه نائلاً ما نال)) حاصلاً على ما حصل عليه ((من أجر أو غنيمة)) هذا إن قتل دخل الجنة، إن لم يقتل رجع نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، (أو) هذه للتقسيم أو للتخيير؟
خير أبح قسم بـ (أو) وأبهمِ ... . . . . . . . . .
إن قلنا: للتخيير يختار، يبي أجر وإلا غنيمة؟ إذا تنازل عن نصيبه من الغنيمة له الأجر، إن أخذ نصيبه من الغنيمة فلا أجر له، هذا مقتضى التخيير، طيب ((من أجر أو غنيمة)) إذا قلنا: إنها للتقسيم غزاة يرجعون بالأجر لأنه ما حصل لهم غنيمة، وآخرون يرجعون بالغنيمة لكن لا أجر لهم؛ لأنهم حصل لهم غنيمة هذا مقتضى إيش؟ التقسيم، لكن إذا غنم الغازي، غزا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ثم غنم لا أجر له وإلا له أجر؟ طيب أهل بدر غنموا، ما لهم أجر؟ كيف نقول: أجل للتقسيم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما تجي كذا، هذا أو هذا.
خير أبح قسم بـ (أو) وأبهمِ ... . . . . . . . . .
تجي للإبهام؟ ويش معنى الإبهام هنا؟ قد يحصل له أجر فقط أو يحصل له غنيمة فقط؟ والمسألة مفترضة فيمن لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله، يغني مخلص في ذلك، يعني قد نقول مثلاً: لولا هذا، لولا اشتراط الإخلاص في هذا النص، قلنا: إن بعضهم يرجع بأجر وبعضهم يرجع بغنيمة؛ لأنه لم يخلص في عمله، لكن كلهم مخلصون، الغنيمة مباحة، ((أحلت لي الغنائم)) هذا من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-.(56/10)
(أو) بمعنى الواو، وربما عاقبت الواو شريطة أن يؤمن اللبس، نعم، وهنا يقول: ((نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة)) يعني من أجر وغنيمة، وقد يقول قائل: إنها للتقسيم فيكون نائلاً ما نال من أجر كامل أو غنيمة مع أجر ناقص، نائلاً ما نال من أجر يعني أجر كامل، أو غنيمة مع أجر ناقص بدليل الحديث الصحيح ((إن من غزا فلم يغنم كان أجره موفوراً، ومن غنم فقد تعجل ثلثي الأجر)) وعلى هذا من غنم له أجر وغنيمة، لكن في مقابل من له الأجر الموفور يتسنى التقسيم هنا، وبعضهم يرجح أن (أو) بمعنى الواو، وتأتي بمعنى الواو.(56/11)
((من أجر أو غنيمة)) الذي لم يغنم شيئاً لا شك أن أجره كامل موفور، خرج للجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، ثم رجع كما خرج، دون أن يغنم شيئاً، وهو مخلص لله -جل وعلا- مثل هذا أجره كامل، لكن افترض المسألة في شخص يعني في اثنين زيد وعمرو خرجا للجهاد بنية خالصة لله -جل وعلا-، وكل منهما صار له أثر في الجهاد، وأبلى في الجهاد بلاءً حسناً ثم رجعا، هذا قتل شخص ليس معه سلب، وآخر قتل شخصاً معه سلب، هذا الذي قتل شخص لا سلب له رجع بدون غنيمة، وذاك رجع بشيء من المال هل يكون الأجر واحد؟ نعم، لا شك أن الدنيا ضرة، ضرة بالنسبة للآخرة، من تعجل شيئاً كوفئ به في الدنيا لا شك أنه ينقص أجره، ولا شك أن الذين ماتوا قبل أن تفتح وتبسط الدنيا على الصحابة هؤلاء موفور أجرهم، ومنهم كما في الحديث الصحيح مصعب بن عمير كفن في .. ، في إيش؟ نعم، كفن في برد له قصير إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، هؤلاء ما استوفوا شيئاً من أمور الدنيا، بينما الذين تخلفوا بعدهم بسطت الدنيا وتوسعوا فيها، لا شك أن ما تعطاه من خير مكافئة على عملك، وما ينالك من شر ومصائب في الدنيا أيضاً تكفير لذنوبك، فالدنيا سجال، وهي ابتلاء {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [(35) سورة الأنبياء] يبتلى الإنسان بالخير كما يبتلى بالشر، فلما أكل النبي -عليه الصلاة والسلام- من اللحم بعد أن كان جائعاً هو وأصحابه أكل وشبع، ماذا قال؟ ((والله لتسألن يومئذ عن النعيم)) لتسألن عن هذا النعيم، فالنعيم يسأل عنه الإنسان، وعلى هذا له أثر على ما يكسبه من حسنات؛ لأنها مكافئة له على صنيعة، فكون الإنسان لا يكافئ بشيء من هذه الدنيا يوفر له أجره، ومن يكافئ بشيء من هذه الدنيا ينقص أجره، وافترض المسألة في شخص يعلم الناس، يقضي بين الناس، يؤم الناس، يشغل منصب ديني مجاناً، يأمر وينهى مجاناً، وآخر بأجرة، الثواب واحد؟ لا، هذا له أجره، وذاك له أجره على قدر نيته وله أجرته، فلا شك أن الرجوع بشيء من المغنم ينقص من الأجر الموفور بالنسبة لمن لم يحصل على شيء من المغانم.(56/12)
((ومثل المجاهد في سبيل الله)) بعضهم يقول في الحديث: ((نائلاً من نال من أجر أو غنيمة)) نائلاً من نال من خير عظيم سواء حصل على الأجر أو الغنيمة، والغنيمة إذا استعملت فيما يرضي الله -جل وعلا- صارت أجر، لكن هذا أجر مباشر، وهذاك أجر بواسطة؛ لما في الغنيمة من إعزاز الدين، وذل للكفار، ولذا شرعت لهذه الأمة، على كل حال أقوال الشراح في هذه الجملة كثيرة جداً.
((ومثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله-)) نعم الله أعلم، النيات لا يطلع عليها إلا الله -جل وعلا-، هذه غيب، ويعامل الناس على حسب الظاهر، ولذا يقسم الشهيد إلى أقسام، منهم من هو شهيد في الدنيا فقط، لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، وهو في الآخرة ليس له أجر الشهداء، ومنهم من شهيد آخرة فقط، وهو من مات ممن ثبتت له الشهادة بالنصوص الصحيحة في غير الجهاد، ومنهم شهيد الدنيا والآخرة وهذا معروف، اللي هي موضوعنا الآن.
((والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم)) بعض الناس يقول: الجهاد يعوقنا عن الصيام، صيام النوافل، الجهاد يعوقنا عن قيام الليل، الجهاد يعوقنا عن قراءة القرآن، الجهاد يعوقنا عن تعليم العلم، الجهاد يعوقنا عن أعمال الخير، لا شك أنه يعوق، نعم يحول دون الإنسان ودون صيامه، وأحياناً يحول دونه ودون قيامه، وما كان يزاوله في حال الاستقرار، لكن هل هذا مبرر لترك الجهاد؟ هذا ليس مبرر، ومن الناس من يعتذر عن الجهاد خشية أن يفتتن، وقد يقال لزيد من الناس: لماذا لا تحج؟ قال: أنا والله لا أستطيع أن أحج خشية أن أفتتن، الحج فيه نساء وفيه تبرج وفيه .. ، وقل مثل هذا في أمور العبادات يتعذر بهذا، يقال له: لا يا أخي، {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [(49) سورة التوبة] عذر وإلا ما عذر؟ ما عذر، عليك أن تجاهد وعليك أن لا تعرض نفسك للفتن.
((والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم)) يكتب له صيامه وقيامه ((وتوكل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة)) لأنه شهيد ((أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة)) يرجعه إلى أهله وذويه سالماً إما مع أجر محض أو مع غنيمة مقرونة بالأجر، نعم.(56/13)
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي: اللون لون الدم، والريح ريح المسك)).
طالب:. . . . . . . . .
عن إيش؟ عن من؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني أبي هريرة نعم؛ لأنه صرح عندنا.
يقول: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-" والأصل أن يقول: "وعنه" على عادة أصحاب المختصرات إذا رووا أكثر من حديث عن صحابي واحد صرحوا به ثم كنوا عنه بالضمير.
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مكلوم)) " المكلوم: المجروح ((يكلم)) يجرح ((في سبيل الله)) يعني في الجهاد في سبيل الله ((إلا جاء يوم القيامة)) جاء يوم القيامة بعد المبعث ((وكلمه)) جرحه ((يدمى)) يصب دماً، يسيل دمه من جرحه ((اللون لون الدم)) أحمر، ((والريح ريح المسك)) فيأتي بما يشهد له أنه قتل في سبيل الله، والدم معروف أنه مستقذر، مستقذر لما فيه من نجاسة، وفيه أيضاً من تلويث، وفيه من رائحة إلى غير ذلك، لكنه على خلاف الأصل، على خلاف ما كان عليه في الدنيا، لونه لون الدم، والريح ريح المسك، ووجد من بعض الشهداء في حال البرزخ من هذه حاله، لما نبشت بعض القبور بعد سنين طويلة في آخر عهد الصحابة نبشوا بعض القبور فوجدوا بعض المدفونين دمه يسيل، لما حرك جرحه سال، وشعره متوافر ولونه كهيئته وقت الحياة، وهناك قصص كثيرة ذكرها شيخ الإسلام وغيره تدل على هذا، قصص واقعية، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وفي هذا بيان فضل الشهداء، ومنزلتهم عند الله -جل وعلا-، وأن الشيء المستقذر المستقبح المنفور منه ينقلب بفضل الله -جل وعلا- إذا كان بسبب طاعة من طاعاته، أو عبادة من عباداته إلى محبوب كما أن خلوف فم الصائم مكروه عند الناس، الفم تنبعث منه رائحة كريهة، تنبعث منه روائح كريهة بسبب خلو المعدة، وتصاعد الأبخرة، تخلو المعدة فتنبعث الروائح المستقذرة المستكرهة عند الناس ((ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب عند الله من ريح المسك)) نعم.(56/14)
وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت)) أخرجه مسلم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)) أخرجه البخاري.
نعم هذا حديث أبي أيوب الأنصاري، ومثله حديث أنس، وكلاهما في بيان فضل الغدو والرواح في الجهاد والسير في أول النهار وفي آخره إلى الجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، وقد تقدم في الحديث الثاني نضيره، وكل هذا يدلنا على حقارة الدنيا بالنسبة إلى من تعلق بأمور الآخرة، وذكرنا أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها، وتكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، والدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، فليحرص الإنسان على ما ينفعه، نعم.
وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين وذكر قصة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قالها ثلاثاً.
نعم هذا حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجاء إلى حنين، يعني عام حنين سنة كم؟ سنة كم؟
طالب:. . . . . . . . .
ثمان، ثمان، بعد إيش؟ بعد الفتح، سنة ثمان.(56/15)
خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين، وذكر قصة مفادها: أنه رأى رجلاً من المشركين علا رجلاً من المسلمين، علاه، فرق بين علاه وعليه، نعم، علاه وكاد أن يقتله فجاءه أبو قتادة من ورائه فضربه بالسيف على عاتقه، فأرسل الصحابي فاتجه إلى أبي قتادة، فضمه ضمة شم منها رائحة الموت، ثم أدركه الموت فأرسله فمات، فأبو قتادة هو الذي قتل هذا المشرك "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قالها ثلاثاً" أبو قتادة قتل هذا المشرك، فقال: من يشهد لي أني قتلت فلاناً؟ من يشهد لي؟ قالها ثلاثاً، فجاء رجل فقال: صدق يا رسول الله، هو قتل الرجل وسلبه عندي، أخذته أنا، فقال: "لا لاها الله لا تعمدوا إلى أسد من أسود الله" .. إلى آخر الحديث، المقصود أنه لما شهد له أخذه منه -عليه الصلاة والسلام- وأعطاه إلى أبي قتادة، ففي هذا إغراء بقتل الأعداء ((من قتل قتيلاً)) لكن الدعاوى المجردة لا تقبل، لا بد أن يكون له عليه بينة، لا بد أن يأتي بمن يشهد له أنه هو الذي قتل فلان، قتل هذا المشرك.(56/16)
((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) وسلبه كل ما معه من عدة حرب وآلة وملبوس وفرس أو جمل أو أي مركوب، كل ما بيده له " ((فله سلبه)) قاله ثلاثاً" وفي هذا إغراء من النبي -عليه الصلاة والسلام- بقتال الأعداء، وأيضاً تشجيع للمقاتلين من المسلمين، لكن هل هذا حكم شرعي ثابت إلى آخر الزمان؟ يعني هذا حكم مقرر شرعاً بقوله: ((من قتل قتيلاً له سلبه)) قتيل أي قتيل في المعارك بين المسلمين والمشركين من يومه، من يوم أن نطق بهذا الحديث إلى آخر الزمان، أو أنه في هذه الغزوة؟ ويش يترتب؟ ما الذي يترتب على هذا؟ يترتب على هذا أنه لا يحتاج أن تقال هذه مرة ثانية، في كل غزة يعمد المسلم إلى الكافر فيقتله فيأخذ سلبه، ما يحتاج إلى أن يقال له مرة ثانية، لكن إذا قلنا: إن هذا مجرد إغراء في هذه الغزوة، وأن للإمام أن يقول مثل هذا الكلام، وله أن يقول: له ضعف سلبه، وله أن يقول: نصف سلبه، لكن إذا قلنا: له سلبه لا يزيد ولا ينقص خلاص الحكم شرعي، وإذا قلنا: إنه حكم طارئ مربوط بهذه الغزوة وللإمام أن يفعل مثلما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يرى أن المصلحة تنفيل السلب، فيقول: "من قتل قتيلاً فله"، "من قتل قتيلاً فله مبلغ كذا" مثلاً، "من قتل قتيلاً له أرض مساحتها كذا" من قتل .. إلى آخره، للإمام أن يقول ذلك، لكن إذا قلنا: إنه حكم شرعي ثابت نقول: يتقيد بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون من قتل قتيل فله سلبه، ولا يحتاج أن يقول الإمام هذا الكلام، مجرد ما يقيم البينة يمشي، يأخذ السلب ويمشي، والمسألة خلافية بين أهل العلم.
وعلى كل حال عند الجمهور يستحق السلب ولو لم يقله الإمام، استناداً إلى ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة، فكل يعمد إلى مشرك يقتله فيأخذ السلب، ومنهم من يقول -كالمالكية مثلاً-: إنه لا يستحقه إلا إذا قاله الإمام، نعم.
وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انفتل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اطلبوه واقتلوه)) فقتلته فنفلني سلبه.(56/17)
وفي رواية: فقال: ((من قتل الرجل؟ )) فقالوا: ابن الأكوع، فقال: ((له سلبه أجمع)).
نعم هذا حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله تعالى عنه- "قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- عين من المشركين" جاسوس، الجاسوس هو الذي ينقل الأخبار يسمونه جاسوس، ويسمونه عين "من المشركين" لينقل أخبار المسلمين إلى المشركين، وسمي عيناً؛ لأن جل عمله بعينه، الآن يمكن أن يكون الجاسوس أعمى؟ ممكن؟ معه مسجل صغير بجيبه وخلاص وما عليه وبعد يكون أعمى آمن له شوية، أقول: سمي لأنه يتطلب البصر في .. ، يعني في الأوقات الماضية يتطلب البصر؛ لأن البصر يعينه على كيفية إلقاء الأخبار، ويعينه على أمور لا تدرك في السمع، نعم أحياناً بعض التصرفات والذهاب والمجيء وكذا التي لا يدركه الأعمى يحتاجها الجاسوس، وهذا ينقل أخبار المسلمين إلى المشركين.
"فأتى النبي -عليه الصلاة والسلام- عين من المشركين، وهو في سفر" وجاء في صحيح مسلم أن ذلك في غزوة هوازن "فجلس عند أصحابه" جلس مع الصحابة هذا المشرك يتحدث "ثم انفتل" انصرف، سمع ما يكفي من الأخبار ثم انصرف، ليبلغ قومه أخبار المسلمين "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اطلبوه واقتلوه)) " هذا حكم الجاسوس يطلب ويقتل.
يقول سلمة بن الأكوع: "فقتلته فنفلني سلبه" قتلته؛ لأن سلمة بن الأكوع مشهور بإيش؟ بالسرعة، سرعة الجري، إذا كان موجود لا يحاول أحد، نعم معروف بسرعة الجري.
"فقتلته فنفلني سلبه" وفي رواية: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من قتل الرجل؟ )) فقالوا: ابن الأكوع، فقال: ((له سلبه أجمع)) " يعني جميع ما تركه هذا المقتول له ((له سلبه أجمع)) لو قتله قتل قتيل واستحق السلب، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((له سلبه أجمع)) وأنا أريد جثته، لماذا تريد الجثة؟ قال: أبيعها على كليات الطب وإلا التشريح وإلا غير ذلك، نعم؟ هل تدخل الجثة في السلب؟ لا تدخل الجثة في السلب.
قوله: ((له سلبه أجمع)) السلب ما يسلب، والجثة مسلوب منه وليست مسلوبة، مسلوب منها السلب وليست بمسلوبة.(56/18)
يقول النووي: فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق، الجاسوس الحربي يقتل باتفاق، وأما المعاهد فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف.
على كل حال الجاسوس الذي ينقل أخبار المسلمين، وما يضرهم نقله، هذا حكمه في الشرع، لكن لا بد من أن يأمر بقتله الإمام، وليس للأفراد أن يتصرفوا من تلقاء أنفسهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- .. ، ما قتلوه مباشرة، ما قتله الصحابة، جلس معهم، وتغدى، وجعل ينظر يمين وشمال، ويأخذ أخبارهم كما في صحيح مسلم، نعم، ما قتلوه، إنما قتل لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اطلبوه واقتلوه))، فالإمام هو الذي يأمر بهذا، وهذه من صلاحيات الإمام، نعم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية إلى نجد، فخرجت فيها، فأصبنا إبلاً وغنماً، فبلغت سهماننا اثني عشر بعيراً، ونفلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعيراً بعيراً.
يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية" وهي قطعة من الجيش لا يصحبها النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف الغزوة، الغزوة يكون معها النبي -عليه الصلاة والسلام-، "سرية إلى نجد" كان معهم ابن عمر "فخرجت فيها" يعني في هذه السرية "فأصبنا إبلاً وغنماً" يعني غنائم، مما غنموه الإبل والغنم "فبلغت سهماننا" يعني نصيب كل واحد، سهم كل واحد "اثني عشر بعيراً" يعني من هذه الغنيمة "ونفلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعيراً بعيراً" يعني الغنيمة لما قسمت عليهم بعد أخذ الخمس أصاب كل واحد منهم اثنا عشر بعير، لما قدموا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسلموه الخمس نفلهم، زادهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- كل واحد بعير، يعني تنفيلهم كل واحد بعير يأتي على الخمس كامل وإلا بعض الخمس؟ نعم؟ أو يزيد على الخمس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعض الخمس، يعني لو افترضنا أن هذه السرية مائة شخص، نعم، الغنيمة أربعة الأخماس ألف ومائتين، والخمس كم؟ صارت الأربعة الأخماس ألف ومائتين، والخمس ثلاثمائة، وأعطاهم نفلهم بعيراً بعيراً، يعني مائة بعير بقيت من الخمس مائتا بعير، نعم.(56/19)
فللإمام أن يزيد الغانمين تشجيعاً لهم، تشجيعاً لهم يزيدهم على ما يستحقونه من الغنيمة، نعم.
وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)).
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين)) " متى؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يوم القيامة ((يرفع لكل غادر لواء)) والغدر من صفات إيش؟ المنافقين ((وإذا عاهد غدر)) الغدر شنيع، فإذا ائتمنك خنته أو غدرت به، إذا أمنك تأتيه على غرة وتغدر به، أو تستدرجه فتغدر به، هذا من عمل المنافقين، ومن شأن المسلم أن يكون صادقاً واضحاً لا يخون ولا يغدر، يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه، ولا يخن من خانه.
قد يقول قائل: إن الغدر حتى في الجهاد محرم، ولذا أدخل المؤلف هذا الحديث في كتاب الجهاد، فماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحرب خَدعة))؟ الخاء كيف تضبط؟ خِِدعة وإلا خُدعة؟
طالب:. . . . . . . . .
هي مثلثة، والفتح لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في سنن أبي داود.
إيش الفرق بين الغدر هذا والخداع والخدعة ((الحرب خَدعَة))؟ طيب التورية، إذا أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- غزو قوم ورّى بغيرها، إذا أراد أن يروح للشمال يروح للجنوب، لكن ما يكذب -عليه الصلاة والسلام-، ولا يخون ولا يغدر، الغدر هذا بعد أن تؤمن الشخص تغدر به، هذا لا شك في تحريمه، أما قبل أن تؤمنه وتأخذه على غرة لا بأس، أغار النبي -عليه الصلاة والسلام- على بني المصطلق وهم غارون، يعني على غرة، أصابهم على غرة، فالغدر غير أخذ الشيء على غرة والخدعة.(56/20)
((يرفع لكل غادر لواء)) راية، وكان من طريقة العرب ومن شأنهم وديدنهم في الجاهلية أنهم يرفعون الألوية، لواء الوفاء أبيض، ولواء الغدر والخيانة أسود، فهذا يرفع لواؤه لتتجه الأنظار إليه فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان، والناس في القيامة إنما يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم، في قوله -جل وعلا-: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ} بإيش؟ {بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] يعني مقدمهم ومن يتبعونه، إن كان إمام هدى فهم على خير، وإن كان إمام ضلالة فهم على خلافه، وإمام هذه الأمة محمد -عليه الصلاة والسلام- ويدعى تحت لواؤه من اقتدى به، واهتدى بهديه، واستن بسنته.
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] منهم من يقول: إن الإمام هنا جمع أم فيدعى الناس بأمهاتهم ((هذه غدرة فلان بن فلان)) ما قال ابن فلانة، نعم، ابن فلانة، قال: ابن فلان، ومنهم من يقول: الناس يدعون يوم القيامة بإمامهم يعني أمهاتهم، فلان ابن فلانة، هل عرف أن الأم تجمع على إمام؟ لم يعرف، إنما تجمع على أمات وأمهات، طيب، ما الذي دعا من يقول: بأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم إلى أن يقولوا هذا الكلام؟ يقولون: تشريفاً لعيسى بن مريم؛ لأنه يدعى بأمه، يقال: عيسى بن مريم، وأيضاً تشريفاً للحسن والحسين، حينما يقال: الحسن بن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو الحسين بن فاطمة، عندهم أنه أقوى من أن يقال: الحسن بن علي؛ لشرف الانتساب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جاء في الحديث الصحيح: خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حامل أمامة بنت زينب، وهي بنت أبي العاص بن الربيع، فشرف الانتساب إليه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه مقدم.(56/21)
وقالوا: من العلل والحكم الستر على أولاد الزنا، فإذا قيل: فلان بن فلان، فلان بن فلان، فلان بن فلان، ثم قيل: فلان بن فلانة؛ لأن ولد الزنا ينسب لأمه، افتضح، فمن باب الستر على ولد الزنا، ومن باب تشريف من ذكر من عيسى والحسن والحسين، نعم يدعون بإمامهم، لكن هذا القول ضعيف، ضعيف جداً، فما في أحد يبي يتشرف بالانتساب إلى أمه مهما كانت أمه، إذا قيل: فلان ولد فلانة خلاص معناه عيب له، وشين له، وتنقص له بين الناس، فيدعى بأحب الأسماء إليه، لكن إذا تعذر لم يكن له أب حقيقة أو حكماً، حقيقة كعيسى، أو حكماً كأولاد الزنا، يدعى بما يعرف به.
فعلى كل حال ليس في هذا مستمسك لمن يقول: الناس يدعون بأمهاتهم، نعم.
وعنه أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي -صلى الله عليه وسلم- مقتولة، فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان.(56/22)
"وعنه" يعني عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- "أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي -صلى الله عليه وسلم- مقتولة، فأنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل النساء والصبيان" وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما كانت هذه لتقاتل)) ونهى عن قتل النساء والذرية، ونهي عن قتل الشيخ الفاني، والكبار الذين لا مشاركة لهم في القتال، فالنهي عن قتل النساء والذرية ثابت، لا يجوز بحال قتل النساء نساء الكفار ولا ذراريهم إلا إذا تترس بهم الكفار، إذا تترسوا بهم فإن هذا مما لا يتم الواجب إلا به، لكن إذا انحاز الكفار الرجال المقاتلون على جهة وغيرهم على جهة لا يجوز قتلهم، والدين دين عدل وإنصاف، فالذي لا يقاتِل لا يقاتَل، فعندنا النهي عن قتل النساء، وهنا أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل النساء والصبيان، وعندنا حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فماذا عن المرأة إذا ارتدت تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل؟ النبي نهى عن قتلها؟ أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل النساء؟ نعم؟ إذا ارتدت تقتل وإلا ما تقتل؟ يكون حديث: ((من بدل دينه)) خاص وهذا عام أو العكس؟ عموم وخصوص وجهي، النهي عن قتل النساء هذا عام في المرتدات والأصليات، لكنه خاص بالنساء، النهي عن القتل خاص بالنساء، لكنه عام في المرتدات والأصليات، و ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في الرجال والنساء، لكنه خاص بالمرتدين، هناك عموم وخصوص وجهي، يعني إذا قلت: نقتل المرتدة قال لك الحنفي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء، وإذا قلت: لا نقتل المرتدة، قال لك غيره: ((من بدل دينه فاقتلوه)) كلهم كلامهم صحيح، هذا عموم وخصوص وجهي، وعرفنا وجه العموم والخصوص فكيف العمل؟ يعني نحتاج إلى مرجح خارجي.
((من بدل دينه فاقتلوه)) هل يمكن أن يوجد مخصص لهذا العموم؟ يعني مرتد ما يقتل؟ وجد وإلا ما وجد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(56/23)
نعم ما وجد إلا محل النزاع اللي هو إيش؟ قتل المرأة، محل النزاع ما يدخل في التخصيص وإلا يلزم عليه الدور، ما يدخل في التخصيص محل النزاع، فعموم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، فهو فيه قوة بينما عموم النهي عن قتل النساء مخصوص بمخصصات كثيرة، يعني مقتضى النهي عن قتل النساء إذا قلنا بعمومه قلنا: إن المرأة إذا قتلت ما تقتل، وإذا زنت وهي محصنة ما ترجم، لكن إذا قتلت المرأة تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، وإذا زنت وهي محصنة ترجم، إذاً عموم النهي عن قتل النساء مخصوص، والعموم إذا دخله الخصوص ضعف، فيبقى عموم النهي عن قتل النساء ضعيف بالنسبة لعموم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فيقدم عليه، فتقتل المرأة إذا ارتدت، وتقتل إذا زنت وهي محصنة بالرجم، وتقتل إذا قتلت قتل عمد، فيرجح قول الجمهور في هذا.
الرواية التي تقول: ((ما كانت هذه لتقاتل)) يعني لو قاتلت المرأة؟ امرأة كافرة قاتلت مع الكفار؟ مفهوم هذه الرواية أنها تقتل، النهي عن قتل الشيوخ والكبار لما كان دريد بن الصمة له دور ورأي في القتال قتل، نعم، فمن كان يشارك في القتال يعامل معاملة المقاتلين فيقتل، نعم.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة لهما، فرخص لهما في قميص الحرير، ورأيته عليهما.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة لهما، فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيته عليهما" القمل، في بعض الروايات شكيا الحكة، والحكة ناشئة عن وجود القمل، فأحياناً يضاف السبب أو الحكم إلى سببه، وأحياناً إلى سبب سببه، السبب الحكة، وسبب السبب وجود القمل، فلا تنافر ولا تناقض، فإذا وجدت الحاجة التي لا ترتفع إلا بلبس الحرير أو استعمال المحرم، إذا وجدت الحاجة التي لا تترفع إلا باستعماله فالحاجة تقدر بقدرها، وتباح مثلها.(56/24)
النهي عن لبس الحرير ثابت بالنص، فهل يستباح ما ثبت تحريمه بالنص؟ تبيحه الحاجة أو الضرورة؟ نعم؟ دعونا من المنصوص عليه، المنصوص عليه أباحه النص، لكن لو شخص احتاج لبس حرير، احتاج إلى لبس الحرير، نعم، تحريمه من باب الوسائل فيباح للحاجة، فتبيحه الحاجة، لكن القاعدة أن ما حرم بالنص لا يبيحه إلا الضرورة، ما حرم بالإلحاق بالعمومات، بالقواعد، هذا تبيحه الحاجات، ومثل هذا الذي أباحه النص، النبي -عليه الصلاة والسلام- أباح .. ، أحياناً يبيح النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حرم، ما جاء النهي الصريح عنه لما هو أقل من حاجة، نعم، فإباحته تدل على صرف التحريم إلى الكراهة، نعم قد يحتاج الإنسان إلى ما حرم الله عليه، فيحتاج إلى الذهب أحياناً، يحتاج إلى الذهب، يصير في يده كسر، في رجله، في فخذه، في ظهره، فيحتاج إلى أشرطة من ذهب؛ لأن غير الذهب يصدأ، نعم؛ لتربط به هذه الكسور فيباح حينئذٍ؛ لأن هذه ضرورة، وعرفجة لما قطع أنفه وركب له أنف من فضة، وأنتن، ركب له أنف من ذهب، وهذه حاجة ملحة، بل ضرورة، نعم.
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالصاً، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعزل نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله -عز وجل-.
يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:
"عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "كانت أموال بني النضير" بنو النضير من اليهود، هذه الأموال فيء، مما أفاء الله على رسوله، والفيء ما يحصل عليه المسلمون من أموال الكفار بغير قتال "مما أفاء الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب" يعني حصل عليه من غير قتال، أموالهم ونخيلهم ومنازلهم، وكانوا بناحية المدينة، كانوا عاهدوا النبي -عليه الصلاة والسلام- نقضوا العهد، فحاصرهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فنزلوا على الجلاء، وأن لهم ما حملت الظهور، حملت الإبل إلا السلاح، فخرجوا إلى الشام، ونزلت فيهم سورة الحشر.(56/25)
هذا المال الذي جلوا وتركوه من بيوت، منازل، وأموال، ونخيل، هذه فيء، لا يستحق منها الغزاة شيء؛ لأنهم ما غزو، ما حصل قتال، فجميعها فيء، وكانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالصاً، لا يشركه فيها أحد، "فكان النبي الله -صلى الله عليه وسلم- يعزل نفقة أهله سنة" يدخل لهم قوت سنة من هذه النخيل ومن هذه الزروع يدخر سنة، ما يكفيهم سنة، "ثم يجعل ما بقي" من قيمة التمر والحبوب وأجور المنازل وغيرها يجعلها "في الكراع والسلاح" يعني يستعين بها على قتال الأعداء، يشتري بها الخيل والإبل، ويشتري بها سلاح "عدة في سبيل الله -عز وجل-" امتثالاً لقول الله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] لا بد من الاستعداد للعدو، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ما يدخر لأهله نفقة سنة من أموال بني النضير يتخذ الباقي في الكراع والسلاح، يستعد به في سبيل الله -عز وجل- لقتال أعدائه، فالله -جل وعلا- يقول: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] وجاء تفسير الآية بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) هو يستعد بكراع وسلاح، ويفسر القوة بالرمي، فهل معنى هذا أنه لا يوجد استعداد إلا بالرمي؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم تفسير العام بفرد من أفراده لا يقتضي التخصيص، تفسير العام بفرد من أفراده لا يقتضي التخصيص، وذكر هذا الخاص أو هذا النوع أو هذا الفرد من أفراد العام إنما هو للعناية به، والاهتمام بشأنه، وإلا القوة تشمل كل ما يستعان به على قتال الأعداء.
في الحديث جواز الادخار، وأنه لا ينافي التوكل، بعض الناس يقول: عندك رزق طعام يومك وغداً يأتي به الله، النبي -عليه الصلاة والسلام- أتقى الناس وأخشاهم وأوثقهم بربه يدخر قوت سنة، نفقة أهله سنة، وهو إمام المتوكلين، هذا سبب، بذل سبب من الأسباب، ومزاولة الأسباب لا تنافي التوكل، نعم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ضمر من الخيل، من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.(56/26)
قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل.
يقول أيضاً المؤلف -رحمة الله عليه-:
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ضمر من الخيل" أجرى، أجراها بنفسه أو أمر بإجرائها؟ أمر، فينسب الفعل لمن أمر به، كما تقول: الأمير ضرب زيد، ضربه بيده! أمر بضربه مثلاً، الأمير حفر بئر، حفر بنفسه؟ لا، أمر بحفرها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بإجرائها، بإجراء ما ضمر من الخيل "من الحفياء إلى ثنية الوداع" ما ضمر، يعني تعلف الخيل علف وفير كافٍ حتى تقوى وتشتد وتسمن، ثم بعد ذلك تضمر، يقطع عنها هذا، وتجلل وتدخل في مكان دافئ بحيث تعرق، ويقلل عليها الطعام، فتكون مضمرة، وهو أسرع وأقوى وأشد لعدوها "من الحفياء إلى ثنية الوداع" وهذا خمسة أميال أو ستة، يعني ما يقرب من عشرة كيلو، وهي تحتمل ذلك ولا يشق عليها ...(56/27)
عمدة الأحكام – كتاب الجهاد (2)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وهي تحتمل ذلك، ولا يشق عليها "وأجرى ما لم يضمر" الخيل التي امتلأت وبطونها مليئة بالأكل والشرب وما أدري إيش؟ التي تتعب من أدنى شيء، هذا مشاهد، يعني الناس يشاهدونه بأنفسهم، الخفيف ما يضره لا مشي ولا جري ولا شيء، والبدين يتعب، نعم وهذا موجود في المخلوقات كلها.
"وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق" وهذا ميل واحد، يعني أقل من كيلوين، كيلوين إلا ربع "وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق" وفي هذا جواز إضافة المساجد إلى بعض الناس، المساجد لله، المساجد بيوت الله، لكن يجوز أن تقول: مسجد الشيخ فلان، مثل هنا الشيخ ابن باز، أو مثلاً مسجد آل فلان، نعم، أو مسجد بني فلان، بني زريق، يجوز، والإضافة لأدنى مناسبة، لأدنى مناسبة إما لأنه إمام المسجد يضاف إليه، مؤذن قديم في المسجد يقال: مسجد فلان، نعم، أو عالم يدرس في مسجد يقال: في مسجد فلان؛ لأنه اشتهر بهذا العالم، أو لأنه بناه رجل من المحسنين فينسب إليه إلى غير ذلك، فالإضافة لأدنى مناسبة، وإلا فالأصل أن المساجد بيوت الله.
"قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى" ابن عمر حاضر في كل مناسبة فيها خير، ابن عمر عرض نفسه قبل الاحتلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليجاهد، فرده النبي -عليه الصلاة والسلام- استصغاراً له، ثم قبله بعد ذلك لما أكمل كما سيأتي، يُبادر، عرض نفسه قبل التكليف، فلما كُلف بادر، في كل غزوة، وفي كل مناسبة، وفي .. ، هو موجود حاضر -رضي الله عنه وأرضاه-.(57/1)
"وكنت فيمن أجرى، قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع: خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق: ميل" وجاء السَبَق، السبق يعني إيش؟ ويش هو السبق؟ الجعل الذي يجعل في المسابقة، في السباق، الأجرة، ما هي بأجرة، يعني لمن سبق، ((لا سبق إلا في خف أو نصل)) أو إيش؟ ((أو حافر)) يعني إلا فيما يستعان به على الجهاد، لا يجوز أخذ السبق إلا في هذه الأمور، ومنهم من يلحق العلم باعتباره باب من أبواب الجهاد، فيجعل فيه السبق، وما عدا ذلك يبقى على الأصل على المنع، وابن القيم -رحمه الله تعالى- أطال بحث هذه المسألة في كتابه الفروسية، وهل يلزم من إيجاد محلل طرف ثالث، أو يكون من الطرفين، أو يكون من ولي الأمر، أو ما أشبه ذلك؟ على كل حال يرجع إليه في مكانه، والحاجة داعية إلى مراجعة هذه المسألة؛ لأن المسابقات كثيرة، في أمور الدين، في أمور العلم، في أمور الجهاد، في غيرها، في أمور الدنيا، والجوائز الذي تجعل على بعض الأمور كثير منها لا يدخل في مباح، لكن لا بد من مراجعتها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
وعنه قال: عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(57/2)
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني" يعني لم يقبلني في المقاتلين؛ لأن الجهاد إنما يطلب له المكلف الذي جرى عليه قلم التكليف، "وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني" أحد سنة كم؟ نعم؟ في الثالثة، والخندق؟ كيف في أحد أربعة عشر وفي الخندق خمسة عشرة؟ إن كان ما بينهما إلا سنة واحدة، نعم؟ أو أربعة عشرة إلا شيء وجبر الكسر، وفي الخندق خمس عشرة وأشهر فألغي الكسر، طريقة عندهم يلغونها، فهذا الحديث يستدل به من يرى أن التكليف إذا لم يحصل بالإنبات والإنزال قبل ذلك أنه يكون بتمام الخامسة عشرة من السن، إذا احتلم الصبي لثلاث عشرة لثنتي عشرة كُلف وجرى عليه قلم التكليف، إذا أنبت لعشر أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة كُلف، لكن إذا لم يحصل له شيء حتى أكمل خمس عشرة سنة يكون مكلفاً استدلالاً بهذا الحديث، وقد عمل به أهل العلم، واعتمده عمر بن عبد العزيز، وعممه على عماله، فالتكليف بالنسبة للرجل يكون بتمام الخمس عشرة على هذا، وبالإنبات -إنبات الشعر الخشن- حول القبل، وأيضاً بالإنزال، بالاحتلام، وتزيد المرأة الحيض، هذه علامات البلوغ عند أهل العلم.
ينازع بعضهم في السن فمنهم من يقول: لا يبلغ حتى يستكمل السبع عشرة، ومنهم من يقول: لا يبلغ حتى يكمل الثامنة عشرة، لكن الذي يدل عليه الدليل هذا الحديث، هذا الحديث هو عمدة في هذا الباب، ولذا كان أرجح الأقوال في هذه المسألة أن البلوغ يكون بتمام خمس عشرة، يعني الآثار المترتبة على هذا الخلاف سهلة وإلا صعبة؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(57/3)
صعبة جداً، يعني فرق بين من يقول: إنه لا يبلغ إلا في الثامنة عشرة، وبين من يقول: إنه لا يبلغ إلا في الخامسة عشرة، يعني خلال الفرق ثلاث سنوات تصرفات هذا .. ، التصرفات في هذه المدة في الفرق بين الخامسة عشرة والثمانية عشرة، يعني عند من يقول: لا يبلغ إلا في الثامنة عشر تصرفات صبي لا يؤاخذ عليها، ولا يقتل إذا قتل؛ لأنه غير مكلف، بينما عند من يقول: إنه يبلغ في الخامسة عشرة الذي يقول: إنه لا يبلغ إلا في الخامسة عشرة يقول: إنه مكلف، شأنه شأن الكبار، من أكمل الخامسة عشرة مثل الأربعين والستين والسبعين لا فرق في المؤاخذة.
ومما يرجح القول بأنها خمسة عشرة أن الاحتلام لا يتعدى هذا السن إلا نادراً، لا يتعدى الخمس عشرة إلا نادراً، ولذا جُعلت في الغالب الأعم الأغلب، كما أن أمر الصبي إذا استكمل سبع سنين بالصلاة؛ لأن التمييز لا يتجاوز سبع إلا نادراً، والشرع يضع سن تشمل الجميع، لو علق الأمر بالصلاة على التمييز، أو علق التكليف بالاحتلام فقط، وهذه أمور خفية، تجد صبيان عشر سنين، إحدى عشرة، تسع سنين، يلعبون عند باب المسجد، وإذا قلت لواحد منهم: صل، قال أبوه: والله ما بعد ميز، نعم، وتجد آخر حريص يأتي بالطفل أبو سنتين وثلاث ويؤذي الناس في المسجد ويقول: مميز، من حرصه، وذاك من إهماله، نعم، فلذا جعل الحد للجميع، الذي لا يتعداه إلا القليل النادر، دون تمييز وهو السبع، وقل مثل هذا في الخمس عشرة، لا يتعدى الخمسة عشرة، ولما يحتلم إلا القليل النادر، والقليل النادر لا حكم له، نعم.
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم في النفل: للفرس سهمين، وللرجل سهماً.(57/4)
النفل هنا يقول: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم في النفل" النفل واحد الأنفال "للفرس سهمين، وللرجل سهماً" المراد بالنفل هنا الغنيمة، يعني من الغنيمة عند قسم الغنيمة يقسم للفرس سهمين، وللرجل سهم، فيكون الفارس له ثلاثة أسهم، سهمان لفرسه وسهم له، والراجل ليس له إلا سهم واحد، وقد يقول قائل: كيف تكون بهيمة أفضل من الآدمي؟ يعني المسألة مسألة أثر في الحرب، يعني هل الرجل الذي يمشي على رجليه مثل الذي على فرس؟ يعني أثر هذا مثل أثر هذا؟ لا، أنت تصور المسألة في طالب معه كتاب ويحضر الدرس ويعلق، نعم، وزميله ما معه كتاب، جاء بدون كتاب، وحافظته ما تسعف لأن يحفظ ما يقال، كيف تتصور فائدة الذي أحضر الكتاب وعلق وتابع مع الشيخ، والثاني اللي جاء بس يدلدل يديه ما معه شيء، يعني تصور فائدة هذا ثلث فائدة هذا؟ أقل، أقل بكثير، نعم إن كانت الحافظة تسعف ويحفظ كل ما يقال هذه مسألة ثانية، ولذا الطالب الذي يحضر مجالس العلم دون كتاب ودون عناية كساع إلى الهيجاء بغير سلاح، نعم، لا بد من الاهتمام.
فأقول: المسألة مسألة أثر، فتأثير المقاتل الذي على آلة تعينه على الكر والفر، وتعينه على النكاية في الأعداء أفضل بكثير من الراجل الذي هو طعام لسلاح الأعداء في الغالب، فمثل هذا لا يغني مثل ذاك، ويبقى أن الناس يتفاوتون، بعض الناس على فرس، لكن المسألة أحكام غالبة، الشرع إذا أتى بحكم يشمل يمكن يطبق على الناس كلهم، ولا تأتي أحكام تخص فلان وعلان، كل واحد يحتاج إلى نص يخصه لولا هذا، لكن الشريعة تأتي بقواعد عامة تشمل الجميع، وإلا قد يوجد شخص مثل سلمة بن الأكوع ولو بدون فرس، يلحق العدو ويقتل العدو، رجل ما شاء الله عُرف، لكن مثل هذا يخص من الخمس، أما بالنسبة للغنيمة فهي تقسم بين الغانمين على السوية، وكل له أثره وغَناؤه.(57/5)
"وللرجل سهماً" والحديث مفاده الحث على اكتساب الخيل، واتخاذها للغزو، لما فيها من إعلاء كلمة الله، والنكاية في العدو، ولذا جاء الترغيب فيها، وجاء في الحديث الصحيح: ((أنها لقوم أجر، ولقوم وزر، ولرجل ستر)) له أجر إذا ربطها من أجل الجهاد، مثل هذه كل تصرفات هذه الفرس تشرب الماء وأنت ما أنت بحاضر ولا نويت ولا شيء لك أجر، تأكل طعامها وأنت ما نويت هذا الطعام ولا .. ، نيتك العامة تجعل لك أجر في جميع تصرفات هذه الفرس، أما من يرصدها فخر وخيلاء ونواء للإسلام وأهله هذا عليه وزر -نسأل الله السلامة والعافية- ففي هذا الحث على اتخاذ الخيل، نعم.
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش.
"وعنه" يعني عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش" تقدم أن هناك سرية خرجت إلى نجد في الحديث السابق، وأصابوا إبلاً وغنماً فبلغت السُهمان ... ، ونفلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، زادهم على ما يستحقونه من الغنيمة، فهذه السرايا التي تبعث قطعة من الجيش تنبعث إلى العدو دون أن ينهض الجيش الذي فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والذي فيه الإمام، هؤلاء يستحقون زيادة عن غيرهم ممن لم ينبعث إلى العدو إلا مع الإمام، فهم يستحقون الزيادة بهذا لزيادة عملهم، نعم.
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(57/6)
"وعن أبي موسى عبد الله بن قيس –الأشعري- رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) " يعني حمل السلاح لقتال المسلمين موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب -نسأل الله السلامة والعافية-، القتل شأنه عظيم، فمن حمل السلاح على المسلمين وراعهم، وسعى في اختلال أمنهم يندرج تحت هذا الحديث ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) والخارجون على الإمام لا يخلون من أحوال، فإن كان مع خروجهم على الإمام مصحوب بتكفير للمسلمين، بمجرد ارتكابهم بعض الذنوب والكبائر فهؤلاء خوارج، حكمهم حكم الخوارج، إذا صحب حملهم السلاح ورأوا السيف على المسلمين، وكفروهم بالذنوب هؤلاء هم الخوارج، إن حملوا السلاح على المسلمين، وشقوا عصا الطاعة، وخرجوا على الإمام، ولهم شوكة ومنعة، ولهم تأويل سائغ هؤلاء هم البغاة.
هؤلاء إن حملوا السلاح على المسلمين، وخرجوا عن طاعة الإمام، وليست لهم شوكة ولا منعة هؤلاء هم قطاع الطريق، ولكلٍ من هذه الأصناف ما يخصهم من حكم، الخوارج لهم حكم عند أهل العلم، البغاة لهم أحكام، قطاع الطريق لهم أحكام، هذا تفصيل هذه المسألة عند أهل العلم.
وإذا تكلم الإنسان يتكلم بدقة، فحكم قطاع الطريق لهم أحكام، ومقاتلة الجميع من هذه الفئات الثلاث واجب، إذا قاتلوا قتالهم واجب، بل من أوجب الواجبات على ولي الأمر، وكف أذاهم عن المسلمين أمر لا بد منه، لكن كل له ما يخصه من حكم، والشرع ما أهمل شيء، ونزل كل تصرف له منزلته في الشريعة، وكل عمل له حكمه في الشرع.(57/7)
((من حمل علينا السلاح)) يعني من أجل قتالنا ((فليس منا)) أما إذا كان مستحلاً لذلك، مستحلاً لقتال المسلمين وقتلهم هذا على ظاهره، الحديث على ظاهره يخرج عن الإسلام، يكفر بذلك، إذا استحل ذلك كفر؛ لأنه استحل أمراً معلوماً من الدين بالضرورة فيكفر، إذا كان مستحلاً لذلك، استحل قتل المسلمين، والقتل شأنه عظيم، ولذا قرن بالشرك، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] فالشرك شأنه خطير، من أعظم ما يخل بالأمن الشرك، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] فمن أعظم ما يخل بالأمن الشرك، ثم يليه القتل، {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] جاء في آية النساء: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] و ((لا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) فالقتل شأنه عظيم، وأمره خطير، والثالث الذي قرن بهذين الأمرين لعظمته أيضاً الزنا، فالزنا شأنه عظيم، {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] كما يجب إنكار الشرك يجب إنكار القتل، يجب إنكار الزنا، يجب تغيير هذا المنكر باليد إن أمكن، وهذا لولي الأمر، إن لم يمكن فباللسان وهذا لمن عرف الحكم من أهل العلم وطلاب العلم، الذي لا يستطيع شيئاً معذور، في القلب، لكن الذي لا ينكر هذه الأمور بالقلب ليس عنده أدنى شيء من إيمان -نسأل الله السلامة والعافية-، نعم.
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله -عز وجل-؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).
يقول -رحمه الله تعالى-:(57/8)
"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل" يعني جنس الرجل الموصوف بما ذُكر، الرجل الذي يقاتل شجاعة، والرجل الذي يقاتل حمية، ويقاتل رياء، وشجاعةً وحميةً ورياءً إعرابها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم مفعول له، مفعول لأجله، يقاتل لأجل الشجاعة، ويقاتل لأجل الحمية، ويقاتل لأجل الرياء، أي ذلك في سبيل الله؟ جاءت القاعدة العامة في الجهاد؛ لأن هناك أصناف، يمكن يرد أصناف لم تذكر؛ لأن الأصناف ليست حاصرة، جاءت القاعدة العامة لكي تخرج جميع ما يمكن أن يقال أو ما يمكن أن يقاتل من أجله؛ لأن البواعث على القتال كثيرة جداً، لا يمكن أن تحصر، فجاء الجواب العام الذي يخرج جميع الصور ما عدا الصورة المثبتة ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله -عز وجل-)) ويبقى أن هناك صور من القتال يقتل فيها الإنسان ولا يريد بذلك إعلاء كلمة الله، ومع ذلك تثبت له الشهادة، من قتل دون نفسه، من قتل دون دمه، من قتل دون ماله، من قتل دون عرضه، كل هؤلاء شهداء، لكن الكلام في القتال الذي هو الجهاد، والكتاب كتاب الجهاد، وهذه القاعدة إنما هي في الجهاد، فـ ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) هذا الذي تثبت له أحكام المجاهد.(57/9)
"الرجل يقاتل شجاعة" يعني إما ليقال: شجاع، وهذا قد ينتحله من لم يكن شجاع، لكن يتشجع ليقال: شجاع، أو يقاتل من اتصف بالشجاعة ومثل هذا هو شجاع، يذم إذا كان شجاع؟ يقاتل لإعلاء كلمة الله تعالى؛ لتكون كلمة الله هي العليا وهو شجاع، يعني كونه موصوف بالشجاعة يؤثر وإلا ما يؤثر؟ أو هذا مطلوب في القتال؟ هذا مطلوب في القتال، لا لذات الشجاعة، فالشجاعة مطلوبة، لكن بعض الناس إما يقاتل ليقال: شجاع، سواء اتصف بالوصف أم لا، وإما أن يقاتل والباعث له على القتال الشجاعة فقط، رجل شجاع، متهيئ للقتال باستمرار، يسمع الهيعة، يسمع الصيحة، يسمع الدعوة للجهاد فيخرج من غير قصد؛ لأن من جبل على شيء يصرفه هذا الشيء من غير قصد، من جبل على شيء يصرفه هذا الشيء، فسمع: الجهاد الجهاد، فاخترط سيفه ومشى؛ لأنه شجاع، من غير قصد لإعلاء كلمة الله، هذا يقاتل شجاعة، ومن قاتل ليقال: شجاع هذا أيضاً أحد الثلاثة الذين سبق ذكرهم، الذين هم أول من تسعر بهم النار، فكونه متصف بالشجاعة ويقاتل لإعلاء كلمة الله -جل وعلا- هذا داخل فيمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، بل دخوله أولي؛ لأن هذا وصف مطلوب، إنما الوصف المذموم الذي يقاتل شجاعة إنما أن يكون الباعث له الشجاعة من غير نظر إلى قصد إعلاء كلمة الله، أو ليقال: شجاع وهذا أسوأ.(57/10)
"ويقاتل حمية" عصبية لجنس أو لعرق أو لمذهب أو .. ، يقاتل حمية، لا يقصد بذلك إعلاء كلمة الله -جل وعلا-، هذا أيضاً مذموم "يقاتل رياءً" وهذا هو المناقض للقاعدة العامة التي أجاب بها النبي -عليه الصلاة والسلام- مناقضة تامة، يقاتل رياء، إنما نهزه وبعثه على القتال مراءاة الناس، ليقال: خرج فلان مجاهداً في سبيل الله، والأمر ليس كذلك، لكن لو خرج للجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله لتكون كلمة الله هي العليا ثم طرأ عليه الرياء فهذا كغيره من العبادات، إن استرسل معه إلى نهاية العبادة هذا يبطل العبادة، إذا طرأ عليه ثم جاهد نفسه وطرده هذا لا يؤثر، فالذي لا ينهزه إلا الرياء -نسأل الله السلامة والعافية- هذا الشرك الأصغر، وهذا أمر خطير، هذا شرك، لكن إذا خرج للجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، ثم طرأ عليه هذا الرياء، ثم جاهد نفسه وطرده، هذا لا يؤثر إن شاء الله تعالى، وقلّ أن يسلم منه أحد، أما إذا نهزه الرياء فهذا أمر عظيم خطير، أو طرأ عليه الرياء ثم استمر معه إلى النهاية، فالفضل الذي ورد في النصوص في الكتاب والسنة الدالة على فضل الجهاد إنما هو من تنطبق عليه هذه القاعدة: ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).(57/11)
يقاتل شجاعة، يقاتل حمية، يقاتل رياء، الذي يقاتل للمغنم، أو يقاتل لأن هذه وظيفته، موظف في الجيش، عسكري في الجيش، جاء القتال فقيل له: هذه وظيفتك اشتغل يا الله، أو قاتل للمغنم، هذا ليس مثل الذي يقاتل رياءً، لا شك أن فيه تشريك، فيه شيء من التشريك تشريك العبادة بغيرها، لكن إذا شرّك الإنسان ما دل الشرع على جواز تشريكه نعم، العمل صحيح وإن نقص أجره كالمغنم، طيب هذا قاتل لينال الشهادة فيدخل الجنة، في آخر سورة الكهف، آخر آية في سورة الكهف، هاه؟ {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [(110) سورة الكهف] قال بعضهم: إن الذي يعمل يصلي ويصوم ويتعبد لله -جل وعلا- رجاء ثواب الجنة أو خوف من النار هذا أشرك؛ لأنه ما عمل لله -جل وعلا- إنما عمل من أجل خلاص نفسه، عمل ليدخل الجنة، عمل لينجو من النار، لكن من الذي أوجد الجنة والنار؟ من الذي مدح الجنة وأثنى على أهل الجنة؟ من الذي ذم النار وذكر شناعة النار وعظم النار؟ هو الله -جل وعلا-، ذكره لهذه الأمور عبث وإلا من أجل أن تدخل في القصد؟ نعم؟ ترون محل دقيق جداً، مثل هذا دقيق جداً، ولا يشرك {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} يعني خالصاً لله -جل وعلا- {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [(110) سورة الكهف] نكرة في سياق النهي فتعم أي شيء، لكن الذي يتعبد من أجل أن يدخل الجنة أو يتعبد لينجو من النار هذا مشرك وإلا لا؟ الله -جل وعلا- الذي مدح الجنة وأهل الجنة، وذكر ما أعده لأهل الجنة، ووصف النار وحذر منها، وذكر ما أعد فيها للعصاة وللمشركين كلامه ليس بعبث، فملاحظة مثل هذا لا يؤثر، ونظير ذلك لو هددك من يملك أو يستطيع أذاك، وبيده سيف خوفُك من السيف أو من الذي يحمل السيف؟ نعم؟ الذي يحمل السيف، فأنت إنما خفت الله -جل وعلا- الذي أوجد هذه النار التي يعذب بها، فخوفك من عذابه خوف منه؛ لأنه يوجد الآن من بعض المتصوفة من يتحدث حول هذه الآية، ويدخل فيها كل شيء، ليتعبد بالمحبة، لا خوف ولا رجاء، وأهل العلم يقررون أن من يتعبد بالمحبة فقط فهو زنديق، يقول: إذا(57/12)
تعبدت تخوف، أو تعبدت رجاء فأنا أشركت، ولاحظت حض نفسي، ولم أعبد الله خالصاً، أنا عبدته من أجل الجنة أو النار، نقول: لا يا أخي، أنت لا تعبد الجنة ولا تعبد النار، ولا تخاف النار لذاتها، ولا ترجو الجنة لذاتها، إنما ترجو من أعدها، وتخاف من أعدها، فهذه من الدقائق التي ينبغي أن يتنبه لها.
((كلمة الله)) هي لفظ الشهادة التي يدخل بها الناس الإسلام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) هذه كلمة الله ...(57/13)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب العتق
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال -رحمه الله تعالى-:
كتاب العتق
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق)).
العتق: تحرير الرقاب وتخليصها من الرق، والرق يعرفه أهل العلم بأنه: عجز حكمي يقوم بالمرء سببه الكفر، السبب الأصلي الكفر؛ لأن الأرقاء إنما يسترقون في الجهاد في السبي، هذا الأصل ثم يتوالدون، وهو عجز حكمي، من الأرقاء من هو أقوى حقيقة من أكثر الأحرار، لكنه عجز حكمي، تقييد لتصرفات هذا العبد المسترق، وجاء فضل العتق، عتق الرقاب، وتشوف الشرع لعتقها، وجعله كفارة لكثير من المخالفات، كفارة مقدمة في كثير من المخالفات، وجاء الحث عليه {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [(11) سورة البلد] {فَكُّ رَقَبَةٍ} [(13) سورة البلد] يعني عتق ((من أعتق عبداً أعتقه الله به من النار، ومن أعتق امرأتين كانتا فكاكاً له من النار)) وهذا من المواضع التي فيها المرأة على النصف من الرجل، في العتق، عتق امرأتين يعادل عتق رجل واحد؛ لأن المواضع خمسة هذا منها، ومنها الإرث، ومنها الدية، ومنها الشهادة، هاه؟ الإرث، والعتق والدية والشهادة، بقي خامس، كيف العقيقة؟ خمس ((فمن أعتق امرأتين كانتا فكاكاً له من النار)) وجاءت النصوص الكثيرة المتوافرة بفضل العتق وهو تحير الأرقاء، وتخليصهم من الرق، وجاءت نصوص في الكتاب والسنة تدل على فضله.(58/1)
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعتق شركاً له في عبد)) " شخص يملك ربع عبد، ثلث عبد وله فيه شريكان أو ثلاثة " ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل)) " يعني هذا العبد له ربعه، والعبد بأربعة آلاف، إن كان عنده ثلاثة آلاف نعم ((فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوم عليه قيمة عدل)) يعني قيمة العبد أربعة آلاف ولك ربعه، وعندك ثلاثة آلاف، عندك مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطى الشركاء حصصهم، يعطي الشريك ألف، والثاني ألف والثالث ألف، وعتق عليه العبد، هذا إذا كان له مال، لماذا؟ لأن الشرع يتشوف إلى الحرية التامة، إلى تحرير الأرقاء؛ لأن كونه مبعض لا يزال عبد ليس بحر، تصرفاته محدودة، ومشغول بخدمة أسياده، وقد جاء ما يدل على فضل الرق، يعني كون الإنسان رقيق، العبد المملوك له أجران، إذا وفى حقوق الله -جل وعلا-، وحقوق سيده، في الحديث الصحيح: "لولا الجهاد -وبر أمي- لأحببت أن أموت وأنا مملوك" لكن هذا قرر أهل العلم أنه مدرج من كلام أبي هريرة، على كل حال الشرع لا يظلم فكون الإنسان حر لا شك أن هذا أكمل في الميزان الشرعي، والعبودية نقص، لكن في مقابل هذا النقص شرع في الشرع أمور، كما أن الذكورة كمال والأنوثة نقص، وشرع في الشريعة جاء في شريعتنا -ولله الحمد المبنية على العدل والإنصاف- ما يسد هذا النقص، فكون المملوك له أجران هذا إهدار لهذا الشخص الذي حكم عليه من غير يد منه ولا قدره له على التحرير، كونه يجب له النفقة على سيده، والمرأة تجب عليها النفقة على زوجها أيضاً هذا من عدل الإسلام، يعني تصور لو كان مملوك ونفقة سيده عليه، ونفقة أولاد سيده عليه هذا ظلم، ما يأتي الشرع بمثل هذا، ولا يجوز أن يكلف العبد ما لا يطيق، ولا يجوز أن يهان، ولا أن يضرب، ولا أن يعير، نعم إذا أخطأ نعم، وجاء في الزانية الأمة إذا زنت ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها)) خفف عنها حتى الحد، عليها نصف حد، لماذا؟ في مقابل ما هي فيه من امتهان من قبل أسيادها، فهذا تخفيف من الشارع عليها ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجلدها الحد(58/2)
ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليبعها ولو بظفير)) فالشارع يعني وضع هناك أمور تقابل هذا النقص، لا شك أن الرجل في الجملة أكمل، مع أنه يوجد في النساء من هي خير من كثير من الرجال، لكن المسألة تفضيل إجمالي، كما أنه يوجد في العبيد من هو أفضل من ألف من سيده في الميزان الشرعي، ومع ذلك الشرع لم يهمل حقوق الأرقاء، ولو نظر إلى المسألة بعين البصيرة لوجدنا الفرق ليس بكبير بين السيد وعبده؛ لأن الكل عبيد لله -جل وعلا-، إذا كان لا يجوز له أن يضرب العبد إلا إذا أخطأ، لا يجوز له أن يجرؤ عليه بقطع شيء من أعضائه، لا يجوز له أن يتصرف فيه إلا ضوء التصرف .. ، ومع ذلك يطعمه مما يطعم، ويكسوه مما يلبس، محل عناية واحترام، لكن وجود مثل هذا التفاوت ليتم عمار الكون، ليتم عمارة الأرض التي استعمرنا الله فيها، فلولا هذا التفاوت، لو كان الناس كلهم طبقة واحدة، كل واحد ممن على وجه الأرض يملك مليون، ما في فقير ولا غني، كلهم يملكون مبلغ واحد، وكلهم طولهم واحد، ولونهم واحد، ومحبتهم لطعام واحد، وشراب واحد، وما يريدون من أوصاف النساء واحد، بل النساء وصفهن واحد، يمكن يتم العمار، عمارة الكون تتم بهذا؟ ما يمكن، ولذلك العوام يقولون: لولا اختلاف الأنظار بارت السلع، صحيح، يعني لو أن الناس كلهم محتاجين إلى نوع واحد من الطعام، كلهم ما يأكلون إلا هذا النوع بقية السلع تجلس، وهذه يصير عليها قتال، يعني لو تأمل الإنسان بدقة وجود هذه الفروق، يعني تصور مثلاً أنتم بالطائف الجو عندكم جميل هذه الأيام، تصور ناس في بلد من البلدان الحرارة خمسين، والرطوبة ما أدري إيش؟ حياة يمكن يتمنى الإنسان يخرج منها، لو كل الناس اجتمعوا على هذا البراد تقاتلوا، لكن عمارة الأرض، البلد الفلاني ذاك اللي عنده الرطوبة والحرارة، قرف يعني عندهم، ومع ذلك ما يبيع ولا يشري ببلده، الله -جل وعلا- رغبه في هذه البقعة لئلا يتقاتل الناس، يعني لو تصور الإنسان تفرق الصحابة وهم الصحابة في الأمصار مع علمهم يقيناً أن الصلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، كان الصحابة كلهم في مكة أو في المدينة على أقل الأحوال تركت البلدان الأخرى، تتم عمارة الأرض بمثل هذا؟ ما تتم، فتفاوت(58/3)
الموجود حكمة إلهية من أجل التكامل، والسعي لإلغاء ما شرعه الله -جل وعلا- معارضة لهذه الحكمة، والطعن في التشريع أيضاً إلحاد، نصوص صحيحة صريحة قطعية تبين أن جنس الرجل أفضل في الجملة من جنس المرأة {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران] {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] نصوص قطعية ما لأحد كلام، لكن يبقى أن كل إنسان وعمله، امرأة اجتهدت أكثر من رجل هي أفضل من الرجل، يعني حققت العبودية أكثر من تحقيق هذا الرجل، هي أفضل منه، لكن في الجملة الكمال في الرجال أكثر، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا)) عدد يسير، فالذي له شرك في عبد، يعني ثلث عبد، ربع عبد إذا أعتق إن كان له مال لا شك أنه يلزمه أن يعطي. . . . . . . . .
ليس من تحقيقه، هذا تشوف، هذا بين المسلمين الذين يتدينون بالأوامر والنواهي، فهم المأمورون بالعتق، ويبقى أن الأصل مشروع، الرق موجود، وحكمه شرعي، ترتبت عليه أحكام، وبعض الناس يقول: لا داعي نقرأ كتاب العتق، لماذا؟ لأنه لا يوجد أرقاء الآن، فلا داعي لنقرأ أحكام الرق، نقول: لا يا أخي، إذاً نقول للرجل: ليش تقرأ كتاب الحيض؟ في يوم من الأيام تبي تحيض، لا تقرأ، والمرأة لا تقرأ كتاب الجهاد، لا تقرأ، مش صحيح ((ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) إيش معنى الدين؟ الدين بجميع أبوابه، عن الإيمان والإسلام والإحسان قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فالدين يشمل جميع الأبواب، ومنها هذا الباب، فالذي لا يتفقه في الدين فقهه ناقص، الذي لا يتفقه في كتاب العتق فقهه ناقص، أنه باب من أبواب الدين، نعم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أعتق شقصاً من مملوك فعليه خلاصه في ماله، فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، ثم استسعي غير مشقوق عليه)).
استسعي العبد أو ما عندك؟(58/4)
أن يملك، في من أعتق الشقص وهو يملك قيمة الباقي، الحديث الثاني عن أبي هريرة في من أعتق الشقص النصيب، وهو لا يملك، قلنا في الصورة الأولى: يعتق؟ يعتق، نقول: هل يعتق على الجميع من دون أن يعتقوا؟ لا هذا ظلم لهم، إخراج لملكهم من غير طوعهم ولا اختيارهم، أنت خرجت بطوعك واختيارك كثر خيرك، عندك قيمة الباقي؟ لا والله ما عندي، ما عندي إلا ها الربع، نقول: كثر خيرك، خلاص الباقي على من؟ هل يلزم الثلاثة بأن يعتقوا مجاناً؟ لا، لا يلزموا، فعليه خلاصه كله في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل، هو المملوك السابق أبو أربعة آلاف، يبقى ثلاثة آلاف استسعي العبد، يحصل يومياً يحصل مائة ريال، تحصل مائة ريال تعطي هؤلاء كل واحد ثلاثة وثلاثون يومياً، أو تأخذ ما يكفيك منها، تأخذ عشرة عشرين طعام، وتوزع الباقي على هؤلاء الثلاثة. . . . . . . . .
لا بد تحصل خمسمائة؛ لأن المشقة تدعوه إلى أمور ارتكاب مخالفات، يمكن تضطر إلى سرقه، الآن أهل الليموزينات لما يقرر عليهم مبلغ يقال: عليك مائة ريال يومياً يستطيع المائة، لكن لو قيل: عليك. . . . . . . . . يسيء إلى الناس، يعني تصور هذا العبد لا يستطيع أن يكتسب إلا مائة، نقول: هذه مائة، عشرين ثلاثين يكفيك أكل؟ يكفي، سبعين توزع على الثلاثة حتى ينتهي نصيبهم، وهذا معنى ثم استسعي العبد غير مشقوق عليه، نعم.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: دبر رجل من الأنصار غلاماً له، وفي لفظ: بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً من أصحابه أعتق غلاماً عن دبر لم يكن له مال غيره، فباعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بثمانمائة درهم، ثم أرسل ثمنه إليه.
آخر كتاب العمدة في الأحكام.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب بيع المدبر
والتدبير: تعليق العتق بالموت، يعني فيه شبه كبير من إيش؟ من الوصية، الوصية التي لا تنفذ إلا بالموت، المدبر إذا قال: إذا مت فهو فلان حر، إذا مت فبكر حر، أو زيد حر، أو بلال حر.(58/5)
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: دبر رجل من الأنصار غلاماً له" يعني إذا مات فهو حر، علق عتقه على وفاته "وفي لفظ: بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً من أصحابه أعتق غلاماً له عن دبر لم يكن له مال غيره" تصور أنه يملك ألف ريال، فأوصى إذا مات هذه الألف تصرف في كذا، يمضي وإلا ما يمضي؟ الوصية لا تزيد على الثلث إلا إذا أجاز الورثة، وهذا لا يملك إلا هذا الغلام فيحرم الورثة من هذه التركة بسبب تصرف .. ، لو أعتقه فوراً في حياته يكون كمن أوقف وقفاً منجزاً، لكن هذه أعتقه عن دبر بموته انتقل المال منه إلى الورثة، ما يملك خلاص، لو أعتقه في مرض موته المخوف، لو أوصى بأكثر من الثلث في مرض موته المخوف ما تنفذ الوصية؛ لأنه المظنون به أنه يقصد بذلك حرمان الورثة، فيعامل بنقيض قصده، فهذا أعتق غلاماً عن دبر لم يكن له مال غيره، والمال بموته ينتقل، ينتقل هذا العبد ينتقل بموته إلى ورثته، فباعه بثمانمائة درهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- باع هذا الغلام بثمانمائة درهم، ثم أرسل بثمنه إليه، أنت ما عندك مال فكيف تفوت هذا المال على نفسك وعلى ورثتك؟ ((إنك إن تدع -كما في حديث سعد- ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس)) فالوصية بأكثر من الثلث لا تجوز، هذا ليس له مال ألبتة، ليس له مال غيره، هو محتاج إلى نفقة، وهذا حكم من يخرج من جميع ماله، كما فعل أبو بكر في حياته، شخص يملك مائة ألف وقال: هذه مائة ألف في سبيل الله هو لا يملك غيرها، والناس منازل يتفاوتون ومراتب، من قدر على أن يصنع مثل ما صنع أبو بكر، وعنده من اليقين والتوكل والاعتماد على الله -جل وعلا- مثل ما عند أبي بكر الله يقويه، لكن أنه يبقي شيء من هذا المال يتقوت منه، ولا يتكفف الناس خير له، ومثله لو علق ذلك بموته، فأن يدع ورثته أغنياء خير من أن يدعهم عالة يتكففون الناس، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(58/6)