الشاهد أحد الشاهدين أو هما معاً، كذبا في شهادتهما، يأثم القاضي؟ ما يأثم المقدمات الشرعية والتحري المطلوب بذل، وما وراء ذلك هو بشر، يحكم على نحو ما يسمع، وهنا عندنا مقدمات شرعية، بحيث لو أخطأت هذه البينة لا يأثم الناس ولو صاموا ثمان وعشرين، ثم أكملوا يوماً بعد العيد، لذلك يكثر الكلام قبيل رمضان والقيل والقال والصحف ويتكلم أهل العلم وغيرهم في هذه المسألة، ويتدخل بعض العوام الذي يهمه شأن عباداتهم؛ لكن عن جهل، يقول: ما الذي يضر أن يصوم الناس زيادة يوم أو يومين؟ ما يضر، حتى قال بعض أهل العبادة من الجهال في زمنٍ مضى: أنه يجوز أن تشهد أنك رأيت الهلال وأنت ما رأيته، وش ينقص الناس؟ زيادة يوم والحمد لله، أولاً: يكفون عن كثيرٍ من الشرور، ويصومون والصيام عبادة، نقول: هذه من أعظم الجرائم، يعني كمن يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليرغب الناس في الدين، وفي قراءة القرآن، هذا جهل مركب، وعاقبته وخيمة، الدين كامل، ليس بحاجة إلى اجتهادات، وليس بحاجة إلى زيادات.
((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) افترضنا أن يوم تسع وعشرين وافق يوم الاثنين، وقد اعتاد صيام يوم الاثنين، نقول: صم يوم الاثنين؛ لأنك ما تصومه احتياطاً لرمضان إنما تصومه على عادتك، وهذا يقرب في باب الصلاة من ذوات الأسباب، يقرب في باب الصلاة من ذوات الأسباب، هو ما صلى من أجل طلوع الشمس ولا غروبها، وإنما صلى لقيام السبب، وهنا ما صام احتياطاً لرمضان، وإنما صام لملاحظة الوقت وهو الاثنين.
قد يقول قائل: وهذا يحتاج ترى إلى ذكاء خارق هذا السؤال؟ إذا كان ممن يصوم الأيام البيض يصوم الثلاثة الأخيرة من شعبان؟
طالب: ما تجي؟(22/20)
ما تجي؟ أيوه، لذلك أنا قلت: تحتاج المسألة إلى ذكاء، تجي وإلا ما تجي؟ ما تجي صحيح؛ لأن البيض في منتصف الشهر، إيه خلي الإخوان يتحركون شوي، الخميس والاثنين تجي؛ لكن ما يجي الجميع الاثنين والخميس؟ أحدهما، إما الاثنين اعتاد أن يصوم الاثنين أو يصوم الخميس، فصادف يوم تسع وعشرين يوم اثنين أو يوم خميس يصوم، وفي الحديث: ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) أو كان شخص عليه قضاء من رمضان الماضي باقٍ عليه يوم يصوم هذا اليوم.
طالب:. . . . . . . . .
((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) على كل حال الحديث في ثبوته نظر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأفضل أنه يصوم، ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) لأنه واضح أنه يصوم على العادة لا يصوم احتياطاً لرمضان، وفي الحديث الثاني يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) ((إذا رأيتموه)) يعني هلال رمضان، الضمير يعود إلى الهلال، ولم يجرِ له ذكر سابق للعلم به ((إذا رأيتموه فصوموا)) الضمير يعود إلى هلال رمضان، ولو لم يجرِ له ذكر؛ لأنه لا لبس في هذا ولا إشكال ((إذا رأيتموه فصوموا)) أمر بالصيام بعد رؤية الهلال {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] (إذا رأيتموه) رأيتم الهلال، وهو خطاب للأمة بكاملها، خطاب لمجموع الأمة هل هو خطاب لمجموع الأمة أو خطاب لجميع الأمة؟ في فرق وإلا لا؟ خطاب للجميع أو للمجموع؟ لمجموع الأمة، خطاب لمجموع الأمة، لأننا لو قلنا: أنه لجميع الأمة تناول كل فرد من أفرادها أن لا يصوم حتى يرى الهلال، وهذا ليس بمراد، بل الأمة بمجموعها إذا رؤي فيها الهلال لزمهم الصوم.(22/21)
((إذا رأيتموه فصوموا)) معلوم في هذا الحديث أنه علق الصوم بالرؤية، وقلنا: أن الخطاب للمجموع لا للجميع، وعلى هذا إذا رآه من تثبت الرؤية بشهادته يكفي، ولا يلزم أن تراه الأمة كلها، أو يراه من يلزمه الصوم على الأقل، لا، والحديث علق لزوم الصوم بالرؤية، والأصل في الرؤية العين المجردة، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] من ضعف بصره هل نقول: يجب عليك لئلا يترتب على هذا هجرك للقرآن أو تتخذ نظارة، أو تشتري مصحف كبير، أو نقول: أنك مكلف بعينك المجردة، وما عدا ذلك أنت لست مكلف فيه، أو نقول: أن هذا مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؟ لأنه بيرد عندنا مسائل، مسائل الآلات الفلكية والمناظير والدرابيل، وهل يلزم استعمالها أو لا يلزم؟ هل نقول: أن هذا مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أو نقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] أنا والله ما عندي نظارة آثم ليش ما أخذت نظارة لكي أقرأ القرآن؟ هجر القرآن لا يجوز، الهجر حرام، فهل يلزمني أن أتخذ نظارة أو أبحث عن مصحف كبير، إذا افترضنا أن المصحف بالحجم المتوسط أو الصغير قيمته عشرة عشرين، والكبير مائة ريال، هل يلزم أن أشتري كبير لأقرأ؟ لأن الهجر لا يجوز، وهذا لا يتم الواجب إلا به، القاعدة مقررة عند أهل العلم، أنه مما لا يتم الواجب إلا به، وفرق بين الواجب العيني والواجب الكفائي، الواجب العيني والواجب الكفائي، مثلما عندنا في الحديث واجب كفائي، لا يلزم الناس كلهم، إنما يلزم رؤيته من قبل من تثبت الحجة برؤيته، ومثل هذا لن يعدم في الأمة من يراه بعينه المجردة، يعني لا يتصور أن الأمة بكاملها لا يوجد فيها من يراه بعينه المجردة، ولهذا المعول عليه أنه لا يلزم استعمال الآلات في رؤية الهلال، إن رآه الناس بعينهم المجردة وإلا انتهت مسؤوليتهم، حينئذٍ لم يروه، ((إذا رأيتموه فصوموا)) لكن إذا استعملت الآلات، وتحقق من رؤيته بواسطة هذه الآلات، إذا وجدت هذه الآلات واستعملت وتحقق من رؤية الهلال بواسطتها لزم الصوم؛ لكنه لا يلزم استعمال الآلة، لأنه إذا رؤي من خلال الآلة صح أنه رؤي الهلال؛ لكن لا يلزم(22/22)
استعمال هذه الآلة، بل المطالبة بالعين المجردة؛ لأن الله -جل وعلا- لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) نعم، إذا رأيتم الهلال المخرج لشهر رمضان وهو هلال شوال، فأفطروا وجوباً، هذا شخص رأى هلال رمضان، وتقدم يدلي بشهادته فردت شهادته، أو رأى هلال شوال فردت شهادته، ما الذي عليه هو؟ الخطاب (إذا رأيتموه) جميع الأمة؛ لكن هل فيه: من رأى منكم الهلال فليصم ومن رأى منكم الهلال فليفطر؟ فيه {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] يصوم سراً وإلا جهراً؟ يعني رآه وردت شهادته، الناس كلهم يفطرون وهو وحده صائم، أو رأى هلال شوال وردت شهادته، الناس كلهم صائمون وهو مفطر؛ لأنه يوم عيد بالنسبة له، أو نقول: يلزمه ما يلزمه ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) والخطاب للمجموع، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الصيام يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والحج يوم يحج الناس، وهذا قول معتبر عند أهل العلم، ومنهم من يقول: أنه يصوم سراً، ويفطر سراً؛ لأنه كما أنه خطاب متجه للمجموع إلا أنه فرد من أفراد هذا المجموع، يتصور خطابه بمثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
من إيش؟ الذي رآه فردت شهادته وصام سر، صام قبل الناس بيوم، ثم لما جاء هلال شوال ما رأى شيء، فأكمل ثلاثين ثم من الليلة القادمة ما رأوا الناس شيئاً، فأكمل الناس ثلاثين فهل يصوم واحد وثلاثين وإلا يفطر؟ لأنه صام قبلهم، صح وإلا لا؟ هذا السؤال وإلا لا؟ هل يصوم واحد وثلاثين؟ لأنه ما رؤي هلال شوال ليلة الثلاثين، فأصبحوا صائمين، إكمالاً للعدة ثلاثين، وفي حسابه يكون صام واحد وثلاثين، هل نقول: أن الشهر لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماً فيلزمه الفطر، أو نقول: يصوم مع الناس وبهذا يتبين أن رؤيته للهلال خطأ، والخطأ يتصور، أنس بن مالك في آخر أيامه رأى الهلال، أين الهلال يا أبا حمزة؟ يقول: قدامكم شوفوه واضح؟ وش تبيّن؟ شعرة نازلة شوية، الخطأ وارد، وبهذا يتبين أنه خطأ فيلزمه أن يصوم مع الناس ولا يفطر إلا مع الناس.(22/23)
والدين الإسلامي دين ألفة واجتماع، .... عند من يقول بأنه يصوم، والذي يقول: لا يجوز له أن يصوم إلا مع الناس ما له أجر؛ لأن عندنا مقدمات شرعية، وعرفنا أن العبرة بتوافر هذه المقدمات، سواء أصابت الواقع أو لم تصب، مثل البينات عند القضاة، يعني بعض الناس يجد في نفسه على العلماء هم يتحرون ويبعثون ناس ويحثون الناس قبل رمضان بشهر أو شهرين، وهم يحثون الناس على ترائي الهلال، ثم بعد ذلك بعض الناس من شدة الحرص يقول -الله أعلم- جايهم ناس، وقد سمعنا من يتكلم كثيراً، جايهم ناس يشهدون بس ما هم حريصين يا رجال، شلون حريصين؟ يا أخي هذه مقدمات شرعية تبنى عليها نتائج شرعية، كونها أصابت الواقع أو لم تصب ما هم مسؤولين عن هذا، هو مسؤولين عن يطبقوا الشروط على هذا الشخص الذي جاء يشهد، القاضي مطالب بأن ينظر في حال هذا الشاهد، إن كان ممن تقبل شهادته يرتب عليه الحكم، كونه أصاب ما في الواقع أو لم يصب ما هو إليه هذا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي إيش يقول؟ ((إنما أنا بشر، أحكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقضي له بقطعةٍ من نار، فليأخذها أو يذرها)) والرسول -عليه الصلاة والسلام- يشرع للأمة، ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) ما عندنا أكثر من هذا، يعني كون الناس يتراؤونه ولا يرونه خلاص ما بيديهم شيء؛ لأن على الإنسان أن يبذل ما في وسعه ويجتهد؛ لكن إذا ما حصل ما في فائدة، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) يعني ما ترك شيء، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) ترائى الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وفيه غيم وقتر وغبار ما استطاعوا (اقدروا له) إيش معنى اقدروا له؟ تفسرها الرواية الأخرى: ((فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثون)) ومنهم من فهم أن (اقدروا) بمعنى ضيقوا، دليله قوله -جل وعلا-: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [(16) سورة الفجر] يعني ضيق عليه رزقه، والتضييق يكون بإيش؟ الآن ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) ضيقوا عليه، ومن يقول بهذا القول أنه يضيق شهر شعبان، إيش معنى يضيق شهر شعبان؟ بأن يجعل شعبان تسع وعشرين يوم، ويصوم الناس يوم الغيم، ويوم القتر، ويومه(22/24)
يوم الشك، وهو يوم الشك الذي جاء فيه: "من صام الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) حتى على التأويل الثاني (فاقدروا له) الضمير يعود على شعبان أو رمضان؟ يعني نضيق شعبان وإلا نضيق رمضان؟ الذي استروح إلى أن معنى القدر هنا التضييق يرى أن التضييق يكون في شعبان ليكون تسع وعشرين ويصام رمضان لاحتمال أن يكون الهلال طالع، وعرفنا أن هذا يسمى يوم الشك، وجاء فيه الحديث: "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-" لكن ما الذي يمنع فاقدروا له أي ضيقوا عليه على رمضان، بأن تكلموا عدة شعبان ثلاثين كما تفسرها الرواية الأخرى، فيه ما يمنع؟ ما فيه ما يمنع وحينئذٍ يتفق التقديران، الإمام أحمد يروى عنه في المسألة ثلاث روايات: "وإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه" هذه عبارة إيش؟ عبارة من؟ الزاد، يجب صومه واعتماداً على اختيار ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، وظاهر المذهب يجب صومه، ورواية أخرى أنه يجوز صومه، والقول المرجح وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يجوز صومه؛ لأنه هو يوم الشك، وعلينا حينئذٍ أن نكمل شعبان ثلاثين يوماً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن ما الذي يريدنا أن هذا الشهر المنازل فيه تسع وعشرين أو ثلاثين؟
طالب: بالحساب.(22/25)
الحساب مهم؛ لكن افترض أنه ما وجد حاسب، تضيع الأمة؟ لا لا، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها؛ لأن القدر الزائد الذي تدرك به الأمور الشرعية القدر الزائد عن الأصل لا يطالب به؛ لأن المسألة مفترضة في أمةٍ أمية لا تكتب ولا تحسب، المسألة مفترضة كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) أشار إشارة الشهر هكذا وهكذا وهكذا، هذا الأصل، أننا أمة أمية، وعلّقنا بالرؤية، يعني نعود إلى الحديث لأن المسألة نخشى أن تطول، نعود إلى الحديث، وهو ((صوموا لرؤيته)) وقلنا: أنه خطاب لمجموع الأمة؛ لكن هل تلزم الأمة بكاملها برؤية بعضها؟ وبعبارةٍ أخرى هل المطالع مختلفة أو متحدة؟ حديث ابن عباس في صحيح مسلم مع مولاه كريب لما قدم من الشام، والناس صاموا يوم الجمعة لرؤية معاوية، وأهل المدينة لم يصوموا إلى يوم السبت، مقتضى الحديث كما قال ابن عباس أنهم لم يفطروا حتى رأوه أو أكملوا عدة شعبان، ورفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهذا من أقوى الأدلة على اختلاف المطالع، وأن أهل كل إقليم يختلف مطلعهم عن الإقليم الثاني.(22/26)
ابن عباس بهذا أفتى ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أهل العلم من يرى اتحاد المطالع، وأن الأمة ينطبق عليها هذا الحديث بمجموعها، رؤي الهلال في المشرق يصوم أهل المغرب؛ لأنه لا يتجه الخطاب لكل فردٍ فرد، ولا لأهل بلدٍ بلد مثلاً، بمفرده، بغض النظر عن البلد المجاور له، أو الذي يتحد معه في المطلع، وليس هناك وصف يمكن إحالة التفريق عليه، إلا مسألة اختلاف المطالع، ودليلها حديث ابن عباس، عموم الحديث يشمل جميع المسلمين، ولو اختلفت مطالعهم، حديث ابن عباس كأنه نص في الموضوع، يحتمل وإلا ما يحتمل؟ يتحمل اتحاد المطالع حديث ابن عباس، هذا اجتهاده ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن الذي يقول باتحاد المطالع يقول: أن قول ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني هل أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن نعمل باختلاف المطالع، أو الأمر العام: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فيكون اجتهاد من ابن عباس في فهم الحديث؟ يحتمل الوجهين، يعني الذي يظهر أن ابن عباس سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- نص خاص في اختلاف المطالع، واستند إليه في عدم الفطر مع معاوية -رضي الله عنه وأرضاه-، هذا احتمال، والاحتمال الثاني أن ابن عباس فهم من هذا الحديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا .... )) ما رأيناه نحن في المدينة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صوموا لرؤيته)) وبنوا على ذلك فتواه، فيكون اجتهاد من ابن عباس، وتبقى المسألة قابلة للاجتهاد، كلام واضح وإلا ما واضح؟ مسألة اختلاف المطالع لا شك أن حديث ابن عباس ظاهر فيها، لكن عليها لوازم، عليها لوازم يا إخوان، طيب رؤي الهلال في اليمن يلزمنا نصوم وإلا ما نصوم؟ رؤي الهلال في الشام يلزمنا نصوم وإلا ما نصوم على القول باختلاف المطالع؟ ما نصوم، أهل المدينة ما يصومون، بالنص، كلام ابن عباس؛ لكن هل الحضر والقريات وتبوك يصومون وإلا ما يصومون؟ تبعاً للشام وإلا تبعنا؟ يعني يلزم عليه لوازم، يمكن ما تنضبط أمور المسلمين بهذا؛ لأن الحدود السياسية يعني لا أثر لها في الأحكام الشرعية، يعني ما الفرق بين مطلع تبوك والشام؟ هل نقول: لا خلاص يصومون أهل تبوك مع الشام،(22/27)
ظروف المسلمين التي يعيشونها الآن حقيقةً فيها شيء من الارتباك، لماذا؟ لأن كثير من بلدان العالم الإسلامي يعني قد يعتمدون على وسائل لا يراها غيرهم، يثبتون دخول الهلال ومع ذلك بقية البلدان غير مطمئنين إلى كيفية إثبات دخول الهلال عند أولئك، والحدود السياسية يعني بينك وبين البلد الإقليم الثاني بينك وبينه أكيال يسيرة، وبين البلد التي ترتبط به آلاف الأميال، فهل تصوم تبع، يصوم أهل تبوك تبع الرياض وإلا يصومون تبع الشام مع قربهم منه؟ أو أهل نجران وأهل جيزان يصومون تبع اليمن وإلا تبع الرياض رغم ما بينها من آلاف الأميال؟ يعني مسألة لا شك أنها مربكة، وبعدين قد لا يقتنع أهل بلد بالوسيلة التي أثبت بها أهل الإقليم الثاني إثبات دخول الهلال.
الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يتجوز في مثل هذا، يقول: إن عمل الناس باتحاد المطالع وصاموا الناس كلهم برؤية ثقة أو عملوا باختلاف المطالع الأمر سهل، ومعه حدثت أدنى إشكال على مر العصور، يعني ما حدث مشكلة في الأمة، وكل له اجتهاده، ولعلماء كل بلد لهم اجتهادهم، يعني يتصور أناس في أوروبا عندهم مشاكل في الرؤية، وعندهم قضايا نوازل في الصيام، واتحاد المطالع واختلافها، ولا عندهم من يقيم فيهم شرع الله، من يتبعون؟ يقولون: نصوم على الرياض بيننا وبينهم عشرة آلاف كيلو؟ نقول: إن كان عندكم من تبرأ الذمة بتقليده من أهل العلم فقلدوه؛ لأن هناك يعرفها القريب وقد تخفى على البعيد، يعني ظروفهم ما نعرف كثير منها، والذي يقضي على هذه الإشكالات القول باتحاد المطالع، وإذا استروحنا وملنا إلى أن قول ابن عباس فهماً منه لهذا الحديث انحلت المشكلة، نقول: أن هذا اجتهاد ابن عباس؛ لأنه صرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا احتمال، واختيار الشيخ كما سمعتم الأمر فيه سعة، إن عمل الناس باتحاد المطالع له وجه، والخطاب يتجه أن يكون لعموم الأمة، وإن عملوا باختلاف المطالع تبعاً لحديث ابن عباس له وجه، وهو أصرح في الدلالة؛ لكن يبقى أنه يترتب عليه بعض الإشكالات.
طالب:. . . . . . . . .(22/28)
لا يفطر إلا معهم، يعني شخص صام في بلد دخل فيه الهلال على حد رؤيتهم ومطلعهم قبل البلد الثاني، وهي المسألة التي سئل عنها قريباً، شخص صام مثل كريب، كريب صام يوم الجمعة مع أهل الشام، وجاء المدينة ما أفطروا إلا بعد يوم بعد الشام، ماذا يصنع هو؟ يصوم وإلا يفطر؟ إذا قلنا: باختلاف المطالع وقد أكمل العدة ثلاثين يوم، هل نقول: أن هذا اليوم بالنسبة له هو يوم العيد الذي لا يجوز صيامه؟ أو أن عيد كل بلدٍ بحسبه؟ نقول: عيد في الشام لكنه ليس بعيد في المدينة، وإذا كان ما هو عيد حكماً يصوم وإلا ما يصوم؟ إذا قلنا: باتحاد المطالع وصار عيد عند الشام صار عيد عند الناس كلهم، فلا يجوز صيامه؛ لكن الوسيلة التي أثبتها بها أولئك لم يقتنع بها هؤلاء فاستمروا على صيامهم، فهو عيد بالنسبة لقوم، وليس بعيد بالنسبة لآخرين، يعني لو افترضنا أنه غم على هلال ذو الحجة، وما رآه الناس ليلة الثلاثين من القعدة غمّ عليهم، وهو في الواقع موجود؛ لكن ما رأوه وكملوا القعدة ثلاثين، ووقفوا في اليوم التاسع على حدّ زعمهم وحسابهم وهو في الواقع العاشر، وصام من صام من المسلمين يوم التاسع الذي هو في الواقع العاشر يأثمون وإلا ما يأثمون؟ ما يأثمون، وقل مثل هذا في رمضان، وإن كان عيد في الشام لأنهم رأوه ليس بعيد في البلدان الأخرى، فيصوم مع الناس، ومن قال له: أنك ما دام أكملت ثلاثين يوماً بوسيلةٍ شرعية معتبرة شرعاً فلا تزيد على الثلاثين، وعلى كل حال لو صام مع الناس لا يأثم؛ لأنه ليس بعيد في البلد الذي هو فيه، فلا يكون صام يوم العيد.
وعن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحّروا فإن في السحور بركة)).
وعن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت: "لزيدٍ كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية".(22/29)
حديث أنس الأول -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحّروا فإن في السحور بركة)) هذا أمر بالسحور، وأقل أحواله الاستحباب، والأصل في الأمر الوجوب؛ لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل، فالأمر بالسحور مستحب، ومن أقوى ما يصرف به من الوجوب إلى الاستحباب العلة، العلة إيش؟ فإن في السحور بركة، طلب البركة واجب وإلا مستحب؟ مستحب، إذاً الأمر بالسحور مستحب، وفيه مخالفة لأهل الكتاب، واتباع للسنة، وامتثال للأمر، ومخالفة لأهل الكتاب، والتقوي به وقد جاء مدحه (نعم السحور) لا سيما إذا كان من التمر، أيضاً وقت السحور وهو وقت الاستغفار، والمستغفرين بالأسحار، ينبغي أن يكون الإنسان مستيقظ في هذا الوقت يدعو الله -جل وعلا-، ويستغفر وأمور كثيرة مترتبة على تناول هذا الطعام، وفيه أيضاً إعانة على مزاولة هذه العبادة، والتقوي على العبادات الأخرى، ومخالفة أهل الكتاب، وامتثال هذا الأمر ((تسحروا فإن في السحور بركة)).(22/30)
وفي حديثه الثاني يقول: عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة" قال أنس: "قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" أولاً: السحور ما يتسحّر به، كما أن الطهور ما يتطهّر به، والوضوء الماء الذي يتوضأ به، والسحور هو الفعل، التسحّر، تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، فيه مشروعة الاجتماع على مثل هذه الأمور من سحور وفطور وغيرها، ومن أفضل الأعمال كون الإنسان يؤكل على مائدته، ويحسن على الناس، ويتصدق عليهم، وفي الاجتماع بركة، وألفة ومودة، تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" هذا يدل على أنه يؤخر السحور، وما عندهم ساعات فلكية دقيقة، يقال: بين السحور والأذان ربع ساعة، بين السحور والصلاة ربع ساعة لا، يقدرون بالأعمال، والأعمال منضبطة، ولذا يذكر الفقهاء في دخول أوقات الصلوات بعض الأعمال، يقولون: من اعتاد أنه يصنع من طلوع الشمس إلى زوالها ماسة مثل هذه، واضطرد عنده هذا خلاص ما يحتاج إلى أن ينظر إلى الزوال، مجرد ما تنتهي هذه الماسة يؤذن، صاحب القراءة بقراءته، من اعتاد أن يقرأ في الساعة خمسة أجزاء يقدر على هذا الأساس، يكون بين صلاة المغرب في الغالب وأذان العشاء ساعة إذا انتهى من الخمسة الأجزاء يؤذن للعشاء، وهنا قدر الوقت بعمل البدن، والعرب تقدر بذلك، قدر حلب ناقة، والله جلس فلان قدر حلب ناقة، قدر نحر جزور، وجاءت بها النصوص، وهنا قدر خمسين آية، فمن كان عنده عمل مضطرد منضبط، يعتمد عليه، وقراءة القرآن منضبطة عند من اعتادها، خلاص تعود أنه يقرأ الجزء في نصف ساعة، ثلث ساعة، ربع ساعة، اثنا عشر دقيقة، تعود خلاص، ينضبط، وهذا شيء مجرب، وهذه طريقة العرب في حساب الأوقات، تقدير الأوقات، قدر خمسين آية، قد يقول قائل: خمسين آية من المائدة أو من الشعراء؟ أي أطول آية المائدة أو آية الشعراء؟ المائدة أطول آيات من الشعراء، لا أقصد طول السورة مع طول السورة؛ لكن انظر أنت أن الشعراء نصف المائدة وآياتها الضعف، إيه(22/31)
يعني الآية من الشعراء بقدر ربع آية من المائدة، فهل المراد هذا أو هذا؟ ما بيّن، لكن إذا أطلق مثل هذا ينصرف إلى المتوسط، لا آية المائدة ولا آية الشعراء، من آيات البقرة مثلاً، فالحديث فيه دليل على تأخير السحور، ولا تزال الأمة بخير ما قدموا الفطر وأخروا السحور، ويوجد من المخالفين ولعله تأتي الإشارة إليه، يأتي هذا الحديث -إن شاء الله تعالى- ويأتي ما فيه.
وعن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.
نعم هذا الحديث في أمرٍ خاص من أموره -عليه الصلاة والسلام-، وهو تشريع عام؛ لكنه مما لا يطلع عليه إلا من قبل نسائه، ولذا كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يفتي بأن من أصبح جنباً صومه غير صحيح.(22/32)
عمدة الأحكام - كتاب الصيام (2)
تابع للحديث السابق- باب الصوم في السفر وغيره إلى باب أفضل الصيام وغيره
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ولذا كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يفتي بأن من أصبح جنباً صومه غير صحيح، يصبح جنب، ما اغتسل قبل طلوع الفجر صومه ليس بصحيح، فاستدل عليه بهذا الحديث، عن عائشة وأم سلمة، يقدم قول أبي هريرة وإلا قولهما؟ قولهما، نعم؛ لأن هذا شيء يدركه النساء، شيء خاص لا يحصل إلا بين الرجل وزوجته، فقولهما مقدم على قول أبي هريرة.
عن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر، يعني يطلع عليه الفجر، وهو مريد للصيام، مبيّت للنية، وهو جنب من أهله، والحال أنه جنب من أهله لا من احتلام، ثم يغتسل ويصوم؛ لأن مسألة الاحتلام ما يمكن أحد يناقش فيها؛ لأنه لو احتلم وهو صائم، احتلم الظهر، احتلم ما عليه شيء؛ لأن هذا ليس بيده، المسألة مسألة الاختيار، وهو كون الجنابة ناشئة من جماع أهله، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما يحتلم؛ لكن المسألة له ولغيره، الحكم للجميع، يعني هنا قالت: وهو جنب من أهله لتبيّن أن المسألة في مسألة الاختيار، فضلاً عن مسائل الاضطرار التي ليس للإنسان فيها تصرف.
يدركه الفجر؛ لأنه إذا كان جنب من أهله بإمكانه أن يغتسل قبل الفجر؛ لكن إذا كان من جماع هل يملك أن يغتسل قبل الفجر إذا كان بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس أو بعد الظهر مثلاً؟ ما يملك شيء فلا حكم له، الشيء الذي لا يملكه ابن آدم لا حكم له فيه؛ لكن هذا في حالة جنب من أهله، فإذا كان في حالة الجنابة فالاحتلام من باب أولى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما هو مقرر في كتب الخصائص والشمائل أنه لا يحتلم؛ لأن الاحتلام من تلاعب الشيطان، وعلى كل حال الصحابة منهم من احتلم، كثير؛ لكن من كماله -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يحتلم.(23/1)
"كان يدركه الفجر، وهو جنب ثم يغتسل ويصوم" يدركه وهذا يدل على أنه يشمل ما إذا كان عامداً أو ناسياً ضاق عليه الوقت أو اتسع عليه الوقت؛ لأن بعض الناس ينتبه قبل أذان الصبح وهو جنب بربع ساعة، يقول: أنا اغتسلت ما مداني أتسحر، هل أتسحر وأغتسل ولو بعد طلوع الصبح، أو أغتسل ثم أتسحر ولو فاتني السحور؟ نقول: لا يا أخي تسحر، ثم تغتسل بعد ذلك، ولو طلع عليك الصبح كفعله -عليه الصلاة والسلام- سواء كنت ناسياً أو عامداً عالماً أو جاهلاً لا فرق، والحجة في هذا واضحة، وفيه تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر، ويقاس على ذلك عند أهل العلم الحائض والنفساء إذا انقطع الدم قبل طلوع الفجر، يصح الصيام ولو لم تغتسل، انقطع الدم قبل طلوع الفجر بربع ساعة، قالت: أتسحر ثم أغتسل كالجنب، لا فرق.
"ثم يغتسل ويصوم" ولو بعد طلوع الفجر.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)).
الأكل والشرب من مبطلات الصيام إجماعاً، الأكل والشرب كل منهما مبطل للصيام إجماعاً، وهذا في حق العامد، أما الناسي فقد جاء في هذا الحديث حديث أبي هريرة وهو متفق عليه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)) وهذا من لطف الله بعباده والتيسير عليهم؛ لأن الإنسان الذي ما تعود الصيام تجده في الأيام الأولى يكثر منه النسيان، فلو كلّف بقضائه كلف حرجاً لا سيما الذي لم يتعود الصيام، هذا معروف في الأيام الأولى تجده يوماً يأكل ويوم يشرب ويوم يأكل ما دري، فمثل هذا لا أثر له في الصيام.
((فإنما أطعمه الله وسقاه)) وهذا قول جمهور أهل العلم، ويرى المالكية أنه يبطل صومه؛ لكن لا يلزمه كفارة إذا أكل أو شرب ناسياً لا يلزمه كفارة، وإنما يبطل صومه بخلاف العامد، العامد عندهم مع فطره تلزمه الكفارة، والحديث ليس فيه قضاء، ولا بطلان صوم، ولا كفارة، وهو صحيح صريح في الموضوع، وهو مؤيد لقول الجمهور، فقولهم هو الراجح.(23/2)
فإذا رأى إنسان آخر وهو صائم متجه إلى البرادة وملأ الكأس وتناوله ليشرب منه يخبره أو لا يخبره؟ يقول: هذا طعمة من الله -جل وعلا- أطعمه الله وسقاه وأنت تريد أن تحرمه مما أطعمه الله؟ أو نقول: هذا منكر فطر في نهار رمضان هذا الظاهر، الناس ما لهم إلا الظاهر، وعليك أن تغير المنكر، فتنبهه، هذا هو المعمول به عند أهل العلم أن من أراد أن يأكل أو يشرب ناسياً ينبَّه، وهذا من باب تغيير المنكر.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((مالك؟ )) قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، وفي روايةٍ: أصبت أهلي في رمضان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تجد رقبةً تعتقها؟ )) قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )) قال: لا، قال: ((فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ )) قال: لا، قال: فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- فبينا نحن على ذلك أوتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرقٍ فيه تمر، والعرق: المكتل، قال: ((أين السائل؟ )) قال: أنا، قال: ((خذها فتصدق به)) فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((أطعمه أهلك)) الحرة: أرض تركبها حجارة سود.
هذا الحديث، حديث أبي هريرة في قصة المجامع في نهار رمضان حديث عظيم جليل كثير الفوائد والأحكام استنبط منه بعض العلماء فوائد كثيرة جداً، واعتنى به بعض المتأخرين، كما يقول الحافظ، يقول: "اعتنى به بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا فتكلم عليه في مجلدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة" ممن أدركه شيوخنا فدل على أنه ليس من شيوخه، وبعضهم يشير بعض الشراح إلى أن الذي جمع فيه مجلدين في ألف فائدة هو الحافظ العراقي، الحافظ العراقي من شيوخ الحافظ ابن حجر، وابن حجر يقول: "ممن أدركه بعض شيوخنا" فهذا دل على أنه ليس الحافظ العراقي، وإنما هو غيره.(23/3)
المقصود أن هذا الحديث عظيم، فيه فوائد وفيه أحكام كثيرة جداً، تفوق الحصر، يبطل الصيام بالأكل والشرب، بدلالة الحديث السابق وبالجماع، بدلالة هذا الحديث، فأصول المفطرات الأكل والشرب والجماع، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "بينما" أصلها بينا، ثم زيدت عليها ما للظرفية "نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم-" وكثيراً ما يجلسون معه -عليه الصلاة والسلام- يتلقون عنه الدين والعلم، وأكثر ما يكون هذا الجلوس في المسجد، إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله هلكت، فقال: ((مالك؟ )) قال: ((وقعت على امرأتي وأنا صائم)) نعم الهلاك هلاك الدين، وهذا أفسد صيامه وأفطر يوم من رمضان، فهذا هو الهلاك الحقيقي هلاك الدين.
وكل كسرٍ فإن الدين بجبره ... وما لكسر قناة الدين جبرانُ
يعني لو خسر في سيارة، في بيت في كذا، الأمر سهل ينجبر هذا، لو انكسر منه يد أو رجل تنجبر؛ لكن إذا انكسر الدين هذا الذي ما له جبران إلا التوبة النصوح التي تهدم من وقع من زلةٍ وهفوة، فقال: ((مالك؟ )) فقال: "وقعت على امرأتي وأنا صائم" دل على أنه يعرف الحكم، يعرف أن هذا محرم، بدليل قوله: "هلكت وأهلكت" كما في الرواية الأخرى، دل على أنه يعرف أن هذا الأمر محرم؛ لكنه لا يعرف الأثر المترتب على هذا المحرم، فإذا عرف أن الأمر محرم ولم يعرف الأثر المترتب عليه هل نقول: يعذر بجهله؟ هو لم يعرف أنه محرم ما عرف أنه محرم أصلاً، هذا يعذر بجهله؛ لكن يعرف أنه محرم ولا يعرف الأثر المترتب عليه لا يعفى من الأثر، فتلزمه الكفارة، وهنا ألزمه بالكفارة، وقل مثل هذا في جميع المحظورات التي فيها كفارات، يعرف أنه لا يجوز؛ لكن ما يعرف وش يترتب عليه؟ الأصل أن يكف، الأصل أن ينتهي عما نهي عنه، كونه أقدم يلزم؛ لكن ما يدري ما يعرف هل هذا محرم وإلا مباح؟ هذا الذي يقول أهل العلم أنه معذور بجهله، وفي روايةٍ: "أصبت أهلي في رمضان" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تجد رقبةً تعتقها؟ )) هذا إلزام بالكفارة، والكفارة كفارة إيش؟ كفارة ظهار وإلا كفارة مجامع في نهار رمضان؟ أهل العلم يقولون: من جامع زوجته في نهار رمضان لزمته كفارة ظهار.(23/4)
احنا عندنا الحديث الصحيح الثابت في كفارة المجامع في نهار رمضان، لماذا يقول: أن عليه كفارة ظهار ولا يقول: عليه كفارة مجامع في نهار رمضان، ولماذا يقولون: عليه كفارة ظهار، ولا يقولون: كفارة قتل، يعني المذكور في القرآن معروف لدى الخاص والعام، يعني كثير من الناس ما يعرف الحديث، تقول: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان، يقول لك: وش هي الكفارة؟ لكن لما تقول له: كفارة ظهار يعرف؛ لأن عوام المسلمين يعرفون ما في القرآن، بينما مثل هذه النصوص تخفى عليهم، فأحيل على المعروف لدى الخاص والعام، طيب، لماذا لم يقال: عليه كفارة قتل؟ نعم، للخلاف في الإطعام في كفارة القتل، أما كفارة الظهار ففيها إطعام، وهنا فيه إطعام فهي أشبه.
البيعة، بيعة الرجال متقدمة وإلا بيعة النساء؟ بيعة الرجال هي المتقدمة معروف هذا، كيف يقول عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما بايع عليه النساء؛ لأن بيعة النساء مضبوطة بالقرآن في آخر سورة الممتحنة، مضبوطة بالقرآن، ومضبوطة الرجال مضبوطة بالسنة؛ لكن ما ضبط بالقرآن يحال عليه؛ لأنه معروف لدى الناس كلهم.(23/5)
((هل تجد رقبةً تعتقها؟ )) قال: لا، أي رقبة؟ هل تجد رقبةً؟ الرقبة مطلقة، وهي كذلك في كفارة الظهار مطلقة، مقيّدة في كفارة القتل، فهل يحمل المطلق على المقيد وإلا ما يحمل؟ يحمل، لماذا؟ لاتحاد إيش؟ لاتحاد الحكم، وهو وجوب الإعتاق في كلٍ من الظهار والجماع والقتل، تجب الكفارة، الحكم واحد؛ لكن السبب مختلف، وعند الجمهور في مثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد خلافاً للحنفية، وعلى هذا لا يجزئ إلا رقبة مؤمنة، تتوافر فيها الشروط المطلوبة، قال: لا، ما يجد؛ لأن الكفارة على الترتيب، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )) قال: لا، في رواية: "ما الذي أوقعه فيما وقع فيه إلا الصيام" ما أوقعه فيما وقع فيه إلا الصيام، قال: لا، متتابعين؟ بمعنى أنه يصوم الشهرين هلاليين متتابعين، فلا يفطر بينهما، لو أفطر يوماً واحداً استأنف ولا يعذر إلا في العذر الذي يبيح له الفطر في رمضان؛ لأن رمضان شهر مفروض على التتابع يعذر فيه المريض والمسافر، المقصود أن العذر الذي يعذر في رمضان بالفطر يعذر فيه في مثل هذا، قال: لا، قال: ((فهل تجد إطعام ستين مسكيناً)) ستين مسكين، قال: لا، قال: "فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-" ما في حيلة، إذا لم يستطع عتق رقبة، ولم يستطع صوم شهرين متتابعين، ولا إطعام، تسقط الكفارة وإلا ما تسقط؟ مقتضى القواعد الشرعية أنها دين في ذمته متى أيسر عليه أن يؤديها، كحقوق الآدميين، فمتى أيسر يبذلها، فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- فبينما نحن على ذلك أوتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرقٍ فيه تمر، والعرق المكتل، يعني زنبيل كبير فيه خمسة عشر صاع، فسكت، بعضها هكذا وبعضها كذا روايات منها هذا ومنها هذا، والنسخ تختلف في هذا.(23/6)
"فبينما نحن على ذلك، إذ أوتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرقٍ فيه تمر" زنبيل كبير فيه خمسة عشر صاع، والعرق المكتل، فقال: ((أين السائل؟ )) قال: أنا، سائل عن إيش؟ عما يلزمه من جراء الجماع في نهار رمضان، هو جاء يسأل ((أين السائل؟ )) قال أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، الكفارات إذا تحملها من تحملها برضا من لزمته أجزأت، برضاه، شخص عليه كفارة، فقال: أبوه أنا أخرجها عنك، أمه: أنا أخرجها عنك تتحمل؛ لأنها تقبل النيابة برضاه؛ لأنه قد لا يقبل المنّة.
((خذ هذا فتصدق به)) يعني كفارةً عنك، فقال: "أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي" قال: "فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام-" هذا جاي هالك ومهلك ويلزمه أمور، وأخيراً يرجع بزنبيل يكفيه مدة طويلة، يكفيه ويكفي أهله، جاء نادماً فرجع غانماً، وهذا من يسر هذه الشريعة، وسماحتها، وفضل نبيها وشرفه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
جاء في بعض الروايات ما يدل على وجوب القضاء.(23/7)
فقال: "أعلى أفقر مني؟ فو الله ما بين لابتيها" يعني تصور أن هذا الشخص مسح المدينة مسح شامل حتى عرف أنه ما يوجد أفقر منه؟ أو بناءً على غلبة ظنه؟ نعم، بناءً على غلبة ظنه، ولذا يقول أهل العلم: يجوز أن يحلف على غلبة الظن، "يريد الحرتين، أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام-، من وضعه، حتى بدت نواجذه الكريمة، بعض النسخ: أنيابه ولا فرق، تبدو النواجذ وتبدو الأنياب، ثم قال: ((أطعمه أهلك)) منهم من يقول: أن الكفارة تسقط، تسقط لأنه إن لم تسقط لألزمه بإخراجه؛ لكن أنا أقول: لا دليل في هذا، لا دليل في هذا، والجادة أنها تثبت في ذمته متى أيسر، إن مات معسراً فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، تبقى في ذمته، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطاه إياه، وقال: ((أطعمه أهلك)) ولم يتعرض للكفارة أنها ذهبت أو ما ذهبت، الآن أهله يحتاجون إلى إسعاف، ما بين لابتي المدينة أفقر منهم، يبغون من يسعفهم، ما عندهم أكل، فيقدمون يسعفون بمثل هذا، والكفارة تبقى دين في ذمته، إن مات وهو معسر فالله -جل وعلا- يتولاه، والجادة والقاعدة أنها تبقى دين في ذمته، لأن منهم من يقول: أنه ما دام أعطاه العرق الذي فيه التمر، وقال: كله أنت وعيالك، يعني أن ما فيه كفارة، بل زاده على ذلك بأن أعطاه تمراً، فكيف يعطيه تمر يأكل هو وأولاده وهو مطالب بكفارة؟ نقول: ممكن، يعني متصور، قال: خذ هذا التمر كلوه، وسدوا خلتكم منه، والكفارة تبقى كما يرجع العادة.(23/8)
بالنسبة لقضاء ذلك اليوم جاء في بعض الروايات من وجوه، يقول ابن حجر: أنها من وجوه تثبت أنه يلزمه قضاء اليوم، قال: ((صم يوماً مكانه)) وهذه هي القاعدة أن من أفطر يوماً لزمه أن يقضيه، من ترك صلاة عليه قضاؤها؛ لكن هل يدخل في هذا المتعمد وغير المتعمد؟ يعني ترك صلاة متعمداً حتى خرج وقتها، يقضي وإلا ما يقضي؟ أفطر يوم من رمضان عمد من غير عذر، يقضي وإلا ما يقضي؟ الجادة يقضي؛ لأنه إذا أمر المعذور بالقضاء فلأن يؤمر غير المعذور من باب أولى، منهم من يقول: بالنسبة للصلاة، الصيام جاء فيه: ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) يدل على أنه لا يقضي؛ لكن هذا الحديث يدل على أنه يقضي، وإذا كان المعذور يقضي فلأن يقضي غير المعذور من باب أولى، وكونه لا يقضيه صيام الدهر لا يعفيه من الإثم، وإن لزمه القضاء، الصلاة إذا تعمد إخراجها عن وقتها فمن أهل العلم من يقول: أنه لا يقضيها؛ لأن صلاتها بعد خروج الوقت كصلاتها قبل دخوله، والوقت شرط لصحة الصلاة، وتخلف الشرط إذاً لا يقضيها، ونقل ابن حزمٍ عليه الإجماع، نقل ابن حزم عليه الإجماع؛ لكن الأئمة الأربعة كلهم على خلافه، بل نقل بعضهم الإجماع على وجوب القضاء، فعامة أهل العلم على وجوب القضاء، وهو الراجح.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء المرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
باب الصوم في السفر وغيره:
عن عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "أصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، قال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فافطر)).
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا نسافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر عن الصائم".
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في حرٍ شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه سلم- وعبد الله بن رواحة".(23/9)
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ((ما هذا؟ )) قالوا: صائم، قال: ((ليس من البر الصوم في السفر)) وفي لفظٍ لمسلم: ((عليكم برخصة الله التي رخّص لكم)).
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ فمنّا الصائم، ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يومٍ حار، وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء، فمنّا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصُوّم وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر)).(23/10)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الصوم في السفر وغيره" يعني ما حكمه، "وغيره" غير الصوم في السفر من المسائل الأخرى المتعلقة بهذا الكتاب، كتاب الصيام، فذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي جليل كثير الصيام، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "أصوم في السفر؟ " يعني: أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) وفي هذا دليل على التخيير بين الصيام وعدمه في السفر؛ لأن الأصل أن الحكم في الصيام المستحب، وهو في الواجب أيضاً باعتبار أن السفر وصف علّق عليه رخص فإذا تحقق هذا الوصف فللإنسان أن يصوم وله أن يفطر، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يسافرون للحج والعمرة والجهاد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فمنهم الصائم ومنهم المفطر، ولا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فدل على أن كلاً من الصيام والفطر في السفر جائز، يجوز أن يصوم الإنسان في السفر، ويجوز أن يفطر، والمرجح منهما كسائر الرخص، الأرفق بالمسافر فإذا كان الأنفع للمسافر والأرفق به أن يصوم؛ لأن كثرة الأكل لا تعينه على السفر مثلاً، أو تشق عليه، تشق عليه متابعة السير إذا أكل، فالأصل فضل الصيام، ومعه هذه الفائدة، فيكون الصيام في حقه أفضل، وإذا كان الفطر يعينه على مواصلة سفره ولا يلحقه بذلك مشقة فإنه يكون الفطر في حقه أفضل، فإن لحقته المشقة بصيامه في السفر، فليس من البر الصيام في السفر، كما في الحديث اللاحق "كنا نسافر مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" فدل على أن المسألة يخيّر فيها المكلّف، ومردها إلى اختياره، وهذا يشمل الفريضة والنافلة؛ لأن الفريضة يجوز للمسافر أن يفطر، {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] فالسفر والمرض يبيحان الفطر حتى في رمضان، وأما بالنسبة لصوم النافلة فهو في الأصل مخير، والمتطوع أمير نفسه، فإن وجد أن الفطر أنفع له يفطر، وإن وجد أن الصيام أنفع(23/11)
له يستمر صائماً.(23/12)
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان في حرٍ شديد، حتى إذ كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعبد الله بن رواحة، فدلّ على أنه يصوم -عليه الصلاة والسلام- في السفر، وفي هذا رد على الظاهرية الذين يقولون: أن الصيام لا يجزئ في السفر، صيام رمضان لا يجزئ في السفر، بل يلزمه القضاء، يلزمه الفطر ويلزمه القضاء؛ لأن فرض من شهد الشهر الصيام {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] هذا فرضه، بالمقابل القسم الثاني {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] يعني فيلزمه، أو فالواجب في حقه عدة من أيامٍ أخر، ولا تلزمه العدة إلا إذا أفطر إذاً يلزمه الفطر، وتلزمه العدة يلزمه القضاء أفطر أو لم يفطر، إذ مثل هذا الصيام عند الظاهرية وجوده مثل عدمه، عرفنا حجتهم؟ الآن في رمضان إما أن يكون شاهد الشهر حاضر مقيم، وهذا إما أن يكون سليم البدن صحيح معافى أو مريض، ويقابل المقيم المسافر (من شهد الشهر) حضر في البلد، دخل عليه الشهر، ولم يكن مريضاً ولا مسافراً {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] هذا فرضه، ولا يجوز له بحال أن يفطر إلا إذا عجز، انتهينا من شهد الشهر فرضه الصيام، من كان مريضاً أو على سفر إن شاء فليصم وإن شاء فليفطر، أو فعدة من أيام أخر؟ الذي في الآية؟ {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] هناك من شهد الشهر فالواجب عليه أن يصمه، الواجب عليه الصيام، ومن كان مريضاً أو على سفر هذا القسم الثاني الواجب عدة من أيامٍ أخر، يعني يجب عليه أن يصوم عدة من أيام أخرى بقدر الأيام التي سافرها، وإذا كان يجب عليه أن يصوم عدة غيرها إذاً يلزمه أن يفطر، فلا يصح الصيام عندهم ويلزمه القضاء، عندنا الأحاديث الصحيحة الصريحة أصوم في السفر؟ قال: ((إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر)) "كنا نسافر مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم" الحديث الثالث فيه تنصيص(23/13)
أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام، "وما فينا صائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة" فدل على أن الصيام في السفر يجزئ عن صيام رمضان، وعلى هذا يكون معنى قوله -جل وعلا-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ -فأفطر- فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] ودليل هذا التأويل الأحاديث التي سمعناها، ثم بعد ذلك هذا في حق من لم يشق عليه الصيام، يخيّر إن شاء صام وإن شاء أفطر، وإن كان الصيام يعينه فالصيام في حقه أفضل؛ لكن إن وجد مشقّة شديدة، جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى زحاماً ورجل قد ظلل عليه، فقال: ((ما هذا؟ )) قالوا: صائم، قال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) يعني هذا مع إيش؟ مع المشقّة الشديدة؛ لأن هذا ظلل عليه، صائم وازدحم الناس عليه، وظللوا عليه كي يعينوه على إتمام صيامه، فقال: ((ما هذا؟ )) قالوا: صائم فقال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) لأن الدين يسر، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، وفي لفظٍ لمسلم: ((عليكم برخصة الله التي رخّص لكم))، والله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معاصيه، ((فعليكم برخصة الله التي رخّص لكم)) ومن هذه الرخص الفطر في السفر، فعلى هذا الذي يشق عليه الصيام ليس من البر الصيام في السفر، وإذا كان ليس من البر يكون من إيش؟ ما الذي يقابل البر؟ الإثم، إذا لم يكن العمل من البر إذاً هو من إيش؟ من الإثم، فهل يأثم من صام في السفر وشقّ عليه؟ كما هو حال كثير من الناس، عوام المسلمين يشق عليهم الصيام وأشق منه عليهم أن يفطر، وبعض الناس تجده ليس من أهل التحري المعروف، ولا من المعروفين بالاحتياط للعبادة وغيرها تجده متساهل؛ لكن يقول: أصوم مع الناس ولو شق عليّ ولا أفطر، والناس بعد رمضان راحة ويمين ويسار ومكاشيت، وأنا أقضي الصيام، ولو شق عليه الصيام، نقول: مع ذلك ليس من البر الصيام في السفر؛ لكن مع ذلك لو صام وشق عليه، وظلل عليه مثل هذا نقول: صيامه صحيح ومجزئ لا يلزمه قضاؤه ما دام أمسك عن المفطرات من طلوع الشمس بالنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس هذا صائم، الصيام صحيح ومسقط للطلب(23/14)
ومجزئ؛ لكن يبقى أنه ليس من البر، ويمكن أن يقال: هل نستطيع أن نقول: البر والإثم نقيضان وإلا ضدان؟ يعني هل يمكن أن تصف عمل بأنه ليس ببر ولا إثم؟ طيب العمل المباح بر وإلا إثم؟ أو لا بر ولا إثم؟ لأنه إن كان بر استحق عليه أجر، وإن كان إثم استحق عليه وزر، طيب المباح لا أجر ولا وزر؟ مستوي الطرفين.
طالب:. . . . . . . . .
دعونا من مسألة الصيام، نحن نقابل بين الإثم والبر، وجاء تفسير البر وجاء تفسير الإثم؛ لكن يبقى أنه هل يوجد واسطة بين البر والإثم، ليست ببر ولا إثم، بمعنى أنه لا يؤجر ولا يأثم؟ يوجد وإلا ما يوجد؟ المباح مستوي الطرفين، لا يكتب عليه أجر، ولا يكتب عليه وزر، باعتبار أنه مستوي الطرفين، إذاً نخلص من هذا أن الإثم والبر متقابلان، يبقى أنه هل هناك واسطة بينهما أو لا واسطة؟ أثبتنا المباح، إذاً هل البر والإثم من النقيضين أو من الضدين؟
طالب:. . . . . . . . .(23/15)
ضدان؟ نقيضان؟ إيش معنى نقيضان؟ إيش معناها؟ يعني لا يجتمعان، أو ضدان يجتمعان وإلا ما يجتمعان؟ لا يجتمعان ولا يرتفعان، والضدان؟ لا يجتمعان وقد يرتفعان، يحل محلهما أمر ثالث، السواد والبياض ضدان؟ بمعنى أنه لا يمكن أن يجتمعان في حقيقةٍ واحدة؛ لكن يمكن أن يرتفع البياض والسواد يبقى المكان أخضر؛ لكن لو كانا نقيضين ما اجتمعا ولا ارتفعا، لا بد من وجود أحدهما، وهنا نقول: هذا العمل إذا ارتفع البر يثبت الإثم؟ كما عندنا ليس من البر إذاً إثم؟ أو نقول: لا بر ولا إثم؟ مو قررنا أن المباح بين الإثم والبر يعني ما عندنا الأحكام التكليفية الخمسة، عندنا في جهة الواجب والمندوب، وفي الجهة الأخرى المحرم والمكروه، بين هذه الأقسام واسطة وهو المباح، يعني لا مع هذا ولا مع هذا، الواجب والمندوب يؤجر عليهما، المكروه والمحظور لا يؤجر عليهما، يبقى المباح مستوي الطريفين، فإذا أثبتنا هذه الواسطة قلنا: أنه يوجد عمل لا بر ولا إثم، بمعنى أن صاحبه لا يأثم ولا يؤجر عليه، وقل مثل هذا في كتابة الملكين، ما يبحثون قضية هل يكتب الملكان كل شيء؟ يكتب الملكان كل ما يلفظ به ابن آدم؟ {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق] نعم يكتب كل شيء؛ لكن هذا كلام مجرد أخبار صحيحة، مثلاً لو قلت: قام زيد أو قدم زيد، يكتب وإلا ما يكتب؟ تأثم وإلا ما تأثم؟ أنت تشرح في باب الفاعل مثاله: قام زيد، هذا الكلام فيه إثم وإلا ما فيه إثم؟ أو مثلاً تخبر عن شخص من الناس أنه جاء، نعم ما يترتب على هذا الخبر، ما يترتب عليه من تعليم الناس في قام زيد في النحو، هذا تؤجر عليه إذا قلت: قام زيد، أو تقول: قدم زيد من السفر، إن كنت تريد أن تبشر به أحبابه وأصحابه تؤجر على هذا؛ لأنك أدخلت السرور عليهم؛ لكن إن كنت تخبر عدو له يترصد له؟ تأثم، دعونا من هذه المؤثرات كلها، شخص قال: نام الولد، يأثم وإلا ما يأثم؟ هل هذا بر وإلا إثم؟ لا بر ولا إثم، كلام مباح، لا بر ولا إثم.(23/16)
فإذا قلنا: أن البر والإثم نقيضان فلا بد إما أن يأثم وإلا يؤجر، وعلى هذا ليس من البر إذاً إثم، وإذا قلنا: هما ضدان، قلنا: يمكن يكون ليس ببر يؤجر عليه لكن ما يأثم؛ لكن لا يأثم، لثبوت الواسطة، ونعرف أن أكثر الإخوان أو كثير منهم ما فهم الذي أنا أقول؛ لكن ما في أكثر من هذا التكرار، ليس من البر هل هناك واسطة بين البر والإثم؟ يعني هل نقول: أن البر والإثم نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان؟ بمعنى لا بد من وجود أحدهما؟ إذا قلنا: أنه ليس من البر يعني إثم، إذا قلت: هذا الشاخص يعني قدامك صورة إنسان، إذا قلت: هذا ليس بذكر وش يصير؟ أنثى، انتهى الإشكال، ما أدري ذكر وإلا أنثى؟ كونه خنثى مثلاً عنده آلة ذكر وآلة أنثى هذا نادر ما يمثّل به، إذاً متقابلان تقابل الوجود والعدم، يعني نقيضان، والذي عندنا يمكن أن يوجد شيء ليس ببر ولا إثم، إذاً الصيام على حسب المشقّة، إن كان يضر بصاحبه يأثم للضرر، حتى لو لم يكن مسافر، مريض قالوا له الأطباء: لا تصوم فصام ومات، أو زاد مرضه، أو تأخر برؤه يأثم، هذا إثم صيامه، وهناك الصيام الأصل فيه أنه البر، وبينهما مرتبة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف يجتمع؟ هذا شخص مريض، وقالوا له الأطباء: لا تصوم، وجاء رمضان وصام يرجو ثواب الله، والصيام من أفضل الأعمال، هل نقول: أنه يؤجر على صيامه ويأثم عليه في الوقت نفسه؟ يؤجر ويأثم؟ يعني مع اتحاد الجهة ما يمكن، مع انفكاك الجهة يؤجر باعتبار، ويأثم باعتبار ممكن، هذا صائم رمضان ويغتاب الناس انفكت الجهة له أجر الصيام وعليه إثم الغيبة؛ لكن يكون الشخص مأمور منهي من جهةٍ واحدة، قالوا له الأطباء: لا تصوم، والشرع يقرر أنك لا تصوم إذا قال لك الأطباء: لا تصوم، وأنت تقول: أبي أصوم؟ إذاً لا تؤجر على هذا الصيام، تأثم.(23/17)
حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفرٍ فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يومٍ حار، وأكثرنا ظلاً صاحب الكساء -الذي عنده كساء يتظلل به- فمنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام -الصائمون سقطوا من الإعياء والتعب والجوع والعطش والحر الشديد- وقام المفطرون" يعني لما وصلوا إلى المكان الذي يريدون الإقامة فيه، تجد الصوام كل واحد في جهة، "سقط الصوام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذهب المفطرون اليوم بالأجر)) الصائم نفعه متعدي وإلا قاصر؟ قاصر، والمفطر الذي ضرب الأبنية، وسقوا الركاب، وخدموا إخوانهم نفعهم متعدي وإلا قاصر؟ متعدي، أيهما أفضل النفع المتعدي وإلا القاصر؟ فيه خلاف وإلا ما فيه خلاف؟ أيهما أفضل الصلاة وإلا الزكاة؟ أنتم أجمعتم على أن النفع المتعدي أفضل من القاصر، أنا أقول: أيهما أفضل الصلاة وإلا الزكاة؟ الصلاة نفعها متعدي وإلا قاصر؟ والزكاة نفعها متعدي وإلا قاصر؟ نقول: نعم، القاعدة العامة أن النفع المتعدي أفضل من القاصر؛ لكنها قاعدة أغلبية، بحسب قوة هذا التعدي، وهذا القصور.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان".(23/18)
عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق تلاحظ حال النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتخدمه الخدمة التامة من جميع الوجوه، يكون عليها الصوم من رمضان تفطر لما يعتريها مما يعتري النساء من عوارض موجبة للفطر، فلا تصوم في شوال، ولا في القعدة، ولا في ذي الحجة، ولا محرم، ولا صفر، تتحيّن حتى يضيق الوقت عليها، ويجب عليها القضاء؛ لأنه قضاء على التراخي، القضاء على التراخي، وتلاحظ مكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها؛ لأنه قد يأتي في يوم من الأيام وهي صائمة يطلب منها شيئاً لا تستطيعه؛ لكن إذا ضاق الوقت بقي من شعبان بقدر ما عليها من قضاء تعيّن، وجب عليها أن تقضي قبل أن يدخل رمضان الثاني، فعائشة -رضي الله عنها- لا تستطيع أن تقضي إلا في شعبان، فدل على أنه لا بأس في تأخير قضاء رمضان إلى شعبان، لا بأس، مع أن المبادرة والمسارعة لإبراء الذمة أفضل؛ لكن هذه المبادرة وهذه المسارعة عارضها ما هو أهم منها وهي حاجة الزوج ومصلحة الزوج، ما تستطيع أن تقضي إلا في شعبان، هل عائشة تصوم الست؟ تصوم يوم عرفة؟ تصوم عاشوراء وإلا ما تصوم؟ تصوم وإلا ما تصوم؟ الست، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء؟ فضلاً عن الأيام الأخرى الاثنين والخميس والبيض وعشر ذي الحجة، تصوم وإلا ما تصوم؟
طالب: تصوم.(23/19)
طيب ليش تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم هذا واجب قضاء رمضان يجب عليها وجوب فتتركه من أجله، فكيف لا تترك النوافل؟ يعني هل يصح صيام النفل قبل القضاء أو لا يصح؟ هل يصح التنفل بالنسبة لمن في ذمته قضاء، يعني بقي ستة أيام من شوال وعليها ستة أيام تقول: أصوم الست وإلا أصوم القضاء؟ يقول: يفوت الست تروح؛ لأنها واجب، نعم القضاء ألزم، وهل تتصور الست مع بقاء القضاء؟ من صام رمضان وأتبعه .. الذي في ذمته قضاء يكون أتبع رمضان الست، ما أتبع، على كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم منهم من يقول: لا يتصور أن عائشة ما تصوم هذه الأيام، ما يتصور أبداً أنها ما تصوم، يعني أقل المسلمين شأناً ما يفطر بصوم يوم عرفة الذي يكفر سنتين، ولا بيوم عاشوراء يكفر سنة، الست كأنه صام الدهر كله، هذه الأمور ما يفطر بها أقل .. فكيف تفرط بها أم المؤمنين؟ منهم من يجيز التنفل قبل القضاء؛ لأن الوقت فيه متسع، طيب النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فاتته صلاة الصبح وطلعت عليه الشمس، وهو ما صلى الصبح بدأ بالنافلة وإلا بدأ بالفريضة؟ بدأ إيش؟ بالنافلة أذن وأقام وتوضأ وصلى نافلة الصبح، ثم صلوا الفريضة؛ لكن هذه النافلة متعلقة بالفريضة تعلقاً قبلياً، فهذه شأنها غير، الآن من في ذمته فرض، هل له أن يتنفل قبل أداء هذا الفرض؟ ما في متسع الحين، بلا شك، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليه مما افترضته عليه؛ لكن يبقى أن هذا لا يعني الوجوب والإلزام، مثل هذا لا يقتضي الوجوب، وجوب تقديم الفرض على النافلة، إلا إذا كان الوقت لا يستوعب إلا الفرض أو النافلة؛ لكن الوقت يستوعب، قدامك إحدى عشر شهراً، هو من حيث النظر ينتاب مثل هذا الحديث أمران: الأمر الأول: لا يتصور من عائشة أن تفرط بمثل هذا الأجر العظيم، وآحاد الناس يفعلونه ممن هو أقل من عائشة شأناً، والأمر الثاني: مما ينتاب مثل هذا الحديث أنه لا يتصور أن تؤخر القضاء لمكانة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتنشغل بنوافل، لو انشغلت بشيء اشتغلت بالفريضة، وعلى كل حال مثلما ذكرنا من راجع قواعد ابن رجب وغيرها في مسألة: من في ذمته فرض هل يجوز له أن يتطوع بشيءٍ من جنسه قبل(23/20)
أداء الفرض أو لا؟ من كان في ذمته قضاء فرض مثلما هنا "فما أستطيع أقضي إلا في شعبان" فالحد الذي ينتهي فيه التراخي في القضاء هو شعبان؛ لكن إذا دخل رمضان الثاني، ولم يصم ما عليه من رمضان السابق يسقط عنه القضاء وإلا ما يسقط؟ ما يسقط القضاء، عليه أن يقضي ما أفطره من رمضان الماضي، ثم بعد ذلك عليه مع ذلك كفارة عليه إطعام، هذا كلام ابن عباس واعتمده كثير من أهل العلم؛ لكن الإمام البخاري يقول: إن الله -جل وعلا- ما قال إلا عدة من أيام أخر، ولم يذكر إطعام، وهذا يرجحه بعض المحققين.
طالب:. . . . . . . . .
يعني عليها ستة أيام قضاء من رمضان وبقي ستة أيام تقول: ندخل هذا بهذا، ندخل النفل بالفريضة، تداخل العبادات، ما في شيء اسمه تداخل عبادات، إذا جئت والإمام راكع تكبر تكبيرة الإحرام تدخل فيها تكبيرة الركوع، صح وإلا لا؟ إذا أردت أن تغتسل، تغتسل ويدخل الوضوء، إذا اجتمع عبادتان من جنسٍ واحد، قاعدة التداخل في العبادات معروفة وإلا ما هي معروفة؟ يدخل فيها مثل هذا وإلا ما يدخل؟ يدخل مثل هذا الصيام؟ هي بقي عليه ستة أيام من رمضان وبقي ستة أيام من شوال؟
طالب:. . . . . . . . .
ضيق ونحن نريد أن ندخل النفل بالفريضة، مثلما أدخلنا تكبيرة الركوع بتكبيرة الإحرام.
طالب:. . . . . . . . .
شلون؟ هي تبي تصوم ستة بس، تقول نبي الجميع -إن شاء الله-، يعني مثلما تدخل صلاة الفجر مثلاً تجد الإمام ما أقيمت الصلاة تبي تصلي ركعتي الفجر الراتبة، يدخل فيها تحية المسجد.
طالب:. . . . . . . . .(23/21)
شلون ما يدخل؟ خلونا في مسألة ثانية، عشر ذي الحجة، عليه تسعة أيام وتبي تصوم من الأول إلى التاسع وتقول: هذي التسعة النفل ندخلهن مع الفرض؟ عبادتان من جنسٍ واحد تدخل الصغرى في الكبرى لماذا؟ فيه قيد لا بد منه في قاعدة التداخل، وهو شريطة أن لا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، ما لكم عناية بالقواعد يا إخوان، أنت دخلت وجدت الإمام أقام لصلاة الصبح ما يكفيك عن تحية المسجد؟ تكفي، المقصود أن قاعدة التداخل يشترط فيها أن لا تكون إحداهما مقضية والأخرى مؤداة، فلا يصح التداخل في مثل هذا، الكلام طويل والأحاديث كثيرة، ونبي اليوم -إن شاء الله- نبي نقف على الباب الذي يليه، نبي نكمل الأحاديث، باب أفضل الصيام وغيره، ولذلك تجدون بعض المسائل نبسطها قليلاً ثم نرجع، ما نسترسل، لو استرسلنا في كل شيء ما مشينا.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) وأخرجه أبو داود، وقال: هذا في النذر خاصة، وهو قول أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: "إني أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفأقضيه عنها؟ فقال: ((لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ )) قال: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يقضى)) وفي رواية: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إني أمي ماتت وعليها صوم نذرٍ أفأصوم عنها؟ فقال: ((أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ )) قالت: نعم، قال: ((فصومي عن أمك)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) أخرجه أبو داود، وقال: هذا في النذر خاصة، وهو قول أحمد بن حنبل، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: "إني أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفأقضيه؟ فقال: ((لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنه؟ )) قال: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يقضى)).(23/22)
الحديث الأول: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) هذا مطلق، أي صوم يشمل أي صوم، يشمل الواجب والمندوب ويشمل ما وجب بأصل الشرع وما أوجبه الإنسان على نفسه، فهو مطلق، والثاني الذي يليه مثله، "أن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ أفأقضيه؟ قال: ((لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ )) قال: نعم استعمال الأقيسة من قبله -عليه الصلاة والسلام- قال: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يقضى)) هذا أيضاً مطلق ليس فيه قيد بالنذر ولا غيره، ويستدل به من يقول: أن الصيام يقضى عن الميت، الصيام إن كان عليه صوم يقضيه وليه، سواء كان هذا الصيام مما وجب بأصل الشرع أو أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر، الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقيّد هذه النصوص المطلقة في الرواية الثالثة، الحديث الثالث وفي رواية: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: إني أمي ماتت وعليها صوم نذرٍ -هذا مقيد بكونه نذر- أفأصوم عنها؟ فقال: ((أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ )) قالت: نعم، قال: ((فصومي عن أمك)).(23/23)
الحديث الأخير حديث ابن عباس بروايتيه، السؤال الأول السائل رجل والثاني السائلة امرأة، والكل من حديث ابن عباس، هل هي قصة واحدة أو أكثر من قصة، أو هذه امرأة جاء ولدها يسأل، امرأة واحدة جاء ولدها يسأل ثم جاءت البنت تسأل؟ وش نستفيد من هذا؟ أنها إذا كانت قصة واحدة وميتة واحدة صيامها صيام نذر وانتهى الإشكال، صح وإلا لا؟ وإذا قلنا: بتعدد القصة قلنا: المرأة الأولى من رمضان والثانية نذر، وش اللي يمنع؟ فيه ما يمنع؟ لأن الأولى ما فيها ما يدل على أنه نذر، هل هذا من باب الإطلاق والتقييد، يعني إذا قلنا: بتعدد القصة احتمال قائم أن الأولى عليها نذر وإلا صيام من رمضان؟ بينما الثانية نص في أنه نذر، والنص الأول: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) هذا مطلق ما قيّد، هل نقول: هذا عام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) عام؟ يشمل جميع أفراد الصيام؟ (من مات وعليه صيام) نكرة في سياق الشرط فتعمّ جميع أنواع الصيام، والتنصيص على النذر لا يقتضي التخصيص؛ لأن التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، فيبقى أن كل من مات وعليه صيام يصوم عنه وليه، سواء كان من رمضان أو نذر، أو كفارة.
طالب:. . . . . . . . .(23/24)
إيه؛ لكن الخلاف مبني على قواعد وأسس، نحن ما نستدل بالخلاف إنما نستدل للخلاف، يعني خاص بالنذر، كما قال الإمام أحمد، إذا افترضنا أنهما قضيتين، واحد جاء للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: أمه ماتت وعليها صوم، وش يدريك أنه نذر؟ تبي تقول لي: القصة الثانية دلت على أنه نذر، نقول: قصة أخرى هذه قصة ثانية، الأولى ماتت وعليها صيام افترض أنه من رمضان، ويحتمل أنه نذر؛ لكن يتناول هذا وهذا، لعمومه، والثاني نص في النذر، فهل نقول: يحمل المطلق على المقيد، فلا يصح الصوم؛ لأنه عبادة بدنية كالصلاة لا يصح أن يصوم أحد عن أحد، يعني ما وجب بأصل الشرع من صيام كالصلاة؛ لكن هل لنا أن نقول: من نذر أن يصلي ومات يصلى عنه وإلا ما يصلى عنه؟ لا يصلى عنه، طيب من مات وعليه صوم رمضان يصام عنه من رمضان، وإلا خاص بالنذر؟ يعني عندنا النص العام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) يتناول رمضان ويتناول الكفارات، مات وعليه صوم شهرين متتابعين، يصوم عنه وليه وإلا ما يصوم؟ الإمام أحمد خص النيابة في الصيام بالنذر، وما عدا ذلك ما وجب بأصل الشرع لا يدخله النيابة كالصلاة، والأكثر على أن النص عام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وما دام قبل النيابة في النذر يقبل النيابة في الثاني، وهذا قول الأكثر؛ لكن شيخ الإسلام يرى وابن القيم أيضاً يقرر أن رأي الإمام أحمد هو الصحيح، هو الصواب، أولاً: لما جاء من التقييد في كونه تصوم النذر؛ ولأن المعنى يقتضيه، يعني ما أوجبه الله على الإنسان، ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) هو ما استطاع يصوم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، خلاص مات، هذا لا يقبل النيابة، عبادة بدنية لا تقبل النيابة كالصلاة؛ لكن إذا نذر يعني شيء أوجبه على نفسه، يرى أنه لم يجب بأصل الشرع فيقبل النيابة، وهذا رأي الإمام أحمد، وعلى كل حال هل نقول: أن الأحاديث بينها تعارض أو لا تعارض بينها؟ وهل هذا التعارض من باب العموم والخصوص، أو من باب الإطلاق والتقييد؟ إذا قلنا: من باب الإطلاق والتقييد نحمل المطلق على المقيد ونرجح رأي الإمام أحمد، وإذا قلنا: عموم وخصوص والتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص فيلزم كل من مات(23/25)
وعليه صيام أن يصوم عنه وليه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم أيه؟ يعني هل هناك فرق بين أن نقول: مطلق ومقيد وعام وخاص؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب نذر أن يصوم ومات ما صام، يصوم عنه وليه وهذا ما فيه إشكال، هذا منصوص عليه ومنتهي؛ لكن لو مات وعليه من صوم رمضان يصوم عنه وليه وإلا ما يصوم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش الستين مسكين؟ .... عشانه؟ يطعم عن كل يوم مسكين، يعني البدل الإطعام؛ لأن قضاء رمضان له بدل وهو الإطعام، أظن المسألة لن تنتهي، قياس ما وجب بأصل الشرع لا ما وجبه الإنسان، ابن القيم يقول: مع الفارق ما يأتي قياس هنا لوجود الفارق، يعني ما أوجبه بأصل الشرع مثل الصلاة، سواء بسواء، عبادة بدنية ليس فيها شوب مال فلا تدخلها النيابة، عبادة مالية تدخلها النيابة كالحج؛ لكن الصيام عبادة بدنية.
طالب:. . . . . . . . .
ذكرناها هذه؛ لأن فيها النص الوارد: ((لا يصلي أحد عن أحد)) أما الصيام فجاء فيه: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) فالإشكال في حمل المطلق على المقيد، يعني يحمل على هذه الصورة التي جاء فيها القيد وأنه صيام نذر، وهذا ما استروح إليه الإمام أحمد ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم، وأن الأصل في العبادات البدنية لا تقبل النيابة، فيبقى ما جاء على خلاف هذا الأصل، يحمل على الصورة المقيدة المبيّنة.
وعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخيرٍ ما عجلوا الفطر)).
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النار من هاهنا فقد أفطر الصائم)).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، قالوا: إنك تواصل؟ قال: ((إني لست مثلكم، إني أطعَم وأسقى)) رواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك، ولمسلمٍ عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: ((فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور)).(23/26)
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا بد، أقول: الحديث واضح في استحباب تعجيل الإفطار؛ لكن لا يحمل مثل هذا النص على أن يفطر الناس قبل التحقق من غروب الشمس، كما أن قوله: ((وأخروا السحور)) لا يحملهم هذا على الاسترسال في الأكل بعد طلوع الصبح؛ لأن الفطر قبل غروب الشمس مبطل للصيام، والأكل بعد طلوع الصبح مبطل للصيام، يعني بعد تحقق غروب الشمس يبادر الناس بالفطور، وبعد تحقق طلوع الفجر يبادر الناس بالكف، وبعض الطوائف تنتظر في الفطور حتى تشتبك النجوم، بعض طوائف المبتدعة، وفي هذا مخالفة للسنة الصحيحة الصريحة، وإذا ارتفع الناس عن الخير، لا يزال الناس بخير، إذا ارتفع الخير ثبت الشر، الذي يفوته الخير ينعله الشر، والذي يفرط في السنة يقع في بدعة، فإذا أمات الناس السنة أحيت بدعة، والعكس، إذا ابتدع الناس شيئاً مات بقدره من السنة، واليهود والنصارى كانوا يؤخرون والرافضة يؤخرون الفطر حتى تشتبك النجوم، الخير في الاتباع، فتعجيل الفطر هو الخير؛ لأن فيه اتباع ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما أن تأخير السحور كذلك، ينتظر بعض الناس الفطر، ينتظرون غروب الشمس، وبعض الناس قد بدأ بالورد مثلاً، أذكار المساء، ويريد أن يكمل قبل فطره، نقول: لا يا أخي، لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، مجرد ما تحقق غروب الشمس أفطر.(23/27)
قضية حصلت ناس ينتظرون الفطور فقالوا لشابٍ من شبابهم: اخرج فاسمع الأذان وأخبرنا لأننا لا نسمع الأذان، ونحن داخل البيت، في مجمع، خرج هذا الولد فأذن، أذن الولد فأفطروا؛ لأن الاعتماد على الصبيان مشكل، والصبي غير مكلف، ويعرف أنه لن يعاقب ولا يحاسب، ما عنده مشكلة، هل تتصورن أن بعض الصبيان لما دخلوا شقة في بلد من البلدان والشقة ملزق فيها علامة القبلة بادر واحد من البزران وعكسها كذا، وجلسوا شهر يصلون إلى غير القبلة، فلا يجوز الاعتماد على غير الثقات، فلا يقبل خبر مثل هذا أبداً، لأن هذه عبادة وبعض الناس يتساهل، يرسل طفل وإلا شيء يقول: اسمعوا أذن وإلا ما أذن؟ يلتبس عليه الأمر فيظنه أذن، أو ينتظر الأذان ثم يكون المذياع مفتوح وإلا شيء، يؤذن قبل يسمع أذن الكويت مثلاً وهم يؤذنون قبلنا بمدة فيفطر يسمع الأذان، لا، عليك أن تتحقق، لا يحملك مثل هذا الخبر على أن تتعجل قبل غروب الشمس، نعم تعجيل الفطر من السنة، ولا يزال الناس بخير ما عجلوا؛ لكن لا يحمل الإنسان الحرص على مثل هذا الخير أن يفطر قبل غروب الشمس، ولا أن يأكل بعد طلوع الفجر.
يقول: وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم)) وهذا أيضاً كسابقه فيه دليل على استحباب تعجيل الفطر، شريطة أن يتأكد ويتحقق من غروب الشمس؛ لأن في روايةٍ عند البخاري: ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) يعني هل أفطر حقيقةً وإلا حكماً؟ أو هو خبر يراد به الأمر؟ يعني إذا أقبل الليل وأدبر النهار فليفطر الصائم، أفطر يعني دخل في الإفطار، كما تقول: أظلم وأنجد وأكثم وأمسى وأصبح، دخل، لكن هل نقول: أنه أفطر حكماً بناءً على هذا الخبر؟ إذا قلنا: أفطر حكماً ما صار هناك وصال، والناس كلهم تعجلوا، كلهم تعجلوا الفطر خلاص، ما دام أنهم مفطرون، مفطرون، أو أنه دخل في وقت الفطر الشرعي، فعليه أن يحقق هذا الحكم بالفعل.
طالب:. . . . . . . . .(23/28)
إيه، بعض المؤذنين من باب الاحتياط يؤخر خمس دقائق، يقول: لا نأثم الناس ونتأكد، على كل حال المعتمد غروب الشمس، وينوب عنها المؤذن الثقة الذي يرقب الغروب، غروب الشمس، والتقويم معمول به، والمؤذنون يؤذنون عليه.
طيب ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا)) قصة أبي حنيفة -رحمه الله- ماداً رجله وهو في الدرس، ولا يقال: أن هذا سوء أدب؛ لأنه شيخ كبير يحتاج إلى مد الرجل، ماد رجله في الدرس فجاء شخص ذو هيبة وهيأة وشارةً حسنة وجلس بجانب الإمام ابتعد عنه الطلاب، الإمام يشرح هذا الحديث ((إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا)) قال: طيب إذا أقبل الليل ولم يدبر النهار؟ أبو حنيفة -رحمه الله- لما رأى هذا الرجل كف رجليه، تحمل المشقة؛ لكن لما قال الرجل هذا الكلام قال: الآن يمد أبو حنيفة، آن له أن يمد رجله؛ لأن المظاهر، مظاهر الناس لا تدل على المخابر، فمن لازم إقبال الليل إدبار النهار، يعني من جهة المشرق ظلمة، ومن جهة المغرب بقايا وضحضاح النور، يقبل هذا ويدبر هذا.
((فقد أفطر الصائم)) على كل حال هذه تقدر بقدرها؛ لأن بعض البلدان نهارهم قليل وليلهم طويل جداً وبعضهم بالعكس، الأمور تقدر بقدرها.(23/29)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، الوصال: أن يقرن بين يومين لا يفطر بينهما، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، قالوا: يا رسول الله إنك تواصل؟ فيه مراجعة للقدوة ليتأكدون هل المقصود حقيقة النهي؛ لأنه يخالف قوله فعله -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: إنك تواصل؟ قال: ((إني لست مثلكم، إني أطعَم وأسقَى)) وفي روايةٍ: ((أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) (أطعَم وأسقَى) هل هذا الإطعام حقيقي أو معنوي؟ لأنه لو كان حقيقياً انتفى الوصال، ما صار في وصال لو كان يأكل حقيقة ويشرب؛ لكن معنوي كيف معنوي؟ غذاء معنوي؟ وهل للأمور المعنوية أثر في الأمور الحسية؟ ما في شك أن الله -جل وعلا- يفيض عليه من العلوم والمعارف ما يسد به حاجته، وهذا أمر مشاهد، تجد بعض الناس يقدم الطعام والشراب وليس له فيه حاجة؛ لأنه منهمك في عمل وإلا علم وإلا شيء ينفعه، ومع ذلك تجد مثل هذا من أقوى الناس من باب الإعانة الإلهية؛ لأنه لو كان طعاماً حقيقة لانقطع الوصال، وهو طعام معنوي، كما قال ابن القيم وغيره، يقولون: إن من له أدنى ذوق وتجربة بالعبادة أدرك شيء من هذا، الاستغراق في المناجاة، مناجاة الرب -جل وعلا-، والإقبال عليه غذاء للروح والبدن، كما أن بعض الأمراض تعالج بالعبادة، بعض الأمراض الحسية تعالج بالعبادة، وهي علاج معنوي، وإذا كانت الأمراض تشفى بالرقية، أمراض واقعة بالرقية والأمور المتوقعة الضارة تدفع بالدعاء فهذا منه، نوع منه، التجاء إلى الله -جل وعلا-، وانكسار بين يديه وتلذذ بمناجاته، هذا يغني عن الأكل والشرب؛ لكن ليس معنى هذا ما يتذرع به بعض الطوائف المنحرفة من أن الواحد منهم يجلس أربعين يوم ما يأكل ولا يشرب، أربعين يوم ما يأكل ولا يشرب، ثم بعد ذلك تفتح له الفتوح، ويتراءى له أشياء، ويخبر عن مغيبات، ويكون لديه من المكاشفات والتجليات ما ليس عند غيره.(23/30)
والحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في سير أعلام النبلاء ذكر عن بعضهم هذا الكلام، وقال: إن هذا هلوسة يعني من الجوع، يتوقع أن شيء رايح وشيء جاي وشيء .. وهو ضرب من الجنون؛ لأن الجوع يورث مثل هذا، فالإنسان إذا جاع جوعاً شديداً يتراءى له أناس غادون ورائحون وأشجار وأنهار، يخيل إليه، وهو ضرب من الهذيان والهلوسة، طيب ما يذكر من الإضراب عن الطعام أولاً: أم سعد بن أبي وقاص أضربت عن الطعام حتى يرتد سعد -رضي الله عنه-، وكان يُفتح فمها بعود –بعصا- ويصب فيه شيء من الطعام والشراب، وبعض المسلمين يطالبون بحقوقهم ولا يلتفت إليهم إلا بهذه الطريقة، كم دخلوا الآن يومهم إيش؟ في السجون الإسرائيلية كم؟ حوالي عشرين يوم؛ لكن هل هذه طريقة شرعية؟ يضربون عن الأكل والشرب؟ قد يقول قائل: أن واقعهم أسوأ من الجوع والعطش، الواقع الذي يعيشونه في السجون أسوأ من الجوع والعطش، وإذا كان هذا عرف عالمي، إذا أشرف الإنسان على الهلاك يخرج من السجن أو شيءٍ من هذا، هذه مسائل يعرفونها هم، ويقدرونها قدرها؛ لكن هو في الجملة وفي الأصل ليس بحلٍ شرعي؛ لأن هذه تهلكة خطر يموت؛ لكن بعضهم يقول: إذا لم يكن هناك وسيلة لاستخراج الحق إلا بواسطتها.
إذا لم يكن إلا الأسنّة مركباً ... فما حيلة المضطر إلا ركوبها
يقول: ما عندهم غير هذه الوسيلة، هم يعاملون معاملة سيئة جداً، والعرف العالمي مثلاً يتصورن هذا أو يتناقلونه أنه إذا حصل مثل هذا الإضراب يخفف عنهم، أو يخرج بعضهم أو يخرجون، أو ينظر في أمرهم والله المستعان، نسأل الله -جل وعلا- أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب أفضل الصيام وغيره:(23/31)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: أخبرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنت الذي قلتَ ذلك؟ )) فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر)) قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصم يوماً وأفطر يومين)) قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود -عليه السلام-، وهو أفضل الصيام)) قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك. فقال: ((لا أفضل من ذلك)) وفي روايةٍ قال: ((لا صوم فوق صوم أخي داود -عليه السلام- شطر الدهر صم يوماً وأفطر يوماً)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب أفضل الصيام وغيره" باب أفضل الصيام، وباب مضاف وخبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا باب، وأفضل مضاف إليه، مضاف إلى باب، وأفضل مضاف والصيام مضاف إليه، والواو عاطفة وغير معطوف، والمعطوف على المجرور مجرور؛ لكن أين المعطوف عليه؟ باب أفضل الصيام وغيره، (غير) معطوفة على إيش؟ و (غيره) معطوف على إيش؟ على الصيام أقرب مذكور وإلا على أفضل؟ نعم، من يجيب؟ عندنا مضاف ومضاف إليه، (أفضل الصيام) وما يعطف عليه وغيره؟ معطوف على المضاف إليه على الصيام؟ ولو قلنا: على الأفضل، ما الذي يترتب على ذلك؟ وما الضابط في مثل هذا؟ التابع للمتضايفين هل يكون تابعاً للمضاف أو للمضاف إليه؟ التابع: النعت والبدل والعطف يكون على المضاف أو على المضاف إليه؟ نعم، على المضاف إليه لأنه أقرب؟ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(27) سورة الرحمن] ذو: وصف للمضاف وإلا المضاف إليه؟ للمضاف، بدليل؟! أنه مرفوع، {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [(78) سورة الرحمن] للمضاف إليه؛ لأنه مجرور، طيب صار في قاعدة وإلا ما في قاعدة؟ (مررت بغلام زيد الفاضلِ) الفاضل زيد وإلا غلامه؟
طالب:. . . . . . . . .(23/32)
الاحتمال قائم، يمكن الغلام أفضل من زيد، ما يدريك؟ هذه لا بد من الانتباه إليها لأنها في غاية الأهمية، باب أفضل الصيام وغيره، إذا قلنا: العطف على الصيام على المضاف إليه قلنا: باب أفضل الصيام وأفضل غير الصيام، يعني أفضل الزكاة، أفضل الصلاة، هذا مطلوب وإلا لا؟ هذا هو المراد هنا؟ ذكر أفضل الصلاة وأفضل الزكاة، إذا قلنا: معطوفة على الصيام، قلنا: التقدير باب أفضل الصيام وأفضل غير الصيام من الصلاة والزكاة وسائر الطاعات، وإذا قلنا: معطوفة على المضاف (أفضل) باب أفضل الصيام وباب غيره يعني أفضل الصيام شيء تحدث عنه المؤلف وتحدث عن غير هذا الباب، غير أفضل الصيام، مما يكره صيامه، ومما يحرم صيامه، فهل يدخل ما يحرم صيامه وما يكره صيامه في أفضل الصيام؟ هذا شيء آخر تماماً، إذاً هو معطوف على الصيام وإلا على غير؟ على (أفضل) معطوف على أفضل، لأننا لو عطفناه على الصيام أتينا لأن العطف على نية تكرار العامل، العطف على نية تكرار العامل، إذا قلنا: باب أفضل الصيام وأفضل غير الصيام، ويدخل في هذا الصلاة والزكاة وبر الوالدين وسائر الوالدين وسائر الطاعات، لكن هذا غير مراد قطعاً، إنما المراد باب أفضل الصيام وباب غير أفضل الصيام، يعني مما يتعلق بالصيام، لا غير الصيام.(23/33)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أني أقول .. " (أخبِرَ) يعني مغيّر الصيغة مبني للمجهول، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نائب فاعل، والفاعل حذف، بني الفعل للمجهول؛ لأن الذي أخبره شخص ومثل هذا يحذف أولاً: لا فائدة تتعلق بذكره، فيحذف مثله، ولئلا يقع الناس فيه؛ لأن الغالب أن الذي يخبر بما يدور بين الناس، يخبر عن قضايا الناس خاصة لا سيما الذي يرفعها إلى ولي الأمر، النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يخبرني أحد عن أحد)) لأنه أسلم للقلوب؛ لكن مثل هذا يخبر به الصحابة لماذا؟ لأنه حكم شرعي يحتاج إلى أصل يستند إليه، والأصل إنما يؤخذ من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا يكون الإخبار في مثل هذا من باب الوشاية، تحدث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه يبي يصوم ولا ينام ويقوم .. إلى آخره، فهل هذا الذي أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- يقصد الوشاية بعبد الله بن عمرو ليوقع به عند النبي؟ لا، لا يقصد هذا، إنما يريد أصل شرعي يعتمد عليه في مثل هذا العمل، والإخبار في مثل هذا ما فيه إشكال، يعني لو تدارس الطلاب شيء ونقلت نتيجة مدارستهم إلى عالم لكي يقر هذه الدراسة، والله بحث الإخوان البارحة مسألة كذا، وقال فلان كذا، وقال فلان كذا، ما هي غيبة ولا نميمة هذه، هذه مسألة علمية، فلا مانع من أن يخبر ويستفهم عنها الكبير، أن يقال: وش رأيك الصواب قول فلان وإلا قول فلان؟ ما في إشكال، ولا يدخل هذا لا في الغيبة ولا في النميمة ...(23/34)
عمدة الأحكام - كتاب الصيام (3)
تابع لباب أفضل الصيام - باب ليلة القدر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
ولا يدخل هذا لا في الغيبة ولا في النميمة، فالمخبر أراد أن يؤصل الفعل تأصيلاً شرعياً من قِبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإذا كان هناك ضرر متعدي، أو منكر تجب إزالته فمن الصحابة من قال: "لأخبرن بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا أيضاً لا مانع منه، إذا خشي الضرر من فلان، ونصح ولم ينتصح، خشي الضرر المتعدي مثل هذا يخبر عنه، ويبلغ عنه "أُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أني أقول: والله -واو قسم- لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت" أخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأفضل، فهل يلزمه كفارة أو لا يلزمه كفارة؟ لأنه أقسم؟ وهذا من باب ((والله إني لا أحلف على شيء فأرى غيره خيراً منه إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني)) وفي رواية: ((كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير)) المقصود أن في مثل هذا اليمين -مثل هذا القسم- فيه الكفارة، فالذي وجهه إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- خير مما حلف عليه، ففيه الكفارة، "والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت" عبد الله بن عمرو بن العاص من عباد الصحابة كما هو معروف من حرصه على الخير من حرصه على الخير قال هذا الكلام، "والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنت الذي قلت ذلك؟ )) ما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرةً لم قلت ذلك؟ احتمال أنه لم يثبت عنه، يتأكد -عليه الصلاة والسلام-، ((أنت الذي قلت ذلك؟ )) لأن بعض الأخبار تنقل خطأ.
. . . . . . . . . ... وما آفة الأخبار إلا رواتها(24/1)
قد ينقل كلام والناقل يريد الخير؛ لكنه لا يحسن النقل، ثم إذا اتهم هذا الشخص الذي نقل عنه بما نسب إليه مباشرةً من غير تقريرٍ له، مثل هذا لا شك أنه يوقع في حرج، وهذا أدب نبوي الذي دخل المسجد وجلس، ما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قم فصل ركعتين)) سأله بكل أدب ((هل صليت ركعتين؟ )) قال: لا قال: ((قم فصل ركعتين)) مثل هذا لا يهجم الإنسان على مجرد ظنه أو وهمه أو لمجرد خبرٍ بلغه، لا بد أن يتأكد، ((أنت الذي قلت ذلك؟ )) عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- من حرصه على الخير مندفع فيأتيه العلاج النبوي ومثل هذا كيف يعالج؟ المندفع، كيف يعالج؟ يبدأ بالأشد أو بالأخف؟ المندفع؟ يجي شخص، يجي طالب مثلاً يقول: أنا والله أريد أن أقرأ القرآن في ثلاثة أيام، أبي أختم كل ثلاث، قال له: يا أخي وين أنت والثلاث، عثمان يختم في ركعة؟ وين أنت عن سلف الأمة؟ يقال له هذا الكلام؟ أو يقال له: اقرأ القرآن في سبع ولا تزد؟ نعم المندفع يواجه بما يناسبه من حلول، بخلاف المفرط لو جاء شخص يقول: ما يقرأ القرآن إلا من رمضان إلى رمضان، وغير ذلك من الأشهر ما يفتح المصحف؟ نقول له: يا أخي وين أنت؟ الختمة ثلاثة ملايين حسنة يا محروم وين أنت؟ المفترض أن تستغل كل لحظة من لحظاتك في قراءة القرآن، وسلف الأمة الذي يقرأ في يومين، مرتين في اليوم، والذي يختلف في ثلاث وهذا كثير، يعالج بمثل هذا ويا لله، النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأ بعبد الله بن عمرو بالأخف، المسألة مسألة علاج، النصوص الشرعية علاج للأدواء، لأمراض المجتمعات، وكل شخص يعالج بما يناسبه، وقل مثل هذا في البلدان، اختلاف طباع أهلها، والمجتمعات، لو جئت إلى مجتمعٍ منصرف، ما هو بهم الدين، ولا بهم العبادة، هم مسلمون في الجملة، لكنهم مفرطون، تجيب لهم نصوص الوعد، ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم صلى ركعتين لا يحدث بها نفسه دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية)) يقال له مثل هذا؟ يقول: يكفينا هذه النعمة؛ لكن مثل هذا يعالج بنصوص الوعيد، من أجل إيش؟ أن يرد إلى حظيرة الالتزام، هذا منصرف لا بد من شيء يكبح جماحه، يرده، بخلاف ما لو كنت في مجتمع أو في(24/2)
محيط أو في بلد فيه تشديد وتطرف وغلو مثل هذا لا تجيب له نصوص الوعد؛ لأنك لو جبت لهم نصوص الوعيد إيش بيصيرون؟ يبي يزيدون، فأنت تحتاج إلى أن تكسر من حدتهم بنصوص الوعد، وهذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعالج ما عند عبد الله بن عمرو بن العاص من اندفاع.
فقلت له: "قد قلته بأبي أنت وأمي يا رسول الله" يفديه بأمه وأبيه، وهذا من تعظيمهم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والتفدية جائزة، سواء كان الأب والأم حيين أو ميتين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- فدى سعد بن أبي وقاص بأبيه وأمه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان القصد منها يفديه يعني يفدي ما بقي من سنته، وما بقي من اتباعه، لا بأس، يقدم نفسه دون دينه لا بأس.
"قد قلته بأبي أنت وأمي يا رسول الله" قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك)) تقوم الليل كله، وتصوم النهار، صوم الدهر؟ ما تفطر أبد، وتقوم الليل ما تنام أبداً؟ لا لا، فإنك لا تستطيع ذلك، الذي يستطيع ذلك لأن المسألة مسألة موازنة بين حقوق وواجبات، وسنن وشرائع، هل يستطيع؟ مهما قال: أنه يستطيع، لو قال: أنا بقوم الليل من صلاة العشاء إلى أذان الفجر، ثم أصلي الفجر وأنام، وش صار؟ أنام إلى الظهر وأعود، نقول: يا أخي أنت بفعلك هذا فرطت بأمور، ألست تبحث عن الأفضل؟ ولذا قد يقول قائل: فإنك لا تستطيع، فقلت له بل أستطيع، هأنا أسهر في استراحات وسواليف بدون شيء، لماذا لا أسهر بصلاة وقراءة قرآن وإذا صليت الفجر نمت؟ نعم الاستطاعة قد تكون بدنية، وقد تكون حكمية، الذي يصنع أو يفعل هذا العمل لا بد أن يفرط بأمور، قد يفرط ببعض الواجبات، لا يمكن أن يوازن بين جميع ما شرعه الله -جل وعلا- للعبد، قد يؤديه ذلك إلى النوم عن الصلاة، فالاستطاعة حكمية، وتنوع العبادات هدف شرعي ليضرب المسلم من كل بابٍ من أبواب الخير بسهم، أما أن ينصرف إلى الصيام ويترك غيره ينصرف إلى القيام ويترك غيره، يكون ديدنه القرآن ويترك العبادات الأخرى؟ هذا ما هو مطلوب، كل شيء على حسابه.(24/3)
فعلى المسلم أن يتوازن، ويؤدي من العبادات كل عبادةٍ منها بسهم، ((فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم)) يعني نوع، صم وأفطر، ونم وقم، أو قم ونم، اجمع بين هذا وهذا، وناشئة الليل يقرر أهل العلم أنها أفضل أنواع القيام، وهي أشدها على الإنسان، وهي القيام بعد نوم، نعم الذي يسهر وإذا بقي من الليل شيء قام فصلى ما كتب له، ثم صلى صلاة الصبح وجلس ينتظر ارتفاع الشمس في مصلاه يذكر الله -جل وعلا-، على خيرٍ عظيم؛ لكن يبقى أنه لا بد أن يفرط بشيء إذا كان الليل كله من غير نوم، هذا إذا كان استغلاله بالخير، بالصلاة والذكر والتلاوة، أما إذا كان استغلاله بالمباح من القيل والقال أو بالمكروه أو بالمحرم فإن هذا أثره ظاهر، قد يسهر الإنسان خمس ست ساعات، ثم إذا أراد أن يوتر صاحي ما فيه شيء، ما فيه نوم، يريد أن يوتر، يعني المفترض شاب ونشيط ومقبل من أهل الخير والرغبة، يوتر يعني يوتر على الصفة النبوية لكنه يجاهد نفسه على الوتر على أي وصفٍ كان، وبأي عددٍ كان، وأحياناً ينام من غير وتر، لماذا؟ لأن وقته مشغول بما لا ينفع؛ لكن لو شغل وقته؛ لأن العبادة تعين على العبادة، والطاعة تعين على الطاعة، أما شخص مفرط همه القيل والقال ولا يلتفت إلى شيءٍ ينفعه في أمور دنيه ودنياه مثل هذا لا يعان، فتجده يسهر للساعة ثنتين ثم يعالج نفسه ليوتر بثلاث ركعات قبل أن ينام فيعجز، مرة سجال ومرة يستطيع ومرة يعجز، والأثر لأي شيء؟ الأثر لما دار في مجلسه أثناء سهره، وجرِب ترى، إن كان الذي دار في المجلس والله مجلس علم وفضل وذكر وتخلله بعض الكلام والسواليف المباحة وكذا يعان لا بأس؛ لكن إذا استغل الوقت كله بالقيل والقال وما انتفع من وقته بشيء، أيضاً تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، جاء وقت الشدة ما تعان على هذا، هذا كل واحد يجربه بنفسه، إذا استغل وقته بالطاعة أعين على العبادة التي بعدها، إذا استغله في معصية لن يعان، هذا معروف، استغله في المباحات سجال، مرة يعان ومرة يقول: نبي نقوم ينام الساعة ثلاث، باقي ساعة للأذان، يقول: نبي نقوم نوتر قبل الصبح، ما هو صحيح، هذا يغالط نفسه يضحك عليها، حتى إذا سهر يستغل هذا الوقت ولو جزءً منه بما(24/4)
ينفعه.
((صم وأفطر)) صيام الدهر الذي حلف عليه عبد الله بن عمرو، "والله لأصومن النهار" أولاً: صيامه غير ممكن شرعاً، الذي لا يفطر، بحيث لا يفطر، غير ممكن شرعاً لأن هناك أيام يحرم صيامها على ما سيأتي، ولن يصومها عبد الله بن عمرو ولا غيره، الأمر الثاني: أن صيام الدهر ليس بممدوحٍ شرعاً، ((لا صام من صام الأبد)) وجاء النهي عن صيام الدهر، وسيأتي الكلام عنه، وقيام الليل من غير نوم ما حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قام ليلةً إلى السحر من غير نوم، ما حفظ عنه أنه قال ليلة كاملة من غير نوم، وإن جاء في العشر الأواخر أنه يشد المئزر، ويعتزل أهله، فمنهم من يستثني هذه الليالي، ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينام، ومنهم من يقول: أنه يتخللها نوم يسير.
على كل حال المسألة في طول العام، ينبغي للمسلم لا سيما من ينتسب إلى العلم وطلب العلم أن يرتب وقته، يرتب ليله ونهار ويكون له نصيب من العبادة الخاصة التي يقتصر نفعها عليه بحيث تعينه هذه العبادة على العبادات الأخرى التي يتعدى نفعها إلى غيره، يعني هؤلاء العلماء الذي يبذلون أوقاتهم ليل نهار، وعرفتم منهم نماذج، ليل نهار لنفع الناس، هؤلاء تظنون أنهم ما هم أهل عبادة، ترى الذي ما عنده عبادة خاصة ما يعان على مثل هذا أبداً، والله المستعان.(24/5)
على كل حال صيام الدهر ليس بممدوح في الشرع، بل جاء النهي عنه، وقيام ليلةٍ كاملة إلى السحر لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا ما كان في العشر الأواخر من رمضان على خلافٍ في ذلك، فليس من هديه -عليه الصلاة والسلام- الصيام المتتابع الذي هو صيام الدهر، وليس من هديه إحياء الليل كله، قد يقول قائل: ما دام المسألة هكذا والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى ابن عمرو يعني الإكثار من التعبد هل هو مشروع وإلا ابتداع؟ الإكثار من التعبد، واحد شخص يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، هذا مأثور عن سادات القوم عن الإمام أحمد، وعن جمع من أهل العلم، نقول: هذه بدعة؟ صاحب هذا الكتاب، الحافظ عبد الغني يصلي من ارتفاع الشمس إلى صلاة الظهر ثلاثمائة ركعة، نقول مبتدع؟ ويعلم الناس العلم، ويلقّن حتى الصبيان القرآن تلقين، يعني ضرب من كل باب من أبواب بسهم، وهذا أعانه على أداء هذا، فالإكثار من التعبد ليس ببدعة، ويشهد له قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) هذا ليس ببدعة؛ لكن يبقى أن الناس يتفاوتون، بعض الناس نفعه للناس أولى من انقطاعه للعبادة، وبعض الناس نفعه للناس يعني وجوده مثل عدمه، ضعيف، يقال لهذا: انصرف إلى التعبد، بعض الناس نفعه ببدنه، بعض الناس نفعه بماله أكثر، المقصود أن الأمة بمجموعها متكاملة، ومن كان نفعه للناس أعظم يقلل من هذه العبادات بحيث يتمكن من أداء أكثر ما يستطيع من نفع الناس، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- لو لاحظنا عبادة النبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، وهو أعبد الناس، وأخشى الناس، وأتقاهم، وأعلمهم بالله، ما أحد يشك في هذا؛ لكن هل كان يصوم صيام داود عليه السلام؟ النبي يصوم صيام داود؟ ما كان يصوم صيام داود، يصوم العشر من ذي الحجة، في الصحيح عن عائشة أنه ما كان يصومها، وإن ثبت من طريق غيرها أنه كان يصوم العشر، المقصود أنه يحث على العمل، وقد لا يفعله، وحث على العمرة في رمضان، وقال: ((تعدل حجة معي)) ومع ذلك ما اعتمر في رمضان، أولاً: من باب التيسير على الأمة والشفقة عليها، لما دخل الكعبة ندم على دخولها، ندم على دخولها هل هذا لأن دخول الكعبة ما فيه(24/6)
فضل ولا أجر لخشي على الأمة أن تقتتل على دخول الكعبة، ندم على ذلك لئلا يزدحم الناس على دخول الكعبة ويقتتلون عليها، لو اعتمر في رمضان تصورون يعني مع قوله ما قال لأن بعض الناس يقرر أن العمرة في رمضان خاص بتلك المرأة؛ لأنه لو كان ما هو بخاص لاعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني وجود مثل هذه التصرفات منه -عليه الصلاة والسلام-، لولا وجود مثل هذا وش يصير وضع الحرم في رمضان؟ يعني مع قوله -عليه الصلاة والسلام- لتلك المرأة ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) واعتمر النبي وحرص على ذلك وكل سنة يعتمر، وش يصير الوضع؟ كان يقتتل الناس على العمرة في رمضان؛ لكن من شفقته -عليه الصلاة والسلام- لأمته يبيّن لمن أراد الخير ويحرص على ذلك ويخفف من حرص بعض الناس بحيث لو وجد مثل هذا كان يحصل أمر لا يطاق، فالنبي يبيّن بقوله، وقد يتخلف فعله لا رغبةً عن الخير، وإنما تشريع، ومثلما قلنا: أنه لو تتابع القول مع الفعل كانت المسألة أعظم من ذلك، الآن زحام شديد فكيف لو كان النبي أعتمر؟ ولذلك يوجد من يتمسك بفعله، ويقول: لو كان في فضل لسائر الناس اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، دعونا من أقوال بعض الناس التي لا تستند لا إلى عقل ولا إلى نقل، بعض الناس يقول: نعم عمرة في رمضان تعدل حجة لكن ما هو كل سنة، وش الكلام هذا؟ ترى هذا قيل ودون في بعض الصحف، قيل هذا؛ لكن هذا كلام؟ نعم إما أن تقول: هذا خاص بالمرأة ويكون لك سلف من أهل العلم، لك سلف، والمرأة نفسها في سنن أبي داود، قالت: لا أدري هذا لي خاصة أم للناس عامة؟ يعني لو قلت: أنه خاص بالمرأة انتهى الإشكال لك سلف، أما أن تقول: نعم عمرة في رمضان تعدل حجة لكن ما هو كل سنة؟ وش الكلام الفاضي؟ هذا لا يستند إلى دليل؛ لكن وصيتي إلى من فتح له باب خير فليلزمه، يعني حببت إليه الصلاة يكثر من الصلاة، حبب إليه الصيام يكثر من الصيام، حببت إليه تلاوة القرآن يكثر من تلاوة القرآن؛ لأنه ما يدري ما يفجعه، حاول نفسه ويعصر نفسه على أمر لم يفتح له يصعب عليه، ((فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر)) صم من(24/7)
الشهر ثلاثة أيام غير معينة، وجاء من كل عشرٍ يوم، من العشر الأول يوم، ومن العشر الوسطى يوم، ومن العشر الأخيرة يوم من كل شهر، وجاء تعيينها بالبيض، الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، على كل حال من صام ثلاثة أيام من كل شهر أدرك الفضل، يدرك الفضل يعني لو صام الاثنين من كل أسبوع أدرك هذا وزيادة، إذا كان موظف أو عنده عمل، ولا يستطيع أن يصوم الاثنين وصام الخميس من كل أسبوع أدرك الفضل؛ لكن يحرص على صيام ثلاثة أيام، كما سيأتي في وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، الحسنة بعشر أمثالها، إذا صام ثلاثة أيام في عشرة ثلاثين كأنه صام شهر، يعني نتيجة الضرب واضحة، "وذلك مثل صيام الدهر" يعني صيام ثلاثة أيام من كل شهر ممدوح وإلا مذموم؟ ممدوح، صيام الدهر ممدوح وإلا مذموم؟ كيف يشبّه الممدوح بالمذموم؟ ما في أجر صيام الدهر، مذموم، يعني مثل صيام الدهر لو كان مشروعاًً يعني تشبيه الممدوح بالمذموم بحيث يكون وجه الشبه من وجهٍ دون وجه، لا يلزم مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه، الوحي ممدوح وإلا مذموم؟ الوحي ممدوح، والجرس ممدوح وإلا مذموم؟ مذموم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وأحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) شبه المحمود بالمذموم؛ لكن من وجهٍ دون وجه، في تدارك الصوت وتتابعه لا من جهة الإطراب التي ذمّ من أجلها الجرس فإذا شبّه محمود بمذموم كان وجه الشبه من وجهٍ دون وجه، ولا يلزم المطابقة من كل وجه، ((إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر)) يعني وجه شبه من وجهٍ دون وجه، تشبيه الرؤية بالرؤيا لا المرئي بالمرئي، وقل مثل هذا في أحاديث كثيرة لو فصلناها طال الوقت، مثل من أوضح ذلك حديث البروك ((إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) الممنوع التشبه بالبعير في نزوله على الأرض بقوة، هذا بروك البعير، بحيث يفرق الحصى، ويثير الغبار، هذا الممنوع، وليس الممنوع أن يضع يديه قبل ركبتيه؛ لأن هذا مأمور به، وإن كان البعير يضع يديه قبل ركبتيه، ووجه الشبه من وجهٍ دون وجه، والحديث ليس فيه قلب ولا إشكال.(24/8)
صيام الدهر جاء ما يدل على أنه ممنوع، ونهي عنه، ولا صام من صام الأبد، إذا استثنينا الأيام التي نهي عن صيامها وصام الشخص الباقي، استثنى أيام العيد والتشريق وصام الشخص الباقي، يعني من صام في السنة ثلاثمائة يوم، هل هو أفضل ممن صام يوم وأفطر يوم؟ أفضل وإلا ما هو أفضل؟ لأنه سيأتي في حديث لا أفضل من ذلك، وهذا قول معروف عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يفضل القول الثاني، يفضل كل ما كثر الصيام كان أفضل، صيام كل يوم بحسبه، وله أجره وهو مستقل، فمن صام ثلاثمائة يوم أفضل ممن صام (170) يوم، يصوم يوم ويفطر يوم، عند أبي حنيفة وعند الشافعية، عندهم أفضل؛ لأن كل يوم بحسابه، ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فالذي يصوم ثلاثمائة يوم أفضل من الذي يصوم مائة وسبعين يوم، أو ثلاثمائة وخمسين يوم، المقصود أن المسألة خلافية، والحديث صريح في الدلالة على أنه لا أفضل من صيام داود.
"قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك" يطيق أن يصوم كل يوم، يصوم الدهر، "إني لأطيق أفضل من ذلك" قال: ((فصم يوماً وأفطر يومين)) يعني صم من الشهر عشرة أيام، "قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك؟ " فقال: ((صم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود -عليه الصلاة والسلام-، وهو أفضل الصيام))
فدل على أن الذي يصوم يوم ويفطر يوماً أفضل من الذي يتابع الصيام ولا يفطر إلا في الأيام التي نهي عن صيامها، ومنهم من يرى أن مثل هذا الصيام أشق على النفس من تتابع الصيام الذي لا يفطر مطلقاً، كونه يصوم يوم ويفطر اليوم الثاني، تميل نفسه إلى الراحة والدعة، جربت الأكل في النهار؛ لكن الذي يسرد الصيام وغافل عما عليه الناس من أكل وشرب أمره أسهل، المقصود أن الحديث نص في تفضيل هذا النوع من الصيام، صيام يوم وإفطار يوم، فقال: ((لا أفضل من ذلك)) وفي رواية: ((لا صوم فوق صوم داود -عليه السلام- شطر الدهر)) نصف الدهر، صم يوماً وأفطر يوماً، وسيأتي بيانه في الحديث الذي يليه.(24/9)
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً)).
وهذا أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أحب الصيام إلى صيام داود -يصوم يوماً ويفطر يوماً، على ما شرح في الحديث السابق- وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود)) طيب كيف صيام داود وكيف صلاة داود؟ جاء شرحها، ((كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً)) لف ونشر، مرتب وإلا مشوش؟ اللف والنشر يذكر الشيء إجمالاً ثم يفصل، لف ونشر؛ لكن هل هذا مرتب وإلا مشوش؟ نعم مشوش ليس بمرتب، لأنه لو كان مرتباً لقدم الصيام وأخر ما يتعلق بالصلاة، إن أحب الصيام بدأ بالصيام، وأحب الصلاة ثنى بالصلاة، ثم في التفصيل والنشر قدم الصلاة وأخر الصيام، يعني نظير ما جاء في سورة آل عمران {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} [(106) سورة آل عمران] (فأما الذين اسودت) يعني في الإجمال في اللف قدّم (الذين ابيضت) يوم تبيض، وفي التفصيل في النشر قدّم (فأما الذي اسودت) وهذا أسلوب جاري في النصوص، وفي لغة العرب، يعني أسلوب فصيح ما فيه إشكال، جاء في أفصح الكلام، بينما في سورة هود {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ} [(106) سورة هود] ثم {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ} [(108) سورة هود] لف ونشر مرتب، أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، الليل يحسب من متى؟ متى يبدأ حساب الليل لمن يبي يطبق هذا الحديث؟
طالب:. . . . . . . . .(24/10)
من إيش؟ من غروب الشمس، يعني لو غربت الشمس، يرقب الشمس إذا غربت نام إلى نصف الليل، أنا أريد من خلال هذا الحديث، من أين يبدأ النصف الأول من الليل؟ معروف الليل عند الفلكين من غروب الشمس إلى طلوعها، من غروب الشمس إلى طلوعها، وفي عرف المتشرعة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، هذا تحديد الليل؛ لكن هنا في هذا الحديث، ينام نصف الليل، من غروب الشمس أو الحساب يبدأ من إمكان النوم؟ من وقت إمكان النوم، وهو صلاة العشاء، نعم يبدأ من إمكان النوم ليقع قيامه في وقت النزول الإلهي، لا أن نقول: الله -جل وعلا- ينزل في الثلث الأخير من الليل، وداود ينام نصف الليل وقيامه محمود يعني جاء شرعنا بحمده، يعني سيق سياق المدح، فهو مطلوب من المسلم أن ينام نصف الليل؛ لكن إذا نام نصف الليل وانتبه الساعة (12) مثلاً، بقي على الثلث الأخير ساعة أو أكثر من ساعة، باقي ساعة ونصف مثلاً على الثلث الأخير، يكون قيامه في النزول الإلهي أو قبل النزول الإلهي، هو يبي يدرك النزول؛ لكن كون القيام كله في الثلث الأخير أفضل، هنا إذا أردنا أن يتفق هذا الحديث مع ما جاء من أحاديث النزول أمكن إذا حسبنا الليل من صلاة العشاء، ونام نصف الليل ينتبه في الثلث الأخير من الليل، فتلتئم بذلك الأحاديث؛ لأن بعض الناس يبي يجمع النصوص كلها، فكونه ينام نصف الليل يعني ينتهي نومه الساعة كم؟ في هذه الأيام يمكن إحدى عشر ونصف، وينتهي نصف الليل؛ لكن إذا حسب النصف من بعد صلاة العشاء من إمكان النوم من ثمان ونصف مثلاً، يبي يمتد معه الوقت إلى ثنتين تقريباً، يبدأ الثلث الأخير من الليل، فيكون نام نصف الليل وامتد إلى وقت النزول الإلهي.(24/11)
وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في حديث النزول أشار إلى شيءٍ من هذا، أن بداية الليل تختلف من نص إلى نص، ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، ينام نصف الليل، ينام هذا إذا اعتبرناه كم يؤذن الفجر الآن؟ أربع وربع، قل: من ثمان وربع إلى أربع وربع، ثمان ساعات اقسمها على ثلاثة، أولاً: الأربع الساعات اللي هي نصف الليل يبي ينامها، معناه يبي ينام إلى اثنا عشر وربع، وإذا حسبناه من غروب الشمس صار الثلث الأخير يبدأ من اثنا عشر ونصف، متقارب جداً، المسألة ما هي دقيقة مائة بالمائة بالحساب؛ لكن يتنزل هذا على هذا، ثم بعد ذلك يقوم ثلثه، يصلي ثلث الليل؛ لكن مَن مِن طلاب العلم الذي يصلي ثلث الليل إلا القليل النادر، نعم الذي ما يسهرون ينامون بعد صلاة العشاء مباشرة يعانون على مثل هذا، أما من ابتلي بالسهر فالله المستعان.
وبعض الشيوخ موجودين الآن، يقرؤون القرآن في سبع في صلاة التهجد، يعني أول ليلة يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في صلاته، صلاة الليل، وثاني ليلة المائة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، ثم بعد ذلك يقرأ سبع سور في الليلة الثالثة، وتسع في الليل الرابعة، واحدى عشرة في الليلة الخامسة، وثلاث عشرة في الليلة السادسة والمفصل في الليلة السابعة، من المعاصرين من يفعل هذا، لكن الأمر مع التمرين سهل، ابتلينا بالسهر فعوقبنا بمثل هذا، وعلى كل حال السهر لذاته خلاف الأولى، يعني ما تتجه إليه تحريم وإلا منع، يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وثبت عنه أنه سمر مع بعض الصحابة، والسمر في العلم مطلوب، وأهل العلم يسهرون من أجل العلم، يعني هذا يخفف من المعاناة النفسية التي يعيشها كثير من الناس؛ لكن مثل هذا لا يدعو إلى التفريط، يبقى أن الأصل أن الليل سكن، والسنة الإلهية على أن الليل للنوم والراحة، والنهار للعمل والمعاش، ويقوم ثلثه وينام سدسه، ينام السدس ليستعين به على أعماله في النهار، ويستجم بها بهذا السدس ليحضر صلاة الصبح بقلبٍ حاضر، وقرآن الفجر مشهود يقرب من الإمام ويتأمل ما يقرؤه الإمام، وابن القيم بيّن أهمية القرب من الإمام، وحضور القلب في صلاة الفجر، يعني من أراد تفصيل هذا يرجع إلى طريق الهجرتين.(24/12)
((وينام سدسه)) هذا بالنسبة للقيام، وأما بالنسبة للصيام الذي هو أفضل الصيام وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وهذا هو أفضل الصيام، وأشقه على النفس، شاق على النفس، كان ابن عمرو بعد هذا يجمع الأيام يصوم عشرة أيام ثم يفطر عشرة أيام، يستجم ويستريح، وتمنى أن لو قبل وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكنه لا يترك شيئاً عهده عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، و ((نعم الرجل عبد الله)) يعني بالمقابل عبد الله بن عمر، ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان ابن عمر لا ينام من الليل إلا قليلاً بعد ذلك، وهذا امتثال ورغبة في الخير؛ لكن يسمع من هذه الأحاديث وما هو أشد من هذه الأحاديث وانظر في نفسك هل يؤثر فيك أو لا يؤثر؟ اختبر نفسك هل أنت بالفعل طالب علم، وإلا لست بطالب علم؟ إيش الفائدة من العلم الذي لا يدل على العمل؟ والله ما كأننا نسمع مثل هذا الكلام، والسبب في ذلك الاسترسال في المباحات الذي جرنا إلى ارتكاب المكروهات، وإذا وقع منا شيء مما حرمه الله -جل وعلا- ما أثر فينا، ولا خفنا ولا وجلنا، وهذا الذي جعلنا نتساهل في مثل هذه الأمور.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام".(24/13)
النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى بعض أصحابه بهذه الوصايا، فممن أوصاهم أبو هريرة وأبو ذر وأبو الدرداء، وهنا يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم-" والخلة نهاية المحبة وغايتها، من تخللت إلى أن ولجت إلى الفؤاد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً)) وأبو هريرة يقول: "أوصاني خليلي" فالممنوع أن يتخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- خليلاً غير الله -جل وعلا-، كونه يتّخذ من قبل بعض أصحابه لا بأس، ولهذا قال أبو هريرة: "أوصاني خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاث خصال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر" يعني والحسنة بعشر أمثالها، فيكون كأنه صام الدهر، وهذا سبق في حديث عبد الله بن عمرو "وركعتي الضحى" ركعتي الضحى، أوصى بها أبا هريرة وغيره، وتكفي من جميع الصدقات المطلوبة في مقابل كل عضوٍ من أعضاء الإنسان، ((يصبح على كل سلامى منكم صدقة)) والسلامى: المفاصل ومقدارها ثلاثمائة وستين، فعلى الإنسان أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة كل يوم، ليقوم بشكل هذه المفاصل، ثلاثمائة وستين صدقة، من أجل إيش؟ أن يقوم بشكر هذه المفاصل، وجاء بيان هذه الصدقات، بالأقوال والأعمال الصالحة، ومنها الذكر، كل تسبيحة صدقة، كل تهليلة صدقة، كل تحميدة صدقة، إذا اجتمع عندك ثلاثمائة وستين شكرت هذه النعمة، يعني تصلح بين اثنين، تحمل عاجزاً على دابته، أو تعينه في حمل متاعه، المقصود أنك تنفع الناس صدقات هذه؛ لكن هناك صدقات ما تكلفك شيء وأنت جالس، كل تسبيحة صدقة، كل تهليلة صدقة، كل تحميدة صدقة، كل تكبيرة صدقة، فضل الله واسع، يعني إذا قلت مع أذكار الصباح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. الخ مائة مرة، وجاء الحث على هذا، وفيه رفع الدرجات، ومحو السيئات، وحرز من الشيطان حتى تمسي، وقلت: سبحان الله وبحمده مائة مرة، حطت عنك خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر، وقلت: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، كلمتان خفيفتان على اللسان .. الخ، واجتمع من ذلك ثلاثمائة وستين، نعمة، وهذا لا يكلفك شيء، كل هذا ما يحتاج ولا ربع ساعة، ((ويكفي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) يكفي، فهل(24/14)
يدل على المداومة على صلاة الضحى؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما داوم عليها، لكن بوصاياه وبمثل هذا الحديث تثبت مشروعة المداومة على صلاة الضحى.
قد يقول قائل: إذا كانت هاتان الركعتان كافيتين في الصدقة عن هذه السلامى ليش أتصدق وليش أسبح وأهلل يكفي ركعتين وخلاص؟ نقول: يا أخي يا محروم صل ركعتين وش يضرك لو قلت: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، ما الذي يضيرك أن تأتي ببقية الأذكار ولسانك رطب بذكر الله سراً وجهاراً ليلاً ونهاراً، إيش الذي يمنعك إلا الحرمان، الذي بيحاسب هذه النصوص بدقة ويقول: أنا فعلت خلاص يكفي، والرسول يقال: يكفي ركعتين، صليت ركعتين وش بعد؟ نقول: يا محروم، أنت محمل من الذنوب، ولله عليك نِعم، لا تستطيع عدها {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] هذه النعمة تحتاج منك إلى شكر، خفف من ذنوبك، وأدّ بعض ما عليك، بالأذكار التي لا تكلفك شيئاً، فيضيف الإنسان إلى أذكاره مثل هذه تخفف عنه التي جاء الترغيب فيها في كل صباح وفي كل مساء، مثل لا إله إلا الله وحده لا شريك .. ، إذا أراد أن ينام يأتي بأذكار النوم، ويقول ابن القيم: إنها تبلغ نحو الأربعين، أذكار النوم، عندكم أربعة ما هي أربعين؟ أربعة أذكار؟ ابن القيم يقول: تبلغ نحو الأربعين، كم نحفظ منها؟ ما بيّنها -رحمه الله-، ذكرها في شرح حال المقربين، وأنهم يحرصون على أذكار النوم، وهي تبلغ نحو الأربعين، وشرح حالهم وطريقتهم ومنهجهم في طريق الهجرتين، يراجعه من أراد، وهو في غاية الأهمية؛ لكن قوله: وهي تبلغ نحو الأربعين ولا بيّنها، ولو بحثت في كتب الأذكار وفي كتب السنة ما وجدتَ هذا العدد، ما أدري والله عن هذا العدد، أحد أحصاها وإلا شيء؟ في أحد اهتم بها؟ في منكم من اهتم بجمعها؟ أنا سألت الشيخ ابن باز -رحمه الله- فاستغرب هذا العدد قال: لا هذا كثير جداً، ما تبلغ هذا العدد؛ لكن من اهتم بها وجمعها ويحرص عليها ويفيد غيره.(24/15)
"وركعتي الضحى" قد يقول قائل: أنا اعتدت أن أجلس بعد صلاة الصبح، وأنتظر طلوع الشمس، وأصلي ركعتين، رجاء الثواب المرتب على هذا، هاتان الركعتان تكفيان عن صلاة الضحى، فإذا جلس حتى تنتشر الشمس مقتدياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه ثبت عنه أنه كان يجلس، ثم إذا ارتفعت الشمس صلى ركعتين هما ركعتا الضحى، يكون أدى ركعتي الضحى، وإن ثبت الأجر المرتب على ذلك، وأن هذا كحجة لن يحرمه الله -جل وعلا-، يعني الحساب ما هو عند بشر تبي تذكره تقول: ها ترى جلست لا تنسى هذا، كل شيء مضبوط، بس عليك أن تعمل، ما تقول: والله يمكن يغفل، يحسب لي ركعة ضحى، ولا يحسبها لي إشراق، لا لا تخاف، إن ثبت الحديث كل شيء بيحسب لك، ولن تحرم الأجر، إن لم يثبت فأنت اقتديت بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وجلست تذكر الله، وتصلي عليك الملائكة ما لم تحدث، ما لم تؤذِ، وهذا رباط، فإذا صليت ركعتي الضحى انتهى ما عليك، وإذا كنت خلال هذه المدة قرأت حزبك من القرآن، سبع القرآن، وحرصت أن تقرأ القرآن في سبع فأنت في خيرٍ عظيم -إن شاء الله تعالى-.
"وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" هذا أفضل يعني لو أخرها صار أفضل، لو أخرها إلى أن ترمض الفصال أفضل؛ لكن كونه يصليها بنية الضحى إن لم يثبت الخبر، وإن ثبت الخبر صلى إذا رمضت الفصال جمع الخيرات كلها، ابن القيم -رحمه الله تعالى- لما شرح حال الأبرار، وحال المقربين، وذكر المنهج الذي يسيرون عليه في طريق الهجرتين، قال: إن الأبرار يجلسون بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس، ثم يصلون الركعتين وينصرفون، ولما ذكر حال المقربين وهم أكمل من الأبرار، قال: فإذا انتشرت الشمس إن شاؤوا صلوا ركعتين، وإن شاؤوا انصرفوا دون صلاة، لماذا؟ قال: هذا بالنسبة للأبرار، وهم دونهم منزلة صلوا الركعتين وذولك إن شاؤوا صلوا وإن شاؤوا انصرفوا؟ يعني يؤخرون هاتين الركعتين، أيضاً هم ينصرفون إلى عبادة فوقتهم معمور بالعبادات والطاعات ...(24/16)
عمدة الأحكام - كتاب الصيام (4)
تابع لباب ليلة القدر - باب الاعتكاف
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يعني قد يصعب على الناس اغتنام جميع رمضان، اغتنام جميع السنة، يصعب عليهم هذا، طيب رمضان شهر واحد، قد يكون شاق على كثيرٍ من الناس، العشر الأواخر في هذا الحديث غالب العشر الأواخر، وفي غيره ما يدل على أنها في العشر كلها، وهذا كله من باب تعمية هذه الليل وإخفائها؛ لكن ليحرص المسلم على اغتنام العشر كلها، وأن يري الله -جل وعلا-، وأن يتعرف عليه في حال الرخاء طول العام، كي يعرفه في حال الشدة، يعني شخص طول العام بطال، لا يعرف شيء من نوافل العبادات، وليست له صلة بربه، ثم إذا جاء وقت الحاجة يبي يتمثل ما يسمع من أخبار العلماء والعباد؟ ما يمكن، وهذا شيء مجرب، الشخص الذي لا يقرأ القرآن إلا من رمضان إليه، هل يعان على قراءة القرآن في المواسم وفي الأماكن الفاضلة؟ ما يعان، من أشق الأمور على النفس أن يفتح المصحف، إلا إذا كان قد تعرف على الله في الرخاء، وفي أيام السعة، فإذا جاء وقت الضيق سهل عليه القرآن، وقل مثل هذا في كل العبادات.(25/1)
((فمن كان منكم متحرياً فليتحراها في السبع الأواخر)) وحديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر)) الوتر ليلة إحدى وعشرين، ليلة ثلاث وعشرين، ليلة خمس وعشرين، ليلة سبع وعشرين، ليلة تسع وعشرين، هذه أوتار العشر، والأشفاع لها ما يدل عليها، ((في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى)) ليلة اثنين وعشرين وليلة أربع وعشرين ((وفي خامسة تبقى)) ليلة ست وعشرين، وهكذا، وما يرد في هذه النصوص قد يقول طالب العلم الذي ما شمّ رائحة مثل هذا التعارض الذي فيه هدف عظيم للشرع، يقول هذا: اشلون أتحراها في سابعةٍ تبقى؟ في السبع الأواخر في العشر الأواخر ليلة كذا؟ وكلها أحاديث صحيحة، هل هذا اضطراب في هذه النصوص؟ أو هذا إرباك لطالب العلم؟ أبداً، إنما هو حث على استغلال جميع هذه الليالي، وكل ليلة من ليالي العشر بدأ من ليلة إحدى وعشرين إلى آخر ليلة من رمضان، لها ما يدل عليها من أجل الاغتنام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخل في العشر شدّ المئزر، وأيقظ أهله، وأحيا ليله.
(تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر) فليلة القدر عند الجمهور منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه آكد، ثم في أوتاره أرجى، لا في ليلةٍ بعينها، بعضهم يرجح ليلة سبع وعشرين، وهو اختيار كثير من الصحابة، وكثير من أهل العلم ممن بعدهم، يقول: لأن كلمة (هي) بالنسبة لسورة القدر هي السابعة والعشرين من الكلمات، لو حسبنا الكلمات كم كلمة؟ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [(1) سورة القدر] المقصود أنهم حسبوها فوجودها كلمة (هي) رقم سبع وعشرين، فاستدلوا بها على أن ليلة القدر هي سبع وعشرين، ابن عطية في تفسيره يقول: "وهذا من ملح العلم لا من متينه" يعني هذا يتناقل بالدروس وبين الطلاب، وإن وافقت سبع وعشرين فهي ليلة فاضلة، وإلا ليست من متين العلم الذي يستمسك به، ويرجح به قول على قول بمجرد هذا، ليست من متين العلم الذي يعتمد عليه في ترجيح الأقوال.(25/2)
عن أبي الخدري -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر في الأوسط من رمضان" العشر الأوسط، العشر مذكر وإلا مؤنث؟ المقصود عشر ليالي، الأوسط مذكر، والأصل في مثل هذا التطابق، يعني العشر الوسطى، لو قيل: العُشر؟ كما تقول: الثلاثة الأجزاء من القرآن هي العُشر الأخير وما قبلها هي العُشر ما قبل الأخير وهكذا، والعشر الأول والثاني مذكر؛ لأن واحدها جزء، وهذه واحدها ليلة مؤنثة، في العشر الوسطى؛ هذا الأصل، لكنه لحظ الوقت، الوقت الأوسط من رمضان، فذكّر، والعشر باعتبار أن هناك عشر أولى، وعشر وسطى، وعشر أخيرة، فيه وسطى؛ لكن ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل الأوسط)) في نصف أوسط وإلا ما في؟ في منتصف أوسط وإلا ما في؟ في نصف الليل الأوسط، في نصف أول ونصف أوسط ونصف أخير؟ ما في، كيف قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إلى نصف الليل الأوسط)) يعني الواقع في نصف الليل متوسط من الليل، الأوسط بمعنى المتوسط، الذي يتوسط الليل بين نصفيه.(25/3)
"كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان" النبي -عليه الصلاة والسلام- من جميع رمضان اعتكف، اعتكف في أوله، وفي أوسطه، وفي أثناءه، وفي آخره، فاعتكف عاماً من الأعوام في العشر الأوسط، حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافها، صبيحتها التي قبلها وإلا التي بعدها؟ ليلة إحدى وعشرين من العشر الأوسط وإلا من الأخيرة؟ من الأخيرة، وهو يعتكف في العشر الأوسط، العشر الأوسط ينتهي بغروب الشمس من يوم عشرين، والليالي ليالي العشر الأوسط تنتهي بطلوع الصبح من يوم عشرين، فالصبيحة التي يخرج فيها من اعتكافه صبيحة عشرين، ولذا قال: ((من اعتكف معي -يعني وانتهى اعتكافه خرج في صبيحة عشرين- فليعتكف العشر الأواخر)) هم اعتكفوا العشر الأوسط ومعهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخرجوا في صبيحة عشرين، خرج في صبيحة عشرين، انتهى اعتكافهم، العشر الأوسط انتهت؛ لكن قال بعد ذلك: ((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر -يعني ترجّح عنده أن ليلة القدر في العشر الأواخر- فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها)) أريت هذه الليلة ثم أنسيتها للحكمة التي سبق ذكرها، ((وقد رأيتني -يعني علامة عليها- أسجد في ماء وطين من صبيحتها)) في الرؤيا، ((فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)) "فمطرت السماء تلك الليلة" ليلة إحدى وعشرين، "وكان المسجد على عريش" يعني سقفه من خوص عريش، إذا نزل عليه المطر يكف على المسجد، يتقاطر الماء على المسجد، داخل المسجد، وكان على عريش "فوكف المسجد" يعني تقاطر منه المطر، "فأبصرت عيناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أبو سعيد يقول: "فأبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجهه أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين" هذا من أقوى، بل أقوى من يتمسك به في تحديد ليلة القدر، هذا كالصريح في أنها ليلة إحدى وعشرين؛ لكن ما الذي يجعل الإنسان يرى قد يميل إلى أنها في غير إحدى وعشرين؟ يعني لو لم يرد في النصوص إلا هذا، هذا صريح أنها ليلة إحدى وعشرين، يعني جاء تأويل رؤياه من صبيحتها، تحققت الرؤيا في صبيحتها إذاً هي ليلة إحدى وعشرين؛ لكن في الأحاديث الأخرى التموسها في السبع الأواخر، ليس منها(25/4)
ليلة إحدى وعشرين، وإلا فهذا الحديث كالصريح في أنها ليلة إحدى وعشرين، ولولا مثل ذلك الحديث لتعيّن القول بهذا الحديث؛ لأنه محدد، لكن لا يمنع جمعاً بين الأدلة أن تكون متنقلة بين ليالي العشر، وفي تلك السنة صارت إحدى وعشرين، هناك علامات يستدل بها على ليلة القدر، منها ما يثبت، ومنها ما لا يثبت، منها أنها ليلة قارة، ومنها أنها ليلة مضيئة، ليلة بلجة، وذكر فيها أشياء يستدل بها عليها، البحر لا يهيج، والكلاب لا تنبح، أمور كثيرة ذكرها أهل العلم منها ما يثبت، ومنها ما لا يثبت، والشمس في صبيحتها تطلع ليس لها شعاع، على كل حال هي ليلة بلجة طلقة، يحس الإنسان فيها بارتياح، ليس فيها حر شديد، ولا برد شديد، ولا حر ولا قر مريحة جداً، هذه من علاماتها ولا يدرك مثل هذه الأمور كل أحد، الذي لا يوفق للاجتهاد فيها قد لا يدرك هذه الأمور، الذي يقضي أيامه ليله ونهاره في الغفلات قد لا يدرك، ولا يتحقق هذه الأمور، وقد يقول قائل: أنا أدركت ليلة القدر أو ما أدركت أنا بصلي، أبي أقوم مع الإمام حتى ينصرف كل ليلة من ليالي العشر، نقول: أنت على خيرٍ عظيم، وتدرك ليلة القدر -إن شاء الله تعالى- لكن ليس معنى أنك تدركها مع حضور القلب مثلما تدركها وأنت غافل لاهي، فالإنسان يحرص على حضور قلبه، يعني هناك أمور هذا يفتح أبواب ويجرنا إلى الكلام في أحاديث يعني على اختلاف المطالع ليلة القدر عند من؟ وهذا يؤكد أن ليلة القدر كما تكون في أوتاره تكون في أشفاعه، يعني عند هؤلاء ليلة ثلاث وعشرين، وعند أولئك سابعة تبقى ليلة أربع وعشرين وش المانع؟ تجتمع هنا وهناك، مع اختلاف المطالع، وهؤلاء عندهم ليل وهؤلاء عندهم نهار، الثلث الأخير من الليل عند هؤلاء وهؤلاء عندهم نهار، وش تبي تسوي؟ حديث النزول مع كونه -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، يعني أمور حقيقةً الإيغال فيها مع طلاب علم يستوعبون ما يخالف لا بأس؛ لكن بحث مثل هذه المسائل عن عوام لا يدركونها لا شك أنه يوقف في الحرج، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر أن الله ينزل آخر كل ليلة، وآخر كل ليلة متفاوت، هؤلاء عندهم أول الليل، وهؤلاء عندهم آخر، وهؤلاء عندهم .. ويجتمعون، كيف(25/5)
يجتمعون في آخر الليل؟ النزول الإلهي بالنسبة لأهل المشرق يختلف عنه عند أهل المغرب، إذاً كل وقته نازل، هذا إيش؟ إلزام من يريد إنكار هذا الحديث من بعض المبتدعة، وشيخ الإسلام يقول: أبداً، الله -جل وعلا- ينزل كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق على ما يليق بجلاله وعظمته، وكل إنسان يتعرض لهذا النزول ولا عليه أكثر من ذلك، ليس عليه أكثر من ذلك، حتى لو تصور أنه كيف ينزل وهو مستوٍ على عرشه بائن من خلقه؟ شيخ الإسلام يقرر أنه ينزل آخر كل ليلة مع أنه مستوٍ على عرشه، هذه أمور قد لا يدركها العقل؛ لكن مثل هذا لا بد فيه من التسليم، قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، ما لك إلا تقول: سمعنا وأطعنا، أحاديث صحيحة استوعبتها أو ما تستوعب هذا ليس إليك، يقول: ينزل آخر كل ليلة ولا يخلو منه العرش، العامي ما يستوعب؛ لكن طالب العلم يرضى ويسلم وخلاص انتهى الإشكال، بل على العامي أن يؤمن بهذا، وأن يعتقد هذا؛ لكن مثل هذه الأمور لا تلقى على العامة، ولذا من أعظم المشكلات أن تذكر مثل هذه الأمور وتبحث في القنوات التي دخلت كل بيت، ولا يسلم منها إلا من عافاه الله -جل وعلا-، يشككون الناس في أديانهم، يعني شبه المبتدعة الآن كلها تلقى في البيوت، في بيوت عوام المسلمين، وهذه من أعظم المعضلات، طيب في الحديث الصحيح: ((أن الشمس تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة، وتستأذن)) هل تطلع أو ما تطلع؟ أحد ينكر هذا، هذا في الصحيح، والشمس لا يفقدها الناس، في فلكها أربع وعشرين ساعة، نقول: سمعنا وأطعنا ورضينا وسلمنا، ولا لأحدٍ كلام، ويبقى أن في النصوص من المتشابه ما لا يدركه أحد {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [(7) سورة آل عمران] ويبقى أن المؤمن الراسخ في العلم يقول، ماذا يقول؟ آمنا، صدقنا، وسلمنا، ولا لنا كلام، وأما الذين في قلوبهم زيغ يريدون أن يضربوا النصوص بعضها ببعض، فيتتبعون المتشابه، وهؤلاء الذين أمرنا بالحذر منهم، أولئك الذين سمّ الله فاحذروهم، أنت ما عليك أنت في بلد في قرية بعيد قريب في المشرق في المغرب انظر إلى الثلث الأخير، وافعل ما وجهت به، وقم وامثُل بين يديك، وناجي ربك، ولا(25/6)
عليك أكثر من هذا، أنت عليك أن تفعل ما عليك، وأبشر وأمل خير -إن شاء الله-.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى، توفاه الله -عز وجل-، ثم اعتكف أزواجه بعده، وفي لفظٍ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه".
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت ترجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه" وفي روايةٍ: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" وفي روايةٍ: "أن عائشة قالت إني كنت لا أدخل البيت إلا لحاجة، والمريض فيه، فما أسأله عنه إلا وأنا مارة"
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً" وفي رواية: "يوماً في المسجد الحرام، قال: ((فأوف بنذرك)) ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلة.
وعن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((على رسلكما إنها صفية بنت حيي)) فقالا: "سبحان الله، يا رسول الله" فقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإن خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)) وفي رواية: "أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ثم ذكره بمعناه".(25/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- باب الاعتكاف، الاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، والخلوة والانفراد في بيتٍ من بيوت الله -عز وجل- للذكر والصلاة والتلاوة وغيرها من العبادات الخاصة، لا العامة، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتزل في معتكفه احتجر حجيرة ينفرد بها عن الناس، وجرى على هذا أصحابه وأزواجه من بعده، وخيار الأمة من علمائها وعبادها، وينقطعون عن جميع ما كانوا يزاولونه، ولو كان فيه نفع للناس، فلا تجد عالم يعتكف ثم يلقي دروساً، يدرس الناس ويقرأ عليهم، أبداً، بل الاعتكاف يخصص للعبادات الخاصة من صلاة وذكر وتلاوة، فهو لزوم المسجد لهذا الأمر، والاعتكاف منهم من يجعل أقلّه اليوم والليلة، ومنهم من يقول: ما سُمي اعتكاف، بمعنى أنه لزم وأطال المكث، وانطبق عليه الاسم لغةً، يسمى اعتكاف، ومنهم من يجريه على مسمى البقاء والجلوس في المسجد ولو قلّ، وهذا معروف عند متأخري المذاهب، يقول: إذا دخلت المسجد انوِ الاعتكاف، لو أنت داخل في زمن يسير تنوي الاعتكاف، لكن هذا ليس باعتكاف لا لغوياً ولا شرعياً، ولذلك تجدون في بعض المساجد عند المدخل لوحة على سارية: نويت سنة الاعتكاف، هل أنت تريد الاعتكاف بالفعل؟ تريد طول المكث والبقاء في المسجد، أو تريد أن تصلي وتخرج أو تقرأ شيء يسير من القرآن وتخرج؟ هذا ليس باعتكاف؛ لأن من أهل العلم من يشترط الصيام، ويأتي ذكره في نذر عمر -رضي الله تعالى عنه-، فالاعتكاف: طول المكث والبقاء في المسجد للعبادة، والمسجد: ما يصح تسميته مسجد، ويمكّن المعتكف من أداء الصلوات مع الجماعة، بحيث لا يتكرر خروجه؛ لأن تكرار الخروج ينافي الاعتكاف إلا لما لا بد منه، ويصح الاعتكاف في المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس، ولو لم يكن جامع، يعني والخروج إلى الجمعة أمره يسير، مرة في الأسبوع لا يؤثر؛ لكن لو كان مسجد لا تقام فيه الصلوات الخمس، مسجد من مساجد المصالح الحكومية، الدوائر الحكومية، الذي أسس لإقامة صلاة الظهر فقط، ثم يضطر يخرج إلى صلاة العصر، ثم يضطر يخرج إلى صلاة المغرب، ثم يضطر إلى العشاء والفجر وهكذا، أو قال: أنا أريد أن أعتكف بمسجد نمرة، مسجد بالإجماع؛ لكن لا يقام فيه إلا مرة(25/8)
في السنة، نقول: يا أخي هذا لا تقام فيه جماعة، وكثرة خروجك إلى المسجد الذي تقام فيه الجماعة ينافي مقتضى الاعتكاف، فعليك أن تعتكف في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس، وإن كان جامع فهو أفضل لئلا تخرج ولا إلى الجمعة؛ لأن الاعتكاف المكث والبقاء، وملازمة المسجد لطاعة الله تعالى؛ لكنهم يتسامحون في مرة في الأسبوع من أجل الجمعة، أمرها يسير -إن شاء الله تعالى- عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأواخر حتى توفّاه الله، يعني هذا آخر ما استقر عليه الأمر، وإلا اعتكف في العشر الأواسط، واعتكف في الأوائل؛ لكن استقر الأمر باعتكافه -عليه الصلاة والسلام- في العشر الأواخر، حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده، النساء يشرع في حقهن الاعتكاف كالرجال، ومن أهل العلم من يرخص للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها الذي تصلي فيه الصلوات، ويحصل لها ثواب الاعتكاف؛ لأنه بالنسبة لها هو المسجد الشرعي وهو الأفضل في حقها، وتمتثل قوله -جل وعلا-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] لكن بالنسبة للرجال يعتكف في بيته؟ لا، لا يسمى هذا اعتكاف.(25/9)
"ثم اعتكف أزواجه من بعده، وفي لفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه" يعني متى يبدأ الاعتكاف؟ من أراد أن يعتكف العشر الأواخر تبدأ العشر الأواخر متى؟ بغروب شمس يوم عشرين، إذا غربت الشمس من يوم عشرين ودخلت ليلة ... ، بدأ الاعتكاف، العشر الأواخر، النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل إذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه، طيب قبل أداء الصلاة وقبل الصلاة، أليس في معتكفه؟ الآن في هذا الحديث يبين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل المعتكف بعد صلاة الصبح من إيش؟ من يوم عشرين، أو من واحد وعشرين؟ الآن من أراد أن يعتكف العشر نهار عشرين غير داخل في العشر، العشر تبدأ من غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين فيدخل المعتكف ليلة إحدى وعشرين، ويمكث فيه في الليل، ثم يخرج إلى الناس في المسجد، يخرج إلى الناس ويصلي بهم الغداة، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه، يعتزل في ناحية من المسجد، غرفة في حجيرة في شيء يعتزل به عن الناس، فما في إشكال؛ لأن بعض الناس ما يفهم فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه، وقبل وين؟ أين كان قبل ذلك؟ هو في المسجد ما خرج من المسجد؛ لكن المكان المخصص للاعتكاف الجزء المخصص للاعتكاف يدخل فيه بعد الصلاة، ثم يخرج لصلاة الظهر ثم يعود إلى اعتكافه وهكذا.(25/10)
فالاعتكاف يبدأ من غروب الشمس يوم عشرين لمن أراد أن يعتكف العشر الأواخر، وفي حديث عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، على ما جاء في هذا الحديث، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر بالقباء فيضرب ليعتزل فيه عن الناس، واعتكف نساؤه وضربن الأخبية، فترك النبي -عليه الصلاة والسلام- الاعتكاف في تلك السنة لئلا يضيقن على الناس، يعني لو جاء شخص يبي يعتكف وجاب خيمته معه وضربها بطرف المسجد، ثم ثاني ثم ثالث، ثم نظرنا ما في مسجد، عشر خيام، عشرين خيمة وين يروحين ذولا؟ وهل من المناسب أن يقول القدوة لهؤلاء: ضفوا خيامكم خلاص لا تعتكفون، أو يبدأ بنفسه قبل يتمثل أمره؟ يبدأ بنفسه؛ لأن الذي يطلبه هو يطلبه الأتباع، وهم لم يعتكفوا إلا لما رأوه اعتكف، وما ضربوا الأخبية إلا لما رأوه ضرب، والله المستعان.
فالرسول -عليه الصلاة والسلام- في تلك السنة ترك الاعتكاف في رمضان؛ لكنه قضاه في شوال، قضاه في شوال، ليس من المناسب أن يقول القدوة: يا لله خلاص ما في اعتكاف ضفوا خيامكم، يا لله شيلوا أثاثكم، وهو باقي؛ لأن القدوة لا بد أن يكون قدوةً بالفعل قبل أن يكون قدوةً بالقول، ولذا قوّض خباءه -عليه الصلاة والسلام-، ترك الاعتكاف في تلك السنة.(25/11)
والحديث الثاني حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت ترجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وفي حجرتها يناولها رأسه، خروج بعض بدن المعتكف لا يؤثر في الاعتكاف، أما خروج جميع البدن يؤثر في الاعتكاف، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يناولها رأسه، وهي في حجرتها، وهي حائض، تباشره وهي حائض، فالحائض طاهرة، ليست بنجس، إنما طاهرة، ولا تؤثر فيما تمسه، ولو كانت يدها رطبة، فلا تؤثر فيما تمسّه، ولو وضعت يدها في مائع لم ينجس، إنما يتقى منها موضع النجاسة، الذي هو موضع الحيض، أما بقية بدنها فطاهر، ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يناول عائشة رأسه وهو معتكف، وهي حائض وترجله -عليه الصلاة والسلام- ومثل هذا الخروج الجزئي لا يؤثر في الاعتكاف، بخلاف الخروج الكلي، وفي رواية: كان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ الإنسان أمر لا بد منه، إلا لأمرٍ لا بد منه، بعض الناس إذا اعتكف لا تجد أدنى فرق بين اعتكافه وعدم اعتكافه، يعتكف في العشر الأواخر ثم بعد ذلك عنده التلفون، ومعه الجوال من الأصل، تحضر له الجرائد، يحضر له طعامه على وقته كالمعتاد، وسماره الذين كان يسمر معهم في الاستراحات يجونه في المسجد، هذا اعتكاف هذا؟ المقصود من الاعتكاف الخلوة بالله -جل وعلا- لعبادته، وترك الفضول من كل شيء، من مجالسة الناس، فضول الطعام، فضول الأكل، فضول الكلام، كل هذا يخفف منه بقدر الإمكان، ولذا كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان التي لا يمكن قضاؤها في المسجد، وفي رواية: أن عائشة قالت: إني كنت لا أدخل البيت إلا للحاجة، هي معتكفة لا تدخل البيت إلا لحاجة، يعني حاجة الإنسان التي لا بد منها، والمريض في البيت يوجد في بيتهم مريض، "والمريض فيه، وما أسأل عنه إلا وأنا مارة" يعني إذا كان ما هو على الدرب ليس على الطريق ما رأته، وإنما تسأل عنه كيف فلان كيف فلان؟ وهي ماشية، وعلى كل حال اعتكاف المرأة أجره مثل اعتكاف الرجل، والمرأة شقيقة الرجل في مثل هذا إلا أنه لا بد من أمن الفتنة، يعني لو قالت امرأة: أنا أريد أن أعتكف في مسجد يرتاده الناس، وليس معها من يحفظها ممن يعتدي عليها، قيل لها: ارتكاب أخف الضررين اتركي(25/12)
الاعتكاف، لا بد من أمن الفتنة، حاجة الإنسان فسّرت بقضاء الحاجة التي هي البول والغائط وشبهه والطعام إذا لم يتمكنوا من إدخاله المسجد، ومنعوا منه يخرج للطعام؛ لأنه لا بد منه.
يقول: هل للاعتكاف مدة معينة في قصر مدته وطولها، يعني أقله وأكثره؟
أما أقله فما يطلق عليه اعتكاف لغةً ولا يطلق إلا على طول المكث واللزوم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر، ولا يعني هذا أنه لا يصح اعتكاف أقل من العشر، فمن اعتكف ليلة كان له أجرها، من اعتكف ليلتين له أجرهما، وهكذا؛ لكن ما لا يسمى اعتكاف نيته ليست بسنة.
يقول: شخص دخل بالاعتكاف بالمسجد الحرام ثم أصابه مرض، وبسببه اضطر للذهاب إلى منزله، وهو بعيد عن الحرم فماذا عليه؟
ما عليه شيء، إذا كان نذر يقضيه، وإذا كان تطوع فلا يلزمه قضاؤه؛ لكن إن قضاه من باب الدوام على العبادة والثبوت عليها، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أفضل، وإن كان نذر لزمه قضاؤه.
يعني مسألة الاشتراط في الاعتكاف أنه إذا مرض له مريض أو مات له ميت يخرج ليصلي بجماعته مثلاً أو يخرج ليوقظ أولاده للصلاة، أو يخرج للدوام، أو يخرج كل هذا قد ينافي مقتضى الاعتكاف، والاعتكاف: هو لزوم المسجد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يخرج إلا لحاجة الإنسان، يعني أمر لا بد منه، أما أن يخرج لأي أمرٍ كان هذا ما يسمى اعتكاف، ومنهم من يقول: إذا اشترط له ذلك.
يقول: في الحديث عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً، وفي رواية: يوماً في المسجد الحرام، قال: ((فأوف بنذرك)) ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلة، اعتكف في الجاهلية، وهي ما قبل الإسلام سواء كان العام ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- أو الخاص بإسلام الرجل مثلاً، يعني الجاهلية بالنسبة لعمر إلى أن أسلم، بالنسبة لأبي بكر إلى أن أسلم، فما قبل هذا كله جاهلية، إن تأخر إسلامه فهو في جاهلية إلى أن أسلم، فمراده قبل أن يسلم، إني كنت نذرت في الجاهلية يعني مراده قبل أن يسلم، جاهليته هو، وقد يريد بذلك الجاهلية العامة، يعني قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-.(25/13)
"كنت نذرت في الجاهلية" فنذر الكافر إذا نذر الكافر قربة يلزمه الوفاء بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((أوف بنذرك)) أمره بذلك، وهل يؤمر بالوفاء به حال كفره؟ هو عبادة، لو نذر كافر يصلي قال له: أوف بنذرك؟ لا؛ لأنه لا تصحّ منه حال كفره؛ لكن يؤمر بها إذا أسلم، وتحقق شرطها، ومثله الاعتكاف، إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً، والليل ليس محلاً للصيام، ويستدل بهذا من لم يشترط الصيام في الاعتكاف، يقول: يعتكف ولو لم يصحبه صيام، وفي روايةٍ: "يوماً في المسجد الحرام" والذين يشترطون الصيام يجيبون عن حديث عمر -رضي الله عنه- اعتكف ليلة بيومها، بدليل أنه قال في الرواية الأخرى: "يوماً في المسجد الحرام" قال: ((فأوف بنذرك)) ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلةً؛ لكن ذكره بعضهم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، في المسجد الحرام لا بد أن يفي بنذره في المسجد الحرام، لو نذر أن يعتكف في المسجد النبوي لزمه أن يعتكف في المسجد النبوي أو المسجد الحرام، من نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، لزمه أن يعتكف في المسجد الأقصى، وإن اعتكف فيما هو أفضل منه أجزأه؛ لكن لا يعتكف فيما دونه، ينذر للمسجد الحرام ثم يعتكف في المسجد النبوي لا، ينذر الاعتكاف في المسجد النبوي ثم يعتكف في مسجد الأمصار والآفاق، لا، ما يكفي، لا بد أن يفي بنذره من أهل العلم من يرى أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد الثلاثة؛ لكن عموم قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] يشمل جميع المساجد، وأما ما جاء في المساجد الثلاثة فرده ابن مسعود -رضي الله عنه-، ونسب الصحابي إلى الوهم، على كل حال الاعتكاف عند عامة أهل العلم يجوز في سائر المساجد التي يجمع فيها، يعني تصلى فيها صلاة الجماعة.(25/14)
عن صفية بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين -رضي الله عنها- تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- أعتقها النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد السبي، وجعل عتقها صداقها، قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدثته" زارت النبي -عليه الصلاة والسلام- وتحدثت معه ساعة، "ثم قمت لأنقلب" يعني لأنصرف أرجع إلى بيتي "فقام ليقلبني" يعني يرجع معي، والمسألة ليل، وهذه امرأة تحتاج من يحفظها، ويؤنسها في الطريق مع أنه الطريق ما في طريق يذكر، بيوته -عليه الصلاة والسلام- بجوار المسجد "فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد" يعني كانت تسكن عند أسامة؟ البيت آل إلى أسامة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعرف ببيت أسامة، وقت رواية الحديث يعرف ببيت أسامة؛ لكن قبل كان من بيوت النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمرّ رجلان من الأنصار أسيد بن حضير كما في بعض الروايات وعباد بن بشر، فلما رأيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرعا في المشي، رأيا النبي -عليه الصلاة والسلام- مع زوجته أسرعا في المشي، فقال: ((على رسلكما إنها صفية)) يعني لا تستعجلون، إنما هي صفية بنت حيي، يعني زوجته -عليه الصلاة والسلام-، فقالا: "سبحان الله" تنزيه لله -جل وعلا- وتعجّب من اعتذار النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني هل يشك صحابي بنبيه -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يشكّ فيه، من شكّ فيه يكفر؛ لكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، يعني قد يوقع الإنسان في حرج فقالا: "سبحان الله يا رسول الله" فقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإن خفت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)) يعني ولو كان أمر نفسي ما يتحدث به؛ لكن مثل هذا لا يجوز أن يخطر على بال المسلم، وعلى هذا تمنع جميع الأسباب الموصلة إليه، يعني له -عليه الصلاة والسلام- أن يقول هذا الكلام، وللصحابي أن يقول مثل هذا الكلام، لا يمكن أن يتطرق للصحابي أدنى شك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن من دون الرسول -عليه الصلاة والسلام- من هو غير معصوم، ولو علت منزلته قد يجول في خاطر الإنسان ما يجول، لا سيما إذا عرف التساهل من بعض الناس ثقته مطلقة بنسائه ومن تحت(25/15)
يده، يقول بعضهم وينتسب إلى العلم: ثقتنا بنسائنا أعظم من أن نشك فيها إذا خرجت أو دخلت مع سائق أو راحت إلى المدرسة أو راحت المستشفى أو ما أشبه ذلك، ثقتنا بنسائنا أعظم، هذا ما هو صحيح، وما وقعت الجرائم إلا بهذه الطريقة، الثقة بالنساء والاعتماد على الأجنبي، وخلا الرجل بالمرأة استشرفها الشيطان، وكان الشيطان ثالثهما، فيهتم بهذه المسألة، ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)) نعم على الإنسان أن يظهر براءته مما يخشى أن يتهم به، أولاً: لا يوقع نفسه مواقع التهم لكن إذا وجد في مكانٍ من غير قصد ما دري مر مع طريق يرتاده بعض أهل السوء فخشي أن يظن به وتلفت ما وجد إلا أشرار وناس .. وقال: وش اللي جابنا هنا، جاء هو خطأ، فينبه إلى أنه جاء خطأ، يعني شخص يقف عند بابه ليموزين ويضرب البوري وتطلع البنت ويركب، هو خالها، صاحب الليموزين خال البنت أخو أمها، والناس يشوفون في الشارع وكذا، يقول: يا إخوان ترى أنا خال البنت، ينبه على مثل هذا لئلا يوقع نفسه موقع التهمة، أو أخو الزوجة مثلاً لا سيما إذا كان من أهل العلم من يقتدى به؛ لأنه يوقع في أنفس الناس حرج، صحيح صاحب الليموزين أخو الزوجة أو خال البنت، ضرب البوري ونزلت فتحت الباب، الناس إيش بيقولون؟ عامة الناس يقولون: الشيخ متساهل، أقل الأحوال أنه مفرط، يخلي بنته تركب مع راعي ليموزين؛ لكن هو بدوره أيضاً أن يقول: ترى صاحب الليموزين هو خال البنت يا الإخوان، هذا فلان بن فلان أخو الزوجة، لئلا يقذف في قلوب الناس من اتهام هذا الخيّر، هذا الفاضل، وإنزاله في غير منزلته، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى الاقتداء به، يقول: ما دام الشيخ فلان هذا يركبوا ليموزينات، والبنات يروحوا والحريم رايحات جايات، إذاً ما في شيء، فهذا متأكد لا سيما في حق من يقتدى به من أهل العلم، إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((على رسلكما إنها صفية)) فغيره من باب أولى، يبرأ من العهدة ويبرأ من الاتهام بهذا التصرف، وفي روايةٍ: "أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان" الزيارة مطلوبة، وتجدد العهد مع طول البعد والوقت(25/16)
ويتفقد الإنسان أهله بهذه الزيارة الخفيفة التي لا تؤثر على الاعتكاف؛ لكن لو كان شخص عنده أربع زوجات وكل واحدة عندها جمع من البنين والبنات وصاير المسجد طريق من البيت إلى المسجد، هذولا رايحين وهذولا جايين، محدد لكل شخص يجلس معه ربع ساعة، أربعة، خمسة، وتنتهي الليلة، والذي بعده، ينتهي رمضان وكله زيارات، هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، يا أخي اجلس عندهم تبغيهم يترددون عليك بمثل هذه الطريقة، ولو مد لهم الوقت بعد كل واحد ساعة انتهى رمضان وهو كله زيارات، ليس هذا المقصود منه؛ لأن هذا ينافي مقتضى الاعتكاف؛ لكن ما يمنع أن يزار ويأتيه من أهله من يريد تعاهده، وإذا كان بحاجة إلى أن يذكره بالله يعظه يوجهه يوصيه بما ينفعه في دينه، يوصي المرأة على أولادها، ويأمر الكبير بالانتباه لإخوانه الصغار، ما في بأس؛ لأن هذا كله خير، ودعوة إلى الخير، يعني ما يؤخذ من هذا الحديث ترتيب زيارات بحيث تقضي على جميع المدة، ما يبقى إلا وقت النوم، نعم بعض الناس الذي ما تعود الخلوة يصعب عليه جداً الاعتكاف، صعب ترى يا الإخوان للذي ما تعود، ولذلك يرتب زيارات الزملاء في هذا الوقت، بل بعضهم يصحب معه أعمال يريد القضاء عليها، بعضها تكون علمية مثلاً، شيخ كبير عليه رسالة يبي يناقشها ثلاثة مجلدات، قال: فرصة في العشر فاضيين فاضيين، يقول: مجرد ما نعيد نناقش الطالب ونرتاح منهم، ويرتاحون منا، هذا اعتكاف؟! هذا ليس باعتكاف، وإن كان علم وخير وفضل؛ لكن الاعتكاف إنما هو للأعمال الخاصة، للخلوة بالله -جل وعلا-، ولمناجاته، وللتلذذ بمناجاته، وتلاوة كلامه.
يقول: "وفي رواية أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة" يعني مدة من الزمان، يعني لا يلزم منها أن تكون ستين دقيقة، ساعة فلكية، لا، هم لا يعرفون هذه الساعات؛ لكن مقدار من الزمن، ثم قامت تنقلب فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها" يعني يعيدها إلى بيتها "حتى إذا بلغ باب المسجد عند باب أم سلمة" ثم ذكره بمعناه، مر رجلان من الأنصار .. الخ، وقال لهما ما قال، وقالا له ما قالا، في الرواية السابقة.
وبهذا يكون انتهى القدر المحدد شرحه في هذه الدورة من كتابي الزكاة والصيام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(25/17)
عمدة الأحكام - كتاب الحج (1)
باب المواقيت - باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قبل البدء نحي الجميع بتحية الإسلام ونقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بل ننبه إلى أمر مهم، وهو أن عدة الأحاديث تزيد على أربعين، والساعات خمس، فالوقت لا يستوعب شرح هذه الأحاديث، الوقت لا يكفي، وعلى هذا سوف نسلك مسلكاً مناسباً لإكمال هذه الأحاديث في هذه الليالي الخمس، وأشبه ما يكون بالتعليق حسب الحاجة، والبسط لمسائل الحج له مظانه، شُرِح كتاب المناسك من الزاد في سبعة عشر شريطاً، وشُرِح حديث جابر في الحج وشُرِح كتاب المناسك من صحيح البخاري في أشرطة كثيرة، من أراد التوسع في معرفة أحكام الحج ومسائلة يرجع إلى هذه الأشرطة وغيرها مما سجل لأهل العلم وما كتب في الباب، فنشرح شرحاً مناسباً تكون فيه الموازنة بين عدة الأحاديث مع ضيق الوقت.
العمدة للإمام الحافظ عبد الغني عبد الواحد بن سرور المقدسي، كتاب عني به أهل العلم منذ تأليفه، فلا تكاد تجد ترجمة لعالم وجد بعد تأليف هذا الكتاب في القرن السابع إلى يومنا هذا إلا وتجد من أولويات محفوظاته العمدة، والمقصود بذلك العمدة الصغرى لا الكبرى، التي اقتصر فيها المؤلف على ما صح من أحاديث الأحكام، وشرطه فيها أن تكون هذه الأحاديث من الصحيحين، وتوسع في الشرط في العمدة الكبرى؛ ومن معه الكتابان يقارن، نجد على سبيل المثال في بداية كتاب الحج حديثان لا يوجدان في الصغرى وهما موجودان في الكبرى الأول منهما ضعيف والثاني كذلك، بل كل منهما ضعيف ضعفه شديد، لا يدخل تحت شرطه في العمدة الصغرى، ومن هنا تأتي أهمية كتاب العمدة، وإذا أطلقت فالمراد الصغرى، إذا أطلقت العمدة فالمراد به الصغرى.(26/1)
على كل حال العمدة الكبرى فيها أحاديث زائدة يستفاد منها، لكنها ليست على شرط المؤلف في الصغرى، فتنظر في العناية أولاً بالصغرى لصحة أحاديثها، وانتقاء متونها، نعم خرج عن شرطه شيء يسير؛ لأنه اشترط ألا يدخل في الكتاب إلا ما اتفق عليه الشيخان، أدخل في الكتاب بعض ما تفرد به البخاري، وبعض ما تفرد به مسلم، ووهم في بعض، وهذا شيء يسير جداً في بعض الروايات التي لا توجد عندهما.
على كل حال كتاب العمدة ليس بحاجة إلى التعريف؛ فهو معروف عند أهل العلم، مشروح من قبل جمع غفير من أهل العلم في المذاهب كلها، وإن كان صاحبه حنبلياً لكنه مشروح من قبل علماء شافعية وحنابلة ومالكية، وغيرهم، عندنا الترجمة، يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى:
كتاب الحج: الكتاب: كررنا مراراً أنه مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً وعرفنا أن المادة مادة الكتب، والكتابة تدل على الجمع، قالوا: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل كتيبة، وهذا كلام مكرور، يقال في كل كتاب من كتب العلم، هنا يطلق الكتاب ويراد به اسم المفعول المكتوب، الجامع لمسائل الحج، وكتاب الحج المراد به هنا المكتوب الجامع لمسائل الحج.
والحج: عرفوه في اللغة بأنه القصد، يحجون سِبَّ الزِّبرقانِ المُزَعْفَرا، يعني يقصدون.
وهو قصد مكة لأداء أحد النسكين هنا؛ لأن الحج المراد به هنا ما يشمل العمرة، لأنه أدخل أحاديث العمرة في الحج فيطلق الحج هنا بمعناه العام وهو القصد، ولذا أدرج في أحاديث هذا الكتاب أحاديث العمرة.
كتاب الحج: الحج أحد أركان الإسلام، وأحد مبانيه العظام، جاءت النصوص التي تدل على أنه ركن من أركان الإسلام، ومن أشهرها حديث ابن عمر المتفق عليه: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)) هذا في المتفق عليه، أعني تقديم الحج على الصيام، وهو المرجح عند الإمام البخاري ولذا بنى كتابه على ذلك، فقدم المناسك على الصيام.(26/2)
جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أيضاً في الحديث نفسه أنه قال: ((بني الإسلام على خمسة شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج)).
فقال قائل، قال له رجل: "الحج وصوم رمضان" قال: "لا صوم رمضان والحج"، والرواية التي فيها تقديم الحج على الصيام في الصحيحين، وهذا الاستدراك من ابن عمر على هذا القائل في مسلم، كأن ابن عمر -رضي الله عنهما- أراد أن يؤدب هذا القائل، وأن الحديث محفوظ عنده على الوجهين، محفوظ عنده عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين، فلما استدرك عليه وقال: "الحج وصوم رمضان" قال: "لا صوم رمضان والحج" وهو متأكد من روايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذا الوجه، وإن كان لا ينفي الرواية الأخرى.
ومنهم من يقول: أن ابن عمر نسي، نسي الرواية الذي فيها تقديم الحج على الصيام، وعلى كل حال جمهور أهل العلم على تقديم الصيام على الحج، وبنوا على ذلك مؤلفات، لكن الإمام البخاري كأنه رجح رواية تقديم الحج على الصيام فبنى على ذلك ترتيب الكتاب.
حول الأركان الخمسة:
الأركان الخمسة: بالنسبة للركن الأول من لم يأت به لم يدخل في الإسلام أصلاً، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))، أو ((حتى يقولوا لا إله إلا الله)).
الصلاة: المنقول عن الصحابة تكفير تارك الصلاة، وكأن هذا اتفاق منهم على كفر تارك الصلاة.(26/3)
بقية الأركان من الزكاة والصيام والحج القول بكفر تارك كل واحد منها قول معروف عند أهل العلم، قال به جمع من أهل العلم، ولو اعترف بالوجوب، أما إذا أنكر الوجوب فهو كافر إجماعاًً، فتارك الزكاة الممتنع من دفع الزكاة كافر عند بعض أهل العلم ولو أقر بالوجوب، الذي لا يصوم كافر عند جمع من أهل العلم وإن كان مقراً بالوجوب، الذي لم يحج أولا يحج أو لا ينوي الحج كافر عند بعض أهل العلم وإن اعترف بالوجوب. والقول بكفره رواية عن الإمام أحمد نقلها شيخ الإسلام بن تيمية وغيره في كتاب الإيمان، وعلى كل حال جمهور أهل العلم على أنه لا يكفر إذا اعترف بالوجوب، لكن الأمر جد خطير، ولذا جاء في آية الوجوب: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} بعد ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ} [(97) سورة آل عمران]، في هذا إشارة إلى القول الثاني، وإن لم تكن نص لكنها مؤذنة بأن له أصل.
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كتب إلى الأمصار أن ينظروا من كانت له جدة يستطيع بها أن يحج فلم يحج أن تضرب عليه الجزية، "اضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين"، فالأمر خطير.
والتساهل من كثير من الناس يستطيع أن يحج، قادر على الحج بنفسه وماله، ومع ذلكم يتأخر، الشاب يقول: إذا تخرجت، والشابة تقول: إذا تزوجت، ويتعللون ويتعذرون بأعذار لا قيمة لها، وأسماء بنت عميس في الطلق تطلق، جاءها المخاض وتخرج إلى الحج وتلد في المحرم عشرة كيلو عن المدينة، يعني اهتمام الصحابة وعناية الصحابة تختلف عن تساهلنا وتراخينا الله يعفو ويسامح، هذا ركن من أركان الإسلام ما تدري ما تحمله الأيام بالنسبة لك، لا تدري ماذا يقدر لك، هل تتمكن في غير هذا العام أن تحج أو لا تتمكن؟ ولذا المرجح عند أهل العلم أن الحج واجب على الفور، لا على التراخي.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب الحج: باب المواقيت.(26/4)
عن عبد الله ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المدينة ذي الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، وقال: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة)).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال: يا رسول الله ما يلبس ...
حديث ابن عمر، الحديث الثاني، يهل أهل المدينة
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن المنازل)) قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)).
يقول -رحمه الله-: باب المواقيت، الباب في الأصل ما يدخل ويخرج منه، فالأصل هو للمحسوس مثل هذا الباب الذي يدخل ويخرج منه، ويستعمله أهل العلم لما يضم مسائل، وفصول غالباً، وهو في هذا الاستعمال حقيقة عرفية، عرف خاص عند أهل العلم.
باب المواقيت: المواقيت جمع ميقات، والمواقيت عند أهل العلم تنقسم إلى زمانية ومكانية، والمراد هنا المكانية، والمواقيت الزمانية للحج: شوال والقعدة، وعشر من ذي الحجة، على خلاف بينهم، هل الشهر الثالث كامل أو العشر الأول منه.
المواقيت المكانية جاءت في حديث ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- وغيرها من الأحاديث، لكن عندنا أولاً حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقَّت: يعني حدد لأهل المدينة ذا الحليفة، وعلى هذا إذا حدد الشارع شيئاً هل يجوز تجاوزه؟ لا يجوز تجاوزه، وقت يعني حدد، فلا يجوز تجاوزه، خلافاً لمن يقول أن هذه الصيغة لا تدل على الوجوب.
وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة: وهو المعروف بالأبيار مكان معروف قرب المدينة وهو أبعد المواقيت من مكة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، بإسكان الراء قرن المنازل وهي أماكن معروفة مطروقة، ووهِم صاحب الصحاح حيث زعم أن قرن بفتح الراء قرَن ونسب إليها أويس القرَني، وأخطأ في مكانه أيضاً.
المقصود أن صاحب الصحاح وهم في الضبط والتحديد، ونسبة أويس.(26/5)
ولأهل اليمن يلملم، ويقال له ألملم، ويقولون الآن: لملم، بدون ياء ولا همز، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((هن لهن)) هن: أي هذه المواقيت، لهن: أي لأهل تلك الجهات، أو لتلك الجهات والمراد أهلها، ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))، شخص من أهل العراق مر بالمدينة يحرم من ذي الحليفة، شخص من أهل نجد يحرم من ذي الحليفة، شخص من أهل اليمن مر بالطائف يحرم من قرن المنازل وهكذا ..
((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة)).
((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)): شامي مر بالمدينة وتجاوز ذا الحليفة فلم يحرم منه إلى أن وصل إلى ميقاته، شامي أجَّل الإحرام وقد مر بذي الحليفة أجله إلى الجحفة، أو نجدي مر بذي الحليفة وتجاوزه وقال لا أحرم من السيل، بدلاً من لبس الإحرام أربع ساعات أذهب إلى السيل وألبس الإحرام أقل من ساعة، ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) هل يلزمه شيء أو لا يلزمه؟
طالب:. . . . . . . . .
((هنَّ لهن)) الأصل أن هذه المواقيت لأهل تلك الجهات، فإذا أحرم النجدي من قرن المنازل ولو مر بغيره يكون عمل بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هن لهن)) عمل بالظاهر، وإذا أحرم من ذي الحليفة يكون عمل بقوله -عليه الصلاة والسلام- ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) مقتضى تأجيل الإحرام إلى ميقاته الأصلي عمل بالطرف الأول، ((هن لهن)) وإحرامه من الميقات الذي مر به يقتضيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) لكن إذا فعل هذا الفعل، شامي مر بالمدينة وقال: لن أحرم من الآن، الجحفة قدامي، وأجَّل الإحرام إلى أن وصل الجحفة، لا شك أنه مخالف لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) لكنه له أن يقول: أنا عملت بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هن لهن)) فهل عليه من شيء؟ هل عليه من بأس؟(26/6)
أولاً من تجاوز الميقات، بغض النظر عن هذه المسألة، تجاوز الميقات بالكلية، يُلزمه جمهور أهل العلم إن لم يرجع قبل إحرامه بدم، لخبر ابن عباس، عمدتهم في ذلك كله خبر ابن عباس، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة، وإن كان سعيد بن جبير يقول: لا شيء عليه، ومن السلف من يقول: فلا حج له، من تجاوز الميقات! قولان في طرفين، لكن القول المعتمد عند جمهور أهل العلم أن حجه صحيح لكن عليه دم يجبره، لأنه ترك نسك، وهو الإحرام من الميقات.
نأتي إلى مسألتنا في الشامي الذي أجل الإحرام إلى الجحفة وقد مر بذي الحليفة، هو عمل بقوله: ((هن لهن)) وخالف قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) هل يلزمه شيء وإلا ما يلزمه؟ عند مالك لا يلزمه شيء؛ لأنه أحرم من ميقاته المحدد له شرعاً، وهو الأصل فيه، وجمهور أهل العلم يلزمونه بالدم؛ لمخالفته لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) ما دام مر بهذه الميقات فهو ميقاته سواءً كان من أهل المدينة أو من غيرهم، ورأي الإمام مالك وجيه، لهذا أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لنا معاشر أهل الشام هذا الميقات وامتثلت، قال: ((هن لهن)) وعلى كل حال الأحوط في هذه المسألة ألا يتجاوز الميقات الذي يمر به أولاً.
((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة))، ((ممن أراد الحج أو العمرة)): معنى هذا أنه لا يلزمه الإحرام إلا بهذا القيد، بقيد إرادة النسك، إرادة الحج أو العمرة، وعلى هذا الذي يريد الدخول إلى مكة ممن لا يريد الحج أوالعمرة عليه إحرام، يلزمه أن يحرم؟
على هذا لا يلزمهم أن يحرم، وهذا قول الإمام الشافعي -رحمه الله- تعالى، لا يلزمه أن يحرم إلا إذا أراد الحج أو العمرة.
والأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد على أنه يلزمه أن يحرم ما لم تتكرر حاجته، لكن الحديث صريح، مفهوم الحديث صريح في عدم إلزام من لا يريد الحج والعمرة بالنسك –بالإحرام- ولذا يقول: ((ممن أراد الحج أو العمرة)).(26/7)
((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ)): يعني من كان منزله دون المواقيت، بين المواقيت وبين مكة يحرم من حيث أنشأ، يحرم من حيث أنشأ، شخص ساكن في جدة، نقول له ارجع إلى أقرب ميقات وأحرم من ميقاتك؟!
يحرم من حيث أتى، ((حتى أهل مكة من مكة)) أهل مكة يحرمون بالحج من مكة، والعبارة –الجملة- تدل على أن المكي يحرم من مكة مطلقاً سواءً كانت حج أو عمرة؛ لأنه يقول: حتى أهل مكة من مكة، عموم اللفظ يتناول الحاج والمعتمر، فيحرم المكي من مكة سواءً كان نسكه حجاً أو عمرة، لكن جمهور أهل العلم على أن المعتمر لا بد أن يخرج إلى الحل، لا بد أن يخرج إلى الحل؛ ليجمع في نسكه بين الحل والحرم، أما الحاج لا يلزمه أن يخرج إلى الحل؛ لأنه سوف يخرج من وقوف، وعرفة من الحل، وعلى هذا حمل أهل العلم هذا الحديث على الحاج دون المعتمر، ما الذي يخرج المعتمر من هذا النص؟ نعم حديث عائشة وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عبد الرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم فتحرم من هناك، والرسول -عليه الصلاة والسلام- وصحابته معه في الانتظار، ولو كان الإحرام من مكة يجزئ أو يكفي لما تكلف وكلف غيره بأن تخرج إلى الحل فتحرم منه، فهذا من العام المخصوص.
الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة)): هذا خبر، والمراد به الأمر؛ يأتي الأمر بلفظ الخبر، وحينئذ يكون أبلغ، ((يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة)): الجحفة التي دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تنقل إليها الحمى -حمى المدينة تنقل إلى الجحفة- وهل في مثل هذه الدعوة اعتداء؛ لأن الجحفة في ذلك الوقت قرية مأهولة، تنقل إلى الجحفة؟ يعني لو قدر أنه نزل وباء هنا فقلنا اللهم أنقله إلى الخرج، يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، لا ما يجوز، لكن هنا انقل حماها إلى الجحفة يجوز وإلا ما يجوز؟ هذا فعل المشرع -عليه الصلاة والسلام- لكن ما العلة؟ السبب؟
طالب. . . . . . . . .
قرية مأهولة.
طالب. . . . . . . . .
يهود نعم، فيها يهود. ((وأهل نجد من قرن المنازل)).(26/8)
قال: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)): بلغني هذه الصيغة تدل على الاتصال أو الانقطاع؟ بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم))؟
طالب. . . . . . . . .
نعم الانقطاع، ولذا بلاغات الزهري تحتاج إلى وصل، بلاغات مالك في الموطأ تحتاج إلى من يصلها، تولى ابن عبد البر وصلها؛ لأنها منقطعة.
هنا قال ابن عمر: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)) والواسطة مذكور والمبلغ مذكور وإلا ما هو بمذكور؟ نعم.
طالب. . . . . . . . .
هنا، غير مذكور، المبلغ غير مذكور، هذه جملة منقطعة، هنا هل نقول إن هذا مرسل صحابي، أو هو منقطع؟ أو متصل فيه راو مبهم؟ نعم.
طالب. . . . . . . . .
هنا يقول ابن عمر: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)) نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف تفهم، المرسل ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، المرسل المطلق، مرسل الصحابي ما يرويه الصحابي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما لم يسمعه منه إما لصغر سنه أو تأخر إسلامه أو غيبته، وله حكم الاتصال عند عامة أهل العلم، أما الذي أرسله الصحابي فحكمه الوصل على الصواب، نعم.
بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وهنا الصيغة (أنَّ) الصيغة (أنَّ) ولها حكم عند أهل العلم، (عن)، عند أهل العلم حكم (أنَّ) حكم (عن) كأنه قال: بلغني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خلافاً لمن فرق بين الصيغتين وقال: (عن) متصلة و (أن) منقطعة، وبسط هذه المسألة يأخذ الوقت.(26/9)
على كل حال الحديث وإن قال ابن عمر بلغني، إلا أنه يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة من غير واسطة؛ بدليل قوله، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقَّت لأهل المدينة إلى آخره ولأهل اليمن يلملم من غير شك ومن غير واسطة، الحديث الأول حديث ابن عباس وهو مروي أيضاً عن ابن عمر من غير جزم، من غير تردد، من غير تردد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه قال هذا الخبر، مروي من طرق عن ابن عمر عن ابن عباس، بالتردد المذكور بالواسطة وبدونها ولذا هو من أحاديث الصحيحين؛ لأنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من طريق ابن عمر.
قال: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ويهل أهل اليمن من يلملم)).
بقي أهل العراق، أهل العراق ما ميقاتهم؟ ذات عرق، من الذي وقت لهم ذات عرق؟!
لا إشكال في كون عمر -رضي الله عنه- وقت لأهل العراق ذات عرق، أما المرفوع ففيه ما فيه، وإن كان له طرق تدل على أن له أصل، جاء الصحابة لما فتح، أو لما مصرت الأمصار الكوفة والبصرة وغيرها، طلبوا أن يحدد عمر -رضي الله عنه- ويوقت لهم ميقات يحرمون منه، فوقت لهم ذات عرق، فمن طلب من عمر، وعمر بل عمر -رضي الله عنه- حينما وقت ولم يقل لهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لهم ذات عرق، قد يكون خفي عليهم التوقيت النبوي، قد خفي عليهم التوقيت النبوي فطلبوا من عمر وهذا من موافقاته، وإلا فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لهم يروى من طرق متعددة تدل على أن له أصلاً.
نعم سم.
ما لا يلبس المحرم من الثياب:
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف إلا أحد ما يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس)) وللبخاري: ((ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين)).
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل للمحرم)).(26/10)
باب ما يلبس المحرم من الثياب، الترجمة مطابقة للسؤال أو للجواب؟.
مطابقة للسؤال أو للجواب، للسؤال، السؤال: ما يلبس المحرم من الثياب، والجواب: ((لا يلبس)) فلو كانت الترجمة بالنفي باب ما لا يلبسه المحرم من الثياب لطابقت الجواب.
وعلى كل حال ما يلبسه المحرم المسئول عنه يفهم من الجواب، سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عما يلبسه المحرم، الجواب المطابق لهذا السؤال أن يقول: يلبس –مثلاً- إزار ورداء، لكنه -عليه الصلاة والسلام- عدل عن المطابقة إلى ما هو أنفع وأهم؛ لأن الجواب المطابق لا يمكن حصره، بينما عدم المطابقة مع شدة الحاجة إلى ما أجاب به النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه حصر.
لو قال: ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال: إزار ورداء ثم احتاج إلى اللون مثلاً، ثم احتاج إلى أمور كثيرة؛ ليحدد ما يلبس لكن لما ذكر الممنوعات دل على أن كل ما عدا هذه يلبسه المحرم، كل ما عدا ما ذكر يلبسه المحرم.
ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يلبس القُمص))، وهو ما خيط على قدر البدن، أو نسج على قدر البدن ويلحق به ما نسج على بعضه، من يد أو رجل أو عنق أو ما أشبه ذلك، المقصود أن كل ما يخاف على جزء من البدن بالتحديد لا يلبسه المحرم، فلا يلبس القمص، وعلى هذا لو خيط الرداء، قال يشمل النصف الأعلى من البدن، خياط فصِّل على قدر النص الأعلى من البدن، يلبسه المحرم وإلا ما يلبسه؟
لا يلبسه المحرم، وكذا لو خيط النصف الأسفل لا يلبسه المحرم.
((لا يلبس القمص ولا العمائم)): ويشمل كل ما يغطي الرأس من عمامة وفي حكمها الطاقية والشماغ وما أشبه ذلك.
((ولا السراويلات)): لا يلبس سراويل، سواءً كانت سراويل طويلة أو قصيرة، طويلة أو قصيرة؛ لأنه يشملها اسم السراويل، وهي أيضاً مخيطة على قدر جزء من البدن.
وفي الصحيح عن عائشة أنها رأت أن لا بأس باللبس، السروال القصير يسمونه التبان، لكنه قول مرجوح، العمل على خلافه عند عامة أهل العلم، لكن هذا اجتهادها.
((ولا البرانس)): البرنس يغطي أيش؟ يغطي الرأس، وهو في الغالب متصل بالقميص.
((ولا الخفاف)) الخفاف التي تغطي الكعب.(26/11)
((إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين)): الذي لا يجد النعلين وهو محتاج إلى الخف، جاءت الرخصة بلبسه شريطة أن يُقطع، ولذا قال:
((إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)): هذا الخبر قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- في المدينة.
وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب بعرفات: ((من لم يجد نعلين، فليلبس خفين)) ما في إشارة إلى القطع، ليس فيه إشارة إلى القطع، والحاجة داعية إلى البيان؛ لأنه بعرفات حضره من لم يحضر في المدينة، الحاجة داعية إلى البيان، ولكون الحاجة داعية بل ملحة إلى البيان في هذا الموطن لكثرة من حضر ممن لم يحضر التقييد، قال بعض العلماء: إن حديث ابن عمر منسوخ، منسوخ بحديث ابن عباس، وعلى هذا القول الذي لا يريد النعلين يلبس الخفين من غير قطع، والقول الآخر في المسألة أنه لا بد من القطع.
غاية ما هنالك أن حديث ابن عمر مقيد، وحديث ابن عباس مطلق، والمطلق يحمل على المقيد، لا سيما وقد اتحد الحكم والسبب، القاعدة عند أهل العلم إذا اتحد الحكم والسبب في المطلق والمقيد يحمل وإلا ما يحمل؟ يحمل اتفاقاً، إذا اتحد الحكم والسبب، وعلى هذا لا بد من القطع، ولو لم يذكر في حديث ابن عباس، اكتفاءً بالقيد الذي ورد في حديث ابن عمر، أما لو كان الظرف واحد في الحديثين، لا شك أن هذا من أوضح صور حمل المطلق على المقيد.
لكن الوجه الثاني أو القول الثاني له وجه وهو أن الحاجة داعية إلى البيان، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، نعم بُيِّن سابقاً لكن هل كل من حضر سمع هذا البيان، أو الذي يغلب على الظن أن أكثر من حضر في عرفة لم يحضر في المدينة؛ لأنه لما سمع الصحابة -رضوان الله عليهم- بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عازم على الحج -كما في حديث جابر في مسلم- أتوه من كل ناحية، اجتمع عنده خلائق مد البصر عن يمنيه وعن شماله من أمامه ومن خلفه، مد البصر، فهؤلاء أكثرهم لم يسمع القيد.
ما القول المتجه في هذه المسألة؟(26/12)
الآن عندنا مسألة حمل المطلق على المقيد لا سيما في مثل هذه الصورة مع اتحاد الحكم والسبب، ظاهر أنه يحمل المطلق على المقيد، وعلى هذا يقطع، ولو لم يذكر في حديث ابن عباس، لعله اختلف الحكم والسبب، أو الحكم فقط، لا يحمل المطلق على المقيد كما هو موضح مفصل، أما هنا اتحد الحكم والسبب، ولذا يختلف أهل العلم في القطع، فمن قائل بالنسخ حديث ابن عباس ناسخ لحديث ابن عمر لما ذكرنا، ومنهم من يقول: لا بد من القطع؛ وحديث ابن عباس مقيد بحديث ابن عمر، ويؤيَّد القول الأول بالنهي عن إضاعة المال وإتلافه، القطع إتلاف للمال أو ليس بإتلاف؟ إتلاف، لا شك أن الأحوط من أراد الاحتياط لنفسه أن يعمل بالأشد وهو القطع، لكن من عمل بالقول الآخر له وجه؛ لأنه يلزم من العمل بالمقيد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في وقت الحاجة إلى البيان ما بين في حديث ابن عباس.
((ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس)): الزعفران معروف، له لون ورائحة، ومثله الورس، نبت طيب الريح، وعلى هذا يمنع المحرم من الطيب بجميع ألوانه وأشكاله.
وللبخاري ((ولا تنتقب المرأة)): يعني لا تلبس النقاب.
((ولا تلبس القفازين)): وهو ما يغطي اليد.
((لا تنتقب المرأة)): والمراد بالمرأة هنا أيش؟ المحرمة، المرأة المحرمة، مفهومه أن غير المحرمة أيش؟ تنتقب، مفهومه أن غير المحرمة لها أن تنتقب، نعم أبو داود يقدح في هذه اللفظة، لكن ليس لأحد أن يقدح والخبر في البخاري.
ولا إشكال في كون غير المحرمة تنتقب، تلبس النقاب، لكن إيش النقاب، ما النقاب؟ ما النقاب الذي تلبسه المرأة المسلمة؟(26/13)
نقب في حجاب الوجه، نقب بقدر حدقة العين لترى منه الطريق بقدر الحاجة، ولو زاد على هذا القدر ولو مليم واحد من البشرة صار إيش؟ سفور وليس بنقاب، لا بد أن نفهم معنى النقاب، ما يجينا واحد يقول: خلاص النقاب حلال، النقاب حلال، ويكشفون نصف الوجه لا، لا هذا ولا أن نضعف ما في البخاري، ما في البخاري صحيح، ومفهومه صحيح، تنتقب غير المحرمة، لكن إذا أخرج قدر شعرة من البشرة فهو سفور، بل لو قيل بوجوب تغطية بعض العين؛ لأنه لا يتم الواجب وهو تغطية البشرة إلا به لكان له وجه، لا يتوسع في معنى النقاب كما هو موجود الآن، ولا نضعف ما ثبت، أظنه كلام واضح وظاهر، ما يجي واحد يقول سمعنا واحد يقول إن النقاب حلال، إيش النقاب المقصود به، ما النقاب المقصود به؟
كلام على النقاب الشرعي الذي جاء في مثل هذه الرواية: نقب يكون في غطاء الوجه بقدر الحاجة، إن زاد ولو كان شيئاً يسيراً وتعدى العين إلى البشرة فهو سفور ما يسمى نقاب، ولو قيل بوجوب تغطية بعض العين؛ لأنه لا يتم ستر البشرة بالكامل إلا بستر بعض العين، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مقرر عند أهل العلم هذا، فنفهم الموضوع بدقة، لا نضعف ما في الصحيح؛ لأن الناس توسعوا في النقاب، لا، لكن نفهم إذا أردنا أن نعمل بالنصوص لا بد أن نفهم النصوص، الواقع ما يغير من النصوص شيئاً أبداً، نعم الاحتياط مطلوب وسد الذرائع مطلوب ومقرر في الشرع، لكن يبقى أن كل شيء يقدر بقدره، ولا ننزل النصوص على أفهام العامة، لا ننزل النصوص على أفهام العامة: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج].
العامة يقولون: المحروم الذي عنده الملايين لكن ما يستفيد منها، هذا محروم، مسكين يعطى من الزكاة!! ما يعطى من الزكاة، ولو فهم العامة أنه محروم، فالنصوص لا تنزل على أفهام العامة، ولا على أفهام أهل الأهواء، إنما الذي يفهم النصوص على حقيقتها وعلى وجهها هم سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين.
((ولا تلبس القفازين)): وهو ما خيط على قدر اليد، لكن هل لها أن تلبس ما يغطي القدمين؟ أو نقول القدمان مثل اليدين؟ تلبس المرأة المحرم شراب الرجلين؟(26/14)
نعم تلبس، تلبس؛ لأنها ليست ممنوعة من المخيط إلا ما نص عليه.
حديث ابن عمر سم.
التلبية:
باب التلبية: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل.
هذه التلبية، والمراد بها إجابة النداء والدعوة، من الله -عز وجل- على لسان خليله إبراهيم: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [(27) سورة الحج]، ولذا شرع لكل حاج ومثله المعتمر أن يقول: لبيك؛ إجابة لهذه الدعوة، ولهذا النداء، ولهذا التأذين.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) ولذا يقول جابر -رضي الله عنه- وأهلَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد، مخالفاً لما كان يهل به المشركون، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، يقولون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، يشركون، نسأل الله العافية، الشرك الأكبر، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خالفهم فأهل بالتوحيد، لا شريك لك.
((لبيك اللهم لبيك)): ثم ثنى، يعني إجابة واستجابة بعد استجابة.
((إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)): كرر التوحيد.
قال: وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل.
التلبية النبوية التي يقتصر عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يزيد عليها، لا يزيد على ما جاء في صدر هذا الحديث: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)) يقول جابر: وكان الناس يزيدون على تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام- والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسمعهم ولا ينكر عليهم.
تلبية ابن عمر، زيادة ابن عمر لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك والرغباء إليك والعمل، اكتسبت الشرعية من أين؟ نعم.(26/15)
من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- والإقرار أحد وجوه السنن، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لزم تلبيته، هل الأفضل للمسلم أن يلزم ما لزمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يتجاوزه إلى ما يقوله الصحابة مما لفظه صحيح وأقره النبي عليه الصلاة والسلام؟
يلزم ما لزمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى، لكنه إذا سمع أحداً يلبي بغير هذه التلبية ينكر عليه وإلا ما ينكر عليه؟ لا ينكر عليه، يختار لنفسه ما اختاره النبي -عليه الصلاة والسلام- لنفسه، فلا يزيد على تلبية النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن لو سمع أحداً يلبي بالصيغ التي جاءت عن الصحابة مما سمعه النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم ينكره فإنه ليس له أن ينكر ما أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأمر ولو كان خلاف الأولى لا يُنكر، وقد اكتسب الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-.
حكم التلبية:
التلبية سنة عند جمهور أهل العلم، وقيل بوجوبها، ويرفع بها الملبي صوته، كان الصحابة -رضوان الله عليهم يصرخون بها- يرفعون أصواتهم بالتلبية، ويكررون التلبية، والمرأة تخفض صوتها؛ لئلا يفتتن بها، لئلا يفتتن بها من في قلبه مرض، فتخفض صوتها في التلبية بحيث تسمع نفسها ورفيقتها، ولا ترفع صوتها في التلبية، أما الرجل فالمشروع له أن يرفع صوته في التلبية.
التلبية الجماعية:
التلبية الجماعية، بعض الناس إذا اجتمعوا يلبي واحد ثم يلبي الجميع بصوت واحد مرتفع، تلبية جماعية، مثلها تكبير جماعي، تهليل جماعي، كل هذا مما أُحدِث، كل هذا من المحدثات، ينبغي أن يكون كل واحد يلبي بمفرده، نعم.
سفر المرأة بدون محرم:
باب سفر المرأة بدون محرم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم))، وفي لفظ للبخاري: ((لا تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم)). لا بدون إلا، بدون إلا، ليس معها حرمة.(26/16)
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرأة))، لا يحل: معناه الذي لا يحل، الحل في مقابلة الحرمة، فإذا نفي الحل ثبتت الحرمة، لتتم المقابلة، لا يحل يعني يحرم؛ لأن المقابلة بين أمرين الحلال والحرام؛ لأن الحلال يقابله الحرام، لا يأتينا من يقول: أن الأحكام خمسة، إذا انتفى واحد فمقابله أربعة، يحتمل أن يكون ما دام لا يحل إذاً يكره، لا، نقول الحلال يقابله الحرام، فإذا انتفى الحلال ثبت الحرام، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل]، فالمقابلة بين الحلال والحرام فقط، {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ} [(157) سورة الأعراف].
على كل حال مفهوم لا يحل ثبوت الحرمة لمن عملت هذا العمل ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة))، يحرم على المرأة أن تسافر تؤمن بالله واليوم الآخر يعني مسلمة، يحرم على المرأة المسلمة أن تسافر، قد يقول قائل أنه عنده خادمة كافرة، هل يتجه إليها مثل هذا التحريم؟ يتجه إليها مثل هذا التحريم؟ لأنه قال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر)) هي تقول لا تؤمن بالله واليوم الآخر، يحل لها أن تسافر؟
توجيه الخطاب للمسلمين؛ لأنهم هم الممتثلون للخطاب، وإلا فالكفار أيضاً مخاطبون بالفروع، في قول جماهير أهل العلم، وإذا كانت غير ممتثلة للخطاب فالخطاب يتجه على من مكنها من مزاولة هذا المحرم، وهو من أوفدها من غير محرم، وسافر بها بغير محرم، إضافة إلى كونها كافرة وإقامتها في هذه البلاد أيضاً فيها ما فيها.
المقصود أن قوله ((لا يحل)) يعني يحرم، و ((لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر)) يعني مسلمة؛ لأنها هي الممتثلة لمثل هذه التوجيهات الشرعية، وهذا لا يعني أن غير المسلمة يجوز أن تسافر، أو يُسافَر بها من قبل المسلمين، لا، لأنها مخاطبة بفروع الشريعة، وهذا منها، وحينئذ يتجه الخطاب إلى من مكَّنَها.
قد يقول قائل: هو يسافر بالشغالة يمين ويسار من غير محرم، وهي المكلفة هي المخاطبة بهذا النفي وإثبات الحرمة؟(26/17)
نقول هذا تعاون، إعانة لها على ارتكاب المحرم، والإعانة على ارتكاب المحرم محرمة، {وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [(2) سورة المائدة].
((أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)): قد يقول قائل: الآن ما هي مسيرة يوم وليلة؛ تسافر للحج ساعة، ساعة ونصف وهو واصلة في جدة، ما تحتاج إلى محرم.
نقول تحتاج إلى محرم؛ لأن قوله: ((مسيرة يوم وليلة)) لا مفهوم له، لا مفهوم له بدليل أنه اختلف التحديد، في بعض الروايات ثلاثة أيام، وفي بعضها مسيرة يوم، وفي بعضها مسيرة ليلة، المقصود أنها لا تسافر بدون محرم، لا تسافر بدون محرم.
ومع الأسف الشديد توسع الناس في ذلك، يجعل بنته، زوجته، أخته تسافر، ويومياً تسافر بدون محرم، تعمل في بلد آخر وتذهب وتأتي على اعتبار أنها مع جمع من النسوة.
نقول ما يكفي إلا مع ذي محرم منها، يعني من محارمها، ومحرمها زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد، هذا المحْرم، أما الجمع من النسوة هذا وإن قال به بعض أهل العلم، لكن ما يكفي إلا مع ذي محرم، يعني محرم منها.(26/18)
بعض الشراح قال: محرم منه، يعني محرم منه يعني امرأة من نسائه تكفي، التوسع في هذا الباب أورث مشاكل كثيرة، والتساهل والتسامح في مثل هذا يعرض الأعراض للانتهاك، والآن يبنى على مثل هذه المسائل مسائل أخرى، يسأل عنها لتكون شرعية ومبنية على أمور ممنوعة، شخص يسأل يقول: هل يجوز تأخير صلاة الفجر إلى الساعة السابعة؟ لماذا؟ يقول هو يسافر بمدرسات من بلد إلى بلد ولا يتمكن من الصلاة إلا إذا وصل البلد الثاني؟ يريد أن يبني مسائل شرعية على أمور غير مشروعة أصلاً، ما يمكن أن تنضبط الفتوى بهذه الطريقة، ابن نتائج شرعية على مقدمات شرعية، امرأة تسافر بدون محرم، يقول: لا أستطيع أن أقف في منتصف الطريق وأصلي، نقول له اترك هذه المهنة، طيب من يوصل هؤلاء المدرسات؟ يوصلونهن أولياء الأمور، أولياء أمورهن يوصلونهن، المسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، إذا كان يستطيع أن يوصلها امتثالاً لهذا الخبر ((إلا مع ذي محرم)) وإلا تترك، ما هناك ضرورة ولله الحمد، أما أن ترتكب المحرمات لأمور لا ضرورة داعية إليها، ما وصل الأمر إلى حد الضرورة، ومع ذلك يبني عليه تأخير صلاة الصبح، طيب تصلي قبل ما تمشي، يقول: نطلع قبل صلاة الفجر بساعة، ولا نصل إلا بعد طلوع الشمس بساعة، يريد أن يؤخر صلاة الفجر لماذا؟ لأنه يوصل مدرسات بدون محرم، {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [(40) سورة النور].
بعض الناس يتسامح يقول: سلم المرأة إلى المطار، سلمها حتى تركب الطائرة، وتُستَلم من المطار الثاني!!! كم حصل من عطل ومن خلل؟، كم حصل من مضايقة في الطائرات للنساء، كم حصل من مضايقة في القطار للنساء، يقول سلمها للقطار في محطة القطار، واستقبلها هناك، أو يستقبلها محرم آخر هناك، نقول: يا أخي اتق الله في محارمك، التسامح والتساهل إلى هذا الحد يورث مشاكل، طيب تعطل القطار، تعطل القطار في آخر السفر، قبل سنتين أو ثلاث في منتصف الطريق في الظلام وبين أشجار والقطار فيه أكثر من خمسمائة امرأة ولا فيه إلا يمكن خمسين رجل، هؤلاء النسوة بذمة من؟(26/19)
أولياء الأمور، يتحمل أولياء الأمور، فمثل هذا التساهل يجر إلى كوارث، أيش المانع، يا أخي .... ألا تسافر البتة هو الحاجة أو الضرورة إلى هذا السفر.
الحج ركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام إذا لم تجد المرأة محرم تُلزَم بالحج؟ ما تلزم بالحج بل من شروط وجوب الحج على المرأة وجود محرم، والله المستعان.
((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة)): كذا، نعم، هذا لفظه؟ ((ليس معها حرمة))؟
طالب: ((إلا ومعها ذو محرم)). . . . . . . . .
ليس معها حرمة، وهو بمعنى واحد، المعنى ما يختلف، ويأتي من يقول، أو من يفسر النصوص على حسب فهمه أو العرف العامي عنده حرمه، ليس معها حرمة، إيش معنى حرمة؟ امرأة.
فالنصوص ما تفسر باصطلاحات العامة وأفهام العامة، وإنما تفسر بفهم السلف، لا بد من المحرم وهو الزوج أو من تحرم عليه على التأبيد ممن بلغ سن التكليف، ولم يتصف بالغفلة، والعلماء يختلفون في الأعمى، هل يكفي في المحرمية أو لا يكفي؟ والصواب أنه يكفي، عنده من الحساسية ما يجعله يحافظ على موليته.
وفي البخاري ((لا تسافر مسيرة)) أيش ..
طالب:. . . . . . . . .
وفي لفظ للبخاري.
طالب: ((مسيرة يوم)) ..
مسيرة يوم، فين مسيرة، وهذا ليس اللفظ للبخاري، هذا اللفظ لمسلم هذا لفظ مسلم وليس لفظ البخاري وإن وهم المؤلف -رحمه الله- تعالى. على كل حال هذا نهي صريح لا تسافر، والنهي يقتضي التحريم.
طالب. . . . . . . . .
كثير؟
طالب: نعم.
نجيب على واحد اثنين هاتها ..
أسئلة:
يقول: ما وجه كون ما يلبس المحرم محصوراً، مع أنه إزار ورداء فقط، أما ما يمنع فهو أكثر؟(26/20)
لكن ما لون هذا الإزار، وما لون ذلك الرداء، وما سمكه وما حجمه؟ يحتاج إلى توصيف، ولذا يكون الجواب بمحصور، فإذا ذكر ما يمنع فما عداه مباح، ولذا يقول أهل العلم في الجرح والتعديل: لا بد من بيان سبب الجرح، وأما التعديل فلا يشترط بيانه، لا يشترط بيان سبب التعديل، لماذا؟ لأنه لا يمكن حصره، أما الجرح فيحصل بشيء واحد يمكن حصره، إذا قيل فلان ثقة، هل يلزم بيان كونه ثقة لأنه يصلي ويصوم ويحج ويبر والديه ولا يتعامل بالربا، ولا .. ما يحتاج، لكن سبب الجرح لأنه يحصل بشيء واحد لا بد منه عند جمهور أهل العلم.
فلان ليس بثقة لماذا؟ لأنه يغش في المعاملة، لماذا؟ لأنه عاق، أو لأنه يشرب، أو ما أشبه ذلك.
يقول: هل تعتبر جدة ميقات ومحاذية؟
لا ليست بميقات وليست بمحاذية للميقات إلا بالنسبة لمن جاء من سواكن من السودان، جدة محاذية للميقات، وما حكم من يأتي من الخارج وهو لا يحاذي الميقات؟؟ فهل عليه شيء؟
إذا أحرم من جدة نعم، هو يحاذي الميقات، إذا جاء من المغرب أو من مصر يحاذي الميقات قبل جدة.
ما صحة أثر ابن عباس: "لا يدخل أحد مكة إلا محرماً"؟
في كلام طويل لأهل العلم، لكن يمكن حمله لو صح على أنه لا يدخل أحد مكة ممن يريد الحج والعمرة إلا محرم؛ ليتفق مع الحديث.
هل يقال في التلبية: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً؟
لا، هذه ليست من التلبية.
من تعدى الميقات فهل يرجع إلى ميقاته أو إلى أقرب ميقات؟
يأتي لذلك ما ذكرناه عن مالك وعن الجمهور، من تعدى الميقات عند الجمهور لا بد أن يرجع إلى نفس الميقات، وعند مالك يكفيه أن يرجع إلى أقرب المواقيت.
هل يجوز تكرار العمرة في سفرة واحدة ويوم واحد وهل هناك ضابط لتكرار العمرة؟
مسألة التكرار مسألة يختلف فيها أهل العلم لكن كون النبي -عليه الصلاة والسلام- أذن لعائشة أن تعتمر وقد اعتمرت مع حجها؛ فهي حجت قارنة، ومع ذلك أذن لها أن تعتمر وأمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم، لكن لا يكون ديدنه ذلك يعتمر ويحل ويعتمر لا، لكن لو قدر أنه ممن يتأخر مجيئه إلى مكة أزمان ثم استغل هذا الوقت في أكثر من عمرة لا بأس إن شاء الله تعالى.(26/21)
يقول: إذا كان الإزار مخيطاً من عند الخاصرة؟
هو مخيط إذا كان مخيط على النصف الأسفل من البدن هو مخيط، لا يجوز لبسه؛ لأنه إذا خطت الإزار بإمكانك أن تخيط الرداء، وبدل ما تلبس رداء يشغلك ويتعبك، تلبس فنيلة وتكفي يكفي إيش المانع؟ إذا خطت الإزار وأيش المانع أن تخيط الرداء، الحكم واحد.
يقول: أردت الحج العام الماضي ولكن أمي رفضت ذلك بحجة الخوف عليَّ فأطعتها فما حكم ذلك؟
نحن قلنا الحج على الفور والقول المعتمد عند أهل العلم، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إذا كنت قادراً على الحج.
وأنا أريد أن أحج هذا العام ولكن والدتي تصر على الحج معي، ولكني لا أستطيع الحج بها؟ لسببين: قدراتي المادية .. ؟
على كل حال لا يلزمك أن تحج بها، حج بنفسك ولا يلزمك أن تحج بها، لكن إن حججت بها فهو من البر، ومن أعظم وجوه البر.
هنا يقول: ما حكم من اشتغل بهذه التجارة وهي القيام بحجه بالخادمات مع أنه يحصل من المحرمات ما الله به عليم، وما توجيهكم لمن لديه خادمة وشُرِط عليه الحج بها؟
أما من يشتغل بالأمور المحرمة فهذا معرض نفسه للعقوبة ولتجارته وكسبه بالمحق وعدم الإفادة منه، بل هذا المال وهذا الكسب يكون وبالاً عليه يوم القيامة، والخادمة كغيرها تحتاج إلى محرم.
أما عند الشافعي إن كان مذهبها شافعي وترى ذلك أنها يجوز لها أن تحج مع رفقة مأمونة من النساء هذا كل عليه أن يعمل بما يدين الله به، من أفتاه إذا أفتاه من تبرأ الذمة بفتياه وقال هذا القول له وجه وأفتاه بذلك، إذا كانت الذمة تبرأ بهذا المفتي لا بأس، أما أن يجتهد بنفسه وهو ليس بأهل للاجتهاد لا يجوز له ذلك، فالأصل ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله وليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم)).
يقول: مع العلم أنه يحصل من المحرمات ما الله به عليم؟
لا بد أن يحصل، مع التجاوزات الشرعية لا بد أن يحصل، والسيئات بعضها عقوبة لسيئة أخرى، ففي الخبر: "السيئة تقول أختي أختي" كما أن الإنسان إذا عمل حسنة خالصة لوجه الله -عز وجل- فإنها تقول أختي أيضاً فيوفق لعمل حسنة أخرى، وهكذا.
يقول: ما هو توجيهك لمن لديه خادمة ويشترط عليه الحج بها؟(26/22)
هذا شرط ليس في كتاب الله، نقول: لا بأس إذا اشترط عليه أن يحج بها أن يدفع لها نفقات الحج وفاءً بهذا الشرط، لكن لا يخالِف، لا بد أن تحضر محرم يحج بها.
يقول: هل يأثم سائق السيارة التي تحمل المدرسات اللاتي يسافرن إلى خارج الرياض؟
على كل حال إذا كان سفر خارج البلد لا بد فيه من المحرم ومعنى لا يحل يعني يحرم، ولا تسافر نهي، والنهي يتقضي التحريم، فإذا حرم عليها حرم على من يعينها على ذلك.
يقول: سافرت إلى مصر، ومن ثم نويت العمرة وعدت إلى المملكة عن طريق المدينة، ثم ذهبت إلى جدة براً، ثم ذهبت إلى السيل الكبير وأحرمت وأديت العمرة فهل علي شيء؟
الأصل أن تحرم من ميقات؟ أيش؟ هو نوى العمرة من مصر؟ من ميقات بلده، وينتقل من بلد إلى آخر بإحرامه، لكن لو تجاوز ميقات بلده، وتجاوز ميقات المدينة، وتجاوز ميقات ... المواقيت التي يمر بها وذهب على كما قال إلى السيل الكبير، وأحرم إلى العمرة على رأي مالك لا يلزمه شيء؛ لأنه ميقات شرعي معتبر ومر به، ميقات شرعي ومر به، وعلى كل حال مذهب الجمهور يلزمه دم، على مذهب الأكثر يلزمه دم.
يقول: هل يترتب على تقديم الحج على الصوم أمور وأحكام؟(26/23)
هل فيه معارضة ولو من وجه بين الحج والصوم، لكي نقدم أحدهما على الآخر، هذا له وقت وهذا له وقت، لكن قد يقول قائل: إذا كان الحج أهم وعلي كفارة بسبب صيام، يقول: هو لا يستطيع الصيام فيعدل حينئذ إلى الكفارة ويملك ما قيمته إطعام ثلاثين مسكين، والحج يكلفه هذه القيمة، هل يصرف هذا المبلغ في الحج أو في كفارة الصيام؟ المسألة افتراضية، يعني ما يظهر وجه تعارض بين الحج والصوم إلا في هذه الصورة يمكن؟ يظهر وجه فيه تعارض بين الحج إلا في هذه الصورة؟ لأنه يقول هل يترتب على تقديم الحج على الصوم أمور وأحكام، نفترض أن شخص يملك ثلاثمائة ريال ها الثلاثمائة تمكنه من الإطعام ثلاثين مسكين أفطرها في رمضان وهو لا يستطيع الصيام، وتمكنه من أن يؤدي فريضة الحج، هل يقدم الحج أو يقدم كفارة الصيام لأنها بدل والبدل له حكم المبدل؟ غير مالك في مال الحج، هو عنده ثلاثمائة ريال حج بها، يمكن يحج بها، هذا الكلام، هذا الكلام على هذا السؤال، أنا أقول، هو يقول: هل يترتب على تقديم الحج على الصوم أمور وأحكام؟ يعني هل هناك وجه تعارض بين الحج والصيام لنحتاج إلى تقديم أحدهما على الآخر؟ في مثل هذه الصورة يتصور، فإذا قلنا أن الحج مقدم على الصيام نقدم الحج على الإطعام الذي هو بدل عن الصيام؛ لأن البدل له حكم المبدل، والذي يقول: لا، الصيام هو الركن الرابع والحج هو الخامس وعليه الأكثر يكفر عن ما أفطره في رمضان ثم إن وجد سعة يحج وإلا فهو معذور.
الوقت -وقت التكفير تقصد- التكفير موسع، يعني إلى إيش، والحج على الفور، له وجه وإلا ما له وجه؟
أنا أقول مثل هذا الاختلاف على بعده متصور، هذا مجرد تصوير وافتراض، متصور على بعده.
إنسان يحرم من بيته ويقول لا شيء في ذلك؟ يقول لكن الأفضل الإحرام من الميقات وهذا البيت في الرياض؟
شخص أحرم قبل الميقات المكاني، وجاء عن علي -رضي الله عنه- في تفسير قوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [(196) سورة البقرة] قال: إتمام الحج والعمرة أن تحرم بهما من دويرة أهلك، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحرم من الميقات.
لا شك أن الإحرام قبل الميقات زيادة على ما شرعه الله -عز وجل- فالمشروع أن تحرم من الميقات المحدد، فكما أنه لا يجوز لك أن تحرم بالحج قبل ميقاته الزماني فكذلك. . . . . . . . .
البقية في الجزء الثاني باب الفدية - باب حرمة مكة - باب ما يجوز قتله.(26/24)
عمدة الأحكام - كتاب الحج (2)
باب الفدية - باب حرمة مكة - باب ما يجوز قتله
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
المشروع أن تحرم من الميقات المحدد، فكما أنه لا يجوز لك أن تحرم بالحج قبل ميقاته الزماني، فكذلك لا يجوز لك أن تحرم به قبل ميقاته المكاني، وجمهور أهل العلم على الكراهة، يكره أن يحرم قبل الميقات، لعله يريد أن يقول: هو يحرم من بيته، يعني يلبس الإحرام ويتجهز بحيث إذا ركب الطائرة ما يحتاج إلى أن يتجهز لصعوبة التجهز في الطائرة، إذا كان المراد التجهز هذا ليس بإحرام، الإحرام نية الدخول في النسك، لا ينوي الدخول في النسك من بيته؛ فيكون قد زاد على ما شرعه الله وما فعله نبيه -عليه الصلاة والسلام- والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بقي من الأمس أسئلة كثيرة جداً لا يمكن استيعابها، وكثير من الأسئلة له أهمية، منها ما يتعلق بالحج، ومنها ما لا علاقة له به، لكن الحاجة ماسة إلى الجواب عنه، لكن يشكل على ذلك الوقت، الوقت قصير جداً بالنسبة لمجموعة الأحاديث المقررة، المقرر شرحها في هذه الليالي، فما أدري كيف نسدد ونقارب، ما أدري هل تكون الإجابة في أول الوقت حتى يكتمل عدد الأخوة أو تكون الإجابة بين الأذان والإقامة؛ ليستفيد منها من يتقدم إلى الصلاة لا سيما أن بعض المسائل الناس بحاجة إليها والله المستعان، أيهما أفضل؟
طالب: بين الأذان والإقامة
بين الأذان والإقامة، نعم.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب الفدية:(27/1)
عن عبد الله بن معقل قال: جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية فقال: نزلت في خاصة وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي فقال: ((ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، أو ما كنت أرى الجهد بلغ منك ما أرى، أتجد شاه؟ )) فقلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع))، وفي رواية: أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطعم فرَقاً بين ستة مساكين، أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب الفدية:
الفدية: ما يلزم من تلبس بالنسك من حج أو عمرة إذا فعل محذوراً ممنوعاً، وهي أعم من الدم؛ بحيث تشمل الدم والإطعام والصيام.
حديث عبد الله بن معقل قال: جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية: يعني عن آية الفدية {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [(196) سورة البقرة]، فقال نزلت فيَّ خاصة: نزلت فيَّ، يعني في قصتي التي سأذكرها، نزلت في قصتي خاصة، يعني هو سبب النزول، قصته هي سبب نزول آية الفدية، وهي لكم عامة، هذا فهم السلف أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، {فَمَن كَانَ مِنكُم} لفظ عام ولم يقصر على سببه وهو كعب بن عجرة؛ لأنه قد يرد اللفظ ويراد به الخصوص، لكن هنا هو باق على عمومه وإن كان السبب خاصاً.
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:
هذه القاعدة -العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب- نقل جمع من أهل العلم الاتفاق عليها، شذ بعض من يرى أن العبرة بخصوص السبب حتى يرد ما يدل على العموم، لكنه قول شاذ لا يعول عليه.(27/2)
قولهم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هي قاعدة، هل هي باقية على عمومها أو لا بد من التقييد فيها؟ يعني كل ما رأينا من نص عام نحمله على عمومه أو خرج عن هذه القاعدة بعض المسائل التي لوحظ فيها السبب، وألغي العموم؟ ومتى يكون ذلك؟ نعم، وجد بعض المسائل التي لوحظ فيها السبب وألغي العموم، ذلكم فيما إذا كان العموم مخالفاً بخصوص أقوى منه يوضح ذلك المثال -هذه القاعدة لأهميتها نستطرد بذكرها وإلا لا علاقة لها بما نحن فيه- في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) في حديث عمران بن حصين.
في الحديث الآخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) ((صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) ظاهرة عمومه يتناول الفريضة والنافلة، لكل مستطيع، كل من يستطيع القيام لا يجوز له أن يصلي قاعداً، إذاً علامَ يحمل حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))؟ على المتنفل، كيف حملناه على المتنفل؟ لماذا المتنفل؟
من هذا الحديث، يجوز له من هذا الحديث، إذن يلزم على ذلك الدور، نحن نسأل عن هذا، لماذا حملناه على المتنفل؟ لأن المتنفل يجوز أخذاً من هذا الحديث ما سوينا شيء، ظاهر؟ أن تقول نحمله على المتنفل، نقول: نعم يحمل على المتنفل، لماذا حملنا هذا الحديث على المتنفل؟ هل في الحديث ما يدل على المتنفل، أو ظاهره يتناول الفرض والنفل؟ لكنه معارض بعموم حديث عمران بن حصين، ما الذي جعلنا نحمله على المتنفل؟ سبب الورود، سبب ورود الحديث، كون الحديث عمومه معارض بما هو أقوى منه، جعلنا نرجع إلى السبب ونقصر الحديث على سببه، النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة -يعني فيها حمى- فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فسبب الورود يدل على أن الصلاة نافلة؛ لأنه ما يمكن أن يصلوا حتى يحضر -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يصلوا الفريضة إلا خلفه.(27/3)
والقيد الثاني: ما يدل عليه سبب الورود أنه في المستطيع -من يستطيع القيام- بدليل أنهم تجشموا القيام فقاموا، أما الذي لا يستطيع القيام أجره كامل، سواءً كان في النافلة أو في الفريضة.
إذن القاعدة التي يطلقها أهل العلم ليست على إطلاقها، وإن نقل الاتفاق عليها، وهذه القاعدة في غاية الأهمية؛ يحتاج إليها كل طالب علم، قل من يتنبه لها، يأخذون القواعد على إطلاقها مثل هذه القاعدة، لا مشاحة في الاصطلاح، يخالفون النصوص بالمصطلحات ويقولون: لا مشاحة في الاصطلاح، نقول: لا، هناك قواعد تطلق على ألسنة أهل العلم وهي بحاجة إلى تقييد، وهذه منها.
شرح الحديث:
يقول: نزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة، حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي رواية: رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، ويمكن الجمع والتوفيق بينهما أنه رآه بعد أن حمل إليه، أو أنه رآه قبل ذلك فطلبه فحمل إليه.
حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي: القمل معروف، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ما كنت أَرى)) أو ((أُرى)) ما كنت أظن أو أعلم، أُرى يعني أظن، وضبطت باللفظين، أُرى: أظن، وأرى: أعلم ((ما كنت أُرى الوجع بلغ بك ما أرى)) أو ((ما كنت أرى الجَهد)) ويضبط أيضاً بـ ((الجُهد)) الجَهد المشقة، والجُهد الطاقة بالسعة.
((بلغ منك ما أرى، أتجد شاة؟ )) فقلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع)) وفي رواية فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين"
فرق: إناء يسع ثلاثة آصع، لكل مسكين نصف صاع -كما في الرواية السابقة- أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام.
متى تلزم الفدية:
التكفير الفدية، هذه تسمى فدية الأذى، فتحفظ؛ لأنه يحيل عليها أهل العلم كثيراً، من ارتكب كذا فعليه فدية أذى، هذا التكفير وهذه الفدية قبل الوقوع في المحذور أو بعده؟ أو يجوز الأمران؟
الآن ((أتجد شاة))، لكن هل في هذا أنه حلق قبل أو بعد؟ نعم؟ الآن الكفارات عموماً هل يجوز أداؤها قبل فعل موجبها؟ نعم؟(27/4)
هناك قواعد تضبط النصوص، ثم تأتي الذي هو خير، ويجوز أيضاً أن تأتي الذي هو خير ثم تكفر، وجاء النص بهذا وهذا، ((إلا كفرت عن يمني ثم أتيت الذي هو خير)) وجاء العكس.
هناك قاعدة تضبط إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب لم يجز فعلها قبل السبب، اتفاقاً ويجوز فعلها بعد الوقت اتفاقاً، والخلاف بينهما، لكن الدليل دل على أنه يجوز أن تفعلها بعد سبب الوجوب ووقت الوجوب، سبب الوجوب هنا الإحرام، هل يجوز أن تكفر كفارات محظورات الإحرام قبل أن تتلبس بالإحرام الذي هو سبب وجوب هذه، لا يجوز، لكن يجوز اتفاقاً أن تكفر بعد ارتكاب المحظور، والخلاف فيما بينهما والدليل دل على الجواز.
نأتي إلى مسألة أخرى، يجرنا إليها هذا الكلام، ودم المتعة والقران سببه الإحرام، الإحرام بهما بالحج والعمرة، ووقته وقت الوجوب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا تحل له الوقت على أساس. . . . . . . . .، نعم.
السؤال من فروع هذه القاعدة ذكرت في قواعد ابن رجب وغيره، إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب جاز، على ما فصلنا سابقاً.
دم المتعة والقران سبب الوجوب الإحرام بالحج والعمرة، إما معاً في حال القران، أو بالعمرة ثم الحج، ووقت الوجوب لزوم الدم، متى يلزم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أهل العلم يقولون وقته وقت الأضحية، لكن بين السبب والوقت يجوز فعله؟، يجوز ذبح دم المتعة والقران قبل يوم النحر بعد انعقاد السبب الذي هو الإحرام؟ هاه
على كل حال هو قول للشافعية ورواية عند الحنابلة، لكن الجمهور على خلافه -على أنه لا يجوز إلا في يوم النحر- نعم،
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال هو مندرج في القاعدة له سبب وله وقت، وأدرجه ابن رجب في القاعدة، لكنه فيه الخلاف المعروف، ولذا لا يجوز لأحد أن يذبح دم المتعة والقران قبل يوم النحر، وألف في ذلك رسائل منها (القول اليسِر في جواز ذبح الهدي قبل يوم النحر) ورد على هذه الرسالة، رسائل معروفة عند أهل العلم هنا في البلد، (إيضاح ما توهمه صاحب اليسر في يسره) للشيخ ابن حميد -رحمه الله-.(27/5)
المقصود أن هذه من فروع القاعدة والجمهور على المنع، أما بالنسبة لكفارة اليمين جاء النص بها، وهنا يجوز أن يكفر قبل أن يتلبس بالمحظور ويجوز أن يكفر بعده.
((أتجد شاة؟ )) فقلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)): هذا الحديث يدل على إيش؟ على الترتيب، نعم على أن فدية الأذى على إيش؟ النص هنا الرواية هذه تدل على الترتيب، فيقدم الدم، ((أتجد شاة؟ )) فقلت: لا، لم يوجهه إلى الخصال الأخرى إلا بعد أن عرف أنه لا يجد الشاة.
الرواية التي تليها فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام، يدل على إيش؟ التخيير، الرواية الثانية تدل على التخيير، والآية تدل على {مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} أيضاً تخيير، فالرواية الأولى معارضة للرواية الثانية، كما أنها معارضة للآية، والرواية في الصحيحين ليس لأحد كلام، لكن كيف توجه هذه الرواية؟
طالب. . . . . . . . .
نعم قيل في ذلك، قيل أنه وجهه أولاً إلى الأفضل، وجهه إلى الأفضل لا على سبيل التعيين، لا على سبيل اللزوم، إنما وجهه إلى الأفضل فلما عرف -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يجد الأفضل نقله إلى المفضول.
الرواية الثانية ((أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين، أو يهدي أو يصوم)) وهي الموافقة لنص القرآن.
القصة واحدة أو أكثر، أكثر من قصة أو قصة واحدة؟ يعني أكثر من مرة رآه والقمل يتناثر على وجهه، نعم أو مرة واحدة؟
طالب: مرة واحدة.
القصة واحدة، ومخرجها واحد، فما جاء مما يدل على الترتيب أو التخيير كله من تصرف الرواة، لأن القصة مخرجها واحد وهي واحدة.
((أتجد شاة)): المقصود بالشاة ما يجزئ في الأضحية، كما قرر ذلك أهل العلم، وهل يجزئ ما فوق الشاة، لو ذبح بقرة أو بدنة، يجزئ وإلا ما يجزئ؟
طالب: من باب أولى.
المنصوص عليه شاة، نعم الأكثر على أنه يجزئ، ومقتضى قول من يقول بعدم إجزاء إخراج الإبل في زكاة الخمس من الإبل، من عنده خمس من الإبل زكاتها شاة، لو أخرج بعير يجزئ وإلا ما يجزئ؟
نعم يجزئ عند الأكثر، لكن الإمام مالك يقول: لا يجزئ، مقتضى قوله هناك يورد هنا.(27/6)
على كل حال هو من باب أولى، وإذا قلنا بذلك فالقدر الزائد على الواجب ماذا يسمى؟ نعم؟
لو قلنا البعير، البعير عن سبع، البقرة عن سبع من الشياة لو أخذ بدنة كاملة، القدر الواجب عليه ..
طالب: السبع.
السبع، والباقي نافلة، من يذكرنا بالقاعدة التي تضبط لنا هذا؟
عندهم قاعدة: القدر الزائد على الواجب إن كانت الزيادة متميزة لها حكم، وإن كانت غير متميزة لها حكم، فالقواعد الظاهر أنه ما لها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، كيف؟
طالب. . . . . . . . .
قاعدة كبرى عند أهل العلم ولها فروع كثيرة يترتب عليها فوائد كثيرة، لكن لو فصلنا كل شيء الظاهر ما ننتهي، على كل حال ننتقل إلى الخصلة الثانية.
قال: ((فصم ثلاثة أيام)): متتابعة وإلا متفرقة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يعني مثل كفارة اليمين ما في ما يدل إلا قراءة ابن مسعود؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مطلق، ما قيد بالتتابع ولا بالتفريق، وجاء الصيام في بعض الكفارات مقيد بالتتابع وفي بعضها مقيد بالتفريق، فبأيهما يلحق ما معنا؟ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [(92) سورة النساء].
{فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [(196) سورة البقرة] مقيدة بالتفريق، وهناك مقيدة بالتتابع، فهل نلحق ما معنا بما قيد بالتتابع أو ما قيد بالتفريق؟ أو يبقى على إطلاقه، يبقى الإنسان مختار؛ لأن عندنا قاعدة حمل المطلق على المقيد إذا جاء نص مقيد وآخر مطلق.
((فصم ثلاثة أيام)) هل يصومها أثناء الحج أو إذا انتهى الحج؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .
ما تفكر هذا مسكوت عنه، فيبقى على إطلاقه.
((أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)): سواءً كان من بر أو من تمر أو من غيرهما، بعض أهل العلم يرى التفريق بين البر وغيره، تكون الكفارة نصف صاع من تمر أو مد من بر، قياساًِ على قول معاوية في زكاة الفطر، عدلوا البر الصاع منه بصاعين من غيره.
سم.
حرمة مكة:(27/7)
باب حرمة مكة: عن أبي شريح -خويلد بن عمرو- الخزاعي العدوي -رضي الله عنه-: أنه قال لعمرو بن سعيد بن العاص - وهو يبعث البعوث إلى مكة -: "ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح، فسمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به: أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن مكة حرمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لرسوله ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب)). فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيا، ولا فاراً بدم ولا فاراً بخرَبة.
الخَرَبة: بالخاء المعجمة والراء المهملة قيل: الخيانة، وقيل البلية، وقيل التهمة، وأصلها في سرقة الإبل، قال الشاعر: والخارب اللص يحب الخاربا.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا))، وقال يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق الله السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلَّ لي إلا ساعة من نهار، وهي ساعتي هذه، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرَّفها، ولا يُختلى خلاه)). فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: ((إلا الإذخر)). "القين" الحدَّاد.
يقول -رحمه الله- تعالى: باب حرمة مكة: وذكر حديث أبي شريح، وحديث ابن عباس، وفيهما أن الله -عز وجل- هو الذي حرم مكة ولم يحرمها الناس.
أبو شريح خويلد بن عمرو الخزاعي العدوي -رضي الله عنه- قال لعمرو بن سعيد بن العاص، المعروف بالأشدق، وهو يبعث البعوث إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير من قبل يزيد بن معاوية.(27/8)
"ائذن لي أيها الأمير": أبو شريح يخاطب هذا الأمير عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق، ويبين له الحق -بحضور غيرهما- ما الدليل على أن عندهم من حضر غيرهما؟ أنه نُقل الخبر، لكن بأدب وعلى هذا لا مانع، بل قد يتعين الإنكار على المخالف مهما كانت منزلته ومرتبته لكن بالأسلوب المناسب الذي يحقق المصلحة ولا تترتب عليه مفسدة، ولذا قال: ائذن لي، استأذن أولاً، أيها الأمير، وجاء باللقب المحدد عنده أن أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا مقتضى حديث البيعة، حديث عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، هذا أمر لا بد منه، نفس على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، لكن هل يمنع هذا من قول الحق؟، لا يمنع من قول الحق على أن نقول أو نقوم بالحق لا نخاف في الله لومة لائم، فعجز الحديث لا يخالف أوله، هذا لا يخالف السمع والطاعة، بل هو محض النصيحة، عين النصيحة لولي الأمر.
ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك قولاً قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغد من يوم الفتح يعني من الغد.
فسمعته أذناي: يوضح أنه متأكد من سماعه من نبي الله -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، وأنه حفظه وضبطه كما سمعه، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي، كل هذه مؤكدات.
حين تكلم به أنه حمد الله وأثنى عليه هذا فيه مشروعية البداءة بالحمد والثناء على الله -عز وجل- في الخطب.
ثم قال: ((إن مكة حرمها الله يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمها الناس)): وأما ما جاء من أن إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حرم مكة إنما هو بلغ تحريم الله -عز وجل- مكة إلى الناس، فهو مبلغ عن الله، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ولم يحرمها الناس)).
((فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دم)): مكة حرمها الله -عز وجل- ومقتضى هذا التحريم أن تعظم، وإنما حرمت مكة من أجل البيت، أول بيت وضع للناس، الذي أمرنا بتطهيره: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [(125) سورة البقرة] إلى آخره والتطهير المقصود به: من النجاسات الحسية والمعنوية.(27/9)
{طَهِّرَا بَيْتِيَ} لا بد من تطهير البيت، هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب، لا بد من تطهير البيت من النجاسات كلها الحسية والمعنوية، فالتطهير من النجاسات الحسية أمره سهل وهو قائم ولله الحمد على وجه يقرب من الكمال، لكن على القائمين عليه أن يطهروه من النجاسات المعنوية، من الإلحاد فيه من الشرك والبدع، المعاصي، التبرج السفور مخالفات؛ فإذا كانت إرادة الإلحاد في الحرم رتب عليه الوعيد الشديد {نُذِقْهُ}، {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ} [(25) سورة الحج] ولا يتصور أن الإلحاد هو الكفر، الإلحاد: الميل، والآية تدل على أنه ولو كان يسيراً؛ لأنه نكرة في سياق الشرط، فيعم جميع وجوه الإلحاد صغيرها وكبيرها، وهذا مجرد إرادة فكيف بالفعل؟
وهذه الآية جاءت متعقبة للآية التي تدل على أن الناس سواء في البيت يستوي فيه العاكف والباد، الأعرابي الذي يرد إلى هذا المسجد ويصلي فيه فرض ويرجع، والمقيم فيه، كلاهما سواء {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج] أدنى إلحاد، فالناس يستوون في هذا المكان، ولهذا ينبغي تنبيه من يضايق الناس في هذا المكان، كم حصل من مشاكل لا سيما في المواسم بسبب حجز الأماكن، يضع شيء يحجز المكان فإذا جاء حصل الشقاق والنزاع والخلاف، هذا إلحاد؛ لأنه مخالف لما قرر في الآية السابقة، بعض الناس يستأجر من يحجز له مكان، والغالب أن هؤلاء الأجراء ليسوا على مستوى أيضاً من حسن التعامل مع الناس، كم سمعنا من أصوات ترتفع في هذا المكان الطيب الطاهر الذي أمرنا بتطهيره للطائفين والقائمين والركع السجود والعاكفين، محل عبادة هذا، ينبغي أن يهيئ فيه الجو للعبادة، والله المستعان.(27/10)
فمقتضى تحريم مكة تعظيمها؛ أن يعظم شعائر الله، لا شك أن تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب كما قال الله –عزَّ وجلَّ-. وإذا كان تعظيم مكة وتحريمها من أجل البيت، فتعظيم البيت أولى مما عظم وحرم من أجله. ((إن مكة حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً)): يقتل، القتل إذا كان عن عمد لمؤمن موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب وجاء الوعيد الشديد {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(93) سورة النساء] {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان]، المقصود أن القتل شأنه عظيم.
((أن يسفك بها دماً)): وهل يتناول القتل بحق من إقامة حد أو قصاص؟ العلماء يختلفون في ذلك، من زنى وهو محصن يرجم في مكة؟ من قتل يقتل في مكة؟ العلماء بينهم خلاف في هذه المسألة فمنهم من يقول: يقتل؛ لأن مكة يتناولها عموم النصوص التي جاءت في تنفيذ الحدود والقصاص، ومكة كغيرها، ومنهم من يقول: لا يقتل؛ لعموم قوله: ((أن يسفك بها دماً)) يعني سواءً كان بحق أو بغير حق، وهل معنى هذا أن الناس يتركون يتقاتلون في هذا المكان الطيب الطاهر ولا يردعون؟ نقول: لا، هناك حل يضيق على القاتل حتى يخرج، فإن لم يخرج أخرج منه وقتل خارجه.
((ولا يعضد بها شجرة)): أي ألا يقطع شجرة، وهل يشمل الشجر ما أنبته الله -عز وجل- وأنتبه الآدمي؟ أما ما أنتبه الله -عز وجل- فهو داخل دخولاً لا إشكال فيه، وأما ما أنبته الآدمي فمحل خلاف بين أهل العلم.
((فإن أحد ترخص بقتال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا: إن الله قد ائذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أُذن لي أو أذن لي ساعة من نهار)) يعني مقدار من الزمان وليس المراد به الساعة الفلكية المقدرة بستين دقيقة، لا، المراد بها المقدار من الزمان من غير تحديد.
((وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس)): رجعت، يعني مدة استثنيت من التحريم العام المطلق للنبي -عليه الصلاة والسلام-.(27/11)
((فليبلغ الشاهد الغائب)): اللام لام الأمر، والتبليغ واجب وهو واجب كفائي، يعني على الكفاية، إذا حصل بمن يكفي صار في حكم الباقين سنة.
فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ يعني هل امتثل؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ولا فاراً بدم، يرى أنه محق في قتال ابن الزبير، وأن ابن الزبير خارج وباغي فقتاله حق، والحرم لا يعيذه.
"إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخرَبة، أو خرِبة: وهي الخيانة أو البلية".
هذا الكلام من أبي شريح في مقابلة النص المرفوع، هل نقول: إن هذا الرجل -الأمير عمرو بن سعيد- عاند وخالف النص مخالفة صريحة؟ أو نقول: هو متأول؟
هو خالف النص بلا شك؛ جمهور أهل العلم على أن ابن الزبير عنده بيعة شرعية، ولذا سُلط على عمرو بن سعيد من هؤلاء الذين بعثوه من يقتله صبراً، عوقب، لكن لو قدر أن شخص من البغاة اعتصم بمكة، يترك؟ أو نقول له مثل ما قال: إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ويضيق عليه حتى يخرج أو يقتل في مكانه؟ يرد فيه الخلاف السابق.
الحديث الثاني:
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)) الهجرة هي الانتقال من بلد الشرك والكفر إلى بلد الإسلام.
((لا هجرة بعد الفتح)): مفهومه أن الهجرة نسخت بفتح مكة، لكن النصوص تدل على أن الهجرة باقية إلى قيام الساعة، الهجرة باقية وجوبها باق إلى قيام الساعة، وحديث الباب ((لا هجرة بعد الفتح)) إما أن يقال: لا هجرة من مكة بعد الفتح لأنه صار بلد إسلام، أو يقال: ((لا هجرة بعد الفتح)) فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح.
(ولكن جهاد ونية)): جهاد ونية الباقي الجهاد، إذا كان الجهاد قائم فالمشاركة متعينة على تفصيل عند أهل العلم في كتب الفروع، متى يتعين أو لا يتعين متى يكون فرض كفاية، المقصود أنه لا بد من المشاركة إذا كان قائماً بما يحقق المطلوب أو نية الجهاد إذا لم يكن قائماً، فإن كان الجهاد قائماً بالفعل لا بد من المشاركة ممن يتأدى به الغرض أو نية الجهاد إذا لم يكن قائماً، فلا بد من تحديث النفس بالجهاد.(27/12)
والنية شأنها عظيم، العبادات مرتبط صحتها بالنية الصالحة الخالصة، فالنية شرط لكل عبادة.
((وإذا استنفرتم فانفروا)): وهذه صورة من الصور التي يتعين فيها الجهاد، إذا استنفر الإمام شخصاً أو طائفة تعين عليه الاستنفار، كما أنه يتعين عليه إذا دهمه العدو في بلده أو حضر الصف.
((وإذا استنفرتم فانفروا)): يعني طلب منكم النفير؛ لقتال العدو فانفروا.
وقال يوم فتح مكة: ((إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)) كما تقدم ((وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، وهي ساعتي هذه، فهو حرام)) ومعناه مثل ما تقدم.
((بحرمة الله إلى يوم القيامة))، لا يعضد شوكه – لا يقطع الشوك- ولا ينفر صيده، ولا ينفر الصيد، ومن باب أولى لا يقتل، لا يتعرض له بأذى؛ ليشمله الأمن الذي هو من خصائص هذا البلد، لا ينفر صيده، وعلى هذا لو وجدت صيداً في الحرم فنفرته بقصد أو بغير قصد فأهل العلم يضربون مثال لمثل هذا إذا وقع طائر على ثوبك وأردت أن تأخذ هذا الثوب لتلبسه، فطار هذا الطائر فتعرض لأذى، يضمن وإلا ما يضمن؟ لا شك أنه متسبب، يعني نفترض أن شخص جاء حمامة وقعت على رأسه فطردها، أو على ثوبه وأراد أن يلبس الثوب طارت فضربت بالمروحة وماتت، يضمن وإلا ما يضمن؟ ((ولا ينفر صيده))؟ أو يقصر ذلك على المتعمد، يعني إذا كانت مباشرة القتل يشترط فيها العمد، فالتسبب فيه من باب أولى، هل يشترط العمد في قتل الصيد وإلا ما يشترط؟
طالب:. . . . . . . . .
بدليل قوله {فَجَزَاء} [(95) سورة المائدة] إلى آخره فنص على العمد.
يذكرون فروع تحت قوله: ((ولا ينفر صيده))، أنه سواء كان بقصد أو بغير قصد، لكن إذا كانت مباشرة القتل يشترط فيها العمد فالتسبب من باب أولى.
((ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها)): هذا من خواص هذا المكان -البلد الطيب المبارك- لا تلتقط لقطته إلا من يعرفها، لا يملكها أبد الآباد لا بد أن يعرفها دائماً حتى يجدها صاحبها، أو يسلمها إلى جهة تحفظها وتقوم بتعريفها، أما اللقطة في غير مكة فحكمها معروف تعرف سنة ثم تملك وهي تختلف بحسب الملتقط.(27/13)
((ولا يختلى خلاه)) الخلا الحشيش، ويختلى يعني يحتش.
فقال العباس: يا رسول الله: العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-: يا رسول الله، إلا الإذخر: هو نبت معروف يستعملونه، يستعمله أهل مكة في تسقيف البيوت يجعلونه بين الخشب والطين، يمسك الطين لا يقع من خلل الخشب ويستعملونه أيضاً في إيقاد النار، يستعملونه أيضاً ... إلا الإذخر فإنه لقينهم، القين الحداد، يوقد به النار، وبيوتهم يجعلونه في السقوف، فقال: ((إلا الإذخر)) والقين: الحداد.
الاستثناء من النبي -عليه الصلاة والسلام- للإذخر هل كانت النية معقودة عليه قبل الكلام أو بعده؟ نعم، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه)) هل كان في نيته أن يقول إلا الإذخر؟ أو لما قال له العباس إلا الإذخر، قال: ((إلا الإذخر))؟ عندما قال له العباس إلا الإذخر وعلل أيضاً ذكر مبرر لهذا الاستثناء فاستثنى النبي -عليه الصلاة والسلام-يرد عليه إشكال أو لا يرد إشكال؟ نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
إيه لكن لقائل أن يقول: أن لمن يحضر مجلس النبي -عليه الصلاة والسلام- أثر في التشريع، النبي ما كان في نيته أن يستثني ثم استثنى بطلب ممن حوله، نعم.
طالب. . . . . . . . .
إيه لكن هذا دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن مستحضراً لهذا الإذخر، ولا ناوياً له، هذا الظاهر من النص، لكن يرد عليه أن لمن حضر أثر في الحكم، هذا وارد وإلا ما هو بوارد، أقول: من ظاهر النص يرد هذا، لكن كيف ندفع هذا الإيراد، كيف ندفع مثل هذا الإيراد؟ ونظيره إيش؟
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
شاورهم في الأحكام، يشاورهم في الأحكام في تقرير حكم شرعي؟!
فالمسألة دقيقة يا إخوان، وأدق منها المسألة الثانية المتعلقة بقول: ما شاء الله وشئت كلمة يمنعني الحياء، نعم, مشكلة وإلا ما هي بمشكلة مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
تختلف، تختلف.
طالب: ألا يمكن أن يأتيه جبريل في هذه الفترة؟(27/14)
نعم، هم الشراح قالوا: إن الوحي نزل بتأييد الاستثناء، الوحي نزل بتأييد الاستثناء، أنه لما قال العباس: إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، نزل جبريل بالاستثناء فقال: إلا الإذخر، وعلى هذا لا يكون للحاضر دخل في الاستثناء، قد يكون الحاضر سبب في هذا الاستثناء.
المسألة الثانية المتعلقة بما شاء الله وشئت، ((كلمة يمنعني الحياء))، كان يمنعه الحياء -عليه الصلاة والسلام- وقصة اليهودية ((كلمة تقولونها، ما شاء الله وشاء محمد))، ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بل ما شاء الله وحده)) فهل الحياء يمنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول الحق؟ كيف؟
طالب. . . . . . . . .
ليس عنده وحي، إذاً كيف منعه؟ صار ما عنده وحي، ((بل قولوا ما شاء الله وحده)) نعم.
طالب: .... كان يعرف إيش. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
النبي -عليه الصلاة والسلام- حياؤه لا نظير له، حياء شرعي لا نظير له فيه، لكن الكلام على الحياء الذي يمنع من التبليغ، المسألة من الدقائق تحتاج إلى شدة انتباه.
هل النبي -عليه الصلاة والسلام- يمنعه الحياء من التبليغ ولا سيما في مثل هذه المسائل التي هي شرك؟؟ كلمة يمنعني الحياء من إيش؟ نعم
إذن كيف ما منعه إلا الحياء؟
طالب. . . . . . . . .
النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره هذا القول لما فيه من المبالغة في احترامه -عليه الصلاة والسلام- المبالغة من احترامه -عليه الصلاة والسلام- لكن هو لا نص عنده فيه، ثم نزل من، هو يريد أن يمنعهم من المبالغة في هذا الاحترام الذي لم يرد نص بمنعه، ثم جاء المنع.(27/15)
نظيره شخص يرى أن تقبيل اليد جائز، لكن حياؤه يمنعه من منع هذه المبالغة، هذه مبالغة في الاحترام بلا شك وليس عنده ما يمنع، ليس عنده ما يمنع من هذا العمل، جيد، لكن النفوس السوية تمنع من المبالغة في الاحترام، نعم، تمنع من المبالغة في الاحترام، النفوس السوية الأبية تمنع من المبالغة في الاحترام، فكان يمنعه الحياء هذا الشخص الذي يرى أنه لا بأس بتقبيل اليد عنده يمنعه الحياء من أن ينكر على من يعمل هذا العمل؛ لأنه ما دفعه إلا احترامه، وهو يكره في الوقت نفسه هذا الاحترام الزائد، فيمنعه أن يبدي هذه الكراهة الحياء، يعني شخص يريد أن يحترمك فتمنعه يمنعك الحياء، لكنك في الوقت نفسه تكره المبالغة في الاحترام التي تصل إلى هذا الحد، لكن لو بلغك نص يدل على التحريم ما منعك حياء، حينئذ لا يمنعك حياء، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم.
طالب. . . . . . . . .
ما أسمع، ما أسمع؟
طالب. . . . . . . . .
هذه الأصل ما دام ليست ممنوعة، ما في نص يدل على منعها كيف تنكر؟ نعم، لكنها مبالغة في تقديره -عليه الصلاة والسلام- من قبل من يقوله، لأن أصل الشرك مبالغة، لكن هناك صور ممنوعة وصور لم يرد فيها شيء، نعم.
طالب. . . . . . . . .
نعم، ما أدري استطعت أعبر أدي المعلومة على .. ، واضحة وإلا؟ لأنها من الدقائق دقيقة جداً يستشكلها كثير من طلاب العلم، نعم.
طالب. . . . . . . . .
لا، لا المراد بها العهد، بعد الفتح يعني فتح مكة، لا هجرة من مكة بعد فتحها؛ لأنها صارت دار إسلام، أو لا هجرة بعد الفتح من أي بلد إلى النبي أو إلى غيره إلى بلاد المسلمين فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح. نعم؟
طالب: إذا كان يا شيخ شرك ظاهر. . . . . . . . .؟.
كيف؟
طالب: إذا أصبح الشرك ظاهر. . . . . . . . .؟.
الشرك.
طالب. . . . . . . . .
ترى الحديث لا، لا يهاجر منها، ولن يكون ذلك ما دامت، ولن يكون ذلك إن شاء الله تعالى؛ لأن البيت باقي ولا يهدم إلا في آخر الزمان، الله المستعان نعم.
طالب. . . . . . . . .
إيه على كل حال مسألة تقرير هذه المسألة أمرها سهل يعني؛ لأن فيها ثلاثة أحاديث صحيحة ما فيها إشكال، لكن يبقى أنها الحياء يمنع منها، تفضل.(27/16)
باب ما يجوز قتله:
عن عائشة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ((خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)) ولمسلم ((يقتل خمس فواسق في الحل والحرم)).
باب دخول مكة والبيت.
يكفي، بارك الله فيك.
يقول -رحمه الله- تعالى: باب ما يجوز قتله: ما ذكر حرمة مكة وأن الأمن فيها تناول غير الإنسان المعصوم -معصوم الدم- بل تناول الحيوان والطير، ذكر -رحمه الله- تعالى ما يجوز قتله؛ لئلا يفهم من عموم ما تقدم أنه لا يقتل شيء على الإطلاق في ذلك المكان الطيب الطاهر، فقال: باب ما يجوز قتله، ثم ذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خمس من الدواب)).
الدواب جمع دابة، والأصل فيها ما يتناول جميع ما يدب على وجه الأرض: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [(6) سورة هود]، بعضهم يستثني الطائر فليس من الدواب؛ لعطفه عليها، لكن معنى الدابة بالمعنى الأعم يشمل جميع ما يدب على وجه الأرض، ومعناها العرفي ذوات الأربع، حقيقتها العرفية في ذوات الأربع، لكن المراد منها في هذا الحديث ما هو أعم من ذلك.
((خمس من الدواب كلهن فاسق)): أصل الفسق الخروج، الخروج عن الطاعة، كما يقال فسقت الرطبة عن قشرها يعني خرجت، ((خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحرم))، وبعض الروايات ((في الحل والحرم)) وذكر الحل يغني عنه ذكر الحرم، فإذا قتلت في الحرم فالحل من باب أولى.
ثم ذكرها ((الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور))، ولمسلم: ((يقتلن خمس فواسق في الحل والحرم)) هذا لفظه؟
طالب. . . . . . . . .
طيب. أنا عندي يقتلن لكن الجاري على لغة البراغيث، ولمسلم ((يقتل خمس فواسق في الحل والحرم)) وعرفنا أنه ذكر الحل تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا التنصيص على الحرم يغني عنه.
هذه الدواب جواز القتل مختص بها أو يتعداها إلى غيرها مما يشاركها في العلة؟ وما العلة المبيحة لقتل هذه الفواسق؟(27/17)
يجمعها الفسق، والفسق بالنسبة لها الأذى، الفسق بالنسبة لها الأذى يجمعها وصف آخر وهو عدم الأكل كلها مما لا يجوز أكله، ولذا يختلف أهل العلم في القياس عليها، فمنهم من يقول: إباحة القتل خاص بهذه الخمس، مع أنه جاء الزيادة عليها في روايات أخرى، وعلى هذا يقتصر على المنصوص عليه، يعني مثل ما قال أهل الظاهر في الربويات الإيش؟ الستة لا يقاس عليها، ولو شاركها غيره في العلة.
الذين يقولون بالقياس يقاس عليها ما شاركها في العلة، الشافعية يرون أن العلة عدم الأكل، فيرون جواز قتل كل ما لا يؤكل، وغيرهم يرى أن العلة الفسق وهو الأذى، فكل مؤذٍ يقتل، كل مؤذي يقتل، ولا شك أن هذه الخمسة المنصوص عليها يجمعها هذا الوصف الذي هو الفسق، وهي علة منصوصة ووصف مؤثر في الحكم، فما شارك هذه الخمس في الوصف يشاركها في الحكم، هذا هو القياس: إلحاق فرع بأصل لعلة تجمع بينهم –بين الفرع والأصل- فإذا تحققنا من وجود هذه العلة سرى عليها الحكم، وهل العلة هو الفسق الذي عبر عنه أهل العلم بالأذى كونها مؤذية أن يكون طبعها مؤذي أو بمجرد ما يحصل منها الأذى ولو لم تكن مؤذية طبعاً نعم؟
طالب. . . . . . . . .
الحية ما تقتل؟ الحية في البيوت، تقصد الحية في البيوت؟ لا، لا، لا هذا غير.
نعم، أن يكون من طبعها الأذى، لكن لو وجد من الدواب ليس من طبعه الأذى لكنه آذى، أو مجرد وجوده مؤذي يخيف وهو بطبعه لا يؤذي هل نقول لأن الإنسان يتأذى بمنظره ويخاف منه فيجوز له قتله؟
طالب: لعله الصائل من هذه التي ليست منصوصة.
العلة المنصوصة الآن الفسق، مستنبطة من الوصف المؤثر، وأهل العلم يعبرون عن هذا الفسق بأنه الأذى، بعض الحيوانات مؤذي بطبعه هذا يدخل بلا شك، والقاعدة عند أهل العلم أن ما آذى طبعاً قتل شرعاً، لكن هناك ما لا يؤذي بطبعه، قد يؤذي بشكله يخيف، له أن يقتل أو ليس له أن يقتل؟ نعم؟
طالب: ليس له أن يقتل.(27/18)
نعم، لماذا؟ لأن هذا لا يمكن ضبطه، هذا لا ينضبط، إنسان يخاف من الجراد، إنسان يخاف من الصراصير، إنسان يخاف من كذا، بغض النظر هل هذه الأنواع تقتل أو لا تقتل شيء ثاني لكن هذا دليل على أن الخوف ليس منضبط، والناس يتفاوتون يتباينون في مسألة الخوف، وهذا يجرنا على الكلام على مسألة، وهي مسألة الخوف الذي لا حقيقة له، وهذه تورد في باب التيمم، متى يباح التيمم؟ إذا لم تجد الماء، نعم، أخذ من استعماله، نفترض أن الماء قريب جداً مائة متر عن البيت، لكن خارج البيت ظلام، يخاف الإنسان أن يخرج هذا خوف وهمي، خوف وهمي يتيمم أو لا يتيمم؟ لكن قد يصل الخوف ببعض الناس ولو كان وهمياً أضعاف مضاعفة من الخوف الحقيقي لبعض الناس، بعض الناس عنده استعداد يخرج ولو كان عند الباب أسد، وبعضهم بمجرد ما تغيب الشمس لا يستطيع أن يخرج، فهل نقول أن مثل هذا لا يستطيع الوصول إلى الماء؛ لأنه مذعور يخاف، وهذه نبه عليها بعض أهل العلم لكن يناسب أن يذكر لأن كتابه مفيد في هذا الباب منسك اللبدي، منسك صغير اسمه (منسك اللبدي) وإن كان صاحب الأعلام يقول: اللدي، فالمطبوع بهذا الاسم.
طالب: في أي قرن يا شيخ؟
القرن الماضي، أوائل القرن الماضي.
طالب. . . . . . . . .
إيه، كذا، صاحب الأعلام يقول: اللدي من اللد، اسمه عبد الغني هو؟ إيش اسمه صاحبك؟
طالب. . . . . . . . .
أيوه جاء واحد درس هنا قبل ثلاثين سنة أو كذا يزعم أنه من أولاده، لَبدي كذا؟
طالب. . . . . . . . .
لا هم يضبطونها بالضم، نعم.
طالب. . . . . . . . .
طيب وذكر له منسك، جيد، على كل حال أهل مكة أدرى بشعابها، الكرماني، يقول بكسر الكافي -نفس الكرماني- والنووي يقول: لا بفتحها، نعم، وأهل مكة أدرى بشعابها.
طالب. . . . . . . . .
قول الفقهاء والصائل من كل نوع؟
الصائل معروف، هذا في الحل والحرم، الدفاع عن النفس هذا أمر مفروغ منه، الدفاع عن النفس معروف.
نشوف كم سؤال:
يقول: هل يلزم الاغتسال من عجز عنه لبرودة ماء الميقات، وهل يستعاض عنه بالوضوء؟
أولاً الاغتسال سنة وليس بواجب، الاغتسال سنة وليس بواجب، فإذا كان الماء بارد بحيث يشق عليه استعماله فلا مانع من أن ينتقل منه إلى الوضوء.(27/19)
حكم صلاة ركعتين بعد الإحرام أو قبل الإحرام، ولبس الإزار والرداء؟
هذا يأتي إن شاء الله تفصيله.
هذا في المسح على الخفين.
السؤال الثاني: يقول: تعودت أن أقبل يد والدي فهل فيه شيء؟
لا شيء في ذلك.
يقول: لبست الخفين ومسحت عليه أول مرة صلاة العصر، ونسيت ومسحت العصر الثاني وصليت المغرب والعشاء بوضوئي ذلك مع العلم أني لم أمسح عليهما المغرب والعشاء، فهل في ذلك بأس، وماذا علي أن أفعل؟
إذا مسحت العصر في اليوم الأول لا تمسح في العصر الثاني، لأن مدة المسح تنتهي بمرور يوم وليلة من المسح الأول إذا مسحت العصر لا تمسح العصر الثاني، وعلى هذا -ولو بقيت الطهارة- لأنه حينئذ لو صلى بعد تمام المدة فإنه حينئذ يصلي بقدم لا مغسولة ولا ممسوحة، لا مغسولة ولا مأذون بمسحها.
طالب. . . . . . . . .
نعم، يلزمه إعادة الصلاة نعم لا شك. طهارته ناقصة.
يقول: ما الصحيح في تسوية الصفوف هل هو إلصاق القدم بالقدم أم ترك الفرج والفجوات؟
لا، التراص في الصف هذا هو المطلوب، المحاذاة بالمناكب والأقدام، أما ترك الفرج للشيطان هذا لا يجوز، أيضاً لا يحل الإشكال كون الإنسان يمد رجليه، ويوسع ما بينهما؛ لأن هذا يفوت المحاذاة بالمناكب؛ لأن بعض الناس إذا صار بينه وبين الثاني فرجة مد رجله مثلما الفرجار وقابل للزيادة بعد، وقد يفعل ذلك ابتداءً، هذا لا يحل الإشكال، ليس هذا تراص، ليس بتراص، بل المطلوب أن يشغل من الحيز بقدره، ولذا جاءت المحاذاة بالمناكب، وجاء عن الصحابة أنهم كانوا يلزقون القدم بالقدم والكعب بالكعب.
السترة للمصلي ليست بواجبة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، قال ابن عباس: يعني إلى غير سترة، لكنها متأكدة الاستحباب، للأمر بها.
طالب. . . . . . . . .
على حد سواء، نعم.
يقول: نحن زملاء في العمل ونعمل جمعية بيننا بحيث يأخذها كل شهر شخص منا فما حكم الحج بهذا المال لو أخذته وحججت به، علماً أني لا أملك إلا هذا المبلغ من النقد، وهل يدخل فيه شك في حرمته حيث أني لا أعلم هل اكتسبه الآخر من الحلال أو من الحرام؟(27/20)
زملاء في العمل يعني مقابل وظيفة مقابل عمل، وأنت تعرف زميلك إذا كان يؤدي العمل على الوجه المطلوب وما يأخذه، وأيضاً طبيعة العمل إذا كانت مباحة، ويؤدي العمل على الوجه المطلوب فهو حلال، أقرب ما تكون هذه الجمعيات إلى الاقتراض، وإن وجد من أهل العلم من يمنع هذه الجمعيات، ولم ير لها أصلاً يردها إليه، لكن هي أقرب ما تكون إلى الاقتراض فهي من عقود الإرفاق، وحينئذ إذا كان المال المكتسب بهذه الطريقة، تقرض زميلك هذا الشهر ويقرضك الشهر الثاني من غير ... ، لا أرى ما يمنع من وجود مثل هذه الجمعيات، وإن كان بعض أهل العلم ممن عرف بالتحري والتثبت يمنع من مثل هذا، وأما الأكثر فلا مانع عندهم من ذلك.
يقول: هل يدخل فيه شك في حرمته؟
على ما ذكرت، إن كان الإنسان يبي يحتاط هذا الأمر إليه، لكن المنع يحتاج إلى دليل.
طالب. . . . . . . . .
لا، لا، أقرضك وترد علي قرضي، الأسئلة عن شركة الاتصالات، على كل حال وجد من يفتي بها، لكنهم يعترفون بأن عندهم نسب من الربا ومن العمولة أنها يسيرة فإن كان عندهم نسبة ولو يسيرة من الربا فالاشتراك فيها لا يجوز، ولو كانت يسيرة؛ لأن الإقدام على المحرم حرام، فرق بين أن تقدم على محرم وتعرف أنه محرم ولو كان يسيراً وبين أن يرد إليك المحرم من غير قصد فتتخلص منه، على كل حال أهل العلم بعضهم يفتي بجوازها ولعله لم يطلع أو لم يثبت عندهم أنها تتعامل بشيء من الربا، على كل حال المسألة أفتي بها وانتهت يعني، لكن من يحتاط لدينه ويريد أن يستبرئ لعرضه ودينه لا يشترك في مثل هذه الشركات الكبار كلها؛ لأنها لا تسلم.
هل تنصحون بإدخال قناة المجد أم تنصحون بتركها علماً أن البعض ليس لديه تلفزيون في الأصل؟
السلامة لا يعدلها شيء، السلامة لا يعدلها شيء، لكن إن كان الشخص عنده ضغوط لا يستطيع مواجهتها وهو مبتلى بمن يضغط عليه ممن لا يستطيع مقاومته أو يخشى على من تحت يده أن ينحرف أو يذهب يمين أو شمال، وأراد أن يقتصر على هذه القناة متأولاً من باب ارتكاب أخف الضررين فله وجه، لكن يبقى أن السلامة لا يعدلها شيء.(27/21)
يقول: ما رأيكم بالفيديو في المنزل من أجل أطفال حيث لا يعرض به نساء أو موسيقى إنما أفلام تعليمية وترويحية وأفلام عن الجهاد؟
هذا مثلما تقدم، حكمه حكم ما تقدم؛ لأن التصوير بجميع صوره وأشكاله حرام، وعلى هذا التصوير الشمسي والفيديو والثابت كله داخل تحت التحريم، ويبقى أن الإنسان إذا خشي ضرراً أكبر من ذلك على ولده وعلى أهله فهو يقدر المصلحة؛ ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر بالشرع ومعتمد عند أهل العلم ويبقى أنه لو أكره وأجبر على إدخال، وليس معنى الإجبار أن يؤتى بسيف يقال له لا بد أن تدخل، لا، هذه الضغوط التي لا يستطيع أن يقف أمامها مشكلة بعدين إذا خشي وغلب على ظنه أن الأولاد أو البنات يتفلتون يذهبون إلى أماكن مشبوهة أو إلى جيران يتوسعون في استعمال الآلات، يبقى أنه مع ذلك يقدم الندم والاستغفار ولا يستعمله وهو مرتاح البال، لا، والله المستعان، هناك أمور ابتلي بها الناس وهم في الأصل في غنية عنها، لكن كثير من الناس يرى أنها الآن من ضرورات الحياة، ونعرف أناس لا يعرفون شيء من هذه الأمور وماشية أمورهم، وبعض الناس يسلك طريق الحزم، ويقول: إأنه أهم ما عليه براءة ذمته، بغض النظر عن أولاده وبناته ونسائه، يقول: نسلك طريق الحزم، ما علي من أحد، كون الابن يغلب على الظن أنه يطلع إلى الجيران من غير إذنه، أو المرأة تذهب إلى كذا أو إلى أقارب، هذا لا يعنيه، نقول: على الإنسان أن ينظر ويقدر المصالح والمفاسد.
لا شك أن الشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد بقدر الإمكان، فإذا كان يخشى على الولد مثلاً، وين فلان؟ والله طلع مع زملائه، أين يجده في استراحة في كذا، في كذا، هذا لا يبرر التوسع، لكن إذا كان الضرر يسير يعني ما في إلا مسألة التصوير المختلف فيه، تصوير الفيديو فالمسألة أرجو أن الأمر في ذلك سهل إن شاء الله، والله المستعان، هذه أمور لا شك أنها عمَّت بها البلوى، لكن لا يعني هذا أن يكون مبرر للتوسع أبداً.
الطلاب:. . . . . . . . .(27/22)
على كل حال إذا، أنا أقول: إذا كان هو السبب نعم كانت المسئولية والتبعة عليه أكبر، فكل ما يرد من ممنوع منوط به ومعلق بذمته، عليه أن يتحرى ويحتاط ويشدد المراقبة والله المستعان، الله المستعان الأمر ثمة عظيم لكن الله يعفو ويسامح، الله يعفو ويسامح، كم باقي على الإقامة؟
طالب. . . . . . . . .
يقول: حتى الآن لم أحج حجة الإسلام وأنا رجل أمن، وإذا أتى موعد الحج رابطنا في العمل وبعد ... والله ما أدري؛ الكتابة ما هي بواضحة .. وحتى الآن لم أحج، وهذه السنة بإذن الله عام 1403هـ النية الحج بإذن الله، وأنا خائف من المرض في الحج، هل اشترط وماذا علي لو مرضت؟
إذا خفت من المرض واشترطت لا شيء عليك، إذا مرضت لك على ربك ما استثنيت، على أن تحج من العام القادم، يعني حجة الإسلام تبقى في ذمتك، إذا لم تتمكن من أدائها وعليك المبادرة بالحج، وعليك أن تبذل وسعك وجهدك من أجل أداء هذه الفريضة، ركن من أركان الإسلام، لا يجوز أن يُتذرع بعمل أو بغيره، نعم لو كان هناك ضرورة للأمة متعلقة بك، فقل: نعم النفع المتعدي أولى من القاصر، لكن أمور عامة ويوجد من ينوب عنك، ويوجد من يقوم بالعمل غيرك لا يجوز أن تترك الحج، مهما ترتبت الآثار، كونه يخصم عليك، كونك تفصل من عملك، هذا ركن من أركان الإسلام، من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، والمسئولون يتفهمون، إذا قلت لهم أبديت لهم طلبت لهم بقوة أن هذه فريضة وأنك لم تحج تحج، ولو ترتب على ذلك ما ترتب؛ لأنه ركن من أركان الإسلام، والله المستعان، لكن بعض الناس يتساهل، شخص عمره يقرب من الستين عسكري ينتدب إلى مكة من أربعين سنة ولا يحج، يعني مثل هذا ما حاول ولا مرة نسأل الله العافية.
طالب:. . . . . . . . .
اللباس إذا ألزم به صار مكرهاً ما يصير متعمداً، يأتي في المحظورات إن شاء الله.
يقول: الصوت يسمع بعضه ولا يسمع الباقي؟
لعلي إذا بعدت شوية يمكن ينقطع الصوت، ما أدري والله، والله المستعان.
يقول: هل الساحات الخارجية داخلة في حكم البيت الحرام؟
حكم البيت يعني، الساحات الخارجية خارج الأسوار، إذا كان المسعى خارج البيت، فما حكم الساحات؟ داخل وإلا خارج؟، خارج ما يرى، إذا كان المسعى خارج البيت فالساحات التي من ورائه من باب أولى.
ما تبقى من مادة هذا الشريط تتابعونها على الشريط التالي ...(27/23)
عمدة الأحكام - كتاب الحج (3)
باب دخول مكة وغيره - باب التمتع
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
يقول: هل الساحات الخارجية داخلة في حكم البيت الحرام؟
حكم البيت الساحات الخارجية خارج الأسوار، إذا كان المسعى خارج البيت، فما حكم الساحات؟ داخل وإلا خارج، خارج من باب أولى، إذا كان المسعى خارج البيت فالساحات التي من ورائه من باب أولى، وعلى هذا لا يُصلَّى فيها إلا إذا اتصلت الصوف، ولا يجوز الطواف فيها، ولا الاعتكاف، وتمكث فيها الحائض؛ لأنه ليس لها أحكام المسجد، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب دخول مكة والبيت:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: ((اقتلوه)).
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة من كَداء، من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيت، وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم الباب، فلما فتحوا الباب كنت أول من ولج، فلقيت بلالاً، فسألته: هل صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب دخول مكة وغيره، هكذا الترجمة.
طالب: والبيت.
كذا عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
وغيره هذا و ....
الحديث الأول:
حديث أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المغفر: وهو شيء يصنع من حديد، يغطي الرأس للوقاية من السيوف والسهام وغيرها.(28/1)
دخل مكة على هذه الكيفية -عليه الصلاة والسلام- دخلها فاتحاً غازياً، وهذا من أقوى الأدلة على أن مكة فتحت عنوة، وليست صلحاً، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وبعضهم يرى أنها فتحت صلحاً بدليل أن دورها لم تقسم على الغانمين، لكن لا يمنع أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- فتحها عنوة، ومنّ بالبيوت على أهلها كما منّ عليهم وقال لهم: ((أنتم الطلقاء)) فلم يأسر أحداً منهم.
فلما نزعه -نزع المغفر- وانتهى القتال، جاء رجل فقال: ابن خطل، واسمه عبد الله أسلم ثم ارتد، كان اسمه قبل أن يسلم عبد العزى أسلم ثم ارتد، وهجا النبي -عليه الصلاة والسلام- وجعل جواريه يغنين بهجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- فأهدر النبي -عليه الصلاة والسلام- دمه.
متعلق بأستار الكعبة: وهذه عادة عند العرب، الإنسان إذا حزبه أمر تعلق بأستار الكعبة.
فقال: ((اقتلوه)): فالكعبة لا تجير مثل هذا الذي أهدر النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل ما فعل بهجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وهجاء دعوته، وقتله إنما كان في الساعة التي أبيح للنبي -عليه الصلاة والسلام- القتال فيها، هذا قول من يقول إن الحدود والقصاص لا يكون بمكة وإنما من استحق القتل بحد أو قصاص يضيق عليه حتى يخرج فيقام عليه الحد، والذي يقول يقتل مستحق القتل بمكة، والنهي عن سفك الدم إذا لم يكن بحق، أما ما كان بحق فإنه لا يدخل في النهي، يقول: يستدل بهذا، يستدل بمثل هذا الحديث.
قد يقول قائل: النهي عن سفك الدم بغير حق منهي عنه بمكة وغيرها، إذاً فما الخصوصية التي لهذا المكان المعظم، إذا كنتم تقولون المراد بالنهي عن سفك الدم إذا كان بغير حق، أما إذا كان بحق من قصاص أو ارتكاب ما يوجب القتل فإنه يقتل ويحمل الحديث على ما إذا كان بغير حق.
يقول القائل: النهي عن سفك الدم إذا كان بغير حق هذا في كل مكان في مكة وغيرها فما الخصوصية؟ ما هي الخصوصية لمكة، لماذا ينص عن النهي عن سفك الدم بمكة؟ وهو منهي عنه في كل مكان؟
طالب:. . . . . . . . .
لحرمة مكة، إذا قلنا بهذا قلنا ينهى عن سفك الدم بغير حق في مكة، لحرمة مكة إذن يجوز في المدينة؟!.
طالب:. . . . . . . . .(28/2)
يعني ينص عليه زيادة في تعظيم البيت، فيكون القتل فيه أعظم من القتل في غيرها، وهكذا سائر الذنوب والمعاصي تعظم بمكة، وهذا الأمر جعل بعض الصحابة والتابعين ينتقلون من مكة إلى غيرها، ابن عباس انتقل إلى الطائف، ويذكر عنه أنه لهذا السبب، وتفرق الصحابة والتابعون في الأمصار وتركوا مكة والمدينة مع المضاعفة العظيمة للحسنات لماذا؟
قد يكون الباعث لبعضهم هذا -وهو تعظيم الذنوب- على أن الباعث لأكثرهم نشر الدين، ومعلوم أن النفع المتعدي أفضل من النفع اللازم، وإلا قد يقول قائل: كيف يترك الناس مكة والصلاة بمائة ألف صلاة ويسكن البصرة والكوفة ومصر والشام، وهكذا من جاء بعدهم تفرقوا في الأمصار، والآن أهل العلم في كل مكان لا تجد هذه المضاعفة تنهزهم إلى المجاورة لمكة وترك الأمصار الأخرى، لما هم عليه من نفع متعدي، وهذا أعظم أجراً لمن تأهل لذلك وصلحت نيته.
فقال: ((اقتلوه)): حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة من كداء، -بالفتح والمد- من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى، بالضم كُداء كقُرى، هناك موضع آخر يقال له كُديّ، كثني.
يدخل مكة من أعلاها ويخرج من أسفلها: ولذا يقول الفقهاء: يسن دخول مكة من أعلاها -من كَداء- بالفتح- والخروج من أسفلها -من كُداء- بالضم- ويقولون أيضاً: افتح وادخل، واضمم واخرج، تسهيلاً للضبط؛ لأن الضبطين مشتبهان في الرسم، وأهل العلم يضبطون الكلمات بالشكل والحرف والضد والنظير، وغير ذلك.
حرام بن عثمان ضد الحلال، الحكم بن عتيبة بتصغير عتبة الدار، وهكذا لهم طرق في الضبط، وهنا يقولون: افتح وادخل افتح الدخول مناسب للفتح، والمراد بذلك فتح الكاف ما هو بفتح باب، واضمم الكاف من كُداء كقُرى واخرج، يعني عند الخروج.
مشروعية الدخول من أعلى مكة والخروج من أسفلها:
نأتي إلى هذه المسألة وهي: مشروعية الدخول من أعلى مكة والخروج من أسفلها:(28/3)
هل نقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قصد الدخول من هذا الموضع، والخروج من ذلك الموضع، أو نقول: أن هذا طريقه؟، أو هذا الأيسر بالنسبة له؟ فإن كان الأيسر له أن يدخل من الأعلى ويخرج من الأسفل فعل، وإن كان الأيسر العكس فعل، هل هذا العمل متعبد به؟ مما يقتدى به، أو من الأفعال التي حصلت اتفاقاً فلا يتعبد به؟ هل هذا مثل خروج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى العيد يخرج من طريق ويرجع من طريق آخر فيتعبد به؛ لأنه تكرر؟ أو نقول هذا كونه دخل من أعلاها هذا المناسب لأهل المدينة، وكونه خرج من أسفلها؛ لأن النزول أيسر من الصعود، لا يقول قائل إذا كان الدخول من أعلاها هو المناسب لأهل المدينة لماذا لا يكون الخروج كذلك؟ النزول أيسر من الصعود، وقيل بهذا وهذا.
إذا تيسر الدخول من أعلاها والخروج من أسفلها فهو الأولى، لكنه قد لا يتيسر لكل الناس لا سيما في المواسم؛ لأنه قد يقصد الإنسان هذا الموضع ثم يصرف عنه، أو يشق عليه مشقة بالغة إذا جاء من الجهات الجنوبية، كيف يلتوي على مكة إلى أن يصل إلى شمالها ثم يدخل!
على كل حال من فعل ذلك مع اليسر متعبداً بذلك فلن يخيب ظنه ولن يعدم الأجر -إن شاء الله تعالى- ومن شق على ذلك فلا مانع ولا حرج -إن شاء الله- في المخالفة في مثل هذا.
الحديث الثاني:
الحديث الذي يليه، حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وجرت العادة عند المؤلفين من المتأخرين يحرصون على الاختصار فإذا كان الحديث عن راو والذي يليه عن نفس الراوي قالوا: وعنه، كنوا عنه بالضمير، وهنا كرر، ومنهج الحافظ عبد الغني -رحمه الله- تعالى في هذا الكتاب البسط، ولذا تجدون الروايات فيه مبسوطة أكثر من المتون الأخرى، يعني البلوغ شديد الاختصار، لكن هذا فيه شيء من التوسع والبسط، ويمكن الاستغناء ببعضها عن بعض، لكن هذه طريقة المؤلف -رحمه الله-.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيت.(28/4)
والمراد بالبيت الكعبة، المراد بالبيت الكعبة، دخل الكعبة، وأسامة بن زيد، هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، اثنان من الموالي والحاجب عثمان بن طلحة، أعظم مخلوق يدخل أشرف البقاع باثنين من الموالي، ما قال معي أبو بكر وعمر، الله المستعان.
دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيت، وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة –الحاجب- فأغلقوا عليهم الباب، الناس خارج الباب، خارج البيت ينتظرون ماذا يصنع النبي -عليه الصلاة والسلام- فلما فتحوا الباب كنت أول من ولج -ابن عمر-؛ وذلك لحرصه الشديد على الاتباع والاقتداء والائتساء- كنت أول من ولج، فلقيت بلالا، فسألته: هل صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم.
في بعض الروايات -غير الصحيح- فسألت بلالاً: أين صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: بين العمودين اليمانيين.
يعتني ابن عمر بمثل هذه الأسئلة، هل صلى؟ ليقتدي فيصلي مثله، وأين صلى؟ ليتم له الاقتداء بالفعل والمكان؛ كان ابن عمر -رضي الله عنهما- شديد الاقتداء في هذا الباب بتتبع آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا اجتهاد منه، نعم هو لم يوافق عليه، كان -رضي الله عنه- يكفكف دابته لتقع مواطؤها على موطئ دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما ووفق على هذا، يبيت في المكان الذي بات فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو لم يقصد النبي -عليه الصلاة والسلام- المبيت، هذا من شدة تحريه، لكنه لم يوافق على هذا الاجتهاد -رضي الله عنه وأرضاه-.
فسألته هل صلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وفيه صحة الصلاة داخل البيت، وإن حمله بعضهم على النافلة دون الفريضة، كمالك وأحمد، ويرى أبو حنيفة والشافعي أن النافلة والفريضة في ذلك على حد سواء، والصلاة لا شك أنها نافلة، واستقبال القبلة -الكعبة البيت- شرط لصحة الصلاة، فمن قال بأن الفريضة لا تصح فيها لا شك أنه احتاط للفريضة، والفريضة ينبغي أن يحتاط لها، والنافلة يتسامح فيها، وإن كان الأصل أن ما صح في النفل صح في الفرض، لكن الاحتياط مطلوب.(28/5)
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى فريضة داخل البيت، وهذا الاحتياط لا يؤدي إلى ترك مأمور ولا إلى فعل محظور، فإذا صلى الفريضة في البيت من أهل العلم من يقول لا تصح صلاته، فالاحتياط ألا تؤدى الفريضة داخل البيت؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- لم يفعل، والفريضة ينبغي أن يحتاط لها، لكن لو أدى الاحتياط إلى ترك مأمور أو فعل محظور، فالاحتياط كما يقول شيخ الإسلام في ترك هذا الاحتياط.
البيت مبني على ستة أعمدة، ثلاثة أمام، وثلاثة في الخلف، ترك الأعمدة الثلاثة وراءه، واثنين من الأعمدة الأمامية عن يمينه، وواحد عن شماله، وتأخر عن جدار البيت ثلاثة أذرع، وبهذا يستدل بعضُ العلماء على عدم كراهة الصلاة بين السواري، ترجم عليه البخاري -رحمه الله- تعالى، وجاء النص على كراهة الصلاة بين السواري؛ ولعل العلة في ذلك أنها تقطع الصفوف، ولذا لو كان الإمام بين ساريتين والصف متصل خلفه بدون سواري فلا يظهر منع -إن شاء الله تعالى- منهم من يقول: أنها محل وضع الأحذية والنعال، منهم من يقول: أنها مصلى الجن، وغير ذلك من العلل، المقصود أنها إذا تسببت في قطع الصفوف كرهت الصلاة بينها، وإلا فلا.
طالب: بالنسبة لهذا الحديث؟
وين، ترك عمودين عن يمينه والثالث عن يساره، صلى بين السواري عليه الصلاة والسلام.
بين العمودين اليمانيين، اليمانيين: تثنية يماني، والياء إيش؟ ياء النسب نسبة إلى اليمن، والنسبة إلى اليمن.
ياء كيا الكرسي زيدت للنسب
اليمن النسبة إليها يمنيٌّ بتشديد الياء، وهنا لا بد أن تكون الياء مخففة، فلا تقول: اليمانييّن بالتشديد، تقول: اليمانيين، والأصل أن الياء المشددة عن حرفين، اعتيض عن أحدهما بالألف؛ لأن الألف هذه زائدة، واضح وإلا ما هو بواضح؟
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
الأصل أنها نسبة إلى اليمن جهة، جهة الجنوب جهة اليمن، والنسبة إلى اليمن يمني وياء النسب مشددة، لا كما يقول بعض الناس ابن تيمية، لا، ياء النسب مشددة.
ياء كيا الكرسي زيدت للنسب
يعني ياء مشددة تزاد للنسب، والياء هنا مخففة اليمانيين؛ لأنه حرف مشدد مكون من حرفين، يقول أهل العلم: اعتيض عن أحد المثلين بالألف فتخفف.(28/6)
طالب: هل للتعلق بأستار الكعبة فضل؟ حكم التعلق بأستار الكعبة هل له فضل؟
حكم التعلق بأستار الكعبة، بعض الشراح أخذ من مثل هذا الحديث الجواز، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما بين الحكم هنا، ما قال متعلق بأستار الكعبة، والتعلق بأستار الكعبة حكمه كذا، فأخذ منه الجواز، أخذ منه بعض الشراح جواز التعلق بأستار الكعبة؛ لأنه فعل، لا شك أنه فعل والنبي -عليه الصلاة والسلام- على علم من فعله، لكن من فعل أموراً بعضها أعظم من بعض، هل ينكر الأدنى ويترك الأعلى، أو ينكر الجميع في آن واحد، أو يبدئ بالأهم فالأهم؟؟
هذا فعل عظائم، هذا مستحق للقتل، نعم، يعني لو افترضنا أن شخص شرب الخمر وثبت عليه الزنا وهو محصن، نطالبه بحد الخمر أو بالرجم؟
بالرجم، على خلاف بين أهل العلم في الزاني المحصن هل يجلد ثم يرجم، كما في حديث عبادة في الصحيح، أو يكتفي برجمه كما في القصص الخمس التي حصلت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر فيها جلد؟
أصل المسألة: هنا لو وجدت شخص مرتكب لمحرم أو لمحرمات بعضها أعظم من بعض، وليس بالإمكان تعداد هذه المحرمات، هو تارك للصلاة، تارك للصلاة، تذهب إليه تنصحه عن الدخان والإسبال وحلق اللحية؟ وإلا تكتفي الآن بالصلاة ثم بعد ذلك تنظر في الأمور الأخرى؟
طالب: الصلاة.
تعالج الأعظم.
هو الآن الرجل يسب النبي -عليه الصلاة والسلام- بحاجة إلى إقامة الحد، والتعلق بالأستار كغيره من مظاهر الغلو، مثل هذا مقرر في الشرع، أكثر أهل العلم على المنع، على منع مثل هذا، وإن لم ينقل عنه -عليه الصلاة والسلام- الإنكار على ابن خطل؛ لأنه كافر وليس بعد الكفر ذنب، فعل صدر من كافر وليس بعد الكفر ذنب أما المسألة فهي مقررة في النهي عن الغلو وتقديس المواضع، والمشاهد وغيرها، هذا كله ممنوع في الشرع.
يأتي من يقول الملتزم، الملتزم، حكم الالتزام بين الركن والبيت، لم يرد في حديث صحيح مرفوع، وهو ثابت عن ابن عباس، ويروى عن ابن عمر أيضاً، هذا دليل خاص، دليل خاص، ولا يسري على بقية جهات الكعبة.
أيش، أيش؟
طالب. . . . . . . . .
وأيش فائدة. . . . . . . . .(28/7)
إيه، لكن عموم التعلق يعني، وجد أصل، له أصل من يتعلق بأستار الكعبة متبركاً يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى ابن خطل ولم ينكر عليه، رأى ابن خطل متعلقاً بأستار الكعبة، هناك قصص وحوادث وجدت بعد التابعين كثيرة، في التعلق بأستار الكعبة، كان هذا مستفيض عند كثير من الناس، لكن يبقى أن هذه وسيلة إلى أمر محظور وهو الغلو والوسائل لها أحكام المقاصد.
يقول: هذا سؤال: ما رأيكم بمن يقول: أن القائم على معصية لا يسلَّم عليه أثناء مزاولته للمعصية، سواءً كان في الشارع أو في الأماكن العامة؟
أثناء مزاولته للمعصية، يعني مررت بشخص يدخن تقول له: السلام عليكم؟ على كل حال ترك السلام هجر، والهجر علاج، إن كان ينفع فيه هذا الهجر، لماذا ترك السلام عليّ؟! يتساءل، إن كان يجدي فيه مثل هذا يُترك؛ لأنه علاج إن كان ترك السلام عليه يزيده إصراراً وعناداً، وقد يحصل منه ما هو أعظم من ذلك يسلم عليه؛ لأنه مسلم وله من الحقوق ما للمسلمين.
طالب. . . . . . . . .
ينكر الكفر أولاً، كون الكفار مخاطبين بفروع الشريعة -في قول جمهور أهل العلم- لا يعني أنهم يطالبون بها قبل أن يسلموا، فالكافر مطالب بالصلاة مطالب بالزكاة، مطالب بالصيام، لكنه لا يصح منه فعل شيء منها قبل إسلامه، لا بد أن يسلم ثم يطالب.
طالب. . . . . . . . .
من سب الله ورسوله وكتابه، يقال عند أهل العلم أنه لا يستتاب؛ يقتل، يعني لا تقبل توبته في الظاهر، في الظاهر، إن تمت توافرت شروطها وصدق فيها تنفعه عند الله -عز وجل- يُديَّن بها، أما في الظاهر لا تقبل توبته، والله المستعان، الله المستعان.
فيما يتعلق بالتعلق بأستار الكعبة يذكرون حديث المسلسل بالإجابة في فضل الدعاء حال التعلق بأستار الكعبة ما أدري عن صحة الحديث؟
هو مصحح؟
أنا أسأل عنه؟ المسلسل بالإجابة؟
لا أعرفه، لا أعرفه، أنا لا أعرفه، الآن لا يحضرني.
اقرأ الحديث الذي يليه؟
باب الطواف وآدابه:
عن عمر -رضي الله عنه- أنه جاء إلى الحجر الأسود، وقبله، وقال: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك".(28/8)
هذا عمر ثاني الخلفاء الراشدين المُحَدَّث الملهم، ماذا يقول؟ أمام جمع غفير من الطائفين، قبَّل الحجر اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بين لمن حضر أنه حجر كغيره من الأحجار لا يضر ولا ينفع، فالنافع الضار هو الله -عز وجل-.
هذا الحجر إنما يقبّل اتباعاً تعبداً، لا لأنه ينفع أو يضر، ولذا قال عمر -رضي الله عنه-: "إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع" قال ذلك مبيناً لهذه الجموع الغفيرة التي شهدت وحضرت طواف عمر -رضي الله عنه- وسمعت هذا الكلام؛ لأن حب البدع والتعلق بالأحجار والأشجار أسرع ما تكون إلى القلوب، فلولا وجود مثل هذا النص عن عمر -رضي الله عنه- لادعى كثير من الناس أن الحجر يضر وينفع، هذه المقالة جعلت كثير من الناس إلى الآن تقبل الحجر وهي تعتقد أنه لا يضر ولا ينفع، لكن ماذا عن المقام، والناس يقبلونه ويسجدون عليه ويتمسحون به، وأنا بنفسي قلت لامرأة: لا يضر ولا ينفع، شبك حديد لا يضر ولا ينفع، ماذا قالت؟ قالت: عندكم لا يضر ولا ينفع، لكن عندنا يضر وينفع، بالحرف يعني بهذا الكلام، لم أزد عليها كلمة، تقول: عندكم لا يضر ولا ينفع، وعندنا يضر وينفع، والله المستعان، فهذه من مناقب عمر -رضي الله عنه- أن يبين لأمثال هؤلاء، وأثر عنه إلى يومنا هذا، هذا الكلام الذي نفع الله به.
"ولولا أني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك": يذعن ويقتدي ويعرف أنه لا يضر ولا ينفع، لكن يتعبد بتقبيله بالاتباع، باتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- يشرع تقبيله -تقبيل الحجر- وهو يمين الله في الأرض، فيشرع تقبيله إن تيسر، في بداية الطواف، إن لم يتيسر مسحه بيده أو بمحجن، على ما سيأتي، أو اكتفى بالإشارة إن لم يتيسر وسيأتي هذا إن شاء الله.
طالب: البركة في الآية: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [(96) سورة آل عمران]؟
نعم، من بركة هذا البيت مضاعفة الحسنات، مضاعف بالحسنات؛ بقربه وتعظيم البلد الذي يحيط به، الأمن الذي يعيشه من يسكنه وغير ذلك، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(28/9)
لا، لا هو في زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان لاحق لما قبله، لاصق بالبيت، اجترفه السيل في عهد عمر -رضي الله عنه- وأبعده عن البيت، والخلاف بين أهل العلم في جواز إبعاده وعدمه، مسألة خلافية بين أهل العلم، وألف فيها رسائل، فيها رسائل، تعرفون المعلمي –رحمه الله- ألف رسالة في الباب، وردَّ عليه الشيخ سليمان بن حمدان -رحمه الله- في رسالة أسماها: (نقض المباني من فتوى اليماني) ثم رد الشيخ محمد بن إبراهيم على الشيخ سليمان، له ردود علمية مفيدة نافعة في الباب.
على كل حال المقام هل المقصود به موضعه أو نفس الحجر؟ لأن الصيغة –مقام- تطلق ويراد بها مكان القيام، كما أنها تطلق أيضاً ويراد بها الشيء الذي حصل عليه القيام مثل الحجر، يترتب على هذا أننا إذا قلنا المراد المكان أننا نصلي في مكان المقام الأول، ولو رؤيا المصلحة بإبعادة وأدخل في الأروقة، لكن إذا قلنا المراد بالمقام {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] الحجر نفسه نتبع الحجر في أي مكان كان، يأتي هذا إن شاء الله الكلام عليه على الصلاة عنده إن شاء الله تعالى.
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، فقال المشركون: "إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب"، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
الذي يليه:
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود -أول ما يطوف- يخب ثلاثة أشواط".
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن" والمحجن: عصا محنية الرأس.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لم أر النبي -صلى الله عليه وسلم- يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين".(28/10)
حديث بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة –أي في عمرة القضاء- فقال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا الأشواط الثلاثة: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مكة، كما قلنا هذا في عمرة القضاء في صلح الحديبية، من شروط الصلح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يمكن هو وأصحابه من العمرة في العام القادم، واعتمر -عليه الصلاة والسلام- عمرة سميت عمرة القضاء، فلما قدم -عليه الصلاة والسلام- مكة هو وأصحابه، قال المشركون هذه المقالة.
إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم: أضعفتهم حمى يثرب، ويثرب هي اسم من أسماء المدينة كان تعرف به قبل الهجرة، وهؤلاء المشركون لا يعلمون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد دعا بنقل الحمى إلى الجحفة، فلما قال المشركون هذه المقالة أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة الأول، والرمل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وهو الخبب على من سيأتي.
المشركون قالوا هذا الكلام وهم جلوس بإزاء الحجر بحيث يرون الطائف من الجهات الثلاث دون الجهة الرابعة التي بين الركنين.
"أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين": لأن المشركين لا يرونهم، ومشروعية الرمل بسبب هذه المقالة؛ إغاظة للمشركين، حتى قال قائلهم: ما هم إلا كالغزلان، فهذا الرمل -الإسراع في المشي- أغاظ المشركين بلا شك، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يمشوا بين الركنين؛ ليستريحوا كما أنه لم يأمرهم بالرمل في الأشواط السبعة كلها إبقاء عليهم، رأفة بهم، وشفقة عليهم -عليه الصلاة والسلام-.
الرمل سنة شرع لعلة، وهي مقالة المشركين، لكن العلة ارتفعت، العلة ارتفعت، ما في أحد بعد ذلك الوقت يقول أن المسلمين يأتون وقد وهنهم كذا أو أضعفهم كذا، فالعلة ارتفعت، وهنا هل بقي الحكم بعد ارتفاع العلة أو ارتفع؟(28/11)
بقي الحكم بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رمل في حجة الوداع، هذا من الأحكام التي شرعت لعلة، ارتفعت العلة وبقي الحكم، نظيره القصر، أو اشتراط الخوف لقصر الصلاة، {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] بهذا الشرط، يعني هل قصر الصلاة مربوط بالخوف؟ أو شرع لهذه العلة وارتفعت العلة، أرتفع الخوف؟ ثم صار القصر صدقة تصدق الله بها على عباده.
فمن الأحكام ما يشرع لعلة تستمر العلة وهذا هو الكثير الغالب ويكون الحكم مرتبط بعلته إذا كانت العلة منصوصة يدور معها وجوداً وعدماً، أما إذا لم تكن منصوصة مستنبطة فلا أثر لها، هنا بقي الحكم وارتفعت العلة ونظيره مثل ما ذكرنا: القصر بالنسبة للخوف.
يمشوا بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم.
في الحديث الذي يليه حديث ابن عمر: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود - أول ما يطوف - يخب ثلاثة أشواط".
والخبب: هو الإسراع في المشي كالرمل من الركن إلى الركن وهذا في حجة الوداع، من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، بحيث يستوعب الرمل جميع الطواف، وفي عمرة القضاء من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، وبين الركنين يمشي، والمشروع الآن استيعاب الشوط كله وإلا المشي بين الركنين؟
نعم؛ لأن حجة الوداع متأخرة، والعمل إنما هو بالآخر من أفعاله -عليه الصلاة والسلام-.
لو قال قائل: أنه ترك الرمل بين الركنين في طواف عمرة، واستوعب الرمل في جميع المطاف في طواف حج، فنستوعب في الحج دون العمرة، له وجه وإلا ليس له وجه؟
ننزل هذا على حاله وذاك على حالة أخرى؛ لأن القول الأول يقتضي، أو يستلزم نسخ الحديث السابق، والعمل بالحديثين إذا أمكن أولى من القول بالنسخ، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
طيب، لا، لا هو مستمر، هو مستمر يعني الكلام .... هل نقول أن الرمل في العمرة وفي الحج نعم يستوعب المطاف كله؟
طالب. . . . . . . . .
صحيح، طيب.
طالب. . . . . . . . .
أنت كأنك تستبعد القول الثاني.
طالب. . . . . . . . .
استدلال واحد.(28/12)
أنا أنظر لك من مسألة أخرى يقول بها أهل العلم ويفرقون أيضاً: الآن السعي في المسعى بين العلمين -السعي الشديد- مشروع وإلا ما هو مشروع؟ للرجال والنساء، وإلا للرجال فقط؟ نعم.
طالب: للرجال.
للرجال فقط، سببه وعلته؟ سعي امرأة ما هو سعي رجل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم سعي امرأة لماذا لا نقول النساء لا تسعى.
طالب:. . . . . . . . .
مثل كلامك، ترى نظير لما أوردت الآن، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
هو لا شك أنه متأخر، وعامة أهل العلم عليه أنه يشرع استيعاب المطاف كله بالرمل، لكن لو قال قائل: هذه عمرة وهذا حج وفعل في العمرة ما لم يفعله في الحج، له وجه وإلا ما له وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن تنظير مطابق وإلا ما هو مطابق؟
أنت تقول أننا استدللنا على استمرار الرمل من فعله في حجة الوداع، وفعله في حجة الوداع استوعب المطاف كله لماذا نقول، نستدل على الاستمرار بهذا ولا نستدل به على الاستيعاب، مثلما ذكرت لك أنا.
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أن العمل هو بالآخر من فعله -عليه الصلاة والسلام- وآخر فعله مثل ما ذكر الأخ، أن استيعاب المطاف بالرمل فعل للأمرين وزيادة، فعل للأمر بكامله الأمر الثاني، والأول وزيادة، فهذا أولى بلا شك.
رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يقدم مكة، حين يقدم مكة، إذا استلم الركن الأسود -أول ما يطوف- يخب ثلاثة أشواط".
حين يقدم مكة: بهذا أخذ العلماء أن الرمل خاص بطواف القدوم، أول طواف يطوفه الإنسان إذا قدم مكة، يرمل فيه وما عداه يمشي.
في أوقات الزحام قد لا يتمكن من الرمل يكون زحام شديد في الثلاثة الأشواط الأولى ثم تنفرج ويحصل فرصة للرمل، لا يستطيع أن يرمل في الأشواط الثلاثة ثم يتمكن من الرمل بعد ذلك يقضي وإلا فات؟ نعم.
سنة، سنة فات محلها لا تقضى؛ لأن من وصف الأربعة الأشواط المشي لا الرمل.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على بعير، يستلم الركن بمحجن".(28/13)
طواف النبي -عليه الصلاة والسلام- على الدابة يستدل به من يقول بطهارة أبوال الدواب مما يؤكل، وهذا كالصريح، وأصرح منه حديث العرنيين؛ لأنها لا تؤمن أن تبول، طاف على بعير، وجاء في سنن أبي داود ما يدل على أنه كان شاكياً -عليه الصلاة والسلام- أما رواية الصحيح ما فيها ما يدل على ذلك، ويعللون بأن الناس كثروا على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليروا شخصه -عليه الصلاة والسلام- ويروا كيف يفعل في هذا المكان المبارك، فمع كثرة الزحام يحتاج إلى أن يركب.
فالرواية التي ليس فيها إشارة -وهي رواية الصحيح- إلى أنه كان شاكياً، يستدل بها من يقول بجواز الركوب في الطواف، ومثله السعي من باب أولى.
والذي يعمل بالرواية التي فيها الإشارة إلى ما كان شاكياً وهي في السنن يقول: الأصل في الطواف المشي، نعم، إن احتاج إلى الركوب لكونه محتاجاً إليه فلا بأس، فما حكم طواف من ركب من غير حاجة؟ ركب دابته من غير حاجة؟ طوافه صحيح وإلا ليس بصحيح؟
طالب. . . . . . . . .
صحيح مع الكراهة، من غير حاجة نعم.
طالب. . . . . . . . .
نعم.
طالب: أم سلمة أيضاً؟
شاكية.
طالب: شاكية؟
شاكية، نعم.
أقول الرواية التي في الصحيح ليس فيها إشارة، إلى أنه كان شاكياً، ولذا يرى كثير من أهل العلم صحة الطواف، طواف الراكب من غير حاجة، نعم،
طالب:. . . . . . . . .
بوجود الخلاف يقولون بالكراهة، ومنهم من يمنع إلا إذا كان لحاجة، أدنى الحاجة أن يكون هذا الشخص مما يحتاج إليه، ليُرى شخصه وُيسأل ويتميز، كحال النبي -عليه الصلاة والسلام- وإلا فالأصل أن الطواف على الأقدام.
يستلم الركن بمحجن: وجاء أنه يقبل ما يستلم به الحجر، إن تمكن من تقبيل الحجر -وهو الأصل- إن لم يتمكن استلمه بيده فقبل يده، أو استلمه بمحجن وهو: عصا معطوف الرأس ثم قبل ذلك المحجن.
يقبل الحجر ويستلمه في كل شوط، ويكبر إذا حاذاه إن تمكن من تقبيله أو استلامه وإلا بالمجن أو أشار إليه وكبر، كلما حاذى الحجر كبر.
كم يكبر مرة في الأسبوع سبع وإلا ثمان؟ كل ما حاذى كبر، يحاذي ثمان إذن يكبر ثمان.
طالب. . . . . . . . .(28/14)
وهو ماشي لا بأس يكبر، كلما حاذى كبر، في المسند من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة" إذن كم يكبر؟ ثمان.
من أهل العلم من يرى أنه لافتتاح الطواف فلا يكبر ثامنة، لكن مع مثل هذه النصوص كلما حاذى الحجر كبر، ومثله حديث جابر: الفاتحة والخاتمة.
إذن يكبر في البداية والنهاية الذي هي الفاتحة والخاتمة كما قال جابر -رضي الله عنه- والحديث قال ابن حجر إسناده حسن، ومعروف أن في إسناده ابن لهيعة لكن قابل للتحسين.
طالب: التكبير. . . . . . . . . إذا حاذى.
إذا حاذى، الخط محاذي.
طالب: لو كبر قبله؟
إن كبر قبله بيسير أو بعده بيسير محاذاة، لأن ضابط المحاذاة أن ترى الركنين الذي قبله والذي بعده، هذه محاذاته.
الخط الموجود للمحاذاة الموضوع لمحاذاة الحجر لا شك أنه يحقق مصلحة كبرى، يحقق مصلحة عظيمة، ولا شك أنه يترتب عليه بعض الآثار والمفاسد، ولو لم يكن من هذه المفاسد إلا أنه محدث، إضافة إلى أنه يورث ويوجد زحام يتصرف بعض الناس معه أو به تصرفات غير مشروعة، منهم من يقصد السجود عليه وهذا كثير، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لكنه لا شك أنه يحقق مصلحة، لا شك أنه يحقق مصلحة كما تحققه هذه الخطوط، نعم في المساجد.
ما يفهمون أخونا اللي يجي من يسأل وهو في طواف الحج ركن الحج الأعظم بدأت بالطواف من ركن إسماعيل، ها وين ركن إسماعيل؟، يسأل بهذا اللفظ، لكن إذا عرفوا أن هناك بداية محددة ومعروفة عند الناس، من أين أكبر؟ من عند الخط، خلاص هو يحقق مصلحة بلا شك، ومن أشار به نظر إلى هذه المصلحة، وهناك من يطالب بإزالته وله وجه.
نأخذ الحديث؟
طالب: أحسن الله إليك، الخط أقول، الخط هذا يعني قد يقال أنه يشبه مثلاً المحاريب أو كذا في التعريم؟(28/15)
يشبه المحاريب يشبه الخطوط الذي في المساجد هنا، القاعدة عند أهل العلم أنه إذا كانت الحاجة داعية في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما تدعو إليه هذه الحاجة أنه بدعة، ويمثلون أيضاً بالخطوط في المساجد التي تضبط الصفوف، لكن هل الحاجة الداعية الآن مساوية للحاجة الداعية في عصره عليه الصلاة والسلام؟
طالب: لا أكثر.
أكثر بكثير، فلا بد من تطبيق هذه القاعدة من استواء الحاجة، لا بد من استواء الحاجة، الحاجة الموجودة في عصره -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة للحاجة القائمة فلا حاجة.
الحديث الأخير حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لم أرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين".
الركن الذي فيه الحجر والذي قبله المحاذي لجهة اليمن، وكونهما يمانيين هذا من باب التغليب، وإلا الركن اليماني معروف قبل الركن الذي فيه الحجر، وأما الركنان الشاميان المقابلان -نقول الشاميَّان أو الشاميَان؟ التشديد لماذا؟ لأن الأل أصلية، الأل أصلية في الكلمة.
لا يستلم في البيت غير الركنين اليمانيين؛ لأنهما هما الباقيان على قواعد إبراهيم، أما الجهة الأخرى المقابلة لهذين الركنين فقصرت النفقة بالنسبة لقريش، فقصروا في عمارة البيت دون قواعد إبراهيم، ولذا غالب الحجر من البيت.
عاد ابن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- بناء البيت على ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم هدم وأعيد على البناية بناء قريش، ثم استفتي مالك هل يعاد على قواعد إبراهيم أو يترك؟ قال: يترك لئلا يكون ملعبة للملوك، من جاء هدم، ومن جاء فعل، ومن جاء زاد، من جاء نقص، تذهب هيبة البيت بهذه الطريقة، هيبة البيت تذهب بهذه الطريقة، والله المستعان، وهذا هو السبب في كونه -عليه الصلاة والسلام- لم يستلم من البيت إلا الركنين المذكورين.
طالب:. . . . . . . . .
نعم أعاده ابن الزبير على قواعد إبراهيم، استوعب أغلب الحجر على قواعد إبراهيم، وجعله بابين، باب يدخل معه وجعله نازل، باب نازل ملاصق بالأرض يسهل الدخول والخروج، ثم بعد ذلك أعيد على صنيع قريش.
طالب. . . . . . . . .
النافلة، النافلة مثل الصلاة داخل البيت.(28/16)
طالب. . . . . . . . .
من وقف على هذا النص قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يستلم إلا هذين الركنين فهذه مسألة افتراضية، يعني إعادة بنايته افتراضية، له ذلك، ومن نظر إلى العلة في كونه -عليه الصلاة والسلام- استلم الركنين؛ لأنهما على قواعد إبراهيم، وقال هذه أيضاً على قواعد إبراهيم له ذلك، وجاء عن بعض الصحابة معاوية وغيره أنهم يستلمون الأركان الأخرى ويقولون أيضاً: ليس من البيت شيءٌ مهجور، على كل حال هذا فعله -عليه الصلاة والسلام- وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
يقول: إذا كان تارك الصلاة كافراً ولا يصلى عليه كما هو معروف عند كثير من أهل العلم، فكيف نجمع بين هذا وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحابة بالصلاة على النجاشي مع العلم أنه لم يصلي قط؟
أولاً: من يثبت أنه لم يصلي قط؟
الأمر الثاني: من يثبت أنه بلغته الصلاة على الكيفية المأمور بها، يعني شخص بعيد لم يبلغه من الدعوة إلا الشيء القليل وآمن وأوى المؤمنين وكان ردءاً للمسلمين يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام-.
نعى النجاشي -عليه الصلاة والسلام- وضرب لهم موعداً يصلون عليه، فخرجوا وصلوا عليه، كبر -عليه الصلاة والسلام- أربعاً وهو غائب، وهو أصل في مشروعية الصلاة على الغائب عند جمع من أهل العلم، والخلاف في المسألة معروف.
يعني لو أسلم شخص وما بلغته الصلاة، بلغه حكمها لكن لم يبلغه كيفيتها، ولم يتمكن من فعلها على الكيفية المطلوبة، يصلى عليه، لا يضيره ذلك -إن شاء الله تعالى- المسلم لو أسلم ثم مات فجأة يصلى عليه ولو لم يصلِّ قط.
يقول: هل يجوز تأخير المقام عن مكانه؟
مسألة خلافية بين أهل العلم، وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- رسالة مطولة في هذه المسألة.
يقول: قال أحد السلف: طلبنا العلم لغير الله فأبى الله إلا أن يكون له؟(28/17)
هذه أثرت عن أكثر من شخص، والعلم الشرعي عبادة، العلم الشرعي المتلقى من الكتاب والسنة عبادة محضة، لا يجوز فيه التشريك، ولا يجوز الدخول فيه بغير نية خالصة صالحة، لكن حال كثير من طلاب العلم اليوم يجاهدون، بل كثير منهم يصرح بأنه عجز عن أن يخلص في طلب العلم هل يترك؟ نقول: لا، لا تترك، جاهد، وإذا علم الله منك صدق النية أعانك، ووفقك؛ لأن الترك ليس بحل، ليس بحل الترك إطلاقاً، اطلب العلم وجاهد نفسك وحاول أن تخلص لله -عز وجل- ثم بعد ذلك يأبى إلا أن يكون لله، أما أن تقدم على طلب العلم لغير الله بهذه النية، ولا تجاهد نفسك، ولا تسعى تقول تبي تزيل النية ما هو بصحيح، ما هو بصحيح، بل من يطلب العلم لغير الله ليقال عالم أو ليتكسب به، هذا أمر عظيم، الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار: رجل طلب العلم تعلم وعلم إنما طلبه ليقال عالم، يتصدر المجالس هذا، نسأل الله العافية على خطر عظيم.
يقول في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة من كداء وخرج من الثنية السفلى، ألا يفيد الحديث أن دخول مكة يكون من طريق، والخروج منها من طريق آخر؟
نقول: نعم، هذا قررناه سابقاً، لكن هل يتعبد بذلك؟ أو نقول هذا حصل اتفاقاً من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه أيسر له؟
العلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من يقول أن ذلك حصل اتفاق من غير قصد، طريقه على الثنية العليا فدخل منها، خروجه من الثنية السفلى أسهل له، وعلى كل حال من فعل ذلك متعبداً به لم يعدم الأجر -إن شاء الله تعالى-.
هل يجوز للمرء أن يحج من مال ولي الأمر؟ وإذا لم يتيسر له ذلك وليس عنده مال فما الحكم؟
كيف من مال ولي الأمر؟ يعني من بيت المال؟
طالب: الدولة.
يعني الدولة تأذن بأن يحج معها؟ نعم، إذا كان من أذن له يملك الإذن فلا مانع؛ لأن الحج إذا تبرع به أحد، الأصل أنه لا يلزم مع المنة، لكن لو قال زيد من الناس: أنا أريد عشرة أن يحجوا معي ممن لم يؤدي الفريضة وليكونوا من المحتاجين، وحجوا تسقط عنه حجة الإسلام، ومثله إذا كان من بيت المال بل أولى إذا كان من أذن له يملك الإذن، إذا كان يملك.(28/18)
طالب: للتحقيق والإيضاح الهدي ذكر الشيخ -رحمه الله- أنه لا ينبغي أخذ الهدي من الحكومة أو شيء من هذا؟
على كل حال إذا كان يملك، يعني إذا قال ولي الأمر: من بيت المال يحج عدد كذا، حجوا وإيش المانع، ما في ما يمنع إطلاقاً.
يقول: كيف نرد على من استدل بفعل ابن عمر في زيادته في التلبية على مشروعية الزيادة وإنكار استحسانها؟
أولاً: التلبية الذي زادها ابن عمر وغيره من الصحابة كانت بمحضر منه -عليه الصلاة والسلام- وإقرار، فاكتسبت المشروعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وعلى هذا فالزيادة على العبادات المقدرة شرعاً بدعة، ولا يستدل على هذا بمثل زيادة ابن عمر في التلبية؛ لأنها إنما اكتسبت المشروعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ويقول: أيضاً من يستدل بذلك على أن البدع نوعان بدعة حسنة كفعل ابن عمر، وبدعة سيئة؟
من يرى تقسيم البدعة لا يستدل بمثل هذا؛ لأن هذا بحضور النبي -عليه الصلاة والسلام- وإقراره فله أصل شرعي، معه دليل شرعي.
من يقسم البدع يستدل بقول ابن عمر في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" نعم من أهل العلم من قسم البدع إلى بدع حسنة وبدع قبيحة، ومنهم من قسمها إلى الأقسام الخمسة: بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع محرمة، وبدع مكروهة، وبدع مباحة، ومثلوا على ذلك بأمثلة.
من يقسم البدع عمدتهم في ذلك قول عمر -رضي الله عنه- في صحيح البخاري في التراويح: "نعمت البدعة" نعم مدح وإلا ذم؟ مدح، إذن مدح البدعة، فمن البدع ما يمدح، أخذاً من قول عمر -رضي الله عنه-، يعني من البدع ما يمدح، فهل من البدع ما يمدح مع قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وكل بدعة ضلالة))؟ فهل نقول في البدع ما يمدح مع قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وكل بدعة ضلالة))؟ نعم.
طالب: هذا يدل على أن البدعة التي يقصدها عمر ليست البدع التي يقصدها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
بلا شك، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في اقتضاء الصراط -ويقول بقوله جمع غفير من أهل العلم من شيوخنا وغيرهم- يقول: إن المراد بالبدعة في قول عمر البدعة اللغوية، وليست البدعة الشرعية.
ما البدعة في اللغة؟ مناسب أن نتوسع في هذا وإلا .. ؟(28/19)
ما البدعة في اللغة: البدعة في اللغة ما عمل على غير مثال سابق، ما عمل على غير مثال سابق، يعني المحدث.
والبدعة في الشرع: ما تعبد به مما لم يسبق له مشروعية من كتاب أو سنة.
نأتي إلى صلاة التراويح هل هي بالفعل بدعة لغوية، كما يقول شيخ الإسلام عملت على غير مثال سابق؟ أو لها مثال سبق من فعله عليه الصلاة والسلام؟
طالب: لها مثال.
لها مثال سبق، إذن ليست بدعة لغوية، وهل هي بدعة شرعية؟ ليست ببدعة شرعية؛ لأنها لها أصل مشروعية من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتركه -عليه الصلاة والسلام- لها لا عدولاً عنها، ولا نسخاًِ لها، إنما خشية أن تفرض، إذا كانت التراويح ليست ببدعة لغوية وليست ببدعة شرعية، يقول الشاطبي: مجاز، ماذا يقول: من ينفي المجاز؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الجواب صحيح لكن، لا، لا ما هي ببدعة لغوية، ولا شرعية من باب أولى، هناك أسلوب في البديع -في علم البديع- أسلوب يقال له المشاكلة، المشاكلة والمجانسة في التعبير: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى].
السيئة الأولى جناية، جزاؤها معاقبة الجاني، فهل معاقبة الجاني سيئة؟ ليست بسيئة، إذن مشاكلة -مجانسة في التعبير- قالوا اقترح شيئاً –هذا مثال يمثل به أيضاً أهل البديع:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
القميص والجبة تطبخ وإلا .. ؟
طالب: تنسج.
إذن مجانسة مشاكلة.
نأتي إلى قول عمر: نعمت البدعة، هل قيل لعمر بالفعل هذه بدعة فقال: نعمت البدعة، فنقول مشاكلة، أو عمر -رضي الله عنه- توقع قول من يقول ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة؟
عمر -رضي الله عنه- توقع من يقول له ابتدعت، فقال: نعمت البدعة، وهم يقولون في المشاكلة: الموافقة في اللفظ حقيقة أو تقديراً، يعني سواء وجد اللفظ المجانس أو قدر، كما قلنا في فعل عمر، كأن قائلاً قال: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة.
نأخذ سؤالاً وإلا؟
نعم.
طالب. . . . . . . . .
تقصد نفس الباب كله، في كتب البديع، المشاكلة موجودة في كتب البديع، والبديع فرع من فروع علم البلاغة،
طالب:. . . . . . . . .
تقصد ربطه بكلام عمر ما يوجد، لا تبحث عنه.
طالب. . . . . . . . .(28/20)
ما ننازع في مشروعية التراويح، نحن لا ننازع في مشروعية التراويح، الكلام في قول عمر -رضي الله عنه-: نعمت البدعة، الذي يتمسك به جل المبتدعة يبتدع يحدث في الدين فيقول: نعمت البدعة، والبدع منها ما يمدح ومنها ما يذم.
يقول: هل يعتبر جري الأطفال الصغار وراء حمام الحرم وملاحقتها من باب اللعب من تنفير صيد الحرم، وهل يأثم وليه إذا كان يرى ذلك ويسكت؟
كل من رأى من ينفر يمنعه؛ لأنه لا ينفر، ((ولا ينفر صيده)) من قبل أي أحد كائن من كان، وعمد الصبي كخطأ المكلف، خطأ المكلف تترتب عليه عقوبات، ولذا لو قتله صبي، يلزمه الجزاء، يلزمه الجزاء، من باب ربط الأسباب بالمسببات، وليس من باب التكليف، على هذا يمنع.
يقول: زوجته تريد الحج ولديها مال وهو لا يستطيع أن يحج، وقد حج عن نفسه سابقاً، يقول: فهل يصح أن أحج عن شخص بمقابل حتى أكون محرماً لزوجتي؟
يحج نيابة عن شخص آخر بمقابل، فيستفيد من وجوه:
أولاً يتمكن من الحج، ويسعى في إبراء ذمة هذا الشخص المحجوج عنه، وتتمكن زوجته من الحج مع محرمها، لكنه مع ذلك لا يلزمه أن يحج معها، المحرم لا شك أنه شرط، لكن هل يلزم الزوج أو ولي المرأة أبوها أو أخوها أن يحج بها؟ إن وجد المحرم -إن وجد من يتبرع- لزمها الحج وإلا فالمحرم شرط.
على كل حال إن أخذ حجة بمقابل عن غيره وحصل على هذه المصالح كلها فلا شك أنه فعل خيراً عظيماً لمن حج عنه، على ألا يشترط مبلغ معين أو يزيد على قدر نفقته وحاجته، أما إذا حج ليأخذ فحكمه معروف عند أهل العلم، الخلاف من أخذ ليحج.
يقول: أخي مصاب بمرض التدخين، وأنا دائماً أنصحه وهو لا يرتدع، وذات مرة أتاني وطلب مني مالاً ليشتري دخان فأشفقت عليه وأعطيته، والسؤال هو: هل علي إثم؟ وماذا يجب عليَّ تجاه أخي؟(28/21)
أولاً يجب عليك أن تستمر بنصحه، الأمر الثاني: أن مسألة إعانته على هذه المعصية لا شك أنها من التعاون على الإثم والعدوان، إذا قال لك، طلب منك مالاً ليشتري به هذا الدخان المحرم لا يجوز لك أن تمكنه من ذلك، لكن لو خدعك أراد أن يشتري شيء مباح، طلب منك أن يشتري شيئاً للمدرسة، قال والله المدرسة طالبين هندسة، قلت: خذ هذه عشرة، راح اشترى دخان، نعم، يكون حكمه حكم من تصدق على غني وهو لا يعرف، أو من تصدق على بغي، ومن تصدق على سارق، والنص في ذلك ظاهر، لكن ينبغي أن يحتاط في مثل هذا لا يتساهل فيه.
يقول: ما أقوال العلماء بالنسبة لتغطية المرأة المحرمة لوجهها أمام الرجال الأجانب؟
الوجه عورة بلا شك فيلزمها التغطية، يلزمها أن تغطي وجهها إذا مرت بالرجال الأجانب أو مروا بها، وحديث عائشة صريح في هذا.
يقول: هل الحج واجب على الفور أم على التراخي؟
الخلاف معروف، لكن المرجح عند أهل التحقيق أنه على الفور، ومرد ذلك الخلاف في وقت مشروعيته، هل شرع سنة ست، أو سنة تسع؟ الذي رجحه جمع من أهل التحقيق أنه فرض سنة تسع، وآية آل عمران كصدرها إنما نزل عام الوفود سنة تسع، ومن قال سنة ست قال على التراخي.
قد يقول قائل: حتى لو فرض سنة تسع لماذا لم يحج النبي -عليه الصلاة والسلام- سنة تسع، وأخر الحج إلى سنة عشر، ألا يدل ذلك على أنه للتراخي؟ حتى على القول بأنه فرض سنة تسع، لماذا أمر أبا بكر أن يحج بالناس، ولم يحج إلا سنة عشر؟ لئلا .. نعم
طالب. . . . . . . . .
نعم فيه المشركون وفيه العراة، فأرسل أبا بكر وأتبعه بعلي -رضي الله عنه- كالمقدمة لحجته -عليه الصلاة والسلام- هذا من جهة، الأمر الثاني، أن حجة أبي بكر على طريقة العرب في النسيء، إنما كانت في شهر القعدة، وحجته -عليه الصلاة والسلام- وافقت وقتها المحدد شرعاً وفي هذا يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الزمان قد استدار)) فوقعت حجته -عليه الصلاة والسلام- في وقتها؛ لأن عادة العرب في النسيء تأخير شهر من كل سنة.
طالب: ماذا تكون لأبي بكر.
نعم.
طالب: إذا وقعت في ذي القعدة، وحج فريضة الإسلام؟(28/22)
يعني لو وقف الناس كلهم غلط خطأ في الثامن أو في العاشر حجهم صحيح وإلا لا، الحج يوم يحجون، على كل حال هذه مسألة أشار إليها كثير من أهل العلم، نعم.
طالب. . . . . . . . .
حج عن أبيك واعتمر، يأتي هذا -إن شاء الله تعالى- لا تستعجل.
كم بقي للإقامة.
باقية والوقت قليل وإيش نسوي يا أخي؟ ما أذكر أننا أكملنا شيء في وقته، يحددون الإخوان وقت قصير ثم بعد ذلك والله الخميس عاوده وقت. شوفوا وقت.
الله يعفو ويسامح، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب التمتع:
عن أبي حمزة نصر بن عمران جمرة، جمرة بالجيم.
عن أبي جمرة نصر بن عمران الضََّبعي الضُُّبعي.
عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال: سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي قال: فيه جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم، قال: وكأن أناس كرهوها فنمت، فرأيت في المنام كأن إنساناً ينادي: حج مبرور ومتعة متقبلة، فأتيت ابن عباس فحدثته فقال: الله أكبر، سنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين: الراوي التابعي أبو جمرة نصر بن عمران الضُّبعي كان يترجم بين يدي ابن عباس، بطلب من ابن عباس، يترجم بين يديه للحضور كما في كتاب العلم في صحيح البخاري، بجعل، ترجم هنا المراد بها تبليغ الكلام، وليس معناها نقل الكلام من لغة إلى أخرى، تبليغ الكلام، يبلغ كلام ابن عباس إلى من لا يصله الكلام.
يروي أبو جمرة عن ابن عباس المتعة -متعة الحج- يقول:
سألت ابن عباس، ابن عباس إذا أطلق المراد به الحبر، البحر ترجمان القرآن عبد الله، سأل أبو جمرة ابن عباس عن المتعة فأمرني بها، يعني قال له: تمتع، وسألته عن الهدي فقال: فيه بقرة أو جزور أو شاة أو شرك في دم.(28/23)
يقول: وكان ناس كرهوها كرهوا المتعة؛ لأن عمر كان ينهى عنها على ما سيأتي -رضي الله عنه وأرضاه- وسيأتي أن المتعة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم.
سأله عن المتعة -عن حكمها- فأمره بها، وسأله عن الهدي، ما الهدي يا ابن عباس؟ فقال: هو من بهيمة الأنعام، فإما أن يكون جزوراً أو بقرة أو شاة، أو شرك في دم، سبع بدنة، أو سبع بقرة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قال: وكان ناس كرهوها؛ لنهي عمر -رضي الله عنه- عن المتعة، ولما بقي عند بعض الصحابة من كراهية أهل الجاهلية للمتعة ...
أيها الأحبة في الله، ما تبقى من مادة هذا الشريط تتابعونها في الشريط التالي.(28/24)
عمدة الأحكام – كتاب الحج (4)
باب الهدي
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
لنهي عمر -رضي الله عنه- عن المتعة، ولما بقي عند بعض الصحابة من كراهية أهل الجاهلية للمتعة، إذ كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأمر ابن عباس أبا نصر بها؛ لما بلغته كراهية بعض الناس كأنه حصل في نفسه شيء من التردد، فلما نام رأى في النوم إنساناً ينادي، يقول: حج مبرور: يعني متقبل، ومتعة متقبلة، حج مبرور: خالي مما يخرمه وينقص أجره، ومتعة متقبلة.
لا تثبت الأحكام الشرعية بالرؤى:
فأتيت ابن عباس فحدثته فقال: الله أكبر، فرح ابن عباس وسر بهذه الرؤيا.
سنة أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-: هذه سنة أبي القاسم، ابن عباس فرح بالرؤيا؛ لا لاستقلالها بالحكم، لا لاستقلالها بالحكم، هذه رؤيا صالحة، موافقة لما جاء في النصوص، والرؤيا الصادقة جاء في الحديث الصحيح أنها ((جزء من ستة وأربعين جزاءً من النبوة))، لكن لا يعتمد عليها في التشريع، إنما هذه جاءت موافقة لما في الشرع، فمثل هذه الرؤيا تسر الرائي.
قد يقول قائل: الأذان إنما ثبت برؤيا؛ عبد الله بن زيد راوي الأذان يقول: طاف بي طائف، طاف بي وأنا نائم رجل فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر ... إلى آخره، فثبت الأذان بهذه الرؤيا؟
نقول: هذه الرؤيا التي رآها عبد الله بن زيد قصها على النبي -عليه الصلاة والسلام- فأقرها، فاكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام- لا بمجرد الرؤيا؛ فالرؤيا لا يتغير بها حكم، ولا يثبت بها حكم، نعم إذا جاءت موافقة لما جاء عن الله ورسوله تسر، لكن إذا جاءت مخالفة، مهما كان الرائي يضرب بها عرض الحائط.
حكم قول الصحابي من السنة كذا:
فقال: الله أكبر، سنة أبي القاسم -صلى الله عليه وسلم-: إذا قال الصحابي هذه السنة، أو السنة، أو من السنة، أو هذه سنة أبي القاسم، فهو مرفوع –في حكم المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا قال الصحابي: من السنة كذا، من السنة كذا، فله حكم الرفع عند جمهور أهل العلم:
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر(29/1)
التمتع:
والمتعة وجه، أو أحد الأنساك الثلاثة، التمتع والإفراد والقران، المتعة والتمتع: عبارة عن الإتيان بالعمرة في أشهر الحج، ثم الحج في السنة نفسها، هذا هو التمتع، ويطلق التمتع بمعناه الأعم فيشمل القران، الذي هو الإتيان بنسكين معاً من غير فصل، التمتع فيه فصل، فاصل بين الحج والعمرة، القران يقرن بينهما، ويأتي بأفعالهما متداخلة على ما سيأتي، وأما الإفراد فهو الإحرام بالحج وحده.
طالب:. . . . . . . . .
القران أن يحرم بهما معاً، الأعمال كالإفراد سواءً بسواء، طواف واحد وسعي واحد، نعم.
طالب: قوله فأمرني بها؟
فأمرني بها، هو تردد، يعني سألته عن المتعة يعني هل تجوز وإلا لا تجوز؛ لأنه يسمع من ينهى عنها، قال: تمتع، فأمرني بها يعني حج متمتعاً، يعني أبلغ من بيان الحكم فقط.
طالب: ابن عباس يرى وجوب التمتع؟
نعم يذكر عنه وجوب التمتع إيه، وهذا قول لجمع من أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة على ما سيأتي نعم، وتأتي المفاضلة بين الأنساك، فسيأتي إن شاء الله، تأتي المفاضلة بين الأنساك الثلاثة.
عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: يا رسول الله: ما شأن الناس حلو من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: ((إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر)).
هذا الحديث مؤخر في الأصل عن حديث ابن عمر، ويعني قدمه الشارح للمناسبة، فالذي يلي حديث ابن عباس حديث عبد الله بن عمر، فهو مقدم في الشرح قدمه الشارح للمناسبة.
نقرأ حديث ابن عمر؟
اقرأ حديث ابن عمر على ترتيب المصنف.(29/2)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأهل بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من تمتع فساق الهدي من ذي الحليفة، ومنهم من لم يهدي، فلمَّا قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة قال للناس: ((من كان منكم قد أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهدي، ومن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله))، فطاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم إلى مكة واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة، وركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم انصرف فأتى الصفا ...
وسلم، ثم سلم؟
ثم انصرف فأتى الصفا وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط،، ثم لم يحل من شيء حرم منه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهدى فساق الهدي من الناس".
الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج.
ظاهر كلام ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج متمتعاً، والمتبادر إلى الذهن من التمتع المعنى الاصطلاحي، وهو الإتيان بالعمرة المستقلة ثم الإتيان بالحج، وقد اختلفت الروايات وجاء عن الصحابة بأسانيد صحيحة أنه تمتع -عليه الصلاة والسلام- وجاء عنهم أنه حج قارناً، وجاء عنهم أنه أفرد الحج، وكلها صحيحة، ثابتة عن الصحابة -رضوان الله عليهم- ولذا يختلف أهل العلم في أفضل الأنساك.
أولاً: كيف يوفق بين هذه النصوص المتعارضة حجة واحدة؟ هل يمكن أن يقال: أنه مرة حج قارناً، ومرة حج متمتعاًِ ومرة حج مفرداً؟!!(29/3)
لا يمكن لأنها قضية واحدة، نعم ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- حج قبل ذلك، لا على الصفة المشروحة في الحج الإسلامي، إنما حج تعظيماً للبيت والمشاعر على عادة العرب، وجاء في الصحيح أن جبير بن مطعم رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرفات وقد أضل بعيره، يبحث عن بعير -جبير بن مطعم لم يحج- فضلَّ بعيره فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- قد وقف مع الناس بعرفات، استغرب جبير بن مطعم كيف يقف وهو من الحمس بعرفات، والحمس لا يخرجون عن الحرم، وعرفات من الحل، هذه حجة سابقة قبل الأمر بالحج، وقبل فرض الحج، وهذه في الصحيح، في البخاري.
المقصود أن الكلام كله في حجة الوداع، الحجة الوحيدة الذي حجها النبي -عليه الصلاة والسلام- ومثل ما أشرنا ثبت عنهم -عن الصحابة- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج متمتعاً كما هنا، وثبت عنهم أيضاً أنه حج قارناً، وثبت عنهم أيضاً أنه أفرد الحج.
والتوفيق بين هذه الروايات -كما قال ابن القيم وغيره-: "من قال تمتع فالمراد به التمتع بمعناه العام، يعني أنه ترفه بترك أحد السفرين فأتى بالنسكين في سفرة واحدة، ومن قال أنه حج قارناً وهم الأكثر فكلامه طابق الواقع، فقد أتى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنسكين معاً، لم يفصل أحدهما عن الآخر لماذا؟ لأنه ساق الهدي، فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله -على ما سيأتي إن شاء الله تعالى-، من قال حج مفرداً نظر إلى الصورة، صورة حجه -عليه الصلاة والسلام- هي صورة حج المفرد، ولذا القول المرجح عند أهل العلم أن القارن لا يلزمه إلا طواف واحد وسعي واحد كالمفرد.
منهم من يقول: أنه أهلَّ مفرداً في أول الأمر، ثم أتاه الآتي فقال له: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: لبيك، إيش؟ .. نعم، ما يفيد القران، فبهذا تتفق وتأتلف النصوص.
يقول ابن عمر -رضي الله عنهما- تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [(196) سورة البقرة]، الرسول -عليه الصلاة والسلام- تمتع بالعمرة إلى الحج، والمراد بالتمتع هنا كالمراد به في الآية، المعنى الأعم للتمتع بحيث يشمل القران مع التمتع.(29/4)
وأهدى: أهدى -عليه الصلاة والسلام- مائة من الإبل، ونحرها بيده، نحر منها ثلاثاً وستين، ووكل الباقي إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
فساق معه الهدي من ذي الحليفة: ساق معه الهدي من ذي الحليفة، وهذه سنة إن تيسرت، سوق الهدي.
وبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج: هذه من النصوص التي تدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- حج متمتعاً، وهذا رأي ابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- فتمتع الناس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأهل بالعمرة إلى الحج، فأهلوا.
أيش عنكم؟
فتمتع الناس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نعم.
المقصود أنه يفيد أنهم صنعوا كما صنع -عليه الصلاة والسلام-، صنعوا كما صنع -عليه الصلاة والسلام-.
فكان من الناس من أهدى فساق الهدي من ذي الحليفة، ومنهم من لم يهدي، فلما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- مكة قال للناس: ((من كان منكم أهدى، فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه)): من أهدى لا يجوز له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، ومتى يبلغ الهدي محله؟
في يوم العيد، وفيه الإحلال فلا يحل له حينئذ شيء حتى يبلغ الهدي محله، هذا بالنسبة لمن ساق الهدي، ولذا يتعين على من ساق الهدي أن يقرن إن أراد أن يجمع بين النسكين، إن أراد أن يجمع بين النسكين يتعين عليه أن يقرن، لا يجوز له التمتع.
لكن هل يجوز أو هل يمكن أن يتمتع من ساق الهدي؟ هل يتصور؟
يقول: أفضل الأنساك التمتع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه به، والمحظور في سوق التمتع حلق الرأس، يقول: أتمتع أحرم بالعمرة ثم أطوف وأسعى للعمرة، لكن لا أحلق رأسي حتى يبلغ الهدي محله، ثم في يوم التروية أحرم بالحج، وهو باق على إحرامه، ثم يأتي بالحج كاملاً، يتصور أو لا يتصور؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن شخص ساق الهدي، نقول له أقرن كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يجوز لك أن تحل حتى يبلغ الهدي محله، يقول: أريد أن أتمتع؛ لأن التمتع أفضل الأنساك، وآتي بجميع ما يفعله المتمتع إلا حلق الرأس الذي هو المحظور، ماذا يقال له؟
طالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فعل ذلك.(29/5)
نعم، هذا ساق الهدي ما يستطيع أن يحل، لا يستطيع أن يحل، لا يستطيع أن يحل، هل نسميه متمتع أو هو قارن شاء أم أبى، هو قارن شاء أم أبى؛ لأن التمتع الاصطلاحي أن يحل بينهما الحل كله، الحل كله، يعود حلالاً كما كان قبل دخوله في النسك، بحيث يجوز له أن يطأ زوجته بين النسكين، نعم.
طالب. . . . . . . . .
يقرن بدون سوق هدي، هذا يتصور فيما إذا ضاق عليه الوقت، أحرم بالعمرة، فلما وصل إلى البيت وجد أن الوقت ما يكفي، يدخل الحج على العمرة فيصير قارناً، أو امرأة أحرمت بالعمرة ثم حاضت ولا تتمكن من آدائها إلا بعد فوات الحج.
طالب. . . . . . . . .
لا ما يمكن.
طالب: مثل عائشة.
نعم، مثل عائشة إيه.
على كل حال يأتي هذا في ثنايا الحديث والذي بعده.
فلما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للناس: ((من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه)) يعني موافقة للآية.
((ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبالصفا وبالمروة، وليقصر وليُحلل)): هذا قاله بعد الطواف عليه الصلاة والسلام.
((من لم يكن أهدى فليطف)): اللام لام الأمر، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل.
((ثم ليهل بالحج)): يعني بعد ذلك في يوم التروية؛ ليكون متمتعاً، وبهذا يستدل من يقول بوجوب التمتع بالنسبة لمن لم يسق الهدي؛ لأن اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور]، الأمر للوجوب، لكن الجمهور حملوه على الاستحباب، وأنه ليس بلازم، بل منهم من قال إن الأمر بالإحلال خاص بالصحابة، ولذا بعض العلماء يرجح غير التمتع عليه، منهم من رجح القران ومنهم من رجح الإفراد، والأمر الوارد في هذا الحديث وغيره خاص بالصحابة؛ لأنهم حديثو عهد بجاهلية، والجاهلية يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يبطل هذا الرأي وهذا الزعم، ينقض هذا الرأي بأمره لصحابته عليه الصلاة والسلام.(29/6)
((ثم ليهل بالحج وليهدي)): هذا بالنسبة للتمتع يأتي بعمرة كاملة، يحرم بالعمرة، ثم يأتي بها –بأفعالها كاملة، يطوف ويسعى ويقصر- ثم يحل الحل كله، فإذا جاء يوم التروية أحرم بالحج، وجاء بالحج المستقل بجميع أفعاله.
قد يقول قائل: إذا كان المتمتع له أن يحل الحل كله، هل له أن يرجع إلى بلده ويترك الحج؟ لما جاء أحرم بالعمرة وفي نيته التمتع، أحرم بالعمرة فحل الحل كله، وقال: زحام شديد أو طرأ له ظرف، وقال: أرجع ما دام لي الحل كله ما الذي يلزمني بالحج قبل الدخول فيه، هل له أن يرجع أو ليس له أن يرجع؟
طالب: ليس له أن يرجع.
هو ما دخل في الحج هو أتم العمرة.
طالب: له أن يرجع؛ لأنه ما شرع في الحج.
لكنه ناوي للتمتع.
طالب: ولو نوى.
طالب: هو لبى بالحج.
ما لبى إلى الآن، ما لبى بالحج، يلبي بالحج في اليوم الثامن يوم التروية، افترض أنه جاء في اليوم الأول وأدى العمرة وجلس بيجلس أسبوع بدون عمل.
طالب:. . . . . . . . . مرة أخرى إذا رجع.
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
طيب.
ما هو براجع ثاني خلاص هو انتهى الحج هذه السنة يقول ما أنا بحاج، هل يلزم بالحج وإلا لا يلزم؟
طالب. . . . . . . . .
لا، لا هذا متنفل، هذا متنفل.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
لا، هو يقول حجة الإسلام، نقول: لا، أصله جاء للنفل، حاج حجة الإسلام ومعتمر عمرة الإسلام، أدى عمرة التمتع بجميع أفعالها ولبس ثيابه ووطئ زوجته -كانت معه- وقال: ما الذي يلزمني بالحج وأنا ما قد دخلت؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما الصيغة التي يقولها المتمتع عند إرادته الدخول في العمرة قبل الحج، عمرة فقط، ينوي عمرة فقط، ثم يأتي بها -بجميع أفعالها- ويتحلل الحل كله، الآن ما الذي يلزمه بالحج وهو ما دخل؟
طالب: ما يلزم، ما يلزم، يرجع لبلاده. . . . . . . . .
طالب: لكل نسك نية مستقلة.
والآن يجوز له أن يرجع؟
طالب: إيه، نعم.
نعم.
يقول صاحب الإنصاف: لا يجوز له الرجوع بلا نزاع. سبحان الله!!
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(29/7)
لأن المسألة نظرياً يجوز له أن يرجع أيش المانع، ما دخل في النسك ما الذي يلزمه والحج نفل؟.
طالب. . . . . . . . .
ما لبى بشيء، لبى بعمرة وأتى بها.
طالب. . . . . . . . .
ما قال إلى حج ولا فين أبى، ما قال متمتعاً بها إلى الحج.
طالب:. . . . . . . . .
إلا هو جاي بيعتمر ويحج.
والكلام في قوله بلا نزاع هذا الذي يجعل الإنسان يلتزم بهذا الكلام، وإلا نظرياً نوى العمرة وأتى بها كاملة بجميع أفعالها ما الذي يلزمه بالحج وهو لم يدخل فيه؟
يعني إنما جاء للحج، الأصل مجيئه للحج الذي ينهزه للحج، خلنا على هذا الكلام، شخص جاء للحج، لما وصل إلى الطائف قال ما أنا بمحرم ويرجع، في أحد يلزمه؟
طالب. . . . . . . . .
ما يلزم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني عمرة التمتع جزء من الحج، هم يقولون عمرة التمتع جزء من أجزاء الحج، فكأنه دخل في الحج، هذا التوجيه، وإلا نظرياً يعني قبل الدخول في النسك شنو الذي يلزمه؟
طالب. . . . . . . . .
يقال إيش؟ يلزمه الحج بلا نزاع، بننازع أهل العلم وما عندهم نزاع؟
طالب:. . . . . . . . .
على أن العمرة جزء من حج المتمتع، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
صاحب الإنصاف قال: بلا نزاع، على كل حال ما وقفت على أحد خالف في هذا أبداً.
طالب. . . . . . . . .
له ذلك نعم، له أن يرجع إلى بلده وبهذا ينقطع التمتع، لا يلزمه دم إذا رجع إلى بلده، نعم ينقطع التمتع، سفر جديد للحج، وهذا يقوي الكلام النظري؛ لأنه إذا وصل بلده وقد حج حجة الإسلام، من يوجب عليه حجة ثانية؟
كل هذه إشكالات تحتاج إلى بحث في إطار عدم النزاع أيضاً؛ لأنه ما نقعد نخالف أهل العلم أبداً، نعم، لكنها تحتاج إلى إجابة.
التمتع الاصطلاحي عند أهل العلم: أن يأتي بعمرة مستقلة ثم يحج من نفس العام، يأتي بالعمرة في أشهر الحج، ثم يأتي بالحج من نفس العام، بحيث لا يقطعه بسفر إلى بلده، لا يرجع إلى بلده.
طالب:. . . . . . . . .
يسمى متعة ولو جاء في اليوم التاسع، وأدى العمرة كاملة، وتحلل منها ثم أهل بالحج متمتع.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟ كيف، أقلها يؤدي العمرة بطوافها وسعيها والتقصير ثم يهل بالحج.
طالب: يعني بين النسكين قصده يا شيخ؟(29/8)
كيف؟ العلماء يقولون: له أن يرجع، نعم.
طالب. . . . . . . . .
هو الإشكال في عدم النزاع في أنه يلزمه الإهلال بالحج ولا يجوز له الرجوع، يرد على هذا أنه لو رجع إلى بلده يجيز له العلماء الرجوع، لكن ينقطع التمتع، إن حصل له ظرف طارئ، حصل مصيبة عند أهله مثلاً ورجع إليهم، بيمنعه أحد؟ ما حد يمنعه، يلزمه الرجوع على كلام العلماء، يلزمه أن يرجع.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، هذا كلام صاحب الإنصاف يبقى ..
وين؟
محرم يعني.
أيش لون يبقى؟
لو رجع.
طالب آخر: حل من العمرة؟
لا، لا، حل الحل كله بين النسكين، ما في أحد يلزمه بشيء، بين النسكين يحل الحل كله.
طالب: إيه نعم، لكن سؤالنا يقول: لا نزاع؟
يعني أنه يلزمه الحج في هذه السنة؛ لأن العمرة جزء من أجزاء الحج الذي جاء من أجله.
طالب: لكن لو ما رجع أيش يترتب عليه؟
نقول: ما الذي يلزمه بحج وقد أدى الفريضة، نعم كونه دخل في الحج ملزم، {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [(196) سورة البقرة]، لكن المفترض أنه ما دخل في الحج، إلا أنه دخل بجزء من أجزاءه وهو العمرة التي ينوي بعدها الحج.
طالب. . . . . . . . .
لا، لا لا، هم يلزمونه ما استثنوا شيء، ما استثنوا شيء، ما دام دخل بعمرة وفي نيته التمتع يلزمه أن يهل بالحج من السنة نفسها، والله كثير هذا يحصل، كثير من الناس، الآن قد بعض الناس يرجع وهو محرم، ما كمل الحج، وبعضهم ما كمل العمرة إذا شاف الزحام، فمن باب أولى أنه إذا حل الحل كله يرجع إلى أهله، يكون بالخيار.
أحسن الله إليك، هل يجوز للمتمتع أن يرجع إلى بلده؟
ما الذي يمنعه، السفر ما يمنعون منه، لكنه إذا رجع إلى بلده انقطع التمتع.
طالب: إيه نعم، إذا كان مريداً للتمتع؟
على كلامهم، ما في ما يمنع.
طالب: يا شيخ إذا تمتع وأدى العمرة يجوز له يقضي شغل في الطائف ويرجع؟
إذا السفر لحاجة ما فيه إشكال عندهم، لكن إن كانت دون مسافة قصر فالتمتع باق، إذا كانت أكثر من مسافة قصر عند الأكثر ينقطع التمتع.
طالب: يعيد عمرة جديدة؟
الظاهر أنه لا ينقطع التمتع إلا إذا رجع إلى بلده، يعني لو طرأ له سفر للمدينة مثلاً، ما زال في إطار الحج وأعماله، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .(29/9)
إيه ما دام ناوي التمتع في هذه السنة يرجع.
طالب. . . . . . . . .
لا هو الآن ما يلزمه إلا الحج، اعتمر وانتهى، أدى العمرة لا يلزمه ....
يقول: ((ثم ليهل بالحج)): يعني في يوم التروية كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وكما فعل الصحابة الذين معه، بل أمرهم بالإحلال -الذين لم يسوقوا الهدي بأمره -عليه الصلاة والسلام-.
((فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله)): يصوم ثلاثة أيام، والأولى أن تكون قبل عرفة، يعني على هذا يحرم بالحج متى؟
في السادس يصوم السادس والسابع والثامن، إن لم يتمكن من صيامها قبل عرفة يصومها أيام التشريق، وأيام التشريق لا يجوز صيامها إلا لمن لم يجد الهدي.
طالب: يشترط أن تكون متتالية يا شيخ؟
ثلاثة أيام ما فيه ذكر للشرط والقيد، وإنما هي ثلاثة أيام، لكن هي بقدر أيام التشريق، يعني إن فاتته قبل.
طالب: السادس والثامن ويوم من أيام التشريق؟
يعني ما تمكن، يعني في اليوم السادس يرجو أن يجد الهدي.
طالب: اليوم السابع عنده ظرف أو طارئ أو شيء حاجة حصلت له.
المهم، يرجو أن يجد هدي مثلاً، ما غلب على ظنه أنه لن يجد الهدي إلا في اليوم السابع، ليلة السابع وصام السابع والثامن ويوم من أيام التشريق، الأولى أن تكون متوالية هذا الأولى، لكن مفرقة لا أرى ما يمنع.
طالب. . . . . . . . .
يصوم ثلاثة أيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يصوم أيام التشريق، على هذا لو كان متعجل، ونفر في اليوم الثاني عشر، نقول يلزمك أن تجلس تتأخر حتى تصوم الثالث عشر أو لا يلزمه؟ لأنها في الحج؛ لأن من وصفها أن تكون في الحج؟ وسبعة إذا رجع إلى أهله كما جاء في الآية.
فطاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم إلى مكة، واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعاً: الطواف الذي طافه النبي -عليه الصلاة والسلام- هو طواف القدوم، طواف القدوم، استلم الركن أول شيء هذا تقدم.
ثم خب: يعني رمل ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعاً وهذا تقدم الكلام فيه.(29/10)
وركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، امتثالاً للأمر: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]، هاتان الركعتان هما ركعتا الطواف ما حكمهما؟
الجمهور على أنهما سنة، جمهور أهل العلم على أنهما من السنن، ومن أهل العلم من يوجبها، ومنهم من يفصِّل، فيقول: إن كان الطواف -هما تبعاً للطواف- إن كان الطواف واجباً فهما واجبتان، وإلا فسنة، لكن جمهور أهل العلم على أنهما سنة.
لو صلاهما خارج البيت، خارج المسجد، خارج المسجد، صلاهما في مكان آخر -في منزله في منى في أي جهة من جهات مكة-.
طالب: تعتبر قضاء يا شيخ؟
كيف؟
طالب:. . . . . . . . . خارج المسجد.
يجوز وإلا ما يجوز؟
نعم.
طالب: يجوز يصلي هنا أو خارج.
يجوز؛ لأن عمر -رضي الله عنه- طاف وصلى الركعتين بذي طوى، طاف بعد صلاة الصبح، وصلى الركعتين بذي طوى، ولعله ينتظر ارتفاع الشمس، ولذا جعل البخاري هذا الأثر في باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وكأنه يميل إلى أن هاتان الركعتان لا تصليان في وقت النهي.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
طواف القدوم فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب. . . . . . . . .
الوجوب، لا، ما في ما يدل على الوجوب، لا طواف القدوم سنة.
ثم سلم وانصرف فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط: يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة، ذهابه من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر، وهكذا، يقف على الصفا يستقبل القبلة يكبر ويهلل ويدعو ثلاثاً، يطيل الدعاء، ومثله على المروة، كما في حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم لم يحل من شيء، حلق أو قصر أو لم يحل، أو لم يحلق؟
طالب: لم يحلق
لم يحلق لماذا؟
طالب: لأنه قارن.
لأنه ساق الهدي، لأنه ساق الهدي، ثبت عن معاوية أنه قال: قصرت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على المروة بمشقص.
طالب. . . . . . . . .
نعم، الإجابة نعم
طالب:. . . . . . . . .
في إحدى عمره -عليه الصلاة والسلام- في عمرة من العمر، ولعلها عمرة القضاء.(29/11)
ثم لم يحل من شيء حرم منه حتى قضى حجه: وعرفنا السبب -أنه ساق الهدي- ونحر هديه يوم النحر، نحر هديه يوم النحر.
وعرفنا أن الهدي مائة من البدن، نحر منها ثلاثاً وستين بيده الشريفة -عليه الصلاة والسلام- ووكل الباقي إلى علي -نحر الباقي- وأمر ببضعة من كل واحدة منها فطبخت، فأكل منها وشرب من مرقها -كما في حديث جابر- عليه الصلاة والسلام، ونحر هديه وأفاض فطاف بالبيت، وكل هذا بعد الوقوف والمبيت بمزدلفة، والرمي، وأيضاً النحر، والحلق ثم بعد ذلك أفاض فطاف بالبيت، وهذا الطواف ركن الحج، يسمى طواف الإفاضة، ثم حل من كل شيء حرم منه، حل الحل كله، لماذا؟ لأنه فعل الثلاثة كلها، رمى وحلق، ..
طالب: ونحر.
لا، طاف، لكن لو فعل اثنين رمى وحلق ولم يفض حل التحلل الأول، فإذا أضاف إليه الثالث حل التحلل الثاني، ثم حل من كل شيء حرم منه؛ لأنه فعل الثلاثة كلها.
وفعل مثل ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهدى فساق الهدي من الناس: لأنه قال: ((من كان منكم معه هدي فلا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ومن لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة))، يعني يطوف ويسعى ثم يقصر.
من أحرم بإحرام كإحرام النبي -عليه الصلاة والسلام- ماذا يصنع؟ إذا أحرم، علي -رضي الله عنه- وأبو موسى كل منهما بهذه النية، لبيك بإهلال -أو بإحرام- كإحرام النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم.
طالب: لا يتم التحلل إلا بعد ....
نعم.
طالب. . . . . . . . .
أهل، لماذا لم يسق الهدي، وما يدريك أنه ما ساق؟ جاء من اليمن واليمن ما فيها هدي؟
طالب. . . . . . . . .
نعم
طالب. . . . . . . . .
علي ما ساق هدي؟
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
علي ساق الهدي، أبو موسى ما ساق الهدي، وهنا يحسن التفريق بينهما، ولذا أمر علياً أن يبقى على إحرامه، وأمر أبا موسى بالإحلال.
وهل يسوغ مثل هذا اليوم أن يقال: لبيك بإهلال كإهلال فلان، نعم؟
طالب: لا يا شيخ.
لماذا؟
طالب: لأنه علم ....
نعم هو علم هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه في إطار الأنساك الجائزة، الأنساك الثلاثة كلها جائزة عند أهل العلم والخلاف في الأفضل منها، لبيك بإهلال كإهلال فلان، يجوز وإلا ما يجوز؟(29/12)
لا، لا من المعاصرين؛ هو ما يعرف كيف يحج، وقال: إذا لقيت فلان بأسوي مثله، عالم من العلماء يريد أن يقتدي كما فعل علي وأبو موسى.
أحسن الله إليك
أقول لو لم يتلفظ بالإهلال؟
لو لم يتلفظ بأي شيء؟
إي نعم ولكنها نية في قلبه؟
يعني معناه أنه تجاوز الميقات بدون إحرام.
أنا أقصد أنه فمن باب أولى إذا أهل بإهلال شخص أنه سائغ.
لا هو نوى الدخول في النسك من الميقات، يعني يختلف عن شخص لم يتكلم إطلاقاً، هذاك نقول له: تجاوزت الميقات بدون إحرام، وهذا أهل ولبى بإحرام كإحرام فلان، والاحتمالات كثيرة، احتمال أنه يكون فلان ما حج السنة هذه، احتمال أن يبحث عنه ولا يجده، احتمال أن يجده، أنت أورد هذه الاحتمالات كلها وأجب عنها واحداً بعد الآخر. نعم؟
طالب. . . . . . . . .
لو أحرم بإحرام مطلق، نعم، له أن يحرم مطلقاً وقبل الطواف يصرفه إلى ما شاء، له أن يحرم بالإطلاق ثم يصرفه قبل الطواف لما شاء من الأنساك.
طالب: صيغة الإطلاق يا شيخ؟
وين؟
إذا أتى الميقات؟
صيغته، ينوي الدخول في النسك نسك مطلق مع التلبية.
حديث حفصة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي قدمه الشارح عندكم قبل حديث ابن عمر يقول: عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: يا رسول الله: ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك؟ فقال: ((إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)): يعني امتثالاً لما جاء في القرآن: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] ومعروف حكم من ساق الهدي أنه لا يجوز له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، ولذا لا يجوز له أن يتمتع.
نعم الحديث الذي يليه.
التلبيد أحسن الله إليك، أقول تلبيد الرأس؟
تلبيد الرأس بشيء يتماسك به بحيث لا يشعث، نعم يلتم إما بزيت أو بعسل أو شيء من هذا.
لكن ما علاقته بالنسك؟ ما علاقته بالنسك؟
ما دام أحرم من أبيار علي، كم يحتاج من يوم حتى يصل إلى مكة، كم يحتاج إلى يوم إلى أن يحلق الشعر، تصور خمس لخمس بقين من القعدة ثم بعد ذلك عشرة أيام ليحل، خمسة عشر يوم، فإذا كان شعره مرسل يؤذيه، لكن إذا لبد نعم.
طالب. . . . . . . . .(29/13)
لا، لا ليس له علاقة، لكنه أيسر، يتعب لو كان غير ملبد، ما يلزم القِران، حتى المفرد حتى المتمتع له أن يلبد إذا كان أيسر له وأحفظ لشعره، نعم لها دخل في قضية الحلق أنه يتأخر حلقه لشعره.
نعم حديث عمران.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
صفة تقليد الهدي، الهدي إذا كان من الغنم يقلد، بمعنى أنه يلبس قلادة، حبل يربط فيه حذاء أو يربط فيه قطعة من جلد، أو أدنى شيء يشعر بأنه هدي؛ لئلا يتعرض له أحد بسوء، إن كان من الإبل أو البقر يشعر، أيش معنى يشعر؟ نعم يجرح في صفحة سنامه اليمنى ويترك يسيل منه الدم، فيعرف الناس أنه هدي.
الحديث الذي يليه.
عن عمران بن حصين –رضي الله عنه- قال: "أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينزل قرآن بحرمتها، ولم ينه عنها حتى مات". فقال رجل برأيه ما شاء، قال البخاري "يقال: إنه عمر". ولمسلم: {نزلت آية المتعة -يعني متعة الحج- وأمرنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها حتى مات} ولهما بمعناه.
حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: أنزلت آية العمرة {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [(196) سورة البقرة] إلى آخره، في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: بل بأمره -عليه الصلاة والسلام-؛ أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من لم يسق الهدي أن يتمتع، ففعلناها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم ينزل قرآن بحرمتها.(29/14)
فقال رجل برأيه ما شاء: هذا الرجل بينه الإمام البخاري أنه عمر -رضي الله تعالى عنه- كان ينهى عن المتعة؛ لئلا ينقطع ترداد الناس على هذا البيت المعظم، يعني يهجر البيت في غير وقت الحج، إذا كان الإنسان يأتي بالنسكين في سفرة واحدة لا يضطر أن يسافر ثانية للعمرة، هذا اجتهاد من عمر -رضي الله عنه- والاجتهاد إذا كان مخالفاً للنصوص الصحيحة الثابتة، مهما كان قائلة، ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، اقتدوا بالذين من بعدي)) متى؟ إذا لم يكن هناك نص، نأخذ بقول أبي بكر وعمر، لكن إذا خفي النص أو اجتهد عمر ورأى أن للاجتهاد مسرح في مثل هذه المسائل، ورأى غيره أنه لا اجتهاد مع النص -كما هو قول جماهير أهل العلم- فالعبرة بالمرفوع، ولا يتلفت حينئذ إلى الموقوف ولو كان قائله عمر -رضي الله عنه-، هذا اجتهاد من عمر، وإلا عمر ليس بالمعصوم.
قد يقول قائل: عمر له اجتهادات كثيرة عمل بها أهل العلم، كإمضاء الثلاث في الطلاق، جمهور أهل العلم على قول عمر، مع أن الأمر في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر على خلافه، ماذا نقول؟ نعم.
طالب. . . . . . . . .
لا، ينهى عن التمتع، وينهى عنه اجتهاداً منه ليكثر الوافد إلى البيت ويتكرر طول العام، الوفود إلى البيت، ولذا يقول ابن عباس لما نوقش في هذه المسألة: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر، نعم، كيف يعارض قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقول أبي بكر وعمر، وهما هما أبو بكر وعمر ((اقتدوا بالذين من بعدي)).
ويأتي من يأتي ممن يزعم أنه حامل راية الدعوة ولواءها ويقول: حديث: ((لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة)) وهو في البخاري، يقول: ليس بصحيح؛ الواقع يشهد بخلافه، ليس بصحيح، طيب ليس بصحيح معارض بقول أبي بكر وعمر؟ لنضرب بقولهم عرض الحائط؟ لا، معارض بأي شيء؟
يقول: جلدمائير هزمت العرب، تاتشر قادت الإنجليز، انديرا غاندي قادت الهنود ونجحت.
وبعدين، بمثل هذا تعارض النصوص؟ نسأل الله السلامة والعافية، ومثله كثير، مثله كثير، نسأل الله السلامة والعافية.(29/15)
لكن لا نقول بقول من يقول: "والبدعة مرفوضة ولو كانت من عمر" عمر ما ابتدع، هذا يرى أن للاجتهاد فيه مجال وأخطأ في اجتهاده، ويقوله في شأن التراويح، لما قال عمر: نعمت البدعة، قال بعض الشراح: والبدعة مرفوضة ولو كانت من عمر، وقررنا سابقاً أنها ليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، والله المستعان.
ولمسلم نزلت آية المتعة يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لم ينزل آية تنسخ آية المتعة ولم ينهَ عنها حتى مات، ولهما بمعناه.
هذا سؤال يقول: لماذا لم يذكر المصنف حديث جابر مع أنه أجمع حديث في الحج؟
نعم جابر وصف حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- من خروجه من بيته إلى رجوعه إليه، بأجود سياق، نقول الحديث من أفراد مسلم، والمؤلف اشترط أن يكون الحديث مما اتفقا عليه، نعم إن احتاج إلى بيان لفظة أو زيادة أو شيء من هذا قد يأتي بما تفرد به أحدهما، لكن لا يأتي بحديث مستقل من أحدهم، شرطه أن يكون الحديث في الصحيحين.
نعم باب الهدي:
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
نعم نأتي إلى المفاضلة بين الأنساك الثلاثة، عرفنا أن من أهل العلم من يوجب التمتع؛ لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- به، ومنهم من يرى أن التمتع مفضول، وأن الأمر خاص بالصحابة.
مالك والشافعي في أحد قوليه يرى رجحان الإفراد، وأبو حنيفة يرى القران، وأحمد يرى التمتع، حجة الإمام أحمد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر به، وأبو حنيفة يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- حج قارناً ولم يكن الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، وأما من يرى الإفراد يقول: الأمر به خاص بالصحابة والإتيان بالحج بسفرة مستقلة أفضل، مالك وقول الشافعي.(29/16)
ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "من أتى بالحج مفرداً بسفر مستقل والعمرة بسفر كان أفضل اتفاقاً" نقل على ذلك الإجماع، والمسألة مفترضة في شخص يقول: أنا لا أحج ولا أعتمر إلا مرة واحدة، حجة الإسلام مرة واحدة ولن أتنفل، عمرة الإسلام مرة واحدة ولن أتنفل، نقول: الإفراد أفضل اتفاقاً في هذه الصورة، لكن شخص يقول أنا أريد أن أكرر العمرة آتي بالعمرة كيفما اتفق، فهل أحرم متمتع أو قارن أو مفرد؟ نقول: أحرم متمتع؛ لأنها زيادة.
شيخ الإسلام ينقل الاتفاق على أن من أتى بالحج بسفر مستقل يعني مفرد أفضل اتفاقاً، وأقول قول شيخ الإسلام مفترض في شخص لم يزد على ما افترض الله عليه، فهل يأتي بالحج والعمرة في سفر واحد أو بسفرين؟ نقول: بسفرين.
يميل بعض أهل التحقيق إلى أن التمتع أفضل لمن لم يسق الهدي، والقران أفضل لمن ساق الهدي، وهذا فيه شيء من التوفيق بين النصوص، وعلى هذا إذا قلنا بتفضيل التمتع مطلقاً هل يفضل سوق الهدي أو يكون مفضول؟ مفضول على قول من يرجح التمتع مطلقاً نقول الأفضل لا تسوق هدي، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة)) وعلى هذا لا يستحب سوق الهدي بل يأتي بالتمتع ويريق الدم في وقته دم المتعة.
طالب. . . . . . . . .
إلا الأفضل، الذي يرى القران يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- حج قارناً ولم يكن الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، نقول: هو أفضل بالنسبة لمن كانت حالته كحال النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ساق الهدي، لمن ساق الهدي، فعلاً ساق الهدي ثم جاء يسأل نقول أقرن، بل قد يتعين عليه القران إن لم يختر الإفراد؛ لأن التمتع ليس بمتصور، لا يتصور في حقه على ما ذكرنا.
أحسن الله إليك.
قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت)) يدل على أن هذا نسخ لفعله؟
نسخ لفعله
طالب: بعني في المستقبل أنه لا يفعل ذلك لو. . . . . . . . .(29/17)
لا هذا يدل على الترجيح، على الرجحان، من أهل العلم من يقول أنه قال هذا الكلام تطييباً لخاطر أصحابه، أمرهم بأن يحلوا وهو لم يحل، يعني هل لمبرر أن يبرر أن يقول لمجرد سوق الهدي، أو لا بد أن يدعمه بكلام يقويه مثل قوله: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ... إلى آخره)) يعني مثل في الحديبية لما أمرهم بحلق رؤوسهم ما استجابوا، ما استجابوا معاندة وإلا رجاء أن يؤدوا نسك العمرة في هذه السنة؟
طمعاً في الخير، لكن لما حلق رأسه -عليه الصلاة والسلام- حلقوا رؤوسهم ما عاد هناك خيار، نعم.
طالب. . . . . . . . .
حق من؟
طالب. . . . . . . . .
متمتع، المكي يعني يسوق هدي؟
طالب. . . . . . . . .
هل هناك متعة لحاضر المسجد الحرام؟ {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] الضمير يعود إلى أيش؟ ذلك، التمتع أو لزوم الهدي الناشئ عن التمتع؟ أو أصل الهدي، أو أصل التمتع {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ذلك التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، أو ذلك لزوم الهدي الناشئ عن التمتع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، ولذا يختلف أهل العلم هل للمكي أن يتمتع؟ وإذا تمتع ليس عليه هدي، أو ليس له أن يتمتع أصلاً، أو لا يتصور التمتع في حقه؟ أيش معنى التمتع؟ أن يأتي بالنسكين في سفر، وهو لم يسافر لأحدهما، فلا يسمى متمتعاً يأتي بعمرة عمرتين ثلاث خمس في أشهر الحج ثم يحج أيش يصير؛ لأن الهدي في مقابل الترفه بترك أحد السفرين وهو لم يسافر، فله أن يعتمر في أشهر الحج ويحج من عامه لكن لا يلزمه هدي. نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الخلاف في مرجع اسم الإشارة، الخلاف لفظي ما يلزم عليه شيء.
طالب. . . . . . . . .
من هو؟
طالب. . . . . . . . .
أيوه، أيش المانع؛ لأن الهدي في مقابل ترك أحد السفرين، هو ما سافر أصلاً.
باب الهدي:(29/18)
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بيدي، ثُمَّ أََشْعَرْهَا وَقَلَّدَهَا -أَوْ قَلَّدْتُهَا- ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ، وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حَلَالَا".
وَعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة غنما".
نعم حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بيدَيِّ: القلائد إنما تكون إذا كان الهدي من الغنم، وأما إذا كان الهدي من الإبل أو البقر فالإشعار، وعرفنا الفرق بين التقليد والإشعار.
فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي ثم أشعرها، وقلدها أو قلدتها: وعلى هذا يمكن الجمع بين التقليد والإشعار، كما يدل عليه فتلت قلائد ثم أشعرها وقلدها، وإن كان أهل العلم يفرقون بين التقليد والإشعار فيجعلون التقليد للغنم والإشعار للإبل والبقر، ويمكن الجمع بينهما، أيش المانع أن يشعر البعير، تشعر البقرة مثلاً بأن تضرب صفحة سنامها الأيمن بالسكين حتى يسيل الدم، وهذا للمصلحة الراجحة، وإن كان فيه شيء من الضرر والتعذيب إلا أنه مغمور في جانب المصلحة الراجحة، إحياء السنة لكي يراها الناس ويقتدوا به -عليه الصلاة والسلام- من جهة، ولا يتعرضوا لها بأذى.
ثم بعث بها إلى البيت وأقام في المدينة لم يحج ولم يعتمر، بعث بها بمفردها، وكل بها من يذهب بها إلى مكة، وينحرها هناك وأقام -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان له حلاً، وفي هذا رداً على من يقول: أن من أهدى إلى البيت لا يجوز له أن يزاول شيء من المحظورات حتى يبلغ الهدي محلة، نقول: متى لا يجوز له ذلك حتى يبلغ الهدي محله؟ إذا أهل بحج أو عمرة، أما إذا لم يهل بحج ولا عمرة فإنه لا يمتنع من أي شيء من المحظورات ولو بعث الهدي، وبهذا ترد عائشة -رضي الله تعالى عنها- على من زعم ذلك.(29/19)
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "أهدى النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة غنماً": الغالب أن هديه -عليه الصلاة والسلام- كان من الإبل، كان من الإبل، وأهدى -عليه الصلاة والسلام- عن نسائه البقر، وأهدى -عليه الصلاة والسلام- مرة غنماً، فانحصر الهدي في أنواع بهيمة الأنعام الثلاثة الإبل والبقر والغنم، أفضلها الإبل ثم البقر ثم الغنم.
طالب:. . . . . . . . .
ترسل من الرياض هذا أيش المانع، القصد هو التوسعة على فقراء الحرم، من المقيمين والوافدين عليه.
طالب. . . . . . . . .
هذه ليست أضحية هذا هدي ومحل الهدي مكة، لا، لا أبداً ليس بأضحية، هذا ليس بأضحية، هذا هدي، والهدي محله البيت الحرام.
يقول: أخذ الشعر والظفر؟
في أيش؟ إذا بعث الهدي؟
إي نعم.
هذا خاص بالأضحية، المنع خاص بالأضحية أو لمن دخل في النسك، ولذا تقول عائشة -رضي الله عنها-: "فما حرم عليه شيء كان له حلالاً" شوف "فما حرم عليه شيء كان له حلاً".
حديث أم سلمة أيضاً؟
حديث أم سلمة في الأضحية، هذا في الأضحية، هذه نكرة في سياق النفي فتعم جميع المحظورات.
طالب. . . . . . . . .
ما يختلف الأمر بيدي أو بيدي، سواء كان مفرد مضاف أو مثنى ما يفرق؛ لأنه إذا قالت بيدي يراد به الجنس جنس اليد فيشمل اليدين.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه سواء كانت بيدي أو بيديَّ الأمر سهل؛ ما يختلف.
أيش عندك؟
طالب. . . . . . . . .
بيديَّ، فتلت قلائد هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيديَّ.
طالب. . . . . . . . .
إيه لكن علق عليها المعلق وقال أنها لم تثبت، ولا نبه عليها في الحاشية أنها توجد في بعض .. ؟
طالب. . . . . . . . .
على كل حال هي موجودة في الطبعات القديمة موجودة، لكن الرجوع إلى الأصل سهل، وعلى ما أحفظ أنها موجودة.
أيش يقول؟
طالب. . . . . . . . .
نعم على ما أحفظ أنها موجودة، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
وين؟
طالب. . . . . . . . .(29/20)
لا، لا أنا أحفظ أنها موجودة بيديَّ، أما بيدي أو بيديّ تختلف فيهال نسخ في الصحيح، ولا أثر لهذا الاختلاف؛ لأنه قد يطلق المفرد ويراد به الجنس، جاء في الحديث الصحيح: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) وفي الصحيح نفسه في البخاري: ((ليس على عاتقيه منه شيء)) نعم، مفرد مضاف يعم، يراد به الجنس، جنس العاتق. نعم.
طالب. . . . . . . . .
ما تبطل، هذا واجب يجب ستر العاتق يجب ستر المنكب لكنه ليس بشرط، هذا نهي عن أن يصلي الشخص، نهي أن يصلي الشخص مكشوف العاتق، على هذا يأثم من صلى مكشوف العاتق وصلاته صحيحة، ولذا لم يدرجه أهل العلم في الشروط، نعم، لم بدرجه أهل العلم في الشروط.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
يعدل، إذا جاء يصلي يعدل، يستر المنكبين
في الطواف؟
في الطواف، لكن إذا جاء الصلاة يستر المنكبين، نعم الحديث الذي يليه.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يسوق بدنة، قال: ((اركبها))؟ قال: إنها بدنة، قال: ((اركبها)). فرأيته راكبها، يساير النبي صلى الله عليه وسلم} وفي لفظ قال في الثانية، أو الثالثة: ((اركبها ويلك، أو ويحك)).
نعم حديث أبي هريرة في الإفادة مما أخرجه الإنسان من ماله لله -عز وجل- هدي أو أضحية، أخرج لله -عز وجل-، هل له أن يستفيد منه، وما مقدار هذه الإفادة، وهل هي مقرونة بالحاجة؟ أو تجوز مطلقاً؟ وهل يتناول ما هو أعظم انتفاعاً من الركوب، كحلبها مثلاً أو إجارتها، شخص محتاج إلى ركوبها النص وارد فيها، ((اركبها)) إنها بدنة، قال: ((اركبها ويلك ويحك)) لكن شخص ما هو محتاج إلى الركوب، جاء شخص محتاج إلى الركوب، قال: هذه بدنة، قال: أركبها، أنا أحتاج إلى ركوبها؟ قال: تركبها بمائة إلى مكة يجوز له ذلك؟ بدنة أو بقرة أو شاة فيها حليب، يحلب ويشرب؟ ما مقدار هذا الانتفاع، الحديث دليل على جواز الانتفاع، الانتفاع بالركوب عند الحاجة نص في الحديث، لكن هل يسري إلى ما هو أعظم من ذلك من شرب الحليب مثلاً، ومثله لو ولدت هذه البدنة، ما مصير هذا الولد؟
طالب. . . . . . . . .(29/21)
لا يؤجرها، بدليل أنه لا يعطي الجزار أجرته منها، أخرجها لله لا يجوز له أن يرجع بشيء منها، ولذا نُهي عمر -رضي الله عنه- أن يشتري الفرس الذي أخرجه لله، يعني لو إنسان تصدق على آخر بصدقة فرأى أن هذه الصدقة لا تناسبه، هل يجوز له أن يشتريه منه؟ تصدقت على زيد من الناس بكتاب، استلم هذا الكتاب وقال: ما شاء الله، هذا، وذهب إلى البيت وجد عنده نسخة، وعرضه للبيع يجوز أن تشتريه وإلا ما يجوز؟ ما يجوز أن تشتريه؛ وقصة عمر ظاهرة في هذا لأنك إن اشتريته منه رجعت بشيء من صدقتك، لكن هل له أن يوكل أحداً يشتريه، ويكون هذا الوكيل أسوة الزبائن؟
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
لا، لا المسألة الأخرى الذي تصدق بكتاب مثلاً، فعرضه صاحبه للبيع، احتاج قيمته فعرضه للبيع، قلنا لا يجوز له أن يشتريه مثل ما فعل عمر، نهي عن أن يشتري الفرس، نعم؛ لأن الوكيل حكمه حكم الأصيل.
هنا رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- رجلاً يسوق بدنة فقال: ((اركبها)) قال: إنها بدنة، قال: ((اركبها)) فرأيته راكباً يساير النبي -عليه الصلاة والسلام-.
اللبن، بدنة فيها لبن وتتضرر ببقائه فيها، له أن يحلب، فإن كان محتاجاً إليه فهو كالركوب، إن لم يحتج إليه فليبعه ويتصدق بقيمته.
أحسن الله إليك: أقول هذه البدنة هدي؟
هدي إيه.
أيش يدل على أنها هدي؟
بدنة، قوله بدنة، عرف.
البدنة تطلق على الهدي؟
عرف، عرف نعم تطلق على الهدي.
طالب. . . . . . . . .
في حكم البيع نعم، لا يجوز له أن يؤجرها في حكم البيع.
طالب. . . . . . . . .
عندك؟
طالب نعم.
أبش يقول؟
طالب: .... تعليق يا شيخ.
لكنه أضافها في الأصل، يعني لا توجد في النسخ، أضافها من فتح الباري، له أن يفعل مثل هذا؟
طالب: لا وضعها بين قوسين ووضع حاشية.
ما ينفع، ما ينفع أبداً، ولو رواها البخاري، الكلام على أصل، عندك كتاب ألفه صاحبه، يجوز أن تزيد عليه؟ زد في الحاشية ما شئت، أهل العلم يختلفون فيما إذا وجد الخطأ الذي لا يحتمل الصواب، هل لصاحبه لقارئه لمحققه أن يتصرف فيه ويصحح في الأصل؟ أو يثبته كما كان خطأ ويعلق في الحاشية؟
طالب. . . . . . . . .(29/22)
يعني عنده نسخة أصلية فيها هذا ما أشار إلى هذا، لا لا ما عنده شيء.
طالب:. . . . . . . . .
أيش المعنى سقط من الأصل؟ هل عنده نسخ من العمدة فيها هذا الكلام؟
يقول: أتممته من فتح الباري، ما قال أتمتته من نسخة كذا من نسخة كذا، إذن أدخل في الكتاب، هم متفقون على أنه إذا كان الخطأ في آية عليه أن يصحح، أما إذا كان الخطأ في كلام البشر، ولو كان حديث يرويه كما هو وينبه على الصواب، ومن أهل العلم من يرى أن له التصحيح وينبه على الخطأ في الحاشية.
لكن ما يفتح الباب على مصراعيه لمن تصدى، أي شخص يتصدى لأي كتاب يصحح ويزيد وينقص على حسب فهمه هو؛ لأنه قد يكون خطأ على حسب فهمك أنت، يأتي بعدك من يستقيم له المعنى، وكم من كتاب خرج محققاً وأثبت في الأصل كلام وقال المحقق كذا في الأصل، أو كذا في كذا، والصواب كذا، والصواب ما أثبته، نقول: لا الصواب ما في الحاشية، هذا كثير جداً، يعني لو فتح المجال للتصرف في الكتب مسخت الكتب، فتبقى الكتب كما هي على مراد مؤلفيها، ثم ينبه على الصواب، الحاشية ما حد يمنعك من أن تكتب ما شئت.
الطبعة الأخيرة، طبعة. . . . . . . . . الفاريابي لا بأس بها، لا بأس بها.
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئا" وقال: ((نحن نعطيه من عندنا)).
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أمرني النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أقوم على بدنه: تقدمت الإشارة إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نحر بيده الشريفة ثلاثاً وستين، وترك الباقي لعلي -رضي الله عنه- فنحرها.
أن أقوم على بدنه: أمرني، إذا قال الصحابي أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو نهاني فهو مرفوع بلا خلاف، بخلاف ما لو قال: أمرنا أو نهينا فالخلاف قائم، والجماهير على أنه مرفوع.(29/23)
وأن أتصدق بلحمها وجلودها: هذا الأصل في الهدي والأضاحي أن يتصدق بها، وأن يؤكل منها، وأن يهدى منها، {كُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [(36) سورة الحج]. وأوجب بعض اهل العلم الأكل؛ للأمر به، {كُلُوا} فلذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ببضعة من كل واحدة منها فطبخت فأكل منها وشرب من مرقها.
وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها: يجوز لصاحبها أن ينتفع بالجلد، لكن لا يجوز له أن يبيعها، ولا يجوز له أن يبع الجل، والجلال والأفضل أن يتصدق به.
وألا أعطي الجزار منها شيئاً: هذا إذا كان في مقابل الأجرة؛ لأنه إذا أعطى الجزار في مقابل الأجرة رجع بشيء منها، يكون قد رجع بشيء منها، وهو ما يقابل هذه الأجرة، لكن لو اتصف الجزار بوصف من يتصدق عليه بأن كان فقيراً وأعطي الأجرة كاملة وتصدق عليه كغيره من الفقراء فلا بأس.
طالب: أجلتها يا شيخ ... ؟
الجلال الذي يوضع عليها.
طالب: كساء؟
نعم، كساء يوضع عليها.
وألا أعطي الجزار منها شيء، وقال: ((نحن نعطيه من عندنا)) الأجرة يجب أن تكون من المؤجر. نعم؟
طالب. . . . . . . . .
يعني من غير أجرة لا بأس، لا بأس هي تترك لأي آخذ، الآن والناس يعيشون في رخاء يتركون هذه الأمور يتركون الرأس يتركون الألية، يتركون المقادم، يتركون أشياء كثيرة، بعضهم يترك ما حواه البطن ويقتصر على اللحم، هذا كله سببه عدم الحاجة إليه، والله المستعان.
عن زياد بن جبير قال: "رأيت ابن عمر قد أتى على رجل قد أناخ بدنته، فنحرها، فقال ابعثها قياما مقيدة؛ سنة محمد صلى الله عليه وسلم".
السنة بالنسبة للإبل أن تنحر قائمة واقفة، معقولة يدها اليسرى، تنحر نحراً، وموضع النحر في أصل العنق، تنحر قائمة؛ اتباعاً للسنة المؤيدة بالقرآن {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [(36) سورة الحج]، وجبت: يعني سقطت، وهل تسقط وهي باركة؟ لا. تسقط متى؟ إذا كانت قائمة، فالسنة في الإبل أن تنحر قائمة، وأما بالنسبة للبقر والغنم تذبح، تضجع على جنبها الأيسر يستقبل بها القبلة ثم تذبح ذبحاً، لكن لو عكس ذبح الإبل ونحر الغنم والبقر؟ جاز، لكنه خالف السنة، خالف السنة.
طالب. . . . . . . . .(29/24)
لا استقبال القبلة سواءً في الذبح أو في النحر كله سنة، كله سنة استقبال القبلة سنة.
رأى ابن عمر، أو قال زياد بن جبير: "رأيت ابن عمر قد أتى على رجلٍ قد أناخ بدنته ينحرها": لكن لو افترض أن شخص يشق عليه النحر، قال: لا أستطيع أن أنحرها حتى تكون باركة، نقول: له ذلك؛ لأن نحرها باركة لا يعدو أن يكون مكروهاً؛ والكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة.
فقال ابعثها قياماً مقيدة، يعني معقولة يدها اليسرى، وأيضاً مقيدة في رجليها، في رجليها القيد؛ لئلا تهيج عليه أو تهرب أو تحدث أضراراً له أو لغيره.
سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-: هذه السنة، وعرفنا أن الصحابي إذا قال: من السنة كذا، فهو مرفوع:
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصر ... على الصحيح وهو قول الأكثر
نأخذ سؤال وإلا.
نعم.
طالب. . . . . . . . .
القيد، الرجلين معاً أو يد مع رجل، المقصود أنها لا تتمكن من الهرب أو من الأذى.
طالب. . . . . . . . .
أيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
اليد اليسرى معقولة، اليد اليسرى معقولة، لكن القيد؟ لأنه بإمكانها أن تهرب بالثلاث.
طالب. . . . . . . . .
حكمه -إذا كان نفل- حكمه حكم الأضحية، إذا كان نفل.
طالب. . . . . . . . .
يؤكل منه ويتصدق ويهدى، إذا كان نفل أو كان هدي متعة وقران، بمعنى أنه هدي شكر، وليس بواجب بسبب محظور.
طالب. . . . . . . . .
نعم هم يقولون: فإن أكلها كلها إلا أوقية جاز، فإن أكلها ضمنها، يضمن الأوقية.
والنذر يا شيخ؟
النذر على حسب ما وقر في نفسه وقت النذر، إن كان نذره للفقراء والمساكين لا يجوز له أن يأكل.
طالب. . . . . . . . .
يضمن، يضمن جزءاً منها للمساكين، يضمن جزءاً منها للمساكين.
طالب: يغرم منها شيئاً يا شيخ؟
كيف؟
طالب: يغرم منها شيئاً؟
إذا أكلها كلها، يضمن للمساكين نصيبهم.
باقي وقت للأسئلة؟
يقول: من حج عن غيره -يعني متمتعاً أو قارناً ممن يلزمه الهدي- ونفذت نفقة الحج التي معه قبل أن يهدي، فمن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، الموكِل أو الموكَل؟(29/25)
الأصل الموكَل هو الذي يصوم، لا سيما إن حج بأجرة، على أن الحج لا يتجزأ من تولى بعضه يتولى الباقي، فمن حج عن غيره يلزمه أن يصوم عنه.
يقول: هل يجوز التحلل بفعل واحد من أفعال الحج؟
هذا عند جمع من أهل العلم، وهو مأخوذ من قول عمر -رضي الله عنه- أنه يتحلل بواحد، لكن جمهور أهل العلم على التحلل باثنين، فإذا رميت وحلقت فقد حللت.
هل كل من ساق الهدي يلزم بالتمتع؟ ولماذا؟
يُلزم بعدم التمتع، إنما له أن يقرن وله أن يفرد، والقران في حقه أفضل لفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب. . . . . . . . .
يمكن أيش المانع.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
إيه مسنون ساق هديه معه مسنون، يذبحه إذا بلغ محله يوم العيد؟ ولا يحل قبل ذلك.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
صورة حج القارن والمفرد لا فرق بينهما، لكن لو قال: أنا قرنت العام الماضي، وبا أفرد هذه السنة، تقول: لا بد أن تقرن؟! هو ونيته.
طالب: وأيش يكون الهدي يا شيخ؟
في حقه مسنون لا، ليس بواجب، نعم.
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك ...
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الغسل للمحرم:
عن عبد الله بن حنين أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، قال: فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري، فوجدته يغتسل بين القرنين، وهو يستتر بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك ابن عباس، يسألك: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغسل رأسه وهو محرم؟
فوضع أبو أيوب يده على الثوب، فطأطأه، حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان: اصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيته -صلى الله عليه وسلم- يفعل".
وفي رواية " فقال المسور لابن عباس: "لا أماريك بعدها أبدا".
"القرنان " العمودان اللذان تشد فيهما الخشبة التي تعلق عليها بكرة البئر".(29/26)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب الغسل للمحرم: يعني بعد تلبسه بالإحرام، وليس المراد بهذا الباب الغسل للإحرام، إنما بعد تلبس المحرم بالإحرام هل يغتسل أو لا يغتسل؟ هل يغسل رأسه أو لا يغسل رأسه؟ هذا هو سبب الإشكال الحاصل عند المسور حينما تمارى هو وابن عباس.
عن عبد الله بن حنين أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء: والأبواء مكان قريب من مستورة، قريب منها جداً بالأبواء.
فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه: ابن عباس يرى أن المحرم يغسل رأسه، والمسور يرى أنه لا يغسل رأسه، ما الذي أورد، أو أورث هذا الإشكال عند المسور؟
أن غسل الرأس مظنة لسقوط بعض الشعر، والمحرم ممنوع من حلق رأسه وما في حكم الحلق، من إسقاط الشعر أو بعضه.
فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه.
قال: فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري، وأبو أيوب من كبار الصحابة وخيارهم، ليكون مرجحاً؛ لأن كلاً من ابن عباس والمسور من الصحابة.
يقول: فوجدته -يقول عبد الله بن حنين-: فوجدته يغتسل بين القرنين، الآن الخلاف في الغسل أو في غسل الرأس؟
طالب: في غسل الرأس.
الخلاف في غسل الرأس.
أيها الأحبة في الله ما تبقى من مادة هذا الشريط تتابعونها في الشريط التالي ...(29/27)
عمدة الأحكام - كتاب الحج (5)
باب الغسل للمحرم- باب فسخ الحج إلى العمرة- باب المحرم يأكل من صيد حلال
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
يقول: فوجدته يقول-عبد الله بن حنين- فوجدته يغتسل بين القرنين، الآن الخلاف في الغسل أو في غسل الرأس؟
طالب:. . . . . . . . .
الخلاف في غسل الرأس، والترجمة: باب الغسل للمحرم، وما يخشى من سقوط الشعر في غسل الرأس يخشى من سقوطه من سائر البدن في الغسل، ولذا رأى المؤلف التعميم في الترجمة، المؤلف عمم الترجمة، لماذا؟ لأن حكم سائر البدن حكم الرأس عند الجمهور.
يقول عبد الله بن حنين: فوجدته -يعني أبا أيوب- يغتسل بين القرنين، والقرنان: هما العمودان اللذان هما على جانب البئر تشد فيهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة، عمودان إما مبنيان من اللبِن -من الحصى- مبنيان من الحصى، أو من الخشب، وهذا يوجد وذاك يوجد، المهم أنهما عمودان إما من الحصى أو من الخشب، ويكون فوقهما الخشبة التي تكون فيها البكرة، التي يستنبط بها الماء من البئر.
البكرة معروفة وإلا ما هي معروفة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يسمونها المحالة، نعم صحيح، يسمونها العوام محالة، البكرة التي يستنبط بها، وقد يقال لها: مكرة بالميم.
فالمقصود أنها معروفة وليست هي محل الفائدة من الحديث.
يقول: وهو يستتر بثوب: هذا من الأدب أن يستتر المغتسل ولو لم يكن بحضرة أحد، أما إذا كان بحضرة أحد يجب عليه أن يستتر، يستر عورته.
وهو يستتر بثوب فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين، سلمت عليه، هل رد السلام أو ما رد؟ هل في الخبر ما يدل على رد السلام؟ وهل معنى هذا أن المغتسل إذا سلم عليه لا يرد السلام؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .(30/1)
نعم جاء في الأدلة ما يدل على وجوب الرد، النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءته أم هانئ وهو يغتسل -أم هانئ بنت أبي طالب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت إليه وهو يغتسل فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فسأل عنها فقالت: أم هانئ، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولم ينقل عنه أنه قال: وعليك السلام يا أم هانئ، فهل يكتفى بمثل هذا في رد السلام؟ يعني إذا قال شخص: السلام عليكم، تقول له: مرحباً، يكفي؟
ما نقل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد السلام على أم هانئ، إنما قال: ((مرحباً بأم هانئ)) هل نقول: أنه لم ينقل من قبل الرواة اكتفاءً بثبوته في نصوص أخرى، وعلى هذا يجب رد السلام بمثله على الأقل؟ {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] هل نقول: أن مرحباً أفضل من وعليكم السلام؟ نعم.
بلا شك، إذن كيف اكتفى -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((مرحباً بأم هانئ))؟ الرواة ما نقلوا، والاحتمال الأقوى أنهم اكتفوا بما ورد من النصوص التي فيها الأمر برد السلام، ولذا رد السلام عند أهل العلم واجب، من أهل العلم من يرى أخذاً من هذا الحديث أن كلمة مرحباً تجزئ في رد السلام.
فسلمت عليه فقال: من هذا: لا نأخذ من هذا أن المغتسل لا يرد السلام، يرد، نعم الذي يقضي الحاجة لا يرد السلام؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، والمكان غير مناسب لرد السلام. نعم.
طالب. . . . . . . . .
أيش هيه؟
طالب. . . . . . . . .
من؟
طالب. . . . . . . . .
لا، أبو أيوب، المكان طاهر، مكان غسل ما هو مكان قضاء حاجة، هذا مكان غسل وليس بمكان قضاء حاجة، هو طاهر، والغسل مزاولة عبادة ما هو، نعم ما في ما في ما يمنع من رد السلام.
طالب. . . . . . . . .
جاء في الخبر النهي عن البول في المستحم، وجاء التعليل بأن عامة الوسواس منه، لكن الخبر فيه كلام كونه يشترك المكان لقضاء الحاجة والاغتسال أو الوضوء هذا لا شك أنه يعرض الإنسان لأن يصله شيء من النجاسة، وإن لم يصله شيء من النجاسة ما يسلم من الوسواس، الأصل أن مكان قضاء الحاجة مستقل عن مكان الوضوء، ومكان الغسل.(30/2)
فسلمت عليه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك ابن عباس، يسألك: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغسل رأسه وهو محرم؟: فأجابه أبو أيوب بالقول أو بالفعل؟ بالفعل، وهو أبلغ، وهو أبلغ.
فوضع أبو أيوب يده على الثوب، فطأطأه -خفضه وأنزله عن مستوى رأسه- حتى بدا لي رأسه، ظهر رأس أبي أيوب وهو يغتسل.
ثم قال لإنسان يصب عليه الماء: في هذا جواز إعانة المغتسل والمتوضئ.
اصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه: حرك رأسه بيديه، المقصود حرك الرأس وإلا الشعر؟ المقصود شعر الرأس، حرك شعر رأسه، ليس المعنى أنه حرك الرأس باليدين، هز رأسه بيديه، لا، إنما حرك الشعر هكذا لأي شيء؟ لكي يصل الماء إلى أصول الشعر، يحركه.
ثم أقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيته -صلى الله عليه وسلم- يفعل".
وجاء في وصف وضوءه -عليه الصلاة والسلام- في مسح الرأس، أنه أقبل بيديه وأدبر، بدأ من مقدم رأسه، واضح وإلا ما هو بواضح؟ أقبل بيديه وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، وهنا قال: أقبل بهما وأدبر، مقتضى أقبل وأدبر أنه بدأ من مؤخر الرأس، مقتضى ذلك أنه أقبل ثم أدبر، أنه بدأ من مؤخر الرأس، لكن الرواية في صفة الوضوء بدأ بمقدم رأسه، ولذا نقول أن الواو لا تقتضي الترتيب، هذا الكلام أقبل وأدبر لا يعني أن الإقبال قبل الإدبار؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب.
ابن دقيق العيد في الوضوء يقول: الإقبال والإدبار أمر نسبي، بمعنى أقبل بهما إلى قفاه وأدبر بهما عن قفاه؛ لكي تلتئم الروايات، لكن هذا فيه تكلف، أقول ما يسلم من تكلف هذا الكلام؛ لأن الإقبال واضح ظاهر، والإدبار –أيضاً- واضح وظاهر، فأولى ما يقال أن الواو لا تقتضي الترتيب، وهذه الرواية مجملة فسرها قوله: بدأ بمقدم رأسه.
ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل: العوام لهم طرق في كيفية مسح الرأس من باب الاحتياط، وكيفية حك الرأس إذا احتاج إلى حك، نعم، بعضهم إذا احتاج إلى الحك بطرف إصبعه يضربه هكذا؛ يخشى أن يقع منه شيء!! إذا احتيج إلى الحك يحك الرأس أيش المانع، إذا احتيج إلى تنظيفه ينظف، لكن يراعى مسألة سقوط الشعر.
طالب. . . . . . . . .(30/3)
يكد لكن برفق، كد، الحاجة إليه، إذا تشعث يكد، يعني يسرح، لكن برفق بحيث لا يؤدي ذلك إلى سقوط شيء من الشعر، إن سقط شيء من غير قصد هذا أمره ميسور إن شاء الله تعالى.
وفي رواية فقال المسور لابن عباس: لا أماريك بعدها أبداً: لا أجادلك ولا أخالفك، ابن عباس معروف أنه من فقهاء الصحابة، المسور نقل عنه بعض المسائل الفقهية لكن ما هو مثل ابن عباس، ليس مثل ابن عباس.
المضطرين مثلك ومثل هذا من أجل أن ننهي القدر الباقي إن شاء الله تعالى.
باب فسخ الحج إلى العمرة:
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي، غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلحة، وقدم علي من اليمن، فقال: أهللت بما أهل به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه: أن يجعلوها عمرة، فيطوفوا ثم يقصروا ويحلوا، إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر؟
فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت، وحاضت عائشة، فنسكت المناسك كلها، غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت وطافت بالبيت قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحج فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر: بأن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج}.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب فسخ الحج إلى العمرة: الفسخ: معناه قلب النية ممن أحرم بالحج وحده أو أحرم به مع العمرة معاً يفسخ كلاً منهما إلى العمرة -إلى الأكمل-، فمن أحرم بالحج الأفضل له أن يفسخ هذه النية إلى العمرة، ومن أحرم بهما معاً ولم يسق الهدي الأفضل له أن يقلب النية من الحج المقرون بالعمرة إلى العمرة؛ لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يجعلوها عمرة.
والأمر الأصل فيه الوجوب، الأمر الأصل فيه الوجوب، وقد قال بوجوب الفسخ ابن عباس -رضي الله عنهما- وابن حزم ورجحه ابن القيم، أن من أحرم بهما معاً وليس معه هدي يجب عليه أن يفسخ إحرامه ويجعلها عمرة؛ لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام-.(30/4)
وجماهير أهل العلم على أن الفسخ سنة، وليس بواجب، ومن أهل العلم من يرى أن الفسخ والأمر به وتغيير النية خاص بالصحابة في تلك الحجة، لكن جاء ما يدل على الخصوصية وفيه كلام لا يثبته الإمام أحمد وغيره الخبر، وأصح منه قول سراقة ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بل لأبد الأبد)) فدل على عدم الخصوصية، فمن أهل بهما معاً يفسخ نسكه ويجعلها عمرة، فإذا انتهى من أفعالها أهلَّ بالحج، لكن إن ضاق عليه الوقت ولم يستطع أن يؤدي العمرة إلا بفوات الحج فلا مانع من أن يدخل الحج على العمرة فيصير قارناً، ومثله لو حاضت المرأة وضاق عليها الوقت بحيث لا تتمكن من أداء العمرة كعائشة تدخل الحج على عمرتها فتصير قارنة.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالحج، وظاهره أنه حج مفرد، وظاهره أنه حج مفرد، وجاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج مفرداً، وسبق الجواب عن ذلك، لكن من أهل العلم من يرى أنه أهل بالحج مفرداً في أول الأمر ثم قيل له بعد ذلك: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: "حجة بعمرة": يعني أقرن بينهما.
وليس مع أحد منهم هدي غير النبي –عليه الصلاة والسلام-: عرفنا سابقاً أنه ساق الهدي من ذي الحليفة، وطلحة بن عبيد الله.
وقدم علي من اليمن، فقال: أهللت بما أهل به النبي –عليه الصلاة والسلام-: وسبق الكلام فيمن أهل بمثل ما أهل به فلان، والاحتمالات التي أوردناها بالأمس من احتمال كونه لا يجد فلان الذي أهل بمثل ما أهل به، واحتمال أن يكون فلان لم يحج في هذه السنة، ماذا يصنع؟ يقلبه إلى أفضل الأنساك، نعم؟
فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه: أن يجعلوها عمرة، فيطوفوا ثم يقصروا ويحلوا، إلا من كان معه الهدي، يطوفوا ثم يقصروا ويحلوا، ما فيه ويسعوا؟ فيه وإلا ما فيه؟ يعني يكفي أن يطوف المعتمر ويقصر ويحل، أو لا بد من السعي؟ لا بد من السعي، وهو ركن من أركان الحج والعمرة، وقيل بوجوبه، لكن المتجه أنه ركن.(30/5)
لم يذكر هنا السعي، أو ذكر بما يشمله مع الطواف فيطوفوا، يعني بالبيت وبين الصفا والمروة، فالطواف أعم من الطواف بالبيت فقط، هذا اللفظ: فيطوفوا: يتناول الطواف بالبيت ويتناول أيضاً الطواف بين الصفا والمروة، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة]، فالسعي طواف؟ ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي، إلا من كان معه الهدي.
فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر؟: استبعاد، جاءوا للنسك وتلبسوا بالنسك ومن مقتضيات هذا النسك اعتزال النساء، وبعد ذلك يقال لهم: حلوا الحل كله، استبعدوا فقالوا مثل هذا الكلام، ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر؟!
فبلغ ذلك النبي –عليه الصلاة والسلام- فقال: مبالغة وتأكيد في أن ما أمرهم به أفضل: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت)): فهذا يدل على تفضيل التمتع على القران.
وحاضت عائشة، فنسكت المناسك كلها؛ لأمره -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعل الحاجّ، غير ألا تطوفي بالبيت)): تأثرت لما حاضت، طمأنها النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: ((إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) يطمئنها.
فنسكت المناسك كلها: هذا التعميم يدخل فيه السعي أو ما يدخل؟ نعم، يعني هل للحائض أن تصل إلى المسعى وتسعى ولا يبقى عليها إلا الطواف؟ نعم؟
طالب: ظاهره كذا.
الظاهر كذلك، لا سيما والمسعى ليس من البيت، إلا على قول من يشترط للسعي تقدم الطواف؛ جمع من أهل العلم يرون أن السعي لا يصح إلا بعد طواف ولو مسنون، المعتمد عند الحنابلة وغيرهم، هذا بالنسبة للسعي، ظاهر، لكن هل يتجه قول من يقول: أن الحائض تقرأ القرآن من هذا الكلام، من هذا التعميم، أو فيه بُعد؟ نعم، نسكت المناسك، ((افعلي ما يفعل الحاج)) الحاج يقرأ قرآن، نعم، ليس من أعمال المناسك، وإن استدل به بعضهم لكنه بعيد، بعيد جداً، استدلالٌ بعيد جداً.
فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت؛ لأنه قال لها: ((غير ألا تطوفي بالبيت))، والحائض لا تطوف بالبيت مهما كان ظرفها، ومهما ترتب على فعلها.(30/6)
شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أورد احتمالات، قال: "هذه الحائض إما أن ترجع -والمسألة مفترضة في امرأة جاءت من بعيد- إما أن ترجع إلى بلدها بغير طواف، أو تجلس وتحبس الرفقة ويتضررون، ثم جاء بالتيسير، والمشقة تجلب التيسير.
نعم المشقة تجلب التيسير، لكن كيف تجلب مثل هذا التيسير، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟ ))؟!
هذا دليل على أن الحائض تحبس الرفقة، نحن نقول: لا، لا تحبس الرفقة يمشون، تطوف ويمشون! الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟ )) على ما سيأتي، دليل على أن الحائض تحبس الرفقة، وأيش المانع، ركن من أركان الإسلام لا بد من إكماله، والطواف ركن من أركان هذا الركن.
طالب:. . . . . . . . .
تجلس وتطوف أو تذهب وترجع؟ هذا ركن من أركان ركن من أركان الإسلام.
طالب:. . . . . . . . .
ترجع ما ترجع الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟ )) دليل على أيش؟ على أنها تحبس، أيش المانع، نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
لا، لا ما يقبل التوكيل، لا، تذهب وترجع، تجلس، المقصود أنها لا بد أن تطوف.
طالب. . . . . . . . .
من طافت وهي حائض، الكلام على وضعها هي ومن أفتاها، هل أفتاها من تبرأ الذمة بتقليده، أو اجتهاد منها؟ أخذت بفتوى من تبرأ الذمة بتقليده يتحمل يتحمل.
طالب. . . . . . . . .
لا، وقوعها تقع، ما عندنا إشكال أنها تقع، يعني يفترض أن هذه المرأة وقومها من أقصى المشرق أو من أقصى المغرب، وعندهم تحديد وورائهم متابعة من قبل .. ، مسألة إقامة محددة وكذا وطيران والمشقة حاصلة، لكن مهما كانت المشقة والرسول يقول: ((أحابستنا هي؟ )) يعني نص في الباب، ما في اجتهاد مع هذا النص.
طالب. . . . . . . . .
هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى- لكن ((أحابستنا هي؟ )) نص في الباب كيف نجتهد مع وجود هذا النص؟ يعني القائل شيخ الإسلام، وشيخ الإسلام شيخ الإسلام ما أحد يماريه في إمامته، لكن لا اجتهاد مع مثل هذا النص.(30/7)
غير أنها لم تطف بالبيت، فلما طهرت طافت بالبيت قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحج؟: عائشة -نوع النسك الذي أدته ظاهر هذا الكلام أنها، أنها أيش؟ أنطلق بحج، مفردة، ويؤيده قوله في بعض الروايات: ((ارفضي عمرتك)) لكن الذي دلت عليه النصوص أنها كانت قارنة- إذن كيف تنطلق بحج؟
نعم؛ لأن القارن صورة عمله مثل صورة المفرد، ((ارفضي عمرتك)) المستقلة، أما العمرة الداخلة في الحج، الحج القارن موجودة.
طالب. . . . . . . . .
مستقلة، إيه، مثل هذا لا بد من رفضه، لا بد من رفضه وإدخال الحج عليه إذا حاضت وهي في مكة.
طالب. . . . . . . . .
سواء، أبداً في الصورة ما في فرق.
فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر: أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج}: أمر عبد الرحمن بن أبي بكر: أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج، وفي هذا دليل على جواز إنشاء العمرة من مكة، جواز إنشاء العمرة من مكة، ومع وجود مثل هذا الدليل لا ينبغي أن ينازع فيه، كونه جبر لخاطرها ... هذا تشريع عام، حكمه على الواحد حكمه على الجميع -عليه الصلاة والسلام- لكن إذا سئل عن الأفضل أو عدمه، مسألة ثانية، يعني هل يخرج المكي ويؤدي عمرة، أو الآفاقي الذي جاء وأدى عمرة، هل يخرج ثانية وثالثة، أو يمكث في البيت يطوف ويصلي ويتلو القرآن؟ مسألة أخرى، لكن كون الإنسان في مكة ويخرج لإنشاء عمرة ثانية ما الذي يمنع؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمرها من التنعيم.
أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت: دل على أن عمرة المكي من الحل، ولذا أمر أخاها أن يعمرها، أن يخرج بها إلى التنعيم -مع أنه -عليه الصلاة والسلام- مع صحابته الكرام في الانتظار في انتظارها- فعمرة أو إحرام، عمرة المكي من الحل، وعلى هذا جماهير أهل العلم، وعلى هذا يكون قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حتى أهل مكة من مكة)) خاص بالحج ما الذي أخرج العمرة؟ هذا النص.
المقصود الذي ينشئ من مكة -عمرته من مكة- لا بد أن يخرج إلى الحل، أما الحج فلا يحتاج إلى أن يخرج إلى الحل.
فاعتمرت بعد الحج.
الحديث الذي يليه.
طالب. . . . . . . . .(30/8)
لو استقبلت: تمني من النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا تمني خير، لا يدخل فيما جاء في (لو) أنها تفتح عمل الشيطان.
طالب. . . . . . . . .
هو ينتظر مع صحابته، ليش ما في مشقة؟
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
ما الذي يدل على أنه ما فيه اضطرار؟
طالب. . . . . . . . .
سيأتي، غضبه -عليه الصلاة والسلام- لمن حاضت بعد ذلك فقال: ((أحابستنا هي؟ عقرى حلقى)) هذا ما فيه مشقة؟
أحسن الله إليك.
عائشة على هذا ما هو نسكها؟
كيف؟
عائشة؟
نسكها، نسكها القران، ثم بعد ذلك جاءت بعمرة مفردة ليرتاح خاطرها، لتكون مثل بقية الصحابة جاءوا بعمرة مفردة وحج مفرد.
طالب. . . . . . . . .
لكن عندنا هذا أصل، أصل قائم برأسه، أصل، لكن كونه أفضل أو ما هو بأفضل مسألة ثانية، نقول: ليس من هدي السلف أنهم كرروا وفعلوا، لكن عندنا أصل يعمل به من يخرج من مكة ويأتي بعمرة، يكفي هذا في التشريع، لكن مسألة كونه أفضل من غيره مسألة أخرى، المفاضلة تأتي.
طالب. . . . . . . . .
من اليمن جاء، على حسب علمه، هذا جابر على حسب علمه.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "قدمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نقول: لبيك بالحج، فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلناها عمرة".
هذا كسابقه، فيه الأمر بفسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي، نعم.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه صبيحة رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: ((الحل كله)).
وهذا أيضاً فيه ما تقدم من الأمر بفسخ الحج إلى العمرة، وأنهم يحلون الحل كله بين النسكين، ولا مانع من أن يذهب أحدهم إلى منى وقد قارف زوجته على ما تقدم، نعم.
وعن عروة بن الزبير قال: "سئل أسامة بن زيد -وأنا جالس- كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير حين دفع؟ فقال: كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص". "العنق " انبساط السير. و" النص " فوق ذلك.(30/9)
عن عروة بن الزبير -رضي الله عنهما- قال: سئل أسامة بن زيد: حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وابن حبه، وكان رديفه في الانصراف من عرفة إلى مزدلفة.
سئل أسامة بن زيد –وأنا جالس- كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير حين دفع، يعني من عرفة إلى مزدلفة؟ قال: كان يسير العنق.
العنق: ضرب من السير، انبساط وفيه شيء من التأني، وهذا هو الأصل في الأمور كلها، حتى في الأمور التي يظن أنها محل للعجلة والخفة كالجهاد، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعلي، حين بعثه إلى خيبر قال: ((امض على رسلك)) الرفق لا يأتي إلا بالخير.
كان -عليه الصلاة والسلام- يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، أسرع قليلاً؛ لأن السير على الدابة فيه شيء من المشقة عليه وعلى أصحابه، السير على الدواب فيه مشقة، فائدة النص هذا اليسير يسرع قليلاً؛ لكي يرتاح من عناء الركوب على الدابة، الذي حكمه حكم السفر، والسفر قطعة من العذاب.
فيسير العنق: هذا هو الأصل في سيره -عليه الصلاة والسلام- لا سيما في الزحام، وإذا وجد فجوة -فرجة متسع- يسرع قليلاً؛ ليرتاح من عناء الركوب ويريح أصحابه -عليه الصلاة والسلام- وهذا بخلاف ما عليه الناس اليوم.
كلكم شاهدتم ما يحصل بعد النفير من عرفة، من تصرفات من سرعة وطيش، من حوادث ورفع أصوات، وأحياناً مضاربة، يحصل مضاربة أحياناً والحوادث كثيرة، كل هذا مخالف لهديه عليه الصلاة والسلام.
هل في الحديث ما يدل على السرعة إذا كان الطريق خالياً؟ إذا وجد فجوة نص؛ لأن بعض الناس يستدل بهذا، يمشي مائة وخمسين ومائة وستين ومائة وثمانين ويقول: الرسول -الطريق فاضي- إذا وجد فجوة نص؟، كمقدار النص، نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .(30/10)
هو يذكر عن الشيخ وعن غيره أيضاً، يذكر عن الشيخ وعن غيره، لكن الآثار المترتبة على هذه السرعة يأتي أمور ويطرأ أمور لا يحسب لها حساب، نعم، إما من نفس المركبة التي يركبها، أو من إنسان يخرج عليه وهو لم يحسب له حساب، المقصود أن الخطر وارد، فليس فيه دليل نعم، النص فوق العنق، يعني يفترض أنه إذا كان الزحام تمشي أربعين خمسين نعم إذا وجدت فرجة زد، لا بأس لكن ما تصل إلى حد يضر بك أو بغيرك، الله المستعان، وهذه عامة الناس وهو جالس بالأرض يقرر كلام نظري، لكن إذا ركب السيارة تغير وضعه، نعم، الناس في الطرقات إذا وقفوا ثم مرت السيارات بسرعة اندهش، كيف الناس يسرعون هذه السرعة؟ يدهش، لكن مجرد ما يركب سيارته يتقدمهم، الكلام النظري سهل، لكن الكلام على التطبيق، من يملك، وهي عادة الإنسان على ما تعود، الإنسان على ما تعود، السرعة في السير، السرعة في الحركة، السرعة في جميع التصرفات عادة، السرعة في القراءة عادة، بعض الناس يتمنى أن يتريث ويترسل ويرتل ويتدبر لكن ما اعتاد ذلك، يبدأ بالسورة على أساس أنه يتدبر، ثم لا يدري إلا وقد انتهت السورة، فهو على ما اعتاد، فعلى الإنسان أن يوطن نفسه على الرفق والهدوء في جميع أموره، والرفق لا يأتي إلا بخير.
والله المستعان، نعم.
طالب: أحسن الله إليك، سؤال: العمدة أوسع من البلوغ.
كيف؟
يقول: هذا الحديث بعض الأحاديث ليست في بلوغ المرام؟
يعني في العمدة ما ليس في البلوغ، وفي البلوغ وهو أكثر ما ليس في العمدة.
باب حكم تقديم الرمي والنحر والحلق والإفاضة بعضها على بعض:
الترجمة هذه ليست من أصل الكتاب، الترجمة ليست من أصل الكتاب نعم، وضعها الشارح.
ذكر في الحاشية.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع، فجعلوا يسألونه، فقال: رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: ((اذبح ولا حرج))، وقال الآخرة: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي؟ فقال: ((ارم ولا حرج))، فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)).
ابن عمر، ابن عمر، أيش اللي عندك؟
ابن عمرو؟(30/11)
يقول: نبه عليه في فتح الباري، يقول الشيخ ابن بسام: يقول: والحق أنه كما وضعناه عبد الله بن عمرو بن العاص كما نبه على ذلك الحافظ في فتح الباري.
لكن الكلام على أصل الكتاب، وهذا يأتي فيه ما سبق من التصرف في الكتب، يورد كما هو، وينبه على الصواب في الحاشية، الكلام على ما في أصل الكتاب.
يعني يثبت وضع المؤلف؟
يثبت كما في الأصل.
طالب: وينبه على الخطأ
وينبه على الخطأ.
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع يوم العيد، فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح: والأصل أن يذبح قبل أن يحلق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأ لما وصل إلى منى بالرمي، ثم بعد ذلك النحر، ثم بعد ذلك الحلق، ثم الطواف، على هذا الترتيب.
لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح: قال: ((اذبح ولا حرج)) وقال الآخر: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، فقال: ((ارم ولا حرج)): تقديم هذه الأعمال التي هي من أعمال يوم النحر، الرمي، النحر، الحلق، الطواف، تقديم بعضها على بعض من هذا الحديث ((افعل ولا حرج)) لا بأس به، لكن هل هو مقيد بالنسيان، والجهل؟ أو أنه رخصة حتى لمن عرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رتب هكذا وقال: ((خذوا عني مناسككم)) نعم.
إذن قوله لم أشعر.
طالب. . . . . . . . .
نعم، هذا واقع السائل، هذا واقع السائل، وقوله ((ولا حرج)) يوحي بأن هذا أمر عام، يؤيد ذلك القاعدة العامة، ما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) هذه القاعدة تتناول الجاهل والناسي والعامد والذاكر، ما سئل عن شيء يومئذ قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) نعم.
الحديث الذي يليه.
طالب. . . . . . . . .
السعي والطواف، تقديم السعي على الطواف يدخل في القاعدة العامة، وفيه أيضاً الحديث الخاص، حديث أسامة بن شريك نعم، "سعيت قبل أن أطوف" قال: ((افعل ولا حرج))، لكن هل هذا على إطلاقه في كل سعي وطواف، أو ما كان من أعمال يوم النحر، خاص بيوم النحر؟
يعني لو جاء المعتمر فقال: سعيت قبل أن أطوف، نقول افعل ولا حرج؟ أو نقول رتب، نعم.
طالب. . . . . . . . .(30/12)
يعني لو لم يرد إلا هذا الحديث العام قلنا هذا في يوم النحر خاص، لكن الذي قال سعيت قبل أن أطوف، قال: ((افعل ولا حرج))، فدل على أن التقديم والتأخير بالنسبة للطواف والسعي كغيره، وهذا يفيد العموم، يعني لو لم يرد إلا ما سئل ذلك اليوم لقلنا خاص بأعمال النحر.
طالب. . . . . . . . .
إيه، ((خذوا عني مناسككم)) وهذه الأعمال التي حصلت.
طالب. . . . . . . . .
لو لم يرد النص الخاص، نعم، لو لم يرد النص الخاص في تقديم السعي على الطواف لحصل التعارض بين ما سئل عن شيء قدم ولا أخر -بين عمومه المتناول للسعي-؛ لأنه يتناوله بعمومه، والتناول بالعموم ما هو مثل التناول بالخصوص، التناول بالخصوص أقوى، فيتعارض هذا العموم مع عموم قوله: ((خذوا عني مناسككم)) فيحصل التقابل، لكن ورد ما يخصص -ما يدل على تقديم السعي على الطواف بخصوصه- فيتجه هذا لا سيما من حصل منه جهل أو نسيان، أو سأل بعدما حصل، أما إذا سأل قبل حصوله نقول له طف، طف قبل أن تسعى، النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف قبل أن يسعى.
طالب. . . . . . . . .
هذا ما فيه إشكال، ما سئل عن شيء قدم من عرفة أو من مزدلفة، سهل، المشقة تجلب التيسير، ومثل هذه المشقة الشديدة تجعل الأمر في سعة لا سيما وقد جاء الترخيص بذلك نعم.
طالب. . . . . . . . .
ذكرنا سابقاً أن أهل العلم يقولون: لا بد أن يقع السعي بعد طواف، ومنهم من يشترط الموالاة بينهما؛ لأنه حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- هكذا بالموالاة، طاف صلى الركعتين ذهب إلى الصفا مباشرة، لكن لو كان هناك مبرر للفصل، تعب في المطاف ثم أراد أن يرتاح ثم يستأنف، هذا لا مانع، لا مانع إن شاء الله تعالى، نعم.
طالب. . . . . . . . .
بالنسبة لأيش؟
طالب. . . . . . . . .
أي مسجد، تقصد المسجد الحرام، هو الذي تترتب فيه أحكام.
طالب. . . . . . . . .
لا، لا له معالم، المسجد له معالم، له معالم لكن حده من جهة المسعى المسعى، المسعى خارج المسجد.
طالب. . . . . . . . .
المسعى، المسعى وادي، المسعى وادي.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .(30/13)
المسعى نفسه خارج الحرم، وكان بين المسعى والحرم محلات -دكاكين، بيع وشراء- بين المسعى والمسجد، لا، لا إلى الآن لم يدخل المسعى في المسجد، بدليل تصور وضعه الآن، شوف الخارطة كيف، هل المسجد محيط بالمسعى؟ المسعى في جهة ممتد في جهة والمسجد في جهة أخرى.
طالب. . . . . . . . .
هذه إذا اتصلت الصوف فلا بأس، يعني حكمها حكم الشوارع، إذا اتصلت الصوف لا بأس، لكن إذا لم تتصل الصفوف .. خارج المسجد.
طالب. . . . . . . . .
طافت أيش؟ أيش هيه؟
طالب. . . . . . . . .
فصلنا مسألة الحائض أنه لا يجوز لها أن تطوف بحال، ولو حبست، ولو انحبست مهما ترتب على بقائها؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما سيأتي يقول: ((أحابستنا هي؟ )) دل على أنها تحبس الرفقة.
نعم الذي يليه.
باب كيف ترمى جمرة العقبة:
عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي {أنه حج مع ابن مسعود، فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات فجعل البيت عن يساره، ومنىً عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صلى الله عليه وسلم}.
اللهم صلِّ على محمد.
كيف ترمى الجمرة، جمرة العقبة؟: الاتفاق حاصل على أنها إذا رميت ووقع الحصى في مكان الرمي أنه يجزئ من أي جهة كانت، لكن السنة كما قال ابن مسعود: جعل البيت عن يساره ومنىً عن يمينه هكذا البيت ومنى هنا، استقبل الجمرة فرماها بسبع حصيات، هذا من فعله الموقوف عليه، المؤيد بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة وهو النبي عليه الصلاة والسلام".
هكذا السنة ترمى جمرة العقبة على هذه الطريقة، فتجعل منىً عن اليمين والبيت عن اليسار وتستقبل، فترمى بسبع حصيات متعاقبة، يكبر مع كل حصاة، وفي هذا جواز -كما قال أهل العلم- إطلاق سورة البقرة، سورة النساء، سورة النحل، وهكذا، ولا يلزم أن يقال السورة التي تذكر فيها البقرة، السورة التي تذكر فيها النساء، وهكذا، وإن قال به بعض السلف.
أحسن الله إليكم، يكون وجه الرامي شرقاً؟
الآن منى في أي الجهات؟
عن يمينه جهة الجنوب.
الجنوب، والبيت جهة الشمال عن يساره، والغرب من خلفه، إذن تكون جهته جهة الشرق، نعم.
طالب. . . . . . . . .(30/14)
إيه المناسبة؛ لأن أكثر أحكام المناسك مذكورة في سورة البقرة، ولعظمها ينص عليها، نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
جاء في بعض الروايات ما سئل في ذلك اليوم، أنا أقول لو القصد هذه القاعدة، لو لم يرد سوى هذه القاعدة عمومها يتناول تقديم السعي على الطواف، لكنه معارض بعموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم)) يبقى تعارض عموم مع عموم، ممكن كون ترجيح أحدهما على الآخر، لكن يبقى أن كونه جاء نص يخص تقديم السعي على الطواف يقوي عموم ما سئل عن شيء في ذلك اليوم قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)).
طالب. . . . . . . . .
لا، هذا وقوف أيش؟ وقوف للرمي ما هو وقوف للدعاء، هذا وقوف الرمي، نعم.
باب فضل الحلق وجواز التقصير:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: ((اللهم ارحم المحلقين))، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: ((والمقصرين)).
يعني ما يتعلق بالحلق والتقصير هذا يدل على أن الحلق، وهو استئصال الشعر من أصوله أفضل من التقصير، أفضل من التقصير؛ لأن فيه الدعاء للمحلقين ثلاثاً وفي النهاية قال: ((والمقصرين)) لكن قد يكون التقصير أفضل متى؟ في التمتع، إذا لم يكن بين الحج والعمرة مدة كافية لنبات الشعر.
وفي هذا دليل أيضاً على أن الحلق والتقصير نسك، خلافاً لمن يقول أنه إطلاق من محظور وليس بنسك، يعني مثل لبس الثوب، والصواب أنه نسك؛ لأنه رتب عليه ثواب.
فقال: ((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: والمقصرين ... إلى آخره: والحلق أو التقصير واجب من واجبات الحج والعمرة، والعمرة يلزم أهل العلم من تركه بدم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كانت صفر تقصير، ما دام يبقى تبقى الأصول فهو تقصير، إذا بقيت الأصول فهو تقصير نعم.
طالب. . . . . . . . .(30/15)
يعني الأخذ، أخذ شيء يسير من جهة واحدة، على كل حال المذاهب معروفة -مذاهب أهل العلم- يكفي ثلاث شعرات عند بعضهم، يكفي ربع الرأس عند بعضهم، نعم، لكن مقتضى الإطلاق هنا ((والمقصرين))، يقتضي أنه تقصير لجميع الشعر، وعلى هذا يقصر من مجموع الشعر، ولا يلزم أن يكون من كل شعرة بعينها، لكن المجموع يكفي، نعم.
طالب. . . . . . . . .
من فعل هذا وقد اقتدى بإمام، أو فعل وهو جاهل ولم ينبه نرجو ألا بأس إن شاء الله.
طالب. . . . . . . . .
ما دام في مكانه يؤمر به نعم.
طالب. . . . . . . . .
في النسكين العام، نعم لا العام.
تفضل، تفضل
طالب. . . . . . . . .
وين؟
طالب. . . . . . . . .
تقول: اللهم صلِّ على محمد.
طالب. . . . . . . . .
هذا زيادة، زيادة زيادة، لكن في غير هذا الموضع، امتثال الأمر في آية الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] يتم بقولك: صلى الله عليه وسلم، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، يتم بالجمع بين الصلاة والسلام، إن أفرد السلام دون الصلاة أو العكس أطلق بعضهم الكراهة، وخص الأكثر الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، إذا زدنا على ذلك فلا نقتصر على الآل، فإذا قلنا وآله لا بد أن نقول وصحبه، لماذا؟
لأن الاقتصار على الآل صار شعاراً لبعض المبتدعة، كما أن الاقتصار على الصحب دون الآل شعاراً لقوم آخرين من أهل البدع، فإذا زدنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: وعلى آله وصحبه، لنخالف المبتدعة كلهم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
الآل إن عطف عليه الصحب فالمراد به أزواجه وذريته كما جاء في الحديث، وإن أفردوا فالمراد بهم أتباعه، لكن التنصيص على الصحب مخالفةً للمبتدعة فهو متعين، مسلك عند أهل السنة منهج، مخالفة أهل البدع. نعم.
طالب. . . . . . . . .
هذه زيادة، زيادة منهم من يثبتها باعتبار أنها زيادة من ثقة، ومنهم من يحكم عليها بالشذوذ، لكن لا مانع من قولها.
باب طواف الإفاضة والواداع:(30/16)
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "حججنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض، فقال: ((أحابستنا هي؟ )) فقالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: ((اخرجوا)). وفي لفظ: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((عقرى، حلقى، أطافت يوم النحر؟ )) قيل: نعم. قال: ((فانفري)).
نعم حديث عائشة
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض".
الحديث الأول عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
طالب. . . . . . . . .
نعم النساء ليس عليهن حلق، وإنما عليهن التقصير، من كل ضفيرة قدر أنملة، كما قرر أهل العلم.
طالب. . . . . . . . .
ما يلزم قدر أنملة، لكن هذا تحديد من أهل العلم لينضبط؛ لأنه لو ترك زاد بعضهن زيادة وبعضهن نقص، فمن باب الضبط فقط.
الحديث تقول عائشة -رضي الله عنها-: "حججنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأفضنا يوم النحر، المراد: طفنا طواف الإفاضة يوم النحر، فحاضت صفية فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض، فقال: ((أحابستنا هي؟ )).
قالوا: يا رسول الله، إنها قد أفاضت يوم النحر، قال: ((اخرجوا)): فهذا دليل على أن الحائض تحبس الرفقة، وهو نص في الباب لا يقابل بأي اجتهاد.
وفي لفظ: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: يريد صفية ((عقرى، حلقى))، دعاءً عليها بأن يصيبها الله -سبحانه وتعالى- في حلقها، دعاء عليها، هذه لما حاضت دعا عليها، مثل هذا الأسلوب بعض أهل العلم يقول: أنه لا يراد الدعاء، وإنما يقال في مثل هذه المناسبة من غير قصد للدعاء، مثل: ((تربت يمينك))، نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .(30/17)
مثل ثكلتك أمك، المقصود أن مثل هذه الأدعية لا يراد بها حقيقة الدعاء، لكن قد يقول قائل: لما حاضت عائشة وتأثرت، طمأنها النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال لها: ((إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) يسليها بذلك، ولما حاضت صفية قال: ((عقرى حلقى)) ما سبب التفريق؟ هل هذا فيه ما يدل على جواز تفضيل بعض النساء على بعض؟ في مثل هذه المعاملة، وإلا المعاملة القلبية مفروغ منها، كون بعضهن أحب من بعض هذا شيء مفروغ منه، نعم.
طالب. . . . . . . . .
نعم، بخلاف حيض صفية، عائشة -رضي الله عنها- حاضت قبل الدخول بمكة، وهناك متسع من الوقت، تطهر فيه قبل أن يرجعوا، وحينئذ لا تتسبب في تأخيرهم وحبسهم، أما حيض صفية فإن حبستهم فسببه تفريطها، لماذا لم تطف مع صواحبها، فإذا حاضت ولم تطف مع صواحبها تسببت في تأخيرهم، فرق بين امرأة تحيض مع عدم الحاجة إليها، في رجوعهم، وبين من تحيض في وقت هم محتاجون إلى الرجوع فيه، ولذا اختلف الأسلوب، هذا سبب اختلاف أسلوبه -عليه الصلاة والسلام- حينما سلى عائشة وحينما قال لصفية: ((عقرى حلقى)) قد يتبادر إلى بعض الأذهان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عامل عائشة معاملة تختلف عن معاملة صفية، لكن مرده ما ذكرنا، أن حيض عائشة لا يتسبب في تأخيرهم، بخلاف حيض صفية، والحيض كتبه الله على بنات آدم، سواءً كان سبباً في التأخير أو لم يكن سبباً، لكن الطباع البشرية كلها، النفوس مجبولة على حب ما يواكب ويناسب ويمشي مع مصالحها، وأيضاً كراهية ما يعارض إراداتهم ولو كان شيئاً جبلياً.
طالب. . . . . . . . .
لا، هو إذا نظرت إلى المسألة يعني نظرة عابرة من دون تأمل، كيف قال لهذه هذا شيء، يسليها، ((هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) ويقول لهذه: ((عقرى حلقى)) سببه ما نص عليه: ((أحابستنا هي؟ )) نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
أيش فيه، يأتي هذا الذي بعده حديث طواف الوداع.
نعم.
طالب. . . . . . . . .
طافت، حاضت قبل.
طالب. . . . . . . . .
يعني مثل هنا، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض.(30/18)
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يطوف على نسائه فكونه يريد واحدة لا يؤثر على الثانية؛ لأنه سوف يطوف عليها أو قد طاف عليها قبل ذلك، المقصود أنه من خصائصه أنه يطوف على نسائه في اليوم الواحد.
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض": أمر الناس: والآمر من هو؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر الناس، وحذف الفاعل للعلم به، وهذا هو الأصل في مسائل الشرع، أن الآمر والناهي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا قال الصحابي أمرنا أو نهينا فهو مرفوع.
أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت: متى أمروا؟ بعد حجة الوداع؟، أن يكون آخر عهدهم بالبيت، يكون آخر عهدهم بالبيت، الصلاة؟ يمرون البيت يصلون ويمشون؟ آخر عهدهم بالبيت أيش؟
طالب: الطواف.
الطواف، كما صرح به في بعض الروايات، فلا يكفي أن يأتي البيت فيصلي ويمشي، لا يكفي أن يأتي البيت يشرب ويمشي، لا يكفي أن يأتي البيت ويقرأ القرآن ويمشي، لا، لا بد أن يكون آخر عهده بالبيت الطواف، ولذا كان آخر العهد بالبيت لا بالمسجد، والعبادة المتعلقة بالبيت هي الطواف، وجاء مصرحاً به في بعض الروايات، والأمر هذا إنما جاء في حجة الوداع، ولم يأمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- في عُمَرِه كلها، ولذا المرجح عند جمع من أهل العلم بل عند أكثر العلماء أن طواف الوداع إنما يجب على الحاج دون المعتمر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر أكثر من مرة ولم يأمرهم بوداع؛ ولأن عائشة اعتمرت بعد حجها ولم تؤمر بوداع.
المقصود أن المسألة لا تسلم من خلاف، وطواف الوداع واجب بدليل التخفيف عن الحائض، ومن أهل العلم من يقول أنه سنة بدليل التخفيف على الحائض؛ إذ لو كان واجباً لما خفف عنها كغيرها، بل تنتظر لكن الصواب أنه واجب يأثم بتركه، ويلزمه أهل العلم بالدم إذا تركه، لكن هذا خاص بالحج دون العمرة.
الدليل يا شيخ أحسن الله إليك؟
طالب. . . . . . . . .
يطوف طواف الوداع ما صار آخر عهده بالبيت، صار آخر عهده بالمسعى، يطوف للوداع.
طالب. . . . . . . . .(30/19)
أنت الآن تقول: يؤخر الطواف والسعي معاً، طواف الحج، ثم يطوف للحج ويسعى ويمشي، هل هذا آخر عهد بالبيت؟ يعني لو طاف للوداع، أخر رمي الجمرة في آخر يوم ثم ذهب وطاف للوداع ورجع ورمى الجمرة ومشى، يكون آخر عهده بالبيت وإلا بالجمرة؟
طالب: بالجمرة.
بالجمرة، إذا طاف للإفاضة، وقلنا إن العبادات تتداخل يدخل في طواف الوداع، ثم سعى بعده آخر عهده بالبيت وإلا بالمسعى؟ آخر عهده بالمسعى، فالأصل ألا يجزئ مثل هذا عن طواف الوداع، لكن المشقة تجلب التيسير، بعض أهل العلم يقول: إذا كان هناك سعة وأمكن أن ترجع لتطوف للوداع وإلا يرجى أن يكفي -إن شاء الله تعالى- هنا مشقة عظيمة، مشقة هائلة.
طالب. . . . . . . . .
في آخره، لا بأس أيش المانع.
طالب. . . . . . . . .
هذا تقدم الخلاف في أشهر الحج، هل المراد شوال والقعدة والحجة كامل، أو ذي الحجة العشر الأول منه، خلاف معروف عند أهل العلم، مالك يرى أنه شهر كامل وغيره يقولون إن هي إلا عشر، نعم.
أحسن الله إليك: التخفيف عن الحائض، إلا أنه خفف عن الحائض.
يدل على يعني لا تطوف.
طالب: نعم خشية من تلويث؟
من أن تحبس، يتضرر أصحابها بحسبها إياهم.
لكن أيضاً ما يتعلق بتلويث المسجد؟
تلويث المسجد، هذا سهل يمكن القضاء عليه، لكن سببه أن الحائض لا يصح منها الطواف.
طالب: من أجل الطهارة؟
نعم من أجل الطهارة، شرط عند جمع من أهل العلم، لكن يبقى أن الحائض فيها نص، يعني لو اختلفنا في الطهارة في الحدث الأصغر، لا ينبغي أن يختلف في مثل الحيض.
باب وجوب المبيت بمنى:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى؛ من أجل سقايته، فأذن له".
نعم المبيت بمنى من واجبات الحج، ومن أدلة الوجوب كون النبي -عليه الصلاة والسلام- بات بمنى وقال: ((خذوا عني مناسككم))، وكونه أيضاً رخص للسقاة والرعاة أيضاً قي ترك المبيت، فدل على أن غيرهم يلزمه المبيت، والمبيت بمنى هذا القول الوسط فيه -أنه من واجبات الحج-.
من أهل العلم من يرى أنه سنة، ومنهم من يرى أنه ركن، لا يصح الحج إلا به، لكن القول الوسط في هذه المسألة أنه من واجبات الحج.(30/20)
والمقصود بالمبيت بالليل، يعني لو ترك منى بالنهار لا يلزمه شيء، ولو ترك الميبت كله لزمه، يلزمه أهل العلم بما يلزم من ترك نسكاً؛ لأن المبيت من النسك.
ورخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى، لماذا؟ من أجل السقاية، يسقون الحاج، وهذا عمل ورثوه، توارثوه بنو عبد المطلب كابراً عن كابر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن ينزل فيسقي، فخشي -عليه الصلاة والسلام- أن يغلبوا على السقاية، كل يريد أن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فهذا مما اختص به بنو عبد المطلب، وانتقل منه إلى العباس لا إلى غيره من إخوانه، نعم.
طالب. . . . . . . . .
ما في مانع.، الرصيف من منى، يصدق عليه أنه بات بمنى أيش المانع؟
على كل حال إذا لم يجد مكان ووجد أن مبيته بالرصيف يعرضه للتلف، المقصود أن المشقة تجلب التيسير، إذا لم يجد مكان فالعلماء يفتونه بأن يبيت في غير منى لا باس.
نعم.
طالب. . . . . . . . .
المهم المقصود أن المطلوب المبيت بمنى فإذا بات بمزدلفة، خرج عن منى يخرج لأي مكان، ما في فرق.
باب جمع المغرب والعشاء في مزدلفة:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع، لكل واحدة منهما إقامة، ولم يسبح بينهما، ولا على أثر واحدة منهما".
عنه يعني عن عبد الله بن عمر راوي الحديث السابق أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين المغرب والعشاء، بجمع: يعني بمزدلفة، كما جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، قبل دخوله عرفه؛ ليتوفر له الوقت، ولكونه أيسر لهذه الجموع، يجعل جمع اسم من أسماء المزدلفة؛ لأنه يجتمع الناس فيها.
يجعل لكل واحدة منهما إقامة: يعني يجمع بين الصلاتين بإقامتين، ولم يتعرض هنا لذكر الأذان، فالأذان واحد، كما جاء في حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- بأذان واحد وإقامتين، وجاء في بعض الأحاديث أنه أذان لكل صلاة وإقامة لكل صلاة، المقصود أن المرجح عند أهل العلم أنه يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، يقيم لكل واحدة منهما.(30/21)
ولم يسبح: يعني لم يتنفل بينهما، بين المغرب والعشاء، ولا على إثر واحدة منهما: ولا بعد العشاء يعني لا بعد المغرب ولا بعد العشاء، لماذا؟ لأن هذه الرواتب تسقط في السفر، هذه الرواتب تسقط في السفر، لكن هل صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الوتر ليلة جمع؟
جاء ما يدل على أنه نام حتى أصبح، نام حتى أصبح، في حديث جابر وغيره، هذا يستدل به من يقول بأن تلك الليلة لا صلاة فيها لا قيام ليل ولا وتر ولا نوافل ولا شيء إنما هو صلاة المغرب ثم العشاء ثم النوم.
لكن هل يتم الاستدلال بقوله -عليه الصلاة والسلام- نام حتى أصبح أنه لا وتر، مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يترك الوتر سفراً ولا حضراً كركعتي الصبح؟؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لم يتركها هذا الأصل، يبقى النص الذي معنا نام حتى أصبح، يعتريه من الاحتمالات ما يعتريه، أولاً: هذا على حد علم الراوي، وهل سبر الراوي حال النبي -عليه الصلاة والسلام- سبراً تاماً؟ صلى ثم نام حتى أصبح، أمر ونهى ورخص وفعل في تلك الليلة نعم، ولا يمنع أن يكون أوتر وخفي وتره على الراوي، وبعض الناس يسهر تلك الليلة كل الليل في القيل والقال، إذا جاء الوتر قال النبي نام حتى أصبح! ما وجد ما يقتدي به إلا هذا، والله المستعان!!
طالب. . . . . . . . .
قيامه الطويل المعهود الذي يقرأ في الركعة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، ما صلاها؛ لأن هذا لن يخفى على الراوي. نعم.
طالب. . . . . . . . .
بلا شك؛ لما أمامه من أعمال يوم النحر.
طالب:. . . . . . . . .
إذا نام غالب الليل، إذا رد، إذا صد عن مزدلفة نعم، محصور نعم.
طالب. . . . . . . . .
كيف؟
طالب. . . . . . . . .
أيش فيها؟
طالب. . . . . . . . .
يعني هل الجمع هذا سببه السفر أو سببه النسك؟ إذا كان سببه السفر فلا يجمعون؛ لأنهم غير مسافرين، وإذا كان سببه النسك فإنهم يجمعون، والجمهور على أن السبب السفر، السبب السفر، رأي الحنفية أن سببه النسك فيجمع كل من حج، وكان شيخ الإسلام يستروح إلى هذا -يميل إليه- على كل حال الأحوط في مثل هذا ألا يجمع إلا المسافر لأنه أحوط لصلاته، نعم.
طالب. . . . . . . . .(30/22)
رمي الجمرات، معروف أن الرمي في يوم النحر هو تحية منى وهو أول الأعمال، وهل يجوز قبل طلوع الشمس، قبل طلوع الصبح أو بعد؟ أو لا بد أن يكون بعد طلوع الشمس؟
المسألة خلافية بين أهل العلم، الأحوط أن يقع بعد طلوع الشمس، لكن إن وقع قبل ذلك فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-؛ لأن سبب الترخيص في الانصراف من مزدلفة قبل الصبح يتناول هذا أيضاً.
في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر جماهير أهل العلم على أن الرمي إنما يكون بعد الزوال؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى بعد الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)).
طالب. . . . . . . . .
ويرميها كلها في آخر يوم؟
طالب. . . . . . . . .
عند الحنابلة يجوز له ذلك، وهو أداء أيضاً، وهو أداء وليس بقضاء، لكن عمله -عليه الصلاة والسلام- وترتيبه وتوقيته وجعل كل يوم بيومه في وقت محدد، وقوله: ((خذوا عني مناسككم)) يجعل هذا الأمر في إطار المنع إلا للضرورة القصوى يمكن أن يؤخذ بالرأي الثاني، فالمشقة تجلب التيسير، نعم.
طالب. . . . . . . . .
إيه،
طالب. . . . . . . . .
الجميع، الجميع نسك واحد، المبيت كله نسك واحد، فإذا ترك المبيت ثلاث ليالي يلزمه دم، إذا ترك واحدة يتبعض نعم.
طالب. . . . . . . . .
يعيد، يعيد، نعم.
طالب. . . . . . . . .
يرمي، الصغرى ثم الكبرى ثم العقبة عن اليوم الأول، ثم يرجع، وهكذا الثاني والثالث؟
طالب. . . . . . . . .
الحاجة الحاجة الشديدة، الحاجة.
طالب. . . . . . . . .
هذا المتنفل، السبحة النافلة، الصلاة نعم، صلاة النفل، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
لا، لا ليست هذا، مع أن أذكار المغرب إذا جمعت مع العشاء يفوت محلها.
طالب. . . . . . . . .
لا، الثاني هو يسبح، أما أنه يذكر، فالأذكار سهل انتهى، نعم، المقصود بالسبحة هنا النافلة.
نكمل باقي حديثين.
باب المحرم يأكل من صيد الحلال:(30/23)
عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج حاجاً فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم -فيهم أبو قتادة- وقال: ((خذوا ساحل البحر حتى نلتقي))، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم، إلا أبا قتادة، لم يحرم، فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر، فعقر منها أتانا، فنزلنا وأكلنا من لحمها، ثم قلنا: أنأكل من لحم صيد، ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها فأدركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألناه عن ذلك؟ فقال: ((منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ )) قالوا: لا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فكلوا ما بقي من لحمها))، وفي رواية: ((هل معكم منه شيء؟ )) فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكل منها، أو فأكلها".
وعن الصعب بن جثامة الليثي -رضي الله عنه- أنه أهدى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً، -وهو بالأبواء، أو بودان- فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم))، وفي لفظ لمسلم "رِجْل حمار" وفي لفظ "شق حمار" وفي لفظ "عجز حمار".
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "وجه هذا الحديث أنه ظن أنه صيد لأجله، والمحرم لا يأكل ما صيد لأجله".
المحرم ممنوع من الصيد، فلا يجوز له الاصطياد.
في حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج حاجاً فخرجوا معه، فصرف طائفة منهم فيهم أبو قتادة -الذي هو راوي الحديث-.
فيهم أبو قتادة، المتكلم من هو؟ هو نفسه، كيف قال فيهم أبو قتادة؟ يقول: وأنا فيهم، هذا الأصل؟
فيهم أبو قتادة هذا الأسلوب يسمى أيش؟ ماذا يسمى؟ نعم
طالب:. . . . . . . . .
تجريد، تجريد أيش معنى تجريد؟ يجرد المتكلم من نفسه شخصاً يتحدث عنه، عن سعد -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطاً وسعد جالس، ما قال وأنا جالس، هذا يسمونه أيش؟ تجريد، عن أبي قتادة وفيهم أبو قتادة، يجرد المتكلم من نفسه شخصاً يتحدث عنه.
وقال: ((خذوا ساحل البحر حتى نلتقي)): أحرموا وإلا ما أحرموا؟ أبو قتادة محرم وإلا غير محرم؟ غير محرم.(30/24)
((حتى نلتقي)): فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا يعني بعد ذلك أحرموا، فلما انصرفوا أحرموا كلهم، إلا أبا قتادة لم يحرم: أبو قتادة لم يحرم، فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر، فعقر منها أتاناً، أنثى الحمار يقال لها الأتان، أو حمار وحشي مخطط.
وأكلنا من لحمها: أكل أصحابه وهم محرمون، كون أبي قتادة يصيد الأتان ويعقرها ويأكل منها، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ لا إشكال؛ لأنه ليس بمحرم وليس بالحرم، الإشكال في صحبه المحرمين، ولذا استشكل أكلنا من لحمها ثم قلنا: أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون؟!: هل يحسن الاستشكال بعد الأكل أو قبله؟ نعم، قبل، الاستشكال قبل الأكل، لكن لعل الدافع إلى الأكل إما شدة الحاجة، أو الذهول والنسيان، يرد هذا.
فحملنا ما بقي من لحمها فأدركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألناه عن ذلك؟ فقال: ((منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ )): يعني الإعانة، إعانة الحلال على الصيد من قبل المحرم تحرمه من هذا الصيد، قالوا: لا.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فكلوا ما بقي من لحمها))؛ لأنه لم يصده محرم، ولم يصد من أجله.
وفي رواية: ((هل معكم منه شيء؟ )) فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكلها، أكلها لماذا؟ لأنه -عليه الصلاة والسلام- لم يقم باصطيادها ولم تصد من أجله.
الحديث الثاني: حديث الصعب بن جثامة الليثي -رضي الله عنه- أنه أهدى إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- حماراً وحشياً، أو رجل حمار أو شق حمار أو عجز حمار -وهو بالأبواء أو بودان- فرده عليه: أكل من صيد أبي قتادة، ورد على الصعب بن جثامة هذا الحمار أو شق الحمار.(30/25)
فلما رأى ما في وجهه -عليه الصلاة والسلام- جبر خاطره فقال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)): إلا أنا محرمون، وهذا محمول، يعني لما أعطاه أبو قتادة، لما أكل من صيد أبي قتادة هل كان محرم أو غير محرم؟ محرم، كيف رد على الصعب، أو جبر خاطر الصعب بن جثامة: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم))؟؛ لأنه نعم استشف من حاله أنه صاده من أجله؛ لا سيما إذا كان الحمار بكامله فالقرينة قوية على أنه صاده من أجله، ولذا قال: أهدى حماراً وحشياً، قرينة إذا كان بكماله أنه صاده من أجله.
وفي لفظ "رجل حمار" وفي لفظ "شق حمار" وفي لفظ "عجز حمار".
قال المصنف: –يعني للتوفيق بين الحديثين-: "وجه هذا الحديث أنه ظن أنه صيد لأجله، يعني غلب على ظنه أن الصعب إنما صاده من أجله -عليه الصلاة والسلام- فتركه، وأبو قتادة لم يصده من أجله فأكل منه، والمحرم لا يأكل ما صيد لأجله"، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.(30/26)
عمدة الأحكام - كتاب البيوع (1)
شرح حديث: (البيعان بالخيار .. ) وباب ما نهي عنه من البيوع ...
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فموضوع الدرس كما لا يخفى في أحاديث البيوع، من كتاب عمدة الأحكام، يمثل الربع الثاني من أرباع الأحكام.
والكتاب في أحاديث الأحكام؛ لأن كتب الأحكام سواءً كانت فقهية أو حديثية، بنيت على أربعة أرباع، الربع الأول: للعبادات، والثاني: للمعاملات، والثالث: للأنكحة، وما يتعلق بها، مما يسميه المتأخرون الأحوال الشخصية، والربع الرابع: في الأقضية والجنايات، على هذا يبني أهل العلم كتب الأحكام، سواءً كانت فقهية أو حديثية.
والكتاب مختصر، من المتون المختصرة التي دونت في العصور المتوسطة، قد كان التدوين عند أهل الحديث مبني على الإسناد، وذكر الطرق للأحاديث، تنوعت المؤلفات عند المتقدمين، وإن كان يجمعها ما ذكرت، من ذكر الأسانيد والطرق، وإن تنوعت أهداف أربابها وأصحابها.
فمما ألف عند المتقدمين: الجوامع التي تجمع ما يحتاج إليه المسلم في جميع أبواب الدين، كالبخاري ومسلم وجامع أبي عيسى الترمذي، وغيرها من الجوامع التي تجمع أبواب الدين مرتبة، ومنها المصنفات والسنن، والموطأت، وهذه متقاربة في ترتيبها، إلا أن السنن عمدتها الأحاديث المرفوعة، والمصنفات يكثر مؤلفوها من ذكر الموقوفات والآثار، إضافة إلى ذكر ما يحتاج إليه من المرفوع.
وأما الموطأت ففيها شوب من السنن والمصنفات، فيكثر فيها المؤلف من ذكر أقواله هو، كموطأ الإمام مالك.(31/1)
كتب الأحكام صورة مصغرة للسنن؛ لأن الهمم قد قصرت وفترت عن التطاول على الكتب المسندة، المشتملة على المكررات، وضعفت الهمم فاحتج الناس إلى الاختصار، فحذفوا الأسانيد والتكرار، من أجل أن يحفظ طلاب العلم ما يستطيعون حفظه من هذه الكتب، استمر الناس على هذه المختصرات حفظاً ودراسة، إقراءً وقراءة، دراسة وتدريساً، حتى دب اليأس إلى قلوب كثير من المتعلمين بالنسبة لحفظ الكتب المسندة لاعتمادهم وتوارثهم هذه الجواد المطروقة عند أهل العلم من المتون المشتهرة عند أهل العلم في كل فن من الفنون، ومن ذلكم الحديث.
فصار يندر أن يذكر في ترجمة عالم من أهل العلم أن يقال: حفظ البخاري أو مسلم أو سنن أبي داود أو الترمذي، فضلاً عن مسند أحمد.
انبعثت الهمم من جديد فصار الناس يحفظون، ووجدوا الأمر ليس بالمستحيل، فوجد في العصور المتأخرة من يحفظ الكتب الستة بأسانيدها وتكرارها، على كل حال احتيج إلى هذه المؤلفات المختصرة لما ضعفت الهمم، وعرفنا أن كتب أحاديث الأحكام صورة مختصرة للسنن، والسنن تأتي في الدرجة الثانية بعد الصحاح، كما قرره أهل العلم، وهي فوق المسانيد التي رتبها مؤلفوها على أسماء الصحابة من الرواة، والسبب في ذلكم أن صاحب السنن يترجم بحكم شرعي ويستدل له بأقوى ما يجد في الباب، بخلاف صاحب المسند فإنه يترجم بصحابي، أحاديث أبو بكر، أحاديث عمر، أحاديث عثمان -رضي الله عن الجميع-، أحاديث علي، وهكذا، فهو يحشد تحت هذه الترجمة ما يقف عليه من أحاديث، أو ما يصله من أحاديث هذا الراوي، من أحاديث هذا الصحابي، ولا يحتاط مثل احتياط من يترجم بحكم شرعي، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر السنن:
ودونها في رتبة ما جعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا
كمسند الطيالسي وأحمد ... وعده للدارمي انتقد
على كل حال تقسيم هذه الكتب وتبويبها على الأحكام يعني أنها مبنية على الأرباع الأربعة التي سبق أن أشرنا إليها.(31/2)
وعمدة الأحكام إذا أطلقت انصرفت إلى الصغرى، كما أن سنن النسائي إذا أطلقت انصرفت إلى الصغرى أيضاً، وإلا فالحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي -رحمة الله عليه- له كبرى وصغرى، وعناية أهل العلم بالصغرى؛ لأنه اقتصر فيها على شرطه، وهو أن يكون الحديث مخرجاً في الصحيحين، وإن كان شرطه قد اختل نادراً، لكنه اختل غفلة وذهولاً، فلا تجد في ترجمة من تراجم أهل العلم في القرن السابع والثامن والتاسع إلى يومنا هذا إلا ويقال في ترجمة هذا العالم: حفظ عمدة الأحكام، بعد أن حفظ القرآن حفظ المتون المطروقة التي منها عمدة الأحكام، ولما اتفق الإخوان على أن يكون الشرح لأحاديث البيوع من عمدة الأحكام، ما تم الاستفصال هل المراد الكبرى أو الصغرى؟ لأنه عند الإطلاق ينصرف إلى الصغرى.
وقد أحضرت الكبرى معي لنذكر الزائد من الكبرى على الصغرى، وإن لم نسترسل في شرحه؛ ليكون طالب العلم على بينة.
فنبدأ، سم.
أحسن الله إليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
هناك تنبيه يسأل عنه كثيراً بالنسبة لكتب الأحكام أجودها لا شك في أن أصحها عمدة الأحكام؛ لأن مؤلفه اشترط أن يكون من أحاديث الصحيحين، هذا أصحها، ويوجد في غير العمدة ما لا يوجد فيها من أحاديث السنن والبيهقي والدارقطني والمسند غيرها، كما في بلوغ المرام والمحرر والمنتقى وغيرها، فمن أراد أن يقتصر على الصحيح فعليه بالعمدة، مع أنه لا يستغني عن الكتب الأخرى في أحاديث الأحكام كالمحرر والبلوغ، وإن أسعفته الحافظة وعلت به الهمة إلى حفظ المنتقى فهو أجود؛ لأن فيه أربعة آلاف حديث، العمدة لا تصل إلى الثمن من هذا المقدار، يعني أقل من خمسمائة حديث، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: كتاب البيوع:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً، أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)).(31/3)
وعن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال:
ما عندك "وفي معناه"؟ وما في معناه من حديث حكيم بن حزام؟
طالب: النسخة التي عندي تختلف، أنا اطلعت على نسخة أخرى فيها ما ذكرت.
على كل حال العمدة طبعت طبعات كثيرة، طبعت ضمن مجموعة الحديث النجدية مراراً في الهند وفي مصر وفي غيرها، طبعت في المنار في مصر، وطبعت في مطابع كثيرة؛ لأن لها قبول عند أهل العلم، وهذه النسخ يوجد في بعضها ما لا يوجد في البعض، ثم طبعت أخيراً، وادعى طابعوها أنهم قابلوها على نسخ، لكن من أجود طبعات الكتاب طبعة الشيخ أحمد شاكر؛ لأنه طبع الكتاب ضمن مجموع ضم ألفية العراقي والتدمرية لشيخ الإسلام، والعمدة، نعم.
على كل حال في بعض النسخ: "وفي معناه من حديث حكيم بن حزام" وهو .. ، إلى آخره.
"وعن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو قال: ((حتى يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) ".
شرح حديث: (البيعان بالخيار):
نعم هذا الحديث الأول من أحاديث البيوع، والثاني، والكتاب: مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، ويجع على كُتب، وأصل المادة للجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، ويقال لجماعة الخيل: كتيبة، والكلام في هذه المادة مكرور، ذكر في مناسبات كثيرة.
والبيوع جمع بيع، وهو مصدر باع يبيع بيعاً، والبيع يشمل النوع الواحد والأنواع، إلا أنه جمع هنا لتعدد أنواعه، وإن كان البيع المصدر يشمل الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة، كما أنهم جمعوا الماء على مياه، وهو اسم جنس تدخل فيه جميع أنواع الماء، لكنهم لاحظوا فيه تعدد الأنواع فجمعوا.
مصدر باع يبيع، منهم من يقول: إنه مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه للآخر لإبرام الصفقة أولاً، ولذا سميت صفقة، ولأخذ المشتري السلعة والبائع القيمة، كل واحد منهما يمد باعه، وعرفنا أن البيع مصدر، وهل يمكن أن يؤخذ المصدر من غيره، أو المصدر هو الأصل الذي تشتق منه؟ نعم، المصدر أصل وإلا فرع؟ أصل.
. . . . . . . . . ... وكونه أصلاً لهذين انتخب(31/4)
كيف يقولون: مأخوذ من الباع؟ والأصل مصدر يؤخذ منه ولا يؤخذ هو من غيره؟ يمكن؟
طالب: كونه يطلق على اليد وهي أصل.
الباع يطلق على اليد، لكن البيع؟ قلنا: إن البيع مصدر، والمصدر أصل لجميع المشتقات، والأصل يؤخذ منه، يقول ابن مالك:
. . . . . . . . . ... وكونه أصلاً لهذين انتخب
يعني للفعل والمشتق، هو الأصل عند البصريين، وإن كان الكوفيون يرون أن الأصل الفعل.
على كل حال النقل أو إيجاد هذا اللفظ للدلالة على العقد هو مجرد نقل وليس اشتقاق، وليس من باب الاشتقاق، نضير ما يقال في لفظ الجلالة (الله) هل هو مشتق أو جامد؟ جمع غفير من أهل العلم يقولون: مشتق، يستدرك عليهم بأن الله -سبحانه وتعالى- سابق على كل شيء فمما اشتق؟ يقال: إن هذا من حيث الأوزان والأبنية العربية مشتق، وإن كان الله -سبحانه وتعالى- واللفظ علم على الذات الإلهية لم يسبقه شيء.
البيع عرف بأنه: مبادلة مال بمال، قالوا: ولو في الذمة، أو منفعة مباحة، على سبيل التمليك، والبيع له شروط لا يصح بدونها، وفيه شروط، له شروط وفيه شروط، وفرق بين شروط البيع والشروط في البيع، ويأتي التنبيه عليها من خلال الأحاديث اللاحقة.
شرح حديث: (إذا تبايع الرجلان .. ):
" عن عبد الله بن عمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا تبايع الرجلان)) "(31/5)
وفي حكم الرجال كل من هو جائز التصرف من امرأة ونحوها، كصبي مميز فيما يسوغ له التصرف فيه، والعبد فيما وكل إليه التصرف فيه، رجلان خرج مخرج الغالب، وإلا فالنساء مثله، الحكم واحد، ((إذا تبايع الرجلان)) التبايع والمبايعة من المفاعلة، تكون من طرفين، تكون من طرفين، فإذا وجد العقد من الطرفين ((فكل واحد منهما بالخيار)) له أن يختار أحد النظرين من إمضاء البيع أو فسخه، وهذا هو معنى الخيار ((ما لم يتفرقا)) بأبدانهما في قول أكثر العلماء، وهو ظاهر الحديث، وإن قال مالك والحنفية: إن المراد التفرق بالأقوال، الظاهر من اللفظ يدل على أن المراد التفرق بالأبدان، ((وكانا جميعاً)) يعني في مكان واحد، هذا دليل على ثبوت خيار المجلس، وهو كالصريح في الدلالة له، وما يجيب به من لا يرى خيار المجلس كالمالكية والحنفية هي مجرد شبه لا ترقى لمعارضة مثل هذا الخبر الصحيح، فهم يحملون التفرق على التفرق بالأقوال، ويقولون -المالكية على وجه الخصوص- يقولون: إنه خلاف عمل أهل المدينة، وعمل أهل المدينة عندهم حجة، ومالك قد روى الحديث، شدد بعضهم في حق الإمام مالك -رحمة الله عليه-، حتى قال ابن أبي ذئب: ينبغي أن يستتاب مالك، يعني لا مندوحة له عن العمل بهذا الحديث، فكيف يحمله على التفرق بالأقوال؟ نعم لو لم يرد من طريقه لقلنا خفي عليه الحديث، لكن ورد الحديث من طريق مالك.
كيف يسمى المتعاقدان بيعان؟ وكيف يتم التبايع ما لم يتم العقد بالإيجاب والقبول؟
معنى الحديث عند المالكية والحنفية: ((إذا تبايع الرجلان)) يعني تساوم ((فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)) يعني بالأقوال، فإذا تفرقا بالأقوال فقد وجب البيع، إذا قال البائع: بعت، وقال المشتري: اشتريت، تفرقا بالأقوال، لكن هل يظهر من السياق أو من دلالة اللفظ ما يؤيد هذا القول؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- احتج بعمل أهل المدينة، وأن عملهم على خلاف هذا الحديث.(31/6)
ابن عمر وجمع غفير من الصحابة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، وابن المسيب والزهري وهما من كبار فقهاء المدينة فهموا من التفرق أنه التفرق بالأبدان، فكيف يقال: إنه خلاف عمل أهل المدينة؟ ولو قدر أن أهل المدينة قاطبة خالفوا العمل بالحديث، يلتفت إليهم؟ مع وجود النص الصحيح المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا حجة بقول أحد، فالسنة تقضي على غيرها، ولا يقضى عليها بغيرها، ودعوى تأويل الحديث أن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال، نقول: لم يحصل بيع حتى ينظر في هذا التفرق، وإنما يتم البيع ويسمى كل من العاقدين بيعين أو متبايعين إنما يسمى إذا تم الإيجاب والقبول.
ابن عمر فهم من الحديث التفرق بالأبدان، ولذا كان -رضي الله عنهما- يمشي خطوات لكي يقطع الطريق على البائع في حالة ما إذا كان مشترياً، أو على المشتري في حالة ما إذا كان بائعاً، يقطع عليه الطريق الموصل إلى الخيار، ويأتي النهي عن مثل هذا العمل، لكن ابن عمر لم يبلغه هذا النهي، هذا المظنون به -رضي الله عنه وأرضاه-، يهمنا أن ابن عمر فهم أن المراد بالتفرق هو التفرق بالأبدان، وليس المراد به التفرق بالأقوال، ولذا لكل من العاقدين المتبايعين الخيار، وما يسميه أهل العلم خيار المجلس، ما داما في مكانهما، وكانا جميعاً كما جاء في الحديث، والتفرق أمر نسبي، فإذا قام كل واحد عن الآخر مولياً إياه دبره، فقد حصل التفرق، وإن كان في بيت فخروج أحدهما تفرق، وإن كان البيت ذا أدوار فطلوع أحدهما أو نزول أحدهما إلى دور آخر يسمى تفرق، وإن لم يخرجا عن البيت، إذا كانا في برية فإذا قام أحدهما وترك المجلس فإنه يعد تفرقاً، وحينئذ يلزم البيع، وليس لأحدهما مندوحة، وليس لأحدهما إبطال البيع إلا بالإقالة.
هذا نوع من أنواع الخيار خيار المجلس.(31/7)
النوع الثاني: أو يخير أحدهما الآخر بإسكان الراء، وهو المعروف بخيار الشرط، إذا اشترط أحدهما الخيار، أو اشترط أحدهما على ألا خيار له أو لغيره، فالأمر حينئذ لا يعدوهما، لو اشترط البائع أن له خيار ثلاثاً له ذلك، اشترط المشتري له خيار ثلاثاً له ذلك دون صاحبه، اشترط أحدهما على ألا خيار له من الآن يثبت البيع قبل التفرق، ويبقى الخيار لصاحبه، خيار المجلس، إذا اتفقا على ألا خيار لأحدهما من تمام العقد الأمر لا يعدوهما، ((فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)) يعني لزم، وحينئذ تترتب الآثار على هذا البيع، بمعنى أن السلعة تنتقل إلى ملك المشتري، والقيمة تنتقل إلى ملك البائع، ويتصرف كل واحد منهما بما انتقل إليه تصرفاً مطلقاً.
((وإن تفرقا)) تكملة الحديث، وهذا موجود في الكبرى دون الصغرى، وذكرت أني أشير إلى الزيادات التي في الكبرى لنجمع الفائدة من الكتابين.(31/8)
((وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) هذا تأكيد، منطوق هذا الكلام تأكيد لمفهوم أول الحديث، وفي معناه، في معنى حديث ابن عمر الحديث الثاني حديث حكيم بن حزام، عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) أو قال: ((حتى يتفرقا)) هو في معنى الحديث السابق، فلا حاجة إلى شرحه، ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما))، إن صدقا صدق كل واحد منهما صاحبه، فصدق البائع في بيان الصورة الكاملة للسلعة، وما فيها من محاسن ترغب المشتري، وما فيها من عيوب، إن صدقا في كل ما يتعلق بالعقد، السلعة وما يرغب فيها، وما ينفر عنها، وفي القيمة كماً وكيفاً، فالمشتري يبين ما في نقوده من عيب، لما كانت النقود الدراهم والدنانير يدخلها ما يدخلها كالسلع، فلا بد حينئذ من البيان من قبل المشتري، إذا حصل البيان والصدق حصلت البركة، والبركة شيء محسوس وملحوظ بين الناس، التاجر الصدوق الأمين لا شك أنه يبارك له في ماله، والقدر اليسير من المال الذي يكسبه بهذه الطريقة ينفعه أكثر مما يكسب من أضعافه بالطرق الأخرى، والناس يعتمدون هذا الرجل الصادق الذي ينصح لهم، ويقبلون عليه، وينفرون من ضده، كثير من الناس يذهب إلى التاجر الصادق وإن كانت سلعته أغلى من غيرها، وأكثر قيمة، بينما ينفرون من المخادع الغشاش، وإن عرض السلع بأقل من غيره، شواهد الأحوال كثيرة على هذا، فالقدر والعدد ليس بعبرة، هذا موجود في جميع الأعمال، الموظف الذي يؤدي عمله على الوجه المطلوب تجد في دخله من البركة ما لا تجده في من هو أكثر منه بالدخل، إذا لم يكن مخلصاً نفسه، مبرئاً لذمته، وكم سمعنا ونسمع في الدوائر الحكومية من المستخدَمين وصغار الموظفين ممن يقرض الكبار ويداينهم، هذا موجود، والسبب في ذلك الحرص على براءة الذمة في الأعمال، والله المستعان.(31/9)
((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) كم من شخص يبيع بالأموال الطائلة في اليوم الواحد، ومع ذلكم لا يستفيد من هذه الأموال، وإن كثرت عنده الأموال؛ لأنه ليس العبرة بكثرة العرض، وليس الغنى هو مجرد كثرة العرض، كما جاء في الحديث الصحيح: ((الغنى غنى النفس)) فإذا تصورنا أن شخصاً دخله في اليوم الواحد عشرة آلاف عشرين ألف وهذا موجود، وآخر دخله مائة مائتين تجد أحياناً صاحب المائة والمائتين مستفيد من هذا المبلغ فائدة على الوجه المطلوب وكما ينبغي، بينما ذاك تذهب سدى، وينفقها في غير وجهها غالباً، والسبب الصدق والحرص على براءة الذمة وعدمه.
كم من شخص له من الأموال والأرصدة ما يستفيد منه البنوك، وقد حرم منه صاحبه، كم من شخص له الملايين في البنوك، هذا وإن كان المبلغ موجود لكنه محروم من بركته لا يستفيد منه، إن أراد أن يأكل فهو محجوب، إن أراد أن يتزوج ما يستطيع، إن أراد أن ينفق يده مقبوضة، نسأل الله السلامة والعافية، وقل مثل هذا في بركة البدن، كم من شخص تضيع عليه الأوقات سدى لا يستفيد من نفسه، ولا يستفيد منه غيره، ومن الناس ولا يقال الآن: الأوقات ما فيها بركة، لا، هذا يختلف من شخص إلى شخص، يعني يعرف من الشباب من يقرأ القرآن في سبع، ويحضر ثلاثة دروس في اليوم، ويؤدي عمله اليومي على الوجه المطلوب، ويزور المقابر كل أسبوع، ويزور المستشفيات والمرضى كل أسبوع، ويصل رحمه، ويأنس بأحبابه وأترابه، وكل هذا موجود، وما ضاع ولم يضع عليه من أمور دنياه شيء، ما فاته شيء من أمور الدنيا، وبعض الناس لهث وراء هذه الدنيا وقد ضيع نفسه وأهله ولم يدرك من الدنيا إلا ما كتب له، وإن أدرك منها شيء لم ينتفع به، والله المتسعان.
المقصود أن الصدق له أثر مشاهد وواضح في نماء الأموال وبركتها والإفادة منها، والكذب على الضد من ذلك.(31/10)
هنا في الكبرى قال في الحديث الأول: "متفق عليه"، وفي الثاني: "متفق عليه"، وهذا لا يوجد في الصغرى، لماذا؟ نقول: في الصغرى لا يحتاج إلى تنصيص؛ لأنها في الأصل من الصحيحين، فلا يحتاج إلى أن يقال: متفق عليه، بينما الكبرى وقد أدخل فيها المؤلف أحاديث ليست من الصحيحين يحتاج أن ينص على المتفق عليه.
والحديث الذي يلي هذين الحديثين وهو من زيادات الكبرى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) ((فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) يعني يحتال لإسقاط الخيار من أجل تفويت هذه الفرصة الممنوحة من الشرع لكل من المتعاقدين؛ لأن المتعاقدين أو أحدهما قد يكون في أموره مستعجلاً يقدم على إبرام العقود من غير نظر ولا روية، فتركت له هذه الفرصة من الشارع لكي يستدرك ما يتضرر به بواسطة إقدامه على هذا العقد، وكم من شخص اشترى وندم، فمنهم من يتدارك المجلس، ومنهم من لا يتدارك فيندم بعد فوات الأوان، ولا يبقى حينئذ أمامه إلا الإقالة، ((فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله)) وعرفنا أن ابن عمر كما في الصحيح يفعل ذلك -رضي الله عنه-، وهذا وهو المظنون بمثل هذا الصحابي المؤتسي أنه لم يبلغه مثل هذا الخبر، هو مخرج في سنن أبي داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن، وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والاختلاف في الاحتجاج بمثل هذا الإسناد معروف عند أهل العلم، والخلاف ومنشأه، والراجح أن ما يرد بواسطة هذه السلسلة إن كان من فوق أو من بعد عمرو بن شعيب مقبولاً فأقل أحواله أن يكون من قبيل الحسن.(31/11)
يقول المؤلف في الكبرى: "ولو كانت الفرقة بالكلام، ولم يكن خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى"، قال: ((ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) هذا كلام الحافظ عبد الغني في الكبرى، وقريب منه كلام الترمذي في السنن، يقول بعد أن قال: هذا حديث حسن: "ومعنى هذا أن يفارقه بعد البيع خشية أن يستقيله، ولو كانت الفرقة بالكلام ولم يكن له خيار بعد البيع لم يكن لهذا الحديث معنى، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) ".
سم.
شرح: باب ما نهي عنه من البيوع:
أحسن الله إليك:
"باب ما نهي عنه من البيوع:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المنابذة وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب ولا ينظر إليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) وفي لفظ: ((وهو بالخيار ثلاثاً)).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة.
وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها، قيل: إنه كان يبيع الشارف -وهي الكبيرة المسنة- بنتاج الجنين الذي في بطن ناقته".(31/12)
هذه صور وأنواع من البيوع الموجودة في الجاهلية، " فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه "، هذا أولى ما قيل في تفسير المنابذة، ويكون حينئذ الطرح قائم مقام الإيجاب والقبول، الأصل في المنابذة أنها مفاعلة من الطرفين، منابذة مفاعلة، فكأن البائع ينبذ الثوب ويطرحه إلى المشتري، والنبذ أيضاً يحصل من المشتري بنبذ القيمة إلى البائع، وكل منهما لا يقلب ما نبذه إليه صاحبه، الثوب ملفوف فينبذه إلى المشتري، والدراهم في صرة ينبذها إلى البائع، هذا الأصل في المنابذة؛ لأنها مفاعلة، والمفاعلة في الأصل تكون من طرفين.
قد ترد المفاعلة وتكون من طرف واحد كالمسافرة، إذا قيل: سافر فلان، سافر فلان، من طرف واحد وإلا من طرفين؟ نعم من طرف واحد، المطارقة طارق زيد النعل، من طرف واحد، ليس معنى هذا أنه يطرق النعل والنعل يطرقه، لا، من طرف واحد، وهذا على خلاف الأصل، وفسرت هنا المنابذة طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، فعلى هذا التفسير هي من طرف واحد وهو البائع.
والسبب في النهي الغرم والجهالة، من شروط البيع أن يكون -بعد أن ذكروا كون العاقد جائز التصرف- أن تكون العين المباعة –السلعة- معلومة، برؤية أو صفة، وهنا السلعة غير معلومة، غير مرئية، الثوب مطوي، طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه، وإذا قلنا: إن المنابذة من الطرفين أيضاً أن يكون الثمن معلوماً، وهذا شرط من شروط البيع، لكن على التفسير طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، السلعة غير معلومة، لا برؤية ولا بوصف، فاختل شرط من شروط البيع للغرر والجهالة.(31/13)
ونهى عن الملامسة، والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه، أي ثوب لمسته فهو عليك بكذا، والثياب ملفوفة وموضوعة في الأدراج، يلمس الأول الثاني الثالث، ما يدري عن صفته، فلا بد أن تكون السلعة معلومة، وهذان النوعان من بيوع الجاهلية، وهما محرمان اتفاقاً لوجود الغرر والجهالة، فسرت المنابذة ببيع الحصاة الوارد في بعض النصوص، وهي أي ثوب أو أي رأس من الغنم أو الإبل أو البقر تنبذ إليه هذه الحصاة وتقع عليه فهو عليك بكذا، والجهالة والغرر موجودة.
ونهى عن الملامسة والملامسة: لمس الثوب لا ينظر إليه، هذا التفسير يحتمل أن يكون مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذ يتعين المصير إليه؛ لأنه لا قول لأحد مع قوله -عليه الصلاة والسلام-، وأولى ما يفسر به قوله بقوله -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان من الراوي الصحابي فمن دونه فالصحابة أعرف من غيرهم بمدلولات الألفاظ، ويغلب على الظن أنه هو الموافق لمراد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان حديث: ((رب مبلغ أوعى من سامع)) يعني أنه قد يأتي من المتأخرين من يفهم مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من فهم المتقدم، لكن (رب) للتقليل، وإلا فالأصل أن مدلولات الألفاظ الشرعية أعرف الناس بها من عاصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرف المقاصد من نصوص الوحيين، هم أعرف الناس وأدرى الناس بذلك، وعلى كل حال إذا كان التفسير من قوله -عليه الصلاة والسلام- فلا مندوحة لأحد من العمل به، وإن كان من أحد الرواة فلا شك أنهم أولى من غيرهم، لكن يبقى للنظر مجال، للنظر مجال.
الحديث الذي يليه:
شرح حديث: (لا تلّقوا الركبان .. )(31/14)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد)) أربع جمل ((لا تلّقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد)) هذه الأربع الجمل هي مروية من طرق كثيرة عن أبي هريرة، وعن ابن عمر وغيرهما، وهي مروية على نسق في المسند من طريق الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك عن ابن عمر، عن مالك عن نافع عن ابن عمر، بأصح الأسانيد، أحمد عن الشافعي عن مالك، متى يجتمع مثل هؤلاء؟ أحمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وهذا ما يقال فيه: إنه سلسلة الذهب، فمالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري، وإذا زيد بعد مالك أحد فأولى الناس الشافعي، وإذا زيد بعده أحد فأحمد، وليس في المسند على طوله وكثرة أحاديثه حديث يروى بهذا الإسناد إلا هذا الحديث، توجد رواية أحمد عن الشافعي لكن عن غير مالك، وقد توجد عن مالك لكن عن غير نافع، وهكذا، لكن هذه السلسلة مجتمعة لا توجد إلا في هذا الحديث.
هذا حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلّقوا الركبان))، الركبان: جمع راكب ويقال: ركب أيضاً جمع راكب، كصحب وصاحب، ((لا تلقوا الركبان)) وهذا وصف خرج مخرج الغالب وإلا فلو كانوا مشاة دخل متلقيهم في النهي، الغالب أن من يقدم ومعه سلعة أنه يكون راكباً، يقدم على البلد من بلد آخر أو من البرية في الغالب أنه يكون راكب، لكن إذا كان ماشياً على قدميه فإنه يأخذ الحكم نفسه، ((لا تلقوا الركبان)) والمقصود بهم لبيع السلع التي يحملونها، وجاءوا بها إلى البلد، والمنظور له أمران:(31/15)
الأول: نفس الركبان، فلا يتلقى الركبان فيغروا بقيمة لا تناسب السلع التي يحملونها، جاهل بسعر البلد هذا الراكب القادم جاهل بسعر البلد، فإذا تلقي من خارج البلد كيف يعرف أن هذه السلعة تستحق كذا من الثمن؟ فيحصل الضرر على البائع بالمقابل ((لا يبع حاضر لباد)) لو تلقي هذا البادي، وأراد هذا الحاضر النصيحة لهذا البادي؛ لئلا يغلب إذا وصل إلى البلد الملحوظ مصلحة أهل البلد، فالشرع بشموله وعنايته بالجميع لا يرضى الضرر لأحد لا للبائع ولا لأهل البلد، كما جاء في الحديث الصحيح: ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) ففي الصورة الأولى: ((لا تلقوا الركبان)) الملحوظ مصلحة الراكب القادم الوافد إلى البلد، فيترك حتى يصل ويدخل البلد ويبيع بما تستحقه سلعته ويستفيد، فلا يغر بالتلقي، ويستوون في ذلك في عموم اللفظ ما الناس بحاجة إليه وما لا حاجة لهم به، بعض الناس يقول: إذا كان الناس بحاجة إلى هذه السلعة منع، وإذا لم يكونوا بحاجة لم يمنع؛ لأن الحاجة نسبية، قد تكون حاجة عموم الناس متعلقة بهذا أو العكس، عموم الناس لا يحتاجون هذا الأمر، لكن قد يحتاجه شخص، فيترك الناس يرزق الله بعضهم من بعض.(31/16)
((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) شخص اشترى سلعة سيارة بخمسين ألف، فيأتيه من يأتيه فيقول: السيارة غالية ردها على صاحبها وأنا أبيع عليك مثلها بأربعين ألف، هذا باع على بيع أخيه، قد يقول قائل: البيع لزم بالإيجاب والقبول، لزم البيع بالإيجاب والقبول، والنص محتمل لما في مدة الخيار ولما كان بعد انتهاء مدة الخيار، أما كون البيع على بيع البعض في مدة الخيار فظاهر، يذهب المشتري إلى البائع ويفسخ، وإذا كان بعد لزوم البيع وانتهاء مدة الخيار لا شك أن هذا المشتري يذهب إلى البائع ويحرجه بالإقالة، فالضرر حاصل، وإن لم تحصل الإقالة حصلت البغضاء والشحناء، وتكدر خاطر المشتري؛ لأنه اشترى سلعة بأكثر من قيمتها، البشر كلهم مجبولون على هذا، ما في أحد يرضى أنه يغلب ولو بشيء يسير، فإذا كان في مدة الخيار، قال: أنا عندي لك سيارة أفضل منها بأربعين ألف وأنت شاري بخمسين، ذهب وفسخ البيع تضرر البائع، إذا كان بعد مدة الخيار ذهب المشتري وطلب الإقالة وأصر وكدر نفسه وكدر صاحبه، والشرع يوصد جميع الأبواب الموصلة إلى مثل هذه الشحناء، وهذه المشاكل.
((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) ومثل النهي عن بيع البعض على بيع أخيه الشراء، الشراء على شراء أخيه، هذه السيارة التي اشتراها زيد من عمرو بخمسين ألف يأتي شخص إلى عمرو يقول: أنت بعت السيارة بخمسين ألف أنا مستعد أدفع ستين ألف، ويحصل نظير ما حصل في الصورة الأولى، إن كان في مدة الخيار فسخ، وتضرر المشتري، عكس المسألة الأولى، وإن كان بعد انتهاء مدة الخيار طلب البائع من المشتري الإقالة وأحرجه، وأكثر عليه الكلام وكدره، تكدر الطرفان.(31/17)
((ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا)) جاء في الصحيح: "نهى عن تلقي الركبان، ونهى عن النجش" هنا ((لا تلقوا .. ، ولا تناجشوا)) وجاء بلفظ النهي، نهى عن تلقي الركبان، ونهى عن النجش، ولا فرق بين الصيغتين؛ لأن صيغة النهي الأصل فيها (لا) الناهية، ومن صيغ النهي الإتيان بلفظ النهي، فإن كان الناهي مصرحاً به، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تلقي الركبان، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النجش، فلا خلاف في كونه من المرفوع، أما إذا قال الصحابي: نهينا عن تلقي الركبان، ونهينا عن النجش، فجماهير أهل العلم على أنه مرفوع أيضاً، وإن قال بعضهم: إنه موقوف حتى يصرح بالناهي، والمسألة معروفة، لكن جماهير أهل العلم على أنه مرفوع، وقوله: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كذا، هو في القوة في حكم (لا) الناهية ((لا تلقوا)) فإذا قال: نهى عن النجش، كأنه قال: لا تناجشوا، سواءً بسواء، لا اختلاف بينهما.
خالف من خالف وقال: إنه لا يعتد بقول الصحابي: أمرنا رسول الله، ولا نهانا رسول الله، حتى ينقل اللفظ النبوي، لكن لا عبرة بمثل هذا الخلاف.
((ولا تناجشوا)) النجش: الزيادة في السلعة ممن لا يريد شرائها، ويستوي في ذلك إرادة الضرر للمشتري أو نفع البائع؛ لأن نفع البائع لا يتم إلا بالإضرار بالمشتري، والعكس، فالنجش منهي عنه، وهو محرم؛ لأن فيه ضرر، والضرر لا بد من إزالته، ((ولا تناجشوا)).
يأذن؟ أذن، أذن يا أخي.
في حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تلقوا الركبان)) وعرفنا المراد بالتلقي والمراد بالركبان، والبيع على بيع البعض، والنجش والمراد به الزيادة في السلعة ممن لا يريد شرائها ويستوي في ذلك إرادة نفع البائع أو ضرر المشتري؛ لأن هذا لا يحصل إلا بهذا.
((ولا يبع حاضر لباد)) الحاضر: ساكن القرى والأمصار، والبادي: ساكن البادية.
((لا يبع حاضر لباد)) سئل ابن عباس قال: لا يكون له سمساراً، يعني لا يكون دلال، يترك البادي هذا ليبيع لنفسه ليستفيد من ورائه أهل البلد؛ لأنه إذا باع الحاضر للبادي ما ترك فرصة لأهل البلد.(31/18)
((ولا تصروا الغنم)) المراد بالتصرية: حبس اللبن في ضرع الغنم، وفي حكمها الإبل والبقر وغيرها مما يقصد لبنه، تُصر الغنم، وهل هذا خاص ببهيمة الأنعام، أو يشمل كل ذات اللبن ولو لم يكن اللبن مباح للآدمي؟ لو شخص صرّ أتان الأنثى من الحمر، وباعها في السوق وضرعها كبير؛ لأنها صريت، يؤثر وإلا ما يؤثر؟ يؤثر، لماذا؟ قد يقول قائل: هذا اللبن مآله إلى .. ، نعم، من يشربه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الشرب من يشرب؟ نعم، كونه صرّ لبن الأتان، والأتان معروفة أنثى الحمار، الآن التصرية في لبن الإبل والبقر والغنم ظاهر هذا؛ لأنه يستفيد منها الإنسان، ويستفيد منها ولدها كونها تجلب إلى السوق وضرعها كبير، لا شك أن هذا يغرر بالمشتري الذي يظن أن هذاك لبن كثير، وواقعها أقل من ذلك، فهل يسري المنع إلى غيرها من الحيوانات ذوات الألبان ولو لم يكن لبنها مشروباً من قبل الآدمي كالأتان مثلاً؟
النص ورد في الغنم، وجاء التنصيص على الإبل أيضاً، وفي حكم الإبل والغنم البقر، لكن لقلتها في الحجاز ما جاء التنصيص عليها، وهي داخلة في الحكم، والمعنى واحد، وأما تصرية غيرها من الدواب لا شك أنه غرر وجهالة، لكن كونها تصر يعني مقصد لبعض الناس، كون البائع يربط أخلافها لكي تظهر بالمظهر المناسب المغرر بالمشتري يدل على أن هذه التصرية لها أثر، فيعدّ الحكم من هذه الحيثية، ونفعها وإن لم يكن للآدمي فهو لنسلها، وقد يكون نسلها مقصد عند المشتري، حينما كانت الحمر هي وسائل النقل.
((ولا تصروا الغنم)) والمقصود بالتصرية: حبس اللبن في الضرع بأن تربط أخلافها فتظهر بمظهر كثيرة اللبن ووقعها أقل من ذلك، هذا نهي للبائع عن أن يصنع مثل ذلك تغريراً للمشترين.
((ومن ابتاعها -يعني اشتراها- فهو بخير النظرين)) يعني له الخيار إن شاء أمضى البيع، وإن شاء رد، هو بخير النظرين بعد أن يحلبها، ويتبين له حقيقة الحال، إن رضيها أمسكها؛ لأن الأمر لا يعدوه، اشترى سلعة على أساس أنها على مستوى من الجودة فبانت أقل، فرضي بذلك، الأمر لا يعدوه، وإثم البائع عليه يتحمله.(31/19)
((وإن سخطها –يعني لم يرضها المشتري- ردها -رد هذه الدابة من الغنم أو الإبل والبقر- وصاعاً من تمر)) ((ردها وصاعاً)) حينئذ يجوز العطف على ضمير النصب المتصل من غير فاصل كما هنا، بخلاف ضمير الرفع، ((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) يعني ورد صاعاً من تمر في مقابل اللبن الذي ثاب واجتمع في ملك البائع، أما اللبن الذي ثاب واجتمع بعد الشراء فإنه في مقابل العلف والغنم مع الغرم، والخراج بالضمان.
((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) إن رضيها أمسكها، في هذا ما يدل على صحة البيع مع وجود هذا النهي، البيع صحيح، والنهي مقتضٍ للتحريم، فيحرم على البائع أن يصري، يحرم على البائع أن يفعل هذا الفعل الذي هو التصرية، لكن العقد صحيح؛ لأنه ليس كل نهي يقتضي البطلان، فإن عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، إلى حقيقة الشيء، أو إلى شرطه، فإنه حينئذ يبطل العقد، تبطل العبادة بهذا، لكن إذا عاد إلى أمر خارج لا إلى ذاته، ولا إلى شرطه، فإنه يصح مع التحريم، وإن قال من قال من أهل العلم: إن النهي مقتضي للبطلان مطلقاً كالظاهرية.(31/20)
ظهوره في العبادات واضح، يعني شخص صلى وعليه عمامة حرير عند الظاهرية صلاته باطلة، منهي عن لبس الحرير فكيف يتعبد وهو عاصٍ؟ لكن جمهور أهل العلم على أن صلاته صحيحة والجهة منفكة؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج عن الذات والشرط، وهنا عاد النهي إلى أمر خارج لا يعود إلى ذات العقد، ويدل على ذلك: ((إن رضيها أمسكها)) دل على صحتها، ((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) هذا الحكم في المصراة أن المشتري بالخيار، لكن هل للبائع الخيار؟ حصلت التصرية من البائع، هذه الناقة صريت ثلاثة أيام وثاب في ضرعها عشر لترات من اللبن، وهي في الحقيقة لا يجتمع في اليوم إلا لتر أو لترين، نعم، فاشتراها زيد من الناس فاحتلبها فتبين أنها مصراة، كون الخيار للمشتري ظاهر بالنص، وهو الذي يقتضيه المعنى أيضاً، لو جاء شخص للبائع قال: أنت فعلت ما فعلت، وأنت بعت هذه الناقة بألفين، ثلاثة أنا اشتريها بأربعة، نقول: له خيار؟ الخيار أثبت للمشتري؛ لأنه غر بالتصرية، لكن هل الخيار يثبت للطرف الثاني؟ أو نقول: لزم البيع بشروطه، وتم العقد وليس لك حق، والخيار إنما هو لطرف واحد.
((وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)) وفي لفظ: ((وهو بالخيار ثلاثاً)) وهو يعني المشتري، أقرب مذكور.
((لا تلقوا الركبان)) فتلقيهم قبل وصولهم إلى السوق داخل في النهي، وهل يكفي مجرد دخول البلد وقبل وصول السوق، دخل في النطاق العمراني لكنه لم يصل إلى السوق الذي يعرف به حقيقة الأمر وما تستحقه هذه السلعة، يعني دخول طرف البلد يكفي وإلا لا؟ المعنى يقتضي أنه لا يكفي، حتى يصل إلى مكان يعرف فيه الواقع وحقيقة الأمر، لكن لو حصل التلقي وباع الراكب على هذا المتلقي العقد صحيح وإلا باطل؟ النهي يعود إلى إيش؟ التلقي هو ذات العقد أو شرطه؟ أو أمر خارج عن العقد والشرط؟ أمر خارج عن الشرط، لكن يبقى أن الراكب هذا إذا كان قد غبن في الثمن ثبت له خيار الغبن، ورد إلى البلد وتلقاه شخص اشترى منه قبل وصوله إلى السوق بنصف القيمة له الخيار، ثلثي القيمة له الخيار، ثلث كثير، الغبن في الثلث كثير.(31/21)
((ولا يبع بعضكم على بيع بعض)) عرفنا أن في حكمه الشراء على الشراء، والبيع مع النجش، بل في جميع هذه الصور عند أكثر العلماء العقد صحيح مع الإثم، ومن أدل الأدلة على ذلك: ((إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها)) مع ثبوت هذا النهي؛ لأن النهي عاد إلى أمر خارج، كم باقي من الوقت؟ كم باقي للإقامة؟
طالب:. . . . . . . . .
باقي خمس، شوف لنا سؤالين.
الأسئلة كثيرة جداً يا إخوان نأخذ منها:
يقول: هل أدعو على من غشني وقد سألته عن السلعة فمدحها وعندما تفرقنا اتضح أنه غشني فيها حيث أخذ مبلغاً كبيراً عليها ولم أجده بعدها؟
على كل حال الدعاء بالشر على أخيك المسلم هو جهر بالسوء من القول، والله -سبحانه وتعالى- لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وأنت حينئذ مظلوم، لك أن تدعو عليه بقدر مظلمتك، لكن إن تركت الحق ليقتص منه في الآخرة، فهو أعظم لأجرك، وإن أبحته وأعفيته من هذا الغش، من أثر هذا الغش فهو أعظم وأعظم للأجر ما لم يترتب على ذلك استرسال منه للغش؛ لأن بعض الناس إذا ترك زاد شره، فمثل هذا لا ينبغي أن يترك، إذا تبين أنه يغش يحاسب، ويبحث عنه، ويوقف عند حده.
يقول: هو رجل مصاب في قدمه فهل يعذر عن الحج حيث أنه لا يستطيع أن يسير مسافة طويلة؟
على كل حال إذا كان هو أعرف بنفسه، وإذا كانت إصابته تعوقه عن أداء الأركان، واستيفاء الشروط والواجبات فهو معذور.
يقول: دخلت المسجد والناس يصلون صلاة الظهر، وقد فاتني ركعة فأحرمت معهم ثم سها الإمام وأتى بركعة خامسة لهم ورابعة لي فهل علي أن آتي بركعة أخرى مع أني صليت أربعاً؟
الأصل أنه إذا زاد خامسة لا تجوز متابعته، لا ممن أدرك الصلاة كاملة ولا ممن فاته شيء من الصلاة، هذا بالنسبة لمن يعلم، والغالب أنه يعلم حتى المسبوق يعرف ترتيب الركعات، فلا تجوز متابعته، وإذا توبع على ذلك فهذه الركعة باطلة، لا يدرك بها شيء، تعتبر لاغية باطلة من تابعه عمداً بطلت صلاته، وهو عالم أنه زيادة ومتعمد لذلك تبطل صلاته، فيعيد الصلاة من جديد، الجاهل يعفى عنه لجهله، وعلى هذا السائل الذي أتى بثلاث ركعات مع الإمام وتابعه في الركعة الزائدة عليه أن يأتي بركعة، وإذا طال الفصل عليه أن يعيد الصلاة.(31/22)
يقول: هل لك أن تبين ما الإقالة وأمثلة منها؟
الإقالة طلب فسخ البيع اشتريت سيارة بخمسين ألف فوجدت أنك لست بحاجة إلى هذه السيارة فبدلاً من أن تذهب إلى المعارض لبيعها بخسارة تذهب إلى صاحبها وتقول له: أقلني، وجاء في الخبر: ((من أقال نادماً أقال الله عثرته يوم القيامة)) تذهب إلى صاحبها وتطلب منه أن يفسخ البيع، ومثله البائع إذا تبين أن له حاجة ماسة إلى هذه السلعة، وأن بيعها يترتب عليه ضرر بالنسبة له، يستقيل المشتري وهكذا.
هذا يطلب حث الحاضرين على التبرع لصالح حلقات التحفيظ في هذا الجامع؟
لا شك أن تعليم القرآن وتعلمه من أفضل الأعمال ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فالذي لا يستطيع أن يعلم بنفسه يستطيع أن يعلم بماله، والله المستعان.
يقول: نرجو توضيح مسألة هل يثبت الخيار للبائع في بيع المصراة؟
لا يثبت له الخيار؛ لأنه لم يحصل له غرر ولا جهالة، ولا أي شيء يستدعي الخيار.
يقول: ما يحصل الآن من بعض الأشخاص عندما يريد أن يبيع السيارة فإنه يقوم بتغسيلها وتنظيفها أليس هذا من الغرر؟
لا هذا ليس من الغرر، وما زاد عليها إلا أن نظفها والنظافة مطلوبة، لكن على المشتري ألا يسترسل ويغتر بالبريق واللمعان، ينظر إلى المؤثرات الحقيقية في السيارة، العكس بعض الناس يغر الناس بالغبار، إذا أراد أن يبيعها زاد الغبار عليها ليخفى بعض العيوب، ويعرف الناس أن السيارات الجديدة تأتي بالغبار، فيظهرها في مظهر الجديدة والنظيفة أما تغسيلها هذا ما فيه، ما فيه غرر.
هذا يسأل عن فتح المغيث للسخاوي؟
جاري طبعه الآن -إن شاء الله تعالى-.
يقول: زيادة بعض الروايات ألفاظها على الروايات الأخرى هل يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله بألفاظ متعددة؟
زيادة بعض الألفاظ قد يكون الحديث واحد، لكن حفظ بعض الرواة ما لم يحفظه الآخر، فروى هذه الزيادة، وقد يحفظ هذا الراوي مثلما يحفظه غيره، وينسى بعض الجمل ويوردها غيره.
يقول: قول بعض الباعة: السلعة أمامك، أو على النظر أو نحو ذلك بحيث لا يذكر عيوب السلعة المباعة فما حكمه؟ وذكر عيوب كثيرة في السلعة شيء منها .... ؟(31/23)
هذا تغرير كونه يعرف العيوب لا بد من بيانها، العيوب الظاهرة لا تحتاج إلى بيان، العيوب الظاهرة لا تحتاج إلى بيان، لكن إن بين فهو من تمام النصح، وزيادة في البركة، أما العيوب الخفية التي لا يدركها إلا أهل الخبرة التامة هذه لا بد من بيانها، بعض الناس يذكر عيوب في السلعة، ويضيف إليها عيوب ليست حقيقية، فإذا قال: السيارة تبي جير، وتبي مكينة، وتبي وتبي، وهي ما تبي إلا واحد من هذه الأمور بحيث إذا فحصها المشتري وشاف أنها ما تبي جير، قال: أكيد إنها ما تبي مكينة بعد، بس هذا من زود الورع يذكر هذه الأمور، لا يجوز له ذلك، لا يجوز له أن يغرر، هذا من أساليب التغرير.
يقول: إذا اشترى الإنسان سلعة عن طريق الإنترنت أو الهاتف فكيف يكون التفرق في هذا البيع؟
التفرق بمغادرة المكان.
يقول: ما تعليقكم على عقود البيع التي تبرمها البنوك مع راغب الشراء للحصول على المال أو على العقار أو السيارات خاصة أن بعضها لديها هيئة شرعية؟ وهل التعامل معهم جائز أم لا؟(31/24)
إذا عرف من هذا الشخص أو من هذه الجهة أنها تتعامل بالمعاملات الربوية المحرمة أو فيها عقود ممنوعة في الشرع فالتعاون معهم إذا وجد غيرهم، لا شك أنه تعاون على الإثم والعدوان، أما إذا لم يوجد غيرهم فالإنسان لابد أن يقضي حاجته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تعامل مع اليهود، وهم يتعاملون بالربا، باع واشترى ورهن واقترض، المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث لم يجد غيرهم تعامل معهم، وإلا فالأصل أن التعاون على البر والتقوى، تتعامل مع شخص يستفيد من هذا المال فائدة على الوجه المشروع، أما شخص يستفيد من هذا المال الذي أعنته به على معصية الله، مثل هذا تعاون على الإثم والعدوان، لكن إذا لم تجد غيرهم واستوفت العقود الشروط الشرعية، وانتفت الموانع، وتوافرت .. ، حينئذ لا مانع من التعامل معهم، فإذا كان البنك مالك للسلعة التي يريد بيعها عليك، وأنت تريد هذه السلعة بعينها، أو تريد قيمتها على سبيل التورق فجماهير أهل العلم إذا كان البائع الأصلي مالك لهذه السلعة اشتريتها أنت وقبضتها القبض الشرعي المعتبر وحزتها وبعتها بنفسك أو وكلت ثقة يبيعها لك وأخذت قيمتها تبيعها على طرف ثالث لا يبيعها على الطرف الأول؛ لئلا تكون عينة، يبيعها على طرف ثالث فلا مانع -إن شاء الله تعالى-.
ترى الأسئلة كثيرة جداً، أنتم ما بغيتوا الإقامة؟
طالب:. . . . . . . . .
انتهى، لا بأس نترك بقية الأسئلة، الأسئلة كثيرة جداً، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لدينا مجموعة من الأسئلة كثيرة جداً بقيت من الأسبوع الماضي، نبدأ ببعضها حتى يكتمل عدد الأخوة الذين يحضرون.
في البداية هذا تنبيه من أحد الأخوة، وله أو لشخص آخر تنبيه نظير له، نظير لهذا التنبيه إلا أن الأول قال: خاص، والثاني هذا قال: وأرجو التنبيه لذلك، أو التنبيه على ذلك، ولا علاقة له بالدورة، لكن يقول هذا -طالب التنبيه- جزاه الله خير.(31/25)
يقول: قلتم أمس في شرح مختصر البخاري في الإذاعة: يعاتبني قومي بالدين، والصحيح أنه بالدَين.
وجاء تنبيه آخر في الأسبوع الماضي، وليس المراد أمس، أمس القريب، السبت الذي قبله؛ لأن هذه الورقة أرسلت في الأسبوع الماضي.
أنا أدركت هذا، وعرفت أنها .. ، وهي سبقت لسان فقط، وعرفت أنه وقع قبل أن يذاع، وطلب من المخرج أن يعدل، لكنه وعد بذلك وكأنه نسي، وعلى كل حال الصحيح كما ذكره الإخوة، يعاتبني قومي بالدَين، وليس بالدِين.
يقول: باع الحاضر للبادي ما هو العلة في النهي؟
بيع الحاضر للبادي العلة ملاحظة مصلحة الجماعة، وهو أن البادي يأتي ليبيع سلعته بما تستحقه في السوق، وقد يحصل لعموم الناس منفعة من هذه السلعة برخص ونحوه مما لا يتضرر به البادي، فإذا تولى الحاضر البيع للبادي واستقصى في قيمتها، ولذا قال ابن عباس: "لا يكون له سمساراً" يعني دلال، يستقصي القيمة كلها فلا يستفيد الناس من روائه، فالعلة في ذلك في النهي إفادة الجماعة من سلعة هذا الوارد على البلد، كما جاء في الحديث: ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) يقابل هذا النهي عن تلقي الركبان، لئلا يتضرر هذا الراكب الوافد بتلقيه، فالشارع كما يلاحظ مصلحة الجماعة يلاحظ أيضاً مصالح الأفراد، وفي الشريعة من التوازن ما يجعل الكل على البال.
يقول: لقد ذكرت في حديث أبي هريرة أن هناك نفس تلقي الركبان، ولم نسمع؟
على كل حال هو فرع من السؤال الماضي، هو فرع من السؤال الماضي، النهي عن تلقي الركبان لئلا يتضرر هذا الراكب فيتلقاه شخص يشتري منه سلعته بثمن أقل.
يقول: هناك تاجر لديه سفينة قادمة من خارج المملكة محملة بالبضائع، وقبل أن تصل إلى ميناء جدة بيوم جاءته العروض من تجار البلد، هل يبيع أم ماذا يفعل؟
هذا ليس براكب، ليس بوافد على البلد، وإنما هو في البلد، هو في السوق موجود، وبضاعته قادمة من بعيد، فلا يدخل في هذا.
يقول: إن رضيها أمسكها، يعني المصراة وإن لم يرضها إلى آخره، يقول: لكن الذهاب إليه والبحث عنه يكلفان كثيراً، وكذلك فإن نقل الإبل يكلف مالاً ووقتاً فهل يتحمل البائع هذا المبلغ أم لا؟(31/26)
شخص اشترى ناقة مصراة من الرياض مثلاً، ونقلها بسيارته فوراً إلى أقصى الشمال أو أقصى الجنوب، ثم بعد ثلاث تبين له أنها مصراة، هل يردها ويتحمل من الخسائر في نقلها أكثر من تحمله من الغرر الناشئ من التصرية، هو أعرف بمصلحته إذا كان الضرر اللاحق بالسلعة بسبب التصرية أعظم من أجرة النقل يرده، وهو أدرى بمصلحته.(31/27)
عمدة الأحكام - كتاب البيوع (2)
شرح حديث: "نهى عن بيع حبل الحبلة .. " وحديث: "نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها .. " وحديث: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تتلقى الركبان .. " وحديث: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة .. " وحديث: "نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المخابرة .. " وحديث: "نهى عن ثمن الكلب .. " وحديث: "ثمن الكلب خبيث .. "
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الضرر اللاحق بالسلعة بسبب التصرية أعظم من أجرة النقل يردها، وهو أدرى بمصلحته، وعلى كل حال على هذا الغاش الذي تسبب في هذا الغرر عليه كفل من الخسائر يحصل هذا بالنسبة للكتب، ونحن بين يدي طلبة علم، يحصل كثيراً بالنسبة للكتب، بعض الناس يشتري كتاب ويذهب به فإذا طالعه وجد فيه ملزمة ناقصة، عيب، الملزمة عيب، نقص الملزمة أو كونها بياض هذا عيب في السلعة، لكن الكتاب بعشرين ريال بيركب السيارة ويروح يرجعه ثلاثين أربعين كليلو، أكثر من قيمة الكتاب، في مثل هذا يعني المسألة عقلية، يعني يتحمل هذا الغرر وهذا النقص في مقابل العناء والكلفة التي .. ، الوقت يحتاج إلى وقت طويل ليذهب إلى أقصى الرياض ليرد الكتاب، وكل يقدر مصلحته، وإلا فالعيب ترد به السلعة.
يقول: أيهما أولى بالتقديم أصول الفقه أم الفقه؟
نقول: هما معاً، لا يمشي هذا إلا بهذا، فيأخذ طالب العلم من أصول الفقه ما يحتاج إليه مع معرفته بالمسائل الفقهية بأدلتها.
يقول: هل تنصحون بحفظ العمدة أو حفظ الصحيحين قبل؟
لا، تحفظ هذه المتون التي هي جواد مطروقة عند أهل العلم، فتحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلك يأتي إلى الكتب المطولة المسندة.
يقول: هل هناك خيار للأقوال أو بالأقوال بمعنى أنهما إذا افترقا على القول يجب البيع كما يقول المالكية والحنفية؟
إذا أسقطا خيار المجلس، إذا اتفق البائع مع المشتري على إسقاط خيار المجلس فالأمر لا يعدوهما، فيتم البيع ويلزم بالتفرق بالأقوال بالإيجاب والقبول.(32/1)
يقول: ذكر ابن حجر في فتح الباري أن ظاهر حديث حكيم ابن حزام يدل على أن أحد المتبايعين إذا كتم وكذب وصدق صاحبه وبين فإن محق البركة يلحق البيع، ويؤجر الصادق على صدقه، وإن لم يبارك له في بيعه؟
نص الحديث: ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما)) لو كان العقد بين جماعة مع جماعة آخرين، وجاء النص هكذا: فإن صدقوا وبينوا بورك لهم في بيعهم، وإن كتموا وكذبوا محقت بركة بيعهم، نريد أن نرجع هذا الكلام إلى قاعدة عند أهل العلم وهي: أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، آحاد، يعني كل واحد له نصيبه من الحكم، إذا قيل: ركب القوم دوابهم مقتضى ذلك أن كل واحد منهم ركب دابته، فمقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، يعني كل واحد له ما يتعلق به.
وإذا قيل: ركب الزيدان دابتيهما، إيش معنى هذا الكلام؟ أن كل واحد منهما ركب دابته، فالتثنية تدخل في الجمع.
وهنا: ((إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما)) لو صدق واحد منهما بورك له، إن كذب واحد محقت البركة بالنسبة له، فكل شخص مسئول عن نفسه، ومكلف بعمله، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]، ولو قال ابن حجر ما قال؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، يعني كل واحد له ما يخصه من هذا الجمع، كل واحد من هؤلاء المجموعة له ما يخصه من المجموعة الأخرى، مقابلة جمع بجمع، وهنا مقابلة تثنية بتثنية، فكل واحد من الاثنين له ما يخصه.
يقول: "فإن محق البركة يلحق البيع ويؤجر الصادق على صدقه، وإن لم يبارك له في بيعه" كأن الحافظ -رحمه الله تعالى- لحظ وهو أن البركة بورك لهما في بيع، فالبيع واحد، ((ومحقت بركة بيعهما)) هذا البيع الواحد، فلما كان العقد واحد فإما أن يبارك أو تمحق البركة، ومعروف أنهما إن صدقا جميعاً وجدت البركة إن كذبا جميعاً محقت البركة، لكن ماذا عما لو صدق أحدهما وكذب الآخر؟ نقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]، ظاهر النص يدل على أن الصادق يبارك له وإن غبن، لكن يبارك له، والكاذب تمحق البركة وإن زادت القيمة بالنسبة له.(32/2)
هذا تبع الكتب يقول: اشتريت من المكتبة كتب وغبنت في السعر بأكثر من سعرها الحقيقي فماذا ترى في ذلك؟
على كل ذلك خيار الغبن مقرر عند أهل العلم فإذا زادت القيمة على .. ، زاد الغبن على الثلث فإن أهل العلم يثبتون خيار الغبن، هذا هو المعمول به عند أهل العلم، لكن من أهل العلم من لا يرى الغبن في أمور الدنيا كلها، ولو زادت القيمة أضعاف، وإنما التغابن في يوم التغابن، وأما الدنيا كلها ما فيها غبن، هذا القول لا شك له حظ من النظر، لكن القول المعتمد عند أهل العلم هو الأول.
يقول: هل يسن ذكر دعاء الاستفتاح في النوافل والوتر والضحى وغيرها؟
نعم، فما ثبت في الفريضة يثبت في النافلة إلا ما دل الدليل على اختصاص الفريضة به، وهذا أسئلة كثيرة جداً إن بقي من الوقت شيء أتينا عليها -إن شاء الله تعالى-.
في حديث المصراة يقول: ((ولا تصر الغنم)) وعرفنا أن في حكمها الإبل والبقر، وجاء في الإبل أيضاً نص خاص، ((ومن ابتاعها -يعني اشتراها- فهو بخير النظرين)) يعني إذا عرف الحقيقة والواقع بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، لأن الأمر لا يعدوه هو غش وغر، لكن الأمر لا يعدوه، إذا رضي وأمسك له ذلك، وإن سخطها وأرد الرد ((ردها وصاعاً من تمر)) يعني رد معها صاعا ًمن تمر، وهذا حكم نبوي لا يتعدى قطعاً وحسماً للنزاع؛ لأنه لو ترك مثل هذا لاجتهاد الناس، لو ترك لاجتهادهم فلن يرضى أحد صاحب الدابة يقول: لبني أكثر، والمشتري يقول: اللبن أقل.
على كل حال هذا حكم نبوي، ويزعم الحنفية أنه يخالف القياس؛ لأن المتلفات إن كانت مثلية تضمن بالمثل، وإن كانت قيمية تضمن بالقيمة، اللبن مثلي وإلا قيمي؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا القياس، وهذه القاعدة، يقولون: هذا خالف القاعدة، هو مثلي وإلا قيمي؟
طالب: مثلي.
يعني مكيل أو موزون؟ اللبن مكيل أو موزون؟
طالب: قد يأتي هذا، أنه موزون يا شيخ، موزون وربما يكتال يا شيخ.(32/3)
على كل حال هو مثلي، فالقاعدة عندهم أن يرد مثله بمقداره كيلاً أو وزناً، لكن هذا خالف القياس، وعندهم أن النص إذا كان خبر واحد وخالف القياس لا يعمل به، ونقول: إن القياس لا بد له من أصل يستند إليه، القياس اعتبار القياس متى؟ إذا كان له أصل يستند إليه، وقياسهم له أصل، والحديث حديث الباب أصل برأسه، فكيف يرد أصل بفرع؟ يعني حديث الباب أصل؛ لأن الأصل المشترط لصحة القياس أن يكون نص، وهذا نص، إذاً هذا أصل قائم برأسه، فكيف يرد الأصل بالفرع؟ فقولهم لا قيمة له.
سم.
شرح حديث: "نهى عن بيع حبل الحبلة .. "
أحسن الله إليكم:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها، قيل: إنه كان يبيع الشارف -وهي الكبيرة المسنة- بنتاج الجنين الذي في بطن ناقته.
يكفي، يكفي.
في هذا الحديث حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة، و (نهى) عرفنا مراراً أنها في حكم: "لا تبيعوا" فإذا جاء النهي بـ (لا) الناهية أو بلفظ: النهي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو نهينا عن كذا فالحكم واحد، ولا التفات لقول من يقول: إنه لا يحتج به حتى ينقل اللفظ النبوي، يعني قول الصحابي: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس هذا من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، هو تعبير الصحابي عن صيغة النهي التي بلغته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا فرق عند عامة أهل العلم ولا عبرة ولا التفات إلى قول من يقول: لا يحتج به حتى ينقل اللفظ النبوي.(32/4)
يقول: نهى عن بيع حبل الحبلة، حبل: هو الحمل، حبل هو الحمل، والحبلة جمع حابل، مثل ظلمة جمع ظالم، كتبة جمع كاتب، فسقة كفرة، جمع فاسق وكافر وهكذا، وفي بعض كتب اللغة ما يشير إلى أن الحبل بالباء يختص بالآدميات، بخلاف الحمل فيطلق على ما في بطون الآدميات وغير الآدميات، وحديث الباب المقصود به حمل الآدميات وإلا حمل الدواب؟
طالب: الدواب.
حمل الدواب، يرد على هذه المقالة، فالحمل والحبل بمعنى واحد في الآدميات وغيرها.
"وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها"، كان الرجل هذا حكاية واقع، وإلا لو باعه باعت المرأة هذا البيع قلنا: حرام، لكن هذا خرج مخرج الغالب يبتاع الجزور والمقصود به الإبل، سواءً كان ذكراً أو أنثى، كله يقال له: جزور، إلى أن تنتج الناقة، تنتج فعل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مبني لأي شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
والناقة إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما الذي ينتجها؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الفاعل أين؟ ما الفاعل هنا: تنتج الناقة؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
تقديره؟ يعود إلى إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إلى المتأخر؟ إلى المتأخر لفظاً ور تبة أو إلى المتقدم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في ضمير، ما في ضمير، الفعل هذا صورته صورة المبني للمجهول؛ لأن المضارع إذا بني للمجهول ماذا يفعل به؟
طالب:. . . . . . . . .
فأول الفعل اضممن والمتصل ... بالآخر اكسر في مضي كوصل
واجعله من مضارع منفتحا ... كينتحي المقول فيه: ينتحا
تُنتج: صورته صورة المبني للمجهول، وهو هنا مبني للمعلوم، هكذا سمع عن العرب، ما في شيء اسمه تُنتِج، إنما الفعل الوارد عنهم تُنتَج الناقة، الناقة فاعل، ثم تنتج التي في بطنها، يعني تلد الناقة ثم تلد التي في بطنها، حبل الحبلة حمل الحمل، حبل الحبلة حمل الحمل، وتفسير هذا الحديث يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:(32/5)
"قيل: إنه كان يبيع الشارف -وهي الكبيرة المسنة- بنتاج الجنين الذي في بطن أمه "، حبل الحبلة حمل الحمل بنتاج الجنين الذي في بطن أمه، يأتي إلى هذه الناقة الكبيرة، ناقة شارف، مشرفة على النهاية لحمها جيد وإلا رديء؟ ليس بجيد، ولادتها محتملة وإلا لا؟ نعم، يقول: بدلاً من أن تجلس لا أستفيد من لحمها ولا ولدها أبيعها آجل بحمل حمل هذه الناقة، زيد عنده شارف ناقة كبيرة مسنة، وعمرو عنده ناقة حامل أو حابل في بطنها حبل، يأتي زيد إلى عمرو ويقول: أبيع هذه الشارف في الحبل الذي في بطن هذه؟ لا، الحبل الذي سوف تحبل به ما في بطن هذه الناقة، حبل الحبلة، فلا شك أن مثل هذا البيع هو من عقود الجاهلية ممنوع في الشرع، لماذا؟
طالب: الجهالة والغرر.
الجهالة، وغرر، وهو أيضاً بيع معدوم، بيع معدوم وغير مقدور على تسليمه ومجهول، من كل وجه الغرر فيه، يعني بيع الحبل الذي في بطن هذه الناقة أسهل من بيع حبل الحبلة، لماذا؟ احتمال أن يكون ما في بطن هذه الناقة ذكر، فكيف يشترى أو يباع حبل الحبل الذي في بطن هذه الناقة؟ كيف يؤول العقد ما مآل العقد فيما لو كان الحبل الأول ذكر؟ لا بد أن مثل هذا يفضي إلى النزاع، وإذا كان الشرع يمنع من بيع الحبل الأول فلأن يمنع الحبل الثاني من باب أولى، لا يجوز بيع الحمل في البطن للغرر والجهالة، وما يدرى مصيره، هل يخرج حي أو ميت؟ هذا أحد التفسيرين لحبل الحبلة.(32/6)
ومنهم من يقول: إن معنى حبل الحبلة أن يجعل حبل الحبلة أجل يحل به الثمن، صاحب الشارف يبيعها على عمرو، زيد صاحب الشارف يبعها على عمرو لا يبيعها بحبل الحبلة، يبيعها بمبلغ من المال مائة درهم، متى يحل هذه المائة درهم؟ إذا نتجت إذا نتج الحبل الذي في بطن هذه الناقة، يكون الأجل الآن الذي في بطن هذه الناقة متى يولد؟ يولد بعد أشهر، نعم، افترضنا أن هذا الحبل صار أنثى، ثم صلح لأن يحبل فحبل ثم ولد هذا الحبل، وحينئذ يحل الأجل، الأجل معلوم وإلا مجهول؟ مجهول، وعلى كلا الوجهين البيع ممنوع، ومنهي عنه ومحرم، وهو بيع باطل؛ لأن الجهالة لا شك أنها تفضي إلى النزاع، بعض الجهالات في البيوع إذا كانت مغتفرة ويسيرة أو تابعة لمعلوم جازت، اشتريت بيت هل من لازم هذا البيع أن تعلم كل ما في البيت؟ نعم، ما يلزم، ما يلزم أن تعرف كل ما في البيت من أساسات، تقول للبائع: اكسر لي هذا الجدار لأنظر أساسه؟ لا ما يحتاج، هذه جهالة لكنها مغتفرة.
نعم.
شرح حديث: "نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها .. ":
"وعنه -رضي الله تعالى عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو .. " يبدوَ، يبدوَ.
حتى يبدوَ صلاحها، نهى البائع والمشتري.
وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى تزهي قيل: وما تزهي؟ قال: حتى تحمر، قال: أرأيت إن منع الله الثمرة، بم يستحل أحدكم مال أخيه؟
حديث ابن عمر الثاني، ولذا كني عنه بالضمير وعنه، وهذه عادت أهل العلم في المختصرات أنهم لا يعيدون الاسم الظاهر، إذا كان الراوي هو راوي الحديث السابق، فيقولون: وعنه، وعنه يعني عن ابن عمر راوي الحديث السابق أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري.
الذي في الصحيحين والعمدة من الصحيحين هذا الأصل، نهى البائع والمبتاع، وإن كان ابن حجر شرح على هذا اللفظ في فتح الباري "نهى البائع والمشتري" لكنه لا يوجد في شيء من روايات الصحيحين، إنما هو نهى البائع والمبتاع، والمبتاع هو المشتري، ونهى البائع والمشتري هذا لفظ أبي داود.(32/7)
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمشتري، متى يبدو صلاح الثمرة؟ "حتى تزهي" كما بين في الأحاديث الأخرى، وفي حديث: "حتى تشقح"، ما معنى تزهي؟ تحمر أو تصفر، تحمآر بالمد، أو تصفآر بالمد أيضاً كما في بعض الروايات، وفي روايات أخرى كما عندنا: "حتى تحمر"، يعني إذا كان اللون أحمر، حتى يظهر هذا اللون في هذا النوع من التمر، وإذا كان البسر أصفر حتى يظهر هذا اللون من التمر، وحينئذ يأمن العاهة؛ لأن العادة جرت في ذلك أنه إذا وصل إلى هذه المرحلة يأمن العاهة، وقبل ذلك تلفه محتمل، ولذا قال: ((أرأيت إذا منع الله الثمرة بما يستحل أحدكم مال أخيه؟! )) وهو في الغالب كما جاء في بعض الروايات حتى يطلع النجم، فإذا طلع النجم الثريا فإنه حينئذ يأمن العاهة، فعلى هذا التمر لا يجوز بيعه على سبيل الاستقلال، وبشرط التبقية إلا بهذا الشرط حتى يزهي، ويأمن العاهة، لكن لو قال شخص: أنا أريد أن أشتري هذه الثمرة، وهي خضراء صغيرة الحجم، يقال له: لا يجوز حتى تحمآر أو تصفآر، يقول: أنا أريد أن أشتري وأقطعه لأجعله علف للدواب، يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم، بشرط القطع؟ يجوز، بشرط القطع يجوز؛ لأنه اشتراه على هذه الصفة، ويريد أن يستفيد منه على هذه الكيفية، لا يريد أن يأكله تمراً، نقول: انتظر حتى يأمن العاهة ويزهي، يريد أن يقطعه علفاً لدوابه لا بأس إذا بيع تبعاً لأصله، فحينئذ يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، إذا بيعت النخلة بما عليها حينئذ يجوز بيعه ولو لم يزهِ، ولو لم يحمر أو يصفر؛ لأن البيع لهذه النخلة، وثبت تبعاً لبيعها حملها، ومثله ما لو بيعت شاه في بطنها حبل أو ناقة أو بقرة، نقول: لا يجوز بيع الحمل في البطن؟ نعم على سبيل الاستقلال لا يجوز، لكن تبعاً لأمه يجوز؛ لأن القاعدة أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.(32/8)
قال: ((أرأيت إذا منع الله الثمرة))، يعني أصابتها آفة، أو وقف نموها، وقوف النمو معروف يستمر شيص يسمونه، تعرفون الشيص؟ نعم، يستمر، هنا منع الله الثمرة بمنع نموها، فإذا أراد المشتري أن يشتريها للأكل أو بشرط التبقية حتى تنضج يقال: لا، حتى تزهي؛ لأنه إذا باعها عليه فمنع الله الثمرة، صار من أكل أموال الناس بالباطل، وإن وجد التراضي من الطرفين؛ لأن التراضي واحده لا يكفي، نعم التراضي من الطرفين شرط لصحة البيع، بمعنى أنه لا يجوز الإكراه لا على البيع ولا على الشراء، لكن مع اعتبار الشروط الأخرى.
شرح حديث: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تتلقى الركبان .. ":
"عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد" قال: فقلت لابن عباس -رضي الله عنهما-: ما قوله: حاضر لباد؟ قال: "لا يكون له سمساراً".
تقدمت الإشارة إلى بيع الحاضر للبادي، وتلقي الركبان، وعرفنا العلة في ذلك، قول ابن عباس نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الرواية الأخرى: ((لا تلقوا الجلب، لا تلقوا الركبان))، فدل على أن صيغة النهي الصريحة: لا تفعلوا تساوي التعبير بلفظ النهي، وأنه لا عبرة بقول من يقول: لا حجة في التعبير بالنهي أو الأمر حتى ينقل اللفظ النبوي، هذا القول ساقط لا حظ له من النظر، وإن علل بما علل، وقال: إن الصحابي قد يسمع لفظ يظنه أمر أو نهي وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، نقول: الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين فهموا مقاصد الشرع وعاشروا الرسول، إذا لم يفهموا مدلولات الألفاظ الشرعية من يفهمها؟
على كل حال يقول: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يتلقى الركبان"، يستقبلهم الحاضر صاحب البلد قبل أن يقدموا فيشتري منهم، وحينئذ يغبنهم، لكن لو حصل، تلقى الركبان قبل أن يصلوا إلى السوق واشترى منهم، وانصرف البائع البيع صحيح وإلا باطل؟ البيع صحيح مع الإثم، لكن لو عرف البائع أنه مغبون ورجع لا شك أنه له الخيار.(32/9)
"وأن يبيع حاضر لباد" النهي عن تلقي الركبان لمصلحتهم، والنهي عن بيع الحاضر للبادي لمصلحة أهل البلد الجماعة، وقلنا: إن الشارع يلاحظ مصالح الجميع، فلا ينظر إلى مصلحة أحد ويهمل مصلحة غيره، "قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: حاضر لباد؟ قال: "لا يكون له سمساراً"، يعني دلال، إذا وصل إلى البلد فقال: دع السلع عندي حتى أبيعها لك بالتدريج، إن كانت جملة يقول: أبيعها لك بالتقطيع أكثر للقيمة بالتدريج، أو دعها يوم أو يومين لئلا نستعجل على بيعها؛ لكي تزيد قيمتها، هذا لا يكون له سمسار.
والباد كما أن الركبان أيضاً وصف أغلبي، والحديث خرج مخرج الغالب، لكن لو جاء مشاة ما هم راكبين، مشاة على أرجلهم ومعهم بضائع، يجوز أن يتلقوا؟ لا يجوز، الغالب أن من يقدم وهو راكب، هذا الغالب، وكذلك الغالب أن من يقدم لبيع سلعة إلى الحواضر أنه بادي، ومثله سكان القرى المنقطعة الذين لا تبلغهم الأسعار الحقيقية.
شرح حديث: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة .. ":
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً، أو كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعاماً، نهى عن ذلك كله".
وعن جابر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المخابرة، والمحاقلة، وعن المزابنة، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وألا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا".
يكفي، تفسير، نعم.
طالب: سم يا شيخ.
عندك تفسير؟
طالب: المحاقلة؟
نعم.
المحاقلة: بيع الحنطة في سنبلها بحنطة.
ما عندك بصافية؟
طالب: سم.
بصافية ما في؟
طالب: ما عندي يا شيخ.
في بعض النسخ بصافية.
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة".(32/10)
المزابنة: مفاعلة من طرفين كما تقتضيه الصيغة من الزبن، وهو الدفع، بمعنى أن كل واحد يدفع صاحبه، إيش معنى المزابنة؟ المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً، إن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعاماً، نهى عن ذلك كله، عن جميع هذه الصور وما في معناها.
المزابنة: مفاعلة من الطرفين، كل واحد يزبن الثاني أي يدفعه، معنى هذا تأتي إلى صاحب بستان وتمره على رؤوس النخل، رطب، فتقول له: أنا أعطيك بقدره تمر، جاف مكبوس إن شئت فقل: مرصوص، الآن كم يجي هذا من صاع الذي على رؤوس النخل؟ يقول: خمسمائة صاع، يقول: أنا أعطيك خمسمائة صاع مكبوس جاهز، كل إن شئت، وبع إن شئت، واترك الذي على رؤوس النخل وتعبه يحتاج إلى عناية، هذه مزابنة، أو يأتي إلى صاحب العنب وهو طري في شجره فيقول له: أنا أشتري منك هذا العنب، وهو في عريشه في أشجاره، بهذه الصناديق من الزبيب والعنب فافترض أنه ألف كيلو وهذه الصناديق فيها ألف كيلو، أو يأتي إلى صاحب الحب في سنبله فيبيعه بقدره طعام جاهز كل هذا لا يجوز، كل هذا لا يجوز، لماذا؟ لأنه إذا بيع الربوي بجنسه ماذا يشترط؟
طالب:. . . . . . . . .
المماثلة، التساوي، وأن يكون يداً بيد، التقابض، طيب هذا يقول: الآن أنا أسلمك التمر المكبوس خذه الآن، وأنا أستلم ما على رؤوس النخل بالتخلية؛ لأن القبض في كل شيء بحسبه، والتساوي متساوي هذا خمسمائة صاع وهذا خمسمائة صاع، تم التماثل والتقابل، فما علة المنع؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أسمع.
طالب:. . . . . . . . .(32/11)
القيمة؟ لا القيمة غير منظور إليها، غير منظور إليها، لو جئت بصاع من التمر الذي لا يسوى ريالين أو ثلاثة أو خمسة وبدلته، أو بعته بصاع مما يستحق مائة ريال، ما أحد يقول لك: حرام، هذا رطب وهذا رطب، أو هذا جاف وهذا جاف، لكن هل يمكن أن تتحقق مساواة الرطب بالجاف؟ جاء في الحديث: ((أينقص التمر أو الرطب إذا جف؟ )) قالوا: نعم، قال: ((فلا إذاً)) ما يمكن تتحقق المماثلة، لا يمكن، مماثلة الرطب مع الجاف، فلهذا منع، ولو قال: أنا آخذ خمسمائة صاع وأعطيك خمسمائة صاع؛ لأن هذه الخمسمائة الرطبة إذا جفت مآلها أن تكون أربعمائة، فلا تتحقق المساواة، هذا هو السبب، فلا يجوز حينئذ أن يباع الرطب بالجاف، والمخرج من ذلك، كيف يخرج إذا أرد .. ؟ هو عنده تمر قديم مرصوص يبي تمر جديد مع الناس، استثنيت مسألة العرايا، لكن هو ما يكفيه القدر المحدد في العرايا، يقول: أنا ما يكفيني إلا قدر المسموح به مرتين، نعم، هل نقول له: أجري عقد العرية مع اثنين؟ أو نقول: بع التمر الذي عندك واشترِ طري؟ نعم، هذا الأصل كما جاء التوجيه: ((بع الجمع، واشترِ بالدراهم جنيباً)) هذا هو المخرج من الربا، هذا هو المخرج من الربا يباع هذا بالدراهم ويشترى بالدراهم تمر آخر، يباع الجاف ويشترى الرطب، يباع الرديء ويشترى الجيد، ومثله العنب مع الزبيب؛ لأنه لا يمكن أن يتم التساوي، ومثله أيضاً الحب، الحب في سنبله لا يمكن تساويه مع الحب الخالص من .. ، لماذا؟ الآن الخرص أليس بدقيق إلى حد ما؟ الخرص عند أهل الخبرة، نعم، دقيق إلى حد ما، يعني يأتي الخبير ويقدر ما في هذا البستان من التمر من الزبيب من العنب من العيش، إلى آخره، دقيق إلى حد ما، لكن المسألة أعظم وأدق، وأهل العلم يقررون: أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، على كل حال هذا معنى المزابنة.
شرح حديث: "نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المخابرة .. ":
"وعن جابر بن عبد الله قال: "نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المخابرة، والمحاقلة، وعن المزابنة، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وأن لا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا".(32/12)
"نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المخابرة" مفاعلة.
"والمحاقلة وعن المزابنة" تقدم، "وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها" أيضاً تقدم، "وألا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا".
المخابرة والمحاقلة، المحاقلة فسرها المصنف بأنها بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية، فتدخل في إيش؟ في المزابنة في الحديث السابق، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام، تدخل في المزابنة على هذا، هذا تفسير المحاقلة عند المصنف.
ومن أهل العلم من يرى أن المخابرة والمحاقلة والمزارعة معانيها متقاربة، فالمحاقلة: أن تدفع الحقل إلى من يزرعه، المخابرة: أخذ من معاملة النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل خيبر أن يعملوا في هذه البساتين بالدراهم والدنانير، أو بجزء مشاع مما يخرج منها، وعلى كل حال الكلام في المزارعة طويل، والخلاف بين أهل العلم كثير.(32/13)
جاءت أحاديث عن رافع بن خديج وغيره في منع المزارعة منعاً باتاً، يعني في حكمها المخابرة والمحاقلة، وجاءت أحاديث تدل على جواز المخابرة والمزارعة والمحاقلة، وفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- بمعنى أنه عامل أهل خيبر بجزء، فتنزل الأحاديث التي تمنع هذه المعاملات على إيش؟ المزارعة تدفع الزرع لمن يعمل فيه بأجرة بدراهم أو دنانير، فيه إشكال، وإلا ما فيه إشكال؟ لا إشكال فيه، هذا أجير، تدفع هذا الزرع لمن يسقيه أو تدفع هذه الأرض لمن يزرعها بجزء منها، لا يخلو هذا الجزء إما أن يكون مشاعاً: للعامل الربع، للعامل الثلث، للعامل النصف، له أكثر، له أقل مشاع، ومتى يعرف؟ يعرف عند النهاية، نهاية الأمر، إذا جُذ النخل، حصد الزرع عرف نصيب العامل، وعرف نصيب صاحب الأرض، هذا لا إشكال فيه، إذا كان الجزء مشاعاً، لكن إذا كان الجزء معلوماً دفعت الأرض لمن يزرعها على النصف وقلت للعامل: لي النصف الشمالي ولك النصف الجنوبي يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، لا يجوز ذلك، وعلى هذا تتنزل أحاديث المنع، لماذا؟ لأنه قد .. ، نعم لأنه قد ينبت الزرع وينمو حتى يتم في نصيب العامل، ويموت الزرع في نصيب صاحب الأرض، فيتضرر صاحب الأرض، أو العكس فيتضرر العامل، وعرفنا مراراً أن الشرع جاء بالتوازن، وجلب المصالح للجميع، ولا يكون أحد يستفيد على حساب غيره، فعلى هذا إذا كانت بهذه الصورة لك النصف الشمالي ولي النصف الجنوبي نقول: لا، وما يدريك لعله لا تنبت ينبت هذا الجزء الذي خصصته للعامل، فبما تستحل عمل أخيك؟ ولعله ينبت الجزء الذي للعامل دون الجزء الذي لصاحب الأرض فبما يستحل العامل نتاج أرض أخيه، وتقدم لنا: ((أرأيت إذا منع الله الثمرة بما يستحل أحدكم مال أخيه)) وهذه يمكن أن تطرد في جميع الصور.
"نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المخابرة والمحاقلة وعن المزابنة، وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وألا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا".(32/14)
المزابنة عرفنا أنها في التمر وفي الحب وفي العنب، وهل يقاس عليها غيرها أو لا يقاس؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذه الثلاثة إذا كانت رطبة لا تباع إلا بالدينار والدراهم، يعني لا تباع بجاف، إلا العرايا، والعرايا يأتي تفسيرها في الباب اللاحق، نعم.
شرح حديث: "نهى عن ثمن الكلب .. ":
وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن.
عن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث)).
حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري بدري منسوب إلى بدر، على خلاف بين أهل العلم، هل شهد الواقعة أو لمجرد كونه سكن بدراً فنسب إليها؟ والبخاري -رحمه الله- يثبته فيمن شهد بدراً، والجمهور على أنه لم يشهد بدر، وإنما سكنها فنسب إليها.
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب، نهى عن ثمن الكلب، ما العلة؟ نجس، الآن الكلب لا يجوز بيعه مطلقاً وإلا البيع الذي يستفاد منه يجوز بيعه؟
طالب:. . . . . . . . .
من شروط صحة البيع أن تكون العين المباعة إيش؟
طالب: مباحة النفع.
مباحة النفع مطلقاً وإلا بلا حاجة؟ أن تكون العين المباعة مباحة النفع، إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هم بيقولون: بلا حاجة؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(32/15)
أن تكون العين -يعني السلعة المباعة- مباحة النفع بلا حاجة، بهذا القيد؛ لأنه إذا كان نفعها مقيداً بالحاجة كالكلب حينئذ لا يجوز بيعه، نهى عن ثمن الكلب لا يجوز بيعه مطلقاً، طيب أراد فلان، احتاج لكلب صيد، احتاج لكلب زرع، احتاج لكلب ماشية، وقد أذن الشارع باتخاذه، نقول: هذا يباح نفعه للحاجة، وحينئذ لا يجوز بيعه، فالذي يجوز بيعه لا يقيد بالحاجة، يكون مباح النفع مطلقاً، من غير قيد بالحاجة، وهذا يغلق الباب على كل من يدعي الحاجة إلى ما لا يجوز بيعه، ولو أبيح هذا الانتفاع به لهذه الحاجة، ولذا نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ثمن الكلب، لا شك الكلب المأذون باتخاذه مختلف فيه، لكن عموم الحديث يشمل الكلب المأذون باتخاذه، والكلب المحرم اتخاذه؛ لأنه ما استثني من الكلب إلا كلب الماشية والصيد والزرع، وما عدا ذلك لا يجوز، بل يحرم اتخاذه، وينقص من عمل مقتنيه كل يوم قيراط، وفي رواية لمسلم: قيراطان.
الكلب، الكلب مفرد وإلا جمع؟ نعم، مفرد، نكرة وإلا معرفة؟ معرفة، تعريفه بـ (أل)، والمفرد إذا عرف بـ (أل) أفاد العموم، أفاد العموم، فعموم الكلاب منهي عن ثمنها.
مهر البغي: ما تأخذه البغي وهوي الزانية أجرة للاستمتاع بها، وهو حرام إجماعاً، وهو سحت.
وحلوان الكاهن: ما يأخذه الكاهن أجرة أو مقابل كهانته، ومثله العراف والمنجم، كذلك سائر الكذابين والدجالين، والله المستعان.(32/16)
مهر البغي وحلوان الكاهن محل إجماع أنه لا يجوز أخذه، طيب، ما دام لا يجوز أخذه إذاً لا يجوز دفعه؛ لأن ما حرم أخذه حرم دفعه، لو وجد شخص من الفجار يضحك على الناس فيغري النساء أو يغري من يوافقه من النساء بالعوض الكثير فتقع مثل هذه النسوة في حبائله، ثم يقول في النهاية: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن مهر البغي لا يدفع شيء، يتخذ مثل هذا ذريعة، ومثله من يتعامل بمعاملات محرمة، والشرع يمنع من مثل هذه المعاملات، من يقدم على الربا، ويعرف تحريم الربا، وفي قرارة نفسه أنه لن يدفع إلا رأس مال المرابي، فيأخذ أموال الناس بهذه النية، نقول: مثل هذا ينبغي أن يعامل بنقيض قصده، فتؤخذ منه هذه الأموال وتصرف بنية التخلص منها؛ لأنها كسب خبيث، بنية التخلص منها في المصارف غير الطيبة في مجاري، في دورات، في غيرها فيما أشبهها، ولا يترك لمثل هؤلاء الذين يتحيلون على العقود المحرمة في مثل مهر البغي مثل حلوان الكاهن، مثل تعامل بالربا، يقدم وهو عارف في الحكم، يغرر بهؤلاء، نعم هم مجرمون، كلهم مشتركون في الإجرام، لكن إذا بذل أكثر قد يغرر بالعفائف، لو جاء شخص إلى امرأة محتاجة عفيفة محصنة، وتحت ضغوط الحاجة، وظروف المجتمع، قال: أنا أدفع مليون، فمكنته من نفسها، وفي النهاية قال: مهر البغي خبيث لا يجوز دفعه، نعم، نقول: نعم مهر البغي خبيث، لكن أنت خبيث أيضاً، فمثل هذا يعاقب بنقيض قصده لا يتخذ مثل هذه ذرائع للضغط على مثل هؤلاء، هؤلاء خبثاء كلهم لا شك، لكن الأشرار لهم وسائل، والله المستعان.
تأذن؟ تفضل.
الحديث الذي يليه:
شرح حديث: "ثمن الكلب خبيث .. ":
"عن رافع بن خديج أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث)) ".
هذه ثلاثة أمور موصوفة بوصف واحد، وهي متفاوتة الخبث، لا شك أن مهر البغي أخبث من ثمن الكلب، وثمن الكلب أخبث من كسب الحجام، ولا يقول بالتساوي إلا من يقول بالاحتجاج بدلالة الاقتران، وهي ضعيفة جداً عند جماهير أهل العلم.
((ثمن الكلب خبيث)) عرفنا أن الكلب لا يجوز بيعه، ولو اقتضت الحاجة، لا يجوز بيعه ولو اقتضته الحاجة.(32/17)
شخص احتاج كلب، كلب صيد احتاج كلب زرع، احتاج كلب غنم، ماذا يصنع؟ يوجد كلاب عند بعض الناس معلمة على هذه الأمور، ولن يستطيع الوصول إليها، والحصول على حاجته إلى بدفع قيمتها، نقول: الحاجة في مثل هذه الصورة كما قرر الحنابلة وغيرهم، وهو مروي عن الإمام أنه في مثل هذه الحالة يجوز الشراء ولا يجوز البيع، الثمن خبيث بالنسبة للبائع، لكن الدافع المحتاج، بيع المصحف، المصحف بيعه حرام، عند جمع غفير من أهل العلم؛ لأن بيعه امتهان له، لكن شخص احتاج مصحف والذي هو بيده لا يدفعه إلا بقيمة، نقول: قاعدة الحنابلة اشترِ هذا المصحف، بالنسبة للمشتري محتاج ما عليه شيء، كلام في البائع احتجت كتاب وقف ولا وجدت غيره، كتاب وقف أنت بحاجته، وبيع الوقف حرام، نقول: أنت محتاج ومعذور، والبائع قيمته خبيثة، قيمة المبيع خبيث.
على كل حال مثل هذه الأمور تقدر بقدرها، لا شك أن فيه شوب من التعاون، التعاون مع هذا البائع الذي يبيع صاحب هذه المكاسب الخبيثة، لكن مع ذلكم الأمور تقدر بقدرها.(32/18)
((مهر البغي خبيث، ثمن الكلب خبيث، كسب الحجام خبيث)) النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم، وأعطى الحجام أجرته، وسأل مواليه أن يخففوا عنه، يقول: ((كسب الحجام خبيث)) -عليه الصلاة والسلام-، ويحتجم ويعطي هذا الكسب؟، أو نقول: إن الخبث يتفاوت؟ نقول: هذا ثمن إخراج دم، والدم خبيث، هذه مهنة سيئة دنيئة، لا تليق بأشراف الناس، من يتكسب من روائها، لكن على كل حال بالنسبة لأدنياء الناس، الذين لا يجدون إلا مثل هذه الأعمال يقرر أهل العلم أن مثل هذه المهن أفضل من الحاجة وتكفف الناس وسؤالهم، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام، أعطى أبا طيبة الحجام، هذا يدل على الجواز، جواز الدفع عند الحاجة، ويبقى أن الآخر يأخذ مالاً خبيثاً، والخبث قد يطلق على بعض المباحات، الخبث الثوم والبصل شجرتان خبيثتان، لكن هل هو حرام وإلا حلال؟ حلال، جاء في صحيح مسلم أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((إني لا أحرم ما أحل الله)) فالوصف ينظر إلى الموصوف من أكثر من زاوية، قد يكون قد تكون مادته طيبة ورائحته خبيثة، نعم، فينظر إليه من أكثر من جهة، ويطلق على الثوم حينئذ أنه طيب من جهة، وخبيث من جهة، ويجوز مثل هذا إذا انفكت الجهة، وإلا لو كان خبيثاً بالمعنى الشرعي لصار حراماً، بدليل قوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] لا شك أن الخبث وصف، وهذا الوصف إذا انفكت الجهة يمكن أن يوصف به الطيب، أما مع اتحاد الجهة فلا، لأنه يلزم عليه التناقض.
فكسب الحجام عرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام، ولو كان كسبه محرماً لما أعطاه؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان وعرفنا أن المحتاج إلى الشيء يعذر أكثر من غيره، فمشتري الكلب معذور عند الحاجة، بخلاف بائعه، مشتري المصحف عند من يقول بتحريم بيعه معذور بخلاف بائعه، المحجوم معذور في دفع الأجرة بخلاف الحجام نفسه.
من الزيادات في العمدة الكبرى:
عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عسب الفحل".(32/19)
الفحل: من البهائم من الغنم والإبل والبقر إذا نزا عليها نزا هذا الذكر على الأنثى، الأجرة تسمى عسب، ومنهم من يقول: إن العسب هو الماء، ويراد بذلك قيمته.
على كل حال ما يؤخذ في ما يؤخذ في مقابل الإنزاء على هذه الدواب، وكل هذه الأمور التي هي في الأصل مباحة كسب الحجام، وعسب الفحل، الشارع حينما يطلق مثل هذه العبارات من أجل أن يتعاون الناس، ويتبادلوا المصالح، ولا تكون الدنيا هي همهم، احتاج أخوك إلى ما عندك لا يلزم أن يكون كل شيء بالحساب، احتاج إلى حجامة، احجم ولا تأخذ، احتاج إلى أن ينزو فحلك على أنثاه من الغنم أو الإبل أو البقر لا تأخذ عليه مكسب، ونحن نلاحظ في الأيام الأخيرة يؤتى بهذا الماء من بلدان بعيدة بأقيام غالية، لتحسين النسل كما يقولون، وعلى كل حال هذه المهن مهن دنيئة، لا ينبغي لأشراف الناس أن يزاولوها.
من الزوائد قوله: عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي من رواة الصحيح، من رواة صحيح مسلم، وهو معروف بالتدليس، قال: سألت جابراً، هنا انتفت تهمة التدليس؛ لأنه صرح بالسؤال، سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور، قال: "زجر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك".
عن ثمن الكلب والسنور، ونحن نرى في أسواق المسلمين السنور يباع، والكلب يباع، كل هذا من التساهل في مثل هذه النصوص.
زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، يعني عن ثمن الكلب والسنور، الكلب عرفنا أن مشتريه قد يكون محتاجاً له في صيد أو حراسة أو حراسة زرع أو غنم أو ما أشبه ذلك، لكن السنور قد يحتاج غليه في القضاء على .. ، على إيش؟ على الفأر، قد يقول: أنا محتاج إلى هذا السنور هذا القط هذا الهر أنا محتاج إليه، هل نقول: إن حاجتك مثل حجة من أراد كلب صيد أو زرع أو حرث أو ماشية فيباح لك حينئذ أن تشتري هذا السنور؟
سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور فقال: زجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، ونلاحظ أن الزجر عن الثمن، سواءً كان في ثمن الكلب ثمن السنور، الكسب، كسب الحجام، وليس الزجر عن أصل العقد لئلا يتناول الاثنين، فيكون متأكداً في حق الآخذ دون المعطي.
هذا يسأل عن شروح العمدة الصغرى الذي نحن بصدد شرحها؟(32/20)
من أعظم شروحها شرح ابن دقيق العيد إحكام الأحكام، وابن الملقن الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، طيب، ومن ذلكم تيسير العلام، وفي موارد الأفهام من سلسبيل عمدة الأحكام، وفي كتب كثيرة شروح العمدة أكثر من عشرة، لكن من أنفسها وأجودها لطالب العلم المتأهل شرح ابن دقيق العيد، على صعوبة فيه، وتعقيد في عبارته ومآخذه، يعني شرح ابن الملقن على طوله أسهل من شرح ابن دقيق العيد، وحواشي الصنعاني على شرح ابن دقيق العيد مفيدة جداً تحل كثير من الإشكالات، فيعتني طالب العلم بهما، وشرح الشيخ ابن بسام شرح متوسط وسهل يدركه آحاد المتعلمين.
وهذا يقول: ما الأفضل لطالب العلم من شروح بلوغ المرام؟ هل هو فتح العلام شرح بلوغ المرام؟ أو سبل السلام؟
فتح العلام صورة لسبل السلام، هو مأخوذ بحروفه من سبل السلام، إلا أنه حذف مذاهب المبتدعة، حذف مذاهب الزيدية والهادوية التي أدخلها الصنعاني قصداً لترويج الكتاب، لترويج كتابه؛ لأنه في اليمن وعامة أو غالب أهل اليمن منهم، وهذا في السابق على وقت الصنعاني، وإن كانوا الآن نسبة أهل السنة زادت في اليمن، ولله الحمد.
هذا يسأل عن السنور ما هو؟
سؤال من برع من الجزائر، السنور هو القط وهو الهر، وله أسماء كثيرة جداً، يختلف اسمه من بلد إلى بلد، لكن الهر معروف مثله القط أيضاً.
ويسأل أيضاً عن زكاة العسل وما نصابه؟
زكاة العسل من يجيب؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
عرض.
طالب:. . . . . . . . .
من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني عرض، إذا كان عرض معروض للتجارة فهو كغيره من عروض التجارة، زكاته ربع العشر من قيمته، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: نصابه؟
نصابه، نصاب سائر الأموال من عروض التجارة.
طالب: يقوم؟
يقوم نعم، يقوم ويخرج من قيمته ربع العشر، والأسئلة كثيرة جداً، ما أدري كيف بنستطيع أن نجيب عليها، كم باقي على الإقامة؟
يقول: شخص اشترى سلعة وأعطى البائع نقوده، فلما أراد استرجاع باقي ماله لم يوجد المال الكافي للاسترجاع فقال له: أعطيك المال بعدما يوجد عندي الكافي لذلك، ويكون المال عندي، البائع والمشتري أخذ السلعة فما حكم ذلك؟(32/21)
كيف؟ سؤال ركيك، لكن الذي فهمت منه أن هذا اشترى سلعة، اشترى سلعة فأعطى البائع النقود، فلما أراد استرجاع باقي ماله لم .. ، كيف؟ كأن هذه السلعة ظهر فيها عيب وإلا كيف يسترجعها؟ أو بإقالة؟ قال: إنه استغنى عن هذه السلعة فقال له صاحبها: أنا قبلت الإقالة، أو فسخنا العقد للعيب، لكن أنت دفعت قيمة السلعة، أنا الآن والله ما عندي شيء الآن، اصبر حتى يأتي شيء وأعطيك مالك، اشترى السلعة بألف ريال فظهر فيها عيب فأرجعها إلى صاحبها، قال: نعم قبلت، أو تبين له أنه ليس بحاجة إلى هذه السلعة فذهب إلى البائع فقال: أقلني جزاك الله خير، قال: قبلت خلاص أقلتك اترك السلعة، لكن أنا والله الآن ما عندي ألف، عندي خمسمائة وخمسمائة تجي -إن شاء الله-، ما الذي يمنع من صحة هذا التصرف؟ لا مانع منه، ينتظر حتى يوجد، وإن خاف على الخمسمائة الثانية نعم خاف عليها يرضى بالسلعة، يرضى بالسلعة.
يقول: ما حكم غيبة الشخص الذي لا أعرفه ولا يعرفه أحد السامعين مع العلم أن الشخص الذي اغتبته ليس معنا، لأننا قد رأيناه في طريق مزدحم؛ لأنه أخطأ علينا في قيادة السيارة وحصل بيني وبين زميلي هو يقول: حرام، وأنا أقول: لا؟
يعني شخص اعتدى في طريق الناس اعتدى عليهم في الطريق إما راح يمين أو راح يسار، وخوفهم وروعهم جاء واحد وقال هذا .. ، ذكره بما يسوؤه قال: هذا مجنون، هذا فيه ما فيه، أو دعا عليه بقدر ظلمه لهم، إذا كان مجهول فلا غيبة له، لكن إذا ذكر بوصفه بحيث يحذر الناس من فعله هذا مقصد طيب، إذا قيل: إن شخص روع الآمنين يفحط إما راح يمين أو راح يسار على الطرقات السريعة لا جزاه الله خيراً، ولا وفقه، ولا بارك فيه، يحذر الناس مثل هذا العمل.
يقول: هل الفترة المحددة لرد السلعة تكون على أساس اتفاق البائع والمشتري؟ أو أن هناك فترة شرعية بذلك؟
أما إذا اتفقوا على وقت للخيار هذا يسمى خيار، إذا اتفقوا على وقت، على أن يردها المشتري خلال ثلاثة أيام، أربعة أيام، شهر لا بأس، الأمر لا يعدوهم، لكن إذا لم يتفق على وقت، نعم، فجاء في النصوص ما يدل على الثلاث، فهو بالخيار ثلاثاً مثل حديث المصراة فإذا زاد على الثلاث ليس له أن يرد.(32/22)
يقول: يوجد لدى محلات التقسيط للسيارات أشخاص يشترون من المقترضين -يعني من الذين يشترون هذه السيارات بالآجل، يشترونها نقداً، وكذلك عند دخولك الحراج بالسيارة يتلقاك أشخاص، فهل هذا من تلقي الركبان المنهي عنه؟
إذا كان الشخص متصور أنه لا يعرف قيمة السلعة، لا يعرف ماذا تستحق هذه السلعة؟ ويأتي شخص ليغرر به فيبيع بنصف القيمة فهذا من التلقي، أما إذا كان الشخص وهذا هو الغالب شخص اشترى سيارة قيمتها نقد أربعين ألف اشتراها بخمسين أقساط، فدخل بها السوق فتلقاه شخص قال له: بعشرين، ويعرف أنها تستحق أربعين باع عليه، نقول: هذا ممنوع وإلا جائز؟ جائز هذا هو الذي فرط، وفي الغالب مثل هؤلاء يشترون بنازل شيء يسير.
يقول: يحدث في بعض المتنزهات أنه يوجد شخص معه مجموعة من البضائع، ومعه شيء يرمى به مثل المسدس فيأتي الشخص ويدفع عشرة ريالات ويرمي فأي نوع أصابه من البضاعة أخذه، فهل يدخل هذا ضمن بيع الحصاة أو المنابذة؟
هذا بيع الحصاة، وهي أن يرمي الحصاة على البضاعة أو على رأس من الغنم أو على ثوب أو على مجموعة ثياب، أي ثوب يقع عليه وهذا منه، وهذا من بيع الحصاة.
يقول: يوجد في المعارض من يتلقون أصحاب السيارات قبل المعارض حتى يشتري منهم قبل أن يعرض للبيع؟
على كل حال إذا كان هذا المتلقى متصور منه أنه يجهل الثمن وباع ادعى أنه يجهل، وباع وادعى الغرر صار بالفعل يعني الثمن قليل بالنسبة لما تستحقه له الخيار.
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في أسئلة كثيرة بقيت من الأسبوع الماضي، فهل نبدأ بشيء منها حتى يتمكن الأخوة أئمة المساجد من إدراك أول الدرس.
أسئلة كثيرة جداً.
يقول: ما حكم ما تفعله بعض المحلات التجارية بتعليق لوحة: السلعة المباعة لا ترد، بل تستبدل بعد يومين؟(32/23)
هذه اللوحة تفيد بأن العقد تم بالإيجاب والقبول ونفذ ولزم بالتفرق وحينئذ لا ترد، وجود مثل هذا الكلام مثل عدمه، هذا مقتضى العقد، لا ترد رداً إلزامياً، وإنما قد ترد بالإقالة، وقد ترد بالعيب، إذا وجد فيها عيب ترد، ترد بخيار العيب ولو كتبت هذه العبارة، ولو كتبت هذه العبارة، إنما هذه العبارة تفيد أن السلعة المباعة بيعاً صحيحاً مستوفياً للشروط تم التفرق لا ترد، يقول: بل تستبدل بعد يومين، هذا فضل من البائع، إذا رضي استبدالها فضل منه، وإلا مقتضى تمام العقد وصحة العقد ترتب جميع الآثار عليه، وحينئذ ننتقل السلعة إلى ملك المشتري والثمن إلى ملك البائع، ولا يتمكن أحدهما بمفرده من فسخ البيع، إلا بعيب، أو غبن فاحش.
يقول: يحصل في بعض المزادات بيع دون أن يعرف الشاري، أو دون أن يعرف الشاري جودة ونوع السلعة؟
هذا بيع مجهول، لا بد أن تكون السلعة معلومة، يكون المبيع معلوم، كما أنه لا بد أن يكون الثمن معلوماً شرط من شروط البيع، معلوم برؤية، أو بصفة دقيقة.
يقول: نجد في بعض معارض السيارات، أو في معارض السيارات شريطية يقفون عند بداية الشارع فهل هذا من تلقي الركبان؟
باب الشارع الذي هو السوق ليس من تلقي الركبان؛ لأنهم وصلوا إلى السوق.
يقول: هذه البيوع التي ذكرت في حديث أبي هريرة علمنا أن العقد صحيح فما المقصود من النهي هل هو التحريم أم ماذا؟
نعم النهي يفيد التحريم كما هو الأصل فيه.
ما حكم من قال لمن يريد الإصلاح عنده مثل إصلاح سيارة أو غيرها: إذا تأخرت عن إصلاحها في وقت كذا فسوف تنقص عليك القيمة فما الحكم؟(32/24)
هذا يسمى شرط جزائي، يستعمله أهل المقاولات، يقاوله على أن يبني له بيتاً أو عمارة أو مشروع تجاري أو غير ذلك ويقول: مدة التنفيذ سنة، فإن زاد عن السنة فعليك في كل شهر كذا، لا شك أن التأخير يفوت مصالح على صاحب العقد، يفوت مصالح على صاحب العقد، وهذا هو الوجه لمن أجازه، أجاز مثل هذا الشرط، قال: لأنه يفوت مصالح، هذا الشخص الذي وضع سيارته في ورشة الإصلاح، وقال له: تنتهي بعد يومين، وهو محتاج للسيارة، واتفقا على ذلك، جاء بعد يومين، قال له: والله ما صلحت السيارة، فرط صاحب الورشة، اقتضى ذلك أن يستأجر صاحب السيارة سيارة بالأجرة اليومية، هذا متضرر لا شك أن إلزامه بمثل هذا له وجه، لا سيما إن ظهر منه التراخي وعدم الاهتمام، ومن أهل العلم من يقول: لا يجوز ذلك بحال؛ لأنه أكل لأموال الناس بدون مقابل، على كل حال الورع ترك مثل هذا، لكن لو قيل به لكان له وجه.
يقول: في الوقت الحاضر اتسعت وسائل الاتصالات، فالركبان يعرفون السلع، فهل نحن متلقين في هذا الوقت أم لا؟ لأن السعر معروف لديهم وهذا مجرب؟
على كل حال إذا كان لا يترتب عليه ضرر على هؤلاء الركبان فإنه لا بأس به؛ لأن الحكم يدور مع علته والورع تركه.
يقول: اشتريت من رجل جهاز الكتروني، ووعدني أن يحضر جميع ما يتعلق بهذا الجهاز، وبعد البيع والتفرق تبين لي أنه نقص شيء من هذا الجهاز، فما الحكم؟
ما يتبع الجهاز عادة يكون داخلاً في البيع ولو لم ينص عليه، وعلى هذا يلزم بدفعه إلى المشتري، يلزم بدفعه إلى المشتري كما أن ما يشمله مسمى البيت يدخل فيه، وما يتبع السيارة من استبنه وعفريته وما أشبه ذلك يدخل في البيع، فيلزمه دفعه للمشتري إلا بالثنية إذا استثنى البائع.
يقول: ما رأيكم بشرح الشيخ البسام لهذا الكتاب، وما أحسن شروح هذا الكتاب؟(32/25)
تكرر مثل هذا السؤال، شرح الشيخ البسام جيد ومفيد لطالب العلم وسهل وواضح ومفهوم يناسب طلاب العلم المتوسطين، لكن شرح ابن دقيق العيد أمتن بكثير، أمتن منه، يناسب الطالب صاحب المستوى أو على قدر من الفهم والإدراك يناسبه شرح ابن دقيق العيد مع حاشيته للصنعاني، والذي يريد طول النفس في الشرح والتوسع يرجع إلى شرح ابن الملقن، ومن أراد الاختصار الشديد مع الفائدة لهذا الكتاب فعليه بـ (خلاصة الكلام) للشيخ فيصل بن مبارك -رحمه الله-.
ما هي الإقالة؟
الإقالة هي إجابة الطالب من بائع أو مشتري، إذا ندم البائع على بيع السلعة وطلب من المشتري أن يتنازل عن البيع هذه .. ، ووافق على ذلك فهذه هي الإقالة، وكذا لو ندم المشتري على شراء هذه السلعة، ووافقه البائع على ردها صارت هذه إقالة.
يقول: ماذا نفعل في هذا الإجراء الجديد الذي هو التأمين الإلزامي؟
أولاً: التأمين لا شك أنه إذا تضمن دفع مبلغ معلوم ومقابله مجهول أنه لا يجوز؛ لأنه فقد شرطاً من الشروط، وهو أنه فقد شرطاً من الشروط، وعلى كل حال يوجد من يفتيهم، لكن هذا هو الحكم، وإذا ألزم الإنسان من قبل من يملك الإلزام بحيث لا يكون له مندوحة من الدفع فيلتزم ويدفع، وحينئذ يكون حكمه حكم المكره على ألا يستوفي مما تعاقد عليه أكثر مما دفع، لو قدر أنه دفع سنوياً مبلغ ألف ريال في مقابل العلاج، ألزم بذلك يدفع الألف؛ لأنه مكره، لكن إذا أراد أن يستوفي العلاج خلال عام لا يجوز له أن يأخذ إلا في مقابل هذا الألف، ما زاد يتركه.
يقول: ما حكم التأمين التجاري؟ وهل هناك فرق بينه وبين التأمين التعاوني؟
التأمين التجاري معروف حكمه، أهل العلم يفتون بأنه لا يجوز، التأمين التعاوني إن كان المقصود به أن من الناس من ذوي اليسار من يتبرع بأموال ينفق منها على المحتاجين بحيث لا يدفع المحتاج شيئاً ...(32/26)
عمدة الأحكام - كتاب البيوع (3)
باب العرايا - وبيع الميتة - والسلم
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
يقول: ما حكم التأمين التجاري؟ وهل هناك فرق بينه وبين التأمين التعاوني؟
التأمين التجاري معروف حكمه أهل العلم يفتون بأنه لا يجوز، التأمين التعاوني إن كان المقصود به أن من الناس من ذوي اليسار من يتبرع بأموال ينفق منها على المحتاجين بحيث لا يدفع المحتاج شيئاً، هذا تعاون بلا شك، وهو تعاون على البر، لكن إذا كان المحتاج يدفع فليس بتعاون حينئذ، حينئذ لا فرق بينه وبين التجاري.
يقول: ما حكم التصوير بالفيديو ومشاهدة الأفلام في الأمور المباحة كالمسرحيات ونحوها، وما رأيك في شرائه للأولاد؟
على كل حال التصوير بجميع صوره وأشكاله، تصوير ذوات الأرواح محرم، بما في ذلك التصوير الشمسي والتصوير بالفيديو إلا ما دعت إليه الحاجة والضرورة وألزم الناس به، هذا لا مناص ولا مفر منه.
على كل حال هذه الأمور هذا الأصل فيها، وعلى هذا يمنع كل ما يشتمل على هذه أو على هذا الأمر المحرم وهو التصوير من أجهزة وصحف ومجلات وغيرها.
يبقى أن شراءه للأولاد، يبقى شراؤه للأولاد الحكم فيه المنع كما قلنا هذا الأصل، لكن قد يقول قائل: أنا أولادي يخرجون إلى الجيران، وعجزت عن ملاحظتهم وملاحقتهم، يذهبون إلى الأقارب وعندهم ما هو أعظم من هذا الفيديو مثلاً، ويذهبون إلى مقاهي إنترنت وغيرها، ما الذي يمنعهم؟ وما الذي يحجبهم؟ ويرتكبون من الضرر ما هو أعظم، نقول: ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر عند علماء الإسلام، ويبقى الحكم المنع، ويبقى أن الحكم في الأصل هو المنع، فإذا اضطر الإنسان إليه لحفظ أولاده الذين لا يستطيع أن يملكهم إلا بهذه الوسيلة فهي أخف ضرراً من أن يخرجوا لمشاهدة ما هو أعظم من ذلك، وأنتم كما ترون وتسمعون المسلمون عليهم في هذه الآلات غزو شديد، نسأل الله السلامة والعافية.
هذا يقول: ما رأيكم في مشاهدة بعض القنوات كالجزيرة مثلاً خاصة الأخبار على أنه يظهر فيها نساء مذيعات؟(33/1)
أقول: أولاً: من الذي يضمن من نفسه أنه لا يشاهد إلا الأخبار، وإذا ضمن نفسه فمن يضمن له من تحت يده؟ من يضمن له من تحت يده؟ هذه مسألة، المسألة الأخرى: أنه حتى الأخبار الذي يؤديها نساء، والنظر إلى النساء محرم، وهؤلاء النسوة لسن من أهل -في الغالب ولا نُعين أحداً- من أهل العفة والاستقامة فيخشى أن يقع الإنسان في دعوة أم جريج وهو لا يشعر من مشاهدة هؤلاء النسوة، يخشى عليه من ذلك.
الأمر الثاني: حتى لو قدر أن هؤلاء النسوة فيهن من الاحتشام، وهذا يستوي فيه القنوات كلها، في الأخبار في الأخبار العالمية مثلاً على ما تسلط كاميرات التصوير عند مشاهدة الأخبار؟ يحدثنا الذين يرون أنهم لا يهمهم أن يصور الرجال أبداً في الحوادث الذي تقع في الخارج، لا يهمهم أن تصور الرجال، إنما يركز التصوير على النساء، وهذا بحد ذاته منكر لا تجوز رؤيته، والله المستعان.
نكتفي بهذا القدر، سم.
شرح باب العرايا وغير ذلك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب العرايا وغير ذلك:
عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها، ولمسلم بخرصها تمراً، يأكلونها رطباً.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في بيع العرايا، في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تقدم في حديث سابق المزابنة، والنهي عنها، وأنها حرام، وهي مأخوذة من الزبن وهو الدفع، ويراد بها بيع الرطب على رؤوس النخل بقدره كيلاً من تمر على الأرض، والسبب في ذلك عدم التساوي، عدم التساوي؛ لأنه لا يمكن التساوي بين رطب وبين جاف، ولذا لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أيرخص الرطب إذا جف؟ )) قالوا: نعم، قال: ((فلا إذاً)) هذا الأصل في بيع الرطب باليابس، لا يجوز لعدم تحقق التساوي.(33/2)
قد يحتاج المرء إلى تمر رطب يأكله مع الناس، وليس لديه ثمن يدفعه، عنده تمر باق من تمر العام الماضي، ويريد أن يشتري بهذا التمر تمر رطب يأكله مع الناس، الأصل في هذا المنع.
جاءت الرخصة في العرايا، العرايا والعرية استثنيت من المزابنة، فعريت عن حكم نظائرها، عريت عن حكم نظائرها، فيجوز لهذا المحتاج أن يشتري رطباً على رؤوس النخل، بمقداره كيلاً من تمر جاف، ولو لم تتحقق المساواة، وهذا مستثنى من الحكم السابق، ولا يقول قائل: لماذا لم يوجه هذا المحتاج إلى أن يبيع اليابس ويشتري الرطب، كما وجه في الحديث السابق: ((بع الجمع بالدراهم، واشترِ بالدراهم جنيباً))؟ لماذا لم يقل له: "بع هذا اليابس بالدراهم، الجاف بالدراهم، واشترِ بالدراهم رطباً؟ لماذا لم يوجه؟ لم يقل له هكذا؟ لأن الأول متفكه، عنده رطب يبيعه برطب، وأما الثاني: فهو يريد الرطب يأكل مع الناس، وعنده جاف، لو باعه بالدراهم لخسر خسارة كبيرة، لا سيما إذا جاء التمر الجديد في مقارنته بالتمر القديم لا شك أنه سوف يتضرر علماً بأن المعول على النص، النص هو الذي أباح مثل هذه الصورة ومنع تلك الصورة.
"رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها"، هذا وجه من أوجه تسمية العرية بهذا الاسم، وأنها ملاحظة لحال المحتاج، لملاحظة حال هذا المحتاج أن يشتري التمر الرطب بالجاف، على أن يتحد الكيل بالخرص، والمكيال ما على رؤوس النخلا وجد عندهم الرطب يأتون إلى الفقير فيقولون له: ثمرة هذه النخلة أو يخرص، فيقدر بمائة صاع، مائتي صاع، ثلاثمائة صاع على الخلاف في ذلك الذي سيأتي -إن شاء الله- بقدره من اليابس، من الجاف.(33/3)
من أهل العلم من يفسر العرية بملاحظة حال صاحب الرطب، كان العرب يحنو بعضهم على بعض، ويراعي بعضهم مصلحة بعض، ويشفق بعضهم على بعض، فكانوا إذهذه النخلات لك، كله أنت وأولادك على التدريج، بإمكانك أن تأتي وتخرف من هذا النخل ما يكفيك ويكفي ولدك، على ألا تتعدى هذا النخل المحدد، ثم يتضرر صاحب البستان، يتضرر صاحب البستان بكثرة دخول هذا عليه من أجل الخراف، فيقول له: بعني هذا التمر الذي على رؤوس النخل بهذا الذي على وجه الأرض، هذا تفسير لبعض أهل العلم والحكم واحد، كله مزابنة، سواءً قلنا: إن الملاحظ فيها مصلحة المحتاج أو مصلحة صاحب النخل؛ لأن بعض الناس يكون عنده بستان كبير، ثم يشفق على جاره أو قريبه المحتاج، فيقول: هذه النخلات لك، خمسة أوسق فما دون، ثم يتضرر صاحب البستان من كثرة ما يدخل هذا؛ لأن بعض الناس يكون فيه شيء من اللؤم، هذا يحسن عليه ثم هذا الذي أحسن إليه قد لا يتحين الأوقات المناسبة للخراف، قد لا يتحين الوقت المناسب، يشوف الوقت لا يكون فيه هذا صاحب البستان هو وأولاده منتشرون في المزرعة، بعض الناس لا يحسن فيتضرر صاحب البستان، ويقول لهذا الفقير المحتاج: خلاص بع علي هذا التمر الذي على رؤوس النخل من النخل الذي على وجه الأرض مجذوذ وجاهز.
"رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها" أن يبيعها بخصرها، يعني من التمر الجاف، ولمسلم: "بخرصها تمراً يأكلونها رطباً" وهذه الرواية تؤيد التفسير الأول للعرية، في مسلم: "بخرصها"، "رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها تمراً يأكلونها رطباً".
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في بيع العرايا، في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق.
(أو) هذه للشك، شك من الراوي هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: خمسة أوسق؟ أو قال: دون خمسة أوسق؟(33/4)
هذا الشك يثير شبهة في الخمسة، فهل يجوز للمحتاج ولصاحب البستان أن يتعامل بهذا المقدار الخمسة كاملة؟ أو لا يجوز له أو إلا فيما دون؟ المقصود أن الخمسة مشكوك فيها، والمجزوم به ما دون الخمسة، فمن أهل العلم من يقول: يجوز بالخمسة، ويطرح الشك، اللي هو ما دون الخمسة، ومنهم من يقول: المجزوم به ما دون الخمسة فلا يجوز أن يبلغ بالقدر الذي اتفق عليه في العرايا إلى الخمسة، وهذا هو الأحوط.
خمسة الأوسق، الوسق: ستون صاعاً، والخمسة الأوسق كم تكون؟ ثلاثمائة صاع، المسألة مفترضة في شخص محتاج، شخص محتاج تلاحظ حاجته في هذا، ويخرج عن الأصل الذي هو المنع دفعاً لحاجته، فهل دفع الحاجة يكون بهذا القدر ثلاثمائة صاع؟ ثلاثمائة صاع إيش معناه؟ هل معنى هذا أن أهل هذا البيت يحتاجون كل يوم صاع من التمر؟ الحاجة الآن ثلاثمائة صاع، والذي قررها وحددها الشرع، وإذا كانت حاجته أقل من ثلاثمائة صاع يجوز له أن يتعامل بهذه، بهذا النوع في الثلاثمائة كاملة، أو يقتصر على قدر الحاجة؛ لأنها على خلاف الأصل للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها؟ أو نقول: إن (أو) هنا للتقسيم وليست للشك؟ وحينئذ بعض المحتاجين يحتاج إلى ثلاثمائة صاع، وبعض المحتاجين يحتاج إلى دون خمسة أوسق، دون ثلاثمائة صاع، وحينئذ تكون الحاجة بقدرها، فالذي لا يحتاج رجل وزوجته في بيت، وهم محتاجون إلى أن يأكلوا رطب مع الناس، مثل هؤلاء يمكن يكفيهم وسق واحد طول السنة يكفيهم وسق واحد، هل يجوز لهؤلاء أن يأخذوا خمسة أوسق؟ نقول: هذا مقيد بالحاجة، والحاجة تقدر بقدرها.(33/5)
لو افترضنا أن هذا المحتاج عنده أربع بيوت، كل بيوت مملوء عنده أربع زوجات، وكل زوجة عندها عشرة أولاد، وهؤلاء بحاجة على عشرة أوسق، ما يكفيهم خمسة أوسق، نقول: الشرع حدد الجواز بالخمسة أوسق فما دون، هل لمثل هذا المحتاج أن يتعامل بالعرية مع شخص بخمسة أوسق ومع آخر بخمسة أوسق أخرى؟ أو ليس له ذلك؟ المسألة قيدت بالحاجة، ما قيدت بالحاجة؟ قلنا: إنه إذا كانت حاجته تندفع بوسق واحد يجوز له أن يأخذ أكثر أو لا يجوز؛ لأنها خلاف الأصل؟ لا يجوز، لكن إذا كانت حاجته لا تندفع إلا بعشرة أوسق، مثلما قلنا: أربعة بيوت كل بيت فيه عشرة أشخاص، لا يجوز له أن يتعامل مع شخص واحد بهذه الصورة، لكن لو قال: أنا أتعامل مع هذا بالقدر المحدد شرعاً، وأذهب إلى آخر وأتعامل معه بالقدر المحدد شرعاً، وحينئذ لا تنتهي الحاجة، قد يتعامل مع ثالث ورابع، ويتحايل على تحليل ما حرم الله من بيع المزابنة، وعلى هذا يمنع من الزيادة على خمسة أوسق مهما كانت حاجته، والحاجة كما ذكرنا تقدر بقدرها؛ لأن هذا جاء على خلاف الأصل؛ لأن الأصل المنع في مثل هذا البيع، فأبيح أبيحت هذه الصورة للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، نظير ذلك من أذن له في الأكل من الميتة، هذا مضطر، إن لم يأكل من هذه الميتة يموت، أذن له أن يأكل من الميتة للضرورة، هل يجوز له أن يشبع باعتبار أنه أذن له أن يأكل؟ أو يأكل بقدر ما يقيم صلبه ويدفع به هذه الضرورة؟ يأكل بقدر حاجته، ولذا لو غلب على ظنه أنه لا يجد شيئاً في طريقه يشبع وإلا ما يشبع؟ أو نقول: احمل معك ما يدفع عنك هذه الضرورة إن احتجت إليه إذا غلب على ظنه أنه لا يجد، وحينئذ يقال له: لا تشبع؛ لأن هذا إنما أبيح للضرورة والضرورة تقدر بقدرها، نعم.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)) ولمسلم: ((ومن ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع)).
وعنه -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) وفي لفظ: ((حتى يقبضه))، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- مثله.(33/6)
حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من باع نخلاً قد أبّرت)) أو أبرت بالتشديد والتخفيف، والمراد بذلك معنى التأبير هو: التلقيح، يؤخذ شيء من طلع الذكر من النخل ويوضع بين ما تنتجه الأنثى، هذا هو التأبير، ((من باع نخلاً قد أبرت فثمرها للبائع -باع نخل- إلا أن يشترط المبتاع))
النخل يطلق على إيش؟ على الجذع، نعم، والعشب، والجريد، وغيرها، وهل تدخل في الإطلاق الثمرة أو لا تدخل؟ هل يدخل في إطلاق النخل الثمرة أو لا يدخل؟ يعني لو قدر أن هذا الحديث ما هو موجود، هذا الحديث ما هو موجود نفترض أنه ما وجد هذا الحديث، فعند زيد من الناس نخلة مشتملة على الجذع كامل والعشب والطلع أيضاً والتمر، هل يحتاج أن يقول: أنا أشتري النخلة بثمرتها؟ أو يكفي أن يقول: أشتري النخلة ويثبت تبعها كل ما حولها، كل ما يطلق عليه الاسم؟ أو نقول: النخلة شيء والثمرة شيء آخر؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الثمرة موجودة، هذه نخلة التمر يتدلى منها موجود، فقلت لزيد من الناس: بعني هذه النخلة، يحتاج أن تقول: بعني هذه النخلة بتمرها أو لا يحتاج؟ النماء، نماء السلع ينقسم إلى: متصل ومنفصل، متصل ومنفصل، أنت إذا اشتريت شاة في جوفها حمل، وعلى ظهرها صوف، وفي ثديها لبن، يحتاج أن تقول: بعني هذه الشاة بصوفها ولبنها وحملها؟ يحتاج؟ أو تقول: بعني هذه الشاة باعتبار أن هذه الأمور كلها متصلة بها لا يلزم من ذلك ذكر هذه الأمور، واشتراطها معه؟ النماء المتصل، لكن إذا قلت .. ، إذا رأيت مع زيد من الناس شاة ومعها ولد يمشي، نعم، معه رخلة، تمشي معها، هل يحتاج أن تقول: بعني هذه الشاة وهذه الرخلة وإلا ما يحتاج؟ هذا منفصل لا بد أن تذكره، التمر في حكم المنفصل وإلا المتصل؟ نعم، نعم، متصل وإلا منفصل؟ هو وإن كان متصل حقيقة إلا أن الحديث يدل على أنه بعد التأبير في حكم المنفصل، وقبل التأبير في حكم المتصل، ظاهر وإلا مو بظاهر؟(33/7)
الحديث: ((من باع نخلاً قد أبرت فثمنها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)) يشترط المشتري، بعني هذه النخلة على أن تكون هي وثمرتها، أنا أريد أن أشتري هذه النخلة بطلعها بثمرتها، إذا اشترط لا بأس، المسلمون على شروطهم، لكن إذا لم يشترط فبعد التأبير الطلع للبائع؛ لأنه هو الذي تعب عليه، وقبل التأبير الطلع لإيش؟ لمن؟ للمشتري، وهي من جهة تشبه المنفصل، ومن جهة أخرى فيها شوب اتصال.
نأتي إلى الشاة في المثال السابق، الشعر والظفر عند أهل العلم، الشعر والظفر هل هما متصلان أو منفصلان؟ قاعدة ذكرها ابن رجب وغيره في القواعد، الشعر والظفر، نعم متصل وإلا منفصل؟ وسيأتي ذلك أو الإشارة إلى ذلك في حكم بيع الميتة في الحديث الذي يليه، جمع غفير من أهل العلم يقولون: الشعر والظفر في حكم المنفصل، عند من يقول بنقض الطهارة بمس المرأة إذا مس شعرها وإلا ظفرها ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ إذا مسها بشعرها أو بظفره ينتقض وإلا لا؟ الحكم منفصل لماذا؟ لأنه لا تحله الحياة ولا يحس به، فهو منفصل حكماً، وإن كان في باب الأيمان والنذور يحنث إذا مسه، إذا حلف ألا يمس شاة، فوضع يده على ظهرها، قلنا: حنثت عليك الكفارة، قال: يا أخي أنتم تقولون: الشعر في حكم المنفصل؟ إيش معنى أنه ما ينقض الوضوء وهنا تقولون: يحنث؟ نقول: يحنث، لماذا؟ نعم الأيمان والنذور مبناها على الأعراف، وفي العرف إذا وضع يده على ظهر الشاة وإن كانت موضوعة على الشعر يكون مسها عرفاً وحينئذ يحنث.(33/8)
((إلا أن يشترط المبتاع)) هذا اشترط الثمرة فهي له، ولو أبرها البائع، ولمسلم .. ، وهذا الحديث في الحقيقية متفق عليه، وهو مخرج في البخاري أيضاً، لماذا المصنف عزاه لمسلم فقط؟ لأنه بحث عنه في كتاب البيوع، في كتاب البيوع فلم يجده في البخاري، وحينئذ حكم عليه أنه ليس في البخاري، كثير من أهل العلم يحكمون على أحاديث معزوة للبخاري أن هذا وهم ولا يوجد في البخاري؛ لأن البخاري له ملاحظ دقيقة قد يجعل الحديث في غير مظنته لأمر خفي دقيق لحظه لم يلحظه غيره، هذا من فقهه -رحمه الله-، فالإمام -رحمة الله عليه- كثير من أهل العلم يقولون: حديث ضباعة بنت الزبير في الاستثناء في الحج لم يخرج في البخاري، والواقع أن البخاري خرجه، لماذا؟ قالت: إني أريد الحج وأجدني شاكية، قال: ((حجي واشترطي فإن لك على ربك ما استثنيت)) بعض العلماء قال: ما خرجه البخاري، وهو في البخاري، لماذا؟ لأنه بحث عنه في كتاب الحج في الإحصار في الفوات ما في شيء، من يتصور أن البخاري يضع هذا الحديث في كتاب النكاح؟ من يتصور أن البخاري يضع هذا الحديث في كتاب النكاح؟ لمعنى دقيق جداً.
((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) من يتصور أن البخاري يخرج هذا الحديث في كتاب الوصايا، وهكذا، فعلى طالب العلم ألا يجزم بنفي الحديث من خلال البحث في موضعه، فإن البخاري له ملاحظ دقيقة تخفى على كثير من أهل العلم، فضلاً عن المتعلمين، ولذا الحافظ عبد الغني من كبار الحفاظ عزاه لمسلم، وهو موجود في البخاري، والله المستعان.(33/9)
((من ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع)) العبد له مال؟ العبد له مال؟ يملك العبد؟ لا يملك، العبد لا يملك، وإن قال مالك: إنه يملك بالتمليك، على كل حال على قول مالك إذا ملكه العبد فماله تبع، ماله للذي باعه لسيده إلا أن يشترط المبتاع، يقول: اشتريت هذا العبد وما لديه من مال، على قول من يرى وهم الأكثر أن العبد لا يملك بالتمليك، كيف يكون له مال؟ أدواته الخاصة به، ثوبه، شماغه، حذاؤه، نظراته، قلمه، هذه أمواله، تنسب إليه باعتبار أنه هو الذي يباشرها، وهذه الأموال تكون تبعاً له في البيع أو تكون لسيده الذي باعه إلا أن يشترطها المبتاع؟ نعم، مقتضى الحديث أنها للسيد للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع.(33/10)
حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) يعني حتى يقبضه بكيله أو وزنه، الاستيفاء يكون بالكيل والوزن، ولذا جاء باللفظ الآخر، وفي لفظ: ((حتى يقبضه)) وهذا أعظم من أن يكون مكيلاً أو موزوناً، فالقبض أعم من الاستيفاء بالكيل والوزن، وما زال الأمر في الطعام، ((من ابتاع طعاماً)) وعن ابن عباس مثله: ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) نهى أن يبيع الرجل طعامه حتى يستوفيه، وفي لفظ لمسلم: ((حتى يقبضه)) وفي آخر: ((حتى يكتاله)) وعلى هذا لا يجوز بيع الطعام بحال حتى يقبض وحتى يستوفى، إن بيع بالكيل يستوفى بالكيل، إن بيع جزاف يستوفى بإيش؟ جزاف وإلا لا بد أن يكال؟ ((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) عرفنا الاستيفاء يكون بالكيل والوزن، هذه سيارة وقفت في سوق التمر مثلاً، وعلى ظهرها ألف صندوق من التمر، نقول: فرغ هذه الصناديق في المكاييل أو الموازين، أو يكفي أن تباع جزاف؟ تباع بالصندوق هكذا، متى نتحاج إلى أن نستوفيها بالكيل؟ الآن بيع التمر جزاف يجوز وإلا ما يجوز؟ صبر التمر، كوم التمر، تباع وإلا ما تباع؟ بغير كيل؟ يمكن أن تباع جزاف؟ يمكن إذا بيعت بغير جنسها، إذا بيعت بغير جنسها، لكن إذا بيعت بتمر لا بد من الكيل، إذا بيعت بالدراهم تباع جزاف، ومثل هذا التمر الذي مثلنا به وهو على ظهر السيارة يباع بالصندوق، وحينئذ لا يجوز أن يبيعه المشتري حتى يقبضه.(33/11)
وجاء ما هو أعم من ذلك نهى أن تباع السلع، نهى أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، منهم من قال: السلع مطلقة والطعام مقيد، والقبض والحيازة خاص بالطعام، إلا أن ابن عباس يرى أن هذا يعمل به وذاك يعمل به، وحينئذ يكون من باب العموم والخصوص، السلع لفظ عام، والطعام لفظ خاص، والتنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، وعلى هذا لا بد من القبض في السلع كلها، ولذا يقول ابن عباس: وما أرى بقية السلع إلا كذلك، يعني مثل الطعام، لا بد أن تقبض، لا بد أن تستوفى، واستيفاء كل شيء بحسبه، نهى أن تبتاع السلع، أن تباع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، والسلع وإن كان عاماً إلا أنه يراد به الخصوص، هل هو مخصوص بالطعام؟ يخص بالطعام وإلا لا؟ يعني عندنا السلع لفظ عام الطعام خاص، يخص الخاص العام بهذا الخاص الطعام، أو نقول: الحكم حكم العام والخاص فلا يقتضي التخصيص، ولذا قال ابن عباس: ولا أرى بقية السلع إلا كذلك، في مثل هذه الصورة لا يقتضي التخصيص، لكنه مع ذلكم هو عام أريد به الخصوص حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، اشتريت أرض كيف تحوزها إلى رحلك؟ يمكن، يمكن تحوز الأرض إلى رحلك؟ ما يمكن، اشتريت ألوف الأطنان من البضائع الثقيلة الكبيرة كيف تحوزها إلى رحلك، ما لا يمكن حيازته إلى الرحل يقبض بالتخلية، يخلى بينك وبينه، وحينئذ يقول جمع من أهل العلم أو جمهور أهل العلم: إن قبض كل شيء بحسبه، قبض كل شيء بحسبه، على كل حال لا يجوز لك أن تتصرف في السلع حتى تقبضها، إن كانت طعاماً فلا بد من حيازتها، وإن كانت غير طعام فالأمر فيها أخف لوجود الخلاف، لكن إذا أمكن نقلها فهو الأصل، وإن لم يمكن فبالتخلية.
السلعة طعام والمثال الذي ذكرناه شخص جاء بسيارة على ظهرها مئات الصناديق من التمر، وحرّج عليها بسوق التمر وباعها، كم الصندوق خمسة، عشرة، عشرين، ثلاثين نصيبك، هذا الذي اشترى يريد أن يبيع، هل نقول: يلزمك أن تحوز هذا التمر إلى رحلك، ثم تبيعه متى شئت؟ أو نقول: يكون حكمه حكم السلع الأخرى اقبضه بمثل ما تقبض غيره من السلع؟ أو نقول: هذا طعام لا بد أن تستوفيه، وأن تحوزه إلى رحلك، ثم بعد ذلك تأتي به لتبيعه؟(33/12)
((من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه)) وفي لفظ: ((حتى يقبضه)) هذه الألفاظ تدل على أنه لا يلزم أن ينقله من مكانه، بل يقبضه القبض المعتبر، ويستوفيه بالكيل والوزن على ما تقدم، لكن نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم يقتضي أنه لا بد من نقلها، وحينئذ تخرج هذا التمر من السوق، ثم إذا أردت أن تجلبه يوماً آخر وهذا هو الأحوط، لكن هل الناس يفعلون هذا؟ في أحد يفعل هذا؟ إذا اشترى سيارة على ظهرها مئات الصناديق من التمر، وهو يريد بيعها، لا يريد كنز هذا التمر وأكله وادخاره، لا، يريد البيع،. . . . . . . . . يبيعها، اشترى الصندوق بعشرين يحرج عليها ويقطع الصندوق بثلاثين، وهو بمكانه، لا شك أن الورع أن يحوزه إلى رحله، ثم يجلبه مرة أخرى، وهذا أبعد عن الشبهة.
من زوائد الكبرى عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل)) ولا شك أن هذا أبرك، ((إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل)) يعني إذا بعت فاستعمل المكيال؛ لأنه أبرأ للذمة، وإذا ابتعت، إذا اشتريت فاكتل، والحديث معلق في البخاري بصيغة التمريض، ويذكر عن عثمان، ومقتضى الرمز (خ) أنه في البخاري أصل من الأصول؛ لأن علامة التعليق غير علامة تخريج الأصول، رمز التعليق إيش؟ خاء تاء، (خت)، بهذا نعرف أن البخاري خرجه معلقاً، وهنا قال: خاء، ففي هذا إيهام أن البخاري خرجه في الأصول.
((إذا بعت فكل)) هذا أمر بالكيل، ((وإذا ابتعت فاكتل)) أيضاً أمر بالاكتيال، وأقل الأحوال الاستحباب، أقل الأحوال، وإن كان الأصل الوجوب في الأمر.(33/13)
عائشة -رضي الله عنها- كان عندها شعير تأكل منه، طالت مدته، طالت مدة هذا الشعير فكالته ففني، يقول: ((إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل)) هذا أحوط لا شك وأبرأ للذمة بيعاً وشراءً، نعم، وجمع من أهل العلم يقولون: أبرك أيضاً، يبارك له إذا امتثل هذا الأمر، نعم، عائشة لما كالت الشعير فني، وقبل اكتياله تأكل منه مدة طويلة، وهو شيء يسير، كان مبارك ولما كالته فني ذهبت عنه البركة، ما وجه ذلك؟ ما وجه ذلك؟ السلعة قبل تمام ملكها إنما تملك بالكيل والاستيفاء الدقيق إبراءً للذمة، إبراءً للذمة، فإذا ملكت هذا الشعير مائة صاع ابتعته واكتلته هات الصاع وكله واحداً بعد الآخر حتى تتم المائة، لا شك أن هذا أبرأ للذمة، فإذا اشتريته وتم ملكك عليه ووديته للبيت سواءً كان شعير حنطة تمر حينئذ لا تكله، لئلا تنزع منه البركة، لماذا؟ لأن مسألة الكيل كل يوم تدخل للمستودع زاد نقص، تعدد، ما شاء الله هذا بقي واحد اثنين ثلاثة أربعة ليش نقص هذا؟ ليش زاد هذا؟ في المستودع، مثل هذا يدل على عدم الثقة بالله -عز وجل-، أنت واثق بما عندك من التموين على ما يقول الناس، ليش زاد واحد؟ ليش نقص واحد؟ اتركه فإذا انتهى قالوا: انتهى وهات غيره، لا تكن دقيقاً في مثل هذه الأمور ليبارك لك في ذلك، وبعض الناس إذا دخل البيت أول ما ينحر المستودع، ليش زاد هذا؟ ليش نقص هذا؟ هذا يعاقب بنزع البركة، ومن فوض أمره إلى الله، واعتمد عليه واتكل عليه وترك الأمور كما هي تمشي بالبركة كما يقول الناس: يبارك له فيها، ومتى ما فني، متى ما انتهى يقال: هات، هو من هذه الحيثية الدقة في الحسابات أيضاً دليل على شيء من عدم الثقة بالله -عز وجل-، قد يقول قائل: إن بعض الناس يحسبون بدقة الميزانية، الراتب كذا يخرج منه كذا لكذا وكذا وكذا، وهذا على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد الميزانيات، وبعض الناس يأتي بالراتب ويرميه في الصندوق وكل يوم يسحب منه ما يحتاج، ويبارك له فيه، ودليل على أنه واثق بالله، مطمئن بما عنده، لماذا؟ لأن هذه الدنيا ليست مقصد، هي دار ممر ليست دار مقر، لكي تحسب وتتعب نفسك، وتفني عمرك فيما لا ينفع، زاد، نقص، انتهى، فني، ليش؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام-(33/14)
يقول: ((ما أحب أن يكون لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار، إلا ديناراً أرصده لدين))، ثم قال: ((إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) ينفقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، هذا الأصل.
أما والله كم بقي من الراتب؟ كم انتهى من الراتب؟ كل يوم يحسب وكل يوم .. ، هذا دليل على عدم الثقة بالله -عز وجل-، ولذا لما كالت عائشة -رضي الله عنها- الشعير فني، والذي يترك أموره ويصرف وينفق على نفسه وعلى من تحت يده مع التوسط والاعتدال من غير إسراف ولا تقتير، {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [(29) سورة الإسراء] {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [(27) سورة الإسراء] ليس معنى هذا أن الإنسان يبذر ويصير عالة على الناس يتكففهم، لا، وليس معنى هذا أن يكون جماعاً للمال، مناعاً له، لا، لا بد أن يتوسط في أموره، ويضع في حسابه ونصب عينيه أن الدنيا ليست غاية، إنما هي ممر، ومتاعها الذي لا يوصله ويبلغه إلى مرضاة الله -عز وجل- هذا لا ينفعه، هذا وبال عليه.
و ((الغنى -كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- غنى النفس، ليس الغنى عن كثرة العرض)) كم من شخص مرتبه يسير، وهو مبسوط ومرتاح غني النفس، وكم من غني عنده الأموال الطائلة الملايين، ومع ذلكم هو في حكم الفقراء لما جبل عليه من الشح والهلع والبخل، نسأل الله العافية، فهذا الفقراء أحسن حالاً منه، والله المستعان.
نعم حديث جابر، تأذن؟ تفضل، نعم.
شرح حديث: ((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام .. )):
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح: ((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)) فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؟ فإنه يُطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: ((لا، هو حرام)) ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: ((قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومهما جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه))، جملوه: أذابوه.(33/15)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح" وهو بمكة في السنة الثامنة من الهجرة: ((إن الله ورسوله حرم)) حرم بالإفراد إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، وفي هذا تأدب من النبي -عليه الصلاة والسلام- مع ربه -عز وجل-، ((إن الله ورسوله حرم)) ما قال: حرما، لئلا يضم ضميره إلى ضمير الله -عز وجل-، وجاء الإنكار من النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخطيب الذي قال: "ومن يعصهما فقد غوى" فقال: ((بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى)) لئلا يتوهم متوهم أن مرتبة النبي -عليه الصلاة والسلام- تساوي أو تداني مرتبة الله -عز وجل-، فمن خطر على باله ذلك لا يجوز له بحال أن يثني الضمير في مثل هذه الصورة.
جاءت التثنية ((أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) ((إن الله ورسوله ينهيانكم)) في حديث أبي إيش؟ عن لحوم الحمر الأهلية، جاءت التثنية فمن أهل العلم من يقول: إن للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يثني وليس لغيره أن يفعل ذلك، ومنهم من يقول: إن حديث النهي، حديث الاستدراك على الخطيب منسوخ بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وعلى كل حال من الأدب ألا يجمع بين ضمير الله -عز وجل- وضمير رسوله -عليه الصلاة والسلام-.(33/16)
كثيراً ما نرى وهذا قد يوجد في المساجد فوق المحراب، فوق المحراب دائرة مكتوب فيها الله وهنا محمد، حكم هذا العمل؟ المحذور هنا في التثنية قد يرد في مثل ذاك؛ لأنه وضع اسم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بجانب اسم الجلالة، وعلى حد سواء، يعني لو وضعت دائرة فيها لفظ الجلالة وتحتها محمد، ينتفي المحظور وإلا ما ينتفي؟ إذا وضعتها متقابلتين، يعني متساويتين من كل وجه قد يقول قائل: إن هذا يشم منه التسوية، وقد يقال: لا سيما إذا لم يرد على خاطر من فعل ذلك هذه التسوية، لماذا؟ لا يجوز مثل هذا العمل وقد جاء في تفسير قوله -جل وعلا-: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح] قال: لا أذكر حتى تذكر معي، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، من هذه الحيثية لا مانع أن يذكر مثل هذا، وأنه لا يذكر الله إلا ويذكر معه النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الله هو الذي رفع ذكره، لكن إذا شككنا أو كنا في بلد أو مجتمع قد يخطر على بال أحد من أولئك أن التسوية ينبغي أن يمنع سداً للذريعة، أحياناً يكتب لكنهم لا يجعلونه في صف واحد، لا يجعل في صف واحد، أحياناً يكتب في بعض الدوائر لا سيما العسكرية (الله) فوق، ثم تحتها من هنا (المليك)، ثم (الوطن)، هذا ما فيه مساواة، المحظور لو جعلت في صف واحد، نعم، مع أنه من وجهة نظري ينبغي ألا يكتب مثل هذا بالكلية، هو ليس فيه مساواة، لكنه ينبغي ألا يكتب مثل هذا.
((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر)) يعني لما فيه من الإسكار، وقد حرم شربه، والله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، وفي حكم الخمر كل ما يزيل العقل ويغطيه مما هو مثله في الإسكار أو فوقه، فلا يجوز بيعه لا لمسلم ولا لكافر، كما أنه لا يجوز تخليله، والتحايل على أكل ثمنه بتخليله.
حرم بيع الخمر والميتة لأنها نجسة، والميتة هنا من العام الذي يراد به الخصوص، فما أبيح أكله من الميتة يجوز بيعه وإلا ما يجوز؟ يجوز بيع السمك الميت وإلا ما يجوز؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز بيعه وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(33/17)
المقصود أنه إذا جاز أكله وهو ميتة لا يدخل في التحريم، يجوز بيع الجراد وهو ميت والسمك، والحوت، وهو ميت؛ لأنه يجوز أكله وهو ميت.
((والخنزير)) الخنزير محرم إجماعاً {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [(3) سورة المائدة] فهو مجمع على تحريمه، على تحريم أكله وتبعاً لذلك يحرم ثمنه، فلا يجوز بيعه حينئذ.
((والأصنام)) التي هي سبب ضلال الإنسان في القديم والحديث، فبيع الأصنام محرم اتفاقاً، إذا بيعت على هيئتها مع بقاء اسمها، لكن لو قدر أن هذه الأصنام، أو الصلبان من ذهب، وأذيبت وصارت ذهب خام يستفاد منه أو لا يستفاد؟ نعم، يستفاد منه؛ لأنها في الأصل طاهرة، والمنع منها إنما هو لأمر طارئ وهو عبادتها من دون الله -عز وجل-، مادام المنع منها لأمر طارئ وزال هذا المانع فإنه حينئذ يجوز بيعها، سواء زال بنفسه بأن وقعت وتحطمت أو احترقت وذابت، أو أزاله الآدمي بخلاف الخمر فإنه لا يجوز بيعها، ولا يجوز التحايل على بيعها بتخليلها، أما إذا تخللت بنفسها فإنه حينئذ لا مانع من بيعها خلاً، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؟ الميتة بجميع ما تحويه من جلد ولحم وعظم وكرش ولبن وأنفحة وما أشبه ذلك، يستثنى من ذلك الجلد إذا دبغ، ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) يستثنى من ذلك الشعر والظفر؛ لأنه في حكم المنفصل.
الحنفية وبه يقول شيخ الإسلام يقول: العظم لا تحله الحياة، فإذاً لا يدخل في مسمى الميتة فيجوز بيعه، الأنفحة كذلك، اللبن كذلك، لا يجوز بيع لبن الميتة؛ لأنه مما لا تحله الحياة، حينئذ يجوز بيعه، مثل الشعر مثل الظفر، والجمهور على تحريم بيع جميع ما حواه الجلد مع استثناء ما استثني من جلد الميتة، ((هلا انتفعتم بإهابها؟ )) قلنا: ميتة، قالوا: إنها ميتة، قال: ((دباغ الأديم طهوره)) وفي رواية: ((ذكاة الأديم دباغه)).
((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) أيما: هذا من صيغ العموم المغرقة في التعميم، فالدباغ مطهر للجلد أياً كان نوعه وأصله، يدخل في ذلك جلد المأكول وغير المأكول، كله يطهر بالدباغ لعموم: ((أيما إهاب دبغ فقط طهر)) يبقى النظر في جلود السباع والنهي عن استعمالها مع طهارتها، يبقى النهي عن استعمالها.(33/18)
"فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلى بها السفن" يعني يستفاد منها في غير الأكل والشرب، الشحوم شحوم الميتة نجسة لكن تستعمل في الاستصباح، تدهن بها الجلود، تطلى بها السفن، تطلى بها السفن من أجل إيش؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
السفن من خشب، فيطلى بها السفن لئلا تشرب الماء؛ لأن الدهن ينبو عنه الماء، فلا يشرب الخشب الماء، يطلى بها السفن، "ويدهن بها الجلود"، تلين الجلود إذا كانت يابسة طليت بالدهون لانت، "ويستصبح بها الناس"، يعني قبل الكهرباء كانت المصابيح تضاء بالشحوم، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لا، هو حرام))، لا، هو حرام، الآن الوقف على (لا) حكمه؟ نعم، لازم، لماذا؟ لأن الوصل يحيل المعنى، أليس في القرآن وقف لازم؟ لماذا؟ لأن الوصل يحيل المعنى، {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [(65) سورة يونس]، لأنك لو وصلت صارت، العزة، إن العزة لله جميعاً مقول القول، وهذا لا يحزنه بحال، فلا بد من الوقف اللازم هنا، وهل نحن بحاجة إلى أن نأتي بالواو؟ إذا قلت لشخص: تفضل فقال: لا، أغناك الله، يحتاج أن تقول: لا، وأغناك الله؟ أو تقف وقف لازم على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة ويكفي؟ في البلاغة يلزمون بالواو هذه، نعم، لكن نصوص الوحيين ليس فيها هذه الواو، لا، وسلمك الله، لا، وأغناك الله، تقول هكذا، عندهم يلزمون بهذه الواو، لكن النصوص {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} قف، {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}، قال: ((لا، هو حرام)) لأنك إن وصلت كأنك جعلت (لا) نافية، إذاً ليس هو حرام، فانقلب المعنى، ينقلب المعنى.
إمام مسجد في إحدى المناطق يقرأ: ثم لا تسألن يومئذ عن النعيم، هذا يحيل المعنى وإلا ما يحيل المعنى؟ نعم، يعني بعد أن تكون اللام مؤكدة لحصول الفعل جعلها نافية، هذا جهل، جهل مطبق هذا، فمثل هذا لا يجوز أن يجعل إمام.(33/19)
نعود إلى ما عندنا، ((لا، هو حرام)) الضمير يعود على إيش؟ على البيع وإلا على الانتفاع؟ نعم، على البيع وإلا على الانتفاع؟ يجوز أن تنتفع بالدهن المتنجس أو النجس ولا يجوز أن تبيعه، إذا قلنا: إنه يعود على البيع، ويجوز الانتفاع وإذا قلنا: إنه يجوز الانتفاع ومن باب أولى لا يجوز البيع، وإذا قلنا: يجوز الانتفاع ولا يجوز البيع قلنا: إنه اختل شرط من شروط البيع: أن تكون العين مباحة النفع بلا حاجة، مثل بيع الكلب وغيره، نجس العين لكن الحاجة قائمة على استعماله، والدهن النجس الحاجة قائمة، الشحم النجس هذا، الحاجة قائمة إلى دهن الجلود، واستصباح الناس به، وعلى كل حال هما قولان، والأكثر على أنه يجوز الانتفاع دون البيع.
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: ((قاتل الله اليهود)) المقاتلة هنا معناها اللعن، لعن الله اليهود، ((قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه)) يعني أذابوه، أذابوا الشحم، حرموا الشحوم، جملوه ثم باعوه أذابوه ثم باعوه تحايلاً على ارتكاب هذا المحرم بهذه الحيلة، وهذه عادتهم وديدنهم ولذا جاء النهي عن مشابهتهم: ((لا تصنعوا مثلما فعلت اليهود)) أو ((لا تفعلوا ما فعلت اليهود فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)) وهنا جاءوا إلى الشحم فأذابوه، حرم علينا الشحم، وهذا ليس بشحم، ولو قدر أنه ثاب من شحم أن ما أكلناه أيضاً بعناه وأكلنا ثمنه، ما أكلنا الشحم، والله -سبحانه وتعالى- إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، ((ثم باعوه فأكلوا ثمنه)) متفقه عليه.
انتهى الوقت، خلاص؟
طالب: خمس دقائق.(33/20)
((قاتل الله اليهود)) عرفنا أن معنى قاتل: لعن، المقاتلة هنا بمعنى اللعن، جاء عن بعض الشراح في حديث المرور بين يدي المصلي: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله)) وفي رواية: ((فإن معه قرين)) قال بعضهم: يقاتله بالسب والشتم؛ لأن المقاتلة تطلق ويراد بها اللعن، يعني إذا أراد أن يمر دفعه. . . . . . . . .، على كلامه إيش؟ ماذا يصنع؟ نعم؟ يلعنه وهو في الصلاة، فليقاتله معناها بالسب والشتم، على ما جاء في هذا الحديث، قاتل الله اليهود يعني لعنهم، فليقاتله يعني يلعنه، وهو في الصلاة، وكأنه فر من لفظ المقاتلة، كيف؟ هل عنده سلاح ليقاتله؟ إيش معنى يقاتله؟ معناه يدفعه بما هو أشد من الدفع الأول حتى ينتهي، وليس معنى هذا أنه مجهز المسدس في مخبأته ومن مر .. ، نعم، لا، ليس هذا ولا ذاك، ليس معناه أنه يقتله، وليس معناه أنه يسبه ويشتمه ويلعنه، لا، إنما يدفعه دفعاً أشد، ويطلق على المقاتلة المدافعة الشديدة يطلق عليها مقاتلة، يطلق عليها المقاتلة، والله المستعان.
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة يا إخوان ما أدري كيف نصنع بها كثيرة جداً؟ الأسئلة كثيرة جداً.
يقول: يقترح هذا، يقترح وما أسهل الاقتراح، لكن يقترح أن يجاب على الأسئلة الخاصة بالدرس ويمكن التنبيه على الأخوة، يقصد الأسئلة الخاصة بموضوع البيوع وما يمر بنا من مسائل يجاب عليه، وما عدا ذلك يترك.
على كل حال بعض الأسئلة وإن كانت خارج الدرس وبعيدة عن الدرس إلا أن لها من الأهمية ما يجعلها تستحق التقديم على غيرها، والآن الأسئلة كثيرة جداً تحتاج إلى وقت طويل، والله المستعان.
اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عدد كبير من الأسئلة.
يقول: في حديث ابن عمر قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا فقد وجب البيع)).
السؤال ملفق الحقيقة ما هو ...(33/21)
يقول: ما الفرق بين وجوب البيع في الجملة الأولى وبين وجوب البيع في الجملة الثانية؟
كأنه يشير إلى الفرق بين خيار المجلس وخيار الشرط، فخيار المجلس ينتهي بالتفرق بالأبدان، وعليه يلزم البيع، فلا يكون لأحد مندوحة من الطرفين من لزومه إلا بالإقالة، على ما ذكرنا، وأما إن اشترطا الخيار مدة معلومة، أو اشترطا ألا خيار فقد وجب البيع في الحال.
يقول: من اشترى مصراة وأراد أن يرجعها بعد مضي أكثر من ثلاثة أيام فهل يثبت له الخيار؟
لا، لا يثبت له الخيار، إذا مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام فقد انتهت مدة الخيار.
يقول: هل يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان بقصد تجديد الوضوء، مع العلم أنه متيقن من الطهارة أم أن هذا داخل في النهي؟
النهي فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، إذا خرج بعد الأذان كما قال الصحابي: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم"، ومثل هذه المعصية لا تعارض بأمر مستحب إلا إذا كان يفوت مثلاً هو إمام مسجد، إمام مسجد ويحضر درس في مسجد آخر فإذا أذن ليذهب ليصلي بجماعته لا بأس حينئذ، أما مسألة تجديد الوضوء فلا.
يقول: اقتطعت أرضاً قبل ثلاث سنوات، قسطت ثم أكملت القسط الأخير قبل شهر، فمتى تحل الزكاة عليها من أول قسط؟
الآن هو مشتري وإلا بائع هذا ما ذكر شيء، لكن السؤال كأنه هو البائع هو المقسط، ولذا يقول: فمتى تحل الزكاة عليها من أول قسط أو من بعد الأخير؟
الديون التي في ذمم الناس إن كانت مؤجلة فلا يبدأ حولها إلا بعد حلول أجلها، وإن كانت حالة غير مؤجلة فالدين الذي على ملي له حكم، والذي على معسر له حكم، لكن مثل هذا يقسط، يقسط أراضٍ على الناس، باع أرض على زيد من الناس بثلاثمائة ألف أقساط شهرية لمدة ثلاثين شهر كل شهر عشرة آلاف، لما حال عليه الحول تحصل بيده اثني عشر قسط، وعليه أن يحسب حول كل قسط بحسبه، إذا حال الحول على القسط الأول زكاه، وإذا حال الحول على القسط الثاني زكاه، وهكذا.
بيع بعض الوكالات مثل وكالة إيش للسيارت بالتأجير فما الحكم؟(33/22)
كيف بيع بالتأجير؟ بيع بالتأجير كيف يكون بيع بالتأجير؟ هذا البيع الذي اشتهر عند الناس البيع بالتأجير المنتهي بالتمليك، والذي أفتى أهل العلم بتحريمه وتحريمه ظاهر؛ لأن السلعة عائرة، لا يعرف ضامنها، هل هي على المشتري أو على البائع؟ فإذا تلفت السيارة الذي أبرم عليها هذان العقدان التأجير والبيع، إذا تلفت فمن ضمان من؟ البائع يقول: الضمان على المشتري لأني بعت وانتهيت، والمشتري يقول: لا أنا ما اشتريت أنا مستأجر، والضمان على مالكها، ولذا حرم أهل العلم مثل هذه الصورة، لكن هناك بيع، بيع معروف أنه بيع وإن سمي تأجير، يسمونه تأجير من أجل أن يحفظ البائع حقه، تستمر السيارة باسم صاحبها الأول، فإذا انتهى آخر قسط من الأقساط انتقلت إلى أو نقلت إلى ملك الثاني، هذا كأنه بيع تام إلا أنه برهن.
يقول: هل ينطبق ما ورد في قصة عائشة -رضي الله عنها- وذهاب البركة يعني في الشعير في عد المال سواء كان في الجيب أو في البيت ومتابعة الحساب وتدقيقه في البنك؟
على كل حال إذا كان الباعث لهذا العد الحرص الزائد وأنه هل زاد أو نقص؟ وكيف؟ هل يمشي أو ما يمشي ينظر إلى المستقبل؟ هذا يذهب البركة بلا شك، لكن إن كان القصد منه التأكد من المبلغ الذي معه ليشتري به سلعة معينة قيمتها كذا وكذا لا بأس.
يقول: أفضل الطبعات في صحيح البخاري؟ وأيضاً في حفظ البخاري؟
البخاري الحفظ والقراءة لا فرق.
هذا يقول: أفضل الطبعات لقراءة صحيح البخاري، وأفضل الطبعات لحفظ صحيح البخاري؟
لا فرق، أفضل الطبعات على الإطلاق الطبعة السلطانية التي طبعت سنة (1311هـ) وعليها فروق في الروايات، وصورت أخيراً الآن هي موجودة مصورة ومعتنىً بها عناية فائقة.
يقول: من المعروف أن سبايا المسلمين من الكفار يعتبرون عبيد وبعد ذلك أسلم الكفار ثم أنجبوا أطفال وهم على الإسلام فهل الأطفال يكونون عبيداً؟
نعم؛ لأن الرق عجز حكمي سببه الكفر في البداية، ثم يتناسل هؤلاء وإن أسلموا، وإن أسلموا يثبت عليهم حكم الرق حتى يتم تحريرهم، والشرع يتشوف إلى العتق على ما سيأتي في حديث بريرة -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .(33/23)
ما في مانع لكن الأسئلة كثيرة جداً لا يمكن الإجابة عليها كلها.
سم.
شرح: باب السلم:
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب السلم:
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال: ((من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب السلم: السلم والسلف معناهما واحد، والمقصود منه أن يقدم الثمن وتؤخر السلعة المبيعة.
تشتري من مزارع طعاماً تقدم له القيمة على أن يحضر لك هذا الطعام بعد سنة أو بعد ستة أشهر، لا بد من الأجل المعلوم المحدد، ولا بد من الكيل المعلوم، والوزن المعلوم.
فلما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة مهاجراً من المعلوم أن الأنصار أهل حرث وزرع وجدهم يسلفون في الثمار، في الثمار من التمور والحبوب وغيرها، السنتين والثلاث، في لفظ: "العام والعامين" وفي لفظ: "العامين والثلاثة"، على كل حال السلم إذا حدد أجله ولو طال أمده، فإذا جاز السلم في سنتين جاز في ثلاث وهكذا، إذا جاز في ثلاث جاز في خمس، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((من أسلف في شيء -أسلف وأسلم بمعنى واحد- من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم)) لا بد أن يكون القدر المسلم فيه محدد، ((ووزن معلوم)) في كيل معلوم إذا كان من المكيلات، ووزن معلوم إذا كان من الموزونات ((إلى أجل معلوم)) لا بد أن تكون المدة محددة؛ لأن جهالة الأجل ينتج عنها الضرر الكبير لأحد الطرفين ولا شك ويحصل فيها الخصام والنزاع.
((من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم)) السلف والسلم عرفنا صورته: أن يشتري سلعة آجلة بثمن حال، يسلم ويسلّم ويقدم فيسلم في مجلس العقد، ومن هنا سمي السلم وسمي السلف.(33/24)
"السنتين، من أسلف في شيء" من أسلف في شيء نكرة في سياق الشرط تعم كل شيء، ولذا يرى بعض أهل العلم أنه يجوز في كل شيء يمكن تسليمه عند حلول أجله إذا انضبط وصفه، سواءً كان مطعوماً أو غير مطعوم، سواءً كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً أو مذروعاً أو معروفاً بصفة، يعني كان شيئاً واحداً، مصنوع مثلاً، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم)) هذا على سبيل المثال، وخرج مخرج الغالب؛ لأنهم إنما يسلفون في المكيلات والموزونات.
ومقتضى قوله: ((من أسلف في شيء)) أن السلف يجوز في كل شيء، وهل يشترط في السلم أن يكون البائع مالك لأصل السلعة؟ هل يشترط أن يكون المالك للبستان، مالك للنخيل التي أسلم في ثمرتها، مالك للأشجار التي أسلم في نتاجها؟ مالك للمصنع الذي أسلم في إنتاجه؟ لو جئت إلى مصنع سيارات وقلت له: هذه مائة ألف مديل (2004) كم تبيعون مديل (2004) قال: نبيعه نقد (140) مثلاً فقلت له: هذه (100) ألف على أن تعطيني، يصل إلي في يوم كذا والوصف كذا وكذا وكذا، إلى آخره، بحيث لا يتغير، يصح السلم وإلا ما يصح؟ هو مالك للمصنع، وضابط للوصف، مقتضى قوله: ((من أسلف في شيء)) يعم المطعوم وغير المطعوم.
إذا أتيت شخص لا يملك مصنع زميل لك في العمل أو جار لك، وقلت له: أنا أريد جمس موديل (2004) يعني مضمون أن يصل الجمس في (2004) حسب تقديرهم، الآن ما وصل (2003)؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ يعني بعد سنة من الآن يكون وصل (2004) بعد سنة من الآن في سبعة ثمانية ألف وأربعمائة وأربعة وعشرين يغلب على الظن أنه يصل، هي زيادة يوم أو نقص يوم ما في مشكلة هذه، نعم، أو من باب الاحتياط يقول: هذه مائة ألف حضر لي جمس ألفين وأربعة يوم عيد الفطر، يقول: ما في احتمال أنه ما وصل، زميله في العمل أو جاره ما عنده مصنع، هل يشترط أن يكون البائع مالك للسلعة أو لا يشترط؟ مالك لأصلها، يتشرط وإلا ما يشترط؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، لكن مقتضى يسر الشريعة، وإيجاد الحلول البديلة للعقود المحرمة يقتضي، لا سيما وأنه لا يوجد ما يدل على اشتراطه يقتضي جوازه.(33/25)
طيب عالم من العلماء عرف بالتأليف وتجويد التأليف، يأتي إليه صاحب مطبعة ويقول له: هذه مائة ألف على أن تؤلف لي تفسير للقرآن في خمسة مجلدات، كل مجلد ثلاثين ملزمة ضبط من كل وجه، خمسة مجلدات في كل مجلد ثلاثين ملزمة هذه مائة ألف، يصح السلم على أن تسلم لي هذا التفسير خلال سنة، يعني بعد سنة من الآن، أو بعد سنتين، السلم صحيح وإلا ليس بصحيح؟ الثمن معلوم والأجل معلوم والقدر معلوم، والحرف يعني يمكن ضبطه بدقه، الحرف رقمه كذا، الورق مقاسه كذا، يمكن ضبط الأمور بدقة، يصح وإلا ما يصح؟
طالب:. . . . . . . . .
يصح، إذا نظرنا إلى القضية مجردة وقسناها على الصنائع والحرف قلنا: الأصل جوازه، لكن يبقى ما الباعث لهذا العالم على هذا التأليف الذي يبتغى به وجه الله؟ العلم الذي يبتغى به وجه الله؟ ما الذي بعثه؟ وما الذي نهزه على التأليف؟ نعم، المبلغ، إذاً يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم، فرق بين أن يكون الشيء مما يبتغى به وجه الله، وأن يكون من أمور الدنيا، لا شك أن هذه المائة ألف تعين هذا العالم على أن يتفرغ للتأليف ونفع الناس، لكن يبقى أن هذا الأمر لا سيما العلم الشرعي الذي يبتغى به وجه الله لا يجوز أن يكون الباعث عليه طلب الدنيا، لا يجوز بحال أن يكون الباعث عليه طلب الدنيا، وإلا الأمور منطبقة تماماً، يأتي إليه ويقول: بعد سنتين من تاريخ اليوم سبعة ثمانية ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين، هذه مائة ألف على أن تحضر لي في هذا التاريخ المحدد تفسير في خمسة مجلدات، تفسير للقرآن في خمسة مجلدات، كل مجلد ثلاثين ملزمة مثلاً، منضبط، لكن يبقى أن هذا العلم مما يبتغى به وجه الله، فلا يجوز أن يكون الباعث عليه أمر الدنيا.
أما ما عدا ذلك من الأمور التي هي في الأصل للدنيا، يؤلف له قاموس في الطب مثلاً إيش المانع؟ في ما يمنع؟ نعم، ليس في ما يمنع، يؤلف له في أي علم من العلوم الذي لا يبتغى بها وجه الله، يعني في الأصل، وإلا بالإمكان أن الصانع يبتغي بصناعته وجه الله، الزارع المزارع يبتغي بزراعته وجه الله، لكن هي في الأصل لا.
على كل حال جمع غفير من أهل العلم يجيزون السلم في كل شيء، في الصناعات، يمكن الأشياء المنضبطة تحضر لي بعد ...(33/26)
عمدة الأحكام - كتاب البيوع (4)
باب الشروط في البيع - باب الربا والصرف
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
فيه ما يمنع؟ نعم، ليس فيه ما يمنع، يؤلف له في أي علم من العلوم الذي لا يبتغى بها وجه الله، يعني في الأصل، وإلا بالإمكان أن الصانع يبتغي بصناعته وجه الله، الزارع المزارع يبتغي بزراعته وجه الله، لكن هي في الأصل لا.
على كل حال جمع غفير من أهل العلم يجيزون السلم في كل شيء، في الصناعات، يمكن الأشياء المنضبطة تحضر لي بعد سنة مثل هذا، مثل هذا تماماً، وبدل ما هو بيباع الكرتون بعشرة أعطيه خمسة آلاف لألف كرتون، مثلاً، ما في مانع، وبعدين هذا أمر منضبط ولا يختلف والأجل معلوم، والعدد معلوم، ويش المانع؟ لأن قوله: ((في كيل معلوم، ووزن معلوم)) خرج على سبيل المثال، خرج مخرج الغالب، هذا الموجود عندهم، هذا محل التعامل بينهم، ((في كيل معلوم، ووزن معلوم)) هل يمكن؟ هل المراد به شيء واحد يكال ويوزن في آن واحد؟ أو هذا للتقسيم والتنويع؟ بعض ما يباع يكال، وبعضه يوزن؟ أو نقول هنا: الواو بمعنى أو فتكون للتنويع والتقسيم، نعم، أو تأتي بمعنى الواو والعكس، إيش مقتضى كونها للجمع؟ ما مقتضى كونها للجمع؟ ما المحذور في كون الواو على أصلها مقتضى الجمع؟ إيش المحظور؟ في محظور وإلا ما في محظور؟ في محظور وإلا ما في محظور؟
طالب: الجمع بينهما يا شيخ؟
إيه، إيه.
طالب: يكون شرط هذا.
شرط يمكن تحقيقه وإلا ما يمكن؟
طالب: يكون في بعض السلع ...
كيل معلوم خمسمائة صاع من التمر، خذ ألف ريال على أن تسلمني في يوم كذا خمسمائة صاع من التمر وزنها كم؟ ألف كيلو، هل يمكن تحقيق الأمرين معاً؟ ما يمكن تحقيق الأمرين، على هذا تكون الواو بمعنى أو التي هي للتقسيم والتنويع.
((إلى أجل معلوم)) فلا بد من معرفة الأجل بدقة.
سم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
مالك لأصل السلعة هذا قول.
طالب:. . . . . . . . .
لا، قل: زميله في العمل الذي لا يملك المصنع، نعم، المصنع ألغي وبُطّل، نقول: هذا على خلاف الأصل وهذا متصور في كل شيء، حتى صاحب البستان ممكن تأتيه آفة ويتلف، لكن الناس على التيسير، أمورهم مبنية على التيسير -إن شاء الله-، على الأصل ماشين.(34/1)
مقتضى كون السلم يصح في السنة والسنتين والثلاث ألا تكون عين السلعة التي عليها السلم حاضرة موجودة أصلاً، موجودة؛ لأنه إذا تصورنا أنه سنة يمكن أن يكون أصلها موجود، لا أقصد الشجرة، الشجرة موجودة من سنين، لكن الثمرة لا وجود لها البتة، وجواز السلم محل إجماع بين أهل العلم على ما ذكرنا، ينقل عن ابن سيرين أنه منع منه، لكنه محجوج بمثل هذه النصوص الصحيحة الصريحة، ولذا لم يعتد أهل العلم بقوله فنقلوا الإجماع.
قال بعض أهل العلم أن السلم، جواز السلم على خلاف الأصل، في حديث حكيم بن حزام: ((لا تبع ما ليس عندك)) ونهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، هذا ليس عنده الثمرة، والثمرة لم توجد فضلاً عن أن تكون قبل بدو صلاحها، بعضهم يقول: هذا على خلاف الأصل، نقول: لا، هو أصل برأسه، هو أصل برأسه، جاء جوازه في الشرع، نعم لا تبع ما ليس عندك، لا تبع شيئاً معيناً ليس عندك، لا تبع شيئاً معيناً ليس عندك، إيش معنى هذا الكلام؟ لا تبع سلعة يملكها فلان أو توجد عند فلان، أو في البلد الفلاني، وأنت لا تملكها، قبل ملكك إياها، لكن تبع موصوف في ذمتك لا يدخل في هذا المنع.
السلم في الحيوان إذا قيل هذه خمسمائة ريال على أن تحضر لي في يوم عرفة خروف هذه أوصافه، سلف في الحيوان، يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
السلف في الحيوان، الآن يمكن وصفه من كل وجه، يمكن ضبط وصفه من كل وجه؟ ألا يمكن أن يحصل خلاف بينهم؟ أنا أريد أكبر، أنا أريد أصغر، أنا أريد .. ، كيف يحدد؟ أو يؤتى بخروف يقال: مثل هذا؛ لأنه لا يمكن وصفه هذا إلا بالمشاهدة، قابل للزيادة والنقص، على كل حال كل ما يوقع أو ما يتوقع منه إشكال وشقاق ونزاع ينبغي أن يمنع، نعم؟
طالب: ولو كان في المنصوص عليه. . . . . . . . .؟
كيف؟
طالب: ولو كان في المنصوص عليه في الثمار يحصل فيه شقاق ... ؟
لا، ما يمكن ضبطه بالوصف والكيل والوزن والحجم والطول والعرض ما يحصل فيه شقاق، نعم.
أحسن الله إليكم.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح.
طالب:. . . . . . . . .(34/2)
إيه لكن هذا موصوف في الذمة أنت ما تشتري شيء بعينه، لا يمنع أن تقول: خذ هذا الخمسين اشتري لي سيارة، لكن تشتري منه سيارة لا يملكها، سيارة بعينها لا يملكها لا، على كل حال اللي ما تذكره ملاحظ عند جمع من أهل العلم أنهم قالوا: هذا على خلاف الأصل، ومع كونه على خلاف الأصل عندهم لا يخالفوا في جوازه، نعم.
سم.
شرح حديث بريرة: "كاتبت أهلي على تسع أواق .. ":
أحسن الله إليك:
باب الشروط في البيع:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "جاءتني بريرة: فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت: لهم. فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس، فقالت: إني عرضت ذلك على أهلي، فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)) ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)).
وعن جابر بن عبد الله -رضي ...
يكفي، يكفي بركة.
يقول -رحمه الله-: "باب الشروط في البيع":
الشروط: جمع شرط، وهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، شروط الصلاة: من شروطها الوضوء، طرح الحدث، يلزم من عدم الوضوء عدم الصلاة، لكن لا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة ولا عدم وجودها.
هناك الشروط للبيع، وشروط البيع، والشروط في البيع.
شروط البيع: هي التي يلزم من عدمها العدم، وعرفنا فيما تقدم أن شروط البيع سبعة: من يذكرنا بها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟ الرضا.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ أن يكون البائع مالك للسلعة، أو مأذون له فيها، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(34/3)
أن تكون السلعة مباحة النفع من غير حاجة، أن تكون معلومة بوصف أو رؤية، أن يكون الثمن معلوماً؟ طيب.
طالب:. . . . . . . . .
بقي، كيف؟ يكون مقدوراً على تسليمها السلعة، غيره.
طالب: الرضا يا شيخ.
الرضا ذكره، أن يكون العاقد جائز التصرف.
المقصود أن الشروط شروط البيع سبعة إذا تخلف واحد منها بطل البيع، هذه شروط البيع.
الشروط في البيع:
البيع يكون مستوفي الشروط السبعة، مستوفي للشروط السبعة، لكن رأى أحد المتعاقدين أن يشترط على صاحبه شرط ليس من أصل العقد، أما ما كان مما يقتضيه العقد فلا يحتاج إلى اشتراط، كأن يشترط المشتري أن ينتفع بالسلعة أو يشترط البائع أن ينتفع بالثمن، هذا شرط من مقتضى القد لا يحتاج إليه، وذكره لغو، ولذا عندهم الشروط التي تنافي مقتضى العقد باطلة.
وهنا شروط، هناك شروط تبطل العقد، وشروط تبطل بنفسها والعقد صحيح، وشروط صحيحة، وفي الحديث حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت بريرة، حديث بريرة حديث مخرج في الصحيحين وغيرهما، له طرق كثيرة، وألفاظ متعددة، أفرد بالتصنيف من قبل جمع من الأئمة، واستنبط منه بعضهم أكثر من أربعمائة حكم، أكثر من أربعمائة حكم، ولخص هذه الأحكام الحافظ ابن حجر، وجمع بينها بكلام بديع مختصر.
بريرة هذه كانت أمة لأهل بيت من الأنصار فكاتبتهم، "جاءتني بريرة وقالت: كاتبت أهلي" كاتبت أهلي، كاتب: هذه الصيغة تدل على وقوع الفعل وهو الكتب من الطرفين، كاتبت أهلي، والأصل في الكتب والمكاتبة والكتابة الجمع، ومنه أخذت الكتابة بالقلم لاجتماع الحروف والكلمات، وسميت الكتابة بيع العبد لنفسه سميت كتابة لأنها تحتاج لكتب؛ لأنها لا بد أن تكون مؤجلة، يكون الثمن مؤجل، لماذا لا يكون الثمن حالاً؟
طالب: لأن ملكه ملك لسيده ...
نعم؟
طالب: ملكه ملك لسيده.
نعم؛ لأنه ملكه، فإذا ملك فهو المالك الأصلي، والعبد لا يملك ولا بالتمليك، عند جماهير أهل العلم.(34/4)
كاتبت أهلي: أهلها من؟ أبوها وأمها؟ لا، الذين يملكونها، يملكون رقبتها، "كاتبت أهلي على تسع أواق" جمع أوقية في كل عام أوقية، يعني منجمة، منجمة في كل عام أوقية، "فأعينيني" تطلب العون والمساعدة من عائشة، تأتي إلى عائشة -رضي الله عنها- لما عرفت عنها من النفع العام والخاص، العالمة الجليلة الفقيهة الصديقة بنت الصديق، تطلب منها العون على سداد هذه النجوم وهذه الأقساط.
"فأعينيني" فقلت: تقول عائشة: "إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت" الولاء: إيش معنى الولاء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
النصرة؟
أسباب ميراث الورى ثلاثة ... كل يفيد ربه الوراثة
وهي نكاح وولاء ونسب ... . . . . . . . . .
هذا الولاء، الولاء تعريفه: نعمة، نعم، سببها العتق، نعمة من المعتق على المعتق يستحق به الإرث ممن أعتقه، "إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم، فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء".
الآن من أعتق له الولاء إنما الولاء لمن أعتق إجماعاً، لكن المكاتب الذي باع العبد إلى نفسه، له ولاء وإلا ليس له ولاء؟ إن عارضه سبب أقوى منه فلا إشكال في أنه لا ولاء له، إنما الولاء لمن أعتق، لكن إذا لم يعارضه، استمرت بريرة بدفع الأقساط فدفعت الأواقي التسع وعتقت، لهم الولاء وإلا ليس لهم الولاء؟ بدون معارض؟
طالب: ليس لهم الولاء.
ليس لهم الولاء؟
طالب: ما هناك عتق.
يعني ما هناك منة؟
طالب: ما هناك منة.
ما في منة؟
طالب: لو كان شراء.
في منة وإلا ما في منة؟
طالب: ما في يا شيخ.
في منة يا الإخوان، المكاتبة فيها منة وإلا ما فيها منة؟
طالب: فيها منة من جهة يا شيخ.(34/5)
نعم، فيها منة يعني لو قالوا لبريرة: لن نكاتبك، اذهبي واشتغلي كل سنة جيبي لنا أوقية، وفي النهاية ترجعين لنا، صار فيها منة وإلا ما فيها؟ فيها منة، هذا كسبها وهي ملك لهم وكسبها لهم، يعني لو عندك شخص رقيق وتنزله في السوق وتقول له: اللي تكسب هاته، نعم، وإذا اجتمع من كسبه ما يزيد على قيمته أعتقته، لك عليه منة وإلا ما عليك؟ لك عليه منة؛ لأن لك أو من حقك أن تأخذ هذا الكسب ويستمر رقيق، فالمنة موجودة، وهذه حجة من يقول: إن المكاتبة فيها الولاء، لكنها في هذا الحديث: ((إنما الولاء لمن أعتق)) وإن جاء بصيغة الحصر، نعم إلا أن العتق دون مقابل أقوى من العتق بالمقابل، فالأقوى يقضي على الأضعف.
للسيد أن يقول لعبده: اذهب واكتسب وهات الكسب له ذلك؛ لأنه مالك رقبته، لكن هل له أن يأتي بأجير ويقول له: اذهب واكتسب وكسبك لي ولك الأجرة؟. . . . . . . . . له ذلك أو ليس له ذلك؟ ليس له ذلك، لابد أن يكون قد استأجره على عمل معين، لا بد من أن تكون المنفعة التي من أجلها دفعت الأجرة معينة، وعلى هذا نعرف أن من الناس من يأتي بالأجراء ويتركهم يجوبون الأسواق طولاً وعرضاً، بل قد يكلفهم ما لا يطيقون، بل قد يوقعهم في أمور محظورة، يأتي بأجير يدفع له الخمسمائة، الستمائة ريال يقول: هات لي ألف شهري والزيادة لك، بأي مقابل تأخذ عرقه وأجرته؟ وقد لا يستطيع أن يكتسب هذا المبلغ فتضطره إلى المسالك الممنوعة، وكم أدخلت هذه التصرفات على بلدان المسلمين من مشاكل ومصائب.
شركة اللومزين تقول له: هات لي ثلاثمائة يومياً، أو أقل أو أكثر ما أدري عاد بالضبط، والزائد لك، بيضطر أن يشتغل ليل نهار، ويشتغل شيء ممنوع، وشيء جائز من أجل يحصل على هذا المبلغ.
على كل حال الظلم حرام بجميع صوره وأشكاله، وظلم الضعيف العاجز أشد، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إخوانكم خولكم، فإذا كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يطعم، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، وإن كلفتموهم فأعينوهم)) هذا إذا كان عبد مملوك، فكيف إذا كان حر؟(34/6)
"فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس"، قالوا: لا، نريد نجوم الكتابة ولو دفعت مقدماً والولاء لنا، "فجاءت من عندهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((خذيها، واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)).
((خذيها، واشترطي لهم الولاء)) هل في هذا تغرير لهم؟ وتفويت لمصلحة قصدوها؟ ((خذيها واشترطي لهم الولاء)) يعني هل معنى هذا تغرير؟ نعم، هل في هذا تغرير لهذه الأسرة البيت من الأنصار، يقول: ((اشترطي لهم الولاء)) ما في بأس وافقيهم، وفي النهاية يبين الحكم، هو بين الحكم -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك وعرفه الخاص والعام، وهم خالفوا واشترطوا الولاء، ولذا غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، لو لم يبين قبل ذلك هل يغضب -عليه الصلاة والسلام-؟ ففعلت عائشة؛ لأن بعض الناس يفهم من هذا الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها ما في بأس أنت غرريهم واشترطي لهم الولاء ودواؤهم عندي، ما هو بصحيح هذا، ولا يظن بالمعصوم هذا، نعم، لكن المعروف أنهم يعرفون الحكم، وقد خالفوا ما جاء في كتاب الله، يعني في شرع الله.
ولذا قال -عليه الصلاة والسلام- لما قام خطيباً حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد)) وهذه يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر في الخطب والمكاتبات، وهي سنة محمدية جاءت في أكثر من ثلاثين حديث صحيح بهذا اللفظ، ((أما بعد)) ولا تقوم الواو مقامها فلا نقول: وبعد، ولا نحتاج إلى ثم، ثم أما بعد كما يقولها بعض الناس.
فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد: ما بال رجال)) الأصل أن يقترن جواب أما بالفاء؛ لأنها شرطية، أما حرف شرط، وبعد قائم مقام الشرط، ما بال، الأصل فما بال، ((فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله)) موجود عندكم الفاء، غير الطبعة الذي معنا، طبعات ثانية، عندك؟ هذا الأصل؛ لأن جواب الشرط لا بد أن يقترن بالفاء.(34/7)
((فما بال رجال يشترطون شروطاً)) ((ما بال أقوام)) هذا الأسلوب النبوي، إذا أراد أن ينكر منكر ما يقول -عليه الصلاة والسلام- .. ، ليس من منهجه -عليه الصلاة والسلام- ما بال فلان، ما بال علان، يشهر هؤلاء الذين يرتكبون المنكرات، فيتعين مثل هذا الأسلوب؛ لأنه أسلوب نبوي، وهذا من التلميح، ولسنا بحاجة إلى التصريح إلا إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك، افترضنا أن الشخص هذا ما يفهم، قال الخطيب هذه الجمعة: ما بال أقوام، ما بال أقوام، مراراً ما في فائدة، نعم، ولذا يقرر أهل العلم أن الإنكار يكون خفية، وتتعين الخفية إذا ترتب على الإعلان مفسدة، وقد يتعين الإعلان إذا لم يجدِ الإخفاء، بعض الناس ما يفهم، تقول: ما بال أقوام، ما بال أقوام، يظنهم ناس بالصين أو بالأندلس، ما يدري أنه هو المقصود، ويصر على خطأه ويرتكب مثل هذه الأمور، مثل هذا لا بد أن يبين له بعينيه، أنت يا فلان يا أخي خفية، يبين له بعينه خفية؛ لأن هذا يحقق الهدف، لكن مع ذلك ما أفاد خفية، يا فلان اتق الله، خاف الله، يرتكب كبائر ومصائب وجرائم ومع ذلك مصر، يشهر بين الناس لكي يرتدع، والله المستعان.
((أما بعد: فما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله)) يعني في شرعه، كتاب الله أعم من أن يكون القرآن، فالمراد به شرعه، على أن القرآن شامل جامع لكل شيء {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [(38) سورة الأنعام] لكن بعض الأشياء دلالة القرآن عليها صريحة، وبعضها بالإيماء وليست صريحة.
((ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط)) يعني إذا كان يخالف ما في كتاب الله، وإلا فالأصل المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، هذا إذا لم يخالف ما في كتاب الله، أما إذا تضمن مخالفة لكتاب الله ضرب به عرض الحائط، وإن كان مائة شرط، والعدد لا مفهوم له، ولو كان ألف شرط.(34/8)
((وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق))، ((قضاء الله أحق)) هذا أفعل تفضيل، ومقتضى أفعل التفضيل إذا كانت على بابها أن يكون هناك شيئان اشتركا في أمر في وصف زاد أحدهما في هذا الوصف على الآخر، نعم، إذا قيل: قضاء الله أحق من قضاء البشر مثلاً، وشرع الله أوثق من قوانين البشر، هل معنى هذا أننا نقول: إن قوانين البشر فيها حق وفيها شيء من التوثيق؟ لا، نقول: أفعل التفضيل ليست على بابها، كما في قول الله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] هل لدى أهل النار من حسن المقيل شيء؟ ليس عندهم شيء، وعلى هذا أفعل التفضيل ليست على بابها.
((وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)) مثلما ذكرنا الحديث لو ذهبنا نسترسل في فوائده، وتتبعنا جمله في الصحيحين وغيرهما، وما تدل عليه هذه الجمل من أحكام لاحتاج إلى دورات ما هي بدورة، وعرفنا أن فيه مصنفات خاصة، واستنبط منه بعض أهل العلم أكثر من أربعمائة فائدة، حكم شرعي.
والذي يهمنا أن الولاء لمن أعتق، فإذا أعتق شخص بدون مقابل وآخر بمقابل فالولاء لمن أعتق بدون مقابل؛ لأنه هو الأصل في العتق، بدون مقابل هو الأصل في العتق، على الخلاف في المكاتب أن له ولاء أو لا ولاء له، إذا لم يوجد سبب أقوى منه والعتق بدون مقابل.
أظن نكتفي بهذا وإلا احتاج الحديث بسط طويل، نعم.
شرح حديث: شراء النبي -صلى الله عليه وسلم- جمل جابر:
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه كان يسير على جمل فأعيا، فأراد أن يسيبه، فلحقني النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا لي، وضربه، فسار سيراً لم يسر مثله، قال: ((بعنيه بوقية))، قلت: لا، ثم قال: ((بعنيه)) فبعته بوقية، واستثنيت حملانه إلى أهلي، فلما بلغت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه، ثم رجعت، فأرسل في أثري، فقال: ((أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك)).
حديث جابر، قصة الجمل، جمل جابر أيضاً من الأحاديث التي عني بها أهل العلم، فيها من الأحكام الشيء الكثير، ولهذا الحديث طرق كثيرة، وألفاظ خرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في بضعة عشر موضعاً، في مواضع كثيرة جداً.(34/9)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه كان يسير على جمل فأعيا" النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسير في مؤخرة القوم، وكان جابر -رضي الله عنه- يسير على جمل ثفال، يعني بطيء السير، في الصحيح، فسأله النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: إن الجمل ثفال، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمعك قضيب؟ )) قال: نعم، فأخذه النبي -عليه الصلاة والسلام- فضربه به فزجره فصار الجمل بعد ذلك في مقدمة الناس، في مقدمة الناس، "كان يسير على جمل فأعيا فأراد أن يسيبه"، مل جابر، في آخر الناس باستمرار، لو كان على قدميه كان أسرع، يعني مثل هذا الجمل الذي يجعلك دائماً في مؤخرة الناس، مثل هذا ما. . . . . . . . . من يعلفه ويعتني به يسيب، فأراد أن يسيبه يعني يتركه حراً طليقاً، "قال: فلحقني"، أنه كان على جمل فأراد أن يسيبه فلحقني، مجموعة من الالتفاتات الأصل عن جابر -رضي الله عنهما- قال: كنت أسير على جمل فأعيا، فأردت أن أسيبه، فلحقني النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن التفات من الغيبة إلى التكلم إلى الغيبة مرة ثانية، "فلحقني النبي -عليه الصلاة والسلام- فدعا لي، وضربه"، يعني بالقضيب "فسار سيراً لم يسر مثله، فقال: ((بعنيه بوقية)) " الآن لو كانت المساومة من النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الضرب، نعم يبيع ولا ما يبيع؟ أراد أن يسيبه، قال: بعني بأوقية، قال: هات نصف أوقية هو يريد أن يسيبه، لكن بعد الضرب صار يمشي قدام الناس، " ((بعنيه بوقية؟ )) قلت: لا".
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قضى على هذا العيب ساوم، وعلى هذا لو جاء لك شخص بسلعة بسيارة قال: أنا تعبت من هذه السيارة تقف في كل شارع فنظرت إليها فإذا هي تحتاج إلى شيء يسير جداً، سلك يربط بعضه ببعض وتمشي، هل من الأولى والأفضل أن تربط السلك وتخليها تمشي قدام الناس وتزيد ثم تسومها منه، وإلا تسومها قبل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(34/10)
تصلحها، إذا كنت تحسن ثم تشتريها، النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب الجمل فصار يمشي أمام الناس فقال: ((بعنيه)) وإلا تستغل جهل الناس وضعفهم تقول: هذه يمكن والله تحتاج مكينة يا أخي، أنا لا أريدها، وأنت تعرف إيش تبي، نعم، الأولى أن تصلحها إذا كنت عارف، أو تخبره بأن هذا شيء يسير ما يكلف وفلان يصلحها لك بمبلغ زهيد.
ولذا لما قال له: ((بعنيه بوقية)) قلت: لا، الرسول يقول: بع، أمر، وجابر يقول: لا، هل يعصي جابر وإلا ما يعصي؟ لا يعصي؛ لأنه فهم من المقام أن المسألة بيع وشراء، المسألة معاوضة، ما هي بأمر ونهي، فلا يأثم، ولذا لو قال لك أبوك: بعني هذا الكتاب أو هذه النظارة، أو هذا القلم أو ما أشبه، بعنيه؟ نعم، تقول له: والله أنا محتاج، أو بعنيه بعشرة، تقول: لا بعشرين، هذا بيع وشراء ما فيه شيء، لكن لو كان أمره أمر إلزام، لا يسوغ لك بحال أن تخالف هذا الأمر، إذا كنت لا تضرر بفقده.
ومثله في حديث بريرة السابق لما خيرت فاختارت نفسها، عتقت وزوجها مغيث عبد، فجاء مغيث المسكين يتشفع بالنبي -عليه الصلاة والسلام- يكلم بريرة تستمر في الزوجية ويلاحقها في سكك المدينة، يبكي وهي لا تريده، شفع النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت له: تأمرني؟ قال: ((لا، إنما أنا شافع)) فقالت: لا أريده.
يميزون بين الألفاظ، يعرفون المقاصد، وإلا كانوا أحرص الناس على الخير، وأطوع الناس لله ولرسوله، وأشدهم امتثالاً لأوامر الله وأوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فجابر حينما قال: لا، لا نقول: عصى؛ لأن المسألة بيع وشراء.
تأذن؟
مسألة الإنكار.
يقول: ذكرت طريقة للإنكار، وأنه يكون بالتعريض ثم ينتقل منه إلى التعيين بالإنكار على صاحبه، فيما إذا لم يجدِ التعريض، ثم إذا لم يجدِ ولم يرتدع يشهر علانية، يقول: هل هذا عام مع كل أحد أم يخص في ذلك الإنكار على ولاة الأمر إذا ظهرت منكراتهم، وكذلك بعض طلبة العلم ينكر بعضهم على بعض علانية بحجة عدم الانتفاع بالمناصحة، فيشهرون ليحذر الناس خطأهم؟(34/11)
تسمية الأشخاص إنما يلجأ إليها في آخر المطاف إذا لم تجدِ ولم تنفع السبل، وإذا كان في ذكرها مصلحة، ولم يترتب على ذكرها مفسدة أعظم، فالشرع جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا كان ذكر الشخص يترتب عليه التحذير منه؛ لأنه متلبس ببدعة، ويخشى على الناس من أن يقتدوا به يحذر الناس منه، لا مانع من ذكر اسمه، والسلف ذكروا المبتدعة بأسمائهم وأعيانهم، وحذروا الناس من بدعهم، لكن إذا كان الناس إذا حذروا من البدع ارتدعوا، لا، لا يلزم من ذكر الأسماء، بعض العصاة العتاة إذا بينت منكراتهم ومعاصيهم وعرف الناس أن هذه منكرات تضر بهم وأن هؤلاء. . . . . . . . .، لا يلزم ذكر أسمائهم، لكن إذا كان الناس بحيث لا يفهمون أن هذا الشخص متلبس بهذا المنكر، وهو يلبس على الناس ويروغ في طريقته وأساليبه، ويغتر به كثير من الناس لا بد من شهره، ما المانع؟ بالشرط المتقدم على ألا يترتب على ذلك مفسدة.
وأبو سعيد الخدري أنكر على مروان، وهو على المنبر، بين الصحابة في خطبة جمعة، لكن المفسدة مأمونة، أما إذا توقع مفسدة خاصة أو عامة، إذا كانت خاصة تختص بالشخص، وأراد أن يتحمل ويرتكب العزيمة هذا أمر، لكن إذا كان هناك ضرر متعدي، يتعدى إلى غيره فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والله المستعان.(34/12)
مسألة ما يتعلق ببعض أهل العلم، وأن من يفتي بمسائل قد يكون فيها سبب لتساهل بعض الناس وفهمهم على غير مقصودها، أو هو نفسه ترخص في بعض الأمور، أو ترجح عنده بعض الأشياء إذا كان أهل للاجتهاد فالأمر فيه سعة على أن يبين القول الصواب، أما إذا كان ليس من أهل الاجتهاد فينبغي أن يبين ويذكر اسمه لئلا يغتر به الناس على ألا ينال شخصه بشيء، يعني الشخص لا ينبغي أن ينال بشيء، فكونك تحذر من القول، وإن لزم منه ذكر القائل لا يعني أنك تنتقص هذا الرجل، نعم، تساهل في كثير من الأمور التي تجر إلى أمور لا تحمد عقباها، هو ما ينظر إلى درء المفاسد وإلى مسائل سد الذرائع وغيرها ينظر إلى المسألة بعينها بغير نظر إلى ما تجر إليه هذه المسألة، لا بد أن تبين، وما زال أهل العلم يرد بعضهم على بعض، ما زال أهل العلم قديماً وحديثاً يرد بعضهم على بعض، ويبين بعضهم خطأ بعض، لكن لا يمنع، أو بل الأصل أن تذكر المحاسن، لئلا يجرد الإنسان من كل خير من كل فضل؛ لأنه وقع في خطأ واحد، هو ليس بالمعصوم يبين ما عنده من فضل وخير وعلم وعمل، ثم بعد ذلك يقال: أخطأ، وقد رد على عمر -رضي الله عنه- قال: أخطأ عمر، إيش المانع؟ لأنه ليس بمعصوم، فما دونه من باب أولى، لكن ينبغي، الأمور بمقاصدها قد يرد بعض الناس ويشهر بعض الناس؛ لأنه يرى في نفسه وهذه أمور لا يحكم بها على كل أحد، يرى في نفسه أنه لا يمكن أن يرتفع هو إلا إذا هضم غيره، مو بصحيح هذا، بل عكس، فإذا سئل عن فلان وفلان، قيل: إيش فلان ما فلان، وقصده بذلك أن يرتفع، هذا خطأ، ليس في هذا طريق، ليس هذا بطريق للشهرة ولا للرفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل العكس الناس يزدرون مثل هذا النوع إذا كان الحامل له هذا المقصد، والله المستعان، والله -سبحانه وتعالى- هو المطلع على السرائر، فيحذر الإنسان من مغبة صنيعه متى؟ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [(9) سورة الطارق] يعني قد يروج على بعض الناس الآن، لكن غداً، يروج؟ ما يروج شيء، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .(34/13)
لا يسأل علناً يعني، إذا كان الشخص التبس عليه أمر فلان أو علان من الناس، وأراد أن يسأل من يثق به من أهل العلم إيش رأيك بمنهج فلان طريقة فلان؟ علم فلان؟ عمل فلان؟ نعم، بينه وبينه من باب النصح، وهذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا، هذا أمر إذا تعلق الإنسان بهذه الأمور وصارت وظيفته الجرح والتعديل لذات الجرح والتعديل، فإنه غالباً وهذا الذي يشهد به الواقع أنه يحرم العلم والعمل، فيكون نصيبه من العلم والعمل القيل والقال، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، كما يقول ابن دقيق العيد: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار"، يقول: "وقف على شفيرها العلماء والحكام"، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي بيان المنهج العام للشخص نعم منهج فلان أنه متساهل مثلاً، عموماً يعني، فلان متشدد، يعني المذاهب بجملتها، مشتهر في العالم الإسلامي كله أن الحنابلة كلهم متشددون، الحنفية متساهلون، مع أنهم في بعض الأبواب الحنفية أشد من الحنابلة، نعم، في باب الأطعمة الحنفية أشد من المالكية، في باب الأشربة المالكية أشد من الحنفية، وهكذا، ما تجد عالم، عالم يعني يستحق هذه الكلمة تجده متساهل في كل شيء أو متشدد في كل شيء، يسيره الدليل، إذا ترجح عنده في هذه المسألة أو في هذا الباب من أبواب العلم والدين أن نصوص التيسير والتسهيل أو التشديد. . . . . . . . .، والمسألة مفترضة في شخص من أهل الاجتهاد، من أهل العلم، وفي الجملة يعني لا يقبل قول المفتي ما لم يضم للدين والعلم الورع:
وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للدين والعلم الورع
أما إذا كان ما عنده ورع، ما يتورع في أن يقول ما شاء متى شاء؟ وكيف شاء؟، ومتى طلب منه، هذا ما هو عالم هذا، هذا ليس بقدوة هذا.(34/14)
يقول جابر لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بعنيه بوقية)) قلت: لا، ثم قال: ((بعنيه)) فبعته بوقية، هل في هذا ما قد يفهم منه أن لولي الأمر أن يضغط على صاحب السلعة أن يبيعه بأقل من قيمتها أو يبيعه قهراً منه؟ أو نقول هنا في الحديث ليس هناك بيع، بل أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينفعه ويبحث عن وسيلة مناسبة لينفعه فيها؟ بدليل أنه في الآخر، في النهاية نعم، قال: ((أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك)) مثل هذا له وجه أن ينقص بالقيمة، ما قصده الشراء أصلاً، قصده أن ينفع جابر، جابر توفي أبوه شهيد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وترك ثمان بنات، أراد أن ينفعه بالقيمة فيبحث عن مبرر سبباً ظاهر، نعم فقال: ((خذ جملك ودراهمك)) وليس في هذا مستمسك لأحد يضغط بسلطانه أو بولايته أو بوظيفته على من تحت يده، ولا يجوز له بحال، مدير دائرة يقول: بعني سيارتك، السيارة تساوي ثمانين ألف، قال: لا، خليها بستين، مسكين خائف على وظيفته ومن التقارير اللي .. ، التقارير الكفاية، يقول: امسك والله نصيبك، نقول: لا يجوز بحال، وقد يتعدى الأمر أن يكون بولاية هذا يقول: زوجني بنتك مثلاً، فيخاف على وظيفته وإلا عن شيء .. ، هذا مكره، ملجأ، أما النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: ((بعنيه بوقية؟ )) قلت: لا، ثم قال: ((بعنيه)) فبعته بوقية، لا يتصور منه أنه يشتري بثمن بخس يريد أن يتاجر به، لا، يقول: "استثنيت حملانه إلى أهلي" هذا الشاهد من الحديث أنه اشترط أن يحمله إلى المدينة يركب، هذا شرط في البيع، "استثنيت حملانه إلى أهلي فلما بلغت –يعني بلغت المدينة- أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه"، في رواية: ((أعطه يا بلال)) فأعطاه وزاده قيراط، المقصود "فنقدني ثمنه ثم رجعت، فأرسل في أثري"، رجعت قال: تعال، ردوه، هاتوه، فقال: ((أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك)) الجمل والدراهم، القيمة والثمن، الثمن والمثمن فهو لك.(34/15)
وهذا فيه الشرط في البيع؛ لأن جابر اشترط أن يركب إلى المدينة، وهذا الشرط إذا اشتمل البيع على شرط، جاء الخبر "نهى عن بيع وشرط" ومثل هذا يحمله أهل العلم على مسألة الشرط المحرم، أو الذي يجر إلى محرم كأن يبيعه هذه السلعة بمائة نسيئة على أن يبيعها عليه بثمانين حالة، فتؤول إلى مسألة العينة، هذا شرط محرم لأنه يؤول أو يوقع في مسألة محرمة.
على كل حال البيع المتضمن لشرط الأصل أن المسلمين على شروطهم، لكن جاء ما تمسك به بعض أهل العلم من منع جميع الشروط في البيع من هذا النوع التي ليست من مقتضى العقد كأن يشتري القماش ويشترط تفصيله وخياطته، يشتري حطب ويشترط تكسيره وحمله، عند أهل العلم، عند جمع من أهل العلم لا يجوز مثل هذا الاشتراط.
والذي يرجحه شيخ الإسلام أن مثل هذه الشروط لا أثر لها في البيع، وأنها داخلة ليست ممنوعة أصلاً، ولا تؤول إلى ممنوع، فهي داخلة في عموم ((المسلمون على شروطهم)).
طالب:. . . . . . . . .
((المسلمون على شروطهم إلا شرط أحل حراماً أو حرم حلالاً)).
الحديث الذي يليه.
طالب: اقرأ يا شيخ؟
اقرأ إيه.
شرح حديث: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لباد .. ":
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها".
حديث أبي هريرة تقدم النهي عن بيع الحاضر للباد، أنه جاء بصريح النهي: ((لا يبع حاضر لباد)) وعرفنا سبب النهي، وأنه ليترك الفرصة للحاضرة أن يستفيدوا من هذا البادي، ومثله النهي عن تلقي الركبان، وبيع الرجل على بيع أخيه، رجل باع سلعة بمائة يأتي هذا الرجل إلى المشتري ويقول: عندي لك مثلها تماماً بثمانين، هذا بيع على بيع، وعرفنا فيما تقدم أنه إذا لزم البيع فلا أثر له إلا مسألة الإحراج، أولاً يحصل في نفس المشتري على البائع ما يحصل، يقول: غشني، غرني، هذه السلعة ما تسوى، ما تجيب، ثم يذهب فيضطره إلى أن يقيله، وهذا فيه من المفاسد وإيغار الصدر على المسلمين بعضهم على بعض الشيء الكثير.(34/16)
"ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه"، مثله تقدم زيد من الناس إلى آل فلان يخطب منهم فلما علم عمرو ذهب وقال: أنا أفضل منه، أنا جامعي وهو ما معه إلا ثانوية، نعم، خطبة على خطبة أخيه، حرام، حرام عليه أن يصنع ولو لم يقل، ولو لم يبين محاسنه وعيوب الآخر، هو بمجرد يعرف أن فلان تقدم إلى خطبة فلانة ثم يخطبها هذا حرام، فإن تعرض له بذم أو لنفسه بمدح يقتضي تقديمه على الآخر زاد الإثم، لكن أصل المسألة إذا علم أن فلان تقدم إلى آل فلان، لا يجوز له بحال أن يتقدم إلى خطبة هذه المرأة إلا أن يعرف أنهم ردوه، أو يأذن له الخاطب الأول، أنا والله خطبت فلانة إن كان لك نظر روح تقدم، الله يوفقك، إذا أذن له فالأمر لا يعدوه.
"ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في إنائها" ضرتها، شخص عنده زوجتان، الثانية تطلب منه ليل نهار، هي عجوز فانية، إلى متى؟ ويش يا ابن الحلال؟ أو العكس، أو العكس، تطلب منه أن يطلق زوجته الثانية، هذا حرام عليها، وجاء الحديث: "ولا تسأل المرأة طلاق أختها" سماها أخت، وهي في الحقيقة أخت، وإن كانت في الأصل ضرة، وجاء في بعض الألفاظ أنها ضرة؛ لأنها داخلة بالضرر على الأخرى بلا شك، لكنه ضرر مشروع، أخذت نصف زوجها، ومع ذلكم هي أخت؛ لأن هذا الضرر مغمور في جانب المصالح العظيمة، وفي جانب الأخوة التي سببها اتحاد الدين، كلاهما من المسلمين، ((المسلم أخو المسلم)) {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] فتحصيل هذه الإخوة التي هي أخوة الإسلام أعظم من الضرر الحاصل بسبب كونهما تحت شخص واحد.
"لتكفئ ما في إنائها" يعني تقطع رزقها على ما قالوا، تكفئ ما في إنائها، الأصل أن هذا الزوج ينفق على هذه المرأة، ويسكنها ويتولاها بالنفقة والرعاية والعناية، فكأنه هذا حاصل لها فعلاً، يعني هو مقرر لها شرعاً فكأنه حصل لها فعلاً؛ لأنه مقرر شرعاً، فكونه حاصل جاء التعبير بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لتكفئ ما في إنائها)) كأن هذا الأمر الذي أمر به الزوج شرعاً حصل في الإناء فعلاً؛ لأنه واجب شرعاً، فكأن هذه الضرة التي طلبت طلاق ضرتها تكفئ ما في هذا الإناء.
انتهى الوقت؟(34/17)
طالب: لو كانت كتابية يا شيخ؟
كيف؟
طالب: أقول: إن كانت كتابية لها أن تشترط؟
تشرط الطلاق؟
طالب: طلاقها للضرر الذي يحصل؟
((لا تسأل المرأة طلاق أختها)) نعم، فهي ليست بأختها، الكتابية ليست بأخت، على خلاف بين أهل العلم في هذه المسألة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يقول: نرجو توضيح أكثر لبيان الفرق بين السلم فيما لا يملك البائع وبين بيع ما لا يملك؟
عرفنا فيما سبق أن من أهل العلم من يرى أن السلم على خلاف الأصل، وأنه مستثنى من بيع ما لا يملك، وأن أهل العلم كابن القيم وغيره قرروا أن السلم جار على الأصل، وعلى كل حال كل ما ورد فيه نص شرعي فهو على الأصل؛ لأن الأصل الذي قرر أهل العلم أنه أصل إنما هو لاستناده على نص، والفرع ما لا يستند على نص، لكنه يشترك مع ذلك الأصل في العلة، وكل ما استند إلى نص فهو أصل، والسلم جائز بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على ما ذكرنا سابقاً فهو على الأصل.
يبقى الفرق بين ((لا تبع ما ليس عندك)) والنهي عن بيع ما لا يملكه الإنسان وبين السلم، والعين التي جرى عليها العقد ليست موجودة، وإذا منع الإنسان من بيع ما لم يبدو صلاحه مع وجوده، فلأن يمنع غير الموجود من باب أولى.
هذا يمكن أن يقال: أولاً: السلم عرفنا أنه ثبت بالنص الصحيح الصريح، وأنه -عليه الصلاة والسلام- قدم المدينة وهم يسلفون السنة والسنتين، ومقتضى ذلك أن الثمرة التي وقع عليها العقد غير موجودة، يعني إذا تصورنا أن ثمرة هذه السنة موجودة، ثمرة السنة القادمة ليست موجودة، وهذا مما لا شك فيه، لكن نعرف أن الشرع لا يوجد فيه شيء من التعارض الحقيقي، قد يوجد التعارض في الظاهر مع إمكان الجمع، وهو ما يسمى بمختلف الحديث، وقد لا يمكن الجمع ويعرف التاريخ فيحكم بالنسخ إلى غير ذلك من الطرق التي يسلكها أهل العلم للتوفيق بين النصوص.(34/18)
نعود إلى السلم: السلم لا يخلو: إما أن يكون مبرمه مالك للأصل، مالك للشجر، مالك للنخل، ويبيع ثمرة هذه النخلة أو هذا النخل سنة أو سنتين بمبلغ مقدم له في مجلس العقد، هذا السلم، وفي الحديث الصحيح الذي ذكرناه جاء التعقيب عليه من ابن عباس وغيره وأنهم ما كانوا يسألون، هل كان عندهم شجر أو لا؟ الذين يبرمون مثل هذا العقد ما كانوا يسألون، هذا في البخاري، هل كان عندهم أصل، ولذا ترجم الإمام البخاري بجواز السلم بالنسبة لغير مالك الأصل، وذكرنا لذلك أمثلة، على كل حال ما لا يملكه البائع الذي لا يملكه البائع السلعة معينة محددة السلعة محددة معينة هي السلعة بعينها الفلانية بعينها، فإذا تلفت هذه السلعة حصل الشقاق والنزاع، أما المبيع في السلم فهو موصوف في الذمة، وليس السلعة بعينها، فإذا تلف ضمنه ببدله، والله المستعان، على ضوء الصفة المتفق عليها.
يقول: ألا نستفيد من قصة جابر مع الرسول -عليه الصلاة والسلام- عبادة مفقودة، وهي تفقد أحوال الإخوان، وتفقد حاجاتهم؟
لا شك أن أنفع الناس أو خير الناس أنفعهم للناس، تفقد الحاجات لا شك أن هذا أمر مطلوب، من أفضل العبادات العبادات المتعدية، التي يتعدى نفعها، وهذا منها، وعلى ذلك جرى النبي -عليه الصلاة والسلام- وتبعه أصحابه من بعده، أبو بكر وهو خليفة يتفقد أحوال الناس المحتاجين من الكبار والصغار، عمر -رضي الله عنه- وهو خليفة أيضاً يفتقد أحوال الناس، وهكذا طريقة كل من وفق إلى ما ينفعه.
يقول: كما نستفيد كرم أخلاق الرسول -عليه الصلاة والسلام- فلم يرد إذلال جابر بإعطائه مالاً دون بيع أو شراء، ولو كان ... إيش؟
ذكرنا هذا أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- مقصوده في قصة الجمل نفع جابر؛ لأن أباه قتل شهيداً في أحد، وترك بنات يعولهن جابر، وعليه آثار الحاجة، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينفعه، وأراد أن يتخذ لذلك وسيلة ومبرر لذلك النفع، فاشترى منه الجمل بهذه الطريقة، ورده عليه مع قيمته.
يقول: لماذا قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((فهو لك)) ولم يقل فهي لك؟
وما الفرق بينهما؟ فهي لك إيش؟ لماذا قال الرسول، في أي حديث؟
طالب: لأنه جمل.
نعم؟
طالب: لأنه جمل.(34/19)
مذكر جمل، هو جمل، فقال: فهو لك، يعني الجمل، ولو جاء في رواية من الروايات: فهي لك، أي السلعة المباعة أو العين المباعة.
يقول: ((الولاء لمن أعتق)) هل معنى هذا في الحديث أن الولاء كان لبيت من الأنصار أم لعائشة؟
هو لعائشة وعرفنا هذا فيما تقدم.
يقول: بعض مكاتب الاستقدام تقوم باستقدام العمالة من الرجال والنساء وتقوم بتأجيرهم على الناس بألف وخمسمائة ريال في الشهر، وتقوم بإعطاء العامل أو العاملة ثمانمائة فقط أو أقل أو أكثر؟
تأجيرهم على الناس هذا من أكل أموال الناس بالباطل، السبعمائة الفرق بين ما يدفعه للعامل وبين ما يأخذه، هذا بدون مقابل إن كان قصده أن هذا مقابل أتعابه ومقابل الفيزة، ومقابل تيسير وصوله إلى هذه البلاد فهذا ليس بثمن تؤخذ عليه المعاوضة، لكن لو جعل هذا العامل، لو اتخذ محل تجاري، وأثثه وأجره على العامل بما يريد على ما يتفقان عليه، فلا بأس حينئذ، أما أن يأخذ جزءاً من تعبه وعرقه دون مقابل اللهم إلا الجاه، فالجاه لا يجوز أخذ الأجرة عليه.
ما هو بواضح: ما حكم أجرة إيش؟ كأنها اللومزين؟ الظاهر.
ما حكم أجرة المنتشرة في زماننا ... ؟
الكتابة ما هي بواضحة، لكن كأنه يقصد اللومزين، يقول: حيث يتم التعاقد بين صاحب الشركة والعامل على مبلغ يومي محدد والباقي للعامل؟
لا بأس يؤجره السيارة بمبلغ معين يومي على ألا يشق عليه.
هذا أيضاً يتعلق بالعمالة، وهو قريب مما سبق: ما الفرق بين السلم وبين ما لا يملك؟
تقدم.
يقول: هل يمكن للطالب أن يجمع بين دراسة بلوغ المرام والمنتقى؟
يمكن، إيش المانع؟ إذا انتهى من حفظ البلوغ ودراسته رواية ودراية ينتقل إلى المنتقى؛ لأنه أوسع، وفيه من الأحاديث ما لا يوجد في غيره مجتمعة.
يقول: نأمل أن يكون انتهاء الدرس عند الأذان مباشرة؛ لأن في دروس أخرى نود حضورها كما فيه ... أئمة المساجد يدركون الصلاة؟
على كل حال لو جعلنا .. ، لكن ما عاد بقي وقتها، ما بقي إلا الدرس القادم فقط، وإلا هذا مطلب طيب، يعني ينتهي الدرس الشرح مع الأذان، وتكون الأسئلة بعد الأذان.(34/20)
لعل بقية الأسئلة تكون بعد الأذان ليتمكن أئمة المساجد من الانصراف إلى مساجدهم، ومن عنده درس في مكان آخر يدركه -إن شاء الله تعالى-.
سم.
شرح: باب الربا والصرف:
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-: باب الربا والصرف:
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء)).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) وفي لفظ: ((إلا يداً بيد)) وفي لفظ: ((إلا وزناً بوزن، مثلاً بمثل، سواءً بسواء)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب الربا والصرف:
الربا: في الأصل الزيادة {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [(5) سورة الحج] يعني زادت، وهو في الشرع: الزيادة الناتجة عن بيع ربوي بمثله أو النسأ، أو النسأ بمثله أو بربوي آخر، مع اختلاف الجنس.
الصرف: هو إبدال عملة بعملة، إبدال عملة بعملة، إبدال ذهب بفضة أو دراهم بدنانير، ريالات بدولارات وهكذا.
إبدال الذهب بالذهب يسمونه، بيع الذهب بالذهب يسمونه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الصرف: إبدال ذهب بفضة، إبدال الذهب بفضة صرف، إبدال الدراهم بالدنانير صرف، لكن إبدال الدراهم بالدراهم والدنانير بالدنانير، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ ذهب بذهب، نعم، هذا صرف وإلا ليس بصرف؟ يسمونه مراطلة، مراطلة، ذهب بذهب ليس بصرف ولا بيع.
الذهب بالذهب ربا، الذهب بالذهب رباً، الأصل في الكتاب عندكم حديث عمر -رضي الله عنه-، الكتاب إيش عندكم؟
طالب: الذهب بالورق.
كل النسخ كذا؟
طالب: على طبعة واحدة.(34/21)
الذهب بالذهب هذا الأصل في العمدة، وإن كان الأصل في الصحيحين: الذهب بالورق كأن الطابع عدل على ما في الأصول، الطابع عدل على ما في الأصول، وإلا الأصل في الكتاب: الذهب بالذهب ربا، هذا موجود لكن الأصول في الصحيحين: الذهب بالورق، والطابع عدّل، ولذا يقول في الحاشية فيها: الذهب بالذهب ربا.
الذهب بالورق هذا هو الصرف، الدنانير بالدراهم صرف، رباً إلا هاء وهاء.
الذهب بالذهب يعني مع اتحاد الجنس، يشترط في إبدال الجنس بجنسه يشترط فيه شرطان، الإيش؟
طالب: المماثلة.
التساوي والتقابض، التساوي والتقابض، التساوي والتقابض، فلا بد من أن يكون الوزن واحد إذا بيع الذهب بالذهب، ولا بد من التقابض على ألا يفترقا وبينهما شيء، ومثله بيع الفضة بالفضة، لكن إذا اختلف الجنس ذهب بفضة أو العكس يجوز إيش؟ التفاضل، يجوز التفاضل على أن تكون يداً بيد، لا بد من التقابض، ولذا يقول: ((الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء)) خذ وهات، خذ وهات, ((والبر بالبر إلا هاء وهاء)) مثله بر ببر، ((والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء)) فالبر جنس، والشعير جنس، على ما يفيده هذا الحديث، وإن قال بعض أهل العلم أن الشعير داخل في البر لا يجوز فيه التفاضل، لا يجوز فيه التفاضل؛ لأنه من جنسه، لكن الأكثر على أن الشعير يختلف جنسه عن البر، فلك أن تبيع صاع بر بصاعين شعير، وعلى القول الأول يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز.
((الذهب بالورق رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء)) الربويات كم عددها؟ المنصوص عليها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ ستة، الذهب، فضة، البر، الشعير، التمر، الملح، ستة أصناف، ستة أصناف، هذه الستة الأصناف ما يجمعها؟ ما القاسم الذي يجمعها؟ هل تتحد في العلة؟
طالب: الثمنية والكيل يا شيخ.
الثمنية والكيل، الوزن معتبر وإلا غير معتبرة؟
طالب: معتبر.
الطعم معتبر وإلا غير معتبر؟
طالب: أيضاً معتبر.(34/22)
هذه الستة هل يقاس عليها فتعتبر أصول لأجناسها، أو لا يقاس عليها؟ الجمهور على اعتبار القياس، كل من يقول بالقياس يقول: يتعدى حكم هذه الأشياء هذه الستة المنصوصة عليها إلى غيرها مما يشاركها في العلة، الظاهرية يقولون: لا ربا إلا في هذه الستة، لا ربا إلا في هذه الستة، فإذا أتينا إلى الذهب والفضة وقلنا: العلة كونها أثمان، كونها أثمان، إذا نظرنا إلى هذه العلة عند من يقيس يجري الربا في كل ما يتخذ أثمان، ولو كان من ورق، ولو كان من جلود، ولو كان من خشب، لا يلزم أن يكون من ذهب وفضة، وهذا قول الجمهور، الذين يعتدون بالقياس، والظاهرية الذين لا يرون القياس يقولون: لا ربا في الأثمان إلا بالذهب والفضة فقط، لو اتخذ الناس أثمان من ورق لم يجرِ فيها الربا، لو اتخذ الناس أثمان من خشب لم يجرِ فيها الربا، لو اتخذ الناس أثمان من جلود لم يجرِ فيها الربا، فإذا قلنا: العلة الثمنية كونه أثمان، أجرينا الربا في جميع ما يتخذ ثمن للأشياء فالريالات يجري فيها الربا، الدولارات يجري فيها الربا، الدنانير، الدينارات يجري فيها الربا، كل ما يتخذ عملة يجري فيه الربا.
ولو قلنا بقول الظاهرية، نعم، لو قلنا بقول الظاهرية ما جرى فيها الربا، ومعروف أن الظاهرية ينكرون القياس، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنهم لا عبرة بقولهم وافقوا أو خالفوا؛ لأنهم لا يرون القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد.(34/23)
نأتي إلى قول الجمهور، الورق حصل فيها خلاف وكلام كثير لأهل العلم أول ما اتخذ الناس العملة من ورقة، كانت العملة المتداولة على مر العصور الذهب والفضة؛ لأنها أثمان، وثمنها فيها، ثمنها فيها لا يستطيع مخلوق أن يعتدي عليها ويلغيها، لكن هذه الأوراق، العملة من الأوراق ألا يمكن أن يأتي شخص ويقول: هذه الأوراق لاغية ويصدر غيرها، فتكون مثل هذه الأوراق البيضاء لا قيمة لها، فهل تأخذ حكم الذهب والفضة بالفعل؟ في جريان .. ، من أهل العلم من يقول: لا تأخذ حكم الذهب والفضة، بل منهم من أجرى أو أصدر المنع باتخاذها، باتخاذها أثمان، ولا شك أن في هذا تضييق على الناس، تضييق على الناس، ومنهم من يرى أنها لا مانع من اتخاذها أثمان وتداولها واعتبارها، لكن لا تأخذ حكم الذهب والفضة في جريان الربا، وهذا قريب من قول الظاهرية.
ومنهم من يقول: هي بدل، بدل من الذهب والفضة، بدل من الذهب والفضة، والبدل له حكم المبدل، والبدل له حكم المبدل، فيجري فيها الربا، لكن هل جميع أنواع العملة من الأوراق بدل من الذهب فقط، أو بدل من الفضة فقط؟ أو في حكم البدل وليست ببدل؟ إيش معنى هذا الكلام؟(34/24)
إذا قلنا: إن الدولار بدل من الذهب، والريال بدل من الذهب حينئذٍ لا يجوز إيش؟ التفاضل، لا يجوز التفاضل ولا بد من التماثل، لا بد من التماثل والتقابض، وإذا قلنا: إنها في حكم الأبدال، ولكل سلعة قيمتها وثمنيتها إذا اختلفت، فنعتبر هذا جنس وهذا جنس، كما أن أصولها ذهب وفضة هذا جنس وهذا جنس، وحينئذ يطلب لها بل يشترط لصرف بعضها ببعض التقابض فقط، لا مانع أن يباع الدولار بريال، وأن يباع بعشرة تبعاً لقيمته الثمنية، وأنتم تسمعون أن العملات تزيد وتنقص تبعاً لاقتصاد البلد، من أول يقولون: هناك أرصدة، هناك أرصدة تغطي قيمة هذه العملات المتداولة، إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: إن هذا البلد أصدر أمر بصك مليار من الريالات مثلاً، أو من الدولارات لا بد أن يغطي هذا المبلغ ذهب بهذه القيمة أو فضة، كان هذا معمول به في السابق، لكن في الأخير هناك تغطية وإلا ما فيه؟ ما في تغطية، إذاً كيف يتعامل الناس بأوراق لا قيمة لها؟ أوراق، إيش الفرق بين الريال وبين ها الورقة ذي؟ الريال ما غطي ما له قيمة، قالوا: قيمته اقتصاد البلد، إيش معنى اقتصاد البلد؟ يعني إذا كان البلد متين الاقتصاد تكون قيمته مرتفعة، إذا كان اقتصاده أقل، إذا هبط مستواه الاقتصادي تنزل قيمة العملة، وهذا ينبهنا إلى شيء وهي أن الدنيا قائمة على لا شيء، ولذا لا تستحق من يؤثرها على الآخرة، يعني تصور أن عملة بلد من أكبر دول العالم ترتفع وتنخفض بسبب شخص، شخص كافر نسأل الله العافية، خلاص رشح فلان ارتفع الدولار، رشح فلان ينخفض الدولار، ليش؟ هذا له مدلول، يدل على أن هذه الدنيا تسيرها هذه العملات، كلها تسيرها هذه العملات، وهذه العملة هذه حقيقتها، يعني افترض أنك كديت طول عمرك، ورصدت في البنوك مئات الملايين بل المليارات، ثم بعد ذلك صدر أمر بإلغاء هذه العملة، قيمة عملك؟ إيش قيمته؟ لا شيء، بينما لو في هذه المدة ختمت القرآن كم مرة، رصيدك هذا يستطيع أحد يلغيه؟ ما يلغيه إلا أنت، توزعه، تفرقه على فلان وعلان، لا يستطيع أحد أن يتدخل في رصيدك من الآخرة، الختمة الواحدة فيها أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، ولا تكلف شيء يعني ما تكلف شيء، يعني الناس الموهوبين أهل القرآن يقرءون(34/25)
القرآن في ست ساعات، والإنسان يكد ويكدح وفي النهاية يصدر أمر يصير لا شيء، أو يصدر أمر تؤمم أموال فلان أو علان كما هو في الدول كثير، نعم، نسمع عنه كثيراً في الدول، يكد ويكدح وأخيراً تؤمم أمواله وبعدين؟ فالدنيا لا شيء، إن نظر إليها بعين البصيرة أعرض عنها، واشتغل بما ينفعه، والله المستعان.
((الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء)) على كل حال العملات النقدية سواءً كانت من الورق أو من الحديد أو من الذهب أو من الفضة حكمها واحد في جريان الربا، لا شك أنها أجناس، الريالات جنس واحد، الدولارات جنس واحد، نعم، الجنيهات وإن كانت ورقية جنس واحد، فيجري .. ، يطلب فيها التماثل والتقابض، أما إذا اختلفت الأجناس ريالات بدولارات فلا بد من التقابض، ولا يشترط التماثل وهكذا.
انتهينا من الذهب والفضة، وأن علتها الثمنية كونها نقود، ثمن للأشياء.
البر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالـ .. ، الأربعة الباقية علتها كونها، كونها إيش؟ وإيش اللي يجمعها؟
طالب: الطعم.
الطعم، كونها مطعومة، يجمعها علة واحدة كونها مطعومة، ولا بد من إضافة قيد آخر معتبر في الأربعة، هو الكيل والوزن، كل ما يطعم ويكال يجري فيه الربا، كل ما يطعم ويوزن يجري فيه الربا على خلاف بين أهل العلم في علل أو في علة الربا في هذه الأشياء.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، سواءً بسواء))، ولا يزيد بعضه على بعض ((لا تبيعوا الذهب بالذهب)) والذهب يشمل ...(34/26)
عمدة الأحكام - كتاب البيوع (5)
تابع (باب الربا والصرف)
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
تابع شرح حديث: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب .. )):
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، سواءً بسواء)) ولا يزيد بعضها على بعض، ((لا تبيعوا الذهب بالذهب)) والذهب يشمل جميع أنواع الذهب، سواءً كان مصكوك أو خام سبائك، نعم، أو مختلط لم يصفَ، أبيض أو أصفر كله ذهب، مصوغ أو غير مصوغ، لا بد فيه من التماثل، ((إلا مثلاً بمثل))، تأتي بعشرة دنانير ذهب إلى محل صياغة ذهب فتقول: بكم هذه السلعة؟ فيقول: بعشرة دنانير، طيب زن هذه وزن هذه قال: لا، هي بعشرة، وإذا نظرت إليها، إلى وزنها أقل من عشرة، من وزن العشرة الدنانير، يقول: يا أخي الصياغة تعبنا عليها، نقول: لا، الصياغة لا تخرجها عن كونها ذهب، لا تخرجها عن كونها ذهب، فتدخل في الحديث: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل)) وإن كان من أقوال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أن الذهب المصوغ له حكم العروض، عروض التجارة، لا يشترط فيه التماثل، على كل حال هذا قول مرجوح ومهجور، ويستند إلى قصة حصلت من معاوية -رضي الله عنه-، لكنه قول مهجور.
فالذهب (أل) هنا للجنس، تشمل جميع أنواع الذهب، بما في ذلك المصكوك المضروب المصوغ الخام المخلوط كله ذهب، فالمخلوط لا بد من تصفيته قبل بيعه، كما في حديث القلادة على ما سيأتي، أو تأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-.
فإذا أردنا أن نشتري ذهب مصوغ حلي، ومعنا دنانير ذهب ماذا نصنع؟ ماذا نصنع؟ نأتي بالميزان، نضع هذا في كفة وهذا في كفة لا يزيد ولا ينقص مثلاً بمثل، لا بد من التماثل والتقابض أيضاً، طيب إذا رفض صاحب الدكان، يقول: تعبت عليه، ما أبيعك بعشرة، وأنت مضطر إليه ماذا تصنع؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: تباع. . . . . . . . . الدراهم ويشتري بها ذهباً.(35/1)
يعني تصرف، يصرف الذهب بفضة، تصرف الدنانير بدراهم، تصرف الدنانير بدراهم فضة ويشترى بها هذا المصوغ، على ما سيأتي في الحديث الذي يلي هذا، في التمر، هذا مَخْرَج.
((الذهب بالذهب)) ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض)) ولا تشفوا: الشف: الزيادة، يعني لا تزيدوا بعضها على بعض، ويأتي الشف ويراد به النقص، وهو من الأضداد، ((ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل)) مثل الذهب، ويستوي في ذلك المصكوك المضروب المصوغ، وغيره من أنواع .. ، من كل ما يدخل في كلمة الورق التي هي الفضة، الفضة، ((إلا مثلاً بمثل)) لا بد من الاتحاد في الوزن، لا يقال: هذا شيء يسير، لا، لا بد أن يكون مثلاً بمثل، ((ولا تشفوا)) يعني لا تزيدوا.
((ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) لا بد من التقابض، ولذا ما يجري في أسواق الذهب من التسامح بالتقابض لا يجوز؛ لأنه إذا لم يحصل التقابض هذا ربا النسيئة، والربا شأنه عظيم، جاء لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وجاءت فيه النصوص من الكتاب والسنة التي تدل على عظم شأنه، وأنه سبب للكوارث والعقوبات، {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [(275) سورة البقرة] صرح جمع من أهل العلم بأن أكلة الربا يبعثون يوم القيامة مجانين، هذا ظاهر من الآية، {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] والآن يوجد في بلدان المسلمين علناً، ويزاول ما يزاول من هذه الجريمة الشنعاء، والله المستعان.
((ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) عندنا الربا نوعان: ربا الفضل، وهو الزيادة، ذهب بذهب مع زيادة، فضة بفضة مع زيادة، تمر بتمر مع زيادة، شعير بشعير، ملح بملح، بر ببر مع زيادة، هذه تسمى إيش؟ ربا الفضل، وهو محرم عند جماهير أهل العلم، يذكر عن ابن عباس أنه لا يرى به بأساً، يذكر عن ابن عباس ويذكر عنه أنه رجع عن هذا القول، وجاء في الخبر، في الحديث: ((لا ربا إلا في النسيئة)) والمقصود منه: لا ربا أشد إلا في النسيئة.(35/2)
هل يتصور ربا نسيئة بدون فضل؟ ربا نسيئة بدون فضل أو العكس؟ يعني يتصور ربا فضل بدون نسيئة؟ نعم، تقول: هذا ريال أعطيك ريالين يداً بيد على شان ما ندخل في الربا؟ نعم، ينفك الفضل عن النسيئة؟ ينفك إذا اختلفت، اختلف الجنس الواحد جودة ورداءة، تمر جيد بتمر رديء صحيح، لكن الآن الربا الذي يزاول في معاقله يتصور فيه ربا فضل بدون نسيئة؟ ريالات بريالات زائدة بدون نسيئة، أو لا ينفك؟ ينفك وإلا ما ينفك؟ في أحد بيقول: خذ هذه جزاك الله خير هذه مائة هات مائة وخمسين؟ يمكن؟ ولابد أن تصير يداً بيد على شان ما نقع في الربا؟ ما يمكن، الذين يبررون للربا القائم، وأنه ربا فضل مختلف فيه، أولاً: الخلاف لا حظ له من النظر لمخالفته النصوص الصحيحة الصريحة.
الأمر الثاني: أنه لا يتصور من خلال التعامل القائم ربا فضل بدون نسيئة، من يتعامل بربا الفضل فقد وقع في ربا النسيئة، ولا يتصور انفكاك ربا الفضل عن ربا النسيئة إلا إذا اختلفت الأنواع جودة ورداءة، وهذا لا يتصور في العملات، يتصور في العملات؟ ما يتصور، هذا ما يتصور في العملات.
الثاني: ربا النسيئة: وهو التأخير، والتأجيل ربا النسأ، وهو التأخير والتأجيل، مائة بمائة وخمسين لمدة سنة، صاع بصاعين لمدة شهر، وهكذا، هذا حرام بالإجماع، ((ولا تبيعوا منها غائباً بناجز))، وأول الحديث والحديث الذي قبله دليل على تحريم ربا الفضل، وآخر هذا الحديث يدل على ربا النسيئة، وفي لفظ: ((إلا يداً بيد)) ((إلا يداً بيد)) هذا فيه التقابض، أما أصحاب المحلات الذين يقولون: خذ السلعة الآن وأتني بقيمتها غداً أو بعد غد، هذا لا يجوز، هذا محرم، لا بد أن يكون يداً بيد، خذ وهات، ((إلا هاء وهاء))، ((إلا يداً بيد))، ((ولا تبيعوا غائباً بناجز)).
وفي لفظ: ((إلا وزناً بوزن، مثلاً بمثل، سواءً بسواء)) تأكيد على تحريم الزيادة، ((ولا تشفوا)) يعني: لا تزيدوا، نعم.
شرح حديث: "جاء بلال إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمر برني .. ":(35/3)
وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: "جاء بلال إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمر برني، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من أين هذا؟ )) قال بلال: "كان عندنا تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي -صلى الله عليه وسلم-"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: ((أوه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر، ثم اشترِ به)).
"وعنه" عن راوي الحديث السابق أبو سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه-، "قال: جاء بلال إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بتمر برني" تمر جيد أصفر مدور، هو أجود أنواع التمور، وجاء مدحه في حديث مرفوع في المسند، على كل حال هو تمر من أجود أنواع التمور، "فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من أين هذا؟ )) " يا بلال، من أين جئت بهذا التمر يا بلال؟ "قال بلال: كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع"، في قصة أخرى التمر الرديء اسمه: جمع، والجيد اسمه إيش؟ جنيب، فشراء الصاع من الجيد بصاعين من الرديء عين الربا، وهذا من الأدلة الصحيحة الصريحة على تحريم ربا الفضل.
"كان عندنا تمر رديء فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني من الجيد، الصحابة -رضوان الله عليهم- يجلون الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فيدخرون له أفضل الأشياء، "ليطعم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- عند ذلك: ((أوه)) هذه كلمة توجع مما حصل من هذه المخالفة العظيمة، من هذا المنكر الشنيع، ((أوه، عين الربا، عين الربا)) ((أوه، عين الربا، عين الربا)) تأكيد، هذه الزيادة هي عين الربا، ((لا تفعل)) جاء في صحيح مسلم الأمر برده في حديثين، جاء الأمر برده ((فردوه)) فدل على أن عقد الربا باطل، عقد الربا باطل، لا بد من رده.(35/4)
((لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر، ثم اشترِ به)) بع التمر الرديء واشترِ بقيمته تمر جيد، لكن هل يباع هذا التمر على زيد ويشترى من زيد؟ ومثله لو كان عندك ذهب مستعمل تذهب إلى صاحب محل تقول: اشترِ هذا الذهب بألف، ثم إذا اشتريت بعني هذا الذهب الذي عندك بألف، فتكون كأنك أبدلت القديم بالجديد مع عدم المماثلة، الحديث ليس فيه ما يدل على أنك تبيع على شخص وتشتري من شخص، بهذا يستدل الشافعية على جواز العينة، يقول: إذا جاز مثل هذا فالعينة تجوز، كيف؟ لأنه ليس فيه اشتراط أن تبيع على شخص وتشتري من غيره، فيجوز لك أن تبيع على زيد عشرة آصع من التمر بعشرة دراهم وتشتري منه خمسة آصع بعشرة، تبيع التمر العادي السلج مائة صاع بمائتي ريال، وتشتري بمائتي ريال خمسة آصع من التمر السكري مثلاً، أو عشرة من الخلاص، وأنت واقف، ليس في الخبر ما يدل على منع ذلك، وهذا إجمال بل ترك للاستفصال في مقام الاحتمال؛ لأنه يحتمل أن بلال لما وجه هذا التوجيه يبيع على زيد ويشتري من زيد، فتكون .. ، يكون البيع شبه صورة، على كل حال هذا حل شرعي، ليس لأحد أن يطعن فيه، ليس لشخص أن يقول: هذه حيلة على الربا، لا، هذا هو الحل الشرعي، التوجيه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر، ثم اشترِ به)) يعني مثلما قلنا فيمن عنده ذهب مصوغ ومع الزبون عشرة دنانير، نقول: بع الدنانير بالدراهم على هذا الشخص أو على غيره، ثم اشترِ بالدراهم الذهب المصوغ.
ما وجه استدلال من استدل بالحديث على جواز العينة؟(35/5)
العينة: أن تبيع سلعة على شخص نسيئة بثمن مرتفع، بأكثر من قيمتها، ثم تشتريها منه نقداً، هذه مسألة العينة، وهي محرمة عند جماهير أهل العلم، أجازها الشافعية، الشافعية يستدلون بمثل هذا الحديث الذي فيه هذا الإجمال، وجاء النهي عن العينة بعينها بالتنصيص عليها، ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم)) وما كان سبب للذل حلال وإلا حرام؟ قد يقول قائل: إنه مقرون بالأخذ بأذناب البقر، والأخذ بأذناب البقر معناه الزرع، حلال وإلا حرام الزرع؟ نعم، حلال، ما أحد يقول: حرام، لكن إذا أدى إلى ترك واجب صار حراماً، ((وتركتم الجهاد)) وإلا الزرع ما أحد يحرمه، قال جمع من أهل العلم: إنه أطيب المكاسب، أطيب المكاسب الزراعة، وإن كان القول المحقق عند المحققين أن أطيب المكاسب الغنائم، وهي رزق النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)).
قد يقول قائل مثلما ذكرنا من الشافعية: إن بيع العينة عطف عليه، وقرن معه الزراعة، يجاب بجوابين:
الأول: أن الزراعة التي تكون سبباً في ترك واجب محرمة.(35/6)
الأمر الثاني: أن دلالة الاقتران ضعيفة عند جماهير أهل العلم حتى عند الشافعية، دلالة الاقتران ضعيفة، وهذا منها، فالقول المعتمد عند أهل العلم قول الجمهور: إن العينة محرمة؛ لأنها حيلة على الربا، حيلة صريحة على الربا، قد يقول قائل: مثل هذه الصورة للبيع حيلة، نقول: حيلة شرعية، حيلة شرعية، وقد جاء النهي عن ارتكاب الحيل، ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل)) قد نقول: نعم هذه حيلة، حيلة للتخلص من المحرم حيلة مباحة، حيلة شرعية، كما أن التورق أيضاً حيلة مشروعة، جائزة عند جماهير أهل العلم، إيش الفرق بين العينة والتورق؟ الفرق بين العينة والتورق العينة: تبيع هذه السلعة على زيد بمائة وخمسين، ثم تشتريها منه بمائة نقد، هذه عينة، تبيع عليه نسيئة بقيمة مرتفعة تناسب المدة ثم بعد ذلك تشتريها منه نقد، وأنت لا غرض لك في السلعة حاجتك في قيمتها، هذه مسألة العينة، لكن لو بعت على زيد من الناس هذه السلعة بمائة وخمسين لمدة سنة، ثم جاء زيد فأخذها وباعها على عمرو طرف ثالث، هذه هي مسألة التورق، وجماهير أهل العلم على جوازها، يرى ابن عباس تحريم التورق، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض أهل العلم، لكن قول جماهير أهل العلم القول بالجواز.
إذا كان زيد من الناس محتاج إلى هذه السلعة فبعتها عليه بمائة وخمسين نسيئة، تجوز وإلا ما تجوز؟ محتاج للسلعة في العينة، والتورق هو غير محتاج للسلعة، في هذه الصورة هو محتاج للسلعة، ويستعمل السلعة، ها؟ في أحد يمنع؟ جائزة بالإجماع، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] هذا الدين.
ومسألة التورق مترددة بين أصلين: بين هذا الدين الجائز بالإجماع، وبين مسألة العينة، وجماهير أهل العلم على أن التورق من مسائل الدين، وليست من العينة في شيء.(35/7)
بعت تمر، بعت الجمع التمر الرديء واشترِ بالدراهم جنيباً، وعرفنا أنه جاء في صحيح مسلم الأمر برده، فدل على أن عقد الربا باطل، أنت عندك صاعين من التمر فاحتجت إلى تمر أجود، وليس عندك دراهم فأبدلتها بصاع، فقلنا: إنه يجب ردها، هذا عين الربا، ارتكبت محظور، موبقة من الموبقات، عليك التوبة والاستغفار وإرجاع هذا الصاع، قد تقول: أكلته وانتهى، كيف أرجعه؟ هل يشتري بدله أو تكفي التوبة والاستغفار؟ هل نلزمه بشراء بدله صاع من جنسه ويرده ويأخذ. . . . . . . . .؟، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هو الآن بيأخذ، التائب الذي أخذ صاع واحد، أكل الصاع خلاص، أكله، إحنا قلنا: يرده، كما جاء في الحديث الصحيح، ((فردوه)) وفي رواية: ((فرده)) نعم، أكله وانتهى، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
خلاص انتهى، عليه التوبة والاستغفار ولا يعود إلى مثل هذا.
سم.
عن أبي المنهال قال: "سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم، -رضي الله تعالى عنهما- عن الصرف، فكل واحد منهما يقول: هذا خير مني، وكلاهما يقول: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق ديناً".
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلا سواءً بسواء، وأمرنا: أن نشتري الفضة بالذهب، كيف شئنا، ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يداً بيد؟ فقال: هكذا سمعت".(35/8)
"عن أبي المنهال" اسمه سيار، "قال: "سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم، عن الصرف" عن الصرف: وهو إبدال جنس بجنس، عملة بعملة، ذهب بفضة، هو سأل اثنين من الصحابة، فكل واحد منهما يقول: "هذا خير مني"، البراء يقول: زيد بن أرقم خير مني، وزيد بن أرقم يقول: البراء خير مني، يعني فاسأله، فهو أولى بالسؤال، وفي هذا ما كان عليه السلف من احترام بعضهم بعض من جهة، ومن تدافع الفتوى من جهة أخرى، يحتاطون ويتحرون ويتورعون خشية أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وهذا بخلاف ما نشاهده اليوم من تدافعهم على الفتوى تجد في المجلس الواحد عالم جليل كبير يسأل من قبل مجموعة من الناس، ثم لا تلبث أن يطلع عليك واحد يجيب قبل الشيخ وثاني وثالث، يتسارعون، والله المستعان، وهذا الباب شأنه خطير جداً؛ لأنه هو الكذب على الله، أو من أظهر وجوه وأبرز وجوه الكذب على الله، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل]، هذه فتوى، والكذب على الله شأنه عظيم، إذا كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن كذباً عليّ ليس ككذب على غيري)) ولذا يرى بعض العلماء –وإن كان قول مهجور لكن يذكر هنا- أن بعض أهل العلم أفتى بكفر من يكذب على الله وعلى رسوله، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر]، وجاء في الحديث: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، لكن يقبضه -كيف؟ - بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالم -أو لم يُبقي عالماً- اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) نسأل الله العافية والسلامة.(35/9)
هؤلاء الصحابة من صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق بعد الأنبياء كل واحد منهما يقول: "هذا خير مني"، يفيد تواضع الشخص لأخيه، ومن جهة أخرى ورع كل واحد منهما، وهذا الورع معروف عند سلف هذه الأمة، يتدافعون الفتيا، وبعضهم يأتيه السائل من بعيد فيرده، اذهب إلى فلان فهو خير مني، ويندر أن يوجد .. ، يندر أن يوجد من يتصدى لإفتاء الناس، ويقول: اذهبوا إلى فلان فإنه يتقن مثل هذه المسائل أكثر مني، أو لا أعلم، أو الله أعلم، أو انتظروا حتى نبحث، والشيخ عبد العزيز -رحمة الله عليه- ضرب أروع الأمثلة في هذا الباب، يأتيه السائل يقول: الله أعلم، انتظر حتى نبحث، برنامج في الإذاعة تسمعه ألوف الملايين سئل .. ، المذيع يقوله يقول: سألته عن شخص هل هو صحابي وإلا لا؟ قال: ما أدري نبحثه ونبينه في الحلقة القادمة، قلت: يا شيخ (الإصابة) هذا قدامنا، ما يحتاج نسجله، قال: سجل هذا الكلام إيش عليك أنت؟ هذا تربية، تربية لطلاب العلم، شخص بعينه سئل عنه، قال: والله ما أدري، مع أن هذا الشخص لو آحادكم يعني بيقول بكل بساطة، يعني معروف لدى كثير من الناس أنه بينه وبين الصحابة مفاوز ولا تابعي، من أتباع التابعين، قال: ما أدري والله، انتظر نبحث، قال: يا شيخ هذا آخر الحلقة نمسحه، ما يحتاج ننشر هذا الكلام، قال: انشر، هذا تربية، هذا مهم ذا، يعني ما صرح الشيخ بهذا، لكن هذا قصده، والله المستعان.
والصحابي يقول: "هذا خير مني"، والآخر يقول: خير مني، وهما يتفقان على شيء واحد، كل منهما يقول: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق ديناً"، في هذا أن على طالب العلم إذا سئل عن مسألة فيها نص واستطاع أن يجيب بالنص فهو أبرأ للذمة، وهنا يقول: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق ديناً".
المسألة فيها نص، لكن بقي من الجواب، سئل عن الصرف، سئل كل منهما عن الصرف فأجاب: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق ديناً"، بقي مسألة التفاضل لم يشيرا إليها، فعلهما عرفا مقصد السائل، وأنه يريد النسأ والتأجيل.
طالب:. . . . . . . . .
الأذان؟ اتفضل يا أخي.(35/10)
هذا يقول: هل للذهب تعريف؟ قد سمعت بأنه قد أفتي بأن ما يسمى بالذهب الأبيض أنه ليس بذهب، بل هو مجرد اسم فقط؟
يعني بعد التحري وسؤال أهل الخبرة تبين أنه من الذهب، أنه لا يختلف عن الأصفر، مادة توضع عليه فيصير أبيض، والعكس، فهو ذهب حقاً وحقيقة، أما لو كانت مجرد تسمية فالتسمية لا تؤثر، يعني إذا قالوا عن البترول: الذهب الأسود، هل معنى هذا أنه يأخذ حكم الذهب؟ لا، لا، لا يأخذ حكم الذهب، فبعد سؤال أهل الخبرة تبين أن الذهب الأبيض هو الذهب الأصفر بالنسبة لحده وحقيقته إلا في لونه فقط.
آخر حديث في باب الربا حديث أبي بكرة قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفضة بالفضة، والذهب بالذهب، إلا سواءً بسواء".
عرفنا ما في "نهى رسول الله" وأنها تعادل: "لا تبيعوا الذهب بالفضة" تعبير عن النهي كصيغته الصريحة، عند جماهير أهل العلم خلافاً لداود الظاهري وبعض المتكلمين الذين يرون أنه لا يحتج بهذا حتى ينقل اللفظ النبوي، هذا أشرنا إليه سابقاً، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الفضة بالفضة، يعني أن تباع الفضة بالفضة، والذهب بالذهب إلا سواءً بسواء، لا بد من التماثل، وأهل العلم يقررون أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، يعني مسألة التقدير أو التقريب هذا كله ما ينفع، إذا لم تجزم بأن هذا يساوي هذا فكأنك جزمت بأن هذا يزيد على هذا أو ينقص عن هذا، يقررون أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، فلا بد من العلم بالتساوي، إلا سواءً بسواء، وزناً بوزن، بحيث لا يزيد بعضها على بعض، ولو قلت الزيادة.
"وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا"، الدينار بعشرة دراهم، باثني عشرة درهم، بعشرين درهم، كيف شئتم؟ كيف شئتم؟ هذا بالنسبة للتفاضل مع اختلاف الجنس، ويبقى الشرط المقرر وهو التقابض، يداً بيد، "ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا، قال: فسأله رجل فقال: يداً بيد" يعني لا بد من التقابض إذا اختلفت الأجناس ذهب بفضة تمر بشعير، تمر بملح، لا بد أن تكون يداً بيد، إذا اختلفت هذه الأجناس، وفي رواية: الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد، إذا كان يداً بيد بهذا الشرط، "قال: هكذا سمعت".
ندخل في الرهن وإلا ما ندخل؟ وإلا نشوف الأسئلة؟(35/11)
طالب: أقول: نقرأ حديثين ثلاثة.
بدكم وإلا نشوف الأسئلة؟
طالب: ما تراه.
والله ما أدري إنا إحنا بقادرين نأخذ شيء، إذا أخذنا خمسة أحاديث في الأسبوع القادم نعمة، الأحاديث مُشكّلة ترى ما يجمعها باب واحد اللي جت، الرهن وغيره، اللي بعده على طول في الحوالة، نعم، بعده في التفليس، بعده في الشفعة، الوقف.
طالب: الأبواب يا شيخ، كتاب البيوع. . . . . . . . .
إيه فيها أبواب فيما بعد.
طالب:. . . . . . . . . ما في طبعات أخرى. . . . . . . . .
الفرائض مفرد.
طالب: كيف تعرف. . . . . . . . .؟ في الطبعة الذي معنا يا شيخ.
لا، هو داخل، داخل في المعاملات.
طالب: بعض الطبعات أحسن الله إليكم.
لأن الكتب حسب تقسيم أهل العلم تدور على الأركان الأربعة، الأرباع، العبادات والمعاملات، والمناكحات التي يسميها الناس بالأحوال الشخصية، ثم الجنايات، الجنايات، هذه الأربعة الأرباع المعروفة عند أهل العلم، ربع العبادات، ربع المعاملات وهكذا.
فعلى هذا نقف على الرهن، ونشوف كم سؤال.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو إذا باع عليه يخبره أنه بالخيار اشترى منه أو اشترى من غيره، أما إذا اتفق على أن يشتري منه صارت حيلة ظاهرة، إذا اتفق معه وتعاقدا على أن يشتري منه هذا ويبيع عليه هذا صارت الحيلة ظاهرة، لكن إذا قبض قيمة المبيع نعم، هو بالخيار إذا اشترى منه وإلا يشتري من غيره.
هذا منتهي هذا، هذا قبل.
يقول: إنني موظف في شركة مؤمنة على موظفيها التأمين الطبي، أذهب إلى أحد المستوصفات الخاصة وبعد كتابة العلاج طلبت من الدكتور إضافة علاج معين، فأفادني أن هذا غير مؤمن، ولكن سأكتب لك علاج آخر مؤمن، وعند الصيدلي استبدله بالعلاج الذي ترغبه، فهل يصح هذا؟(35/12)
إحنا نبني مسائل على مسائل، نسأل عن مسائل عن حكمها نعم، والأصل المبني عليه نعم، ممنوع، الأصل المبني عليه ممنوع، فإذا أردت أن تقيس على شيء، وتُنظّر له لا بد أن يكون الأصل المقيس عليه والمبني عليه مباح، فعلى سبيل المثال لو قال شافعي أو حنبلي لمالكي: لا يجوز لك أن ترمي بحصاة سبق أن رمي بها، طيب الدليل على ذلك؟ قال: قياساً على الماء المستعمل، نعم، لك أن تقول مثل هذا الكلام لشخص يوافقك في حكم الماء المستعمل، لكن إذا قال المالكي: أنا أخالفك، إذا قال المالكي: أنا أخالفك الماء المستعمل لا إشكال فيه عندي، كيف تبني عليه حكم شرعي لمسألة تقيسها على أصل مختلف فيه؟!
هنا الآن يسأل عن أصل التأمين حكمه، التأمين تدفع مبلغ معين على أن تستوفيه مع الجهالة، تدفع شهرياً أو سنوياً مبلغ ألف مثلاً، قد تستوفي الألف، قد لا تحتاج إلى شيء منه، وقد تحتاج إلى أضعافه، ومعروف أن هذه المعاوضات لا بد فيها من العلم بالمبذول والمأخوذ، ويشترط أهل العلم في العقود العلم بالثمن والعلم بالمثمن، والجهالة سبب للمنع والتحريم بلا شك.
يقول: هذا اقتراح أن يكون الدرس القادم خاص بالأسئلة التي لم يجاب عليها؟
إذا وافقوا الإخوان ما في مانع، إذا وافقوا أن يكون الدرس القادم للأسئلة لا مانع؛ لأنها كثيرة، وإن قالوا: نأخذ لنا خمسة أحاديث مثلما أخذنا اليوم، ونجيب على ما تيسر من الأسئلة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
أنت ما دفعت شيء، لكن هذا ما هو بملحوظ في عقدك وله أثر في راتبك؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما يأخذون عليك أنت شهري كذا؟
طالب:. . . . . . . . .
وليس له أثر في اتفاقك معهم؟ يعني لولا هذا التأمين يكون الراتب هو هو أو يزيد؟
طالب:. . . . . . . . .(35/13)
ما يزيد، هذا يصير تبرع منهم، ما يصير تأمين، لكن إذا لم يكن لهذا التأمين أثر في راتبك الشهري فيصير تبرع، مثلاً الضمان، الضمان في الشركات، شركات السيارات، نعم، إن كان لهذا الضمان أثر في قيمة السلعة، نعم، السيارة بضمان بمائة وعشرين ألف بدون ضمان بعشرين ألف، نقول: لا يجوز؛ لأنك تدفع العشرين في مقابل مجهول، لكن إذا كانت قيمة السيارة مائة وعشرين ألف، مائة وعشرين راجعت ما راجعت، حصل الضمان أو لم يحصل لا يتغير، الأمور سهلة، يصير تبرع منهم، واضح الفرق؟
يقول: ما يفعله الصاغة في هذا الزمان من شراء الذهب المستعمل بأقل من قيمة الذهب الجديد فمثلاً يشتري منك ذهب مستعمل الغرام بثلاثة وثلاثين ويبيعك ذهب جديد بسبعة وثلاثين؟
إيش فيه؟ هذا لا إشكال فيه، لا إشكال فيه.
يقول: البنوك فيها مساهمات يعني أشتري سهم بكذا وكذا، وبعد سنة يأتني مبلغ مالي ربح، فما حكمه؟
على كل حال إذا كانت .. ، إذا كان هذا الربح نتيجة معاملات ربوية فهو محرم بلا شك، وهو ربا، وإن كان نتيجة مضاربات، وقد اتجه بعض البنوك إلى هذا النوع من المعاملات، فالمضاربة جائزة، لكن يبقى أن التعامل مع شخص لا تدري هل يصدق معك في هذه المعاملة أو لا يصدق، أو يفي لك بما تقول، ومثل هؤلاء الثقة فيهم قليل.
يقول: السؤال الثاني: المؤذن في هذا المسجد يقول: الله أكبرُ، فينطق في الواو؟
الله أكبر، كذا واو، أو ضمة؟ هي واو وإلا ضمة؟
طالب: ضمة.
قد تشبع الضمة فتشبه الواو، نعم، لكن على كل حال إذا كانت مشبعة تجزم بدون إشباع، يعني تضم، الله أكبر كذا، لكن بعض العامة يحولها إلى واو ما هي .... ، الله وأكبر، كأنه يعطف، نعم.
يقول: ما حكم صرف الريال ورق بريال حديد إذا كان هناك زيادة. . . . . . . . . نقص؟
الزيادة عين الربا، فالريال هو الريال هو جنس واحد سواءً كان حديد أو ورق، إذا نظرنا إلى حقيقته عرفنا أنه لا قيمة له، إذا نظرنا إلى حقيقته، لكنه في الحقيقة ريال ريال، قيمته الثمنية واحدة، فالزيادة والنقص ربا.(35/14)
يقول: هل ورد أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عن الصحابة -رضي الله عنهم- في الحديث بعد صلاة العصر، وإذا لم يرد بذلك شيء فلماذا لا ينبه أئمة المساجد بأن يفعل ذلك أحياناً ويترك حتى لا يعد من السنن؟
هذا داخل في التخول، تخول الناس في الموعظة، أنسب وقت لموعظة الناس بعد صلاة العصر وقبل صلاة العشاء، وإلا إذا أخذنا بهذا المبدأ قلنا: أيضاً الدورات هل ثبت فيها شيء وإلا .. ؟ نعم، لكن الحديث بعد صلاة العصر من التخول، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتخولهم، نعم إذا حصل الإخلال بهذا الترتيب بأن يكون أسبوع مثلاً: السبت والاثنين والأربعاء، والأسبوع الثاني: الأحد والثلاثاء والخميس، والعكس، وقدم وأخر، أحسن من الترتيب المعين، لئلا يظنه بعض العامة أن هذه هي السنة.
الله المستعان، هذا يقترح يقول: لماذا لا نأخذ قدر كبير من الشرح في الدرس، وذلك باستثناء القراءة من القارئ مادام أنك تقرأ نص المتن؟
قراءة القارئ قراءة جيدة ومنشطة، وينطق بالحروف من مخارجها، ويستفيد السامع، والله المستعان، فقراءة القارئ ما تأخذ وقت، وأما كوننا نأخذ أكبر قدر ممكن من الشرح هذا ما يكلفنا شيء ترى يا الإخوان، السكوت ما يكلفنا شيء، بإمكاننا نخليه يقرأ خمسة أحاديث وأعلق عليها بخمس دقائق وتنتهي، وهذه مسلوكة عند كثير من الإخوان وطلاب العلم، لكن الفائدة في الاستطراد والتفصيل.
يقول: بعض شركات بيع الجوالات تبيع الجوال بألف ومائتين مثلاً ونفس الجهاز بدون ضمان أو بضمان أقل جودة عند شركة أخرى بألف فقط، ما حكم شراء الجهاز؟
أقول: إذا كان مقابل الضمان له وقع في الثمن إذا كان ما يقابل الضمان له وقع في قيمة السلعة فالضمان مثل التأمين مجهول، ما تدري خرب مرة باليوم، مرة بالسنة، ما يخرب أبداً، هذا مجهول، فكونه يأخذ عليك هذا المبلغ المحدد في مقابل شيء مجهول لا يجوز، انتهى الوقت؟ والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم صلِ وسلم وبارك عليه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(35/15)
وفاءً بالوعد، وإنجازاً لما اتفق فيه مع الإخوة على أن يكون اليوم على نحو مما يسمى باللقاء المفتوح، وهي عبارة عن أسئلة وأجوبة تكتب هذه الأسئلة وتقدم ويجاب عما يتيسر منها، والله المستعان.
هنا هذا السؤال يقول: بعض أهل العلم يقول: لا يجوز للمشتري بيع التمر الذي اشتراه من البائع ولم ينقله كأن يشتريه في السيارة أو في مكانه في السوق؛ لأنه قد يؤدي إلى المشاحنة، إذا رأى البائع ربحاً للمشتري ويشعر بالغبن والخديعة، هل هذا القول صحيح؟
الحكم هو ما ذكر، لا يجوز للمشتري لا سيما من اشترى طعاماً أن يبيعه وهو في مكانه، لا بد أن ينقله، لا سيما في الطعام، وليست العلة ما ذكر من أنه يؤدي إلى المشاحنة، فالسلع كلها يحصل فيها ما يحصل من الربح الكثير، أو الخسارة، هي معرضة للربح والخسران، فليست العلة ما ذكر، العلة النهي عن ذلك، ((إذا اشترى أحدكم طعاماً فلا يبعه حتى يحوزه إلى رحله)) الحديث الآخر: "نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم"، النص الثاني عام في الطعام وغيره، لكن أكثر أهل العلم على أنه خاص بالطعام، محمول على الطعام، وإن جاء عن ابن عباس وغيره أن السلع حكمها سواء، لكن الطعام جاء فيه من النصوص أكثر مما جاء في غيره، فينبغي أن يحتاط له فينقل عن مكانه الذي تم فيه البيع.
وما حكم بيع التمر في الصناديق من غير كيل أو بيعها في السطول؟
بيع التمر في الصناديق أو في السطول إن بيعت بتمر فلا يصح إلا بكيل، كيل بكيل، وإن بيعت بالدراهم والدنانير فلا بأس؛ لأنه لا تشترط المساواة ولا الدقة في بيعها، فالصبرة من الطعام تباع بالدراهم والدنانير، لكن لا تباع بطعام حتى يستويان في الكيل.
هذا كأني رأيته في الدرس الماضي.
يقول: من المعروف أن سبايا المسلمين من الكفار يعتبرون عبيداً، بعد ذلك أسلم الكفار، ثم أنجبوا أطفالاً وهم على الإسلام، فهل الأطفال يكونون عبيداً لذلك؟
نعم، هم تبعاً لآبائهم، فالولد عند أهل العلم يتبع أمه حرية ورقاً، فإذا كانت أمه من العبيد فحكمه كذلك، حتى يتم تحريره، حتى يتم تحريره بوجه من وجوه العتق أو الكتابة أو التدبير أو غير ذلك.
يقول: وما السبب في ذلك؟(35/16)
السبب أن الأصل اللي هو الأم والأب كانوا عبيد وهذا من نتاجهم، كانوا عبيد، كانوا ملك يمين وهذا من نتاجهم، وأهل العلم يختلفون في العبيد هل حكمهم حكم السلع التي تباع وتشترى كما هو واقعهم يباعون ويشترون بالقيمة؟ وهذا حكم شرعي ليس لأحد أن يعترض عليه بشيء، هذا حكم الله ليس لأحد أن يقول: حقوق الإنسان تمنع أو هيئة الأمم تمنع، لا، ما يعارض حكم الله بمثل هذا الكلام أبداً، هذا خطر عظيم أن يعارض الحكم الشرعي بمثل هذه الأمور، كوننا نعتقد أن هؤلاء بشر، وهم مسلمون لهم من الحقوق ما لنا، وعليهم ما علينا من التقدير والاحترام والرعاية، وجاءت الوصية بهم، وتشوف الشرع إلى عتقهم، كل هذا موجود في الشريعة، لكن لا يعني هذا أننا نلغي الأحكام الشرعية إرضاءً لفلان أو علان، والله المستعان.
يقول: هل لإباحة العرايا شروط مثل بيع السلم؟
العرايا أن تكون لخمسة أوسق فما دون، وأن تكون من محتاج؛ لأنها أبيحت للحاجة.
يقول: ما الحكمة من تحريم التفاضل والنسأ في الأصناف الربوية دون غيرها؟
النصوص الصحيحة الصريحة ((الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والفضة بالفضة رباً إلا هاء وهاء، ولا تبيعوا إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا)) يعني: لا تزيدوا ولا .. ، هذه هي العلة، النصوص الصحيحة الصريحة، وما كان لمسلم ولا مؤمن أن تكون له خيرة إذا جاء أمر الله أبداً، إذا جاء أمر الله فعلى المسلم السمع والطاعة، سواءً عرف العلة والحكمة أو لم يعرف، على أن العلة أو العلل والحكم من تحريم الربا مستنبطة عند أهل العلم ومعروفة ومشهورة، المقصود أن بالدرجة الأولى صحة الأخبار الواردة في منع ذلك.
يقول: ما حكم وضع الكتب على المصحف؟ وهل إذا وقع المصحف من جيب الشخص وهو يصلي أن يحمله وإذا لم يحمله فما الحكم المترتب على ذلك؟
القرآن كلام الله، وهو ما بين الدفتين، وكلام الله واجب الاحترام، لا يجوز أن يمتهن بحال من الأحوال، وممتهن القرآن على خطر عظيم؛ لأنه استخفاف بقائله وهو الله -عز وجل-، فوضع الكتب على المصحف إن كان من غير قصد فالساهي والغافل معفو عنه؛ إذا كان من جهل أيضاً فالجاهل معذور، يبقى إن كان من عالم وعارف وذاكر فإنه لا يجوز؛ لأن هذا نوع امتهان.(35/17)
يقول: إذا وقع المصحف من جيب الشخص وهو يصلي؟
نعم يحمله، عليه أن يحمله؛ لأنه وقع، نعم وضع المصحف على الأرض لا بأس به عند أهل العلم، مجرد وضع، مجرد وضع المصحف على الأرض لا بأس به، أما إلقاؤه على الأرض فحرام إجماعاً؛ لأنه استخفاف، لكن إذا وقع من غير قصد فعلى الإنسان أن يأخذه من الأرض ولا شيء عليه في صلاته؛ لأن مثل هذه الحركة معفو عنها، وهي لحاجة.
يقول: أنا أشتري سيارات جديدة من المعارض، وأدفع الفلوس فآخذ بطاقة الجمرك فقط، وأي .. أنني أشتريها لكن أبيع نقداً أو أقساط، فما الحكم في هذا البيع جزاكم .. ؟
الأصل في البيع هو الإيجاب والقبول، فإذا تم الإيجاب والقبول وتم القبض المعتبر للسلعة، الإيجاب من مالك للسلعة، والقبول من دافع للقيمة، وتم قبضها قبضاً معتبراً فقد تم البيع، كونها أوراق جمرك يكفي، لا يلزم من ذلك أن تنقل الملكية، كما أنه لا يلزم في الأراضي والدور أن تفرغ الصكوك بأسماء أصحابها ممن اشتراها، لا يلزم، نعم هذه زيادة في التوثقة، هذه زيادة في التوثقة، لكن الأصل في العقود إيجاب وقبول بالكلام، كون الإنسان يشهد مستحب عند أهل العلم، النبي -عليه الصلاة والسلام- باع ولم يشهد، وعلى كل حال البطاقة الجمركية كافية، لكن إن قال من باب الاحتياط: أنقل الاستمارة باسمي، أو استخرج الاستمارة باسمي فهو أحوط، كونه يبيعها نقداً أو أقساط بعد أن يملكها ملكاً تاماً معتبراً يقبضها القبض المعتبر يبيعها كيف شاء، إذا تم ملكه لها يبيعها على من أرادها بالنقد أو بالتقسيط.
طالب:. . . . . . . . .
قبض معتبر في مثلها، يعني لو أخذ المفتاح وقدمه واطمأن عليها وأخرها، يكون يكفي مثل هذا.
ما شاء الله أسئلة مكررة كثيرة.
يقول: هل يكون خيار الشرط ملجئاً عندما يشتري البنك السيارة من المعرض بناءً على أن هناك من يريد شراءها من البنك، والبنك يطلب الخيار من المعرض، وهل يكون هذا من باب: متى نفق المبيع وإلا رده؟(35/18)
نعم هو منه، على من يريد بيع سلعة سواءً كان بالنقد أو بالتأجيل، عليه أن يملكها ملكاً معتبراً، ولا يبرم أي عقد أو أي شيء يلزم أو يتوصل به إلى الضغط والإلزام من عربون أو غيره قبل أن يملك البائع الأول السلعة ملكاً تاماً؛ لأنك تأتي إلى من يبيع بالتقسيط من بنك أو غيره، وعرفنا مراراً أن التعامل مع البنوك الذي تزاول هذه المهنة الخبيثة –الربا- تعاون على الإثم والعدوان، لكن يبقى أنه إذا ألمت بالإنسان حاجة ولم يجد غيرهم فالحاجة تقدر بقدرها، فلا بد أن يملك من يريد بيع السلعة سواءً كان بالحال أو بالآجل أن يملكها ملكاً من غير أن يبرم أي عقد مع الطرف الثاني، فإن ألزمه بدفع عربون أو ألزمه بتوقيع أورقاً ولا يبقى إلا صورة البيع فإن هذا لا يجوز؛ لأنه باع ما لا يملك، لا بد أن يكون الملك تام، مستقر.
يقول: بعض الناس يقول: شمالك يمين لمن مد عليه شيء بيده اليسرى، وقال: شمال ما تشناك، هل في ذلك ما يشبه .... بأن يدي الله -عز وجل- كلتاهما يمين؟
نعم هذا تشبيه وإلا فالإنسان له يمين وله شمال، له يد يمنى وله يد يسرى، ووصِفْ شخص بأنه ذو اليدين، ووصف آخر بأنه ذو الشمالين، لكن ما وصف أحد بأنه ذو اليمينين، وجاء في الحديث الصحيح: ((كلتا يديه يمين)) وهو الله -عز وجل-، فحينما يقول: شمالك يمين أنه ينزل -ولو من وجه- المخلوق منزلة الخالق في هذه الصفة، وعلى هذا لا يجوز أن يقول له: شمالك يمين، شمالك شمالك، يسارك يسارك.
يقول: إذا اتفق المتبايعان على الخيار ولم يحددا فترة معينة هل يقيد الخيار بثلاثة أيام أم يكون على إطلاقه؟
الخيار المطلق، الخيار مطلقاً إذا قال: أشتري منك هذه السلعة على أن لي الخيار مطلقاً أبداً، هذا ينافي مقتضى العقد؛ لأن من مقتضى العقد اللزوم، كثير من أهل العلم يقول: يقيد بثلاثة أيام على ما جاء في بعض النصوص، كما في حديث المصراة جاء التحديد بثلاثة أيام، والثلاثة الأيام كفيلة بأن يتأمل الإنسان فيما اشتراه وعن نفعه له، وعن مناسبة قيمته، المقصود أنه لو حُدد ثلاثة أيام، أو يقال: البيع موقوف حتى يحد .. ، تحدد مدة الخيار.
هذا يطلب كلمة توجيهية بمناسبة قرب شهر رمضان.(35/19)
هناك رجل عنده امرأتان: أحدهما أرضعت أمي خمس رضعات أو أكثر، ولكن السؤال هل هذه المرأة الثانية تصير هي وبناتها من محارمي؟
أرضعت أمك هي جدتك، إذا أرضعت أمك فهي جدتك، وبناتها خالاتك من الرضاعة، فهن من محارمك.
كأن الأسئلة بتكثر.
يقول: نعلم أن المعتبر في تسوية الصفوف هي المناكب والأكعب، ولكن الملاحظ الآن أن الناس يقومون في الصف بأطراف الأصابع مع وجود العلامات في الصوف دون النظر إلى الأكتاف والأكعب، فهل هذا العمل صحيح بأن يصف الناس بأطراف الأصابع؟
لا؛ لأن بعض الناس في رجليه طول، بعض الناس قدمه أربعين أو خمسين سانتي، وبعضهم خمسة وعشرين أو أقل، فالعبرة بالأكعب، بالأكعب إلصاق الكعب بالكعب هذا الأصل، والمناكب أيضاً، وبهذا نعرف مقدار ما بين الرجلين في الصلاة، إذا قلنا: التسوية بالمناكب والأكعب إيش معنى هذا؟ معناه أنك تجعل بين رجليك أو مقدار ما بين الرجل إلى الرجل بمقدار جسمك؛ لأن بعض الناس يظن أن إلصاق الكعب بالكعب كافي ولو مد ما بين الرجلين، يفوته التسوية بالمناكب، وبعضهم يلصق القدم بالقدم فيفوته إلصاق الكعب بالكعب، كما هو صنيع الصحابة -رضوان الله عليهم-.
فعلى الإنسان أن يأخذ من الصف ما يكفيه دون زيادة ولا نقص؛ لأن الزيادة تجعل هناك فرج، وليس المنظور إليه الأرض فقط، الخلل في الصفوف؛ لأن بعض الناس يظن أن الذي يحل الإشكال يمد يمغط ما بين الرجلين ويكون خلاص ألصق الكعب بالكعب وهذا هو .... ، لا، يفوته التسوية بالمناكب، وبعض الناس يلصق قدمه بقدمه ويطلب من جاره أن يلصق قدمه بقدمه، وهذا فيه ضيق وحرج، لا يجعل الإنسان يخشع في صلاته، فلا هذا ولا ذاك.
يقول: وهل يبين للناس السنة في ذلك مع أنهم لو تراصوا بالأكعب لحصل خلل في الصفوف بسبب الجهل بالسنة في الوقوف في الصف؟
لا بد أن يتراصوا في الصف؛ لئلا يدعوا فرج للشيطان، كما جاء في الحديث الصحيح.(35/20)
يقول: مسئول في إدارة كبيرة مشهود له بالتبكير إلى الصلاة في كل وقت إلا أنه يضطر إلى التأخر أحياناً في إدارته في صلاة الظهر بسبب أمور خارجة عن إرادته، فإذا أتى إلى المسجد في الإدارة وجد أن الصفوف الأول لا مجال فيها، هل له أن يأمر بترك فراغ خلف الإمام بالصلاة فيه؟
ليس له ذلك؛ لأن من سبق إلى مباح فهو أحق به، حديث: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) هذا فيه حث على التبكير، وليس فيه طرد للصغار إذا تقدموا، هو حث للكبار على التبكير، وليس معنى هذا أن الإنسان إذا وجد طفل صغير ممن تصح مصافته في مقدمة الصفوف مما يلي الإمام أن يطرده من مكانه؛ لأن من سبق إلى مباح فهو أحق به، وإن فهم الصحابي -رضي الله عنه- أن الصبيان ينبغي أن يؤخروا من هذا الحديث، لكن الذي عليه أكثر العلماء أنه حث للكبار، ولذا يقرر أهل العلم أن الرجل ليس له أن يقيم ولده من الصف ويجلس في مكانه، ليس معنى هذا أن الإنسان كبير أو كبير في سنه، أو في قدره، أو في علمه، أو في وظيفته أنه يقدم على الناس في الأمور الشرعية، لا، الناس سواسية، من تقدم استحق المكان الأقرب إلى الإمام، وبعض الناس يضايق الناس يتأخر ويجد فرجة بين اثنين لا تتسع ولا لنصف حجمه، فيتقدم إليها، ويكون هذا ديدنه، الناس عموماً لا يطيقون مثل هذا العمل، يظن أن له حق على الناس ما هو بصحيح، على كل حال من سبق إلى شيء من الأمور الشرعية المتاحة للجميع فهو أحق به، وليس لشخص سواءً كان أب، أو عالم، أو موظف كبير، أو مسئول، أو أمير، أو وزير ليس له أن يتخذ مكان معين في المسجد بحيث يصلي فيه ولو تأخر، فهذه بيوت الله من تقدم إليها فهو أحق بها، جاءت النصوص فضل المبادرة إلى الصلاة والتقدم إليها، وأنه في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، أما إذا تأخر فيجلس في المكان الذي يجده، ويتيسر له، نعم إن وجد فرجة تتسع له، وتركت من غير مواطأة لا بأس.
يقول: هل يأمر .. ، هل له أن يأمر بترك فراغ خلف الإمام للصلاة فيه، أو لصلاة بعض ضيوف الإدارة، أو لصلاة بعض الدعاة الذين يأتون لإلقاء كلمات في الإدارة، فلا يجدون أماكن إلا في الصفوف المتأخرة عن الإمام؟(35/21)
الكل في الحكم الشرعي سواء، الكل في الحكم الشرعي سواء، كلهم، من وجد فرجة تقدم ... ، نعم إن كان هناك شخص جاء لمصلحة شرعية لإلقاء محاضرة أو درس، أو موعظة، وخشي أنه في المدة التي يتقدم فيها من الصف المؤخر إلى المقدم يتفرق الناس قبل وصوله، فلا شك أن هذا مقصد شرعي والأمور بمقاصدها.
يقول: لي أنا وإخوتي جمعية وهذه الفلوس نتاجر بها في شراء بيوت ونساهم بها، فهل عليها زكاة؟ مع العلم أنني سمعت أن المال المشترك ليس عليه زكاة؟
المال المشترك عليه زكاة؛ لأن له مالك؛ لأن له مالك، لكن الأموال المشتركة في الأمور العامة، في الأمور العامة التي لا مالك لها ليس فيها زكاة، مال وقف، غلته للمساكين هذا ليس فيه زكاة.
يقول: رجل كتب وصيته على هذه الصيغة: أوصي على أن ثلث ما ورائي للأعمال الخيرية ووجوه البر، وعلى من يحتاج من عيالي، علماً بأن هذه الوصية لم يكن عليها شهود، ولم يقم الموصي والكاتب بالتوقيع عليها، علماً بأنهما قد توفيا، أعني الموصي والكاتب، فهل تنفذ هذه الوصية؟
العمل بالوجادة، العمل بالوجادة أمر مقرر عند أهل العلم، فإذا وجدت بخط من تثق به، يعني وجدت بخط أبيك الذي لا تشك فيه أنه كتب وصية ولا أشهد عليها، هذا كلام أبوك، كما أنك لو وجدت بخطه الذي لا تشك فيه بأن له ديناً على فلان لك أن تحلف على ذلك، والعمل بالوجادة أمر مقرر شرعاً عند أهل العلم، فإذا وجدت الوصية مكتوبة بخط فلان من الناس فإن كان هو الموصي هذا إقرار منه على نفسه، والمسألة مفترضة في خط لا يشك فيه، وإذا وجد بخط غيره فهي شهادة من الكاتب على الموصي، فهي شهادة من الكاتب على الموصي.
يقول: هل يجوز للمسلم أن يلاعب نفسه حتى ينزل شهوته؟ وهل عليه إثم في ذلك؟(35/22)
نعم عليه إثم؛ لأن حفظ الفروج واجب، واجب {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(6) سورة المؤمنون] ولو كان مثل هذا العمل جائزاً لنبه ولوجه إليه من لا يستطيع الباءة، في حديث ابن مسعود قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) فهذا العمل الذي يسمى مثلاً بالعادة السرية أو يسمونه في كتب الأدب، بل ذكر في كتب التفسير: جلد عميرة، نعم، يسمونه كذا جلد عميرة، المقصود أن هذا عمل محرم، ولذا يقول في كتب الفقه عند الحنابلة وغيرهم: "ومن استمنا بيده لغير حاجة عزر" ولا يتم التعزير إلا على محرم، لكن إيش الحاجة؟ الحاجة إذا خشي الإنسان على نفسه من الزنا، هو وإن كان محرم إلا أنه أخف من الزنا، فإذا خشي على نفسه الزنا بأن تكون سبله وطرقه ميسورة متاحة، فمثل هذا العمل أخف من الزنا مع أنه محرم، وحينئذ عليه التوبة والاستغفار.
وبمناسبة قدوم شهر رمضان كثير من الشباب يكثر، تكثر أسئلتهم حول هذا العمل، وهل يبطل الصوم؟ نعم يبطل الصوم، ومع ذلكم يوجب الغسل أيضاً إذا خرج الماء بشهوة.
أسئلة كثيرة جداً. . . . . . . . . لو تحطهم بظرف وتكتب عليهن ويودين هناك إلى المشايخ، هذه كثرة كاثرة، ما أدري نبدأ بالقديم أو بالجديد؟
يقول: ما هي أفضل التحقيقات لكتاب مدارج السالكين؟
مدارج السالكين كتاب لابن القيم كتاب نفيس، لا يستغني عنه طالب علم، وهو شرح لكتاب منازل السائرين، في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، كتاب عظيم، والأصل لا يسلم من المخالفة، وابن القيم -رحمه الله- تساهل مع صاحب الأصل أحياناً، ونبه على كثير من أخطائه، لكنه في بعض الأحيان تساهل معه والمحقق الذي نشر الكتاب الشيخ: حامد الفقي، علق على بعض هذه المسائل، فطبعة الشيخ حامد أفضل من طبعة الشيخ: رشيد رضا؛ لأن أول من طبعه الشيخ: محمد رشيد رضا في مطبعة المنار، ثم طبعه الشيخ: حامد الفقي في مطبعة أنصار السنة.(35/23)
يقول: أنا أجمع تبرعات وأعطيها للإمام الذي أذن لي بالجمع، وهذا بطلب منه لصالح الأعمال الخير، وأنا محتاج وعلي دين وعندي حياء أن أطلب منه شيئاً من التبرعات، فهل لي أن آخذ منها ما يسد ديني؟
لا، ليس لك أن تأخذ إلا أن تخبر الإمام وتتفق معه، أو تخبر دافع الصدقة أنها لك.
تقول: لي ابنة، أو يقول -السؤال قابل- عمرها عشر سنوات هل الصيام واجب عليها؟
الوجوب خاص بالمكلفين، وتكليف البنت يكون بـ .. ، أبرز ما يكون بالحيض؛ لأنه في الغالب يسبق السن الذي هو تمام خمسة عشرة سنة، ويسبق أيضاً إنبات الشعر الخشن حول القبل، ويسبق الإنزال، فإذا حصل منها: إما ينزل عليها الحيض، أو تنزل الماء المعروف عند الرجال والنساء، أو ينبت حول القبل الشعر الخشن، أو تكمل خمسة عشرة سنة، هذه الأمور التي هي علامات للتكليف بالنسبة للنساء، وحينئذ يكون حكمها حكم النساء، ولو كانت بنت عشر سنين أو تسع سنين، إذا حصل شيء من ذلك، فيجب عليها أن تصوم، وهي حينئذ مكلفة مطالبة بجميع الأوامر، كما أن المطلوب منها أن تجتنب جميع ما حرم الله عليها، أما قبل ذلك فيطلب منها، سبع فما فوق تؤمر بالصلاة، تؤمر بالصيام، تؤمر بأفعال الخير من باب التمرين، من باب التمرين، وإذا بلغت عشر سنوات تضرب على الصلاة، لكن هل تضرب على الصوم كما تضرب على الصلاة؟ ليس في النصوص ما يدل على ذلك، لكن يؤكد في حقها ذلك.
تقول: أبي يمنعني غطاء الوجه، ويجبرني على كلية مختلطة، وأنا أريد أن أتركها حتى ما أتعلم، لكن سيغضب وقال لي: إنه بريء مني إن فعلتها، وبصراحة أنا أحترم أبي جداً، وأشعر بالخوف والرهبة وعدم البر كلما حاولت فعلها، ولذا أتراجع رغم شدة يقيني بأني على صواب؟
الطاعة بالمعروف، طاعة الوالدين واجبة، وبرهما متعين، لكن لا يعارض ببرهما أوامر الله وأوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإذا أمرها أبوها بأن تنزع الحجاب فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرها وأجبرها أن تدرس في كلية مختلطة بين الذكور والإناث فلا سمع ولا طاعة؛ لأن هذه أمور محرمة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
يقول: ما رأيك في كتاب (إحكام الأحكام) طبعة دار ابن حزم تحقيق حسن إيش؟(35/24)
من معه طبعة ابن حزم؟
أفضل طبعة لهذا الكتاب طبعة الشيخ: أحمد شاكر في مجلدين في مطبعة أنصار السنة، وطبعة الشيخ علي الهندي في أربعة مجلدات مع حواشي الصنعاني، مع حواشي الصنعاني، أما الطبعة المنيرية ففيها أغلاط كثيرة، الطبعات والصف الجديد في الغالب لا يوثق بها، اللهم إلا إذا كان الشخص الذي ادعى تحقيقها من المعروفين الموثوقين، وذكر أنه اعتمد على نسخ وقابل واعتنى بالكتاب وخدمه يستفاد منه، وإلا طبعة الشيخ: أحمد شاكر جيدة نفيسة، ومثلها لم أجد فرقاً بين طبعة الشيخ: أحمد شاكر، وطبعة الشيخ: علي الهندي التي معها حواشي الصنعاني، وأوصي كل طالب علم يريد أن يعتني بالكتاب أن يعتني بحواشي الصنعاني؛ لأن لابن دقيق العيد عبارات وجمل لا يمكن أن يفهمها الطالب المتوسط إلا مع الحاشية.
له سؤال آخر يقول: هل يتعبد لله بالوتر في الأكل والشرب وغيره؟
نعم، يتعبد به، فإذا أكل يأكل تمرة، ثلاث تمرات، سبع، وتر؛ نعم؛ لأن الله يحب الوتر.
كثر في الآونة الأخيرة الخلاف بين طلبة العلم بعضهم مع بعض، وكثر تصنيف الناس تبعاً لذلك، فهل من جماعة إيش .. ؟ فهذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا وكذا، فهل من كلمة توجيهية لما في الفرقة والخلاف؟
نعم الفرقة شر، والخلاف كذلك، إلا ما لا بد منه مما يترتب على اختلاف في الفهم، وإلا فالأصل أن الخلاف شر، ولذا يقول الله -جل وعلا- {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [(118 - 119) سورة هود]، فدل على أن المختلفين غير مرحومين في الجملة، أما الاختلاف بين أهل العلم الذي سببه اختلاف في فهوم أو بلوغ نصوص بلغت بعضهم ولم تبلغ الآخرين، أو اختلفوا في ثبوتها وعدم ثبوتها هذا هو الذي يؤجر عليه الإنسان إذا تحرى الصواب، إن أصابه فله أجران، وإن أخطأ الصواب فله أجر واحد، ومثل هذا الخلاف موجود بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم.(35/25)
على كل حال تضييع الأوقات بمثل هذه الأمور من تصنيف الناس وهذا كذا وهذا كذا، لا شك أن هذا مما يورث حرمان العلم والعمل، فعلى الإنسان أن يعتني بعمله، ويخلص لله -عز وجل-، وأن يحافظ على هذا العمل، ألا يضيع عمره وعمله في فلان كذا، فلان كذا، فلان من جماعة كذا، لا، ألزم ما عليك نفسك، فاحرص على عملك، لا تفرق ما جمعت.
وعلى طالب العلم أن يلتزم ويعتصم بالكتاب والسنة، ويترك الجماعات كلها، يعتصم بالكتاب والسنة، نعم كل يدعي أنه على الكتاب والسنة، لكن إذا عرضت هذه الأعمال تبين الخلل فيها، أولاً: عليك بجماعة المسلمين، وعليك أن تعتصم كما ذكرنا بالكتاب والسنة، وأن تلتف حول أهل العلم الموثوقين في علمهم وعملهم وإخلاصهم، والله المستعان، هذا وجد كثير، صار نصيب بعض طلاب العلم من العلم القيل والقال، فلان كذا، وفلان أخطأ وفلان أصاب، فلان أفضل من فلان، فلان أعلم، ما عليك منهم، هل نصبك الله حكماً بين عباده؟ ألا تعلم أن أعراض المسلمين حفرة من حفر النار كما قال ابن دقيق العيد؟ وهؤلاء مسلمون، نعم إذا وجد في صفوف المسلمين من يخشى منه الخطر على المسلمين ينبغي أن يحذر منه ...(35/26)
شرح عمدة الأحكام – كتاب البيوع (6)
باب: الرهن وغيره
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الرهن وغيره
الحديث الأول:
عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعاً من حديد.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الرهن وغيره
باب يجمع أبواباً، يضم أبواباً في الحقيقة، والعمدة باعتبار قلة الأحاديث في كل باب؛ لأن شرط المؤلف ضيق يجمع أكثر من باب في باب واحد، في ترجمة واحدة، ولذا جعل الباب للرهن، وعطف عليه غيره؛ ليدخل فيه الحوالة، ويدخل فيه الحجر والتفليس، ويدخل فيه أيضاً الشفعة والوقف، والعود في الهبة، والتعديل في العطية، والمزارعة، والعمرى والرقبى، وغيرها من الأبواب، في اثني عشر حديثاً تحت هذه الترجمة، وكل حديث أو حديثين يجمعهما موضوع واحد.
لا يريد أن يكثر التراجم فيفرد لكل حديث ترجمة كما فعل الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-؛ لأنه يورد في كل ترجمة حديث واحد –البخاري- أو حديثين، وهذا الإمام الحافظ عبد الغني -رحمه الله- لا يريد أن يكثر من التراجم، إنما يضم بعض التراجم إلى بعض، ويعطف بما يشمل الجميع؛ لأن اللفظ المبهم وغيره يشمل الجميع.
والرهن: مصدر، الأصل مصدر رهن يرهن رهناً، والثلاثي المتعدي مصدره فعْل، كما يقول ابن مالك -رحمه الله تعالى-:
فعل قياس المصدر المعدى ... من ذي ثلاثة كرد ردا
فالرهن: مصدر، والمصدر يراد به ثالث تصاريف الكلمة، الماضي ثم المضارع ثم المصدر، هو ثلاثي رهن، وهو أيضاً متعدٍ، في الحديث: "أرهنه ورهنه درعاً من حديد"، "رهنه درعاً" فهو متعدٍ إلى المرهون.
والرهن الأصل فيه البقاء والثبات، الحالة الراهنة، أي: الباقية الثابتة، الحالية، الآنية؛ لأن العين تبقى بيد المرتهن.(36/1)
والمراد به في عرف أهل العلم واصطلاحهم: التوثقة، توثقة الدين بالعين التي يمكن الاستيفاء من ثمنها، فهي زيادة احتياط على ثبات العقد، فالعقد يثبت بالإيجاب والقبول، ويتم بذلك، ويوثق بالكتابة والشهود، ولزيادة الاستيثاق شرع الرهن؛ لأن الناس يتفاوتون، منهم من يكفي أن يقال معه: بعت واشتريت، بعتك هذا، فيقول: قبلت، مثل هذا مرده إلى الديانة، ومنهم من يحتاج معه إلى ذلك إلى الإشهاد {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [(282) سورة البقرة]
ومنهم من يحتاج معه إلى الكتابة {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] ومنهم من لا يكفي أو لا يكتفى معه لا بالإشهاد ولا بالكتابة إما لجهالة حاله، أو لما عرف من حاله أنه لا يوفي بل يماطل، وحينئذٍ يطلب منه الرهن زيادة في التوثقة، وقد يطلب الكفيل، وقد يطلب الضامن، وكلها توثقات، وهذا موجود في الأمم كلها، منهم من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك، فالناس يتفاوتون، بعض الناس يكفي أن تبرم العقد بينك وبينه بدون شهود، بدون إشهاد ولا كتاب، لثقتك به، لكن إن حصل أنه على خلاف ثقتك به فأنت تتحمل؛ لأنك مأمور بالكتابة، مأمور بالإشهاد، الكتابة والإشهاد إنما يحتاج إليهما عند التنازع، وإلا فالأصل أن العقد يثبت بالإيجاب والقبول، ومرد ذلك إلى ديانة الطرفين.
الرهن جاء التنصيص عليه بالكتاب والسنة وأجمع عليه أهل العلم {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [(283) سورة البقرة] كنتم على سفر من أهل العلم من يشترط لصحة الرهن السفر، {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [(283) سورة البقرة] واعتبر هذا قيد، ووصف مؤثر، وأن الرهن لا يصح في الحضر، وجمهور أهل العلم على أن الرهن في الحضر كالرهن في السفر إلا أن السفر لما كان مظنة لئلا يوجد من يكتب ولا يوجد من يشهد كان الرهن فيه أو إليه، أو إلى الرهن أحوج، نعم، أما في الحضر يوجد الشهود، ويوجد الكتاب، نعم فيكتفى بالكتابة على الرهن، فالوصف أغلبي، وليس بكلي، وليس بوصف مؤثر في الحكم.(36/2)
{مَّقْبُوضَةٌ} [(283) سورة البقرة] كيف مقبوضة؟ يعني يقبضها المرتهن، وعلى هذا هل يصح رهن ما لا يمكن قبضه أو قبض كل شيء بحسبه؟ رهنه أرضاً يكفي أن يكون عنده الصك مثلاً، طيب لو رهنه سيارة الاستمارة تكفي؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
باسم من؟
طالب:. . . . . . . . .
مشكلة، هذا يسمونه اسم المالك، يكون باسم مكان المالك، يجعل عنده لمدة سنة جالسة ما يستفاد منها؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا تحايل، هذه حيلة، وإلا الأصل أن الوثائق الرسمية لا يتحايل عليها، يكتبون في الاستمارة اسم المالك، فيكون هو المالك؟ لا، ليس بمالك.
الآن عندهم عقود في الشركات -شركات السيارات مثلاً- تجعل السيارة باسم صاحب الشركة، المالك للشركة الفلانية، نعم، وقد باعتها الشركة على هذا الشخص بأقساط لمدة أربع سنوات، ولا تحول إلى اسم المشتري حتى تنتهي هذه الأقساط، هذا في حقيقته رهن، وإلا فالعقد عقد بيع، نعم عقد بيع، إلا أنهم لضمان حقهم، وخشية أن يتصرف في السيارة، وتفوت مصلحة البائع يتركها باسمه على ما أشار الشيخ، لكن يبقى أن هذا لا يسلم من حيلة، ولو أنكرت الشركة في يوم من الأيام، نعم، لو أنكرت الشركة، قالوا: ما بعنا، وادعت عليه أنه سارق، نعم بينهم عقود ممضاة وموقعة، لكن يبقى أنه لو ضاعت هذه العقود؛ لأن العقد الذي يتضمن، أو المعاملة التي يكون فيها عقد ظاهر، وعقد باطن لا بد أن تؤول إلى الخصام، ولا بد أن تؤول إلى النزاع، فإن كان هناك. . . . . . . . . من هذه الحيثية، وإلا فأصله بيع، يبيعون السيارة لمدة ثلاث سنوات، أربع سنوات، إذا انتهت مجرد ما تنتهي تحول لاسمه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، المنتهي بالتمليك عقدين، لا، هم يصنعون هذا الأسلوب، تقتضي العقد أو الإجارة مع التمليك؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك، لكن الإشكال يكون المضمون الراتب، لكن ضمان الراتب يكفي؟ تفترض أنه انقطع عن العمل، وذهب راتبه، يتضرر المرتهن، ولذلك لا بد أن يكون الرهن يمكن الاستيفاء منه، نعم، عين يمكن الاستيفاء منها، يعني مع الشركة مع ... المقصود أن كل عقد يؤول إلى الخلاف والنزاع والشقاق بين الطرفين لا تأتي الشريعة بجوازه، فتمنعه، نعم؟(36/3)
طالب: قد يفصل ولا تكون له. . . . . . . . .
نعم يفصل فصل، يتخلف ويفصل.
على كل حال الواجب أن تكون العقود واضحة للطرفين، وليس فيها شيء من التحايل، ولا، ويحصل نزاعات كثيرة، واحد مثلاً لا يحق له أو لا تنطبق عليه شروط الشركة الدائنة، يعني ما هو موظف وهم ما يدينون إلا موظف، فيأتي بشخص آخر نعم يستدين باسمه، والثاني هو اللي يسدد، وقد يكون يترتب على هذه أمور، أمور كثيرة جداً لا تنتهي، مما يتفقون عليه أنه لو مات مثلاً المستدين يعفى عنه، نعم، استدان زيد باسم عمرو، وعمرو لا بأس يسدد، مات زيد، الآن العفو عن زيد وإلا عن عمرو؟ اللي باسمه العقد، هذا الأصل الذي باسمه العقد، وهو ما يستحق في الأصل؛ لأنه ما استدان.
على كل حال هذه أمور وجميع العقود التي لها ظاهر وباطن هذه كلها حيل، وكلها تفضي إلى النزاع والشقاق، والمحاكم مملوءة بمثل هذه القضايا، والرهن إنما شرع لتوثقة الدين، وحل النزاع في وقته، هي حل للنزاع في وقته، فكيف يجعل الحل أصل لمشكلة، العلماء يقولون: له أن يركب ما يركب، ويحلب ما يحلب، نعم، شريطة أن يكون مقابله يعلفه وما أشبه ذلك، لما لا يضره.
الحديث يقول ...
طالب:. . . . . . . . .
استهلاكه، إي نعم بلا شك، يعني الآن يمكن الاستيفاء منه، باعتبار أن هذا الشخص دفع مقدم مثلاً، ورهنت السيارة، وإن كان عاد الطريقة في رهنها ما هي بواضحة، يجعلون الاسم المالك هو البائع نفسه، هذا المقدم ضمان للاستهلاك للقسط الأول، إذا دفع القسط الأول صار في مقابل استعماله، دفع القسط الثاني فهم يوازنون أمورهم، هي السيارة مبيعة بالتقسيط، وأيضاً وجود الاستمارة عندهم .. ، كان إلى عهد قريب يكتب على الاستمارة لما كانت شبه الدفتر يكتب على السيارة مرهونة، وبعد ذلك لا يستطيع بيعها، وهذا إجراء طبيعي مثل الصك، أو مثلاً المرتهن يأخذ الاستمارة عنده ويعطيه ورقة أن الاستمارة عندي، وتصدق من المرور، يعني هذه حلول، لكن تبقى السيارة باسم المالك الأول هذا لا شك أنه يفضي إلى النزاع.(36/4)
يقول: "عن عائشة -رضي الله عنها-" في الحديث الأول "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اشترى من يهودي طعاماً" النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في وصفه وفي وصف عيشه -عليه الصلاة والسلام- أنه متقلل من الدنيا، وعازف عنها، وأنه لا يدخر شيئاً، وجاء .. ، ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ((لا يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) ... إلى آخره، ولذا يحتاج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويجوع -عليه الصلاة والسلام-، ويُرى الهلال والثاني والثالث في شهرين وما أوقد في بيته نار -عليه الصلاة والسلام-، وهو أكمل الخلق، وأشرف الخلق، وأكرمهم على الله، ومع ذلك يشتري من يهودي، في هذا صحة المعاملة مع الكفار، وأن العقود تثبت لهم الحقوق التي يتفق عليها الطرفان من أجلها، وإن كانت معاملاتهم فيها ما فيها، وإن باعوا الخمر، وإن تعاملوا بالربا، لكن على الإنسان أن ينظر في عقده هو، لا يشتمل على محرم، لا يبرم معهم عقداً محرماً، لكن كونهم يتعاملون بالعقود المحرمة هذا لا ينظر إليه؛ لأن اليهود يتعاملون معاملات محرمة، ومع ذلك اشترى منهم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قد يقول قائل: لماذا لم يشترِ النبي -عليه الصلاة والسلام- من أغنياء الصحابة، من المزارعين من الصحابة، ومن أغنيائهم وأثريائهم؟ نعم؟ هذا أولاً: لبيان الجواز، وأن التعامل مع الكفار لا شيء فيه، إذا كانت المعاملة صحيحة، الأمر الثاني: دفعاً للمنة والحرج، من الذي يستطيع من الصحابة من كبارهم وأغنيائهم وأثريائهم أن يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذمته لي مبلغ كذا، والرهن كيف يشرع؟ الرهن بالفعل بهذه الطريقة هل يمكن أن يكون صحابي يقول: لا، لا أبيعك يا رسول الله حتى ترهني كذا؟ فدفعاً لمثل هذا الحرج، وبياناً للحكم اشترى النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا اليهودي طعاماً له ولأهل بيته -عليه الصلاة والسلام-، يجوع ويربط الحجر على بطنه، وهو مع ذلك أشرف الخلق، وأكمل الخلق، وأخشى الخلق، وأعلم الخلق، وأكرمهم على الله -جل وعلا-، وسيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- "ورهنه درعاً" ... نعم؟(36/5)
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال من عادى المسلمين وضر المسلمين يضر، يعامل بالضرر، لكن لا يعتدى عليه إلا بحق، أقول: لا يمكن أن يعتدى عليه، لكن كوني ما أشتري من شخص، أنت لو صار بينك وبين فلان من أمور الدنيا مثلاً نزاع وإلا شيء، أو هجرته لله، نعم، وقاطعته وهو مسلم، نعم عندك بقالة مثلاً بجوارك بقالة تبيع محرم مثلاً دخان، وإلا مجلات فيها صور أو ما أشبه ذلك، تقول: والله أنا أقاطع ها البقالة أشتري من البقالة الثانية، تؤجر وإلا ما تؤجر؟ تؤجر على هذا بلا شك، فالأمور بمقاصدها.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، هو محتاج .. ، هذا أكل هذا، ويش أعظم من حاجة الأكل؟
شوف من باب آخر الآن، الآن فيه مصالح ومفاسد، يعني كونك تستدين من شخص يتعامل بمعاملات محرمة ومعاملتك صحيحة، تستدين من هذا الشخص، ويوجد شخص آخر لا يتعامل بمعاملات محرمة، وبنفس العقد وبنفس النسبة لا تتضرر أنت، لا شك أن هذا هو المقدم؛ لأن تعاملك مع الآخر تعاون على الإثم والعدوان، أنت الآن تدعمه، لولا أنك محتاج لقلنا: ما يجوز التعامل معه، والثاني أنت بحاجة إلى دعمه من أجل إعانته على البقاء، وأيضاً الثاني كونه يضطر إلى أن يصحح معاملاته، ففي هذه النية لا تتعامل مع هذا إلا إذا لم تجد غيره، ولذلك البنوك التي تتعامل بالربا لا يتعامل معها إلا مع عدم وجود غيرها.(36/6)
"اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعاً" الدرع: ما يتقى به من السهام وغيرها في الحرب، وفي هذا جواز الرهن، وهو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وصحة التعامل مع الكفار، وفيه أيضاً اتخاذ الأسباب، النبي -عليه الصلاة والسلام- توكله على الله -جل وعلا- كامل، وأخذ بالسبب، عنده درع من حديد، وأمر بفعل الأسباب، ولا شك أن للأسباب تأثيراً، ولها أثراً جعله الله -جل وعلا- فيها، ولو شاء لسلبه عنها، فلها تأثير لا كما يقول الأشعرية، وتأثيرها ليس من ذاتها، وإنما بجعل الله -جل وعلا- لها هذا الأثر، فخلافاً لما يقوله المعتزلة، وأنها تؤثر بذاتها، المقصود أن بذل الأسباب وفعل الأسباب المأمور بها لا ينافي التوكل، وأيضاً لها أثر، والذي جعل فيها هذا الأثر هو الله -جل وعلا-، فلا تؤثر بذاتها كما يقول المعتزلة، ولا يقال كما تقول الأشعرية أنه ليس لها أثر بل وجودها مثل عدمها، والقول الوسط مذهب أهل السنة والجماعة.
"درعاً من حديد" فيجوز لبسه ولو كان من حديد، وما جاء من أن الحديد حلية أهل النار فهو ضعيف، نعم ضعيف، وجاء النهي عن اتخاذ خاتم من حديد؛ لأنها حلية أهل النار وسوار الحديد كل هذا ضعيف، لماذا؟ لأنه معارض بحديث: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) وهو في الصحيحين، وبهذا ضعفه الأئمة، وفي إسناده ضعف على كل حال.
نعم الحديث الثاني.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:(36/7)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مطل الغني ظلم)) " مطل الغني: يعني تأخير دفع من جهة القادر على الأداء وترديد الدائن ظلم، ووجه كونه ظلماً أنه مستحق لهذا الدين، مستحق لهذه الأجرة، مستحق لقيمة البضاعة فوراً، إلا إذا أجلت إلى أجل معلوم يلتزم به الطرفان، لكن إذا حل فتأخيره وترديده لا شك أنه يضر به، فهذا ظلم له، مطل الغني: المراد به مدافعته وتأخيره الدفع، دفع المال لمستحقه ((ظلم)) في بعض الروايات: ((لي الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) وما دام ظلم فهو محرم ((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)) فيجب دفع المال لصاحبه متى طلبه، إذا كان حالاً، ولا يجوز حينئذٍ تأخيره، وإذا أخره الواجد وهو الغني استحق العقوبة، استحق التعزير من قبل الإمام، "يبيح عرضه" بأن يقول صاحب الدين: مطلني فلان، ما هو يبيح عرضه يعني يلصق به التهم، ويتحدث به في المجالس، ويستطيل في عرضه بما كان وما لم يكن! لا، أهل العلم يقولون: يبيح من عرضه أن تقول: مطلني فلان، {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] وهذا مظلوم لكن بقدر المظلمة، وعقوبته يعني يعزر، من الذي يعزره؟ من له التعزير وهو الإمام، ما يأتي يقول له: أعطني مالي، يقول: والله غداً -إن شاء الله- تأتينا، أو الجمعة أو السبت ثم يضربه وإلا يتعدى عليه، يقول: أنا الشرع أباح لي عقوبته، وأنا أعاقبه! ليست لك العقوبة، وإنما العقوبة لمن جعل الله بيده الحدود والتعازير وهو الإمام.
طالب:. . . . . . . . .
صارت مشكلة كل واحد، يعني هذه العقوبة هي شرعاً ثابتة، لكن لمن؟ لمن له إقامة الحدود والتعازير وهو الإمام.(36/8)
((وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) وفي بعض الروايات: ((وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل)) يعني يقبل الحوالة، شريطة أن يكون المحال عليه مليء، بمعنى أنه يدفع متى طلب منه المال، ولا شك أن تشريع الحوالة هي في الأصل دين بدين، دين في ذمة زيد أحيل عليه دين في ذمة عمرو، والأصل أن بيع الدين بالدين -بيع الكالئ بالكالئ- ممنوع، لكن هذا عقد إرفاق لمصلحة الأطراف كلها، قد يكون المحيل المدين الأول ما عنده ما يسد به لدائنه، فيقول: أنا والله ما عندي شيء، لكن عند فلان لي مبلغ كذا، اذهب فخذه منه، حوالة، فتنحل مشكلة المدين الأول، وأيضاً صاحب الدين الذي قبل الحوالة يعجل له قضاء دينه، وأيضاً المحال عليه قد يكون المحيل بينه وبينه أمور تقتضي أن يجامله ويؤخر الدفع فيتأخر الدفع، أو تقتضي أنه ليس عنده من قوة الشخصية ما يستطيع به استخراج الحق، فالمحال الذي قبل الحوالة عنده ما يستطيع به أن يستخرج هذا الدين فينتفع الأطراف كلها، ولا شك أن مصلحتها ظاهرة، وأهل العلم يشترطون رضا المحيل ورضا المحال، ولا يشترطون رضا المحال عليه؛ لأنه مستحق الدفع سواءً لهذا أو لهذا.
((وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) أوجب بعضهم قبول الحوالة، والجمهور على أنه للاستحباب، واللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، فإذا أمن المحال من ضياع حقه فالقول بوجوب قبول الحوالة متجه؛ لأن اللام لام الأمر، لكن لو أن شخصاً مدين لجاره بمبلغ من المال، فقال الجار: والله أنا الآن ما عندي شيء، لكن فلان في الحي الفلاني الذي يبعد كذا عشرين خمسين كيلو عنا، عنده لي دين، روح اقبض منه، هل يلزم بأن يقبل لأن المشور عليه يحتاج إلى كلفة، إذا كان الاستيفاء من المحيل والمحال عليه على حد سواء فالمتجه وجوب قبول الحوالة، يعني جار يطلب جاره ديناً، يقول: والله أنا لي ديناً عند جارنا الفلاني، ما في فرق بين أن يذهب إلى هذا أو إلى هذا، لكن إذا كان يكلفه في بدنه، يكلفه في ماله، مثل هذا يتجه القول بالاستحباب.
طالب:. . . . . . . . .
وغيره، وغيره، هذا يدخل في غيره هذا.
طالب:. . . . . . . . .(36/9)
من ضمن الأبواب، ما يدخل في الرهن لكن يدخل في غيره، لو جاب حديث في الصلاة ويش المانع؟ تدخل بغيره، لكن في الغالب أنها تكون أحاديث في الباب عموماً، يعني لها ارتباط؛ لكونها كلها في المعاملات، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أدرك ماله بعينه عند رجل -أو إنسان- قد أفلس فهو أحق به من غيره)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث:
"عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا شك، ولا فرق بين (قال) وبين (سمعت) إلا أن (سمعت) أصرح في كونها دون واسطة، وأما (قال) يحتمل الواسطة، لكن من دقتهم يفرقون ويبينون مثل هذا الاختلاف.
"أو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أدرك ماله بعينه عند رجل)) " أدرك ماله بعينه: باع زيد على عمرو سلعة، سيارة مثلاً، كتاب أو غير ذلك من الأمتعة، ثم أفلس عمرو، لزيد أن يأخذ هذه العين فهو أحق بها من غيره من الغرماء، أحق بها، ((من أدرك ماله بعينه)) بعينه يكفي قوله: ((أدرك ماله بعينه))؟ ماله يكفي عن قوله: ((بعينه))؟ يعني لو شخص اشترى منك كتاب، كتاب نفترض أنه ها الطبعة هذه من هذا الكتاب، ثم سرقت منه وراح واشترى طبعة ثانية نفس الطبعة هل هذا مالك بعينه؟ نعم نفس الطبعة، ما تختلف، إذاً قوله: ((ماله بعينه)) قيد ويش يفيد؟ أنه لم يتغير، أن المال مالك أنت لا مثله ولا نظيره ولا شبيهه، إنما نفس المال ((بعينه)) يعني على صفته التي أخذه منك عليها، افترض أنه اشترى هذا الكتاب، ثم راح وفك التجليد وجلده تجليد فاخر، ثم جيت والله الكتاب كتابك لكن هل هو بعينه؟ هل هو بعينه وإلا تغيرت عينه؟
طالب:. . . . . . . . .(36/10)
إيه لا، يتضرر المشتري، فرق بين ضرر البائع وضرر المشتري، عكس هذه الصورة لو كان مجلد، نعم ومع الاستعمال طاح الجلد ولا جلده ثانية، أدركت مالك بعينه، كونك تتنازل عن الجلد الأول هو مالك بعينه، نعم، وإن شئت فقل: بعض مالك، هنا في هذه الصورة تختلف عما لو كان يعني نقص السلعة مؤثر وإلا غير مؤثر مع رضا صاحب السلعة؟ لا يؤثر، لكن الزيادة فيها مؤثر؛ لأنه صار له شريك، الجلد ما هو بلك، وإن كان الجلد تابع للكتاب، ويثبت عند أهل العلم تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، أنت الآن اشتريت كتاب نفترض الفتاوى مثلاً، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ما اشتريتها أنت، أخذتها من المستودع توزع وقف، فجيت وجلدتها بألف ريال، سبعة وثلاثين مجلد تجلد بألف ريال، ثم استغنيت عنها تبي بقيمتها كتاب ثاني، هل يجوز أن تبيعها بقيمة التجليد وهي وقف؟ أو نقول: التجليد تابع هذا ما له قيمة؟ نعم؟ أنت صرفت عليها شل التجليد وبيعه لحاله، هذا الذي صرفت عليها، أما تبيعه مع الكتاب ما اشترى التجليد هو، الآن هو اشترى الكتاب، فعلى هذا القول بأننا نبيع التجليد تحايل، افترض أن كتاب تجليد يعني فاخر جداً خله بألفين ريال ما هو بألف، وهو بدون تجليد ما يسوى ألف، تقول: والله أنا با أبيع التجليد، ما أنا ببائع .. ، نقول: لا يا أخي، لولا الكتاب ما مشى التجليد، فهذه في هذه الصورة تبع، فهل نقول مثل هذا فيما لو وجدنا عين السلعة إلا أنه جلدها؟ نعم؟
طالب: يختلف.(36/11)
يختلف، بلا شك يختلف، يختلف يعني يقول: أنا والله ما أنا بمعطيك إياه، أنت أسوة الغرماء، هذا مالك لكن ليس بعينه، وأنا شريك لك في هذا الكتاب؛ لأنه أحياناً يكون التجليد أغلى من قيمة الكتاب، يقول: أنا وياك شركاء في هذا الكتاب، هذا مالك وهو أيضاً مالي، أنا وإياك سواء، وليس المال بعينه بهذا القيد، الآن فائدة هذا الحديث أن هذا الشخص مدين بمائة ألف، وأنت بعت عليه هذا الكتاب بمائة ريال، هل تكن أسوة الغرماء وإلا تأخذ الكتاب؟ الأصل إذا كان الكتاب على حاله بعينه تأخذ الكتاب، أنت أولى الناس به، نعم، لكن لو تغير؟ أنت أدركت مالك لكن ليس بعينه، إن تغير إلى نقص وقبلت النقص ولم تطلب عوض هذا من باب أولى، لكن إذا تغير إلى زيادة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو الآن أنت ما أدركت مالك بعينه، فمثل هذه الصورة تخرج بقوله: ((بعينه)) تخرج مثل هذه الصور بقوله: ((بعينه)) لكن ليس له حجة، وليس بمتضرر إذا أدركته بنقص وقبلته على نقصه فليس له حجة، فأنت أولى الناس به.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا تغير؟
طالب:. . . . . . . . .
يصير أسوة الغرماء، يباع ويوزع قيمته على الغرماء كلهم، نعم، على شان أنه صار شريك لك، ما هو بمالك أنت، مالك ومال غيرك، فالميزة التي في الحديث انتهت، القيد الذي في الحديث ارتفع، نعم.
((من أدرك ماله بعينه عند رجل)) ومثله المرأة، يعني لا فرق ((عند رجل -أو إنسان-)) وهذا شك، ولا يفرق، لكن هذا من باب احتياطهم في الرواية، ((قد أفلس)) والإفلاس: أن يكون له ما يملك لكنه أقل من ديونه، أن يكون ممتلكاته أقل من ديونه، أو لا يملك شيئاً، ولذا جاء قي الحديث: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، يعني لا شيء عنده، ويدخل في حد الإفلاس إذا كان عنده شيء، لكنه لا يفي بفلوسه أو كان عنده ما يفي بديونه غير الحالة، شخص عنده مائة ألف رصيد، ومدين بمائة ألف، إنفاقه وصرفه من هذه الدراهم يضر بإيش؟ بالدائنين، فعلى هذا يحجر عليه أو يسدد؛ لئلا يتضرر الدائنين، ومن باب أولى إذا كانت لا تفي، ومن باب أولى إذا كان لا يملك شيئاً.(36/12)
الإفلاس في عرف الشرع في هذا الحديث حقيقة شرعية، تكون ممتلكاته لا تفي بديونه، هذه حقيقة شرعية، إذاً كيف نفاها النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا))؟ ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال)) وذكر من الأعمال ((ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، وانتهك عرض هذا)) هذا مفلس، فنفى حقيقة شرعية، وأثبت حقيقة أخرى؛ لأن الإفلاس له أكثر من حقيقة شرعية؛ لأنها كلها جاءت على لسان الشرع، فالذي عندنا الحقيقة الثانية التي نفاها في الحديث الأول.
((أفلس)) فصار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير، الفلوس عملات صغيرة جداً، نعم، يعني مثل الهلل بالنسبة لـ ... ، نعم، أقول: عملة قليلة القيمة، نعم، وأصله فلس نعم، هذا الأصل، وعندهم مثله أو أقل منه الدانق، الدرهم ستة دوانيق، دانق هذه عملات صغيرة لا يمكن صرفها، لكن البخيل يستطيع صرفها، يستطيع أن يقسمها ويجزئها أجزاء، وإلا ما تقبل التجزئة، واحد عنده دانق، ويش أصغر من الدانق؟ لو تقول له: خذ هللة بينك أنت وأخوك، وبينك وبين إخوانك، ويش تسوي الهللة؟ رجل غني ذهب إلى السوق واشترى بضاعة، فأتى بحمال قال: كم تشيل هذه البضاعة؟ كم تحمل هذه البضاعة؟ قال: بدانق، قال: والله كثير الدانق، قال: أقل من دانق هات، قال: لا، نشتري فستق بالدانق ونأكله أنا وإياك، مثل هذا يستطيع أن يتصرف.
المقصود أن أفلس من الإفلاس، يعني صار صاحب فلوس بعد أن كان صاحب دراهم ودنانير، فلوس وأفلس نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، بس الإفلاس؟
طالب:. . . . . . . . .
كذلك.
((قد أفلس فهو أحق به من غيره)) يعني يملك أخذه بهذا الحديث، ويحكم به له دون غيره من الغرماء.
طالب:. . . . . . . . .
لا يعتبر وقف؛ لأنه مضر بالدائنين، كمن أعتق وعليه دين، باعه النبي -عليه الصلاة والسلام- فيمن يزيد، وهذا عتق، الشرع يتشوف للعتق أكثر من الوقف، فمثل هذا لا يمكن من الوقف.
طالب:. . . . . . . . .
تعارض سنة مع واجب، نعم.(36/13)
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "جعل" وفي لفظ: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة".
يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع:
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "جعل" وفي لفظ: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة" جعل الشفعة في كل مال لم يقسم، وقضى النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني حكم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشفعة، وهي مأخوذة من الشفع ضد الوتر؛ لأن الشافع يريد ضم نصيب غيره إلى نصيبه، ضم نصيب الشريك إلى نصيبه، فيكون بذلك بعد أن كان فرداً نصيب واحد صار شفعاً أكثر من نصيب.
"في كل مال لم يقسم" كل مال، يقتضي العموم، لم يقسم، نعم كل مال فيه شفعة، مقتضى الحديث أن الشفعة في كل مال، شريطة أن يكون هذا المال لم يقسم، لم يعرف نصيب زيد من نصيب عمرو، لم يتميز نصيب زيد من نصيب عمرو، فلو افترضنا أن تمراً بين زيد وعمرو، مائة صاع، لزيد خمسين، ولعمرو خمسين، باع زيد على بكر، يشفع عمرو وإلا ما يشفع؟ مقتضى الحديث؟ إذا استصحبنا الحكمة والعلة حكمة التشريع في الشفعة، وهي دفع الضرر اللاحق بالشريك، لكن هل يتضرر الشريك بأن يكون شريكه في هذا المال زيد أو بكر؟ نعم؟ كيف يتضرر؟ نعم؟ يعني افترضنا أنه تمر، خمسين صاع في عشرة أكياس، في كل كيس خمسة آصع، يعني متميزة، هذه الخمسة لزيد، وهذه الخمسة لعمرو، جاء زيد وباع نصيبه، يشفع وإلا ما يشفع؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(36/14)
لماذا؟ لأنه مقسوم، لكن لو كان غير مقسوم نعم نصيبه مشاع، نصف من هذه الصبرة من التمر مقتضى الحديث أن له أن يشفع، لكن هل الحكمة من تشريع الشفعة تتحقق في مثل هذا بأن يكون شريكه زيد أو عمرو، يعني الحاجة قائمة مثلاً؛ لأن خمسين صاع ما تكفيه لمدة سنة، ومائة صاع تكفيه مثلاً، نعم، تكفيه لمدة سنة فهو محتاج إلى ما بيد شريكه، وشريكه يبيع عليه أو على غيره بدون فرق، فتتحقق حينئذٍ حكمة التشريعية من هذا الحكم، شريطة أن لم يكن قسم، لكن قسمته سهلة، يعني قسمة التمر مثلاً هل هي مثل قسمة الأراضي، ومثل قسمة الدور، ومثل قسمة .. ؟ نعم؟ مقتضى قوله: "في كل مال" ثبوت الشفعة لكل شريك في أي مال من الأموال، شريطة أن يكون المال غير مقسوم.
"فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة" نعم، أرض أو بيت بين زيد وعمرو، الآن لو باع زيد على بكر تضرر عمرو، نعم يتضرر، وهو محتاج إلى النصف الثاني من الدار، فيثبت له الشفعة، فإذا باعه على غيره له أن يطالب به، ويدفع مثل ما دفع المشتري الأول بالحديث، هذا إذا لم تقع الحدود، يعني أرض يمكن قسمتها، بيت يمكن قسمته، وحينئذٍ يكون شريك وإلا جار إذا تمت القسمة؟ جار، وفي الحديث: ((الجار أحق بصقبه)) ومن أهل العلم من يثبت الحق للجار، لكن الآن الحدود عرفت وصرفت، الجار إذا كانا يشتركان في الطريق الذي يتأذى به أحدهما لو بيع على غيره يحمل عليه الحديث، هما يشتركان في طريق ضيق مثلاً، طريق ضيق ما فيه إلا باب هذا الجار، وباب هذا الجار، وأراده الجار من أجل أن يستقل بالطريق؛ لأن هذه الطريق المبيع الأخير في هذا الطريق في هذا السد مثلاً، وشخص أجنبي يريد أن يشتري بيت الجار، واحتمال أن يكون ما هو مثل الجار الأول، الجار الأول عفيف ومتعفف ولا يضر، سواءً راح وإلا جاء وإلا، الثاني لا، إن شاف باب مفتوح التفت، وإن شاف غفلة استغلها، وإن شاف .. ، يوجد من مثل هذا، فهو متضرر، فإذا اشتركا في الطريق الذي يتضرر به أحدهما تثبت الشفعة للجار، وعلى هذا يحمل الأحاديث التي تثبت الشفعة للجار، أما إذا كان لا يتضرر، فنقول: إذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(36/15)
ترون نضطر يا الإخوان نكمل بسرعة على شان إيش؟ الوقت، الأحاديث كثيرة وليس لها إلا هذا الأسبوع يعني.
طالب:. . . . . . . . .
في كل ما لم يقسم، ومال لم يقسم، ما يؤثر هذا؛ لأن (ما) من صيغ العموم، وتقديره: كل شيء لم يقسم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، جاء في بعض الروايات: "قد أفلس أو مات" نعم.
سم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أصاب عمراً -رضي الله عنه- أرضاً بخيبر، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني به؟ قال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) قال: فتصدق بها عمر، غير أنه لا يباع أصلها، ولا يورث، ولا يوهب، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه" وفي لفظ: "غير متأثل".
نعم يدخل في قول المؤلف في الترجمة: "وغيره" الوقف الذي هو مفاد هذا الحديث.
يقول: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أصاب عمر أرضاً" يعني هل من الأدب أن يسمي الولد أباه باسمه؟ وما أصاب أبي، ولا أصاب أبو حفص، ولا .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هل يختلف الحكم ما إذا كان الخطاب بحضرته أو بغيبته؟ نعم؟ يختلف الحكم، لو كان بحضرته ما قال: أصاب عمر، ولذلك تجدون في الخطابات تتفاوت، حينما يخبر عنه بغير حضرته لا يمنع؛ لأن السبب الذي من أجله يعدل، بل أمر بأن يعدل عن اللفظ الذي يوحي بعدم القرابة؛ لأنه لما يقول: قال أبي مثلاً، أو قال عمي، أو قال خالي لا شك أنه أفضل بكثير من أن يقول: قال فلان، لماذا؟ لأن اللفظ المعبر به يشعر بالصلة الوثيقة بينهما، وهي الأبوة أو العمومة أو الخئولة، مشعر بهذه الصلة، فالتسمية مقرونة بالصلة، بينما لو قال: قال فلان وقال فلان، ويش الفرق بين فلان وعلان من أبعد الناس وأقربهم؟ ولذا ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(36/16)
هو احتمال، لكن يبقى أن مثل هذا لا يضر، ابن عمر بعد وفاة أبيه يقول: قال عمر، كل الناس تقول: قال عمر، نعم، وأخذت ألسنة الناس على هذا، أخذت ألسنة الناس على هذا، ما في العلة التي من أجلها يعدل عن من هذا إلى هذا مرتفعة، المقصود أن ألسنة الناس كلها: قال عمر، فعل عمر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ومع ذلك ما قال: أصاب أمير المؤمنين؛ لأن هذه الإصابة قبل كونه أميراً للمؤمنين.
على كل حال مدار المسألة على وجوده وعدمه، على تحقيق الهدف أو عدمه، مثل هذا ما يضر، ولذلك حتى استعمال الأسماء المجردة سائغة عند السلف، قال أبو بكر، قال عمر، كل الناس يقولون، لكن الابن ينبغي أو القريب ينبغي أن يعبر بما يشعر بالصلة؛ لذلك إبراهيم -عليه السلام- وأبوه كافر، يا أبت، ولا شك أن التكنية أفضل من الاسم المجرد، وأكمل.
فهنا يقول: "أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأمره فيها" يعني يطلب أمره فيما يصنع فيها "فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر" قص عليه القصة "لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه" يعني من هذا المال وهو الأرض، وفي رواية: منها، ويعود على الأرض، أو يعود على المال الذي هو عبارة عن هذه الأرض "لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ " يعني هل في أسلوبه ما يشعر بالمنة؟ يقول: إذاً والله نتصدق بهذا وهو نفيس جداً؟ نعم؟ أو نقول: صرح بما قد يكون له أثر في الحكم؟ احتمال أن يقول له: ما دام هذا أنفس أموالك ادخره لنفسك ولأولادك وابحث عن غيره؟ نعم كما قال لسعد: ((إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) ما دام هذا أنفس أموالك اتركه لك، فلكون الوصف قد يكون له أثر في الحكم ذكره، وليس على سبيل الامتنان، أبداً، نعم، "هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(36/17)
إيه لكن كونه لو لم يرد الوقف، نعم ما يريد وقف، لو قال: والله أنا الحمد لله صار نصيبي من خيبر أرض هي أنفس الأموال عندي وسكت، هذا ماشي يشكر الله ويحمده على هذه النعمة، لكن أريد أن أتصدق بها، طيب أنت معك ثوب تبي تتصدق به على فقير، هل يحسن أن تقول لهذا الفقير: والله هذا الثوب ممتاز وتراني مفصله ما أدري بمائتين ريال ثلاثمائة ريال؟ أو تعطيه إياه وبس؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو .. ، لكن أيضاً كونه يشعر بأن هذا مال نفيس، خذ يا رسول الله هذا مال نفيس أريد أن أوقفه إيش يعني هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هم يقولون: مثل هذا قد يكون له أثر في الحكم، يخشى عمر أنه ما دام نفيس أنه ما يصلح أن يتصدق به، فيخشى أن يكون هذا الوصف له أثر في الحكم فيترك له ولولده، ويبحث عن مال آخر يوقف.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن مثل نفس الشيء، هو احتمال أيضاً أن يكون ذكره لقيمة هذا الفستان أو هذه الأرض ليدعو له النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو ليخبره بثوابه -عليه الصلاة والسلام-، فيكون تنشيطاً له.
"فما تأمرني به؟ قال: ((إن شئت)) ... "
طالب:. . . . . . . . .(36/18)
المقصود أن هذا له سبب غير المنة "فما تأمرني به؟ قال: ((إن شئت)) " ترك الأمر إليه؛ لأنه إلى الآن ما بعد صار شيء، لكن لو أنفذ الوقف خلاص انتهى لزم ((إن شئت)) رده إلى مشيئته ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) يعني بغلتها، حبست أصلها، يعني أوقفت أصلها، فالوقف والتحبيس بمعنىً واحد "وتصدقت بها -يعني بغلتها- قال: فتصدق بها عمر" بالأرض يعني أخرجها عن ملكه، أخرجها لله ولرسوله "فتصدق بها عمر" يعني لا بعينها، لم يخرج عمر العين من يده التي هي يد الداخل، بمعنى أنه ملكها الفقراء والمساكين، قال: تملكونها ملكاً تصنعون بها ما شئتم، لا، إنما بهذا الشرط "غير أنه لا يباع أصلها" الأرض تبقى "ولا يورث، ولا يوهب" بمعنى أنه ليس بتمليك، ليس بتمليك للأصل، وإن كان فيه تمليك للغلة، وهي الفرع "ولا يوهب، قال: فتصدق بها عمر" يعني بغلتها "في الفقراء" في الفقراء ممن تدفع لهم الزكاة "وفي القربى" وإن كانوا لا يستحقون شيئاً من الزكاة، وإنما يستحقون الصلة "وفي الرقاب" تعتق بها، ويفك بها الأسرى "وفي سبيل الله" وهو الجهاد في قول عامة أهل العلم، وبعضهم أدخل فيه الحج بحديث ورد بذلك، وأن الحج في سبيل الله، وبعضهم توسع وقال: إن هذا اللفظ يشمل جميع أبواب الخير، وأبواب البر والإحسان، لكن الجمهور على أن المراد بسبيل الله إذا أطلق الجهاد "وابن السبيل" ابن السبيل الذي يكون في سفر ويحتاج إلى المعونة، تنتهي نفقته، أو تسرق نفقته، أو يفقد نفقته، على هذا يعطى من هذا المال، ويعطى أيضاً من الزكاة ما يبلغه إلى بلده "والضيف" إذا حل الضيف بعمر أو بآل عمر يصرف عليه، وينفق عليه، ويقرى هذا الضيف من غلة هذا الوقف "لا جناح على من وليها" يعني من ولي أمرها، وتصريف شئونها، والمنصوص عليه بعد عمر حفصة، والمنصوص عليه ممن يتولى الوقف بعد عمر حفصة، فتصح ولاية المرأة على مثل هذه الأمور، وبعدها الصالح المناسب من آل عمر.
طالب:. . . . . . . . .
هو الناظر هو، هو الناظر، هو الناظر، ناظر الوقف، هو هو.(36/19)
"لا جناح -ولا حرج ولا إثم- على من وليها أن يأكل منها بالمعروف" يعني في مقابل ما يؤديه من خدمة، بالمعروف، التوسط، بمعنى أنه لا يزيد في الأكل بحيث يتضرر المصرف، ولا ينقص بحيث يتضرر الولي، "بالمعروف، أو يطعم صديقاً" يعني إن جاءه ضيف صديق له أو .. يطعم منه "غير متمول فيه" يعني ما يتخذ يأخذ منها أموال غير حاجته وغير نفقته، ويجعل له أرصدة، أو يشتري بذلك بضائع أو ممتلكات من غلة هذا الوقف، لا، إنما له أن يأكل فقط، كالولي على مال اليتيم.
"وفي لفظ: غير متأثل" أي: غير متخذ مالاً، والتأثل اتخاذ أصل المال، بمعنى أنه لا يأخذ من هذه الغلة ما يجعله أصلاً لماله، بحيث يستغله مستقلاً عن الوقف، بمعنى أنه يأخذ رواتب مثلاً، هو يكفيه أن يأكل من هذا البستان، ثم بعد ذلك يأخذ زيادة عن ذلك رواتب يجمعها ويدعيها، فإذا اجتمعت لديه ما يمكن أن يشتري به بيتاً أو دكاناً أو شيئاً أو مزرعة يستغلها ويستفيد منها حينئذٍ يكون قد تمول وقد تأثل.
نأخذ الحديث وإلا خلاص؟ كم باقي يا أبا عبد الله؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ضارب بالوقف؟ غلة الوقف جعلها مضاربة، وأدخلها في مساهمة، نعم، ماذا عما لو اشتغل وعمل بغلة الوقف لتنمو؟ نعم؟ إذا كانت بضمانه بمعنى أنه يضمن، وغلب على ظنه الربح يتسامح في هذا وإلا فلا، الأصل أن يحفظ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
عن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: "حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تشتره، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في هبته كالعائد في قيئه)) وفي لفظ: ((فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)) متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(36/20)
هذا الحديث موضوعه العود في الهبة والصدقة، وهو داخل في المعطوف على الرهن في الترجمة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: "حملت على فرس في سبيل الله" يعني حملت مجاهداً على فرس في سبيل الله؛ لأنه تصدق بفرس على من يجاهد عليه في سبيل الله، وهذا الحمل مع نية التمليك على هذه الجهة، يُملك هذا الشخص الذي يستعمله في هذا العمل، في سبيل الله، يعني في الجهاد، ونظير ذلك لو أن شخصاً أعطى طالب علم كتاب، نعم أعطاه كتاب، ما قال له شيء، قال: خذ هذا الكتاب، ما معنى هذا؟ أنه ليستفيد منه، ليس معنى هذا أنه ليبيعه، إنما هو تمليك لهذا الكتاب على أن يستفيد منه فيما هو بصدده، فيما يمكن الانتفاع به وهو طلب العلم، وهنا الفرس تصدق به على هذا الرجل، نعم، ليتم حمله عليه في هذا المجال، وهو في سبيل الله وهو الجهاد فهو تمليك من جهة؛ لأنه لما أراد بيعه ما أنكر عليه، نعم وليس بتحبيس ولا وقف؛ لأنه لو كان تحبيس وإلا وقف لأنكر عليه لما أراد بيعه، لكن لما أراد بيعه وأراد شراءه منه دل على أنه تمليك، لكن تمليك مقرون بالانتفاع منه في هذه الجهة، ولعله استغنى عنه، وجد فرس أفضل منه للجهاد، وصاحبنا الذي تُصدق عليه بالكتاب لينتفع منه وجد طبعة أحسن منها، يعني أعطيته كتاب غير محقق، ثم بعد ذلك خرج الكتاب محققاً، يملك النسختين وإلا يتصرف في الأولى؟ هو تمليك وليس بوقف، لكن تمليك مقرون بالانتفاع في إمكان الانتفاع، لكن إذا تصور أنه يوجد أفضل منه لا مانع من بيعه؛ لأنه ليس بوقف، أظن التنظير مطابق.
"حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده" أضاعه الذي كان عنده يعني لم يقم عليه بالرعاية والإطعام على الوجه المناسب له، فأضاعه، ولعله وصل إلى حد بحيث لا يمكن الاستفادة منه في الجهاد، ولذا قرر بيعه، نعم.(36/21)
"فأردت أن أشتريه" يقول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص" لماذا؟ لأمرين: أولاً: لأنه أضاعه، فدل على أنه راغب عنه، زاهد فيه، فيبيعه في رخص ما دام هذا وضعه، الأمر الثاني: أن المشتري هو المتصدق، والعادة جرت أن المهدي والمتصدق يميل القلب إليه من قبل المهدى إليه والمتصدق عليه، وحينئذٍ يترتب على هذا الحط من القيمة "وظننت أنه يبيعه برخص" للأمرين: أولاً: لأنه زاهد فيه ولذا ضيعه، الأمر الثاني: لأن الطرف الثاني وهو المشتري صاحب فضل على البائع، وكل هذا يدل على .. ، يغلب على الظن أنه يبيعه برخص، لكن عمر اشترى؟ لا، ما اشترى، حتى يعرف الحكم، "فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم-" عمر -رضي الله تعالى عنه- فعل ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، "حملت على فرسي في سبيل الله" يريد بذلك الثواب من الله -جل وعلا-، وحينما عرض هذا الموضوع على النبي -عليه الصلاة والسلام-، الأصل أن يكون هذا سر؛ ليكون أقرب إلى الإخلاص، فكونه قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "حملت على فرس في سبيل الله" هذا في مجال الاستفتاء، نعم في مجال الاستفتاء والسؤال تذكر ما يتعلق بالمسألة من أصلها، ولو ترتب على ذلك الإخبار بما عندك من عمل صالح، إذا أردت أن تسأل مثلاً عن الوتر بعد طلوع الفجر، من ضمن السؤال تقول للشيخ مثلاً: أنا والله أقوم قبل الفجر مثلاً بساعة وأصلي ما كتب الله لي، وقد يطلع الفجر علي قبل أن أوتر فهل لي أن أوتر؟ هل معنى هذا وأنت تسأل هذا السؤال أنك تخبره أنك تصلي بالليل؟ لا، لأن هذا جاء تبع، لكن الإشكال إذا كان السؤال حيلة على استخراج ما عندك هنا يأتي الإشكال، يعني إذا أردت أن تخبر الشيخ أنك تقوم الليل بصورة ملفوفة، هذا الإشكال، هذا أعظم من الصورة المباشرة، لكن لما تقول: والله أنا أقوم قبل الفجر بساعة وأصلي ما كتب الله لي، وأحياناً يطلع الفجر وأنا. . . . . . . . .، هل لي أن أوتر؟ فأنت ما قصدت إخباره بأنك تقوم الليل، وعمر -رضي الله تعالى عنه- ما قصد إخباره، إخبار النبي -عليه الصلاة والسلام- على أنه حمل على الفرس في سبيل الله؛ لأنه يريد بذلك الثواب من الله -جل وعلا-.(36/22)
"فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تشتره، ولا تعد في صدقتك)) " طيب أنا شاري ما عدت، ما أخذته مجاناً لأعود في صدقتي، إنما اشتريته بالدراهم؟ لا، الغالب أن البائع على المتصدق أو على المهدي أنه يبيعه برخص كما توقع عمر -رضي الله عنه-، وهذا الرخص افترضنا أن هذا الفرس يستحق ألف، فلكونه المتصدق به قال: أعطنا سبعمائة تكفي .. ، فهو رجع في مقدار ثلاثمائة درهم، فهو رجع في مقدار الثلاثمائة، فيتصور العود في الهبة وإن كان بطريق الشراء، لكن هناك شراء لا يتصور فيه العود مثل إيش؟ أنت تصدقت بالكتاب على صاحبك، فرأيته يبيعه، لماذا يا أخي تبيعه استغنيت عنه؟ نعم؟ قال: والله خرج الكتاب محقق؛ قلنا: الكتاب كم يسوى في المكتبة هذا؟ قال: يبيعونه بمائة ريال، والمحقق بمائتين، خلاص أعطني هذا الكتاب وأنا أشتري لك محقق، هذا عود في الهبة؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
دفع المائة ومائة أخرى، هذا عود وإلا لا؟ هذا الظاهر أنه ليس بعود، وإن رجع عليه، وإن عاد عليه أصل ماله، ولو اشتراه بما يستحق بلا رخص، أو بأكثر مما يستحق، هذا ليس بعود، لكن ينبغي ألا يحصل حسماً للباب، سداً للذريعة؛ لأنه اليوم والله يختلفون في تقديره مثلاً، أهديته كتاب نفيس، أنت في وقت الإهداء ما تدري كم يسوى؟ ثم تداول الناس أن هذا الكتاب يستحق أربعة آلاف، خمسة آلاف، وأنت مهديه على أساس أنه يسوى ألف، ثم استغنى عنه، وجد نسخة محققة، وبيبيعه، وهو يعرف أن هذا الكتاب مثل معرفتك به سابقاً أنه يستحق ألف، قلت له: بألفين، عود وإلا ما هو بعود؟ عود؛ لأن الكتاب يستحق أكثر، فمثل هذا ينتبه له؛ لأن هذه أمور تجول في القلوب، وقد يحس بها، ويشعر بها، وقد لا يشعر بها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه أحياناً له تعليقة عليه مثلاً.(36/23)
على سبيل المثال أنا بعت كتاب، بعته بيع، ما هو لا هبة ولا صدقة، بعته قبل خمسة وعشرين سنة، والكتاب مسمى تفسير القرطبي، بعته على شخص بثمانمائة ريال، قبل خمسة وعشرين سنة، نسخة أصلية، واشتريت نسخ منها نسخة نفيسة وتحفة تستحق ألفين ريال، أنا أقلب الكتاب عند صاحبي فإذا به تعليقات لي مؤرخة سنة سبع وتسعين، هذه نادرة بالنسبة لي، يعني أيام الطلب قبل ما أتخرج، قلت له: أنا عندي لك نسخة أفضل من هذه مرتين أو ثلاث، أنا أعطيك إياها، وشافها وفرح فرح شديد، وبالفعل يعني لو عرضت هذه وعرضت هذه تستحق نسختين، بالنسبة له هو غير متضرر، لكن أنا نسختي غالية علي اللي علقت عليها، فأنا كسبان وهو كسبان، وهنا .. ، وليست المسألة مسألة صدقة ولا هدية ولا عود ولا شيء، مسألة بيع ببيع، هذا ما فيه إشكال هذا؛ لأنه كسبان على كل وجه، فهذا لا يدخل في مثل هذا الحديث، يعني لو بعت سلعة، بعتها بيع، ثم أراد صاحبها أن يبيعها فلك أن تشتريها منه؛ لأن هذا ليس فيه عود، اللهم إلا إذا بعتها عليه نسيئة بثمن مرتفع، ثم اشتريتها منه نقداً بأقل مما بعتها به، فهذه مسألة العينة، هذه لا تجوز.(36/24)
((لا تشتره، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم)) هو فيه شوب من الهبة، وفيه شوب صدقة، هو تمليك على كل حال، لكن كونه صدقة تصدق به؛ لأنه يستعمله في طاعة، فهو من هذه الحيثية حكمه حكم الصدقة، وفي كونه تمليك يأخذ حكم الهبة، ولذلك قال: ((ولا تعد في صدقتك)) ثم علل، يعني ((وإن أعطاكه بدرهم)) لا تأخذه، ((فإن العائد في هبته)) العلة تدل على أن هذا التصرف فيه شوب من الصدقة، وفيه شوب من الهبة ((كالعائد في قيئه)) وفي لفظ: ((فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)) كالكلب يقيء هذا مثل السوء، وليس لنا مثل السوء، ولذا القول المحقق في هذه المسألة أن شراء الصدقة أو العود في الهبة محرم للدلالة هذا الحديث؛ لأن هذا مثل سوء، وليس لنا مثل السوء، وهذا أيضاً في غاية التنفير منه، من أهل العلم من يرى أنه مكروه؛ لأن المسألة معاوضة وعقود ورضا والشروط كلها مكتملة، فالبيع صحيح، لكن المسألة كراهة، أبو حنيفة يقول: ما في إشكال، يجوز أن تعود في هبتك وتشتري صدقتك، لماذا؟ من الحديث أخذ الجواز، أخذ الجواز من الحديث نفسه، كيف؟ فيه وجه وإلا ما فيه وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لو مجان تأخذه، لو بنصف القيمة تأخذه، ما في إشكال يقول بعد، يعني من أين أخذنا المنع؟ أولاً: قوله: ((لا تشتره، ولا تعود في صدقتك)) لكن أبو حنيفة نزع منزع آخر، يقول: التشبيه في الكلب يقيء ثم يعود في قيئه، هل حرام على الكلب أن يعود في قيئه؟ نعم؟ ليس بحرام؛ لأنه غير مكلف، إذن ليس بحرام أن نعود في الهبة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه منفر، يقول: يجوز له أن يعود، يجوز، ويش اللي يمنعه من أن يعود؟ إذن ما الذي يمنعنا من أن نعود؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يشكل عليهم: ((لا تشتره)) أيضاً الأسلوب، الأسلوب أسلوب تنفير، إذن الغيبة حلال يعني، لماذا؟ هل ننظر بالغيبة ... ؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(36/25)
وهذا ممتنع، هذا تنفير، لكن لو اضطر إليه وأكله، اضطر إليه وأكله، يعني التنظير المطابق إن اضطر إلى الغيبة مثلاً يكون كمن اضطر إلى لحم أخيه على سبيل المثال اضطر إليه في حال استفتاء مثلاً، أو في حال قضاء أو في حال .. ، الأحوال التي تجوز فيها الغيبة، على كل حال قول أبي حنيفة -رحمه الله- مرجوح، والراجح في مثل هذه المسألة المنع والتحريم، والحديث كالصريح في ذلك؛ لأنه حكم مقرون بعلته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما قبضه، ما تثبت الهبة إلا بالقبض، الهبة ما تثبت إلا بالقبض.
طالب:. . . . . . . . .
هذا وعد، هذا وعد، نعم ينبغي له أن يفي بوعده، ولا يخلف الوعد، وأهل العلم يقولون: إن إخلاف الوعد الذي هو من علامات المنافقين إذا كان مقرون بالوعد، يعني وعد وفي نيته أن يخلف، لكن وعد ثم بعد ذلك تعذر عليه مثلاً، أو رأى أن المسألة فيها ضرر عليه، وعده أن يهب له كتاباً على أساس أن عنده نسختين، ثم راح مكتبته ما عنده إلا واحدة ويش يسوي؟ نعم؟ نقول: هذا إخلاف الوعد مثل المنافقين؟ لا، إذا كان في نيته أن يخلف الوعد أثناء إبرام العقد، هذا وصف المنافقين، إذا طرأ عليه ما طرأ، سواءً كان عدم وجود ما وعد به، أو الشح بالشيء، يعني والله نظر إليه، ووجد أن نسخته ما يمكن أن يستغنى عنها، الأمر فيه أخف، مع أن الوفاء بالعقود أمر مطلوب.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)) هذا زجر وأي زجر أبلغ من هذا؟ ((كالعائد في قيئه)) دعونا من الكلب، كالرجل العائد في قيئه، حديث ابن عباس، ماذا يقول أبو حنيفة عنه؟ ماذا يقول أبو حنيفة عن مثل هذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ماذا يقول أبو حنيفة في مثل هذا النص؟ اللهم إلا أن يحمل هذا على ذاك، كالعائد من الكلاب مثلاً، العائد في هبته كالعائد من الكلاب، بدليل ما تقدم، والقصة واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: النص.
ويش فيه؟
طالب: كالرجل يعود في قيئه ...
ما في رجل، لا، ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)) إيه، فيقول: العائد في قيئه المراد به الكلب الذي تقدم في الحديث، مع أن هذا لا وجه له، نعم؟(36/26)
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما هو من باب الإطلاق والتقييد، هذا من باب العموم والخصوص، والحكم واحد، فلا يحمل العام على الخاص؛ لأن كالعائد هذا عام، وكالكلب هذا خاص فرد من أفراد العام والحكم واحد، إذاً لا يحمل المطلق على المقيد، ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وفي لفظ: ((فإن الذي يعود))؟ لأن قوله: وفي لفظ يدل على .. ، صنيع المؤلف يدل على أنه من رواية عمر؛ لأنه إذا تحدث عن حديث ذكر رواياته كلها عن الراوي الأصلي، إذا تغير الصحابي لا بد أن يُذكر.
طالب:. . . . . . . . .
إي غلط، غلط، إن كان من حديث ابن عباس فهو خطأ، نعم.
وعن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- قال: تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى يشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانطلق أبي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟ )) قال: لا، قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) فرجع أبي فرد تلك الصدقة.
وفي لفظ قال: ((فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور)).
وفي لفظ: ((فأشهد على هذا غيري)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(36/27)
"وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: "تصدق علي أبي ببعض ماله" يعني أعطاني بعض ماله، يعني الصدقة أعم من أن تكون زكاة، والزكاة لا تدفع إلى الولد، أو الصدقة لكونه محتاجاً مثلاً، النافلة أو الهبة والعطية والهدية فاللفظ أعم، والذي يظهر أنه نحله هذه الأرض بمعنى أعطاه إياها، كما في بعض الروايات "تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة" أخت عبد الله بن رواحة: "لا أرضى" ما يكفي أن تتصدق وخلاص؛ لأنه قد ترجع، والأم لها سلطان على الأب من جهة، ولها سلطان على الولد من جهة أخرى، تتدخل، وإلا بالإمكان أن يقول الولد: ويش علاقتك؟ ما الذي يخصك؟ وقد يقول الأب مثل ذلك، لكن لها ارتباط بالأب من جهة، والمسألة مسألة إذا رجحت كفتها تلزم الأب؛ لأن المسألة مسألة عرض وطلب، إذا رجحت كفة الأب أجابها بما يناسبها من الجواب، لكن الظاهر أن الآن في مثل هذا كفة الأم فيها رجحان، ولذا قالت: لا أرضى، وإلا ويش علاقتها بين ولد وأبيه؟ ويش علاقة الأم؟ لها علاقة، نعم.
"لا أرضى حتى يشهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأنها ليست واثقة، ما دام أعطاه وبعدين؟ يرجع، فإذا شهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأثبت ذلك بشهادته ما يرجع، ما يستطيع أن يرجع، فهي تريد التوثقة، توثقة العطية، توثقة الصدقة.
"فانطلق أبي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليشهده على صدقتي" بشير له أكثر من ولد، له أولاد، ولم يعط إلا النعمان "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟ )) " والولد يشمل الذكر والأنثى {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟ )) ولدك كلهم، ما قال: بولدك كله، نعم، كيف أكد الواحد بلفظ الجمع؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
مفرد مضاف فيفيد العموم، فيشمل جميع الأولاد من الذكور والإناث.(36/28)
"قال: لا، قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) " اتقوا الله دليل على أن التفضيل ليس من التقوى، مخالف للتقوى، والتعديل بين الأولاد هو مقتضى التقوى " ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) " يعني لا تفضلوا بينهم، لا تفضلوا بين أولادكم، ومقتضى هذا اللفظ والأولاد يشمل الذكور والإناث أنهم سواء في الهبة والعطية والهدية كلهم سواء، أعطيت الولد ألف تعطي البنت ألف، هذا مقتضى العدل، وفي لفظ: ((سووا بين أولادكم)) وهذا مقتضى التسوية، وهذا ما يفيده هذا الخبر، وبه قال الأكثر، أنه لا يفضل بين الذكر والأنثى في العطية، وفي الهدية، وفي الهبة، لا، نعم، إنما في الميراث نعم، ولم يجرِ على هذا ما جرى بالميراث، وإن قال بعض أهل العلم: إن مقتضى التسوية العمل بقسمة الله -جل وعلا-: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] يعطى الولد ألف وتعطى البنت خمسمائة، لكن الأول هو قول الأكثر في الدنيا في الهبة في الدنيا والهدية يسوى بينهم، لكن هل من مقتضى العدل أن الأب إذا اشترى للولد الأكبر سيارة يشتري للولد الأصغر سيارة، أو يشتري للبنت سيارة؟ أو اشترى للبنت ذهب يشتري للولد ذهب؟ أو نقول: هذه حوائج أصلية لكل منهم ما يخصه؟ فمثلاً الكبير يحتاج إلى زواج، الصغير يحتاج إلى حليب، نقول: زوج الصغير مثل الكبير واشترِ حليب للكبير؟ لا، لا هذا ما يرد؛ لأن هذه حاجة تقدر بقدرها، هذه حوائج تقدر، والمقصود القدر الزائد على ذلك.
طيب شخص بنى مجمع سكني له ولزوجاته ولأولاده، وله بنات متزوجات، وكل زوجة في بيت زوجها هل نقول: يلزمه أن يسكن البنات هنا مثلما سكن الأولاد؟ أو يدفع لهم الأجرة مقابل ما سكن الأولاد؟ نقول: هذه حاجة، والبنت إذا تزوجت انتهت حاجتها من أبيها، انتقلت كفالتها من أبيها إلى زوجها، وهذا أيضاً معروف من الأب على ولده، لو مثلاً طلقت البنت لزم التعديل، رجعت كفالتها إلى أبيها، ما دامت في ذمة زوجها فكفالتها على زوجها.(36/29)
"فرجع أبي فرد تلك الصدقة" يعني التي تصدق به عليه، لماذا؟ لأنه مخالف للتقوى، وبشير يريد التقوى، ويريد أن ينضم في سلك المتقين، فرد تلك الصدقة، أولاً: الصدقة هذه ما لزمت، ما قبضت من جهة، الأمر الثاني: أنها على خلاف هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، و ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) حتى ولو قبضت رجّع، ولو قبضت تترجع.
طيب الأب أعطى الكبير من الأولاد أرض، وما أعطى الصغار لعدم الاحتياج مثلاً، وهذا أعطاه لأن النظام ينطبق عليه، ويمكن يقدم على صندوق التنمية، والأولاد الصغار ما بعد أعطاهم شيء، وفي نيته أنهم كل من كبر يعامل معاملة الكبير هذا، وبعد ذلك توفي قبل أن يعطي غيره، ترجع الأرض وإلا ما ترجع؟ ((اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم)) نعم؟ أعطيت على وجه صحيح، يعني هل نقول: إن الأرض قدر زائد على الحاجة الأصلية فيجب التعديل فيها ويعطون كلهم أراضي كبيرهم وصغيرهم؟ وإلا نقول: هذه حاجة أصلية والسكن حاجة وأعطيها على وجه صحيح ولزمت بالقبض فلا يلزم التعديل فيها؟ وفي نيته أنه كل من كبر يعطى مثل هذا، كما أنه زوج الأكبر وفي نيته أن كل من بلغ السن سن الزواج يزوجه، وما زوجهم مات، يزوجون من أصل التركة وإلا لا؟ لا، لا يزوجون من أصل التركة، كلٌ يزوج من ماله، والمسألة خلافية بين أهل العلم، ومقتضى التعديل ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بسبب؟
طالب:. . . . . . . . .
بسبب الرد أو عدمه؟
طالب:. . . . . . . . .
وبسبب الرد، بسبب ردها، أنت افترض أن هذه الأرض شيد عليها الأكبر مبنى وسكنه، ويش بيسوون؟ كيف يرد؟ اللهم إلا إذا كانت التركة تحتمل أن يحسم هذا من نصيبه، ويعدل بينهم بهذه الطريقة، المقصود أن مثل هذه مسائل اجتهادية تقدر بقدرها، لكن مقتضى ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هذا إذا كانت التركة تحتمل، لكن إذا كانت الأرض تستحق خمسمائة ألف، والتركة الباقية كلها خمسمائة ألف، ويش تسوي لهم؟ هو عنده عشرة أولاد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجمهور على أنها لا ترد، لزمت بالقبض، والأب أعطاها الولد على وجه صحيح، وفي نيته أن يعطي البقية لكن حال دونه الموت.
طالب:. . . . . . . . .(36/30)
إيه الآن شوف فرق بين أن تقع المسألة في حال الحياة وبعد أن ينتقل المال، الآن المال انتقل من شخص إلى شخص، بالموت انتقل المال، وهبة لزمت بالقبض.
طالب:. . . . . . . . .
الشعير، الشعير، نعم، أبو بكر أعطى عائشة شيء من الشعير ولزمت بالقبض، لزم بالقبض، قصة الشعير من يحفظها؟ يحفظها أحد منكم؟ نعم؟
تحضر -إن شاء الله- تحضر القصة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
الوالد له أن يرجع.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
الوالد له أن يرجع، ومن الغرائب أن الناس عند أبي حنيفة كلهم لهم أن يرجعوا إلا الوالد، وهذا من الغرائب، غريب وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . من الغرائب.
"قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) فرجع أبي فرد تلك الصدقة، وفي لفظ قال: ((فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور)) " الجور: الظلم، وهذا ظلم لا يشهد عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن يقتدي به لا يشهد على مثل هذا، والظلم محرم، والجور محرم، إذاً عدم التعديل والتفضيل محرم.
"وفي لفظ: ((فأشهد على هذا غيري)) " هذا الأسلوب أسلوب تقرير أو أسلوب تنفير؟ بلا شك تنفير، ومن أهل العلم من يقول: إنه يجوز أن تفضل بين الأولاد، ولا تعدل بينهم؛ لقوله: ((فأشهد على هذا غيري)) لأنه لو لم يكن جائزاً ما جاز أن يشهد عليه أحد، لكنه قول مرجوح، والقصة من أولها إلى آخرها ترده، نعم.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
وعن رافع بن خديج قال: "كنا أكثر الأنصار حقلاً، قال: وكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما الذهب والورق فلم ينهنا.(36/31)
ولمسلم عن حنظلة بن قيس: قال: "سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بما على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" أخرجه البخاري.
قال المصنف -رحمه الله-: الماذيانات: الأنهار الكبار، والجدول: النهر الصغير.(36/32)
المزارعة والمساقاة باب معلوم جاءت به النصوص بالمنع والإباحة، فالمساقاة للشجر، والمزارعة للأرض، جاءت أحاديث تمنع من المزارعة ومن المساقاة، وجاءت أحاديث تدل على الجواز، فمثلاً النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث عبد الله بن عمر "عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع" خبير فتحت عنوة، وصارت من غنائم المسلمين فهي لهم، وهي بحاجة إلى من يقوم بأمرها، تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- بيد أهلها كالعمال، عمال، على أن لهم نصيبهم من الثمرة، وللنبي -عليه الصلاة والسلام- وللغانمين نصيبهم، تركها في أيديهم، الذين يمنعون المزارعة والمساقاة يقولون: هذا الحديث ليس فيه دليل على الجواز، لماذا؟ يقولون: خيبر فتحت عنوة، والأرض للغانمين، للنبي -عليه الصلاة والسلام- ومن معه، وهؤلاء الذين يعملون أرقاء؛ لأنهم من الغنائم أيضاً، فهو عاملهم على اعتبار أنهم أرقاء، يعملون له دون مقابل، إلا أن ما يأخذونه هو قوتهم، لكن هل هذا هو الظاهر من لفظ الخبر؟ ما ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استرقهم، والرق لا يثبت بمجرد الغلبة، المقصود أنه عاملهم على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فهذا دليل على جواز المساقاة في النخيل وجميع الشجر، وجواز المزارعة، طيب هذا من أدلة الجواز، فماذا عن أدلة المنع؟ في حديث رافع بن خديج قال: "كنا أكثر الأنصار حقلاً، وكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهانا عن ذلك، فأما الذهب والورق فلم ينهنا" طيب أرض كيلو مربع، كيلو متر مربع مساحتها، ليست عندك قدرة على زراعتها، تأتي بمن يزرعها لك، وتقول: لك الجزء الغربي ولي الجزء الشرقي، لي ثمرة الجزء الشرقي، ولك ثمرة الجزء الغربي، تجوز وإلا لا؟ هذا لا تجوز.
طالب: مجهول.
ما هو مجهول، النصف.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يمكن ينبت نصيبك فأتضرر أنا، ويمكن ينبت نصيبي فيضيع جهدك هدراً، تتضرر، لكن لو قلت لك: ازرعها ولك نصف ما يخرج من ثمرتها صح؛ لأننا نشترك معاً في الغنم والغرم ...(36/33)
شرح عمدة الأحكام - كتاب البيوع (2)
باب: اللقطة - باب: الوصايا - باب: الفرائض
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لأننا نشترك معاً في الغنم والغرم، نعم، ولذلك يقول: "كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه" جزء معلوم من الأرض، لا نسبة معينة من النتاج "وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه" إذا أخرجت هذه تضرر واحد، وإذا أخرجت هذه تضرر الثاني، "فنهانا عن ذلك، فأما الذهب والورق فلم ينهنا" الذهب والورق يعني بالأجرة، قلت لك: والله هذه مساحتها كيلو متر مربع، ازرعها لي وأعطيك كل سنة مائة ألف، ما في ما يمنع، بالذهب والورق ما في ما يمنع، "فأما الذهب والورق فلم ينهنا" ولمسلم عن حنظلة بن قيس: قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما على الماذيانات، وأقبال الجداول.
الماذيانات: الأنهار الكبار، وأقبال الجدول: النهر الصغير.
فيقول صاحب الأرض: ازرعها لي، لكن ترى كل اللي حول السواقي والأنهار القريب من الماء لي، والبعيد عنه لك، نعم، يصح وإلا ما يصح؟ ما يصح، ليش؟ لأنه يمكن يتضرر صاحب .. ، المزارع؛ لأن النصيب الذي جعل له بعيد عن الماء، فيهلك من العطش، وربما يتضرر صاحب الأرض بحيث يزيد الماء على الزراعة فتغرق؛ لأن الزيادة والنقص على حد سواءً، إذا زاد الماء على الزرع يتضرر، وإذا نقص عنه يتضرر.
فيقول: "وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه" النبي -عليه الصلاة والسلام- "فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" معلوم النسبة، لا معلوم الجهة، الآن الفرق ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الفرق ظاهر؛ لأنهم في علم النسبة فقط يشتركون في الغنم والغرم، وفي علم الجهة يتضرر واحد دون الثاني، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الماذيانات الأنهار الكبار.
ترون الكبر والصغر نسبي، ما هو معنى هذا أنه مثل النيل أو الفرات، نعم، المقصود أنه مجرى ماء كبير بالنسبة لغيره.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، المهم أنه أمور نسبية، نعم.(37/1)
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى لمن وهبت له.
وفي لفظ: ((من أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي أعطيها، لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث)).
وقال جابر: "إنما العمرى التي أجازها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها".
وفي رواية لمسلم: ((أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قضى النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني حكم، حكم النبي -عليه الصلاة والسلام-، القضاء الحكم "بالعمرى لمن وهبت له" وهي الهبة المعلقة بعمر الإنسان، كأن يقول: هذا البيت لك مدة عمرك، أو مدة عمري، يعني ما دمت حياً، فإذا مت ينتقل إلى ورثتي، مادمتَ حياً فإذا متَ انتقل إلي، نعم.(37/2)
"قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى لمن وهبت له" وهذا محمول على العمرى غير المحددة، أو التي يقول فيها: هي لك مدة عمرك ولعقبك؛ لتتفق الروايات "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى لمن وهبت له" وفي لفظ: ((من أعمر عمرى له ولعقبه)) يعني هذه المطلقة ((فإنها للذي أعطيها، لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث)) يعني ما تقع المواريث إلا إذا لم تحدد بالعمر، نعم "وقال جابر: "إنما العمرى التي أجازها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك ولعقبك" فهذه لمن أعطيها، لمن وهبت له، إذا قال: لك ولعقبك لمن أعمرها، ولمن أعطيها "فأما إذا قال: هي لك ما عشت" يعني فقط دون العقب "فإنها ترجع إلى صاحبها" وهو ظاهر اللفظ، يعني كأن المعطي والواهب يشترط هبة موقوتة إلى أمد، وفي رواية: "كأنه قال: اسكن هذه الدار سنة أو سنتين أو ثلاث، بدلاً من أن تكون المدة محددة صارت المدة غير محددة، طيب قد يقول قائل: هذا أمد مجهول كيف نصحح عقد فيه أمد مجهول، نقول: نعم، نصحح؛ لأنه ليس فيه معاوضة، والعقود التي ليس فيها معاوضة تصح مع الجهالة، لو قال مثلاً: جميع ما في ذمتك لك، وأنت ما تدري كم في ذمتك وأنا ما أدري يصح وإلا ما يصح؟ هبة المجهول؟ تصح، يعني لو أن عامل مثلاً يشتغل بمحل عند تاجر وهذا العامل ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما هو بمسألة أكل، لا، اشتريت بتسعين مثلاً وأعطاك مائة، ورد عليك .. ، ردت عليه .. ، لا، اشتريت بمائة مثلاً وعشرة مثلاً، أو أنت عامل عند شخص تشتري له، فاشتريت بتسعين وبقي عشرة حطيت. . . . . . . . .، نسيتها في أول الأمر وراحت، ثاني عشرين، ثالث خمسين وهكذا إلى أن اجتمع عندك أرقام وأنت ما تدري كم هي؟ ولما أن أراد ينهي العقد قلت له: ترى والله، الآن يدخل علي أشياء لا أحصيها، أسوف في ردها إليك إلى أن نسيتها، وبلغ منها مبالغ أنا لا أعلمها وأنت لا تعلمها يجوز أن يقول: أنت بحل منها؛ لأنها ما هي معاوضة، لكن لو كانت معاوضة لا بد أن تكون معلومة.(37/3)
"فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها" وفي رواية لمسلم: ((أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه)).
هذا إذا لم تحدد بعمر الموهوب والمعطى، الحاصل أن العمرى لها ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يقول: هي لك مدة عمرك ولعقبك، هذه هبة دائمة، لا تعود إلى صاحبها.
الحالة الثانية: أن يقول: هي لك مدة عمرك فقط، وهذه ترجع بعد وفاته إلى صاحبها الأول، تكون غايتها أنها عارية موقوتة.
إذا قال: هي لك، ولم يقل: مدة عمرك، ولم يقل: ولعقبك، هذه هبة مطلقة ولا تعود، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره)) ثم يقول أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره)) " بالإفراد، أو خُشبَه في جداره على الجمع ((لا يمنعن)) (لا) ناهية، والفعل مؤكد، إذن المنع منهي عنه، وهل هو حرام أو مكروه؟ مقتضى النهي التحريم.(37/4)
" ((أن يغرز خشبة في جداره)) ثم يقول أبو هريرة: "ما لي أراكم عنها معرضين" الجار يحتاج إلى أن يضع الخشب على جدار جاره وإلا فيلزمه أن يقيم جدار آخر بجواره، وهذه الأمور مما يجب أن تسود بين المسلمين، ولا يحصل فيها مشاحنة ولا مشاحة، فهذه الأمور من الآداب الإسلامية التي جاء بها الشرع، فلا يجوز لصاحب الجدار أن يمنع، لكن إذا كان الجدار لا يحتمل مثلاً، يتضرر، الجدار ما يحتمل، عليه خشب البيت نفسه، وإذا أضيف إليه خشب أخرى سقط مثلاً، المسألة لا ضرر ولا ضرار، ليس معنى هذا أن تلاحظ مصلحة الجار، ولا تلاحظ مصلحة صاحب الأصل، لا بد أن تلاحظ مصلحة الطرفين، المقصود أنه إذا لم يتضرر به، وقل مثل هذا إذا بنى صاحب البيت بنى قبل جاره وأقام جدار هل يلزم جاره بجدار آخر؟ هو ما يحتاج إلى خشب الآن، سور، سبق زيد من الناس وبنى بيته في أرض فضاء وعليه أربعة أسوار، وجاء الجيران الثلاثة وعمر هل نقول: كل جار يقيم جدار بجواره؟ يقول: لا تستعمل جداري؟ لا، لا هذا مما يجب أن يسود بين المسلمين من المودة والمؤاخاة وعدم المشاحنة والمشاحة، لكن يبين أن الجدار لفلان، يبين أن الجدار يتفقون على أن الجدار لفلان، وفي أرض فلان، وأقامه فلان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله هذه لا شك أنها مع عدم الاحتياج إليها لا تنبغي أن توجد بين المسلمين، يعني مثل شخص جاء يستظل بجدارك، أو يستصبح بنارك، أو يستدفئ بها، تقول: قم، أنت ما عليك ضرر بأي وجه من الوجوه، نعم؟ لا، ما يصلح هذا.
"ثم يقول أبو هريرة: "ما لي أراكم عنها معرضين" يعني عن هذه السنة "والله لأضربن بها بين أكتافكم"
وفي رواية بالنون: "أكنافكم"؛ لأنه كان أمير في وقتها، أمير على المدينة فعنده سلطة "لأضربن بها" يعني الخشبة "بين أكتافكم" أو السنة التي أحملها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأحملكم مسؤوليتها وتبعتها، نعم.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ظلم من الأرض قيد شبر طوقه من سبع أرضين)).
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(37/5)
"عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ظلم من الأرض قيد شبر)) " الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ويتفاوت من الشيء اليسير إلى أن يصل إلى حد الشرك الأكبر: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] وأعظم الظلم الشرك الأكبر {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] وما دونه من ظلم النفس وظلم الغير، وهو متفاوت، المقصود أن الظلم محرم ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) والمظالم شأنها عظيم بحيث لا بد فيها من الاستيفاء، هذه حقوق العباد، ولذا جاء الترهيب من ظلم الشيء اليسير من الأرض، ((من ظلم من الأرض قيد شبر)) قدر شبر فقط، فكيف بمن يظلم ويغتصب وينتهك المساحات الكبيرة من الأرضين اللي بعضها حر، وبعضها مملوك، وبعضها موات، وبعضها محيا، فكيف بهذا -نسأل الله السلامة والعافية-؟!
((من ظلم من الأرض قيد شبر طوقه من سبع أرضين)) جعل في عنقه كالطوق، يحمله يوم القيامة، يأتي به من سبع أرضين ما هي بأرض واحدة، يعني الذي ينتهب الكيلوات، أو يغتصب الكيلوات، كيف يشيل هذه الكيلوات؟! يحمل هذه المساحات الكبيرة من سبع أرضين؟ ما هي بأرض واحدة، يعني أرض واحدة لا يتصور حملها، لو اجتمع عليها الناس كلهم ما حملوها فكيف بسبع أرضين؟! وهذا من النصوص الصريحة في كون الأرضين سبع كالسموات {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] لكن هذا ليس بصريح أنها سبع، ليس بصريح، يعني مثلها في الطول، في العرض، في الحجم، في السمك، نعم، الله أعلم، لكن كونها سبع في العدد احتمال، والحديث صريح في أن الأرضين سبع كالسماوات، وجاء فيه أيضاً حديث: ((لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله)) فالأدلة تدل على أن الأرضين سبع كالسماوات.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما يلزم.
طالب:. . . . . . . . .(37/6)
ما يلزم تكون سبع.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا بوجه من وجوه الشبه.
طالب:. . . . . . . . .
الله أعلم، بوجه من وجوه الشبه، الله أعلم، يعني ليس بصريح، نعم ظاهر يغلب على الظن أما كونه صريح لا.
والحديث فيه دليل على أن الأرضين سبع كالسماوات، وأن من ملك وجه الأرض يملك ما تحتها؛ لأنه كيف يطوق سبع أرضين وقد استولى وظلم الأرض الأولى إلا لأن ملكه يسري على ما في هذه الأرض وما تحتها، ولذا إذا اشترى أرضاً ووجد فيها ركازاً دفناً، ركاز الجاهلية ومن أموالهم له، يملكه، ومما يذكر أن شخصاً اشترى أرضاً فوجد فيها .. ، أراد حرثها وحفر فيها بئراً فوجد فيها كنز، ركاز، فذهب إلى البائع وقال: وجدت فيها كذا، وأنا ما اشتريت منك إلا الأرض، والثاني قال: أنا بعتك الأرض بما فيها، انتهوا؟ ما انتهوا، تخاصموا عند القاضي، ما انتهوا، كل واحد يقول: هذا لك، وهذا يقول: لا، ليس لي، نعم، أخيراً توصل القاضي إلى أن هل لك من ابن؟ قال: نعم، وهل لك من بنت؟ قال: نعم، أخيراً توصل القاضي إلى أن، هل لك من ابن؟ قال: نعم، وله لك من بنت؟ قال: نعم، قال: زوجوا الاثنين، وأنفقوا عليهم من هذا الكنز، يعني كانت النيات صافية، والناس يبحثون عن الحق، ويبحثون عن طيب المطعم، يعني هل يتصور مثلاً أنه توجد خصومة بين اثنين فيقول أحدهما للآخر: أنت تعرف القضية بكمالها، روح اشرحها للقاضي، وإذا علمك بالحكم تعال أخبرني، يروح للقاضي ويشرح له القضية ويقول له: الحق لخصمك، ويذهب ويقول: ترى الحق لك، يقول القاضي: الحق لك.
والآن محامين وحيل، وجرجرة، والله المستعان، كان الهم الآخرة، فصار الهم الدنيا، وإلى وقت قريب وإذا سئل العالم عن مسألة مالية، السائل يحتاج إلى من يقنعه بأن هذه الصورة حلال، والآن إذا قيل للسائل: حرام، قال: أقنعني أنها حرام، نعم، فشتان، نعم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: اللقطة(37/7)
عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لقطة الذهب والورق فقال: ((اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تُعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه)) وسأله عن ضالة الإبل، فقال: ((مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها)) وسأله عن الشاة، فقال: ((خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)) رواه الجماعة إلا البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: اللقطة
اللقطة: فعلة، وبناؤها على هذه الصيغة إنما هو مستعمل في الكثرة، كما تقول: هُزأة، هُمزة، لُمزة، ضُحكة، هُمزة لُمزة، يعني يكثر الهمز واللمز، هُزأة، يكثر الاستهزاء، ضُحكة يكثر الضحك، رُحلة يكثر الرحلة، بخلاف الرحْلة أي: المرحول إليه، مثل الضحْكة المضحوك عليه.
هذه الصيغة استعملت على غير أصلها، استعملت فيما يلتقط في المال الضائع من ربه، من صاحبه، على غير القياس، وهو ما يلتقط مما يضيع عن ربه من الأموال.
يقول: "عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله تعالى عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في بعض الروايات: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "عن لقطة الذهب والورق" يعني عن الإنسان يجد مالاً ضائعاً من صاحبه من الذهب، من الدنانير، من الورق، من الدراهم، وفي حكمها العروض، وجدت قلم، وجدت كتاب، وجدت ما يمكن التقاطه.
"فقال: ((اعرف وكاءها وعفاصها)) " الوكاء: الحبل الذي تربط به، يربط به الوعاء الذي هو العفاص، فالعفاص هو عبارة عن الوعاء الذي يكون في هذا المال الملتقط، والوكاء هو الحبل الذي يربط به الفم، فم الوعاء.(37/8)
((اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة)) وفي رواية: ((أشهد عليها)) لماذا يشهد عليها؟ نعم لئلا تضيع بين أمواله، ويعرف عفاصها ووكاءها لئلا تختلط بماله فتضيع، ويشهد عليها لئلا ينساها، أو يموت فتضم إلى أمواله قبل تمام السنة، فالإشهاد سنة، كالإشهاد على ما يخشى نسيانه {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [(282) سورة البقرة] البيع يثبت بالإيجاب والقبول، لكن الإشهاد لا شك أنه أحوط، وقل مثل هذا فيما يخشى نسيانه، رجل تزوج ثم طلق طلقة واحدة، وراجع زوجته، ثم بعد عشرين سنة طلق ثانية، الأولى احتمال يكون نسيها، لكن كونه يدونها، أو يشهد عليها، لا شك أن هذا أحوط؛ لئلا تتم الثلاث، وقد نسي الأولى.
((اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة)) عرفها بأن تقول: من ضاع له كذا، من ضاع له الذهب، من ضاع له الدنانير، من ضاع له الورق، من ضاع له القلم، من ضاعت له الساعة، من ضاع له ... إلى آخره، في الأماكن العامة، في أبواب الجوامع مثلاً من خارج المسجد، في الأسواق العامرة، في مجتمعات الناس، في أنديتهم، في محافلهم، المقصود أنها تعرف لمدة سنة، فإن لم تعرف، ما جاء أحد يطلبها، ولا عرفت ((فاستنفقها)) يعني أنفقها على نفسك بنية إرجاعها إلى صاحبها، لو جاء يوماً من الدهر بنية إرجاعها.(37/9)
((فاستنفقها ولتكن وديعة عندك)) كيف تكون وديعة وأنت استنفقتها؟ بدلها يكون وديعة، وجدت قلم عرفته سنة، ثم عرضته على أهل الصنف، كم قيمة هذا القلم؟ قالوا: مائة ريال مثلاً، أو كتاب، أو أدنى شيء، أي عرض من عروض التجارة، يُقوّم ويكون بدله –قيمته- وديعة عندك، مقتضى الوديعة والأمانة أنها لا تضمن، أنت قررت أن مائة ريال قيمة هذا القلم بحيث لو جاء صاحبه أعطيتها إياه، مقتضى كونها وديعة أنه لو تلفت هذه المائة أنك لا تضمنها، لكن هل أنت إذا قومت القلم بمائة تأخذ مائة وتفردها في مكان تقول: هذه قيمة قلم لقيته .. ؟ متى جاء له ... ، ما أنت مسوي هكذا، إذاً أنت تصرفت في اللقطة التي هي في الأصل وديعة عندك حتى يأتي صاحبها، وفي قيمتها الذي هو بدل عنها، نعم فأنت ضامن من هذه الحيثية، وإن كان أصلها حكمه حكم الوديعة، ((ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه)) يقول: والله قبل عشرين سنة فقدت قلم، طيب صف لي هذا القلم؟ وصفه فإذا هو هو، أو فإذا هو إياه، أيهم أصح؟ فإذا هو هو أو فإذا هو إياه؟ تعرفون المسألة الزنبورية؟ هذه المسألة الزنبورية التي حصلت بين سيبويه والكسائي ومات بسببها، وما له داعي على شان ما يصيبنا ما أصابهم.
((فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فأدها إليه)) فلما عرفت أن هذا صاحب القلم وقومته في وقته، ووافقك صاحبه على تقويمه، تقول: والله هذا أنا مقومه بمائة ريال هذه مائة ريال.(37/10)
" ((فأدها إليه)) وسأله عن ضالة الإبل" لما سأله عن ضالة الإبل غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ترجم عليه البخاري باب: الغضب في الموعظة والتعليم، غضب النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه يعرف، السائل يعرف أن الشيء الذي يلتقط من عروض التجارة عليه خطأ، إذا ما أخذته أنت أخذه غيرك، إذا ما أخذته أنت وأنت تستشعر الأمانة فيأخذه شخص يضيعه، لكن الإبل، يعيش بدونك، وبدون غيرك، فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: ((مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها)) الحذاء: أخفافها التي تحتمل الحصى، وتحتمل الرمضاء، وتحتمل .. ، معها الحذاء ومعها السقاء الذي هو البطن الكبير، ومعها العنق الذي تتناول به الأشجار الكبيرة والبعيدة، وتشرب من الماء النازل، المقصود أنها تقوم بنفسها، وليست بحاجة إلى من يرعاها ((فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يجدها ربها)) ... الإبل تمتنع من صغار السباع، فلا خشية عليها، وهي أيضاً في مأمن من أن تموت جوعاً وعطشاً، فليست بحاجة إلى رعاية فتترك، يعني كون إنسان معه سيارة ووجد بعير ضائع، ما عنده أحد، يلبق بالسيارة ويشيله ويدخله إلى البلد؟ متى بيلقى صاحبه؟ لكن لو تركه في البر وجده صاحبه، وهو ما عليه خطر.
"وسأله عن الشاة" عن ضالة الغنم "فقال: ((خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)) " إن ما أخذتها أنت جاء ثاني يأخذها، هي لا تقوم بنفسها، ولا تحمي نفسها من صغار السباع، لا للذئاب ولا دون الذئاب، فهي لا تحمي نفسها، وفي خطر من الموت، وخطر من أن يأخذها شخص آخر، فأنت أحق بها من غيرك، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، وليس معنى هذا أن الناس يتساهلون، كل من استطرف شيئاً استولى عليه، لا، هذا ليس في هذا ترخيص إلى أن يتساهل الناس في هذا الباب، كل من وجد شاة أو عنز طلعت من بيت أهلها أخذها، أو بحاجة هو في رحلة أو نزهة ووجد شاة، وصاحبها قريب منها، لا يبرر لنفسه مثل هذا، المقصود أنها ضالة، ويخشى عليها، فإذا غلب على الظن أنها تتلف وتهلك فهو أولى بها من غيره، وإذا غلب على ظنه أنها في مأمن من أن تتلف وتهلك أو يأكلها ذئب، أو يأخذها غيرك، فأنت أحق بها.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.(37/11)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
باب: الوصايا
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) زاد مسلم: قال ابن عمر: "ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك إلا وعندي وصيتي ".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوصايا وغير ذلك
الباب في الاصطلاح عند أهل العلم هو عرف خاص لما يضم مسائل وفصول غالباً.
ترى هذه موسيقى يا إخوان، في فتوى من اللجنة الدائمة بتحريم ذلك، فلا بد أن تغير مثل هذه النغمة.
والأصل في الباب أنه ما يدخل ويخرج معه، والعرف الخاص عند أهل العلم أن الباب لما يضم فصول ومسائل غالباً، في كتب الحديث يضم أحاديث تشتمل على مسائل، وهو حقيقة عرفية عند أهل العلم، وليس من باب المجاز كما يقوله كثير من الشراح.
الوصايا: جمع وصية، كالضحايا والهدايا جمع ضحية وهدية، ويراد بالوصية ما يخرجه الإنسان من ماله تبرعاً لله -جل وعلا- بالثلث فما دون، وحكم الوصية تخالف حكم الوقف باعتبار أن الوقف لا بد أن يكون منجزاً، لا يحق لصاحبه أن يتصرف فيه إذا عقده، وأما الوصية فلا تثبت إلا بالموت بالثلث فما دون كما سيأتي.
للموصي أن يزيد وينقص حتى تلزم فإذا لزمت الوصية بالموت فلا يجوز تغييرها إلا إذا اشتملت على جنف فيجوز تعديلها، بل يتعين تعديلها على مقتضى الشرع؛ لأن الجنف والحيف والميل يخالف الهدف الشرعي من شرعية الوصية، وقل مثل هذا في الوقف، وهناك مسائل وفروع كثيرة تتعلق بهذين البابين، محلها كتب الفقه، والوقت لا يستوعب الكلام عن كل مسائل هذا الباب.
"وغير ذلك" لأن الباب اشتمل على مسائل أخرى، يأتي بيانها في شرح أحاديثها -إن شاء الله تعالى-.(37/12)
الحديث الأول: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))، ((ما حق)) يعني ليس من حقه أن يفرط في هذا الشأن، ولذا جاء في بعض الروايات: ((لا يحل لامرئ مسلم)) فدل على أن المراد بالحق المذكور الذي لا يجوز التفريط فيه، بدليل الرواية الأخرى ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه)) أما غير المسلم وقد فرط بأهم المهمات الذي هو الإسلام، لا يطالب بمثل هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو مخاطب بجميع الفروع كمخاطبته بالأصل؛ لأن القول المحقق عند أهل العلم والمرجح أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [(42 - 44) سورة المدثر] فذكروا فروعاً، الجمهور على أن الكافر مخاطب، لكن لا يخاطب بها في الدنيا قبل أن يسلم، ولا تصح منه لو فعلها قبل الإسلام، ولو أوصى بجميع ماله وهو غير مسلم في أعمال البر وفي رعاية اليتامى والمساكين ما نفعه ذلك؛ لأنه لم يأتِ بشرطها {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} [(54) سورة التوبة] فالكافر لا يقبل منه ما يؤديه على كفره، وقد ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- المطعم بن عدي وغيره من المشركين الذين كانت لهم أعمال، أعمال خيرية، يتعدى نفعها وإحسانها إلى الناس، لكن ذكر أنها لا تنفعه؛ لأنه لم يقل يوم من الأيام: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، ما ينفعه، ولذا المخاطبة بمثل هذا على المرء المسلم، وأما الكافر وإن خوطب بها في الآخرة، وعذب بسببها زيادة على ما يعذب به من أجل الإيمان، إلا أنه لا يخاطب بفعلها، ولا يؤمر به، ولا يطالب به.
((ما حق امرئ مسلم)) وفي حكمه المرأة مسلمة؛ لأن النساء شقائق الرجال، لكن التعبير بمثل هذا لأن الغالب أن الأموال إنما تكون بيد الرجال وإلا لو وجدت امرأة مسلمة توجه إليها مثل هذا الخطاب؛ لأن النساء شقائق الرجال، والتكليف واحد.(37/13)
((ما حق امرئ مسلم)) وصف أول ((له شيء)) وصف ثاني ((يوصي فيه)) وصف لشيء ((يبيت)) كذلك وصف ثالث، ((ما حق امرئ مسلم له شيء)) نكرة في سياق النفي، فتطلق على أدنى شيء تتناوله هذه الكلمة، لكن عرفنا أن السياق سياق إيجاب، بدليل: ((لا يحل لامرئ مسلم)) والواجب مخصوص عند أهل العلم بأي شيء؟ بما إذا كان عليه حقوق واجبة، عليه ديون يجب عليه أن يوصي بها، ويجب عليه أن يثبتها؛ لئلا يؤدي التفريط في كتابتها إلى ضياعها على أهلها، والديون يجب وفاؤها، وهي مقدمة على الإرث، ومقدمة على الوصية؛ لأن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: الأول: مؤونة التجهيز، عنده كفن، عنده حنوط، عنده ماء يغسل فيه، في أجرة للغاسل، أجرة لمن يحفر القبر، هذا مقدم على كل أحد حتى الديون، ما يقال: والله يباع الكفن ويسدد ديونه لا، مؤونة التجهيز مقدمة على كل الحقوق.
الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة كالدَّيون التي بها رهن، متعلق بهذا البيت، فالدين المتعلق بهذه العين مقدم على غيره من الديون، الديون المطلقة التي ليس فيها رهن، ومنها حقوق الله -جل وعلا- كالكفارات.(37/14)
الرابع: الوصايا، مقدم على الإرث، والحق الأخير: الإرث، خمسة الحقوق، الحقوق خمسة، فتجب الوصية إذا كان بذمته دين، إذا كان في عهدته وديعة وأمانة، لا بد أن يبين، وهل يبين كل شيء؟ يعني حتى ما تعارف الناس على مسارعة الوفاء به، يعني تعارف الناس على أنهم لا يسجلون الأمور اليسيرة، الأمور اليسيرة تعارف الناس على عدم تسجيلها؛ لأنها تسدد، يعني هل يكتب في وصيته ما يقترضه من البقالة، من المخبز من كذا من كذا؟ ما يحتاج هذا، هذا تعارف الناس على المسارعة بسداده، أما الديون التي تستحق الكتابة لأن قوله: ((له شيء يوصي فيه)) هذا المال الذي يوصى منه، لكن هذا الكلام فيمن عليه الديون التي تجب كتابتها، وقل مثل هذا في الحقوق الأخرى، يجب على الإنسان أن يسجل ويكتب كل ما يخشى نسيانه مما له أثر في دينه أو في دنياه، يعني شخص تزوج ثم بعد مضي شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين وقع منه طلقة، عليه أن يسجلها، بعد عشرين ثلاثين سنة وقع طلقة ثانية ينسى الأولى، وبعد عشرين ثانية وقع طلقة ثالثة، خلاص تبين امرأته، إذا نسي الأولى يمكن يعاشر زوجته وهي بائنة، فمثل هذه الأمور لا بد من تسجيلها، وعلى الإنسان أن يحرص على إبراء ذمته، والدين شأنه عظيم، فلا بد من تسجيله.
أنت عندك كتاب لزميلك عارية، وقع بأيدينا كتب كثيرة لأناس ماتوا، وتجد يكتب: هذا الكتاب عارية لفلان، لماذا؟ لأنه لو لم يكتب هذا وتوفي باعوه الورثة وأكلوا ثمنه، لكن من يثبت أن هذا الكتاب لفلان أو علان إلا بالكتابة، ثم بعد ذلك فلان يتعلق برقبتك يوم القيامة، فاحرص على إبراء ذمتك.(37/15)
نقرأ هذا الحديث. . . . . . . . . ((له شيء يوصي فيه)) بعض الناس يخاف من هذا الكلام، يخاف من مثل هذا الكلام؛ لأن هناك اقتران بين الوصية والموت، قصة واقعة، نذكر قصة واقعة، شخص كتب وصيته قرأ هذا الحديث وكتب الوصية، ووضعها تحت وسادته، تقلب تقلب يبي ينام، قال: موصي أنا خلاص، معناه أن الموت جاء، ما استطاع أن ينم حتى مزق الوصية، لكن يا أخي ويش العقول اللي تتصور مثل هذا التصور؟ لأنه يكتب في صيغة الوصية كلام متوارث عن السلف: هذا ما أوصى به فلان ابن فلان ابن فلان الحر البالغ المكلف الرشيد، نعم، بعدما شهد أن لا إلا إله الله .. إلى آخره، لكن ما يلزم أن تكون بهذه الصيغة، يكون عندك دفتر وتسجل فيه الذي لك والذي عليك هذا الواجب، هذا بالنسبة للواجب، وتجعل صفحة من هذا الدفتر لما يستحب أن ينفذ فيه جزء من مالك بعد وفاتك وهذه وصية، لا يلزم أن تكون بالأسلوب المتوارث الذي يخافه بعض الناس، قال: ما دخل عينه النوم حتى مزق هذه الوصية؛ لأنه ويش يفهم؟ يفهم اقتران الوصية بالموت، ما يلزم يا أخي، ولذلك الصحابة لما كانوا يسارعون إلى الخيرات، ماذا صار لابن عمر؟ "فو الله ما مرت علي ليلة" ابن عمر هذا الصحابي المقتدي المؤتسي المبادر المسارع المسابق "ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك إلا ووصيتي عندي" لكن على المسلم أن يهتم بحقوق العباد؛ لأنها مبنية على المشاحة، أما كونه عنده مال ويوصي بأعمال البر والخير هذا مطلوب، وجاء الحث عليه من قبل الشارع، لكن أهم من ذلك ما يجب في ذمته، وهو مرتهن به، مرتهن بدينه.
((له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين)) وفي رواية: ((ليلة)) وفي رواية: ((ليلتين أو ثلاثة)) وكل هذا يدل على المسارعة، وأن الوقت لا مفهوم له، كما جاء في سفر المرأة بدون محرم ((لا تحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر مسافة يوم)) جاء يومين، وجاء ثلاثة، كل هذا يدل على أن العدد لا مفهوم له، وأن الوصف المؤثر هو السفر، وهنا المطلوب المسارعة بالوصية وليس المقصود الحد.(37/16)
((له شيء يوصي فيه)) وكانت الوصية واجبة للوالدين والأقربين ثم نسخت بالمواريث، ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) وعرفنا أن الواجب بالنسبة لما يجب في ذمته وما عدا ذلك مما يستحب له يكون حكم الوصية مستحب "زاد مسلم" طيب الأول من خرجه؟ الكلام الأول الذي قبل: زاد مسلم؟
طالب:. . . . . . . . .
متفق عليه، هذا الأصل في شرط الكتاب أنه من الصحيحين، من البخاري ومسلم، هذا شرط المؤلف، وقد يزيد من أفراد البخاري، أو من أفراد مسلم ما يحتاج إليه.
"زاد مسلم: قال ابن عمر: "فو الله ما مرت علي ليلة" طيب والرسول يقول: ((ليلتين)) كيف ما مرت عليك ليلة؟ نعم فهم ابن عمر أن المقصود المسارعة والمبادرة "ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك إلا ووصيتي عندي" كتب ما يجب وما ينبغي.
ابن عمر له مواقف من هذا ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) قال عبد الله: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" كلها مبادرات من ابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، والمسلم يسمع قال الله وقال رسوله، الأوامر المؤكدة، والنواهي المغلظة وما كأن الأمر يعنيه، لا يا أخي لا تقول: والله المقصود عاد وثمود، لا، المقصود أنت، حتى في قصص الماضين ليس المقصود الأمم السابقة، وليس المقصود والمراد من سياقها المتعة، لا، ما هو المقصود أنك تتسلى بها، لا، مضى القوم ولم يرد به سوانا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [(111) سورة يوسف] ما هي المسألة تذكر النصوص على أنها تقرأ للبركة كما يفعله بعض متعصبي المذاهب، بعض متعصبي المذاهب يجعلون الدساتير أقوال الأئمة، وأما النصوص من الكتاب والسنة تقرأ للبركة، هذا الكلام ليس بصحيح {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ} [(59) سورة النساء] لمن؟
طالب:. . . . . . . . .(37/17)
نعم، هنا يرد عند الاختلاف، أما والله القول الفصل في قول فلان أو علان هذا ما هو بصحيح، نعم قد يرجع إلى فلان وفلان لبيان قول الله وقول رسوله عند من لا يدرك ذلك.
قال عبد الله: "والله" يقسم "ما مرت علي ليلة منذ سمعت" طيب وهذا .. ، لكن هل منا أحد الليلة بيكتب وصيته بعد هذا الكلام؟ ترى ما .. ، سبحان الله العظيم! القلوب رانت عليها الذنوب، ونسمع الكلام، وسمعناه، وقرأناه، وشرحناه، وشُرح لنا، وإلى الآن ما سوينا شيء، نعم اللي عنده وفي ذمته مال لا يجوز له أن يفرط بحال، خلاص في ذمتك حقوق سجلها يا أخي؛ لأن هذا الدين شأنه عظيم، النبي -عليه الصلاة والسلام- رفض أن يصلي على من في ذمته ثلاثة دراهم، ترى ما تعادل ريال ثلاثة دراهم، سجل يا أخي، الذي عليك احرص عليه، والذي لك الأمر إليك، إن بنيت أمرك على المسامحة، وقلت: المستطيع يؤدي وغيره تعفو عنه، فالله -جل وعلا- أحق بالعفو، وأبشر من الله -جل وعلا- بما يرضيك، لكن الحقوق التي بذمتك ولو قلت سجل، لكن ما تدري متى يفجأك الوقت، يعني تظنون أن الإنسان لا بد أن يمر بمراحل يبدأ به المرض شيئاً فشيئاً فشيئاً، شهر شهرين ثلاثة، ثم يدخل العناية، ويأخذ له .. ، ما هو بصحيح، كم شخص عمر ولا سكن، فرش وأثث ولا سكن، ويش يصير؟ هذا كثير ترى، مما ذكر: تزوج بالليل وجلس بعد صلاة الفجر تصب له القهوة ومكانه، الأمر ليس ببعيد يعني،. . . . . . . . . نتصور أننا لا بد نمر بمراحل مر بها من سمعنا، مرض شيئاً فشيئاً، لا، لا ما هو بصحيح، فليحرص الإنسان على إبراء ذمته؛ لئلا يتعلق به الناس، والشهادة في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تكفر كل الذنوب -المعروف الشرك ما يدخل في هذا- لكن تكفر جميع الذنوب إلا الدين، فالدين شأنه عظيم، فليحرص الإنسان على المبادرة بوفائه، إذا لم يستطع يسجل: في ذمتي لفلان ابن فلان، وطلاب العلم يتداولون الكتب، بعض الناس ما يرضى أن تكتب على كتابه: أن هذا الكتاب عارية عندي، اكتب بقلم يمكن مسحه، وإذا خشيت من ورثتك أنهم يمسحنه؛ لأنه يمسح الكلام، بعض الناس يتصرف، وجاء بعض الكتب تمسح الأختام، وقف لله تعالى ثم يمسحونه، يبيعونه.(37/18)
على كل حال احرص على إبراء ذمتك بأي وسيلة تراها نافعة، نعم.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: جاءني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) قلت: فالشطر يا رسول الله؟ قال: ((لا)) قلت: فالثلث؟ قال: ((الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك)) قال: فقلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ قال: ((إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقباهم، لكن البائس سعد بن خولة، يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:
"عن سعد بن أبي وقاص" أحد العشرة المبشرين بالجنة.
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة ... وعامر فهر والزبير الممدحُ
وهذا منهم، من العشرة، يعني ما بعد الأربعة ذكر الستة، وهذا منهم، من العشرة المبشرين بالجنة، وسيرته وأخباره ومناقبه واعتزاله للفتن معروف، وبلاؤه وغناؤه في الجهاد معروف أيضاً، والرجل مرض في حجة الوداع، واشتد به الوجع فخشي أن يموت، فعاده النبي -عليه الصلاة والسلام- وأخبره؛ لأنه عله أن يخلف، وقد خلف بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من أربعين سنة، وانتفع به أقوام، وانتفعت به الأمة، في الفتوح، وتضرر به آخرون من طوائف الكفر، ومناقبه في كتب الصحابة موجودة.(37/19)
"عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: جاءني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني عام حجة الوداع" الإمام الأعظم، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يعود المرضى، وقد جاء الحث على ذلك، وأن عيادة المريض من حقوق المسلم على أخيه، ونقل النووي -رحمه الله تعالى- أن عيادة المريض سنة، الإجماع، نقل الإجماع على أن عيادة المريض سنة، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: باب وجوب عيادة المريض، تجب عيادة المريض، لكن هل تلزم كل أحد؟ لا، إنما عيادة المريض جاء الأمر بها، والنووي نقل الإجماع على أنها سنة، فهل يخفى عليه ترجمة البخاري: باب وجوب عيادة المريض؟ يعني إذا قال إذا نقل الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة، مع قول أبي عوانة في صحيحه: باب وجوب صلاة الكسوف، نقول: قد يذهل عن مسند أبي عوانة، لكن هل يذهل عما في صحيح البخاري؟ إذا غفل عن صحيح البخاري يتذكر أين؟ ماذا يتذكر إذا غفل عن صحيح البخاري؟ ولا نتصور أن مثل النووي، مثل من ينتسب إلى العلم، أو كثير ممن ينتسب إلى العلم في هذه العصور قد يخفى عليه بعض البدهيات، وهذا خلل في التحصيل، تجد طالب العلم يعنى بالأجزاء والمشيخات، وليست له أدنى عناية في صحيح البخاري، هذا خلل في المنهجية، جزء بي بي، وجزء ألف دينار، وجزء كذا، ومشيخة فلان، ومشيخة علان، ويهتمون بها طلاب العلم، ويتركون صحيح البخاري، وأمثال صحيح البخاري، يعني ما بعد القرآن إلا صحيح البخاري، فعلينا أن نعنى به، ونوليه العناية التامة الفائقة، ولا نقتصر على المختصرات، كم فات من علم عظيم وخير على من يعتني بالمختصرات، ويترك الأصول، تقرأ تحفظ مختصر البخاري، لكن ما يمر بك مثل هذا الحكم باب: وجوب عيادة المريض، الذي هو فقه أهل الحديث، تراجم البخاري هي فقه أهل الحديث، إمام الصنعة الإمام البخاري، فيقول: باب وجوب عيادة المريض، والرسول -عليه الصلاة والسلام- الأسوة والقدوة زار، زار المرضى الشريف والوضيع، بل زار غير المسلمين، زار اليهودي، واستغل الزيارة في الدعوة إلى الله -جل وعلا-، ومنا من يعود المرضى، يتردد على المستشفيات طلباً للأجر والثواب من الله -جل وعلا-، وفي طريقه ذهاباً وإياباً ينظر من المنكرات ما(37/20)
يتكلم بكلمة، هذا أمر لا بد أن نتنبه له، وليس معنى هذا أننا يا فلان يا علان، لا، لا بالرفق واللين، بالكلمة الطيبة، وتبرأ ذمتك، وينفع الله به كلام ينتفع به الخلق، بالرفق واللين مجرد إشارة أو شيء يعني ينبئ عن أنك ليست براضٍ عن هذه الأعمال، أما التواطؤ على السكوت هذا الذي جعل المنكرات تستشري وتزيد، وكل يوم طالع لنا مصيبة بسببها، فعيادة المريض سنة.
أيضاً استغلال الوضع، والظرف، يوسف -عليه السلام- لما دخل السجن واحتاجوا إليه، تركهم دعاهم إلى التوحيد، وهكذا ينبغي أن يكون كل مسلم داعية حسب موقعه، ولا يتصور الإنسان أن الأمة ليست بحاجة إليه، الأمة بحاجة إليك، أنت تعطي مواعيد، الناس كلها اللي يبون مواعيد بحاجة إليك، لاحظت شيء قل كلمة طيبة، طبيب، والمرضى كلهم بحاجة إليه، والمريض مثل الغريق بس تملي عليه إملاء ويقبل -إن شاء الله-، لو لم يكن في ذلك إلا إبراء الذمة.
معلم مع طلابه، داعية، شيخ، قاضي، عالم، كل في موقعه، عامي، هناك أمور يدركها الناس كلهم من المنكرات يؤدي ما عليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما زار اليهودي عرض عليه الإسلام، فنفعه الله -جل وعلا- بزيارة النبي -عليه الصلاة والسلام- فأسلم.
"جاءني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني في عام حجة الوداع" في أواخر أيامه -عليه الصلاة والسلام- مكث بعدها ثلاثة أشهر وأيام "من وجع اشتد بي" يخبر، فالإخبار عن الوجع بل عن شدة الوجع لا ينافي الصبر، إذا كان لمجرد الإخبار دون جزع، ودون تسخط، ودون تشكي لا بأس، وهذا لا ينافي الصبر، يقول: "من وجع اشتد بي، فقلت: يا رسول الله، قد بلغ بي من الوجع ما ترى" وهذا أيضاً إخبار بأنه بلغ الوجع مبلغه، حتى أنه خشي من الموت، "وأنا ذو مال" صاحب مال، (ذو) من الأسماء الستة أو الخمسة، تعرب بالحروف، وهي هنا خبر مرفوع بالواو، (ذو) مضاف ومال مضاف إليه.(37/21)
"ولا يرثني إلا ابنة" بنت واحدة "أفأتصدق بثلثي مالي؟ " يعني البنت هذه يكفيها الثلث، والباقي يتصدق به، "أفأتصدق بثلثي مالي؟ " قال: ((لا)) " طيب لو أنجزه، أنجز الثلث، الثلثين أخرجه من عهدته، لكنه في هذه الحالة مريض، أما في حال الصحة له أن يتصدق، والخلاف في الشخص الذي يريد أن يتصدق بجميع ماله، وقد فعل ذلك أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، فإن كان عنده من اليقين والثبات والصبر والتحمل مثل ما عند أبي بكر يجوز له ذلك وإلا فلا، إن كان يبي يتصدق بجميع ماله، ويجلس عالة على الناس يتكففهم ويسألهم هذا لا.(37/22)
"أفأتصدق بثلثي مالي؟ " يعني ويترك الثلث الثالث لهذه البنت "قال: ((لا)) قلت: فالشطر يا رسول الله؟ يعني النصف "قال: ((لا)) قلت: فالثلث؟ قال: ((الثلث، والثلث كثير)) " وفي رواية قال: ((العشر)) وما زال يزيده حتى بلغ الثلث والثلث كثير، في مثل هذا أحياناً يأتي الإنسان عنده الرغبة الشديدة في الخير، فمثل هذا يبدأ به من الأدنى، لكن بعض الناس منصرف، عنده الملايين والمليارات، وهل يقال: لمثل هذا الثلث كثير أو يقال له: أبو بكر تصدق بجميع ماله؟ النصوص الشرعية تأتي بهذا وهذا علاج لأحوال الناس وأوضاعهم، شخص شحيح ممسك، يقول: يا أخي أبو بكر تصدق بجميع ماله، وعسى هذا يتصدق بالعشر، إذا قلت له مثل هذا الكلام، لكن شخص مندفع جاب لك أمواله كلها، تقول: يا أخي يكفي العشر، واترك مالك لنفسك وورثتك، نعم، فالنصوص الشرعية علاج، لما جاء عبد الله بن عمرو وهو مندفع يريد أن يقرأ القرآن كل يوم قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) لكن هل يحسن أن يقال لطلاب العلم: يكفي منكم أن تقرؤوا القرآن في شهر مع الانصراف الذي نلاحظه؟ لا، يقال لهم: إن عثمان يختم في ركعة، وفلان يختم في كل يوم، أقل الأحوال أن طالب العلم يقرأ القرآن في ثلاث، يقال مثل هذا لمن؟ للمنصرف، لعله أن يرعوي، لكن المندفع تقول: لا يا أخي، جزء في يوم تتدبر هذا الجزء أفضل لك من ختمة، فالنصوص تأتي علاج لأمراض الناس، فالداعية والمعلم والعالم إذا رأى في الناس انصراف وتفريط أورد عليهم من نصوص الوعيد، والعكس فيما إذا كان في مجتمع فيه إفراط وغلو، أورد عليهم نصوص الوعد، والأصل التوسط، يعني الأصل أن ينظر إلى هذا مثلما ينظر إلى هذا، لكن في المجتمع المتوسط، أما إذا وجد غلو وإفراط وتشريد تقرأ نصوص الوعد، وأن رحمته وسعت كل شيء، وإذا وجد مجتمع ثاني مفرط متساهل مضيع للواجبات مرتكب للمحرمات، هات نصوص الوعيد، ومثل هذا فيما إذا جاءك شخص مندفع يخرج من جميع أمواله تقول: لا يا أخي، العشر، الثمن، الخمس، إلى أن تصل الثلث كثير، حد، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.(37/23)
"قلت: فالشطر يا رسول الله؟ -النصف- قال: ((لا)) قلت: فالثلث؟ قال: ((الثلث، والثلث كثير)) " من أهل العلم من أخذ من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الثلث كثير)) قاعدة يدخلها في جميع أبواب الدين، طيب، الغبن في الأموال، اشتريت سيارة بخمسين ألف، سألت عنها، قالوا: ما تسوى إلا أربعين، نقول: لا، بعد شوية، ما وصل الثلث؛ لأن الثلث كثير فما دونه قليل، يعني مفهومه أن ما دون الثلث قليل، تسوى خمسة وثلاثين، لا، غبن هذا، أو سبعة عشر، الثلث، نعم، لو ثلاثة وثلاثين قلنا: الثلث، والثلث كثير، إذن لك الخيار، خيار الغبن، منهم من قال: يمسح ثلث الرأس؛ لأن الثلث كثير، ومنهم من .. ، في مسائل كثيرة يجعلون الثلث حد، في قضايا متعددة، ومنهم من يقول: كل باب له ما يخصه، وأن هذا الثلث كثير في باب الوصايا، وما عدا ذلك ما جاءت قاعدة عامة من الشرع، اشترى سيارة تسوى عشرين ألف بخمسين ألف، فالثلث كثير، نقول: لا، لا يقول شخص آخر لا يرى تعميم مثل هذا الكلام، لا، يقول: ذلك يوم التغابن، الدنيا ما فيها غبن، الغبن كله في الآخرة، نعم، الغبن كله في الآخرة، الدنيا ما فيها، كلها ما تسوى غبن، يعني الذي ما يجري هذا قاعدة شرعية، والذي يجريه قاعدة شرعية يستعملوه في أبواب الدين كلها، الثلث والثلث كثير، لكن هل هي قاعدة عامة أنت مدين بمائة ألف تقول: خذ هذه خمسة وثلاثين أكثر من الثلث والثلث كثير، ما هو بصحيح، يوجب عليك صلوات وصيام، تصوم عشرة أيام وتقول: والله صمت الثلث والثلث كثير؟ لا، لا هذا لا يدخل في مثل هذا أبداً.(37/24)
في بعض الروايات: ((كبير))، ((إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة)) (أن) جاءت بفتح الهمز وكسرها ((خير من أن تذرهم عالة)) فقراء ((يتكففون الناس)) يسألون الناس بأكفهم، يسألون الناس بأكفهم ((وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك)) هذا من فضل الله -جل وعلا- ورحمته للأمة أن جعل النفقة الواجبة فيها أجر، بل جعل اللذة فيها أجر "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ " قال: ((نعم، أرأيت لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ )) قال: نعم، قال: ((فكذلك الحلال)) فيه أجر، نعم، لكن مثل هذا يحتاج إلى نية.
((وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك)) تشتري حليب لطفلك فيه أجر، تشتري أدنى شيء نفقة لأولادك فيه أجر، لكن استحضر النية، وأنك تؤدي بذلك واجب أوجبه الله عليك، ولا أقل من أن يستحضر الإنسان النية العامة، يعني إذا عزبت النية في كونه يدخل بقالة يأخذ خبز يحتاج إلى نية، لكن أقل الأحوال النية العامة في ميزانية المصروف الشهري، وأنت داخل المحل الكبير تأخذ أغراض لمدة شهر، تنوي بذلك التقرب إلى الله -جل وعلا-، وأنك تؤدي هذا الواجب، أما بالنسبة لكل فرد فرد هذا ما في شك أن فيه مشقة على الناس، نعم، يعني بعض الناس يجعل يوم وليكن اليوم الذي يستلم فيه المرتب الشهري لقضاء الحوائج، ميزانية الحوائج لهذا الشهر، والله خمسة آلاف مثلاً ادخل المحل الكبير بهذه النية، وتجري لك الأجور إلى مثله من الشهر الثاني.(37/25)
((وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك)) النية العامة تنفع، ولذلك المزارع إذا زرع ينوي بذلك الخير، وأن يستحضر بذلك وقت الزراعة أن يؤكل منه، من الناس، من الدواب، من الطيور، كل هذا فيه أجر، لكن ما يلزم أن ينوي أن كل ما أكل منه يكتب له أجر، النية العامة تكفيه، بل مثل هذا يقول بعض أهل العلم: أن مثل هذا لا يحتاج إلى نية، الأجر رتب عليه وهو ما نوى، وقل مثل هذا في الفرس التي يربطها للجهاد في سبيل الله، ثم تشرب من الماء يكتب له الأجر، ولو لم يقصد شربها، كما جاء في الحديث الصحيح، ولم لم ينوِ شربها من الماء؛ لأنه إنما ربطها في سبيل الله، وفضل الله واسع، فعلينا أن نري الله -جل وعلا- منا الإخلاص، وقصد التقرب إليه -جل وعلا-.
((حتى ما تجعل في فيّ امرأتك)) هذا من حسن العشرة والتعامل، يعني تأخذ اللقمة وتضعها في فيها، بعض الناس يأنف من هذا ويتكبر، لكن هذا لا شك أنه من العشرة بالمعروف، وبعض الناس إذا دخل البيت مثل الإمبراطور ما يريد أحد يتنفس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في خدمة أهله {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [(228) سورة البقرة] تريد منك احترام وتقدير مثلما تريد منها، هي امرأة إنسانة كاملة الحقوق، ويبقى أن الرجل هو الراعي، وهو القوام على من تحت يده، لا نقول: إن المرأة مثل الرجل، لا، أما المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الله -جل وعلا- فضل الجنس على الجنس {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [(228) سورة البقرة] لكن لا يعني هذا أنك تستغل هذه القوامة وهذه الدرجة لتجعلها مسخرة مذللة، لا يا أخي؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [(228) سورة البقرة] لك حقوق ولها حقوق، وتريدها تتعامل معك باحترام وتقدير احترمها وقدرها هي إنسانة لها حقوق ولها مشاعر ولها نفس مثلك، وابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "إني لأتجمل لها كما أحب أن تتجمل لي".
((حتى ما تجعل في فيّ امرأتك)) يعني في فمها، وهذا أيضاً من الأسماء الخمسة، أو الستة على الخلاف في السادس، وهناك مرفوع ذو مال، وهنا في فيّ امرأتك.(37/26)
"قال: فقلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ قال: ((إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة)) " يعني السياق هل يدل على أنه راغب في البقاء أو راغب في الموت، يعني كونه يموت في الدار التي هاجر منها، وتركها لله -جل وعلا- هذا ما فيه شك أنه بالنسبة له منقصة، ولذلك رثى النبي -عليه الصلاة والسلام- سعد بن خولة؛ لأن هذا شيء تركه لله -جل وعلا-، فكونه يموت فيه وقد تركه لله -عز وجل- الأكمل أن لا يموت فيه، وأن لا يبقى فيه حتى يموت، ولذا لم يترك للمهاجر فرصة إلا ثلاثة أيام، يبقى في البلد الذي هاجر منه، فقوله: "أخلف بعد أصحابي؟ " هل يعني هذا أنه متشوف لطول المدة أو متشوف للموت؟ ويش يدل عليه السياق؟ "قال: ((إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به)) " كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسليه، وقوله: أصحابي، يعني كأن الرفقة كلهم مشوا وأنا بقيت، يدل على أنه راغب في الحياة أو غير راغب؟ يعني الأسلوب يدل على أنه غير راغب، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سلاه "فقال: ((إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة)) " هذا تسلية له، إنك يعني إذا خلفت تكسب خير، ولذا بعض الناس في مثل هذه الظروف، وفي أيام الفتن والمحن يتمنى أن لو مات، ويغبط من مات، نعم يأتي في وقت من الأوقات تزداد الفتن والمحن بحيث يخشى الإنسان على دينه، يمر بصاحب القبر فيقول: ليتني مكانك، لكن في مثل هذه الأيام -ولله الحمد- أبواب الخير مفتوحة، افعل الخيرات، اذكر الله، أقل الأحوال الذكر اللي ما يكلفك شيء، وأنت الآن تظن أن غرسك اكتمل، وأن الجنة تنتظرك؟ لا يا أخي لا تظن هذا، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر الباقيات الصالحات كل جملة شجرة في الجنة، اغرس يا أخي، والجنة قيعان، وجاء في الخبر أن أخوين استشهد أحدهما وبقي الآخر أربعين يوم بعده، فرؤي المتأخر أفضل من ذلك، لماذا؟ كم صلى من فرض؟ صلى مائتين فرض، وصام، وذكر الله -جل وعلا-، وأتى بأنواع من العبادات، مثل هذا ما يتيسر للي مات خلاص انقطع عمله، إلا إن كان هناك من الأمور التي تجري بعد الموت.(37/27)
((إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة)) فالإنسان يتمنى طول العمر من أجل إيش؟ زيادة العمل، زيادة الرصيد، ما يتمنى طول العمر ليبني العمارات الشاهقة، ويكدس الأموال الطائلة، وتزيد أرصدته في البنوك إلى أن يكسب الملايين، بل مئات الملايين، هذه من أجل إيش؟ ترى ما زاد على العيش على الكفاف عذاب في الدنيا قبل الآخرة، تدرون هناك ناس يراقبون الشاشات ليل نهار، ويش حياتهم هذه؟ زاد الدولار أخذ له حبة، ارتفع عنده الضغط، نقص ما أدري إيش؟ اللين، أخذ حبة، انخفض عنده السكر، هذه حياة هذه؟! ملايين يناظرونها في الشاشات، ما يستطيعون .. ، ما يأكلون، ولا يتلذذون على فرش، تعطلت منافعهم، ومع ذلك وراء هذه الشاشات لا يذكرون الله إلا قليلاً، فالإنسان يتمنى طول العمر من أجل إيش؟ ((فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة)) هذا الذي يتمناه الإنسان، بعض الناس يوسع الآمال ويطولها على شان إيش؟ على شان يرى الأموال، ويرى الأولاد، ويرى .. ، لأنه تبع، هذا ما هو بهدف، الهدف الشرعي من وجودك تحقيق العبودية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] أما والله زادت ملايينك وإلا نقصت والله هذه وبال عليك، حلالها حساب وحرامها عقاب، ولن تزول قدماك حتى تسأل، من أين اكتسبت؟ وفيما أنفقت؟ وقد تنفق الأموال الطائلة عندك مليار قد تنفق خمسمائة مليون، وتكون من الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار، قد تبني بالخمسمائة مليون ألوف المساجد، ثم ماذا؟ تكوم من الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، فعلى الإنسان أن يحرص، ماذا فعلت؟ اكتسبت الأموال، طيب من أين؟ كيف اكتسبت؟ حيل، غش، ربا، خيانة، سرقات، وإلا إيش؟ حلال، طيب حلال، فيما أنفقتها؟ أنفقتها ابتغاء مرضاتك، وطلباً لجنتك، لا، أنفقت ليقال: فلان جواد، هذا كلام من لا ينطق عن الهوى، يعني وجد من يصرف إذا جاءه الفقير وعنده مجمع من التجار وكذا صرف له الشيك، على شان إيش؟ على شان يشوفونه التجار، ووجد أيضاً بعد من يتصرف يروح إلى .. ، يدخل مباشرة يكلم البنك احجزوا المبلغ، يعني كلام من لا ينطق عن الهوى، وإلا(37/28)
قد يقول قائل: يا أخي الناس فيهم خير، وفيهم بركة، لكن الإنسان يحرص على نيته، وقد يفني الإنسان عمره في تحصيل العلم، وفي تعليمه للناس وتوجيههم، ويستفيد منه خلائق، يدخلون بعلمه الجنة، وهو أول من تسعر به النار، فليكن الإنسان على حذر، يحقق هذه العبودية التي من أجلها خلق والهدف، شوف ((لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة)) هذا الذي .. ، من أجل هذا يتمنى الإنسان طول العمر، يقول: ((ولعلك أن تخلف)) ولعلك هذه صيغة ترجي، وهي في القرآن لا تخلف واجبة كما يقول أهل العلم، والكلام في السنة جاء ما يدل على هذا وعلى هذا، لكنه هنا تحققت، تحقق هذا الرجاء.
((ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام)) الأمة بكاملها انتفعت بتخلفه، حيث عمر بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من أربعين سنة ((حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون)) انتفعت الأمة، وتضرر به الكفر والكفار، وحصل على يديه من الفتوح ما حصل، الجهاد الصريح ضرب فيه بسهم وافر، لكن الفتن هل أقحم نفسه في الفتن؟ لا، اعتزل، يأتي ابنه: يا أبتاه، الناس اقتسموا الملك، اقتسموا الدنيا، قال: لهم الدنيا، وهو معتزل بالعقيق.(37/29)
((ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون)) وهذا هو الحاصل ((اللهم أمض لأصحابي هجرتهم)) يعني ما تركوه لله -جل وعلا- أمضه لهم، ولا تردهم على أعقابهم بأن يسكنوا ويستوطنوا البلدان التي تركوها من أجل الله، والهجرة شأنها عظيم في الإسلام، وهي باقية، باقية إلى قيام الساعة، وهي الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، من بلاد البدع، بلاد المعاصي إلى بلاد السنة، بلاد الاستقامة والالتزام عند من يعينك على تحقيق الهدف، هذه الهجرة، وهي باقية إلى قيام الساعة، وهي واجبة، ولا يجوز البقاء بحال بين ظهراني الكفار، والخطر على المسلم وعلى ذريته معروف يدركه كل أحد، وكمن طفل من أبناء المسلمين تنصر وإلا تهود وإلا ترك دينه؛ لأنه بيضطر يدرسه في مدارسهم، يدرسه دياناتهم، يقول: والله إحنا عندنا حرية ونزاول أعمالهم ما هو بصحيح، عندك حرية وأنت طالع نازل ذاهب آيب تشوف الكفار وأعمالهم وكفرهم وفجورهم تشوف معاصيهم الظاهرة والباطنة ما هو بصحيح، إذا كان أهل العلم يوجبون بل يحرمون البقاء في بلد ولو كان إسلامي، ليس فيه عالم يفتي الناس، ويدلهم على الحق، ويدلهم على الخير، ويرشدهم إليه، منهم من أفتى بتحريم البقاء في مثل هذا البلد، فكيف بالإقامة في بلاد الكفار؟! ونحن -ولله الحمد- في هذه البلاد نعيش نعم، نعم لا تخطر على البال، يعني أنواع مما يرضي الله -جل وعلا- موجود عندنا، نعم عندنا شيء من الخلل عندنا نقص، عندنا معاصي، والخبث كثر، نسأل الله -جل وعلا- أن يعيد الأمة إلى دينها.
((لكن البائسُ)) أو البائسَ، لماذا؟ لأنها مخففة.
وخففت (إن) فقل العملُ ... . . . . . . . . .
{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [(63) سورة طه] وإلا الأصل إن هذين، ((لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)) يتوجع له، لكونه مات في البلد الذي هاجر منه، الذي تركه لله -جل وعلا-، نعم.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الثلث، والثلث كثير)).(37/30)
نعم هذا من كلام ابن عباس يقول -رضي الله عنهما-: "لو أن الناس غضوا" نقصوا "من الثلث إلى الربع"؛ لأنه ما دام الثلث كثير فالمطلوب ما هو دونه إلى الربع أو الخمس، وقد فعله أبو بكر -رضي الله عنه-، وقد رضي أبو بكر بما رضي به الله لنفسه، الرب -جل وعلا- رضي بالخمس {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال] يقول: رضيت بما رضي به الله لنفسه، الخمس.
يقول: "لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الثلث، والثلث كثير)) " وكل هذا من أجل مراعاة حقوق الورثة، فيراعي الإنسان .. ، وألزم ما عنده من يمون، وكفى به إثماً أن يضيع من يمون، فهم أولى الناس ببره وعطفه، لكن لا ينسى نفسه، فماله الذي يقدمه لنفسه، لكن لا ينظر إلى النصوص التي تحث على الصدقة وينسى من تحت يده؛ لأن بعض الناس ما يستوعب الأمور مكتملة، ما يستوعب الأمور من جميع وجوهها، فيسمع الحث على الصدقة وأن ماله ما قدم، ومال الوارث ما أخر وكذا، يقول: ما علي من الوارث، قد يقول هذا الكلام فينساه، فيقال له: لا يا أخي أنت غض من الثلث؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((الثلث كثير)) وهذا أيضاً يقال فيه مثلما قيل في الحديث السابق، نعم.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: الفرائض
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) وفي رواية: ((اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر)).
باب: الفرائض(37/31)
الفرائض: جمع فريضة، الفريضة النصيب المقدر المفروض للوارث، ويدخل فيه تبعاً ما جاء في هذا الحديث التعصيب؛ لأن الفرائض الأصل فيها الفروض المقدرة في كتاب الله -جل وعلا-، الستة المعروفة، النصف ونصفه ونصف نصفه، النصف والربع والثمن، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، الثلثان والثلث والسدس، هذه الفرائض، يعني المفروضة المقدرة، ويلحق بها التعصيب الوارد في مثل هذا الحديث، من باب الإلحاق، ويراد بالفرائض قسمة المواريث، جمع فريضة، فعيلة بمعنى مفعولة، مثل جريحة بمعنى مجروحة، قتيلة بمعنى مقتولة، قد تطلق الفرائض ويراد بها الواجبات في أبواب الدين كلها، ولذا يقول أهل الحديث: إنه ينبغي لطالب العلم أن يبدأ بالحديث عند العشرين، وما قبل ذلك يشتغل بالفرائض، هل معنى هذا أنه يشتغل بالمواريث؟ لا، يشتغل بعلم الحلال والحرام، ثم يبدأ بطلب الحديث، والخلاف في متى يبدأ الطالب بالحديث معروف عند أهل العلم، والأولى أن يبدأ به من التمييز كغيره من العلوم.
المقصود أن الفرائض بالاصطلاح الخاص يراد بها قسمة التركات والمواريث؛ لقوله -جل وعلا-: {نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [(7) سورة النساء] فهي مفروضة.
"عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) " هذا صاحب نصف، لا بد أن يعطى النصف ما لم يوجد حاجب يحجبه حجب نقصان، هذا صاحب نصف أو ربع يعطى نصفه أو ربعه ما لم يوجد حاجب حجب حرمان أو نقصان، أو مانع من موانع الإرث، المقصود أن مثل هذه لا بد من أن تؤدى إلى أهلها ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) الفرائض الله -جل وعلا- تولى قسمتها، ولم يكل ذلك إلى أحد، ما ترك هذا إلى اجتهاد الناس، بل تولى قسمتها كالزكاة.(37/32)
((فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) صاحب النصف أخذ نصفه، صاحب الربع أخذ ربعه، وصاحب السدس .. ، بقي عندنا يعطى المعصب، يعطى العاصب، والعاصب له ما بقي بعد الفروض، يعطى ما بقي بعد الفروض، فإذا لم يوجد صاحب فرض العاصب يأخذ المال كله، توفي شخص عن ابن فقط ماله لابنه، توفي شخص عن زوجة وأم وابن، الزوجة تأخذ الثمن، والأم تأخذ السدس، والابن يأخذ الباقي، توفي شخص عن ابن وبنت للذكر مثل حظ الأنثيين، طيب البنت صاحبة فرض ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) البنت لها النصف، نعم؟ نعم لا بد أن لا يوجد عاصب، وهو أخوها، فإذا وجد هذا العاصب صار للذكر مثل حظ الأنثيين {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] وهذه قاعدة الفرائض أن الذكر له نصيب اثنتين من النساء إلا في باب الإخوة لأم، وهذا من وجوه تفضيل جنس الذكر على جنس الأنثى؛ لأنهم هم أهل التبعات، وهم أهل النفقات، وهم أهل البذل، فعليهم من الالتزامات ما لا يوجد نظيره في النساء، ولذلك فضل الرجال على النساء في هذا الباب، وجاء تفضيل الرجل على المرأة في الضعف في خمسة مواضع، هنا في المواريث، في الإرث، والثاني: على النصف، نعم في الشهادة، القوامة ويش دخلها يا إخوان؟ يعني على المرأة نصف قوامة الرجل؟ نعم؟ الشهادة {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [(282) سورة البقرة] الثالث؟ هاه؟ الدية، دية المرأة نصف دية الرجل، الرابع؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أسمع والله.
طالب: العقيقة.
عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، بقي واحد، الصلاة، تصلي نصف صلاة الرجل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني نصف صلاة الرجل تصلي؟ أنا أقول: على النصف، على النصف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(37/33)
العتق، من أعتق رجل كمن أعتق امرأتين، هذه خمسة مواضع ولا سادس لها، المرأة على النصف من الرجل في هذه الخمسة المواضع في الشرع، ثم يأتي من يطالب أن المرأة كالرجل، وأنها جنسه، وشقيقة الرجال، ويأتينا من يقول: إن لو استعرضنا آيات المواريث لوجدنا أن المرأة على النصف في ثلاث آيات، وثلاث آيات متساويين، والسابعة سجال، مرة هذا ومرة هذا.
كل هذا تلبية لرغبات أعداء، يُتنازل معهم إلى هذا الحد، هذا ديننا، لا بد أن نعتز بديننا {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [(33) سورة فصلت] ولا عليك من أحد، لا بد منه، ما نجعل الدين متهم في قفص، والسعيد من يدافع عنه، أبداً، ما له حاجة بأحد، هذا ديننا، الذي يدخل بطوعه الله يحييه، واللي ما يدخل جهنم موعود إياها، أما أن نستحيي ونستخفي بديننا على أن الأمم كلها ضدنا ما علينا منهم، فلا بد أن نعتز بهذا الدين، وعلى المرأة أن ترضى بالشرع، وعلى الرجل الذي لم يكتب له حظ في هذه الدنيا أن يرضى ويسلم، نفس الشيء:
كن صابراً للفقر وادرع الرضا ... بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ(37/34)
ما تقول لي: والله فلان يملك مليار وأنا ما أملك ريال نشتري به خبز، هذا ما هو بشغلنا، أنت لك ما يترتب على وضعك من الثواب والعقاب، وذاك أيضاً عليه تبعات، وأنت تحسبه سالم؟! بكرة يتمنى أنه مثلك، لا تظن أنك مظلوم أبداً، فالمرأة يجب عليها أن ترضى وتسلم، والرجل كذلك، ولو رأى أن فلان فضل عليه ما يضر {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} وانتهينا؟ {ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء] لا بد من التسليم، وقدم الإسلام كما يقول أهل العلم: لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، ويش معنى إسلام يا أخي؟ أنت رضيت بأن تكون مسلم، بل شرفك الله -جل وعلا- بالإسلام، ومنّ عليك أن هداك للإسلام، الإسلام هو الاستسلام والانقياد والتذلل والخضوع لله -جل وعلا-، أنت ما ترجو والله شيء من فلان أو علان تقول: بكيفه يعطيني وإلا ما يعطيني الأمر واحد، لا، أنت ترجو جنة عرضها السماوات والأرض، ولا يكفي أنك في جنة وإلا في صحراء ترعى من حشائش الأرض، لا، إما في جنة وإلا في نار، فريق في الجنة وفريق في السعير، لأنه قد يقول قائل: والله الجنة تبي تكاليف، وحفت بالمكاره، أنا ما عندي استعداد، أنا أتستدح، يعني لو البديل أنك ترعى بالحشائش بالبرية ومتى ما جاءك الموت تموت سهلة، لكن نار تلظى {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [(36) سورة فاطر] ما هي المسألة سهلة، {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [(77) سورة الزخرف] بس ما تهيأ، يعني مو بالبديل، إنك إما جنة عرضها السماوات والأرض وجاء في وصفها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه جنة، لكن تقول أنت: والله أنا أتستدح ما عندي استعداد نسوي تكاليف، لكن عندك صبر على النار؟ هذا الإشكال، فعلى الإنسان أن يرضى ويسلم، ولو أن الإنسان طار فرحاً وشوقاً، واستمر لسانه رطباً بذكر الله -جل وعلا- وشكره لأنه هداه للإسلام، نعمة لا يقوم بها .. ، لا يعدلها شيء هذه النعمة.(37/35)
شخص من عامة المسلمين أسره الكفار، فكتب لصاحب له: أن الكفار أسروني، فكتب صاحبه: اشكر الله، شكر الله، ثم كتب له ثانية، وقال: سلسلني الكفار وقيدوني، فكتب له صاحبه: اشكر الله، شكر الله، ماشي، طيب، قيد معه أسير آخر يهودي، كتب لصاحبه، قال: اشكر الله، قال: معي واحد ساحبه معي، قال: اشكر الله، اشكر الله، أصيب اليهودي ببطنه فصار ما يمسك، ما جاء طلع، وهذا مربوط معه ... ، فكتب له صاحبه: اشكر الله، قال: وبعدين إلى متى؟ أشد من ها الحالة اللي أنا أعيشها؟ قال: نعم، اشكر الله إن لم تكن مثلهم، فشكر الله من خالص قلبه، فانفك القيد فخرج يمشي ...(37/36)
شرح عمدة الأحكام – كتاب البيوع (8)
تابع: باب: الفرائض
الشيخ: عبد الكريم الخضير
فكتب له صاحبه: اشكر الله، قال: وبعدين إلى متى؟ أشد من ها الحالة اللي أنا أعيشها؟ قال: نعم، اشكر الله إن لم تكن مثلهم، فشكر الله من خالص قلبه، فانفك القيد فخرج يمشي، يعني تصور شخص مأسور عند الكفار ومسلسل معه يهودي مبتلى بالبطن، ما يمسك، تصور حاله يقول له: اشكر الله؟ نعم يشكر الله؛ لأن الإنسان مهما حصل له من أمور الدنيا الدنيا ماشية، تنتهي يوم اثنين ثلاثة انتهى، لكن الآخرة ما لها نهاية، لا تنتهي، يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت،. . . . . . . . . يؤتى بالموت ويذبح على هيئة كبش، فالدين هو رأس المال، وما فات الإنسان من أمور الدنيا الأمر سهل، يعني الأمر مقدور عليه سهل، الدنيا ماشية، افترض أن الإنسان ما عنده ما يأكل ولا يشرب صبر واحتسب إلى أن تضائل جسمه يوم نقص نقص إلى أن مات، ويش ما بيده حيلة، عليه الصبر والاحتساب، وإنما يوفى الصابرون ... بعد ذلك {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] والله المستعان.
((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)) ألا يكفي أن يقال: فلأولى رجل حتى يقال ذكر؟ في رجل أنثى؟ تجي؟ لكن هذا تأكيد، طيب هذا في العصبات والأصل أنهم من الرجال، لكن ماذا عن العصبة من النساء؟ بنت وأخت، ألحقنا الفرائض بأهلها أعطينا البنت النصف، دورنا أولى رجل ذكر ما لقينا إلا ها البنت ويش نسوي؟ الرسول يقول: ((فما بقي فلأولى رجل ذكر)) ما في رجل ذكر، نعم، الإشكال اللي أنا أطرحه مفهوم وإلا ما هو مفهوم؟ نعم ما هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) ألحقنا الفرائض بأهلها أعطينا البنت النصف ((فما بقي فلأولى رجل ذكر)) إحنا ما عندنا إلا ها الأنثى الأخت.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما لا هي عاصب في مثل هذه الصورة عاصبة، لكن كيف نخرجها على هذا الحديث؟ يعني عندنا بنت وأخت وابن عم مثلاً، ما يقول ابن العم هذا: أنا أولى رجل ذكر؟ ما يمكن يقوله؟ تبي تعطيه إياه؟
طالب:. . . . . . . . .(38/1)
لأن عندنا ((أولى)) في جهات متعددة للتقديم والتأخير، الجهة، القرب، القوة.
فبالجهة التقديم ثم بقربه ... وبعدهما التقديم بالقوة اجعلا
البيت من وين؟ من الشاطبية؟ ما يمكن يجي من الشاطبية؟ الوزن واحد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، منظومة الجعبري في الفرائض؛ لأنه قد يقول قائل: والله هذا البيت وزونه وزن الشاطبية، يمكن ما .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، فهناك جهات لا بد من مراعاتها، قد يقول قائل مثلاً: أخ وعم أيهما أقرب؟ الأخ أقرب، يقول: عم الرجل صنو أبيه، أنا مثل أبوه الحين، ويش لون تقدمونه علي؟ نقول: لا، عندنا موازين شرعية، شخص فلاح عند رجل، لا يمت له بأي صلة من جهة النسب إلا أنه قديم عنده، من خمسين سنة وهو فلاح بالمزرعة هذه، توفي الرجل قال: أنا أحق من عياله، أنا قبلهم جاي بالمزرعة، ترى واقعة، يقول: أنا بهذه المزرعة عند فلان قبل ما يتزوج، أنا أحق من أولاده، هذا كدي وهذا كدحي، لا، ما لك. . . . . . . . .، واقعة مثل هذه، تقع من بعض العوام؛ لأن الرسول قال: ((فلأولى رجل ذكر)) العم يقول: لا، لا أنا صنو .. ، أنا مثل أبوه بنص النبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: لا، كل شيء له موازينه، كل شيء له شروطه وقيوده وحدوده، الشرع ما تركنا همل، فإذا وجد العاصب بالنفس فهو أولى رجل ذكر، لكن ما وجد العاصب بالنفس ننظر إلى عصبة بالغير أو مع الغير، والمسألة ما تحتمل بسط وإلا نجيب لكم كل اللي يرد هنا، فننتبه لمثل هذا؛ لأنه قد يقال: إشكال هذا، فلأولى رجل ذكر ما عندنا والله إلا أخت، ما عندنا رجل ذكر.
"وفي رواية: ((أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله)) " يعني على ما جاء في كتاب الله، ولا اجتهاد لمجتهد، ما في اجتهاد لمجتهد ((أقسموا الفرائض على كتاب الله)) لأن الله -جل وعلا- لم يترك لأحد اجتهاد، لكن هل في الفرائض مسائل اجتهادية؟ نعم؟ في مثل: الحمارية، وفي مثل المشركة، وفي مثل ثلث الباقي يوجد في كتاب الله؟ نعم؟
وإن يكن زوج وأم وأب ... فثلث ما يبقى لها مرتبُ(38/2)
زوج وأم وأب، للزوج النصف، وللأم ثلث الباقي، لماذا قلنا: ثلث؟ مراعاة للفظ القرآن، ولماذا قلنا: الباقي؟ لئلا تزيد على الأب، والقاعدة أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
وهكذا مع زوجة فصاعدا ... فلا تكن عن العلوم قاعداً
وين الرحبية؟ من بدهيات العلوم هذه، تقرأ في المتوسط، تحفظ في المتوسط.
وفي رواية: ((أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله)) ثم يأتي من يصنف في الأحوال الشخصية ويجتهد، وظروف العصر تغيرت، وما أدري إيش؟ والضغوط. . . . . . . . .، ما هو بصحيح، كل هذا لا قيمة له، هذا كلام لا قيمة له.
((أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر)) يعني اللي يبقى بعد الفرائض هو للعصبة، والأصل في العصبة الرجال، الذين هم تعصبوا بأنفسهم، لا بغيرهم ولا مع غيرهم، ثم بعد ذلك إذا لم يوجد هؤلاء، لم يوجد أولى رجل ذكر نأتي إلى من تعصب بغيره ثم مع غيره.
نعم اقرأ.
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أتنزل غداً في دارك بمكة؟ قال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع؟ )) ثم قال: ((لا يرث الكافر المسلم)) ...
ما في أو دور؟ من رباع أو دور؟ ما في عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
والمفترض أنه في مثل هذا إذا قال: في نسخة كذا أثبت شيء، وفي نسخة كذا، والصواب ما أثبته لأني رجعت إلى كذا وكذا، لا بد، طيب في نسخة وبس، نعم.
((وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ )) ثم قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)).
نعم وهذا الحديث "عن أسامة بن زيد" الحب ابن الحب، حب النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن حبه -رضي الله تعالى عنهما- "قال: قلت: يا رسول الله أتنزل غداً؟ هذا متى؟ يوم الفتح "أتنزل غداً في دارك بمكة؟ فقال: ((وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ )) " ما ترك شيء، باعها؛ لأن أبا طالب خلف أربعة أولاد: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، ورثه طالب وعقيل، وجعفر وعلي ما ورثا من أبيهما، لماذا؟ لأنهما مسلمان، وقد مات كافراً، والمسلم لا يرث الكافر، طيب، باعها عقيل، طيب وين طالب؟ طالب قتل قبل ذلك.(38/3)
" ((وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ )) " ما ترك شيء، باعها، وبهذا يستدل من يقول بجواز بيع بيوت مكة، لكن من الذي باعها؟ هل يستدل بفعله؟ ما يستدل بفعله، باعها حال كفره، لا يستدل بفعله.
"ثم قال: ((لا يرث الكافر المسلم، ولا الكافر المسلم)) " نعم انقطعت الصلة بين المسلم والكافر، القرابة وجودها مثل عدمها {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] هذه الإخوة الصادقة، إن زاد عليها وجود أخوة نسب كان له حقان، وإذا انقطعت أخوة الدين فلا قيمة للنسب، وأما ما جاء في قوله: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} [(65) سورة الأعراف] {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [(73) سورة الأعراف] هذه أخوة نسب، ما هي بأخوة دين، الأخوة بينهم موجودة، لكنها أخوة لا تنفع، ولا قيمة لها، تقطعت بهم الأسباب، خلاص انقطعت، العلائق كلها انقطعت بالموت، لا ينفع إلا أخوة الدين.
((لا يرث المسلم الكافر)) نعم هذا حكم شرعي أن المسلم لا يرث الكافر؛ لأن من موانع الإرث اختلاف الدين
ويمنع الشخص من الميراثِ ... رق وقتل واختلاف دين
واحدة من علل ثلاثِ ... . . . . . . . . .
اختلف الدين خلاص لا توارث ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)) وهذا قول جماهير أهل العلم، أما كون الكافر يرث المسلم فهذا إجماع، وأما كون المسلم يرث الكافر فالجمهور على منعه لهذا النص الصحيح الصريح، ومن أهل العلم من قال: يرث؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وكما يجوز أن يتزوج المسلم كتابية دون العكس يرد مثل هذا، ومنهم من يقول: إذا أسلم قبل قسمة التركة يرث ترغيباً له في الإسلام؛ لأنه ما دام التركة موجودة، ثم أسلم فقيل: ما ترث يخشى عليه أن يرتد، فيورث ترغيباً له في الإسلام، وهذا قول عند بعض أهل العلم، لكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، خلاص هذا حكم شرعي، مسلم مسلم يتحمل التبعات، أنت شريت الجنة، ما شريت حطام الدنيا بهذا الإسلام، فالقول المرجح هو ما يدل عليه هذا الحديث، وأن المسلم لا يرث الكافر البتة والعكس.(38/4)
قد يقول قائل: ما دام الدار دار أبي طالب ويش دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا؟ هي الأصل للجد عبد المطلب، الأصل أنها لعبد المطلب، طيب من أين يكون للنبي -عليه الصلاة والسلام- نصيب بها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أبوه مات قبل جده.
طالب:. . . . . . . . .
قد يكون له دار، وقد يكون له نصيب بأي وجه من وجوه التمليك، فلما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- وتركها لله تصرف فيها عقيل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في مثل هذه الأمور ليس بصاحب مشاحنة ومشادة، الدنيا لا تسوى عنده شيء -عليه الصلاة والسلام-، يعني أعطى بعض المؤلفة قلوبهم غنم بين جبلين، عطاء من لا يخشى الفقر، فإذا كانت الدنيا عند الله -جل وعلا- لا تساوي جناح بعوضة فكذلك هي عند نبيه ومصطفاه ومجتباه -عليه الصلاة والسلام-، الذي هواه تبع لما جاءه عن ربه ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهب)) عرض عليه أن تحول جبال مكة ذهب، ما لي وللدنيا، ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) من الجهات كلها، هذا من كانت الآخرة همه، أما من كانت الدنيا همه فالمسألة تختلف، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء وهبته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء وهبته".(38/5)
أولاً: "نهى" التعبير عن النهي بلفظه عند عامة أهل العلم بمثابة: "لا تفعلوا" فنهى عن بيع الولاء، يعني لا تبيعوا الولاء، وقال بعضهم: إنه لا يساوي الصيغة، اللفظ لا يساوي الصيغة، حتى ينقل لنا الصحابي اللفظ النبوي، ثم نعرف حكمه، إحنا اللي نقدر ما هو بالصحابة، إحنا اللي نفهم هل هو نهي وإلا ما هو نهي؟ أما إذا قال الصحابي: نهى يمكن يسمع كلام يظنه نهي وهو في الحقيقة ليس بنهي، هذا قاله بعض المتكلمين، لكن هذا الكلام ساقط؛ لأنه إذا لم يعرف الصحابة الألفاظ النبوية من يعرفها بعدهم؟! "فأمرنا أن ننزل الناس منازلهم" يساوي تماماً ما جاء في الرواية الأخرى: ((أنزلوا الناس منازلهم)) فنهى عن بيع الولاء، والأصل في النهي التحريم، والولاء: الإعتاق، بل هو الأثر المترتب على الإعتاق، الإعتاق هو تحرير العبد، والأثر المترتب عليه أن يكون ولاء المعتَق للمعتِق، وهو سبب من أسباب الإرث، ولا يباع؛ لأنه كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب، تستطيع أن تبيع ولدك وإلا أخوك وإلا تهبه لأحد؟ ما يمكن، فالولاء مثله، لا يوهب ولا يباع، مثل النسب؛ لأنه جاء في الحديث: ((لحمة كلحمة النسب)) "نهى عن بيع الولاء وهبته" فالنهي يعود إلى ذات المنهي عنه، إلى ذات العقد، فلو بيع الولاء بطل، ولو وهب الولاء بطلت الهبة؛ لأنه يعود إلى ذات المنهي عنه، فالعلماء إذا جاء النهي منصباً إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه بطل العقد، مع الإثم، مع التحريم، أما إذا عاد إلى أمر خارج فإنه العقد لا يتأثر عقد صحيح مع التحريم، وأنتم تفرقون بين من صلى وعلى رأسه عمامة حرير، أو على عورته سترة حرير، الذي صلى بعمامة حرير صلاته صحيحة، أو بيده خاتم ذهب؛ لأن هذا لا يعود إلى ذاته، ولا إلى الشرط، أما لو صلى وعليه سترة حرير تبطل صلاته؛ لأنه عاد إلى الشرط، المقصود أن هذا منصب إلى العقد نفسه فهو باطل، وتشبيهه بالنسب يؤكد هذا البطلان.(38/6)
وفي حديث بريرة الآتي: "كاتبها أهلها على تسع أواق واشترطوا الولاء، وقالت عائشة: أنقدها لكم، التسع الأواق لأنها منجمة على تسع سنين، تدفعها نقداً ويكون الولاء لها، صار هناك محاورة بينهم ورفضوا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اشترطي لهم الولاء)) اشترطت لهم، التزمت بأن يكون الولاء لهم، فخطب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه المحاورة الطويلة، ثم قال: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط)) لأنه قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- غرهم، لا، لا ما غرهم، إنما أراد أن يثبت الحكم، بهذه الطريقة يثبت، هم ما ظُلموا، هم لم يظلموا، القيمة بدلاً من أن تكون مقسطة –منجمة- على عدد سنوات دفعت فوراً، وبهذه الطريقة يعني بالترديد الذي حصل بالاشتراط الذي ووفق عليه يجتث الأمر من جذوره، خلاص ما في أحد يفكر أنه يشترط الولاء -خلاص- بعد هذه القضية، لكن لو قال: أخبريهم يا عائشة أن الولاء لمن أعتق، ينقل لنا وكغيره من النصوص لكن ما هو في القوة مثل ما لو قال: وافقي وبعدين يُبين الحكم، الآن اجتث الحكم من جذوره، ما في أحد يفكر بالولاء وهو بايع، إنما الولاء لمن أعتق، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم فدخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبرمة على النار، فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ((ألم أرَ البرمة على النار فيها لحم؟ )) فقالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه، فقال: ((هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية)) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها: ((إنما الولاء لمن أعتق)).
نعم هذه قصة بريرة قصة شهيرة، وأطال العلماء بشرح حديثها، وأفرد في بعض المؤلفات، واستنبط منه أهل العلم أحكام كثيرة جداً، لخصها الحافظ ابن حجر في فتح الباري.(38/7)
يقول: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانت في بريرة ثلاث سنن" العلماء استنبطوا أحكام كثيرة جداً من قصتها، لكن هذه الثلاث هي القضايا الكبرى في حديث بريرة، هناك قضايا أخرى وفوائد وأحكام وآداب وسنن كثيرة جداً، جمع أطرافها وجمع ما قيل في الحديث ولخصه ابن حجر في فتح الباري، لكن هذه القضايا الثلاث هي القضايا الكبرى في هذا الخبر.
"خيرت على زوجها حين عتقت" هذه السنة الأولى، والسنة هنا الطريقة الشرعية، وهي أعم من أن تكون واجبة أو مستحبة؛ لأنه يرد في الشرع في العرف الشرعي وفي الحقيقة الشرعية ما يختلف مع الحقائق الاصطلاحية، والأعراف الخاصة عند أهل العلم، وما قد يختلف مع العرف العام، سنن فيها واجبات، وجاء في الحديث: ((غسل الجمعة واجب)) وأهل العلم عامة يقولون: غسل الجمعة سنة، اختلفت الحقيقة الشرعية عن الحقيقة الاصطلاحية والعرف الخاص.
الصحابي يقول: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" والحنفية يقولون: زكاة الفطر واجبة وليست بفرض، نقول: هذه معاندة؟ هذه ليست معاندة، هذا اصطلاح عند أهل العلم استقر عليه أمرهم، لكن كل ما قرب الاصطلاح العلمي والعرف الخاص عند أهل العلم من الاستعمالات الشرعية كان أفضل، لكن قد يكون الاصطلاح الشرعي يختلف من موضع إلى موضع، الآن لو أقسم شخص أن عمري كله إلى الآن ما رأيت جمل أصفر، يقول: والله ما رأيت جمل أصفر، نقول له: كذبت لأن الله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] هو يقصد حقيقة غير الحقيقة التي جاءت في القرآن، هل نقول: هذا مكذب لله -جل وعلا-؟ لأن اختلاف الحقائق لا بد من الانتباه له، فاستعمال الواجب في غسل الجمعة واجب لا يعني أنه مطابق للاصطلاح العلمي عند أهل العلم، وليس في هذا معاندة.(38/8)
المفلس لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-: (( ... من المفلس؟ )) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال)) صيام وصدقة وكذا وصلاة، يأتي وفعل وفعل ثم تذهب هذه .. ، هذا مفلس، لكن لو سأل مدرس عرف التفليس؟ أو من المفلس؟ ثم جاء في الجواب: من لا شيء عنده من متاع الدنيا، أو قال: من كانت ديونه أكثر من أمواله، ويش يصير الجواب خطأ وإلا صح؟ الذي نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من لا درهم له ولا متاع)) هو الصحيح في هذا الباب، في باب الحجر والتفليس، فلننظر إلى الحقائق الشرعية وتنزل منازلها مع الحقائق العرفية والاصطلاحية، وأهل العلم لما قرروا هذه الحقائق وهذه الاصطلاحات لم يريدوا بذلك معارضة الشرع أبداً، لكن كلما كان الاصطلاح العلمي والعرف الخاص أقرب إلى الاستعمال الشرعي كان أولى، ولذا العزيز عند أهل العلم ما يرويه اثنان، هذا العزيز، لكن لو قال شخص: العزيز ما يرويه ثلاثة؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] نقول: أهل العلم خالفوا ما جاء في القرآن؟ لا؛ لأن التنزيل تنزيل الاصطلاحات على ما له وجه شرعي أو لغوي لا ينفي الحقائق الأخرى؛ لأن هذه حقيقة عرفية، وهذه حقيقة شرعية، وتلك حقيقة لغوية، المحروم: ناس يسمون الشخص الذي عنده أموال طائلة ويبخل على نفسه وعلى من تحت يده يسمونه محروم، لو جاء واحد بزكاته وأعطاها هذا المحروم؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] هذا محروم، تجزئ الزكاة؟ هذا غني هذا؟ لا ما تجزئ الزكاة، هذه حقيقة عرفية وتلك حقيقة شرعية.
على كل حال الكلام في هذا يطول، والذي دعا إليه استعمال السنن في بعض الواجبات.(38/9)
يقول: "خيرت على زوجها حين أعتقت" زوجها أكثر الروايات على أنه عبد، واسمه: مغيث، وجاء في بعض الروايات أنه حر، رواية الأكثر وهي المتفق عليها أنه عبد، والرواية الأخرى صحيحة أنه حر، لكن أهل العلم حكموا –الجمهور- على أن المحفوظ أنه عبد، والحنفية قالوا: لا، حر، عملاً بالرواية الأخرى، فإذا عتقت الأمة تحت عبد خيرت، خيرت عند الجميع؛ لأن الكفاءة انتفت، عبد تزوج أمة يعني هما متكافئان، لكن عتقت صارت حرة تحت عبد تُخير؛ لأن الكفاءة انتفت، طيب الحنفية؟ يقولون: تُخير ولو كانت تحت حر للروايات الأخرى، هو لما كان حر وهي أمة قبلها على نقصها، فلما عتقت ارتفع قيمتها إلى أن ساوت الحر في الحرية عند الحنفية تُخير، نعم تُخير؛ لأنه قبلها لما كانت أمة، وما يقبلها لما كانت أمة إلا لنقص فيه وهو حر، ارتفع هذا النقص بها، الذي فيها، الملازم لها وهو الرق فساوته في الحرية لكن نقصه الذي من أجله قبلها موجود فتُخير، فلا شك أن الراجح هو قول الجمهور؛ لأن الحرية والكفاءة موجودة، حرة تحت حر ليس لها خيار، وهو رواية الأكثر.(38/10)
وزوجها مغيث كان يحبها حباً شديداً، وكانت تبغضه، ما تبي تحت عبد، ما دام أن الله -جل وعلا- وهبها هذه الحرية لا تريد النقص، فكان يجري وراءها في سكك المدينة ويبكي، ويتوسل إليها، وطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يشفع له عندها، شفع النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: تأمرني؟ فقال: ((لا، إنما أنا شافع)) قالت: لا حاجة لي به، فمثل هذا إذا ارتفع النقص، وارتفعت المكافئة والتكافؤ ثبت لها الخيار، "خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم، فدخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبرمة على النار" البرمة: الإناء الذي يطبخ فيه "فدعا بطعام فأتي بخبز وأدام من أدام البيت" أدام أو أدم بمعنى واحد، وهو ما يؤتدم به، ويلين به اليابس "فقال: ((ألم أرَ البرمة على النار فيها لحم؟ )) فقالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه" في أول الحديث يقول: "أهدي لها" نعم، كل النسخ على هذا، أهدي لها لحم، قالت: ذلك لحم تصدق به على بريرة، والصدقة والهدية تجتمعان من وجه وتفترقان، المقصود أنهما تجتمعان في انتقال المال من المعطي إلى المعطى، يستوي في ذلك الهدية والصدقة، لكن يفترقان في أن الهدية لها أحكام، والصدقة لها أحكام، الهدية يقبلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويثيب عليها، أما بالنسبة للصدقة فلا يقبلها؛ لأنها لا تحل له؛ لأنها أوساخ الناس، فأطلق على الصدقة هدية توسعاً، وإلا فهي صدقة.(38/11)
"ذلك لحم تصدق به على بريرة فكرهنا أن نطعمك منه" لأنه صدقة وأنت لا تأكل الصدقة "فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية)) " يعني لو دعاك فقير واستضافك على طعام تصدق به عليه تأكل، لو قدر أنك شخص غني ولك زوجة وأولاد، والزوجة والأولاد يذهبون إلى أهل الزوجة، وهم ممن يأخذ الصدقة والزكوات، فأولادك وأمهم يأكلون مع أهلهم، فيكون لهم هدية، لكن لا يسير هذا خطة منك تتنصل من النفقة عليهم، وتأخذ الزكوات لأخوالهم، تجمع تقول: والله عندنا أسرة فقيرة، نعم، وتجمع لأخوال الأولاد وجدتهم وجدهم، وتكدس لهم الأموال من الأغنياء، .... تحل لهم الزكاة، وأنت تقي بذلك مالك، إذا جاء وقت العشاء قلت: روحوا لأهلكم، إذا جاء وقت الغداء روحوا لأهلكم، وبعدين؟ أنت تقي بهذا مالك، حينئذٍ نقول: ممنوع، لكن لو قدر أنهم قدموه، وحضر هؤلاء لا بأس يأكلون، أو أهدي لهم طعام يخشى تلفه وضياعه لأنه ما يصبر، طعام كثير، ودعوهم عليه لا بأس؛ لأن الفقير يملك، يملك ما يتصدق به عليه ملك تام مستقر، يتصرف فيه، لكن لا يأخذ أكثر من حاجته، ويكون هذه عادة وقاعدة مطردة يأخذ أكثر من حاجته، ثم يقي به مال هذا الغني مثلما صورنا.
" ((هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية)) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها: ((إنما الولاء لمن أعتق)) " الولاء لصاحب النعمة، وهذا في آخر الحديث لما قال: ((اشترطي لهم الولاء)) وخطب النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله)) وهذا تقدم الكلام فيه، نعم ...(38/12)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب النكاح (1)
شرح حديث: ((يا معشر الشباب))، وحديث: "الثلاثة الذين سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر ... "، وحديث: رده -عليه الصلاة والسلام- على عثمان بن مظعون التبتل، وحديث: "أم حبيبة بنت أبي سفيان لما قالت: "يا رسول الله أنكح أختي ابنة أبي سفيان ... "
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال -رحمه الله تعالى-:
كتاب: النكاح
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: النكاح
والكتاب عُرف في مناسبات كثيرة، مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتْباً، والأصل في هذه المادة الجمع، يعني كما يقولون: تكتب بنو فلان اجتمعوا، وجماعة الخيل كتيبة، ويقول الحريري في مقاماته:
وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً ... ولا قرؤوا ما خُط في الكتبِ(39/1)
وفيه البيت السفيه الذي يصان المسجد والحضور منه، ويذكرونه في هذا، فالكتاب مصدر من المصادر السيالة التي توجد شيئاً فشيئاً؛ لأن الكتاب والكتابة إنما توجد شيئاً فشيئاً، توجد من اجتماع حروف وكلمات وجمل وصفحات ويصير كتاب، يعني لا يوجد دفعة واحدة، والمراد به المكتوب الجامع لمسائل النكاح، النكاح مصدر نكح ينكح نكاحاً ونكحاً، وهو في الأصل الضم والتداخل، تناكحت الأشجار إذا أنضم بعضها إلى بعض بسبب الرياح، ويطلق ويراد به العقد، ويطلق ويراد به الوطء، ويختلفون في الحقيقة من الأمرين، حقيقة النكاح هل هي العقد أو الوطء؟ معروف عند أهل العلم الخلاف، لكن شيخ الإسلام يقرر أن النكاح المأمور به لا يحصل بأحدهما، لا بد من العقد والوطء، والنكاح المنهي عنه يحصل بأحدهما، فمثلاً هذا الحديث: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) هذا أمر، لو قال شخص: أنا أمتثل هذا الأمر أعقد وأطلق، ما أطأ، وأكون امتثلت هذا الأمر، أمتثل وإلا ما أمتثل؟ ما أمتثل حتى يتم الأمر على العقد والوطء، فالوطء من دون عقد لا يتم به الامتثال، والعقد بدون وطء لا يتم به الامتثال، بل لا بد من حصول الأمرين، هات النكاح المنهي عنه {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء] لو قال: النكاح حقيقة الوطء، هو يريد أن يعقد على زوجة أبيه مجرد عقد؛ لأن حقيقة النكاح الوطء، يبي ينعقد عليها ولا يطأها، نقول: لا، النكاح المنهي عنه ينصرف إلى كل واحد منهما، فلا يجوز العقد وحده، ولا يجوز الوطء وحده، ومن باب أولى أن لا يجوز الجمع بينهما، بخلاف النكاح المأمور به فإنه لا يتم امتثال الأمر إلا بحصول الأمرين معاً، هذا ما قرره شيخ الإسلام، وعليه تدل النصوص؛ لأن هناك بعض الصور التي تظهر فيها بعض الحيل، تيمور لما أعلن إسلامه وهو رجل ظالم غاشم ولا يُدرى عن صدق إسلامه وعدمه، وإذا تحته زوجات أبيه، العلماء خافوا أن يخبروه بهذا الأمر، لو أخبروه بهذا الأمر أرتد وقتلهم وآذاهم، فهو مسلم مكلف مطالب بالأوامر والنواهي، والله -جل وعلا- صرح {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم} [(22) سورة النساء] يتكايس بعضهم وقال: افتيه بأن نكاح الأب باطل؛ لأنه(39/2)
كافر، عقده على هؤلاء النسوة باطل، إذاً عقدك أنت صحيح، لكن مثل هذا يقول بعض أهل العلم فيمن ذكره في ترجمته يقول: هذا عين الفقه، فقه من أي وجه! فقه مبني على نصوص أو على مصالح ومفاسد؟ نعم؟ مصالح ومفاسد، لكن المصالح والمفاسد إذا عارضت النصوص الصحيحة الصريحة فالمصلحة في إتباع ما جاء عن الله ورسوله، يعني مثل الفتوى التي أفتي بها بعض الملوك لما وطء في نهار رمضان قيل له: تصوم شهرين، قادر على أن يعتق، قال: لا لا يصوم شهرين، لو المسألة عتق بيطأ كل يوم، سهل الأموال موجودة والإماء موجودة والعبيد موجودين، لكن يؤمر بصيام شهرين متتابعين علشان ما عاد يقع منه مرة ثانية، لكن يمشي هذا مع أن الكفارة مرتبة؟ ما يمشي، الفتوى باطلة، الفتوى إذا خالفت النصوص الصريحة الصحيحة التي لا تحتمل لا قيمة لها، ولو كانت المصلحة في ظاهر الأمر، وإلا ما يمكن أن تأتي مصلحة مخالفة لنص صحيح صريح أبداً، ولذا لا يمكن تعارض العقل الصريح مع النص الصحيح، والمصلحة ما شهد العقل بصلاحيتها.(39/3)
((يا معشر الشباب)) هذا الحديث له سبب إيراد؛ لأن عند سبب ورود وسبب إيراد، ما الفرق بينهما؟ سبب الورود الذي بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- على أن يقول هذا الخبر، وسبب الإيراد الذي دعا الراوي لرواية هذا الحديث، سبب الإيراد -إيراد ابن مسعود لهذا الخبر- أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال لابن مسعود: "ألا نزوجك -يعرض عليه- بكراً تعيد لك ما مضى من شبابك" عثمان هو الخليفة، وابن مسعود في السبعين من عمره "ألا نزوجك بكراً تعيد لك ما مضى من شبابك" فماذا كان جواب ابن مسعود؟ هل قال: فرصة العمر ما تتعوض، لو خطبنا ردونا قالوا: شايب؟ أو محض النصيحة؟ فيه منقبة للطرفين، منقبة لعثمان حينما عرض على هذا العبد الصالح الحبر، من علماء الأمة ابن مسعود، منقبة له، ما قال: هذا شايب -والله المستعان- البنت ما تستمتع ولا تتلذذ وش بتسوي مع الشايب، وابن مسعود وش وزنه في الطول والعرض؟ صغير الجسم جداً، لكن ما ينظرون إلى ما ينظر .. ، المقاييس الآن مختلة، يهمه أن هذا العبد الصالح يحفظ هذه البنت، وترغب أيضاً هذه البنت في مثل هذا الرجل؛ لأنه اختيار أبيها، وأبوها مشهود له بالجنة، ما يمكن أن يختار لها غير ما يصلحها في دينها ودنياها، فهذه منقبة لا شك لعثمان -رضي الله عنه-، ومنقبة أيضاً لابن مسعود، حيث لم يقل مثلما يقول الناس اليوم: فرصة ما يمكن تصلح ثانية، شايب في السبعين من عمره تعرض عليه بنت صغيرة بكر، ماذا قال ابن مسعود؟ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر الشباب)) كأنه يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال: يا مشعر الشيوخ، والمعشر هم الجماعة والقوم الذين يشملهم وصف واحد، فالشباب معشر، والشيوخ معشر، والكهول معشر ((يا معشر الشباب)) والشباب بعد الطفولة .. ، الشباب إلى الكهولة، منهم من يحد الشباب إلى الثلاثين، أو إلى الثالثة والثلاثين، وما بعد ذلك كهولة إلى الأربعين، ثم الشيخوخة.(39/4)
((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) وسياق الحديث من قبل ابن مسعود يدل على أنه يكره للشيوخ أن يتزوجوا الصغار، واضح من تصرفه، قد الناس تختلف حاجاتهم، وتختلف أيضاً قدراتهم من الشيوخ من هو أفضل من كثير من الشباب، لكن هذا قليل، فاتجاه الخطاب إلى الشباب، أقول: توجيه الخطاب إلى الشباب لأنهم هم المظنة للقدرة وشدة الشهوة، ولا يعني أن الشيوخ من ماتت زوجته أو أراد أن يعدد يقال له: لا لا أنت شيخ ما تخاطب بمثل هذا، نقول: لا، لكن هم المظنة، الشباب هم المظنة في الغالب، وإلا يوجد من الشيوخ من هو أقوى من الشباب.
((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة)) الباءة هذه هي منهم من قال: هي النكاح نفسه، ومنهم من قال: مؤن النكاح، هي النكاح بصورته الكاملة، ومنهم من قال: هي مؤن النكاح التي بواسطتها يستطيع النكاح، ومنهم من قال: المراد بالباءة الوطء، لكن السياق يضعف هذا القول، السياق يضعف القول الأخير لماذا؟ من لم يستطع الباءة عليه بالصوم هذا ما يوجه بشيء، من الأصل ما يحتاج إلى توجيه، الذي لا يستطيع الوطء يقال له: صم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذا القول ضعيف وإن قيل به، من استطاع منكم الباءة هي النكاح بجميع متطلباته، أو مؤن النكاح على وجه الخصوص، وأصله من المباءة؛ لأن من يتزوج يبوء الزوجة منزلاً، يتخذ لها منزلاً، وهي مباءته وسكنه ومنزله.(39/5)
((من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) اللام هنا لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وقال به أهل الظاهر، أما جمهور أهل العلم فعندهم النكاح تعتريه الأحكام الخمسة، من دعته الحاجة إلى ذلك، وخشي على نفسه العنت، واستطاع مؤن النكاح هذا يجب عليه أن يتزوج، من تاق إليه لكنه لم يستطع مؤن النكاح مثل هذا يسعى جاهداً في تحقيق الأمر، لكن إذا لم يستطع لا يكلف الله نفساً إلا وسعها {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(33) سورة النور] هذا السنة، يقولون: الشخص الذي لا داعي ولا رغبة له في النكاح مثل هذا يباح في حقه، يعني مع القدرة على المعاشرة، مع أن إذا كان يستطيع أن يعاشر النساء ولو لم تكن لديه رغبة لا شك أنه يتجه إليه الأمر، وأقل ما في الأمر الاستحباب، أما من يريد أن يتزوج للضرر مثلاً، يتضرر به النساء، أو يريد مضارة النساء هذا يحرم في حقه؛ لأن بعض الناس لئام، يتزوج فلانة، يدفع لها مبلغ، ثم يؤذيها، ويضيق عليها لتخالع، وتدفع له أكثر مما أعطاه، بهذه النية من يتزوج، ووجد من اللئام من يتزوج بهذه النية، هذا يحرم النكاح في حقه، يكره في حق من يغلب على ظنه أنه لا يستطيع معاشرة النساء، والحاجة ليست داعية، يكره في حقه، ولا شك أن الهدف الشرعي من النكاح المودة والرحمة والسكن، وكون المرأة لباس وهو لباس لها، والامتزاج والاختلاط الذي يحصل به السكن النفسي، والطمأنينة ويحصل من آثاره الولد، لكن شخص توفيت زوجته ولا قدرة له على معاشرة النساء، يريد أن يتزوج زوجة مؤنسة بس لا أكثر ولا أقل، فإذا أخبرها بأنه لا حاجة له بالنساء ولا قدرة له على النساء وقبلت نكاح، ولا شك أن فيه من التعاون على طاعة الله -جل وعلا- كما يقول بعضهم، هذا موجود، لكن لا يحقق الهدف الكامل من النكاح، يحقق جزء الهدف، وهو أفضل من كون الإنسان يبقى أعزب، مثل هذا أفضل؛ لأنه يحصل فيه من المصالح .. ؛ لأن مصالح النكاح كثيرة جداً، أقل الأحوال أن كل واحد ينشط الثاني في طاعة الله -عز وجل-، هذا مطلب، فإذا وجد من تقبله بهذا الشرط ...(39/6)
((فإنه أغض)) الزواج أغض للبصر، نعم أغض للبصر، بصر من؟ بصر من يأتمر بالأوامر، وينتهي عن النواهي {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] إذا كان ممن يأتمر بالأمر، وإلا بعض الناس إذا تزوج زاد شرهه وزاد نظره، وعلى ما يقول العوام: تفتحت عيونه، بدأ يعرف، مثل هذا ما هو بعبرة، نقول: إنه مخل بالقاعدة النكاح زاد، لا، نقول: هو أغض للبصر، والمخاطب بهذا الرجل السوي الملتزم بأحكام الشرع، وإلا تصور شخص تزوج امرأة متوسطة وصاحب نظر وإرسال، ونظر في وسائل إعلام وقنوات ومجلات، مثل هذا النكاح ما يحل الإشكال عنده؛ لأن الشرع لا بد أن يؤخذ جميع، فإذا حصل تفريط وخلل لا تترتب الآثار الشرعية على هذه الأوامر، إذا أخذ ببعضها دون بعض، ما دام النكاح أغض للبصر، يبي يتزوج ويرسل بصره، يقول: البصر ما يضرنا هذا، البصر هذا وجوده مثل عدمه، أنا عندي زوجة، والشرع يقول: ((فإنه أغض للبصر)) أغض للبصر لمن أتمر بالأوامر الشرعية، الأصل في المسلم ولو لم يتزوج يلزمه أن يغض بصره، لكن الزواج يعينه على تحقيق امتثال الأمر.(39/7)
((وأحصن للفرج)) لا شك أن الشخص الذي عنده زوجة يخرج شهوته معها أحسن، والمرأة التي عندها بعل يفي بحاجتها محصنة ((ومن لم يستطع)) لم يستطع الباءة، لم يستطع مؤن النكاح، لا سيما مع غلاء المهور والتكاليف والتبعات، لم يستطع ((فعليه بالصوم)) إغراء؛ لأن الصوم بل الشهوة تابعة لشهوة الأكل، يعني الوقود -وقود الشهوة- هو الأكل، فإذا قل الأكل ضعفت الشهوة، والمراد به الصوم الشرعي؛ لأن بعض الناس وهذا موجود، والأسئلة عنه كثيرة، يقول: ما تزداد شهوته إلا إذا صام، لكن هل امتثلت الصوم الشرعي مع ما يتقدمه؟ هذا إذا تسحر أكل وقود أسبوع، مثل هذا يفيده الصيام؟! نعم؟ مفعول الأكل هذا الذي أكله في السحور وقد اتخم من كثرة الأكل مفعوله ما يأتي إلا بعد صلاة الظهر والعصر، لكن المسألة لا بد أن تضبط بضوابط شرعية، الصوم الذي تترتب عليه آثاره، الذي يتحقق منه الهدف الشرعي الذي عقبت به آية فرضية الصيام، ما أعظم فوائد الصيام، أعظمها التقوى، لعلكم تتقون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} ليش؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] فالصيام الذي لا يقود صاحبه إلى التقوى لا تترتب آثاره عليه، يعني مثل ما قيل في الصلوات، ومثل ما قيل في الحج، ومثل ما قيل في سائر العبادات، الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن، لكن صلاة تؤدى بلا خشوع، بلا حضور قلب، ليس لصاحبها منها إلا العشر، هذه إن كفرت نفسها نعمة، كيف تكفر السيئة؟ فالمقصود بالعبادات التي تترتب عليها آثارها التي تؤدى على الوجه الشرعي، التي تؤدى على الوجه الشرعي هي التي تترتب عليها آثارها، صيام المتقين هو الذي يغض البصر، ويحصن الفرج، أما يصوم بعد أن أكل ما يكفيه لمدة أسبوع، يصوم ومع ذلك يعرض نفسه للفتن، ويقول: أنا والله جربت الصيام ما نفع، ينفع لكن أي صيام جربت؟ ما هو صيام شرعي هذا، وإن كان الإمساك من طلوع الفجر إلى غياب الشمس مجزئ ومسقط للطلب، لكنه مثل الصلاة هل ينصرف صاحبها بربعها بثلثها بنصفها بعشرها؟ قد تترتب عليه بعض الآثار، لكن الآثار المرجوة مثل ما في هذا الحديث ما تترتب، النبي -عليه الصلاة(39/8)
والسلام- وجه من لا يستطيع النكاح –الباءة- وجه إلى الصيام، ولو جاز غيره لوجه إليه، فما يسمى بالعادة السرية يفتي أهل العلم بتحريمها؛ لأنها لو كانت جائزة لأمر باستعمالها، كل أحد يستطيعها، وتخفف الشهوة، بل تطفئ الشهوة، ويؤيد ذلك قوله -جل وعلا- في سورة المؤمنون، وأيضاً في سورة المعارج: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(5 - 6) سورة المؤمنون] فقط، فالمفتى به أنها حرام، لكن قد يقول قائل -وقد قيل- ممن يفتي خلال القنوات وغيره، الآن الشاب في هذه الظروف لا سيما الذي يتعرض للفتن، وينظر في الوسائل مثل الغريق الذي لا يجيد السباحة، فإما هذا وإما هذا، ما عنده حل أبداً، إلا إما زنا -نسأل الله السلامة والعافية- بالفاحشة، أو بالعادة هذه، فأضطر بعضهم إلى أن يفتي بجوازها نظراً للضغوط التي يعيشها الشباب، نقول: هذه الضغوط لا تغير من الأحكام شيء، تبقى محرمة، لكن إذا كان لا محيد إما هذا أو هذا نقول: ارتكاب أخف الضررين مع الاعتراف بأنه محرم، ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، مع أنها تبقى محرمة، فإذا لم يبقَ وسيلة إلا هذا أو هذا، يعني ما بينك إلا قتل فلان أو أخذ ماله، أخذ ماله أسهل، يعني ما في مندوحة إلا مكره أو ملجأ إلى أن تقتل فلان أو تأخذ ماله، نقول: خذ ماله يا أخي أسهل، مع أن أخذ المال حرام، فارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع كما هو معروف، وتبقى محرمة.
((من لم يستطع فعليه)) هذا إغراء، وهل هذا إغراء لغائب؟ لأن الهاء ضمير غائب، وعندهم لا يجوز إغراء الغائب، إنما يقال: عليك، عليك، عليك بكذا، عليك بالصلاة، عليك بالصيام، عليك بالصدقة، تغري حاضر، أما غائب ما يغرى، وهنا ((فعليه)) ولذا قال بعضهم: إن التعبير فيه ما فيه؛ لأنه إغراء للغائب، نقول: هذا ليس بغائب، يعني الإتيان بضمير الغيبة هنا للإبهام ولإرادة التعميم، المغرى الحاضر ((يا معشر الشباب)) هذا هو المغرى، يا معشر الشباب المخاطبين، وفي حكمهم كل من اتصف بوصفهم، فهذا إغراء لحاضر لكنه مبهم غير معين؛ ليشمل هؤلاء وغيرهم، نعم.(39/9)
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن نفراً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم
: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراشي، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن نفراً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" جماعة من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله ليقتدوا ويأتسوا؛ لأنهم أمروا بذلك، ولا شك أن الداعي والدافع هو الحرص على الخير والرغبة فيه "سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر" ليعملوا مثل عمله، لكن لما أخبروا كأنهم تقالوها، وقالوا: النبي -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه، ومعصوم، يعمل هذا وهو معصوم، إحنا كيف بنا ممن يزاول المنكرات؟ لا بد لنا من مكفرات، أن نعمل أكثر مما عمل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن الباعث هو الرغبة في الخير، لكن هل كل رغبة في الخير يوفق صاحبها لعمل الخير، هل كل مريد للخير يصيبه؟ ما يلزم إلا إذا استن بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وجوده مثل عدمه، بل العكس الابتداع كل بدعة ضلالة.(39/10)
"فقال بعضهم: لا أتزوج النساء" وهذه حجة كثير من بعض طلاب العلم، كثير من طلاب العلم، يقول: يا أخي تزوج كأني أحط في حلقي حبل بهذه الزوجة، ودنا، رح بنا، جب لنا، هات، تعوقني عن تحصيل العلم، لا يتزوج حتى يتخرج ويبني المستقبل، ويؤمن المستقبل، وما يدري أن الزواج يعينه في دراسته، يعني هناك راحة وطمأنينة نفسية، يعني إذا مسك الكتاب ما يسرح، يعني كثير من الشباب وعندهم هذه الشهوة، يعني هي الشغل الشاغل لكثير من الشباب، فتجده يفكر باستمرار، وهم يتفاوتون، لا شك أن التفاوت موجود، لكن القاسم المشترك أن الشباب في الجملة موجودة الشهوة، فتجده يفكر، ومنهم من يقول: أنا لا أتزوج حتى أؤمن المستقبل، وأتخرج، وأبني بيت وأملك ما أدري إيش؟ ما هو بصحيح، من أجل إيش تتخرج؟ من أجل إيش تطلب العلم؟ أليس الهدف حصول الأجر والثواب من الله -جل وعلا- بهذا العلم؟ نعم تطلب على وجه رغبت فيه عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! قال: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم؛ لأن أكل اللحم عرف عند المترفين، اللحم ترف، فلا يأكل اللحم ليوفر له أجره وثوابه كامل يوم القيامة، واللحم من النعيم الذي يسأل عنه، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فحمد الله وأثنى عليه، هذه عادته، إذا سمع بمخالفة أو وجد ظاهرة هذا من البيان المطلوب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أهل العلم لا بد منه، وعدم البيان كتمان، {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ} [(159) سورة البقرة] ... من يرضى لنفسه بهذا؟! البيان لا بد منه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بين، حمد الله وأثنى عليه وقال، ما قال: هؤلاء خلهم ينشغلون بالعبادة، ويكفون شرهم عن الناس؛ لأن بعض الناس عنده تصور اجتهاد منه حتى وصل الأمر ببعضهم أنه يشهد أنه رأى الهلال وهو ما رأى الهلال -هلال رمضان- وهو ما رأى الهلال تقول: على شان إيش؟ يقول: خلهم يصومون هذا اليوم، لو زاد يوم يكفون شرهم عن الناس، الصيام ما فيه إلا خير، نقول: لا يا أخي هذا شر محض الذي صنعته، ولذا بعض العباد الجهلة وضعوا على النبي -عليه(39/11)
الصلاة والسلام- أحاديث في فضائل القرآن، انصرف الناس وانشغلوا عن القرآن، يبي يرغبهم بالقرآن، الدين كامل، في حياته -عليه الصلاة والسلام- لا يقبل زيادة، وليس بحاجة إلى إفك أفاكين، أو وضع وضاعين أبداً.
"فحمد الله وأثنى عليه" فالثناء غير الحمد، وتفسير الحمد والثناء من قبل جمهور العلماء، يقولون: الحمد هو الثناء ليس بصحيح، كما ذكر ذلك ابن القيم في الوابل الصيب، بدليل هذا "فحمد الله وأثنى عليه" وفي حديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي)) فالحمد شيء والثناء شيء آخر؛ لأنه تكرار للمحامد "وقال: ((ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا)) " وهذه هي الطريقة النبوية والمنهج الشرعي في الإنكار، ما يصعد المنبر يقول: فعل فلان بن فلان، وقال فلان بن فلان، وإن كان معروفاً عند الناس، يعني هؤلاء الذين قالوا معروفين، اجتمع المدينة كلها، وش هو؟ معروفين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يسمهم بأسمائهم، وهذا توجيه وأدب نبوي رفيع ينبغي لأهل العلم وأهل الحسبة وأهل الدعوة والخطباء والأئمة كلهم يمتثلون مثل هذا، أنت ما لك غرض في فلان أو علان، ليس لك غرض في أشخاصهم، إنما غرضك في أن يزال هذا الذي ارتكبوه.(39/12)
((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا)) وهو ما أشير إليه في الحديث، قال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، وبعضهم قال: لا آكل اللحم ((لكني)) يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام- ((أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء)) وهذه كلها مما يعين على طاعة الله -عز وجل-، وإذا استحضرت فيها النية وأنها تعين على تحقيق العبودية صارت عبادات، إني لاحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، بعض الناس نومهم عبادة والبعض الآخر عباداتهم أوزار {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] ((لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) هذا وعيد شديد؛ لأن من يرغب عن السنة ويبتلى بالبدعة، يبتدع في الدين {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [(27) سورة الحديد] الآن إيش معنى الآية؟ ورهبانية ابتدعوها؟ يعني زادوا فيما شرع لهم {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ} [(27) سورة الحديد] كيف ابتدعوها وما كتبناها عليهم إلا؟ أو رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ويكون الاستثناء منقطع؟ رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم، وإنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله فيما شرع لهم، ومنهم من يقول: إن الأصل أنها ما كتبت، لكنها كتبت بعد ما ابتدعت، فصارت مما ألزموا به أنفسهم كالنذر، يعني الإشكال في الآية واضح وإلا ما هو واضح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(39/13)
طيب، ورهبانية ابتدعوها، يعني الابتداع في الدين عمل أي عمل شرعي يبتغى به وجه الله ويتعبد به، ولم يسبق له شرعية في نص شرعي، ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله هل هذا متصل وإلا منقطع؟ يعني هل المستثنى من جنس المستثنى منه أو من غيره؟ فتكون إلا بمعنى لكن إذا قلنا: الاستثناء منقطع، إذا قلنا: الاستثناء متصل والمستثنى من جنس المستثنى منه، قلنا: هذه الرهبانية ابتدعوها في أول الأمر ثم كتبت عليهم، وصار فيها ابتغاء رضوان الله، لكن منهم من رعاها حق رعايتها، ومنهم من فرط فيها، مثل من يلزم نفسه بنذر، ينذر أن يصوم شهر، ثم بعد منهم من يفي بنذره، ومنهم من يفرط، فيأثم بهذا النذر، لا سيما إذا كان المنذور مما يشق، مثل من نذر صيام عشر سنوات متتالية، لا شك أنه شق على نفسه، و ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) وهنا الرغبة عن السنة لا شك أن من يرغب يبتلى ببدعة، هذا شيء مشاهد ومجرب، ولم تخفَ سنة إلا بسبب قيام بدعة، هذا شيء يشاهده الإنسان من نفسه، أحياناً من حرص الإنسان على الخير يزيد في القدر المحدد، أُمر بذكر معين على حد معين بعدد معين فيزيد من باب الاحتياط، ويمكن غفل، يمكن نسي، ثم يبتلى بنسيان ذكر آخر، وهذا شيء مجرب، قد يقول قائل: إن الزيادة على الأمور المحددة شرعاً مقرر أنه بدعة، لكن أحياناً إذا كان يفعله الإنسان من باب احتياط مثلاً، أو لعله أخل بالعدد، أو أخل بالذكر اللي هو المقصود من الذكر التذكر وزاد بدل ما يقال له: سبح مائة، من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، يقول: نزيد عشر أو عشرين من باب التأكد أننا أكملنا العدد، منهم من يستروح إلى جواز مثل هذا بما جاء في لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كتب له، ومحي عنه، ورفع، وحفظ ... إلى آخره، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد جاء بمثله أو زاد، فهذا يتمسك به من يقول بجواز الزيادة في الأمور التي أصلها مطلق ثم حددت في بعض النصوص؛ لأن الأصل في الذكر مطلق، لكن المجرب أن من يزيد يحصل له خلل من جهة أخرى، من خرج عن حد السنة ابتلي، فعلى الإنسان أن يحرص أن يستن بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-،(39/14)
ويهتدي بهديه، ولا يعمل إلا بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وبعض الناس من رغبته في الخير قد يبلغه ثواب عظيم، أو أمر وعد جاء في نص لا يثبت، فيقول نقول هذا أصله دعاء وإلا ذكر، وجاء فيه هذا الخبر، إن ثبت بها ونعمت وإلا لن نحرم الأجر على أي حال، فمثل هذا لا شك أن الداعي إليه شدة الرغبة والاحتياط، لكن الأصل أن السنة ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني بشرط الثبوت، أما ما لم يثبت ليس بسنة، وكل شيء على حساب شيء آخر، كما ذكرنا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بين ووضح أن من رغب عن سنته فليس منه، وليس في التعزب خير، وقد قال عمر بن الخطاب لشخص: إنما يمنعك عن التزويج عجز أو فجور، إيش اللي يمنع الشاب؟ إلا أنه لا يستطيع أن يتزوج لعدم قدرته على الباءة، أو لأنه وجد ما يغنيه، وإلا شخص عنده الرغبة وعنده القدرة، بل عنده شدة الشهوة، بل عنده غلمة، ثم بعد ذلك قادر على أن يتزوج فلا يتزوج، إيش اللي يمنعه؟ وهذا من عمر -رضي الله عنه- حث لهؤلاء الشباب على الزواج، نعم.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(39/15)
"عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل" لأنه طلب من النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يتبتل وينقطع عن ملاذ الدنيا كلها بما في ذلك النكاح، فترك النكاح تبتل، ومريم البتول؛ لأنها لم تتزوج، ويقال: فاطمة البتول أيضاً لانقطاعها عن الدنيا إلى عمل الآخرة على الوجه الشرعي، "رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عثمان بن مظعون التبتل" جاء الأمر بالتبتل في قوله -جل وعلا- في سورة المزمل: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [(8) سورة المزمل] وهنا رد النبي -عليه الصلاة والسلام- على عثمان بن مظعون التبتل، في الآية: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [(8) سورة المزمل] فانقطع إلى ذكر الله وشكره وعبادته، لكن على الوجه المأمور به، والإكثار من التعبد ليس ببدعة، أبداً، ليس ببدعة، ويشهد له: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يعني لو قال شخص: المحفوظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وما جاء الترغيب فيه أربعين ركعة في اليوم، وإن شئت فقل: خمسين، لكن أكثر من ذلك تصلي ثلاثمائة ركعة في اليوم والليلة، هذا محفوظ عن بعض السلف، محفوظ عن بعضهم، لكنه يشمله عموم ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وأيضاً لو أن الإنسان شغل نفسه بالذكر، لا يزال لسانك رطباً بذكر الله -جل وعلا-، ويلهج بالثناء على الله وشكره في كل محفل، وكل مجلس، وهو خالي، هذا تبتل، وهذا التبتل مطلوب، وهو المأمور به في الآية، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [(8) سورة المزمل] أما أن تتبتل تقبل على عبادات على غير الوجه الشرعي، وتترك مأمورات، وقد ترتكب في سبيل ذلك بعض المحظورات فلا.(39/16)
"ولو أذن له" بالتبتل، يعني بترك النكاح، وترك ملاذ الدنيا، والانقطاع بنسبة مائة بالمائة إلى الآخرة، وترك الدنيا، والله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] يقول: "لو أذن له بذلك لاختصينا" التبتل يترك النكاح، لتركوا النكاح وما يطلب النكاح، أو يطلبه النكاح، وجميع الأمور الموصلة إلى النكاح من الأساس، لاختصوا، ولذا الخصاء ببني آدم حرام، أجازه أهل العلم بالنسبة للبهائم لغرض ولهدف، لتتطيب اللحم وشبهه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
عن أم حبيبة بنت أبي سفيان أنها قالت: يا رسول الله أنكح أختي ابنة أبي سفيان، فقال: ((أو تحبين ذلك؟ )) فقلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن ذلك لا يحل لي)) قالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: ((بنت أم سلمة؟ )) قلت: نعم، قال: ((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)) قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما مات أبو لهب أوريه بعض أهله بشر حيبة، قال له: ماذا لقيت؟ قال له أبو لهب: لم ألقَ بعدكم خيراً، غير أني سُقيت في هذه بعتاق ثويبة.
الحيبة: الحالة بكسر الحاء.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(39/17)
"وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان" أم المؤمنين تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي بالحبشة، وهي التي طلب أبو سفيان تجديد عقدها بعد أن أسلم كما في الصحيح "أنها قالت: يا رسول الله أنكح أختي بنت أبي سفيان" وأسمها عزة "أنكح أختي" تعني عزة بنت أبي سفيان صخر بن حرب "قال: ((أو تحبين ذلك؟! )) " يعني هذا خلاف ما جبل عليه النساء، يعني النساء لا يردن الضرات ((أو تحبين ذلك؟! )) تعجب "فقلت: نعم لست لك بمخلية" يعني لن تترك لي وحدي، لا بد من المزاحمة، وإذا كان الأمر لا بد منه فالأقربون أولى بالمعروف، يعني مثلما يقول العوام: إذا أكل زادك فرحب، رايح رايح ما في فائدة، فتقول: لست لك بمخلية، أي لست لك بمتروكة، لن أترك وحدي، وما دام الأمر ذاهب ذاهب "فأحب ما شاركني في خير أختي" وهذا لا شك أن فيه النصح لأختها، وهذه الغيرة توجد بين الأخوات مثل ما توجد بين الأجانب، لكن لا شك أنه إذا كان الخيار بين الأخت والأجنبية فالخير إنما يطلب للأخت أكثر من الأجنبية، وهذا إذا صفت القلوب، أما إذا دخل القلوب الغبش والخلل لا، تتحمل البعيدة ولا تتحمل القريبة، والأثر المترتب على مشاركة القريب إن لم يبنى على المسامحة لا شك أنه أشد من الأثر من مشاركة البعيد، لأن البعيد أمره سهل، إذا وجد أدنى إشكال انحلت الشركة، ولا يترتب على ذلك أثر، لكن لو تشارك زيد وعمرو، زيد من تميم، وعمرو من طي في تجارة، حصل بينهما خلاف انتهى الإشكال انفضت الشركة، لكن لو تشارك زيد وعمرو وهما أخوان شقيقان، وحصل مشاكلة، لا شك أن الأثر لن تنقضي بفض الشركة، قد يكون فيها قطيعة، ولذا جاء تحريم الجمع بين الأختين، بخلاف الأجنبيات لما يترتب عليه من المشاحنة، هنا أم المؤمنين تقول: لست لك بمخلية، وما دام المسألة دين ما هي بتنظر إليها من ناحية الدنيا، لا تنظر إلى هذه المسألة من ناحية الدنيا، تريد أن تصحب النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل ما حصل من صحبة، وهي ليست الصحبة العامة التي تحصل، هي حاصلة الصحبة العامة، لكن صحبة خاصة، فأمهات المؤمنين وضعهن غير وضع الناس، وأمن الناس على أخيه، يعني على مر التاريخ منذ بدء الخليقة أمن الناس على أخيه من هو؟ موسى، طلب النبوة(39/18)
لأخيه، وهذه تريد الخير لأختها "وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن ذلك لا يحل لي)) " لماذا؟ منصوص في القرآن {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [(23) سورة النساء] فالجمع بين الأختين حرام، بنص القرآن القطعي، وعليه الإجماع، الجمع بينهما، بالإجماع محرم بين أهل العلم، لكن الاحتمال أن تكون ما بلغت التحريم، هذا احتمال وإن كان بعيداً؛ لأنها في بيت النبوة، والتحريم ليس في حديث يقال: بلغها أو ما بلغها، التحريم في القرآن، وقد قيل بهذا، نعم قد يخفى بعض القرآن على بعض الناس، يخفى بعض القرآن لأنه ما كلهم حفظ القرآن كاملاً في أول الأمر، إنما جمع القرآن أربعة كما هو معروف، فيحتمل أنه خفي عليها التحريم، وإن كانت مثل هذه المسائل العملية تعرف بالضرورة من الدين، هذا أمر عملي، يعني ما هي بمسألة معاملات، وإلا تتعلق بالزراعة، وما لها علاقة بالزارعة، هذا قول، ومنهم من قال: إن أم حبيبة تصورت أن الجمع بين الأختين من خواصه -عليه الصلاة والسلام- بدليل استدلالها، استدلت بأي شيء؟ بأنه يريد أن يتزوج ربيبته، والربيبة محرمة في القرآن، فلما ظنت أنه يريد أن يتزوج الربيبة، الربيبة محرمة في القرآن، قالت: النبي -عليه الصلاة والسلام- له خصائص في النكاح، يعني مثل ما جاز له أن يجمع بين تسع، يجوز له أن يجمع بين الأختين، ويجوز له أن يتزوج الربيبة، يعني له خصائص في النكاح، فلعلها ظنت هذا "وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن ذلك لا يحل لي)) " لأنه منصوص عليه في القرآن، ولا يأتي ما يخصه -عليه الصلاة والسلام- بحكم دون غيره "قالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة" إشاعة، والإشاعات ولو كثر ناقلوها لا تفيد العلم، هذا في بيت النبوة عاد، سمعت هذه الإشاعة، ومثل هذه الإشاعات التي يهتم لها بعض الناس لا شك أنها يصير لها رواج، كالإشاعة التي انتشرت في المدينة، ودخلت كل بيت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، وأيدوا هذه الإشاعة باعتزاله -عليه الصلاة والسلام- في المشربة لما آلى من نسائه شهراً، رأوه اعتزل، ووجد هذا الخبر، ولعل الخبر في أوله مقرون(39/19)
بالترجي، ثم حذف حرف الترجي، النبي -عليه الصلاة والسلام- آلى من نسائه شهراً، واعتزل في المشربة، فلعل بعض الناس قال: لعل النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، اعتزلهن، وش الداعي إلى الاعتزال؟ وينام في غرفة مستقلة وعنده تسع من النسوة؟ لعله طلق نساءه، ثم الناس الذي يزيد والذي ينقص والأخبار تعرفون تقبل الزيادة والنقصان، حذفت (لعل) فجزم بعضهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، وقد يكون بعض المغرضين من المنافقين وغيرهم أشاع هذا الخبر، فدخل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والناس مجتمعون حول المنبر، فسألهم: أطلق النبي -عليه الصلاة والسلام- نساءه؟ قالوا: نعم، إشاعة، فلنحذر الإشاعات، فالإشاعات ولو كثر ناقلوها ولو تداولتها وسائل الإعلام كلها ما لها قيمة، ما لم تستند إلى حس، رؤية أو سماع، إذا لم تستند إلى حس ما لها قيمة، لأن حتى الثقة قد يهم، قد يخطئ، قد يقبل خبر من لا يقبل خبره، نعم المقصود أن مثل هذه الأمور تتقى.
"فقالت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة" وأسمها درة، صحفها بعضهم فقال: ذرة، أسمها درة "تريد أن تنكح بنت أبي سلمة" فأراد أن يتثبت "فقال: ((بنت أم سلمة؟ )) " زيادة في الاستثبات؛ لأنها إن كانت بنت أبي سلمة من أم سلمة جاء التحريم من وجهين، وإن كانت من غير أم سلمة يكون التحريم من وجه واحد، ما قال: بنت أبي سلمة، وسلمة أخي من الرضاعة وانتهى الإشكال، لكن يريد أن يؤكد ويقرر ويثبت أحكامه في أذهان الناس -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من تمام بيان ما نزل إليه -عليه الصلاة والسلام-.(39/20)
"قال: بنت أم سلمة، قلت: نعم، فقال: ((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري)) " التي هي منصوص عليها في القرآن، من المحرمات المجمع عليها ((ربيبتي في حجري ما حلت لي)) لو لم تكن كذلك، يعني منصوص عليها في القرآن ما حلت لي، لماذا؟ ((إنها لابنة أخي من الرضاعة)) ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب من الولادة ((إنها لابنة أخي من الرضاعة)) في حجري، يعني عندي في بيتي، ولا يلزم حقيقة الحجر، والحجر بالفتح أفصح من الكسر ((ما حلت لي)) {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم} [(23) سورة النساء] ((إنها لابنة أخي من الرضاعة)) الآن القيد "في حجري" هل هو وصف مؤثر له مفهوم أو لا مفهوم له؟ لا مفهوم له عند الجمهور، الجمهور ما يرون له مفهوم، الربيبة هي بنت الزوجة، وقوله: ((في حجري)) يعني عنده في بيته، تحت رعايته، وعنايته، هذا الأصل في الربيبة، لكن لو افترض أنه اشترط لما تزوج هذه المرأة قال: البنت هذه ما لي علاقة بها، اجعليها عند أمك، عند أبيها، عند أعمامها، ما علي منها، والتزمت بالشرط، هل له أن يتزوجها؟ ليس له ذلك عند جمهور أهل العلم، ومنهم من قال: إن الوصف مؤثر، فإذا لم تكن في حجره تربت في بلد آخر، أو عند أجدادها، أو عند أعمامها وأخوالها له أن يتزوجها قيل بهذا، ونسب لعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وجمع من أهل العلم، لكن عامة أهل العلم على أنه لا مفهوم له.
الآن الربيبة تحرم على زوج الأم بالعقد أو بالدخول؟ نعم؟ بالدخول، والأم تحرم على زوج البنت بمجرد العقد، الربيبة ما تحرم إلا بالدخول، والأم تحرم على زوج البنت بمجرد العقد، في أحد يدرك السبب في التفريق؟ لماذا فرق بين هذا وهذا؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .(39/21)
قد يرغب في البنت قبل الدخول بأمها ومعروف من طبع الأم أنها قد تؤثر البنت ولا عكس، قد يرغب في الأم قبل الدخول بالبنت ومعلوم أن البنت لا تؤثر الأم على نفسها، الفرق ظاهر وإلا ما هو ظاهر؟ ((إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة)) ومعلوم أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، في المسألة الأولى في الجمع بين الأختين، في الحرائر إجماع وملك اليمين، أما بالنسبة للجمع بينهما بمجرد الملك يجوز أو ما يجوز؟ يجوز إجماعاً، يجوز اتفاقاً، يشتري أختين لكن الوطء لا يجوز الجمع بينهما في الوطء، ولا يجوز له أن يطأ، أن يطأ أختها إلا بعد مفارقتها.
((إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة)) أبا معطوف على الياء، على المفعول، ولا يلزم الفصل هنا؛ لأنه ضمير نصب، لكن لو كان ضمير رفع وجب الفصل، أما ضمير النصب لا يجب.
وإن على ضمير رفع متصل
عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أما بالنسبة لضمير النصب لا يحتاج إلى فاصل، ولذا قال: ((أرضعتني وأبا سلمة)).
((ثويبة مولاة لأبي لهب، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)) ...(39/22)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب النكاح (2)
شرح حديث: ((لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها .. )) وحديث: ((إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج))، وحديث: "نهى عن الشغار"، وحديث: "نهى عن نكاح المتعة .. " وحديث: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر .. ) وحديث: ((أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ .. ).
الشيخ: عبد الكريم الخضير
((ثويبة مولاة لأبي لهب، فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)) يعني هل أم سلمة عرضت بنتها أو هذا مجرد إشاعة؟ وقد تكون الإشاعة مبنية على مثل هذا العرض، بدليل أنه قال: ((فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)) أو أنه -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يحسم المادة لئلا تعرض أم سلمة؟ على كل حال قد يحتاج لبعض الألفاظ ولو لم يكن له داعي ولا باعث للتأكيد، "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" آخر القراءة ما تحتاج إلى بسملة، لكن لتأكيد النفي ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) ما في أحد قال: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، لكن للتأكيد، وهنا المناسبة ظاهرة؛ لأن هذه البنت أشيع أنه يتزوجها، وقد تكون هذه الإشاعة مبنية على عرض فيكون من باب التنصيص على المطلوب ((فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن)) وقد يكون أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم تعرض أم سلمة- أراد حسم المادة، ويريد ألا يعرض عليه شيء ممن لا يحل له.
"قال عروة: "وثويبة مولاة لأبي لهب" أبو لهب عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، مات على الكفر نسأل الله العافية، ونزلت فيه السورة الكاملة، فيه وفي امرأته "مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها" سبب العتق أنها بشرته بولادة النبي -عليه الصلاة والسلام-، بشرت أبا لهب سيدها بولادة النبي -عليه الصلاة والسلام- فأعتقها، "فأرضعت النبي -صلى الله عليه وسلم-" فلما مات أبو لهب .. ، ثويبة هذه جاءت في السير أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكرمها، وكانت تدخل عليه لأنها أمه من الرضاعة بعد ما تزوج خديجة، بعد زمن، بعد دهر طويل، وكان يرسل إليها الصلة من المدينة بعد ما هاجر، إلى أن كان سنة سبع بعد فتح خيبر ماتت.(40/1)
"كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي -صلى الله عليه وسلم-" أعتقها فأرضعت، يعني عتقها قبل إرضاعه أو بعده؟ نعم؟ قبل، العطف بالفاء، ومعلوم أن العتق فور الولادة قبل الرضاعة "فأرضعت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله بشر حيبة" رآه العباس يقول: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال، نسأل الله السلامة والعافية، إذا كان هذا عدو الدعوة إلا أنه مات على الكفر في شر حال، وأخوه أبو طالب الذي نصر الله به الدعوة، ودافع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه لم يسلم وهو في ضحضاح من نار، وفي رواية: عليه شراكان من نار يغلي منهما دماغه، فكيف بعدو الدعوة هذا؟! نسأل الله السلامة والعافية "أريه بعض أهله بشر حيبة" والحيبة: بكسر الحاء الحالة "قال: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم خيراً" هذه رؤيا، لكنها لا شك أنها من المقطوع به أنه لم يلقَ خيراً، ولن يلقى خيراً، ما دام مات على كفره "لم ألقَ بعدكم خيراً غير أني سقيت من هذه بعتاقة ثويبة" وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه، يعني بين الإبهام والتي تليها، النقرة هذه، لو بعض الناس عاد يصير ما فيه نقرة، إذا صار مليء ما يصير فيها نقرة، "سقي" يعني هل هذا يعارض {إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [(50) سورة الأعراف]؟ نعم هو ما طلب من أهل الجنة من قبل أهل النار أن يسقوهم من الماء أو مما رزقهم الله؟ إيش كان الجواب؟ {إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [(50) سورة الأعراف] السقي حرام على الكافرين، لكن هذا خاص بأبي لهب مكافأة له، يعني هل الكافر تنفعه نفقاته وصدقاته؟ وما منعهم أن تقبل منهم ... إلا أنهم كفروا، لا يقبل منهم، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] لكن هذا من فضل الله -جل وعلا- أن سقاه في النقرة التي بين الإبهام والتي تليها، نقرة قد تكون كثير من الناس ما .. ، إشارة إلى حقارة ما سقي من الماء وقلته، لو يلغ فيه ولوغ انتهى، نعم على كل حال الكفر شأنه عظيم، والكافر مخلد في النار {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة(40/2)
النساء] والكفر ترى يا إخوان ما هو بأمر صعب، لا سيما في أيام الفتن التي تكون في آخر الزمان يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر، ويمسي مؤمن ويصبح كافر، فعلى الإنسان أن يسأل ربه الثبات على الدين.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول:
والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفرانِ
الذنوب تحت المشيئة، لكن الإشكال في الأمر الآخر.
لكن خوفي أن يزيغ القلب عن ... تحكيم هذا الوحي والقرآنِ
فعلى الإنسان أن يكون خائفاً من سوء العاقبة، وهذا ديدن السلف، ما قال: والله نحمل المطلق على المقيد، ونأمن مثل ما يصنع كثير من الناس؛ لأنه جاء في حديث ابن مسعود: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) وجاء في الرواية الأخرى: ((فيما يبدو للناس)) بعض الناس على الجادة يقول: نحمل المطلق على المقيد، وأنا أعمل بإخلاص ما هو أجل .. ، وأنا .. ، يضمن العاقبة، هذا الكلام ليس بصحيح، السلف الذين هم أحسن منك عملاً، وأكثر منك إخلاصاً، وأتقن للعمل يخافون، فينبغي للإنسان أن يخاف من سوء العاقبة، وأن يكثر من سؤال الله -جل وعلا- أن يحسن خاتمته، والله المستعان.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(40/3)
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها)) " لا يجمع الرجل في وقت واحد بين زوجتين إحداهما عمة للأخرى أو خالة لها، فإن حصل العقد على الاثنتين معاً بطل، وإن حصل على الولاء والترتيب فالثانية عقدها باطل، والجمع يراد به في آن واحد، كالأختين، فلو كانت عنده امرأة توفيت، له أن يتزوج أختها، أو طلقها له أن يتزوج أختها، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع عثمان -رضي الله عنه-، وكذلك إذا كان عنده عمه له أن يتزوج بنت أخيها أو بنت أختها، له ذلك بعد أن يفارق الأولى، أما الجمع بينهما في وقت واحد في عصمته فهذا محرم بهذا الحديث ((لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها)) كما أنه لا يجوز له أن يجمع بين الأختين كذلك لا يجوز أن يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، وهذا مخصص لعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [(24) سورة النساء] الجمهور على أن خبر الواحد لا ينسخ القطعي، لا ينسخ القرآن، وهنا خصت الآية بهذا الحديث وهو من أخبار الآحاد، فالتخصيص جائز، وإن سماه المتقدمون نسخاً؛ لأنه رفع جزئي وليس برفع كلي، يعني ما هو برفع كلي للحكم، هو فيه رفع فهو مشبه للنسخ، لكنه يفارقه بأن التخصيص والتقييد رفع جزئي والنسخ رفع كلي للحكم، فيجوز عند عامة أهل العلم التخصيص، تخصيص القطعي بخبر الواحد وخصصوا بما هو دون ذلك، والمسألة مجمع عليها، ما اشتمل عليه الحديث من حكم متفق عليه، والحكمة في ذلك ما يقع من .. ، أو بسبب المضارة من التباغض والتشاحن والتقاطع والتدابر، فهذا يفضي إلى قطيعة الرحم، والوسائل لها أحكام المقاصد، وما يؤدي إلى حرام فهو حرام، كما أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، قد يقول قائل: إذا عرفت المرأة أن الزوج متزوج متزوج، وقد تكون أختها أرحم بها وأرفق من غيرها كما توهمت أم حبيبة، لكن الأمر هذا أشرنا إلى جوابه فيما سبق؛ لأن القطعية والتدابر والتشاحن والتباغض بين الأجانب أمره أسهل بكثير منه بين الأقارب، وإن كان ممنوع ومحرماً كل ما يؤدي إلى الهجران والتباغض والتقاطع محرم، لكن المصلحة راجحة(40/4)
في التعدد، فإذا ترجحت المصلحة وغمرت المفسدة مع مطالبة النساء بالرضا بما حكم به الله -جل وعلا-، وما جاء عن الله وعن رسوله، فإذا طولبت بهذا، وترجحت المصلحة انتهى الإشكال، وإلا معروف أن الضرة ما سميت ضرة إلا لإلحاقها الضرر بضرتها، لكن هذه مفسدة مغمورة في جانب المصالح الكبيرة الكثيرة من مشروعية التعدد، تعدد الزوجات، مصالح لو يدركها الناس ما تأخر أحد لا من نساء ولا من رجال، لكن كل إنسان تهمه مصلحته الخاصة وإلا الأرقام مخيفة التي تدل على كثرة العوانس في البيوت بهذا السبب، الحرب الشعواء على التعدد، وتشويه صورة المعددين، جعلت الناس لا تقبل، يعني لقنوا من وسائل الإعلام عقود أن التعدد وحشية، ورمي بسببه الدين وأهل الدين، وعلى مرأى ومسمع من الجميع والإنكار ضعيف، وأثر أثره البالغ في نفوس الناس، ولا ننكر أن هناك نماذج أساءت إلى هذا الحكم العظيم، أساءت تطبيقه، نماذج قد تكون في بيوت بعض من ينتسب إلى الخير والدين، هناك نماذج، لكن يبقى أن الحكم الشرعي باقي، لا يطرأ عليه تغيير بسبب تصرفات فردية، الحكم العام باقي، لكن هذا الشخص عُرف من حاله أنه يظلم أو .. ، هذا يحرم عليه أن يقدم، ويبقى أن الحكم العام مشروعية التعدد وهو الأصل؛ لأن الله قدمه على الواحدة، وهو استجابة لنبيه -عليه الصلاة والسلام- في كثرة النساء وكثرة الأولاد هذا مطلب شرعي، ولا يقول قائل: والله يا أخي أنا لا استطيع أن أربي، والآن الظروف صعبة، والمستقبل مخيف، فنكتفي بعدد قليل من الأولاد، ونشوف الآباء في الجملة ليس لهم سيطرة على أولادهم، نقول: مع ذلك أنت مطالب بالتكاثر، وعليك أن تبذل وتستجيب لما طلب منك، وتبذل السبب في إصلاح الأولاد، تبذل السبب في إصلاحهم، ولا عليك إلا بذل السبب، أما النتائج بيد الله -جل وعلا-، لو كانت النتائج بيد البشر ما صار ابن نوح كافر، ولا صارت امرأة فرعون مؤمنة، ولا صارت امرأة نوح وامرأة لوط أمثلة عملية للكفار في بيوت خير الخلق، أنت ما عليك إلا أن تبذل السبب، لا تقصر تفرط أو تكون سبباً في ضياعهم؛ لأن بعض الآباء يكون سبب في ضياع أولاده، كثير من الآباء يتمنى أن يكون ابنه صالح لكن ما يبذل سبب، بل قد يبذل ما(40/5)
يعنيه على الفساد، وييسر له أسباب الفساد، وبعض الناس يتمنى أن يكون ولده من المسابقين إلى الخيرات، وأول من يدخل المسجد، لكن أنت اختبر نفسك في بذلك للسبب، هل بذلت من السبب في إيقاظه لصلاة الصبح مثلما بذلت لإيقاظه للمدرسة أو تبحث عن العلل والأعذار؟ إن كان في الشتاء والله الجو بارد، والمسكين ما يتحمل، المدرسة إذا طلعت الشمس يدفئون الناس، لكن صلاة الفجر برد، وفي الصيف مسكين سهران كل الليل والجو يعني .. ، ونريد صلاح الأبناء، ونحرص على أمور دنياهم ونهمل أمور دينهم، يا أخي أنت إذا ما حرصت على أمر الدين ما أعنت حتى ولا على أمر الدنيا، فعلى الآباء أن ينتبهوا لهذا، يأتمروا بأوامر الشرع في التكاثر سواء كان في الزوجات وفي الأولاد ويبذلوا الأسباب ويحرصوا ويتحروا امتثال جميع ما أمروا به والانتهاء عن جميع ما نهوا عنه، وليكن حرصهم على درئ المفاسد أعظم من حرصهم على جلب المصالح كما هي القاعدة المقررة،. . . . . . . . . أنا أجيب لهم أحضر لهم أشرطة، وأحضر لهم وسائل تعينهم على صلاحهم ومع ذلك إذا حصناهم يتركها، هات لهم من الوسائل التي تفسدهم، يعني بعدين يتحصن، كيف يتحصن؟ إيش معنى يتحصن؟ هو أرض قابلة من أن وضع قدمه على الأرض إلى أن يموت وهو تحت .. ، يعني تتقاذفه الأمواج، يقول: نحصنه بس بالدين وربه على هذا، ثم أحضر له كل ما يريد، يبي يتركها ديانة، مو بصحيح، ولذلك بيوت المسلمين التي ابتليت بالوسائل المفسدة كالقنوات والدشوش والمشاكل هذه .. ، يقول: أبداً عيالنا متدينين ويعرفون اللي ينفعهم ويضرهم، مو بصحيح أبداً أنت ما تعرف، يا إخوان إذا تصورنا أن شياب كبار سبعين ثمانين سنة كانوا عمار مساجد عن يمين المؤذن وعن شماله، دهور الآن ما يصلون مع الجماعة، كيف نأمن على شباب؟ أهل غرائز ونزوات، كيف نأمن عليهم نقول: لا حصناهم، الآن ما شاء الله بيئة محافظة، يعني الذي له أدنى صلة بالقضاة أو برجال الحسبة يشيب رأسه من قضايا تحصل في بيوت بعض الأخيار فضلاً عن الأشرار، ما يقال مثل هذا، تحصنه وبس وارمه، علمه السباحة وخله يتعلم وارمه في البحر، هذا غير هذا، هذا يختلف عن هذا؛ لأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، والحي في هذه(40/6)
الظروف التي نعيشها مثل الغريق، اللهم سلم سلم، أمنية الإنسان الوحيدة أن تفيض هذه الروح، تخرج هذه الروح بسلام، غير مغير ولا مبدل، أنتم عندكم نماذج حتى من بعض من ينتسب إلى طلب العلم والدعوة، أحياناً تجده أول الأمر في أقصى اليمين، والآن صار في أقصى الشمال، هذا ما هو بمثال حي للتغيير؟! كونه تغير إلى أفضل أو إلى أسوأ أو إلى كذا موجود يعني، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، فليكن الإنسان دائماً، والتضرع والتذلل لله -جل وعلا- في أن يحفظه من مضلات الفتن، ينبغي أن يكون ديدن المسلم، قبل خمسين سنة -لا يمكن قبل أربعين- لأن أكثر البلدان ما دخلها الكهرباء إلا من ثلاثين وجاي، قبل وجود الكهرباء مثلاً التربية ليست صعبة، قد يقول قائل: وش ذنب الكهرباء؟ الناس يؤطرون على الحق، لكن الابن الصغير ذا أبو عشر، خمسة عشر سنة، أو قل: عشرين سنة، إذا غابت الشمس وين يبي يروح؟ ظلام دامس ليس له مفر ولا محيد عن أن يأتي إلى والديه ويرضيهما بشتى الوسائل، لكن الآن إذا غابت الشمس صار الليل أفضل من النهار عند الناس، طلعات واستراحات وروحات ولا تنتشر الشياطين إلا إذا غابت الشمس، ويتلقفه ألف شيطان إذا غضب عليه أبوه، الآن أنت كبرت، أنت. . . . . . . . . بزر، إلى متى وأنت طفل توجه؟ يعني شياطين الإنس الآن أثرهم واضح، ومع ذلك يقول الأب: أبداً أنت ربه تربية سليمة وصحيحة وانتهى الإشكال، هذا فساد في التصور، هو ما يرى في بيته في غيره في نفسه ما يرى التغير؟! وكم من واحد تغير، وكم من شخص تغير بعد استقامة طويلة، إذا كان شياطين الإنس لهم ضغوط ولهم وسائل، وشياطين الجن أيضاً تدفع من الداخل، والإنسان ضعيف لا يستطيع أن يقاوم، تصورون فساد الشباب والشابات بسبب وسائل الاتصال شيء ما يخطر على البال، يسر الشر بشكل لا يتصور ولا يتوقع، وبعضهم يقول: أبداً أنت صاحب من شئت، وعايش من شئت، وأنت ما دام متحصن متحفظ ما عليك، أنا رأيت منظر حقيقة في غاية السوء، يعني مؤثر جداً، طالب علم، متخرج من كلية شرعية، ومتميز، وشكله -ما شاء الله تبارك الله- اللحية إلى نصف الصدر، وملازم للدروس من حلقة إلى حلقة عند المشايخ، هذا رأيته بعيني، فجأة رأيته حليق، أمس جاي(40/7)
إلى الدرس ولحيته إلى نصف الصدر، واليوم حليق بالموس، ما هو بالتدريج مثل ما يسوون اليوم بالمقص، لا؛ لأنه يا إخوان المقص إذا دخل خلاص قل: على اللحية السلام، والله اليوم زاد هذا، واليوم نقص هذا، وعلى شوي شوي إلى أن تنتهي، لكن هذا بالموس مرة واحدة، ويسأل وإذا به قد تزوج امرأة قالت له: أنا وإلا اللحية ما نجتمع، هذا تربي في حلقات العلم، ونحن نقول: لا أبداً ربي الطفل هذا وارمه في البحر ما عليه شر -إن شاء الله-، ما دام النفس هذا يخرج ويرجع فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، فننتبه لهذا.
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أحق الشروط)) " يعني أولاها بالوفاء ما كان بين الزوجين ((ما استحللتم به الفروج)) لأن هذا الشرط في مقابل جزء .. ، هذا الشرط إنما هو جزء من مقابل الفرج، والفروج يحتاط لها أكثر من غيرها، أكثر من الأموال، فإذا كانت الشروط واجبة بين المتعاقدين في الأموال فلئن تكون أوجب .. ؛ لأن الشرط المعتبر للمشترط لا شك أنه في مقابل جزء من الثمن، وهذا الشرط الذي يكون بين المتعاقدين مقابل جزء من البضع، فإذا كانت الشروط لا بد من مراعاتها، وهي التي لا تخالف ما جاء عن الله وعن رسوله في كتاب الله، هذا يجب الوفاء بها، إذا كانت تجب مراعاتها في أمور الدنيا فلئن تجب .. ، في الأمور المالية فلئن تجب في الفروج من باب أولى؛ لأن الاحتياط لها أعظم.(40/8)
طيب اشترطت الزوجة قالت: أشترط عليك أن تطلق زوجتك، والتزم لها ذلك، أولاً: هي يحرم عليها أن تشترط؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تسأل المرأة طلاق ضرتها لتكفئ ما في صحفتها)) هذا نوع من الشروط وجمع من أهل العلم يقولون: لا يجوز الوفاء به إجابة لطلبها، ومنهم من يقول: المسلمون على شروطهم، منهم من يخص هذا الحديث بما نص عليه في القرآن {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [(229) سورة البقرة] المشترط في كتاب الله، أيضاً العشرة بالمعروف يجب الوفاء بها، لكن ما زالت على ذلك مما يذكره المتعاقدان أثناء العقد، وكل ينظر إلى مصلحته، اشترطت أن تكمل الدراسة، اشترطت أن تتابع في وظيفتها والتزم بذلك، أو اشترط عليها أن لا تواصل الدراسة، أو أن تستقيل من عملها، مثل هذه الشروط يجب الوفاء بها؟ نعم؟ إيش معنى وجوب الوفاء؟ له أن يفسخ، ولها أن تفسخ إذا لم يوفِ بالشرط، لكن في مسائل النكاح وفيما يتعلق بين الزوجين، اشترطت عليه أن تواصل الدراسة، فجاءت بولد فقال: تتركين الدراسة وإلا الحقي بأهلك، هذا التصرف يأثم به أو لا يأثم وهي مشترطة؟ أو نقول: إن المسألة مسألة عرض وطلب؛ لأنه يملك الخيار الثاني فليملك الخيار الأول، هو خيرها بين أمرين هو يملك أحدهما، أو نقول: يلزمه الوفاء بهذا الشرط؟ ماذا نقول؟ كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .(40/9)
هو ما هو بيملك إنه يسرحها إلى بيت أهلها، يقول: أنا والله لا أريد طالبة، أنا أريد امرأة ترعى هذا الولد، وترعى بيتي، أنا خلال عام كامل تعبت، هو يملك الخيار الثاني، فهل يلزمه أن يفي بهذا الشرط ويستمر طول عمره طالبة ثم مدرسة؟ ثم إلى متى؟ أو يقول: أنا والله ما عندي استعداد هذي زميلة ما هي بزوجة؟ والزملاء غيرها كثير، صار يبي بيطلع هو العمل وهي تبي تطلع مع الباب الثاني، إذا جاءوا إلى البيت إلى المشكلة للجميع، فقال: أبداً صحيح أنا اشترط، لكن المسألة مسألة عرض وطلب، غيرها من النساء كثير، فما دام يملك الخيار هذا، يملك البدل فهل يملك المبدل أو ما يملك؟ وهل ملكه للمبدل ابتداء أو بعد تنازلها؟ لأنها لا بد تتنازل، إذا كانت فيه راغبة، ورأت أنها بعد الولد ما أحد باغيها، فتنازلت عن هذا الشرط فهل نقول: إنها تنازلت مكرهة فلا يصح تنازلها ويلزمه الوفاء بالشرط أو نقول: هذه كل أمور الدنيا مبنية على هذا؟ ولا تظن أن هذا في الرجال فقط، يعني عدم الوفاء في الرجال فقط، لا، موجود في الطرفين، يعني المسألة كلها مسألة عرض، كل شخص يبحث عن مصلحته، إن كان لها ملحظ عند قبوله انتهى هذا الملحظ، أخذته لأنه غني افتقر مثلاً، أو أخذته على أساس أنه شاب قوي ممتع فأصيب بعاهة وعطلت بعض منافعه التي هي مقصد من مقاصد النكاح، ترى الرجال مثلما يضغطون النساء تضغط، فهل نقول: إن هذا داخل في الشروط ولا لأحد كلام؟ يحرم عليه أن يقول: اتركي العمل؟ أو نقول: ما دام والله يملك البديل -وهو لا تظنه متضرر بعد- إذا قال: الحقي بأهلك هو متضرر، فهل نقول: إن قوله: الحقي بأهلك لأنه يملك هذا الكلام يخوله في أن يضغط عليها فتترك العمل، وتكون قد تركت العمل بطلبه أو بسببها؟ بسببها هي أو بطلبه هو؟ وش اللي يترتب على هذا؟ الخلع، إذا كان بسببها قلنا: تدفع له، ما دام تبي تدرس وهو ما يبي الدراسة، ما يبي التدريس تخالع، لكن هذا بطلبه هو ما يملك شيء بما استحل من فرجها، بهذا لا يملك شيئاً؛ لأنه بطلبه، هو الذي طلب الفراق، وأما طلبها هي فهو مشترط في العقد بخلاف ما لو لم يشترط، ما اشترطت أن تدرس ولا تواصل الدراسة، ثم بعد سنة قالت: والله أنا بأكمل دراستي،(40/10)
أنا ضعت وزميلاتي في الجامعة الآن، أنا أبي أدرس، هنا يأتي الخلع لأنه من قبلها لا من قبله هو، من أهل العلم من يخص هذا الحديث بما أمر الله به تعالى "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" هذا الذي يجب الوفاء به، لكن الشروط التي يمكن التنازل عنها فيما بعد نظراً لقوة العرض والطلب، كل متع الدنيا يدخلها هذا الأمر، وش اللي جعل المرأة ترفض شخص عمره خمسين سنة لحيته بيضاء، فتقول: والله شايب، لا أريده، فتزوج شاب عمره عشرين، ثم يولد بينهما بنت يأتي هذا الشايب هذا الشيخ الكبير وعمره سبعون سنة يخطب هذه البنت الصغيرة فتقبله، الأم رافضة تقول: شايب، بنتها بعد عشرين سنة تقبله، وش اللي خلاها تقبله؟ لأنها تهيأ له منصب كبير، المسألة يا إخوان بين الرجال حتى الرجال لهم مطالب، والنساء لها مطالب، فإذا نزلت قيمتها الزوج يضغط، إذا نزلت قيمته هو أيضاً الزوجة تضغط، فهل نقول: إن هذه الشروط خلاص ضربة لازب ما في مفر اشترطت الدارسة والتدريس تدرس طول عمرها؟ أو أنه بما رأى من رجحان كفته ونزول كفتها يضغط عليها بحيث تتنازل عن شرطها، فإذا تنازلت هي لا تترك الدراسة ولا التدريس إلا بتنازلها، لا بد أن تتنازل عن هذا الشرط، وتنازلها سواء كان بواسطة الضغط بشيء يملكه .. ، لو نفترض أنه قال مثلاً: أنتِ اشترطت التدريس وأنتِ الآن تتقاضين خمسة آلاف راتب، أنا بأدفع لك من جيبي ألفين شهرياً ولا تدرسين، تنازلت عن الشرط حرام أو حلال؟ يملك المقابل ما في شيء، فيملك المقابل الثاني إذاً يملك الطرف الآخر، فمثل ما ذكرنا هذه الشروط بالتنازل تنتهي، فإذا تنازلت في مقابل أمر آخر يملكه هو الأمر لا يعدوهما.(40/11)
وعلى كل حال المطلوب المعاشرة بالمعروف، الرجال لهم حقوق، ولهم القوامة، وهم الأصل، وهم الرعاة، وللرجل على المرأة درجة، لكن يبقى أن المرأة .. ، لهن مثل الذي عليهن بالمعروف، والله -جل وعلا- في كتابه يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران] على كل حال هذا أشرنا إليه سابقاً، وقلنا: إن على كل شخص أن يرضى بما قدر الله عليه، كونه ذكر أو أنثى هذا ليس بيده، فليرضَ ويسلم بما قدر الرحمن لأنه أرحم به من نفسه، ولولا أن هذا أصلح له في دينه ودنياه ما ظلمه الله -جل وعلا-.
فهذا الحديث مجمل يدخل تحته أنواع من الشروط، ومثل ما ذكرنا هناك شروط جاءت في كتاب الله متفق عليها لا يجوز الإخلال بها، إذا اشترط ما هو من مقتضيات العقد، أو اشترطت هي، أو اشترط أحدهما ما يخالف مقتضى العقد، تزوجت بفلان شرط أن لا يطأ صحيح وإلا باطل؟ شرط باطل؛ لأن هذا يخالف مقتضى العقد، وهذا يفعله بعض الناس إذا كانت الزوجة صغيرة، يشترط الأب سنة سنتين ثلاث، ثم يفاجئون أنه بعد تسعة أشهر البنت حامل، وين الشروط؟ وين الشرط؟ نقول: هذا ينافي مقتضى العقد، لا تريدها توطأ لا تزوجها، فهو شرط باطل، المقصود أن هناك تفاصيل كثيرة في الحديث، ولا نستطيع أن نطيل أكثر من هذا.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته، وليس بينهما صداق.
هذا الحديث "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الشغار" والشغار جاء تفسيره من قبل نافع راوي الحديث عن ابن عمر، وهو موجود في جميع الموطأت، وبعضهم يقول: الذي فسره مالك وليس بمرفوع.(40/12)
الشغار: أصله من الخلو، الوظيفة شاغرة. . . . . . . . .، يقولون هكذا: وظائف شاغرة، يعلنون عن هذا يعني خالية تحتاج إلى موظفين، وهنا الشغار: النكاح إذا خلا عن الصداق، أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما من صداق، يعني خلا كل من النكاحين عن الصداق، الشغار يجعل البعض في مقابل البعض، ومنهم من يقول: إنه مأخوذ من قولهم شغر الكلب إذا رفع رجله، وعلى كل حال أخذه من الخلو واضح، فإذا زوج الرجل موليته، والتنصيص على البنت، والتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص، فلو زوجه أخته على أن يزوجه أخته هذا صار شغار، لو زوجه أمه على أن يزوجه أمه شغار وإلا ما هو شغار؟ ليس بينهما صداق؟ نعم؟ شغار، المقصود أن هذا تنصيص على بعض الأفراد، وكونه ينص عليه لأن البنت هي التي يمكن إجبارها، لكن لو قدر أنه مثل ما يقال الآن: هذا عنده أخت بلغت الثلاثين ما تزوجت، وهذاك عنده أخت بلغت كذلك وكل واحدة تتمنى أن تتزوج على أي حال، على أي وجه يكون، يقال: خذ أختي وأخذ أختك وانتهى الإشكال، وكلنا مستفيدين، والبنات –خواتنا- مستفيدات، وإحنا مستفيدين، نقول: شغار، والصداق أمر لا بد منه كما سيأتي، وليس المنظور إليه خلو العقدين من الصداق بقدر ما يكون النظر إلى توخي مصلحة من ولاك الله أمرها؛ لأنه إذا كان يبي يزوجهن. . . . . . . . . قد الشروط هذه ما تهمك، يعني الشروط المطلوبة في الزوج قد يتنازل عنها، يتنازل هذا عن الشرط، يعني لو جاء هذا يبي يخطب بنته بيزوجه؟ ما يزوجه، يقول: الناس غيره كثير، وأفضل منه بكثير، وهذا لا يناسبنا ولا يصلح، لكن فرصة لما عرض البنت قال .. ، فالمنظور إليه بالدرجة الأولى كون الإنسان يلاحظ مصلحته ويخون الأمانة التي ولاه الله عليها، هذا ملاحظ، فبعض الناس يقول: فرصة ما دام بيزوجنا أخته يا الله، فإذا كانت الموليات بنات واضح؛ لأن للآباء من التأثير على بناتهم ما يجعل البنت تتنازل عن كل ما تريد، وفي الأخوات أيضاً ظاهر، لكن لو كانت إحداهما بنت والأخرى أخت، زوجني أختك على أن أزوجك ابنتي، نعم نفس الشيء؛ لأن الملاحظ حظ الرجال، يعني هل الملاحظ في هذا حظ الرجال أو حظ النساء؟ حظ الرجال،(40/13)
يعني كأنه جعل البنت سلعة يدفعها مهراً لزوجته، ويرمي بها في أي مكان سواء كان مناسب أو غير مناسب ليس بينهما صداق، لو سمي صداق، قال: يا الله تزوجني أختك وأزوجك أختي، وهذا شيك بخمسين ألف، وهات الشيك بخمسين ألف، المسألة إن كانت حيلة وأنه مجرد بس يأخذ الشيك ويرجعه لحسابه ويأخذ هذا الشيك ويرجعه لحسابه صار وجوده مثل عدمه الصداق، لكن إذا كان معتبر تكتب الشيك باسم فلانة، لها هذا صداقها، ما هو باسمي أنا، وأنا أكتب الشيك باسم أختك صداقها، ما لي علاقة، نعم يقول: ليس بينهما صداق، هنا وجد الصداق، لكن يبقى أن الاعتبار التفريط في حظ المرأة واستيفاء جميع ما تطلبه من شروط كفاءة، لا يكون الملحوظ حظ الرجل في العقدين، وكون الإنسان يبتعد عن مثل هذه العقود بعداً تاماً ولو كان بينهما صداق، ولو توخى أن هذا خير الناس، يعني قد يكون هذا من أفضل الناس وهذا من أفضل .. ، لو افترض أن هذا الشخص كلهم يتمناه، وهذا الثاني أيضاً مثله، وعندهما أختان قال: كل واحد يتزوج الثانية، إن لم يكن بينهما صداق صار شغار، إن كان بينهما صداق؟ والصداق إنما هو للأخت، يعني التهمة منتفية، لكن أيضاً البعد عن مثل هذه الصورة مطلوب، مثل هذه الصورة التهمة منتفية مائة بالمائة، وشخص كلهم يتمناه وهذا كله طيب التهمة منتفية لكن يبقى أن البعد عن المشابهة ولو في الصورة مطلوب؛ لئلا لا يقع الإنسان في المحظور وهو لا يشعر.
والنهي عن الشغار يقتضى بطلان العقد، إذا زوجه أخته على أن يزوجه أخته أو بنته العقد باطل عن جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: العقد صحيح مع الإثم، لكن الجمهور على بطلان العقد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(40/14)
إذا كان لها ولم يكن النظر إلى حظ الرجال، إلى حظ الرجلين، النظر إلى حظ الأنثيين هذا ما فيه إشكال، لكن يبقى أن بعد المشابهة حتى في الصورة مطلوب، على أن يزوجه، يعني ما يدخل في مثل هذه الصورة شخص تزوج بنت وبعد عشر سنين خطب أخت الزوجة أخت هذا، ما يدخل في هذا، لكن الذي يدخل دخولاً أولياً مسألة الاشتراط أنه لا يتم هذا إلا بهذا، يدخل دخولاً أولياً، والإجماع على أن نكاح الشغار حرام، لكن هل يقتضى بطلان العقد أو لا يقتضي؟ الجمهور على أنه يقتضيه.
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية.(40/15)
يقول: "وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن نكاح المتعة" والذي في البخاري: "نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية" وهذا كان يوم خيبر سنة سبع، والمتعة أبيحت ثم حرمت، ثم أبيحت بعد ذلك ثم حرمت إلى يوم القيامة، والمراد بنكاح المتعة النكاح المؤقت بوقت ينتهي فيه العقد، شهر أكثر أقل بنهاية المدة خلاص لا ارتباط بينهما هذا نكاح المتعة، مؤقت بوقت ومؤجل إلى أجل ينتهي فيه من غير شيء زائد، يعني من غير طلاق، بينتهي تلقائياً، هذا نكاح المتعة، فإذا اتفق بين الطرفين على أجل محدد فهو نكاح المتعة، واستقر الأمر على تحريمه، ونقل عن بعض الصحابة جوازه، لا سيما ابن عباس، وصح عنه الرجوع، وذكر ابن حزم جمع من الصحابة أنهم قالوا به، لكن الحافظ ابن حجر نقل عن كل واحد منهم بالأسانيد الصحيحة أنه رجع عن القول بها، فاستقر الإجماع على أنها حرام، ولم يقل بذلك إلا شذاذ من الروافض، هذا نكاح المتعة، وهو نكاح باطل، وعلى هذا من نكح المتعة يحد وإلا يعزر؟ هل نقول: يحد لأنه نكاح باطل؟ وجاء عن جعفر -جعفر الصادق- الذي يعتمد عليه الشيعة بجميع طوائفهم أنه قال: المتعة هي الزنا، وثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: لا أوتى برجل نكح المتعة إلا جلدته الحد، فهل نقول: إن مثل هذا وما ورد فيه من نصوص وما قيل به من قبل بعض الصحابة، وإن ثبت الرجوع عنهم هل نقول: إن هذه شبهة يدرأ بها الحد فيكتفى بالتعزير؟ أو نقول: لا هذه وجودها مثل عدمها واستقر الأمر والإجماع على أنه حرام ونكاح باطل موجبٌ للحد؟ يعني شخص متزوج عنده زوجة وأولاد، رأى امرأة ترى المتعة من أي طائفة من الرافضة أو من غيرهم فاتفق هو وإياها لمدة شهر مثل هذا يرجم أو يعزر، أو ينظر في ما عنده من شبهة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
عقد إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(40/16)
عقد مكتوب رسمي، تزوج فلان فلانة لمدة شهر، ينتهي العقد بانتهاء المدة، عقد، لكن العقد يحل المحرم؟ العقود تحل الحرام؟ لو عقدت عقد على زوجة أبيه مكتوب ومشهود ينفع؟ عقد على محرم؟ هل يعزر أو يحد؟ هل نقول: هذا يرجم أو ننظر ما عنده؟ إن قال: والله أنا عندي ثابت إن ابن عباس يقول: بالمتعة، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن وش تدورون؟ نقول: هذه شبهة تدرأ عنه الحد أو نقول: لا بد من أن يحد؟ يعني إذا كان جاهل أو ليس بجاهل يعني ينظر في مقدار الشبهة التي وقرت في قلبه وجعلته يقدم فيها، طيب هذا الشخص جاء ليتزوج مدة معينة انتدب إلى بلد لمدة شهر، قال: بدل ما أجلس عزوبي أتزوج، على أن لا يخبر المرأة، ولا ولي أمر المرأة، ولا تعرف المرأة بحال أنه يطلقها في اليوم الفلاني، وهو مقرر أنه حاجز أن الإياب في يوم كذا، ومحرر ومبيت النية أنه يطلقها في يوم كذا، في يوم الرجوع، يجوز أو ما يجوز؟ يسمونه إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
الزواج بينة الطلاق، الأئمة كلهم على جوازه إلا الأوزاعي، ورواية عند الحنابلة، شريطة ألا تعرف المرأة ولا يعرف ولي أمر المرأة لا بشرط ذكري ولا بشرط عرفي؛ لأن الشرط العرفي له حكم الشرط الذكري، إذا عرفوا هذا الرجل كل سنة يجي شهر، وعرف من عادته وطريقته أنه يتزوج ويوم يمشي .. ، هذا عرفنا أنه متعة، يعني هذا شرط عرفي تكرر منه وعرف عنه، فمثل هذا النكاح جائز عند جماهير أهل العلم، طيب إذا وقت الطلاق بوقت لا بد من حصوله هل يسمى متعة وإلا ما هو متعة؟ يعني إذا قال لزوجته: إذا دخل رمضان فأنت طالق، إذا روئي هلال رمضان فأنت طالق، رمضان لا بد من مجيئه، فكأنه هذه الزوجة عنده الأجل ينتهي بوقت محدد، متى تطلق؟ نعم؟ إذا جاء؟ وإلا نقول: خلاص هذا مثل المتعة نكاح مؤجل إلى رمضان إذاً يبطل الآن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو علقه بشرط لا بد من وقوعه.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .(40/17)
لا هذا بالعقد يصير متعة، هذي أم عيال جابت عشرة منه، لكن فيه شبه من المتعة أو ما فيه؟ هذا قال: أنا بقيتي في هذه البلدة أنا أريد أن أنتقل إلى بلد آخر في واحد رمضان أنا معين في بلد أخر، وعندهم عيال من أهل هذا البلد، ومستعدة تذهب معه إلى البلد الثاني، قال: شوفي يا أم فلان إذا جاء رمضان فأنت طالق، لكن في وجه شبه من المتعة أو ما فيه؟ حدد مدة النكاح إلى رمضان فقط، الآن يا إخوان وش وجه الشبه في تعليق الطلاق على أمر لا بد من وقوعه في وقت محدد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في عقد، لا العقد من عشرين سنة، زوجته أم عياله له عشرة أولاد منها، لكنه قيل: أنت في واحد رمضان تباشر في المنطقة الأخرى الثانية، وهو قال: بدل ما أسحب عشرة بزران، آخذ من البلد الثاني مرة ما عندها عيال، فقال: يا أم فلان إذا جاء رمضان فأنت طالق؟ الآن عرفنا نهاية العقد، ففيه وجه شبه للمتعة، ولذا يرى المالكية أنه متعة، فتطلق الآن إذا علق على أمر لا بد من وقوعه، تطلق الآن، والجمهور على أنها لا تطلق إلا إذا حصل الشرط، طيب وش الفرق بينها وبين المتعة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا قول الجمهور كونها ما تطلق الآن وش السبب؟ يغتفر في الاستمرار ما لا يغتفر في الابتداء، المتعة معروفة البداية والنهاية، يعني متفق عليها من البداية، وهذه عرفت النهاية فقط، لكن هل له أن يرجع في شرطه؟ يرجع في هذا النكاح قبل حصول الشرط أو لا يرجع؟ نعم؟ يقول: بدل ما تحسب عليه هذه الطلقة إذا دخل رمضان يقول: خلاص هونا تري ألغيت الشرط، ما بعد وقع إلى الآن، طلقة ما بعد وقعت، له أن يرجع عنها أو ليس له ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الجمهور ليس له ذلك، الجمهور إذا علقه على أمر لا بد من وقوعه ليس له أن يرجع، ونقل عن شيخ الإسلام أن له ذلك، نقل عن شيخ الإسلام أنه ما دام ما وقع الشرط فهو بالخيار، يعني قبل وقوعه .. هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ترث ما بعد وقع الشرط.(40/18)
"نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية" لحوم الحمر الأهلية كانت مباحة، كانت في أول الأمر مباحة، ثم جاء ما يدل على تحريمها والسبب أنها هي الظهر الذي يركب، أفنيت الحمر، أكلت الحمر، فصدر الأمر بتحريمها، فهي محرمة عند جمهور العلماء، وعند المالكية مكروه كراهة شديدة، والسبب الباعث على تحريمها كونها الوسيلة وسيلة النقل، فإذا أفنيت الناس محتاجون إلى الانتقال بها، لكن هل هذا السبب يستقل بكونه علة يرتفع الحكم بارتفاعها؟ نعم؟ لا يستقل بكونه علة، وإلا قد يقول قائل: خلاص الآن ما لها فائدة الحمر، لا يستقل بكونه علة؛ لأن من الأحكام ما يشرع لسبب، ويرتفع السبب ويبقى الحكم، مثال ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الاضطباع، أو الرمل في الطواف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا الرمل في الطواف، في عمرة القضاء قال المشركون: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- الأشواط الثلاثة، وما منعه من أن يرمل بقية الأشواط إلا الإبقاء عليهم، الرمل الآن مشروع أو غير مشروع؟ مشروع، في أحد يقول: إن المسلمين يجون وقد وهنتهم الحمى أو المرض أو غيره؟ ارتفعت العلة وبقي الحكم، ومثله قصر الصلاة في السفر، علته: "إن خفتم" ارتفع الخوف، فصار القصر صدقة تصدق الله بها، فهناك علل وأسباب يقرر من أجلها الأحكام ثم ترتفع هذه العلل وتستمر الأحكام وهذا منها، الحمر الأهلية لما كانت مباحة فهي داخلة في قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] ولما حرمت "يحرم عليهم الخبائث" يعني هذا الحمار بعينه أمس طيب واليوم خبيث؟ نعم لما كان حلال أمس هو طيب واليوم لما حرم صار خبيث، يعني انقلبت عينه من الطيب إلى الخبث، أو نقول: هذا طيب وخبث معنوي يتبع التحليل والتحريم؟ يعني مادته اللي أكل منه أمس ما يتضرر واللي أكل منه اليوم يتضرر؟ هاه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(40/19)
هل نقول: هذا الوصف بالطيب أو بالخبث هل هو تغير حقيقة بمعنى أن من أكل الحمار قبل تحريمه لا يتضرر بشيء ومن أكله بعد تحريمه وصيرورته خبيثاً يتضرر؟ أو نقول: هذه أمور معنوية تابعة للحكم الشرعي وليس لأحد كلام؟ أو أن الله -جل وعلا- نزع خصائص –الخصائص- التي تجعلها طيبة، وأودع فيها خصائص الخبيث؟ يعني مثل الخمر أن الله -جل وعلا- لما حرمها سلبها المنافع، وهذا ليس ببعيد.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)) قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)).
نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تنكح الأيم)) " والأيم هي الثيب التي تأيمت بفقد زوجها بطلاق أو وفاة، والثيب في العرف الشرعي من وطئت بنكاح صحيح، هذه هي الثيب، أما من وطئت بنكاح شبهة أو بزنا نسأل الله السلامة والعافية هذه ليست بأيم ولا ثيب، ولا تترتب عليها أحكام الأيم، ولو تكرر ذلك منها، نسأل الله السلامة والعافية، فليس حكمها حكم الثيب، فإذا تزوجت على امرأة سابقة كما سيأتي يقسم لها سبع ليال؛ لأنها حكماً بكر، ولو قلنا: بأن الثيب والأيم وصف مرتبط بالبكارة لقلنا: إنها إذا زنت في المرة الأولى تجلد، وإذا زنت في المرة الثانية يترتب على ذلك أنها ترجم، لكن هي لا تزال بكراً، ما لم توطأ بنكاح صحيح، فإذا وطئت بنكاح صحيح صارت ثيباً.
وهل تثبت أو يثبت الوصف المذكور بالعقد أو بالدخول؟ نعم؟ يثبت بالدخول، وهل يكفي مجرد الدخول وإرخاء الستر لتترتب الأحكام؟ ليكون مدخولاً بها أو لا بد من الوطء؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، ولعله يأتي لها مناسبة.(40/20)
يقول: ((لا تنكح الأيم)) إذا قلنا: (لا) ناهية، كسرنا الحاء، وإذا قلنا: إنها نافية رفعنا الحاء "لا تنكحُ" ويأتي النفي مراداً به النهي وهو أبلغ من النهي الصريح عند أهل العلم، لكن إذا قلنا: ناهية لما نكسر الحاء ((لا تنكح الأيم)) {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] مو الجر من خواص الأسماء؟ نعم الجر من خواص الأسماء، كيف نجر فعل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يعني لالتقاء الساكنين، طيب الآن إذا التقى الساكنان نفر من التقاء الساكنين إلى حركة أخرى، لماذا فررنا إلى حركة لا تصلح للفعل؟ لماذا ما رفعناه وإلا نصبناه؟ مرادنا أن نفر من التقاء الساكنين نأتي بحركة تصلح للفعل، ما نأتي بحركة لا تصلح إلا للاسم، إذا كان القصد الفرار من التقاء الساكنين.
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأن لا يلتبس بالفعل الذي يؤثر فيه عامل النصب أو الفعل الذي خلا من العوامل، هو الآن دخل عليه عامل، إن رفعناه ألغينا العامل، وإن نصبناه التبس الجازم بالناصب، ظاهر وإلا ما هو ظاهر؟ نعم، فنلجأ إلى حركة يعرف القارئ أنه ليس بمنصوب ولا مرفوع تغير حكمه، وإلا فالأصل أن الجر من علامات الاسم.
والاسم قد خص بالجر كما ... قد خصص الفعل بأن ينجزما
يعني من خواص الأفعال الجزم، ومن خواص الأسماء الجر.
بالجر والتنوين والنداء و (أل) ... ومسند للاسم تمييز حصل
المقصود أنها إذا كانت (لا) ناهية لا بد من الكسر، كما في قوله -جل وعلا-: {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] نعم، (متى أضعِ العمامة) نعم لأجل نفر من التقاء الساكنين إلى حركة لا يوجد لها نظير عند عدم العامل، ولا عند عامل يقتضي غير الجر؛ ليرتفع اللبس.(40/21)
((لا تنكح الأيم)) عرفنا الأيم ((حتى تستأمر)) السين والتاء للطلب، يعني يطلب أمرها بكلامها، ((ولا تنكح البكر)) وهي من لم توطأ بنكاح صحيح ولو حصل لها وطء بشبهة أو بارتكاب مخالفة، ولو زالت بكارتها بأي سبب من الأسباب لا تزال بكراً ما لم توطأ بنكاح صحيح، فمن زالت بكارتها وهي لم تتزوج وتوطأ بنكاح صحيح فهي بكر، قد يقول قائل: إن هذه فلانة من الناس زالت بكارتها بعلاج مثلاً احتيج إلى ذلك، بوثبة، بوطء شبهة، بمخالفة، بزنا، إذا خطبت نقول: بكر أو ثيب؟ هي زالت بكارتها هي حكماً بكر، والبكارة لها أرش عند أهل العلم، لكن هل يلزم من ذلك إخبار الخاطب بأنها ما زالت بكر أو لا؟ المسألة فيها حرج كبير، ويكثر السؤال في مثل هذه الصورة، ارتكبت ما ارتكبت ثم تابت توبة نصوحاً هدمت ما كان قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، هل يخبر الخاطب أو لا يخبر؟ فما شك أن المسألة من عضل المسائل، إن أُخبر معناها لا أحد يقدم عليها، وإن لم يخبر غش عظيم له، يعني ما هو المسألة مثل المسائل التي .. ، نعم إثمها وأثرها في الآخرة انتهى بالتوبة النصوح، لكن يبقى العار، لو يعلم الزوج أو أولاده فيما بعد ماذا يكون مصيره؟ المسألة تحتاج إلى عناية شديدة، إن أُخبر الخاطب قد يقول قائل: تجلس بدون زواج، كل من أقدم يقال له: ترى حصل منها ما حصل، وماذا عن الرجل لو حصل منه هذا؟ هل يخبر من يخطب منه أو لا يخبر؟ هذه مسائل تحتاج إلى عناية، لكن الأثر الفعلي إنما هو في المرأة أما في الرجل لا يتبين فيه أثر، وإن كان الذنب واحد، الفاحشة واحدة، يشترك فيها الفاعل والمفعول به إلا المكره ما له حكم، فالمسألة تحتاج إلى عناية، إن وجد من يقبل بها إذا أخبر هذا هو الأصل؛ لأنه يقدم على بينة بحيث لو أثير فيما بعد ما يتأثر ... ، ما يتغير عليه. . . . . . . . .، وبعضهم يقول: إنه يزوجها زواجاً صورياً بحيث لو عرفت فيما بعد يقال: والله هذه مطلقة سبق أن تزوجت، فمن باب الساتر عليها. . . . . . . . .، الاسترسال في الستر الاسترسال لا أقول: أصل الستر، أصل الستر شرعي، ومن ستر مسلماً ستره الله، هذا الأصل في الستر، لكن الاسترسال فيه، وستر جميع القضايا لا يجعل هناك(40/22)
رادع للمجرمين؛ لأن بعض المجرمين المتجه في حقه أن يفضح ما هو بيستر، يعني متى يرتدع؟ فمثل هذه المسائل تحتاج إلى عناية، وكل حالة تدرس على حده، ولا يحسن أن يصدر حكم عام في مثل هذا؛ لأن هذه أمور فيها المصالح والمفاسد، وتخضع للبيئات والظروف وما أدري إيش؟ إحنا في بيئات -نسأل الله السلامة والعافية- مبتلات بمثل هذا، وهنا .. ، أقول: مجتمعات -ولله الحمد- سلمت من مثل هذه الأمور، ويقدم الإنسان وهو مرتاح، لكن عاد الله المستعان، لكن عاد الانفتاح انفتاح الدنيا ضرر محض، الله المستعان.(40/23)
((ولا تنكحوا البكر حتى تستأذن)) يعني حتى يطلب إذنها، الثيب انتهى الحياة يعني ما هو انتهى بالكلية، لكن الحياء المتعلق بهذه المسألة لأنها عاشرت الرجال، وخرجت عن بيت أهلها إلى بيت أجنبي، وصار أقرب إليها من أهلها، وزالت الكلفة بينهم، بالإمكان إذا عرض عليها فلان أو فلان، تريدين فلان لا تريدين فلان تقول: نعم أو لا، يعني لا تتردد في الجواب، لكن البكر التي ما تعودت ولا خرجت من خدرها تستحيي أن تقول: أريد ولا أريد، هذا الأصل في بني آدم عموماً مسلمين أو غير مسلمين، هذا الأصل فيهم، وهذا الأصل تأكد في الإسلام؛ لأن النساء أمرن بالقرار في البيوت {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] وأمرن بالحياء والعفة، والآن مع هذا الانفتاح تجد عشر وإحدى عشر سنة واثنا عشر سنة تتحدث ماذا تصنع؟ وماذا تفعل إذا تزوجت؟ وتريد فلان، وتريد زوج شكله كذا، وهيئته كذا، وشعره كذا، لا شك أن هذا خلاف الفطرة، وخلاف الشرع، الأصل في البكر أنها ما تعرف غير والديها وإخوانها، وإذا كان الأمر في الذكور يعني في جيلنا مثلاً تزوجوا من ثلاثين سنة مثلاً يعقد له درس قبل الدخول يخبر كيف يصنع؟ وش يبي يسوي؟ بيدخل على امرأة ما يدري إيش يسوي؟ وحصل وقائع وحوادث مضحكة ما يدري إيش يصنع؟ والآن الأطفال في الكتاب يعرفون، هذا سببه إيش؟ الانفتاح المذموم المشين، صارت الآن العمليات قدام الأطفال تفعل، طفل عمره ثلاث سنوات يسأل جدته إيش لون تحملون أنتم قبل؟ يعني هذا سؤال محرج كيف تقول له؟ تقول: كانت هناك حبوب نأكلها ونحمل، يقول: ما عندكم جماع أنتم؟ وش تقول؟ هي تريد تخفي عليه وهو صار أعرف منها، شيء شيء ما يخطر على بال، يعني فساد ذريع من خلال هذه القنوات، فساد ذريع، والمعصوم من عصمه الله، وبهذا نعرف خطورة هذه الآلات، بعض الناس يتذرع يقول: أنا أشوف الأخبار، وأطلع على أحوال العالم، وإخواننا المسلمين الذين يقتلون .. ، تطلع على الأخبار بإهلاك من ائتمنك الله عليهم؟! مثل هذا يسوغ؟! لا يسوغ البتة، يعني لأن يعيش الإنسان جاهلاً خام ما يعرف شيء من الواقع أفضل بكثير من أن يزيغ قلبه، أو يزيغ من تحت يده بهذه الأمور، يعني المسألة ما هي بشهوات فقط(40/24)
شبهات بعد، أفكار إلحادية وزندقة تدخل في بيوت العوام، شبه لا يستطيعون ردها، حار فيها كثير من طلاب العلم فضلاً عن العامة، ويأتي من يأتي يقول: أدخل القنوات من أجل أن أسمع الأخبار وخلاص ونقفله، طيب من يضمنك؟ وحصل بسبب هذا التساهل كوارث، يتمنى الإنسان أنه مات قبل سماعها، قبل حصولها في بيته وفي محارمه، شيء لا يطاق، وإذا وقع الفأس في الرأس بدينا نبحث عن الحلول والفتاوى، وطبيب نفسي، ومشرف اجتماعي يحل لنا هذه الإشكالات، يا أخي احسم المادة وترتاح، احسم المادة تنتهي.
"قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: ((أن تسكت)) " يعني ما في غير السكوت، وش تبي تقول البنت اللي ما سبق أن جربت؟ ما عندها إلا تسكت.
طالب:. . . . . . . . .
نقلة لا تخطر على البال، الزوج إذا خرج صبيحة العرس، دخل بزوجته البارحة وصبيحة العرس كأنه جاي من معركة، من معركة والله صحيح، الدم في وجهه وفي يديه وفي كذا، يعني المسألة ما هي بتهاويل، وكانت النساء يربطن السراويل بأحزمة، كل هذه لأنها ما تعرف هذه الأمور، ولا تدري وش يصير؟ كلها من حفاظها على نفسها، ويدخل الداخل الآن على الزوجة وشلحة ما تحتاج شيء، يعني شيء ما يخطر على البال، يعني ألا نخشى من عقوبة مثل هذه التصرفات؟! قد يقول قائل: هذه زوجته ويتصرف .. ، لكن هذه التصرفات وراءها ما وراءها، أين العفة؟ أين الحشمة؟ أين؟ يعني هذه التصرفات لها ما وراءها، يعني ما جاءت من فراغ هذه التصرفات، وإن كان الناس بدو ولا يفهمون شيء، خلهم لا يفهمون وش يفهمون؟ يفهمون فجور وإجرام ومعاصي ومنكرات، لا يفهمون يا أخي، والله المستعان، نعم.(40/25)
يقول: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر)) فلا يجوز لوليها أن يجبرها، لا بد من أخذ الموافقة الصريحة الثيب لا بد من أخذ الموافقة الصريحة التي لا تحتمل، هاه تريدين فلان؟ تريد فلان تتوكل، ومسألة عرض الخاطب على البنت .. ، مسألة الولي، الولي له وجود شرعي يشترط لا بد منه عند الجمهور، فليس وجودهم مجرد عبث، أو مجرد يتولى الإيجاب والقبول، لا، له دور في المسألة، وليس كل خاطب يعرض على المخطوبة، إذا اقتنعت بتوافر الشروط التي تريدها لزوجتك ملاحظاً مصلحتها الشرعية إذا اقتنعت تعرض، مو أي شخص يجيك تبي تعرضه،. . . . . . . . .، ويلاحظ عند بعض الناس أنه إذا تقدمت السن بالبنت، تقدمت بها السن تمنى خروجها من بيته بأي طريقة وهي كذلك، فأول خاطب تفضل من غير بحث ولا تحري ولا سؤال، وبهذا التساهل في مقابل التشديد في أمور ما أنزل الله بها من سلطان حصل ما حصل من النسب العالية من العوانس، فالإنسان يحتاط لموليته وهي أمانة بيده، لا يجوز أن يزج بها في ما لا يصلح دينها، هي أمانة بيده، فلا بد من الاهتمام، إذا اقتنع به، الضوابط الشرعية موجودة يعرض، وإذا اقتنع به قناعة تامة وقالت: أنا لا أريد، هذا ما أدري إيش؟ هذا متشدد، يحاول أن يقنعها من غير إجبار، لا يجوز له أن يجبرها؛ لأن الكلمة الأخيرة لها، نأتي إلى البكر، البكر مثل الثيب، إلا الفرق في أن هذه تنطق تقول: أريده أو لا أريده، وهذه تسكت، أو تقول: لا أريده، أو تبكي مثلاً، عند أهل العلم من الدقة في هذا الباب ما لا يخطر على بال، يقولون: حتى لو بكت هناك فرق بين بكاء الحزن وبكاء الفرح، على كل حال هذه أمور شرعية لا بد منها، فتستأذن البكر فإذا سكتت خلاص علامة القبول، ولا ينسب لساكت قول إلا في مثل هذا الموضع، فإذا توافرت الشروط في الخاطب عرض على المولية، إذا لم تتوافر يرد من الأصل؛ لأن النساء قد لا يدركن المصلحة، قد يقول قائل: إن النساء الآن تعلمن وعرفن ما ينبغي وما لا ينبغي، وصارت تعرف الشخص الذي يمكن أن تعيش معه، ويمكن ما تعيش، كيف تتفاهم مع شخص يريده أبوها العامي الذي لا يقدر مصلحتها، بنت جامعية خطبها جامعي يرده الأب علشان إيش؟ الشرط متوافر، الأفكار متقاربة، لا(40/26)
يكفي، الميزان الدين، هو الميزان، والخلق؛ لأن هذه أمانة لا بد من مراعاتها، وكم من امرأة تزوجت رجل يفهمها وتفهمه على أسلوبهم، والمصير الطلاق، فإذا لم يكن الهم الدين مع الخلق؛ لأن بعض الإخوان المتدينين أساءوا إلى بعض؛ لأنه قد يكون متدين لكن ما له خلق، فلا بد من الدين والخلق.
البكر: من أهل العلم من يرى جواز إجبارها وأنها لا تحتاج إلى أن تستأذن، خلاص ما دامت بكر لأبيها أن يجبرها، وهذا المعمول به عند الحنابلة، وكان هو السائد في البلد، لكن النص الصحيح الصريح هنا يدل على أنه ليس لأحد أن يجبرها، خلاف في البكر، قول الحنابلة معروف، والجمهور والأكثر يرون أنها لا تجبر، فالصغيرة ماذا عن الصغيرة التي ليس لها أمر ولا إذن؟ خطبت بنت خمس سنين أو ست سنين، عائشة -رضي الله عنها- عقد عليها وهي بنت ست سنين، فمثل هذه يطلب إذنها؟ هذه لا إذن لها، ما تدرك، ما تدرك شيئاً، وقد يقول قائل: إن الأنظمة تمنع مثل هذا، تزوج بنت ست سنين، هذا صنيع النبي -عليه الصلاة والسلام- بأم المؤمنين، عقد عليها وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع، فمثل هذه لا رأي لها فلا تستأذن، لا سيما إذا ترجحت المصلحة، أما إذا لم تترجح المصلحة ولم يخشَ فوات شخص يخشى فواته مثل هذه تترك حتى تبلغ المبلغ الذي تزوج له المرأة، نعم، منهم من يجيز إجبار الصغيرة إجباراً مؤقتاً، فإذا بلغت فالأمر لها، لها أن ترفض ولها أن تستمر.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوقك عسيلتك)) قالت: وأبو بكر عنده، وخالد بن سعيد في الباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(40/27)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي" نسبة إلى بني قريظة، وهناك نسبة إلى القرض، وينتسب إليها سعد المؤذن، سعد القرض، فللتفريق بينهما ينتبه لمثل هذا "جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي" يعني طلقها طلاقاً بائناً البتة، بحيث لا تحل له إلا إن تزوجت غيره {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [(230) سورة البقرة] ولعل الحاصل تكميل الثلاث؛ لأن الثلاث بلفظ واحد بدعة لا يقره النبي -عليه الصلاة والسلام- "فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير" الجادة الزُبير، لكن هذا بالفتح، على خلاف الجادة، فلينتبه له كما أن عبيدة هي الجادة وعبيدة السلمان بالفتح خلاف الجادة، وفي هذا مؤلفات لأهل العلم يعني ما تُرك "فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب" يعني ضعيف في هذا الباب، ضعيف لا ينتشر، فمثل هذا هل يحصل به التحليل؟ لا ينتشر، وهل مثل هذا يلزمه إخبار الزوجة أو لا يلزمه؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
ما يلزمه؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
إحنا قلنا: إن الزوجة إذا صار بها عيب يجب إخبار الخاطب، فإذا كان في الزوج عيب مثل هذا مقصد من .. ، بل من أعظم المقاصد من مقاصد النكاح، المرأة لما خطبها من لا حاجة له في النساء ثم أخبرها فقالت: ماذا يريد من النساء؟ فقال: يريد أن نتعاون على طاعة الله، نتعاون على البر والتقوى، قالت: أعرف الله بلا، بدونه أعرف الله، يعني هذا مقصد ما في شك، مقصد للرجال والنساء، يعني الرجل إذا وجد أدنى شيء في المرأة حمل ما حمل، والمرأة كذلك، يعني هذا أمر يشترك فيه الرجال والنساء، فإذا كان فيه ضعف في مثل هذه الحالة لا بد من الإخبار، قد يقول قائل: إن هناك علاجات وحبوب وعقاقير يعني تنفع في هذا الباب نقول: الأصل العدم، فإذا حصل وزوجته عنده أو أخبرها وقبلت به وتناول العقاقير بكيفه، الأمر لا يعدوه، أما أن تغش امرأة بزوج لا ينتشر وش استفادت؟ لا بد من إخبارها، لا بد أن تخبر.(40/28)
"فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وإنما معه مثل هدبة الثوب" بعضهم يقول: إنه في الصغر، التشبيه وجه الشبه الصغر، ومنهم من يقول: الضعف والاسترخاء "فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لكن لنعلم أنهم المشكلة عندهم إذا تزوجت المرأة وتبين لها خلاف ما أملت ثم طلقت بالإمكان أن تتزوج ثانية قبل الأبكار، هذا شيء غير مؤثر عندهم، أثره ضعيف جداً عندهم يعني كونها بكر أو ثيب أثره ضعيف ضعيف جداً عندهم، ولذا تتزوج ثاني وثالث ورابع، وعائشة بنت طلحة تزوجها مصعب بن الزبير بعد خمسة، ودفع لها ألف ألف، يعني مليون، لكن الآن أدنى خدش يركن المرأة المسكينة كأنها غير موجودة، فتترك لكبار السن، فلذا لما عظم الأثر تعين الإخبار، ما هي بتغش .. ، واحد يزوج ولده مجنون ما يدري الناس إنه مجنون، وهذا كله تساهل من الطرفين، ولي المرأة لا بد أن يبحث، ولا بد أن يعرف، وبعض الآباء كبار السن يقول: ما دام ابن حمولة، وأبوه رجل من الرجال ويهديه الله الولد، نقول: لا يا أخي، هذا غش، الكلام على الواقع الآن هل يستحق أو ما يستحق؟ الإنسان يقوم في يومه هل يستحق أو ما يستحق؟ فيهتم لهذا الأمر "فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من جرأتها وأنها .. ، ومثل هذه الجرأة لا تذم من كل وجه، لأنه يترتب عليها حقوق، ولو قلنا: إن الحياء الذي هو الخجل يحمد في مثل هذا الباب لضاع كثير من الحقوق، هذه يترتب عليها حقوق، إن رضيت وسلمت وقالت: الدنيا ماشية وفانية هذا الأمر لا يعدوها، لكن لها الفسخ.(40/29)
((وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ )) يعني هل تظنين أنه حصل التحليل بمثل هذا النكاح؟ ((لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)) قد يقول قائل: إن بعض الناس يحصل عنده مثل هذا ضعف، ويولد له؛ لأن الولادة مجرد حصول هذا مع هذا، لكن الشهوة تنعدم أو تضعف، والشهوة مقصد من مقاصد النكاح للطرفين، أما الولادة فقد يحصل شيء منها، أما التحليل فلا بد فيه من الإيلاج الذي يوجب الغسل ويفسد الحج هذا التحليل، فلا بد فيه من الوطء، وإلا فلا تحل لزوجها الأول، يذكر عن بعضهم أنه لا يحتاج وحتى تنكح زوجاً غيره، النكاح يطلق على العقد، لكن هذا الحديث نص في كون العقد لا يكفي، ((لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك)) يحصل الوطء الذي معه اللذة، ولذا شبه بالعسل؛ لأن فيه لذة.(40/30)
"قالت: وأبو بكر عنده، وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني كأنه قال: يا أبا بكر لماذا ما منعت هذه المرأة؟ ولكونه يترتب عليه حكم شرعي، لا تمنع، وكثير من النساء يسألن عن أشياء قد يستحي عنها كثير من الرجال، لكن ما دام يترتب عليها حكم شرعي لا مندوحة من الجواب، تسأل تتفقه، يطلب منها زوجها شيء هل تمنع أو لا تمنع؟ فتسأل، والمتدينات أكثر من تسأل في هذا الباب؛ لأنها إن امتنعت عن مباح لحقها الإثم، وإن استجابت لمحرم لحقها الإثم، فهي تسأل عن دينها، أما غير المتدينة طلب منها ما طلب هي التي تقرر، إن كانت تحب الزوج أجابت إلى ما يريد، وإن كان بينها وبينه شيء رفضت كل ما يريد، فالمتدينة تسأل عن ما يجوز وما لا يجوز، لكن ينبغي أن يكون هذا على أضيق نطاق، وأن يكون الحياء هو السمة الغالبة للمرأة المسلمة، إذا اضطرت إلى السؤال عن شيء تسأل، أو تكلف زوجها يسأل أو .. ، "قالت: وأبو بكر عنده، وخالد بن سعيد في الباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: يا أبا بكر ألا تسمع هذه ما تجهر به عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وقد يُلمس من بعض الأسئلة من قبل بعض النساء إثارة المسئول، يعني مع هذا الانفتاح الذي نعيشه، أو إثارة السامع، فمثل هذه إذا غلب على الظن أن هذا هو القصد مثل هذه تردع، فمن طلقت ثلاثاً لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا نكحت نكاحاً صحيحاً نكاح رغبة لا نكاح تحليل؛ لأن الله -جل وعلا- لعن المحلل والمحلل له، فإذا نكحت نكاح رغبة وحصل الشرط، وطئت بهذا النكاح، وذاقت ما نص عليه هنا تحل للأول، وترجع بدون طلقات من جديد تحسب، لكن المطلقة مرة واحدة أو مرتين ثم تزوجت، ثم رجعت إلى الأول ترجع مثل البائن جديدة؟ على اصطلاح أهل السيارات أصفار، أو ترجع بطلقاتها السابقة؟ يعني إذا طلقت ثلاثاً ونكحت زوج جديد ورجعت إلى الأول خلاص، جديدة، لكن إذا طلقت مرة أو مرتين ثم نكحت ثاني انتهت عدتها تزوجت ثاني، ثم رغبت في الأول ورغب فيها ورجعت إليه ترجع بطلقاتها السابقة أو أصفار مثل ذي؟ بالطلقات السابقة، المسألة خلافية، لكن عمر -رضي الله عنه-(40/31)
سأل أبا هريرة عن هذه المسألة فأجاب بهذا الجواب، وشُهد له بهذا بأنه من أهل الفقه ليس من أهل الرواية فقط، وذكر شيخ الإسلام هذا للدلالة على أن أبا هريرة فقيه، بخلاف بعض من يقول: إن أبا هريرة هو مجرد راوية، ولذا يرجح قول الفقيه على قوله، رواية الفقيه ترجح على رواية غير الفقيه، وجعلوا أبا هريرة من هذا النوع، وساق شيخ الإسلام أمثلة كثيرة تدل على فقهه، ومنها هذه المسألة، نعم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنساً رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "من السنة" إذا قال الصحابي: من السنة فله حكم الرفع؛ لأنه كما قال نافع في قول ابن عمر: إذا أردت السنة فهجر، يقوله للحجاج، قال نافع: وهل يريدون بالسنة إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ فإذا قال الصحابي: من السنة أي سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو مرفوع، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ
فهذا مرفوع، إذا تزوج البكر التي لم توطأ بنكاح صحيح على الثيب التي تم وطئها بنكاح صحيح أقام عندها سبعاً وقسم، أقام عندها سبعاً يعني سبع ليالي ...(40/32)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب النكاح (3)
باب الصداق
الشيخ: عبد الكريم الخضير
"فقام عندها سبعاً" يعني سبع ليال "وقسم" لأنها ما تعودت على الخروج، يعني الأصل فيها أنها في بيت أهلها، فتحتاج إلى من يؤنسها، وتحتاج إلى دربة وطول معاشرة من أجل أن تنبسط مع الزوج "وإذا تزوج الثيب -التي سبق أن جربت- أقام عندها ثلاثاً ثم قسم" ثلاث تكفي للدربة بالنسبة للثيب.(41/1)
"قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنس رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-" يقول: لو شئت لصرحت بأن أنساً رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الرفع الصريح مثل قول الصحابي: من السنة، لا فرق، "ولو شئت لقلت: إن أنساً رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-" النبي -عليه الصلاة والسلام- لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً، ثم قال: ((إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لزوجاتي)) أو قال: ((لنسائي)) ((إنه ليس بك هوان على أهلك)) يعني المرأة سواء كانت بكر أو ثيب عزيزة ومقدرة ومحترمة عند أهلها، يعني ليس معنى هذا أن الثيب تمتهن وتبتذل لا، هي عزيزة عند أهلها، وعزيزة عند أمتها، المرأة لها شأنها في الإسلام، ولا يعرف نظام على مر التاريخ أعطى المرأة حقوقها مثل الإسلام، ونسمع من ينادي ومن ينعق يهرف بعبارات، وهؤلاء هم ذئاب البشر، الذين لا يهمهم مصلحة المرأة، ولا مصلحة المجتمع، ولا مصلحة الأمة، هم ذئاب يريدون أن يخرجوا النساء من بيوتهن، ويقولون: إن الإسلام والمسلمين ظلموا المرأة، ولا بد من حقوق الإنسان أن تنظر في مثل هذا الأمر، والمطالبة به في أعلى المستويات، ويهمهم إفساد الأمة، يعني من العجب أن يسموا المرأة التي تربي عشرة أولاد من أولادها على مختلف أسنانهم ومستوياتهم يسمونها عاطلة، والتي تخرج من بيتها لتربي أولاد الناس في حضانة هذه يسمونها عاملة، ولا بد أن تأتي هذه العاملة بعاملة أخرى لتربي أولادها، التي تربي أولادها هي عاملة، التي تربي هذه صارت عاطلة، وصفت بأنها عاملة لأنها خرجت من بيتها لتربي أولاد الناس، المرأة المستخدمة لتربي أولاد هذه المرأة تسمى عاملة، بهذا نعرف أنه ليس المقصود انتفاع الأمة، أو زيادة عدد العاملين من أجل تعزيز الاقتصاد، يعني في روسيا أول ما دخلتها الشيوعية قالوا: كيف تتقدم بلد ونصف شعبه في المطبخ؟ كيف يتصور التقدم؟! والآن من عقود وروسيا عندها حملات على أعلى المستويات وآليات على كافة الشرائح لإرجاع المرأة إلى بيتها للضياع الذي عاشوه، عاشوا ضياع على مدى سبعين أو ثمانين سنة، والله المستعان.(41/2)
((ليس بك هوان على أهلك)) المرأة ليست بهينة على أهلها ولا على زوجها ولا على مجتمعها ولا على أمتها، إنما يقول مثل هذا الكلام من يريد أن يشبع رغبته ونهمته منها، ولا يهمه أمة ولا أم ولا أخت ولا أحد، لا يهمه أحد ((فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي)) الآن هي تستحق ثلاث ليال شرعاً هذه الثيب، يعني إذا تزوج البكر يجلس عندها سبع ليال ثم يبدأ بالقسم، يدور على نسائه، ولها ليلة من الليالي، ليلة من أربع، ليلة من ثلاث، ليلة من ثنتين، على حسب عدد النساء التي بعصمته، الثيب يجلس عندها ثلاث ليالي، يقسم لها ثلاث ليالي ثم تدور القسمة من جديد، تصير واحدة أسوة النساء، لكن إن رغبت فإن تعطى سبع مثل البكر مثل هذا يسلكه بعض الناس أو بعض النساء، يعني ملاحظة ومراعاة لشعورها، يعني امرأة جلست سبع ليال تتشبه بالأبكار، يلاحظ شعورها وأهلها، وهو أيضاً قد يلاحظ شعورها هو، وليش تأخذ ثيب والناس يلقون وأنت ما تلقى؟ المجتمع فيه ضغوط، نعم فيه ضغوط أحياناً تكون بارزة، وأحياناً تكون خفية، فمثل هذا لو سبع لها، هي تستحق في الأصل كم؟ ثلاث، هل يقسم لنسائه على أربع ليال أو على سبع؟ هي في الأصل تستحق ثلاث، هو ما زادها إلا أربع ليال، فهل يقسم لنسائه الباقيات على أربع ليال وإلا يقسم سبع؟ نعم؛ لأنه مستحقة للثلاث من الأصل، فيقسم لنسائه القدر الزائد، وبهذا قال جمع من أهل العلم، والقول الثاني: أنه إن فرض عليها سبعاً يفرض لبقية نسائه سبعاً، ويدل عليه الحديث المخرج في مسلم: ((إن سبعت لك سبعت لنسائي)) يعني إن أعطيتك سبع ليالي مثل البكر أعطي نسائي سبع؛ لأنك ثيب وهن ثيبات مثلك، وظاهر النص يدل على أن يقسم لهن سبعاً مثلها.
طالب:. . . . . . . . .
لا ((إن شئت سبعت لك)) يعني جلست عندك سبعاً ((وإن شئت ثلثت ثم درت)) في بعض الروايات، يعني جلست عندك ثلاثاً ثم درت على نسائي، نعم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبداً)).
يقول -رحمه الله تعالى-:(41/3)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو أن أحدكم)) " والخطاب يتجه إلى كل من كان عنده زوجه ((لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله)) زوجته، أراد أن يجامع زوجته ((قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن قدر بينهما ولد في ذلك)) يعني في ذلك الجماع الذي حصل هذا الذكر عليه ((لم يضره الشيطان أبداً)) ونفي الضرر الأصل فيه العموم، جميع أنواع الضرر لا في دينه ولا في دنياه، هذا الأصل، لكن مقتضاه أن يكون الولد معصوماً، أن يكون معصوم؛ لأن أدنى مخالفة ضرر بسبب الشيطان، ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم، منهم من قال: إنه يحصل الضرر ولا يترتب أثره، بمعنى أنه قد تحصل المخالفة ثم يوفق للتوبة منها فكأن الضرر لم يحصل؛ لأنه لم يترتب عليه أثر، ومنهم من قال: المراد بالضرر ما يحصل له عند الولادة، وكل مولود يحصل له ذلك إلا ما كان من عيسى -عليه السلام-.
وعلى كل حال الضرر بالنسبة لوقوع المعصية التي هي بسبب الشيطان هذا لا يسلم منه أحد إلا المعصوم، لكن مثل هذه الأذكار التي جاء الشرع بالترغيب فيها، لا شك أنها تخفف، يعني إذا كان قطعها بالكلية غير وارد وغير متصور لا شك أن مثل هذا يخفف، فالولد الذي ذكر عليه هذا الذكر لا شك أنه أقرب إلى الخير وأبعد عن الشر من الولد الذي لا يذكر عليه اسم الله -جل وعلا-.(41/4)
((لم يضره الشيطان أبداً)) من أجل بركة هذه التسمية، بل قال بعضهم: إنه يكون من جملة عباد الله الذين قال الله فيهم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ} [(42) سورة الحجر] فهل معنى هذا أن هؤلاء العباد الذين ليس له عليهم سلطان معصومون من أن يقعوا في المعاصي؟ بحيث يصرون على هذه الذنوب التي يمليها الشيطان عليهم، وإلا فقد يغفلون، وقد تغلبهم النفس أحياناً فيقعون فيما يقعون فيه، قال مجاهد: إن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه، إن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه، وهذا نظير من يأكل ولا يسمي يأكل الشيطان معه، من يدخل البيت ولا يسمي يبيت الشيطان معه، وهذا مثله فالتسمية مطلوبة، والذكر مطلوب، وعلى الإنسان أن يكون لهجاً بذكر الله -جل وعلا-، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] المقصود أن مثل هذا من لازم الأذكار حصل له خير الدنيا والآخرة، لا سيما الأذكار التي رتب عليها أجور أو حفظ أو ما أشبه ذلك من الأوراد التي يحفظ الله -جل وعلا- بها الإنسان المسلم، فليحرص عليها، ومنها هذا الذي معنا، وهذا من الأذكار المتعبد به، لكن من لا يحسنه بالعربية يقوله بلغته كما قال الإمام البخاري.
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)).
ولمسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب قال: سمعت الليث يقول: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(41/5)
"عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم)) " التحذير احذروا ((إياكم والدخول على النساء)) أين دعاة الاختلاط من مثل هذا النص؟! ((إياكم والدخول على النساء)) فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)) لأن أخا الزوج لا شك أن له يد على أخيه، فيظن أن بيت أخيه مثل بيته، والعم كذلك، وابن العم كذلك، القرابة لها ما لها في الشرع، وجاء الأمر بصلتها، لكن مع أمن المفسدة، لا يمكن أن يدخل الرجل على امرأة ليس عندها محرم، جاء التحذير ((إياكم والدخول على النساء))، فقال رجل: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)) يعني شبه بالموت؛ لأن الموت انعدام للحياة، وهذا انعدام الدين وهو أشد، أعظم من الموت، هذا أعظم من الموت؛ لأنه انعدام للدين نسأل الله السلامة والعافية، هفوة وجريمة، ومنهم من يقول: الحمو الموت لأن دخوله يؤول إلى الموت، هذه امرأة متزوجة، فإذا دخل عليها الحمو وقد يكون متزوجاً أيضاً ويكون الشيطان ثالثهما، ويحصل ما يحصل، ثم يؤول أمرهما إلى الموت الذي هو الرجم نسأل الله السلامة والعافية.(41/6)
" ((الحمو الموت)) ولمسلم: عن أبي الطاهر عن ابن وهب قال: سمعت الليث يقول: "الحمو أخو الزوج" الناس يتساهلون في مثل هذا، يعتبرون بيت الأخ مثل البيت "أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه" الذين هم ليسوا من محارم الزوجة، فلا يجوز لهم أن يدخلوا عليها بدون محرم لها، وما يؤدي إلى مثل هذا يجب منعه، قد يقول قائل مثلاً: أخو الزوج إذا كان الزوج موجود الفتنة مأمونة، لكن يوم مع يوم تدخل مشكلة هذه، ينكشف لك شيء في هذا اليوم، تعرف سر من أسرارها، تعرف شيئاً تضغط به عليها، ما في شيء مثل حسم المادة، تعامل تعامل مع أخيك، والناس يتساهلون في مثل هذا، لكن مثل هذا التساهل قد يجر إلى أمور لا تحمد، إذا احتيج إلى شيء من هذا مرض الزوج، واحتاجت الزوجة لأن تكلم أخيه، تهاتف أخاه من أجل أن يذهب به إلى مستشفى، أو يستدعي طبيب، أو .. ، أمور يعني ضرورية، أو كان الزوج غائب فكلمت أخاه ليحضر لها بعض الضروريات بالصوت المعتاد من غير خضوع بالقول للحاجة، هذه أمور تقدر بقدرها، أما أن تجعل الزوجة مجرد بس ما تستتر تجزع .. ، هذه أمور لا تحمد عقباها؛ لأنه قد يعرف من الأمور والشيطان في هذا الباب عنده دقة في الملاحظة، وعنده دقة في المسالك، ويجري من ابن آدم مجرى الدم، ينكشف منها شيء من غير قصد، فتقع في قلبه فيهلك، فلا شيء أنفع من حسم المادة، وقطع دابر كل شيء يوصل إلى الرذيلة، ولو من بعد، فليحتاط الإنسان لنفسه ولأهله.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: الصداق
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعتق صفية وجعل عتقها صداقها.
باب الصداق:(41/7)
الصداق: ما يدفعه الخاطب أو الزوج لزوجته مقابل النكاح، وسمي صداقاً لأنه برهان ودليل على صدق الرغبة عند الخاطب؛ لأن الذي يدفع المال صادق في الرغبة، عنده رغبة؛ لأنه لو لم توجد هذه الرغبة ما دفع، فهذا برهان ودليل على صدقه، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم} [(24) سورة النساء] {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [(4) سورة النساء] فالصداق لا بد منه في النكاح.(41/8)
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعتق صفية" صفية بنت حيي بن أخطب، لما وقعت في الأسر في السبي، صارت من نصيبه -عليه الصلاة والسلام-، ولا تنبغي إلا له لأنها بنت كبير القوم، فلا تنبغي أن تكون إلا له -عليه الصلاة والسلام- "أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها" في هذا دليل على أن الرجل إذا أعتق أمته على أن يجعل العتق هو الصداق أن العقد صحيح، فتكون قيمتها فيما لو بيعت هي الصداق، وهذا ما يدل عليه حديث الباب، وبه يقول الإمام أحمد والشافعي وإسحاق وفقهاء الحديث، لكن من أهل العلم من يقول: إن الصداق لا بد أن يكون معلوماً، وقيمتها ليست معلومة ولا متفق عليها، قيمتها ليست معلومة، والأمر الثاني: إنها إن نكحها قبل العتق، يعني إن تزوجها قبل أن تعتق فلا يجوز نكاح الحر الأمة إلا إذا لم يجد طول الحرة، وإن وقع نكاحه لها بعد عتقها فهي حرة تقبل أو لا تقبل، الإشكال واضح وإلا ما هو بواضح؟ ولذا قال بعضهم: لا يجوز أن يكون العتق هو الصداق، يعني الحديث في الصحيحين ليس لأحد كلام، لكن هم من حيث النظر يقولون: إن كان النكاح حصل قبل العتق فلا يجوز؛ لأن الحر لا يجوز له أن يتزوج الأمة إلا إذا لم يجد طول الحرة، وإذا كان النكاح حصل بعد عتقه إياها وصارت حرة يجوز له أن ينكحها الأمر بيدها تحررت خلاص، ليس له أن يلزمها كغيرها، ويصير أسوة الخطاب، وكيف يكون العتق نفسه هو الصداق، لا بد أن يعتقها ثم يتقدم لخطبتها كغيرها، لكن القول الأول هو الصحيح، وإذا جاء نهر الله بطل معقل، هذا فعله وتصرفه -عليه الصلاة والسلام-، وهو الأسوة وهو القدوة، فلا يعارض فعله الصحيح الصريح بمثل هذه التعليلات، وإن كان لها حظ من النظر، هي لها حظ من النظر يعني ما جاءت من فراغ، لكن يبقى أن النكاح بهذه الصورة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو خالفت كل ما جاء، تبقى أن هذه الصورة خاصة لها حكمها الخاص، وإلا لو جاء شخص يبي يتزوج أمة أنت تستطيع طول الحرة؟ قال: نعم، إذاً ما يجوز لك أن تتزوج أمة ولو بذلت ما بذلت، وإذا اعتقها وخرجت من يده، لو كاتبها مثلاً، لو كاتبها ثم تزوجها لا بد من الاتفاق على مهر، وليكن المهر المبلغ الذي(41/9)
حصلت به الكتابة، يعني عندهم ينحل الإشكال، لو كانت أمة عنده وكاتبها على أوقية أو أوقيتن أو عشر أواقي، ثم قال: المبلغ الذي عندكِ نجوم الكتابة هو الصداق، وقل مثل هذا فيما لو كان في ذمة المرأة دين لرجل من الرجال، امرأة تحتاج إلى مصاريف تراكمت عليها القروض من هذا الشخص حتى بلغت خمسين ستين ألف، قال: أبداً المهر اللي عندك بذمتك، المال الذي بذمتك لي هو مهرك، وقبلت يصح أن يكون صداق وإلا ما يصح؟ يصح مال مما يتمول، يصح أن يكون صداقاً، فنجوم الكتابة يصح أن تكون صداق، لكن في مثل هذه الصورة أجازها الشافعي وأحمد وإسحاق وجمع من أهل العلم، وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها كما قال الإمام الترمذي، لكن القول الأول هو الصحيح؛ لأنه مطابق لما حصل منه -عليه الصلاة والسلام-.
وعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة فقالت: إني وهبت نفسي لك فقامت طويلاً، فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال: ((هل عندك من شيء تصدقها؟ )) فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك فالتمس شيئاً)) قال: ما أجد، قال: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((زوجتكها بما معك من القرآن)).
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل معك شيء من القرآن؟ )) قال: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((زوجتك)) أشار إليه؟
الطالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟
وفي هامش الأصل زيادة: ((هل معك شيء من القرآن؟ )) قال: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
هذه الزيادة لا بد منها، أقول: هذا أمر لا بد منه، ((هل معك شيء من القرآن؟ )) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((زوجتك بما معك من القرآن)).(41/10)
هذا الحديث عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة هذه واحدة وهبت نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي غير المرأة التي أشير إليها في القرآن {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [(50) سورة الأحزاب] هذه غير المرأة التي في الحديث، هذه المرأة جاءت تهب نفسها للنبي -عليه الصلاة والسلام-، سبق في حديث ابن مسعود أن الولي يعرض امرأته على رجل صالح، وهذه المرأة عرضت على نفسها على النبي -عليه الصلاة والسلام- بحثاً عن مصلحتها، فالعرض على الصالحين سواء من قبل الأولياء أو من قبل النساء هذا له أصل في الدين ومشروعيته ثابتة في السنة الصحيحة، وقوله: {خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [(50) سورة الأحزاب] يراد به النكاح بمجرد الهبة من دون صداق، هذا الخاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إن عرضت امرأة نفسها على رجل صالح وقبلها بالصداق بالطريقة المعروفة ما في ما يمنع أبداً تحمد على هذا، لكن الإشكال أن القلوب ليست سلمية، يعني لو سلمت القلوب فجاءت امرأة وعرضت نفسها على رجل تتوقع فيه الصلاح، ويغلب على ظنها أنه من أهل الصلاح والخير، فقبل ومشت الأمور هذا هو الأصل، لكن هل يحصل مثل هذا في كثير من الأحوال، لو جاءت امرأة تخطب رجل، أو جاء شخص يخطب ويهدي ابنته على رجل يتوقع فيه الخير والصلاح، ما الذي سوف ينقدح في ذهن هذا الرجل؟ ينقدح في ذهنه شيء غير ما يخطر على البال، وقد صرح به بعضهم، يقول: لو كانت سليمة ما فيها عيوب ما أهديت، وهذا سببه مرض القلوب، والدخل الذي دخل هذه القلوب، وإلا فالأصل المسألة على ظواهرها. . . . . . . . .، من صنع إليك معروف فكافئه، ولذا من رغب في شخص وخشي من هذه الحساسيات وهذه التصورات يدفع وسيط، يقول: لو ذهبت إلى فلان وقلت له: إن عند فلان بنت وأثنيت عليها ومدحتها وكذا بدلاً من أن يكون الأمر مباشر؛ لأن القلوب .. ، الغش موجود، والنصح يكاد يكون مفقود، الآن لو ذهبت إلى محل فقلت: بكم هذه السلعة؟ وقال لك: بمائة ريال،(41/11)
قلت: خلاص هذه مائة ريال اشتريتها لأول مفاوضة، ما قلت: لا بثمانين، بتسعين، على طول دفعت، وش ينقدح في ذهنه؟ قال: أكيد إنه مغبون، ما يشتري بهذه السرعة إلا أنها تسوى أكثر، لا لا دعها بمائة وعشرين، بمائة وخمسين، وقل مثل هذا في العكس، لو قال: بمائة ريال، وأنت قلت له: بخمسين، قال: نصيبك، قلت: لا يا أخي أصبر، هذه ما تجيب إلا عشرة هذه، لماذا؟ لأن النصح عز عند الناس، ووجد قضايا تجعل لهذه التصرفات أصل، وإلا أين نحن من حديث جرير بن عبد الله البجلي؟ "بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... إلى أن قال: "والنصح لكل مسلم" واشترى فرساً وقال لصاحبه: بكم هذا الفرس؟ قال: بثلاثمائة، قال: اشتريت، لكن فرسك يسوى أكثر، يستحق أكثر، بأربعمائة، قال: بعت قال: اشتريت لكن الفرس يستحق أكثر، فما زال يقاوله حتى وصل إلى الثمانمائة، يوجد مثل هذا في أسواق المسلمين؟! بل لو وجد يمكن أن يوصف بمسكة من عقل، وش اللي قائل عليه هذا؟ مغفل هذا مسكين، الصحابة بايعوا النبي –عليه الصلاة والسلام- على النصح لكل مسلم، وليس هذا خاصاً بهم النصح مطلوب، الدين النصيحة، لكن مع الأسف أنه وجد تصرفات من جميع الأطراف تجعل مثل هذه الحساسيات لها أصل، تجد السلعة في محل بمائة، تذهب إلى محل آخر يقول لك: بألف، لماذا؟ يقول: لو قلت: بمائة ما اشتريت، ما تشتري، يقول: أكيد هذه السعلة تقليد ما هي بأصلية، ويوجد هذا في السلع التي للنساء بهن علاقة، ومن الرجال من يشبه النساء في هذا الباب، قماش المتر بعشرة يباع في بعض المحلات، ويقول صاحب المحل: بمائة ريال، يناقش في هذا، يقول: يا أخي والله لو أقول: بعشرة ما راح، يصير رديء وهو نفس القماش، يصير رديء، هذه التصرفات الإشكال لا بد لها من حل جذري، وليس هذا بمبرر بأن نرفع القيمة أبداً، خله يجلس يا أخي، وكونك تكسب مكسب مقبول يقوم بحاجتك، ويفي ببعض أتعابك على هذه السلعة هذا هو الأصل، ويبارك لك فيه، أما هذه المضاعفات بحجة أنها لا تشترى أو تجلس، أو الناس يظنون بها الظنون، مو بصحيح، فالإشكال أن أسواق المسلمين ابتليت بمثل هذه التصرفات، ومن يرتاد الأسواق لكافة السلع يندر أن يجد رجل ناصح يعطيه النصيحة على وجهها(41/12)
ويصدق معه يمحضه النصيحة، ويبن له العيوب؛ لأنه وجد من الطرفين ما يعين على انتشار مثل هذه الأمور، وهذه لا بد لها من حل؛ لأننا بهذه التصرفات تنبئ على أن يظن بالناس أن الهدف الدنيا، وإلا لو كان الهدف الآخرة ما حصلت مثل هذه الأمور، ولو تصورنا الحديث الصحيح ((فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) وكم من إنسان يجني الأموال الطائلة بسبب مثل هذه التصرفات لكنها لا تنفعه، بل قد يحتاجها إلى أن يعالج بها نفسه، يصرف على نفسه علاج، إيش استفاد مثل هذا؟ لكن لو صدق وبين وهذه السلعة والله قيمتها كذا، وواحد يحكي قصة واقعة، يقول: أنا جالس في محل، شخص يبيع قماش، فدخلت امرأة فقالت: بكم؟ قال: بمائتين المتر، من غرائب الصدف أن هذا الرجل الجالس معه قطعة اشتراها من محل آخر من نفس القماش، فقال لها: خذي هذا القماش أنا اشتريته الآن بخمسة عشر المتر، قالت: تبي بعشرة إحنا نشري بخمسة، تبي بعشرة، لكن لو أقول لها: بخمسة عشر أو بعشرين قالت: رديء هذا ما .. ، كيف أحضر به محافل؟ وأحضر به أفراح؟ ما يصلح، ومقياس القيمة لو دخلت المكان صالة الأفراح وشافنه النساء، بكم المتر؟ بمائتين، دفعت لها الأموال علشان تجيب لهن مثله، وصايا، لكن لو عرفت أنه بخمسة عشر، وعرف الناس هذه ما تحضر الزواج هذه تلبس رديء؟ ما يصلح، فهذه إشكالات لا بد من حلها؛ لأن هذه مخالفات شرعية، فالنصح لا بد منه، ومثل ما عندنا الآن لو جاء شخص أحب آخر في الله، ورأى أنه تبرأ الذمة بتقليده هذا الأمر، وأهدى إليه بنته، قال: أكيد إن فيها عيب، لولا أن فيها عيب ما سوى كذا، اللي فيه خير ما يخليها تطير، هذا لسان المقال ما هو بلسان الحال، فالتحايل يبعث وسيط ويمدح هذه البنت ويؤجر -إن شاء الله- المهدي والوسيط -إن شاء الله-؛ لأنهم أرادوا هذا الشخص لدينه لا لدنياه.(41/13)
"فقالت: إني وهبت نفسي لك يا رسول الله، فقامت قياماً طويلاً" النبي -عليه الصلاة والسلام- جبل على مكارم الأخلاق، خلقه القرآن، أراد أن تنصرف مع حفظ شيء من كرامتها، وإلا لا حاجة له بها، لكن لو مباشرة قالت: إني وهبت نفسي لك، قال: والله ما لي حاجة، ليس لي بك حاجة، مثل هذا الرد يعني لا بد أن يقع في نفسها شيء المسكينة، فلا بد من مراعاة شعورها بأن لا ترد حتى تنصرف هي "فقامت قياماً طويلاً" جاء في بعض الروايات: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صعد النظر وصوبه، يعني رفع رأسه ونزله يشوف هل تناسب أو ما تناسب؟ لأن من مقاصد النكاح ما يدعو إلى النكاح، أما الإنسان إذا أهدي له أي شيء يبي يقبله بعد يمكن يتضرر الطرفان، صعد النظر وصوبه، وترجم عليه الإمام البخاري: باب النظر إلى المخطوبة، وأورد قصة عائشة، وأنها عرضت على النبي -عليه الصلاة والسلام- في المنام في سرقة من حرير فكشف عن وجهها، المقصود أن مسألة النظر إلى المخطوبة معروف جاء به النصوص، بل جاء الأمر به ((اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)).(41/14)
"فقال رجل: "يا رسول الله" عرف من قرينة الحال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يريدها "فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها" لما وهبت نفسها له، وهو الإمام الأعظم وعرف من حالها أنها ليس لها ولي خاص، والسلطان ولي من لا ولي له، فملكته أمرها، لما وهبت نفسها له ملكته أمرها "فقال رجل: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال: ((هل عندك من شيء تصدقها؟ )) " الصداق لا بد منه، عندك شيء، ولذا صار قيد، القدرة على مؤن النكاح قيد ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم)) {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [(33) سورة النور] هنا ((هل عندك من شيء تصدقها؟ )) قال: ما عندي إلا إزاري هذا" أمور ميسورة جداً، والتكاليف التي صارت عائق عن النكاح، وصارت حواجز للشباب والشابات على حد سواء، للذكور والإناث على حد سواء، يعني ما هو بمتضرر الشباب فقط، بل لو يقال: إن تضرر الشابات أكثر ما بعد من وجود هذه العوائق، والمشكلة أن الأعراف هي الحكم، والعادات هي المرجع، وبعض الناقصين من الرجال والنساء هم الذين يتصرفون ويتحكمون، طيب ما له داعي قصر بعشرين بثلاثين ألف؟ إيش يكون الرد؟ يقول: بنتي مطلقة تتزوج في بيت أو في استراحة؟! يعني هل مثل هذا يعقل ما يقول؟ وبعض القاعات مائة ألف، مائتين ألف لليلة الواحدة، بل هناك أرقام يعني خشية أن يُكذب الإنسان ما ينطق بها، مثل هذه في الغالب أن المآل الطلاق، وهذا هو الحاصل، يبالغ ويخسر ويكد ويكدح الأسرة كلها تبالغ وفي النهاية أقل من المتوقع تصير المرأة، فيكون المآل إلى هذا، هناك قصص يندى لها الجبين، إضافة إلى استعمال المنكرات، التي تدفع الأموال الطائلة بسببها وهي في الأصل محرمات، فرق تستقدم من الخارج من أجل الغناء بالأموال الطائلة، ونشكو من كثرة الشباب بدون زوجات، ونشكو من كثرة العوانس، ونريد حل ونضع الحواجز، الحل لا بد أن يكون جاد وعاجل أيضاً، وإلا فالوضع من خلال الأرقام التي نسمعها مخيف جداً، يعني تضع حواجز وعراقيل، وهي جامعية والخاطب ما عنده إلا ثانوي كيف تتم الحياة بين هذين؟ يعني كأنه .. هذا تصور النساء كيف يتم التفاهم بين امرأة جامعية مع(41/15)
شاب .. ؟ وفي النهاية تجلس عند أهلها ثم ترمى في أحضان سبعين ثمانين سنة، شخص لا يحسن شيء ما عنده ولا ابتدائي، ومتعطل من أكثر المنافع، هذه العواقب إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه وإلا النتيجة إيش؟ إن لا تفعلوا؟ نعم؟ تكن فتنة وفساد عريض، وهذا هو الحاصل.
((فالتمس شيئاً)) ابحث، قال: ما أجد، يعني مثل هذا يفكر بالزواج؟ يعني لو المسألة معاوضة بالنسبة للشاب الخريج أو الذي ما تخرج معاوضة يعني يمكن عمره كله ما يستطيع يجمع مهر، وإذا جمع المهر هل هذا الذي جمعه مهما بلغ من كثرة هل هو عوض لفلذة كبد هذا الرجل الذي كد عليها خمسة عشر، عشرين، خمسة وعشرين سنة؟ وفي النهاية يأخذها بهذا المهر الذي تعب عليه عمره كله وديون، ويستمر في أزمات نفسية بسبب المطالبات، وفي النهاية يصرف على المرأة وعلى بيتها، الأب لن يستفيد شيء من المهر، لكن أين العقول؟ يعني خل هذه الديون تأتي بالتدريج للنفقة عليهم وتنحل المشكلة، أما أن يلزم الشاب دفعة واحدة يستدين مائة ألف طيب متى يسدد؟ أو يبقى بدون زواج وتبقى البنت بدون زواج؟ فالمسألة لا بد فيها من النظر الجاد.(41/16)
"قال: ما أجد، قال: ((فالتمس ولو خاتماً من حديد)) " يعني ما في أقل من هذا، خاتم من حديد ولا من فضة بعد حديد، فالتمس فلم يجد شيئاً، وترجم الإمام البخاري في كتاب اللباس: باب خاتم الحديد، وأورد هذا الحديث، يستدل به على جواز لبس خاتم الحديد، وإنما جاء في كونه حلية أهل النار ضعيف، وأنه ضعيف " ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل معك شيء من القرآن؟ )) قال: نعم" معه شيء من القرآن، والذي معه شيء من القرآن لا تقوم له الدنيا بحذافيرها، ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً)) فإذا ارتفع بما معه من كتاب الله -جل وعلا- صار أرجح في الميزان الشرعي ممن حاز الدنيا كلها، ممن لا يتصف بهذا الوصف " ((هل معك شيء من القرآن؟ )) قال: نعم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((زوجتك بما معك من القرآن)) " فالباء هذه هل هي باء المعاوضة؟ يعني معك من القرآن هذا مهرها، فالعوض القرآن، وجاء في بعض الروايات: ((علمها ما معك من القرآن)) أو ((علمها سورة كذا وكذا)) كما جاء في بعض الروايات، فحينئذٍ تكون معاوضة، ومنهم من يقول: الباء سببية، يعني بسبب ما معك من القرآن، يعني أنت شخص تستحق من يزوجك لما معك من القرآن، وعلى هذا إذا قلنا: تعليم القرآن يصح أن يكون صداق، قلنا: جاز اصداق المرأة منفعة، المنافع لا يصح أن تكون صداق، وهذا دليل، تعليم القرآن منفعة، يصح أن يكون صداقاً، وموسى -عليه السلام- تزوج بنت صاحب مدين على أن يأجره ثماني حجج أو عشر، هذه منفعة والمنفعة التي تبذل فيها الأموال في حكم المال، يفترض أن موسى هذه الأجرة مشاهرة أو معاومة كل سنة بكذا، فأنت افترض ما يجنيه من هذه الأجرة دفعه صداق لهذه المرأة، وأنت افترض أن هذا الرجل أراد أن يعلمها كل يوم بكذا، أو كل شهر بكذا فصار هذا هو المهر، والجمهور على جواز أن يكون تعليم القرآن صداقاً لما جاء في هذا، والحنفية لا يجيزون أخذ الأجرة على تعليم القرآن من الأصل، فلا يجوز عندهم أن يكون مهراً، اللي ما تجوز عليه الأجرة يصح أن يكون مهر لأنه منفعة في حكم المال، لكن الذي لا يؤخذ عليه أجر كيف يكون مهر؟ فعندهم لا يجوز أخذ(41/17)
الأجرة على تعليم القرآن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح يقول: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) فيصح أن يكون تعليم القرآن مهر، طيب، هذا يعلم هذه المرأة القرآن، لو قال: علمني أنا القرآن وأزوجك بنتي؟ في الحديث: ((علمها القرآن)) وانتهى، مستفيد .... ، لكن لو قال الأب: علمني القرآن وأزوجك بنتي، يعني كما حصل لموسى، موسى عمل في مصلحة البنت أو مصلحة الأب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن وش استفادت هالبنت التي دخل بها؟ إيش الفرق بينها وبين أختها؟ يعني هذه البنت التي تزوجت هل صار لها ميزة في المهر؟ دعونا من كونها صارت امرأة نبي، يعني نريد أن ننزل الواقع على شخص عادي الآن موجود مثلاً، فالأب عنده مزرعة، المزرعة تأكل منها هذه البنت، وهذه البنت وينفق على هذه البنت وهذه البنت، وذاك الولد، وتلك المرأة، وما أدري إيش؟ والضرة وأخواتها من الضرة الأخرى على حد سواء، فقال: أزوجك فلانة على أن تعمل في هذه المزرعة، وش استفادت فلانة غير ما استفاده إخوانها؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كلهن. . . . . . . . .، اللي جاءهم ذا الجديد ريحهم كلهم، يريحها هي، ويريح أختها التي لم تتزوج أو متزوجة، وريح إخوانها الثانيين، إيش مصلحتها هي؟ خلينا على شريعة محمد، يعني لو قال: علمني أنا القرآن وأزوجك بنتي يصح وإلا ما يصح؟ المهر للبنت، المهر للمرأة للزوجة، وللأب أن يأخذ منه ما لا يضر بها، بخلاف غير الأب، فالملاحظ مصلحة البنت، نعم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع زعفران، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مهيم)) فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، قال: ((ما أصدقتها؟ )) قال: وزن نواة من ذهب، قال: ((فبارك الله لك، أولم ولو بشاة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(41/18)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع -أثر- زعفران" أثر زعفران، وقد جاء النهي عن التزعفر للرجال، جاء النهي الشديد عنه بالنسبة للرجال، فمن أهل العلم من أجازه في حال العرس، وخص به عموم النهي، يعني يتجاوز في العرس ما لا يتجاوز في غيره، ومنهم من قال: إن أثر الزعفران هذا ليس مقصوداً، يعني هو ما زعفر نفسه، وإنما علق به من مخالطة هذه المرأة، هي تزعفرت فلما خالطها انتقل إليه، يقال مثل هذا الكلام من أجل إيش؟ ما ثبت من النهي عن التزعفر للرجال.
"عليه ردع زعفران، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مهيم)) " أي ما شأنك؟ أو ما هذا؟ وهي كلمة استفهام مبنية على السكون "فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، قال: ((ما أصدقتها؟ )) " الصداق لا بد منه "قال: وزن نواة من ذهب" والمراد واحدة النوى، نوى التمر، وزن نواة ذهب، يعني قدر إيش؟ واحدة النوى نوى التمر، تسمونها إيش أنتم؟ نواة على أصله، تسمونها إيش؟ عجم، يسمونها غيركم؟ هاه؟ عبس، المقصود أن النوى معروف، لكن النوى فيه الكبير، وفيه الصغير، وفيه المتوسط، فقد يقول قائل: إن هذه جهالة في الصداق، ولا بد أن يكون معلوم، نقول: هو معلوم بين المتعاقدين دفع وانتهى، ما هو في الذمة، لكن هذه أمر تقريبي، قطعة من الذهب تزن نواة، ومنهم من يرى أن النواة من الذهب غير مقترنة بنواة التمر، وزن محدد للذهب، يعني جاء وزنها ربع دينار مثلاً، ربع دينار، وقال بعضهم: النواة من الذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق، يعني يصير ثابت، شيء ثابت، فلا يدخله الجهالة.(41/19)
"فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((بارك الله لك)) " فقوله: ((ما أصدقتها؟ )) دليل على أن الصداق لا بد منه، "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((بارك الله لك)) " فيه دعاء للمتزوج بهذا وهو مشروع، وجاءك ((بارك الله لك وبارك عليك))، و ((بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير))، ((أولم)) أمر بالوليمة، ((أولم ولو بشاة)) عبد الرحمن بن عوف من الأغنياء، فبالنسبة له أقل شيء يقدمه شاة، لكن من كانت حاله دون عبد الرحمن بن عوف يلزم بشاة ونقول: هذا هو الحد الأدنى؟ لا، كل إنسان بحسبه، ولذا أولم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتمر والسويق ما أولم بشاة، فدل على أن كل إنسان يقدم ما يليق به، وما يكون مقدوراً له، بحيث لا يكلف أكثر من قدرته وطاقته، وإلا يوجد الآن الإسراف والتبذير وأمور لا تحمد، ويكون مآلها النفايات، ويحصل بين المسلمين لا سيما أهل الثراء شيء ما يخطر على البال، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما أدري اليوم بكرة، لا بد نواصل، باقي بابين الحين ...(41/20)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الطلاق (1)
باب: العدة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال -رحمه الله تعالى-:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر ذلك عمر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتغيض منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: ((ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله -عز وجل-)).
وفي لفظ: ((حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها)).
وفي لفظ: "فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".(42/1)
الطلاق: من الإطلاق والإرسال وحل القيد، يعني إذا كانت الدابة موثقة فإطلاقها حل قيدها، والمرأة موثقة في حبال الزوج، موثقة في حبال الزوجية، وهي عوانة عند الزوج، عانية عنده، كما جاء في الحديث الصحيح، كأنها مأسورة، لكن مأسورة لمصلحته هو فقط أو لمصلحة الطرفين؟ لمصلحة الطرفين، وفائدتها من زوجها لا تقل عن فائدته منها، يعني امرأة تجلس في بيت مكرمة معززة هذا الأصل، هي ليست مهانة، يكد الرجل ويكدح طول نهاره من أجلها، ويقضي حوائجها، ويكفيها المؤنة، لا شك أن هذا له مقابل، يحتاج إلى مقابل، فهي عانية عنده، أسيرة عنده، وليست مهانة، ليس معنى هذا أنه أسر هوان، لا، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنه ليس بك هوان على أهلك)) فالمرأة ليست مهانة بحال، لكن المرأة في هذا الأسر، وفي هذا القيد الذي هو قيد الزوجية إذا رُئي أن هذا القيد لا يناسبها، وتضررت من هذا القيد الذي قيدت به شرعاً فلا نتصور من هذا الكلام أنه يجاب بحبال وتربط، لا، نعم، وإن قال بعضهم: فاهجروهن تربط بالحبل مثلما ما تهجر الدابة بالهجر لا لا هذا قول ضعيف جداً، لكن يبقى أن هذا القيد معنوي ما هو بقيد حسي، وكل مسلم مقيد بالعبودية لله -جل وعلا-، هل معنى هذا أن الناس مربطين ومكتفين بأيديهم وأرجلهم؟ لا لا، بل هو معززون مكرمون بشرف العبودية لله -جل وعلا-، وهم أحرار من عبادة المخلوق، والمرأة إذا كان هناك قيد للنكاح وهناك تكاليف منوطة بحقوق الزوج فهناك أيضاً قيود بالنسبة للرجال، وتكاليف وحقوق تجب للمرأة عليهم، طيب إذا كان هذا القيد فيه شد على المرأة أكثر من اللازم، نتصور المعنوي حسي، يحل هذا القيد، يعني جاء الشرع بحله، كيف يحل؟ بأي شيء؟ بالطلاق، وليس عندنا -ولله الحمد- آصار ولا أغلال، وليس عندنا ما عند الأمم الأخرى، تزوجت فلان انتهت، ليس لها كلام، لا إحنا عندنا حلول شرعية، فإذا كانت المصالح المترتبة على النكاح أقل من المفاسد المترتبة عليه عندنا حل وهو الطلاق، حل هذا القيد بالطلاق، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، فقد يجب الطلاق أحياناً، إذا تضررت المرأة وجب على الزوج أن يطلق، ومن غير حاجة لا يجوز للمرأة أن تسأل الطلاق، إذا(42/2)
وجدت الحاجة لكن من غير ضرر سجال، يعني قد ترتفع الحاجة فيقال: بالجواز، قد تنزل الحاجة فتكون حاجة لا أثر لها في الواقع، فيكره حينئذٍ؛ لأن الأصل في الشرع الحث على الاجتماع والالتئام والانسجام، واستمرار هذه المودة وهذه الرحمة، هذا الأصل، لكن إذا كان البقاء على هذا الأصل فيه ضرر على أحد الطرفين جعل الله -جل وعلا- الفرج بالطلاق، فإن كان المتضرر الزوج، نعم، يعني بقاؤه مع هذه المرأة ليس من مصلحته له أن يطلق، وإذا كانت المتضررة المرأة وبقاؤها مع هذا الزوج ليس من مصلحتها لها أن تخالع لكن بسببها.
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلق امرأته وهي حائض" وجاء في حديث له أن أباه أمره بالطلاق، ذكر ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- في قصة أخرى فقال له: ((أطع أباك)) فهل للأب أن يجبر أبنه على طلاق امرأته؟ وهل له أن يجبره على الزواج من فلانة أو علانة؟ وليس على الابن أن يطيع لأن الطاعة بالمعروف، نعم إذا كان الأب من الخبرة والمعرفة والدربة بخفايا الأمور وبواطنها مثل ما عند عمر بن الخطاب والابن قد يخفى عليه بعض الشيء، يتجه طاعة الأب، أما إذا كانت الأمور عادية، والأب أراد أن يطلق الابن زوجته، والابن تعلق بهذه المرأة وليس عليها ما يلاحظ، فالطاعة بالمعروف، كما أنه ليس له أن يجبره على أكل معين أو شرب معين، نعم الطاعة بالمعروف لكن الأصل البر، والإلزام بالمعروف.(42/3)
"طلق امرأته وهي حائض" يعني حال الحيض وطلاق الحائض لا يجوز، بدعة، ولذا أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- .. ، أولاً تغيض النبي -عليه الصلاة والسلام-، ذكر ذلك عمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- فتغيظ منه، تغيظ لأنه أوقعه على غير الوجه الشرعي، طلاق بدعي ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فالطلاق في الحيض محرم، ولذا تغيظ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: ((ليراجعها)) وفي راوية: ((مره فليراجعها)) مسألة الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به؟ مسألة خلافية طويلة الخلاف عند أهل العلم، وهنا هل ابن عمر ملزم بما بلغه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بواسطة أبيه؟ نعم ملزم، (مره) فهذا أمر بالأمر بالشيء؛ لأنه مكلف يتجه إليه الإلزام، لكن ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) هل الأمر بهذا الأمر على سبيل الإلزام؟ هم غير مكلفين، إنما هو أمر استحباب، الأمر متجه للأولياء، يجب عليهم أن يأمروا أولادهم، لكن الأولاد أمره بذلك على سبيل الاستحباب؛ لأنهم غير مكلفين.
((ليراجعها)) والرجعة إنما تكون بعد الطلاق، الرجعة إنما تكون بعد الطلاق ((ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر)) قد يقول قائل: لماذا كل هذا التطويل؟ مو بالمقصود أن تطلق في طهر لم يجامعها فيه، هي الآن حائض طلقها راجعها، ثم طهرت ولم يجامعها في هذا الطهر، وش المانع أن يطلقها في هذا الطهر؟ يقول أهل العلم: لئلا يكون إمساكها من أجل الطلاق، ومعاقبة له بنقيض قصده حيث أوقع الطلاق قبل وقته، فيأمر بالتريث أكثر من اللازم، ومنهم من يقول: لأجل أن تترك له فرصة لعله أن يعيد النظر، لعله يطأ بعد ذلك، ثم قال: ((مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر)) يعني تطويل المدة هنا ليس القصد منه الإضرار بالزوجة، إنما القصد منه عله أن يطأ، عله أن يرغب عما أقدم عليه، كتب بعض المعلقون على الكتب، ويجرءون على تحقيق الكتب من غير أهلية، فقال: كان هذا الأمر لما كانت العدة قبل الطلاق، في عدة قبل الطلاق؟ فهي تعتد الآن بحيث أنه إذا طلقها في الطهر الثالث تصير انتهت العدة، والله المستعان.(42/4)
((فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها)) ليكون طلاقها سنياً في طهر لم يجامعها فيه ((فتلك العدة كما أمر الله -عز وجل-)) {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] فتلك العدة كما أمر الله -عز وجل-.
وعن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، وفي رواية: طلقها ثلاثاً فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، فقال: ((ليس لك عليه نفقة)) وفي لفظ: ((ولا سكنى)) فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: ((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني)) قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية ابن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكي أسامة بن زيد)) فكرهته، ثم قال: ((أنكحي أسامة بن زيد)) فنكحته، فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت به.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن فاطمة بنت قيس -قرشية فهرية -رضي الله عنها- أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب" في رواية: طلقها ثلاثاً، وطلاق الثلاث طلاق ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مبتدع، ولذا يقول أهل العلم: ثلاثاً يعني تكملة ثلاث، يعني طلقها ثلاث مرات، ليست في لفظ واحد كما يوحي بذلك النص، البتة التكملة، يعني بت طلاقها بإيقاع الثالثة المبينة، وفي رواية: طلقها ثلاثاً فأرسل إليها وكليه بشعير، أرسل إليها بشعير، نفقة شعير، والشعير عند الناس دون غيره من الأطعمة، كما يقولون: إن الشعير مأكول مذموم، إذا أرادوا أن يشبهوا شخصاً بعظم نفعه وعدم اعتراف الناس له، يقولون: فلان مثل الشعير مأكول مذموم، غذاء نافع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل خبز الشعير "فسخطته" المسألة مسألة جدة وقلة، قد يكون العسل مذموم عند بعض الناس، قد يكون أطايب الطعام مذموم عند الناس، وقد يكون أردئ الأطعمة محمودة عند بعض الناس، المسألة مسألة نسبية.(42/5)
"فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته" من باب النفقة عليها "فقال: والله ما لك علينا من شيء" خلاص أنت لست بزوجة، يعني إذا كانت الرجعية في حكم الزوجة ترث وتورث في العدة، نعم، وله أن يراجعها ويمسكها، ولا يجوز إخراجها من بيته إلا أن تأتي بفاحشة، فالمرأة المبتوتة إلى متى؟ خلص انتهت العلائق، "قال: والله ما لك علينا من شيء" أقسم على النفي وأكده بـ (من) فجاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له، هذا الحاصل، أرسل شعير وأنا لا أريد الشعير ثم أقسم، وهي تريد النفقة والسكنى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} [(6) سورة الطلاق].
"فذكرت ذلك له، فقال: ((ليس لك عليه نفقة)) وفي لفظ: ((ولا سكنى)) فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك" مأمور بالنفقة، ومأمور بالسكنى للمطلقة عموماً، خصت البائن بهذا الحديث، البائن خصت بهذا الحديث، جاء الأمر بالنفقة، وجاء الأمر بالسكنى أيضاً، لكن البائن خصت بهذا الحديث، فلا نفقة لها ولا سكنى، لكن إن كانت البائن حاملاً، إن كانت حامل، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
{وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(6) سورة الطلاق] "فأنفقوا عليهن" النفقة لها أو للحمل؟ لها وإلا للحمل؟ ما تذكرون عبارة الزاد؟ الزاد يقول: والنفقة للحمل نفسه لا لها من أجله، ما بعد ولد الآن، الآن حمل في بطنها، يقول: النفقة للحمل نفسه لا لها من أجله، كيف الحمل نفسه ويش اللي يجاب للحمل إذا كان ليس لها؟ العبارة سهلة وواضحة وإلا صعبة؟ اللي يفهم من ظاهر العبارة أنه يؤتى بالآت تغذي الحمل في جوفها ولا لها علاقة؛ لأنه وش يقول؟ "والنفقة للحمل نفسه لا لها من أجله" لا لها، وش لها؟ سبحان الله، يقول: "لا لها من أجله" يعني ليست النفقة لها من أجل الحمل، لا، والنفقة للحمل نفسه لا لها من أجله، نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال ذكروا فوائد مرتبة على هذه العبارة، ولا بد من مراجعة، تراجعوها؛ لأن الحديث طويل، وعندنا باب العدة إن أمدانا عليه، لكن باب العدة أربعة أحاديث.(42/6)
"وفي لفظ: ((ولا سكنى)) فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك" أم شريك هذه امرأة من القواعد لا حاجة لها بالرجال "ثم قال: ((تلك امرأة يغشاها أصحابي)) " وهي امرأة صالحة، وليست لها حاجة بالرجال، وليس في هذا مستمسك لمن يقول: بأن الرجل يدخل على المرأة، والمرأة تدخل على الرجال، أبداً، إذا وجد امرأة في مواصفاتها لا يلتفت إليها الرجال، وهي امرأة صالحة، ولم يحصل خلوة بذلك الأمر فيه سعة ((امرأة يغشاها أصحابي)) اعتدي عند ... ؛ لأنه إذا كان يغشاها الرجال وهذه معتدة .. ، شوف لما كان الأمر يخشى من الفتنة، يعني مع أمن الفتنة لهذه العجوز كبيرة السن أم شريك يغشاها أصحابي، لكن لما وجد مجال للفتنة، وصارت المرأة هذه المطلقة مثار فتنة لا يجوز أن تبقى في هذا البيت؛ لأن هذا البيت يغشاه الرجال، لكن بعض المفتونين يبي يأخذ: هذه امرأة يغشاها الرجال، ولا ينظر إلى المسألة التي من أجلها سيق هذا الكلام، وأن المرأة المطلقة لا يجوز أن تبقى في بيت يغشاه الرجال، طيب ((اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنني)) رجل أعمى لا يرى، أولاً: مسألة وضع الثوب في غير البيت، وضع المرأة ثوبها في غير بيتها جاء الوعيد عليه، لكن هذا مقرون بالفتنة، وإلا قد تضطر المرأة أن تضعه في غير بيتها، قد يكون ضرورة، في بيت أخيها واحتلمت وين تضع ثيابها بعد؟ نقول: يلزمك أن تذهبي إلى بيتك وتضعين ثيابك؟ أو كانت مسافرة؟ المسألة يعني تقدر بقدرها، والوعيد إنما جاء ليحد من تساهل بعض الناس، أما إذا قامت الضرورة إلى وضع الثياب مع أمن الفتنة فلا بأس جاءت الأدلة بهذا.(42/7)
((تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنني)) طيب هو رجل أعمى، لكن هي تبصر، وغض البصر كما هو مطلوب من الرجال هو مطلوب من النساء، لا يجوز للرجل أن ينظر إلى امرأة أو إلى نساء بحال، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تحدد في الرجال أو رجل بعينه؛ لأن أمر النساء مثل أمر الرجال بنص القرآن {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] على حد سواء، هذا الرجل الأعمى في مثل هذا الظرف امرأة مطلقة، وليس لها من تأوي إليه من أقارب ومعارف،. . . . . . . . . عينه هذا لا يجوز؛ لأنها مأمورة بغض البصر، وهذه المشكلة الآن بإمكانها أن تنظر للرجال وهي في بيتها في مخدعها من خلال هذه الوسائل، لكن لا يجوز لها أن تنظر إلى وجوه الرجال وتحدد فيهم، نعم تنظر للرجال وهم منصرفون ذاهبون أتون، ولا تحدد في رجل بعينه؛ لأنها مأمورة بغض البصر، ولو كان في آلة؛ لأن النظر قد يقول قائل: إذا كان على الطبيعة يمكن يحصل بينهم شيء، لكن آلة وش تبي تسوي؟ إذا أنقدح في ذهنها أو وقع في قلبها النظر إلى الرجال أو إلى رجل بعينه مشكلة هذه، تتحرك لديها الرغبة، تتحرك الشهوة، تسعى فيما بعد، هذه أمور خطيرة جداً.
"فإذا حللت فآذنني" يعني فأعلميني "قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان" الصحابي الجليل كاتب الوحي الذي تولى الخلافة بعد علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع- "وأبا جهم خطباني" أبا جهم هو صاحب الإنبجانية، وليس هو أبو جهيم راوي حديث التيمم "خطباني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما أبو جهم)) " هذه نصيحة ((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) وهذه كناية إما عن كثرة الأسفار، يعني صاحب أسفار كثيرة، والغالب أن المسافر يضع العصا على عاتقه لما قد يعترضه في سفره، يتقي به ما يعترض، أو لأنه كما جاء في بعض الروايات ضراب للنساء، فمثل هذا ما ينصح به، بل يحذر منه، والمجال مجال نصيحة.(42/8)
((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه)) استمرار العصا على العاتق أو نقول:. . . . . . . . . مبالغة؟ مبالغة؛ لأنه يضع العصا إذا أراد أن ينام، وإذا أراد أن يصلي، وإذا أراد أن يأكل، وبمثل هذه المبالغة بل بهذه المبالغة جاء النص، والمبالغة لا شك أن فيها ما يخالف. . . . . . . . . ما يخالف الواقع حده؟ يعني داخل في حد الكذب، لكن مثل هذه المبالغة التي جاء بها الشرع لا تدخل في حد الكذب الممنوع، وقل مثل هذا في المناظرات، يعني إذا ترجحت المصلحة على. . . . . . . . . الإكثار، جانبية مغمورة في بحار المصلحة، المناظرات مثلاً شخص واحد يعقد مناظرة بين طرفين، هو صادق وإلا كاذب؟ يعني هل حصلت هذه المناظرة؟ ما حصلت، يعقد مناظرة بين العلوم، قال علم التفسير، قال علم الحديث، وهذا ما حصل، عندنا المبالغات والمناظرات والمقامات، حدث الحارث بن همام قال، ما حَدث ولا حُدث، لكن ترتب عليها مصالح كبيرة، هذه أجازها أهل العلم للمصالح المترتبة عليها، وإن كانت خلاف الواقع، وداخلة في حد الكذب، لكنه من الكذب. . . . . . . . . الذي عليه المصلحة، وجاء من النصوص ما يدل على جوازه للمصلحة الراجحة.
((أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له)) أكبر خليفة عرفته الدنيا صعلوك لا مال له، هذا في وقته صعلوك ما عنده مال، والمقصود بالمال ما يتمول، وتشترى به البضائع والأموال وإلا عندهم ما يسمى مال، عنده ثوب، أقل الأحوال الثوب الذي عليه مال، لكن المراد بذلك القدر الزائد على هذا، والمال مطلوب في النكاح، شخص لا يملك شيء يريد ... ، مأمور بالاستعفاف، وهذه نصيحة من النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذه المرأة.(42/9)
((لا مال له، انكحي أسامة بن زيد)) حب النبي -عليه الصلاة والسلام- وابن حبه ((انكحي أسامة بن زيد)) فكرهته. . . . . . . . .، مولى كرهته، والكفاءة في النسب غير مطلوبة في النكاح بدليل هذا الحديث ((انكحي أسامة بن زيد)) معروف أنه مولى بن مولى وهذه قرشية، فيجوز نكاح القرشية للمولى، والكفاءة إنما هي في الدين، ولذا ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الأكفاء في الدين، وأورد فيه حديث ضباعة بنت الزبير، أخرجه البخاري في هذا الباب، وجزم أكثر من شخص، بل من العلماء من جزم بأن البخاري لم يخرج حديث ضباعة "إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال: ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) " يبحثون في كتاب الحج ما في، كتاب الإحصار ما فيه، وين يوجد هذا الحديث؟ في النكاح، باب الأكفاء في الدين، طيب إيش علاقة الحديث؟ لأن في آخره: "وكانت تحت المقداد" المقداد مولى، وهي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولذا ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- باب الأكفاء في الدين، وهنا هذه القرشية أمرت بأن تنكح أسامة مولى ابن مولى.
"تقول: فنكحته فجعل الله لي خيراً، واغتبطت به" حمدت العاقبة؛ لأنها قبلت المشورة النبوية.
يعني نقف على باب العدة.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى-، وغفر له ولشيخنا، وللحاضرين:
باب: العدة(42/10)
عن سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي، وكان ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل لم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل أبن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة لعلك ترجين للنكاح؟ والله ما أنتِ بنكاح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد كللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي، قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت، وإن كان في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العدة
العدة: مدة التربص والانتظار، والمتوفى عنها المطلقة بعد الدخول، أما من طلقت قبل الدخول ليس عليها من عدة، تبقى المطلقة بعد الدخول، والمتوفى عنها مطلقاً سواء كان. . . . . . . . . {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} [(228) سورة البقرة] {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ} [(234) سورة البقرة] فالعدة مدة التربص، والإحداد قدر زائد على مسألة العدة بالنسبة للمتوفى عنها.(42/11)
يقول: "عن سبيعة الأسليمة أنها كانت تحت سعد بن خولة، وهو من بني عامر بن لؤي" سعد بن خولة الذي تقدم في حديث سعد بن أبي وقاص يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة "وكان ممن شهد بدراً، فتوفي عنها في حجة الوداع". . . . . . . . . بمكة، وأما سعد بن أبي وقاص الذي خشي أن يموت بمكة، فطمأنه النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ولعلك أن تخلف)) يعني تعيش بعد هذه السنة، وخلف طويلاً كما سمعنا سابقاً "فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته" فالمطلقة الحامل، المتوفى عنها الحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل، ولو بلحظة؟ نعم ولو بلحظة، طيب هذه انتهت عدتها يلزمها إحداد أو ما يلزمها إحداد؟ يعني هل الإحداد واجب مستقل أو تابع للعدة؟ يعني يلزمها إحداد ولو خرجت من العدة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
مرتبط بالعدة. . . . . . . . .، فعندنا المتوفى عنها تنتظر أربعة أشهر وعشر كما سيأتي،. . . . . . . . . هذا عام في كل من توفي عنها زوجها حاملاً كانت أو حائلاً {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق] وهو أيضاً عام في المطلقات والمتوفى عنهن. . . . . . . . .
يفعل لهن، يأتي مناسبة للجمع بين الأمرين، أو في أثناء هذا الحديث -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
أو بعد وفاته بساعة احتمال، بعد وفاته بيوم احتمال، بعد وفاته بشهر، أسبوع احتمال، المهم أنها بعد وفاته وقبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام، فالوصف الذي علق به انتهاء العدة {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق].
. . . . . . . . . والنصف من الليل يسأل، طيب ما الذي دعاك أن تتصل في هذا الوقت؟ قال: أنا حصل مني طلاق والزوجة في الطلق، يمكن ما تنتظر الفجر، تخرج من العدة يصير ليس له عليها سلطان، هل وقع وإلا ما وقع؟ يعني تنتهي العدة بوضع الحمل ولو بعد ربع ساعة، يعني له وجه يسأل في هذا الوقت وإلا ما له وجه؟
يقول: "لم تلبث أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها" تعلت يعني مدة النفاس فرغت من نفاسها "تجملت للخطاب".
طالب:. . . . . . . . .(42/12)
لا لا يعني في تقدير الناس، امرأة خرجت من نفاسها أربعين يوم بعد الوضع وتجملت للخطاب، وفي الواقع؟ تأخرت، يعني لما ولدت تجملت وش المانع؟ انتهت عدتها "فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك -رجل من بني عبد الدار- فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ " كأنه يراها استعجلت؛ لأنه الذي يفهم من حكم هذه المسألة أن المتوفى عنها تمكث أربعة أشهر وعشرة أيام "ما لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح؟ " أو تُرجين، ضبط بهذا وهذا، نعم؟ إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش أقول أنا؟ ماذا قلت أنا؟ ضبطت بهذا وهذا، ما نأتي للجر للطباعين ونرد به على .. ، ترى ما يصلح، على كل حال الضبط صحيح تَرجين "فلعلك ترجين النكاح والله ما أنتِ بناكح" أقسم حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر، يلزمه كفارة أو ما يلزمه كفارة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ "والله ما أنتِ بناكح" يعني بناء على غلبة ظنه، والذي يحلف على غلبة ظنه لا يلزمه كفارة، الأحكام مبنية على غلبة الظن كالذي أقسم الذي وطء في نهار رمضان قال: والله ما بين لابتيها، عنده مسح شامل لبيوت المدينة أنه ما يوجد أفقر منه؟ لكن يغلب على ظنه أنه لا يوجد أفقر منه، يعني أنت لو تدخل على أسرة تجد ما عندهم فرش ولا مكيفات ولا ثلاجة ولا كذا ولا كذا. . . . . . . . . أنه ما في جدة أفقر منهم، لكن يمكن في بيت ثاني ما عندهم ثلاجة ولا فرش ولا مكيف ولا شيء وعليهم ديون، أنت وش اللي فيك؟ أيهما أفقر؟ أنت حلفت على غلبة ظنك ما يلزمك شيء، ولذا الذي وطء في نهار رمضان قال: والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، ما. . . . . . . . . من دليل.(42/13)
"والله ما أنتِ بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر" {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [(234) سورة البقرة] هذه عدة المتوفى عنها هذا الأصل فيها، والمراد بذلك غير الحامل، وأما بالنسبة للحامل فعدتها، {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(4) سورة الطلاق] وإن كان عاماً في المطلقة والمتوفى عنها إلا أن حديث الباب يدخل المتوفى عنها دخولاً منصوصاً عليه في العموم، "قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت" نعم إذا وجد إشكال لا بد من السؤال، ما قالت هذا صحابي ودليله من القرآن، تسأل، لعل في المسألة ما يعارض الدليل مما لم يطلع عليه "فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت" ما راحت في النهار، لماذا؟ لأن المساء أستر للنساء من النهار "فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي" يعني فور وضع الحمل، وقت وضع الحمل "وأمرني بالتزويج إن بدا لي" فمن يقرأ هذا الحديث من قائل يقول: استعجلت، يمكن إنها يوم واحد وأربعين تجملت للخطاب استعجلت، ومن قائل يقول: تأخرت؛ لأن لها أن تتجمل فور ولادتها.
"قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر" هذا معروف من أدلة أخرى، ولذا العقد على الحائض والنفساء صحيح وإلا غير صحيح؟ صحيح، يعقد على المرأة وهي حائض، كثير ما يأتي السؤال عن هذا، يستشكل، يسمعون عن طلاق الحائض فيظنون أن العقد على الحائض فيه ما فيه، لا ما في شيء، وهنا النفساء لو كان في يوم الولادة وهي بالمستشفى يمكن يعقد عليها وش المانع؟ في اليوم الأول من الولادة يعقد عليها، والعقد صحيح؛ لأنها انتهت علائقها بالزوج الأول المتوفي.(42/14)
"قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: قد أقتاها بأنها حللت، حلت للخطاب حين وضعت الحمل، ووضع الحمل يكون بانفصال ما تبين فيه خلق الإنسان، وأحكام الأم تتعلق بما فيه خلق الإنسان ولو كان خفياً، وأحكام الطفل من التغسيل والتكفين والصلاة عليه معلقة بإيش؟ بنفخ الروح، طيب هذه حملته فطلقت في الشهر الرابع أو في الشهر الثالث، طلقت في الشهر الثالث من الحمل، فعلى هذا يبقى على الولادة الطبيعية ستة أشهر استعجلت، بعد شهرين تبين الخلق وغلب على ظنها أنه تبين الخلق فأسقطته، تخرج من العدة وإلا ما تخرج؟ أو يقال: هذه تعامل بنقيض قصدها لأنها استعجلت؟ نعم؟ بفعلها يعني بفعلها استعجلت، ولو أسقطت فيه. . . . . . . . .؟ ويصدق عليها أنها وضعت الحمل؟ يعني ما في أحكام يعامل فيها المكلف بنقيض قصده؟ هي استعجلت، ومن تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، قاعدة عند أهل العلم، تتجمل للخطاب في اليوم الذي أسقطت فيه الحمل وإلا تنتظر حتى تمضي العدة المعتادة معاملة لها بنقيض قصدها؟ ومعاقبة لها بالحرمان؟ والاعتداد والعدة وما يتبعها من إحداد الزوج له نصيب، فكونها تسعى لإسقاط حق الغير ما تملك، فالذي يظهر لي الآن أنها تعامل بنقيض قصدها،. . . . . . . . . الحمل المعتاد، تجلس إلى الحمل المعتاد، على أن الإسقاط يجيزه أهل العلم قبل الأربعين بدواء مباح، ولا بد أن يربط بالحاجة، وأمر الإسقاط والإجهاض أمر يحتاج إلى مزيد عناية ...(42/15)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الطلاق (2)
تكملة أحاديث الطلاق
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وأمر الإسقاط والإجهاض أمر يحتاج إلى مزيد عناية؛ لأنه كثر في هذه الأيام بعد أن كثرت المشاكل، فلا بد أن يولى عناية فائقة، وما كان مجوزاً عند أهل العلم في السابق لا بد أن يحتاط فيه الآن؛ لأن الحمل لا شك أنه يحد من انتشار الجريمة، فإذا سهل أمر الحمل خف وزن الجريمة عند بعض ضعاف النفوس، فلا بد أن يحتاط لهذا الأمر، طيب حملت بتوأم اثنين يكفي خروج الأول أو لا بد من خروج الثاني؟ يعني إذا خرج الأول ما يقال: وضعت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والنفاس من أين؟ من أولها، أول النفاس من أولها فعلى هذا يتصور أن امرأة حملت بتوأم ويعقد عليها بين الاثنين، وضعت الأول يتم العقد عليها، تتجمل للخطاب إلى أن يطيح الثاني، نعم المسائل فيها بعد لكنها متوقعة يعني ما هي بمستحيلة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
براءة الرحم، لكن هل يتصور أنه يمكن أن يختلط النسب؟ هل للثاني أن يقربها قبل أن تطهر من نفاسها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
لكن الآن وضعت الأول وأحكام النفاس مرتبطة بالأول، ويصدق عليها أنها وضعت حمل، الذي علق به الخروج من العدة هنا، نعم، ولن يقربها، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
وهي تبقى؟ ما دام الثاني موجود حامل {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [(6) سورة الطلاق] والحمل مصدر مضاف يفيد العموم، لا شك أن الاحتياط أن تنتهي من وضع جميع ما في بطنها، لكن النفاس معلق بوضع الأول.
"وأمرني بالتزويج إن بدا لي" يعني وكل الأمر إليها "قال ابن شهاب: ولا أرى بأساً" لأن لو لم تقل: "إن بدا لي" فالأمر بالتزويج حكمه؟ يعني افترض إن "بدا لي" ليست موجودة "وأمرني بالتزويج" واجب أو مستحب؟ أو نقول: أمر بعد حظر فيرجع إلى حكمه قبل الحظر؟
اقرأ الحديث الثاني.(43/1)
وعن زينب بنت أم سلمة قالت: توفي حميم لأم حبيبة فدعت بصفرة فمسحته بذراعيها، وقالت: إنما أصنع هذا لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)).
الحميم: القرابة.
وعن أم عطية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيباً إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار)) العصب: ثياب من اليمن فيها بياض وسواد.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(43/2)
"وعن زينب بنت أم سلمة قالت: توفي حميم" حميم قريب، القريب مطلقاً أو في هذا الحديث؟ هل يلزم من هذا أن يكون قريب أو صديق محب؟ المقصود من له أثر في النفس، توفي حميم المراد به قريبها "لأم حبيبة فدعت بصفرة فسمحت بذراعيها" بصفرة، لماذا؟ لئلا يظن بها أنها محدة؛ لتبين للناس أنها غير محدة، فإذا خشي الإنسان أن يتهم بشيء عمل عملاً ينفي عنه هذه التهمة، ومن هذا ما يصنعه بعض السلف إذا كان صائماً وظهرت أمارات الصوم عليه ادهن؛ ليظهر للناس أنه ليس بصائم، بل قد يبدو على أطرافه ما يدل على أنه أكل قريباً وعلى شفتيه، وهذا من إخفاء العبادة، وبالمقابل لو أن إنساناً قبل أذان المغرب من يوم الاثنين مثلاً حمل كيساً فيه التمر والماء والقهوة، ودخل المسجد، وفل الصماط، ووضع التمر والماء، وجهز القهوة، وهو ما صام، يقول: الأكل في المسجد جائز، كون ما آكل حتى يؤذن بعد وش اللي يمنع؟ مثل هذا ينبغي وإلا ما ينبغي؟ يذم أو ما يذم؟ نعم؟ يذم بلا شك، ولذا جاء في الحديث -حديث عمر-: ((من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) نعم الهجرة من أجل الدنيا فيها شيء وإلا ما فيها شيء؟ ما فيها شيء، هجرة من أجل الزوجة ما فيها شيء، بحث عن زوجة في بلد ما وجد وهاجر إلى بلد آخر ليتزوج ما فيها شيء، سيقت مساق الذم هنا؛ لأن من هاجر وهو سبب ورود الحديث. . . . . . . . . أظهر أنه هاجر من أجل إيش؟ من أجل. . . . . . . . .، فذُم، وإلا فالأصل ما يستحق ذم، هذا الذي أكل في المسجد مع أذان المغرب هذا الأصل أنه أكل مباح، وكونه انتظر إلى الآن مباح، لكن كونه يظهر للناس من خلال عمله أنه يتقرب إلى الله، وأنه صائم، وينظر إلى الأبواب كل من دخل قال: تفضل يا فلان، هذا يظهر للناس أنه صائم فيذم من هذه الحيثية، وهذا عكس ما كان يفعله خيار الأمة وسلفها من إخفاء العبادة.(43/3)
هذه خشية أن تتهم بأنها محدة، وأرادت أن تظهر هذه السنة "فقالت: إنما صنعت هذا لأني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث)) " وقل مثل هذا في أكل التمرات قبل الحضور لصلاة عيد الفطر؛ لأن بعض الناس قد يقول: أنا أستمر صائماً، صائم ثلاثين يوم وجالس ليلة العيد في المسجد تبع الاعتكاف، ولا أخرج إلا إلى صلاة العيد، أبا استمر إلى أن أصلي العيد، نقول: لا، لا بد أن تظهر خلاف ما كنت عليه لأن هذا يوم يحرم صيامه.
يقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث)) لا شك أن موت القريب، موت الصديق، موت الحميم، هذا له أثر في النفس، وقد لا يطيق بعض الناس مثل هذه المصيبة، فينجمع على نفسه، ويترك بعض الأمور المباحة هذا نوع من الإحداد، لكن أكثر من ثلاثة أيام لا يجوز ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث)) لامرأة طيب يحل للرجل أو لا يحل؟ لا يحل البتة ولا يوم للرجل، يحل للدول تنكس الأعلام؟ لا يجوز أبداً، تحد ما يجوز، تسمعون أنتم إذا مات زعيم وإلا مات أحد نكسوا الأعلام، وأعلنوا الحداد لمدة كذا، نعم لا يجوز هذا.
((لا يحل)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أولاً: الإحداد من شأن النساء ما هو من شأن الرجال، وعلى الزوج خاصة، لكن لما كان بعض الأمور يصعب انفكاك الإنسان منها، أبيح للمرأة أن تحد على الميت ثلاث فأقل.
" ((إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)) قال: الحميم القرابة" والمراد بالإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها من الزينة، من لباس وطيب ونحوهما، وكل ما كان من دواعي الجماع، هذه المحدة، فتمتنع عن هذا كله ((إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)) والتحديد لهذه المدة لتعلم براءة رحمها بيقين؛ لأن الوالد يتكامل تخليقه ونفخ الروح فيه في هذه المدة، نعم.(43/4)
"وعن أم عطية -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تحد امرأة)) " لا تحد نفي وإلا نهي؟ نفي، و (لا) إيش؟ لا تحد نهي، ما الذي نصبه؟ تضعيف الآخر، ولذا لو فك قيل: لا تحدد، مثله {وَمَن يَرْتَدِدْ} [(217) سورة البقرة] في موضع، وفي الموضع الآخر {مَن يَرْتَدَّ} [(54) سورة المائدة] مثله.
((امرأة على ميت)) امرأة نكرة في سياق النهي أو النفي فتعم كل امرأة، كبيرة صغيرة، قريبة بعيدة ((على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً)) فالمحدة التي يجب عليها الإحداد لا تلبس ثوباً مصوغاً؛ لأن فيه زينة، فيها بياض وسواد يعني مخططة، والعادة أن المخطط ثوب زينة، لكن استثني هذا لأنه مع كونه مخططاً ليس من لباس الزينة ((ولا تكتحل)) لأن الكحل يجمل، وهي ممنوعة من استعمال أدوات التجميل، فالمكاييج بأنواعها ممنوعة من قبل المحدة، لا يجوز لها أن تستعمل شيئاً من ذلك، فهي ممنوعة من أن تتصرف في بدنها ما يرغب الناس فيها ولا في ثيابها ((ولا تكتحل ولا تمس طيباً)) لأنه يدعو .. ، فإذا منعت من الكحل ومنعت من الثياب المصبوغة فلئن تمنع من الطيب من باب أولى؛ لأنه يدعو إلى نكاحها ويرغب فيها.
((ولا شيئاً)) ولا شيئاً ولا تمس طيباً، ولا شيئاً، شيئاً نكرة في سياق النهي، ولا تمس نفي على كل حال هي عامة، وشيئاً مغرقة في العموم، هل يعني هذا أنها لا تلمس الجدار، لا تمس طاولة، ما تمس باب، ما تمس ..
طالب:. . . . . . . . .(43/5)
شيئاً إيش؟ طيب شيئاً من إيش؟ من الزينة أو من الطيب مما عطف عليه؟ ((لا تمس طيباً ولا شيئاً)) يعني العطف يقتضي المغايرة، فالثياب نص عليها، والكحل نص عليه، يدخل في الثياب كل ما يلبس، ويدخل في الكحل كل ما يجمل الوجه، والطيب بأنواعه، ثم قوله: ((شيئاً)) يشمل كل ما يرغب في نكاحها، فهي ممنوعة بهذه اللفظة، ولو لم توجد هذه اللفظة لاقتصرنا على المذكور، وهناك أمور تجمل المرأة وتزينها، وترغب فيها غير المنصوص عليها، فهذا من باب التأكيد ((إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار)) القسط والأظفار نوعان معروفان من أنواع البخور، نعم من أنواع البخور الذي ليس فيه رائحة الطيب، فيه رائحة لكنها ليست رائحة طيب، بدليل أنها لا تمس طيب، إنما فيه رائحة تضيع رائحة .. الرائحة التي كانت من أثر العادة، فتأتي بشيء يضيع هذه الرائحة، نوع من البخور فيه رائحة ليست بطيب؛ لأنها ممنوعة من الطيب، لكن رائحة تضيع الرائحة الكريهة، هذا هو المقصود.(43/6)
((من قسط أو أظفار)) وهما نوعان من أنواع البخور التي ليس فيها رائحة الطيب، والمرأة ممنوعة من لباس الثياب المعصفرة والمصبغة بأصباغ تجمل الثوب، هذا محل اتفاق بين أهل العلم، لكن هل تلبس الأبيض لأنه الأصل وما عداه يكون مصبوغاً؟ أو تلبس الأخضر؟ أو تلبس الأسود لأنه لباس الحزن؟ ماذا تلبس؟ أو نقول: عليها أن تلبس أي لون كان باقي على أصله؟ يعني المادة الخام التي تصنع منها الثياب المواد مختلفة الألوان، منها ما أصله أبيض، ومنها ما أصله أسود، ومنها ما أصله أخضر، ومنها .. ، المادة نفسها التي لم يطرأ عليها صبغ، لكن إذا كان قطن مثلاً فالأصل فيه البياض، إذا كان كتان أو غيره كل يتبع أصله، فيلبس على ما كان عليه قبل النسج، فلا يجوز صبغه، لكن أحياناً القطن الأبيض كونه أبيض أجمل من كونه مصبوغاً، هل نقول: لا مانع من صبغه أو يدخل في عموم المصبوغ؟ ممنوع تلبس الأبيض؟ ونقل الاتفاق على أن المحدة ليس لها لبس الثياب المعصفرة ولا المصبوغة، يقولون: إلا ما صبغ بالسواد، لكن بعض الأسود فيه جمال أكثر من غيره، وأيضاً إذا نظرنا إلى أصل المادة الخام التفصيل له دور، نعم قد تقول: والله السواد لباس الحزن لكن التفصيل ما تعرض له النص، صح وإلا لا؟ نقول: تفصل على كيفها أو تجتنب الزينة؟ عليها أن تجتنب الزينة، ودور التفصيل أعظم من دور أصل المادة؛ لأنه قد تشتري المرأة قماش متره ثلاثمائة ريال، ثم يفصل تفصيل يصلح للمحدة، وقد تشتري قماش متره بخمسة ريال، وتفصل تفصيل لا يصلح إلا للعرائس؛ لأن التفصيل له وقع في التجميل وغيره، لا سيما بعد أن افتتن بتقليد الكفار، وصارت البرد ترد علينا من الشرق والغرب، وصرنا نقبل التلقين، كل ما جاءنا قبلناه، وإلا فالأصل أن المرأة المسلمة متميزة بلباسها، نعم بينها وبين زوجها هذا لا يتدخل فيه أحد إلا ما ورد النهي عنه بخصوصه؛ لأنها مأمورة بالتجمل لزوجها، لكن كونها مع الأسف الشديد تتجمل للناس، وتلبس للزوج ثوب المطبخ، هذا واقع كثير من الناس، زوجها يجلس عند الباب ساعة أو ساعتين ينتظرها تتجمل لزيارة آل فلان وآل فلان، وإذا جاءت جاء بها في منتصف الليل أخذ وقت ينتظرها تخلع هذه الثياب، ترى هذا واقع كثير(43/7)
من الناس، يعني انقلبت المفاهيم، الأصل أن تتجمل للزوج هذا الأصل، فأقول: إن التفصيل له دور في تجميل الثياب وعدمها، واللون وحده لا يكفي، فلا يقال: إن أصل الألوان الأبيض أو هذا ثوب قطن أصله أبيض ما دخل عليه شيء نفصله على ما نريد، أو أن الأسود ثوب حزن لا، والله المستعان، في الحديث الذي يليه، نعم.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا)) مرتين أو ثلاثة، كل ذلك يقول: ((لا)) ثم قال: ((إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت أحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)) فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طير- فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره.
الحفش: البيت الصغير، وتفتض: تدلك به جسدها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينَاها" أو عينُها، إذا قلنا: الفاعل هي عينها، وإذا قلنا: العين هي الفاعل رفعناها "اشتكت عينها أفنكحلها؟ " المسألة مسألة علاج؛ لكنه علاج متضمن لزينة، فما تضمن الزينة تمنع منه المحدة، ولو كان علاجاً، فتعالج بعلاج لا أثر له في التزين، يطلب علاج لا بأس تعالج وهي محدة، وإذا احتاجت الخروج إلى العلاج تخرج متسترة تفلة، تخرج للعلاج لأنه حاجة، لكن هل تخرج للدارسة؟ تخرج للتدريس؟ تخرج للوظيفة؟ لا لأنها مأمورة بالبقاء في بيتها الذي جاءها فيه نعي زوجها، لا يجوز لها أن تخرج، أما العلاج ضرورة، إذا كان لا يوجد عندها من يقضي حوائجها الأصلية مما تضطر إليه تخرج بقدر الحاجة، لكن دراسة وإلا تدريس وإلا وظيفة ما يعارض به مثل النصوص الصحيحة الصريحة.(43/8)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا)) " لا، لا، مرتين أو ثلاثاً للتأكيد، لتأكيد الأمر كل ذلك يقول: ((لا)) هناك أمور ممنوعة منها، ومؤكد النهي عنها، وهناك أمور يفعلها العوام اجتهاداً منهم لا تطلع على الحوش، لا ترقى إلى السطح، لا ما أدري إيش؟ لا تنظر إلى القمر، لا تنظر إلى الشمس، كل هذا من اجتهادات العوام التي لا أصل لها، نعم هي ممنوعة من كل ما يرغب الرجال فيها، وما يدعو إلى نكاحها، ومأمورة بالمكث والبقاء في بيتها، وممنوعة من لبس ما نص عليه، ولا تتطيب ولا تكحل، ولا تختضب، كل هذا لأنه يدخل في منع التزين.
"كل ذلك يقول: ((لا)) ثم قال: ((إنما هي أربعة أشهر وعشراً)) " يعني ما فيها أكثر من هذا، أربعة أشهر وعشر ليال، يعني مدة يسيرة جداً، مكثتِ مع هذا الزوج عشرين ثلاثين أربعين سنة يصعب عليك الامتناع لمدة أربعة أشهر وعشر ليال؟! إنما هي أربعة أشهر وعشر ليال، ما قيل: امكثي في البيت بقدر ما مكثت عنده، مكثت عند هذا الزوج أربعين سنة حدي عليه أربعين سنة، لا، أربعة أشهر وعشراً ((وقد كانت أحداكن في الجاهلية ترمي البعرة على رأس الحول)) يعني تمكث حولاً كاملاً، وخفف إلى ثلث المدة، وقد كانت المدة كم؟ سنة {مَّتَاعًا} [(240) سورة البقرة] نعم سنة، ثم نسخت بأربعة أشهر وعشراً.(43/9)
"فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي زوجها دخلت حفشاً" يعني بيتاً صغيراً شعثاً، عبارة عن غرفة صغيرة ما فيها شيء من مظاهر الجمال ولا النور أيضاً مظلم، تجلس في هذا البيت؛ لتعلن للناس أنها فارقت أحب الناس إليها، وأقرب الناس إلى قلبها، وأنها مصابة بهذه المصيبة العظيمة، كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، تلبس الأسمال البالية، ولم تمس طيباً، ولا شيئاً حتى تمر عليها سنة كاملة، ثم تؤتى بدابة .. ، لا تمس طيب ولا شيء ولا ماء ولا تغتسل ولا تتنظف أبداً، تتراكم عليها الأوساخ، وتتوالى عليها الدورات الحيض من غير أن تمس شيء، يعني رائحتها ماذا تصير؟ في غاية الكراهية، تكون منتنة "حتى تمر عليها سنة، ثم تؤتى بدابة -حمار أو شاة أو طير-" المهم دابة مما يدب على وجه الأرض، والأصل فيها كل ما يدب على وجه الأرض حتى من بني آدم، لكن العرف خصها بذوات الأربع، وهنا ما هو أعم، بدابة ما هذه الدابة؟ حمار أو طير أو شاة، الطير يدخل في الدابة أو لا يدخل؟ لماذا؟ الآية {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ} [(38) سورة الأنعام] هل نقول: إن هذا من عطف الخاص على العام ويدخل الطائر في الدابة؟ وهنا فسرت الدابة بالطير، يعني مما فسرت به الدابة الطير، فالإطلاق العام الحقيقة العرفية تشمل كل ما يدب على وجه الأرض.
"بدابة -حمار أو شاة أو طير-" الحمار بدل بعض، أو طير أو شاة معطوفات عليه "فتفتض به" يعني تدلك به جسدها لا سيما المواطن التي فيها الروائح الكريهة "فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات" يعني من الجراثيم والروائح الكريهة، والأوساخ المتراكمة، يعني الرائحة الكريهة لها دور في مثل هذا، الضربان دويبة منتنة الرائحة جداً إذا احتاجت إلى شيء -ذُكر هذا في كتب الحيوان- إلى شيء تأكله ماذا تصنع؟ كيف؟ تدخل في جحره على قفاها رويس، فتطلق هذه الرائحة فيموت، هذا ذكر في كتب الحيوان، لا شك أن مثل هذه الأمور مؤذية.(43/10)
يقول: "فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج" أنت شوف يسر الإسلام ولله الحمد، وسماحة الإسلام، وتكريم الإسلام للمرأة، ووفاء الإسلام من قبل المرأة للرجل، والعكس أيضاً الرجل عليه أن يفي، لكن هل من وفاء المرأة لزوجها أن لا تتزوج بعده؟ أو من وفاء الزوج أن لا يتزوج بعدها؟ هذا ليس بلازم، ما يلزم، يعني تجلس طول عمرها لا تتزوج من باب الوفاء، لا، هذا لا يأتي به شرع، بل هي مأمورة بالزواج، والزوج مأمور بالزواج، "فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتعطى بعرة" البعرة: الروث، روث البعير أو الحمار أو شاة أو ما أشبه ذلك هي البعرة على كل حال، هذا الذي أراد أن يغيض معن بن زائدة، ومعن هذا لا يستطيع أحد أن يغيضه، ولا يستطيع أحد أن يستثيره لعظم حلمه، جاءه ذلك الأعرابي فقال: يا معن
كأنك بعرة في إست كبشِ ... مدلاة وذاك الكبش يمشي
أعطاه جائزة، أعطاه هدية، وجاءه أخر وثالث ورابع، كل من أحتاج شيء جاء يذمه ويعطيه.
"فترمي بها" تأخذ هذه البعرة وترمي بها، وهذه إشارة إلى أنها خرجت من العدة؛ ليعرف الناس أنها أنهت المدة، وأن ما مكثته لا يعدل هذه البعرة بالنسبة لحق زوجها عليها "ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره" تراجع خلاص انتهت من العدة، انتهت من الإحداد، نعم ...(43/11)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب اللعان
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال -رحمه الله-:
كتاب اللعان
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن فلان بن فلان قال: يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله -عز وجل- هؤلاء الآيات في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قال: لا، والذي بعثك بالحق نبياً ما كذبت عليها، ثم دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا، والله بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إنه لمن الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما، ثم قال: ((الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ )) ثلاثاً، وفي لفظ: ((لا سبيل لك عليها)) قال: يا رسول الله مالي؟ قال: ((لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها)).
وعنه أن رجلاً رمى امرأته وانتفى من ولدها في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلاعنا كما قال الله -عز وجل-، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرق بين المتلاعنين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب اللعان(44/1)
واللعان والملاعنة والالتعان مصدر، مصادر لاعن ملاعنة، ولعاناً والتعنا إلتعاناً، والأصل فيه، يعني مأخذ الكلمة من قول الرجل: إن لعنة الله عليه، لعن الرجل نفسه، واللعان والملاعنة تكون بين طرفين، بين زوج وزوجة، فالذي يصدر من الزوج لفظ اللعن، والذي من الزوجة لفظ الغضب، وهو أشد من اللعن، واختير الغضب للزوجة وهو أشد من اللعن لأن جريمتها أشد فيما لو صدق، جريمته جريمة قذف لو كذب، وجريمتها لو صدق زنا، عقوبته لو صدقت وكذب عليها حد القذف، وعقوبتها لو صدق وكذبت الرجم، فالمرأة ذنبها أعظم وأشد، يقول:(44/2)
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: إن فلاناً بن فلان" جاء تعيينه أنه هلال بن أمية، وجاء ما يدل على أنه عويمر العجلاني "قال: يا رسول الله أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم" يعني قذف "وإن سكت سكت على مثل ذلك" نسأل الله السلامة والعافية، داهية، بلية، كارثة، نعم والناس يتساهلون في الوسائل الموصلة إلى هذه الكارثة، والإسلام وضع الاحتياطات اللازمة لوقوع مثل هذه الكارثة، نعم يوجد ممن ذهبت الغيرة عنده واتصف بالدياثة -نسأل الله السلامة والعافية- من لا يؤثر فيه مثل هذا الكلام، يعني شخص يقبض على زوجته مع شخص آخر ويأتي الزوج ليشفع عندها امتحان يوم السبت ونرجعها -إن شاء الله-، يعني يصل الحد إلى هذا؟! يصل الأمر بالمسلم إلى في الدياثة إلى هذا الحد! نسأل الله السلامة والعافية، يشفع لها لتؤدي الاختبار وترجع، والصحابي يقول: إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، لا شك أنها كارثة، يعني تكدر الحياة إلى الممات نسأل الله السلامة والعافية، في بعض الروايات: أيقتله فتقتلونه؟ قال: ((نعم)) لو وجد -نسأل الله السلامة والعافية- الرجل عند امرأته رجلاً فيقتله يقتل به، ولو تحقق من الزنا، وقل مثل هذا لو رأى مع ولده مع بنته، نعم ولو تحقق من الزنا، وأن هذا الزاني محصن، وحقه الرجم، أيقتله فتقتلونه؟ نعم يقتل؛ لأنه لو ترك الأمر في مثل هذه الأحوال لأفراد الناس وصار تنفيذ الحدود بأيدي الناس ما صار لولي الأمر قيمة؛ لأن هذا من اختصاصات ولي الأمر، وإلا لصار كل واحد يكون بينه وبين أخر دعوى أو مشكلة يستضيفه في بيته، ويستدرجه إلى غرفة النوم، ثم يقتله، ويدعي أنه وجده مع زوجته، مع بنته، مع ولده، ولذا قال: أتقتله فتقتلونه؟ نعم يقتل به، وإلا لو لم يقتل به صارت الدنيا فوضى، فالاحتياط في الشرع لجميع الأطراف، يعني الشرع احتاط لهذه الفاحشة الموبقة نسأل الله السلامة والعافية، فمنع(44/3)
النظر، وأمر بغض البصر، وحرم الخلوة، وحرم السفر بدون محرم، أغلق جميع الأبواب الموصلة إلى هذه الفاحشة، يعني كون الناس يتساهلون ويتخطون الحدود، ويقعون في مثل هذه، هذا ذنبهم، الشرع ما ترك منفذ يمكن أن يوصل إليه إلى هذه الفاحشة، لكن من تساهل بالوسائل جنى الغايات، فعلى المسلم أن يهتم لهذا الأمر، ويحتاط له أشد الاحتياط.(44/4)
"إن تكلم تكلم بأمر عظيم" لأنه قذف "وإن سكت سكت على مثل ذلك" إذاً ما الحل؟ وش الحل؟ شخص وجد عند زوجته رجلاً ماذا يصنع؟ "قال: فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يجبه" لم يجبه، قد يقول قائل: البيان واجب، وهذا يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- لماذا لم يبين له؟ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، لكن إلى وقت الحاجة يجوز، يعني لو جاء شخص يسأل بإمكانك أن تقول: هذه المسألة وقعت أو ما وقعت؟ إن كانت واقعة لا بد من أن يجاب، إذا كانت ما وقعت للمسئول مندوحة أن ينتظر ويؤجل "فسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به" وأهل العلم يقررون أن البلاء موكل بالمنطق "إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله -عز وجل- هؤلاء الآيات في سورة النور" قوله: "فأنزل" يدل على هذه القصة هي سبب النزول، وجاء ما يدل على أن فلان هذا هو هلال بن أمية، في هذا السياق فأنزل وهو أول من لاعن في الإسلام، وجاء في قصة عويمر العجلاني ((قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك هؤلاء الآيات)) ولا يمنع أن تقع الحادثة لأكثر من واحد، يتعدد السبب لنازل واحد، يأتي هلال بن أمية ثم يأتي عويمر العجلاني فينزل الله -جل وعلا- في أمرهما قرأناً واحداً، منهم من يرى تعدد النزول بسبب تعدد السبب، لكن لا مشكلة، وهذا قيل في الفاتحة: إنها أنزلت ثلاث مرات، نعم على كل حال هما أول من لاعن في الإسلام، وهما السبب في نزول الآيات، فلعل قصتهما متقاربة "فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فأنزل الله -عز وجل- هؤلاء الآيات في سورة النور {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [(6) سورة النور] " يعني ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم إنه لمن الصادقين، والخامسة إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب، يدفع عنها العذاب، بأي شيء؟ أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين،(44/5)
والخامسة، يعني يبدأ بالزوج فيشهد الشهادات، وهل هي شهادات أو أيمان؟ أو شهادات مؤكدة بأيمان؟ خلاف معروف، لكن لفظها لفظ الشهادة، ولا بد من الإتيان بهذا اللفظ، يبدأ بالزوج، لو بدء بالزوجة يصح وإلا ما يصح؟ يعني الترتيب في القرآن في الآيات معتبر؛ لأن لعان الزوجة مرتب على لعان الزوجة، يعني لو لم يلاعن الزوج ما طلب من الزوجة؛ لأنها إنما تلاعن لتدرأ عن نفسها الحد، ولا يثبت الحد في حقها إلا بعد لعان الزوج، فلا يصح أن يبدأ بالزوج، وعلى الخلاف بين أهل العلم، لكن هذا هو الراجح.(44/6)
فائدة اللعان، أولاً: نسأل الله السلامة والعافية لنا ولكم ولعموم المسلمين، إذا وجد الرجل مع زوجته رجلاً وتأكد من أنه زنى بها، فالمسألة لا تخلو إما أن يترتب على ذلك حمل أو لا، فإن ترتب عليه حمل تعين اللعان، إن لم يترتب عليه حمل ورأى الستر والفرقة تكون بالطلاق يطلقها، له ذلك، لكن هل له أن يمسكها؟ الآن فائدة اللعان سقوط الحد عن الزوج وانتفاء الولد، والفرقة المؤبدة، لكن لو قال أولاً إذا وجد حمل لا بد من اللعان، لا سيما إذا كان الزنا في طهر لم يجامعها فيه، لا بد من اللعان؛ لأنها تلويث للفراش، إذا لم يوجد ولد وهو عفيف طيب، أراد أن يمسكها لا يجوز له أن يمسكها حتى تتوب توبة نصوحاً، لكن هل له أن يمسكها أو يلزمه فراقها؟ أهل العلم يقررون أنه لا يلزمه فراقها، عليها أن تتوب ولكن لا يلزمه أن يفارقها، لأنه يا إخوان ما كل إنسان يطيق فراق الزوجة، إذا أشرب القلب حب هذه المرأة مشكلة، ترى مشكلة يعاني منها كثير من الناس، الأمر الثاني: أن بعض الناس يحسب حساباته، يقول: يعني لو فرطت في هذه الزوجة يمكن ما أتزوج أبد، أنا سنين وأنا أجمع حتى أدركت هذه الزوجة، هل نقول: يلزمك فراقها وإلا أنت ديوث؟ هو إن لاعن يبي يفارق؛ لأنه من نتائجه ومن الآثار المترتبة على اللعان الفرقة المؤبدة، أهل العلم يستدلون على أنه لا يلزمه فراقها بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليجدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت فليبعها ولو بظفير)) يعني ما أمره بفراقها من أول مرة أو ثاني مرة، فدل على أنه يجوز إمساكها، نسأل الله السلامة والعافية، المسألة مسألة حكم شرعي، مسألة الغيرة أو كونها تزداد عنده الغيرة وتتعدى الحد الشرعي فيقتل أو يفعل هذه مسائل أخرى، لكن المسألة مسألة حكم شرعي، هل يلزمه الفراق أو ما يلزمه؟ هذا ما قرره أهل العلم أنه لا يلزمه، لكن عليها أن تتوب؛ لأنه طيب وهي(44/6)
خبيثة، عفيف وهي فاجرة، والطيبات للطيبين، ومعروف أن الخبيثات للخبيثين، فإذا تم اللعان ماذا يكون؟ فتلاهن ووعظه، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قبل أن يبدأ باللعان يقول: يا فلان اتق الله، هذا قذف والقذف شأنه عظيم، وجاء في الخبر أن قذف محصنة يحبط عبادة ستين سنة، قذف المحصنات من الموبقات، فيعظه بمثل هذا الكلام عله أن يرجع، ويتحمل حد القذف إن كان كاذباً "فقال: لا، والذي بعثك بالحق نبياً ما كذبت عليها، ثم دعاها ووعظها" اتق الله إن كنت كاذبة عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة "فقالت: لا، والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما" الفرقة المؤبدة، البينونة، يسقط الحد عن القاذف ويفرق بينهما، وينتفي الولد عنهم "ثم قال: ((الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب؟ )) ثلاثاً" حتى بعد ما حصل هذا باب التوبة مفتوح، ما يقول: خلاص اللعان وصار اللي صار وانتهى الإشكال، فهل منكما تائب؟ ثلاثاً، وفي لفظ: ((لا سبيل لك عليها)) فرقة، بنفس اللعان، فقال: يا رسول الله مالي؟ المهر وش ذنبي؟ امرأة زنت فما ذنبي يذهب علي المهر؟ فقال: ((لا مال لك، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها)) يعني يثبت المهر بالدخول ((وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها)) إن كانت كاذب عاد المسألة أعظم، ما هي مسألة مهر.
يقول:
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً رمى امرأته وانتفى من ولدها في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلاعنا كما قال الله تعالى، ثم قضى بالولد للمرأة.(44/7)
وهذه من ثمرات اللعان، والآثار المترتبة عليه، فالولد يكون للفراش، للمرأة، الولد للمرأة، ويبرأ منه الرجل، وفرق بين المتلاعنين، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل من بني فزاره إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ....
طالب: ......
طيب.
طالب: ......(44/8)
إذا كان هذه الغيرة، معروف أن الغيرة شرعية، أصلها شرعي، لكن الغيرة قد تزيد عن حدها الشرعي، فيرتكب بسببها محظور يؤاخذ عليه، ما دام عقله ثابتاً، لكن أحياناً تأتي بعض التصرفات يكون الإنسان فيها مغلوب على عقله، يعني من هول المصيبة التي رأى قد يتصرف تصرفات تزيد على المطلوب شرعاً، فالمؤاخذة قد ترتفع، لكن الآثار المترتبة على ذلك لأنه غلب على عقله، الآثار المترتبة عليه من باب ربط الأسباب بالمسببات يؤاخذ بها يقتل، معلوم أن الغيرة مطلوبة من المسلم، والله -جل وعلا- يغار إذا انتهكت محارمه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغضب حينما تنتهك محارم الله -جل وعلا-، وعلى المسلم أن يتصف بهذا الخلق، لكن مضبوط بالضوابط الشرعية ما يتعدى، القصة واقعة شخص أيقظ زوجته لصلاة الصبح فلما جاء من المسجد وجدها ما صلت، توعدها وهددها إن كررت إن عادت فعل ما فعل، فأيقظها من الغد فرجع فوجدها ما صلت قتلها، الباعث على هذا إيش؟ الغيرة، لكن ما كل غيرة، كل الأخلاق والصفات الحميدة لها حد شرعي، إذا زات عن الحد الشرعي وش تصير؟ تنقلب مساوئ ومذام، بدل ما كانت محامد، الكرم مطلوب لكن لا تبسط يدك كل البسط، وهكذا قل في الشجاعة في الغيرة حتى في الخلق، دماثة الخلق أحياناً يكون إيش حلم؟ إذا زاد عن حده صارت تنتهك المحارم أمامه ولا يتغير ولا ... ، يقول: هذا حلم؟ ما هو بصحيح، الحياء العرفي ما هو بالحياء الشرعي الذي هو الخجل قد يستحي والحياء لا يأتي إلا بخير، لكن لا يأمر ولا ينهى ولا ينكر ولا يغير يستحي، هذا ما هو بحياء، نعم.(44/9)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل من بني فزاره إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هل لك من إبل؟ )) قال: نعم، قال: ((فما ألوانها؟ )) قال: حمر، قال: ((هل فيها من أورق؟ )) قال: إن فيها لورقاً، قال: ((فأنى أتاها ذلك؟ )) قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: ((وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)).
ما مضى في اللعان متضمن للقذف الصريح، وفي هذا الحديث تعريض، ما في شيء صريح، يقول:(44/10)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل من فزاره إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هل لك إبل؟ )) استعمال القياس، وهذا الحديث الأصل في شرعية القياس، وإلحاق النظائر بنظائرها، والأشباه بأشباهها ((هل لك إبل؟ )) قال: نعم، قال: ((فما ألوانها؟ )) قال: حمر، قال: ((فهل -يكون- فيها من أورق؟ )) يعني أغبر فيه سواد، يميل إلى الغبرة ليس بحالك، فقال: إن فيها لورقاً، قال: ((فأنى أتاها ذلك؟ )) قال: عسى أن يكون نزعه عرق، جد وإلا عم وإلا خال، قال: ((وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)) فلا يستعجل الإنسان، ولا يشك الإنسان ما لم يكن هناك بينات ودلائل قطعية، هذا فيه تعريض يعني بال ... ، كأنه ما هو مرتاح إلى هذا الولد، وهنا قصة ذكروها قصة واقعية، شخص أحمر يعني بلون الأعاجم، تزوج امرأة شديدة البياض، وهو صاحب أسفار وتجارات وروحات، حملت المرأة، وسافر الرجل فولدت ولداً أسود، منين جاء الولد؟ فقالت لإخوانها: دبروه، فنسأل الله السلامة والعافية قتلوها، منين يجي هذا الولد؟ لو جاء أبوه وشاف ها الولد وش يبي يقول؟ حملت مرة ثانية، ونفس القصة تأتي بولد أسود وهو مسافر وفعلوا به مثل ما فعلوا، يأتي الأب وين الولد؟ قالوا: والله الولد ميت، وين الولد الثاني؟ مات، المرة الثالثة لما حملت قال: ما أنا بمسافر أشوف، لا بد أحضر، حضر فولدت ولداً أسود، قال: لا إله إلا الله، سبحان الله هذه صورة جدي، سبحان الله العظيم، طيب الأول والثاني كيف يتصرفون؟ شو يصنعون؟ هذه واقعة يا إخوان ليست بتمثيل، ولا هي من أجل المناسبة، واقعة كيف يتصور يعني مثل هذا؟ وهنا يقول: لعله نزعه عرق، قال: صورة جدي لا إله إلا الله، فما يستعجل الإنسان لا بنفي ولا بإثبات، الأصل ولد على فراشه أنه له، مهما كان الاختلاف، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- مثل له بمثال محسوس من بيئته، مما يزاوله، مما يعاشره، فمسح ما(44/11)
في خاطره، انتهى الإشكال، لكن لو لم يأت بهذا المثال وهذا النظير وهذا المثال الحي قد يبقى في نفسه شيء، لو قال له: تعوذ من الشيطان وهذا ولدك ولا توسوس، نعم ما يكون أثره واقتناعه وقناعته بمثل هذا المثال الذي ذكره -عليه الصلاة والسلام-، ففي الحديث ضرب مثل، وهو أصل في باب القياس، أصل من الأصول التي يعتمد عليها في الشرع، نعم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة
الواو هذه؟ اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة، عاطفة وإلا للمعية؟ ما تأتي معية؛ لأن الفعل يتناول الثاني كتناوله الأول، ليست بمعية.
فقال سعد: يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص(44/12)
عتبة بن أبي وقاص، يعني سعد أول من رمى بسهم في الإسلام، وفداه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأبيه وأمه، وعتبة هو الذي شج النبي -عليه الصلاة والسلام- وكسر رباعيته في أحد، يعني فرق شاسع "يا رسول الله هذا ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه أبنه" أوصى إليه، فقال: طالب بالولد، تراه لنا، واختصم مع عبد بن زمعة "انظر إلى شبهه" يعني شبيه بعتبة، واضح أنه من ماء عتبة، شبيه به، لكن عندنا إيش؟ مقدمات شرعية، نبني عليها نتائج، والحكم إنما يكون على الظاهر، والبواطن يتولاها الله -جل وعلا-، لكن عندنا مقدمات، وهنا في هذا الباب عندنا مقدمات نبني عليها، الولد للفراش، ولو كان بيّن، ولو كان مشبه لفلان وعلان، المقدمة إذا تحققت توفرت بنينا عليها نتيجة شرعية، هنا الشبه البين بعتبة، وهذا في مجال الدعوى، في مجال خصومة، لكن لو ما في خصومة، وهذا الولد منسوب لعتبة، وجاء من يشكك فيه أنه ليس لعتبة وما فيه خصومة عملنا بالشبه، وعملنا بقول القيافة كما في قصة أسامة بن زيد مع أبيه على ما سيأتي، لكن إذا وجدت الخصومة لا بد أن تفض هذه الخصومة بالمقدمات والنتائج الشرعية؛ لأنه يقول: أهدر الشبه، وفرح النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال مجزز في أسامة: هذه الأرجل من هذه الأرجل، إيش معنى هذا؟ أو علشان عبد بن زمعة أخو سودة زوجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يقول قائل مثل هذا الكلام، لكن باب الخصومات يختلف عن الأبواب الأخرى، أدعي الولد وفي باب الخصومة ما عندنا، المسألة التي تقبل صلح كالأموال مثلاً يتنازل هذا وهذا ويحصل صلح ممكن يوفق بينهما، لكن هذا يمكن صلح؟ يصير ولد للاثنين؟ ما صلح، لا بد من البت، بمقتضى القواعد الشريعة الذي فيه خصومة "انظر إلى شبهه، وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله، ولد على فراش أبي من وليدته" خلاص هذا الأصل "فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرأى شبهاً بيناً بعتبة" لكن القاعدة الشرعية: الولد(44/13)
للفراش، لا بد أن تطبق علشان تحسم النزاع ((هو لك يا عبد بن زمعة)) هو لك يا عبدُ مبنى على الضم؛ لأنه منادى مفرد، وابنَ؟
طالب: مضاف.
لا من أين جاءت مضاف؟ ابنَ، يا عبدُ بنَ صفة أو بدل أو بيان لعبد، طيب عبد مرفوع أو هذا منصوب؟
طالب: .......(44/14)
يا أخي ما لها الإضافة علاقة، خلنا بعبد وابن، اترك زمعة الآن، ابن وصف لعبد، أو بدل منه، أو بيان له، يعني تابع له، إعرابه في إعرابه، نعم على المحل، وصف على المحل، تابع له في محله؛ لأن المنادى محله النصب، مبني على الضم في محل نصب، ابن زمعة في بعض الروايات: عبد، هو لك عبد بن زمعة، بدون ياء، وأشكل على بعض الناس المعلقين على الكتب، يقول: كيف هو لك عبد؟ نعم؟ عبد هو لك عبد، لو صار عبد وش علاقته بـ ((احتجبي منه يا سودة)) فأشكل عليهم حذف الياء وهو منادى، منادى سواء وجدت الياء أو حذفت، نعم هو لك يا عبد بن زمعة، يعني هو لك أخ، هو أخ لك لأنه ولد على فراش أبيك والولد للفراش، ((الولد للفراش، وللعاهر الحجر)) للعاهر الحجر الخيبة والحرمان، وإن كان -العاهر الزاني- وإن كان محصن له الرجم بالحجارة ((واحتجبي منه يا سودة)) يعني مقتضى الحكم أنه بالنسبة لسودة أخ، طيب هو أخ لسودة، كيف احتجبي منه يا سودة؟ يعني هل نقول: إن هذا من باب الاحتياط وإلا مقتضى الحكم أن تكشف له سودة؟ لكن من باب الاحتياط، يعني يباح للزوجة أن تكشف له لأنه أخ لها، لكن من باب الاحتياط أن تحتجب عنه؛ لأن الشبه بين بعتبة، لكن مقتضى الحكم الشرعي أن تكشف له، والاحتجاب من باب الاحتياط، وعند المالكية قاعدة تقول: بإعمال القولين الوجيهين، يقولون: عمل بالقول الراجح هذا مقتضى القاعدة، ولم يهمل القول المرجوح، قال: ((احتجبي يا سودة)) مثال ذلك امرأة: أرضعت شخص ثلاث رضعات، مقتضى الحكم الشرعي أن مثل هذا الرضاع لا يحرم، أو بعد الحولين، ومقتضاه عند جماهير العلماء أنه لا يحرم، نعم لكن القول الثاني يعني لحمه نبت من بعض لبن هذه المرأة، أو لحمه نبت من هذه المرأة، سواء كان في الكبر والرضاع كثير، أو في الصغر والرضاع قليل، لا شك أن هناك شبهة، فيحتاط للأمر من الطرفين وللقولين، يحتاط، فيقال: لا يجوز الزواج من أخت هذا المرتضع من الرضاعة، كما أنها لا تكشف(44/15)
له، فيحتاط من الجهتين، فقد يقول مثلاً، قد يقول قائل: هذه أخته؛ لأنه رضع من أمها، فلا يجوز له أن يتزوجها، وعليها أن تكشف له، يقول الآخر: لا، يجوز له أن يتزوجها لأن الرضاعة غير محرمة، ولا يجوز لها أن تكشف له، فيحتاط للطرفين، ويبقى أنه عند المشاحة الحكم الشرعي هو الأصل، حكمنا بهذا تحرم، بجميع .. ، الجمهور يقولون: ما دام ثبت الحكم بترجيح قول الراجح على مرجوح لا نلتفت إلى المرجوح، المالكية يقولون: لا، المرجوح إذا كان له أثر ترتب عليه بعض أثاره التي لا تتعارض مع الآثار المرتبة على القول الراجح، لكن هل قوله: ((واحتجبي يا سودة)) حكم شرعي قاطع بأنها لو لم تحتجب تأثم؟ أو هذا من باب الاحتياط؟ الجمهور يقولون: احتياط، وإلا يجوز لها أن تكشف، ما دام أخوها يجوز لها أن تكشف، نعم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل علي مسروراً، تبرق أسارير وجهه، فقال: ((ألم تري أن مجززاً نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض؟! )).(44/16)
مجزز هذا مدلجي، وبنو مدلج تكثر فيهم القافة والقيافة والمعرفة والخبرة، ولكل قوم وراث، القيافة موجودة إلى الآن، فبنو مرة معروفين بهذا، ينسب إليهم، كل من كان قائفاً يقال: مري، نعم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يحب زيد بن حارثة، ويحب أسامة، فإذا كان الشخص محبوباً فالذي يسوء المحبوب يسوء محبه لا شك، فالذي يسوء أسامة، ويسوء زيد يسوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسامة شديد السواد، وزيد بن حارثة شديد البياض، ويوجد مجال للطعن من قبل المشركين، ومن قبل المنافقين، ومن قبل المغرضين، فيقع هذا في نفس النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يوجد من يدعي أسامة، فدخل النبي -عليه الصلاة والسلام على عائشة مسروراً تبرق أسارير وجهه، مبسوط، فقال: ((ألم تري ... )) ما انتظر -عليه الصلاة والسلام- إلى أن تقول عائشة: ما السبب في هذا السرور؟ يعني من شدة الفرح -عليه الصلاة والسلام- ((ألم تري أن مجززاً نظراً آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد؟! )) وهما نائمان عليهما غطاء يغطي الوجوه، وإلا لو رأى الوجوه وقال: هذا من هذا ما ... ، أي واحد بيقول هذا الكلام، نعم وقد يتهم بأنه قال ذلك مجاملة للنبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه رأى الوجه، لكن من دون رؤية الوجه "هذه الرجل من هذه الرجل" طيب هذه الرجل سوداء، وهذه الرجل بيضاء، لا ما يؤثر هذا، القافة يدركون إدراكاً قد يظنه الجاهل ضرب من الكهانة.(44/17)
عبيد الله بن عدي بن الخيار من التابعين قال لشخص: اذهب بنا لننظر إلى وحشي بن حرب، يعني بعد أن جاز المائة وحشي، عبيد الله بن خيار كان عمره ستين سنة، نذهب ننظر إلى وحشي هذا الذي قتل حمزة وقتل مسيلمة، لا بد أن نشوف وش هذا الآدمي هذا اللي من الشجاعة بهذه المثابة؟ فذهبا إليه، وكان عبيد الله متلثماً، مغطٍ وجهه، فقال له وحشي لما رآه: ابن عدي بن الخيار؟! يعني ما رآه يمكن من نصف قرن أو أكثر، ما رآه "ابن عدي بن الخيار؟! " قال: نعم وما يدريك؟ أول مرة يشوفه بعمره كله، قال: ناولتك أمك وهي على الدابة وأنت في المهد، هذه رجلك ما تغيرت، تعجبوا، يدركون مثل هذا، سهل بالنسبة لهم، فالقافة لا شك أنهم يدركون، وشهادتهم إذا لم يعارضها ما هو أقوى منها معتبرة عند الجمهور، تعتبر عند الجمهور خلافاً لأبي حنيفة، هذه عنده ضرب من التخمين، فلا عبرة فيها عنده، فيكتفى بشهادة القائف ولو كان واحداً، وإن كان الخلاف موجوداً أنه لا بد من اثنين، لكن المعتبر واحد، يكفي، شهادته تكفي، والشهادة والبينة وهي ما يبين الحق لا شك أنها تختلف من موضع إلى موضع، فيأتي في الرضاع أنه تقبل شهادة المرضعة، ويقبل شهادة القابلة، وهنا تقبل شهادة القائف، وبعض الشهادات يشدد فيها فلا يقبل إلا أربعة، فكل موضع له ما يناسبه من البينات، نعم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: ذكر العزل.
العزل النزع بعد الإيلاج وقبل الإنزال، هذا هو العزل، النزع بعد الإيلاج قبل الإنزال.
ذكر العزل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ولم يفعل أحدكم ذلك؟ ))(44/18)
الهدف من ذلك أن لا تحمل المرأة، هذا جواب، الفائدة من العزل، لما يعزل الزوج؟ لما يعزل السيد عن أمته؟ لكي لا تحمل المرأة، وعلى حسب المقاصد، إذا كانت حرة لا يريد الحمل المتتابع على زوجته، وإذا كانت أمه يريد أن يبيعها بدون أولاد، وما أشبه ذلك، وإن كانت زوجة أمة لا يريد ولد وليس له، معروف أن الولد في الحرية والرق يتبع أمه، نعم.
ذكر العزل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لم يفعل أحدكم ذلك؟ )).
يستفهم -عليه الصلاة والسلام-، ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم، وقد تكون المرأة ترضع، فيخشى أن يتضرر الولد الرضيع من الغيلة، ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحد، ما فيه نهي، ينهى عن العزل، وفي حكم العزل استعمال الموانع، فإذا وجد السبب والمبرر المقبول مع انتفاء الضرر فلا مانع من استعمال الموانع قياساً على العزل، ((ولم يفعل أحدكم ذلك؟ )) ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم ((فإنها ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها)) إذا أراد الله شيئاً لا بد من حصوله، سواء عزل أو لم يعزل، إذا أراد الله خلق هذه النفس بسبب هذا الجماع سبق الماء قبل العزل ((فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها)) ثم قال:
وعن جابر -رضي الله عنها- قال: كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن. والعزل جائز بشرطه، يعني بإذن الحرة؛ لأن الجماع من حق الطرفين، فلا يعزل عنها إلا بإذنها، والولد من حقهما، كما أنه ليس للمرأة أن تستعمل الموانع دون علم الزوج إلا بإذنه، كذلك لا يعزل عنها إلا بإذنها، أما إذا كانت أمة مملوكة له أن يعزل عنها بدون إذنها؛ لأنها ملكه.
عن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن.(44/19)
استدل على جوازه بعدم نزول ما يحرمه، قول الصحابي: "كنا نفعل" إن أضافه إلى العهد النبوي فهو في حكم المرفوع، إن أضافه إلى العهد النبوي كان في حكم المرفوع، لكن في مثل هذا النص "كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن" هل جرت العادة بأن كل معصية تقع ينزل القرآن في بيانها؟ أو اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟ إقراره، نعم اكتسب الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكونهم يفعلون هذا على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكر منهم من يطلق، فيقول: هذا يكتسب الشرعية من وجوده في العصر النبوي عصر التشريع، ولو كان شيئاً ينهى لنهى عنه القرآن، ونهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إن كان هذا الأمر مما يخفى له حكم، وإن كان مما يظهر له حكم، فإن كان مما يخفى لا يكتسب الشرعية، وإن كان مما لا يخفى بحيث يبلغ النبي، أكلنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذبحنا فرساً على عهد رسول الله فأكلناها هذا لا يخفى يكتسب الشرعية، والقول المرجح عند الجمهور أنه إذا أضافه إلى العهد النبوي، وهو من الصحابة ويستدل به على مسألة شرعية يكتسب الشرعية.
كنا نعزل والقرآن ينزل، لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن.
قصة المجادلة {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [(1) سورة المجادلة] نزل خبرها من السماء لبيان الحكم، وهناك وقائع كثيرة من هذا النوع، وجاء في بعض الروايات ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم ذلك، والرواية السابقة ذكر العزل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعم صريحة في أن العزل ليس بممنوع؛ لأنه قال: ((لم يفعل أحدكم ذلك؟ )) ولم يقل: فلا يفعل أحدكم ذلك، وعلى كل حال جواز العزل أمر مقرر، والحديث السابق دليل عليه، نعم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(44/20)
وعن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليس من رجل أدعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر)).
الأمر عظيم، وله وجود في السابق واللاحق، كثيراً ما ينسب الابن إلى جده، وقد ينسب إلى أمه، عن عبد الله بن بحينة، أمه، نعم، وقد ينسب فلان إلى جده، أحمد بن حنبل، نعم، أبوه محمد، فهل يدخل مثل هذا؟ وفي بعض الأقطار تنسب الزوجة إلى زوجها، نعم تلغى أسرتها تماماً إذا أضيفت إلى زوجها، هذا ما هو موجود في بعض الأقطار؟ نعم في البادية تساهل كثير في هذا الباب، يعني يذهب العم أخو الأب أو زوج الأم عنده طفل من زوج سابق يذهب يسجله في المدرسة وينسبه إلى نفسه، ويستمر على هذا، وهذا له وقائع، يعني موجود، فما معنى الكفر هنا؟ ((ليس من رجل أدعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر)) وهذا عند أهل العلم كفر دو كفر، كبيرة من الكبائر، أما الانتساب إلى الجد أحمد بن حنبل الجد أب شرعاً {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي} [(38) سورة يوسف] من؟ نعم أجداده، فالجد أب شرعاً، فالأمر فيه سهل، النسبة إلى الأم أيضاً هو ابنها، إذا قيل: عبد الله بن بحينة، وحامل أمامة بنت زينب، هي بنت زينب، ما عدا الحقيقة، لكن الكلام في الاستنكاف من ذكر الأب، هذا الإشكال، حينما يستنكف ما يريد أن يذكره، بينه وبين أمه مشاكل، أو هو ما وجد رعاية وعناية من الأب، وقال: بلاش منه هذا، وش استفدنا منه؟ هذا لا يجوز بحال.(44/21)
((ليس من رجل أدعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر)) إن استحل ذلك مع علمه، والعلم له يعني منصوص عليه وهو يعلمه، مع علمه بأبيه، ومع علمه بالتحريم، واستحل ذلك، هذا خطر عظيم، وإلا فهو كفر دون كفر ((ومن أدعى ما ليس له فليس منا)) أدعى ما ليس له، هذا الكتاب كتابي، طيب وين كتابك؟ ما هو بكتابك، يدخل في هذا، أدعى السيارة سيارته البيت بيته، المتاع متاعه، أدعى علم ليس له، المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، أدعى أي دعوى ليست له، وهذا الحديث على عمومه ((من أدعى ما ليس له فليس منا)) وهذه ليس على طريقتنا، وليس على هدينا ((وليتبوأ)) هذه لام الأمر، نسأل الله السلامة والعافية، ليتخذ مقعد ومنزل من النار نسأل الله السلامة والعافية؛ لأنه أرتكب أمراً محرماً، وإذا قال في الحديث: "ليس منا" كبيرة نسأل الله العافية ((ومن دعا رجلاً بالكفر)) فقال: فلان كافر، أو يا كافر، أو قال: يا عدو الله ((وليس كذلك إلا حار عليه)) يعني إذا كان المدعى عليه الكفر، أو بأنه عدو لله ليس أهلاً لذلك، يرجع إلى المكفر، يعود الحكم عليه، وهذا خطر عظيم، فالذين يسارعون في إطلاق هذه الأحكام العظيمة الكبيرة على خطر عظيم، وأعظم منهم من يرتب الآثار على هذه الأحكام، ويدخل في هذا دخولاً أولياء من يكفر عموم المسلمين، كالخوارج مثلاً الذين يكفرون مرتكب الكبيرة، إذا كان من أهل العلم ومن أهل النظر ويرى أن فلاناً ارتكب مكفراً وليس له عنده تأويل مقبول ولا سائغ بل معاندة، ما في ما يمنع من إطلاق الكفر على الكافر، بل الذي توقف في إطلاق الكفر على الكافر في خطر عظيم، وأهل العلم يقولون: من شك في كفر اليهود والنصارى كفر إجماعاً، فالمسألة .. ، الاحتياط من الطرفين صعب، فلا يجوز للإنسان أن يسارع في التكفير إلا إذا كان عنده برهان، كفر بواح، ما يحتمل، هذا لا يجوز له أن يتردد فيه، وهل هذا الحكم لآحاد الناس، أو يقتصر لأهل العلم والنظر الذين اكتملت فيهم(44/22)
الأهلية؛ لأن هذا أمر خطير، وله آثاره، وتترتب عليها أحكام خطيرة جداً، نعم الأمر كذلك، بل هو حكم شرعي لو قيل: إنه لمن يتولى الأحكام في الأموال والدماء ويرتب الآثار، لكن من ارتكب مكفراً معلوم من الدين بالضرورة بواح هذا لا يتردد في تكفيره، أما ترتيب الآثار على ذلك من كونه مرتد، أو يحتاج إلى تنفيذ حد هذا مثل الحدود مثل بقية الحدود هذه للإمام وليست لأفراد الناس، يقول: فلان لا يصلي والعلماء يحكمون بكفره والكافر حكمه القتل، نقول: لا يا أخي، لو صارت المسألة هكذا صارت فوضى، ما صار للإمام قيمة، وللإمام موقع عظيم في الشرع، والافتيات عليه شيء خطير جداً، فله اختصاصاته، ولا يجوز الافتيات عليه بحال، وهذا من خواصه، والإمام يكل الأمر إلى من يحكم، وعليه أن ينفذ، الإمام عليه أن ينفذ، لا يجوز له أن يتساهل في أي حد من الحدود، وإذا بلغت الحدود السلطان فعفا فلا عفا الله عنه، كما جاء في الخبر، لكن أيضاً الشرع وضع له حقوق وعليه حقوق، لكن الافتيات عليه أمر خطير جداً، كيف تنتظم الأمور وكل إنسان سلطان بنفسه، يريد أن يطبق، ويريد أن ينفذ، لا هذه فوضى، والشرع يشدد في مثل هذه الأبواب، المقصود أن مثل هذا يحتاج إلى تثبت وتأني والتوقف والتحري والتثبت هي سمة الحريص على براءة ذمته، نعم إن رأى كفراً بواحاً ما فيه تأويل، وما فيه كذا، ونوقش وأخبر باللوازم والتزم يتحمل التكفير، لكن التكفير لا يأتي من مجرد اجتهادات، أو من خلال فهوم لا تستند إلى نصوص، لا، لا بد من أن يتولى ذلك أهل العلم، والذي ينفذ الآثار المترتبة على الحكم هو من وكل إليه أمر التنفيذ، و ((حار عليه)) يعني رجع عليه، ((وليس كذلك إلا حار عليه)) يعني رجع إليه، نعم .... …(44/23)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الرضاع
الشيخ: عبد الكريم الخضير
قال -رحمه الله تعالى-:
"كتاب الرضاع"
كتاب الرضاع، الرضاع هو ارتضاع اللبن الذي ثاب عن حمل، وهو ما كان في الحولين من المجاعة، والخلاف في رضاع الكبير معروف، الجمهور على أنه لا يحرم، والظاهرية تبعاً لعائشة -رضي الله عنها- تقول: يحرم رضاع الكبير، شيخ الإسلام يقصره على الحاجة، والأصل فيه سالم مولى أبي حذيفة احتيج إلى رضاعه، احتيج إلى إرضاعه فرضع وهو كبير، وأذن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فرضاع الكبير عند الجمهور لا يحرم، والتحريم إنما يكون في الحولين، خمس رضعات، فلا تحرم المصة والمصتان، وإنما المحرم ما كان في الحولين خمس رضعات، ولا بد أن يكون هذا اللبن قد ثاب عن حمل كما يقول الجمهور، لكن إذا وجد لبن من امرأة ليست ذات بعل، وفيه خواص اللبن المغذي لا شك أنه لبن، والمرتضع راضع للبن، وله خواص اللبن إذاً يحرم، لكن الجمهور يقولون حكمهم على الغالب، أنه لا يوجد لبن إلا من حمل، فحكمهم على الغالب، وامرأة عجوزة كبيرة جداً في الثمانين من عمرها، اتصلت تسأل تقول: إنها فيها لبن وأرضعت أكثر من واحد، نقول: إذا كان اللبن فيه خواص اللبن المحرم، فيه خواصه، وما المانع أن يكون له أم بدون أب؟ شريطة أن يكون لبن، ما هو بأي شيء غير اللبن؛ لأنه قد يخرج من الثدي شيء غير اللبن، هذا مشاهد مجرب، يذكره الأطباء، لكن يبقى أنه إذا كان لبن بخواصه فهو محرم.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بنت حمزة: ((لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة)).
حمزة أخ للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(45/1)
عمه، لكن أخ له من الرضاعة وإلا لا؟ على أن مقتضى الحديث: ((ابنة أخي من الرضاعة)) نص، ابنة أخيه من الرضاعة، لا تحل له؛ لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، واستثنى بعض أهل العلم صور أربع، أربع صور، وبعضهم استثنى ست صور، لكن الحافظ ابن كثير يقول: "التحقيق أنه لا يستثنى شيء من ذلك؛ لأنه يوجد مثل بعضها في النسب، وبعضها إنما يحرم من جهة الصهر، فلا يرد على الحديث شيء أصلاً ألبتة" يعني لو تأملت الصور المستثناة ليس نظيرها من النسب، إنما نظيرها من المصاهرة، والنص إنما هو فيما يحرم من النسب، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)).
وهذا كسابقه، يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب، وهنا يقول: ((الرضاع يحرم ما يحرم من الولادة)) وقد جاء النص في المحرمات {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} [(23) سورة النساء] فجاء النص على التحريم بالرضاعة، لكن لا بد من توافر الشروط، وأن يكون خمساً في الحولين عند الجمهور، نعم، يقول:
"وعنها قالت: إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليّ بعد ما أنزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن لك" بعد ما أنزل الحجاب، ونساء النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء في حقهن فيما يتعلق بالحجاب أشد مما جاء في غيرهن، وإن كان الحجاب مفروض على الجميع {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [(59) سورة الأحزاب] هذه آية في غاية القوة في اللزوم بالحجاب، أو الإلزام بالحجاب، وأن الذي ينادي بنزع الحجاب هو المخاطب في الآية الثانية التي تليها {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ} [(60) سورة الأحزاب] يعني الذين يطالبون بإلغاء الحجاب هم المنافقون، ولذا عقبت هذه الآية بهذه الآية، فالحجاب مفروض على كل مسلمة مكلفة.(45/2)
"والله لا آذن له حتى استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني" هي تظن أن الرضاعة خاص بالمرضعة، يعني بين المرتضع والمرضع فقط، ولا يسري إلى ما يسري إليه تحريم النسب "فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: إن الرجل ليس هو أرضعني" يعني ما له علاقة "ولكن أرضعتني امرأته" هي ظنت أن الرجل لا أثر له في اللبن، اللبن لبن المرأة وش دخل الرجل؟ "إن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته" تبقى العلاقة بين المرتضع والمرضعة، الرجل وش علاقته؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
"فقال: ((ائذني له، فإنه عمك، تربت يمينك)) قال عروة: ففي ذلك كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب" خلاص ما دام هذا عم؛ لأني ارتضعت من زوجة أخيه إذاً حكم، هذا حكم النسب، "حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب، وفي لفظ: استأذن علي أفلح فلم آذن له، فقال: أتحتجبين مني وأنا عمك؟ " من أين جاءت العمومة هذه؟ من كونها رضعت من زوجة أخيه "فقلت: كيف ذلك؟ قال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي" يعني هل الزوج له أثر في اللبن؟ نعم له أثر، ولذا يقول العلماء في تعريف اللبن، اللبن الذي ثاب عن حمل، ولا حمل بدون زوج، هذا كلام الجمهور "بلبن أخي، قالت: فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((صدق أفلح، ائذني له، تربت يمينك)) " يعني بعد أن تتأكد أن هناك رضاع، نعم يكون عم " ((ائذني له، تربت يمينك)) أي: افتقرت" من تفسير المؤلف، والعرب تدعو على الرجل ولا تريد وقوع الأمر به، كثيراً ما يقول: تربت يمينك، ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) لا يريدون حقيقة هذا الدعاء وهو المقصود به أن تلصق اليد بالتراب من الفقر، لا تراد حقيقته ((ثكلتك أمك)) هل يراد أنك تموت؟! أحياناً في مساق المدح يقال: ثكلتك أمك، نعم؟ إذاً لا يراد معناه، ولا تريد وقوع الأمر به.(45/3)
"وعنها -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي رجل فقال: ((يا عائشة من هذا؟ )) " استنكر، والرجل له أن يسأل، إذا استغرب شيئاً في بيته يسأل عنه، نعم لا سيما فيما يتعلق .. ، نبيهٌ في هذا الباب، لكن يحذر كل الحذر من الوساوس والشكوك والأوهام، ولا يبني على مثله أحكام، لكن لا يكون مغفل، يدخل على بيته وهو موجود ونائم، وأحياناً وهو مستيقظ، بعض الناس يبلغ به حد من التغفيل إلى هذا الحد، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((يا عائشة من هذا؟ )) قالت: أخي من الرضاعة، فقال: ((يا عائشة أنظرن من أخوانكن؟ - تأكدنّ- فإنما الرضاعة من المجاعة)) يعني في وقت المجاعة، التي لولا هذه الرضاعة لجاع الطفل، وهو ما كان في الحولين عند الجمهور، وحديث سالم مولى أبي حذيفة يستدل به شيخ الإسلام في جواز رضاع الكبير للحاجة، وهو جزء أو بعض من مذهب عائشة التي تراه محرم مطلقاً، نعم هذا عقبة بن الحارث تزوج أم يحيى بنت إيهاب، فجاءت أمة سوداء، فقالت: قد أرضعتكما، نعم أمة، هل هذه شهادة وإلا خبر؟ خبر يطلب فيه الصدق، ولا تطلب فيه الحرية؛ لأنه فرق بين الخبر والشهادة، على أن بعضهم يقول: وإن كانت شهادة فتقبل شهادة الأمة كما يقبل خبرها؛ لأنها مكلفة، ومطالبة بالتثبت كما تطالب الحرة، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: فأعرض عني، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، تزوج وانتهى، الآن العقد ثبت، فهل يرتفع هذا العقد بمثل قول هذه الأمة؟ المسألة مسألة صدق وكذب، إذا غلب على الظن صدقها، نعم يعمل به، إذا غلب على الظن خلاف ذلك، يعني من الناس من يستأجر ليفسد النكاح هذا، لرغبة في الزوج من قبل بعض النساء، أو لرغبة في الزوجة من قبل بعض الرجال، فإذا وجد مثل هذا الظن، أو إذا غلب على الظن وقوع مثل هذا لا يلتفت إلى الخبر، وإذا خلت المسألة عن هذا وهذا يتثبت؛ لأن المسألة رفع أمر واقع، فلا بد من التثبت فيه، ولذا تنحى أو أعرض عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، نكاح ثبت نعم، "فتنحيت، فذكرت ذلك له فقال: وكيف وقد زعمت أن قد أرضعتنا؟ في بعض الروايات: كيف وقد قيل؟ لست بحاجة إلى تعيش عمرك كله هل هي أختي أو ليست بأختي؟ نعم إذا(45/4)
وجد مثل هذا الشك، ووجد مثل هذه الريبة، ووجد مثل هذا، نعم الحكم الشرعي شيء، ثبت العقد الصحيح ما يرفع إلا ببينة، إذا شُك في هذه البينة، إن كان مرد الفرقة ما يراود القلب من أحاسيس ومن أوهام أختي أو ليست أختي؟ هذه كيف وقد قيل؟ اتركها، النساء غيرها كثير، لكن العقد إذا ثبت لا يرفع إلا بأمر بين.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم-" يعني من مكة، وقصة الهجرة ضبطها البراء بن عازب نقلاً عن؟ أبي بكر؟ القصة في الصحيح، نعم؟ المقصود ما يعنينا من هذا الحديث "قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني من مكة- مهاجراً، فتبعتهم" هذا في الهجرة وإلا في عمرة القضية؟
طالب:. . . . . . . . .
لا في عمرة القضية هذا، في عمرة القضية؛ لأن معه علي وجعفر وزيد، يعني الهجرة ما معه إلا أبو بكر، لا هذه في عمرة القضية، نعم هذا الحديث الأخير يقول:(45/5)
"عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من مكة، وهذا في عمرة القضية "فتبعتهم ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم" وحمزة أخوه من الرضاعة كما تقدم، "فتناولها علي -رضي الله عنه- فأخذها بيدها" لأنه ابن عمها "وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك" يعني هي قريبة لمن؟ للزوج وقريبة للزوجة، فصار لهما حقان، ابنة عمه، وهي ابنة عمها، فمن الجهتين "فتناولها علي -رضي الله عنه- فأخذ بيدها، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك فاحتملتها، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال علي: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي، وأيضاً زوجتي ابنة عمها، وقال جعفر أيضاً: أنا كذلك، ابنة عمي، وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي" لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخى بين المهاجرين وهذه منهم، زيد وحمزة من المهاجرين، فآخى بين المهاجرين ثم لما هاجروا آخى بين المهاجرين والأنصار، فبينهما أخوة، بالمؤاخاة "بنت أخي، فقضى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لخالتها" نعم وقال: ((الخالة بمنزلة الأم)) قضى بها، الحكم الشرعي صار لمن؟ للخالة بغض النظر عن الرجال كلهم، الخالة بمنزلة الأم، ثم عاد لا بد من تطييب خواطر الرجال "قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) يعني تطييب الخاطر خلقه -عليه الصلاة والسلام- ((أنت مني وأنا منك)) وقال لجعفر: ((أشبهت خلقي وخُلقي)) جعفر الآن يحتاج إلى أن يطيب خاطره؟ يحتاج ما قضى بها له، القضاء ليس لجعفر وإنما لزوجته التي هي الخالة، فيحتاج إلى تطييب، وقال لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)) فالخالة بمنزلة الأم، الأم أحق بالحضانة بقيد أن لا تتزوج، وهذه خالة ومتزوجة، إذا كانت الأم أحق بالحضانة ما لم تتزوج، وهذه خالة تشبه الأم، ليست أم إنما هي بمنزلة الأم ومتزوجة، كيف يكون لها حق في الحضانة؟ لأن زوجها راضٍ، يعني لو لم يرض الزوج قلنا: هذه متزوجة ولا حق لها في الحضانة، فالزواج أثره فيما إذا لم يرض الزوج، فالأم أحق بالحضانة يعني إذا لم يرض الزوج، وعلى كل حال الحضانة حق للمحضون، فيجب أن يراعى فيه الأصلح له، الأصلح للمحضون، ولذا يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه ليست هناك قاعدة مستقرة،(45/6)
النبي -عليه الصلاة والسلام- خير هذه أمك وهذا أبوك، اختار ما تشاء، نعم، لكن هذا عند اتحاد المصلحة، لكن إذا كان الأب ليس أهلاً للحضانة بيضيع الطفل عنده، يحكم به للأم، إذا كانت الأم ليست بأهل ولا تستطيع حفظ البنت يحكم بها للأب، فيراعى في ذلك حق المحضون ومصلحة المحضون، لكن إذا تساووا فهناك ترتيب، كلهم أكفاء وكلهم أهل للحضانة الأم، الخالة بمنزلة الأم، الجدة أم الأم بمنزلة الأم وهكذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(45/7)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب القصاص (1)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللسامعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب القصاص
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب القصاص
الكتاب أيضاً مما سبق التعريف به مراراً في الكتب المتقدمة، كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصيام، الحج، البيوع إلى آخره، لكن لا مانع من أن يذكر بشيء مما يتعلق بهذه المادة، الكتاب والكتب والكتابة مصادر للفعل (كتب) يكتب كتابة وكتباً وكتاباً، والكتب والكتاب والكتابة والمكاتبة أصلها الجمع، أصل المادة الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، وجماعة الخيل كتيبة، وهذا تسمعونه كلام مكرر يعني، ومنه الكتاب والمراد به اسم المفعول المكتوب الجامع للمسائل العلمية، والذي بين يدينا يجمع مسائل القصاص، فالمصدر يراد به اسم المفعول، كالحمل يراد به المحمول، والكتاب هنا المراد به المكتوب الجامع لمسائل القصاص، والكتاب كما يقول أهل العلم: من المصادر السيالة التي تحدث شيئاً فشيئاً؛ لأن الكتاب إنما يحصل شيئاً فشيئاً باجتماع الحروف والكلمات، ثم الجمل، ثم الأسطر ثم الصفحات ثم يكون كتاباً، ومثل ما ذكرنا يراد به اسم المفعول الجامع لمسائل هذا الفن، ويراد به هنا القصاص.(46/1)
والقصاص مأخوذ من القص وهو القطع، أو من اقتصاص الأثر، وهو تتبع أثر الجاني للعثور عليه ليقص فيقطع، والقصاص سواء كان في النفس أو في الطرف من محاسن هذه الشريعة الكاملة التي كملها الله -جل وعلا- في آخر حياة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، التي هي ليست بحاجة إلى مزيد أو مزيج أو إدخال دخيل عليها فهي كاملة، وما وجد الخلل في المجتمعات الإسلامية إلا بعد أن تخلوا عن تطبيقها بحذافيرها، أخذوا منها ما يريدون، وتركوا ما لا يريدون فحصل الخلل، وتنكدت الحياة، ولذا نجد في مثل هذه البلاد التي تطبق فيها هذه الأحكام، ويتفيأ الناس فيها ظلال الأمن بسبب تطبيق هذه الشريعة، ولا يصاب الناس في أبدانهم ولا أموالهم ولا في أديانهم ولا في عقولهم إلا بسبب تخليهم عن هذا الدين، والحصة بالحصة، يعني إذا كان الخلل كبيراً، الإخلال بالدين إذا كان كبيراً كان الخلل في جميع نواحي الحياة كبيراً، وانظر ترى عن يمينك وعن شمالك فالله المستعان، والقصاص كما ذكرنا من محاسن هذه الشريعة، فلولا هذا القصاص الذي يوقف الجناة عند حدهم لرأيت الناس كالوحوش؛ لأن كل إنسان بحاجة إلى ما بيد الآخر، ويريد الحصول عليه بحق أو بغير حق، وهذه الحاجة حلتها الشريعة ولله الحمد بالمعاملات والعقود المباحة، ورتبت على ما يخالف هذه الحلول الشرعية عقوبات، إنسان يريد مال يبيع ويشتري يزرع يحرث، السبل -ولله الحمد موجودة- الشرعية، لكن يأخذ من مال غيره يسرق تقطع يده، وإلا صارت الدنيا فوضى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] نعم حياة، قد يقول قائل: القصاص موت ما هو بحياة، القصاص موت قتل فكيف يكون حياة؟! نقول: نعم حياة، شخص اعتدى على آخر فقتله قُتل القاتل انتهى الإشكال، لكن لو ترك هذا القاتل، ترك من غير رضا المجني عليهم، وإلا العفو بابه معروف في الشرع، تقرير الدية معروفة في الشرع، العفو أيضاً إذا كان بطيب نفس من أولياء المقتول ما صار له أثر، لكن يقتل ويعفى عنه من غير طريق أولياء المقتول المجني عليه، هنا يأتي الموت، وهنا يأتي الدمار؛ لأنه لا يكتفى بقتل واحد؛ لأن المجني عليهم ينتصرون ويثأرون، فيقتلون، ثم يقتل منهم، ثم يقتل من أولئك، وتعم(46/2)
الفوضى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] نعم يموت واحد لا بأس، في سبيل إقامة الأمن والعدل بين الرعية، من أمثال العرب التي يتداولونها ويرونها في غاية البلاغة: "القتل أنفى للقتل" هذا صحيح، كلام صحيح أنفى للقتل، قد يقول قائل: كلام متناقض، كيف قتل أنفى للقتل؟! نعم أنفى للقتل؛ لأنه لو ترك القاتل قتل بسببه مائة يمكن، أو ثارت حرب بين قبلتين وانتهوا، ألوف يقتلون، لكن لما شرع القصاص كل وقف عند حده، ترون الأمة على مر الدهور بتطبيق الشريعة الإسلامية ما يحتاجون إلى الاحتياطات التي تجعلها الدول الآن، نصف ميزانياتها لحفظ الأمن، ونصف ميزانياتها للمباحث وغيرها من أجل حفظ الأمن، لكن لو أقيمت الحدود كما هي ما احتجنا إلى شيء من هذا، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] وأهل العلم قارنوا بين هذه الآية وبين المثل العربي: "القتل أنفى للقتل" وأثبتوا بلاغة القرآن من وجوه على مثلهم وهو بليغ، لكن الآية أبلغ من وجوه متعددة ليس هذا موضع بسطها.
في الحديث الأول يقول:
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل دم امرئ مسلم)) دم امرئ مسلم يعني معصوم الدم، المسلم معصوم الدم لا يجوز قتله، ولا يحل إراقة دمه إلا بأحد الأمور الثلاثة، والقتل شأنه عظيم كما سيأتي في الحديث الثاني ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)).(46/3)
((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله)) هذا تفسير للإسلام، وهي الغاية التي يكف عندها يعني القتل والقتال ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله)) يشهدوا أن لا إله إلا الله تفسير للإسلام ((وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيبَ الزاني)) وإن شئت فقل: الثيبُ، فالثيب بدل بعض من الثلاث فتكون مجرورة، وإن قدرت مبتدأ محذوف قلت: هي الثيب الزاني ((والنفس بالنفس، والتارك لدينه)) إلى آخره، يعني ما فيه قتل إلا بهذه الثلاث؟ إلا بهذه الثلاث؟ ((إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، النفس بالنفس، التارك لدينه المفارق للجماعة)) طيب الساحر حكمه؟ القتل، نقول: هذا رابع وإلا داخل في التارك لدينه؟ داخل، طيب تارك الصلاة؟ نعم؟ تارك الصلاة عند من لا يقول بكفره، عند من يقول: إنه يقتل حد، يعني هل المراد بترك الدين بالكلية، أو ترك التدين والخروج على بعض أحكامه؟ لأنه قد يقول قائل: هناك مسائل كثيرة يقتل فيها المسلم، وإن لم يترك الدين بالكلية، فهل نقول: إن هذا الحصر لا يحل إلا، أسلوب حصر في الثلاث، هل نقول: إن هذا حصر حقيقي، بمعنى أنه لا يوجد غير الثلاث، وأن ما وجد يمكن إدخاله وإدراجه في الثلاث؟ أو نقول: هو حصر إضافي وهناك قتل في غير المسائل الثلاث لكن هذه الثلاث هي أهم ما يقتل فيه المسلم؟ قتل اللوطي عند من يقول بقتله هل نقول: إنه يدخل في الثيب الزاني، وإذا قلنا هذا نقول: اللوطي إذا كان غير محصن لا يقتل؟ أو نقول: إن هذا قدر زائد على ما جاء في حصر الحديث، وأنه أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لا قتل إلا في هذه الأمور الثلاثة، ثم زيد على ذلك من أحكام شرعية؟ من أهل العلم من قال: إن كل صور القتل تندرج في الثلاث، اللوطي يندرج في الزاني، وغيره من صور القتل تندرج في هذا، ومنهم من يقول: لا تندرج، إنما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الأمور الثلاثة، ثم زيد عليها أحكام، يعني نظير ما قيل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) وبالاستقراء تبين أن الذين تكلموا في المهد سبعة، يعني من الشراح من قال من أساء الأدب حقيقة، أساء الأدب وقال: في هذا الحصر نظر، هذا(46/4)
ينظر في كلام من؟ كلام من لا ينطق عن الهوى، هذه إساءة أدب.
الثيب من وطء في نكاح صحيح، يعني وطء وطأ شرعياً في نكاح صحيح، وعلى هذا لو تكرر الزنا من شخص لم ينكح نكاحاً صحيحاً فهو بكر، يستمر بكر، ومن تزوج امرأة ليلة واحدة ثم طلقها، وعاش بقية عمره أعزب هذا ثيب، فهذا ضابط الثيب، عند أهل العلم فمن وطء بنكاح صحيح وحكمه الرجم، حكمه الرجم، ورجم النبي -عليه الصلاة والسلام- في قضايا، في خمس قضايا، في خمس قضايا ثبت الرجم، وثبت المنسوخ تلاوته والباقي حكمه: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة" ويأتي من يبرر لما يعيشه المسلمون وما يزاولونه من فواحش، يقول: يا أخي في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وقع الزنا، نقول: في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- في ثلاثة وعشرين سنة، خمس قضايا، لكن كم يحدث اليوم –الآن- من جرائم، يعني لا تصور العصمة في المسلمين كلهم، لكن هذه ليست بحجة، وقع خمس قضايا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- يقال: المجتمع لا بد أن يقع منه ما يقع، ويدعونا هذا إلى التساهل في أمر هذه الجريمة وانتشارها، ولا شك أن انتشار هذه الفاحشة مؤذن بخطر عظيم، ولذا جاء حكمه في الشرع أنه يرجم حتى يموت.(46/5)
((الثيب الزاني، والنفس بالنفس)) {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [(45) سورة المائدة] فمن قتل قُتل، ((والتارك لدينه، المفارق للجماعة)) هل نقول: إن المراد بالدين مجموع الدين، بمعنى أنه يفارق الدين بالكلية فيرتد، جاء في حق المرتد ((من بدل دينه فاقتلوه)) فهل هو التارك الموجود عندنا أو التارك للدين أعم من أن يكون مرتداً أو خارجاً عن بعض شرائع الدين مما يوجب القتل كترك الصلاة مثلاً؟ لا شك أن المرتد يقتل، وهل يقتل رجلاً كان أو امرأة مع قوله -عليه الصلاة والسلام- ونهيه عن قتل النساء؟ نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن قتل النساء، هل نقول: إن النهي عن قتل النساء مخصص لعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) فالمرأة إذا ارتدت لا تقتل؟ أو نقول: تقتل لعموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه))؟ والنهي عن قتل النساء خاص بالقتال؛ لأنه وجد امرأة مقتولة، فنهى عن قتل النساء -عليه الصلاة والسلام-، وعموم حديث: ((نهيت عن قتل المصلين)) قد يصلي ويقتل لماذا؟ لأنه ثيب وزنى مثلاً، أو قتل مسلماً وهو يصلي فيقتل فـ ((نهيت عن قتل المصلين)) عام مخصوص بما جاء من النصوص التي تقتضي قتل من ارتكب ما يوجب القتل، بالنسبة التارك لدينه هذا المرتد ما فيه إشكال، داخل دخولاً أولياً في هذا الحديث، ومنصوص عليه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) نأتي إلى المرأة هل تقتل أو لا تقتل إذا تركت الدين وفارقت الجماعة وارتدت؟ تقتل أو ما تقتل؟ تقتل، إذاً عندنا ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في الرجال والنساء خاص بالمرتدين، طيب النهي عن قتل النساء عام في الأصليات والمرتدات، لكنه خاص بالنساء، إذاً يكون بين النصين عموم وخصوص مطلق أو وجهي؟ عموم وخصوص وجهي، بمعنى أن ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام من وجه خاص من وجه، عام في الرجال والنساء؛ لأن (من) من صيغ العموم، لكنه خاص بالمرتدين، والنهي عن قتل النساء عام في الأصليات والمرتدات، لكنه خاص بالنساء، فبينهما عموم وخصوص وجهي، كيف نفعل إذا وجد مثل هذا التعارض؟ يعني إذا وجدنا العموم والخصوص المطلق ما عندنا مشكلة، يحمل العام على الخاص وينتهي(46/6)
الإشكال، لكن إذا كان العموم والخصوص وجهياً فماذا نصنع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا لم يستطع، هنا كيف نعمل بالنصين؟ كيف نعمل بالنصين هنا؟ نقول: إذا أرتد الرجل قتلناه، وإذا ارتدت المرأة ماذا نصنع؟ نعم؟ تقتل والنهي عن قتل النساء؟ ما علمنا بالنصين إذاً، نعم؟ كيف؟ تقتل، إذاً ما علمنا بالحديث الذي يدل على النهي عن قتل النساء، إحنا قدرنا أنه عموم وخصوص وجهي، لو كان مطلق ما عندنا مشكلة، نحمل العام على الخاص وينتهي الإشكال، لكن إذا قلت: عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) يشمل النساء، وش المانع ما يشمل النساء؟ تقول: هذا الكلام، لكن القائل الآخر الطرف الآخر من الحنفية مثلاً النهي عن قتل النساء خاص، نخصص به حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) ويقول الطرف الآخر من الحنابلة والشافعية والمالكية يقولون: النهي عن قتل النساء عام، وحديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) خاص بالمرتدين، ودعوى هذا ليست بأولى من دعوى هذا، وعلى كل حال في مثل هذه الصورة نحتاج إلى مرجح خارجي،
كيف مرجح؟ ومن أين نأتي بمرجح خارجي؟ نقول ((من بدل دينه فاقتلوه)) هذا عموم صحيح، والعموم أضعف من الخصوص، لكن عموم هذا الحديث أقوى من عموم حديث النهي عن قتل النساء، كيف صار أقوى؟ لأن عموم حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، ما دخله من المخصصات إلا محل النزاع، محل الدعوى، المرأة إذا ارتدت، لكن عموم النهي عن قتل النساء محفوظ وإلا مخصوص بمخصصات كثيرة؟ مخصوص بمخصصات كثيرة، مقتضى النهي عن قتل النساء أن المرأة لو قتلت ما تقتل، عمومه هكذا، لكن هل هذا صحيح؟ هذا جاء بنصه، نعم منصوص على قتل المرأة إذا قتلت، والمرأة إذا زنت وهي محصنة ترجم وإلا ما ترجم؟ ((اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) ترجم، المرأة إذا كانت ساحرة مثلاً تقتل وإلا ما تقتل؟ جاء قتل الساحرة.(46/7)
المقصود أن عموم حديث النهي عن قتل النساء دخله مخصصات كثيرة، وعموم حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) ما دخله إلا مسألة المرتدة هذه وهي محل النزاع فتخرج، فيبقى لنا عموم حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، وعموم ((نهيت عن قتل النساء)) مخصوص، والعموم المحفوظ أقوى من العموم المخصوص، فيقدم عموم هذا على عموم هذا فتقتل المرأة إذا ارتدت، ويبقى النهي عن قتل النساء في مورده، وهو إذا ما كانت في حرب مثلاً، نساء الكفار يقتلن وإلا ما يقتلن؟ في حال الحرب ما يقتلن، إلا إذا تدرع بها، تترس بها الكفار، أو كان امرأة لها أثر في القتال، يعني شاركت في القتال، فالمقصود أن المرأة إذا تركت الدين، وفارقت الجماعة تقتل إذا ارتدت، كما تقتل إذا زنت، كما تقتل إذا قتلت، طيب الخوارج ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)) مقتضى المروق المفارقة؛ لأن السهم يفارق، الذي يمرق يفارق، فهم يمرقون من الدين، لكن هل المقصود بالدين الإسلام بمعنى أنهم يخرجون عن الإسلام، أو يخرجون عن التدين، وإن لم يخرجوا عن الإسلام بالكلية؟ هما قولان مشهوران لأهل العلم، فعلى هذا هذا الحصر تكون هذه أمور المنصوص عليها أمور كلية يندرج تحتها صور تقتضي القتل، والحصر سواء قلنا: إنه حقيقي بمعنى أنه لا يوجد إلا هذه القواعد المذكورة، ويندرج تحتها فروع، أو نقول: إن هذا حصر إضافي وزيد عليه بما جاء في النصوص الأخرى مما يقتضى القتل، أهل العلم ينصون على أن أهل بلد لو تركوا شعيرة من شعائر الدين ما يكفرون، لو تركوا الآذان مثلاً، أو اتفقوا على ترك صلاة العيد لا يكفرون، لكن يقاتلون، يعني وإن قالوا: لا إله إلا الله؛ لأن ما تركوه من حق لا إله إلا الله.
الحديث الثاني.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)).(46/8)
الحديث الثاني:: عن ابن مسعود أيضاً، والعادة عند أهل المختصرات إذا رووا أحاديث عن صحابي واحد، صرحوا باسمه في الموضع الأول، وكنوا عنه بالضمير في الموضع الثاني، يقولون: وعنه -رضي الله عنه-، هذا هو الأصل "وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) " وذلكم لعظم شأن الدماء، هذا بالنسبة لحقوق العباد، وأما بالنسبة لحقوق الله تعالى فأول ما ينظر فيه من عمل العبد إيش؟ الصلاة، هذا بالنسبة لحقوق الله جل وعلا، وأما بالنسبة لحقوق العباد فالدماء، لأن الاعتداء على بدن الإنسان شأنه عظيم، والقتل موبقة من الموبقات، موبقة نسأل الله السلامة والعافية، وقد جاء في الشرائع حفظ الضرورات الخمس، ومنها حفظ النفوس، ومن قتل دون نفسه فهو شهيد، فالقتل شأنه عظيم في الشريعة، ولذا جاء في الحديث الصحيح ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) يعني بأدنى اعتداء سواء كان باللسان أو باليد فكيف القتل؟ ولا يزال المرء في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً، وقرن القتل بالشرك {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [(68) سورة الفرقان] فالقتل شأنه عظيم، كما أن الشرك شأنه أعظم، وقل مثل هذا في الزنا، فمن الضرورات الخمس حفظ النفس، فالذي يعتدي على النفس يرد فيه مثل هذا، والمقتول يأتي يوم القيامة ويطلب من الله -جل وعلا- أن يسأل القاتل بما قتله، ومن النصوص التي جاءت في تعظيم شأن القتل، القتل ترى ألف فيه مؤلفات، تعظيم شأنه في الشرع، من نصوص الكتاب والسنة، وأعظم ما جاء فيه آية النساء {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(93) سورة النساء] نسأل الله العافية، مع الخلود والغضب ووعيد شديد في شأنه، نسأل الله السلامة والعافية، يعني حقوق الله -جل وعلا- التوبة منها يعني أمرها ميسور، يعني بإمكان الإنسان أن يتوب ويمحى الأثر، لكن شأن القتل، وإزهاق نفس مسلمة تعبد الله -جل وعلا-، وما يترتب على إزهاقها من يتم الأطفال، وإرمال النساء، كارثة من(46/9)
الكوارث، يعني إذا كان الإنسان فليتصور الإنسان مصيبة أولاده به، أو مصيبته في أحد أبنائه فيضع الإنسان المسلم نصب عينيه، تصور شخص له ولد يلعب في الشارع ثم جاء الخبر بأنه صدمته سيارة، وجاء صاحب السيارة وحمله إلى المستشفى، الدقائق بين علمه ووصوله إلى المستشفى يعني الأب أو الابن أو الأم، كيف يتصورها الإنسان؟ وقد تكون الصدمة خفيفة ويجده يعني يحتاج إلى شيء من العلاج الخفيف وينتهي، لكن تصور الدقائق التي يعيشها في تلك اللحظات، المسألة ليست بالسهلة، ولعظم هذا الأثر جاء تعظيم شأن الدماء ((زوال الدنيا بكاملها أسهل عند الله من إراقة دم مسلم)) فليس الأمر بالهين في أن يزهق دم مسلم، سواء كان باجتهاد، أو باعتداء وظلم وعدوان، فالمسألة ليست بالسهلة، ولذا جاء في الخبر ((أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء)) لأن شأنها عظيم، أيضاً مما عظمه الشرع حفظ الأديان، تصور إنسان عابد من العباد يأتي شخص من شياطين الإنس يصرفه عن دينه، ويحليه إلى مجرم، أو يحمله على الردة، كارثة هذه من أعظم المصائب، ولذا جاءت الشرائع بحفظ الأديان كحفظ الدماء والأنفس، وقل مثل هذا في بقية الضرورات، نعم.
عن سهل بن أبي حتمة -رضي الله عنه- قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذٍ صلح، فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((كبر كبر)) وهو أحدث القوم فسكت، فتكلما فقال: ((أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم؟ )) قالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: ((فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم؟ )) فقالوا: كيف نأخذ بأيمان قوم كفار؟ فعقله النبي -صلى الله عليه وسلم- من عنده.
وفي حديث حماد بن زيد: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته)) قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: ((فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم؟ )) قالوا: يا رسول الله قوم كفار، فوداه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قبله.(46/10)
وفي حديث سعيد بن عبيد فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن سهل بن أبي حتمة -رضي الله تعالى عنه- قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود" ابن عمه "إلى خيبر، وهي يومئذٍ صلح" يعني في وقت صلح وهدنة "فتفرقا" كل منهما ذهب في شأنه، هذا إلى جهة وذلك إلى جهة، عبد الله بن سهل ومحيصة "فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً" قتل "فدفنه، ثم قدم المدينة" ولا أنكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما قال: لماذا دفنته؟ ما انتظرت حتى تنتهي القضية؟ دفنه؛ لأن جنازة المسلم لا بد من التعجيل بها، لكن إذا اقتضت المصلحة تأخير الدفن بما تتطلبه القضية من بحث في أدلة جنائية، أو ما يعين على معرفة القاتل فلا بأس، المقصود أنهم ما عندهم آلات تدل على شيء من ذلك، ولا تحاليل ولا .. ، عندهم قواعد شرعية مقدمات ونتائج، وهذه طبيعة القضاء الشرعي، نتائجه مبنية على مقدمات شرعية.
"فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-" فيتقص لهم من قاتله، لعل الوحي ينزل عليه فيعين له القاتل، لعل الوحي ينزل عليه، هذا تصورهم، فيقتل القاتل، لكن ما الذي حصل؟ الشرع ليس لوقت معين أو لحقبة واحدة، ليس لزمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني إذا عين قاتل هذا المقتول فمن يعين من قتل من بعده؟ بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا شك أنه مؤيد بالوحي، لكنه بشر يقضي على نحو ما يسمع، بشر قدوة وأسوة للحكام وللقضاة الذين أنى لهم بالوحي بعد موته -عليه الصلاة والسلام-، يعني لو أوحي إليه: إن القاتل فلان، لكن اللي يقتل بعده بعد وفاة النبي من؟ كيف يتعامل معه؟ هذا تشريع.(46/11)
"إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذهب عبد الرحمن يتكلم" لماذا؟ ما الذي جعله يتكلم الأول؟ لأنه أخ للقتيل، هو صاحب الدم، لكن السن له قدر في الشرع عندنا، وهذا أدب شرعي أن جعل للكبير ميزة على الصغير، لما ذهب يتكلم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) والحكم الشرعي سواء استعجلت أو بادرت أو تأخرت لم يختلف، ولذا بعض الناس في بعض المواطن يتصرف تصرفات يظنها تنفعه في قضيته، وهي بالعكس تضره، في مجالس القضاء يسمع بعض الكلام الذي لا يخدم القضية، ما له قيمة في القضية، بل قد يضر، فعلى الإنسان أن يتبع القواعد الشرعية، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((كبر كبر)) يعني اترك الكبير يتكلم قبلك، وهذا من الأدب الشرعي أن لا يتقدم الصغير بين يدي الكبير، وقل مثل هذا في جميع الأبواب، حتى في إمامة الصلاة، فأقدمهم سناً، فالكبر له شأن في الشريعة، فيقدم الكبير، ويحترم الكبير، ويحنى على الصغير، ويعطف عليه، لا بد من أن تسود هذه الروح بين أفراد المجتمع الإسلامي، الصغير يحترم الكبير، ولا يتقدم بين يديه، وبالمقابل أيضاً الكبير يعرف حق الصغير، وله شأنه، وهناك أمور لها قدر في الشرع، فأحياناً الجهة إذا كان عن جهة اليمين، إذا تعارض أكثر من جهة تستحق التقديم، صغير على الجهة اليمنى وكبير على الجهة اليسرى، ينظر في هذه الأمور التي تقتضي التقديم، ويوازن بينها ويرجح، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما شرب أعطى الصغير، أعطى ابن عباس، أبو بكر عن يساره، لما شرب أعطى الأعرابي، أبو بكر عن يساره وهو الكبير، فملاحظة مثل هذه الأوصاف ما لم يترتب الناس، أما إذا ترتبوا فليبن، مقدم في الشرع، فمثل هذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يوجه أمة، يعني قد يقال: هذا منكوب المسكين أخوه مقتول دعوه يتكلم، هذا صاحب الشأن، نقول: تبقى؛ لأن القواعد الشرعية تمضي على أي ظرف وعلى أي حال، والعجلة ما تخدم، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بعث علي -رضي الله تعالى عنه- إلى خيبر، حال حرب الناس تطيش عقولهم، في أقل من الحرب الناس تضيق عقولهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أنفذ على رسلك)) العجلة ما(46/12)
تأتي بشيء، التأني هو الذي يجعل في الغالب النتائج حميدة، والرفق في الأمور كلها ما دخل إلا زان الشيء، والله -جل وعلا- رفيق يحب الرفق، والعجلة من الشيطان، فعلى الإنسان أن يستعمل هذا الأدب الشرعي في جميع أحواله، ويحمد العاقبة.(46/13)
" ((كبر كبر)) وهو أحدث القوم" يعني أصغرهم سناً "فسكت" لأنه مسلم، مؤمن، ما دعته نفسه الأمارة أن يقول مثل ما قالت المرأة: إنك لم تصب بمصابي، أو مثل ما قال الأنصاري: إن كان ابن عمتك، لا، سكت "فتكلما" حويصة ومحيصة "فقال: ((أتحلفون؟ )) " لما أخبروا النبي -عليه الصلاة والسلام- بالواقعة فقال: ((أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟ )) هذه القسامة، والحديث أصل في مشروعيتها، إذا وجد قتيل بين قوم لا يعرف القاتل بعينه، وهناك لوث يغلب على الظن أن القاتل فلان، فمع هذا اللوث يعني وجد ما يدل على خلاف بينه وبين فلان، أو توعده، أو حصل بينهم إشكال، فإذا وجد مثل هذا يتجه القول بالقسامة ((أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟ )) دم، يستدل به من يقول: إنه إذا تمت القسامة وحلف أولياء الدم أن فلاناً قتله يستحقون قتله، يستحقون دمه، ويقتل بهذا، ومنهم من يقول: إن القسامة تقرر الدية لا تقرر القتل، " ((وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم؟ )) قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟! " نعم المسلم يحترم اليمين، ولا يجعل الله عرضة ليمينه، ما رأى ولا شهد كيف يحلف؟ وإن كانت مصيبته مصيبة، المسألة قتل، وأيضاً المدعى عليه ليس بمسلم؛ لأن بعض الناس يقول: ما دام ما هو بمسلم سهل، احلف والخسارة وش هي؟ كافر كافر، وش يقتل؟ الأمر هين، نقول: لا يا أخي هذا شرع، له مقدماته وله نتائجه؛ لأن بعض الناس يقول: ما دام الشخص مؤذي نشهد عليه يؤدب ويعزر ولو ما حصل شيء، الغايات لا تبرر الوسائل، أنت ودك فلان والله يؤدب اضبط عليه ما يقتضي تأديبه، أما تقول: والله أشهد عليه أنه حصل، أو فعل أو ما فعل علشان يؤدب ما هو بصحيح، شهادة زور هذه، وإن كان المشهود عليه مستحق من جهة أخرى، تقول: والله فلان جارنا ولا يصلي وآذنا وأتعبنا، لماذا لا أشهد عليه بأنه فعل كذا، أو قال كذا مما يقتضي ردعه وتأديبه والله المستعان كله واحد، إن أُدب هنا أو أُدب هنا؛ لأن بعض الناس قد يتصور هذا، يقول: إن كان القصد الصلاة ما هو بمأخذ حق الله منه، نشهد عليه أنه تكلم كلام يعني يقتضي سجنه أو أدبه أو شيء وهو مستحق، نقول: لا يا أخي لا يجوز لك أن تفعل هذا، ولذا قالوا: كيف نحلف ولم(46/14)
نشهد ولم نر؟ والمشهود عليه يهودي "قال: ((فتبرئكم يهود بخمسين يميناً)) قالوا: وكيف نأخذ بأيمان قوم كفار؟ " يحلفون وش المانع؟ الكافر يحلف، طيب أنتم ما أنتم بحالفين، ولا تقبلون أيمانهم وش نسوي؟ يعني ليس من الصعب يعني من الميسور جداً أن ينزل الوحي ويقول: إن القاتل فلان، لكن من للقضايا التالية إلى قيام الساعة، لو لم ينزل هذا النص، فإما أن تحلفوا وتستحقون، وإما أن تتبرأ اليهود أو المدعى عليهم بأيمان خمسين، وتنتهي القضية، ومع ذلكم لم يحلفوا، نكلوا ورفضوا قبول أيمان اليهود، الأصل أن يقول: خلاص انتهت القضية، لكن كره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يبطل دم مسلم "فوداه بمائة من إبل الصدقة" لأن دم المسلم محترم، هنا ما فيه لوث، وإن كان من عادة اليهود الغدر، ومن عادتهم قتل الأنبياء فضلاً عن الصالحين، لكن الأمور العامة لا تقتضي الحكم الخاص، هل يقول قائل: إن اليهود اجتمعوا عليه وقتلوه؟ نعم؟ هم أهل غدر وقتلة الأنبياء، اجتمعوا عليه فقتلوه، ما يمكن يقال هذا؟ إذاً كيف تتهم شخص بعينه أنه قتله من بين قوم اتصفوا بوصفه وهو الغدر؟ شوف العدل في الشريعة مع الموافق والمخالف، لكن بالمقابل أحياناً يجد الإنسان نفسه لا مفر له من الاعتراف وهو برئ، يعني عكس هذا، شخص يذبح ذبيحة في خربة بالأجرة، جزار هو، فلما خرج والسكين تقطر دم إلى عند باب الخربة هذا شخص يتشحط في دمه، قبضوا عليه قالوا: أنت قتلته، يستطيع أن يتنصل أو ينكر؟ السكين مشهورة، والدم مقطور منها، والرجل يتشحط في دمه، هذه ذكرها ابن القيم -رحمه الله- في الطرق الحكمية، أخذوه وحكم عليه لأنه هو القاتل، لكن هل يجوز له بأن يعترف بأنه هو القاتل أو لا بد أن ينكر؟ يقول ابن القيم أخذوه وحكم عليه بالقتل، ولما أريد التنفيذ خرج شخص من بين المتفرجين، وقال: أنا الذي قتلته، فلان بريء منه، فأنقذه الله -جل وعلا-، لكن قد لا يجد من ينقذه، فعلى الإنسان ألا يعرض نفسه إلى مواقع التهم، ولا بد للإنسان أن يستبرئ لدينه وعرضه، فلا يعرض نفسه لمواقع التهم، هذه نقيض ما عندنا، مقتول ما عُرف قاتله، وعندنا يضيع دمه؟ ما يضيع، يودى من بيت المال "فعقله النبي -صلى الله عليه وسلم- من(46/15)
عنده" وفي حديث حماد بن زيد فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((يقسم خمسون منكم على رجل منهم)) على رجل القاتل واحد، فيدفع برمته، الرمة الأصل فيها الحبل الذي يقاد به الشخص، أو تقاد به البهيمة لتسلم بكاملها إلى من يطلبها، قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ كيف نحلف على شيء ما شهدناه؟ قال: ((فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم)) قالوا: يا رسول الله قوم كفار، يعني ما يترددون، نعم إذا صارت مثل هذه القضية بين مسلم وكافر، المسلم ما عنده بينة، يعني أقرض كافر مبلغ من المال فلم يحضره أحد ثقة به، يهودي وإلا نصراني وإلا مستأمن، أقرضه مبلغ من المال، أو له عليه معاملة، ثم بعد ذلك أدعى عليه فأنكر، أين بينتك؟ أين البينة؟ والله ما عندي بينة الثقة موجودة، وما توقعت أنه يبي ينكر، إذاً يحلف، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، كافر يبي يحلف، وش تبونا نقول؟ فهنا يأتي دور القاضي وحذق القاضي، والقضاة من كثرة ما يمر عليهم من مثل هذه المسائل يكشفون الحق في الغالب، عرض قضية على واحد من القضاة في البحرين، قبل ستين أو سبعين سنة، شخص من الذين يعبدون البقر عنده وديعة لمسلم فجحدها، فجيء به إلى القاضي، فقال: هات البينة يقول للمسلم، قال: ما عندي بينة، قال: إذاً يحلف، قال: وش يحلف؟ عبد البقر يحلف؟ لو تبيه يحلف .. ، دعه يحلف بالبقرة، يشرك علشان حطام الدنيا، نقره على شركه من أجل حطام الدنيا ما يمكن، لكن الشيخ جاء بسكين، وقال للمدعى عليه: اقبضها بيدك، وشهرها هكذا فقال: ورب البررة، قال: ورب البررة، ما عنده مشكلة، يحلف بالله -جل وعلا-، مهلك الفجرة، ما عنده إشكال؛ لأنه ما يظن نفسه فاجر هو، لئن كان صادقاً لأخذن هذه السكين وأذبح البقرة، قال: لا، لا، أنا مالي أدفع وبقرة ما يذبح، وهو كافر، كافر واعتز بدينه الباطل، ولم يجعل معبوده عرضة لمثل هذا، ومع الأسف الشديد أن بعض المسلمين يحلف الأيمان المغلظة، والأيمان الغموس، ومن أيسر الأمور أن يقول: الله، وبلى والله، وتالله، على أيسر الأشياء مع النهي عن ذلك، فعلى المسلم أن يحفظ يمينه، لكن إذا حلف المسلم الذي ليس من عادته امتهان اليمين، فإبرار المقسم من حقوق المسلم على المسلم،(46/16)
وعلى كل حال الحديث أصل في القسامة، وهي أن يوجد قتيل بين قوم لا يدرى القاتل بعينه، ولا بد من وجود اللوث، يوجد قرينة ترجح أن فلان قتل، ومع ذلكم على المسلم أن يحفظ يمينه، ولا يجعل الله عرضة ليمينه، فيتحرى فيها كما تحرى أولياء الدم في هذه القصة، نعم.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جارية وجد رأسها مرضوضاً بين حجرين، فقيل: من فعل هذا بك؟ فلان، فلان، حتى ذكر يهودي فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرض رأسه بين حجرين.
ولمسلم والنسائي: عن أنس -رضي الله عنه- أن يهودياً قتل جارية على أوضاح فأقاده بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(46/17)
وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن جارية وجد رأسها مرضوضاً بين حجرين، فقيل: من فعل هذا بك؟ لا تستطيع الكلام، ولا تستطيع التصريح باسمه ولا بوصفه، إنما تحرك بعض أطرافها، تحرك رأسها، عرض عليها أسماء يظن بهم أنهم قتلوها، فلان؟ أومأت برأسها، لا، فلان؟ فلان؟ كلهم تقول: لا، قالت أشارت برأسها أن نعم، فلان الذي قتلها، وهذه لا تزال في حيز الدعوى، دعوى هذه، يكفي هذا في إقامة الحد عليه؟ لا يكفي، لكن هذه قرينة تعطي طرف الخيط "فأخذ اليهودي فاعترف" أخذ غرر فاعترف "فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرض رأسه بين حجرين" ولمسلم والنسائي: عن أنس أن يهودياً قتل جارية على أوضاح" الأوضاح الحلي، وبعضهم يقول: من فضة، وبعضهم يقول: هي الخلاخيل التي تجعل في الرجلين "فأقاده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فإنما أخذ بإقراره واعترافه لا بدعواها، وإنما دعواها جعلت قرينة على القاتل، يعني تغلب الظن، لكن لا بد من اليقين، وهنا لما أخذ وقرر اعترف، طيب قد يقول قائل: لو لم يعترف هل يتحايل معه حتى يقر؟ وهل يضرب أو تستعمل معه القوة حتى يقر؟ من أهل العلم من يرى أنه إذا اتجهت التهمة إليه، وقوي في غلبة ظن القاضي أنه يفعل مثل هذا، يعني قامت القرائن والأدلة على أنه يفعل مثل هذا تستعمل معه القوة حتى يقر ويعترف، ولا يؤخذ إلا بإقراره هو، وهنا لما ذكرت أن فلاناً هو الذي قتلها صار هذا قرينة على أنه قتل، وهو أيضاً من اليهود، وهم قتلة الأنبياء، فغلب على الظن أنه هو القاتل، فأخذ وقرر فأقر وأعترف "فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرض رأسه بين حجرين" جاء في الحديث: ((لا قود إلا بالسيف)) ولذا يرى جمع من أهل العلم أنه لا قتل إلا بالسيف، لكن منهم من يرى مثل ما عندنا، وحديث: ((لا قود إلا بالسيف)) فيه ضعف، والذي عندنا في الصحيحين، رض رأسه بين حجرين، ما قتل في الصحيح، وهذا من المماثلة في القتل {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] هذه مماثلة وليست مثلة، المماثلة في مثل هذا الخبر شرعية، طيب سقاه سماً، يقتل بالسم، ضربه بمثقل يقتل بمثقل، بمحدد يقتل بمحدد، والنهي عن المثلة معروف،(46/18)
أما المماثلة فهي شرعية، {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] اللهم إلا إن كانت وسيلة القتل ابتداء محرمة، سقاه خمراً فمات نقول: يسقى خمر حتى يموت؟ لا، ماتت المرأة من أثر الوطء بالمحرم، نقول: يوطأ حتى يموت، مات باللواط مثلاً صبي مات باللواط، نقول: يلاط باللائط حتى يموت؟ هل نقول: إن المماثلة تدخل في هذا؟ لا تدخل بمثل هذا، إذا كانت الوسيلة محرمة فلا، لكن من أهل العلم من يستروح إلى أن المماثلة مطلوبة إلى الحد المشروع، سقاه خمراً يسقى خلاً حتى يموت؛ لأن الخل مباح، فيسقى حتى يموت، مات باللوطية مثلاً يدخل في دبره خشبة أو شيء حتى يموت، تقطع أمعاءه، وتتلف حشوه حتى يموت، قال بهذا بعض أهل العلم، لكن مثل هذه الأمور ينبغي أن يترفع عنها، إن أمكنت المماثلة لأمر مباح فلا بأس، وهنا الحديث نص في الباب، رض رأسه بين حجرين، وإن كان سببه القتل محرماً، أو لا يمكن تنفيذه إلا بارتكاب محرم، فإن مثل هذا يعدل عنه إلى الأمور المباحة، اعترف كم اعترف من مرة؟ يكفي أن يقر مرة واحدة، أو لا بد أن يقر مراراً على عدد ما يثبت به القتل من الشهود مثلاً، الاعتراف بالزنا ماعز اعترف أربع مرات، أقر على نفسه أربع مرات، فهل نقول في القتل الذي يحصل القود بشهادة اثنين لا بد أن يعترف مرتين أو يكفي أنه اعترف فقتل خلاص انتهى؟ اعتراف واحد يكفي؟ نعم؟ هذا الحديث ليس فيه إلا أنه اعترف، ومثل هذا الإجمال وعدم الاستفصال في مثل هذا ينزل منزلة العموم، فيكفي الاعتراف مرة واحدة، شخص أحرق شخصاً صب عليه بنزين وأشعل فيه النار، هل نقول: إن المماثلة أن يصب عليه بنزين ويحرق بالنار؟ أو نقول: جاء النهي عن التحريق بالنار فيعدل عنه إلى غيره؟ وعلي -رضي الله عنه- أحرق الغلاة الذين غلوا به وألهوه.
لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... أججت ناري ودعوت قُنبرا
فأحرقهم، وجاء تحريق بعض العصاة، كاللوطي بعض أهل العلم من الصحابة من أفتى بتحريقه، على كل حال جاء النهي عن التحريق بالنار، وأنه لا يعذب بالنار إلا الله -جل وعلا-، فيعدل عنها إلى غيرها، نعم.(46/19)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما فتح الله تعالى على رسوله -صلى الله عليه وسلم- مكة قتلت خزاعة رجلاً من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله -عز وجل- قد حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها ساعتي هذه حرام، لا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل، وإما أن يفدى)) فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه، فقال: يا رسول الله أكتبوا لي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اكتبوا لأبي شاه)) ثم قام العباس -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله إلا الإذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(46/20)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما فتح الله تعالى على رسوله -عليه الصلاة والسلام- مكة" في السنة الثامنة من الهجرة، "قتلت هذيل رجلاً من بني ليث" كذا في العمدة، والذي في البخاري: من خزاعة، "من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية، فقام النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إن الله -عز وجل- قد حبس عن مكة الفيل)) " في القصة المعروفة لما أراد أبرهة هدم الكعبة، ووجه إليها جنوده يتقدمهم فيل عظيم، فحبسه الله -جل وعلا- عن مكة ((وسلط عليها رسوله والمؤمنين)) أذن لهم في فتحها بالسيف عنوة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة وعلى رأسه المغفر، والخلاف بين أهل العلم هل فتحت صلح أو فتحت عنوة؟ معروف، والأكثر على أنها فتحت عنوة ((وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وأنها لم تحل لأحد كان قبلي)) لأنها حرام، حرمها الله -جل وعلا- على لسان خليله -عليه الصلاة والسلام- ((لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي)) فلا يجوز القتال بمكة ((وإنما أحلت لي ساعة من نهار)) فقاتل النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل مكة ((وإنها ساعتي هذه)) يعني ثم عادت حراماً إلى قيام الساعة، لا يجوز فيها القتال، لكن من استحق القتل، ولجأ إلى الحرم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اقتلوه)) يعني ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، وهو في هذه الساعة التي أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل يقتل القاتل بمكة؟ من ابتدأ قتال هل يقاتل؟ وهل يدفع الصائل؟ وهل تقام الحدود بمكة؟ الجمهور نعم، تقام الحدود بمكة، يقتل القاتل؛ لأن هذا القتل بحق، طيب قد يقول قائل: القتل بغير حق لا يجوز لا بمكة ولا بغير مكة، القتل بغير حق لا يجوز بمكة ولا بغير مكة، وإذا كانت مكة تقام فيها الحدود، ويقتل فيها القاتل، ويرجم الزاني، وش صار مزية مكة عن غيرها؟ يصير لها مزية أو ما لها مزية؟ نعم الله -جل وعلا- حرم مكة، واستثنى هذه الساعة التي دخلها النبي -عليه الصلاة والسلام- مقاتلاً، ولا شك أن حرمة مكة من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وأن شأن القتل فيها أعظم من شأنه في غيرها، وأن مجرد الهم بالإلحاد في الحرم، مجرد الهم يؤاخذ عليه {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ(46/21)
بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج] فمجرد الهم، الهم في غيرها من البلدان لا مؤاخذة عليه؛ لأنه من مراتب القصد التي هي دون العزم، ولا مؤاخذة إلا على العزم، لكن مكة الهم، مجرد الهم يؤاخذ عليه، لا شك أن شأن مكة عظيم جداً، تعظيم القتال والقتل فيها أعظم منه في غيرها، لكن القصاص في الحرم يقول به الأكثر، ومنهم من يقول: إنه إذا أريد القصاص من شخص يخرج عن الحرم، إذا رفض أن يخرج يضيق عليه، لا يطعم ولا يسقى حتى يخرج، فإذا خرج اقتص منه, ولا شك أن مثل هذا الباعث عليه تعظيم هذه البقعة، وهي من تعظيم الله شعائر الله، من تعظيم ما عظمه الله -جل وعلا-، ويبقى أن السؤال إما أن يقال بعدم القتل بالكلية في مكة، لا القتل ابتداء ولا القتل عقوبة واقتصاص، أو يقال: إن القتل المباح، القتل بحقه يجوز في مكة كغيرها، وحينئذٍ يكون تعظيم مكة بالنسبة للقتل نظري، يكون بس مفاده تعظيم شأن القتل فيها، من أجل كف من تسول له نفسه أن يقتل في مكة، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار)) هذه الساعة التي أحلت له هل قتل فيها بحق أو بغير حق؟ بحق، وإذا قلنا: إن القتل بحق يجوز في مكة كالقصاص مثلاً نعم، أو تنفيذ الحدود بمكة كغيرها، والقتل الحرام يحرم في مكة وغير مكة، إذاً ما الفائدة؟ من يقول بهذا القول يقول: إن الفائدة تعظيم شأن القتل، وردع من تسول له نفسه أن يقتل في الحرم، وأما الفائدة العملية بعد وقوعه هي كغيرها من البلدان، يحرم فيها ما يحرم في غيرها، ويباح فيها ما يباح في غيرها، والذين يقولون: إنها لا تقام الحدود، ولا يتقص من المجرمين في مكة يستدلون بمثل هذا الحديث، وعلى كل حال ابن حجر يقول: وفي الحديث جواز إيقاع القصاص في الحرم؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- خطب بذلك في مكة، ولم يقيده بغير الحرم، خطب بذلك في مكة يعني المحرم مكة، وأما الحرم وهو أوسع دائرة من مكة يجوز القصاص فيها، هذا كلام ابن حجر، لكن افترض المسألة في أن مكة زادت عن الحرم، تعدت حدود الحرم ينحل الإشكال؟ ما ينحل الإشكال حتى على كلام ابن حجر، نعم الله -جل وعلا- حرم(46/22)
مكة، وما حرم الحرم، نقول: تحريم الحرم معروف، ما جاء في مثل هذا النص يشمل الحرم، لا يعضد شجرها، يعني هل هذا خاص بمكة أو بالحرم كله؟ عام في الحرم كله، لا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها، هذا عام في الحرم كله، وإذا كان مكة أصغر من حدود الحرم في وقت من الأوقات فقد يأتي وقت من الأوقات أن مكة حدودها تتعدى الحرم، فليس هذا حل، ورفع للإشكال، والإشكال باقي، وكل على أصله، فالذين يقولون بجواز القصاص في مكة وفي الحرم يقولون: إن هذا بحق، وما كان بحق يكون مطلوب شرعاً، يعني هذا القصاص مطلوب شرعاً، إقامة الحدود مطلوبة شرعاً، فهل من تعظيم الله إقامة شرع الله في الحرم، أو ليس من تعظيم الله؟ نعم من تعظيم حدود الله إقامتها في أي مكان كان، هذه حجة الجمهور يقولون: ما دام أذن فيه شرعاً، بل طلب شرعاً، بل هو واجب من واجبات الشريعة، ما المانع أن يقام في أقدس البقاع؟ والذين يأخذون الحديث على إطلاقه يقولون: يضيق عليه حتى يخرج، فإذا خرج أقيم عليه الحد، لا يطعم ولا يسقى، ثم يضطر للخروج وحينئذٍ يقام عليه الحد، ويبقى أن مكة شأنها عظيم، سواء قلنا بجواز القصاص، وجواز إقامة الحدود، أو قلنا بالقول الآخر أنه لا يقام فيها حتى لا يضيق عليه فيخرج، المقصود أن المسألة خلافية بين أهل العلم.(46/23)
((لا يعضد شجرها)) لا يقطع الشجر، ولا يختلى الخلاء، الحشيش لا يحتش، والشوك أيضاً لا يقطع، لقطتها لا تحل إلا لمنشد، لمن يريد تعريفها ولا يملكها بحال، ولو حال عليها الحول، ولو عرفت سنة، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل هذا القتيل إذا اتفق العصبة على قتله يقتل، النفس بالنفس، وإما أن يفدى إذا تنازلوا عن القتل إلى الدية، يفدى بالدية، أو العفو المطلق لا قتل ولا دية {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] إما أن يقتل وإما أن يفدى، هل نقول: إن هذا تقسيم أو تخيير؟ إما أن يقتل إذا كان القتل عمد، وإما أن يفدى إذا كان القتل خطأ أو شبه خطأ، أو نقول: هذا تخيير مرده إلى اختيار أولياء المقتول، إما أن يقتلوا قاتل صاحبهم، أو يأخذوا ديته؟ هاه؟ تفصيل وإلا تخيير؟ تقسيم وتنويع يعني نوعٌ يقتل في قتل العمد، ونوع يفدى في قتل الخطأ وشبه الخطأ، أو نقول: هو تخيير وهو بخير النظرين، نعم تخيير، ولذا قال: ((من قتل له قتيل فهو بخير النظرين)) ما الفائدة من قولنا: تخيير أو تفصيل تقسيم؟ متى تظهر فائدة الخلاف؟ لأن من أهل العلم من يقول: إن قتل العمد فيه القتل، لكن إذا تنازل أولياء المقتول عن القتل إلى الدية ورفض القاتل يدفع الدية يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم؟ إذا قلنا: تخيير والمخير أولياء المقتول يلزم القاتل بدفع الدية، لكن إذا قلنا: تفصيل، وهو أن المقتول عمداً يقتل، ولا تأخذ الدية إلا برضاه، برضا الطرفين، إذا اتفقا على ذلك فيكون أخذ الدية من باب الصلح، والمقتول خطاء أو شبه عمد فيه الدية، الكلام واضح وإلا ما هو واضح؟ لأننا إما أن نقول: إما أن يقتل أو يُقتل وإما أن يفدى، فهل الخيار يقتضي أن أولياء الدم لهم أن يتنازلوا إلى الدية، ولو لم يرض القاتل؟ بمعنى أنه لو قيل: أنت قاتل عفونا عن القتل نريد الدية، قال: أنا والله ما عندي دية، تبون الرقبة هذا عندكم، يلزم وإلا ما يلزم؟ ((من قتل له قتيل فهو بخير النظرين)) الضمير يعود على من؟ نعم؟ أولياء المقتول، فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يفدى، فإذا قال: أنا والله ما عندي استعداد، ما عندي دية، وقتل العمد الدية على من؟ على العاقل، أو في مال(46/24)
القاتل؟ في مال القاتل، قال: أنا والله ما عندي استعداد أدفع مائة ألف، ما عندي شيء، إما يسمحون بالكلية بلا دراهم بلا قتل، وإلا هذه الرقبة موجودة، يلزم وإلا ما يلزم؟ مقتضى السياق فهو بخير النظرين، يعني ولي المقتول هو الذي يختار، وحينئذٍ تكون إما أن يقتلوه أو يفدى، بالتخيير، ومن أهل العلم من يقول: إنه للتقسيم، وعلى هذا إذا رفض القاتل عمداً دفع الدية ليس لهم إلا القتل، ويتصور أن الإنسان يرفض يدفع الدية، ما يتصور؟ يتصور يرفض الدية، لا سيما إذا رفعت عليه، يقولون: لم نسمع عن مقتولنا إلا إذا دفع مليون مثلاً، نعم، فيتصور، هل نقول: يلزم بدفع ما يريدون؟ أو نقول: عليه أن يدفع الدية المقررة شرعاً، وما زاد على ذلك لا بد من اتفاق الطرفين؟ أما كونه يعدل إلى الدية فبرضا ولي المقتول، كما هو ظاهر هذا الحديث.
"فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه" بالهاء بالوقف والدرج "فقال: يا رسول الله اكتبوا لي" وفي هذا الحرص على كتابة العلم وتقييده.
فالعلم صيد والكتابة قيده ... قيد صيودك بالحبال الواثقة
يقول:
فمن الحماقة أن تصيد غزالة ... وتتركها بين الخلائق طالقة
كم ندم، كم ندمنا، وندم غيرنا على أن مر بعض الفوائد التي ما دوناها نذكر أصل الفائدة نريد مراجعتها خلاص فرت، وين تجدها في بطون هذه الكتب؟ كيف تقف عليها؟ لكن لو أنت قيدت وجدتها في أي وقت، وهنا طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تكتب له هذه الخطبة التي سمعها من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ففي هذا مشروعية كتابة العلم.(46/25)
"فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اكتبوا لأبي شاه)) " وهذا إذن بالكتابة بعد المنع منها، فقد ثبت في الصحيح -صحيح مسلم- من حديث أبي سعيد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه)) وهذا غير القرآن، وقال: ((اكتبوا لأبي شاه)) إذاً فيه إذن بالكتابة بعد المنع، ثم تتابع الإذن، وأجمع الناس على الكتابة، ونفع الله بالكتابة، وقيدت العلوم، ولولا الكتابة لضاع كثير من العلم، نعم صارت الكتابة على حساب الحافظة، يعني كانت الحافظة قبل الكتابة قوية؛ لأن الناس يعتمدون عليها، ثم بعد ذلك لما أذن بالكتابة لا شك أن لها مردود على الحفظ، وهذا كل إنسان يدركه من نفسه، يعني إذا قال لك زميلك قبل الجوالات: أنا رقمي كذا، وأنت حريص عليه إن كتبته لا بد تراجع المكتوب لن تحفظه، وإذا حفظته خلاص ما تنساه، ولا شك أن الكتابة لها أثر على الحفظ، ويبقى أن فيها نفع عظيم، وقد نفع الله -جل وعلا- بما كتبه العلماء في مصنفاتهم ومدوناتهم.(46/26)
"ثم قال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر" نبت معروف طيب الرائحة "فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا" وفي رواية: لقيننا، يعني يوقدون به النار، ويجعلونه في خلل البيوت والسقوف في القبور، نعم "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)) " قام العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: يا رسول الله إلا الإذخر، ثم ذكر علة الاستثناء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)) هل هذا مجاملة لعمه، يعني لما تكلم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث هل في باله أن يستثني أو هذا استثناء تلقيني؟ يعني كما يتكلم شخص بكلام يقول قائل: قل -إن شاء الله-، استثناء تلقيني، فإذا قال ذلك نفعه، وهنا قال: إلا الإذخر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)) يعني هل هذه مجاملة لعمه؟ لا، والمقرر عند أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يجتهد، فلما رأى حاجتهم إلى استثناء الإذخر استثناه، لهم حاجة، وذكرت العلة، واقتنع منها النبي -عليه الصلاة والسلام- استثناه، ومنهم .. ، الذين يقولون: إنه لا يجتهد، النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجتهد، الذين يقولون بهذا القول يقولون: نزل الوحي فوراً بالاستثناء فقال: ((إلا الإذخر)) وعلى كل حال مسألة الاجتهاد منه -عليه الصلاة والسلام- هي قول الجمهور، له أن يجتهد، لكنه لا يقر على الخطأ، وقصة أسرى بدر اجتهد فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- وعوتب فيها، والمسألة معروفة عند أهل العلم، نعم.
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى فيها بغرة عبد أو أمة، فقال: "ائتني بمن يشهد معك" فشهد معه محمد بن مسلمة، وإملاص المرأة أن تلقي جنينها ميتاً.(46/27)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت أحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم، فقام حمل بن النابغة الهذلي فقال: يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل؟ فمثل ذلك يطل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما هو من إخوان الكهان)) من أجل سجعه الذي سجع.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أنه استشار الناس في إملاص المرأة" يعني إسقاط المرأة جنينها قبل تمامه ميتاً باعتداء معتدٍ، إجهاض مثلاً بسبب، اعتدى عليها شخص بفعل أو تهديد مثلاً، وما أكثر ما يحصل مثل هذا في المستشفيات وغيرها، يصرف لها علاج خطأ مثلاً فيسقط الجنين، أو يقرر تقرير خاطئ من قبل طبيب، ويقرر أنه يسقط هذا الجنين، أو يجتهد اجتهاد خاطئ فيقول: الجنين فيه تشويه وإلا فيه شيء فأسقطيه، كل هذه لا تجوز، وفيها الدية المذكورة، إذا لم يكن الطبيب مشهود له بالخبرة والمعرفة، بعض الناس يجتهد اجتهادات خاطئة، وإذا لم يكن من أهل الفن، وأهل الشأن آثاره تلزمه، أو ضربها أو تسبب في إسقاطها الجنين، عمر بن الخطاب استشار الناس في إملاص المرأة، المسألة شورى في الأحكام الشرعية؟ وش رأيكم؟ أو المقصود به معرفة من عنده شيء من أصل شرعي في المسألة؟ يعني كما يقال عند بحث مسألة: ما تحفظون في هذه المسألة؟ من عنده شيء من الكتاب والسنة يدلي به، والذي يحفظ قول لبعض أهل العلم يدلي به، والناس يذكرون ما عندهم، وهذا موجود في القديم والحديث.(46/28)
"استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- قضى فيه بغرة عبد أو أمة" اعتدى شخص على امرأة فأسقطت جنينها ميتاً قد تبين فيه خلق الإنسان يغرم ديته عشر دية أمه، غرة، عبد أو أمة، عبد أو وليدة، وقيمتها خمس من الإبل، شهد المغيرة بن شعبة عند عمر بن الخطاب، والمغيرة صحابي جليل، وعمر -رضي الله عنه- هو صاحب التحري والتثبت في الدين، صاحب الحيطة، فقال: "لتأتين بمن يشهد معك" هات واحد يشهد معك، وهذا من تحري عمر وتثبته؛ لأن لا يتطاول الناس على التحديث، عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا تساهل الناس في هذا الباب ضاع الدين، فلولا احتياط عمر مثل هذا الاحتياط، وأخذه على أيدي الناس، ولا بد أن يوجد في الأمة أهل تحري وتثبت واحتياط، لو تتابع الناس كلهم على التساهل والتيسير انتهوا الناس، يتساهلون في هذا، وهذا يفتيهم بالتساهل في هذا، وهذا يقول لهم: هذا الأمر سهل، والدين يسر، ويخرجون من الدين وهم لا يشعرون، أقول: لا بد أن يوجد في الأمة مثل عمر -رضي الله عنه- من أهل التحري والتثبت، وحمل الناس على العزيمة، وإلا هل عمر لا يقبل الخبر إلا إذا تعددت طرقه؟ ليس بصحيح، المعتزلة استغلوا مثل هذا الاحتياط من عمر، قالوا: خبر الواحد لا يقبل، لا بد أن تتعدد الطرق، وقرروه في كتبهم، قرروا هذا في كتبهم، ورد عليهم أهل السنة بردود قوية، وإذا رد أهل السنة على المعتزلة هل هم يردون على عمر صاحب التحري والتثبت؟ أبداً، عمر يقبل الأخبار من قبل واحد، لكن لا بد أن يوجد منه بعض التصرفات التي تحمل الناس على التثبت، لما استأذن أبو موسى على عمر ثلاثاً ثم انصرف، دعاه فقال: استأذنت ثلاثاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ليستأذن أحدكم ثلاثاً)) قال: لتأتين بمن يشهد لك، مثل هذا، فشهد له أبو سعيد الخدري، والقصة في الصحيح، كهذه، هل نقول: إن عمر يرد خبر الواحد؟ عمر يحتاط للسنة، ويقبل خبر الواحد، لكن أحياناً يحتاج إلى أن يتأكد، ولا بد أن يتحرى، ولا بد أن يربي الناس على هذا، على هذا التحري والتثبت، فإذا رددنا على المعتزلة لا نرد على عمر -رضي الله عنه-، صاحب التحري والتثبت(46/29)
والحيطة للدين، مثل ما قيل في رد الإمام مسلم على من يشترط اللقاء، وشنع عليه، ووصفه بالبدعة، والقول مبتدع ومخترع، والقول يقول به البخاري، على ما نقل عنه من .. ، واستفاض عنه على ألسنة أهل العلم، هل نقول: إن مسلم يرد على البخاري وهو شيخه؟ ولولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء، لا، مسلم -رحمه الله- يرد على مبتدع، يريد أن يجير احتياط البخاري -رحمه الله تعالى-، وتثبت البخاري لرد السنة، يريد أن ينفذ إلى تحقيق بدعته من خلال احتياط البخاري، والمعتزلة نفذوا إلى تقرير بدعتهم من خلال قول عمر، فإذا رددنا على المعتزلة لا نرد على عمر، وإذا رد مسلم على هذا المبتدع الذي يريد أن يستغل احتياط البخاري -رحمه الله- في رد السنة فهو لا يرد على البخاري.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت أحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها فاختصموا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقضى رسول -صلى الله عليه وسلم- أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها" قتلتها وما في بطنها، رمت إحداهما الأخرى بحجر، قتل عمد هذا أو شبه عمد؟ نعم؟ هنا قتلتها فاختصموا، قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن دية الجنين غرة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، على عاقلة القاتلة "وورثها ولدها ومن معهم" لأن هذا قتل شبه عمد؛ لأنها رأت أن هذا الحجر ما يقتل، فهو شبه عمد "فقام حمل بن النابغة الهذلي" وهو مطالب بالدية، هو من العاقلة "فقال: يا رسول الله كيف أغرم؟ " يدافع عن نفسه، يريد أن لا يدفع شيء "كيف أغرم من لا شرب ولا أكل؟ " من البطن طاح ما بعد صار شيء "من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل" يعني ما صرخ، ولا أتكلم ولا شيء "فمثل ذلك يطل" يهدر، هذا ما يستحق دية، هذا مثل قطعة دم أو قطعة لحم ما لها قيمة "فمثل ذلك يطل، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما هو من إخوان الكهان)) من أجل سجعه الذي سجع" السجع إذا أُستعمل في إبطال الحق كما هنا، ونصر الباطل مذموم، يشبه سجع الكهان، وإن كان السجع في بيان الحق، ونصر الحق مطلوب؛ لأنه كلام، اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، وعين لا تدمع، ودعاء لا يسمع، أسجاع، وجاء السجع في كلامه -عليه الصلاة والسلام-، لكنه غير متكلف، ويراد به إقرار الحق وإحقاقه لا إبطاله كما هنا، وإنما يذم السجع إذا كان لنصر الباطل كالبيان ((إن من البيان لسحراً)) ....(46/30)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب القصاص (2)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وإنما يذم السجع إذا كان لنصر الباطل كالبيان ((إن من البيان لسحراً)) وهو يحتمل معنيين المدح والذم، فإن كان في نصر الحق فالبيان ممدوح، وإن كان في نصر الباطل فهو مذموم، نعم.
عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده من فمه فوقعت ثنيتاه، فاختصما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، اذهب لا دية لك)).
وعن الحسن بن أبي الحسن البصري قال: حدثنا جندب -رضي الله عنه- في هذا المسجد، وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله -عز وجل-: عبدي بادرني بنفسه، حرمت عليه الجنة)).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(47/1)
"عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رجلاً عض يد رجل فنزع يده من فيه" يعني من مقتضى الدفاع عن النفس أن ينزع يده، رجل عض يد رجل فنزع يده من فيه، فوقعت ثنيتاه، هذا مما يقتضيه الدفاع عن النفس، والدفاع عن النفس مطلوب، ولذا ما يطلب يطلب بجميع ما يعين عليه "فاختصما إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل، اذهب لا دية لك)) " فمن أتلف شيئاً بسبب دفاعه عن نفسه لا يضمن، لكن إذا أتلف شيئاً بسبب دفاعه عن غيره يضمن، هنا الحديث يدل على أن ما تلف بسبب الدفاع عن النفس فإنه هدر لا دية فيه، جاء يختصم يبي الدية المقررة للثنايا، يعني وش تتصور أن الإنسان يبي يصبر حتى يرسله ويطلقه؟ ((يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل)) يعني ومع ذلك ينتظر حتى تسمح نفسه يتركه؟ لا، لا ((اذهب لا دية لك)) لأنه معتد، ظالم وليس لعرق ظالم حق، السبب في كونه عض يد الرجل أصلها غضب كلمة أو شبهها، جاء وعض يد الرجل، اختصما عند كلمة أو شبهها وحضر الشيطان فعضه، فعلى الإنسان أن لا يسترسل مع خطوات الشيطان، وتسويله وتزيينه، وعليه أن يكتم غيظه، ولذا جاءت الوصية النبوية: ((لا تغضب)) وإلا ما الذي جعله يعض يد أخيه؟ هل يقال: إنه يمزح؟ يعضه يمزح؟ عض يده ونزع يده من فيه لا بد، لو جاء شخص وعصر يد آخر هذا كثير ما يحصل بين الشباب في المزح، يمسك يده ويعصرها، ثم يتصرف ذاك تصرف من لا شعور فيضرب وجهه، أو يفقأ عينه من لا شعور، يعني هذه مما يتطلبه التخلص، فضلاً عن كونه يمسكه مع مقتل، أو مع شيء لا يمكن الصبر معه، فمثل هذا يهدر لا دية له.
يقول:(47/2)
"وعن الحسن بن أبي الحسن البصري" الإمام سيد من سادات التابعين -رحمه الله تعالى-، يقول: "حدثنا جندب" جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي يقول: "في هذا المسجد" يؤكد الحسن أنه حدثه، لماذا؟ لأن الحسن عرف بالتدليس، ويتفنن أحياناً في التدليس، فيقول: حدثنا أبو هريرة مثلاً وهو ما سمع أبا هريرة، إنما حدث قومه، فيريد أن يؤكد أنه سمعه منه مباشرة "حدثنا جندب في هذا المسجد" يعني بالتأكيد وأنا موجود "وما نسينا منه حديثاً" يعني ضبطنا وأتقنا، ولذا الحسن من الحفاظ، ولذا يقول أنس بن مالك: سلوا الحسن فإنه قد حفظ ونسينا "وما نسينا منه حديثاً، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حاشا وكلا أن يكذب الصحابي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهم أعلم الناس، وأورع الناس، وأتقى الناس، وأزهد الناس، وأتبع الناس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع)) " في يده جرح ما صبر، من شدة الألم أخذ سكيناً فحز بها يده، هل يتصور أن الجرح يخف ألمه إذا قطع يده أو يزيد؟ لا، يزيد بلا شك، تصرف هذا التصرف فمات ((حز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله -عز وجل-)) يعني في الحديث القدسي: ((بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة)) فلا يجوز له أن يباشر قتل نفسه، ولا يوجد في النصوص ما يدل على أن المسلم يجوز له أن يباشر قتل نفسه، نعم في النصوص ما يدل على أن له أن يتسبب في قتل نفسه إذا ترتب على هذا التسبب مصلحة أعظم، لكن يباشر قتل نفسه ما يوجد في النصوص ما يدل عليه، طيب شخص لدغ، لدغته حية في أصبعه في بر، لو تركه سرى السم إلى بقية بدنه ماذا يصنع؟ اجتهد في وقتها فجاء بالفأس فقطع الأصبع يأثم وإلا ما يأثم؟ يقول: أصبر على الدم، وأمسك في طرف الأصبع حتى أصل، لكن السم بيروح، يعني ليس الهدف من هذا أنه يموت، إنما قصده أن يحيا، نعم قد يجتهد الإنسان اجتهاداً يودي بحياته لكن حسبه أن يجتهد، لكن الإشكال في كونه يبادر بنفسه، فيباشر قتل نفسه كما هنا، قال الله -عز وجل-: ((بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة)) لا يجوز للإنسان بحال أن يتصرف بنفسه، ولذا لا(47/3)
يجوز له أن يتبرع بشيء من أعضائه؛ لأنه لا يملك من أعضائه شيء، طيب هل يقتل الحيوان فضلاً عن الإنسان لكونه يتضرر من البقاء في الحياة؟ شاة مريضة، وميئوس من شفائها، وتقتل لغير ما مأكلة، تبي تقتل وترمى، هل نقول: إن هذا من باب إراحتها، أو نقول: إنه تعد على هذه النفس بغير حق، ولا يجوز القتل لغير مأكلة؟ قتل الحيوان لغير مأكلة لا يجوز، وقل مثل هذا بل أعظم إذا قرر الأطباء أن هذا المريض الذي يعيش على الأجهزة ميت ميت، يعني ميت تسعة وتسعين بالمائة، وأحياناً يقررون أنه ميت دماغياً، يعني أنه ميت مائة بالمائة، فهل نقول: لهم أن يسحبوا الأجهزة عنه ليريحوه، ويريحوا من يتردد لزيارته والعناية به، نقول: ما دامت الروح في الجسد لا يجوز لأحد كائناً من كان أن يتسبب في وفاته، هو مسلم كامل الحقوق، لا يجوز لأحد أن يتسبب في إنهاء حياته، وما يدريك أن الله -جل وعلا- يرد عليه ما فقده من شعور، وهذا حاصل يقرر الأطباء أنه ميت دماغياً، وأنه خلاص بس حاجز مكان مقعد وأجهزة والناس بحاجة، والذي حصل قضايا نادرة جداً أنه عادت له الحياة، فهو مسلم كامل الحقوق، ما دامت روحه لم تفارق بدنه فلا يجوز التعدي عليه، وقل مثل هذا فيما لو تُعرض له بقتل خطأ، شخص يمشي فضرب السلك برجله وهو ما دري انفصل الكهرب فمات الرجل، نقول: هذا قاتل، لكن قاتل خطأ، والثاني متعمد، لكن عاد يبقى النظر في تقدير الخطأ والعمد وشبهه، وهل يقاد به أو لا يقاد؟ محل نظر واجتهاد، لكنه يبقى أنه مسلم روحه في بدنه له كامل الحقوق والموازنة بينه وبين مريض أرجى منه، وهذه المسألة التي يسأل عنها كثيراً، مريض ماسك سرير وماسك أجهزة من سنين، خمس أو عشر سنين، وهو على هذه الحالة، جاء مريض إذا أسعف بهذه الأجهزة يشفى بنسبة سبعين بالمائة، وهذا ميئوس منه بنسبة تسعة وتسعين بالمائة، نعم هذا محل نظر واجتهاد، أما إذا لم يوجد غيره فلا يجوز بحال أن تفصل عنه الأجهزة، إذا جئنا بمريض نسبة الشفاء عنده سبعين بالمائة، وهذا نسبة الشفاء واحد بالمائة يقدم عليه ما نسبته سبعين؛ لأن المسألة مسألة مصالح ومفاسد.
سم.(47/4)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الحدود
باب: حد السرقة - باب: حد الخمر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الحدود
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم ناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة، فأمر لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي -صلى الله عليه وسلم- واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله. أخرجه الجماعة.
اجتويت البلاد إذا كرهتها وكانت موافقة، واستوبأتها إذا لم توافقك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الحدود
الحدود: جمع حد، وأصله الفاصل، وما يحجز بين شيئين، وسميت هذه العقوبات المقدرة في الشريعة حدوداً لأنها تمنع وتحجز دون المرتكب وارتكابها بين المسلم وبين ارتكابها؛ لأنها تمنعه وتحجزه وتحول دونه، يقول -رحمه الله تعالى-:(48/1)
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم ناس من عكل أو عرينة" في رواية بالواو: من عكل وعرينة، وجاء في بعض الروايات: أنهم كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل "فاجتووا المدينة" يعني كرهوها واستوبؤها، ولم تناسبهم، يعني جو المدينة ما ناسبهم، فحصل لهم ما حصل من المرض في بطونهم، فعلاج مثل هؤلاء إذا حصل الوباء لمثل هؤلاء في البطون ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- "أمر لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بلقاح" نياق فيها ألبان "وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها" وما زال الناس يتداوون بلبن الإبل المخلوط بشيء من بوله، وهو نافع لمرض البطن، ما زال الناس يتداوون به، وقد يتضرر الإنسان في أول الأمر إذا لم يعتد شرب لبن الإبل، لكنه بعد ذلك يشفى به؛ لأنه علاج نبوي، والحديث في الصحيحين، هؤلاء لما حصل لهم المرض بسبب تغير الجو عليهم؛ لأن ما كل إنسان يناسبه كل جو، فهؤلاء لما قدموا المدينة اجتووها، وأصيبوا بهذا الداء في بطونهم، فوصف لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا العلاج، فأمر لهم باللقاح من هذه الإبل، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، والبول بول ما يؤكل لحمه طاهر، بدليل هذا الحديث وغيره من الأدلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- طاف على البعير، ولا يؤمن أن يبول في المسجد، لولا أن بوله طاهر ما طاف عليه، وهنا أمر بشربها، وأذن بالصلاة في مرابض الغنم، كل هذا يدل على طهارة بول ما يؤكل لحمه وألبانها، ومن أهل العلم من يرى أن أبوالها نجسة، وإنما أذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالشرب منها علاج؛ لأنه علاج، الضرورة دعت إليه، لكن كما جاء في الحديث: ((تداووا عباد الله، ولا تداووا بحرام)) والنجس حرام يدخل في الممنوع، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها "فانطلقوا" يصنعون ما أمرهم به "فلما صحوا" كفروا هذه النعمة، وبدل أن يشكروا الله -جل وعلا-، ثم يقدمون إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقدمون له ما يستحقه من التقدير والإكرام "فلما صحوا قتلوا راعي النبي -عليه الصلاة والسلام-" قتلوا الراعي "واستاقوا النعم" هؤلاء قوم لئام -نسأل الله السلامة والعافية-، لما عافاهم الله كان الواجب عليهم الشكر، والشكر(48/2)
لازم لكل مسلم "لما صحوا قتلوا الراعي، واستاقوا النعم، فجاء الخبر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول النهار" جاء من يخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن هؤلاء فعلوا ما فعلوا "فبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- في آثارهم" وفي رواية: بعث عشرين رجلاً من شباب الأنصار " فلما ارتفع النهار جيء بهم" ارتفع النهار يعني انتصف الضحى، جيء بهم، هم سبعة وبعث لهم عشرين، فجيء بهم "فأمر بهم -عليه الصلاة والسلام- فقطعت أيديهم وأرجلهم" لأنهم قتلوا وكفروا النعمة، أو ارتدوا عن الإسلام كما سيأتي في كلام أبي قلابة "قطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم" وفي رواية: سملت، جيء بمسامير أحميت بالنار فكحلت بها عيونهم، وفي رواية: فقئت أعينهم؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي نسأل الله السلامة والعافية، مثلوا به فمثل بهم "وتركوا في الحرة" المعروفة بالمدينة الحرة الشرقية والغربية التي تكسوها الحجارة السود "يستسقون فلا يسقون" حتى ماتوا، وهذا جزاء المحارب، هؤلاء محاربون، قطاع طريق، حكمهم حكم قطاع الطريق، وجاء حكمهم في سورة المائدة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} [(33) سورة المائدة] و (أو) هذه خلاف بين أهل العلم هل هي للتقسيم والتنويع أو هي للتخيير؟ والإمام مخير فيهم بين أن يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم أو يصلبهم؟ المقصود أن هذا مرده إلى اجتهاد الإمام، ومنهم من يقول: إنها للتنويع، فمن قتل قُتل وصلب، ومن سرق قطع من خلاف، سرق ولم يقتل، ومن لم يفعل ذلك لم يقتل ولم يسرق ينفى من الأرض، على كل حال عاقبهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه العقوبة الرادعة، تطبيقاً لهذا الحد، حد قطاع الطريق، قطاع الطريق هؤلاء الذين يخرجون على المسلمين فيقتلون ويسرقون ويخيفون السبل، هؤلاء إذا لم تكن لهم شوكة ولا منعة ولا تأويل لهم سائغ، يسمون قطاع طريق، فإن كانت لهم شوكة ومنعة، ولهم تأويل سائغ مقبول سموا بغاة عند أهل العلم، وإن اجتمع مع هذا البغي تكفير للمسلمين، واعتناق لعقيدة الخوارج فهم خوارج،(48/3)
ولكل حكمه في الشرع، على كل حال هؤلاء حكمهم حكم قطاع الطريق، تركهم في الحرة يستقون فلا يسقون؛ لأن المقصود موتهم، فمثل هؤلاء إذا طلبوا الماء، هذا واقعهم تركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون، يعني منعوا من سقيهم، ولا يعارض هذا أن في كل كبد رطب أجر، لا؛ لأن هؤلاء المقصود قتلهم والتنكيل بهم.
"قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا" اقتادوا النعم "وقتلوا" قتلوا الراعي "وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله" بفعلهم هذا نسأل الله السلامة والعافية، وقطاع الطريق يستوي في ذلك كونهم في المصر، في البلد، أو في الطرق والبراري في قول جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إن قطع الطريق لا يكون إلا في البراري والقفار دون البلدان والمدن.
"أخرجه الجماعة، اجتويتُ البلاد إذا كرهتَها" اجتويتُ بضم التاء البلاد إذا كرهتها، "واستوبأتها إذا لم توافقك" فإذا جاء التفسير بـ (إذا) تحول الضمير من ضمير تكلم إلى ضمير خطاب، لكن لو فسرت بـ (أي) اجتويت البلاد أي كرهتُها، واستوبأتها أي لم توافقني، ما دام التفسير بـ (إذا) فيتحول من التكلم إلى الخطاب كما هنا، فالحديث فيه المماثلة، وفيه التنكيل بمثل هؤلاء اللئام، والمماثلة في القصاص كما جاء "سمروا أعين الراعي وقتلوه وسرقوا" لا شك أن لو مثل هؤلاء تركوا ما بقي أمن، فلا يقضي على مثل هذه الأفعال وهذا الإفساد إلا الأخذ بقوة وحزم، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أرأف الناس، وألطف الناس، وأرحم الخلق بالخلق، قد يقول قائل: كيف النبي -عليه الصلاة والسلام- الرءوف الرحيم يفعل مثل هذا؟ نقول: هذا أمر لا بد منه، الله -جل وعلا- رءوف رحيم ومع ذلك شرع الحدود، ولولا هذه الحدود لما استتب الأمن، كما ذكرنا في القصاص سابقاً، وفيه دليل على طهارة أبوال الإبل، وأنها علاج مع اللبن، ومثل الإبل مأكول اللحم، نعم.(48/4)
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما-، أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: نعم فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل)) قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس -لرجل من أسلم- إلى امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها)) فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت.
العسيف: الأجير.(48/5)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني: "عن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما- أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أنشدك الله" أي أذكرك بالله -جل وعلا- "إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه" لأنه طلب الإذن، قال: إذن لي، وهناك مباشرة قال: أنشدك الله، الخصم الأول قال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، وهل يتصور من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقضي إلا بكتاب الله أو بما يوحى إليه؟ لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى "إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه" لأنه قال: وأذن لي، نعم أقض بيننا بكتاب الله وأذن لي؛ لأنه لا يجوز التحاكم إلى غير كتاب الله، وما يبين كتاب الله من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- "فأقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((قل)) فقال: إن ابني كان عسيفاً -أجيراً- على هذا" يعني على أعمال هذا، استأجره على تصريف أعماله، وخدمة بيته "عسيفاً على هذا فزنى بامرأته" نعم يعني دخول الأجنبي البيت خطر، هذا في أفضل العصور في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه أجير يدخل على البيت ويخدم، والشيطان معروف له مداخل ويسول، ويزين للطرفين حتى يوفق بينهما، وكم أصيبت بيوت المسلمين من المصائب والكوارث، وكم حلت بها النكبات بسبب هؤلاء الأجراء الذين يدخلون البيوت من خدم وسائقين وغيرهم، لا شك أن مثل هذا خطر عظيم، أن يمكن من دخول البيت بغير حضور صاحبه.(48/6)
"إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته" يعني الآن في بعض البيوت العلاقة بين النساء وهذا الأجير أعظم من العلاقة بين النساء وصاحب البيت، يمينون على السائق أكثر مما يمينون على أولادهم؛ لأن الإنسان في أول الأمر يقول: والله أنا موظف، ولا أجي إلا متأخر، والناس يحتاجون، والبيت يحتاج، وقد يحتاج أمور طارئة، فيزين لهم الشيطان أن يحضر سائق، ويحتاط في أول الأمر، لا يترك المرأة تذهب بمفردها، ولا البنت تذهب بمفردها، ولا كذا ولا كذا، يحتاط في أول الأمر، ثم بعدين يتعبون، يملون، المشاوير كثيرة، تكثر المشاوير إذا كان هناك سائق؛ لأن الأب ما يجيبهم إلى كل ما يطلبون، والأخ والابن لا يجيب في كل ما يطلب، هذا السائق ما جيء به إلا لهذه المهمة، فبمجرد ما يؤمر يأتمر، فتسهل الأوامر، والإجابة حاضرة، هذه المرة تقول: أنا أذهب مع بنتي إلى المدرسة نوصلها ونرجع، أو أذهب مع بنتي إلى المستشفى نوصلها ونرجع، نذهب لكذا وكذا، طيب إلى متى؟. . . . . . . . . التساهل على شوي شوي، يثقون به، والشيطان حريص، ويحصل هذه كلمة روح جيب لنا كذا، هات كذا، تزول الكلفة بينهم، هذه كارثة، كم من بيت تفرق بسبب هذا التساهل، الرجل في أول الأمر يحتاط، يقول: لا يروح أحد لحاله، ما أدري إيش؟ لكن ما يكفي، هذا مع الوقت يعني يملون الناس، الأم كل ساعة تبي تلبس عبايتها وتطلع مع البنت ما هو بصحيح، يعني لو فعلت ذلك يوم يومين، شهر شهرين إلى متى؟ وقد يجدون من يسهل لهم الأمر بأن يقول: داخل البلد لا هو سفر، والمحرم للسفر، وليس بخلوة؛ لأن الناس يشوفون مع القزاز ومع السيارات، ويتساهل الناس بسبب مثل هذه الفتاوى، وكم من مصيبة، وكم من كارثة، يعني هل تتصور أن بنت في العشرين أو في الخمسة والعشرين تتكئ على المتكأ اللي جنب السائق وهو كذلك، يعني يصل الأمر إلى هذا الحد، حاصل هذا، يعني ما بينهم ولا سانتي واحد، المتكأ الذي في المرتبة بين الراكب والسائق كل واحد يده على .. ، هذا وش سببه يا إخوان؟ سببه التساهل، عقوبات، فإذا تساهلنا نجني الثمار، هذا لما وظف هذا العسيف، هذا الأجير عنده ما الذي حصل؟ يا أخي الدراسة ما لها لازم، الوظيفة ما لها لازم إن كان لا بد(48/7)
من ارتكاب محرم، ما هو القصد من الدراسة البحث عن ما عند الله -جل وعلا-، سواء كان من علم شرعي ينفع أو من رزق، ما عند الله لا ينال بسخطه ((ولا يحملنكم استعجال الرزق -أو استبطاء الرزق- على أن تطلبوه بسخط الله، فإن ما عند الله لا ينال بسخطه)) الآن السائق يذهب بالمدرسات أكثر من مسافة قصر، ثم بعد ذلك يقول: أنا لا أستطيع أنزلهم يصلون الفجر في البر، لازم ننتظر إلى أن نصل المدرسة بعد ما تطلع الشمس، ظلمات بعضها فوق بعض، فعلينا أن نحتاط لهذه الأمور، لا بد أن يحتاط المسلم لعرضه.(48/8)
"إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم" عرف الناس أن ابن هذا الأجير زنى بامرأة هذا، قال: الله يعينك، وذاك راح، أخبروه المستعجلين، خلاص بيرجم ولدك، بعض الناس يسرع بالفتوى وهو جاهل ما يعرف شيء، مرة في مقبرة والميت امرأة فقال واحد من الحاضرين: لا تغطون وجهها، وخلو وجهها إلى السماء تنظر إلى ربها، وش الكلام هذا؟ هل قال بهذا أحد؟ قال: إيه الشيخ فلان يقول هذا، ولا صحيح، ولا شيخ، ولا شيء، الناس يتعجلون في مثل هذه الأمور، لما سمعوا الخبر يا ويلك ولدك بيرجم "قال: وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة" يعني الحدود تباع وتشترى؟ يمكن أن يعوض عنها بقسائم أو شبهها؟ أبداً، الحدود لا يجوز التصرف فيها، ولا يعوض عنها بشيء، وهذا تبديل للشرع؛ لأنه يوجد في بعض البلاد، تبي الحد وإلا تبي البدن؟ يوجد هذا نسأل الله السلامة والعافية "فافتديت منه بمائة شاة ووليدة" جارية "فسألت أهل العلم" نعم ينبغي أن يكون السؤال لأهل العلم لا لغيرهم، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] "فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة، وتغريب عام" في حديث عبادة بن الصامت يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني، خذوا عني، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) "فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم" لأن ابنه بكر، وامرأة هذا ثيب، حد البكر جلد مائة ونفي سنة، وحد الثيب الرجم "وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده)) " وهو الصادق المصدوق يقسم ((والذي نفسي بيده)) فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، ونفوس العباد بيده -جل وعلا-، ((والذي نفسي بيده)) يقسم على هذا الأمر المهم، ويحلف من غير استحلاف، مما يدل على جواز ذلك ((والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم رد عليك)) ما عليك شيء، ما عليك جزاء، وليس هذا مما يباع ويشترى، وليس مما يفتدى، ((إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام)) تغريب عام، جلد(48/9)
مائة، مائة جلدة، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النور] والتغريب ثبت في السنة الصحيحة، وكتاب الله أعم من أن يكون القرآن، بل هو حكم الله الثابت بكتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.(48/10)
" ((واغد يا أنيس)) لرجل من أسلم" أنيس الأسلمي ((اغد)) أذهب بالغداة ((إلى امرأة)) المزني بها " ((فإن اعترفت فأرجمها)) فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت" اغد يا أنيس، وش علاقة أنيس بهذه المرأة؟ هو بيصدق الاعتراف فقط، وينفذ ما أمر به، وينفذ الحد، فدل على أن هذه الأمور من مهام الرجال، وأنه لا مدخل للنساء في مثل هذا، لا في تصديق اعتراف، ولا في أمر ولا نهي، إلا فيما يتعلق بمحيطهن، امرأة في مدرسة، امرأة في مجمع نسائي، ورأت منكر تغير، أما أن تكلف من قبل ولي الأمر بالأمر والنهي، وتصديق اعتراف وتنفيذ حدود فلا، هذا من مهام الرجال، ما قال: اذهبي يا فلانة أو فلانة إلى امرأة هذا، قال: " ((واغد يا أنيس -لرجل من أسلم- إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فأرجمها)) فغدا عليها فاعترفت، فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجمت" ليس في هذا ذكر لعدد الاعتراف أنه مرة أو أربع مرات، ويستدل به من يقول: إن الاعتراف يكفي مرة، وفي قصة ماعز -كما سيأتي- أنه اعترف أربع مرات، وليس في هذا أيضاً تعرض لجلدها مع الرجم، وبهذا يستدل من يقول: بأنه لا يجمع بين الجلد والرجم، القضايا التي نفذت في عهده -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر فيها أنهم جلدوا مع الرجم، لكن في حديث عبادة: ((والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) وهذا صريح، كونه لم ينقل في القضايا التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام-، كونه لم ينقل تثبت الحجة بحديث عبادة، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنه لا بد من جلد الزاني الثيب مائة ثم رجمه، ومنهم من يقول: ما دامت المسألة إزهاق نفس فلا داعي لهذا الجلد، ولم يثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جلد مع الرجم، القضايا التي ذكرت كلها فرجم، القضايا التي حصلت في عهده -عليه الصلاة والسلام- لم يذكر فيها أنه جلد، لكن يكفي في إقامة الحجة حديث عبادة، لما قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، يعني مضمون هذه الدعوى القذف، أنه قذف المرأة، ولم يطلب النبي -عليه الصلاة والسلام- منه البينة، ولا جلده حد الفرية؛ لأنها اعترفت، ومنهم من يقول: إذا كان في مجال الاستفتاء، ومر في معرض الاستفتاء ما يقتضي مثل(48/11)
هذا، يعني القضية لا بد أن تبسط، لكي يأتي الجواب وافي مطابق للسؤال، فلا بد أن يقال: إن هذا حصل، ولا يحصل الزنا من طرف واحد، لا بد أن يكون من طرفين، فمثل هذا يغتفر؛ لأنه ليس المقصود به قذف المرأة، وإنما جاء قذفها تبعاً لا استقلالاً، يعني لو جاء قال: إن امرأة فلان زنت، قلنا: يا الله البينة أربعة، جمع لك ناس يشهدون أو جلدناك، لكن هذا يستفتي ما حكم كذا وكذا، وحصل كذا وحصل كذا، أهل العلم يقررون أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، نعم.
وعنهما -رضي الله عنهما- قالا: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال: ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير)).
قال ابن شهاب: "ولا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة؟ " والضفير: الحبل.
نعم "وعنهما" يعني عن أبي هريرة وزيد بن خالد -رضي الله عنهما- "قالا: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأمة إذا زنت ولم تحصن" يعني بكر "قال: ((إن زنت فاجلدوها)) " اجلدوها الحد، وحدها إيش؟ كم؟ نصف حد الحرة، هذا إذا لم تحصن، لكن إذا أحصنت؟ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [(25) سورة النساء] يعني الأمة عليها النصف، نصف حد الحرة، وهنا إذا لم تكن محصنة خمسين جلدة؛ لأن الحرة تجلد خمسين، طيب إذا أحصنت، يعني ثبت حد غير المحصنة بهذا الحديث، وحد الأمة المحصنة ثبت بالآية، طيب هل نقول: نصف الرجم؟ يرجم نصفها؟ أو إذا كانت الحرة تموت بمقدار كذا نصف هذا الحصا نصف هذا الحصا؟ وإلا كيف؟ الرجم هل يتنصف وإلا ما يتنصف؟ هي محصنة ونصف العذاب بالنسبة للحرة نصف رجم؛ لأن الحرة ترجم، لكن الرجم لا يتنصف، فيعدل إلى البدل وهو الجلد، ويبقى حد الأمة سواء كانت محصنة أو غير محصنة جلد خمسين جلدة، خفف عن العبيد والإماء؛ لأنهم يمتهنون ويبتذلون، وظروفهم ما هي بمثل ظروف الأحرار من أن يتقوا لأنفسهم، ويحتاطوا لأنفسهم، هم مبتذلون يعني، بالإمكان أن يقول: اذهبي إلى الجيران فهاتي، اذهبي إلى كذا، المقصود أنها مبتذلة، ولذا خفف عنها الحد.(48/12)
"إذا زنت ولم تحصن، قال: ((إن زنت فاجلدوها)) " وجاء في الحديث الصحيح: ((إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها)) لا يزيد على الحد، ولا يثرب عليها، لا يلومها، لا يقول لها شيء، لا يجمع لها بين الحد والتعزير بالتعيير وإلا شبهه، لا.(48/13)
((ثم إذا زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم ليبعها ولو بضفير)) وهنا يقول: ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)) ووكل الجلد إلى السيد هنا، هو الذي يقيم الحد على رقيقه، فمنهم من يقول: إن السيد له إقامة جميع الحدود بما في ذلك القطع والقتل، ومنهم من يقول: ليس له إلا ما ورد فيه النص وهو الجلد، أما بقية الحدود فلولي الأمر ((إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير)) بحبل مضفور يعني مجدول مثل ظفر الشعر "قال ابن شهاب: ولا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة؟ " يعني هل تباع بعد الثالثة أو الرابعة بضفير؟ يعني أمة تباع بضفير؟ حبل، يباع بدرهم أو درهمين؟ بثمن بخس، بقيمة تافهة؟ هل هذا مجرد أمر بالمبادرة إلى بيعها بأي سوم؟ بأي قيمة؟ أو أنه فيه ما يوحي ويشعر بالإخبار عن عيبها وهو الزنا، إذا جاء بها للسوق من يسوم؟ فيخبر أنها فعلت وفعلت وفعلت؛ لأنها لن تصل قيمتها إلى الضفير إلا إذا أخبر بعيبها، لن تصل إلى هذا الحد إلا إذا أخبر بعيبها، ولا شك أن الزنا عيب، تنقص به القيمة عند كل أحد، حتى الزناة يتمنون عفايف، ما يتمنون زانيات، يعني كون الإنسان يرضاه لنفسه، لا يرضى أن تكون زوجته أو أمته غير عفيفة، هذا فطري، الزنا عيب تنقص به القيمة، ولا تصل القيمة إلى هذا الحد إلا إذا أخبر عن هذا العيب، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنه لا بد من الإخبار بهذا العيب، ولا يجوز كتمانه؛ لأنه غش، ويطردون هذا في الإخبار بهذا العيب في الحرة أيضاً، وهذه المسألة يكثر السؤال عنها كثيراً، يكثر السؤال عنها، امرأة حصل منها ما حصل، ثم خطبت تخبر الخاطب وإلا ما تخبر؟ مقتضى قول أهل العلم في شرح هذا الحديث أنها تخبر؛ لأن الكتمان غش، وليس هذا بالأمر السهل، بحيث لو عرف فيما بعد الزوج وعرف الأولاد كارثة، فمنهم من يرى أن هذا الحديث يدل على الإخبار بالعيب، والأمة باعتبار أنها تشترى للوطء، وعرضها عرض لسيدها فكذلك الزوجة عرض، فلا يحل كتمان هذا العيب عن المشتري، ولا عن الخاطب، ومنهم من يقول: الشرع جاء بالستر، فيستر عليها، لا سيما إذا تابت وصحت توبتها، وبعضهم يسأل عن(48/14)
مسائل الترقيع، ومسائل إخفاء ما حصل بالعمليات الجراحية وما أشبه ذلك، والمسألة خطيرة، وإذا كانت مثل هذه العمليات تدعو إلى انتشار الفاحشة؛ لأن بعض النساء تحافظ على نفسها؛ لئلا تهدم مستقبلها على حد زعمها، هذه كلمة يتداولونها كثيراً؛ لئلا تهدم مستقبلها تحافظ على نفسها، لكن إذا عرفت أنها تبي تخفي على الخاطب، وتبي تسوي عملية جراحية خلاص ما في شيء يحافظ عليه، فيدعو هذا إلى كثرة وانتشار هذه الفاحشة، وعلى كل حال المسألة تحتاج إلى علاج جذري، ما هي بمسألة حلول جزئية ما تجدي، لا سيما مع وجود هذه القنوات، التي أوصلت الشعور إلى قعر البيوت، وأوقعت في هذه الفاحشة أناس ليسوا من أهلها، ويسرت انتشار مثل هذه الجريمة بين المحارم أحياناً، نسأل الله السلامة والعافية، يعني نشر مثل هذه الأمور صحيح أنه يدمي القلوب، لكن لا بد من حل، يعني كون الإنسان يسكت وفلان يسكت وكذا يسكت متى تنحل المشاكل؟ يعني من له أدنى صلة بالقضاة أو بالهيئات يعرف كثير من هذه الأمور، فكون المسلم لا يدري عن هذه الأمور قد يقع شيء في أقاربه مثلاً نسأل الله السلامة والعافية، فكونه يحتاط لهذا الأمر، والذي جلب مثل هذه المصائب، ومثل هذه الكوارث دخول وسائل الإعلام من الدشوش وغيرها إلى قعر البيوت، ألا فليتق الله -جل وعلا- ولاة أمور البيوت، لا يجلبون المصائب على أنفسهم، ثم بعد ذلك يندمون، ولات ساعة مندم، فعلى المسلم أن يهتم لهذا ويحتاط له، أما مسألة الإخبار وعدمه فهذه مسألة تحتاج إلى بحث مستفيض وفتوى جماعية، نعم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أبك جنون؟ )) قال: لا قال: ((فهل أحصنت؟ )) قال: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اذهبوا به فارجموه)).(48/15)
قال ابن شهاب: فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى، فلما أذلقته الحجارة هرب، فادركناه بالحرة فرجمناه.
الرجل هو ماعز بن مالك، وروى قصته جابر بن سمرة، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وبريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنهم-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(48/16)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد" والنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يجلس في المسجد، والمسجد هو البيت لكل تقي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إمام الأتقياء، فمكثه في الغالب في المسجد، وفيه العلم، وفيه إقامة الشعائر، وفيه تجهيز الجيوش، وفيه كل ما يهم أمر المسلمين مما يقوم به النبي -عليه الصلاة والسلام-، "فناداه، فقال: يا رسول الله إني زنيت" أهل العلم يقولون: إذا كان الأمر مكروه فلا ينسبه الإنسان إلى نفسه، يعني الرواة ما قالوا: فناداه فقال: يا رسول الله إنه زنى، كما قالوا في قصة أبي طالب: هو على ملة عبد المطلب؛ لأن مثل هذا الضمائر لها أثرها لا يتم الاعتراف الصريح الذي يترتب عليه الحد إلا بنسبة الفعل إلى نفسه، يعني لو قال مثلاً الرواة أبو هريرة قال: جاء رجل من المسلمين فقال: إنه زنى؛ لئلا ينسبه أبو هريرة إلى نفسه، والراوي عن أبي هريرة قال كذلك، قد يظن أن ماعز قال: إنه زنى، ومثل هذا الاعتراف لا يكفي في إقامة الحد، حتى ينسبه إلى نفسه، فهذا له أثر في الحكم فلا يغير الضمير، وإن كان الأصل في مثل هذا الضمير أنه يحرف، يحرفه الإنسان عن نفسه؛ لأنه لا ينسب إلى نفسه ولو في الظاهر هذا الفعل، "إني زنيت فأعرض عنه" أعرض النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه جاء تائب، يريد أن يطهره النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه الجريمة التي وقع فيها، فمثل هذا التائب يعرض عنه، يستتر بستر الله، يتوب يتوب الله عليه، وهذا بخلاف أهل السوابق من المفسدين، نعم الأصل الستر من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، لكن إذا ستر على أهل الجرائم وأهل السوابق عطلت الحدود، وصار توطئة للإباحية، يعني كل من زنى يستر عليه ما هو بصحيح، لكن من جاء تائباً منيباً وقعت منه هفوة زلة وليست له سوابق، مثل هذا يرجح الستر عليه، أعرض عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- "فتنحى تلقاء وجهه" وجهه هنا فأعرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، فجاء من الجهة الثانية "ثم أعرض عنه" فجاء إلى الجهة الثانية "فتنحى تلقاء وجهه فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك(48/17)
عليه أربع مرات" ثنى يعني كرر، أما ثنّى يعني قاله مرتين، كرر ذلك عليه أربع مرات "فلما شهد على نفسه" يعني أقر، والإقرار بمنزلة الشهادة؛ لأنه يطلب لثبوت الزنا أربعة شهود، وكذلك الإقرار أربع مرات، وكل إقرار بمنزلة شاهد، ولذا قال: "فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أبك جنون؟ )) " هناك في حديث العسيف قال: ((اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها)) اعترفت، وليس فيه ما يدل على أنها اعترفت أربع مرات، وهنا أربع مرات، ولذا اختلف أهل العلم هل يكفي الإقرار مرة أو لا بد من الاعتراف أربع مرات؟ مسألة خلافية يتمسك بالحديث الأول جمع من أهل العلم، وبالثاني جمع، ومنهم من يقول: إن هذا من باب الستر عليه، ومن باب التأكد، ولذا جاء في الحديث ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كاره لإقامة الحد عليه، رجل تائب ستر الله عليه يستتر، ولذا سأل عنه: ((أبك جنون؟ )) وسأل قومه فأجابوه: والله ما رأيناه إلا وفي العقل من صالحينا، سأله أيضاً: ((هل شربت خمراً؟ )) فقال: لا، فقال: ((استنكهوه)) شموه، كل هذا ليدرأ عنه الحد -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها وقعت منه هذه الهفوة وهذه الزلة وتاب، ومن تاب تاب الله عليه {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(68 - 70) سورة الفرقان] هذا من فضل الله -جل وعلا-، أن من تاب تاب الله عليه، والتوبة تجب ما قبلها، وتهدم ما كان قبلها، لكن يبقى النظر في أهل السوابق، وأهل الجرائم الذين آذوا الناس في أموالهم، في أنفسهم، في أعراضهم، هؤلاء لا بد من القضاء على دابر الفساد، نعم إذا عم الفساد وانتشر مثل هذا لا بد أن يضرب على أيدي هؤلاء بيد الحق القوية.(48/18)
فقال: ((أبك جنون؟ )) قال: لا، سأل قومه قالوا: ما علمناه إلا وفي العقل من صالحينا، قال: ((فهل أحصنت؟ )) يعني وطئت بنكاح صحيح؟ قال: نعم، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اذهبوا به فارجموه)) " دل على أنه لا يلزم الإمام أن يتولى الرجم بنفسه، أو إقامة الحد، له أن يفوض من يقيم الحد، وفيه الحديث السابق في حديث العسيف، فإن اعترفت فارجمها، فوض إليه إقامة الحد.
" ((اذهبوا به فارجموه)) قال ابن شهاب: فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: كنت فيمن رجمه، فرجمناه في المصلى" مصلى جنائز خارج المدينة، أو مصلى العيد، المقصود أنهم رجموه في مكان مناسب "فلما أذلقته الحجارة" أرهقته وأقلقته "هرب" فدل على أنه لم يحفر له، وجاء في بعض الروايات أنه حفر له حفيرة، فإن ثبتت هذه الرواية يحمل على أنها حفيرة لا تمنعه من الهرب "هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه" الرجل هو ماعز بن مالك، المقصود أن إقامة الحد بعد الاعتراف بالزنا أمر لا بد منه، لكن هذا الذي هرب بعد ما أرهقته الحجارة جاء التوجيه بأنه هلا تركتموه، النبي من الأصل -عليه الصلاة والسلام- كاره لإقامة الحد على مثل هذا العبد الصالح الزكي الذي أغواه الشيطان في لحظة، وسرعان ما ندم، وسرعان ما تاب، نعم.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن امرأة منهم ورجلاً زنيا، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ )) فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقال: صدق يا محمد، فأمر بهما النبي -صلى الله عليه وسلم- فرجما، قال: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة.
يجنأ: ينحي، الرجل الذي وضع يده على آية الرجم هو عبد الله بن صوريا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(48/19)
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: إن اليهود جاءوا" اليهود من العام الذي أريد به الخصوص، بعضهم، "جاءوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن امرأة منهم ورجلاً زنيا" يعني بعد الإحصان، بدليل أنهما رجما "فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما تجدون في التوراة)) " في شأن الرجم، والأصل أن مثل هؤلاء الكفار عموماً مخاطبون بفروع الشريعة، فإذا تحاكموا إلينا حكمنا بينهم بحكم الله " ((ما تجدون في التوارة في شأن الرجم)) قالوا: نفضحهم ويجلدون" وهذا من تغييرهم وتحريفهم؛ لأنهم استحفظوا فلم يحفظوا، بل حرفوا، يحرفون الكلم عن مواضعه، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً "قالوا: نفضحهم ويجلدون" وفي رواية: يحممون، يعني تسود وجوههم ويركبون على دابة، ويطاف بهم في البلد، ويجلدون ويكتفى بجلدهم، وهذا من تحريفهم وتغييرهم وتبديلهم لشرع الله.
"قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها" بسطوها بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- "فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها" أهل مكر، أهل زور "فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقال: صدق يا محمد، فأمر بهما النبي -عليه الصلاة والسلام- فرجموا، قال: فرأيت الرجل يجنأ عليها" يعني يحني عليها "يقيها الحجارة" وما زال حبها في قلبه حتى في هذه الظرف الذي فيه مفارقة الدنيا، بأبشع وسيلة للقتل وهو الرجم، فلا شك أن الشيطان إذا زين واستشرف المرأة، وأدخل حبها شغاف القلب، يتعلق الرجل بها، وهذا في مثل هذا الظرف يجنأ عليها، ويقيها ويحميها، ويحني عليها، نسأل الله السلامة والعافية.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "الذي وضع يده على آية الرجم عبد الله بن صوريا" واحد من المحرفين، نسأل الله السلامة والعافية، فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وتقام عليهم الحدود إذا تحاكموا إلينا كما هنا، والرجم مما اتفقت عليه شريعتنا مع ما قبلها من الشرائع، شريعة ثابتة، لا يجوز لأحد أن يبدلها أو يغير صورتها، نعم.(48/20)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو أن رجلاً -أو قال-: امرئ أطلع عليك بغير إذنك فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح)).
في الحديث السابق النبي -عليه الصلاة والسلام- رجم اليهوديين بشهادة بعضهم، فدل على أن شهادة بعضهم على بعض مقبولة، وأثبت الإحصان لهما بالنكاح السابق بينهما، فدل على أن أنكحتهم صحيحة، بحيث لو أسلم رجل وامرأته من اليهود أو من النصارى ثبت نكاحهم واستمر، اللهم إلا إذا كان مما لا يقره الشرع بأن تكون من محارمه، أو تكون معه زوجة أخرى لا يجوز الجمع بينهما إلى غير ذلك مما لا تقره الشريعة، فثبت الإحصان لهما، وهو فرع عن نكاحهما السابق فدل على صحة أنكحتهم.
في الحديث الذي يليه: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو أن امرئ أطلع عليك بغير إذن فحذفته)) " في رواية: ((فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح)) الاستئذان إنما شرع من أجل النظر، والغلق والأبواب إنما وجدت لحفظ المحارم، وعورات الناس، فالذي يقصد أن ينظر من خلل البيوت، من خلل الأبواب، من شقوقها، مثل هذا يستحق مثل هذه العقوبة، يحذف بحصاة ولو اقتضى الأمر أن تفقأ عينه، مثل هذا يستحق مثل هذه العقوبة، لكن يحذف بحصاة تؤثر عليه تأثيراً لا يكون هو الأشد، إنما يناسب جريمته، فلا يقال مثلاً ضع عندك مسدس وأجلس قدام الباب وأغلق الباب، فإن وجدت أحد يناظر بها المسدس الذي عندك، لا لا ما قال به أحد من العلم، ولا يجوز بحال، نعم الإطلاع على عورات المسلمين حرام، لكن تعالج بقدرها، خذ حصاة واقذف عينه فيها، السمع لو أن إنساناً مع أهله في بيته، وجاء واحد وشايل على أذنه ومع خلل الباب يستمع، هل يأخذ نفس الحكم أو لا؟ تأخذ حصاة تضرب أذنه وإلا هذا خاص بالعين؟ لا شك أن مثل هذا يحتاج إلى من يؤدبه، يحتاج إلى رادع، فيردع بما يناسبه؛ لأنه عاصي.(48/21)
((لو أن امرئ اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح)) ودل على تحريم هذا الفعل، وتحريم تتبع عورات المسلمين، والإطلاع على أسرارهم، وقل مثل هذا فيمن يقرأ ما يكتبون من الأسرار، فيمن يصغي إلى أحاديهم، فيمن ينظر إلى بيوتهم، لكن لو كان الباب مفتوح غير مغلق، ومر شخص والتفت، لا شك أنه .. ، قصد الإطلاع على العورات لا يجوز، لكن هم أهدروا حقهم ليس له أن يحذفه، ما دام الباب مفتوح، نعم ما دام الباب مفتوح ليس له أن يحذف، لكن ليس للآخر أيضاً أن يقصد النظر ويطلع على ما في البيت بحيث يركز النظر، ينظر إلى البعيد والقريب، ولو أراد تقرير مفصل عن الأسرة بمجرد هذه النظرة بعض الناس عنده استعداد، نعم بعض الناس بمجرد نظرة يتأمل كل شيء، ويدقق وينظر، يعني في نفسك وفي بيتك، وفي ما خلقت له من الشغل والعمل ما يغنيك عن مثل هذه الأمور، لكن بعض الناس لا سيما من ضيع أوامر الله يبتلى بمثل هذه التي هي عليه وليست له، وعرف من بعض الناس أنه يسلك الطريق الأبعد من بيته إلى المسجد والعكس، لماذا؟ لأن في طريقه الأقرب أناس يتساهلون في إغلاق الباب، يقول: أخشى أن تقع عيني على شيء لا يجوز لي النظر إليه، ولا شك أن الأمة ما زال فيها خير ولله الحمد، طيب هذا جالس يستمع أو ينظر فجاء صاحب البيت فحمل صخرة ورماها عليه من فوق، يضمن وإلا ما يضمن؟ وأذن له أن يحذفه بحصاة، ولو حصل من هذا الحذف فقئ العين فهدر لا يضمن، لكن قال: والله إني لأدبه وأدب غيره، لا أخلي أحد يمر مع هذا الباب ما هو بيطلع، شال صخرة ورماه بها، يضمن، لا شك أنه يضمن، ولا يهدر مثل هذا، نعم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: حد السرقة
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن قيمته، وفي لفظ: قيمته ثلاثة دراهم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً)).(48/22)
نعم حد السرقة، والسرقة: أخذ المال خفية من حرز، أخذ مال يبلغ النصاب خفية من حرز مثله، بهذا يجب الحد الذي هو قطع اليد، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] وهنا قدم السارق، وفي الزنا قدمت الزانية، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [(2) سورة النور] قالوا: لأن الرجال في الأموال أدخل من النساء، والنساء في ذلك الباب أدخل من الرجال.
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وفي لفظ" ثمنه" وش الفرق بين اللفظين القيمة والثمن؟ القيمة إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
والثمن؟
نعم؟ ما الفرق بينهما؟ الثمن يعني الذي أشتري به المجن، والقيمة ما يقوم به المجن وقت السرقة، يعني الآن إذا اشتريت أرض للتجارة بمائة ألف، فانحال عليها الحول تسأل العقاريين يقولون: تسوى تسعين ألف، أو مائة وعشرين ألف، ثمنها مائة ألف، وقيمتها تسعين أو مائة وعشرين، يعني ما تستحقه في وقت حلول الزكاة وقيمته ثلاثة دراهم، يعني يقوم بثلاثة دراهم، فدل على أن الثلاثة دراهم نصاب تقطع به اليد في السرقة، قل مثل هذا في حديث " عائشة -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً)) " ربع الدينار يعادل ثلاثة دراهم؛ لأن الدينار اثنا عشر درهم، ودية المسلم ألف دينار، أو اثني عشر ألف درهم، فسواء بلغت قيمة المسروق ثلاثة دراهم أو ربع دينار تقطع اليد، وكل منها أصل برأسه، ومنهم من يرى أن الأصل الفضة يقوم بها الذهب، ومنهم من يرى أن الأصل الذهب ترد إليه الفضة، وإذا كان المسروق عرض من عروض التجارة يرد إلى أصله من الذهب والفضة، وأهل الظاهر لا يشترطون النصاب، بل يقطعون في كل شيء صغير وكبير؛ لأن الآية مطلقة ما فيها قيد، لكن السنة جاءت بالقيد، وكانت اليد لا تقطع في الشيء التافه كما في حديث عائشة.(48/23)
والنبي -عليه الصلاة والسلام- قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم، وتقطع اليد في ربع دينار فصاعداً، فدل على أنها لا تقطع في أقل من ربع دينار، لا تقطع في أقل من ربع دينار، الذي يساوي ويعادل ثلاثة دراهم، والحنفية عندهم النصابة عشرة دراهم، ومنهم من يرى أن النصاب خمسة دراهم، والخمس لا تقطع إلا في خمس إلى أقوال كثيرة لأهل العلم، المقصود أن النصاب على ما جاء في هذين الحديثين الصحيحين، وهو المعتمد ربع دينار أو ثلاثة دراهم، واليد تقطع، اليد اليمنى تقطع من مفصل الكف من الرسغ، من مفصل الكف؛ لأنها جاءت مطلقة، وهذا أقل ما تطلق عليه اليد، يعني لا من المرفق ولا من الإبط، إنما تقطع من مفصل الكف، ولا يكتفى بالأصابع؛ لأنها لا تسمى يد، وإن قال الشريف الرضي في أماليه: إن اليد تقطع بالأصابع، لكن هذا القول مرذول مهجور، نعم فاليد تقطع من المفصل من الرسغ؛ لأنها أقل ما يطلق عليه الاسم، ولا تقطع من المرفق، منهم من .. ، قد يقول قائل: لماذا لا يحمل المطلق على المقيد؟ اليد في آية السرقة مطلقة، وفي آية الوضوء مقيدة إلى المرافق، لماذا لا يحمل المطلق على المقيد؟ يحمل المطلق على المقيد هنا أو ما يحمل؟ لماذا لا نحمل اليد المطلقة في آية السرقة على اليد المقيدة في آية الوضوء؟ اختلف الحكم والسبب، وحينئذٍ لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، لكن لو اختلف الحكم فقط واتحد السبب يحمل المطلق وإلا ما يحمل؟ اختلف الحكم واتحد السبب، اليد في آية الوضوء مقيدة بالمرافق وفي آية التيمم مطلقة، نمسح بالتيمم إلى المرافق وإلا ما نمسح؟ اختلف الحكم واتحد السبب، السبب الحدث، والحكم هنا غسل وهنا مسح اختلف، هنا الأكثر على أنه لا يحمل المطلق على المقيد؛ لاختلاف الحكم وإن اتحد السبب، منهم من قال: تسمح اليد إلى المرافق؛ لأن السبب واحد، والعكس فيما إذا أتحد الحكم واختلف السبب فيحمل المطلق على المقيد كما في الرقبة في آية الظهار وآية القتل في كفارة الظهار الرقبة مطلقة، وفي كفارة القتل الرقبة مقيدة بالإيمان، الحكم واحد، فيحمل المطلق على المقيد، وإن اختلف السبب خلافاً للحنفية، أما إذا اتحد الحكم والسبب فلا خلاف، الدم مطلق {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ(48/24)
الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] وجاء تقييده {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] والحكم والسبب متفقان يحمل المطلق على المقيد بلا خلاف، نعم.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلمه أسامة فقال: ((أتشفع في حد من حدود الله?)) ثم قام فاختطب فقال: ((إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).
وفي لفظ: كانت امرأة تسعير المتاع وتجحده فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقطع يدها.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(48/25)
"عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشاً أهمهم شأن المخزومية التي سرقت" ننتبه لقوله: سرقت، هذا الوصف مؤثر، أهمهم شأن المخزومية، يعني كونها مخزومية مؤثر وإلا غير مؤثر في الحكم؟ لا أثر له، نأتي إلى القيد الذي "التي سرقت" مؤثر، "فقالوا: من يكلم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ " يعني ليشفع لها، يعفيها من إقامة الحد، الآن الحكم والحد رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصل الحكم إلى السلطان "فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني محبوبه، "وابن حبه" يعني ابن المحبوب زيد بن حارثة "فكلمه أسامة" واسطة الحب بن الحب، لكن ما الذي حصل؟ غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((أتشفع في حد من حدود الله؟ )) لماذا؟ لأنه بلغ السلطان، وجاء في الخبر: ((وإذا بلغت الحدود السلطان فإن عفا فلا عفا الله عنه)) " ((أتشفع في حد من حدود الله؟ )) ثم قام فاختطب" قام النبي -عليه الصلاة والسلام- خطيباً لينكر هذا المنكر العظيم، ولينبه، وليقطع الطريق على من أراد أن يتدخل في إقامة الحدود "ثم قام فاختطب، فقال: ((إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)) " هذه طريقة من قبلكم من اليهود ومن قبلهم، عطلوا الحدود بهذه الطريقة، هذا شريف ما يقطع، هذا له قبيلة تحميه ما يقطع، هذا غني يمكن يستفاد من أمواله ما يقطع، هذا وجيه، هذا كذا، الضعيف هاتوه، شافوا المسألة مشكلة اضطراب في الحكم، فلان يقطع وفلان ما يقطع، وفلان يختلفون عليه، والأمير مع وزيره لا يقطع. . . . . . . . .، تصير مشاكل، فعوضوا عن القطع بالبدل، ثم عطلوا هذا الحد، وهلكوا بسببه ((إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)) ثم أكد النبي -عليه الصلاة والسلام- إقامة وتنفيذ ما أمر بتنفيذه من حدود الله -جل وعلا- قال: ((وأيم الله)) قسم ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) ما في محاباة لا شريف ولا وضيع، لا كبير ولا صغير ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) سيدة نساء أهل الجنة، وأبوها سيد ولد آدم،(48/26)
وبهذا يتم امتثال الرعايا، ما هو بالكلام النظري، امتثال الرعايا لما أكد النبي -عليه الصلاة والسلام- تحريم القتل في حجة الوداع، وتحريم الربا قال: ((أول دم أضعه دمنا، دم ابن ربيعة بن الحارث، وأول ربا أضعه ربانا، ربا العباس)) الناس يحتاجون إلى قدوة، يتقدم الناس بالفعل، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمر الناس بأن يحلقوا رؤوسهم في الحديبية تأخروا، لما حلق رأسه كادوا أن يقتتلوا، ولذا قال: ((وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).
"وفي لفظ: كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقطع يدها" هذه هي المرأة الأولى، هي المخزومية، المرأة هي هي، لكن القطع بسبب السرقة التي أشير إليها في أول الأمر، سرقت أو بسبب استعارة المتاع وجحده؟ استعارة المتاع وجحده هذه خيانة ولا قطع على خائن ولا منتهب ولا مختلس، المقصود أن الوصف المؤثر في الحكم هل هو السرقة وإلا الاستعارة؟ استعارة المتاع مع جحده مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: إنها وصفت بأنها تستعير، عرفت بهذا، لكن ما قطعت من أجله، إنما قطعت من أجل السرقة، والنصوص كلها تدور على قطع السارق لا غير، ومنهم من يقول: إن هذا وصف مؤثر وتستعير المتاع وتجحده فحكمها حكم السارق، والأكثر على أنه لا يقطع جاحد العارية، رواية عند الحنابلة على أنه يقطع، ورجحها بعض أهل التحقيق، نعم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: حد الخمر
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدة نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر -رضي الله عنه-.
باب: حد الخمر
والخمر: ما خامر العقل وغطاه من أي مادة كان، سواء كان من العنب أو من التمر أو من الزبيب أو من التفاح أو من أي مادة كان، كل ما أسكر فهو خمر، كل ما غطى العقل وخامره فهو خمر موجب للحد، وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام.(48/27)
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدة نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر" جلد أربعين، يعني الجلد -جلد الشارب- في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- نحو أربعين، فعله أبو بكر جلد أربعين أيضاً "فلما كان عمر استشار الناس" لأنه كثر الشرب في عهده، يعني في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- قضايا محدودة، وفي عهد أبي بكر كذلك، الناس أدنى شيء يردعهم، النصوص تردعهم، لكن الناس إذا تتابعوا على شيء بحاجة إلى مزيد رادع، بحاجة إلى من يردعهم، فلما كان عمر، يعني جاءت ولاية عمر وكثر في الناس استشار الناس "فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر -رضي الله عنه-" يجلد الشارب ثمانين؛ لأن الأربعين ما تردعه، وفي حديث آخر: أنه لما استشارهم قال علي بن أبي طالب: إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، وحد الفرية ثمانون، يعني أقل شيء ثمانين، فاتفق رأي علي -رضي الله عنه- مع رأي عبد الرحمن بن عوف فنفذ عمر -رضي الله عنه- الثمانين.(48/28)
ولذا اختلف العلماء في حد الخمر، أولاً: الخمر موجب للحد، وإذا أوجب الحد فهو كبيرة من كبائر الذنوب، وجاء لعنه، وجاء أن من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، فأمرها عظيم، وهي أم الخبائث، لكن هل حدها أربعون، كما كان في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر أو ثمانون كما نفذه عمر ووافقه عليه الصحابة؟ أو هو تعزير؟ المرجح أنه حد، والثمانون اتفق عليها الصحابة، وقال به جمهور أهل العلم، ومنهم من يرى أن الحد أربعين، والزيادة إلى الثمانين تعزير، وهذا قول عند الشافعية معروف، وهو تعزير لكن لو احتاجوا إلى رادع أكثر، ما ارتدعوا بالثمانين هل نزيد؟ نقول: اتفق الصحابة على الثمانين، لا يزاد في هذا الحد، حديث معاوية وغيره: ((إذا شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم الرابعة فاقتلوه)) يعني المدمن، المدمن يكفي جلده أو لا بد من قتله؟ الجمهور على أن هذا الحديث منسوخ، وأن الشارب لا يقتل أبداً إنما يجلد، وهذا الحديث منسوخ، وأدعى بعضهم الإجماع على ترك العمل به، النووي نقل الإجماع على ذلك، والترمذي ذكر في علل الجامع أنه ليس في كتابه حديث اتفق الناس على عدم العمل به إلا هذا الحديث، وحديث الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، المقصود أن هذا مما نقل الاتفاق على عدم العمل به، مع أن أهل الظاهر يعملون به، ابن حزم يرى قتل المدمن، إذا شرب الرابعة يقتل، يرى أنه لا ينقطع دابر هذه الجريمة، هذه الكبيرة من كبائر الذنوب إلا بتشديد العقوبة، يقتل، وهذا القول يرجحه السيوطي والشيخ أحمد شاكر، وألف فيه رسالة (كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر) المقصود أن هذا قول لأهل العلم يستند إلى مثل هذا الدليل، وشيخ الإسلام وابن القيم يقولا: إن الحديث ليس بمنسوخ، لكنه ليس بحد، هذا مرده إلى الإمام، يعني تعزير، إذا رأى الإمام الناس لا يرتدعون عن شرب الخمر إلا بالقتل يقتل، استناداً إلى هذا الحديث، وعامة أهل العلم على أن الخبر منسوخ، نعم.
وعن أبي بردة هانئ بن نيار البلوي الأنصاري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)).(48/29)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(48/30)
"عن أبي بردة هانئ بن نيار البلوي -رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)) " الحدود المقررة المحددة شرعاً في الخمر وفي الزنا وفي القذف وغيرها، المحددة بالجلد، السرقة قطع، قاطع الطريق جلد؟ لا إحنا نتكلم عن الجلد، الخمر والزنا والقذف، أقل هذه الحدود الخمر على خلاف هل يبلغ إلى حد القذف أو لا يبلغ؟ وأعلاه الزنا، الأمور التي لا تقتضي حد تقتضي تعزير، شخص عنده مخالفة دون الحد، هل يجلد ما يزيد على الحد؟ يعني شخص اتهم بالزنا وفعل مع المرأة ما يفعله الرجل مع امرأته إلا أنه لم يصل إلى حد الزنا هل نقول: يمكن يعزر بما يزيد على مائة جلدة؟ نعم هو لم يثبت في حقه الزنا، لكن فعل مع المرأة .. ، دعونا من كونه اختطفها اغتصبها هرب بها وأخفاها مدة، هذه جرائم كبيرة يقدرها الإمام في وقتها، لكن حصل معه خلوة بامرأة، وفعل معها ما فعل إلا أنه لم يثبت الزنا، لا يبلغ هذا إلى مسألة الحد، لا يبلغ به مائة، دون المائة دون الحد، لكن هل يزاد على عشرة أسواط؟ وما المراد بالحد هنا؟ ((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)) هل المراد به الحدود المقدرة فإذا فعل ما فعل ما لم يثبت الحد لا يجلد أكثر من عشرة أسواط؟ أو نقول: إنه لا يبلغ به الحد المحدد في الفعل المرتب عليه الحد الكامل إذا كان من جنسه؟ ويكون المراد في الحد المحرم، إذا ارتكب محرم يجلد فوق عشرة أسواط، إذا لم يرتكب محرم وخالف الأدب يؤدب، ومثل هذا المعلم مع طلابه، إذا خالفوا الأدب، وأساءوا الأدب أو تركوا الحفظ يضربهم، لكن ما يجلدهم عشرة أسواط، فوق عشرة أسواط، والرجل يؤدب ولده، والرجل يؤدب زوجته، لا يصل بها إلى أكثر من عشرة أسواط، ما لم ترتكب حد، وحدود الله محارمه، بغض النظر عن كونها رتب عليها حدود في الدنيا أو لا، ومنهم من يقول: إلا في حد من حدود الله المقدرة، الأربعين أو الثمانين أو المائة، فإذا حصل من العبد الرقيق ما يحصل مما لم يثبت به الحد، وقلنا: إنه يجلد نصف الحر، ما يبلغ به خمسين جلدة ما لم يثبت عليه الزنا فيوصل به الخمسين، وقل مثل هذا في بقية الحدود، عل الخلاف في(48/31)
المراد بقوله: ((إلا في حد من حدود الله)) إذا كان المحرم، إذا ارتكب محرم ولو لم يكن في حد يتجاوز به، هناك قضايا يحتف بها ما يحتف مما يجعلها أعظم من الحدود، شخص تكلم بكلمة قذف يجلد ثمانين، شخص شرب كأس من الخمر يجلد ثمانين، وقع زنى بامرأة يجلد مائة، لكن هناك جرائم، يوصل بعض القضاة التعزير إلى المئات بل إلى الألوف؛ لأن هناك جرائم تفنن فيها الفجرة والفساق، يعني شخص أغلق بابها، أو أختطف امرأة وجلست عنده أيام طويلة أو أشهر، وصورها ونشر الصور، وفعل وكذا، يحتاج إلى من يردعه هذا، هذا احتف بفعله جرائم كبرى، هذا يبالغ بتأديبه وتعزيره وردعه وردع أمثاله، فالآثار المترتبة على مثل هذه الأفعال كبيرة، فليكن الرادع كبير، وبعض الناس ينتقد القضاء والقضاة بأن بعضهم يشد على بعض الناس، لا ما هو بصحيح أبداً؛ لأن هذه الحدود إنما شرعت للعلاج، وتصفية المجتمع الإسلامي من هذه القاذورات وإلا صار الناس وحوش إذا لم يجد ما يردعهم، لا سيما مع تيسر أسباب الفساد، وما يعين على انتشار الرذيلة، لا بد من الأطر، ولا بد من حمل الناس على الحق، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(48/32)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الأيمان والنذور (1)
كتاب الأيمان والنذور - باب: القضاء
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والسامعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الأيمان والنذور:
عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خير منها فكفر عن يمينك وأتِ الذي هو خير)).
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خير منها إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الأيمان والنذور(49/1)
الأيمان: جمع يمين، والمراد بها تأكيد المحلوف عليه باسم من أسماء الله -عز وجل-، أو بصفة من صفاته مقترناً بأحد الحروف حروف القسم، والنذور: جمع نذر، وهو إلزام المكلف نفسه ما لم يلزمه به الشرع، جمع بينهما المؤلف كغيره من أهل العلم لأنهما يشتركان في بعض الأحكام، اليمين والنذر تشتركان في بعض الأحكام، وبعض النذور كفارتها كفارة يمين، هذا هو سبب الجمع بين البابين، ويقصد منهما معاً التوكيد، الحديث الأول: "عن عبد الرحمن بن سمرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) " الإمارة وفي حكمها سائر الولايات والوظائف، لا شك أن لها تبعات، فإذا وجد من يقوم بالعمل غيرك فاحمد ربك على السلامة، قد جاء في الإمارة أنها نعمة المرضعة وبئست الفاطمة، يعني ما زلت في الإمارة فأنت أمورك ماشية، لكن بعد ذلك؟ ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- لما زار ابن عامر، عاده وهو مريض، فقال له: عظني، فقال ابن عمر: لا يقبل الله صلاة من غير طهور، ولا صدقة من غلول، وكنتَ على البصرة، يعني أمير على البصرة، فأنت في هذه اللحظة أحوج ما تكون إلى إبراء ذمتك، يعني إن كان دخل عليك من بيت المال شيء، أو من حقوق العباد شيء؛ لأن الأمير الولاية سلطة، إذا عرف الإنسان أنه ليس هناك أحد فوقه يحاسبه النفس ضعيفة، تتمنى وتشتهي وإذا حصل لها التنفيذ نفذت، وهذا موجود في آحاد الناس فضلاً عمن ولي بعض الأمور التي .. ، وترك له الأمر فيها، فلما كانت بهذه المثابة مزلة قدم، فعلى الإنسان أن يسأل الله السلامة منها، وهذا في سائر الولايات لكون الإنسان لا أحد فوقه يناقشه ويعاقبه ويعاتبه هذا لا شك أنه ييسر عليه التساهل في بعض الأمور، والإمارة من هذا النوع، وجاء التحذير من القضاء على ما سيأتي، وقل مثل هذا في سائر الولايات والإدارات والرئاسات لها تبعات.(49/2)
((لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها)) والغالب أن الذي يسأل العمل والوظيفة يحاول أن يتمسك بها؛ لأنه جاءها عن رغبة، ومحاولته هذا التمسك يجعله يتجاوز بعض الأمور، بينما من ألزم على عمل ما أسوأ الاحتمالات إذا ألزم على عمل يعني إذا عدل وأتقن عمله، وأدى ما عليه بدقة أسوأ الاحتمالات وش يصير له؟ أنه يفصل من هذا العمل، يعفى منه، وهو ما جاء إلا مرغم ما يضيره شيء، ولذا مثل هذا الذي يطلب الشيء لا شك أنه يحاول تثبيت ما حصل عليه، أما بالنسبة للذي يلزم به ((وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)) لأنك في الأصل ما جيت رغبة أنت ملزم، فإذا أعفيت من هذا العمل ما تضررت، بخلاف من طلب هذا الأمر، ولذا بعضهم، بعض من كتب في الآداب السلطانية وغيرها والولايات والأحكام السلطانية يذكرون أن الناس أحد اثنين، إما أن يكون أكبر من هذه الولاية، أو يكون دون هذه الولاية، يعني مستواه، فإن كان أكبر من هذه الولاية ما يفقد شيء إذا فقدها، ما يفقد شيء إذا فقد هذه الولاية، وسوف يسعى لإبراء ذمته، ولن ينظر إلى أحد كائناً من كان، وإذا كان أقل منها فهو يسعى للحصول إليها، ومع ذلك يحافظ عليها، ويتجاوز من أجل إبقائها، والشواهد لا تخفى على أحد، والله المستعان.
((فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها)) يعينك الله -جل وعلا- إذا أعطيت هذه الوظيفة من غير مسألة، وإذا كنت كارهاً لها وألزمت بها لا شك أن الإعانة مضمونة من الله -جل وعلا-، فالذي يكره على شيء، الذي يأتي مندفع إلى الشيء، هذا جاء عن مسألة فيخلى بينه وبين نفسه ولا يعان، والذي يلزم أو يعطى من غير مسألة أو يعرض عليه ويلزم ويكره على ذلك لا شك أن الله -جل وعلا- يعينه عليها.(49/3)
((وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأتِ الذي هو خير)) ومثله حديث أبي موسى: ((إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها)) يعني حلفت أن لا تزور فلان من الناس فرأيت من المصلحة أنك تزروه، يعني ترددت على المسئول الفلاني أو العالم الفلاني وذكرت له بعض الأمور وبعض المنكرات، وبعض ما يجب تغييره ما لقاك بال، حلفت تقول: والله ما أمر عليه غير ما مريت، ثم رأيت منكراً لا بد من إبلاغه إياه هذا خير بلا شك، أو حلفت أن لا تزور قريبك مثلاً لأنك تزوره ولا يزورك، فزيارته خير بلا شك.(49/4)
((وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وأتِ الذي هو خير)) الحديث الذي يليه: ((لا أحلف على يمين فأرى غيرها خير منها إلا أتيت)) هناك: "كفر وأتِ" وهنا: ((إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها)) فمتى يكون التكفير عن هذه اليمين قبل الحنث أو بعده؟ مقتضى الحديث الأول أن يكفر ثم يحنث، مقتضى الحديث الثاني؟ نعم؟ يأتي الذي هو خير ثم يكفر، وعلى كل حال العطف بالواو في الموضعين لا يقتضى ترتيب، فسواء قدم التكفير أو قدم الحنث لا فرق، وهذه المسألة فرع من قاعدة ذكرها الحافظ ابن رجب، وذكر لها فروع منها هذه المسألة، وهي أن العبادة أو العقد إن كان له سبب وجوب ووقت وجوب، هنا سبب وجوب ووقت وجوب فإنه لا يجوز فعلها قبل سبب الوجوب اتفاقاً، ويجوز فعلها بعد وقت الوجوب اتفاقاً، والخلاف ما بين السبب والوقت، الذي معنا سبب وجوب الكفارة اليمين، هذا هو السبب في وجوبها، ووقت وجوب الكفارة الحنث، لا يجوز التكفير قبل انعقاد السبب، فمثلاً شخص فاض عنده طعام، قال: يبي يفسد هذا الطعام ما أكلناه، وش رأيكم -يعرض على زوجته وعلى أولاده- ما نكيل منه كم كفارة ونطلعهن للمستقبل؟ ما ندري وش يجينا الزمن؟ نخرج خمس كفارات، عشر كفارات بحيث لو حلف الواحد منا إذا مقدم ... ، هذه قبل اليمين لا تجزئ الكفارة اتفاقاً، وبعد الحنث تجزئ اتفاقاً، لكن قبل الحنث وبعد انعقاد اليمين، هذا الذي معنا وهو محل خلاف بين أهل العلم، والدليل يدل على جوازه، طيب هدي المتعة والقران سببه الإحرام، نعم، سببه الإحرام بالعمرة إن كان متمتعاً، أو الإحرام بهما من الميقات إن كان قارناً، هذا السبب، لا يجوز أن يذبح هدي المتعة والقران قبل أن يحرم، ووقت الوجوب: ارتفاع الشمس، أو صلاة العيد، يعني ما يعادل صلاة العيد من يوم الأضحى؛ لأنهم يقولون: وقتها وقت الأضحية، هذا وقت الوجوب، والوقت ما بينهما من إحرامه إلى يوم العيد يجوز أن يذبح أو ما يجوز؟ على القاعدة، الخلاف موجود، منهم من يقول مثل هذا تماماً، ليش ما يجوز؛ لأنه يجوز بين السبب والوقت على ما قررناه هنا، ولذا أجاز الشافعية أن يذبح هدي المتعة والقران يوم عرفة وش المانع؟ أو قبل عرفة من الإحرام قبل(49/5)
يوم العيد؟ والجمهور على أنه لا يجوز، تعرفون أن في هذا مؤلفات (القول اليسر في جواز نحر الهدي قبل يوم النحر) رسالة متداولة، لكن رد عليها برسالة أخرى اسمها: (إيضاح ما توهمه صاحب اليسر في يسره من تجويزه نحر الهدي قبل وقت نحره) وعلى كل حال الخلاف بين العلماء موجود وهو يرجع إلى هذه القاعدة.
الذي معنا الحديث الأول: كفر عن يمينك ثم أتِ الذي هو خير، يعني احنث، إذا كفرت احنث، النص الثاني: أتِ الذي هو خير، زر قريبك، زر شيخك، زر المسئول الذي تريد أن تبلغه بمنكر، زر الذي هو خير، افعل الذي هو خير وتحلل هذه اليمين، يعني كفر عنها.(49/6)
((إني والله -إن شاء الله-)) الاستثناء هذا ينفع في رفع حكم اليمين ((إني والله)) أقسم النبي -عليه الصلاة والسلام-، لو لم يأتِ بهذا الاستثناء ((إني والله لأحلف على يمين فأرى غيرها خير منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها)) يعني حنثت ثم كفرت، وكونه يقسم على هذا الأمر يؤخذ منه عدم جواز الأمر الثاني، وهو جائز بالنص، ولذا جاء الاستثناء فرفع الحكم، يعني الحديث الأول ما فيه يمين، لا تداخل الأيمان يا إخوان، أنا الآن أتحدث عن أي يمين؟ في قوله: ((إني والله)) دعونا في الحديث الثاني لنمثل به على المسألة الكبرى، المسألة الخاصة والعامة يمكن تؤخذ من هذا الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- مو بحلف ((إني والله)) ثم بعد ذلك قال: ((إن شاء الله)) استثنى وهذا الاستثناء افترض أن هذا الاستثناء ما وجد ((إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها)) لو افترضنا أنه جاء العطف بـ (ثم) فقال: ((إني والله لأحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير منها ثم تحللتها)) قلنا: لا بد أن يكون الحنث قبل التكفير، ومؤكد بقسم، لكن هذا القسم الذي رفع حكمه يعني لو جاء الحكم باليمين من غير ما يرفع الحكم من الاستثناء لقلنا: تصادم بين الحديثين، تعارض ظاهر بين الحديثين، أنتم معي وإلا ما أنتم معي؟ يعني نريد أن نأخذ مثال في القاعدة الكلية التي دل عليها الحديثان من الحديث الثاني، حلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، حلف أنه إذا حلف على شيء فرأى غيره خير منه إلا أتى الذي هو خير وتحللها، الآن وجدت عنده الكفارة قبل تيسر إتيان الذي هو خير، وأراد أن يكفر قبل الحنث هل يحتاج إلى كفارة لحلفه في الحديث؟ لولا الاستثناء احتاج، لولا قوله: ((إن شاء الله)) احتاج، ما أدري الإخوان الظاهر أن أكثرهم ما هم معي، ما أدري والله، أنتم معنا يا إخوان، تقررت المسألة أو ما تقررت؟ لأن أخذنا الحكم العام أنه إذا حلف على يمين رأى أن هذه اليمين الحنث فيها أفضل من الاستمرار والإصرار فيها، سواء كفر قبل أو بعد ما في فرق، وعلى هذا يدل الحديثان، والقاعدة السابقة تؤيد، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إني(49/7)
والله)) هذا فرد، يمينه هذا فرد مما دل عليه عموم الحديثين، مو النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كفر عن يمينك وأت الذي هو خير)) وفي الثاني: ((إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها)) طيب خلونا على الحديث الثاني الذي فيه اليمين ((إني والله)) هو ما فيه تقديم الحنث على التحليل في الحديث الثاني؟ تقديم الحنث على الكفارة تقديم الحنث على إيش؟ على الكفارة، مقرون باليمين، طيب خلينا على واحد أقسم هذا القسم، والله إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها، افترض أنه بعد هذا اليمين تيسرت له الكفارة، لكن ما تيسر له الحنث يلزمه كفارة ثانية لليمين الذي حلف عليها، يلزمه كفارة لليمين الذي حلف عليها؛ لأنه خالف اليمين، أنا أعرف أن بعض الإخوان يمكن أنا عجزت عن إيصال هذا الأمر إليهم وإلا أشوف بعض الإخوان كأنهم إلى الآن ما بعد استوعبوا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/8)
الأمثلة عندنا المثال عملي هنا، ما هو عندنا القاعدة العامة أنه لا يجوز قبل انعقاد السبب الذي هو اليمين ويجوز بعد الوقت اتفاقاً؟ والخلاف فيما بينهم بين السبب والوقت، انتهينا من هذا وقررناه، وقلنا: سواء كفرت قبل الحنث أو بعد الحنث لا فرق، والتكفير قبل الحنث له دليله، والتكفير بعد الحنث له دليله، من الحديثين الذين معنا، واحد يدل على صورة والثاني يدل على الصورة الثانية، نأتي إلى اليمين المصرح به عندنا في الحديث: ((إني والله)) ما هو بيمين؟ لو حنثت فيه ما يحتاج إلى كفارة؟ ما هو بحلف أنه إذا حلف على شيء فرأى غيرها خير منها إلا أتى الذي هو خير، مؤكد بيمين، وتحللها، لو تحلل قبل أن يأتي الذي هو خير وقد حلف على أن يعكس ما يلزمه كفارة؟ يلزمه كفارة، لكن من الذي حلل هذه الكفارة ورفع حكمها؟ الاستثناء، الاستثناء رفع الحكم، الكفارة جاءت مبينة في القرآن {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ} [(89) سورة المائدة] إحدى هذه الخصال الثلاث على التخيير، إطعام، كسوة، عتق، الذي لا يجد هذه الخصال الثلاث يعدل إلى صيام ثلاثة أيام.
((يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة)) جاء ما يدل على سؤال الإمارة {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ} [(55) سورة يوسف] فإما أن يقال: هذا شرع من قبلنا، وجاء شرعنا بخلافه، أو يقال: إن الحكم مستمر ومحكم، كل من عرف أو كل من تعين عليه عمل لا مانع من أن يطلبه، افترض بلد كبير ما فيه إلا عالم واحد، وسألوه من يصلح للقضاء؟ من يصلح للإفتاء؟ وبدأ الناس يجيبون في المجالس فلان فلان فلان، واثق أنه ما في .. ، هؤلاء كلهم ما يصلحون، لو تولوا هذه المناصب أفسدوا أكثر مما يصلحوا، حينئذٍ لا مانع أن يعرض ويطلب لإنقاذ هذه المهمة العظيمة؛ لأنه تعين عليه بحيث يأثم لو لم يتولَ، وهكذا طلب يوسف -عليه السلام- أن يجعله على خزائن الأرض؛ لأنه لا يوجد من يقوم مقامه، نعم.(49/9)
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) ولمسلم: ((فمن كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت)) وفي رواية: قال عمر: فو الله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عنها ذاكراً ولا آثاراً، يعني حاكياً عن غيري أنه حلف بها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) ولمسلم: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) " عمر -رضي الله عنه- حدث قوماً حديثاً فحلف بأبيه، فإذا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- يمسكه من خلفه فنهاه عن ذلك، وروى هذا الحديث، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) والتنصيص على الآباء لا يخرج غيرهم من النهي، فالحلف بغير الله كما جاء في الحديث ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) فالحلف بغير الله كائناً من كان سواء كان الأب أو الأمانة أو الكعبة أو النبي أو جبريل أو أي مخلوق كائناً من كان، فالحلف لا يجوز إلا باسم من أسماء الله -جل وعلا-، أو بصفة من صفاته، البتة.
" ((إن ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) ولمسلم: ((من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت)) " وابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: لأن أحلف بالله كاذباً خير لي من أن أحلف بغيره صادقاً، يحلف بالله كاذب هذه معصية، والمعصية أسهل من الشرك " ((فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) في رواية قال عمر: "فو الله" امتثال "ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عنها ذاكراً ولا آثراً" يعني كونه ما يحلف ذاكراً ابتداء من تلقاء نفسه هذا من دون عمر لا يفعله، لكن: "ولا أثراً" ما ينقل عن غيره أنه حلف بغير الله، ما ينقل عن غيره ولا يؤثر ولا ينقل عن غيره أنه حلف بغير الله، يعني هل عمر لا يقول: إن فلان حلف بغير الله؟ أو لا ينطق بما نطق به فلان؟ لا ينطق بما نطق به فلان ولو نسبه إليه، وهذا من تمام امتثاله -رضي الله عنه وأرضاه-.(49/10)
في بعض المسلسلات التي تأتي في هذه القنوات فيها حلف بغير الله، ويسمعها الجهال، يسمعها العوام، ويسمعها الأطفال، ومع الأسف أنه وجد من الأطفال في الشوارع من يحلف بغير الله، يقلد ما سمع، ويحكي ما سمع، ولا يدري ما الحكم؟ وهذه من الأضرار، وصل المسألة إلى حد الشرك، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا يجوز الحلف بغير الله -جل وعلا-، جاء في بعض الأحاديث الصحيحة مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلح وأبيه إن صدق)) وللعلماء عن مثل هذا أجوبة، منهم من يقول: إن هذا كان قبل النهي عن الحلف بغير الله -جل وعلا-، هذا قبل النهي، ومنهم من يقول: إن هذا مما يجري على اللسان من غير إرادة للمعنى الذي هو التعظيم، لكن مثل هذا يتذرع به كل من يحلف، نعم أقول: يتذرعون به، المسلمون الذين في سائر الأقطار وجرت ألسنتهم على هذا يقولون: والله ما نقصد أننا نعظم فلان أو علان، لكن تعودنا، نقول: ما يكفي، فهذا كان قبل النهي، ابن حجر نقل عن السهيلي: أن قوله: ((أفلح وأبيه)) مصحفة وأصلها والله، يعني هل هناك تقارب بين الصورتين أبيه ولفظ الجلالة؟ يعني قصرت اللامان وصارت أبيه، وهو ليس هناك نقط، ما فيه نقط، قبل ما في نقط ما فيه إعجام، فقصرت اللامان من لفظ الجلالة فصارت وأبيه، وهذا لو وجد في نسخ مصححة مقابلة موثوقة أصلية يمكن الاعتماد عليه، وإلا توهيم الرواة بمجرد الاحتمال لا يكون أبداً، طيب ماذا عن الحلف بالطلاق؟ شرك وإلا ما هو بشرك، الحلف بالطلاق بعض الناس مما يرى من كثرة تساهل الناس باليمين إذا أراد أن يحلف شخص يطلب منه أمر يرى أنه يحتاط لهذا الأمر أكثر من اليمين، يقول له: طلق، يعني ما يرضى باليمين، وهذا لا يجوز، الذي لا يرضى بالله ما الذي يرضيه؟ حتى نص أهل العلم على أنه لو أن قاضياً حلف الخصم بغير الله وجب عزله؛ لأنه يضطر الناس إلى الشرك، لكن مسألة الحلف بالطلاق هل هي حكمها حكم القسم أو أن المراد منها ما يراد من القسم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا مسألة الحلف بالطلاق والتي تحللها كفارة اليمين على رأي شيخ الإسلام ما فيها شيء من حروف القسم الثلاثة، ما فيها والطلاق، ولا بالطلاق، ولا بالتاء ولا شيء، نعم؟(49/11)
طالب:. . . . . . . . .
يعني يراد من الطلاق ما يراد باليمين، يعني يراد منه الحث أو المنع، يعني بدل من أن يقول لزوجته: والله ما تخرجين، يريد أن يمنعها، والله لتخرجين يريد أن يحثها على الخروج أو يريد أن يمنعها بدلاً من أن يكون باليمين يقول: إن خرجت فأنتِ طالق أو إن لم تخرجي فأنت طالق، هذا الحلف بالطلاق عندهم، فيراد من الطلاق يعني تعليقه بالخروج أو عدم الخروج الحث أو المنع كما يراد من اليمين؛ لأن الذي يسمع كلام أهل العلم في مسألة الحلف بالطلاق يقول: كيف؟ هذا شرك ما هي مسألة كفارة يمين أو غيره، هذا شرك، والذي يحلف بغير الله يلزمه كفارة؟ أعظم من أن يكفر، كيف يقول شيخ الإسلام: كفارته كفارة يمين، نقول: ما فيه حلف بمعنى الشرك هو ما يعظم الطلاق، إنما يريد من تعليق الطلاق ما يراد من اليمين من الحث أو المنع، ولذا أوجب شيخ الإسلام لتحليل هذا التعليق ما يحلل اليمين، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر يا إخوان؟ يعني حينما يقول: الحلف بالطلاق هل معناه أنه يقسم بالطلاق؟ لا، لا يقسم بالطلاق، ولو أقسم بالطلاق قلنا: أشرك، ولا تحل له كفارة ولا غيرها إنما عليه التوبة والاستغفار، لكن يعلق الطلاق على أمر يريد الامتناع منه، أو على أمر يريد فعله كما يفعل ذلك في القسم، ولذا شيخ الإسلام يرى أن الكفارة تحله مثلما تحل اليمين، نعم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال سليمان بن داود -عليهما السلام-: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان)) قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان ذلك دركاً لحاجته)) قوله: قيل له: قل: إن شاء الله يعني قال له الملك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(49/12)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال سليمان بن داود -عليهما السلام-)) " النبي بن النبي ((لأطوفن الليلة)) اللام موطئة لقسم محذوف، وجاء بيانه في بعض الروايات: ((والله لأطوفن)) اللام هذه موطئة لقسم محذوف، وترتب عليها حكمها، بدليل قوله: ((لم يحنث)) حنث، يعني قوله: ((لو قال: إن شاء الله لم يحنث)) لم يقل: إن شاء الله إذاً حنث أو ما حنث؟ حنث؛ لأنه لو قال: إن شاء الله ما حنث، فدل ذلك على أنه حنث، اليمين ليست مذكورة هنا، واللام موطئة للقسم، إذاً قول الإنسان: لعمري أو لعمر فلان، أو لعمر فلان، هذه يجيزها أهل العلم؛ لأنها لا يؤخذ منها التعظيم، لا تدل على التعظيم الذي يدل عليه القسم، ومنهم من يقول: إنها واقعة في قسم محذوف والمقسم به محذوف ما يدرى من هو؟ كأنه يقول: والله لعمري، وكونها لا تدل على التعظيم يستدلون عليه بقول الشاعر:
لعمرو أبي الواشين إني أحبها ... . . . . . . . . .
أبو الواشين هذا محبوب أو مكروه؟ مكروه، أبو الواشين مكروه يستحق تعظيم وإلا تحقير؟ يستحق التحقير، فقالوا: مثل هذا لا يدل على تعظيم، إنما أسلوب يجري على اللسان لا يراد منه ما يراد من القسم، فأجازوه، ومنهم من يقول: إن اللام هذه واقعة في قسم محذوف، والمقسم به محذوف، فلعله يريد: والله لعمري، على كل حال ((قال سليمان -عليه السلام-: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة)) أقسم أن يجامع تسعين امرأة، وفي رواية: ((سبعين)) وفي رواية: ((مائة)) وفي رواية: ((تسعة وتسعين)) المقصود أن الأنبياء أعطوا من القوة ما لم يعطه غيرهم، ولنبينا -عليه الصلاة والسلام- من القوة بحيث يدور على نسائه بساعة، التسع كلهن بغسل واحد، المقصود أن الأنبياء أعطوا من القوة ما لم يعطه غيرهم، وكذلك أتباعهم من أهل الفضل والاستقامة عندهم شيء من هذا، والعلماء يعللون ذلك بأن غير أهل الاستقامة نعم قد يفرطون في هذا الأمر أو في شيء من وسائله فيعاقبون بالضعف، يفرطون بهذا الأمر، فيصرفونه في المحرم، أو يصرفون بعض وسائله فيما حرم الله عليهم فيعاقبون، أما من حفظ نفسه، وحفظ جوارحه حفظها الله -جل وعلا-، فهو من هذا الباب.(49/13)
((لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله)) قصده -عليه السلام- الخير، فقيل له: قل: إن شاء الله، قال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، نسي، أو رأى أن هذا من عمل البر الذي لا يحتاج إلى استثناء، كما أن عمل الخير الذي هو خير محض يستخير فيه الإنسان وإلا ما يستخير؟ ما يستحق الاستخارة؛ لأنه عمل خير، فكأنه -عليه السلام- رأى أن هذا عمل خير لا يحتاج إلى استثناء.
إذا هممت بأمر سوء فأتئد ... وإذا هممت بأمر خير فأعجل(49/14)
ما يحتاج إلى أنك تشاور أو تستخير هذا عمل خير، فرأى أنه من هذا يعني ما يحتاج إلى أن يستثنى؛ لأن الاستثناء قد يعوقه عن ما صمم عليه، بعض العلماء يقول: إنه نسي الاستثناء، على كل حال وقع، قيل له: قل: إن شاء الله وما قال، فما الذي حصل؟ ((فلم يقل، فطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان)) قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان ذلك دركاً لحاجته)) لم يحنث لأن الاستثناء يرفع حكم اليمين ((وكان ذلك دركاً لحاجته)) تلاحظون أنتم اقتران الكلام بالمشيئة نافع، وفي الغالب يدرك صاحبه، يعني في الكتب يمر عليكم، سيأتي في باب كذا، تبحث باب كذا ما جاء، لماذا؟ ما قال: إن شاء الله، سيأتي إن شاء الله ويأتي، وقد يقول سيأتي ولا يقول: إن شاء الله ويأتي، هذا سنذكره في باب كذا ويذكره، يعني ما هي المسألة مسألة حتم، المسألة مشيئة الله -جل وعلا- حتى لو وجدت سيأتي في باب كذا إن شاء الله، قد يقول: إن شاء الله ولا يأتي، لماذا؟ لأن الله لم يشأ، وإلا لو كان محقق كان كل شخص يقول: إن شاء الله إذا بلغت المائة أبي أنصرف للعبادة، فبلغت المائة طيب أنا استثنيت يا أخي لازم يجي، لا بد أبلغ المائة استثنيت، لا لا يا أخي، الله -جل وعلا- ما شاء، أنت تعلقت، وهذا الذي يعنيك، لكن ليست لك النتائج، وإلا كان كل إنسان يقول: إن شاء الله إذا بلغت المائة أبا أنصرف للعبادة، طيب علق بالمشيئة وما جاء، نقول: نعم الله -جل وعلا- ما شاء لك أن تعيش إلى مائة، فليست بحتم، نعم حكم اليمين يرتفع، لماذا؟ لأنك أقسمت على شيء والله -جل وعلا- ما شاءه، وأنت علقت على مشيئته إذاً ما صار، فلا تحنث.(49/15)
((لو قال: إن شاء الله لم يحنث وكان ذلك دركاً لحاجته)) في الروض المربع مر بكم "وما أبين من حي فهو كميته" قال الشارح: "إلا مسك في فأرته، والطريدة وستأتي في الصيد" جاءت وإلا ما جاءت؟ عاد المحشيين يقولون: لو قال: إن شاء الله ذكرها، تعليق الأمور على المشيئة منها ما هو مطلوب كما هنا، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو ممنوع، اللهم أغفر لي يجوز أن يقول: إن شئت؟ لا يجوز، اللهم أغفر لي إن شئت لا يجوز، بل يعزم المسألة، الله يغفر لك إن شاء الله، أو غفر الله لك إن شاء الله يجوز وإلا ما يجوز؟ هو دعاء، معروف أنه دعاء، غفر الله لك إن شاء الله يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
نعم لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هو دعاء على كل حال لكن الدعاء لا يخلو إما أن يكون بلفظ الأمر اللهم أغفر لي مثل هذا لا يجوز أن يقترن بالمشيئة، أما إذا كان الدعاء بلفظ الخبر فيجوز، نعم طهور إن شاء الله، ثبت الأجر إن شاء الله، كلها موجودة في النصوص، بلفظ الخبر يجوز وبلفظ الأمر لا يجوز، نعم.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [(77) سورة آل عمران] ... إلى آخر الآية.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(49/16)
"عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حلف على يمين صبر)) " يمين الصبر هي التي يسمونها يمين الغموس، وهو كاذب، يحلف وهو كاذب فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم متعمد يعرف أنه كاذب، يقتطع بها مال أخيه، أو يثبت على أخيه ما يعلم أنه بريء منه، لو أقسم أن فلان سرق وهو يعرف أنه بريء، أو أقسم أن فلان مدين لفلان، أو أقسم .. ، يعلم فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم، وأعظم من هذا أن يصل إليه شيء في بدنه، بدن أخيه المسلم أعظم من ماله ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)) نسأل الله العافية، وهذه هي اليمين الغموس التي هي أعظم من أن تكفر عند أهل العلم، أعظم من أن تكفر؛ لأن فيها حق للمخلوق، يعني إذا كفر الإنسان حق الخالق فماذا عن حق المخلوق؟ ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ} [(77) سورة آل عمران] وعيد شديد على من يتعمد اقتطاع حق المسلم باليمين الكاذبة، وبعض الناس تأخذه العزة بالإثم، في أول الأمر يحلف خطأ، والله إن فلان يطلب فلان، ثم بعد ذلك يذكر أنه ما حصلت البيعة، فلان يطلب فلان مبلغ كذا قيمة كذا، ثم يذكر تذكر يا فلان أنه أعاد السلعة في المجلس ولا حصل شيء، يتذكر ثم يصر، يعني تأخذه العزة بالإثم، لا يريد أن يتراجع بعض الناس عنده صلابة بحيث لا يتراجع ولو عرف الحق، يدخل في هذا الوعيد، لكن إذا حلف على غلبة ظنه، يغلب على ظنه أن هذا حاصل في حقوق المخلوق لا يجوز له أن يحلف، لكن ما لا يتعلق به حق المخلوق وحلف على غلبة ظن يجيزه أهل العلم، يجيز أهل العلم الحلف على غلبة الظن، ولذا لما جاء المجامع في نهار رمضان، وأمر بالعتق، وأمر بالصيام، وأمر بالإطعام وقال: إنه لا يجد، وجيء بالطعام للنبي -عليه الصلاة والسلام- ودفعه إليه يتصدق به، أقسم والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، طيب هل عنده يقين أنه ما يوجد في المدينة أفقر منه؟ يعني هل عنده مسح لجميع بيوت المدينة أنه ما في أفقر منه؟ ولذا إذا غلب على ظنك(49/17)
أن هذا لا يوجد أفقر منه، ووجدت فرصة لأن يتصدق عليه لو حلفت لا بأس، عند أهل العلم بناء على غلبة الظن، أما إذا كان فيها اقتطاع حق مسلم فهذه لا يجوز إلا مع اليقين، نعم، عن الأشعث.
عن الأشعث بن قيس -رضي الله عنه- قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شاهداك أو يمينه)) قلت: إذاً يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(49/18)
"وعن الأشعث بن قيس -رضي الله عنه- قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((شاهداك أو يمينه)) " الوسيلة الشرعية لاستيفاء الحقوق ((شاهداك أو يمينه)) البينة على المدعي واليمين على من أنكر، أنت مدعي هات شهودك، هات البينة، هو مدعى عليه منكر ما جئت بالبينة يمينه ((شاهداك أو يمينه)) قلت: إذاً يحلف، تبين الآن أنه ما عنده شهود ما عنده بينه، فاتجهت اليمين على الخصم "قلت: إذاً يحلف ولا يبالي" لأنه عرف من حاله أنه لا يتورع عن الحلف، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحذر المنكر إذا كانت الدعوى صحيحة من أن يحلف بالله -جل وعلا- يمين صبر يقتطع بها مال أخيه "فقال: ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)) " البينة على المدعي، باع زيد على عمرو سيارة بحضور اثنين، أو رجل وامرأتين، يأتي بالبينة يستحق، طيب هات البينة، والله ما عندي بينة، المدعى عليه الذي في ذمته الدين تتجه عليه اليمين، قد يكون المدعى عليه من الورع بحيث لا ينكل عن اليمين، المسألة يعني يقول: الدنيا كلها ما تقوم مقام اليمين، والله ما أنا بحالف، يحلف هو، ما عنده بينة خله يكفينا يمينه، ترد اليمين على المدعي أو لا ترد؟ الآن النص ما فيه إلا ((شاهداك أو يمينه)) اليمين في الغالب هي في الجانب الأقوى، من الأقوى المدعي وإلا المدعى عليه؟ الأقوى؟ المدعى عليه لأن معه الأصل، لما حضر زيد وعمرو زيد يقول: بذمة عمرو لي ألف ريال، عمرو يقول: ما عندي شيء، الأصل عنده وإلا ما عنده؟ الأصل ما عنده، الأصل براءة الذمة، فالأقوى المدعى عليه، والغالب أن اليمين تكون في جانب الأقوى، ولذا يقول بعضهم: إن اليمين ما ترد، ما أثبت بينة ما يستحق شيء، ومن أهل العلم من يرى أن اليمين ترد على المدعي؛ لأنه صار في مثل هذه الصورة أقوى، يعني أن نكول المدعى عليه يضعف جانبه، يضعف جانبه فصار المدعي أقوى منه، الدعوة ما زالت قائمة، واتجهت إليك اليمين رفضت الحلف إذاً في ذمتك شيء، لو كنت بريئاً حلفت وبرئت، ولا إثم عليك، ولو كان المقدار المدعى به شيء زهيد لا إثم عليك، فقوي جانب(49/19)
المدعي فترد اليمين عليه عند بعض أهل العلم.
ويقول الإمام مالك -رحمه الله- في الموطأ: "لا أعلم قائلاً برد اليمين على المدعي" مع أن قضاة عصره -رحمه الله- يقولون بهذا، ابن أبي ليلى وابن شبرمة كلهم يردون اليمين، وهم قضاة عصره، هذا يدل على أن العالم مهما بلغ من العلم والإحاطة لا يمكن أن يحيط بكل شيء، المقصود أنها ترد اليمين على المدعي إذا نكل المدعى عليه ((شاهداك أو يمينه)) حصر، طيب ماذا عن الشاهد واليمين؟ شاهد ويمين؟ المدعي قال: أنا والله ما عندي إلا واحد، طيب هات الواحد وكمل بيمين، يصلح وإلا ما يصلح؟ يصلح، قضى بالشاهد واليمين، وعلى كل حال ابن القيم يقرر أن البينة كل ما يبين الحق، كل ما يتوصل به إلى بيان الحق فهو بيان، ومن حلف على يمين صبر معناه فيما تقدم، يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، وقد يقول: المال يسير ما يسوى الوعيد، لكن الذي يحلف على القليل يحلف على الكثير، الذي يحلف على القليل من باب أولى أن يحلف على الكثير، نعم.
عن ثابت بن الضحاك الأنصاري -رضي الله عنه- أنه بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك)) وفي رواية: ((ولعن المؤمن كقتله)) وفي رواية: ((ومن أدعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(49/20)
"وعن ثابت بن الضحاك الأنصاري أنه بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال)) " الحلف هنا من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال، هل مقتضى هذا أن يقول: واليهودية والنصرانية؟ نعم؟ أو مثل ما قلنا بالطلاق إن كان فعل كذا فهو يهودي، وإن لم يفعل كذا فهو نصراني؟ هل نقول: إن هذا حلف على يمين بملة .. واليهودية؟ ... في أحد يقول: والطلاق؟ ما في أحد، إذاً يراد بهذا ما يراد باليمين من معناه، مثل ما قلنا في الطلاق، بعض الشراح قال: إن بعضهم قد يحلف باليهودية، قد يحلف بالنصرانية، قد يحلف .. ، ولو قلنا بهذا .. ، أن المعنى يكون أن يحلف بما يحلف به أهل تلك الملة، يعني أهل اليهودية قد يحلفون بموسى، ويحلفون بعزير، النصرانية يحلفون بعيسى .. إلى آخره، إذا قلنا: إن المراد حقيقة الحلف واليمين قلنا: إن المراد الحلف بما يحلف به أهل تلك الديانات، وإذا قلنا: إن المراد ليس المراد به القسم وإنما ما يراد له القسم، وهو تأكيد الأمر نفياً وإثباتاً، فيكون مثل ما قررناه في الطلاق، كأنه يقول: إن فعل كذا فهو يهودي، إن لم يفعل كذا فهو نصراني، يريد بذلك الحث والمنع كما يريد باليمين، ولذا قال: ((فهو كما قال)) إيش كما قال؟ يعني الذي قال: واليهودية، يعني كما قال: إن اليهودية تستحق التعظيم، أو أنه إن لم يفعل كذا فهو يهودي كما قال، يهودي، فهو نصراني كما قال، وهذا يرجح المعنى الثاني، وهو أن الحلف باليهودية والنصرانية لا يراد منه القسم بهما، وإنما يراد به ما يراد بالقسم من الحث أو المنع، فهو كما قال، ((من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال)) كاذب ومتعمد، من الذي ألجاه أن يحلف؟ هو يخبر عن نفسه، فهو كما قال.
((كاذباً متعمداً)) أحياناً يلجأ إلى مثل هذا، يكره على مثل هذا، يدخل في عموم {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [(106) سورة النحل] لكن لا مكره له وكاذب وعالم ومتعمد وغير ناسي، مثل هذا يقول: ((فهو كما قال)).(49/21)
((ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة)) والنفس ليست ملكاً للإنسان، كما أنه لا يجوز له أن يقتل غيره لا يجوز له أن يقتل نفسه، والضرر الحاصل بقتل الغير نفس الضرر الحاصل بقتل النفس، نعم، ((ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملك)) امرأة أسرت فانفلتت ركبت ناقة النبي -عليه الصلاة والسلام- ونذرت أن تنحرها، إيش علاقتها بالناقة ذي؟ ((وليس على رجل نذر فيما لا يملك)) تستطيع أن تنذر أن تعتق عبد فلان؟ أو تنذر أن تطلق زوجة فلان؟ هذا لا تملكه ((وليس على رجل نذر فيما لا يملك)) فإذا نذر نذراً لا يملكه يكفر كفارة يمين "وفي رواية: ((لعن المؤمن كقتله)) " يعني يقول زيد لعمرو: لعنك الله، يقول: كأنه جاء بالسكين وأبان رأسه عن جسده، هذا كلام من لا ينطق عن الهوى، وفي الصحيحين ما لأحد كلام، فإما أن نقول: إن وجه الشبه .. ، عندنا مشبه وهو اللعن، ومشبه به وهو القتل ووجه الشبه التحريم، كل منهما محرم، ولا يلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل وجه، ولا شك أن اللعن شأنه عظيم، من أهل العلم من يقول: إن السبب في كونه كقتله أنه إذا قال: لعنك الله يدعو عليه بالطرد والإبعاد عن رحمة الله قد توافق ساعة استجابة ويجاب دعاؤه، لكن هل هذا بحق أو اعتداء؟ إذا كان اعتداء لن يستجاب، وإذا كان بحق مستحق للعن بأن جاء لعنه في النصوص، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فالعنوهن)) وجاء ((لعن الله السارق)) ولعن كذا، ولعن كذا، جاءت النصوص بلعن بعض أجناس، ما هو بأعيان، أجناس، أما لعن المعين فهو معروف حكمه عند أهل العلم لا يجوز، فإذا كان بغير حق فهو اعتداء في الدعاء فلا يستجاب، ولذا قول بعضهم: إنه قد يستجاب فيطرد من رحمة الله، يوافق ساعة استجابة، هذا إذا استجيب فهو بحق، وإذا كان بحق لا يستحق مثل هذا الوعيد، وإذا كان بغير حق فلن يستجاب لأنه اعتداء.(49/22)
وعلى كل حال لعن المسلم حرام، وجاءت النصوص التي تشدد في هذا، والنساء أكثر أهل النار ويكثرن اللعن، هذا السبب، هذا من أسباب كثرة دخولهن النار "وفي رواية: ((من أدعى دعوى كاذبة ليستكثر بها لم يزده الله إلا قلة)) " يستكثر بها يعني شخص يقول: أنا عندي وأنا عندي وأنا عندي، أنا عندي استراحة وعندي مزرعة، وعندي الآلات، وعندي محلات، وهو يريد أن يتكثر بها أمام الناس، هذا لا يزال في قلة، لم يزده الله إلا قلة، عقوبة له، الجزاء من جنس العمل، وقل مثل هذا فيمن يدعي أنه يعمل أعمال صالحة، بل من باب أولى، أو قل في مثل هذا من يدعي أنه يحفظ، أو يفهم، أو قرأ كذا، قرأ ألف مجلد، قرأ ألفين مجلد، وهو ما قرأ لا ألف ولا نصف الألف، ولا ربع الألف، يريد أن يتكثر بين الناس لم يزده الله بذلك إلا قلة، يحفظ عشرة آلاف حديث، عشرين ما هو بصحيح، وهو كاذب في هذا لم يزده الله إلا قلة، بل يضعه من أعين الناس، بدلاً من أن يحاول رفع رأسه بينهم، المتلبس بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، نعم.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: النذر
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة، وفي رواية: يوماً في المسجد الحرام، قال: ((فأوفِ بنذرك)).
النذر: إلزام المكلف نفسه شيئاً لم يكن ملزماً به في الشرع، سواء كان هذا الملتزم به منجز أو معلق، منجزاً كان أو معلقاً، النذر وهو الالتزام جاء النهي عنه، كما سيأتي في الحديث اللاحق، نهى عن النذر وقال: ((إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)) جاء النهي عنه، وجاء مدح الوفاء بالنذر، جاء النهي عنه، وجاء مدح من يفي به، وإيجاب الوفاء به، يجب الوفاء بالنذر ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) وجاء ذمه وأنه إنما يستخرج به من البخيل، ولذا قال الخطابي: إن هذا باب من العلم غريب، لماذا؟ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وهذا الوسيلة مذمومة، والمقصد محمود، فهذا باب من العلم غريب، وبعضهم يقول: لا غريب ولا شيء، هذا الباب ليس بغريب، المنهي عنه النذر والمأمور به الوفاء بالمنذور، فهذا غير هذا.(49/23)
"قلت: يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة، وفي رواية: يوماً في المسجد الحرام، قال: ((فأوفِ بنذرك)) " الجاهلية ما كان قبل الإسلام على المستوى العام، أو ما كان قبل إسلام الرجل بعينه على المستوى الخاص "إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة" يستدل بهذا من يرى عدم لزوم الصيام لصحة الاعتكاف؛ لأن الليل ليس محلاً للصيام، ومنهم من يشترط الصيام لصحة الاعتكاف، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتكف إلا صائماً، والليلة تطلق على اليوم بليلته كاملاً، فإذا قلت: الشهر ثلاثين ليلة معناه بأيامها، ولذا جاء في رواية: يوماً، فمن يقول: إن الاعتكاف لا يلزم معه الصيام يقول: إنه أعتكف ليلة، نذر أن يعتكف ليلة والليل ليس محلاً للصيام، ومن يوجب الصيام بل يشترطه لصحة الاعتكاف يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتكف إلا صائماً، والمراد بالليلة يجيب عن هذا الحديث بأن المراد بيومها الذي هو محل الصيام بدليل الرواية الأخرى، وعلى كل حال لو حصل اعتكاف ليلة من غروب الشمس إلى طوع الفجر من غير الصيام كما هو الأصل فصح الاعتكاف؛ لأن المراد بالاعتكاف في اللغة اللزوم والمكث، طول المكث، وهذا حصل منه طول مكث فهو اعتكاف، لكن هل هو اعتكاف لغوي أو شرعي؟ لغوي بلا إشكال، لكن جاء الحث على الاعتكاف والترغيب فيه، ولم يقرن بصيام إلا من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومجرد الفعل لا يدل على الاشتراط، ولذا يصحح جمع من أهل العلم الاعتكاف من غير صيام.
فالنذر مثل ما ذكرنا جاء النهي عنه وجاء الأمر بالوفاء به {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [(7) سورة الإنسان] وجاء أيضاً: ((أوفِ بنذرك)) ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) كل هذا يدل على أن الوفاء بالنذر يعني بعد انعقاده من الأمور المطلوبة المرغوب فيها، وإن كان عقده من الأمور المرغوب عنها، نعم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النذر، وقال: ((إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)).(49/24)
من العلماء من يفرق بين النذر الذي يعلق على أمر مطلوب للإنسان، يعني إن نجحت صمت، إن شفى الله مريضي صليت، إن قدم غائبي تصدقت، يقول: هذا هو الذي جاء النهي عنه، وهو الذي إنما يستخرج به من البخيل، هذا الشخص الذي لا يصلي إلا إذا حصل له مطلوبه، هذه معاوضة، هذا بخيل ذا، لكن شخص ابتداء ومن باب أن يلزم نفسه بشيء من العبادات، نفسه بغير هذا الإلزام قد لا تطاوعه، نذر أن يطيع الله، نذر أن يصوم شهر من غير معاوضة؛ لأن المعاوضة قد يكون في ذهن الإنسان أن فيها مرادة للقدر، وأنها أثرت في القدر، إن شفى الله مريضي صمت، فكأنه يرى أن الله إنما شفاه من أجل أن يصوم، لهذه المعاوضة، فهذا هو الذي جاء النهي عنه، وهو الذي يستخرج به من البخيل، لكن شخص ما هو بخيل يتصدق، وخشي على نفسه من الفتور، يعني نفترض موظف راتبه خمسة آلاف يتصدق كل شهر بألف، وهذا ديدنه وعادته، هذا بخيل وإلا غير بخيل؟ هذا ليس ببخيل، ثم أراد أن يلتزم بهذا، ويلزم لله عليه أن يتصدق من كل شهر بألف، هذا الأصل ليس ببخيل، وهذا ليست فيه معاوضة أيضاً، فلا يتجه إليه النذر وهو المحمود، وهو المأمور بوفائه، الذي جاء مدح الذين يوفون به، ولا يدخل في الحديث الذي فيه حديث عبد الله بن عمر أنه نهى عن النذر، وأما ما فيه معاوضة فهو المنهي عنه، بعضهم يريد أن يلزم نفسه بما ألزم به، ينذر مثلاً أنه إن أغتاب شخصاً صام شهراً، هذا النذر يعينه على ترك المحرم وإلا ما يعينه؟ يعينه، إن فعل كذا من المحرمات، أو إن هو تائب مثلاً من معصية إن عاد إليها كان يشرب الدخان منّ الله عليه بالتوبة النصوح وتركه وقال: لله عليه إن عاد إلى الدخان أن يصوم، مثل هذا يعينه على ترك المحظور، وقد يفعله للاستعانة به على فعل المأمور، وأثر عن بعض السلف أنه نذر أنه إن اغتاب شخصاً تصدق بدرهم، يقول: سهلت علي الغيبة، الدرهم حاضر، فنذر نذراً آخر أنه إن أغتاب شخصاً صام يوماً، والصيام شاق، لا سيما ممن هذه حاله، من يغتاب الناس، ترى تشق عليه العبادات، الذي يرسل لسانه على الآخرين تكون العبادات من أشق الأمور عليه، وهذا مجرب، فيقول: لما نذر أنه كلما اغتاب شخصاً يصوم يوماً استعان بالصيام على ترك الغيبة،(49/25)
والصيام عبادة تدعو إلى التقوى، ومن التقوى ترك الغيبة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] فهو من خير ما يعين على التقوى، لكنه الصيام المحفوظ عن المحرمات ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
"أنه نهى عن النذر وقال: ((إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل)) " يعني هذا بخيل لن يتصدق إلا أن نجح، ولن يتصدق إلا إن شفى الله مريضه، ولا يتصدق إلا إذا قدم غائبه، وهذا لا شك أنه بخيل، ومثل هذا يذم فعله، نعم.
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية، فأمرتني أن استفتي لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستفتيته، فقال: ((لتمشِ ولتركب)).
"عن عقبة بن عامر -رضي الله تعالى عنه- قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستفتيته، فقال: ((لتمشِ ولتركب)) " أولاً: أيهما أفضل الحج راكب وإلا ماشي؟ نعم أنت مثلاً في أقصى الشمال، تقول: أنا والله ودي أمشي لمكة، وإلا أركب أيهما أفضل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المشي؟
طالب:. . . . . . . . .(49/26)
الركوب لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما حج راكباً، وفي الآية {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] فقدم الرجال على الركبان، فمن نظر إلى فعله -عليه الصلاة والسلام- وما كان الله ليختار له إلا الأفضل قال: الحج راكباً أفضل، ومن نظر إلى تقديم الرجال على الركبان في الآية قال: يمشي أفضل، نعود إلى مسألتنا: "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية" تمشي وحافية، طيب تعبت "فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بعض الناس ما يحسب العواقب، فليزم نفسه بغير لازم ثم في النهاية يترك، ما يستطيع "فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستفتيته، فقال: ((لتمشِ ولتركب)) " يعني توفي بنذرها بالمشي، ولو لم يكن جميع الطريق، ثم لتركب يعني إذا تعبت، مسألة وهي أن المشقة جاء فيها ((أجرك على قدر نصبك)) يعني على قدر التعب وعلى قدر المشقة، فهل المشقة مقصودة قصداً شرعياً لذاتها أو أنها مقصودة تبعاً لعبادة فإذا اقتضتها العبادة أجر عليها الإنسان إذا لم تقتضها العبادة ما يؤجر عليها الإنسان؟ نعم الثاني هو الذي تدل عليه الأدلة، بدليل لو أن شخصاً أراد أن يحج من الرياض فقال: أنا أريد أن أحج وبدلاً من أن يكون بين الرياض ومكة ثمانمائة كيلو لماذا لا يصير ألفين كيلو، أروح عن طريق تبوك على الساحل على مكة، مشقة، وإن بعد قصد سيارة غير مريحة، أو على جمل، أو في حر شديد من غير تكييف، أو في برد شديد من غير تدفئة، وفتح النوافذ هذه مشقات، لكن هل الشرع يأمر الإنسان أن يعذب نفسه بهذه الطريقة؟ إن الله -جل وعلا- عن تعذيبه نفسه لغني، الله -جل وعلا- شرع العبادات رحمة بالعباد لا لتعذيبهم، هذا إذا لم تكن العبادة تتطلب هذه المشقة، فلا تكون المشقة مطلوبة ولا يؤجر عليها الإنسان، لكن إذا كانت العبادة تتطلب {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة النحل] نعم يؤجر عليها، ولذا جاء ((أجرك على قدر نصبك)) لأن الحج يتطلب هذه المشقة، الجهاد يتطلب مشقة، فيؤجر على قدر المشقة؛ لأن هذه المشقة تتبع عبادة، ويثبت تبعاً ما لا(49/27)
يثبت استقلالاً، نعم.
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: استفتى سعد بن عبادة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فاقضه عنها)).
يقول: "عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: استفتى سعد بن عبادة -سيد الخزرج- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نذر كان على أمه" يعني بقي في ذمتها دين لأن الحقوق المالية تبقى ديون في الذمة، سواء كانت من حقوق الله -جل وعلا- كالكفارات والنذور، أو كانت من حقوق العباد، فإذا مات الميت وفي ذمته حق مالي لله -جل وعلا- أو لأحد من خلقه فإنه من الحقوق المتعلقة بالتركة، يعني إذا ترك تركة، فالحقوق المتعلقة بها خمسة، أول هذه الحقوق مؤنة التجهيز، يوجد حنوط وكفن، وهو مطلوب نقول: بع الحنوط والكفن وسدد الدين؟ لا، الحق الأول مؤنة التجهيز، والثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة كالدين الذي فيه رهن، الحق الثالث: الحقوق المتعلقة بذمة الميت، كحقوق الله من كفارات ونذور وحقوق العباد، لا بد أن تسدد هذه الحقوق قبل الوصية، وقبل قسمة التركة، ثم بعد ذلك الوصية، ثم يقسم البقية الذي هو التركة، هذه توفيت وعليها نذر، نذرت أن تتصدق، نذرت أن تصوم "في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فاقضه عنها)) " إن فريضة الله أدركت أبي قال: ((حج عن أبيك)) ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وأهل العلم يختلفون في هذا الصيام هل ما وجب في أصل الشرع يقبل النيابة فيصام عنه؟ أو هذا نقول: مثل الصلاة لا يصلي أحد عن أحد؟ وإنما الذي يقضى ما أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر كما هو معروف عند الحنابلة، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، أنه لا يقضى ما وجب في أصل الشرع من العبادات البدنية، إنما يقضى ما أوجبه الإنسان على نفسه، هذه اقضه عنها، سواء كان نذرت تحج، نذرت تصوم، نذرت مال صدقة وإلا شيء من هذا، لكن نذرت أن تصلي تصلي عنها؟ لا، لا يصلي، الصلاة لا تقبل النيابة، نعم.(49/28)
عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)).
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(49/29)
"عن كعب بن مالك" كعب بن مالك هذا أحد الثلاثة الذين خلفوا، ثم تاب الله عليهم، يريد أن يؤدي شكر هذه النعمة، شكر قبول التوبة "فقلت: يا رسول الله إن من توبتي" يعني جزء من توبتي، أو للدلالة والبرهان على صدق توبتي أو لشكر الله -جل وعلا- على هذه التوبة التي قبلها "أن أنخلع من مالي" يعني كل ماله "من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله" يجعله النبي -عليه الصلاة والسلام- كيفما شاء "فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)) " كعب بن مالك أراد أن يتصدق فجاء يذكر ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- "إن من توبتي أن أنخلع" ما قال: انخلعت وانتهيت، أن أنخلع، فكأنه جاء يستشير النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: ((أمسك عليك بعض مالك)) التصدق والخروج من المال بالكلية، أراد سعد بن أبي وقاص أن يتصدق بماله لما مرض وليس له إلا ابنة واحدة، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) على كل حال أبو بكر تصدق بجميع ماله، والذي أعتق العبد ليس له مال غيره باعه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأعطاه قيمته، فلا شك أن الناس يتفاوتون، الناس منازل، فمن كانت منزلته بحيث يقوى على الخروج من جميع ماله، ويعتمد على الله في مستقبل حياته، ويتوكل عليه، ويصبر عن الشكوى، وعن سؤال الناس، وعن تكفف الناس عنده من اليقين والتوكل ما يعينه على ذلك، نقول: هذا مثل أبي بكر، لكن الذي حالته أقل من هذا، يبي يتصدق بجميع ماله ثم يا مسلمين، يا محسنين، أو يبي يتحدث بالمجالس أنا والله تصدقت، أنا فعلت، لا يا أخي لا تتصدق، خل مالك لك، أقول: فالناس يتفاوتون، فمن كان عنده من اليقين وصدق الاعتماد على الله -جل وعلا- والصبر عليه ما يعينه على الصبر فهذا حاله مثل حال أبي بكر، أجاز له العلماء أن يتصدق بجميع ماله، لكن إذا كانت حاله لا تقوى على مثل هذا، فمثل هذا يمسك عليه بعض ماله، مع أن الإمساك هو الأفضل بالنسبة لسائر الناس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أوصى كعب بن مالك، ووجه غيره أن لا يتصدق بجميع ماله فيبقى هو ومن وراءه عالة على الناس، يبقى أنه إذا تصدق بجميع ماله في مرضه(49/30)
المخوف ليس له ذلك، ليس له أكثر من الثلث، وإذا عرف بالقرائن أنه تصدق بجميع ماله أنه يريد حرمان الورثة لا تنفذ وصيته ولا وقفه إنما بقدر الثلث وهو الذي يملكه وما عدا ذلك لا ينفذ.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين والحاضرين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: القضاء
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا سؤال من الأمس أجل للمناسبة يقول: لما أدخل المؤلف -رحمه الله تعالى- باب القضاء في كتاب الأيمان والنذور، ولا يخفى أن العلماء يجعلون كتاب القضاء مستقلاً؟(49/31)
أولاً: الارتباط بين الأيمان والقضاء ارتباط وثيق، لا يمكن أن ينفك القضاء عن الأيمان، وعمدة القضاء: ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) فنصف الخصوم لدى القضاء عمدتهم على الأيمان، ولذا أدخل القضاء في كتاب الأيمان وجعل باباً منه، قد يقول قائل: لماذا لا يقال: كتاب القضاء باب الأيمان والنذور؟ يعني يجعل القضاء لأنه أعم؛ لأن القضاء فيه أيمان وفيه بينات، يعني أعم من الأيمان فقط، فيجعل الأعم هو الكتاب والأخص هو الباب، عكس ما صنع المؤلف، نقول أيضاً: إن الأيمان أعم من أن تكون عند القضاة وعند غيرهم، فالمسلم قد يحلف ابتداء، وقد جاء الحلف في الأحاديث النبوية كثيرة، وأمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم على البعث بثلاثة مواضع من كتابه، فالأيمان أعم من أن تكون عند القضاة وغيرهم، الله -جل وعلا- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، الموضع الأول في يونس {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [(53) سورة يونس] الثاني: في سبأ الآية الثالثة، والثالث في التغابن، ثلاثة مواضع، أمر الله نبيه أن يقسم على البعث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقول: ((والذي نفسي بيده)) ((لا ومقلب القلوب)) المقصود أن الأيمان أعم وأشمل من أن تكون لدى القضاة وغيرهم، فقدمت عليها، والأمر سهل، يعني المسألة مسألة ترتيب، وما ذكره المؤلف له وجه.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: القضاء(49/32)
القضاء: يعني الحكم، وفصل المنازعات، وفض الخصومات، واستخراج الحقوق، والأصل فيه وفي مشروعيته الكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [(65) سورة النساء] وفي الآية اجتمع اليمين والتحاكم الذي هو القضاء، التقاضي، فهناك ارتباط وثيق بين الأيمان وبين القضاء، والسنة طافحة بما يتعلق بالقضاء من قوله -عليه الصلاة والسلام- ومن فعله، وأجمعت الأمة على وجوب نصب القضاة لحل المنازعات، بل هذا من أوجب الواجبات على ولي الأمر أن يتولى القضاء بنفسه كما كان الخلفاء كأبي بكر وعمر وغيرهم، إن تمكن من ذلك وإلا فينيب، ويعين القضاة، والقضاء لا شك أنه ولاية، وفيه شوب سلطة، فيدخل في حديث عبد الرحمن بن سمرة، فلا يسأل ولا يطلب، لكن إن الجأ إليه الشخص وأكره عليه أعين، وأن طلبه وكل إلى نفسه، وجاء في النصوص التي تحذر من تولي هذه الوظيفة ((القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار)) ((من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين)) نصوص كثيرة تحذر من طلبه والتشوف إليه، لكن من ألزم به يسأل الله الإعانة فيعينه -إن شاء الله تعالى-، ويحرص على أن يقضي بالحق، وأن يتوخى العدل والإنصاف، لا يحكم بغير علم، ولا يعدل عن الحق؛ ليكون مقسطاً من المقسطين، والله يحب المقسطين، المقسطون على منابر من نور يوم القيامة، الذين يعدلون، وأما القاسطون نسأل الله العافية فكانوا لجهنم حطباً نسأل الله السلامة والعافية، المقسطون العادلون، والقاسطون الجائرون المائلون عن الحق، فهذه مزلة قدم، من أطلع على شيء من أحوال السلف عرف أنهم يؤثرون الضرب والسجن، بل بعضهم يقول: لو خير بين القضاء والقتل لاختار القتل؛ لأنه مزلة قدم، القضاء مزلة قدم، لكنه فريضة على الأمة لا بد من القيام به، والإنسان مطلوب بالنصيحة، والدين النصيحة، ومطلوب بأن ينصح العامة والخاصة، فإذا جاء شخص يستشير عُين في القضاء مثلاً يستشير هل يقبل الوظيفة أو يرفض؟ المستشار بين أمرين: بين النظر في المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، النظر في المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، فالدين النصيحة، فإذا كان هذا الشخص كفؤاً فليبذل النصيحة(49/33)
للعامة، ولا ينظر إلى المصلحة الخاصة، وإذا كان الشخص غير كفؤ فلينظر إلى المصلحتين، ليس من مصلحته أن يتولى، وليس من مصلحة العامة أن يولى عليهم، فيحذره من تولي القضاء، وأحياناً يكون الأمر بين الأمرين، فيه شوب صلاحية وفيه أيضاً أمور قد يتعرض لها تفتنه، ويوجد من يقوم مقامه والنصيحة تقدر بقدرها.
يقول: الحديث الأول: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) " أدخل هذا الحديث في كتاب القضاء لأن القاضي الأصل فيه أن يحكم بما أنزل الله {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} [(49) سورة المائدة] لكن إذا حصل منه أنه حكم بغير الحق سواء كان متعمداً أو مخطئاً فقضاؤه مردود عليه ...(49/34)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الأيمان والنذور (2)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لكن إذا حصل منه أنه حكم بغير الحق سواء كان متعمداً أو مخطئاً فقضاؤه مردود عليه، ينقض الحكم، لا سيما إذا حكم باجتهاده فيما يخالف فيه ما أنزل الله، المسائل التي فيها نص لا بد أن ينقض، لكن إذا اجتهد وخالف اجتهاده اجتهاد غيره، واجتهاده له وجه وله مستند فالاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، فالمردود ما يخالف أمر الله وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-.(50/1)
((من أحدث في أمرنا)) والإحداث ابتداع، يعني حكم بأمر ليس لديه عليه أثارة من علم من كتاب ولا سنة، أحدث في الدين أمراً لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، هذا مردود عليه، والحديث أصل في نقض البدع، لذا أضيف إليه كل بدعة ضلالة، فالبدع مردودة، وهي الإحداث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، هذا مردود على صاحبه كائناً من كان، فالبدع كلها مرفوضة، والتقسيم الذي يذكره بعض العلماء من أن هناك بدع حسنة وبدع سيئة، بدع محمودة وبدع مذمومة، أو بدع واجبة وبدع مستحبة، كل هذا لا دليل عليه، بل هو كما قال الشاطبي: قول مخترع لم يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة فهو مبتدع، القول بتقسيم البدع مبتدع، والأصل أن البدع كلها ضلالة، يتمسكون أعني الذين يقسمون يتمسكون بقول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" ونعم مدح، فدل على أن من البدع ما يمدح، وشيخ الإسلام في الاقتضاء ويتبعه جمع من أهل العلم يقولون: إن هذه بدعة شرعية لا لغوية، والشاطبي يقول: مجاز، الذين ينفون المجاز يردون قول الشاطبي كما هو المعتمد عند المحققين، وإذا نظرنا إلى قول شيخ الإسلام أنها بدعة لغوية، بدعة لغوية ما عمل على غير مثال سابق، والتراويح عملت على غير مثال سابق أو لها مثال سابق؟ لها مثال سابق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى التراويح ثلاث ليال، فليست بدعة لغوية وليست بدعة شرعية لأنه سبق لها أصل في السنة، ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- لها لأنه خشي أن تفرض على الأمة، خشي أن تفرض، ما تركها نسخاً لها ولا عدولاً عنها، إنما خشي أن تفرض على الأمة فلا يطيقونها، فمشروعيتها باقية، إذاً ليست ببدعة لغوية ولا شرعية وليست مجاز، إذاً ماذا تكون؟ إيش تكون إذا كانت ليست ببدعة لغوية ولا شرعية ولا مجاز؟ الأثر في البخاري ما أحد أنكر، الأثر في البخاري.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هي سبق لها شرعية من السنة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف إضافية؟
طالب:. . . . . . . . .
لا باب في علم البديع معروف المشاكلة، أسلوب المشاكلة والمجانسة في التعبير، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(50/2)
لا إحنا نعالج اللفظ "نعمت البدعة" كيف تكون بدعة وتكون نعمت تمدح؟ أقول: المشاكلة والمجانسة في التعبير باب معروف في لغة العرب، ومعروف في النصوص {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] معاقبة الجاني ليست سيئة، لكن من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير يقال مثل هذا، فكأن قائلاً -مثل ما قال الأخ- قال: ابتدعت يا عمر، قال: نعمت البدعة، ففيه مشاكلة للتعبير؛ لأنهم لا يشترطون في المشاكلة أن يكون اللفظ المشاكل موجود حقيقة، يعني ولو تقديراً، فإذا خشي الإنسان أن يقال له شيء يبادر، ولذا يقول شاعرهم:
قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
هذه مشاكلة، على كل حال ليس في أثر عمر ما يتمسك به من يستحسن بعض البدع؛ بل البدع كلها مذمومة مرفوضة لأن النص الصحيح ((كل بدعة ضلالة)).(50/3)
((من أحدث في أمرنا -يعني في ديننا- هذا ما ليس منه فهو رد)) يعني مردود عليه، حتى يبين المستند من الكتاب ومن السنة {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ} [(111) سورة البقرة] قوله: ((في أمرنا)) يخرج الأمور الأخرى من أمور الدنيا خارجة عن مثل هذا النص، ركب الناس السيارات، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ركب إلا الفرس والبعير والحمار، ركب الناس السيارات، نقول: ابتدعوا؟ ركبوا الطائرات، ركبوا البواخر، ركبوا كذا؛ لأنه ليس من أمره -عليه الصلاة والسلام-، هذا في أمور الدنيا، أمور الدنيا التوسع فيها لا بأس به، لكن كون الإنسان يتعبد بما لم يسبق له شرعية هذا الابتداع، قد يقول قائل: إن هناك بدع لا يمكن الانفكاك منها، ابتلي المسلمون بها، ويجعلون منها مثل هذه المكبرات، مكبرات الصوت؛ لأنها تستعمل في أمر في عبادات، تستعمل في الصلاة والصلاة عبادة، وهي لا شك أنها محدثة، الخطوط التي في السجادات هذه أيضاً ينطبق عليها تعريف البدعة؛ لأنها تستعمل في عبادة، وكل ما قام سببه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يفعله فهو داخل في حيز البدعة، قد يقول قائل: السبب قائم لكن لا يمكن .... هو غير موجود أصلاً مثل هذه المكبرات إذا كثرت الجموع الناس بحاجة إلى من يوصل الصوت، فهناك المبلغ، وهذا يقوم مقام المبلغ فكأنه أصله، لكن يبقى أن استعمال مثل هذه الأمور بقدر الحاجة إنما أوجدت للحاجة فتستعمل بقدر الحاجة، وبعض الإخوان من أئمة المساجد يصلي معه خمسة أشخاص عشرة أشخاص ويستعمل المكبر، ويرفع عليه، ويضع صدى وسماعات ولاقطات وما أدري إيش؟ علشان إيش؟ أنت لست بحاجة أصلاً لمثل هذا، وهذه إنما أوجدت للحاجة فتستعمل بقدر الحاجة فضلاً عن المؤثرات الصوتية التي تردد الصوت وتفعل وتترك، علشان إيش؟ نقول: يا أخي هذه عبادة المحافظة عليها أمر واجب، يعني تعبد الله -جل وعلا- على مراد الله، وكما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، هذه الخطوط التي في الفرشات هذه الفائدة منها تعديل الصفوف، وإقامة الصف من تمام الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعنى بتعديل الصفوف، تقدم يا فلان، تأخر يا فلان ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) فتعديل(50/4)
الصفوف أمر لا بد منه، ومن تمام الصلاة، قام السبب، وجد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعل، ما خط خطوط في المسجد، إذاً على هذا الاصطلاح هذه الخطوط بدعة؛ لأنها محدثة في عبادة، لكن يبقى أن نقول: هل قيام السبب في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- على نفس مستوى قيام السبب في عهدنا؟ يعني كان الصف في عهده -عليه الصلاة والسلام- قل: عشرة عشرين بالكثير يمكن تعديلهم، والناس عندهم حرص، والآمر النبي -عليه الصلاة والسلام- تعدل تقدم ما أحد بيتكلم، لكن إذا كان الآمر يقول: استووا، يرد عليه واحد من المأمومين يقول: يا أخي استوينا ونجزنا الله يفعل ويترك، يدعو عليه، حاجة قائمة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن الناس يأتمرون بأمره، الأمر الثاني: أن الصفوف طالت واهتمام المصلين قل، اهتمام المصلين بصلاتهم قل، وإذا تصورنا الناس في مساجد العيد قبل وجود هذه الفرشات أبداً أقواس من طول الصف، لا يمكن يستوي صف، أقواس كأنهم حول الكعبة يصلون، الصف طويل ولا شيء يدلهم على .. ، فالحاجة قائمة، والمصلحة محققة، والمفسدة موجودة لكنها مغمورة بالنسبة للمصلحة التي تحققها هذه الخطوط، ولذا أفتي بها، ووجدت في مساجد المسلمين، وتداولوها من غير نكير، ويبقى أنها محدثة، لكن كونها محدثة في مقابل هذه الفائدة التي تحققها ارتكاب أخف الضررين مقرر في الشرع.
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) يعني مردود عليه كائناً من كان، ولا نقول مثلما قال بعض الشراح في قول عمر: "نعمت البدعة" يعني نسيء الأدب مع الخلفية الراشد قال بعضهم: والبدعة مذمومة ولو كانت من عمر، هذه إساءة أدب، يعني خليفة راشد أمرنا بالاقتداء به، مشهود له بالجنة، مواقفه ومناقبه شيء لا يخطر على البال، يفوق الحصر، ثم يقول من يقول: البدعة مرفوضة ولو كانت من عمر، أو من عثمان في آذان الجمعة الأول، ليس من الأدب، هذا سوء أدب.(50/5)
((فهو رد)) يعني مردود، وفي لفظ: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وهو بمعنى ما سبق، يعني مردود عليه، وهذا الحديث لا شك أنه قاعدة من قواعد الدين، وأصل من أصول الإسلام، فكل ما يخترع مما يتعبد به مما لم يسبق له شرعية في الكتاب والسنة فهو مردود، قد يقول قائل: العمل مردود فماذا عن العامل؟ ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) العمل رد بكيفه، قد يقول قائل: العمل بُصْره، مثل ما قالوا في حديث: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) كيفه، قطعة قماش تصير في النار، ما هو بالمقصود هذا، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل ضلالة في النار)) المقصود صاحب البدعة، صاحب الضلالة، صاحب الثوب وإلا الثوب ما أسفل منه في النار سهل لو القصد الثوب إنما المقصود صاحبه، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت هند بن عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)).
نعم، في هذا الحديث: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخلت هندٌ" هندٌ مصروف أو غير مصروف؟ نعم؟ علمية وتأنيث، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
ثلاثي ساكن الوسط، طيب حمص يصرف وإلا ما يصرف؟ هذا فيه علتين علمية وتأنيث، هند ارتفعت إحدى العلتين بمقاومة الخفة ثلاثي ساكن الوسط، لكن حمص علمية وتأنيث وعجمة ثلاث علل، لكن الثلاثي ساكن الوسط، نعم اللي فيه علتين مثل هند الخفة في كونه ثلاثي الوسط سهل قاومت علة، لكن يبقى مثل حمص يصرف وإلا ما يصرف؟ ثلاثي ساكن الوسط وفيه ثلاث علل؟
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه أحد من أهل العربية؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب القارئ توكل على الله، نعم هذه ثلاثي الوسط، صرفنا هند لأنه ثلاثي ساكن الوسط وفيه علتان تقتضيان منعه من الصرف، لكن لما كان ثلاثياً ساكن الوسط خفيف يعني، مثل نوح ولوط.
طالب:. . . . . . . . .
طيب إشكال هذه من هذه، حلب ساكن الوسط؟(50/6)
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما ينفع لاقتران هذا، دلالة الاقتران.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما له علاقة، إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب قلنا: حلب ممنوعة من الصرف، علمية وتأنيث ووزن الفعل، ممنوعة من الصرف، لكن ما في ما يقاوم في حلب، لكن حمص فيه مقاوم ثلاثي ساكن الوسط، يعني خفيف يمكن صرفه مثل هند، فهل هذا السبب المتقضي للصرف يقاوم ثلاث علل وإلا يقاوم واحدة ويبقى اثنتين؟ لو قال واحد: نعم، وواحد لا قلنا: المسألة خلافية كما اختلف المتقدمون اختلف المتأخرون.
"دخلت هند" إذا جاء الشيخ بعد العشاء اسألوه، الشيخ محمد يحسن مثل هذا.
"دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان" صخر بن حرب، دخلت "على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح" الشح أشد من البخل فهو بخل مع حرص، رجل شحيح، وفي رواية: "مسيك". . . . . . . . . ضابط أموره، حازم أموره، رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني، كم يحتاجون من النفقة؟ مبلغ كذا، ينقص، هذا ما له لازم، وهذا ما له دعوى، مثل الآن البيوت مثلاً تحتاج المرأة مع أولادها إذا قلنا: إن المرأة تحتاج إلى خمسمائة شهري، والأولاد والبنات على ثلاثمائة، خمسة بين بنين وبنات ألف وخمس، والأم خمسمائة، يقول: اقتصدوا يعطيهم ألف بدل ألفين، ما يكفيهم هذا، الألف ما يكفيهم يحتاجون إلى ألفين، المسألة افتراضية، نعم، يعني يكفيهم ألفين ريال، يعطيهم ألف ويقول: دبروا أنفسكم.(50/7)
"ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ " هل علي أثم أن آخذ من ماله ما يكفيني؟ يعني آخذ الآلف الثاني وهو ما دري؟ من دون ما يدري؛ لأنه لو يدري صارت مصيبة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)) " بحيث لا تزيدي على ما يحتاج إليه، حوائج أصلية، يكفيها ويكفي بنيها ألفين مثلما قررنا، هو يعطيها ألف تأخذ ألف، لكن ما تأخذ ألف ثالث تقول: أربعمائة للاستراحة، أو خمسمائة للاستراحة، وخمسمائة ثانية نحتاج إلى ملاهي ونحتاج .. ، هذا ما هو بالمعروف ذا، تأخذ الحاجة الأصلية، الناس يطلعون الاستراحات، الناس يروحون للملاهي، الناس يطلعون نزهات، لا المسألة مسألة حوائج أصلية، ولذا قال: ((خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)) فعلى هذا يحكم في مثل هذه القضية على الخصم ولو كان غائباً، يوم أدعت المرأة على زوجها ما قال النبي: استدعوا أبا سفيان، نادوه، شوف الكلام صحيح؟ هذه مدعية ويحلف يأتي بالبينة، هذه ما تحتاج إلى بينات، هذه أمور النفقات ما تحتاج إلى بينات، هذه معاملة خاصة لا تقام عليها البينات، لكن المسألة رجعت إلى الديانة بالمعروف، بمعنى أنه يجوز لها ولا حرج ولا جناح ولا إثم أن تأخذ ما يكفيها، لكن القدر الزائد على ذلك تأثم، فالأمور الزوجية في البيوت ينبغي أن تكون مبنية على التسامح والعشرة بالمعروف بحيث لا يكلف الإنسان ما لا يطيق، ولا يقتر ويضيق على الزوجة والأولاد، إنما الأمور المتعارف عليها لا بد منها، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} [(228) سورة البقرة] النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم على أبي سفيان ولما يحضر، ولذا أخذ منه بعض أهل العلم جواز الحكم على الغائب، على خلاف بينهم هل مضمون هذا الحديث قضاء حكم قضائي وإلا فتوى؟ حكم قضائي وإلا فتوى؟ إذا قلنا: فتوى ما فيها إلزام؛ لأن الفتوى بيان الحكم مع عدم الإلزام به، والقضاء بيان الحكم مع الإلزام، إذا كانت فتوى وعرف أنها تأخذ وهو ما يدري، ما كان هناك في السابق بنوك، يعني يمكن يمشي الإنسان بدون دراهم، ولا تستطيع الزوجة ولا الأولاد أن يأخذوا منه فلس، الدراهم كلها في البنك، وإذا(50/8)
أحتاج بقدر الحاجة يدخل البطاقة في الصراف ويأخذ مائة ريال يعبي بنزين بخمسين ويأتي بكذا بخمسين، يدبر أموره وإلا قبل الفلوس كلها في جيوب الناس وفي بيوتهم، إذا قلنا: إن هذه فتوى من غير إلزام قلنا: إن الإنسان يتصرف مثل هذه التصرفات، لكن إذا كان إلزام والنفقة واجبة على الزوج للزوجة والأولاد، لا سيما المحتاج منهم من الأولاد، والنفقة على الرقيق كل هذا واجب، النفقة على الوالدين مع الحاجة، فمن يقول: إنه قضاء يقول: يجوز القضاء على الغائب، ويبقى أنه لو حضر فيما بعد، وأدعى ما يبطل الحكم يلغى، يلغى الحكم، ومنهم من يقول: لا يجوز القضاء حتى يحضر الخصم، ويعرف ما عنده من حجة، وما يدفع به الدعوى، وإذا قلنا: إنها فتوى يكون هذا لهند ولغيرها، كل من كان بهذه المثابة يعمل بهذا الحديث، وفيه مسألة في غاية الأهمية، يسميها أهل العلم مسألة الظفر، أقرضت فلان من الناس ألف ريال، جاك قال: والله أنا محتاج ألف ريال أنا عندي ضيوف وكذا، قلت له: هذا ألف، لكن ما عندك شهود، مضى شهر شهرين ثلاثة، قلت له: يا فلان وين الألف؟ قال: والله ما عندي لك شيء، مسألة الظفر مثلاً لو دعاك في يوم من الأيام ووجدت شيء يمكن أن تأخذه بغير علمه تستوفي به دينك الذي عليه، بعض أهل العلم يستدل على جواز مثل هذا التصرف بهذا الحديث، يعني تأخذ من ماله بقدر دينك الذي في ذمته، هذه يسمونها مسألة الظفر، ومنهم من يقول: لا يجوز إلا بإقامة البينات، ولو فتح الباب لمثل هذه التصرفات لتصرف الناس وتعدوا مالهم، فلا يمكن للإنسان أن يتحرى الدقة في .. ، يمكن يزيد على ما عند صاحبه، تثور الخصومات، يمكن يقيم عليه دعوى أنه سرق من بيته، يعني افترض المسألة شخص صاحب الألف هذا، أقرضه ألف ثم قال له: وين الألف؟ قال: والله ما عندي لك شيء، دعاه يوم من الأيام ودخل المكتبة، المكتبة فيها مخطوط يسوى ألف صغير، قال: عن إذنك أبى أصل البقالة أو أصل المطعم أو شيء، يقول له صاحب البيت، هذا أدخل المخطوط في بيته ومشى، الشباب كلهم يعرفون أن ها المخطوط ذا لصاحب المكتبة، يقيم عليه دعوى أنه سرق مخطوط من مكتبته؟ القاضي ما له دعوى بالألف؛ لأنه ما عنده بينة يقيمها عليه، كيف يعمل(50/9)
القاضي حيال هذه التهمة بالسرقة؟ لا شك أنه ينشأ عن مثل هذا القول مشاكل، ولذا جاء في الحديث: ((ولا تخن من خانك)) ولذا يقول جمع من أهل العلم أن مسألة الظفر لا تجوز، وأن الحقوق لا تؤخذ إلا من قبل القضاة، ولو فتح المجال أن كل يأخذ حقه بنفسه صارت فوضى، منهم من يقول: إذا كان السبب ظاهر لك أن تأخذ حقك، مثل إيش؟ مثل أقرضته ألف ريال، ثم بعد ذلك طلبت الألف، يقول: والله على العين والرأس في ذمتي ألف لك، ونشهد فلان وفلان كلهم يشهدون إن عندي لك ألف، هذا السبب ظاهر، في ذمته ألف، لكن أعطانا الألف قال: والله ما عندي أنا مفلس {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] أخذ من ماله بقدر الألف؛ لأنه يستطيع أن يقيم عليه دعوى، والمسألة التي معنا النفقات تستطيع الزوجة أن تقيم دعوى، الولد يستطيع أن يقيم دعوى، فإذا كان السبب ظاهر يمكن إقامة الدعوى عليه له أن يأخذ من ماله ولو من غير علمه، وهذا قول متوسط، وهو الذي يدل عليه الحديث، نعم.
عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: ((ألا إنما أنا بشر مثلكم، وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)).
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(50/10)
"عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع جلبة" الجبلة: اختلاط الأصوات وارتفاعها، وجد خصومات ومشاجرة ومضاربة وكذا، توجد مثل هذه الجلبة "سمع جلبة خصم بباب حجرته" حجرة أم سلمة من بيوته -عليه الصلاة والسلام- "فخرج إليهم فقال: ((ألا إنما أنا بشر مثلكم)) " الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي مثلنا؟! مثل سائر القضاة؟ نعم هو مثلهم، إلا ما أطلعه الله عليه من الغيوب، الرسول لا يعلم الغيب {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [(188) سورة الأعراف] {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [(65) سورة النمل] فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه فهو بشر، بالإمكان أنه في كل قضية ينزل الوحي، ويقال: الحق مع فلان، لكن هو القدوة، هو الأسوة، لو حصل مثل هذا في كل قضية، وفي كل خصومة تحصل في عهده ينزل الوحي ببيانها، من للقضايا بعده -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنه قدوة وأسوة للقضاة، قد يقول قائل: كيف ينسى النبي -عليه الصلاة والسلام- ويسهو في الصلاة؟ كيف يسهو في الصلاة؟ نعم يسهو ليسن ويشرع، وأيضاً قد يحكم بالبينة بالمقدمات الظاهرة الشرعية، ويحكم لغير صاحب الحق، بدليل: ((ألا إنما أنا بشر مثلكم وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض)) في بعض الروايات: ((ألحن بحجته من بعض)) بعض الناس يستطيع أن يبين ويؤثر على السامع، قد يقول قائل: الرسول يمكن أن يخدع إلى هذا الحد؟ هو ما يخدع يا أخي، لكن هذا تشريع للأمة كلها، نعم بعض القضاة قد يخدع بشر، قد يمرر عليه بعض الأمور بشر، لكن عنده مقدمات، يبني عليها نتائج ((شاهداك أو يمينه)) جيء بالشاهد الأول فشهد، ثقة الشاهد، لكن هذا الثقة ألا يحتمل أن ينسى؟ ألا يحتمل أن يخطئ؟ يحتمل، فإذا أخطأ الشاهد أو نسي يكون له أثر على القضية، لكن أنت ما أنت مسئول تبحث عنه هل أخطأ أو أصاب؟ أنت تقرره بما يقول، وتحكم بضوء ما يقول.(50/11)
((فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) حكم الحاكم لا يغير من الواقع شيء، ولا يبيح للمحكوم له أن يأخذ ما حكم به إلا إذا كان يجزم بأنه حق، الخصوم يعرفون الواقع، يعرف المبطل أن ما له شيء، والمحق يعرف أن الحق له، لكن الحاكم يقبل قول هذا وإلا قول هذا؟ لا هذا ولا هذا ((شاهداك أو يمينه)) ما في غير هذا، ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) لا يجوز له أن يأخذ ما حكم به له إذا كان يعرف أنه ليس له، وهذا عام جميع أبواب الدين من المعاملات والمناكحات وغيرها، الحنفية لهم رأي أنه ما دام حكم لك القاضي، وهو مأمور بالحكم على الظاهر فهو لك، ومنهم من يخص هذا بالمناكحات، أحضر الزوج شهود أن هذه زوجته، قال: أذهبي مع زوجك، لكن في حقيقة الحال أنه طلقها ثلاثاً، ولا عندها بينة تقيمها، بانت منه، القاضي ما يدري، الشهود ما علموا، هل يجوز له أن يطأ هذه الزوجة لأن القاضي قال: خذ زوجتك؟ من الحنفية من يقول: إنه ما دام حكم له القاضي يكفي؛ لأن الحكم على الظاهر، والأمور مبينة على الظاهر، الحديث يدل على بطلان هذا القول ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) تدعي المرأة أنه طلقها ثلاثاً وهو ينكر، هاتِ بينتك تقول: والله ما عندي بينة، هذا عندنا في البيت ثلاث مرات يطلق ويراجع، نعم ثلاث مرات يطلق ويراجع، والأمر بينه وبين ربه، إن أراد أن ينكح زنا هذا أمر بينه وبين ربه، المسألة ديانة، فلا يجوز له أن يستحل بحكم القاضي ما لا يحل له، ولذا قال: -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها)) فليتقِ الله -جل وعلا- الخصوم، ويجعلوا مثل هذا نصب أعينهم ((من النار)) من يطيق النار، وأيضاً الأمر بالتقوى يتجه إلى المحامين الذين يبذلون كل ما أوتوا من قوة وفصاحة وبلاغة وبيان من أجل كسب القضية لموكليهم، هم داخلون في هذا، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان، وما يأخذونه من أجرة على مثل هذه القضية ((قطعة من نار فليحملها أو يذرها)) هذا من باب التهديد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] تهديد، ومنهم من يقول:(50/12)