ـ[شرح عمدة الأحكام]ـ
مؤلف الأصل: عبد الغني المقدسي (المتوفى: 600هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 58 درسا](/)
عمدة الأحكام: كتاب الطهارة (1)
شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، (ويل للأعقاب من النار)، (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ... )، (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم ... ).
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن على بن سرور المقدسي -رحمه الله تعالى-:
الحمد لله الملك الجبار، الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، وصلى الله على النبي المصطفى المختار، وآله وصحبه الأخيار، أما بعد:
فإن بعض إخواني سألني اختصار جملة في أحاديث الأحكام، مما اتفق عليه الإمامان: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، ومسلم بن الحجاج، فأجبته إلى سؤاله، رجاء المنفعة به، وأسأل الله أن ينفعنا به، ومن كتبه، أو سمعه، أو حفظه، أو نظر فيه، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، موجباً للفوز لديه فإنه حسبنا ونعم الوكيل.
كتاب الطهارة ....
يكفي يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(1/1)
فإن التصانيف في هذا العلم الشريف المبارك علم السنة النبوية قد كثرت وتنوعت، واختلفت أهداف ومقاصد مؤلفيها -رحم الله الجميع رحمة واسعة-، فهناك الجوامع التي تجمع جميع أبواب الدين الأصلية التي تروى فيها الأحاديث بأسانيد مصنفيها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها المصنفات التي تجمع بين الأخبار المرفوعة والموقوفات والآثار، ومنها السنن التي تقتصر غالباً على أحاديث الأحكام، لكنها بأسانيد مؤلفيها كالسنن الأربع وغيرها، وهناك الموطئات، وهي قريبة جداً من السنن، وفيها آثار، ومنها أيضاً المعاجم، وهي أيضاً نوع من أنواع الكتب الأصلية التي تروى بالأسانيد والمشيخات والفهارس وغيرها من كتب السنة التي عني بها أئمة قديماً، ثم لما قصرت الهمم، ورأى أهل العلم أن درك هذا العلم الذي لا ساحل له قد يُشق على كثير من المتعلمين أخذه من الكتب الأصلية بالأسانيد فصنفوا المختصرات، وجردوها من الأسانيد، فكان مما ألفه أهل العلم كتب أحاديث الأحكام، المختصرات المجردة عن الأسانيد، ومن أنفعها وأنفسها لطالب العلم هذا الكتاب الذي انتقاه مؤلفه من أحاديث الصحيحين، هذا الكتاب كتب الله له القبول والرواج بين طلاب العلم منذ تأليفه إلى يومنا هذا، فقل أن تجد ترجمة من رجال أهل القرون من القرن الثامن أو السابع فما دون إلا وتجد في ترجمته أنه حفظ العمدة، والمراد بها عمدة الأحكام هذه، إضافة إلى حفظه للقرآن والمتون المعتمدة المطروقة عند أهل العلم، فهذا من أنفع الكتب وأنفسها مما كُتب وإن كان هناك ما هو أجمع منه كالمحرر والبلوغ، وأجمع منهما المنتقى للمجد ابن تيمية، المقصود أن الكتب كثيرة، وهذا من أنفسها وأهمها، ومؤلفه الإمام أبو محمد الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، المولود سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، المتوفى سنة ستمائة.(1/2)
هذا الإمام عُرف بعلمه وعنايته بالقرآن والحديث، فكان يلقن الناس القرآن بعد أن يصلي الصبح يجلس حتى تنتشر الشمس يلقن الناس القرآن الكبار والصغار، وكان له صبر وجلد، على هذا لا يوجد له نظير في عصره ولا ممن جاء بعده، ثم بعد ذلكم إذا انتشرت الشمس جدد الوضوء فأخذ يصلي إلى أن يقرب وقت النهي، بالغوا في ذلك حتى قالوا: إنه كان يصلي في هذا الوقت ثلاثمائة ركعة، على كل حال لو حسبناها بالدقائق، الركعة المجزئة يمكن أن تؤدى بدقيقة فمن ارتفاع الشمس إلى الزوال يمكن خمس ساعات ثلاثمائة دقيقة، ما هو ببعيد يني، لكن يستغرب الناس مثل هذه الأعداد، وقد أثر عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، يعني في اليوم والليلة ما هي بغريبة، لكن بين ارتفاع الشمس إلى الزوال فيها غرابة ثلاثمائة ركعة، لكن أعطوا صبر وجلد، ويسرت لهم العبادة، وعرفنا عن كثير من أهل العلم أنهم يقرؤون القرآن كل يوم، يختمون في يوم، والقرآن ميسر، والعبادات تحتاج إلى جهاد في أول الأمر ثم تصير بالنسبة للإنسان مثل النفس ما تشق عليه ولا تكلفه شيء، لكن هذه بعد مرحلة المجاهدة، والله المستعان.
على كل حال سواء ثبت عنه أو لم يثبت العدد، فالأصل موجود، هو يستغل هذا الوقت من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس في تلقين الناس القرآن، ثم بعد ذلك يصلي حتى يقرب وقت النهي، هذا معروف عنه -رحمه الله تعالى-.
وكان مع ذلكم قائماً بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام، بل يصفه بعضهم بالتشديد في هذا الباب، فكان -رحمه الله- يغير بيده، وهذا هو المتعين مع الإمكان؛ لأن التغيير باللسان مرتبة مع عدم الاستطاعة، عدم استطاعة التغيير باليد، لكن أهل العلم يشترطون في ذلك أن لا يترتب على التغيير محظور أعظم منه، لا يترتب عليه مفسدة أعظم، وإلا فالأصل التغيير باليد، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) متى يغير باللسان؟ إذا لم يستطع، فهو مشروط بعدم الاستطاعة.(1/3)
على كل حال كل إنسان يونس من نفسه، ويحس أنه في بعض المواضع يغير بيده، وبعض المواضع لا يستطيع أن يغير بيده يأتي إلى المرتبة الثانية وهي اللسان، ثم بعد ذلكم المرتبة الثالثة إذا لم يستطع أن ينطق بكلمة الحق والتغيير يغير بقلبه، والله المستعان.
هذا الإمام العظيم ألف كتب نافعة منها هذا الكتاب المبارك، ومنها: (الكمال في أسماء الرجال) رجال الكتب الستة، كتاب عظيم مبارك، تهذيب الكمال الذي يدور الناس في فلكه حسنة من حسنات هذا الكتاب، تهذيب الكمال للحافظ الحجاج المزي فرع عن هذا الكتاب الذي هو الكمال لرجال الكتب الستة، وكم عني أهل العلم بتهذيب الكمال! فهذبه ابن حجر، وقربه أيضاً في تهذيب التهذيب وتقريب التهذيب، وذهبه الحافظ الذهبي في التذهيب، واختصره في الكاشف، وهناك الخلاصة كلها تدور في فلك هذا الكتاب، فهو كتاب مبارك، أدى فيه هذا الإمام العظيم واجباً كبيراً بالنسبة لطلاب الحديث ورواده، توفي -رحمه الله- بعد عمر حافل بالعلم والعمل سنة ستمائة، على رأس الستمائة -رحمه الله رحمة واسعة، نعم.
كتاب الطهارة
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) وفي رواية: ((بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:
"كتاب الطهارة" كتاب مصدر كتب يكتب كتاباً، وكتابةً وكتْباً، وهو من المصادر السيالة كما يقول أهل العلم التي تحدث شيئاً فشيئاً، يعني ما يحدث دفعة، يعني ما يمكن كتاب يأتي دفعة مرة واحدة، إنما يحدث شيئاً فشيئاً، تجتمع الكلمات والحروف ثم بعد ذلك الصفحات ثم يأتي الكتاب، وأصل المادة التي هي الكتْب والكتابة الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان إذا اجتمعوا، وجماعة الخيل يقال لها: كتيبة، يقول الحريري في مقاماته:
وكاتبين وما خطت أناملهم ... حرفاً ولا قرؤوا ما خُط في الكتبِ
ويقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون صفائح الجلود ثم يخيطون بعضها إلى بعض بالخرازة، فهم يجمعون، فالأصل في المادة الجمع.(1/4)
وكاتبين وما خطت أناملهم ... حرفاً ولا قرؤوا ما خُط في الكتبِ
والمقصود به هنا المكتوب، المصدر يقصد به اسم المفعول، المكتوب الجامع لمسائل الطهارة.
والطهارة مصدر طهر يطهر طهارة، والتطهير مصدر طهر، والمقصود بها النزاهة والنظافة، والإسلام -ولله الحمد- دين النظافة، لكنه من غير مبالغة ولا وسوسة، دين نظافة بالاعتدال، وإن جاء في المقابل مما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((البذاذة من الإيمان)) يعني عدم المبالغة في الطهارة بحيث يصل إلى حد وسوسة، فالتوسط في الأمور كلها هو الجادة، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] هذا بالنسبة للأمة، وبالنسبة لأهل السنة والجماعة وسط بين المذاهب كلها، فالأمة وسط بين اليهود الذين كُتب عليهم ما كتب من الآصار والأغلال بحيث تقرض النجاسة بالمقراض، ولا يطهرها الماء، وبين النصارى الذين يزاولون بعض النجاسات، بين من لا يضاجع المرأة التي تلبست بالحيض، وبين من يجامعها، فالأمة وسط -ولله الحمد- في هذه الأبواب كلها، وقد أسلم شخص أمريكي غسال يغسل الثياب من غير دعوة، فقيل له في ذلك، قال: السبب الذي دعاني إلى أن أدخل في الإسلام ما أجده من فرق بين واضح بين ثياب المسلمين وثياب غيرهم، المسلمون مأمورون بالاستنجاء بقطع أثر النجاسة وغيرهم لا يتدين بدين، أو يتدين بالنجاسات، ممكن، فهناك فرق بين ملابس المسلمين وملابس غيرهم، تشاهدون الكفار يقف أمام ما يريد أن يقضي حاجته ويلبس سراويله ولا كأن شيئاً صار، والمسلم لا بد أن يستنجي بالماء يقطع أثر النجاسة، أو أقل الأحوال أن يستجمر بالأحجار، المقصود أن ديننا -ولله الحمد- دين النظافة، والمقصود بالطهارة رفع الحديث الذي هو الوصف القائم بالبدن بسبب خروج ما يوجب هذه الطهارة من حدث أكبر أو أصغر، فالطهارة شاملة للحدث الأكبر والأصغر، فالأصغر يرفع بالوضوء أو بالتيمم، والأكبر يرفع أيضاً بالغسل أو بما يقوم مقامه من التيمم.(1/5)
ثم بد ذلكم الحديث الأول، الحديث العظيم حديث عمر بن الخطاب في النية الذي عظمه أهل العلم، ورفعوا من شأنه، حتى قال بعضهم: إنه ينبغي أن يدخل في جميع أبواب الدين، كل من ألف كتاباً يجعل هذا الحديث في مقدمة كل باب؛ لأنه ما من باب من أبواب الدين إلا ويحتاج إلى النية، فتركه في بعض الأبواب قد يغفل القارئ عن استصحاب هذه النية، ولا شك أن الحديث عظيم حتى جعله بعضهم نصف الدين؛ لأن الدين مبني على الأعمال الظاهرة أو الباطنة، وهذا الحديث مصحح للأعمال مشتمل على الشرط الأول وهو الإخلاص لله -عز وجل-، والثاني المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) وجعله بعضهم ثلث الدين؛ لأن الدين اعتقاد بالقلب وقول باللسان، وعمل بالأركان فهذا الثلث، وبعضهم جعله رابع أربعة أحاديث يدور عليها الإسلام.
عمدة الدين عندنا كلماتٌ ... أربع من قول خير البرية
اتق الله وازهد ودع ما ... ليس يعنيك واعملن بنية
وهذا الحديث رغم أهميته وحاجة الأمة إليه لم يصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا من طريق عمر بن الخطاب، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب به على المنبر، فعمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- على المنبر يقول، ومع ذلكم لم يحفظ إلا من طريق عمر -رضي الله عنه-، ولا يضير ما دام ثبت الخبر بحجة ملزمة فلا يلزم أن تتعدد طرقه أبداً، ولا يثبت عن عمر -رضي الله عنه- مع أنه خطب على المنبر إلا من طريق علقمة بن وقاص الليثي، ولا يروى عن علقمة إلا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي، ولا يروى عنه إلا من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن يحيى بن سعيد الأنصاري انتشر انتشار كبير حتى قال أبو إسماعيل الهروي أنه يرويه عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة شخص، مع أن الحافظ ابن حجر يشكك في هذا العدد.(1/6)
المقصود أنه انتشر، فالحديث فرد مطلق، غريب غرابة مطلقة في أصل سنده، وهو متلقىً بالقبول، مجمع على صحته، وبه افتتح الإمام البخاري كتابه، لكن هل جعله قبل الترجمة أو بعدها؟ باب بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقول الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [(163) سورة النساء] ... إلى آخره، قال الإمام البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص قال: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يقول: سمعت، إلى آخره، فهو أول حديث في الصحيح حتى أن بعضهم نص على أنه قبل الترجمة، قبل قوله: (باب بدء الوحي) ليكون الكتاب أو الحديث كالخطبة للكتاب، بمثابة الخطبة للكتاب، يبين فيها الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أن الكتاب في وحي السنة، وقد أوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما أوحي إلى غيره من الأمر بالإخلاص لله -عز وجل-، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [(5) سورة البينة].
على كل حال هذا الحديث حديث عظيم مفتتح به في كثير من كتب السنة على رأسها أصح الكتب على الإطلاق صحيح البخاري، مشتمل على الشرط الأول من شروط تصحيح العبادة، وهو الإخلاص لله -عز وجل-، وعرفنا أن الثاني هو المتابعة، وإن قال بعض أهل العلم: إنه يكتفى بالشرط الثاني، ولا يلزم الشرط الأول، نكتفي بالذكر في الشرط الثاني، نقول: يشترط لصحة العبادة المتابعة، هل هذا تقليل من شأن الإخلاص؟ لا، ليس مرادهم التقليل من شأن الإخلاص، بل العبادات لا تصح إلا خالصة لوجه الله -عز وجل-، لكن يقول هؤلاء: إن العمل إذا لم يكن على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- .. ، إذا لم يكن صاحبه مخلصاً لله -عز وجل- لم يكن متابعاً فيه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، العمل الذي فيه شوب شرك لم يتابع فيه عامله النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيرى أن المتابعة تكفي، لكن الأولى أن يذكر الإخلاص، وينص عليه، وينبه عليه، ويؤكد عليه؛ لئلا يغفل عنه؛ لأن السامع الذي يسمع أنه لا يشترط لصحة العبادة إلا المتابعة قد يغفل عن الإخلاص، فلا بد من التنصيص على الإخلاص إضافة إلى المتابعة.(1/7)
"سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) ".
إنما: أداة حصر بمثابة (ما) و (إنّ)، وقد جاء: ((ما العمل إلا بالنية))، و ((لا عمل إلا بنية)) كما في بعض الروايات، فـ (إنما) تفيد الحصر، ((إنما الأعمال)) و (أل) هذه جنسية، تشمل جميع الأعمال، بما في ذلك أعمال القلوب، وعمل اللسان وهو القول، وعمل الجوارح، جميع الأعمال، أعمال القلوب، وأعمال اللسان التي هي الأقوال، وأعمال الأبدان التي هي الأفعال، كلها داخلة في أنها لا بد أن تصدر عن إخلاص، استثنى أهل العلم النية من هذه الأعمال وهي عمل القلب لا تحتاج إلى نية، النية لا تحتاج إلى نية، لماذا؟ لئلا يلزم على ذلك إيش؟ التسلسل، يلزم عليه التسلسل؛ لأننا إذا اشترطنا للوضوء نية، ثم اشترطنا لهذه النية نية؛ لأنها عمل قلب، النية التي قبلها تحتاج إلى نية، وهكذا إلى ما لا نهاية، بينما التسلسل في المستقبل .. ، هذا تسلسل في الماضي ممنوع؛ لأنه لا ينتهي إلى حد، لكن التسلسل في المستقبل مثل الشكر أسبغ الله عليك نعمة من النعم مثلاً، هذه النعمة تحتاج إلى شكر، الشكر أيضاً توفيقك لهذا الشكر نعمة يحتاج إلى شكر، الشكر الثاني والثالث نعم تحتاج إلى شكر، هل نقول: هذا تسلسل؟ أو نقول: إن التسلسل في المستقبل ما في ما يمنع منه، لا سيما وأن كون الإنسان لا يزال شاكراً لله -عز وجل- أمر مطلوب، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] فهو لا يزال في عبادة، {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فلا يزال الإنسان شاكراً لله -عز وجل-، ذاكراً لربه -جل وعلا-.(1/8)
((إنما الأعمال بالنيات)) الأعمال يعني إيجاد الأعمال لله -عز وجل-، مما يتقرب به إلى الله -عز وجل-، لا تصح إلا بالنيات، والمقصود بالأعمال، الأعمال التي ينبغي إيجادها، ولذا يقولون: التروك لا تحتاج إلى نيات، التروك يعني احتجت إلى إزالة نجاسة، قالوا: هذا من باب التروك ما يحتاج إلى نية، أحتجت إلى سداد دين التروك لا تحتاج إلى نية، إعطاء نفقة لا يحتاج إلى نية، لا يحتاج إلى نية للتصحيح، أما لترتيب الثواب يحتاج إلى نية، يعني كون الإنسان يحتسب ما يضعه في فيّ امرأته من نفقة واجبة عليه يؤجر عليه إذا احتسب، لكن كونه يؤدي لها ما عليه من غير نية، فالعبادات لا بد لها، لا تصح إلا بنيات، العادات تصح من غير النية، لكنها إن وجدت بالنية تحولت هذه العادات إلى عبادات، ولذا حينما قالوا: إنما الأعمال صحيحة أو تصح بالنيات، المراد بالأعمال مما يتقرب به إلى الله -عز وجل-.
((بالنيات)) النيات جمع نية، والنية في الأصل القصد، تقول: نويت الجهة الفلانية، أو نويت فلاناً يعني قصدته، قصدت فلاناً، والمقصود بالنيات هنا أو النية قصد التقرب إلى الله -عز وجل- بعمل ما يرضيه مما طلبه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
((إنما الأعمال بالنيات)) وفي رواية: ((بالنية)).
الجمع والمفرد لا يختلف، لماذا؟ لأن (أل) جنسية، سواءً قلنا: النية، يعني جنس النية، وإذا قلنا: بالنيات، فالنيات مقارنة بالأعمال، كل عمل بنية، من باب مقابلة الجمع بالجمع، تقتضي القسمة أفراد، يعني كل عمل له نية، وإذا قلنا: إنما الأعمال بالنية، فـ (أل) جنسية هذه تشمل جميع النيات المطلوبة لجميع الأعمال.
هذه الجملة تدل على أن العمل لا يصح إلا إذا اقترن بنية، العمل الذي يبتغى به وجه الله -عز وجل-، ويتقرب به إليه لا يصح إلا بالنية.(1/9)
إذن ما فائدة الجملة الثانية: ((وإنما لكل امرئ ما نوى))؟ يعني ليس لك من عملك إلا ما نويت وما قصدت، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) ليس لك إلا ما قصدته واستحضرت فيه هذه النية، ولذا الإنسان يأتي إلى الصلاة مخلصاً لله -عز وجل-، ويدخل فيها بنية صالحة خالصة، هنا تصح هذه العبادة، لكن استمرار النية ليس للإنسان من عمله إلا ما عقله، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) يعني عزبت النية عن باله، غفل وهو يصلي غفل عن الصلاة، ليس له من صلاته إلا ما عقل، ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) يعني إنما يحسب له من الأجر على هذه العبادة بقدر ما حضرته هذه النية، ولذا جاء في الحديث الصحيح أن من الناس من ينصرف من الصلاة وليس له إلا نصفها ربعها عشرها، بقدر ما عقله من هذه الصلاة، فعلى الإنسان أن يحرص أشد الحرص، ولا يترك مجال للشيطان أن يذهب به إلى الآفاق يميناً وشمالاً بحيث يحرمه من آثار عمله الصالح ونتائجه، والأجور المرتبة على هذا العمل؛ فإن الشيطان يحرص أشد الحرص على صرف الناس عن الدين، لا يزال بالمرء حتى يفوته الصلاة، إن استطاع أن يجعله يترك الصلاة بالكلية ذلك المقصود، وإلا فوته الصلاة مع الجماعة، ثم إذا أقيمت الصلاة أدبر، ثوب بالصلاة أدبر الشيطان، ثم إذا فرغ من التثويب جاء ليوسوس إليه الشيطان، اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا، يذكره ما كان غفل عنه ونسيه، والسبب ليحرمه الأجر المرتب على هذه العبادة.(1/10)
((وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذه الجملة حذفها الإمام البخاري من الموضع الأول من صحيحه، هذه الجملة حذفها الإمام -رحمة الله عليه-، فقال: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) نعم، حذف الجملة الأولى، والحذف من البخاري -رحمه الله-، لماذا؟ يعني ذكرها في المواضع الأخرى؛ لأن الحديث خرجه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه، في الموضع الأول حذف هذه الجملة، لماذا حذفها؟ هو ذكر الحديث لماذا؟ ذكر الحديث ليبين أن الأعمال الشرعية التي يتقرب بها إلى الله -عز وجل- ومنها تأليف ما ينفع المسلمين لا بد له من نية صالحة، وحذف هذه الجملة ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) لئلا يتوهم أنه -رحمه الله- يزكي عمله، وأن تأليفه هذا الكتاب لله ورسوله.
أولاً: الحذف من الحديث، اختصار الحديث يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز عند أهل العلم يجوز تختصر الحديث، بشرط: أن لا يتوقف فهم المذكور على المحذوف، لا يتوقف فهم ما ذكره من الحديث على ما حذفه، هذا مثال، مثال، ذكر القاعدة ما ذكر مثال، اقتصر على المثال الثاني فقط، فالحذف في مثل هذا الموضع جائز، لكن حذف الجملة الأولى؛ لأنها تدل على .. ، أو قد يشم منها رائحة التزكية لعمله، وأنه عمل لله ورسوله، وأثبت الجملة الثانية، ((ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها)) ... إلى آخره، هذه التي قد تجعل الإنسان يحتاط لنفسه أشد الحيطة، ويتحسس هذه النية، فالنية شرود، والشيطان حريص على أن يجعل الإنسان يخسر ما عمله، ولا يستفيد من عمله شيئاً.(1/11)
((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) نيةً وقصداً ((فهجرته إلى الله ورسوله)) ثواباً وأجراً، ولذا اتحاد الشرط مع الجزاء ممنوع، لا يصح في العربية أن تقول: من قام قام، إيش معنى من قام قام؟ يعني جواب الشرط نفس فعل الشرط، وهنا جاء في الحديث نفسه، ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) لكن لا بد من تقدير متعلق يختلف به الشرط عن الجزاء، ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) نية وقصداً ((فهجرته إلى الله ورسوله)) ثواباً وأجراً.
((فمن كانت هجرته)) الهجرة في اللغة: الترك.
وهي في الشرع: ترك ما نهى الله عنه -عز وجل-، ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) وبالمعنى الأخص وهو المراد من الحديث: الانتقال وترك بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وهذه هجرة واجبة، لا يعذر في البقاء في بلاد الكفر إلا العاجز، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} [(97) سورة النساء].
طالب:. . . . . . . . .
أما المستضعف، لا، مستثنى، إلا المستضعفين، فالمستضعف مستثنى، الذي لا يستطيع ولا بالحيلة، ولا بالحيلة، {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] هذا الذي لا يستطيع، {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] وإلا فالأصل أن بقاء المسلم بين الكفار محرم، والهجرة من بلاد الكفر إلى ديار الإسلام واجبة.
((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله)) وجاء في الحديث الصحيح: ((لا هجرة بعد الفتح)) وهو محمول عند أهل العلم على أنه لا هجرة من مكة إلى المدينة بعد فتح مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، أو لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح.
الهجرة واجبة وباقية إلى قيام الساعة، الهجرة الانتقال من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام هذه واجبة، ولا يعذر فيها إلا المستضعف.(1/12)
الهجرة من ديار الأشرار ولو كانوا مسلمين إلى ديار الأخيار مستحبة؛ ليعينوه على طاعة الله -عز وجل-، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] أما البقاء بين أظهر الأشرار مع أنه لا يستطيع أن يقدم له شيئاً مما ينفعهم، بل قد يخشى على نفسه من التأثر بهم، مثل هذا يرجح في حقه الانتقال، ولذا العزلة والخلطة جاء في الحديث الصحيح: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)) مثل هذا مطلوب، لكن بالنسبة لمن؟ لمن خشي على نفسه أن يتأثر بالأشرار، ولم يأنسَ من نفسه أنه يؤثر فيهم، فالذي يتأثر ولا يؤثر مثل هذا ينتقل من هذا المجتمع إلى مجتمع أفضل منه، والذي باستطاعته وبمقدوره أن ينفع الناس فمخالطتهم أفضل، ولو كانوا أشرار، يخفف من شرهم، يدفعهم إلى عمل الخير، ولا خوف عليه منهم، مثل هذا يبقى الخلطة في حقه أرجح.
((ومن كانت هجرته)) انتقاله من بلد إلى بلد من أجل الدنيا أو من أجل امرأة يتزوجها ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) السياق الأول: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)) هذا سياق مدح، لكن ((من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) سياق إيش؟ ذم، سياق ذم، لكن هل يذم من انتقل من بلد إلى بلد طلباً للعيش والرزق؟ يذم؟ هل يذم من بحث عن امرأة في بلده يتزوجها فلم يجد انتقل إلى بلد آخر؟ يذم وإلا ما يذم؟ ما يذم، بل قد يؤجر، إذا بحث عن امرأة صالحة تعينه على أمور دينه ودنياه لم يجد في بلده، وانتقل إلى بلد آخر بحثاً عن هذه المرأة الصالحة يؤجر على ذلك، فكيف جاء الهجرة من أجل الدنيا ومن أجل المرأة وسيقت مساق الذم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(1/13)
مهاجر أم قيس؟ نعم إذا أظهر للناس أنه هاجر إلى الله ورسوله وهو في الحقيقة مهاجر من أجل الدنيا، أو هاجر من أجل امرأة جاز في مثل هذا البلد الذي يكثر فيه الخير، ويقل فيه الشر، وأهله من الخيار، من خيار الناس، ثم فجأة ينتقل إلى الرياض أو إلى جدة، وين يا أخي؟ وين رحت الرياض؟ يا أخي الرياض بلد العلم، كل العلماء هناك، هيئة كبار العلماء كلهم هناك، أبي أطلب العلم، وهو لا، في قرارة نفسه أن الفرض التجارية هناك، وهو يظهر للناس أنه سافر من أجل طلب العلم، يظهر للناس أنه هاجر من أجل القرب من أهل العلم وأهل الفضل وأهل الخير، وهو في قرارة نفسه أن الفرص التجارية هناك أكثر، نعم، أو يضل الناس أنه هاجر إلى مكة من أجل مضاعفة الأعمال، وهدفه شيء آخر، هدف دنيوي محض، هذا إذا أظهر خلاف ما يبطن يذم، ومثله لو بحث عن امرأة هنا ما وجد، ثم انتقل إلى بلد آخر، نعم، قال: لا والله هذا البلد كلهم أخيار هناك وننتقل عندهم ليعوننا على طاعة الله، وهو ما بقصده هذا، قصده بحث عن امرأة، هذا هاجر من أجل المرأة، ما يذم إذا هاجر من أجل المرأة إلا إذا أظهر للناس خلاف ما أبطن، يعني لو تصور شخص إذا بقي على أذان المغرب ساعة أو نصف ساعة كل يوم اثنين قبل أذان المغرب بنصف ساعة يجي يشيل القهوة والتمر والماء ويروح للمسجد ويفك السماط ويجلس، ومن دخل مع الباب اتفضل يا أبو فلان، والباب الثاني اتفضل يا أبو فلان، والثالث وهكذا، وينتظر ما يأكل، ما صام هو، وينتظر ما يأكل حتى يؤذن، شخص ما صام، الأكل في المسجد ما فيه شيء، مباح، مباح الأكل في المسجد، كونه ينتظر إلى أن يؤذن أيضاً من اللي يأمره أن يأكل في هذه اللحظة أو يقدم أو يؤخر ما يمنع، لكن كونه يظهر للناس ولو لم يقل: إني صائم، وهو ما صام، ما يحتاج، لكن إذا كانت هذه عادته وقاعدته يفل السماط وتعال يا فلان، واتفضل يا أبو فلان، وينتظر إلى أن يؤذن بسم الله الرحمن الرحيم ويأكل، هذا يظهر للناس أنه صائم، وإلا الأكل في المسجد ما فيه شيء، من هنا يذم، فإذا أظهر للناس سواءً كان بكلامه أو بفعله وعادته المطردة هذا يذم، فلا يقول قائل: إن الهجرة من أجل الدنيا ما فيها شيء، نعم ما فيها شيء، أظهر للناس(1/14)
أنك سافرت من أجل أن تجد وظيفة، تجد فرصة عمل ما في شيء، ما أحد يذمك على هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
واجبة، واجبة، الهجرة من بلاد الكفر واجبة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام .. ، وهذا الأصل أنها واجبة، لكن كونه لا يستطيع أن ينتقل هناك حدود، وهناك جوازات، وهناك يعني أمور لا تمكن الإنسان من أن يهاجر هذا مستضعف، يعني كونه يترتب عليه، كونه يتضرر بهذه الهجرة أيضاً هذا عائق على الهجرة لا يلام؛ لأنه مستضعف.
الحديث لو استرسلنا في بيان ما ينطوي عليه من علوم ومباحث، هو يدخل في جميع أبواب الدين، لو أردنا .. ، بحثنا النية في الطهارة، النية في الصلاة، النية في الزكاة، النية .. ، يعني ما تكفي دورة الحديث هذا، الحديث هذا لا يكفيه دورة.
لكن نأخذ منه مناسبة هذا الحديث لكتاب الطهارة أن الطهارة بالماء لا بد فيها من النية إجماعاً، الطهارة بالماء، الوضوء والغسل لا تصح إلا بنية اتفاقاً.
طهارة التيمم لا بد فيها من النية عند الأئمة الأربعة، طهارة التيمم، الوضوء عند أبي حنيفة لا يحتاج إلى نية؛ لأنه من باب الوسائل، وفرق بين الوضوء والتيمم؛ لأن التيمم طهارة ضعيفة تحتاج إلى رافد، فتقوى بالنية، ولذا أبو حنيفة -رحمه الله- في هذا الباب ما اطرد قوله، اضطرب قوله، الأصل أن التيمم مثل الوضوء، البدل له حكم المبدل، ما دام لا يشترط النية للوضوء الذي هو الأصل، لماذا يشترطها للتيمم الذي هو الفرع؟ قالوا: لأن التيمم طهارة ضعيفة تحتاج إلى ما يرفدها ويعضدها، والتعبد فيها أيضاً ظاهر، التعبد بالتيمم ظاهر، يعني هل تظهر الطهارة بالتيمم؟ حسياً تظهر؟ التيمم؟
طالب:. . . . . . . . .
ليست حسية، بينما الوضوء حسي، يزيل ما على البدن من أوساخ، بينما التيمم، قلنا: إنه يزيد، ما قلنا: إنه ينقص، لكن التعبد فيه ظاهر فهو يحتاج إلى نية، بينما الوضوء وسيلة معقولة المعنى لا تحتاج إلى نية، وجماهير أهل العلم على أن النية لا بد منها، ولذا يدخلون هذا الحديث في كتاب الطهارة رداً على الحنفية، نعم.(1/15)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)).
هذا الحديث الثاني حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ))، ((لا يقبل الله)) جاء نفي القبول في النصوص ويراد به نفي الصحة والإجزاء، هنا ((لا يقبل)) يعني لا تصح صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ.
وجاء نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة مع صحتها، هنا: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) تصح الصلاة من دون وضوء؟ لا تصح، إذن هنا المراد بنفي القبول نفي الصحة، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الفساق إذا قلنا: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفهومه أن الفساق لا يتقبل منهم، فهل المقصود به نفي صحة عباداتهم، أو نفي الثواب المرتب على هذه العبادات؟ بمعنى أن الفاسق إذا صلى نقول: أعد الصلاة {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] المقصود به نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، وليس المراد به نفي الصحة، صلاتهم صحيحة مجزئة، مسقطة للطلب لكن الثواب المرتب على هذه العبادة لا يترتب عليها حتى يسلك مسلك التقوى، ويلتزم بها.
((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) يعني المرأة كبيرة بلغت سن المحيض وكلفت تصح صلاتها حاسرة الرأس؟ لا تصح، إذن هذا نفي صحة.
((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) نفي ثواب وإلا نفي صحة؟ نفي ثواب، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) ((من أتى كاهناً أو عرافاً لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوماً)) هذا نفي ثواب، الصلاة صحيحة، قد يقول قائل: كيف نفرق بين هذه النصوص؟ النص واحد، ((لا يقبل الله)) كيف نقول: هذا نفي صحة وذاك نفي ثواب؟ لماذا؟ متى نقول: إن المراد بنفي القبول هنا نفي الصحة؟ ومتى نقول: إن المراد بنفي القبول نفي الثواب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
السياق؟
طالب:. . . . . . . . .(1/16)
ويش الفرق بين قوله: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) وبين قوله: ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق))؟ نعم؟ يعني إذا وجد في النص أمر خارج عن العبادة يمكن أن يحال عليه نفي القبول صار نفي ثواب، إذا لم يكن في النص أمر خارج عن العبادة يمكن أن يحال عليه نفي القبول صار النفي للصحة.
نأتي إلى هنا الآن الطهارة المشترطة في صحة الصلاة هنا لها علاقة بالصلاة وإلا ما لها علاقة بالصلاة؟ هي شرط للصلاة، والنهي عاد إلى الشرط إذن العبادة لا تصح إلا بها، فنفي القبول هنا نفي صحة، إذا عاد أو أمكن إحالة نفي القبول إلى أمر خارج يتضمنه النص أحلنا عدم القبول عليه، والعبادة لا علاقة لها بهذا اللفظ الخارج، ويش معنى هذا؟ لا يقبل الله صلاة عبد آبق، الإباق هذا، هروب العبد من سيده له علاقة بالصلاة وإلا ما له علاقة؟ إذن الإباق هذا ما له أثر على الصلاة في صحتها، صلاته مكتملة الشروط والأركان.(1/17)
الخمار المطلوب للصلاة هل يمكن أن نقول: إن الخمار مذموم لذاته؟ يعني ترك الخمار لذاته مذموم؟ ليس بمذموم، الإباق؟ مذموم، هروب العبد من سيده مذموم، شرب الخمر، ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) إذن نحيل عدم القبول على هذا السبب، وهذا السبب لا علاقة له بالعبادة، العبادة مكتملة الشروط والأركان، لكن إذا كان الخبر لا يتضمن شيئاً خارجاً يمكن أن يحال عليه نفي القبول رجعنا نفي القبول إلى العبادة نفسها أو إلى شرطها، فإذا تضمنت العبادة نهياً يخرج عنها وعن شرطها صحت العبادة يعني مع الإثم وعدم ترتب الثواب، إذا عاد النهي إلى ذات العبادة أو إلى شرطها بطلت، يعني هل هناك فرق بين أن يصلي شخص وعليه سترة حرير؟ عليه ثوب حرير يستر به عورته؟ ستر العورة شرط، إذا ستر العورة بثوب حرير هذا الثوب مطلوب للصلاة فكيف يتقرب بشيء محرم؟ عاد النهي إلى الشرط، الشرط مطلوب للعبادة، هذا الشرط كيف يتقرب بشيء محرم؟ الحرير حرام على الذكور، وهذا الشرط مطلوب لأنه يتوافر في هذه العبادة، وهذا الشرط محرم، في الوقت نفسه الشرط هذا، الثوب واجب ومحرم في الوقت نفسه، واجب أن يستر وهو محرم، إذن هذا تناقض؛ لأن الجهة متحدة، إنسان مطلوب أن يستر عورته، لكنه محرم عليه أن يلبس هذه السترة، مطلوب أن يستتر ومحرم عليه أن يستتر بهذه السترة، إذن عاد النهي إلى الشرط فالعبادة باطلة، لكن لو صلى وعلى رأسه عمامة حرير، هل هو مطلوب أن يستر رأسه؟ ليس مطلوباً، إذن عاد النهي إلى أمر خارج عن الصلاة فالصلاة صحيحة، ويبقى أنه آثم في لبسه عمامة الحرير، شخص صلى وبيده خاتم ذهب نقول: صلاته باطلة؟ لا، هذا أمر خارج عن الصلاة، لا علاقة له بالصلاة، فالجهة منفكة لا يمكن أن يأمر الشرع بشيء وينهى عنه في الوقت نفسه، الشرع يأمر بشيء وينهى عن غيره لا بأس إذا انفكت الجهة.(1/18)
فقوله: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) لا يقبل: المراد به هنا نفي الصحة؛ لأن هذا الذي نفي القبول عليه مطلوب للصلاة نفسها، ((صلاة أحدكم)) صلاة مفرد، وهو مضاف، والمفرد إذا أضيف أفاد العموم، المفرد المضاف يفيد العموم، إيش معنى هذا؟ أي شيء يمكن أن يسمى صلاة لا يصح إلا بطهارة، أي شيء يدخل في اسم الصلاة لا يصح إلا بطهارة، الصلوات الخمس صلاة لا تصح إلا بطهارة، الرواتب صلوات ولا تصح إلا بطهارة، صلاة العيد، الكسوف، الجمعة، الجنازة، كلها صلوات، إذن لا تصح إلا بطهارة؛ لأن لفظ صلاة مفرد مضاف فيعم جميع الصلوات.
السجود، سجود التلاوة والشكر صلاة وإلا ليس بصلاة؟ على خلاف، من يقول: صلاة يقول: لا بد من طهور، ويشترط له جميع ما يشترط للصلاة، السترة، واستقبال، وطهارة وكل هذا، وهذا هو المعروف عن جمهور العلماء أن سجود التلاوة والشكر صلاة يطلب لها ما يطلب للصلاة، وذكر البخاري وغيره عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير طهارة, اعتباراً منه أن هذه ليست بصلاة، المقصود بالصلاة ما يشتمل على الأركان، هذا ركن واحد من أركان الصلاة، سجود فقط، ركن واحد، لو وقف واحد قائم نقول له: يصلي؟ نعم؟ ركن واحد ما يصلي، لو ركع ركوع بدون قيام ولا سجود صلاة هذه؟ ليست بصلاة، والسجود وحده كغيره من الأركان لا يسمى صلاة، إذن لا يحتاج إلى طهارة على هذا القول، مع أن الجمهور يشترطون له الطهارة، وأنه لا يسجد إلا على طهارة؛ لأنه نوع خاص لا يستعمل إلا في الصلاة.
((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) إذا أحدث إلى غاية ((حتى يتوضأ)).
((إذا أحدث)) سئل أبو هريرة ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط، هذا الحدث، وهذا على سبيل التمثيل وإلا الأحداث كثيرة، ولعله أجاب السائل؛ لأن الظاهر من الحديث أنه إذا أحدث وهو يصلي، ((صلاة أحدكم إذا أحدث)) يعني فيها، وإن كان لفظه لفظ العموم، إذا أحدث فيها، والذي يحدث للمصلي وهو يصلي ويش اللي يحدث؟ ويش يحدث؟ يحدث بول وإلا غائط وإلا إيش يحدث؟ ما يحدث إلا من هذا النوع الريح وهو يصلي، لكن هذا على سبيل التمثيل، وإلا جميع النواقض التي تبطل الطهارة لا يقبل الله الصلاة إلا إذا رفع هذا الحدث.(1/19)
تمثيل أبي هريرة بالفساء والضراط بالريح يدل على أن الحدث هو نفس الخارج هو نفس الخارج، فالحدث هو ما يخرج من الإنسان، هذا ما يقتضيه تمثيل أبي هريرة، منهم من يقول: إن المراد بالحدث هو الإخراج، إيش معنى الإخراج؟ إخراج ما ذكر من النواقض هو الحدث، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث)) إيش معنى يحدث؟ يخرج، يخرج ما يوجب النقض، فالحدث الإخراج، جمع من أهل العلم يقولون: الحدث هو الوصف، الوصف القائم بالبدن، بسبب ما يخرج من الإنسان، فليس هو الخارج نفسه، ليس هو الحدث، وليس هو عملية الإخراج، وإنما هو ما اتصف به البدن، من أثر إخراج هذا الخارج، يعني إذا قلنا: الوضوء يرفع الحدث، إيش معنى يرفع الحدث؟ يرفع الإخراج؟ نعم؟ هو يرفع الإخراج؟ لا، يرفع الخارج؟ ما يرفع الخارج، لكن يرفع إيش؟ يرفع الوصف، الذي اتصف بالبدن، هذا الحدث، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ظاهر وإلا لا؟ طيب.(1/20)
عندنا كلام أبو هريرة، ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: "فساء أو ضراط" يعني الريح، الريح حدث، الإخراج كلام أبي هريرة يدل على أن الحدث نفس الخارج، حديث: ((إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث)) يدل على أن الحدث هو إيش؟ الإخراج، إخراج الخارج، هذا هو الحدث؛ لأنه هذا هو اللي بيد الإنسان، ومنهم من يقول: إن المراد بالحدث هو الوصف، هو الوصف الذي تلبس به الإنسان بسبب هذا الخارج، وهو الذي يمكن رفعه، هو الذي يمكن رفعه، يعني الآن رفع الحدث هو رفع للخارج؟ نعم؟ هو رفع للإخراج؟ لا، هو رفع للوصف الذي اتصف به البدن، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لكن إذا تصور المجموع عندنا خارج وإخراج ووصف، اتصف به البدن بعد هذه العملية، نعم انتقل من كونه طاهر إلى كونه محدث، فهو محدث أحدث أخرج حدثاً وهو الخارج فاتصف بالحدث الذي هو إيش؟ الوصف، تصورنا المجموع، العملية كاملة وضح لنا الأمر، نعم: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث)) إلى غاية، إلى متى؟ ((حتى يتوضأ)) فإذا توضأ قبل الله صلاته، بل قبل صلواته إذا توضأ، فالغاية إلى أن يتوضأ، هذا بالنسبة لواجد الماء، أما الذي لم يجد الماء حقيقة أو حكماً بأن لا يستطيع استعمال الماء يعدل منه إلى البدل، ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) دل الحديث على أن .. ، الأول دل على أن النية شرط لصحة الوضوء، والثاني دل على أن الوضوء شرط لصحة الصلاة.
الغاية ((حتى يتوضأ)) تدل على أنه لا يلزم الوضوء لكل صلاة، الغاية هذه ((حتى يتوضأ)) خلاص توضأ ورفع الحدث ويش بقي؟ دل على أن صلاته صحيحة، مفهومه أن صلاة من رفع الحدث صحيحة، ولا يلزم منه أن يتوضأ لكل صلاة، مع أن مفهوم قوله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] كل ما قمتم إلى الصلاة فاغسلوا، وكان هذا في أول الأمر، ثم بعد ذلكم صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، وعموم هذا الحديث يشمل الصلوات والصلاة الواحدة، نعم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعائشة -رضي الله عنهم-، قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للأعقاب من النار)).(1/21)
الحديث الثالث حديث:
عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعائشة -رضي الله عن الجميع- قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للأعقاب من النار)).
جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد أدركهم وقت الصلاة، أرهقهم وقت الصلاة، يعني ضاق عليهم، فوجدهم يتوضئون وضوءاً خفيفاً، قد لا يتمكنون من إسباغ الوضوء لضيق الوقت، فرفع صوته -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((ويل للأعقاب من النار)) تأكيداً على أهمية إيصال الماء إلى جميع الأعضاء المفروضة، فإذا حرص الإنسان على العقب فهو على غيره أحرص، وأنه لا يجزئ غسل بعض العضو دون بعض، بل لا بد من استيعاب جميع العضو، وفي هذا رد على من يقول بجواز مسح الرجلين؛ لأنه إذا توعد على ترك غسل العقب، فكيف يتصور المسح؟ وجاء في آية الوضوء {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] والكعبان هما العظمان الناتئان في جانبي القدم، فيدخل في ذلك ظهر القدم وبطن القدم والعقب وما ارتفع حتى يغطي الكعبين، ومن يقول: إن الكعبين هما العظمان الناتئان على ظهر القدم عند معقد الشراك لا دليل له، بل حديث الباب يرده، بل المراد بالكعبين العظمان الناتئان في جانبي القدم الواحد.(1/22)
((ويل للأعقاب من النار)) ويل: كلمة عذاب، بعضهم يقول: وادٍ في جهنم، هذا وعيد شديد لمن تساهل في أمر الوضوء، وبعض الناس تجده لا يلقي بالاً لوضوئه، فيغسل طرف اليد وإلا طرف الرجل، ويمسح شيء ويغسل شيء، الوضوء شرط لأعظم العبادات بعد الشهادتين، فإذا فرطنا في الشرط لم يصح المشروط، وإذا لم يصح المشروط الأمر عظيم، يعني من توضأ على غير ما أمره الله -عز وجل- وضوءاً لا ينفعه، ترك عضو مثلاً وضوءه باطل، ترك جزء من عضو وضوءه باطل، وإذا بطل الوضوء، بطل الشرط بطل المشروط، يعني إذا كان الذي يصلي بغير طهارة عند أبي حنيفة يكفر، نسأل الله العافية؛ لأنه مستهزئ، فالطهارة شأنها عظيم، على المسلم أن يُعنى بها، ويسبغ الوضوء، لكن إذا توضأ وغسل كل عضو ولو مرة واحدة مسبغاً الوضوء عمم جميع العضو بالماء كفى، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، إن توضأ مرتين مرتين فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه توضأ مرتين مرتين، وثبت عنه أيضاً أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، المقصود أنه لا يزيد على الثلاث ولا ينقص عن الواحدة، ولا بد من تعميم العضو بالماء، ولذا جاء هذا الوعيد الشديد لمن ترك شيئاً من قدمه دون غسل، فعلى الإنسان أن يهتم لذلك ويُعنى به؛ لأن هذا الشرط مصحح لأعظم العبادات.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) وفي لفظ لمسلم: ((فليستنشق بمنخريه من الماء)) وفي لفظ: ((من توضأ فليستنشق)).(1/23)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ أحدكم)) " توضأ فعل من أي الأنواع؟ من أي الأفعال الثلاثة؟ ماضي، توضأ فعل ماضي، والفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ، هذا الأصل، كما أنه يطلق ويراد به الإرادة، إرادة الفعل، يطلق ويراد به الشروع في الفعل، يطلق الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ من الشيء، يعني متى تقول: قام زيد وهو جالس وإلا إذا انتصب قائماً؟ إذا انتصب قائماً قلت: قام زيد، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، ((إذا كبر فكبروا)) إذا كبر يعني فرغ من التكبير كبروا.
يطلق الفعل الماضي ويراد به إرادة الفعل، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إيش معنى قمتم إلى الصلاة؟ أردتم القيام، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] إذا قرأت القرآن يعني أردت القراءة، فيطلق الفعل ويراد به الإرادة، يطلق ويراد به الشروع في الفعل، ((إذا ركع فاركعوا)) هل معناه أنه إذا أراد أن يركع نركع؟ لا، هل معناه أنه إذا فرغ من الركوع نركع؟ لا، إذا شرع في الركوع نركع، فالفعل الماضي يطلق ويراد به تمامه، ويطلق ويراد به إرادته، ويطلق ويراد به الشروع فيه.
نأتي إلى ما عندنا ((إذا توضأ أحدكم)) إذا توضأ وفرغ من الوضوء يجعل على أنفه ماءاً؟ نعم؟ إذا فرغ وإلا إذا أراد أو إذا شرع؟ إذا شرع في الوضوء.
((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر)) في لفظ لمسلم: ((فليستنشق بمنخريه من الماء)).
الاستنشاق: هو جذب الماء بالنفس إلى الأنف، جذب الماء إلى داخل الأنف بالنفس، والانتثار: إخراج الماء من الأنف بالنفس أيضاً، بالنفس، هل من مسمى الاستنشاق الانتثار؟ بعضهم يقول: جاء في بعض الروايات، ما في استنشاق ((إذا توضأ أحدكم فلينتثر)) لكنه من لازم الاستنشاق، منهم من يقول: إن الانتثار هنا هو الاستنشاق، لكنه في الحقيقة من لازم الاستنشاق، لا يمكن أن ينتثر حتى يستنشق، فمن لازمه الاستنشاق، ثم الانتثار.(1/24)
((ومن استجمر فليوتر)) استجمر: استعمل الحجارة في إزالة أثر الخارج، استجمر، عندنا استنجاء واستجمار، الاستنجاء: قطع أثر الخارج بالماء، والاستجمار: بالحجارة ((ومن استجمر فليوتر)) يعني يقطع ذلك على وتر، أقل ما يجزئ في الاستجمار ثلاثة، حديث ابن مسعود لما أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يأتي بأحجار يستنجي بها جاء بحجرين وروثة، أخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- الحجرين، وألقى الروثة، وقال له: ((ابغني ثالثاً)) فدل على أن أقل ما يجزئ الثلاث، لكن إن احتاج إلى رابع، يزيد خامس ليقطعه على وتر، إن زاد خامس ولا أنقى فاحتاج إلى سادس يزيد سابع تحقيقاً للأمر ((ومن استجمر فليوتر)) يعني يقطعه على وتر، هذا ما فهمه الجمهور من هذه الجملة، فهم مالك -رحمه الله تعالى- وبعض المالكية أن قوله: ((من استجمر)) من استعمل المجمرة المبخرة ((ومن استجمر فليوتر)) إيش معنى هذا؟ أنك تأتي بالمبخرة المجمرة تضع فيها قطعة واحدة من الطيب أو ثلاث قطع، أو خمس قطع، أو سبع قطع، أو إذا تبخرت ثلاثاً ثلاثاً، أما مرة واحدة إن أعيد لك البخور ثاني تقول: لا، أبي ثالثة، لكي توتر، ((ومن استجمر فليوتر)) نعيم بن عبد الله المجمر كان يجمر المسجد، يبخر المسجد، نعيم بن عبد الله المجمر معروف، كان يخبر المسجد في عهد عمر -رضي الله عنه-، فقالوا: استجمر هناك مجمر، إذن من التبخر أو البخور، وضع البخور على الجمر، لكن كلام الجمهور أوضح أن الاستجمار المراد به: قطع أثر الخارج بالحجارة.
((وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه)) ((من نومه)) نوم: جنس يستوفيه القليل والكثير، وإضافته تدل على عمومه، أي نوع كان، وبهذا قال جمع من أهل العلم أنه إذا وجد النوم سواءً كان قليلاً أو كثيراً ليلاً كان أو نهاراً لا يجوز له أن يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً.(1/25)
((فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) ((أين باتت)) عرفنا أن قوله: ((من نومه)) يشمل الليل والنهار، لكن باتت؟ المبيت لا يكون إلا بالليل، وبهذا قال أحمد: إنه لا يلزمه غسل يديه إلا إذا استيقظ من نوم الليل، والعلة في ذلك: ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) طيب غسل يديه بالماء والصابون ونام، اليد قبل النوم طاهرة وإلا فيها شيء؟ طاهرة ما في إشكال، طاهرة بيقين، هل نرفع هذا اليقين بكونه لا يدري يعني يشك أين باتت؟ هل يرفع اليقين بالشك؟ الشك عند أهل العلم لا يرفع اليقين، منهم من يقول: إن هذا خطاب لأهل الحجاز في البلاد الحارة، وهم يستعملون الحجارة في الاستجمار وتعرق أبدانهم وأيديهم تطيش على مواضع الخارج وهم لا يشعرون، لكن ما يلزم هذا، يعني لو افترضنا المسألة في شخص ساكن مكان بارد ما في عرق، واستعمل الصابون لغسل يديه، واستنجى فقطع أثر الخارج بالكلية، يعطل الحديث؟ نعم؟ لا، لا يعطل الحديث، إذن كيف نرفع اليقين بالشك هنا؟ ((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) نقول: يجب عليه أن يغسل يديه تعبداً لله -عز وجل- امتثالاً لهذا الأمر، ولو لم نطلع على العلة، ما يلزم تكون نجسة، يده طاهرة بيقين، حتى لو أدخلها في كيس وإلا ربطها بحيث لا تطيش ولا تروح ولا تجي، يلزمه أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يدخلها امتثالاً لهذا الأمر، ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) وهذا شك هل أصابها نجاسة أو لم يصبها شيء لا يدري، والشك لا يرفع اليقين، لكن يلزمه أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، لكن لو خالف وأدخل يديه في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثاً أثم، يأثم والماء لا أثر عليه؛ لأن الشك لا يزيل اليقين، هو متطهر بيقين أثم بالمخالفة والماء طهور يرفع الحدث، عند الحنابلة الماء يتأثر، يعني ينتقل إذا كان قليل من كونه مطهر إلى كونه طاهر، لكن لا أثر له على الماء باعتبار أن الذي يغلب على الظن أنها طاهرة وإن لم يدرِ أين باتت.(1/26)
بعض من استخف بالسنة وهذا شأنه عظيم الاستخفاف بالسنة لما سمع هذا الحديث قال: أنا أدري أين باتت؟ أدري أين تبيت يدي؟ فجاء فأدخلها في كيس وربطها وقال: أبداً يدي أدري أين باتت؟ فلما انتبه من نومه إذا هي قد أدخلت إلى الكوع في دبره نسأل الله السلامة، وهذا من شؤم الاستخفاف بالسنة، وله نظائر الذي إستاك في دبره صار عليه ما صار كما قال أهل العلم، الحافظ ابن كثير، وابن العماد وغيرهما ذكروا قصته، الذي وضع المسامير في نعليه ليطأ أجنحة الملائكة الذين يحفون بطلاب العلم، خسف به، ساخت به الأرض نسأل الله العافية، مثل هذا شأنه عظيم.
((فإنه لا يدري أين باتت يده؟ )) وفي لفظ لمسلم: ((فليستنشق بمنخريه من الماء)) وفي لفظ: ((من توضأ فليستنشق)).
هذا الأمر ((فليستنشق)) ((فلينتثر)) ((فليجعل)) هذا اللام في المواضع كلها لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وعلى هذا الاستنشاق واجب، وسواء قلنا: إن الأنف داخل في مسمى الوجه لنقول: إن الاستنشاق داخل في المنصوص عليه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وجُوهَكم} [(6) سورة المائدة] والأنف من الوجه ومثله الفم، أو قلنا: إن هذا خارج وجاء النص بالزيادة على ما جاء في الآية فالاستنشاق واجب، لا سيما عند الاستيقاظ من النوم؛ لأنه؛ لأن الشيطان يبيت على خيشومي، نعم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) ولمسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس:
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) ولمسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) ".(1/27)
((لا يبولن أحدكم)) (لا) هذه هي الناهية، يبولن: فعل مضارع مجزوم، وإن كان مبنياً على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والأصل في النهي التحريم، فالبول في الماء الدائم الذي لا يجري محرم، والمراد بالدائم هنا الساكن الذي لا يتحرك ولا يجري، وإن كان لفظ الدائم من الأضداد هو في الأصل من الأضداد ذكره ابن الأنباري وغيره، قال: الدائم الساكن والمتحرك، الدائم يطلق على الساكن كما يطلق على المتحرك، لكن المراد به هنا في هذا الحديث: الذي لا يجري، وهو الساكن، الراكد كما جاء في بعض الروايات.(1/28)
((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) عرفنا أن (لا) ناهية، والأصل في النهي التحريم، فيحرم على الإنسان أن يبول في الماء الدائم، هذا مقتضى النهي، وهل للبول أثر على الماء أو لا أثر له عليه؟ الماء لا يخلو إما أن يكون قليلاً ولا شك أن النهي للتحريم في هذه الحالة؛ لأن البول يفسده ويذهب ماليته، وإضاعة المال حرام، وأيضاً يحرم الناس من استعماله، فإذا حرم البول في الطريق فلئن يحرم في الماء من باب أولى، يحرم البول في الماء الدائم إذا كان قليلاً؛ لأنه يفسده ويذهب ماليته، وإن كان كثيراً لا شك أنه يقذره على غيره وإن كان لا أثر للبول فيه من حيث الطهارة والنجاسة، ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) وكون غلبة النجاسة على لونه أو طعمه أو ريحه يحكمون بنجاسته، هذا لإجماع أهل العلم وإلا فالزيادة ضعيفة إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه، ضعيفة باتفاق الحفاظ، فعندنا الماء إما أن يكون كثيراً، أو يكون قليلاً، والحد الفاصل بين القليل والكثير يختلف فيه أهل العلم كل على مذهبه، فالحنابلة والشافعية الحد الفاصل عندهم القلتان، فإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، يعني إذا زاد على قلتين، بلغ قلتين فما زاد لا تؤثر فيه النجاسة إلا إن تغير في حديث عبد الله بن عمر، وإذا لم يبلغ الماء قلتين فإنه ينجس لمجرد ملاقاة النجاسة، فالبول ينجسه إذا كان دون القلتين، والقلتان تقدران بخمس قرب تقريباً عند أهل العلم، هذا على القول بثبوت حديث القلتين وإلا تصحيحه وتضعيفه أمر معروف عند أهل العلم، صححه طائفة، وحكم عليه بالاضطراب في متنه وسنده آخرون، وعلى كل حال شيخ الإسلام ابن تيمية يثبت الخبر، ابن حجر يصحح الخبر، فالحد الفاصل على هذا القلتان، فإذا لم يبلغ القلتين تؤثر فيه النجاسة، ويحرم استعماله حينئذٍ؛ لأنه يكون نجساً.
إذا زاد على القلتين ولم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فإنه لا ينجس، لكن يبقى أن البول فيه محرم لعموم هذا الحديث: ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)) يعني ولو كان كثيراً.(1/29)
الحنفية عندهم الحد الفاصل بين القليل والكثير إن حُرك أو إذا تحرك طرفه بتحريك طرفه الآخر صار قليلاً، وحده محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة بالغدير الذي طوله عشرة وعرضه عشرة، فإذا كان الماء لم يبلغ هذا المقدار فإنه يتأثر بالنجاسة، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- لا يفرق بين القليل والكثير، إن تأثر لونه وطعمه أو ريحه بنجاسة نجس وإلا فلا، ولو كان قليلاً يسيراً، وإليه يجنح شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، يميل شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى قول الإمام مالك، وهو أنه لا يتأثر الماء إلا بالتغير.
إذن كيف يصحح شيخ الإسلام حديث القلتين مع أنه لا فرق بين القلتين وأكثر أو أقل؟ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يصحح حديث القلتين، لكن حديث القلتين له مفهوم وله منطوق، منطوقه أنه إذا بلغ الماء القلتين فما زاد لا تؤثر فيه النجاسة، ومفهومه أنه إذا لم يبلغ القلتين أثرت فيه النجاسة، شيخ الإسلام يقول: منطوقه نعمل به، إذا كان قلتين فما زاد ووقعت فيه النجاسة ولم تؤثر فيه لا ينجس، يعمل بمنطوقه، لكن مفهومه لا يعمل به شيخ الإسلام؛ لأنه معارض بمنطوق حديث أبي سعيد: ((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) فشيخ الإسلام مع كونه يثبت الخبر إلا أنه يعمل بمنطوقه، ويلغي مفهومه؛ لأنه معارض بعموم حديث أبي سعيد.
((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) ((ثم يغتسلُ فيه)) بالرفع، الرواية بالجزم ((ثم يغتسلْ)) ظاهرة تعطف مجزوم على مجزوم، ((لا يبولن)) مجزوم بـ (لا) الناهية، ((ثم يغتسلْ)) عطفت مجزوم على مجزوم، ((ثم يغتسلَ)) رواية النصب بـ (أن) مضمرة بعد (ثم) المنزلة منزلة الواو، الأصل أن (أن) تضمر بعد (واو) المعية و (فاء) السببية، قالوا: (ثم) هنا بمنزلة (الواو) فالفعل بعدها منصوب بـ (أن) مضمرة، رواية النصب تدل على أن التحريم إنما هو عن الجمع بين البول والاغتسال، لكن إن بال فقط لا تدل هذه الرواية على التحريم، إن اغتسل فقط لا تدل الرواية على التحريم إلا إذا اقترنا معاً.(1/30)
رواية الجزم ويؤديه رواية مسلم: ((لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)) تدل على تحريم البول وحده، وتحريم الاغتسال وحده، رواية رفع الفعل ((ثم يغتسلُ)) لا بد من تقدير ثم هو يغتسل فيه، يكون مآله بعد البول أن يغتسل فيه، يعني يحتاج إليه فيغتسل فيه، ومثله حديث: ((لا يضرب أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها)) يعني يضطر إلى مضاجعتها فيضاجعها، وهنا يضطر إلى استعمال الماء فيستعمله، فيكون من باب عطف الجملة على الجملة، لا الفعل على الفعل، ليس الفعل على الفعل، ثم هو يغتسل فيه.
عطف الاغتسال على البول وإفراد الاغتسال في بعض الروايات، عرفنا أن النهي عن البول لأنه ينجسه، طيب ماذا عن الاغتسال؟ الاغتسال لا شك أنه يقذره، يعني أنت إذا احتجت إلى أن تشرب، أو احتجت إلى أن تأخذ ماءً تطبخ فيه طعامك، ورأيت شخص يغتسل ما تقدم عليه، تستقذر هذا الماء، فهو يقذره على غيره، هذا الاغتسال.
الحنفية عندهم قول في مذهبهم: أن الاغتسال ينجس الماء ولو لم يبل فيه، ليش؟ لأنه قرن بالبول، فإذا نهي عن البول لأنه ينجس نهي عن الاغتسال لأنه ينجس أيضاً، كما هو الحاصل في الروايتين، لكن هذا أخذ بدلالة الاقتران، ودلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم.
الصواب البول إن كان له أثر في الماء أنه ينجس، إن لم يكن له أثر على مذهب الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام فإنه لا ينجس، على مذهب الشافعية والحنابلة إن كان دون القلتين له حكم، وإن كان قلتان فأكثر فله حكم، على ما سبق تفصيله.
بعض من يسلك أو يقرب مذهبه من مذهب أهل الظاهر يقول: يحتاج إلى الماء يغتسل، كيف يصنع؟ شخص جنب عنده ماء دائم، راكد، يقول: يتحايل عليه، إيش يسوي فيه؟ نعم؟ كلام أبي هريرة ماذا يصنع يا أبا هريرة؟ قال: "يتناوله تناولاً" نعم عندك ((ثم يغتسل فيه)) تدل على التناول، أنه لا مانع من أن يأخذ منه، لكن بعض الروايات: ((ثم يغتسل منه)) هذا إذا بال فيه، أبو هريرة يقول: "يتناوله تناولاً".(1/31)
الشوكاني وقال بقوله صديق حسن خان في الروضة الندية، قال: يتحايل عليه، يتحايل على الماء، يلقي فيه حجر أو خشبة أو شيء، يجعله يتحرك ثم يغتسل، هذا قريب من مذهب الظاهرية، قريب جداً من مذهب الظاهرية، طيب البرك برك السباحة يجوز الاغتسال فيها وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
قلنا: إذا كان أكثر من قلتين يقذر الماء على غيره فالعلة موجودة، هل هناك فرق بين البرك المفلترة التي يخرج منها الماء ويرجع أو لا فرق؟ في فرق؛ لأن الماء مع الحركة يتغير بلا شك، هو إذا ركد وأجن في مكانه، وطال مكثه في مكانه لا بد يتغير رائحته، لكن علاج هذا التغير بالتحريك، فهذا الفلتر لا سيما إدخال المواد المطهرة أو شبهها مع الماء مع وجود الفلتر، لا شك أن له أثر على عدم قبوله للتغير.(1/32)
رواية: ((لا يغتسل أحدكم في الماء وهو جنب)) تدل على المنع من الاغتسال وحده، تدل على المنع من الاغتسال وحده إذا كان الماء لا يجري، إن كان الماء دائم لا يجري مستقر، نعم، ومع المنع من البول فيه والاغتسال فيه إذا لم يتغير فإنه يبقى طهور يرفع الحدث، أما إذا تغير بالنجاسة انتقل حكمه اتفاقاً، التفريق بين القليل والكثير كما هو مذهب الشافعية والحنابلة والحنفية خلافاً للإمام مالك لا شك أن رأي الإمام مالك مريح، ترتب على قول الأئمة الآخرين حرج وعنت ومشقة إذا قلنا بالقلة والكثرة؛ لأن هذه القلة وهذه الكثرة لم تنضبط بضابط دقيق، القلتان اختلف فيهما، لكن الأكثر على أنها معروفة الصنع، معلومة المقدار من قلال هجر، تسع القلة قربتين وشيء، كلام ابن جريج: هما قربتان وشيء، يقال: والأحوط أن يجعل الشيء نصف، كونه: وشيء، وكون أيضاً القرب متفاوتة بعضها يسع خمسين كيلو، وبعضها ثلاثين كيلو، متفاوتة، فهذا يدل على أن الحديث ليس فيه إن ثبت شيء من التحديد، وإنما هو شيء تقريبي، على أن جمعاً من أهل العلم حكموا عليه بالضعف؛ لاضطراب سنده ومتنه؛ لأنها جاءت القلتان، وجاءت قلة، وجاءت قلتين أو ثلاث، وجاء أربعين قلة، ثم اختلف في القلة ما مقدارها؟ منهم من قال: القربتين، ومنهم من يقول: ما يقله الرجل المتوسط، يعني يحمله، ومنهم من قال: القلة ما يبلغ قمم الجبال، فعلى هذا لا بد أن يكون طوفان، وما دونه ينجس، هذا الكلام مما يبين ضعف التمسك بهذا الحديث، وقوة قول من يقول بضعفه.(1/33)
رأي الإمام مالك مريح، الآن لو تصورنا أن هذا الإناء فيه قلتان. . . . . . . . .، وقعت فيه نجاسة ونحن نرى النجاسة في أسفله ولم تؤثر فيه، أعلاه طاهر وإلا نجس؟ لم تؤثر فيه؟ طاهر، جئنا وأخذنا سطل، نقص عن القلتين، أخذنا منه سطل والنجاسة باقية، يقول الشافعية كما قال النووي في شرح المهذب: ما في داخل السطل طاهر؛ لأنا أخذناه من الماء قبل أن ينقص، لكن ما على جوانب السطل ويش يصير؟ نجس؛ لأنه باشر النجاسة وهو أقل من القلتين، مثل هذه التفريعات التي توجد حرج ومشقة على الناس لا شك أنها تبعد من طبيعة الشريعة الإسلامية السمحة، ولذا نجد في تفريعات الفقهاء الذين يفرقون بين القليل والكثير شيء من الحرج والمشقة، ولذا تمنى الغزالي وهو شافعي المذهب أن لو كان مذهب الإمام الشافعي مثل مذهب الإمام مالك لزال حرج كبير، يا أخي ما الذي يلزمك بمذهب الشافعي؟ عليك أن تنظر في النصوص وترجح الراجح، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يرجح رأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى-.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً)) ولمسلم: ((أولاهن بالتراب)).
وله في حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعاً، وعفروه الثامنة بالتراب)).(1/34)
في هذا الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً)) يقول الحفاظ: تفرد مالك بقوله: ((إذا شرب)) والرواة كلهم يقولون: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم)) كيف شرب في إناء أحدكم؟ يمكن أن يأتي؟ شرب، أولاً تناول الكلب وما في حكمه للماء ليس شرباً؛ لأن الشرب هو عبارة عن عب الماء، هو عب الماء الشرب، بينما الكلب إنما يأخذ من الماء بلسانه، ولا يأخذ بشفتيه، فهو ولوغ وليس بشرب، هذا من حيث اللفظ اللغوي، الأمر الثاني: أنه من يتصور أن الكلب يشرب في الإناء، الكلب يلغ في الإناء، لكنه كيف يشرب في الإناء؟ هل معنى هذا أن الكلب يرفع الإناء ويشرب منه، فيجعله آلة يشرب فيها، أو أنه يدخل لسانه في الإناء ويلغ فيه؟ لا شك أن تناول الكلب من الشراب يسمى ولوغ، حتى تعدية شرب بـ (في) تدل على أن شرب مضمنة معنى الولوغ.
((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً)) يعني سبع مرات، ((أحدكم)) الإضافة هذه لا مفهوم لها، لكن الغالب أن الإنسان هو الذي تولى تنظيف إناءه بنفسه، لكن لو شرب الكلب أو ولغ الكلب في إناء شخص آخر، وأردتَ أو أراد استعمال هذا الإناء، ونظفته أنت غسلته على الطريقة المأمور بها كفى، ما يلزم أن يكون إناءك.
((فليغسله سبعاً)) اللام هذه لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، والسبع أو التسبيع مقصود لا بد من غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات، وبهذا قال عامة أهل العلم، والحنفية يقولون: يكفي، ولوغ الكلب ما هو بأشد من بول الإنسان وعذرته، يغسل ثلاث مرات، وقد أفتى أبو هريرة بغسله ثلاثاً، ويقولون: العبرة برأيه، لو كان عنده شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في السبع ما عدل عنها إلى الثلاث، كيف يفتي بهذا؟ وعندهم قول الصحابي مرجح على روايته خلافاً للجمهور، الجمهور يقولون: لا، العبرة بما روى لا بما رأى، مع أنه ثبت عنه الأمر بغسله سبعاً، موقوفاً عليه، موافقة لما جاء في الحديث المرفوع، فالواجب غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات.(1/35)
ولمسلم: ((أولاهن بالتراب)) في رواية: ((إحداهن)) أو ((أخراهن)) وفي رواية: ((اغسلوه سبعاً، وعفروه الثامنة بالتراب)) يغسل سبع مرات بالماء يكون في إحدى هذه الغسلات تراب، والأولى أن تكون هذه الغسلة التي فيها التراب -يخلط معها التراب- هي الأولى من الغسلات، لكي يأتي ما بعدها من الغسلات فينظف الإناء من أثر التراب؛ لأن التراب لو كان في آخر غسلة لاحتيج إلى غسلة زائدة من أجل تنظيف هذا التراب، لكن الأولى أن يجعل التراب في الغسلة الأولى؛ لكي يذهب أثر هذا التراب بالغسلات اللاحقة.
الحديث دليل على نجاسة الكلب؛ لأنه إذا كان لعابه ولسانه وفمه مأمور بغسل .. ، بمباشرتها الإناء فنجاسة باقيه من باب أولى، وعند الإمام مالك أن الكلب طاهر، إذن كيف يؤمر بغسل الإناء منه؟ قال: تعبد، نغسل ولو كان طاهراً، هنا تعبد، كيف تعبد؟ قال: ولو لم يكن تعبد لأمرنا باطراد ...(1/36)
عمدة الأحكام - كتاب الطهارة (2)
باب دخول الخلاء والاستطابة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وعند الإمام مالك أن الكلب طاهر، إذن كيف يؤمر بغسل الإناء منه؟ قال تعبد، نغسل ولو كان طاهراً، هنا تعبد، كيف تعبد؟ قال: ولو لم يكن تعبد لأمرنا باطراد حتى فيما يصيبه الكلب لا بد أن نغسله سبعاً ونعفره بالتراب.
الآن ما يصيده الكلب حلال وإلا حرام؟ ما يصيد الكلب من الصيد؟ كلب معلم وسمى عليه يغسل؟ ما يغسل، إذن كيف هنا يغسل وهناك ما يغسل والمسألة نجاسة وطهارة؟ لو قلنا بالنجاسة لقلنا: حتى الصيد يغسل، قالوا: لا، هذا يغسل، الصيد لا يغسل لأن العلة معقولة، يعني هناك أثر للكلب على الإناء وله أثر على الصيد، أثره على الإناء يذهب بالماء مع التراب، وأثره على الصيد يذهب بالطبخ، فلا نحتاج إلى غسله، طيب، تراب ما وجدت تراب، ما وجدت إلا صابون وإلا شامبو يكفي وإلا ما يكفي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . إذا قلت هذا قلنا: لا يكفي، إذا قلت: إن فيه جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، قلنا: ما يكفي إلا التراب، لا بد، يتعين التراب، وهذا هو الظاهر، يعني لو جئنا بصابون مثلاً أو شامبو أو غيره .... وجعلناه مع الماء وغسلنا ما ولغ فيه الكلب الأصل أنه لا يتعدى المنصوص عليه، فلا بد من التراب حينئذٍ، والسبب في ذلك ما ذكرنا، يؤيده التحاليل الطبية التي أثبتت هذه الدودة التي لا يقضي عليها إلا التراب، وبهذا يظهر لنا معجزة من معجزات النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث أثبت الطب أن هناك جرثومة لا يقضي عليها إلا التراب، مهما جئت من المنظفات ما يكفي.
((وعفروه الثامنة)) إيش معنى ثامنة؟ نعم؟ يعني هل يكفي غلي ...
طالب:. . . . . . . . .(2/1)
لا، النصوص تنزل منازلها ومواردها، فلا يكفي في الإناء غليه، حتى يغسل سبعاً أولاهن بالتراب، هذا منصوص عليه، وإن عقلت العلة يعني العلة إذا لم تكن منصوصة إذا كانت العلة مستنبطة من النصوص ما دار معها الحكم، بخلاف ما إذا كانت منصوصة بأصل النص، هنا ((وعفروه الثامنة بالتراب)) كيف صارت ثامنة؟ لأن عندنا سبع غسلات بالماء مع إحدى هذه الغسلات تراب، التراب مطهر، والماء مطهر، فنعتبر غسلة التراب عن غسلتين، فيكون المجموع ثمان، طيب هذا في بالإناء الذي فيه سائل مائع، لكن لو كان الذي في الإناء وعندنا رواية في مسلم: ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه)) يعني يرق ما فيه من ماء، لكن لو قدر أن الذي في الإناء جامد صحن فيه رز فأخذ منه الكلب، نريق الرز أو نلقي ما ولغ فيه وما حوله وما عدا ذلك لا تسري فيه النجاسة، المائع تسري فيه النجاسة، تختلط فيه النجاسة، لكن السائل لا تسري فيه النجاسة، ولذا يلقى وما حوله كالفأرة تموت في السمن الجامد تلقى ما حولها، نعم.
عن حمران مولى عثمان بن عفان -رضي الله عنهما- أنه رأى عثمان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)).
نعم هذا حديث عثمان -رضي الله عنه- في صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، في وضوئه نحو وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني مثل وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، حث على الركعتين بعد الوضوء، هذا مما جاء في صفة الوضوء النبوي.(2/2)
حمران مولى عثمان من الموالي، وهو من سبي عين التمر، "أن عثمان -رضي الله عنه- يعني مولاه- دعا بوضوء" الوضوء بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به، "فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات" يعني أفرغ من الإناء على اليدين، أفرغ من الإناء بيده اليسرى على اليمنى، يعني أكفأ الإناء، وتلقاه باليمنى فغسل إحداهما بالأخرى ثلاثاً، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم توضأ.
"ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً" تمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً ثلاثاً، يتمضمض ويستنشق، ثم يتمضمض ويستنشق، ثم يتمضمض ويستنشق، ثلاثاً ثلاثاً.
المضمضة والاستنشاق من كف واحدة، يأخذ بيده الماء اليمنى ثم يتمضمض بمعنى أنه يدخل الماء في فمه ويحركه بلسانه ثم يمجه، ومن هذه الغرفة يستنشق يعني يجذب الماء إلى داخل الأنف بالنفس ثم يستنثر، يخرج الماء بالنفس، وهل مسمى المضمضة يتناول إخراج الماء؟ أو لو قدر أنه تمضمض أدخل الماء في فمه وحركه بلسانه ثم ابتلعه يقال: تمضمض وإلا ما تمضمض؟ نعم؟ أخذ بكفه من الماء فأدخله في فمه ثم أداره داخل فمه ثم ابتلعه، يكون تمضمض أو من مسمى المضمضة المج كما في القاموس وغيره، أنهم أدخلوا المج من المضمضة.
إخراج الماء من الأنف بالنفس استنثار، وإدخاله استنشاق، فيكون الاستنشاق خاص بالإدخال، والاستنثار خاص بالإخراج، لكن لو جاء أحدهما فمن لازمه الثاني، يعني الماء في المضمضة يتصور بلعه، لكن في الاستنشاق نعم لا بد أن يخرج، لا بد أن يخرجه، قد يذهب منه شيء يسير، لكن ما يمكن أن يذهب جميعه، ثم تمضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] فاغسلوا وجوهكم وهذا مجمل بينه فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بإدخال المضمضة والاستنشاق في الوجه وبكونه ثلاثاً، وقد ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وثبت عنه أنه توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، وتوضأ ملفقاً، بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين وهكذا.(2/3)
"ثم غسل وجهه ثلاثاً" والوجه معروف الحدود، "ويديه إلى المرفقين ثلاثاً" جاء في آية الوضوء: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] يعني هذه الآية مقيدة، اليد مقيدة في هذه الآية، وقد جاءت اليد مطلقة في آية التيمم وفي آية السرقة، هنا مقيدة بكونها إلى؟ إلى إيش؟ إلى المرفقين، لكنها في آية التيمم جاءت {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم} [(6) سورة المائدة] نعم وجاءت في آية السرقة {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [(38) سورة المائدة] من غير تقييد، فهل نحمل المطلق على المقيد ونقول: نغسل إلى المرافق؟ نمسح في التيمم إلى المرافق؟ نقطع في السرقة إلى المرافق؟ أو لا نحمل المطلق على المقيد؟ لماذا؟ لماذا؟ اليد تطلق ويراد بها الكف، تطلق ويراد بها إلى المرفق، تطلق ويراد بها إلى المنكب، لكن عندنا آية مطلقة وآية مقيدة، والمعروف عند أهل العلم أن المطلق يحمل على المقيد، لكن هل هذا على إطلاقه أو لا بد من تقييده؟ نعم؟ كيف نقيد هذا الكلام؟ نريد قواعد تضبط هذا النص وغيره من النصوص.
الآن عدنا الدم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] هذا مطلق وإلا مقيد؟ في هذه الآية؟ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة] نعم؟ هذا مطلق، لكن {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} [(145) سورة الأنعام] هذا مقيد كونه مسفوح، وهل يحمل المطلق على المقيد هنا أو لا يحمل؟ نعم؟ يحمل بالاتفاق، لماذا؟ لماذا يحمل المطلق على المقيد هنا؟ للاتحاد في الحكم والسبب، الحكم واحد تحريم أكل الدم في المطلق وفي المقيد، والسبب أيضاً واحد، في المطلق والمقيد السبب واحد، في كفارة الظهار جاءت الرقبة مطلقة، الرقبة جاءت مطلقة في كفارة الظهار، لكنها جاءت في آية القتل مقيدة نحمل المطلق على المقيد وإلا ما نحمل؟ نعم؟ يحمل وإلا ما يحمل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(2/4)
ليش؟ الاختلاف في إيش؟ الحكم متحد، يجب العتق في هذا وفي هذا، الحكم واحد، السبب مختلف لا بأس، هذا قتل وهذا ظهار، لكنه في مثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر خلافاً لأبي حنيفة للاتحاد في الحكم وإن اختلف السبب.
العكس إذا اتحد السبب واختلف الحكم، اختلف الحكم واتحد السبب، اليد في آية الوضوء مع آية التيمم السبب واحد الحدث، لكن الحكم مختلف، هذا غسل وهذا مسح، وحينئذ لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، أما إذا اختلفا في الحكم والسبب فلا يحمل المطلق والمقيد اتفاقاً كاليد في آية الوضوء واليد في آية السرقة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
إذا عندنا الصور، صور المطلق مع التقييد أربع: إما أن يتفقا في الحكم والسبب وحينئذٍ يحمل المطلق على المقيد، يتفقا في الحكم دون السبب يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، يتفقا في السبب دون الحكم لا يحمل المطلق على المقيد عند الأكثر، يختلفا في الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، ظاهر، متقابلة، قسمة رباعية.
"ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ثم مسح برأسه" مسح برأسه إيش مسح برأسه؟ هل هو يمسح الماء برأسه أو يمسح رأسه بالماء؟ هاه؟ يمسح الماء بالرأس أو الرأس بالماء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الممسوح إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، الممسوح به إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف قال: "ثم مسح برأسه" {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة]؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الممسوح الرأس وإلا الماء؟ هل أنت تأتي برأسك وتمسح به الماء أو تمسح الماء به؟ المقصود أن الممسوح هو الرأس، والممسوح به هو الماء.(2/5)
الباء هذه منهم من يقول: للتبعيض فيكفي بعض الرأس، ثم يختلفون منهم من يقول: يكفي الربع، ومنهم من قال: الثلث، ومنهم من قال: شعرات، أدنى ما يطلق عليه المسح، لكن الممسوح الرأس، والرأس لا يطلق إلا على جميعه في الأصل، ولذا الواجب تعميم الرأس بالمسح بالماء، منهم من يقول: الباء هذه لإيش؟ للإلصاق، وإذا ألصقنا الممسوح بالممسوح به وجد أثره عليه، ولولا هذه الباء {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة المائدة] لولا هذه الباء لقلنا: إنه يكفي مسح الرأس باليد بدون ماء وبدون بلل.
"ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً" مسح برأسه ما قال ثلاثاً، غسلهما ثلاث مرات، أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق ثلاثاً، غسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، مسح برأسه من غير عدد، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً، فيه دليل للأكثر الذين يقولون: إن المسح مرة واحدة، وأنه لا يثلث، وهذا قول الجمهور، قال بعضهم كالشافعية: أنه يمسح ثلاثاً؛ لعموم حديث: "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" مقتضى ذلك أنه بما في ذلك مسح الرأس، "توضأ ثلاثاً ثلاثاً" بما في ذلك مسح الرأس، لكن هذا مجمل بينته النصوص مثل هذا، بينته النصوص التفصيلية في مثل هذا.
"ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثاً" أما الرأس هو الوحيد الذي ما قال فيه: ثلاثاً، فدل على أن حكمه يختلف عن حكم غيره، ولو كررنا المسح ثلاث مرات لصار غسلاً.
"ثم قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ نحو وضوئي هذا" (نحو) عندنا (نحو) وعندنا (مثل) توضأ نحو وضوئي هذا، أو توضأ مثل وضوئي هذا؟ قالوا: إن المماثلة لا يمكن أن تتحقق مهما حرص الإنسان على التطبيق، ودقة التطبيق، ولذا جاء في الحديث، لو قال: (مثل) صار عنت شديد، يمكن ما يدرك هذا الفضل أحد، لو قال مثل؛ لأنه يقتضي المماثلة من كل وجه، لكن نحو وضوئي هذا يعني شبيه بالوضوء هذا في الجملة، وهذا أوسع وأرحب.(2/6)
"ثم قال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا)) " -عليه الصلاة والسلام- ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين)) وهل هما ركعتا الوضوء أو غيرهما؟ المقصود أنه يصلي ركعتين بعد الوضوء، ((ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه)) يحضر قلبه، ويحرص على عدم تشويش صلاته من قبل الشيطان، ((لا يحدث فيهما نفسه)) من المعلوم أن حديث النفس يؤاخذ عليه وإلا معفو عنه؟ نعم؟ معفو عنه، كيف يكون حديث النفس معفو عنه وجاء في الحديث: ((لا يحدث نفسه)) يتعمد الحديث نفسه، ((لا يحدث فيهما)) وحديث النفس معفو عنه، عندكم هاجس وخاطر وحديث نفس وهم وعزم.
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا
فحديث النفس معفو عنه، لكن كون حديث النفس معفو عنه يعارضه هذا الحديث، أو هذه مرتبة فوق مرتبة العفو الموجود في الحديث؟ الآن هل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عفي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل)) نعم هل يقتضي هذا أن يغفر له ما تقدم من ذنبه لمجرد مثل حديث النفس؛ لأنه معفو عنه؟ نقول: عدم تحديث النفس أكمل من تحديث النفس؛ لأنه لولا العفو عن حديث النفس لحصلت المؤاخذة صح وإلا لا؟ إذن كونه لا يحدث نفسه أكمل من كونه يحدث نفسه؛ لأن حديث النفس معفو عنه، وشتان بين أمر معفو عنه، وبين أمر رُتب عليه ثواب عظيم غفر له ما تقدم من ذنبه، فلا تعارض، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ نعم؟
((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) قد يقول قائل: لماذا الآن رتب على عدم حديث النفس وحديث النفس معفو عنه؟ نقول: نعم حديث النفس معفو عنه، لا يؤاخذ عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(2/7)
منشغل، لكنه مع ذلك لا يؤاخذ، لكنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، فكونه يحدث نفسه مع كونه معفو عنه، حديث النفس إلا أنه مفضول، إلا أنه لولا هذا العفو لكان مؤاخذاً، نعم يعني أيهم أفضل شخص قاتل عفي عنه، عفى عنه أهل الدم، وشخص ما قتل، نعم الذي لم يقتل أفضل، وقاتل أدنى منزلة وإن عفي عنه؛ لأن العفو يدل لولاه على المؤاخذة، لولا العفو لدل الحكم على المؤاخذة، فكونك تفعل فعلاً الأصل أن تؤاخذ فيه، لكن عفي عنك أفضل منه أن لا تفعله أصلاً، قد يقول قائل: إن فاعل الذنب، ما هو بحديث نفس، فاعل ذنب، فاعل كبيرة من كبائر الذنوب تاب منها هل هو أفضل ممن لم يفعل أو ليس بأفضل إذا تاب؟ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] شخص جالس في بيته صلى العصر وخرج من المسجد وجلس في بيته إلى أذان المغرب ما فعل قربة، ولا ارتكب محظوراً، جالس يتكلم كلام مباح، أو جاب الفراش ونام إلى أذان المغرب، وشخص خرج وفعل معصية ثم تاب منها توبة نصوحاً، أيهم أفضل؟ نعم؟ عندنا ثلاثة أشخاص، شخص صلى العصر في المسجد وجلس يقرأ القرآن إلى أن صلى المغرب، هذا على طاعة، ثاني صلى العصر ثم ذهب إلى فراشه ونام إلى أذان المغرب، هذا لا له ولا عليه، شخص ثالث صلى العصر ثم فعل معصية كبيرة من كبائر الذنوب فتاب منها توبة نصوحاً وصلى المغرب، الرابع تتميم القسمة فعل هذه المعصية ولا تاب.(2/8)
الذي جلس في المسجد يقرأ إلى أذان المغرب هذا أمره مفروغ منه، هذا على خير هذا، والذي فعل المعصية ولم يتب أيضاً مفروغ منه، هؤلاء ما هم محل البحث، نحن بين الاثنين، الذي نام إلى أن أذن المغرب، وبين الذي فعل المعصية وتاب منها، آية الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} [(68 - 69) سورة الفرقان] الأمر عظيم ليس بالسهل، ثم استثني من تاب {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] هذا الذي تاب توبة نصوحة بشروطها أفضل من الذي نام، لكن هل هو أفضل من الذي جلس يقرأ القرآن؟ نعم؟ لماذا؟ هذا بدلت سيئاته حسنات، وهذاك من الأصل حسنات، أيهما أفضل؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ حسنات وهذا صارت حسنات، بفضل الله -عز وجل-، فضل الله لا يحد، انقلبت حسنات، يعني لو افترضنا أن شخصين بلغا من العمر -توأم اثنين أخوان– سبعين سنة، أحدهما منذ أن نشأ وهو في طاعة الله، والثاني منذ أن نشأ وهو جرائم ومنكرات، ثم في نهاية السبعين هذا تاب توبة نصوح وهذا استمر في طاعته أيهما أفضل؟ هذا كسب حسنات من عمل الطاعة، وهذا كسب حسنات هي في الأصل سيئات انقلبت إلى حسنات، أنت افترض مثلاً أنه هذا كسب مليون حسنة، هذه مسألة تقريبية الذي عمل طول عمره بالحسنات، عمل كسب مليون حسنة، والثاني عمل مليون سيئة وتاب منها فانقلبت حسنات، الذي عمل الحسنات الحسنة بعشر أمثالها، والذي عمل السيئات وانقلبت حسنات البدل له حكم المبدل، السيئات لا تضاعف، إذن الحسنات بدلها ما تضاعف.
نعود إلى حديثنا حديث ...
طالب:. . . . . . . . .(2/9)
ومن خشيته سوء العاقبة ... ، الآن واحد شخص يدرس مثلاً يعلم الناس الخير قال الله وقال رسوله، خمسين ستين سنة، وفي النهاية يقول: ليت الكفاف؛ لأنه ما يدري ويش يقارف ها النية هذه؟ ويش؟ لأن العلم الشرعي والأعمال الصالحة من أعمال الآخرة المحضة التي لو يحصل فيها أدنى خدش في الإخلاص والنية يتضرر صاحبها، فأمر النية ليس بالسهل، أمر الإخلاص شأنه عظيم، يعني لو وقفنا عند قوله -جل وعلا-: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] يعني شخص جالس على الكرسي في المسجد ليل نهار يعلم الناس الخير، الناس تظنه في مصاف الأنبياء، سبعين ثمانين سنة يعلم الناس الخير، وهو يمكن أنه أول من تسعر به النار يوم القيامة، المسألة ليست بالسهلة، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) المسألة ليست بالسهلة، كل إنسان يتمنى المخلاص والكفاف، لكن الله يعفو ويسامح، الله يتجاوز عن الجميع.
نعود إلى ما تسبب في خروجنا عن الموضوع واستطرادنا هذا الاستطراد.
((ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه)) نعم إذا حدث نفسه نقص أجره، لماذا؟ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، وفي هذا حث على المجاهدة، مجاهدة النفس ومجاهدة الشيطان الذي إذا أذن أدبر وله ضراط، إذا أذن للصلاة أدبر وله ضراط، ثم إذا فرغ الأذان أقبل، ثم إذا ثوب بالصلاة وأقيم لها أدبر، ثم إذا فرغ من الإقامة أقبل يوسوس للناس، ويذكرهم بما لم يذكروا، كل هذا من أجل نقص الأجر المرتب على هذه العبادة، فإذا حصل حديث النفس نقص الأجر، والله المستعان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
سائل يقول: هل يجوز استخدام التراب في. . . . . . . . . حال البول فقط، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للأعقاب من النار)) هل ورد. . . . . . . . .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(2/10)
الأصل فيما يزيل أثر الخارج من السبيلين الماء والأحجار، يقوم مقام الأحجار الأجسام الخشنة التي تنقي المحل، تقوم مقام الأحجار، فالتراب إذا أنقى المحل وليس المقصود لا في الاستجمار بالحجارة، ولا فيما يقوم مقامه بالإنقاء بمعنى عودة خشون المحل مائة بالمائة كالماء، لا، ألا يبقى إلا أثر لا يزول إلا بالماء، إذا بقي أثر لا يزول إلا بالماء فحينئذٍ أدت الحجارة أو ما يقوم مقامها الغرض، وإلا ما يمكن أن يكون الحجارة أو ما يقوم مقامها بمثابة الماء، الماء يزيل بالكلية، والحجارة ضابطها: ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء، فإذا أدى نفس الغرض كالخشب مثلاً مما لا يضر، أو المناديل الخشنة واستعملت حتى أنقت، والتراب أيضاً عند عدم الجميع لا بأس، لكن الأشياء الصقيلة مثل هذه لا تزيل الخارج، الصقيلة مهما كانت، فالزجاج وما في حكمها ما يمكن أن تزيل أثر الخارج لأنها صقيلة، ينبو عنها هذا الموجود من أثر الخارج، فلا تسن، نعم.
أما حديث: ((ويل للأعقاب من النار)) جاء في بعض الطرق أنه رفع صوته بها ثلاثاً، نعم.
عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأكفأ على يديه من التور، فغسل يديه ثلاثاً، ثم أدخل يده في التور، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم أدخل يديه فغسلهما مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يديه فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه.
وفي رواية: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلي المكان الذي بدأ منه.
وفي رواية: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخرجنا له ماء في تور من صفر.
والتور: شبه الطست.
هذا الحديث والأحاديث لا يحتاج أن تخرج، ولذا تلاحظون أن المؤلف -رحمه الله تعالى- ما يقول: رواه البخاري، رواه مسلم، أو متفق عليه؛ لأن شرطه أن يكون الأحاديث من الصحيحين، هذا الأصل، قد يختل الشرط فيروي من البخاري منفرداً به، ويروي من مسلم منفرداً به، وهذا موجود ويشير إلى ذلك.
يقول -رحمه الله تعالى-:(2/11)
"عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه قال: شهدت عمرو بن أبي الحسن سأل عبد الله بن زيد" الصحابي، عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء، الصحابي المعروف غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان في الرؤيا حينما قال: طاف بي وأنا نائم رجل يقول: تقول: الله أكبر الله أكبر .. إلى آخره، هذا راوي حديث الوضوء عبد الله بن زيد بن عاصم سأله عمرو بن أبي الحسن عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني عن كيفيته وصفته، "فأكفأ على يديه من التور" إيش عندك؟ الآن من الذي أكفأ؟ هل هو يخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أكفأ؟ أو يتوضأ ويشرح كيفية وضوئه -عليه الصلاة والسلام- بالفعل؟ ظاهر هذا أنه يشرحه بالفعل، "سأل عبد الله بن زيد عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكفأ على يديه" يعني شرح له كيفية الوضوء النبوي بالفعل، "فأكفأ على يديه من التور"، التور: إناء واسع الفم يشبه الطست "فغسل يديه ثلاثاً" أكفأ على يديه من التور فغسل يديه ثلاثاً، الأصل أن يكفئ الإناء بيده اليسرى ويفرغ على اليمنى، ثم يغسل اليسرى باليمنى، أو اليمنى باليسرى، ثلاث مرات، وهذا الغسل مستحب، مستحب قبل البداءة بالوضوء، وهذا غير الأمر بغسل اليدين بالنسبة للقائم من النوم الذي سبق الحديث عنه.(2/12)
"ثم أدخل يده في التور" بعد أن غسلهما ثلاثاً، أدخل يده في التور "فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات" يعني كل غرفة مشتملة على مضمضة واستنشاق، يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، ثم يكرر ذلك ثلاثاً، الثانية ثم الثالثة، هذا أقوى ما جاء في صفة المضمضة والاستنشاق، وجاء أنه يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً من كف واحدة، وجاء أنه تمضمض من كف واحدة، واستنشق من كف واحدة، فعلى هذا يكون من كفين، كف للمضمضة ثلاثاً، وكف للاستنشاق ثلاثاً، وتمام الصور أن يستنشق يتمضمض بكف ويستنشق بكف، فتكون ست غرفات، فهذه هي الصور المتصور في مثل هذا، يتمضمض ويستنشق من كف واحدة بثلاثة أكف، ثلاث غرفات، هذا أقوى ما يروى في هذا الباب، الصورة الثانية: أن يتمضمض ثلاثاً من كف واحدة، ويستنشق ثلاثاً من كف واحدة، فيكون فعله من كفين بدل ثلاثة، أن يتمضمض الثلاث ويستنشق الثلاث بكف واحدة، لكن قد لا يتصور هذا بالنسبة لأكف أوسط الناس، الصورة الأخيرة أن يتمضمض ويستنشق من ستة أكف، وأقواها ما جاء في هذا الحديث "فتمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً، بثلاث غرفات" وجاء الأمر بالمضمضة: ((إذا توضأت فمضمض)) وجاء الأمر بالاستنشاق: ((فليجعل في منخريه من الماء)) فليستنشق، وليستنثر، المقصود أن المضمضة والاستنشاق مأمور بهما، وفعلهما النبي -عليه الصلاة والسلام- بياناً للوضوء الواجب، ولذا يقول الحنابلة بوجوب المضمضة والاستنشاق في الطهارتين الكبرى والصغرى، وقال بعضهم باستحبابهما، وفرق بعضهم بين الكبرى والصغرى، فأوجبهما في الغسل دون الوضوء، ومنهم من فرق بين المضمضة والاستنشاق، فأوجب الاستنشاق؛ لأن ما ورد فيه أكثر مما ورد في المضمضة، وعلى كل حال مقتضى الأمر الوجوب، لكن من نسي أو لم يتمضمض على الوجه المطلوب شرعاً، أو أخل بالاستنشاق أو بكيفيته لا يؤمر بإعادة الوضوء؛ لأن الخلاف قوي، وقد جاء في الحديث: ((توضأ كما أمرك الله)) الطرف الآخر الذي لا يوجب المضمضة والاستنشاق أن يقول: ليس فيما أمرني الله -جل وعلا- المضمضة والاستنشاق، فالذي في الآية: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] والوجه ما تحصل به المواجهة، وليس الأنف والفم مما تحصل به المواجهة،(2/13)
بدليل أنه إذا واجه أحداً لا يفتح فاه له، وعلى كل حال ما دام ثبت الأمر فلا كلام لأحد، ويبقى أن المضمضة والاستنشاق ليستا مثل بقية فرائض الوضوء.
"ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثاً" وهذا فرض من فرائض الوضوء لا يصح الوضوء إلا به {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة].
"ثم أدخل يديه فغسلهما مرتين" غسل اليدين، المقصود باليد من رؤوس الأصابع إلى المرفقين، والمرفقان داخلان فيما يغسل؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أدار الماء على مرفقيه وتوضأ -عليه الصلاة والسلام- حتى أشرع في العضد، وإلا مقتضى (إلى) التي هي حرف غاية لا يستلزم أن يدخل المرفق أو لا يدخل، بل لا بد من نص آخر؛ لأنها جاءت في بعض النصوص تقتضي دخول المغيا في الغاية، وجاء في نصوص أخرى أنها لا تدخل، لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- أدار الماء على مرفقيه يدل على أن المرفقان داخلان.
"ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثاً، ثم أدخل يده في التور فغسلهما مرتين إلى المرفقين" الوجه ثلاثاً، وغسل اليدين مرتين، ومسح الرأس مرة واحدة، هذا وضوء ملفق بالنسبة للعدد، يعني ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً على وتيرة واحدة، وثبت عنه أنه أنه توضأ مرتين مرتين، ومرة مرة، وثبت عنه أنه توضأ ملفقاً يعني بعض الأعضاء مرة، وبعضها مرتين، وبعضها ثلاثاً، كل هذا في دائرة السنة، الواحدة سنة، والاثنتان سنة، والثلاث سنة.(2/14)
ولذا من شك هل غسل وجهه مرتين أو ثلاثاً ماذا يصنع؟ من المعلوم أنه يبنى على اليقين فيما إذا شك في صلاته هل صلى ركعتين أو ثلاث، تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث يجعلهما ثنتين، ويأتي بثالثة لأن الاثنتين متيقنة، لكن إذا توضأ وشك هل غسل وجهه مرتين أو ثلاثاً أو غسل يديه مرتين أو ثلاثاً، أو رجليه مرتين أو ثلاثاً يبني على إيش؟ على الأقل أو على الأكثر؟ نعم يبني على الأكثر؛ لأنه إن كانت في الحقيقة ثلاث فالزيادة عليها بدعة، وإن كانت في الحقيقة اثنتان فالاقتصار على الاثنتين سنة، نعم فيبني حينئذٍ على الأكثر؛ لأنه إن كان الأكثر بالفعل هو الثلاث وهذا هو الحاصل فما زاد عن المشروع، وإن نقص صار في الحقيقة .. ، وظن أنها ثلاث وهي في الحقيقة ثنتين الأمر سهل، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، لكن إذا بنى على الأقل وجعلهما اثنتين وزاد ثالثة ليخرج بيقين من العهدة، نقول: لا يا أخي أنت متردد بين سنة وبدعة، فكونك تتردد بين سنتين أفضل من كونك تتردد بين سنة وبدعة.
"ثم أدخل يديه فمسح بهما رأسه" يعني بماء جديد، أدخل يديه في الإناء ومسح بهما باليدين المبلولتين بالماء رأسه، "فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة" وهذا هو المرجح عند أكثر العلماء أن مسح الرأس يكون مرة واحدة.
"أقبل بهما وأدبر" مقتضى ذلك أنه بدأ من أين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أقبل وأدبر، نعم أقبل، الإقبال إلى الوجه، والإدبار عن الوجه، مقتضاه لو كان فأقبل بهما ثم أدبر تعين أن تكون البداءة من الخلف، لكن الرواية الأخرى التي تقول: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، نقول: يبدأ بمقدم الرأس، والرواية: "فأقبل بهما وأدبر" الواو لا تقتضي ترتيب، لا تقتضي الترتيب، مع أن ابن دقيق العيد في شرحه جاء بكلام لا يخلو من تكلف فأقبل بهما إلى قفاه وأدبر عنه عن القفا، أقبل بهما إلى القفا، لا يسمى إقبال هذا تكلف، يعني من اليسير أن يقول الإنسان: إن الواو لا تقتضي الترتيب وينتهي الإشكال، ويكون النص مجمل يحتمل هذا ويحتمل هذا، ويرجح البداءة بمقدم الرأس الرواية الثانية، في رواية: "بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه".(2/15)
"ثم غسل رجليه" غسل رجليه يعني إلى الكعبين، والكعبان داخلان فيما يغسل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- غسل رجليه حتى أشرع في الساق، يعني تعدى الكعبين.
يقول: "بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلي المكان الذي بدأ منه".
رواية مفسرة ليست مجملة كالأولى.
"وفي رواية: "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخرجنا له ماء في تور من صفر".
يعني فتوضأ من التور، النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ من التور، فالذي توضأ من التور النبي -عليه الصلاة والسلام- أو عبد الله بن زيد؟ أو هما معاً؟ وهل بيان عبد الله بن زيد حصل بالقول أو بالفعل؟ يقول: "أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخرجنا له ماء في تور من صفر" يعني فتوضأ به -عليه الصلاة والسلام-، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ من التور، وهل عبد الله بن زيد بين وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- بالفعل من التور أو هو يحكي ما حصل منه -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟
ظاهر النص أنه توضأ من التور أيضاً، وفي هذا أن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، علم بالفعل، وإن كان الأكثر التعليم بالقول، لكنه علم بالفعل، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله".
نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- كان من عادته المطردة يعجبه التيمن، يعني استعمال اليمين، جهة اليمين، "في تنعله" يعني في لبس نعله، ينعل في الرجل اليمنى ثم اليسرى، والخلع بالعكس؛ لتكون اليمنى أول ما تنعل، وآخر ما تخلع، "تنعله وترجله" يعني بتسريح شعره يبدأ بشقه الأيمن -عليه الصلاة والسلام-، "وطهوره" يبدأ باليد اليمنى ثم اليسرى، الرجل اليمنى ثم اليسرى في رواية: "وفي سواكه" يعني يبدأ بالتسوك في جانب الفم الأيمن، وليس معنى هذا أنه يتسوك باليد اليمنى على ما سيأتي، لا، يبدأ بتنظيف الجانب الأيمن من الفم، "يعجبه التيمن في تنتعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله" يعني كل ما يحتاج إليه يعجبه فيه التيمن إذا كان مما لا يذم ولا يستقبح ولا يستقذر، إن كان كذلك فله اليسرى.(2/16)
بالنسبة للسواك يبدأ بجانب الفم الأيمن، وجمهور أهل العلم على أنه يتسوك بيده اليسرى لا باليمنى، والمراد في سواكه هنا استعمال الجانب الأيمن من الفم في التسوك وهو التنظيف، وليس المراد به إمساك السواك ومزاولة الاستياك باليد اليمين، لا، الأكثر على أن التسوك يكون بالشمال؛ لأنه من باب إزالة القذر، فله الشمال، منهم من يقول: لهذا الحديث يتسوك باليمين، وهو عبادة؛ لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- به أمر استحباب، وإن نفى أمر الوجوب عنه إلا أنه مستحب، فهو عبادة فهو يتسوك باليمين، لكن شيخ الإسلام -رحمه الله- قال: لا أعلم أحداً من الأئمة قال: إن التسوك يكون باليمين، وإن كان جده المجد قال بتفضيل اليمين على الشمال بالسواك، التسوك، نعم.
وعن نعيم المجمر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)).
وفي لفظ لمسلم: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)).
وفي لفظ لمسلم: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)).
"عن نعيم" نعيم بن عبد الله المجمر، من أجمر الرباعي، أو المجمر من جمّر المضعف، كان يبخر مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- في زمن عمر -رضي الله عنه- فلقب بذلك.
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) هذه السيماء التي يعرف بها أمته -عليه الصلاة والسلام-.
((غراً)) هو البياض يكون في الناصية، ((محجلين)) أيضاً لون مخالف للون السائد في الأطراف في اليدين والرجلين، ((من آثار الوضوء)) يعني بسببه، يعني ما يغسل في الوضوء يأتي وله نور يوم القيامة، كالغرة في جبين الفرس، والتحجيل في يديه ورجليه.(2/17)
((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)) إطالة الغرة كيف تكون إطالة الغرة؟ نعم؟ إطالة التحجيل متصورة يعني يرفع، يغسل العضد مع الذراع، ويغسل الساق مع القدمين، يطيل التحجيل، لكن إطالة الغرة غير متصورة، ولذا قال بعضهم إن قوله: ((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)) مدرج من قول أبي هريرة، لم يثبت مرفوعاً، لكنه في الصحيحين هكذا، والأصل إذا لم يقم دليل على الإدراج أنه مرفوع كأصله، ولو ساغ لنا أن نقول في أي جملة: هذه مدرجة من غير دليل يدل على الإدراج ما سلم لنا شيء، فالإدراج يحتاج إلى دليل.
((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)) يعني هل معنى إطالة الغرة أن يتجاوز حدود الوجه؟ نعم؟ هو محتمل، لكنه على بعد يعني، على بعد أن يكون يطيل بقاء الماء في وجهه؛ لأنه سبب الغرة والتحجيل، أو يزيد في القدر المشروع غسله من الوجه، أو يسبغ ويكرر، على كل حال على الإنسان أن يفعل ما أمر به شرعاً، ويقتفي أثر النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك، ولا يزيد ولا يقول: هذا من باب الاحتياط؛ لأن بعض الناس يزيد في الكيفية وفي الكمية فيدخل في حيز الابتداع، وقد عرف عن بعض أهل العلم ابن دقيق العيد والحافظ العراقي وغيرهما الزيادة، سواءً كان في العدد، أو في مقدار ما يغسل، وقالوا في ترجمة كل من الشيخين أن هذا يفعلانه من باب الاحتياط، وهو لا يدخل في الوسوسة المذمومة، نقول يا أخي: ما معنى هذا الاحتياط؟ الاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور كما هنا، وزيادة على ما شرعه الله -جل وعلا- على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فالاحتياط كما قال شيخ الإسلام في ترك هذا الاحتياط، على الإنسان أن يقف مع الشرع، يدور مع الشرع.
وفي لفظ آخر: "رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين".(2/18)
يعني فسر ما تقدم ذكره من إطالة التحجيل بأنه كاد يبلغ المنكبين، المنكب هنا مجتمع رأس العظم مع الكتف، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، هذا فهم من أبي هريرة أنه ما دام أمة محمد يبعثون غراً محجلين لماذا لا نزيد في التحجيل والغرة؟ يعني هذا أمر مطلوب ومحبوب، فلماذا لا نزيد؟ نقول: لا، لا نزيد، بل نقف على ما جاءنا عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.
ثم قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل)).
وعرفنا أن الحفاظ حكموا بأن هذا مدرج من قول أبي هريرة.
"وفي لفظ لمسلم: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)).
ويريد بذلك أن يزيد لكي تكون حليته أكثر,
"سمعت خليلي" الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله)) وهنا جاء بجزأين ((لو كنت متخذاً)) هنا يقول: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم-"، والرسول -عليه الصلاة والسلام- ينفي هذه الخلة ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر)) فأهل العلم يقولون: المنفي والممنوع كونه -عليه الصلاة والسلام- يتخذ أحداً من الناس خليلاً، أما كونه يتخذ خليل يحب من قبل بعض المسلمين نهاية المحبة وخالص المحبة، ما في مانع، الخلة غاية المحبة ونهايتها، يعني المحبة اللائقة بالبشر، أما ما زاد على ذلك مما هو من خصائص الرب -جل علا- فلا، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يتخذ غيره خليلاً هذا هو الممنوع؛ لأنه خليل الله، أما كون غيره يتخذه خليلاً فلا بأس، ولذا قال: "سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تبلغ الحلية)) يعني يوم القيامة، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [(23) سورة الحج] ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)) فيزاد على المشروع لكي تزيد هذه الحلية، هذا مفهومه.
سم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب دخول الخلاء والاستطابة(2/19)
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
الخبث: بضم الخاء والباء جمع خبيث، وهم ذكران الشياطين.
الخبائث: جمع خبيثة، وهن إناث الشياطين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب دخول الخلاء
الخلاء: كل ما يخلو فيه الإنسان بنفسه، هذا الأصل، والمراد به هنا ما يخلو فيه المرء بنفسه لقضاء حاجته.
والاستطابة، السين والطاء للطلب، يعني طلب الطيب، والطيب والإطابة إنما تكون بإزالة ما يستقذر ويستقبح، دخول الخلاء لقضاء الحاجة، والاستطابة: إزالة الأثر المتبقي بعد قضاء الحاجة بالاستنجاء والاستجمار.
دخول الخلاء له آداب يذكرها أهل العلم في هذا الباب، من ذلكم هذا الذكر الذي ذكره المؤلف من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا دخل الخلاء قال، إذا دخل الخلاء، دخل فعل ماضي، وعرفنا في درس الأمس أن الماضي يطلق ويراد به الفراغ كما هو الأصل، إيش معنى الماضي؟ يعني انتهى إذا دخل يعني دخل وانتهى، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل كما هو الأصل في الماضي؛ لأنه يحصل في الزمان الماضي.
يطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع في الفعل، يطلق ويراد به إرادة الفعل، فهل المراد من قوله: "إذا دخل" يعني إذا فرغ من الدخول؟ نعم؟ هل المراد به إذا فرغ من الدخول؟ لا، هل المراد به إذا شرع؟ بمعنى أنه أدخل إحدى رجليه؟ شرع في الدخول؟ أو إذا أراد الدخول؟ يعني قبل الولوج في المكان الذي لا ينبغي أن يذكر الله فيه، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله في جميع أحواله -عليه الصلاة والسلام- إلا في هذا الموضع، لم يرد النبي -عليه الصلاة والسلام- السلام مع أنه واجب؛ لأن السلام اسم من أسماء الله -جل وعلا-
وهو السلام على الحقيقة سالمٌ ... من كل ما عيب ومن نقصانِ(2/20)
لما سلم عليه وهو يقضي الحاجة ما رد السلام، لما فرغ رد السلام -عليه الصلاة والسلام-، تيمم ورد السلام، فإذا دخل الخلاء، يعني أراد دخول الخلاء -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اللهم إني أعوذ بك)) اللهم أصلها يا الله إني أعوذ بك، أي ألتجئ إليك من كل ما يضر، ومن شر كل ذي شر، وفي هذا الموضع يستعيذ النبي -عليه الصلاة والسلام- بربه من الخبث والخبائث.
الخبث: بالضم ذكران الشياطين، والخبائث إناثهم، فاستعاذ من الشياطين ذكورهم وإناثهم، الرواية الأخرى بإسكان الباء الخبْث، ويراد به حينئذٍ الشر، والخبائث الشياطين، فكأنه يستعيذ من الشر وأهله، والشياطين يشمل شياطين الإنس وشياطين الجن، شياطين الجن لخفائهم وخفاء طريقتهم في الوسوسة والتضليل يُستعاذ منهم، ويلتجأ إلى الله -عز وجل- بدفع شرهم، وشياطين الإنس، وبعضهم أشد ضرراً من شياطين الجن؛ لأن شياطين الجن تفيد فيهم الاستعاذة، بينما شياطين الإنس قد لا تفيد فيهم الاستعاذة، لكن على الإنسان أن يلتجئ إلى الله -عز وجل-، ويصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- أن يعيذه من شياطين الإنس والجن.(2/21)
من أهم ما يطرد الشياطين شياطين الإنس والجن الذكر، فلا يزال لسانك رطباً بذكر الله -عز وجل-، {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [(36) سورة الزخرف] لكن الذي يلازم الذكر وأعظم الذكر كلام الله -جل وعلا-، بقراءته على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، هذا يطرد الشياطين، بل من أعظم الوسائل التي تطرد الشياطين، ولذا من يعش يتعامى عن ذكر الله، ويغفل عنه يقيض له الشيطان، والشيطان جنس، {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [(36) سورة الزخرف] نكرة في سياق الشرط تعم النوعين من الإنس والجن، {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [(112) سورة الأنعام] وإن تعاون عليه النوعان هلك إلا إن لطف الله به -جل وعلا-، وأنقذه وأحيا قلبه، وارتبط بربه، وإلا في مثل هذه الحالة يستعيذ من الشياطين؛ لأن هذه الكنوف وهذه الحشوش مأوى للشياطين، تحب الأماكن القذرة، تحب النجاسات، تحب المستقذرات، تحب هذه الأماكن التي لا ينبغي فيها ذكر الله -عز وجل-، لكن إذا أردت أن تدخل استعذ بالله، فيعصمك الله -جل وعلا- من هؤلاء الشياطين، نعم.
وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)).
قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله -عز وجل-.
شرقوا أو غربوا: اتجهوا نحو المشرق أو المغرب، وهذا بالنسبة لأهل المدينة المنورة.
قال المصنف –رحمه الله–: الغائط: الموضع المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه.
والمراحيض: جمع مرحاض، وهو المغتسل، وهو أيضا كناية عن موضع التخلّي.(2/22)
نعم يقول: عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط)) وأتى هنا فعل ماضي، يعني هل معناه إذا أردتم إتيان الغائط أو شرعتم في دخوله؟ لأن الأصل في الغائط المكان المطمئن يسمى غائط، كونه يطلق على الخارج من الإنسان؛ لأن هذا الخارج إنما يوضع في المكان المنخفض، فإطلاقه على ما يخرج من الإنسان من إطلاق المحل وإرادة الحال، فهو كناية.(2/23)
((إذا أتيتم الغائط)) المقصود بالغائط المكان المطمئن المنخفض الذي يقضي فيه الإنسان حاجته بحيث لا يراه الناس، وكانت عادة العرب قضاء الحوائج، قضاء حاجاتهم الخاصة في الخلوات والفلوات بعيدة عن أماكن التجمعات، إلى أن اتخذ الناس الكنف لقضاء الحاجات، فكان العرب على هذه الطريقة والمسلمون في صدر الإسلام في عهده -عليه الصلاة والسلام- إذا أرادوا قضاء الحاجة خرجوا من بيوتهم بحيث لا يراهم الناس فيقصدون الأماكن المطمئنة، وما كانت بيوتهم تستوعب وضع مثل هذه الدورات وأماكن مخصصة لقضاء الحاجة، لا، كانت بيوتهم بقدر الحاجة، السقف باليد، الرجل الطوال إلى رأسه، والرجل العادي يمس السقف بيده، هذا الارتفاع، وبالنسبة للطول بقدر القامة، ما يزيدون على قدر الحاجة؛ لأن هذه الدنيا ليست مقر وليست هدف ولا مقصد عندهم، يعني مثلما يسكن الإنسان في الحج مثلاً إلى وقت قريب والناس ما توسعوا، يسكنون في الأماكن التي .. ؛ لأنهم يعرفون المسألة أيام وهم ماشيين، وهذه نظرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن اهتدى بهديه للدنيا، غريب أو عابر سبيل، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، ولذا متى جاء داعي الله -عز وجل- أجابوا ولبوا؛ لأنهم عارفين أن المسألة أيام، والعمر مهما طال فمآله إلى هذه الحفرة، ما كانوا يجعلون المراحيض ومواضع قضاء الحاجات في داخل البيوت فكانوا يخرجون، بما في ذلك النساء، وكان عمر -رضي الله عنه- كان حريص على أن يحتجب النساء لا سيما أمهات المؤمنين، وكان يقول: قد عرفناك يا سودة إذا أرادت الخروج، من أجل أن ينزل في هذا الأمر شيء يحد من خروج النساء، فنزل الحجاب، وجاء الأمر بالقرار، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] بعد ذلك توسع الناس، وصاروا يقضون حوائجهم في بيوتهم، وأما في السابق فكانوا يخرجون إلى الأماكن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد المذهب أبعد، وهذا عند إرادة الغائط، أما عند إرادة البول فلا يحتاج أن يبعد، نعم لا يبول في طريق الناس ولا في ظلهم ولا في مواردهم، يأتي إلى زاوية كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث حذيفة(2/24)
أتى إلى سباطة قوم فقال لحذيفة: ((ادنه)) فدنا، فبال قائماً -عليه الصلاة والسلام-، هذا في الكتب السبعة، رواه الجماعة، المقصود أن هذه هي حالتهم وديدنهم وطريقتهم.
((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول)) يحرم أن يستقبل الإنسان القبلة إذا أراد قضاء الحاجة لا بالغائط ولا بالبول، ((فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها)) لا تجعل القبلة تلقاء وجهك، ولا خلف ظهرك وأنت تقضي الحاجة، وهذا ظاهر في الصحاري، والسياق يدل عليه.
((ولكن شرقوا أو غربوا)) الجهة محترمة، ((ولكن شرقوا أو غربوا)) هذا خطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمت المدينة، إذا اتجه إلى جهة المشرق أو إلى جهة المغرب، إن اتجه إلى جهة المشرق فالقبلة عن يمينه، وإذا اتجه إلى جهة المغرب فالقبلة عن يساره، لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، هذا من كان على جهة وسمت المدينة ممن كان شمال مكة، وفي حكمهم من كان على الجهة المقابلة الجنوبية، جنوب الكعبة يُشرّق ويُغرب، لكن من كان في شرق الكعبة كنجد مثلاً، أو غرب الكعبة كمصر هل يقال: شرقوا أو غربوا؟ لا، لا يقال لهم: شرقوا أو غربوا؛ لأن نجد إن غربوا استقبلوا الكعبة، إن شرقوا استدبروها، أهل مصر إن غربوا استدبروا الكعبة، إن شرقوا استقبلوها وهكذا، فالخطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم.
((ولكن شرقوا أو غربوا)) نعم الخطاب قد يأتي وهو الأصل عام للأمة كلها، وبالنسبة عموم الحديث: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها)) هذه قاعدة عامة للأمة كلها، نعم توجيه نبوي لأهل المدينة لأن يشرقوا أو يغربوا، وكل يفهم المقصود من التشريق والتغريب؛ لئلا يستقبل القبلة أو يستدبرها، فالنهي العام لا تستقبلوا ولا تستدبروا يشمل الجميع، فيقاس على أهل المدينة بالتشريق والتغريب من كان على سمتها، ومن كان في الجهة المقابلة لها.
الجهات الأخرى مقتضى النظر في الحديث يقتضي، لكن أجنبوا أو أشملوا؛ لأن العلة معروفة، الأمر بالتشريق والتغريب بالنسبة لأهل المدينة لئلا يستقبلوا القبلة، فمقتضى هذا الأمر أن لا تستقبل القبلة ولا تستدبر، وكل يصنع ما يحقق امتثال هذا الأمر في بلده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(2/25)
إيه ممكن ما بين المشرق والمغرب قبلة، يقول عبد الله بن المبارك: لأهل المشرق، يعني لمن كانت جهته المغرب ... ، لمن كانت جهته إلى إيش؟ إذا قلنا: بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق اللي ما هم المشرق اللي هم أهل نجد والخليج لا، اللي أهل المشرق اللي هم خراسان وشمال العراق، هذا كلام ابن المبارك فتكون قبلتهم كذا، على كل حال هذا دليل على أن .. ، وسيأتي هذا الحديث -إن شاء الله-، هذا دليل على أن المقصود الجهة وليس المقصود عين الكعبة؛ لأنه يستحيل.
((فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا)) اتقاءً للاستقبال والاستدبار.
"قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة" يعني جهة الكعبة، فننحرف عنها يميناً أو شمالاً، ونستغفر الله -عز وجل-.(2/26)
فعلى من دخل مرحاضاً بني تجاه الكعبة أو يستدبر فيه الكعبة أن ينحرف يمنياً أو شمالاً بما يحقق امتثال: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، وهذا الحديث خصه بعضهم في الصحاري دون البنيان، أما البنيان لا يدخل، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يقبض بعام كما في حديث عبد الله بن عمر أنه رقي على بيت أخته حفصة فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، منهم من يقول: هذا في البنيان وذاك في الصحاري، وهذا قول له وجه، أقوى من قول إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، منهم من يقول: إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- والأمر يتجه إلى عموم الأمة، "لا تستقبلوا ... ولا تستدبروا" هذا للجميع، وكونه -عليه الصلاة والسلام- قضى حاجته مستدبر الكعبة هذا خاص به، نقول: التخصيص يحتاج إلى دليل، وأمر آخر وهو أن التخصيص قد يسلك للجمع بين النصوص، لكن لا بد من ملاحظة المعنى، هل استقبال القبلة واستدبار القبلة بالبول والغائط أكمل أو تركه أكمل؟ نعم؟ يعني ترك الاستقبال والاستدبار من تعظيم شعائر الله -عز وجل-، تعظيم الكعبة المعظمة عند الله -عز وجل-، فعدم الاستقبال والاستدبار أكمل من الاستقبال والاستدبار، فكيف نقول: إن الأمة يطلب منها ما هو أكمل مما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يلاحظ هذا وإلا ما يلاحظ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعيد، واضح وإلا مو بواضح؟
طالب:. . . . . . . . .(2/27)
نقول: الاستقبال والاستدبار من باب تعظيم هذه الجهة التي فيها بيت الله -عز وجل-، وتعظيم هذا البيت من تعظيم شعائر الله -عز وجل-، وتعظيمها من تقوى القلوب، فهو أكمل من عدمه، فكيف نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يفعل ما هو خلاف الأكمل والأمة ممنوعة من أن تفعل خلاف الأكمل؟ كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فالقول بأن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا وجه له، أوجه منه أن يقال: هذا خاص بالبنيان، ويبقى النهي في الصحاري، ومنهم من قال: فعله -عليه الصلاة والسلام- ناسخ للاستدبار خلاف الاستقبال؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قضى حاجته مستدبر الكعبة مستقبل الشام، والقول بالنسخ يحتاج إلى دليل، نعم معروف المتأخر من المتقدم، لكن إذا أمكن الجمع بين النصوص والعمل بالنصوص كلها أولى من القول بالنسخ؛ لأنه تعطيل لبعض النصوص، القول بالنسخ تعطيل لبعض النصوص، فأولى ما يقال: إن هذا خاص بالبنيان، ويبقى النهي عن الاستقبال الاستدبار في الصحاري، ومع ذلكم ما فعله أبو أيوب أحوط.
ماذا يقول؟ "قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها" ننحرف عنها يميناً أو شمالاً "ونستغفر الله -عز وجل-" اعتراف بأن هذه المراحيض التي بنيت على غير هدى، وإن كانت في البنيان، فينبغي أن تعظم الكعبة، لكن لا يأثم من استقبل واستدبر في البنيان، ومع ذلكم الأكمل أن لا تكون تجاه الكعبة؛ لأن من أهل العلم من يرى الطرد أنه لا يجوز الاستقبال والاستدبار حتى في البنيان، نعم.
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: "رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي - -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستقبل الشام, مستدبر الكعبة".
هذا الحديث حديث ابن عمر الذي أشرنا إليه في شرح الحديث السابق وقلنا: إنه محمول على البنيان، نعم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء, فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء".
والعنزة: الحربة الصغيرة.
والإداوة؟ إناء صغير من جلد، ما عندك؟ ما روجع بعد الطبع.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا.(2/28)
حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء, يعني لقضاء حاجته فأحمل أنا وغلام، أحمل أنا وغلام، نعم أنس غلام يحمل هو وغلام نحوه من الغلام هذا؟ نعم عبد الله بن مسعود، لكن هل هو غلام أو ليس بغلام؟ ابن مسعود في ذلك الوقت غلام وإلا ليس بغلام؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن مسعود، ابن معسود، أنس صغير صحيح، لكن قوله: "نحو" يعني أنس من أسنان ابن مسعود أو قريب في السن؟ ابن مسعود أكبر بكثير.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو ابن مسعود ما في إشكال، هو ابن مسعود -رضي الله عنه-، أما قوله: "نحوي" هو غلام باعتبار ما كان، وباعتبار أن الخدمة كانت من شأن الغلمان أطلق عليه الغلمان من هذه الحيثية، وقوله: "نحوي" يعني ليس في السن نحوي في السن، إنما نحوي في الخدمة وإلا ابن مسعود أكبر من أنس يمكن بثلاثين سنة يمكن، كبير ابن مسعود -رضي الله عنه-.
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام" أنا هذه ما فائدتها؟ الضمير هذا؟ إعراب الضمير "فأحمل أنا وغلام" ولما جيء به؟ نعم؟ فأحمل أنا وغلام، نعم، يقولون: الفائدة لمجيء بالضمير هنا فأحمل أنا وغلام، لماذا ما قال: فأحمل وغلام؟ والفاعل ضمير مستتر في أحمل؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المسألة لغوية ما يحتاج، لا بد من الإتيان بهذا الضمير، لا بد من الإتيان به، لا بد من الفاصل هنا؛ لأنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع إلا مع وجود الفاصل.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
لا بد، فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... فالنظم فاشياً وضعفه اعتقد
فلا بد من الإتيان بضمير الفصل في مثل هذا.
"فأحمل أنا وغلام نحوي" في الخدمة لا في السن "معي إداوة" الإداوة إناء صغير من جلد، كما قال المؤلف -رحمه الله- "إداوة من ماء" (من) هذه يقولون: بيانية، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [(30) سورة الحج] فمن هذه بيانية.(2/29)
"إداوة من ماء وعنزة" العنزة: هي الحربة الصغيرة تغرس في الأرض، ويلقى عليها ثوب يستتر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويستتر بها في الصلاة العنزة، وليس المراد بها .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى عنزة، يعني سترة، ليس المراد بها القبيلة، كما قال بعضهم، شخص عنزي قال: نحن قوم لنا شرف صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن كان صلى إليكم أيضاً بال إليكم، نعم، لا، لا ليس المراد هذا، هذا جهل، إن لم يكن عاد على سبيل .. ، قالها على سبيل الطرفة وإلا ما يمكن، بعضهم قال: عنزة المراد بها العنز الحيوان المعروف، ورواه بعضهم بالمعنى وصحّف وقال .. ، أولاً صحف فقال: عنزة، سكن النون، ثم رأى أن يري ذلك بالمعنى فقال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شاه، والمراد بها الحربة الصغيرة، يصلي إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتلقى بين يديه ليقضي حاجته أمامها، ليستتر بما يلقى عليها من ثوب ونحوه.
"فأحمل أنا وغلام نحوي إدواة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء" يستنجي بالماء، فالاستنجاء بالماء مجزئ إجماعاً، وإن وجد من يخالف في الصدر الأول، وجد خلاف وأن الماء لا يجزئ، وأنه .. ، بل لا يجوز الاستنجاء به؛ لأنه من النعم الذي يجب احترامها، لكن مثل هذا الحديث يرد مثل هذا الكلام، فالاستنجاء بالماء هو الأصل، وهو الذي يقطع أثر الخارج بالكلية، أما الاستجمار بالحجارة فيخفف، لكن ما يقطعه بالكلية، كما تقدم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ليس بوارد، لا ما يلزم، هذا ليس بلازم، النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء فقط، واستجمر بالحجارة فقط.
جاء في حديث فيه مقال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذهب إلى أهل قباء، وذكر أن الله أثنى عليهم، وأنهم يحبون أن يتطهروا، فسألهم لماذا؟ قالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، لكن الخبر ضعيف، فثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه استنجى بالماء فقط، وثبت عنه أنه استجمر بالحجارة فقط، وأما الجمع بينهما فلم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ضعيفة، ضعيفة، القصة ضعيفة، نعم.(2/30)
جاء من حديث عائشة قالت لنساء المسلمين: "مروا أزواجكم أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحيهم" لكن هذا من فهمها -رضي الله عنها-، أما من فعله -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء فقط، واستجمر بالحجارة فقط، فمن أراد أن يخفف فاستعمل مناديل وشبهها؛ لئلا يباشر النجاسة المغلظة بيده، ثم يتبع ذلك الماء من غير تعبد بهذا لا بأس، أما الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- فهو ما ذكرنا، نعم.
وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)).
عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-: أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يمسن)) أو ((لا يمسكن)) ((لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) وهذا داخل فيما تقدم من أن اليمين تكون للأعمال الشريفة، بخلاف الشمال فهي لما يستقبح، فنهي الإنسان أن يمس ذكره بيمينه حال البول، هل مفهوم هذا أنه له أن يمس ذكره بيمينه في غير حالة البول، بمعنى وهو يبول حال، والحال أنه يبول ((ولا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) مفهوم هذا أنه له أن يمس ذكره بيمينه في غير حال البول، فيكون النهي خاص بحال البول، لكن مع ذلكم الأصول العامة والأدلة التي تقدم شيء منها تدل على أنه لا يمس ذكره بيمينه مطلقاً؛ لأن هذا مما يستقذر ويستقبح، فلو احتاج إلى أن يمس ذكره استعمل الشمال، ويستوي في ذلك الفرجان القبل والدبر، لهما من اليدين الشمال، وأما اليمين فينبغي أن تكرم عن مثل هذا.
((ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)) بل يستعمل في ذلك يده الشمال؛ لأن اليمين ينبغي أن تحترم، فتستعمل فيما يحمد وفيما يمدح، في الأمور الشريفة لا الأمور الوضيعة.(2/31)
((ولا يتنفس في الإناء)) النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا شرب شرب ثلاثاً، يتنفس خارج الإناء؛ لئلا يخرج منه شيء مما يستقذر، وكذلكم النفس له رائحة كريهة، ويحتمل أن يصاحب هذه الرائحة أمور تخفى على الناس، أثبت الطب أن هناك جراثيم لا تدرك بالعين المجردة، تخرج من الإنسان مع النفس فكونه يتنفس خارج الإناء هذا هو المطلوب، والتنفس في الإناء مكروه كراهية شديدة عند أهل العلم؛ لما ثبت فيه من النهي؛ لأنه يقذره، إما على نفسه إن أراد معاودة الشرب، أو على غيره ممن ينتظره ممن يريد الشرب بعده، نعم.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول, وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة)) فأخذ جريدة رطبة, فشقها نصفين, فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله, لم فعلت هذا؟ قال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين" ابن عباس يحكي هذه القصة من فعله -عليه الصلاة والسلام- "بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان)) " أطلع النبي -عليه الصلاة والسلام- على حقيقة حالهما وأنهما يعذبان، وأما من عداه -عليه الصلاة والسلام-، لا يدري أحد صاحب القبر هذا منعم أو معذب؟ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما مر بهذين القبرين أطلع على ما في داخلهما من العذاب.
((إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير)) وما يعذبان في كبير يعني في نظر الناس؛ لأن الناس يتساهلون في هذا الأمر، ((وما يعذبان في كبير)) يعني على حد زعم الناس ومزاولتهم لهما، فالناس يزاولون هذين الأمرين بينهم من غير نكير في الغالب استخفافاً بهما، مما يدل على أنهما صغيران في نظر الناس، ولذا قال في بعض الروايات: ((وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير)) والنميمة من عظائم الأمور، والنمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر.(2/32)
((أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول)) لا يستتر، وفي رواية: ((لا يستبرئ)) وفي رواية: ((لا يستنزه من البول)) فدل على أنه لا يحتاط لنفسه فيغسل النجاسات من بدنه أو ثوبه، أو ما يحتاج إليه، لا يجعل بينه وبين هذه النجاسات سترة، ساتر وحاجز، فدل على أنه يباشر النجاسة، لا يستتر من بوله، من البول، وفي رواية: ((من بوله)) وفي هذا رد على من حمل الحديث على عمومه، لا يستتر من البول، واستدل بهذا الحديث على أن البول نجس بإطلاق، ويدخل فيه بول مأكول اللحم، الشافعية يستدلون بهذا على أن بول مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم كله نجس؛ لأن هذا عذب؛ لأنه لا يستتر من البول، والبول مقترن بـ (أل)، و (أل) هذه عندهم جنسية فتشمل جميع الأبوال، لكن الرواية الأخرى تدل على أن هذه عوض الضمير، فكان لا يستبرئ أو لا يستنزه من بوله، فدل على أنه بول آدمي، وبول الآدمي نجس بالإجماع، وليس في هذا ما يستدل به لنجاسة أبوال مأكول اللحم، بل دل الدليل على أنها طاهرة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فدل على أنها طاهرة، طاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على بعير ولا يؤمن أن يبول البعير في المطاف، فدل على طهارة بوله.
المقصود أنه لا يمكن حمل الحديث على عمومه بما ذكرنا، فمجانبة النجاسات واجبة، وهذا عُذب؛ لأنه لا يستنزه من بوله، ولا يستبرئ البراءة التامة من بوله، فدل على أن الاستبراء من البول واجب، بل كبيرة، عدم الاستبراء من البول كبيرة، كيف يتقرب بجسد نجس؟
((وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة))
النميمة نقل الكلام بقصد الإفساد، فالذي ينقل الكلام بقصد الإفساد نمام، ولا يدخل الجنة نمام قتات، نسأل الله العافية، قصده أن يفسد بين الناس، قصده أن يوغر الصدور على الأخيار، أو حتى على عموم الناس، لكن من ينقل أقوال الأخيار ليوغر صدور الناس لا سيما من بيده ضرر، وإن كان النافع والضار هو الله -عز وجل-، لكن بعض الناس مكنهم الله -جل وعلا- من بعض، فمن ينقل كلام الناس من أجل الضرر هذا نمام.(2/33)
عمدة الأحكام كتاب الطهارة (3)
باب السواك - باب المسح على الخفين - باب في المذي وغيره - باب الجنابة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
فمن ينقل كلام الناس من أجل الضرر هذا نمام، نعم إن كان قصده الإصلاح، سمع كلام من شخص أو عرف من حال شخص أنه يريد أن يرتكب ما يضر بالآخرين هذا لا كرامة يخبر عنه، كم موقف قال الصحابة: لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا فيما يخشى منه ضرر متعدي، لكن شخص لا ضرر منه متعدي، ولا يخاف منه، ينقل الكلام من أجل أن توغر الصدور عليه، ويناله من الضرر ما يناله، هذا يدخل في الحديث دخولاً أولياً، فيتقي الله المسلم في أن يلحق الضرر بالآخرين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يجوز له النقل حتى. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
نعم يدخل، إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة فلا مانع؛ لأن المصالح تقدر بقدرها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لكن إذا كانت المفسدة مغمورة بالنسبة للمصلحة التي يحققها مثل هذا النقل هذا مطلوب، وعرفنا من المواقف قال الصحابة لبعضهم: لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. . . . . . . . .، إما أن ينقل كلام بعض الناس وقد تسلط بعض السفهاء حتى على خيار الناس ينقلون كلامهم من أجل أن يوغروا بهم صدور من بيده الأمر من الحكام وغيرهم، هذه جريمة نسأل الله العافية.
نعم إذا كان هناك ضرر متعدي يخشى من هذا الشخص لا كرامة له ينقل كلامه، ويحذر منه، لكن إذا كان ما هناك ضرر منه، فلا يجوز نقل كلامه، وهو داخل في النميمة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينقل إليه الكلام ليخرج سالم الصدر لأصحابه، وهكذا ينبغي أن يتخذ موقف صارم من الذين يتكلمون في أعراض الناس، أو ينمون، ينقلون كلامهم من أجل الإفساد، الدفاع عن أعراض المسلمين فرض متحتم، فأعراض المسلمين حفرة من حفار النار كما يقول ابن دقيق العيد: "وقف على شفيرها العلماء والحكام" يعني لكثرة من يقع في أعراض العلماء، لكثرة من يقع في أعراض الحكام، وقفوا على شفير هذه الحفرة يدفعون من يقع في أعراضهم فيها، حفرة من حفر النار نسأل الله السلامة والعافية.(3/1)
((وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) والنميمة عرفنا أنها نقل الكلام من أجل الإفساد، فأخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- جريدة رطبة، وهذا نوع من أنواع الشفاعة منه -عليه الصلاة والسلام-، فشقها نصفين، رطبة، وكونها رطبة لما جاء في بعض الأخبار أن الرطب يسبح بخلاف اليابس، والتسبيح يخفف، فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، استغرب الصحابة فقالوا: يا رسول الله لما فعلت هذا؟ فقال: ((لعله))، لعله هذا رجاء منه -عليه الصلاة والسلام- ((يخفف عنهما ما لم ييبسا)) وهذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، ليس لأحد من بعده أن يأتي إلى قبور فيغرس فيها مثل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ما يدريك أنه يعذب؟ وما يدريك أنه يخفف عنه بسبب صنيعك؟ وقد يقترن هذا الفعل بتزكية النفس، لكن من يستحق أن يفعل هذا الفعل كالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، هذا ما فعله خيار الأمة، نعم أثر عن بعض الصحابة، لكن ما فعله الكبار كأبي بكر وعمر والتابعين لهم بإحسان ما فعلوا هذا، اجتهد بعضهم وفعل لكن هو اجتهاد في غير محله، فهذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي أطلع على حقيقة ما في هذه القبور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الجريدة العسيب، عسيب النخل، العصا حق النخل هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) وجاءت: ((غفرانك)) صحيح، إذا خرج من الخلاء قال: ((غفرانك)) هذا صحيح في الصحيح، ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) كل هذا صحيح، يحمد الله -جل وعلا- أن يسر له إخراج هذا الأذى الذي لو بقي في جسده لتسمم وضره، ويستغفر من فعله خلاف الأولى، هو ما فعل محظور، لكن هو فعل خلاف الأولى حيث ترك الذكر في هذه المدة اليسيرة التي قضى فيها حاجته، فدل على أن الإنسان ينبغي له أن يلزم الذكر، إذا ترك الذكر في هذا الظرف يستغفر؛ لأنه ترك الذكر، ترك ما أمر به، فيستدرك ما فاته في هذه المدة، نعم.
باب السواك
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)).(3/2)
نعم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وفي رواية علقها البخاري: ((عند كل وضوء))، فالسواك: هو استعمال ما يزيل الأوساخ التي على الأسنان من عود رطب ونحوه هذا سنة مؤكدة، ولولا ما خشيه النبي -عليه الصلاة والسلام- من المشقة على أمته، وهو بهم رؤوف رحيم -عليه الصلاة والسلام-، شفيق على أمته، بُعث ميسراً بالحنيفية السمحة، فلولا هذه المشقة المترتبة على الأمر الذي هو على جهة الوجوب لأمرهم أمر وجوب، فالأمر أمر استحباب موجود، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) يعني أمر وجوب أما أمر الاستحباب فهو ثابت، فالسواك مستحب.
((لولا أن أشق)) (لولا) حرف امتناع لوجود، امتنع الأمر أمر إيجاد السواك لوجود المشقة، جاء الحث على السواك، والحض عليه، وبيان أنه مطهرة للفم، مرضاة للرب، أمر الاستحباب موجود، وفعله -عليه الصلاة والسلام- يدل على أنه مستحب، وسياق الحديث يدل على أنه مستحب، والأمر المنفي هو أمر الوجوب، وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن الأمر الأصل فيه الوجوب، فمثل هذا الحديث، ((لأمرتهم)) انتفى الأمر، والمراد به أمر الوجوب، إضافة إلى قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النور] فرتب العقوبة على مخالفة الأمر فدل على أن الأمر الأصل فيه الوجوب.
((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) السواك يطلق على الآلة التي يستاك بها من عود ونحوه، ويطلق أيضاً على الفعل الذي هو التسوك، وجمع السواك؟ هاه؟ سُوُك، جمع السواك سُوُك، بعض الناس يقولون: مساويك، المساويك هذه .. ، مساويك تقابلك محاسنك، لا، جمع السواك سُوُك، كتاب: كتب، نعم كتاب جمعه: كتب، سواك جمعه سُوُك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أفعلة هذه جمع قلة.(3/3)
((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) ((عند كل صلاة)) العموم يقتضي استحباب السواك عند جميع الصلوات المفروضة والنوافل، الصلاة العادية ذات الركوع والسجود، صلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء، صلاة العيد، صلاة الجنازة وغيرها يؤمر بالسواك.
وجاء في الحديث الذي صححه بعضهم وهو لا يصل إلى درجة الصحيح أن الصلاة بالسواك عن سبعين صلاة، الصلاة بالسواك عن سبعين صلاة، وكثير من الناس يفرط في هذا، أمر الاستحباب ثابت، ((عند كل صلاة)) يعني في جميع الأوقات، بما في ذلك صلاة الظهر والعصر بالنسبة للصائم، أما كراهية السواك للصائم بعد الزوال فالخبر فيه ضعيف جداً، وهذا الحديث وما جاء في معناه من كونه -عليه الصلاة والسلام- كان يستاك وهو صائم، يدل على أن السواك لا يمنع في أي وقت من الأوقات، وما يقوله من يمنع السواك للصائم بعد الزوال وأنه يذهب الخلوف الذي هو عند الله أطيب من ريح المسك لا قيمة له؛ لأن الخلوف لا ينبعث من الفم، ينبعث من المعدة، ولا ينبعث من الفم، فالسواك لا يزيل هذا الأثر الطيب المحمود شرعاً، وما جاء في ذلك من الخبر فهو ضعيف، فالسواك مستحب عند كل صلاة، وعند كل وضوء كما علقه البخاري -رحمه الله- بصيغة الجزم.
يستحب أيضاً السواك عند تغير الفم، وعند قراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند طول السكوت، في مواضع كثيرة ذكرها أهل العلم، بعضها لها ما يدل عليه بخصوصها، وبعضها بالقياس، نعم.
من نظر إلى العلة قال: يثبت فضل السواك بكل ما يزيل الأوساخ من خرقة أو منديل أو أصبع خشنة، والذي نظر إلى اللفظ قال: السواك لا ينصرف إلا إلى العود الذي يتسوك به، لكن من نظر إلى العلة ولم يكن في حضرته سواك في ذلك الوقت واحتاج أن يستعمل أصبعه للإزالة يحصل له -إن شاء الله- الأجر، نعم.
وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك".
يشوص معناه: يغسل، يقال: شاصه يشوصه، وماصه يموصه إذا غسله.(3/4)
"عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وكان في الأصل تدل على الاستمرار هذا الأصل "إذا قام من الليل" يعني من نوم الليل، والنائم لا شك أنه يتغير الفم، تتغير رائحة الفم من طول السكوت وإطباق الشفتين، ولما يتصاعد من الأبخرة من المعدة، تتغير رائحته، ووتراكم الأوساخ على أسنانه من جراء ما ذُكر، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قام من الليل يشوص، يشوص يعني يدلك ويغسل، غسل كل شيء بحسبه، "يشوص فاه بالسواك" يعني يدلك فاه بالسواك، وغسل الفم يكون بدلكه بالسواك، وإذا كان مع الوضوء فهو أكمل، ولذا جاء الأمر بالسواك، أمر استحباب مع كل وضوء على ما ذكرناه، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا مسندته إلى صدري, ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصره فأخذت السواك فقضمته فطيبته, ثم دفعته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستن به، فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استن استناناً أحسن منه, فما عدا أن فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رفع يده أو إصبعه ثم قال: ((في الرفيق الأعلى)) ثلاثاً، ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي.
وفي لفظ: "فرأيته ينظر إليه, وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم.
هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه.
عائشة -رضي الله عنها- تذكر أنه -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره -عليه الصلاة والسلام-، بل في آخر لحظاته يحرص على هذه السنة العظيمة التي هي الاستياك.
قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر" تعني أخاها "على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنا مسندته إلى صدري" لأنه -عليه الصلاة والسلام- في آخر أيامه لا يثبت بنفسه لما فيه من مرض، كان -عليه الصلاة والسلام- يوعك ويشتد به الألم كما يوعك الرجلان منكم، يعني ضُعف عليه المرض والألم، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: ذلك أن لك أجرين؟ قال: ((أجل)) اللهم صل على محمد.(3/5)
وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، يعني يستاك به، سواك رطب يستاك به -رضي الله عنه وأرضاه-، "فأبده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصره" حدد إليه النظر، وعرفت عائشة ماذا يريد؟ من اشتغل بخدمة إنسان عرف ما يحبه ذلك الإنسان وما يكرهه، وإلا الذي لم يشتغل بالخدمة، ولم يلتصق بالمرء لا يعرف ما يريد بمجرد نظر، فهي عرفت من خلال المعاشرة والمخالطة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحب السواك، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، قضمته لينته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويحتمل أنها قضمته لتقطع القسم الذي استاك به أخوها، المقصود أنه محتمل، ومعلوم أن سؤر الآدمي طاهر، نعم قد يستقذر، لكن يحتمل أنها قضمته يعني قطعت منه الجزء الذي استعمله أخوها.(3/6)
فقضمته فطيبته, بما تطيب رائحته، ثم دفعته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فاستن به، أعطته إياه، استن به يعني استاك به، "فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استن استناناً أحسن منه" -عليه الصلاة والسلام-، حرصاً على هذه السنة، والموفق لا يفرط بشيء من السنن حتى في أحلك الظروف والأحوال، وكثير من الناس يشاهدونه في الأوقات التي تضيق بالنسبة له، يهدر كثير من الواجبات فضلاً عن السنن، يتخفف من الواجبات لأدنى سبب، ويعذر نفسه بأدنى عذر عن الواجبات يتخفف، يقول: الله غفور رحيم، لأدنى عذر، يصاب بزكام فيترك الصلاة مع الجماعة، وعكة خفيفة يترك الصلاة، يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، يقول: الله غفور رحيم، نعم الله غفور رحيم، رحمته وسعت كل شيء، كتبها لمن؟ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا} [(156) سورة الأعراف] لمن؟ للمفرطين الذين يزاولون المنكرات؟! ويعتمدون على سعة رحمة الله؟! لا، هو غفور رحيم كما أخبر عن نفسه -جل وعلا-، لكنه مع ذلكم شديد العقاب، والله -سبحانه وتعالى- يغار، ولذا حدت الحدود، يزني الزاني ويقول: الله غفور رحيم، ويسرق السارق ويقول: الله غفور رحيم، رحمة الله -جل وعلا- لا تحد، وسعت كل شيء، لكن مع ذلكم هناك مع هذا الوعد وعيد، وعلى المسلم أن ينظر إلى النصوص مجتمعة، لا ينظر إلى الوعد فقط، فيصاب باليأس والقنوط، ويسلك مسالك الخوارج، ولا ينظر إلى نصوص الوعد معرضاً عن نصوص الوعيد فيسلك مسلك الإرجاء وينسلخ من الدين وهو لا يشعر، لا، على الإنسان أن يتوسط في أموره، كما هو مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة، النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فرط في هذه السنة، رغم ما يكابده من آلام وأوجاع، ومن عرف الله، وتعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، من أراد أن ينظر الشاهد على ذلك -الشواهد الحية على ذلك- يزور المرضى في المستشفيات، لا سيما من كانت أمراضهم شديدة مقلقة، بل ينظر إلى أماكن العناية، وينظر الفروق، دخلنا المستشفى مرة فإذا بشخص أكثر من ثمانين عمره، في آخر لحظاته على لسانه اللعن والسب والشتم، لا يفتر عن ذلك، كبير السن في آخر لحظاته، أين أنت؟ الله يفعل ويترك، يلعن باللعن الصريح،(3/7)
وخرجنا من عنده وهو على هذه الحالة؛ لأنه عاش أيام الرخاء على هذه الحالة، وشخص بل أشخاص في العناية لا يعرف الزائرين ويُسمع القرآن منه ظاهر، يرتل القرآن ترتيلاً، وهو لا يعرف من حوله، مغمىً عليه، وكم من شخص في حال إغماء فإذا جاء وقت الأذان أذن، أذان واضح وظاهر، يسمع منه، وكم من شخص يلازم الذكر وهو في العناية، وترى علامات الذكر على وجهه، وقدم تجد، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، أما لأدنى سبب تعذر نفسك وتترك الواجبات فضلاً عن المستحبات، هذا في النهاية ما تجد شيء، ما تعان، كثير من طلاب العلم مع الأسف الشديد ليس لهم نصيب كما ينبغي من كتاب الله -عز وجل-، فإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة في الأوقات المفضلة في العشر الأواخر من رمضان في مكة يتفرغ للعبادة فيجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب يتعرض لنفحات الله في ذلك الوقت، يفتح المصحف لكن ليس له رصيد سابق طول عمره، يريد أن يستغل هذه الأيام، هل يعان على قراءة القرآن؟ ما يعان، ما يعان أبداً، هذا شاهد وحاضر، يعني موجود الشواهد، تجد شخص من خيار الناس يفتح المصحف بعد صلاة العصر بخمس دقائق ثم يغلق المصحف يمل، يتلفت يمين شمال لعله يشوف أحداً يقضي معه بعض الوقت ينفس عنه، في كربة ينفس عنك؟! لكن رأينا من ينظر في الساعة كيف تمشي بسرعة قبل أن يكمل ما حدده من التلاوة، حزبه الذي اعتاده، بعض الناس يقول: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) الحج أربعة أيام، يقول: لو الإنسان يخيط الشفتين خياطة ما عليه. . . . . . . . . لو سكت أربعة أيام؟ لكن هل يعان على السكوت وهو طول أيامه أيام الرخاء قيل وقال، والله ما يعان الإنسان، فعلى الإنسان أن يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء ليُعرف في مثل هذه اللحظات، كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] في العناية شخص يلعن ويسب ويشتم وشخص يقرأ القرآن، يعني الله -جل وعلا- ظلم هذا ولطف بهذا؟ هذا ما قدم، وهذا ما قدم، والنتيجة أمامك، النبي -عليه الصلاة والسلام- يكابد من المرض ما يكابد، ويحرص على تطبيق السنة -عليه الصلاة والسلام-.(3/8)
"فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استن استناناً أحسن منه، فما عدا أن فرغ" مجرد ما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "رفع يده أو إصبعه، ثم قال: ((في الرفيق الأعلى)) ثلاثاً، ثم قضى -عليه الصلاة والسلام-" مات، خرجت روحه الشريفة إلى باريها "وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي".
الوهدة المنخفضة بين الترقوتين، والذقن معروف مكان اللحية.
"مات بين سحري ونحري" وهذا من مناقبها -رضي الله عنها-.
وفي لفظ: "فرأيته ينظر إليه, وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم" -عليه الصلاة والسلام-، "هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه".
فعلينا أن نحرص أشد الحرص على الواجبات، وما تقرب أحد إلى الله بأفضل مما افترض عليه، ويحرص أيضاً على تطبيق السنن في الرخاء ليمكن منها في الشدة وليألفها وليتجاوز مرحلة الاختبار إلى مرحلة التلذذ بالطاعة والعبادة، يكون له نصيب من الذكر، من التلاوة، من الانكسار بين يدي الله -عز وجل-، ليعرف إذا احتاج فيما بعد، ليكتب له هذا العمل إذا مرض وعجز عنه، يستمر له هذا العمل، الحديث الأخير.
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يستاك بسواك رطب، قال: وطرف السواك على لسانه وهو يقول: أع، أع, والسواك في فيه كأنه يتهوع".
حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يستاك بسواك رطب" يعني في كيفية الاستياك، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن في سواكه، وعرفنا أن المراد به أنه يبدأ بشقه الأيمن وليس معناه أنه يستاك بيده اليمنى.
يستاك بسواك رطب, قال: وطرف السواك على لسانه، يستاك بالنسبة للأسنان عرضاً، العرض من اليمين إلى الشمال، وبالنسبة إلى اللسان طول من طرفه إلى آخره، وهو على لسانه وهو يقول: أع، أع، ولا يمكن أن يصدر مثل هذا إلا إذا وصل السواك إلى آخر اللسان، كأنه يتهوع، كأنه يريد أن يتقيأ، ولا يمكن أن يصل إلى مثل هذا المستوى إلا إذا كان السواك قد وصل إلى آخر اللسان، نعم.
باب المسح على الخفين:(3/9)
عن المغيرة بن شعبة قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر, فأهويت لأنزع خفيه, فقال: ((دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما".
وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فبال فتوضأ ومسح على خفيه" مختصَراً.
باب المسح على الخفين:
والمسح مقابل الغسل، ولذا شروط الوضوء والأعضاء المفروض تطهيرها ورفع الحدث عنها منها ما يجب غسله بحيث يتردد الماء على العضو، ومنها ما يكفي فيه المسح، مما يجب غسله الوجه واليدين والرجلين، ويكفي في الرأس المسح، والرجل إذا كانت مكشوفة يجب غسلها، وسبق حديث: ((ويل للأعقاب من النار)) وجاء في الحديث: ((أسبغوا الوضوء)) وإسباغ الوضوء على المكاره، لكن من باب التخفيف يمسح ما يغطي القدم رفعاً للمشقة، وتيسيراً على الأمة، فإذا كان على القدم مما يستر المحل المفروض ما يغطيه من خف أو جورب فإنه يمسح، وقد ثبت المسح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من طريق سبعين صحابياً، فهو متواتر، المسح على الخفين متواتر، ولا ينكره إلا مبتدع، ولذا يدخل أهل العلم مسألة المسح على الخفين في كتب العقائد؛ لأنه متواتر، ومنكر المتواتر معلوم أمره على خطر عظيم؛ لأنه مفيد للعلم القطعي.(3/10)
فثبت عن أكثر من سبعين صحابياً أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على خفه، من ذلكم حديث المغيرة، المغيرة بن شعبة قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر" سفر غزوة تبوك، "فأهويت لأنزع خفيه" أهوى وهوى إذا انحط من علو إلى سفل، ولذا جاء في الحديث الصحيح: وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، فأهوى المغيرة، نزل من علو إلى سفل، من أجل أن ينزع يخلع الخفين، خفي النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المفروض غسل الرجلين، ولا يتم الغسل إلا بنزع ما عليهما مما يحول دون الغسل، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعهما)) يعني اتركهما، اترك الخفين على القدمين؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد المسح عليهما، وقد تحقق الشرط، ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) فمسح عليهما -عليه الصلاة والسلام-، ((دعهما)) اتركهما فلا تنزعهما، لماذا؟ لأنه يريد المسح عليهما، والشرط متحقق، لا بد أن يلبس الخفين على طهارة، ((فإني أدخلتهما طاهرتين)) حال كونهما طاهرتين، الآن الخف تدخل وإلا يدخل القدم فيهما؟ وطاهرتين حال من الخف أو من القدم؟ دعهما دع الخفين اللذين أراد نزعهما، ((فإني أدخلتهما)) يعني الخفين أو القدمين؟ نعم، ((أدخلتهما)) أدخلتهما إيش؟ أدخلت الخفين وإلا القدمين؟ ((فإني أدخلتهما)) يعني القدمين، ((طاهرتين)) يعني حال كونهما طاهرتين، ومقتضى الحال أن تكونا طاهرتين معاً، وبهذا يعرف ضعف قول من يقول: إنه يغسل الرجل اليمنى فيدخلها في الخف، ثم يغسل اليسرى فيدخلها في الخف، بل لا بد أن يدخلهما حال كونهما طاهرتين معاً.(3/11)
لو افترضنا أن شخصاً توضأ ثم غسل الرجل اليمنى فأدخلها في الخف، ثم غسل الرجل اليسرى فأدخلها في الخف، يصح أن يقال: أدخلتهما طاهرتين؟ يعني معاً، هذا ظاهر اللفظ، أدخل واحدة طاهرة ثم أدخل واحدة طاهرة، إذن لو فعل ذلك ماذا يصنع؟ لو غسل اليمنى ثم أدخلها الخف، ثم غسل اليسرى فأدخلها الخف، يعني أدخل اليمنى قبل تمام الطهارة، أدخل اليمنى قبل تمام الطهارة، يقول أهل العلم: يلزمه أن ينزع الخف اليمنى ثم يلبسها، والذي يقول بجواز أن تغسل اليمنى وتدخل الخف ثم تغسل اليسرى يقول: مجرد نزع اليمنى من غير إحداث عمل يتعلق بالطهارة عبث، إيش معنى اخلع خفك ثم البسه؟ يقول: عبث، كيف عبث؟ لكن إذا أدخل اليمنى قبل تمام الطهارة يصح أن يقال: إنه أدخلهما طاهرتين؟ ما يصح، ظاهر اللفظ يقتضي أن تكونا معاً حال الإدخال طاهرتين، هذا ظاهر اللفظ، أما كونه يخلع خفه اليمنى ثم يلبسها ويقول: عبث؟ ليس بعبث، تحقيقاً لطهارة القدمين معاً.(3/12)
يشترطون في الخف إضافة إلى ما ذُكر في الحديث إدخالهما والقدمان طاهرتين، أن يكون الخف ساتر للمحل المفروض؛ لأن ما بدا من المحل المفروض وانكشف فرضه الغسل، فعلى هذا لا يجوز المسح على الخف المخرق ولا على الرقيق الذي يصف المحل المفروض؛ لأن ما ظهر مما افترض غسله فرضه الغسل، ولا يكفي فيه المسح، وجمع من أهل العلم يرون أنه لا مانع من أن يمسح على الخف المخرق الشفاف وما لا يثبت بنفسه إلا بشده، وأن غالب خفاف الصحابة لضيق الحال عندهم من هذا النوع، المقصود أن الأصل في الطهارة غسل القدم، وهو المنصوص عليه في كتاب الله -عز وجل-، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- مسح على الخفين تخفيفاً على الأمة هذا شرع، شرع ملزم يجب العمل به، لكن هل معنى هذا أننا نتنازل عن الأصل؟ الأصل في القدم أن تغسل ظهر جزء من القدم يجب أن يغسل، فعلى هذا لا بد أن يكون الخف ساتر للمحل المفروض من غير شقوق ولا خروق، يسمى خف، حقيقته حقيقة الخف، لكن لو لم تكن حقيقته حقيقة الخف، من رآه ما قال عليه خف؟ شخص مشى في الطين إلى الكعبين ستر المحل المفروض بطين، ويبس هذا الطين، نقول: امسح عليه؟ وإلا اغسله؟ هذا ليس بخف، يغسل، لا بد أن يغسل هذا الطين، ويغسل المحل المفروض، لا بد أن يكون خف الممسوح عليه أو في حكمه مما يشق نزعه، وأن يكون ساتر، بمعنى أن يكون غير مخرق، ولا صفيق يستر المحل الفروض.
أنكر المسح على الخفين طوائف من المبتدعة، لكن لا عبرة بقولهم مع ثبوته عن سبعين صحابياً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وثبت من حديث جرير بن عبد الله البجلي، وإسلام جرير -رضي الله عنه- بعد نزول المائدة التي فيها التنصيص على غسل الرجلين، فهل المسح ناسخ أو مبين؟ نقول: هل المسح ناسخ لغسل الرجلين أو مبين؟ نعم؟ نعم قدر زائد على ما جاء في كتاب الله -عز وجل-، يبين أنه في حالة لبس الخف يكفي المسح، وفي حالة نزعه يجب غسل الرجلين إلى الكعبين.(3/13)
في هذا خدمة الكبير، وأنه لا يزري بالخادم، إذا كان ممن يستحق الخدمة، فالصحابة كلهم يخدمون النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما سبق في حديث أنس: "كنت أحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة" يخدمونه -عليه الصلاة والسلام-، المغيرة بن شعبة يهوي لينزع الخفين، ولا غرابة في ذلك ولا ضير، وليس هذا من استعباد الخلق كما يقال، بل هو من باب التشرف بخدمة هذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-.
حديث حذيفة بن اليمان الذي يليه -رضي الله عنهما- قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فبال وتوضأ ومسح على خفيه"، في قصة، بال النبي -عليه الصلاة والسلام- وتوضأ, ومسح على خفيه، فالمسح على الخفين متواتر، لا ينكره كما قلنا إلا طوائف من المبتدعة، الذين لا يستدلون بمثل هذه الأخبار، وإلا فهي أدلة قطعية ملزمة، مثبتة موجبة للعلم والعمل معاً، فلا ينكر مثل هذا الثابت إلا زائع نسأل الله السلامة والعافية.
هناك مباحث تتعلق بالمسح على الخفين تُستقصى وتُستوعب من كتب الفروع، نعم.
باب في المذي وغيره:
عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته مني, فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: ((يغسل ذكره ويتوضأ)).
وللبخاري: ((اغسل ذكرك وتوضأ)) ولمسلم: ((توضأ وانضح فرجك)).
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب في المذي وغيره" يعني مما يوجب الوضوء.
"عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كنت رجلاً مذاءً" يعني كثير المذي وهو ماء رقيق يخرج عند الملاعبة وعند التفكر والنظر، يخرج هذا الماء وهو رقيق نجس يجب غسله، وإن كانت نجاسته مخففة فيكتفى فيه بالنضح، المقصود أنه نجس بخلاف المني فهو طاهر.(3/14)
يقول: "كنت رجلاً مذاءً" يعني كثير المذي، مذاء فعال صيغة مبالغة "فاستحييت أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته مني" نعم هو صهر النبي -عليه الصلاة والسلام-، زوج البتول فاطمة بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وعلى هذا ينبغي استعمال الأدب والحياء من الأصهار خلافاً لما يفعله كثير من الناس من نزع جلباب الحياء معهم فضلاً عن غيرهم، لا سيما وأن هذا المسئول عنه يتعلق بأمر خاص، يكون بين الرجل وزوجته في الغالب.
"فاستحييت أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته مني, فأمرت المقداد بن الأسود" علي -رضي الله عنه- أمر المقداد أن ينوب عنه بالسؤال، في سؤال النبي -عليه الصلاة والسلام- عما يوجبه خروج المذي، فسأله, فقال: ((يغسل ذكره ويتوضأ)) فالمراد بالغسل هنا النضح، وليس المراد به المبالغة في تنظيف المحل لما جاء في صحيح مسلم: ((توضأ وانضح فرجك)) وللبخاري: ((اغسل ذكرك وتوضأ)) على أنه يمكن حمل رواية مسلم على أنه يغسل كغيره من النجاسات مع المبالغة في غسله وإزالته، ثم يتوضأ بعد ذلك، ثم بعد الوضوء ينضح فرجه؛ لأن المذي في الغالب لا ينقطع بسهولة، ما هو مثل البول، فيظن أنه يستمر حتى بعد الوضوء، فإذا نُضح الفرج، ونُضح السراويل، نعم يحال ما يظن خروجه عليه؛ لئلا يبتلى الإنسان بوسواس.
على كل حال المذي نجس، ونجاسته ليست كنجاسة البول، لكن مع ذلكم يغسل وينضح الفرج منه، وبعضهم يقول: يُكتفى بالنضح.(3/15)
لا معارضة بين رواية مسلم ((توضأ وانضح فرجك)) مع حديث بسرة: ((من مس ذكره فليتوضأ)) لا، لا معارضة بينهما لأن النضح يتم بدون مس، النضح هو مجرد الرش، ويتم بدون مس، يعني الجمع من الروايات أن يغسل الذكر كما يغسل منه سائر النجاسات كالاستنجاء، ثم بعد ذلكم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلكم ينضح فرجه وسراويله، لما جرت به العادة أن المذي لا ينقطع بسرعة، كما ينقطع البول، فلئلا يصاب الإنسان بالوسواس هل خرج شيء أو لم يخرج ينضح ذكره، فيحيل ما يحس به من رطوبة إلى هذا الماء المنضوح، وبهذا يحصل الانصراف عن التفكير في هذا الشيء؛ لأن المسالك كل ما غفل عنه الإنسان لزمت، وكل ما تذكرها وحرص عليها درت، فالإنسان ينضح فرجه ولا يلتفت إلى شيء خلاص، لا يقول: خرج ما خرج، تحيل ما تحس به من رطوبة إلى هذا النضح، ومثله من يخيل إليه أنه يخرج من ذكره شيء، بعض الناس يخيل إليه أنه توضأ ثم خرج منه، نزل منه شيء، انضح فرجك ولا تلتفت إلى شيء وبهذا تستطيع أن تقطع الوسواس؛ لأن الشيطان حريص على أن يدخل الخلل على المسلم في عبادته، أن يصرف المسلم عن عبادته إن استطاع وإلا أدخل الخلل عليه والنقص، فهو يوقع في نفسه أنه خرج منه شيء، وقد جاء التوجيه في الحديث الذي يليه، الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فوجهه أنه لا ينصرف لمجرد هذا التخييل، يخيل إليه أنه خرج من ذكره شيء لا ينصرف، وعلاج الوسواس يكون بالنضح، نعم.
وعن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني -رضي الله عنه- قال: شكي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة, فقال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً, أو يجد ريحاً)).
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(3/16)
"عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني" راوي الحديث السابق، حديث الوضوء، وذكرنا أنه غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان، "قال: شكي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة" يخيل إليه وهذا الغالب في الباعث على هذا التخيل الحرص، يعني الغالب أن من يصاب بهذه التَخَيُلات والتَخْيلات والوساوس هو الشخص الحريص، الشخص الحريص هو الذي يبتلى بمثل هذه الأمور، لا سيما إذا استرسل مع الشيطان.(3/17)
فيخيل إليه أنه يخرج من قُبله شيء، رطوبات تنزل، يخيل إليه أنه يخرج من دبره شيء رياح، لكن العلاج في عدم الالتفات إلى هذه التخييلات؛ لأن هذه شكوك، وبعضها أوهام، والأصل بقاء الطهارة، والشك لا يزيل اليقين، فعلى الإنسان ألا ينصرف حتى يتحقق، والوسواس من أوسع مداخل الشيطان على المسلم ليصرفه عن عبادته، وكم من شخص ترك الصلاة بسبب الوسواس، الباعث الحرص الشديد الذي لم يؤطر ويخطم بخطام الشرع، تجد الإنسان مع الجهل والحرص يصاب بمثل هذا، لكن لو كان عنده علم بهذه النصوص ما التفت إلى هذه الشكوك، ولا هذه الأوهام، والوسواس بلوى، مصيبة تجعل الإنسان في نهاية الأمر يترك الصلاة، لا سيما إذا تضرر في بدنه أو في دنياه، وقد يمكث الساعة يتوضأ والساعتين الثلاث، أحياناً يمكث خمس ساعات ويتوضأ، ويعيد، يتوضأ ويعيد، خرج ما خرج، نويت ما نويت، هذا مرض، ومثل ذلك في الصلاة، فيمضي وقته في ليله ونهاره كله في محاولة الوضوء في الصلاة، وأخيراً يقال له: لا تتوضأ ولا تصلي، خلاص في حكم المجانين،. . . . . . . . . يعني شخص يحاول صلاة العشاء ... ، الوضوء لصلاة العشاء، وصلاة العشاء إلى الثامنة صباحاً مثلاً، مثل هذا متى بيصلي الفجر؟ ولن ينتهي إلا بعد خروج وقت صلاة الظهر، وهكذا، مثل هذا كارثة، فإذا وصل الإنسان إلى هذا الحد لا بد أن يقال له: المشقة تجلب التيسير، لكن قبل ذلك نويت ما نويت توضأ بدون نية، مجرد قصدك للوضوء هذه النية، يقول: لا ما نويت، ولأدنى سبب يقطع الصلاة، هذا بلاء، فنتمثل مثل هذه .. ، الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتاً, أو يجد ريحاً)) يعني يتأكد؛ لأنه متيقن الطهارة، وقطعها وإبطالها مشكوك فيه، والشك لا يزيل اليقين، نعم.
وعن أم قيس بنت محصن الأسدية أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجره, فبال على ثوبه, فدعا بماء فنضحه على ثوبه, ولم يغسله".
وعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بصبي فبال على ثوبه, فدعا بماء فأتبعه إياه. ولمسلم: "فأتبعه بوله ولم يغسله".(3/18)
حديث أم قيس بنت محصن أخت عكاشة بن محصن الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: اسأل الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنت منهم)) "الأسدية أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الصحابة كانوا يأتون بأطفالهم الصغار إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يدعو لهم، ويبرك عليهم، ويحنكهم، وهذا من حسن عشرته -عليه الصلاة والسلام-، ورأفته ولطفه بالصغار، مراعاةً لآبائهم وأمهاتهم هذه أتت النبي -عليه الصلاة والسلام- بابن لها صغير لم يأكل الطعام، لهذا القيد، وهذا قيد معتبر وإلا جاء الإطلاق كما في حديث عائشة: "أتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه" والقيد في حديث أم محصن معتبر، والحد الفاصل أكل الطعام، إذا استقل بأكل الطعام فإن حكمه يختلف عما كان قبل أكل الطعام، ولذا قال: "إنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأجلسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجره, فبال على ثوبه, فدعا بماء فنضحه على ثوبه, ولم يغسله" ابن وهذا يخرج البنت، وقد جاء التفريق بين الذكر والأنثى في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)) هذه جاءت بابن، وهذا قيد معتبر يخرج البنت، وجاء التفريق بينهما من حديث أبي السمح وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)) فالتفريق معتبر، وهو الصحيح، وإن قال بعضهم: إنه لا فرق بين الذكر والأنثى إذا لم يأكلا الطعام، وكونه لم يأكل الطعام قيد معتبر، خلافاً لمن يزعم أن الرش للذكور ولو كبروا، ولو أكلوا الطعام، والغسل للإناث، والصواب أنه لا بد أن يكون ذكراً، وأن لا يأكل الطعام، والتخصيص بالذكر، قالوا فيه: الحكمة والعلة والسبب أنه جرت العادة أن العرب يحبون الذكور أكثر من الإناث، ويكثرون من حملهم أكثر من الإناث، ويحصل البول بينهم كثيراً، فلو أمروا بالغسل لتضرروا ولشق عليهم بخلاف الإناث فإن حملهم لهن قليل، فلا يشق عليهم أن يغسلوا، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الشرع لا يفرق بين الذكر والأنثى.(3/19)
منهم من قال: لأن بول الغلام ينتشر في مواضع، فإذا أمر بغسل جميع هذه المواضع شق، بينما بول الأنثى موضعه واحد ولا ينتشر وغسله لا يشق.
"فبال على ثوبه, فدعا بماء فنضحه" أتبعه بالماء نضحاً، وفرق بين النضح والرش والغسل، ولم يغسله، فدل على أن بول الغلام الذكر الذي لم يأكل الطعام نجاسته مخففة بخلاف الأنثى، وبخلاف الكبير.
وفي حديث عائشة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتي بصبي, فبال على ثوبه, فدعا بماء, فأتبعه إياه" أتي بصبي، هذا الحديث مطلق يقيده ما سبق "لم يأكل الطعام" فبال على ثوبه -عليه الصلاة والسلام-، فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- بماء فأتبعه إياه رشاً ونضحاً، لا غسلاً كما تقدم.
"ولمسلم: "فأتبعه بوله ولم يغسله" نعم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد, فزجره الناس, فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى بوله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه".
نعم بول الصبي نجاسته مخففة، وبول الكبير نجاسته مغلظة، ولذا أردف الحديث السابق بحديث أنس -رضي الله عنه-.
قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد" الشرع يلاحظ لا يجمع بين المتفرقات والمختلفات، كما أنه لا يفرق بين المتماثلات، تطهير الثوب يختلف عن تطهير الأرض، فالثوب لو بال عليه كبير وجب غسله، وتنظيفه، لكن الأرض كيف تطهر الأرض؟ هل نقول: إن الأرض تطهر كما يطهر الثوب؟ لا، تطهير كل شيء بحسبه.
الخف إذا وطئ فيها الأذى كيف تغسلها؟ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب، ما يتلفه الماء إذا وقعت عليه نجاسة كيف يطهر؟ وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن إضاعة المال، المقصود أن الشرع يلاحظ مثل هذه الأمور، فيفرق بين المختلفات، لكنه لا يفرق بين المتماثلات.(3/20)
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد" ناحية المسجد، زاوية من زوايا المسجد، "فزجره الناس, فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم-" وفي رواية: "جاء أعرابي فدخل المسجد فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم اغفر لي ومحمداً ولا تغفر لأحد معنا أبداً" قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لقد حجرت واسعاً)) فما لبث أن بال في طائفة المسجد، وبعض الروايات ترتب الدعوة على ما حصل من الصحابة من زجره، جاء فبال فزجره الناس فنهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعوه)) ((لا تزرموه)) ((لا تقطعوا عليه بوله)) فقال: اللهم اغفر لي ومحمداً، وهذا أنسب، وإن كان في بعض الروايات تقديم الدعوة على ما حصل منه من بول.
"جاء أعرابي" والأعرابي ساكن البادية، يقابله الحضري ساكن الحاضرة، جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد في ناحيته، فزجره الناس، يعني أغلظوا عليه القول، قاموا إليه فزجروه، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بحلمه وعقله وعلمه نهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- رفقاً بهذا الجاهل، فينبغي أن يرفق بالجاهل في تعليمه؛ ليكون أدعى إلى القبول، فنهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لئلا يتضرر هذا الشخص؛ ولئلا يعظم الضرر، ويزداد تنجيس المسجد، لما ترك وقضى حاجته وبوله في مكان واحد في جهة واحدة، أمر بذنوب من ماء فصب عليه انتهى الإشكال، لكن لو قطع عليه بوله وأمر بأن ينصرف عن المسجد تلوث بدنه وثيابه، ومواضع من المسجد، وأصيب بالضرر؛ لأن حبس البول مضر، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- الرؤوف الرحيم، إمام المعلمين، إمام الأئمة -عليه الصلاة والسلام- هذا أسلوبه، وهذا تعامله مع الجاهل، والله المستعان.
"فلما قضى بوله أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فأهريق عليه" الذنوب: هو الدلو، بذنوب من ماء، و (من) بيانية، في بعض الروايات: "بسجل من ماء" والسجل: هو الدلو الذي فيه الماء، "فأهريق عليه" يعني صب عليه، ويكفي هذا الفعل في تطهير الأرض، ولا يلزم تقليب التراب، ولا نقله وإخراجه من المسجد، يكفي أن يصب عليه الماء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(3/21)
الفرش لا بد من غسله، الفرش تغسل؛ لأن غسلها ممكن، أما الأرض كيف تغسل؟ ما لها إلا هذا، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الفطرة خمس: الختان, والاستحداد, وقص الشارب, وتقليم الأظفار, ونتف الإبط)).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الفطرة خمس)) وفي رواية: ((خمس من الفطرة)) وفي رواية: ((عشر من الفطرة)) على كل حال أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالعدد ثم زيد عليه، لا يقال: حصرها في الخمس خطأ، لا؛ لأنه ما يمنع أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بالخمس ثم زيد عليها، وقد أساء بعضهم الأدب في تعامله مع بعض النصوص، النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح يقول: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال بعض الشراح: في هذا الحصر نظر، تنظر في كلام من؟ في كلام من لا ينطق عن الهوى، في كلام من؟ في كلام من لا ينطق عن الهوى، في هذا الحصر نظر؟ هذا سوء أدب، وغفلة شديدة، نعم تكلم في المهد سبعة، أخبر بالثلاثة، ثم زيد رابع ثم زيد خامس وسادس وسابع، أخبر بخمس ثم زيد على ذلك على العشر، بل زادت على العشر، الفطرة: هي بدء الخلقة أو الدين، بعضهم يقول: الفطرة الدين، وبعضهم يقول: الفطرة السنة المتبعة المتلقاة عن الأنبياء في الأديان، وبعضهم يقول: الفطرة بدء الخلق، الخلقة أو الدين، {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [(30) سورة الروم] ولذا يقول ابن عباس: "ما عرفت معنى فاطر حتى اختصم إلي اثنان في بئر، فقال بعضهم: هي بئري أنا فطرتها" يعني أنا ابتدأتها وحفرتها.
وعلى كل حال مما فطر الله الناس عليه هذه الخمس، وغيرها من سنن الفطرة.(3/22)
((الختان)) الختان: هو قطع ما على قلفة الرجل، ومن المرأة أيضاً يقطع ما يحتاج إلى قطعه، فالختان بالنسبة للرجال واجب، واجب اتفاقاً؛ لأنه لا يتم التطهير إلا به، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد جاء في الحديث: ((ألقِ عنك شعر الكفر واختتن)) جاء الأمر به، والنص الذي معنا يتناول الرجال والنساء فهو من سنن الفطرة، وأوجبه بعضهم بالنسبة للنساء كالرجال، ومنهم من اقتصر على كونه سنة، ومكرمة بالنسبة للنساء، وجاء فيه ما جاء فيه من النصوص: ((أشمي ولا تنهكي، فإنه أحظى وأنظر)) المقصود أنه مطلوب بالنسبة للمرأة كالرجل إلا أنه لا يجب مثل وجوبه على الرجال.
وقد ثارت ثائرة من يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وأن هذا تعذيب، لكن لا كلام لأحد مع ما جاء في شرع الله -عز وجل-، لا بالنسبة للرجال ولا بالنسبة للنساء، وهو بالنسبة للنساء مفيد جداً، يخفف الشهوة إذا كان مطلوب في سائر الأوقات ففي مثل هذه الظروف يتأكد التي وجد ما يثير الشهوات، لا شك أنه يخفف، وهو أحظى -كما يقولون- عند الزوج، وأنظر للمرأة، والله المستعان، ثارت ثائرة الكفار، ومن يردد كلامهم ومقاصدهم وأهدافهم معروفة، هذه البلاد التي يكثر فيها الختان للنساء يقل فيها الشر والفساد، رغم ما فيها من إباحية، لكنه يقل، يعني لو قدر أن مع هذه الإباحية ومع هذه الشرور والفتن ما وجد ختان لصارت المسألة أعظم وأعظم.
الختان: هذا الختان يُرد على المرء عند إرادة البعث، ولذا يبعثون حفاة عراة غرلاً، يعني غير مختونين، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} [(104) سورة الأنبياء].
((والاستحداد)) يعني استعمال الحديدة، وهي الموسى في إزالة الشعر النابت حول القبل، شعر العانة يزال بالحلق، يحلق بالحديدة التي هي الموس، هذا من سنن الفطرة.(3/23)
((وقص الشارب)) وجاء الأمر بإحفاء الشارب، وجاء الأمر بأخذ الشارب، وجاء الأمر بحلق الشارب، كما في سنن النسائي وغيره، على كل حال يبالغ في إنهاكه، وإن قال الإمام مالك: إن أخذه مثلة، على كل حال عندنا النصوص أن قص الشارب من الفطرة، وجاء الأمر بإحفائه، وإعفاء اللحية، وإكرم اللحية، ((أكرموا اللحى)) ((أعفو اللحى)) ((وفروا اللحى)) وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- كث اللحية، يعرفون قراءته باضطراب لحيته ومن خلفه، ثم يأتي من يأتي بتشريع أخذ ما زاد على القبضة، ومعلوم أنه إذا دخل المقص شيء أزاله مع التدريج، أنتم ترون من بدأ بأخذ ما زاد على القبضة زاد على ذلك، ثم بعد ذلك طال الأيمن، ثم أخذ من الأيسر إلى أن تنتهي اللحية، مع النصوص الصريحة الصحيحة التي تأمر بإعفائها وإكرامها وتوفيرها، وجاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان كث اللحية، الذي يأخذ من اللحية ما زاد على القبضة ترى لحيته من خلفه؟ ما يمكن أن ترى من خلفه، نعم ثبت عن ابن عمر أنه في النسك يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة، لكن هذا فهمه لقوله -جل وعلا-: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} [(27) سورة الفتح] هو فهم من هذه الآية أن من تلبس بنسك يلزمه أن يجمع بين الحلق والتقصير، محلقين أو مقصرين، والحلق للرأس والتقصير لإيش؟ إذا حلق الرأس ويش يبقى؟ ما يبقى إلا اللحية، فكان يفعل هذا ويتأول هذه الآية، وذكر عن غيره من الصحابة، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما جرؤ المسلمون على حلق لحاهم إلا بعد أن خالطوا الكفار؛ لما استعمرت البلاد الإسلامية، وأيضاً لما شاع عندهم مثل هذا القول، الأخذ من اللحية وما زاد على القبضة، ولا بد من ترتيبها، ولا بد أن يخرج الإنسان المسلم بمظهر يليق به، ويش صار؟ المسلمون على مر العصور لحاهم متوافرة، وأول من بدأ بحلق اللحية طائفة ضالة قد تنتسب إلى الإسلام وهي لا نصيب لها، قلندرية يقال لهم، ثم بعد ذلك اختلط الناس بالاستعمار وصاروا قدوات الكفار المستعمرين صاروا قدوات في بلاد الإسلام صاروا يقلدون على هذا، وساعد على ذلك نشر مثل هذا القول فدخل المقص، وإذا دخل المقص خلاص ما له حد،(3/24)
حتى وجد من يدرس في كليات شرعية أن القبضة الأصبع، أصبع واحدة، والله المستعان.
((وتقيلم الأظفار)) الأظفار ما يكون على أطراف الأصابع من هذه المشبهة للغضاريف، وهي تصلب كلما زاد عمر الإنسان، لا سيما مع العمل والتعب، فإطالتها مؤذية من هذه الحيثية، ومن جهة أنها يجتمع تحتها الأوساخ، فمن الفطرة تقليم الأظفار، ونتف الآباط، الشعر الذي ينبت في الإبط، فهذه من باب التنظيف تنتف، ونتفها أولى من حلقها، كما أن حلق العانة والاستحداد أولى من نتفها؛ لأن الآباط تنبعث منها روائح كريهة بسبب اجتماع العرق، ونتفها يزيل هذه الأمور من أصلها، والاستحداد يبقي فيها ما يبقي من أصول الشعر مما يجتمع فيه الأوساخ، حدد وقت هذه الأمور، قص الشارب، تقليم الأظفار، ونتف الآباط على أن لا يزيد على أربعين يوماً، لكن لو طالت قبل الأربعين، قبل الأربعين طالت، بحيث يجتمع فيها من الأوساخ ما يمنع من وصول الماء في الوضوء إلى هذه الأماكن لتعين أخذها.
ومثل الاستحداد ما يقوم مقامه مما يزيل الشعر كالنورة ونحوها، هناك أدهان معروفة يدهن بها الموضع ويزال الشعر، وحكمها حكم الاستحداد، نعم.
باب الجنابة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، قال: فانخنست منه، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: ((أين كنت يا أبا هريرة؟ )) قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال: ((سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس)).
نعم، الباب باب الغسل من الجنابة:
الموجب للغسل هو الجنابة، وما في حكمها مما يكون سبباً لخروج المني من مخرجه المعتاد بلذة.(3/25)
يقول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب" جنب: متلبس بالجنابة، متلبس بجنابة موجبة للغسل، قال أبو هريرة: "فانخنست منه" انسللت، خنس تأخر، ولذا جاء في وصف الشيطان أنه وسواس خناس، يوسوس لمن غفل عن ذكر الله -عز وجل- ويخنس ويتأخر عمن يذكر الله -عز وجل- "فانخنست منه فذهبت" انخنس لئلا يجالس النبي -عليه الصلاة والسلام- على غير طهارة، وهو متصف بالحدث الأكبر، فاغتسل، رفع الحدث، ثم جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أين كنت يا أبا هريرة؟ )) لماذا تخلفت؟ لماذا تأخرت؟ لماذا انخنست؟ قال: "كنت جنباً فكرهت أن أجالسك" وهذا من احترام الصحابة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن الجنب طاهر ليس بنجس، طاهر من الخبث لكنه غير طاهر من الحدث؛ لأن الطهارة إما أن تكون عن خبث أو تكون عن حدث، فيمكن أن يقال: إن الجنب طاهر غير طاهر، طاهر باعتبار أنه ليس بنجس، والمسلم لا ينجس، وهو أيضاً غير طاهر يعني غير متطهر، متلبس بالحدث، فالجهة منفكة، ما يقال: وصفان متناقضان، لا يمكن أن يطلقا على ذات واحدة في آن واحد، يمكن أن يطلقا على ذات واحدة في آن واحد؛ لأن الجهة منفكة.
" ((أين كنت يا أبا هريرة؟ )) " قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة" كلام صحيح، هو على غير طهارة؛ لأنه محدث، "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((سبحان الله)) تعجب، ((إن المسلم لا ينجس)) وقد جاء في قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] والمسلم لا ينجس، والكفار والمشركون نجس، {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [(28) سورة التوبة] وهي نجاسة معنوية عند جمهور أهل العلم، وإن حملها بعضهم على أنها نجاسة حسية، والمسلم لا ينجس ولو تلبس بما يوجب الغسل، ففي هذا دليل على طهارة الجنب، طهارة سؤره إذا شرب من شيء طاهر، طهارة عرق الجنب، يجالس يؤاكل، لا بأس، جميع تصرفاته صحيحة، ولا تمنعه الجنابة إلا من مزاولة ما يفترض له الغسل، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم.(3/26)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه, وتوضأ وضوءه للصلاة, ثم اغتسل, ثم يخلل بيده شعره, حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته, أفاض عليه الماء ثلاث مرات, ثم غسل سائر جسده, وقالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد, نغترف منه جميعاً".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اغتسل من الجنابة" يعني إذا شرع في غسله من الجنابة غسل يديه، كما أنه إذا أراد أو شرع في الوضوء غسل يديه ثلاثاً، وهنا: يغسل يديه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة, قبل ذلك بعد أن يغسل يديه يغسل فرجه وما لوثه، يغسل اليدين ثم الفرج وما تلوث، ثم بعد ذلك ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، وضوءاً كاملاً، وقد يؤخر غسل الرجلين إلى ما بعد الغسل والانتقال من المكان لا سيما إذا كان المكان غير نظيف، يعني محل الطين ونحوه، فينتقل منه إلى مكان آخر فيغسل رجليه، بعد أن يعمم بدنه بالماء.
تقول: "كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه, ثم توضأ وضوءه للصلاة" مقتضى ذلك أنه يغسل رجليه، وجاء في بعض الروايات: أنه يؤخر غسل الرجلين، ولا يمنع أن يتوضأ وضوءه للصلاة كاملاً بما في ذلك غسل الرجلين، ثم يغتسل يعمم بدنه بالماء، ثم إذا خرج من المكان الملوث بالماء والطين يغسل رجليه، وبهذا تجتمع النصوص.
"ثم يغتسل" ثم شرح هذا الغسل بأن يخلل بيديه شعره، يفيض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، ثم الأيسر ثلاثاً، "ثم يخلل بيديه شعره" ليصل الماء إلى أصول الشعر، التخليل بأن يدخل الأصابع في خلل الشعر فيتخلل فيصل الماء إلى أصول هذا الشعر، وعلى هذا إذا وجد ما يمنع من وصول الماء إلى الشعر مما يوضع على الرأس من دهن بحيث ينبو الماء عن الشعر، ولا يصل إلى أصوله يزال إذا لُبد على الرأس علاج مثلاً له جرم يمنع من وصول الماء إليه، أو حناء أو ما أشبه ذلك يزال، فيخلل بيديه شعره "حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات" أفاض الماء على رأسه ثلاث مرات، "ثم غسل سائر جسده".(3/27)
الغسل المجزئ تعميم البدن بالماء على أي وجه يكون، إذا عمم البدن بالماء ارتفعت الجنابة، لكن السنة أن يفعل هكذا يغسل يديه، يغسل فرجه وما لوثه، يخلل شعره بيديه، يفيض الماء على رأسه ثلاثاً، يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، ثم الأيسر ثلاثاً، هذا غسل كامل، "ثم غسل سائر جسده" يعني الباقي، والسائر هو الباقي، باقي الجسد.
"وكانت تقول: "كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، نغترف منه جميعاً".
"كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (أنا) هذه جيء بها للفصل بين الضمير المرفوع وما عطف عليه، "كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد" فدل على أنه لا مانع من أن يغتسل الرجل والمرأة جميعاً، يغترفان جميعاً، تغرف منه ويغرف، وكان كثيراً ما يقول: ((دعي لي)) وكثيراً ما تقول: "دع لي" تختلف أيديهما في الإناء.
وجاء النهي عن أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو الرجل بفضل المرأة، جاء النهي عن أن تغتسل المرأة بفضل الرجل والعكس، لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اغتسل وتوضأ بفضل ميمونة، واغتسل مع عائشة، وكان الرجال والنساء يتوضئون في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- جميعاً فلا مانع من أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل، والحديث الذي ذكر فيه كلام لأهل العلم، وأصرح منه وأصح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اغتسل بفضل بعض نسائه.
"نغترف منه جميعاً" تختلف أيديهم فيه، حتى يقول: ((دعي لي)) اتركي لي، وتقول: "دع لي" يعني اترك لي، نعم.
وعن ميمونة بنت الحارث زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضوء الجنابة, فأكفأ بيمينه على يساره مرتين -أو ثلاثاً- ثم غسل فرجه, ثم ضرب يده بالأرض, أو الحائط, مرتين -أو ثلاثاً- ثم تمضمض واستنشق, وغسل وجهه وذراعيه, ثم أفاض على رأسه الماء, ثم غسل جسده, ثم تنحى, فغسل رجليه, فأتيته بخرقة فلم يردَّها"
يُردْها، فلم يُردْها.
"فلم يُردْها, فجعل ينفض الماء بيديه".(3/28)
عن ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها- أم المؤمنين زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها قالت: "وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وأمهات المؤمنين أعرف الناس بهذه الأمور الخاصة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، قالت: "وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضوء الجنابة" يعني الماء الذي يغتسل منه عن الجنابة وغيرها، الماء الذي يتوضأ به وضوء، الماء الذي يغتسل به وضوء، المقصود أنه ماء، "وضعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضوء الجنابة، فأكفأ بيمينه على يساره مرتين -أو ثلاثاً-" وجاء بدون شك أنه غسل يديه ثلاثاً، "مرتين أو ثلاثاً، ثم غسل فرجه" نعم لا بد من غسل ما على الفرج مما تلوث بسبب الجنابة، سواءً كانت من احتلام أو من زوجة، "ثم غسل فرجه, ثم ضرب يده بالحائط" نعم بالأرض, أو الحائط, من أجل أن تتنظف، فركها بالأرض، فركها بالحائط، وكذا لو استنجى من غير جنابة، من بول أو غائط يضرب بيده على الأرض، يمسح بها الأرض ليزول الأثر، "ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين -أو ثلاثاً-" على الشك، "ثم تمضمض واستنشق, وغسل وجهه وذراعيه, ثم أفاض على رأسه الماء" يعني توضأ وضوءاً غير كامل، توضأ غسل وجهه وذراعيه، يعني بعد أن تمضمض واستنشق غسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض الماء على رأسه، وهنا لم يذكر مسح الرأس، بينما أُخر غسل الرجلين، وتقدم البحث فيه، ثم أفاض على رأسه، ثم غسل سائر جسده, غسل باقي الجسد، ثم تنحى, يعني انتقل من مكانه الذي هو فيه انتقل، إما لما في الأرض من أوساخ تسببت عن اختلاط الماء بالتراب، لا يتصور أن أماكن الغسل عندهم مبلطة، فيها ما يمنع من اختلاط الماء بغيره، لا، "ثم تنحى، فغسل رجليه, فأتيته بخرقة" منديل، لكي يمسح أثر الغسل "فلم يردْها, فجعل ينفض الماء بيديه" لم يردها، ما استعمل المنديل -عليه الصلاة والسلام- هنا؛ لأن من توضأ ومثله من اغتسل تخرج ذنوبه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، ولذا ينبغي أن لا يحرص الإنسان على التمسيح إلا إذا كان هناك حاجة، يعني إذا كان الجو بارد يتمسح، يتمندل، لا بأس، لكن إذا كان الجو طيب أو حار يترك الماء لتخرج ذنوبه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، جعل ينفض الماء بيديه،(3/29)
يعني ينفضه عن يديه لينزل منها الماء، والله المستعان، نعم.
وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: ((نعم, إذا توضأ أحدكم فليرقد)).
عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله أيرقد؟ -يعني أينام؟ - أحدنا وهو جنب؟ " متلبس بالجنابة، قال: ((نعم, إذا توضأ أحدكم فليرقد)).
الأصل أن يغتسل ليبرأ من عهدة هذا الواجب، ويسارع إلى إبراء ذمته؛ لأنه ما يدري ما يطرؤ عليه، وهو أيضاً الجنب .. ، البيت الذي فيه جنب جاء الخبر أنه لا تدخله الملائكة، فعلى الإنسان أن يحرص على دخول الملائكة إلى بيته، إن لم يستطع أو عجز أو كسل عن الغسل لرفع هذا الحدث يتوضأ، وأيضاً الوضوء على سبيل الاستحباب عند جماهير أهل العلم.
أيرقد أحدنا وهو جنب؟ ينام أحدنا وهو جنب؟ يسألون النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: ((نعم)) ينام أحدكم وهو جنب، ولا يلزم أن يغتسل، لكن إن خفف هذه الجنابة ولو بالوضوء كان أولى، نعم.
وعن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم, إذا رأت الماء)).(3/30)
وعن أم سلمة -رضي الله عنه- أم المؤمنين زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها قالت، مقدمة بين يدي سؤالها؛ لأن السؤال مما يستحيا منه غالباً، تستحيي منه النساء، فقدمت بين يديها مقدمة قالت: إن الله لا يستحيي من الحق, لا يستحيي بياءين، هذه مقدمة بين يدي السؤال الذي يستحيا منه، إن الله لا يستحيي من الحق، بياءين، فإذا دخل على الفعل يستحيي جازم حذف إحدى الياءين، فجاء في الحديث الصحيح: ((إذا لم تستحي)) ما هو بتستحيي، بياء واحدة، ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) باعتبار أن الكلمة فيها ياءين، لكن لو كانت ياء واحدة لحذفت مع الجازم، فقيل: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، وفي التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [(26) سورة البقرة] وهنا قدمت بهذه المقدمة لكي تدخل إلى السؤال الذي تريده، وهكذا ينبغي أن يكون الأدب في الألفاظ التي قد يكون في التعبير عنها بصراحة شيء مما يخجل منه، لا سيما النساء اللاتي ينبغي أن يتصفن بالحياء، نعم الذي لا يمنعهن من التفقه في الدين، لكن لا ينبغي الاسترسال أيضاً في الكلام الفاحش البذيء ولو من الرجال، لكن النساء قد يكون الأمر بالنسبة لهن أعظم، وأما الرجال لا ينبغي أن يتفوهوا بالكلمات الفاحشة البذيئة.
جرت عادة الشرع الكناية عن بعض الألفاظ التي يُستحيا من ذكرها، لكن إذا لم يكن هناك مفر من ذكرها وترتب عليها بعينها حكم شرعي لا بد أن تذكر، ولو كانت مما يستحيا منه.
"إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ " إذا رأت في منامها أنها تجامَع، الرجل إذا احتلم يغتسل، لكن هل المرأة مثل الرجل تغتسل؟ قال: ((نعم, إذا هي رأت الماء)) علق الوجوب برؤية الماء.(3/31)
فعلى هذا لو رأى الشخص أو رأت المرأة أنها يحصل لها شيء من ذلك في النوم، ولا رأت ماء، ولا أثر لذلك فإنه لا يلزمها الغسل، فالغسل معلق برؤية الماء، وفي الحديث: ((الماء من الماء)) الحديث الصحيح: ((الماء من الماء)) وإن كان بعضهم يرى أن هذا الحديث منسوخ، لكن إن أمكن حمله على حالة الجنابة فهو صحيح، وإن كان المقصود به بجميع الأحوال أنه لا غسل إلا مع خروج الماء فلا، فالحديث الصحيح: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ولو لم ينزل)) وحديث: ((الماء من الماء)) كما قال الترمذي: منسوخ.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم إذا هي رأت الماء)) " فعلق وجوب الغسل على رؤية الماء، والنساء كما هو معلوم شقائق الرجال، فما وجب على الرجل وجب على المرأة إلا ما خصه الدليل، والله أعلم.
وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/32)
عمدة الأحكام - كتاب الطهارة (4)
تابع باب الجنابة - باب التيمم - باب الحيض
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه".
وفي لفظ لمسلم: "لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أغسل الجنابة" يعني أثر الجنابة من المني "من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بهذا اللفظ يستدل من يقول بنجاسته؛ لأنها كانت تغسله، ولأنها يخرج من مخرج البول، "كنت أغسل الجنابة من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيخرج إلى الصلاة, وإن بقع الماء في ثوبه".
اللفظ الثاني لمسلم -رحمه الله-: "لقد كنت أفركه" وهذا يستدل به من يقول بطهارته؛ لأن النجاسة لا يكفي فيها الفرك، بل لا بد من الغسل، وهنا الدليل صريح في أنه طاهر؛ لأن النجس لا يكفي فيه الفرك، وإنما يلزم غسله، والغسل في الرواية الأولى: "كنت أغسل الجنابة" لأنه مما تستقذر رؤيته في الثوب كالمخاط، فإذا كان رطباًَ يغسل ويزال ولو بإذخرة، ولو بعود، ولو بحجر، المقصود أنه يزال أثره من الثوب؛ لأنه مما يستقذر ويستقبح كالبصاق، والرواية الثانية وهي رواية الفرك تدل على طهارته؛ لأن ما كان نجساً لا يكفي فيه الفرك، بل يلزم غسله بالماء، والمسألة خلافية، لكن الراجح من خلال هذه النصوص أنه طاهر، لكنه باعتباره مما يستقذر ويستقبح رؤيته إن كان رطباً يزال بأي شيء ولو بالغسل، وإن كان يابساً يفرك ويزال ويحت بظفر أو بعود أو نحوه ليزول أثره، فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه".(4/1)
وجاء عن ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عنه فقال: ((إنما هو بمنزلة المخاط، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة)) يعني بعود شجرة أو شبهه، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) وفي لفظ: ((وإن لم ينزل)).
نعم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جلس)) يعني الرجل، ((بين شعبها)) يعني شعب المرأة ((الأربع)) يداها ورجلاها، وهذه كناية عن الجماع، وما يحصل بين الرجل وزوجته، ((ثم جهدها)) يعني جامعها، ((ثم جهدها فقد وجب الغسل)) يعني بمجرد التقاء الختان بالختان يجب الغسل، يعني ((ولو لم ينزل)) كما في لفظ مسلم، فالموجب للغسل هو التقاء الختان بالختان ولو لم يحصل الإنزال، وأما ما جاء في الحديث الصحيح: ((إنما الماء من الماء)) فهذا كان في أول الأمر ثم نسخ، ((إنما الماء من الماء)) يعني يحصل الإيلاج ويحصل التقاء الختان بالختان ولا غسل إلا بالإنزال؛ لأن الماء إنما يكون من الماء، الماء الذي هو ماء الغسل إنما يجب بالماء الذي هو الماء الخارج من أثر الجماع، مفهومه: أنه إذا لم يخرج شيء من أثر الجماع فإنه لا ماء، يعني لا غسل، وهذا كان في أول الأمر ثم نسخ، ونص على نسخه جميع الشراح، وإن قال بمفاده بعض الظاهرية، وأنه ما زال محكماً.
وقال بعضهم: بأنه محمول على الاحتلام، على حالة الاحتلام يرى النائم أنه يجامع فلا يلزمه الغسل إلا إذا رأى الماء كما تقدم في حديث أم سلمة هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم إذا هي رأت الماء)) فالماء الذي هو الغسل معلق برؤية الماء الذي هو الإنزال، وهذا في حال النوم فقط، أما في حال اليقظة فإذا التقى الختان الختان، فقد وجب الغسل، وإن لم ينزل كما جاء في هذا الحديث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(4/2)
الإيلاج نعم، الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- بعد أن خرج حديث: ((الماء من الماء)) بين أنه منسوخ، بعد روايته أشار إلى ذلك، وفي العلل التي في آخر جامعه قال -لما ذكر الحديث-: "وقد بينا علته في الكتاب" فأشار إلى أن النسخ علة، لكنها لا تقدح في صحة الحديث وإن كانت علة بالنسبة للعمل به، الترمذي سمى النسخ هنا علة، والعلة الأصل فيها ما يقدح في الحديث؛ لأنها يشترط نفيها لصحة الخبر، لكنها هنا لا تقدح في صحة الخبر، الخبر صحيح، لكنها تقدح في العمل به؛ لأن المعمول به إنما هو المتأخر من الأمرين، والمتأخر من الأمرين لزوم الغسل ولو لم ينزل، نعم.
وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله, وعنده قوم, فسألوه عن الغسل؟ فقال: يكفيك صاع، فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً, وخيراً منك -يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أمنا في ثوب.
وفي لفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً.
الرجل الذي قال: ما يكفيني هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب أبوه محمد بن علي.
عن أبي جعفر، جعفر هو الملقب بالصادق، وأبوه محمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر، وأبوه علي بن الحسين المعروف بزين العابدين، والحسين بن علي الجد سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الحسين بن علي بن أبي طالب، أنه كان هو وأبوه الباقر مع أبيه زين العابدين، الراوي الباقر، محمد بن علي بن الحسين، أبوه، كان هو وأبوه زين العابدين عند جابر بن عبد الله بن حرام السلمي الأنصاري الصحابي، ابن الصحابي، المشهور كان هو وأبوه وهذا مما تقدم مما يجب فيه ذكر الضمير المنفصل للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وهذا واجب على ما تقدمت الإشارة إليه.(4/3)
كان هو وأبوه عند جابر بن عبد الله وعنده قوم فسألوه عن الغسل؟ فقال: يكفيك صاع، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، والصاع أربعة أمداد، فكان ديدنه -عليه الصلاة والسلام- الاغتسال بالصاع، وقد يزيد في بعض الأحيان، إلى خمسة أمداد، وفي هذا عدم الإسراف في الماء، على المسلم أن يقتصد في جميع أموره، والإسراف حرام، لكن الزيادة اليسيرة المحتملة معفو عنها، أما الأصل في الإسراف أنه محرم، ويتفاوت باعتبار المادة التي يسرف منها، فالمواد التي يكون الناس بحاجة إليها حاجة شديدة، ويتسبب في إسرافه على تضييع هذا المال على الناس الذي يحتاجون إليه أمره أشد، معلوم أن الماء لا سيما في هذه الأوقات التي شحت فيها الموارد أمره خطير، وعموم البشرية مهددون بالنسبة للماء فعلى الجميع أن يحتاطوا لهذا الأمر، ويرشدوا استهلاكهم من الماء، والشرع لا يأتي إلا بخير، ولا خير إلا دل الأمة عليه -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان في الإسراف خير ما اقتصد في مثل هذه الأمور؛ لأن الماء في عرف كثير من الناس أمره يسير، لا سيما وأن قيمته زهيدة، لكن يتصور الإنسان أنه في يوم من الأيام يطلب الماء من بعيد بنفسه، يحضر الماء لنفسه، كون الأسباب تيسرت والجهود بذلت لتيسير هذا العنصر النفيس الذي جعل منه أو علق به حياة كل شيء، نعم هو أرخص موجود تساهل الناس في حمله، لكنه أعز مفقود، تصوروا إلى وقت قريب وكان الناس يحضرون الماء كل بوسيلته وطريقته، بالأواني يحضرونه من بعيد، وينقلونه على رؤوسهم، يعني لو كان الأمر كذلك ما حصل مثل هذا الإسراف، لكن كون الشيء ميسر مبذول سهل قريب بثمن رخيص، يجعل الناس يتساهلون مثل هذا التساهل، وإلا فالماء أمره خطير، علق به حياة كل شيء {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [(30) سورة الأنبياء] فأمره خطير، والدراسات تدل على نضوب الماء، والمياه الجوفية وغيرها، والله المستعان.(4/4)
فهذا ديدنه وهذه طريقته -عليه الصلاة والسلام-، الاقتصاد في كل شيء حتى في الماء، الذي يتراءى للناس أنه شيء شبه لا قيمة له، بعض الناس لا يعتبره مال، هو مال، والناس شركاء فيه، لا يجوز لأحد أن يتعدى فيه على أحد، ولا .. ، ومنع فضله محرم كما جاءت بذلك النصوص، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان ديدنه أن يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع.
"فقال: "يكفيك صاع". . . . . . . . . نتصور أن الإنسان في يوم من الأيام يحتاج إلى أن يتوضأ بمد لقلة الماء وندرته، أو يغتسل بصاع وقد عود نفسه أنه يغتسل بآصع كثيرة، ويتوضأ بأمداد، المد ما يملأُ كفي الرجل المعتدل، يعني إيش يجي؟ كم تتصورون اللتر الواحد من مد؟ نعم؟ يستطيع الإنسان أن يتوضأ بكوب صغير؟ نعم إذا مرن نفسه استطاع، لكن مع هذا الإسراف الموجود، وتيسر السبل والأسباب لا يستطيع، فدين الله بين الغالي والجافي، لا يتوضأ وضوء لا يجزئ يشبه المسح، لا، لكن يسبغ الوضوء ولا يسرف، الإنسان مأمور بالتوسط في جميع أموره، مع أنه مأمور بالإسباغ منهي عن الإسراف.
طالب:. . . . . . . . .
هذا فيه كلام، ضعيف، الحديث ضعيف، لكن معناه صحيح.
"فقال: "يكفيك صاع" فقال رجل: ما يكفيني" ما يكفيني صاع، الآن يمكن كل الناس يقولون: ما يكفينا صاع، لماذا؟ لأنهم تعودوا، يفتح الحنفية تبع الماء ويغتسل بآصع كثيرة، عشرات الآصع، هذا هو الإسراف.
"فقال رجل: ما يكفيني, فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً أو خير منك".
الشراح يقولون: إن المد والصاع بالنسبة للرجل المعتدل الخلقة، لكن لو وجد شخص ضخم طويل عريض نعم، قد لا يكفيه الصاع يزيد، يزيد إلى أن يسبغ، يفيض، إلى أن يفيض الماء على جسده، ويغتسل الغسل المجزئ على أقل تقدير.
"فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى منك شعراً, أو خير منك" كثرة الشعر تحتاج إلى شيء من زيادة الماء، يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
"فقال رجل: ما يكفيني" الرجل الذي قال: ما يكفيني، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية؛ لأنه ليس من ولد فاطمة -رضي الله عنها- إنما هو من الحنفية، المرأة الحنفية التي تزوجها علي -رضي الله عنه-.(4/5)
"يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أمنا في ثوب" أمنا في ثوب: يعني صلى بنا وليس عليه إلا ثوب واحد، والصلاة في الثوب الواحد إذا كان ساتراً للعورة جائز، وقد سئل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أيصلي أحدنا في الثوب الواحد؟ فقال: ((أولكلكم ثوبان؟ )) يعني الناس كلهم عندهم أكثر من ثوب؟ نعم؟ يستبعد -عليه الصلاة والسلام- أن يوجد أكثر من ثوب عند الناس كلهم، وهذا في عصره -عليه الصلاة والسلام- هو الغالب، أن كل شخص عنده ثوب واحد، ولهذا تعلق الأحكام بالمقدور عليه، لكن الصلاة في الثوبين أكمل؛ لأنه أستر، كون الإنسان يصلي في ثوبين إزار ورداء، أو إزار وقميص، أو قميص وتبان، قميص وقباء ... إلى آخره، المقصود أن يصلي في ثوبين أكمل وأستر، لكن إذا صلى في ثوب واحد يستر المحل المفروض كفى، فالواجب المشترط لصحة الصلاة ستر العورة، ويجب مع ستر العورة ستر المنكب، كما جاء في الحديث الصحيح: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد وليس على عاتقه منه شيء)) ولما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أولكلكم ثوبان؟ )) استفهم الراوي من أبي هريرة وقال له: أتعرف أبا هريرة؟ أبو هريرة نفسه يقول للراوي: أتعرف أبا هريرة؟ كان يصلي في الثوب الواحد وثيابه على المشجن، يعني عنده ثياب ثانية، لكن يصلي بثوب واحد؛ ليبين أن مثل هذا يكفي، والتعليم بالفعل قد يكون في بعض الأحوال أبلغ من التعليم بالقول، يعني تقول لشخص: توضأ بمد، يتصور هذا كلام نظري ما يمكن تطبيقه، لكن لما تأتي بمد، وتتوضأ أمامه، وتسبغ الوضوء أمامه، خلاص ما يحتاج إلى أن يتردد، لا يمكن أن يتردد بعد أن رأى بعينه، ليس الخبر كالعيان، فجابر -رضي الله عنه- صلى بثوب وأمهم بذلك، فالثوب كافٍ إذا كان ساتراً للمحل المفروض ستره، ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة.(4/6)
"وفي لفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً" يعني يغتسل بالصاع ويفرغ الماء على رأسه ثلاثاً، يعني كما تقدم في صفة الغسل الكامل أنه يغسل يديه ثلاثاً ثم يغسل فرجه، وما لوثه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، ثم يتنحى ويغسل رجليه إن احتاج إلى غسلهما لتلوثهما بما في المحل من طين وشبهه، أما إذا لم يكن بحاجة إلى غسل الرجلين فلا داعي له، والله المستعان.
"فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرغ الماء على رأسه ثلاثاً".
ثم قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في بيان الرجل الذي قال: ما يكفيني، وحينئذ الإبلاغ أو المبالغة في الإنكار على من تردد في قبول السنة، لما قال: ما يكفيني، ماذا قال له جابر؟ قال: كان يكفي من هو خير منك، يكفي من هو أوفر منك شعراً، هذا أسلوب، نعم يحتاج إليه في بعض الأحوال، وإن كان الأصل في التعليم الرفق كما تقدم، ((دعوه)) ((لا تزرموه)) يعني لا تقطعوا عليه بوله، دعوه، اتركوه، هذا الأصل في التعليم الرفق، تعليم الجاهل، لكن من تردد في قبول السنة، ورأى المعلم أن المصلحة في ردعه فالأولى أن يردع مثل هذا، فلا شك أن الأسلوب اللين المؤدي للغرض برفق لا تترتب عليه آثار، ولا ردود عكسية، هذا هو الأصل، لكن يبقى أن بعض الناس فيه شيء من اللؤم، يحتاج إلى ما يردعه، وهذا كثير ممن يكتب عن الإسلام والدين والمتدينين، مثل هؤلاء كثير منهم يحتاج إلى أن يؤطر على الحق، ولا يفيد فيه نقاش، وإن كان الأصل أن المناقشة بالأسلوب الهادئ اللطيف في تعليم الجاهل؛ لأن بعض من يكتب ليسوا بجهال، إنما هدفهم وقصدهم -والله أعلم بالنيات- لكن يظهر من ثنايا كلامهم أنهم يقصدون انتقاص الدين والمتدينين، والله المستعان، ولذا قال: كان يكفي من هو أوفر منك شعراً، فنحتاج إلى بعض الأساليب التي تردع بعض الكتاب، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(4/7)
اللتر، اللتر الواحد كم يساوي من مد؟ يعني اللتر الواحد إذا قارناه بالصاع الصاع كم جرام؟ الصاع من الماء، صاع الماء غير صاع البر، نعم إذا قارنا الصاع بالوزن، فصاع الماء أكثر من صاع البر في الوزن؛ لأن البر أخف من الماء، فإذا كان البر كيلوين ونصف. . . . . . . . . ثلاثة، ثلاثة كيلو صاع الماء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ثلاثة كيلو صاع الماء، أو تزيد ثلاثة ونصف، فثلاثة الكيلو والنصف أربعة أمداد، فقل المد كيلو إلا ربع تقريباً يعني، نعم.
باب التيمم
عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم؟ فقال: ((يا فلان, ما منعك أن تصلي في القوم؟ )) فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء, فقال: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
"باب التيمم" التيمم في الأصل، في اللغة القصد، يممت فلاناً إذا قصدته، وهو قصد الصعيد الطيب الطاهر وهو ما على وجه الأرض، وضربه باليدين واستعماله مطهراً بدلاً عن طهارة الماء على الصفة التي يأتي شرحها.(4/8)
"عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-" صحابي جليل أبو نجيد، كان في مرضه كما في الصحيح يسلم عليه عياناً، تسلم عليه الملائكة بكلام يسمع، في مرضه، فاكتوى فانقطع التسليم، فندم فعاد التسليم، رضي الله عنه وأرضاه، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم؟ " يعني في جملة القوم، ومع القوم، لم يصل في القوم، يعني في جملتهم ومعهم، ليس معنى: لم يصل في القوم أنه يؤمهم، لا، معتزل في ناحية، في طائفة، والناس يصلون، وهذه الجادة والعادة النبوية في مثل هذا، وإلقاء السؤال عليه، ((ما منعك أن تصلي؟ )) ما قال له: قم فصل، ((ما منعك أن تصلي؟ )) يسأل عن السبب، لعل لديه سبب مقبول، رجل دخل وجلس، ما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: قم فصل ركعتين، بادئ الأمر، قال له: ((هل صليت ركعتين؟ )) وهكذا ينبغي أن يلقى التعليم بهذه الطريقة، هل صليت ركعتين؟ احتمال أن تقول: قم فصل ركعتين؟ قال: يا أخي أنا صليت، لكن ما شفتني، يأتي شخص فيجلس تقول: قم فصل ركعتين، قال: يا أخي أنا صليت هناك وراء العمود ذاك، ما يلزمك أن تشوف الناس كلهم، فيسأل بأسلوب مناسب، ((هل صليت ركعتين؟ )) لأن النفوس لا تقبل الأمر والنهي، يثقل على الإنسان أن يؤمر وينهى، لكن يسأل ويستفهم بلطف، فإذا تبين أنه جاهل وما صلى يبين له أن هذا أمر مطلوب شرعاً، ما منعك أن تصلي مع الناس، ما يقال له مباشرة: صل مع الناس، أو لا تجلس، أمر وإلا نهي، يسأل برفق ولطف، وهذا إذا عرف من حاله أو دلت القرائن من حاله أنه جاهل، وإلا مثل ما ذكرنا آنفاً أنه قد يحتاج إلى شيء من تعنيف المخالف وردعه، هنا ((ما منعك أن تصلي في القوم؟ )) فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة, ولا ماء, ولا يعرف البدل، أصابتني جنابة ولا ماء، أو يعرف أن هناك شيء اسمه التيمم وهو بديل عن الماء، لكن لا يظن أنه يجزئ عن الغسل، أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: ((عليك بالصعيد فإنه يكفيك)) والصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، شخص جالس بدون الماء أو عنده ماء يسير يكفيه للشرب والأكل، هذا مثل المعدوم حكماً، وإن كان موجود عيناً حقيقة، لكن إن شاء أن يتوضأ به مات من العطش، يأتي إلى(4/9)
التيمم، إذا كان عنده ماء ولا يستطيع استعماله في مرض أو لشدة برد أو نحوه، فإنه حينئذٍ يكون عادم للماء حكماً، وإن كان حقيقة موجوداً، يكفيه الصعيد الطيب، وفي الحديث: ((الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) دين الله بين الغالي والجافي، لا نقول: أنت ما وجدت الماء، أو شخص يبحث عن الماء حتى يكل ويمل، وتضيع عليه الأوقات في كل وقت يبحث عن الماء حتى يضيق وقت الصلاة أو يستعمل التيمم مع تيسر الماء وقربه منه، كما يفعله الكثير من المتساهلين من المسلمين، الماء قريب جداً من عنده ويتيمم، نقول: لا يا أخي، التيمم لا يجزئ ولا يكفي مع وجود الماء، فلم تجدوا ماءاً فتيمموا، علقت صحة التيمم على عدم وجود الماء، أما مع وجوده فلا يجزئ التيمم.(4/10)
((الصعيد الطيب طهور المسلم)) يكفيه ((ولو لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما يستقبله من أحداث أو لما مضى؟ نعم؟ المسألة مبنية على التيمم البديل عن طهارة الماء، الطهارة بالماء ترفع الحدث اتفاقاً، ترفع الحدث بالإجماع، التيمم الذي هو بديل عن الماء هل هو مبيح لمزاولة العبادات التي لا تصح إلا بطهارة مبيح، أو هو رافع رفع مطلق، أو رافع رفع مؤقت إلى وجود الماء؟ نعم، رافع رفع مؤقت إلى وجود الماء، ويش معنى هذا الكلام؟ إذا قلنا: مبيح أن الحدث موجود، ما ارتفع الحدث موجود، فأنت تصلي وأنت محدث، لكنك أذن لك أن تصلي بهذه الطهارة الناقصة المبيحة للصلاة، تقرأ القرآن بهذه الطهارة المبيحة لقراءة القرآن، لكن ما زلت محدث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من قال لعمرو بن العاص أنه صلى بقومه وهو جنب، نعم؟ فبهذا يستمسك من يقول: إن التيمم مجرد مبيح، إيش معنى مبيح؟ إذا أردت أن تصلي تيمم؛ لتستبيح بهذا التيمم الصلاة، وإلا فأنت جنب، إذا أردت أن تقرأ القرآن تيمم، لتستبيح قراءة القرآن وأنت جنب، إذا خرج الوقت ودخل وقت صلاة أخرى تيمم، ولو لم تحدث، إذا قلنا: رافع، مثل الوضوء، البدل له حكم المبدل، خلاص تيمم، ارتفع الحدث، كأنك توضأت واغتسلت، ولا فرق، وتصلي بهذا التيمم وتفعل جميع العبادات التي تفعلها بالوضوء؛ لأن الحدث ارتفع، رفع مطلق، إذا قلنا: رفع مؤقت إلى وجود الماء، قلنا: فليتقِ الله وليمسه بشرته، صلِ بهذا التيمم كأنك متوضأ، كأنك مغتسل إن كنت جنب، وافعل جميع العبادات التي تفعل بالطهارة الأصلية بالماء، لكن إذا وجدت الماء عليك أن تغتسل، المسألة مفترضة في شخص أصابته جنابة، بحث عن الماء ما وجد، تيمم وصلى، قام لصلاة الصبح فإذا به قد أجنب، بحث عن ماء ما وجد، تيمم وصلى الصبح، فلما طلعت الشمس وجد الماء، هل نقول: إن الجنابة ارتفعت ما يحتاج إلى أن يغتسل، خلاص راحت رفع مطلق، أو نقول: إن هذا مبيح للصلاة وليس برافع، فيلزمه أن يغتسل؟ أو نقول: هو رفع الحدث رفعاً مؤقتاً إلى وجود الماء فعليه أن يغتسل؟ يعني الجنابة التي مضت وتيمم عنها، ارتفعت وإلا ما ارتفعت؟
طالب:. . . . . . . . .(4/11)
رفع مطلق؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أو رفع مؤقت إلى أن يجد الماء، ((فليتقِ الله وليمسه بشرته))؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا أريد الجنابة التي حصلت قبل صلاة الصبح، وتيمم عنها، وصلى الصبح بالتيمم عن الجنابة ثم وجد الماء، إذا قلنا: رفع مطلق قلنا: كأنه اغتسل، انتهت الجنابة، وليتقِ الله وليمسه بشرته فيما يستقبله من أحداث، أما ما مضى انتهى، ارتفعت الجنابة، وإذا قلنا: رفع مؤقت، قلنا: فليتقِ الله وليمسه بشرته فيما مضى من حدث كالغسل، وعندهم الحديث محتمل، ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما مضى من حدث، أو ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما يستقبل من أحداث، لكن المرجح أنه يرفع رفعاً مؤقتاً إلى وجود الماء، لماذا رجحنا هذا الاحتمال على الاحتمال الثاني؟ لماذا؟ رجحنا هذا الاحتمال على الاحتمال الثاني لأننا إذا قلنا: ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما يستقبل من الأحداث الحديث فيه فائدة جديدة؟ يأتي بفائدة جديدة؟ كل نصوص الطهارة تدل على هذا، لسنا بحاجة إلى مثل هذا الخبر، ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) فيكون مؤكداً لأحاديث أخرى، إذا قلنا: ((فليتقِ الله وليمسه بشرته)) لما مضى من حدث قلنا: هذا مؤسس لحكم جديد، مؤسس لحكم جديد نستفيده من هذا الحديث فقط، ما في الباب غير هذا الحديث، وعند أهل العلم أن التأسيس أولى من التأكيد.
الحديث الذي يليه.
وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة، فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد، كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكرت ذلك له، فقال: ((إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه.(4/12)
عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: قال: بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة فأجنبت، أصابته جنابة، فلم يجد ماءً، وقد سمع أن التيمم بديل عن استعمال الماء عند عدمه، فلم أجد الماء فتمرغت، لكن كيف يستعمل التيمم؟ ظن أنه لا بد من تعميم البدن بالتراب في الغسل كما يعمم بالماء عند وجوده، فتمرغت في الصعيد، تمرغ في الصعيد تعرى وتقلب في الصعيد؛ ليعم التراب جميع بدنه كما يعمه الماء على الصورة المعروفة في الاغتسال، يقول: فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، تقلب، ثم أتيت النبي -عليه الصلاة والسلام- فذكرت له ذلك، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) تقول هنا إطلاق القول على الفعل، وهذا كثير في النصوص، إطلاق القول على الفعل وإلا فالأصل أن القول اللفظ، الكلام، هنا يطلق على الفعل، ((إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)) ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه، الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه.
ما المقدم؟ المقدم مسح اليدين وإلا الوجه في الحديث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لكنه عطف بالواو التي لا تقتضي الترتيب، هذا الحديث يدل على أن التيمم يجزئ عن الغسل في الجنابة لعادم الماء، وإنه لا يلزم فيه الترتيب، وهذا في التيمم البديل عن الغسل، وأما في التيمم البديل عن الوضوء؛ لأن الغسل ما يحتاج إلى ترتيب، يعني لو عم جميع بدنه بالماء، يعني لو غسل رجليه قبل وجهه في الغسل، ما يحتاج إلى ترتيب، الغسل لا يحتاج إلى ترتيب، وهذا كذا بدله التيمم لا يحتاج إلى ترتيب، ولذلك قال: "ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجه" فلا يحتاج إلى ترتيب.
التيمم البديل عن الوضوء، والوضوء يلزم فيه الترتيب، نعم، إذن بدله يلزم فيه الترتيب، التيمم عن الوضوء يلزم فيه الترتيب، فيمسح وجهه ثم يمسح كفيه.(4/13)
"ثم ضرب بيديه الأرض" النبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب بيديه الأرض، وهذا تعليم بالفعل، وهو أبلغ من التعليم بالقول؛ لأنه ليس الخبر كالمعاينة كما هو معروف، "ثم مسح الشمال على اليمين" الآن الممسوح الوجه معروف، الوجه معروف حدوده، لكن الممسوح في التيمم؟ الممسوح في التيمم بالنسبة لليدين إلى أين؟ هنا يقول: وظاهر كفيه، والكف تطلق إلى الرسغ، إلى المفصل هذا، الكف تطلق إلى الرسغ، والممسوح اليد، جاءت اليد في آية التيمم مطلقة، وجاءت في آية الوضوء مقيدة، جاءت اليد في آية التيمم مطلقة، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ} [(43) سورة النساء] إيش؟ نعم، مطلقة، وجاءت اليد في آية الضوء مقيدة بالمرافق، فهل نقول في مثل هذا: يحمل المطلق على المقيد؟ نعم؟ يحمل وإلا ما يحمل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ للاختلاف في إيش؟ في الحكم وإن اتفق السبب، السبب متحد، السبب الحدث، والحكم مختلف، هذا غسل وهذا مسح، ما دام اختلف الحكم لا يحمل المطلق على المقيد، وإن اتحد السبب، أيضاً آية الوضوء مقيدة بالمرافق، وآية السرقة اليد مطلقة ولا يحمل المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم والسبب، وهذا سبقت الإشارة إليه، وعلى هذا التيمم للكفين فقط، وليس إلى المرفقين كما يقول بعض أهل العلم، وشذ بعضهم فقال: إلى الآباط وإلى المناكب، لكن المطلوب مسحه في التيمم الكفان، نعم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِ، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)).(4/14)
حديث جابر في ذكر الخصائص النبوية الخمس، الخصائص كثيرة، خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة جداً، وخصائص أمته أيضاً كثيرة، خصت هذه الأمة دون سائر الأمم بخصائص، وخص نبيها -عليه الصلاة والسلام- بخصائص، لم يعطها أحد قبله من الأنبياء، وألفت في ذلك المؤلفات، للسيوطي كتاب: الخصائص مطبوع في ثلاثة مجلدات، فالخصائص النبوية كثيرة، هذا لشرفه -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص تكريم، تكريم لهذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي)) هل الوضوء من خصائص هذه الأمة؟ نعم؟ ((إن أمتي يبعثون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) فهل الوضوء من الخصائص؟ نعم؟ أو الذي من الخصائص الغرة والتحجيل والوضوء موجود في الأمم السابقة؟ نعم الوضوء موجود في الأمم السابقة، لكن خصيصة هذه الأمة بالغرة والتحجيل، فليس الوضوء من الخصائص؛ لأن جريجاً توضأ، وسارة امرأة إبراهيم توضأت، فخصيصة هذه الأمة بالغرة والتحجيل.
يقول: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر)) وفي بعض الروايات: ((مسيرة شهرين)) نعم مسيرة شهرين ذهاباً وإياباً، مسيرة شهراً ذهاباً فقط، ومسيرة الشهر تبلغ أقصى الدنيا، آلاف الأميال، مجرد ما يسمع باسمه يصاب خصمه بالرعب، مجرد ما يسمع الخصم والعدو أن محمداً -عليه الصلاة والسلام- يجهز لغزوه ينهار؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نصر بالرعب؛ ولأمته جماعات وأفراد النصيب من هذا الرعب بقدر اقتدائهم به -عليه الصلاة والسلام-، فإذا اقتدوا به -عليه الصلاة والسلام- ظاهراً وباطناً، نصروا بالرعب، إذا تخلوا عن دينه وتعاليمه وابتعدوا عن شرعه ومنهجه لم يكن لهم شيء من الرعب، ولذا كما ترون الآن في وضع الأمة، الأمة راعبة وإلا مرعوبة؟
طالب: مرعوبة.(4/15)
مرعوبة، بسبب بعدها عن المنهج النبوي الرباني، هم أصيبوا بالرعب، وضربت عليهم الذلة بسبب تركهم ذروة سنام الإسلام، كما جاء في الحديث: ((إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله ضربت عليكم الذلة)) ولا يمكن أن ترفع هذه الذلة إلا بمعاودة الدين، وذلة وأي ذلة، وقد سلط على هذه الأمة، وهي خير أمة أخرجت للناس، سلط عليها من؟ أراذل البشر، من ضربت عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة، لا يستطيعون أن يتصرفوا إلى بحبل من الله وحبل من الناس، حبل الله مقطوع، بقي حبل الناس، لولا من يمدهم من دول الكفر ما قامت لهم قائمة؛ لأنهم مضروب عليهم ذلة ومسكنة، فهذه الأمة التي ضربت على أراذل الخلق وهم اليهود سُلطت على خير أمة أخرجت للناس، لماذا؟ مبالغة في النكاية بهذه الأمة، لبعدها عن دين الله، وشرع الله، يعني لما يقال: زيد قتله الأسد، معذور يا أخي قتله الأسد، لكن لما يقال: قتله جُعل، أو خنفساء أو شيء من هذا، هذا عجب، غاية في الذلة والمهانة، يسلط عليك أرذل المخلوقات، هذا مبالغة في النكاية بهذه الأمة التي أعرضت عند دين الله، وإن كانت هذه أفضل الأمم وخير الأمم، لكن الفضل والخير معلق بوصف، إن وجد هذا الوصف وإلا ليس بينهم وبين الله نسب، {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [(38) سورة محمد] وإلا فالأصل أن هذه الأمة ما دامت متمسكة بدين الله، ملتزمة بشرع الله، مقتفية لأثر نبيها -عليه الصلاة والسلام-، هي خير أمة أخرجت للناس، والوصف الذي علقت به الخيرية إن قام كما ينبغي رجعت هذه الخيرية، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [(110) سورة آل عمران] لماذا؟ لأنكم عرب؟ لا والله، الوصف ما هو ... ، {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(110) سورة آل عمران] والله المستعان.(4/16)
((نصرت بالرعب)) فمتى استقامت الأمة على دين الله وعلى شرع الله نصرت بالرعب، وهذا أيضاً على مستوى الأفراد، شيء محسوس وملموس، إذا وجدت شخص مستقيم على دين الله وعلى شرع الله تخاطبه وأنت وجل، تخاطبه وأنت تأخذ راحتك وأنت تخاطبه؟ ما تأخذ راحتك، بعض المسئولين الكبار، كبار، كبار، بأيديهم أمر ونهي وحل وعقد، يأتي ليخاطب عالم من أضعف الناس بنية، بل من أضعف الناس شخصية، وهو يرتعد، لماذا؟ لأن هذا استقام على شرع الله، نصر بالرعب، بقدر نصيبه من اقتدائه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، إيش معنى هذا من المسئول الكبير الخطير الذي يملك الجيوش يأتي ليقابل عالم من علماء المسلمين العاملين في الأيام شديدة البرد ويده كأنها مغموسة في ماء من العرق، ويرتعد، إيش معنى هذا؟ هذا الرعب، هذا الخوف، هذه الهيبة التي تقذف في قلوب العباد لمن يعمل بشرع الله -عز وجل-.(4/17)
((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) هذا هو الشاهد من الحديث، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِ)) الأمم السابقة كانوا لا يصلون إلا في مواضع عباداتهم، في بيعهم وكنائسهم، في هذا حرج شديد، لكن هذه الأمة جُعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً، أدركتك الصلاة عندك المسجد وعندك الطهور، اضرب بيدك الأرض مرة واحدة، وامسح وصل، وهذا من يسر هذه الشريعة، ((إن الدين يسر)) ((بعثت بالحنيفية السمحة)) وليس معنى هذا أن الإنسان يتنصل من الواجبات، ويرتكب المحرمات، ويقول: الدين يسر، لا يا أخي، الدين يسر نعم، الأصل في الدين أنه تكاليف، والتكاليف إلزام ما فيه كلفة، لكن هذه الكلفة محتملة، أصابتك نجاسة تغسل هذه النجاسة، ما يلزم أن تأتي بالمقراض وتقرض موضع النجاسة، الدين يسر، لكن تترك النجاسة وتقول: الدين يسر، ما هو بصحيح، الدين تكاليف، ((حفت الجنة بالمكاره)) يخطئ من يفهم يسر الدين بالتنصل عن فعل الواجبات، وارتكاب المحظورات، لا، الدين تكاليف، نعم، والإنسان إذا بلغ كُلف إيش معنى كلف؟ ألزم ما فيه كلفة، يعني هل يستوي في أيام الشتاء القارس من هو متلفلف في فراشه ومؤذن، المؤذن يؤذن لصلاة الصبح، وبين من يستعمل الماء مع برودته ويخرج إلى المسجد؟ ما يستوي، لو قال: إن الدين يسر، وتلفلف بالفراش ونام، والدين يسر، نعم يسر لكن هو تكاليف يا أخي قم من منامك وتوضأ واستعمل الماء رغم برودته، واخرج تعرض للهواء وصل مع الجماعة، هذا الدين يسر، لكن ليس معنى هذا أنك تعرض نفسك للتلف، لا، فالدين يسر نعم، يعني لا يعرضك لما لا تحتمله ولا تطيقه، نعم، لكنه يسر، يكلفك ما تطيق، {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [(286) سورة البقرة] أما ما يطاق وإن كان ثقيلاً على النفس، والنفس تحتاج إلى جهاد من أجل تحمل هذه التكاليف، ومع ذلكم هو يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، يأتي شخص يصلي من صلاة العشاء إلى أذان الفجر، ويقول: يا أخي الدين يسر، ((لكني أنام وأصلي)) وليس من(4/18)
هديه -عليه الصلاة والسلام- قيام الليل كله؛ لأن الدين يسر، لكن ما تقول: أنا لا أصلي العشاء في الجماعة ولا الفجر مع الجماعة لأن الدين يسر، لا يا أخي، تصلي.
((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) ((جعلت لي الأرض مسجداً)) تصلي في جميع بقاع الأرض، ما لم تكن هذه الأرض مما استثني في النصوص لنجاستها مثلاً الحسية أو المعنوية، فهذا الحديث مخصوص، هذا الحديث وهو من أحاديث الخصائص مخصوص، تصلي في مجزرة فيها الدماء؟ ما تصلي، تصلي في مزبلة؟ ما تصلي، تصلي في مقبرة؟ ما تصلي، وغير ذلك مما جاءت النصوص بمنع الصلاة فيه، وهذا تخصيص لحديث الخصائص.
ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- والحافظ ابن حجر يرون أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لماذا؟ لأن الخصائص تشريف للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والتخصيص تقليل لهذا التشريف، فكيف يجتمع تشريف ثم تقليل؟ التشريف يحتاج إلى مزيد، فالخصائص عندهم لا تقبل التخصيص، فعلى هذا تصلي في المقبرة؛ لأن ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) على عمومه، تخصيص المقبرة بالمنع من الصلاة فيها وقد جاء النهي عن الصلاة في المقبرة وإلى القبور تقليل لهذا التشريف، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: يا أخي ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- حينما قال ذلك لحظ ملحظ، وهو أن .. ، هو ما ذكرناه من أن الخصائص تشريف، والتشريف بحاجة إلى مزيد وليس بحاجة إلى نقص، ملاحظة لحقه -عليه الصلاة والسلام-، نقول: الصلاة في المقبرة إنما منعت لحق الله -عز وجل-؛ لأن الصلاة في المقبرة ذريعة إلى الشرك، المحافظة على التوحيد من حق الله -عز وجل-، إذا تعارض حق الله -عز وجل- مع حق نبيه -عليه الصلاة والسلام- أيهما أولى بالمحافظة؟ حق الله -عز وجل-، فتمنع الصلاة في المقبرة مراعاة لحق الله -عز وجل-.(4/19)
((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) طهوراً ((الصعيد الطيب طهور المسلم)) {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] ومقتضى ذلك يتناول جميع ما على وجه الأرض، ((جعلت لي الأرض)) بجميع ما على وجهها، والصعيد: ما تصاعد على وجهها من أي شيء كان، تراب أو رمل، حصى، حجر، نورة، أي شيء على وجه الأرض، حتى الفرش هذا إذا أمكن التيمم به لوجود الغبار، جميع ما على وجه الأرض.
الرواية الصحيحة في صحيح مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هل تتعارض هذه الرواية مع ما معنا؟ ((جعلت لي الأرض)) يعني جميع ما على وجهها، الرواية الثانية في صحيح مسلم: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) هل هناك معارضة بين الروايتين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
الخاص مقدم على العام، إذن الخاص مقدم على العام.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا. . . . . . . . . القذرة مستثناة، منتهية، لكن غير القذرة، وجدنا رمل نظيف، أو حجارة نظيفة ملساء، ما فيها شيء يعلق باليد، هذا على وجه الأرض نتيمم وإلا ما نتيمم؟ إذن ماذا عن قوله: ((وجعلت تربتها)) الحنابلة والشافعية يقولون إيش؟ لا يصح التيمم إلا بالتراب، تراب له غبار يعلق باليد، الرمل ما يصح التيمم به، الحصى ما يصح التيمم به، ولو كان على وجه الأرض، غيرهم من أهل العلم يقولون: تيمم على كل ما على وجه الأرض، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم، الصعيد ما تصعد على وجه الأرض، والأرض تتناول جميع ما على وجه الأرض، الجبل تبع الأرض وإلا ما هو بتبع الأرض؟ تبع الأرض، لكنه ليس بتراب، ((جعلت تربتها لنا طهوراً)) هل نقول: إن هذا عام وخاص والخاص مقدم على العام؟ أو نقول: الأرض مطلقة والتراب مقيد ويحمل المطلق على المقيد؟ أولاً: هل هذا من باب التخصيص أو من باب التقييد؟ يعني هل التراب فرد من أفراد الأرض أو وصف من أوصاف الأرض؟ وصف وإلا فرد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(4/20)
لا، لا ما يلزم، لا، لا لكن الآن نعود إلى لفظ التراب هل هو وصف من أوصاف الأرض، أو فرد من أفرادها؟ إن قلنا: وصف قلنا: إطلاق وتقييد، إذا قلنا: فرد من أفرادها قلنا: عموم وخصوص، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
فرد من أفرادها، خلنا على فرد من أفرادها.
إذا قلنا: التراب فرد من أفراد الأرض، وقلنا: التراب خاص والأرض عام، هل يحمل العام على الخاص في مثل هذه الصورة؟ نعم؟ يحمل العام على الخاص وإلا ما يحمل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: التراب فرد من أفراد الأرض، إذن التراب خاص والأرض عام، يحمل العام على الخاص وإلا ما يحمل العام على الخاص في هذه الصورة، ولماذا؟ نعم؟ العام مع الخاص إما أن يتفقا في الحكم، الحكم واحد، أو يختلفا في الحكم، فذكر بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، ويكون ذكر الخاص بعد ذكر العام للعناية به والاهتمام بشأنه، وهنا هذا تنصيص على بعض أفراد العام، بحكم موافق لحكم العام فلا تخصيص، طيب {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} وإيش؟ ومن؟ {وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [(163) سورة النساء] نوح خاص والنبيين عام هل نقول: إن الخاص يقضي على العام؟ أو نقول: ذكر نوح للاهتمام بشأنه والعناية به والحكم واحد؟ نعم؟ لأن الحكم واحد، ما بينهم خلاف، لكن لو قيل .. ، إذا قيل: أعط بني تميم، شخص أوصى بشيء لبني تميم، ثم ذكر وصية ثانية يُعطى الفقهاء من بني تميم، نعم، قلنا: التنصيص على الفقهاء لا يعني أن بقية بني تميم لا يعطون، إنما للعناية بشأن الفقهاء والاهتمام به، الحكم واحد، لكن لو قيل: أعطِ بني تميم في وصية، ثم قيل بعد ذلك في وصية لاحقة: لا تعط الفساق من بني تميم، نعم، قلنا: خلاص الآن الخاص نعم ... ، أو قيل: أعطِ الفقهاء ولا تعط العوام، قلنا: الخاص مقدم على العام؛ لأن الحكم اختلف، لكن ما دام الحكم واحد لا يحمل العام على الخاص، وإنما يذكر الخاص للعناية بشأنه والاهتمام به.(4/21)
لو قلنا: إن التراب وصف من أوصاف الأرض، وقلنا: إن هذا مطلق ومقيد، واتفقا في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد، وحينئذٍ لا نتيمم بشيء على وجه الأرض إلا التراب، وإلى هذا ينحو من يقول: بأنه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب كالحنابلة والشافعية، فالذين قالوا بالتيمم بجميع ما على وجه الأرض قالوا: عموم وخصوص، أو قالوا: هذه زيادة تضمنت بعض الاختلاف ولم يروها بل تفرد بها الراوي يحكم عليهم بالشذوذ كما قال بعضهم، لكنها في صحيح مسلم لا كلام لأحد، إذا قلنا: إنها من باب العموم والخصوص مشينا على قول من يقول: يتيمم بكل ما على وجه الأرض، ولا مخصص بالتراب، ويمشي على هذا رأي الحنفية والمالكية وجمع من أهل العلم، ولا نحتاج إلى تخصيص؛ لأن الحكم واحد، وذكر التراب للاهتمام بشأنه، وإذا قلنا: إطلاق وتقييد، حملنا المطلق على المقيد، وقلنا: لا تيمم إلا بتراب، كما يقول الشافعية والحنابلة، والأظهر هو القول الأول إن ذكر التراب للاهتمام به، والعناية بشأنه.
((فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)) يعني خلافاً لما كانت عليه الأمم السابقة من أنهم لا يصلون إلا في مواضع الصلاة.
((وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي)) الأمم السابقة كانوا إذا غزوا وغنموا جمعوا هذا المغانم في جهة، فإن كانت متقبلة أريد بها وجه الله نزلت عليها نار من السماء فأكلتها، وفي شرعنا: كلوا مما غنمتم، ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) ولذا يقرر أهل العلم أن أطيب المكاسب إيش؟ الغنائم، لماذا؟ لأنها رزق النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي لا يزاول تجارة، ولا يزاول .. ، ليس له مرتب ولا دخل إلا من المغانم، وهو رزق النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أفضل المكاسب على الإطلاق، وإن قال بعضهم: إن الزراعة أفضل، وبعضهم قال: الصناعة؛ لأن داود كان صانع، المقصود أن المغانم التي هي رزق النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل المكاسب.
((وأعطيت الشفاعة)) وشفاعات النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة، لكن من أعظمها الشفاعة العظمى التي تريح الخلائق كلهم من عناء الموقف، وهي المقام المحمود، الذي نسأله للنبي -عليه الصلاة والسلام- دبر كل أذان.(4/22)
((وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة)) بعث إلى الأحمر والأبيض والأسود، إلى الثقلين إلى الجن والإنس، والأنبياء يبعثون إلى أقوامهم، فمن خصائصه -عليه الصلاة والسلام- عموم الرسالة، عموم رسالته إلى الثقلين العرب وغير العرب، الإنس والجن، فالذي يؤمن بالنبي -عليه الصلاة والسلام- نبي، لكن يقول: هو نبي للعرب، للأميين خاصة، هذا ما آمن، من كان يزعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، أو يصل إلى حد تزول عنه التكاليف هذا ليس بمسلم، من كان يسعه الخروج عن شريعة محمد كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى هذا كافر، ((والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ولا يؤمن بي إلا دخل النار)) فالرسالة عامة لجميع من على وجه الأرض، للإنس والجن، إلى الثقلين، نعم.
باب: الحيض:
عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: ((لا، إن ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي)).
وفي رواية: ((وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: الحيض"(4/23)
الحيض دم طبيعة وجبلة كما يقول أهل العلم، يرخيه رحم المرأة إذا بلغت سن التكليف، وهذا من لطف الله -جل وعلا- بالمرأة؛ لأنه لو انحبس ضرها، ووجوده أمر لا بد منه لتغذية ما في بطنها من حمل، ولذا ينحبس نزوله أثناء الحمل، ويقرر جمع من أهل العلم أن الحامل لا تحيض، فينحبس أثناء الحمل لتغذية الطفل، فإذا لم يوجد حمل أرخاه الرحم ليخرج؛ لأنه لو بقي لآذاها، لو تراكم عليها لضرها، وهذا شيء كتبه الله على بنات آدم، شيء كتبه الله على بنات آدم، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] وثبت في الحديث الصحيح أن المسلم يكتب له ما كان يعمله وهو مقيم إذا سافر أو مرض، يستمر عمله، يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، فهل يكتب للمرأة إذا حاضت ما كانت تعمله في حال طهرها؟ لأن المنع ليس بيدها، نيتها تستمر في طاعة الله -عز وجل-، لكنها منعت شرعاً، كما منعت المشقة المسافر، وكما منع المرض المريض من عمل ما كان يعمله هو لما كان صحيحاً سليماً معافى، فهل يكتب لها أو لا يكتب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يكتب لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لأنها ناقصة في العقل والدين، لو كان يكتب لها ما صارت ناقصة، لو كان يكتب لها من الأجر ما كانت تعمله في حال طهرها ما قيل: ناقصة، هذه حجة من يقول: إنه لا يكتب لها ما كانت تعمله في حال الطهر، ومنهم من يقول: يكتب لها؛ لأنه أذى، والأمر ليس بيدها، ونيتها أن تصلي وتصوم، لكنها ممنوعة شرعاً من ذلك، كما منع المريض بالمرض، والأذى نوع من المرض، والقول الآخر أنه لا يكتب لها لأنه لو كانت يكتب لها ما كانت ناقصة دين، تمر بها الأيام لا تصوم ولا تصلي، فهي ناقصة، لو كانت كاملة لكتب لها، وعلى كل حال الأمر بيد الله -عز وجل- أولاً وأخراً، فلا اعتراض على حكمه إن لم يكتب، ولا حاد لفضله إن كان يكتب، لا اعتراض لحكمه إن كان لا يكتب لها ما كانت تعمله، فله الأمر أولاً وأخراً، ولا راد لفضله إن كان يكتب، فالمسألة محتملة وهي خلافية بين أهل العلم.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش، سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟(4/24)
هناك نساء يبتلين بهذا النزيف المسمى عند أهل العلم بالاستحاضة، وما يسمى بدم الفساد، وهو النزيف في عرف الناس اليوم يسمونه نزيف، يبتلى به بعض النسوة، ووجد في عصره -عليه الصلاة والسلام- جمع من النسوة يبتلين، فاطمة بنت أبي حبيش، تستحاض فلا تطهر، حمنة استحيضت سبع سنين، وأم حبيبة، وزينب مجموعة من النسوة كن مبتليات بهذا النزيف، وعلى كل حال هو مصيبة من المصائب على المرأة أن تصبر وأن تحتسب وتنال أجرها بذلك.
"إني أستحاض فلا أطهر" لما حاضت عائشة -رضي الله عنها- في الحج وندمت على ذلك بل بكت، طمأنها النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، ولما حاضت صفية وإلا زينب؟ نعم؟ قال لها: ((عقرى حلقى أحابستنا هي؟ )) والسبب في ذلك لأن بعض الناس يتوقع أن هذا اختلاف معاملة من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأزواجه، هذا ليس باختلاف معاملة، بل ذلك لما يترتب على الحيض بالنسبة لهذه ولهذه، حيض عائشة قبل دخول مكة، مجزوم بأنها تطهر ولا تحبسهم قبل رجوعهم، وحيض صفية إنما كان في آخر الأمر، يعني لو لم تطف طواف الإفاضة لترتب على ذلك الحبس والتأخر، ولذا قال: ((أحابستنا هي؟ )) لا شك أن الآثار المترتبة على حيض عائشة غير متعدية؛ لأنها سوف تطهر قبل انصرافهم، قبل رجوعهم، ولا يترتب عليها حبس، لكن حيض الثانية لا شك أنه في آخر الأمر ويترتب عليه الحبس، ولذا قال: ((إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) يطمئنها، وهذه قال لها: ((عقرى حلقى أحابستنا هي؟ )) يعني لماذا ما احتاطت وأفاضت مع الناس؟ لماذا أخرت الإفاضة؟ فلما أخبر أنها قد أفاضت قال: ((فلا إذن)) هذا تنبيه يحتاج إليه؛ لأن بعض الناس إذا سمع هذا يظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعدل بين زوجاته، والعدل واجب، وإن كان بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- المسألة خلافية، هل يلزمه أن يعدل في القسم؟ هل يلزمه أن يعدل في المعاملة بعد أن خيرهن -عليه الصلاة والسلام-؟
"أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟(4/25)
الاستحاضة: جريان الدم من فرج المرأة في غير وقته، وفي غير أوانه، غير وقت الحيض، وأيضاً يختلف وصفه، فدم الحيض أسود يُعرِف له رائحة، ومعروف لدى النساء، ودم الاستحاضة يختلف.
"إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال: ((لا)) " في وقت الاستحاضة المرأة في حكم الطاهرة، ((إن ذلك دم عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي)).
المستحاضة ينزل عليها الدم شهر كامل، تترك الصلاة؟ لا، تصلي كل الشهر؟ لا، ماذا تصنع؟ قدر الأيام، هذه المستحاضة التي يستمر معها نزول الدم إن كانت معتادة لها عادة معينة الأسبوع الثاني من كل شهر ينزل عليها دم الحيض، ففي هذا الشهر تدع الصلاة الأسبوع الثاني، وتصلي في الأسبوع الأول والثالث والرابع؛ لأنها في حكم الطاهرات، هذا الأسبوع الذي اعتادت أن تأتيها العادة فيه، هذا إذا كانت معتادة، إن كانت مميزة بمعنى أن دم الحيض يختلف في لونه ورائحته عن دم الاستحاضة، تجلس ما دام الدم الذي هو دم الحيض موجود، إذا تغير لونه تغتسل وتصلي، إن لم تكن معتادة ولا مميزة تتحيض غالب الحيض، تنظر إلى نسائها أمها وأخواتها وخالاتها كم عادتهن؟ ستة أيام أو سبع، تجلس ستة أيام وسبع، يعني إذا كان ينزل عليها الدم شهر كامل ولا اختلاف ليست لها عادة، أو لها عادة مضطربة، شهر ثلاثة أيام، وشهر خمسة، وشهر يومين، وشهر ... ، مثل هذه تجلس غالب الحيض، والدم واحد، من يوم واحد إلى يوم ثلاثين لونه واحد، ورائحته واحدة فحينئذٍ تتحيض كما تتحيض غالب النساء، والمقصود نسائها القريبات منها.
((دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي)) تغتسل عن إيش؟ عن الحيض، واغتسال الحيض واجب، والحيض موجب للغسل كما هو معروف.
وفي رواية: ((وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة)) هذا بالنسبة لمن يعرف وقتها أو لونها فيميز، ((فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها)) مدتها ذهبت، ((فاغسلي عنك الدم وصلي)) وسيأتي في الحديث -حديث أم حبيبة- أنه أمرها أن تغتسل، في الحديث الثاني، نعم، اقرأ الحديث.(4/26)
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأمرها أن تغتسل، قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة.
نعم، فاطمة كانت تستحاض فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام-، أم حبيبة أم المؤمنين استحيضت سبع سنين فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا دليل على أن المرأة تباشر السؤال بنفسها عما يخصها، لا مانع من مباشرتها عن السؤال فيما يخصها، ولا يقال: إن صوت المرأة عورة، لكن يجب عليها أن لا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، لكن بعض النساء طبيعتها كذا، صوتها مغري، هذه بقدر الإمكان تخفف مما يغري الرجال بها، وإلا فالأصل أن صوت المرأة إذا كان بطريقتها العادية من غير تكلف وخضوع أنه ليس بعورة، لكن إذا وجدت الفتنة بصوتها أو بها حينئذٍ عليها أن تكف، لا تعرض نفسها لئن تفتتن أو تفتن، ولو كان هذه خلقتها، فتسأل بواسطة، إذا خشيت من الفتنة عليها أو على غيرها تسأل بواسطة، وإلا فالأصل أن تتولى المرأة السؤال بنفسها.
أم حبيبة أم المؤمنين استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة، يعني المستحاضة التي يستمر معها نزول الدم، حكمها حكم من به حدث دائم، سلس بول، أو سلس ريح، أو جرح لا يرقأ، مثل هذا حدثه دائم، وحينئذٍ تتوضأ لكل صلاة.
"أمرها أن تغتسل" الأصل أن تغتسل مرة واحدة، كما جاء في الحديث السابق، فكانت تغتسل لكل صلاة، فاغتسال المستحاضة لكل صلاة مستحب، وليس بواجب، أمرها أن تغتسل مرة واحدة، فكان من عادتها أن تغتسل لكل صلاة اجتهاداً منها؛ لأن الأصل أن الأمر لا يقتضي التكرار، والتكرار يحتاج إلى أمر جديد، فأمرها أن تغتسل، فكان من احتياطها أنها كانت تغتسل لكل صلاة، وهي زوجته مع علمه -عليه الصلاة والسلام- فيؤخذ منه الاستحباب، ولا يلزم أن تغتسل لكل صلاة، وجاء أيضاً في الحديث: ((توضئي لكل صلاة)) فدل على أن وضوءها لا يرفع الحدث، ولو كان يرفع الحدث لما أمرت أن تتوضأ لكل صلاة، ولقائل أن يقول: إنه يرفع الحدث لكن خروج الدم مرة ثانية ناقض لذلك الوضوء، فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة، نعم.(4/27)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض.
عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- تخبر عن الأمور الخاصة بينها وبين النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس هذا من التحدث بما لا يجوز الحديث عنه؛ لأن الإنسان ممنوع أن يتحدث فيما يقع بينه وبين زوجته في الأمور الخاصة، لكن هذا يترتب عليه حكم شرعي للأمة، يعني لو لم تقل عائشة هذا الكلام كيف يبلغنا مثل هذا الحكم؟
تقول: "كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد كلانا جنب" وتختلف أيديهم فيه ويقول لها: ((دعي لي)) وتقول: "دع لي" وتقدم هذا، والشاهد هنا: "وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض" الحائض طاهرة الأصل، تنام مع زوجها وتأكل معه، وتساكن الناس، وتباشر، وتأخذ وتعطي، وعرقها طاهر، نعم.
"وكان يأمرني فأتزر" تلبس الإزار "فيباشرني وأنا حائض" يعني من فوق الإزار، نعم، فيما فوق الإزار للرجل أن يستمتع من امرأته فيما عدا موضع الأذى، وينبغي أن يبتعد عن الموضع ولا يحوم حول الحمى لئلا تدعوه نفسه إلى أن يقع في الحرام، ولذا كان يأمرها أن تأتزر.
"فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض" تباشر غسل رأسه بالماء ما يقال إنها ما دامت يابسة ما تنجس، لا، هي رطبة الآن، وهي أيضاً متلبسة بهذا الحدث، فدل على أنها طاهرة، فتباشر غسل رأسه بالماء؛ لأن النجس، اليابس ما ينجس اليابس، لكن الرطب ينجس، وهنا تباشر الغسل والغسل فيه رطوبة، "وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" فدل على طهارة بدن المرأة وعرق المرأة، وجميع ما يتصل بالمرأة، إلا الأذى الذي هو الخارج النجس، فدم الحيض نجس بالاتفاق يجب غسله.
"كان يخرجه رأسه إلي وهو معتكف فأغسله وأنا حائض" لأن الحائض ممنوعة من دخول المسجد، ((وليعتزل الحيض المصلى)) حتى المصلى -مصلى العيد- يعتزله الحيض، ولو لم يكن يصلى فيه إلا العيد، يعتزل الحيض المصلى، والمسجد من باب أولى، نعم.(4/28)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن".
عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكئ في حجري" الحجر بفتح الحاء، "في حجري وأنا حائض" والحال أنها متلبسة بالحيض "فيقرأ القرآن".
يتكئ في حجر عائشة -رضي الله عنها- عليه الصلاة والسلام- وهي حائض فيقرأ القرآن، فدل على أن القرب من الحائض ليس كالقرب من الأماكن التي تمنع من مزاولة قراءة القرآن، لا، رأسه -عليه الصلاة والسلام- في حجرها، وتمس رأسه، وهو متكئ عليها، بل صدره الحاوي للقرآن في حجرها، فيقرأ القرآن، هذا فيه إشارة يفهم منه أن الحائض ... أقول: فيه تلويح وإشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن، ولولا ذلك لما قالت: إنه يقرأ القرآن في حجري، طيب هو طاهر -عليه الصلاة والسلام-، لم يتلبس بمانع، ما الداعي إلى ذكر مثل هذا؟
فلولا أن الحيض له أثر في قراءة القرآن عندهم أثر يمنع من قراءة القرآن لما قالت مثل هذا القول؛ لأنه بالنسبة -عليه الصلاة والسلام- لا يوجد مانع منه، إذن المانع المفهوم من الحديث منها، فهذا يستدل به من يقول: إن الحائض لا تقرأ القرآن.
نعم الدلالة ليست من الوضوح بحيث يكون الحكم متفق عليه، لا، لكن فيه إشارة وتلويح وإيماء إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن.
"يتكئ في حجري" رأسه -عليه الصلاة والسلام- في حجرها، صدره الحاوي للقرآن في حجرها، وهي حائض، يقرأ القرآن.(4/29)
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استنبط من هذا أن المحدث بما في ذلك الحائض لها أن تمس القرآن من وراء حائل، هذا استنباط دقيق جداً، كيف؟ يقول: القرآن في جوف النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كالوعاء للقرآن، وهي تمس النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقرأ القرآن، والقرآن في جوفه، إذن القرآن إذا كان في غلاف أو في كيس أو في شيء من هذا للمحدث وللحائض أن تمس القرآن، يقول: وكان أبو وائل يرسل خادمه وهي حائض إلى أبي رزين فتأتيه بالمصحف فتمسكه بعلاقته، وساق هذا الحديث الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وبعضهم يمنع أن تقرب القرآن ولو من رواء حائل، لكن لا مانع من أن يمس الحدث المصحف من حائل، وكذلك الحائض، نعم.
وعن معاذة -رضي الله عنها- قالت: سألت عائشة -رضي الله عنها- فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.(4/30)
معاذة تابعية جليلة حريصة على أداء ما كلفت به، تسأل عائشة -رضي الله عنها- سؤال، وشفاء العي السؤال، وإذا لمس من الإنسان الحرص الذي يخشى من زيادته يرد عليه بمثل هذا الكلام، يأتي شخص مندفع، تريد أن تخفف من حدته بعض الشيء، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاءه عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو الحريص على قراءة القرآن، يريد أن يقرأ القرآن في كل يوم، قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) ليش؟ ليخفف من اندفاعه، ((أقرأ القرآن في الشهر مرتين)) قال: أستطيع أكثر من ذلك، ((اقرأ القرآن في ثلاث)) قال: أستطيع أكثر من ذلك، قال: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) لأنه مندفع ينبغي أن يخفف من اندفاعه، لكن لو شخص منصرف، أو شخص يتحدث على جماعة قد هجروا القرآن، ماذا يقول لهم؟ يقول لهم ... ، يبين لهم حال السلف مع القرآن، ويبين لهم ما ورد في فضل قراءة القرآن، أن الحرف بعشر حسنات، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، فهو بحاجة إلى أن يرغب الناس في القرآن؛ لما يرى من انصرافهم، فالعالم أو المفتي والموجه ينبغي أن يكون كالطبيب، إذا شخص مندفع ويخشى عليه من الزيادة والغلو يخفف من حدته، فيعرض عليه الأخف فالأخف وهكذا، لكن شخص مذنب، مفرط، مثل هذا يشد عليه من أجل أن يأتي ببعض الشيء.
ولذا قالت معاذة: سألت عائشة -رضي الله عنها- فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت لها: أحرورية أنت؟ يعني هل أنت من الخوارج أهل حروراء؟ الذين يرون أن الحائض تقضي الصوم وتقضي الصلاة، الخوارج نعم، يرون أن الحائض تقضي الصوم وتقضي الصلاة، وهذا من تعنتهم ومبالغتهم وتشديدهم فخشيت أن يكون فيها لوثة من هذا الفكر، فقالت: أحرورية أنت؟ نسبة إلى بلد يقال له: حروراء ظهر منه أوائل الخوارج.
فقلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، نعم إذا خفي على الإنسان الشيء يسأل، لكن لا يسأل للعنت، إنما يسأل للإفادة والاستفادة، ليستفيد، لكن إذا كان القصد بالسؤال العنت وإظهار التعالم أو إظهار عجز المسئول، مثل هذا ممنوع، جاء النهي عن مثل هذه الأسئلة.(4/31)
ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
من الآمر هنا بقضاء الصوم؟ ومن الآمر بعدم قضاء الصلاة؟ هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قال الصحابي: كنا نؤمر، أو أمرنا، فالمتجه أن الآمر والناهي هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي له الأمر والنهي لا سيما في الأحكام الشرعية، فأجابتها بحديث، بخبر، وهكذا ينبغي أن يكون الجواب، إذا كان فيه خبر يقنع السائل يفهمه السائل فيجيب المفتي بذلك الخبر، إذا كان السائل لا يستوعب ولا يفهم معنى الخبر يقال له: هذا حلال وهذا حرام، إذا كان لا يفقه ولا يفهم من عوام الناس، أما إذا كان يفهم ما يلقى إليه، فيجاب بالخبر؛ لأن الإجابة بالخبر أقوى، إذا كانت دلالته على الحكم دلالة مطابقة، أما إذا كان مفهوم والسائل لا يدرك دلالة المفهوم أو ما أشبه ذلك، فإنه يبين له الحكم، وطالب العلم يبين له الحكم بدليله؛ لأنه بصدد أن يتعلم الحكم بدليله، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/32)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (1)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالكتاب الذي يُتولى شرحه -شرح شيء منه- هو العمدة عمدة الأحكام، للحافظ عبد الغني المقدسي، كتاب من أمتن كتب الأحكام المجردة من الأصول المعتمدة، بل هو أصح ما ألف في هذا الباب لطلاب العلم، وجرد من الأصول لأنه من الصحيحين، وشرط المؤلف أن يكون الحديث متفقاً عليه، وقد يخرج عن هذا الشرط قليلاً فيخرج شيئاً من أفراد البخاري، أو من أفراد مسلم، وعلى كل حال جميع ما في الكتاب صحيح، ولسنا بحاجة إلى الكلام على أحاديث الكتاب من حيث الرواية، بل الذي يهمنا ويهم أوساط المتعلمين في مثل هذه الأحاديث الصحيحة جانب الدراية، يكون الاهتمام بشرح متن الحديث دون النظر في طرقه وأسانيده؛ لأنه من أصح الكتب، نبدأ بكتاب الصلاة من عمدة الأحكام.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمناه الله وإياه تعالى، وغفر له ولشيخنا وللحاضرين-:
كتاب الصلاة
باب المواقيت
عن أبي عمرو الشيباني -واسمه سعد بن إياس- قال: حدثني صاحب هذه الدار، وأشار بيده إلى دار عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أحب إلى الله -عز وجل-؟ قال: ((الصلاة على وقتها)) قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين)) قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)) قال: حدثني بهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو استزدته لزادني.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الصلاة(5/1)
الكتاب مضى التعريف به مراراً في كتب مختلفة، وفي هذا الكتاب كتاب الطهارة في موضع أخر، الكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، والأصل في المادة الجمع، يقال: تكتب بني فلان إذا اجتمعوا، وقيل لجماعة الخيل: كتيبة، وهو من المصادر السيالة التي تحدث شيئاً فشيئاً، يعني لا تحدث دفعة واحدة، ما في كتاب يوجد دفعة واحدة، يعني إذا كانت الولادة والقيام والقعود يحدث دفعة واحدة فالكتابة تحدث شيئاً فشيئاً؛ لأنها تجتمع شيئاً فشيئاً من الحروف والكلمات، يقول الحريري:
وكاتبين وما خطت أناملهم ... حرفاً ولا قرؤوا ما خُط في الكتبِ
يقصد بذلك الخرازين، لا يقرؤون ولا يكتبون، لكنهم يجمعون بين صفائح الجلود فيخرزونها ويجمعون بينها، والجمع كتابة، والمراد بذلك المكتوب، اسم المفعول الجامع لمسائل هذه الفريضة العظيمة وهي الصلاة، والصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، عمود الإسلام الصلاة، من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها كفر إجماعاً، ومن تركها تهاوناً وكسلاً فالقول المفتى به أنه يكفر كفر مخرج عن الملة ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين المرء والكفر ترك الصلاة)) أو قال: الشرك، المقصود أن شأن الصلاة عظيم، أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وأخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، فمن فقد الصلاة فلا شيء أبقى من دينه أبداً، كل شيء فقد أخره فقد انتهى.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب المواقيت
الباب في الأصل ما يدخل ويخرج منه، وهو في عرف أهل العلم في الحقيقة العرفية عند أهل العلم: ما يضم فصولاً ومسائل غالباً، هذا الباب في الاصطلاح العرفي وهو حقيقة، لا نقول: إن استعماله في المحسوسات حقيقة، وفي المعقولات والمعنويات مجاز، كما يقول من يثبت المجاز، بل هو حقيقة عرفية عند أهل العلم، والحقائق كما تعلمون ثلاث: لغوية وشرعية وعرفية، هذه حقيقة عرفية عند أهل العلم، تعارفوا على وضع كلمة باب لما يضم فصول ومسائل، والباب هنا يضم أحاديث، الكتاب يضم أبواب، وكل باب يضم أحاديث، الحديث الأول من أحاديث هذا الباب يقول:
باب المواقيت(5/2)
المواقيت: جمع ميقات، والميقات والوقت بمعنى واحد، والمراد به الوقت المحدد لأداء هذه الشعيرة، بحيث لا يجوز أن تقدم عليه ولا يجوز أن تؤخر عنه {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] كتاباً يعني مكتوباً مفروضاً، موقوتاً يعني في الأوقات المحددة التي جاءت النصوص الصحيحة بتحديدها، ومن أشهر ما جاء في المواقيت حديث جبريل حينما أم النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصلوات الخمس في أول الوقت وفي آخره، في اليوم الأول صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الوقت، وفي اليوم الثاني صلى به في آخر الوقت، هذا من أشهر الأحاديث في المواقيت التي تجمع أوقات الصلوات الخمس، ومن أشهرها أيضاً حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم، وهو متأخر عن حديث إمامة جبريل بحيث لو حصل التعارض بينهما كما سنعرضه -إن شاء الله تعالى- قدم حديث عبد الله بن عمرو، وهو في الصحيح أيضاً، وأما حديث إمامة جبريل في السنن، لم يخرج المؤلف حديث إمامة جبريل؛ لأنه ليس على شرطه، والأصل في شرطه أن يخرج ما اتفقا عليه، ولذا لم يخرج حديث عبد الله بن عمرو، وهو من أجمع الأحاديث في المواقيت.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(5/3)
"عن أبي عمرو الشيباني" واسمه سعد بن إياس الشيباني أبو عمرو، مخضرم أدرك الجاهلية، وعمر طويلاً بحيث عاش مائة وعشرين عاماً "واسمه سعد بن إياس، قال: حدثني صاحب هذه الدار، وأشار بيده إلى دار عبد الله بن مسعود" فالإشارة التي لا تحتمل معنى آخر تقوم مقام العبارة، هو ما سمى من روى عنه، ما قال: حدثني عبد الله بن مسعود، قال: حدثني صاحب هذه الدار، فهل هذا معين أو مبهم؟ أشار إلى الدار وعين الدار لكن أبهم الصاحب، فإذا كان الصاحب لا يحتمل كفى عن التصريح كما هنا، ولذا خرج الحديث في الصحيحين، صاحب هذه الدار، لكن لو كان للدار أكثر من صاحب، الدار بين ثلاثة شركاء، فقال: حدثني صاحب هذه الدار يكفي وإلا ما يكفي؟ لا يكفي، بل لا بد من التعيين؛ لأن الإبهام جهالة، والجهالة لا شك أن أقل أحوالها أن تكون عدم علم بحال الراوي، إن لم تكن قدحاً فهي عدم علم بحال الراوي، ولا بد أن يكون الراوي معروفاً بالعدالة، فمثل هذه الإشارة المعينة تقوم مقام التصريح، وهل يكفي في ذلك غلبة الظن؟ إذا كان في البلد أكثر من عالم، لكن في واحد متميز عليهم، فقيل: حدثني عالم البلد الفلاني يكفي وإلا ما يكفي؟ وفيه أكثر من عالم؟ هل يكفي في ذلك غلبة الظن؟ يعني إذا قال: حدثني عالم عنيزة مثلاً هل ينصرف الذهن إلى ابن السعدي أو ابن عثيمين أو غيرهم؟ أو أي عالم من علماء عنيزة ممن قبلهم وممن بعدهم؟ مثال، هنا أشار إلى صاحب الدار هذا تعيين للدار، وليس لها إلا صاحب واحد، وهذا يكفي عن التصريح، لكن إذا كان الاحتمال على حد سواء فلا يكفي ألبتة، فما تقول: حدثني صاحب هذه الدار ولها أكثر من صاحب، ما يكفي، أما إذا غلب على الظن وعرف السامع ولو بغلبة الظن أن المقصود فلان بعينه بأن اشتهر في هذه البلدة، أو اشتهر بملازمة كتاب معين، أو مهنة معينة، في كتب الرجال من يوصف بوصف يشترك معه كثير، لكن يعرف بهذا الوصف دون غيره، فيحكم بغلبة الظن.(5/4)
لو قال: حدثني بياع الخلقان مثلاً، هذا موجود في تراجم الرواة، المعروف ببياع الخلقان، تعرفون الخلقان، عرف به شخص بعينه، ويوجد من ينافسه في هذه المهنة، لكن يغلب على الظن المراد به هذا ويكتفون به، على كل حال هذه الإشارة تقوم مقام التصريح كما هنا "حدثني صاحب هذه الدار، وأشار بيده إلى دار عبد الله بن مسعود" الصحابي الجليل، ابن أم عبد، أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي من مشاهير الصحابة ومن علمائهم.
"قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-" السائل هو ابن مسعود "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أحب إلى الله -عز وجل-؟ قال: ((الصلاة على وقتها)) " يأتي من الأسئلة ما فيه أي الأعمال أفضل؟ ويأتي أفعل التفضيل من غير سؤال، أفضل الأعمال كذا، وتجيء الأجوبة من النبي -عليه الصلاة والسلام- مختلفة، هنا الجواب قال: ((الصلاة على وقتها)) وفي بعضها يجيب النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإيمان، وفي بعضها يجاب بغير هذين، فإما أن يقدر (من) فيكون من أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، من أحبها إلى الله الإيمان، مع أنه أفضلها على الإطلاق، بل هو شرط لصحتها كلها، وقد يكون السائل غنياً باذلاً فيقال له: أحب الأعمال إلى الله البذل والإنفاق في سبيل الله، وقد يكون شجاعاً مقداماً فيقال له: أحب الأعمال إلى الله الجهاد في سبيل الله، وقد لا يكون صاحب مال، وليس بقوي في بدنه، لكن لديه تميز في ذكائه وفطنته وفهمه وحفظه فيقال: أفضل الأعمال وأحب الأعمال إلى الله طلب العلم الشرعي، فكل شخص يجاب بما يناسبه، ولذا تعددت أجوبة النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسؤال واحد، فإما أن يقدر (من) فيكون المجاب به من أفضل الأعمال، وإما أن يقال: إن الجواب يختلف باختلاف أحوال السائلين.(5/5)
أي الأعمال أحب إلى الله -عز وجل-؟ أحب أفعل تفضيل، تشترك الأعمال المذكورة في كونها محبوبة عند الله -جل وعلا-، ويزيد بعضها على بعض في هذا الوصف "إلى الله -عز وجل-" العرف يخص هذين الفعلين في الله -جل وعلا-، فلا يقال: محمد عز وجل، وإن كان عزيزاً جليلاً فضلاً عن غيره "إلى الله -عز وجل- قال هذا الجواب: ((الصلاة على وقتها)) " وجاء في بعض الروايات: ((الصلاة لوقتها)) المقصود أن الصلاة أداء الصلاة في وقتها هو أفضل الأعمال، طيب ماذا عن الصلاة في وقتها وبعد وقتها؟ الصلاة قبل وقتها لا تصح؛ لأن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة، اللهم إلا إذا كانت مجموعة جمع تقديم فلا بأس، الصلاة على وقتها، وماذا عن الصلاة بعد وقتها؟ إذا كان معذوراً، وأخر الصلاة حتى خرج وقتها كما سيأتي في شغل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما شغله الكفار عن صلاة العصر حتى غربت الشمس هذا معذور، لكن إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها، قبل وقتها لا تصح، وبعد وقتها يرى جمع من أهل العلم أنها كما لو أديت قبل وقتها لا تصح، ولذا لا يأمر بقضائها، بل حكم بعضهم بكفره، كفر من تعمد تأخير الصلاة عن وقتها، ويقول: أبداً الصلاة غير صحيحة، ووجودها مثل عدمها، كما لو صلاها قبل الوقت، وهذا أفتى به بعضهم، ونقل عليه ابن حزم الإجماع، لكن هذه من المسائل النادرة التي نُقل الإجماع على النقيضين فيها، نقل غيره الإجماع على وجوب القضاء، قضاء الصلاة بالنسبة لمن تعمد تأخيرها حتى خرج وقتها، وعلى كل حال عامة أهل العلم على أن من أخر الصلاة حتى خرج وقتها متعمداً فقد ارتكب إثماً عظيماً، وموبقة من الموبقات، لكنه لا يكفر، ويجب عليه أن يقضيها، وتداول الناس فتوى عن إمام من أئمة المسلمين بالنسبة لمن يوقت الساعة على الدوام، يعني بعد خروج الوقت، يوقت الساعة للساعة السابعة فإذا انتبه من نومه صلى الصبح وذهب إلى دوامه، أمر خطير، أمر عظيم جداً، والفتوى فيه قوية، لكن عامة أهل العلم على أنه لا يكفر، وإن أتى موبقة من الموبقات، يخشى عليه من أن يخرج من دينه، كما قال بهذا بعض أهل العلم. " ((الصلاة على وقتها)) قلت: ثم أي؟ " أي بالتنوين، كذا قال بعضهم، وجزم آخرون بأنها لا تنون،(5/6)
لماذا؟ لأن المضاف إليه منوي، ثم أي؟ يعني ثم أي الأعمال بعد ذلك؟ فلا تنون "قلت: ثم أي؟ قال: ((بر الوالدين)) " الوالدان هما سبب وجود الولد، هما السبب في وجوده، وهما من أعظم الخلق منة على الولود، وحقهما من أعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، والعقوق كبيرة من كبائر الذنوب، وجاء فيه من نصوص الوعيد ما جاء، حتى جاء ((فليعمل العاق ما شاء فلن يدخل الجنة)) ((والرحمة لا تنزل على قاطع رحم)) فضلاً عن عاق، وإذا تقاطع المسلمان وتهاجرا لا ترفع لهما الأعمال حتى يصطلحا، فيكف بمن عق والديه؟ وإذا كان التأفيف كلمة من حرفين هما أخف الحروف حرام، ومنصوص عليه في القرآن فكيف بما دونه؟! فلينتبه الولد عموماً وطالب العلم على وجه الخصوص من هذه الموبقة، نسأل الله السلامة والعافية، يلاحظ على بعض طلاب العلم أنه من أيسر الأمور أن يحضر صاحبه يضرب البوري أو الجرس يجده جاهز متأهب قبل الحضور، ينتظر صاحبه، ويخرج معه، ويذهب إلى أي مكان يريده، لكن إذا قالت الأم: أريد أن أذهب إلى المكان الفلاني أو إلى أختك الفلانية أو خالتك أو كذا تبرم، وقال: هو مشغول، وهو بصدد تحصيل علم، أو بعمل صالح، كل هذا لا يجوز، هذا أهم، إذا كان الجهاد لإعلاء كلمة الله -جل وعلا- لا يجوز إلا باستئذان الوالدين فكيف بغيره؟! فلينتبه طالب العلم لهذا.
"قلت: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله)) " فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله، ولأهل العلم تفصيلات في هذا، إذا كان الجهاد متعيناً فله حكم, وإذا كان هناك من يقوم به وهو من طرق الكفايات له حكم، على كل حال هذه الخصال المذكورة هي من أحب الأعمال إلى الله، وهي من أوجبها على المسلمين. "قال: حدثني بهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" تأكيد هذا أنه لم ينقل ذلك بالواسطة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بل تلقاها مباشرة من النبي -عليه الصلاة والسلام-.(5/7)
يقول: "ولو استزدته لزادني" ولو استزده من الخصال لزادني، قلت: ثم أي؟ قلت: ثم أي؟ إلى آخره، لكن هذا من باب الرفق من الطالب بالمعلم، ومن آداب طالب الحديث أن يرفق بشيخه، وأن يتحين الفرص والأوقات المناسبة للسؤال، وأن لا يضجر الشيخ ويكثر عليه، إذا رأى أن الوقت غير مناسب ينصرف، ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن يقيل ينام في منتصف النهار إلى باب من يريد أن يسأله، ابن عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، كل شخص يتشرف أن يطرق الباب مثل ابن عباس، ولا يطرق الباب ينتظر حتى يأتي الوقت المناسب والظرف المناسب للسؤال، ليأتي ليسمع حديث من شخص من الأشخاص، والذي في النص من الأنصار، ثم يقيل، ننظر إلى هذا الأدب الرفيع من هذا الإمام الحبر الوجيه ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتجد الطالب يأتي في كل وقت يسأل ولا يستشعر أن المسئول بشر مثل الناس، ومن السهل أن يتصل في منتصف الليل، أو بعد منتصف الليل، الساعة الواحدة أو الثانية يتصل من غير استشعار لاستثقال ولا شيء، فعلى طالب العلم أن لا يضجر شيخه؛ لأن الشيخ بشر في يوم من الأيام يعطيك كلام لا يرضيك، يغضب كما يغضب الناس، ويرضى كما يرضون، وعليه ضغوط مثلما على غيره، فعلى كل حال على طالب العلم أن يرفق بالشيخ، كما أن الشيخ عليه أن يهتم بطلابه، وأن يوليهم عنايته، وأن يرحب بهم، فهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالطالب مطالب، والشيخ مطالب، والله المستعان.
سم.
عفا الله عنك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس.
عندك في المتن قال؟ ما هو من المتن؟ تفسير المروط والغلس؟
طالب: لا.
لا من المتن.
طالب: هذا الموجود يا شيخ.
عفا الله عنك.
المروط: أكسية معلمة تكون من خز، وتكون من صوف، ومتلفعات: متلحفات، والغلس: اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:(5/8)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يصلي الفجر" والصيغة تدل على الاستمرار "يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعاتُ" أو متلفعاتِ، وصف للنساء أو حال؟ نساء نكرة وإلا معرفة؟ نكرة، والنكرة بحاجة إلى وصف أو إلى بيان الهيئة التي هي الحال؟
لكن وصفن بكونهن من المؤمنات ألا يكفي هذا؟ يجوز الأمران، لا شك أن النكرة حاجتها إلى الوصف أعظم من حاجتها إلى بيان الهيئة، لكن إذا تم الوصف وتحددت النكرة، وتميزت بوصفها ساغ بيان هيئتها، على كل حال يجوز الأمران.(5/9)
متلفعات، وفي رواية: متلففات، والمعنى متقارب، وملتحفات كما يقول المؤلف بمروطهن، المروط: جمع مرط، وكما يقول المؤلف: أكسية معلمة تكون من خز وتكون من صوف "ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس" يصلي الفجر في أول وقتها، لا سيما وقد عرف من حاله -عليه الصلاة والسلام- أنه يطيل القراءة في صلاة الصبح، فإذا كان بعد انقضاء الصلاة، ما يعرفن من الغلس، دل على مشروعية التبكير بصلاة الصبح، والمبادرة بها بعد التحقق من طلوع الصبح، لا يحملنا مثل هذا أن نخاطر ونصلي الصبح في قبل وقتها، لا، بل علينا أن نتأكد من طلوع الصبح، فإذا طلع الصبح بادرنا بصلاة الصبح؛ لأن هذا كان ديدنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يصلي الفجر بغلس، بل الغلس موجود بعد انقضاء الصلاة، يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات، وفي هذا أن للنساء أن يحضرن الصلاة مع الرجال، لكن هذه مشروط ومقيد بأمن الفتنة، وأن تخرج المرأة في كامل الستر، تفلات غير متطيبات، بالمروط يخرجن، ثياب موصوفة، قس هذه الثياب بالثياب التي يلبسها نساء العصر، الذي عمره فوق الأربعين منكم أدرك ما كان يلبسه النساء في أول الأمر، يعني قبل ثلث قرن، والاختلاف كبير جداً بينما كان يلبس وما يلبس الآن، هنا متلفعات متلففات، متلحفات بالمروط، أكسية من صوف، وقد تكون من خز، لكنها سابغة من جهة ضافية وافية تجر من ورائها ومع ذلك متينة، ومع الأسف الشديد أنه يوجد من تحضر لصلاة التهجد بثياب أشبه ما تكون بالعارية، كاسية عارية، يعني يوجد من العبايات النسائية التي الآن تعرض في أسواق المسلمين من غير نكير مع الأسف الشديد، من تصف ما تحت الثياب ما هو ما تحتها، إضافة إلى كونها من الزينة التي لا يجوز إبدائها ولا إخراجها، يضاف إلى ذلك كونها ضيقة تبين عما تحتها، لا تستر إلا العيوب، ويوجد الآن عبايات بحيث لو قال القائل ولعل هذا من خطوات الشيطان أنه ما فائدة هذه العباية لو اكتفت المرأة بثوب يكون أوسع وأفضل كان أولى؟ ويجد من يوافقه؛ لأن هذه العبايات لو عمت بها البلوى، لكن يوجد -ولله الحمد- من نساء المسلمين العدد الكبير متسترات، وهذه خطوات الشيطان، يعني ما يمكن يأتي دفعة واحدة، يأتي بالشر يخففه(5/10)
شيئاً فشيئاً إلى أن يقدم عليه بقوة وحزم، هذه العبايات التي توجد في أقدس البقاع، وعلى نساء المسلمين شأنها خطير، يعني لو نادى منادي بإلقاء هذه العبايات لأنها شر وفتنة وجد من يؤيد حتى من الأخيار؛ لأنها مناظر كريهة مقلقة، يقول: مثلما في البلدان الأخرى تلبس ثوباً واسع، وهذه خطوة من خطوات الشيطان، بحيث أن هذا الثوب الواسع ضيقته فيما بعد، وقال: ما له داعي هذا الثوب، هذه خطوات الشيطان، وقد نهينا عن اتباع خطواته، وهذه أعمال المنافقين، بل هي من أوائل وظائف إبليس {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} [(27) سورة الأعراف] هذه وظيفة من وظائف إبليس الأولى، وهي وظيفة أتباعه إلى قيام الساعة، في آية الأحزاب {قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [(59) سورة الأحزاب] إلى أن قال: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] والارتباط بين الآيتين وثيق، المنافقون هم الذين يدعون إلى طرح الجلباب وإلقائه.(5/11)
يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات هذا ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) يعني ليس من حق الزوج أن يمنع زوجته مع أمن الفتنة من شهود الصلاة مع الجماعة، لكن لا بد أن تؤمن الفتنة، ولا بد أن تخرج على وضع شرعي كاملة الستر غير متطيبة، ويوجد من يحضر إلى صلاة التهجد مع السائق الأجنبي تناقض، والله تناقض، فهل يظن بمثل هذه والقلوب بيد الله والنوايا لا يعرفها إلا علام الغيوب، لكن غلبة الظن توحي بأن هذه أرادت أن تخرج مع الناس، شافت الجيران يطلعون قالت: أطلع، لكن الذي يرجو الله والدار الآخرة يرتكب محرم ليؤدي سنة؟! هذا لا يكون أبداً، قد يقول قائل: الجهة منفكة، لها أجر حضورها الصلاة، وعليها وزر ركوبها مع السائق بدون محرم، فالجهة منفكة، نقول: يا أخي قد لا يكون المطلوب شيء بالنسبة للمحظور، يعني لا يغيب عنا بعض ما قاله بعض الأشعرية من وجوب غض بصر الزاني عن المزني به، والجهة منفكة، هو مطالب بغض البصر ومطالب بترك الزنا، ما حصل هذا لا بد يحصل هذا، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا استخفاف واستهتار، يعني ما منع هذا إلا من أجل هذا.
"فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس" وفسر المؤلف -رحمه الله تعالى- الغلس بأنه اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، فالغلس والدلس والغبش ألفاظ متقاربة، يعني عدم الوضوح في الرؤية، فالذي يأتي بالغلس لا يكاد يميز بالتحديد من هو، والذي يدلس على الناس ويظهر السلعة على وجه لا عيب فيها، ويخفي العيب هذا منهي، وهذا التدليس معروف في السلع، والتدليس في الحديث أيضاً معروف عند أهله، وعلى كل حال هذا الحديث دلالته ظاهرة في استحباب تقديم صلاة الصبح في أول وقتها، وهو قول جمهور أهل العلم، وأما الحنفية يرون استحباب الإسفار للأمر به، جاء الأمر بالإسفار ((أسفروا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم)) وهذا الخبر متكلم فيه، لكن على فرض ثبوته المراد بالإسفار تحقق طلوع الصبح، التحقق من طلوع الصبح؛ بأن لا يكون الصبح هل طلع أو ما طلع؟ تأكد من طلوع الصبح ثم صل صلاة الصبح، نعم.
عفا الله عنك.(5/12)
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية, والمغرب إذا وجبت, والعشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطئوا أخر، والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس.
الهاجرة ما فسرها؟ المؤلف ما فسرها؟ هاه؟
هذه ما فيها شيء.
قال -رحمه الله- الهاجرة: هي شدة الحر بعد الزوال.
هذا الإشكال في الطبعات الجديدة الأخيرة بعضها يفوت على بعض المحققين شيء من الكتاب، فطالب العلم عليه أن يعنى بالطبعات القديمة؛ لأن الذي تولى الطباعة والتصحيح علماء، وكان الهدف -والله أعلم بالمقاصد- من نشر الكتب في أول الأمر نشر العلم، ثم بدأ يخف الأمر حتى صار القصد التجارة، فالكتب المطبوعة قديماً سواء كان منها الكبار أو الصغار في الغالب متقنة؛ لأن الذي يتولى الطبع علماء، أما الآن يوجد في بعض المطابع الآن التي هي من أشهر المطابع، وأكثر المطابع نشر وتوزيع مئات الألوف من النسخ يوجد من يطبع كتب المسلمين من غير المسلمين، بل شباب كثير منهم ضايع، وبدون شاشات يطبعون، الله المستعان كيف يطلع الكتاب؟ كيف يخرج الكتاب بهذه الكيفية؟ إذا كان الخطأ في عنوان الكتاب الأصلي كيف تثق بكتاب هذه طباعته؟!
نعم جزء القراءة خلف الإمام هذا كتاب للإمام البخاري -رحمه الله- مكتوب عنوان الكتاب جزء القراءة خلف الصلاة، إذا كان عنوان الكتاب خطأ كيف تثق بمحتوى الكتاب؟! والآن مر علينا في حديثين إسقاط، اللهم إلا إذا كان المحقق معروف بجودته ودقته وتحريه ووقف على نسخ لم يقف عليها من طبعه الطبعة الأولى لا بأس، والعصر الذي نعيشه عصر سرعة، الشخص الذي عنده معرفة وخبرة ودربة ما عنده استعداد يقضي الأوقات للنظر في حركة، في حرف، في فاصلة، في كذا، لا، بل صار بعض المشاهير الكبار يكتفون بمجرد وضع الاسم، يجعلون هناك ورش يسمونها ورش التحقيق يجمعون فيها من الشباب ومن رخص أجره، يعني من رخصت أجرته، يحشدون فيها الجموع ويحققون وينشرون، ويضع اسمه في النهاية، فمشكلة الآن لما دخلت النيات صار الإنسان يتحرى ويتثبت.
على كل حال في الحديث الثالث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(5/13)
"وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة" الهاجرة شرحها المؤلف أنها شدة الحر بعد الزوال، وسميت بذلك لأن العمل يهجر فيها، يترك العمل لشدة الحر "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة" يعني بعد الزوال، والهاجرة الأصل فيها شدة الحر، فالعمل يهجر يعني يترك لشدة الحر، فصارت تطلق على الوقت الذي يقع بعد الزوال مطلقاً، فيعم ما بعد الزوال في جميع الفصول، فالحديث فيه دليل على المبادرة بصلاة الظهر بالجملة، لكن يبقى أنه خص منه ما دل عليه حديث الإبراد ((إذا اشتد الحر فابردوا)) قد يقول قائل: إن دخول شدة الحر في هذا العموم قطعي، أنتم معنا في هذا وإلا نزيد تفصيل؟ الآن النص يقول: "يصلي الظهر بالهاجرة" وعرفنا أن الهاجرة هي شدة الحر التي تكون بعد الزوال، وكونه يصلي الظهر في الهاجرة يعني أنه يصلي الظهر بعد زوال الشمس مباشرة، الهاجرة شدة الحر، وجاء ((إذا اشتد الحر فابردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) إذا قلنا: إن الحديث بعمومه، إذا نزلنا الهاجرة ما بعد الزوال مطلقاً سواء كانت في الصيف أو في الشتاء أو في الربيع أو في الخريف صارت الهاجرة تعبيراً عما بعد الزوال مباشرة، فما العمل في هذا الحديث مع أحاديث الأمر بالإبراد؟ هل نقول: إن هذا عام في الفصول كلها وأحاديث الإبراد خاص بما إذا اشتد الحر؟ نقول: دخول فصل الصيف في حديث الباب دخول قطعي، كيف دخول قطعي؟ لأن التسمية إنما جاءت لما بعد الزوال في فصل الصيف، فهل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا اشتد الحر فابردوا)) ناسخ لهذا، أو مخصص له؟ يعني هل هو رافع رفع كلي للحكم بحيث إذا اشتد الحر نبرد، وإذا كنا في فصل آخر غير فصل الصيف نعجل بصلاة الظهر كما يقتضي هذا الحديث بعمومه؟ لأن الهاجرة صارت تساوي ما بعد الزوال مباشرة، ولا شك أن دخول فصل الصيف في هذا الحديث دخول قطعي؛ لأن الأصل في الهاجرة شدة الحر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(5/14)
مخصص لكن الآن مو الحديث دلالته على المبادرة بصلاة الظهر في شدة الحر دلالته قطعية، ودلالته على المبادرة بصلاة الظهر في فصل الشتاء ليست قطعية ظنية، فكيف نرفع بالمخصص الدلالة القطعية ونترك الظنية؟ أو يبقى هذا للمبادرة في صلاة الظهر في الهاجرة في الحر ويكون الحديث الثاني ناسخ؟ الآن السعي وشدة السعي بين العلمين في بطن الوادي سنة، فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى أن الإزار ينكشف عن الركبتين من شدة سعيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا نظرنا إلى سبب السعي ما هو؟ سبب المشروعية الأول، يعني كل وادي ينبغي الإسراع فيه، أو هذا الوادي لأنه حصل فيه إسراع؟ يعني ما العلة في مشروعية السعي؟ يعني هذا الوادي على وجه الخصوص السرعة فيه؟ لكن ما في علة قبل فعله -عليه الصلاة والسلام- باعثه لفعله -عليه الصلاة والسلام- على الإسراع؟ هاجر، سعي هاجر بين العلمين حتى تسرع للصعود فوق الجبل لترى القادم، طيب هل يشرع السعي للمرأة أو ما يشرع؟ الآن مشروعية السعي بسبب امرأة، ونحن نقول: لا يشرع للمرأة للنصوص الكثيرة التي عندنا في مطالبة المرأة بالستر، ومن تمام الستر أن تمشي مشي ولا تسرع، فنقول: دخول المرأة في المشروعية قطعي؛ لأن السبب امرأة، ورفع مع كونه قطعياً بما دلت عليه النصوص الأخرى، وهنا من هذا النوع، يصلي الظهر بالهاجرة، طيب الهاجرة شدة الحر، قلنا: إن الهاجرة نقل معناها من الخصوص إلى العموم بمعنى المبادرة بصلاة الظهر بعد زوال الشمس، ثم رفعنا أخص ما يدل عليه الحديث بالمخصص، نظير ما قلنا في مسألة السعي، التنظير واضح وإلا ما هو بواضح؟ طيب نأتي بمثال ثاني ((لا صلاة -على ما سيأتي- بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) إذا مرت بك سجدة تلاوة تسجد وإلا ما تسجد؟ المسألة يأتي تقريرها لكن مناسبتها هنا، تسجد وإلا ما تسجد؟ تسجد لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .(5/15)
لا، لا تقول: ليست بسبب، قل: لأن السجدة ليست بصلاة والنهي عن الصلاة، يعني أقل من ركعة ما يسمى صلاة، ليس بصلاة، وإن كان بعض أهل العلم يقول: صلاة ويشترط لها جميع ما يشترط في الصلاة، ولا تسجد في هذا الوقت، ولكن خلنا على القول الذي هو قول ابن عمر ويرجحه بعض أهل العلم إن السجدة ليست بصلاة، سبب المنع من الصلاة في هذا الوقت؟ النهي، لكن أصل النهي مبني على إيش؟ قل في الوقت الموسع كما سيأتي أنه من باب المنع؛ لئلا يستمر الإنسان يصلي حتى يصلي وقت الطلوع ووقت الغروب؛ لأنها إذا طلعت وغربت تطلع بين قرني شيطان فيسجد لها الكفار، الآن كل الصلاة ممنوعة من أجل السجود، ونقول: نسجد للتلاوة لأنه ليس بصلاة، ترون نظير ما عندنا سواء بسواء، أنا ما أدري كثير من الإخوان منتبه لهذا الأمر أو ما هو بمنتبه؟ نعم؟
الآن ما جاء النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر؟ على ما سيأتي في هذا الدرس إن أمكن، جاء النهي عن الصلاة ((لا صلاة)) ونحن نقول على القول الذي يرجحه كثير من أهل العلم أن السجود ليس بصلاة، إذاً نسجد للتلاوة، نسجد مع طلوع الشمس ومع غروبها؛ لأن السجود ليس بصلاة، وأصل المنع من الصلاة في هذا الوقت كون الكفار يسجدون، ونهينا عن مشابهتهم، فنهينا عن السجود ونقول: إن السجود ليس بصلاة؛ لأدلة أخرى تنتشل هذا السجود من كونه صلاة؛ لأننا منعنا من الصلاة ما منعا من السجود الذي لا يصحبه صلاة، وأقل من ركعة عند جمع من أهل العلم ليس بصلاة.(5/16)
ترى التخصيص في مثل هذا الموضع يحتاج إلى انتباه شديد؛ لأن التخصيص إخراج بعض أفراد العام، فإذا قلت مثلاً: أعط بني تميم كل واحد ريال، أو أعط الطلاب كل واحد ريال، ثم بعد ذلك تقول: لا تعطِ، قال مثلاً: لا تعطِ بني تميم ثم قال بعد ذلك: أعط الحفاظ منهم هذا مخصص، أخرج أفراد العام الذين لا يتناولهم الوصف، وأدخل من يتناوله الوصف الخاص، وهم الحفاظ منهم، إذا أردت أن تخرج من هؤلاء الحفاظ الذين يتناولهم الوصف الخاص بوصف آخر، أعط الحفاظ منهم ثم تستثني بعد ذلك من الحفاظ من يتناوله وصف آخر، لو مثلاً قيل: لا تعط بني تميم، ثم قيل: أعط الحفاظ منهم، ثم قيل: لا تعط من الحفاظ من أخواله هذيل مثلاً، وهو حافظ، أنت تخرج النص الخاص بما هو أخص منه، نعم هنا عندنا وصف خاص، عندنا اللفظ العام المبادرة بالصلاة؛ لأننا وضعنا مكان الهاجرة ما بعد الزوال مباشرة، والهاجرة هي شدة الحر، فهي أخص مما بعد الزوال في الشتاء أو في الربيع، أو في الخريف لكننا أخرجنا الوصف الأخص بما هو أخص منه ((إذا أشتد الحر فابردوا)) والعصر يعني يصلي العصر والشمس نقية، يعني بيضاء، وتكون في أول وقتها، بعد مصير ظل كل شيء مثله؛ لأنه جاء التفصيل في حديث عبد الله بن عمرو، وقت الظهر إذا زالت الشمس والزوال ميل الشمس إلى جهة الغروب، هذا هو الزوال وهو الدلوك {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] وهو ميلها إلى جهة المغرب، الدلوك سمي الزوال دلوك ليش؟ لماذا؟ يقول الزمخشري وغيره: لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيدلكها، هذا الدلوك، هذا وقت الظهر من زوال الشمس، كما في حديث عبد الله بن عمرو، إذا مالت الشمس يعني إلى جهة المغرب حتى يصير ظل الشيء كطوله، الحنفية يرون أن وقت الظهر يمتد من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، ووقت العصر من مصير ظل الشيء كطوله عند الجمهور إلى غروب الشمس، وعند الحنفية من أن يصير مثليه إلى غروب الشمس، الأدلة صريحة في كون ظل الشيء كطوله، ما الذي دعا الحنفية أن يخالفوا الحديث الصحيح الصريح؟ نأتي بحديث عبد الله بن عمرو هنا لأنه لم يرد في الكتاب، وهو أهم حديث في الباب، لماذا؟ ما الذي دعاهم(5/17)
إلى أن يخالفوا هذا الحديث؟ تمسكوا بحديث دلالته غير ظاهره "إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول النهار إلى منتصفه بدينار، ثم استأجر أجيراً من منتصف النهار إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من وقت العصر إلى غروب الشمس بدينارين" فقال: "اليهود والنصارى" نعم اليهود هم الذين عملوا في النصف الأول، والنصارى هم الذين عملوا في وقت الظهر، والمسلمون هم الذين عملوا من وقت العصر إلى غروب الشمس، فقال اليهود والنصارى: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، قالوا: مقتضى ذلك أن يكون وقت الظهر أطول من وقت العصر؛ لأن وقت النصارى وقت الظهر، ووقت المسلمين وقت العصر، وقالوا: نحن أكثر عملاً، فيقتضي ذلك أن وقت الظهر أطول من وقت العصر، طيب كلامهم صحيح وإلا غير صحيح؟ يعني على قول الجمهور إلى مصير الظل كطوله، أولاً: من أجاب من أهل العلم بأنهم قالوا: مجتمعين، اليهود والنصارى نعم من أول النهار إلى وقت العصر أطول بلا شك، واليهود وقتهم أطول من وقت المسلمين لا إشكال في هذا، لكن الإشكال في وقت النصارى، هل هم أطول أو أقل؟ يعني على القول بقول الحنفية وقت النصارى أطول، لكن على قول الجمهور هل يكون وقت النصارى أطول من وقت المسلمين أو لا؟ نعم؟ كيف؟ أنت لو نظرت إلى التقويم في هذا اليوم مثلاً، الساعة كم يؤذن الظهر؟ وكم يؤذن العصر؟ وكم يؤذن المغرب؟ التقويم معكم مبذول ولله الحمد، يؤذن الظهر الساعة كم؟ اثنا عشر وعشر، والعصر؟ ثلاث وأربعين؟ يعني قل: ثلاث ساعات ونصف الظهر، لكن العصر كم؟ من أربع إلا ثلث إلى سبع، يعني ثلاث ساعات وثلث، وذاك كم؟ ثلاث ساعات ونصف، ولذا يقرر ابن حزم أن وقت الظهر حتى على قول الجمهور أطول من وقت العصر في كل عصر وفي كل مصر، يعني يكون الفرق عشر دقائق خمس دقائق، أحياناً ربع ساعة، المقصود أنه أطول، الأمر الثاني لو صح لو حسبنا ووجدنا أنه .... نتمسك بمثل هذا اللفظ المتشابه ونترك الألفاظ الصريحة الصحيحة؟ يعني هذا نظير من يستدل بأن الحائض تقرأ القرآن، يستدل على أن الحائض تقرأ من قوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) يقولون: الحاج يقرأ القرآن،(5/18)
بعد شديد في الاستدلال، يعني عندنا أدلة صحيحة صريحة في الباب قريبة بين أيدينا سيقت من أجل هذا الموضوع نفسه، يعني ما سيقت من أجل أمر آخر، فنتشبث بها ونترك الصريح؟ قول الجمهور بلا شك أرجح.
"والعصر والشمس نقية" تصلي العصر من مصير ظل الشيء كمثله أو كطوله، إلى أن تغرب الشمس، وقت الاختيار إلى وقت الاصفرار الذي جاء النهي عن الصلاة فيه، لكن الوقت يستمر وتكون أداء إلى غروب الشمس، بدليل ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) إذاً وقت صلاة العصر ينتهي بغروب الشمس، كما أن وقت صلاة الصبح ينتهي بطلوعها، يستمر الوقت من مصير ظل الشيء كطوله إلى غروب الشمس، لكن وقت الاصفرار تأخير الصلاة إلى هذا الوقت مكروه عند أهل العلم، وإن كان مجزئاً صلاته صحيحة، وهي أداء، الصلاة أداء، ولو لم يدرك من وقتها إلا ركعة.(5/19)
"والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت" يعني سقطت الشمس، سقطت في مغربها بحيث لا يراها الرائي، غابت الشمس عن الرؤية، إذا وجبت يعني سقطت {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [(36) سورة الحج] يعني سقطت؛ لأنها تنحر قائمة فإذا نحرت سقطت على الأرض، صلاة المغرب بداية وقتها من غروب الشمس إلى مغيب الشفق في قول الجمهور بدلالة حديث عبد الله بن عمرو، وفي حديث إمامة جبريل بعض المسائل التي يحسن إيرادها هنا، في اليوم الأول صلى العصر عند مصير ظل الشيء كطوله، وفي اليوم الثاني صلى الظهر عند مصير ظل الشيء كطوله، يعني في اليوم الأول صلى العصر في أول وقتها، وفي اليوم الثاني صلى الظهر في آخر وقتها، نلاحظ أنه في اليوم الأول صلى العصر متى؟ عند مصير ظل الشيء كطوله، وصلى الظهر في اليوم الثاني عند مصير ظل الشيء كطوله، يعني صلى العصر في أول وقتها، وصلى الظهر في اليوم الثاني في آخر وقتها، والحديث يدل على أن الوقت واحد، الذي صلى فيه العصر بالأمس هو الذي صلى فيه الظهر باليوم، وبهذا يقول المالكية أن هناك وقت مشترك بين الصلاتين، يصلح لأداء أربع ركعات هي الظهر وهي العصر أداء، هذا الوقت المشترك، لكنه في حديث عبد الله بن عمرو يقول: ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس إلى مصير ظل الشيء كطوله ما لم يحضر وقت العصر، إذاً ماذا نصنع بحديث إمامة جبريل؟ لا بد أن نجعله موافقاً لحديث عبد الله بن عمرو، وهو صحيح صريح في المواقيت، وهو متأخر، وهو أيضاً أصح مخرج في مسلم، طيب ماذا نصنع؟ لا بد أن نقول: إنه صلى انتهى من صلاة الظهر عند مصير ظل الشيء كطوله، انتهى من صلاة الظهر، وفي اليوم الأول شرع في وقت صلاة العصر عند مصير ظل الشيء كطوله فلا اشتراك، إيش معنى هذا؟ نجعل هنا حد فاصل، نجعل هذا هو مصير ظل الشيء كطوله في اليوم الثاني انتهى هنا عند مصير ظل الشيء كطوله، وفي اليوم الأول هنا بدأ، فرق بين البداية والنهاية ليتفق الحديثان، إذاً لا اشتراك، فالراجح هو قول الجمهور.(5/20)
"والمغرب إذا وجبت" إلى مغيب الشفق، يعني كل جزئية فيها أقوال، وفيها استدلالات، ولو ذهبنا نفصل كل شيء الظاهر أنه ما نأخذ ولا المواقيت في مدة الدرس، لكن الخلاف في الشفق الجمهور على أنه الأحمر، والحنفية يقولون: هو الأبيض، وثبت عن ابن عمر أنه فسر الشفق بالأحمر، بالحمرة، وابن عمر من العرب الأقحاح فيؤخذ بقوله، ورد فيه حديث عند الدارقطني لكنه ضعيف، لكن تفسير ابن عمر معروف، فالشفق المراد به الحمرة، فالمرجح قول الجمهور.
يقول: "والعشاء" بداية وقتها مغيب الشفق الأحمر، وأداؤها أحياناً يقدمها، وأحياناً يؤخرها، نأتي إلى وقت العشاء، أولاً: وقت المغرب، كثرة الخلافات تجعل الإنسان يقدم ويؤخر، ولكن وقت المغرب يمتد إلى مغيب الشفق، عند الشافعية ليس لها إلا وقت واحد بعد غروب الشمس مباشرة إذا انتهى من أسبابها توضأ واستتر ومثل للصلاة وأدى الصلاة، يقولون: إن الوقت لا يزيد عن ربع ساعة من غروب الشمس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى المغرب في حديث إمامة جبريل في اليوم الأول والثاني حينما غابت الشمس، لو كان لها وقت ثاني يمتد لفعلها في أوله في اليوم الأول، وفي آخره في اليوم الثاني، كما في الصلوات الأخرى، لكن حديث عبد الله بن عمرو، يدل على أن لها وقتين كغيرها من الصلوات، العشاء من مغيب الشفق إلى الخلاف في نهايته، في حديث إمامة جبريل صلى بهم في اليوم الثاني عند ثلث الليل، وفي حديث عبد الله بن عمرو، ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل الأوسط، وجاء في الحديث الصحيح ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى)) فهذا الحديث يدل على أن وقت صلاة العشاء يمتد إلى طلوع الفجر، فعندنا ثلاثة أحاديث، حديث إمامة جبريل يدل على أن الوقت ينتهي بثلث الليل، وحديث عبد الله بن عمرو يدل على أنه ينتهي بمنتصف الليل، لكن كيف يقول: منتصف الليل الأوسط، يعني هل يكون الشيء الواحد ثلاثة أنصاف؟ طرفان ووسط؟ الثاني هو الأوسط؟ كيف يقول: نصف الليل الأوسط؟ الأوسط إنما يكون إذا كان هناك ثلاثة، يكون هناك أول وأوسط وأخير، صح وإلا لا؟ إذاً كيف يقول: إلى منتصف الليل الأوسط؟ نعم؟(5/21)
صفة لليل، يعني إلى منتصف الليل الواقع في وسطه، وهذا وصف كافي حقيقة، قد لا يحتاج إليه، لكنه تصريح بما هو مجرد توضيح، الواقع في وسط الليل، طيب منتصف الليل قد نقول: لهذه فائدة، منتصف الليل الأوسط؛ لأن الليل يختلف، حد الليل يختلف، هل الليل من غروب الشمس إلى طلوعها؟ أو من غروبها إلى طلوع الفجر، أو من صلاة العشاء إلى طلوع الشمس، أو من وقت صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؟ يعني هل يمكن أن يقال: إن الليل يبدأ من صلاة العشاء؟ هذا معروف قول عند الفلكيين من غروبها إلى طلوعها، لكن عند الشرعيين من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، لكن هل يمكن أن يقال: إن الليل يبدأ من صلاة العشاء؟ ما في نص يدل على أن الليل يبدأ من صلاة العشاء؟ طيب قيام داود ينام نصف الليل من غروب الشمس وإلا من صلاة العشاء؟ ما يمكن من غروب الشمس، على كل حال الحقيقة لليل تختلف باختلاف النصوص، ولعل قوله: الأوسط يدلنا على أن المراد في منتصفه بين غروب الشمس الليل الشرعي الذي يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فنقسم هذه المدة، ويكون نهاية وقت صلاة العشاء من غروب الشمس مثلاً من السابعة إلى الرابعة إلا ربعاً، نقسم هذا الوقت إلى قسمين، ويكون هذا هو نهاية وقت صلاة العشاء.
جاء الترغيب بقيام داود ينام نصف الليل، ويقوم ثلث الليل، وجاء الترغيب بقيام ثلث الليل؛ لأنه وقت النزول الآلهي، قد يقوم قائم من منتصف الليل ويصلي ما كتب له، ويمل من الصلاة قبل ثلث الليل، يعني على حساب أن الليل يبدأ من غروب الشمس، لكن إذا قلنا: إن الليل يبدأ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، أو إلى طلوع الشمس، على كل حال لشيخ الإسلام كلام دقيق يجعل النصوص متفقة، وأن قيام الليل يبدأ من ثلث الليل؛ لأنه لو حسبنا الليل من صلاة العشاء منتصف الليل يوافق الثلث الذي هو من غروب الشمس.(5/22)
"والعشاء أحياناً وأحياناً" أحياناً يقدم وأحياناً يؤخر، هل هذا تشهي ورغبة؟ هو يرفق بالمأمومين، ويسبر أحوالهم "فإذا رآهم اجتمعوا عجل" لئلا يشق عليهم بالتأخير "وإذا رآهم أبطئوا أخر" ليلاحظهم؛ ليدرك الناس هذه الصلاة مع الجماعة، وتعرفون الأنظمة الآن تلزم الأئمة بالصلاة في وقت محدد، ولا شك أن المصلحة مراعاة في مثل هذا، لما كان الناس على هوى واحد، ونفسهم واحد، ويدورون مع الدين حيثما وجههم توجهوا، يمكن أن يقال لهم: يؤخرون إيش المانع؟ لكن الآن لو يتأخر الإمام خمس دقائق عن العادة وقع الناس في محرمات، بل قد يترك بعضهم الصلاة، على كل حال ملاحظة المأمومين أمر مطلوب.
"والصبح كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها بغلس" على ما تقدم، نعم.
وعن أبي المنهال سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن أبي المنهال سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي" لماذا لم يقول: دخلت وأبي؟ قال: دخلت أنا، أنا إعرابها إيش؟ ضمير فصل لا محل له من الإعراب، يؤتى به لمجرد الفصل بين الضمير المتصل وما عطف عليه، ولا بد من الفصل إذا كان الضمير ضمير رفع متصل وأردنا أن نعطف عليه لا بد من الفصل، إما بضمير الفصل، أو بأي فاصل ما.
وإن على ضمير رفع متصل ... أو فاصل ما وبلا فصل يرد
عطفت فافصل بالضمير المنفصل ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد(5/23)
"دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي" الصحابي الجليل "فقال له أبي: كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ " كأنه يسأل عن وقتها فأجيب بذلك، لا يسأل عن كيفيتها، كيفية أدائها وعن صفتها، إنما يسأل عن أوقاتها، فهم الصحابي ذلك فأجابه فقال: "كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى" يعني الظهر، الظهر هي الصلاة الأولى، لماذا؟ لأن جبريل أول ما صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الظهر، فعرفت بالصلاة الأولى "التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس" يعني تميل وتزول، تميل إلى جهة المغرب وتزول "ويصلي العصر" يعني في أول وقتها "ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية" الشمس "حية بيضاء نقية" وفي هذا ما يدل لمذهب الجمهور وأن صلاة العصر يبدأ وقتها من مصير ظل الشيء كطوله "والشمس حية بيضاء نقية، ونسيت ما قال في المغرب" وقد نسي ما سمعه وما حضره مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه مضبوط من جهة آخرين، فصلاة المغرب كما تقدم يبدأ وقتها من غروب الشمس إلى مغيب الشفق "وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة" وقد جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد وهم ينتظرون العشاء حتى كانت تخفق رؤوسهم من النعاس، فقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق عليكم)) يعني في الثلث الأول، في ثلث الليل، لولا المشقة لكان تأخيرها إلى الثلث أفضل "وكان يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة" وقد جاء النهي عن تسمية العشاء العتمة، النهي عن مشابهة الأعراب ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم)) فجاء النهي عن ذلك، فلا تسمى العشاء العتمة، لكن قد يقول قائل: إنه جاء، أعتم النبي -عليه الصلاة والسلام- بصلاة العشاء، وجاء في النصوص ما يدل على إطلاق العتمة كهذه، على كل حال كونها لا تسمى إلا العتمة، ويغلب عليها هذا الاسم بحيث ينسى اسمها الأصلي هذا هو المنهي عنه، وما جاء في مثل هذا يدل على الجواز أحياناً، وأن النهي لمجرد الكراهة.(5/24)
"وكان يستحب أن يؤخر من العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها" يكره النوم قبل صلاة العشاء؛ لئلا يسترسل في نومه فتفوته الصلاة، إما مع الجماعة، أو في وقتها، المقصود أنه لا يعرض صلاته للخطر، فإذا خشي على صلاته أن تفوته، ومثل هذا الكلام يوجه إلى الموظفين الذين يأتون إلى بيوتهم قبيل صلاة العصر، لا ينامون قبل الصلاة فيعرض صلاتهم للفوات "وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها" يعني بعد صلاة العشاء السهر مكروه، لكن إذا كان على خير، إذا كان في علم، أو في أمر من أمور المسلمين العامة فلا شك في استحبابه، وأنه مطلوب، وقد سمر النبي -عليه الصلاة والسلام- مع بعض أصحابه، وترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في باب السمر في العلم من كتاب العلم، وعلى كل حال الناس ابتلوا الآن في السهر، ولا يستثنى من ذلك إلا القليل النادر، حتى بعض من ينتسب إلى العلم يسهر، بل يوجد من يسهر إلى الصبح، الذي يسهر إلى الصبح حتى يؤديها مع جماعة من المسلمين أحسن من الذي ينام قبل دخول وقتها بقليل فيعرضها للفوات، وعلى كل حال السهر في الجملة خلاف السنة الإلهية، فالليل سكن، لكن إذا انشغل بما هو أهم لا شك أنه مأجور، وكان العلماء يبحثون المسائل ويتدارسون العلم حتى يفاجئوا بأذان الصبح، ومنهم من يقسم الليل أثلاث، يصلي ويقرأ ويكتب، على كل حال إذا استغل بما يرضي الله -جل وعلا- فلا بأس -إن شاء الله تعالى-، ولو جاء على جميع الليل، وإن كان العمل في النهار أفضل، لكن الإشكال إذا استغل فيما لا ينفع، وأعظم من ذلك إذا استغل فيما يضر.
"وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه" وهناك ما يعرفن، إيش الفرق؟ هناك ما يعرفن من الغلس، وهنا يعرف جليسه، فرق واضح، هذا جنبه جليسه، وأولئك النساء بعيدات عن الرجال ما يعرفن. "حين يعرف الرجل جليسه، وكان يقرأ بالستين إلى المائة" بالستين إلى المائة من الآيات، بالستين إلى المائة من المائدة أو من الشعراء؟ أو المقصود من الآيات المتوسطة؟ المقصود من الآيات المتوسطة، نعم اقرأ.(5/25)
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الخندق: ((ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس)) وفي لفظ لمسلم: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) ثم صلاها بين المغرب والعشاء.
وله عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: حبس المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة العصر حتى أحمرت الشمس أو أصفرت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، أو حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)).
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(5/26)
"وعن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الخندق" حينما اجتمع الأحزاب حول المدينة للقضاء على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، للقضاء على الدين وأهله، حينما تآمرت طوائف الكفر على المسلمين، واجتمعوا للقضاء على الدين وأهله، ولكن الله -جل وعلا- أبطل كيدهم، وأرسل عليهم الرياح التي فرقتهم "قال يوم الخندق: ((ملأ الله قبورهم وبيوتهم)) " الضمير يعود على الكفار، ((ملأ الله قبورهم)) وعاد الضمير على غير مذكور للعلم به، فإذا كان مرجع الضمير لا يشك فيه، ولا يوقع في لبس جاز حذفه ((ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس)) الصلاة الوسطى في قوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] وجاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة يختلف أهل العلم فيها، عائشة -رضي الله عنها- أمرت أن يكتب: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر" وهنا شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس يراد بها صلاة العصر، وفي الرواية الأخرى: حبس المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة العصر، فهذا نص صحيح صريح يدل على أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر، والخلاف معروف بين أهل العلم، فمن قال: هي صلاة العصر وهم الأكثر وهو القول الراجح استدل بهذه النصوص، منهم من قال: الصلاة الوسطى صلاة المغرب، كيف تأتي صلاة المغرب؟ يقولون: قبلها صلاتان نهاريتان وبعدها صلاتان ليليتان، باعتبار أن الفجر تقع في الليل الذي هو الظلام، وهي أيضاً وسطى بالنسبة لعدد ركعاتها، وسطى بين الثنائية والرباعية، فهي ثلاثية، ومنهم من يقول: الصلاة الوسطى الظهر، ومنهم من يقول: صلاة الصبح، ولكل أدلته، لكن القول المرجح في المراد بالصلاة الوسطى أنها صلاة العصر كما هنا.(5/27)
((ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى)) وفي هذا الدعاء على عموم الكفار، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، قد يقول قائل: لماذا لم يصل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الصلاة صلاة الخوف في وقتها؟ يصلي صلاة العصر في وقتها صلاة الخوف، ومعلوم أن جمهور أهل السير يرون أن غزوة ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، فلماذا لم يصلها صلاة الخوف في وقتها؟
طالب:. . . . . . . . .
من أهل العلم من يقول: إن صلاة الخوف لا تشرع في الحضر، ويستدل بمثل هذا، لا سيما وأن جمهور أهل السير على أن غزوة ذات الرقاع التي صلى فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الخوف كانت قبل الخندق في الرابعة.
قول آخر؟
الإمام البخاري ويرجحه ابن القيم يذهب الإمام البخاري وهو الراجح عند ابن القيم إلى أن غزوة الخندق قبل غزوة ذات الرقاع، فعلى هذا تكون الصلاة المؤخرة إلى أن خرج وقتها قبل مشروعية صلاة الخوف فلا إشكال، وهو الذي يرجحه البخاري؛ لأنه وضع الخندق في الترتيب قبل غزوة ذات الرقاع في صحيحه، وهذا ما يميل إليه ابن القيم، ويرون مشروعية صلاة الخوف في الحضر والسفر.
"وفي لفظ لمسلم: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) ثم صلاها بين المغرب والعشاء" صلى العصر بين المغرب والعشاء، يجب قضاء الفوائت فوراً، ويجب الترتيب، ولا يسقط الترتيب عند أهل العلم إلا بنسيانه أو بخشية فوات اختيار الحاضرة عندهم، لكن هنا صلاها بين المغرب والعشاء، هل صلاها بين صلاتي المغرب والعشاء أو بين وقتي المغرب والعشاء؟ نعم؟
في حديث جابر: فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب، هذا يدل على أن المراد بقوله: ((ثم صلاها بين المغرب والعشاء)) يعني بين وقتي المغرب والعشاء، صلاها بعد غروب الشمس، ثم صلى بعدها المغرب ثم العشاء، و"له" الضمير هذا يعود لمن؟ لمسلم.(5/28)
"وله عن عبد الله بن مسعود قال: حبس المشركون النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة العصر حتى أحمرت الشمس أو أصفرت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) " هناك صلاها بين المغرب والعشاء، يعني حتى غربت الشمس، كما في الرواية الأولى، وهنا يقول: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) إلى متى؟ حتى أحمرت الشمس أو أصفرت معناه أنه يمكنه أن يصليها في وقتها، فهل أخرها إلى غروب الشمس كما تدل عليه الروايات السابقة؟ أو صلاها حينما أحمرت الشمس أو أصفرت؟ الأول يعني أخرها إلى أن غربت الشمس؟ قبل غروب الشمس، إذاً الروايات الأولى التي تقول: صلاها بين المغرب والعشاء، الآن الروايات بينها اختلاف أو ما بينها اختلاف؟ يعني هل نقول: إن مثل هذا الوقت وقت النهي المغلظ الشديد لا تصلى فيه الفريضة كما يقول الحنفية مثلاً، ولذلك أخرها حتى صلاها بين المغرب والعشاء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذه شغلوهم حتى أحمرت الشمس أو أصفرت، وهناك حتى غابت الشمس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الخندق يوم واحد وإلا أيام؟ نعم؟ أيام في يوم شغلوهم إلى أن غابت الشمس، وفي يوم ثاني شغلوهم حتى آخر الوقت، وهنا صلاها في وقتها قبل غروب الشمس، وفي اليوم الذي قبله أو بعده الله أعلم في اليوم الذي غابت فيه الشمس صلاها بين المغرب والعشاء، فالخندق أيام وليس بيوم واحد.(5/29)
"حبس المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عن صلاة العصر حتى أحمرت الشمس أو أصفرت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، أو حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً)) " ممن ينتسب إلى العلم في هذه الأوقات يقول: لا تدع على الكفار، أدع لهم بالهداية، ولا تقل: يذل فيه أهل معصيتك، هم في حال كونهم أهل معصية ندعو عليهم أن يذلوا ونرجو لهم الهداية، لكن هنا ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، أو حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً فيه دلالة صريحة على الدعاء عليهم بالهلاك وبالعذاب، وجاء في الموطأ عن سعيد وغيره يقول: أدركنا القوم، يعني الصحابة وهم يدعون على عموم الكفار، قد يقول قائل: هذا مخالف للسنن الإلهية، السنن الكونية أن من الكفار من يسلم، فلماذا ندعو عليهم؟ أو لماذا لا ندعو لهم بالهداية؟ أو لا ندعو على عمومهم، نقول: كما ندعو لعموم المسلمين، ومنهم من يعذب ندعو لهم بالرحمة والمغفرة، وأن الله يتجاوز عنهم ويدخلهم الجنة، لكن منهم من يعذب، فإرادة الله -جل وعلا- ومشيئته نافذة، لا يردها شيء، لكن إذا دعونا نحن مأمورون بأن ندعو لأنفسنا ولأولادنا وللمؤمنين على جهة العموم، كما أننا ندعو على الكفار على جهة العموم، ومشيئة الله نافذة، ولذا لما دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- على فلان وفلان نزل قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(128) سورة آل عمران] إلى آخره، فمن أراد الله هدايته يستثنى من هذه الدعوة كوننا نحن مأمورون بأن ندور مع الإرادة الشرعية لا مع الإرادة القدرية، نقف عند هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمنا الله وإياه تعالى وغفر لشيخنا وللحاضرين-:(5/30)
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أعتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعشاء، فخرج عمر -رضي الله عنه- فقال: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر يقول: ((لولا أن اشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بهذه الصلاة هذه الساعة)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أعتم النبي -صلى الله عليه وسلم-" أعتم صيغة دخول في الشيء وإغراق، يعني دخل في العتمة، وهي اشتداد الظلام، كما يقال: أنجد وأتهم، يعني دخل في نجد ودخل في تهامة، وأمسى وأصبح، هذا مدلول هذه الصيغة، يعني تأخر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالعشاء، وعرفنا متى يبدأ وقت صلاة العشاء ومتى ينتهي؟ من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، كما في حديث عبد الله بن عمرو، ومقتضى إمامة جبريل أنه ينتهي بثلث الليل، والحديث الذي يستدل به الجمهور على وقت صلاة العشاء يمتد إلى طلوع الصبح، ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى، وهذا وإن كان فيه دلالة إلا أنه من العام المخصوص، فهو مخصوص بالصبح اتفاقاً، صلاة الصبح لا يمتد وقتها حتى دخول الأخرى التي هي الظهر، ولتكن العشاء كذلك، فحديث عبد الله بن عمرو نص في هذا الباب، فلا يجوز تقديمها على مغيب الشفق، ولا يجوز تأخيرها عن نصف الليل.
"أعتم النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة العشاء، فخرج عمر فقال: الصلاة يا رسول الله" يعني من غير عمر يستطيع أن ينبه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فالحديث فيه دليل على تنبيه الأكابر، وأن هذا لا يخل بمنزلتهم وفي تقديرهم واحترامهم، التنبيه بأسلوب مناسب، ما يقول: تأخرت، ولماذا تأخرت؟ أو عطلت الناس، ما يمكن يقال مثل هذا بالنسبة للأكابر، ماذا قال عمر؟ "يا رسول الله رقد النساء والصبيان، وهل المراد بالنساء والصبيان الذين هم في المسجد ممن ينتظر الصلاة أو البيوت بحيث شق عليهم وطال عليهم انتظار الأزواج والآباء؟ يعني الأقرب أنهم الذين في المسجد ينتظرون الصلاة، لكن أيضاً احتمال آخر أنهن النساء اللواتي في البيوت ينتظرن الرجال طال عليهن الانتظار ...(5/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (2)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لكن أيضاً احتمال أخر أن النساء اللواتي في البيوت ينتظرن الرجال طال عليهن الانتظار فرقدن "رقد النساء والصبيان فخرج -عليه الصلاة والسلام- ورأسه يقطر من وضوء أو من غسل" يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بهذه الصلاة في هذه الساعة)) " لولا أن أشق على أمتي أو على الناس هذه شك من الراوي، يعني هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لولا أن أشق على أمتي، أو لولا أن أشق على الناس"؟ ولولا حرف امتناع، امتنع الأمر لوجود المشقة ((لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم)) أمر إيش؟ إيجاب أو استحباب؟ أمر إيجاب، أما أمر الاستحباب فهو موجود، يعني يستحب تأخير الصلاة إلى هذا الوقت، إلى هذه الساعة، نظير قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) الأمر أمر الاستحباب موجود، لكن الممتنع أمر الإيجاب، وهذه من أقوى الأدلة على أن الأمر الأصل فيه الوجوب؛ لأن أمر الاستحباب موجود، بقي المنفي هنا في الأمر المطلق في النص هو أمر الإيجاب، فأهل العلم يستدلون بمثل هذا على أن الأمر أصله للوجوب، فإن انضاف هذا إلى مثل قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [(63) سورة النور] هي مذهب جماهير أهل العلم بأن الأمر الأصل فيه الوجوب.
((لأمرتهم)) بهذه الصلاة يعني صلاة العشاء ((هذه الساعة)) يعني بعد أن دخل الظلام الدامس، والعتمة الشديدة، يقول: "أعتم النبي -عليه الصلاة والسلام-" تسمية العشاء بالعتمة جاء النهي عنها ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم)) وجاء أيضاً في النص الصحيح ((لو يعلمون في ما العتمة)) فسميت عتمة دليل على أن النهي للكراهة، وأن إطلاق هذا لبيان الجواز.
فإذا لم يشق تأخير صلاة العشاء على المأمومين فتأخيرها أفضل، وهذا إذا وجد مجموعة من الناس في رحلة أو نزهة، ولا يشق عليهم تأخير الصلاة إلى ثلث الليل، أو بعد ذلك فهو أفضل من تعجليها، نعم.
عفا الله عنك.(6/1)
وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فأبدوا بالعشاء)).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- نحوه.
ولمسلم: قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(6/2)
"عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أقيمت الصلاة)) " الصلاة (ال) هذه للجنس أو للعهد؟ إذا قلنا: للجنس يعني جميع الصلوات، يعني إذا أقيمت صلاة الصبح وحضر العشاء ممكن؟ إذا أقيمت صلاة الظهر وحضر العشاء يمكن؟ إذا أقيمت صلاة العصر وحضر العشاء، لا تدخل هذه الصلوات الثلاث في الحديث، لكن إذا أقيمت صلاة المغرب وهي المرادة؛ لأنه جاء ما يبين في بعض الروايات: ((وأحدكم صائم)) وهذه الرواية تبين أن المراد بالنص من يحتاج إلى الطعام، أما من لا يحتاج إليه فلا يؤخر الصلاة من أجل العشاء، أقيمت الصلاة صلاة الجماعة، وحضر العشاء لمن يحتاج إليه بدليل رواية: ((وأحدكم صائم)) وليس في هذا مبرر لترك الجماعة لمجرد الاشتغال بالأكل، الذي لا يحتاج إليه والعلة في ذلك أنه لو قدم الصلاة وهو محتاج إلى الطعام أثر هذا على الخشوع، وعلى هذا فيبدأ بالعشاء ويقضي نهمته، ثم يرجع إلى صلاته بعد أن فرغ باله، وأقبل على صلاته، فإذا أقبل على صلاته حضر قلبه، أما إذا تشوش ذهنه، وفزع إلى الصلاة، وترك ما هو بأمس الحاجة إليه، لا شك أن هذا مخل بالخشوع، والخشوع الجمهور على أنه سنة، بمعنى أنه لو صلى الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها ولم يخشع في شيء منها لا يؤمر بإعادتها، ومنهم من أوجبه، ومنهم من اشترطه؛ لأنه لب الصلاة، يعني ممن أوجب الخشوع ابن رجب -رحمه الله-، وممن أوجبه الغزالي -رحمه الله- في الإحياء، وأطال في تقريره، ولا شك أن الخشوع لب الصلاة، وليس للمرء من صلاته إلا ما عقل، فإذا عقلها كلها كتب له الأجر كامل وموفور، عقل نصفها، عقل ربعها، عقل عشرها، قد لا يعقل منها شيئاً، فإذا دخل الإنسان في صلاته أقبل الشيطان يحول دونه ودون صلاته، ودون قلبه، وأشغله بما لا فائدة منه، ويحصل عجائب في الصلاة إذا كبر الإنسان في صلاته جاءه الشيطان، وقال له: أذكر كذا وأذكر كذا، ويذكر عن الإمام أبي حنيفة أنه جاءه من يقول له: بأنه دفن مبلغاً من المال فنسيه، فقال: صل ركعتين، فلما كبر ذكر، ولا يتوقع من الإمام أن يقول مثل هذا الكلام، هو ينسب إليه، لكن ما يتوقع من الإمام أن يقول لشخص: تقرب إلى الله -جل وعلا- بركعتين وقصدك(6/3)
منها أن تحصل على ما ضيعت، هل هذا صلى من أجل الأجر المترتب على الركعتين، أو من أجل الدنيا؟ صلى من أجل الدنيا، فلا يتوقع من الإمام أن يأمره بمثل هذا، الانشغال عن الصلاة إما أن يكون من أجل حاجته إلى الطعام كما هنا، فإذا قدم الطعام وسمع الإقامة بعض الناس من حبه للخير وعدم تفريطه فيه يقوم إلى الصلاة ويترك الطعام وهو في أمس الحاجة إليه هذا موجود، ويقابله طرف آخر ليس بحاجة إلى الطعام، فإذا قربت الإقامة قال: فرصة، عندنا الرخصة الشرعية قدم الطعام، لكن المسألة مسألة وسط، الدين وسط بين الغالي والجاهل، الأول لا شك أنه على حرصه مأجور، لكنه فوت الإقبال على صلاته، وصلاته صحيحة، ولو انشغل باله بالطعام، مجزئة مسقطة للطلب عند الجمهور، والظاهرية يبطلونها، والثاني يأثم بترك الجماعة، ولو قدم الطعام؛ لأنه ليس بحاجة إليه، والأمور بمقاصدها، هو قصد بتقديم الطعام ترك الجماعة فهو آثم، والوسط ما جاء في التوجيه هنا ((إذا أقيمت الصلاة -في الرواية الأخرى- وأحدكم صائم)) يعني محتاج إلى الطعام وحضر العشاء فابدوا بالعشاء، لتقبل على صلاتك بقلبك وقالبك "وعن ابن عمر نحوه" يعني قريب منه في لفظه؛ لأن العلماء أحياناً يقولون: مثله، وأحياناً يقولون: نحوه، نحوه يعني بالمعنى وأما مثله فباللفظ.(6/4)
"ولمسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام)) " لأنها صلاة مشوشة، والنفي هنا ((لا صلاة)) هل هو نفي للصلاة الحسية أو الصلاة الشرعية؟ وحينئذٍ هل نحتاج إلى تقدير الصحة أو تقدير الكمال؟ هل نقول: لا صلاة صحيحة؟ أولاً: الصلاة الحسية قد توجد، يقوم ويصلي صلاة بقيامها وركوعها وسجودها، فليس المنفي الصلاة الحسية كما في حديث المسيء ((صل فإنك لم تصل)) لو قال قائل: إنه صلى ركع وسجد، لكن المنفي هو الصلاة الشرعية؛ لأن الشرع إنما ينفي الحقائق المتعلقة به ((لا صلاة بحضرة طعام)) والنفي هنا يراد به النهي، يعني لا تصلوا بحضرة الطعام، كثيراً ما يأتي الأمر والنهي بلفظ الخبر، بلفظ النفي، وحينئذٍ يكون أبلغ، وهنا يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام)) نحتاج إلى أن نقول إذا صححنا الصلاة كما هو مقتضى قول الجمهور نقول: لا صلاة كاملة بحضرة طعام؛ لأنها مشوشة، فلن يخرج هذا المصلي بالأجر الكامل لأنه ينشغل عنه، طيب هذه الصلاة التي وجد صورتها وأجزأت وأسقطت الطلب عند الجمهور هل هي الصلاة المكفرة للصغائر أو لا؟ ((الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة -هذه- مكفرات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنب الكبائر)) هل المراد بهذه الصلاة هي التي تكفر التي لم يعقل صاحبها إلا العشر مثلاً؟ نعم؟ هذه الصلاة التي لم يعقل صاحبها إلا عشرها؟ ليس له من أجرها إلا العشر، صحيحة ومسقطة للطلب، لا يأمر بالإعادة، لكن هل تكفر الصغائر بينها وبين الصلاة الأخرى؟ شيخ الإسلام يقول: هذه الصلاة إن كفرت نفسها فبركة، يكفي، فنحرص إذا أردنا أن تكفر ذنوبنا أن نأتي بالعبادات على مراد الله -جل وعلا-، وعلى ضوء ما ثبت عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، أما أن نحضر إلى المسجد وقلوبنا خارج المسجد، يدخل شخص إلى المسجد مبكر إلى الصلاة، ويكون عن يمين المؤذن بعد الآذان مباشرة، لما صف في الصلاة جاءه الشيطان، أخذ يتأمل في المسجد، والله المسجد كبير ومريح، وتكييفه مناسب، لكن المسجد لماذا لا يكون جامع؟ هذه واقعة كبير ومناسب وتكييفه جيد، تأمل إذا ما في منبر، ثم بعد ذلك تأمل فوجد غرفة عن يمين(6/5)
المحراب، قال: هذه تصلح منبر، وسلم الإمام وهو ينقل العفش الذي في الغرفة، هذا ما عقل من صلاته شيء، نعم كونه ينشغل بمثل هذه الأمور يفوت عليه الأجر المرتب على الصلاة، لكن لا يؤمر بإعادتها، إذا جاء بأركانها وشروطها وواجباتها، والفقهاء لهم نظر، وعلماء السلوك وأطباء القلوب لهم نظر أخر، هذا الذي أشغل نفسه بهذا، نفترض أن هذا أمر خير -إن شاء الله- لأنه بعد يبي صلاة ثانية يبي يكمل إجراءات كونه جامع عند المسئولين بيطالب وريض هذا، لكن لو كان انشغاله بمحرم، أو كان انشغاله بعبادة أخرى دعنا إذا كان انشغاله بمباح يخرج ما له أجر، لكنه صلاته صحيحة ومجزئة ومسقطة الطلب، عمر -رضي الله عنه- كان يجيش الجيوش وهو في الصلاة، يعني شرك عبادة بعبادة، إذا شرك عبادة بمحرم انشغل عن عبادته بالتخطيط لأمر محرم، وغاية ما هنالك أنه حديث نفس، ما تكلم ولا عمل، حديث النفس معفو عنه، يعني إذا كان العمل مناقض تماماً للهدف الشرعي من هذه العبادة، يقول: أنا ما تكلمت ولا عملت شيئاً، هذا حديث نفس معفو عنه، مسألة التشريك في العبادات، إما أن تشرك العبادة بعبادة كصنيع عمر -رضي الله عنه-، شرك الصلاة بتجييش الجيوش، من أجل الجهاد في سبيل الله هذه عبادة، ونظير هذا من يصلي وهذه واقعة في الدور الثاني في المسجد الحرام، ويكون يطل على الساحة وعلى المطاف، والإمام يقرأ قراءة مؤثرة بكلام رب العالمين بكى هذا الشخص، لما سلم قيل له: والله ما أدري وش قرأ الإمام؟ طيب ما الذي أبكاك؟ قال: نظرت إلى الناس يموج بعضهم في بعض فتذكرت الموقف، هذا ينقص من أجره شيء أو ما ينقص؟ هذا أنشغل عن الصلاة، وليس له من صلاته إلا ما عقل، لكنه مأجور من جهة أخرى، لكن من يشرك عبادة بمباح، ينصح بالحمية مثلاً، يقول له: أطباء عليك بالحمية مثلاً فيقول: نصوم، بدل ما نمتنع عن الطعام بدون أجر نصوم، هل أجر هذا مثل الأجر الذي لا يصوم لا يبعثه على الصيام إلا ابتغاء الأجر من الله -جل وعلا-؟ أو شخص ينصح بالمشي يقول: ما أجوب الأسواق طولاً وعرضاً؟ كثيراً ما يسأل من رجال ونساء عن السعي هل فيه أجر وإلا لا؟ إيش على شأنه؟ المسعى أحسن من المطاف للمشي، اللي يبي رياضة المسعى أحسن(6/6)
له، يقولون: فيه أجر وإلا ما فيه؟ مثل هذا ما فيه أجر، فالهدف واضح المسألة تخفيف ومحافظة على الصحة، إذا قيل له: لا بد أن تستعمل المشي، تمشي كل يوم خمسة كيلو، يقول: الحمد لله نحج ونطوف، ونحصل على أجر في الطواف، له أجره في الطواف، لكن ليس ثوابه مثل ثواب من يطوف لا ينهزه إلى الطواف إلا طلب الأجر من الله -جل وعلا-، فمسألة التشريك مضبوطة وتحتاج إلى شيء من البسط، هنا يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام)) لأنه يتشوش ذهنه ((ولا هو يدافعه الأخبثان)) هذا حاقن، الأخبثان البول أو الغائط، فإذا دخل في صلاته وهو على هذه الحال، وبعض الناس من زيادة الحرص يحرص على أن يدرك تكبيرة الإحرام، أو يدرك الركعة الأولى أو يدرك الجماعة، ويقول: إذا طلعت أمر الدورة، نقول: لا يا أخي مر الدورة قبل وأقبل على صلاتك، أخلي الصلاة تفوت، خلها تفوت، أنا مأمور بصلاة الجماعة، الذي أمرك بصلاة الجماعة، هو الذي نهاك عن الصلاة حال مدافعة الأخبثين، فنقول: أبداً إذا كان هناك ما يشوش عليك، لكن الإشكال في بعض الناس أن الذهن أربعة وعشرين ساعة مشوش، يعني أمور متراكمة من أمور الدنيا رانت على قلبه فهو مشوش باستمرار، مثل هذا يقال له: انتظر حتى يفرغ بالك؟ نقول: الله المستعان صل على حسب حالك، مثل ما جاء في الحديث ((إذا نعس أحدكم في صلاته فلينصرف)) بعض الناس خلقة يجلس ينام، يمسك المصحف ينام، نقول له: طبق المصحف؟ يقول: دائماً هكذا، نقول له: جاهد، واحرص على فراغ قلبك وإلا إلى الله المشتكى، فالقلب إذا لم يحضر في الصلاة، في السجود، في قراءة القرآن، في تدبره هذا القلب يحتاج إلى إعادة نظر، يحتاج إلى علاج، هذا قلب قاسي، ونعوذ بالله من قلب لا يخشع، وإذا صلى على هذه الحال بحضرة الطعام، أو وهو يدافعه الأخبثان يعوقه مدافعة الأخبثين عن تحصيل واجب من واجبات الصلاة، أو ركن من أركانها، قال: والله ما أقدر أسجد، الخبث قد يطلع شيء غصباً عني، نقول له: لا صلاتك باطلة، لكن إذا كان يستطيع الإتيان بالأركان والواجبات مع هذه المشغلة، نقول: صلاتك عند الجمهور صحيحة، وهي باطلة عند الظاهرية؛ لأن كل نهي عند الظاهرية يقتضي البطلان، كل نهي ولو كان خارج عن العبادة، من(6/7)
صلى وعليه عمامة حرير أو بيده خاتم من ذهب صلاته باطلة؛ لأنه يتقرب إلى الله -جل وعلا- بما حرمه عليه، والأكثر على أنه إذا لم يعد النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه فإنها تصح مع التحريم، وعندنا الآن تعارض بين صلاة الجماعة وبين الصلاة في أول الوقت مع الخشوع، فإذا تعارضت الفضائل فما الذي يقدم؟ ما الذي يقدم إذا تعارضت الفضائل؟ هنا قدم الخشوع على أول الوقت، وقدم الخشوع على صلاة الجماعة؛ لأن الخشوع هو لب الصلاة، وإن كانت الجماعة واجبة على القول الصحيح عند أهل العلم، لكن لا يكون هذا ديدن وعادة، كما أن الأكل من الثوم والبصل لا يصل إلى حد التحريم، مكروه، ومع ذلك إذا كان أكله حاجة يعذر في ترك الجماعة ((فلا يقربن مسجدنا)) فيعذر في ترك الجماعة، قد يقول قائل: الآن عارضنا مستحب -وهو الخشوع- بواجب وهو الجماعة، عارضنا واجب بمستحب، وهذا يقوي القول بوجوب الخشوع؛ لأن الواجب لا يمكن أن يعارض بمستحب، تعارض المستحبات، الصف الأول أفضل من الصف الثاني، كلما قرب من الإمام لا شك أنه أفضل مما تأخر، فإذا دخلت المسجد الحرام مع الإقامة لو تقدمت الآن تدرك تكبيرة الإحرام وتدرك الصلاة كاملة في الصفوف المتأخرة، عند الأبواب، لكن لو تقدمت إلى الصفوف الأولى قرب الإمام فاتك ركعة ركعتين، نقول: تحصل أجر الصفوف الأولى ولا تصف في الصفوف الأخيرة، لكن إذا أنضاف إلى ذلك تعرض صلاتك للتشويش من الذين يمرون بين يديك إذا سلم الإمام، وقد فاتك ركعتين وأنت في مكان تتعرض فيه للتشويش، إضافة إلى أنه قد تفوتك صلاة الجنازة، فما الذي يقدم مع تعارض هذه الفضائل؟ إذا اجتمع أكثر من فضيلة، أنت الآن إذا صفيت في الصفوف المتأخرة تبي تدرك تكبيرة الإحرام، وتبي تسلم مع الإمام ولا تعرض صلاتك للتشويش، بتدرك الجنازة أو الجنائز، إذا تقدمت وصليت قرب الإمام لا شك أنك أدركت أجر الصفوف الأولى، لكن فاتك تكبيرة الإحرام، فاتك بعض الركعات، تشوش الركعات التي تقضيها بمرور الغادي والرائح، أيضاً قد تفوتك صلاة الجنازة، فمع هذه المفاضلات، يعني إذا كان هناك فضائل ثلاث أو أربع في مقابل واحدة ترجح الثالث، قد تكون الصفوف الأولى ما هي مريحة، ما تحضر قلبك فيها،(6/8)
الصفوف الأولى فيها شنص مثلاً، أو المكان الذي تحتك ما هو مريح أحياناً يصير غير متساوي، مائل من جهة ومن جهة فتنشغل به وأنت تصلي، فنقول: صل في الصفوف المتأخرة إذا كان هذا أضمن لصلاتك، وأخشع لقلبك، وأهل العلم يقررون أن الثواب المرتب على العبادة نفسها أولى من الثواب المرتب على مكانها أو زمانها ما لم يكن شرطاً، لا يجينا من يقول: والله أنا صلاتي في بيتي أضبط لي وأخشع لي من صلاتي المسجد، لا ما يمكن يرد هذا، على كل حال مسألة الخشوع وما يتعارض معه من الأمور يحتاج إلى مزيد بسط، والإخوان كثير منهم يطلب عدم الإفاضة والاستطرادات، فيكفي هذا.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)).
وفي الباب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت ومعاذ بن عفراء وكعب بن مرة وأبي أمامة الباهلي وعمرو بن عبسة السلمي.
معاذ بن؟
ومعاذ بن عفراء.
النسخة المحققة يقول: معاذ بن عفراء، والنسخة القديمة يقول: معاذ بن جبل، وأظنها أيضاً في شرح ابن دقيق العيد معاذ بن جبل، الترجمة لمعاذ بن جبل، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
أي طبعة؟ أرفعه أشوفه من بعيد، هذه الطبعة الجديدة، الثانية، من معه الطبعة الأولى؟
لا، لا، إيش في واحد معه، أنت إيش اللي معك؟ الكتاب اللي معك؟ هاه؟ الصنعاني؟
الطالب:. . . . . . . . .
إيه تيسر الأعلام ما فيه شيء، على كل حال يراجع هذا، نعم.
عفا الله عنك.
وعمرو بن عبسة السلمي وعائشة -رضوان الله عليهم-، والصنابحي -رضي الله عنه- ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(6/9)
"وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: شهد عندي رجال مرضيون" وهم من الصحابة، يروون عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، شهد يعني روى، الشهادة هنا بمعنى الرواية، شهدوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال كذا، أو شهدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول كذا، فالشهادة هنا بمعنى الرواية "رجال مرضيون" ولا تجوز الشهادة ولا الرواية إلا عن عدل مرضي، رجال مرضيون من الصحابة، والشراح يقولون: لم يسم أحد منهم غير عمر -رضي الله عنه-، ووهم بعض من تكلم على العمدة وقال: أراد ابن عباس هؤلاء الذين ذكرهم المصنف بعد ذلك في قوله: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان وفلان إلى آخره، هؤلاء هم المرضيون الذين شهدوا عند عبد الله بن عباس، لكن لم يقم بذلك دليل، لا بد من التنصيص، أبهمهم ابن عباس، واكتفى بأرضاهم وهو عمر -رضي الله عنه-، ولا سبيل إلى تعيين هؤلاء الذين أبهموا إلا أن يرد طريق أخرى عن ابن عباس تعينهم ولم يرد، أما كوننا نستروح ونميل إلى أنهم هم الذين ذكرهم المصنف فلا يكفي إلا برواية، وتعيين المبهم لا يمكن إلا من طريق الروايات الأخرى، شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، فالدلالة على أنه ليس فيهم أبو بكر؛ لأنه ليس عمر بأرضى منه عند ابن عباس، ليس فيهم أبو بكر "أرضاهم عندي عمر" وابن عباس من أهل البيت ويشهد لعمر يدل على أن الصحابة كلهم بما فيهم من ينتسب إلى بيت النبوة لا يقدمون على أبي بكر وعمر أحداً، ولا علي -رضي الله عنه وأرضاه-، وما ينسب إليهم، ينسب إلى بعض أهل البيت من القدح في الصحابة هذا كله موضوع، وكذب وزور وبهتان يلصق بهؤلاء الأخيار " وأرضاهم عندي عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس".
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)).(6/10)
لا صلاة بعد الصبح، ونهى عن الصلاة بعد الصبح، جاء ما يدل على أن المراد بالصبح طلوع الصبح، وأنه لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، فيبدأ وقت النهي من طلوع الصبح، ومنهم من يقول: لا صلاة بعد الصبح، يعني بعد صلاة الصبح فيكون ما قبل صلاة الصلاة وقت للتنفل، ويكون هذا مثل: ((ولا صلاة بعد العصر)) لأن ما قبل صلاة العصر وقت للنفل المطلق، والمراد الصلاة حتى تغيب الشمس، فأوقات النهي المنصوص عليها في هذين الحديثين كم؟ لا صلاة حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، اثنان، وفي الثاني: ((لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب)) هذا الحديث الثاني فيه ثلاثة أوقات، والأول فيه وقتان، الأوقات خمسة: من طلوع الصبح حتى تطلع الشمس، ومن طلوع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، ومن صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب، ومن تضيفها حتى تغرب، خمسة، قد يقول قائل: لماذا لا تتداخل هذه الخمسة فتكون ثلاثة؟ من طلوع الصبح حتى ترتفع هذا واحد، ما نحتاج أن نقول: حتى تطلع، ومن طلوعها حتى ترتفع، ووقت الزوال حتى تميل، والثالث: من صلاة العصر إلى غروب الشمس فكتون ثلاثة، تتداخل هذه الأوقات، هذان الوقتان الموسعان الذين جاءا في حديثي ابن عباس وأبي سعيد، والثلاثة المضيقة التي جاءت في حديث عقبة بن عامر "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" فالأوقات خمسة، ثلاثة مضيقة ووقتان موسعان، والدمج بين هذه الأوقات الخمسة واختصارها إلى ثلاثة ممكن وإلا غير ممكن؟ يعني حينما يتفق العلماء ويطبقون على أن أوقات النهي خمسة، يعني ما يمكنهم أن يختصروها إلى ثلاثة؟ ترى كلامهم دقيق ما هم يتكلمون جزاف، لا، نعم؟
طالب: غير ممكن.(6/11)
غير ممكن لماذا؟ لأن الثلاثة المغلظة المنهي عنها أمران، نعم ثلاثة ساعات كان -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، أما الوقتان الموسعان فمنهي عن الصلاة فقط، نهى عن الصلاة بعد الصبح؛ لأن الصلاة المراد بها جنس الصلاة، فيدخل في ذلك الفرائض والنوافل المطلقة وذوات الأسباب، إذا قلنا: جنس الصلاة، لكن يخرج من هذا الفرائض، بدليل ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) وتكون صلاة الصبح الآن في وقت النهي المغلظ ((ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وهذا في الصحيح، أيضاً في الوقت المغلظ، إذاً نخرج الفرائض المؤداة اتفاقاً، وإن قال الحنفية: إنه إذا ضاق الوقت على صلاة الصبح، وخشي أن تؤدى في الوقت المضيق تؤخر، ويستدلون بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما نام عن صلاة الصبح انتقل من الوادي وأخر الصلاة، يقولون: أخرها حتى يخرج وقت النهي، هذا كلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ ليس بصحيح، لماذا؟ لأنه لم يوقظهم إلا حر الشمس، وإذا كان الأمر كذلك فوقت النهي انتهى، الأمر الثاني: أن العلة في تأخير الصلاة منصوصة، فقد أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم انتقلوا عن الوادي؛ لأنه مكان حضر فيه الشيطان، فمسألة الفرائض المؤداة لا إشكال فيها، المقضية شخص نسي صلاة الظهر فهل يقضيها بعد العصر؟ نقول: نعم يقضي الفوائت فوراً في أي وقت كان، يجب قضاء الفوائت فوراً عند أهل العلم، فالفرائض لا تدخل، النوافل، النوافل منها ما هو مطلق، ومنها ما هو مقيد بسبب، الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد على أن النوافل لا تصلى في هذه الأوقات ولو كانت ذات سبب، الشافعية يرون أن ذوات الأسباب مخصصة من عموم الأوقات، الأئمة الثلاثة وأتباعهم يقولون: عندنا عموم وخصوص، والخاص مقدم على العام، النفل المطلق يتفقون عليه، شخص جالس بعد صلاة العصر يقرأ القرآن، وقال: أتمغط وأتنشط شوي أجيب لي ركعتين، نقول: لا تجيب ركعتين، المسألة فيما إذا دخل المسجد ذات سبب، هل يصلي أو لا يصلي؟ الثلاثة الذين هم جمهور الأمة بأتباعهم يقولون: أحاديث النهي وأحاديث ذوات الأسباب، بينها عموم وخصوص،(6/12)
أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، كلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ ((إذا دخل أحدكم المسجد)) في أي وقت من الأوقات، لكن إذا دخل في الأوقات المنصوص عليها، لا، الخاص مقدم على العام، الشافعية يقلبون المسألة، يقولون: لا، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، هل نقول: إن مذهب الجمهور أرجح وحجتهم أقوى؟ أو نقول: مذهب الشافعية؟ هم كلهم دعواهم واحدة، والدلالة من حيث العموم والخصوص متكافئة، يعني هل بين هذه النصوص عموم وخصوص مطلق من أجل أن نقول: الخاص مقدم على العام؟ خلنا في أصل المسألة، الآن الجمهور يقولون: الخاص مقدم على العام، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، الخاص مقدم على العام، والشافعية يقولون بالعكس، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، تشمل الفرائض، تشمل النوافل المطلقة، تشمل ذوات الأسباب، وأحاديثنا التي نستدل بها ونمثل بتحية المسجد، نعم، خاصة، يعني لا صلاة بعد العصر ولا صلاة بعد الصبح أي صلاة، لكن أخرجنا الفرائض فلنخرج ذوات الأسباب؛ لأنها وردت بأحاديث خاصة، والخاص مقدم على العام، هذا كلام من المقدم؟ كلام كله صحيح، إيش؟ من تكلم؟
الطالب:. . . . . . . . .
علشان إيش؟ علشان قاله شيخ الإسلام وبعض الشيوخ؟ وإلا علشان إيش؟ خلونا في القواعد العلمية يا إخوان ما يصلح يربى على عواطف، شيخ الإسلام قاله والشيخ فلان قاله، إحنا نسمع الفتاوى تقول: خاص وعام وانتهى الإشكال، هل هذا الكلام صحيح؟ يا أخي دعوى الجمهور أقوى من دعوى الشافعية إذا قلنا: الخاص والعام.
الطالب:. . . . . . . . .
غيره، خلونا في الكلام العلمي، نمشي على القواعد، ما نمشي على عواطف، أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، هذا كلام الجمهور، كلام الأئمة الثلاثة.
الطالب:. . . . . . . . .
إيه خصصت إيه.
الطالب:. . . . . . . . .
بإيش؟
الطالب:. . . . . . . . .(6/13)
خصصت بالفرائض، نخرج الفرائض، طيب وبعدين؟ يعني أنت تريد أن تقول: عموم أحاديث النهي مخصوص، دخله الخصوص، خل هذه مرحلة ثالثة، ما هي ولا ثانية، دعنا من هذا، نريد أن نقرر أيهم أوجه كلام الشافعية أو كلام الجمهور؟ وكله ماشي على القواعد فيها كلام الجمهور صحيح، أحد يقدح فيه؟ ما في أحد يقدح فيه؟ وكلام الشافعية صحيح ما أحد يقدح فيه؟ إذاً كيف نصنع؟ هم كلامهم صحيح لو قلنا: إن الذي بين هذه النصوص عموم وخصوص مطلق، الخاص مقدم على العام، ما يختلف أحد في هذا، لكن هل الذي معنا عموم وخصوص مطلق أو عموم وخصوص وجهي؟ نعم؟ شاركوا يا إخوان أنتم من سنين تحضرون الدروس.
الطالب:. . . . . . . . .(6/14)
نعم عموم وخصوص وجهي، بمعنى أن أحاديث النهي عامة من وجه وخاصة من وجه، عامة في الصلوات وخاصة في الأوقات، أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وخاصة بهذه الصلوات، فإذا كان عندنا عموم وخصوص وجهي ماذا نصنع؟ الآن الدعوى متكافئة، عندنا عموم وخصوص وجهي، نجيب مثال تقريبي، عندنا ((من بدل دينه فاقتلوه)) هذا عام في الرجال والنساء؛ لأن (من) تتناول الرجال والنساء، لكنه خاص بالمبدل الذي هو المرتد، صح وإلا لا؟ عندنا النهي عن قتل النساء عمومه في الأصليات والمرتدات، لكن خصوصه في النساء؛ لأن الأول يشمل الرجال والنساء، فيه عموم، لكنه خاص بالمرتدين، والثاني: عمومه في الكوافر الأصليات والمرتدات، وخصوصه في النساء لا في الرجال، هنا عموم وخصوص وجهي أيهما الراجح تقتل المرتدة وإلا ما تقتل؟ طيب النهي عن قتل النساء؟ تقتل وإلا ما تقتل؟ النهي عن قتل النساء هذا فيه عموم، عموم في جميع من تستحق القتل من النساء، سواء كانت حربية كافرة أصلية أو مرتدة، لكنه خاص بهذا الجنس الذي هو النساء ((من بدل دينه)) خاص بالمبدل الذي هو مرتد، وعمومه في الرجال والنساء، والمسألة التي الرجال إذا ارتدوا لا خلاف في قتلهم، المرأة إذا كانت كافرة أصلية لا تقتل، بمقتضى النصين، التوارد على المرأة إذا ارتدت، توارد النصين على المرأة إذا ارتدت، تقتل وإلا ما تقتل؟ عموم ((من بدل دينه)) يقتضي أنها تقتل، لكن عموم النهي عن قتل النساء يقتضي أنها لا تقتل، نأتي إلى هذا العموم وذاك العموم؛ لأن العموم عند أهل العلم إذا دخله المخصص يضعف، عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) هل هو محفوظ وإلا مخصوص؟ في أحد يبدل دينه ولا يستحق قتل؟ إذاً عمومه محفوظ، عموم النهي عن قتل النساء محفوظ وإلا مخصوص؟ المرأة إذا قتلت تقتل وإلا ما تقتل؟ المرأة إذا كانت ساحرة تقتل، المرأة إذا زنت ترجم إذا كانت محصنة، إذاً عموم النهي عن قتل النساء مخصوص فعمومه يضعف في مقابل عموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) فتقتل المرأة إذا ارتدت.(6/15)
نأتي إلى ما عندنا أيهما المحفوظ؟ هل المحفوظ عموم أحاديث النهي أو المحفوظ عموم أحاديث ذوات الأسباب؟ ترى المسألة لا يتصور أنها من المسائل السهلة التي يمكن أن يرجح الإنسان وهو يضحك، المسألة من عضل المسائل، حتى قال جمع من أهل العلم: لا تدخل المسجد في هذه الأوقات، إن صليت حرج، إن ما صليت حرج، وبعضهم يقول: تستمر واقف، دعونا من رأي الظاهرية الذين يقولون: اضطجع، لا، لكن أقوال معتبرة عند أهل العلم، يقع الإنسان في حرج، إن عمل بنص خالف نصوص، أحاديث النهي عمومها محفوظ، يعني ما دخله فرائض؟ ما خصص للفرائض؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قضى راتبة الظهر بعد العصر؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أقر من صلى راتبة الصبح بعد الصلاة؟ كيف نقول: محفوظ مع هذه؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
ارفع صوتك ترى عندنا السمع ما هو بـ ....
الطالب:. . . . . . . . .(6/16)
عموم أحاديث ذوات الأسباب هو المحفوظ، وعموم أحاديث النهي مخصوص، إذاً يضعف عموم أحاديث النهي في مقابل عموم ذوات الأسباب، لكن عندنا قاعدة يتفق عليها العلماء كلهم الشافعية وغيرهم أن الحظر مقدم على الإباحة، جاءك نص ينهاك تنتهي، وجاء نص يأمرك تأتي منه ما استطعت ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) والله ما نستطيع نصلي، وأنت اللي ناهينا ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ولذا يقدمون المنع، بهذا يرجح كلام الجمهور، وتبقى أن المسألة ما هي بسهلة، يعني واحد يرجح عموم وخصوص وهو يضحك، وإلا يقول .. ، لا، لا، المسألة من عضل المسائل ليست بالسهلة، لكن وجد من يفتي ممن فتن الناس بتقليده وخلاص إذا قالت حذام فصدقوها، ما أحد له كلام مع شيخ الإسلام، عندنا نصوص صريحة صحيحة، وعندنا أئمة جبال قالوا بهذا وقالوا بهذا، فطالب العلم لا بد أن يمشي على قاعدة، ما يمشي على عاطفة، فعند الشافعية كون عموم ذوات الأسباب محفوظ، وعموم أحاديث النهي مخصوص، والعموم إذا دخل الخصوص يضعف في مقابل العموم المحفوظ، والجمهور يرجحون بالقاعدة المتفق عليها بينهم هم والشافعية بأن الحظر مقدم على الإباحة، إذا جاء حديث ينهى إلزم ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) بخلاف ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) والاستطاعة قد تكون حسية وقد تكون شرعية، إحنا نستطيع أن نصلي، نستطيع أن نركع ونسجد، لكن نحن ممنوعين من الصلاة، على كل حال عندنا التفريق بين الأوقات الموسعة والأوقات المغلظة، الأوقات الموسعة النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى رابتة الظهر يعني في الوقت الموسع، وأقر من قضى راتبة الصبح في الوقت الموسع، أما الأوقات المضيقة التي النهي عن الصلاة فيها لذاتها، لارتباطها بالشمس فأمرها أشد، يقرر جمع من أهل العلم ابن رجب قبله ابن عبد البر جمع من أهل العلم أن النهي عن الصلاة بعد الصبح إلى قرب طلوع الشمس، والنهي عن الصلاة بعد العصر إلى قرب غروب الشمس إنما هو من باب نهي الوسائل؛ لئلا لا يستمر الإنسان يصلي، يعني من باب حسم المادة وسد الذريعة، من أجل لا تستمر تصلي حتى يأتي الوقت المضيق، أما الوقت المضيق فالنهي عنه لذاته، أما النهي عن الصلاة في(6/17)
الوقتين الموسعين فالنهي نهي أسباب ما هو بنهي مقاصد، فأقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى بعد الصبح، وقضى راتبة الظهر بعد العصر في الوقتين الموسعين، والذي يتجه أن النهي في الأوقات الموسعة خفيف، إذا دخل الإنسان يصلي في الوقتين الموسعين، الأمر فيه سعة، أما في الأوقات المضيقة فلا عذر لأحد، إما يستمر واقف وإلا يجلس، الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- علشان نبين أن المسألة حتى عند أهل الحديث، ما يقال: والله فقهاء هؤلاء ما عندهم سالفة وإلا اتجهوا إلى ترجيح، وإلا استروحوا أو مالوا إلى شيء، هؤلاء أئمة جبال، البخاري -رحمه الله تعالى- لما ترجم: باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وإيش جاب؟ جاب حديث: يا عبد مناف، ما جابه، ما جاب حديث: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار، لا، باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وصلى عمر -رضي الله تعالى عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، طاف بعد الصبح، لكن متى صلى؟ صلى يوم انتهى؟ صلى عند ما خرج وقت النهي بذي طوى، وأورد الحديثين، الحديثين الذي معنا تحت ترجمة باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وإيش يرى البخاري؟ يرى أنه ما تصلي في وقت النهي، وأورد ابن حجر في المسألة في الباب، وهو من الشافعية الذين يرون فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، أورد في شرح الباب حديث جابر في المسند، ما كنا نطوف بعد الصبح وبعد العصر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكثيراً من الإخوان الآن كأنه يصلي صلاة الضحى، أو في جوف الليل، المسألة ليست بالسهلة، عندنا نواهي صريحة عن الصلاة في هذه الأوقات، لكن جاء ما يخفف بالنسبة للوقتين الموسعين، أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى بعد الصبح، وصلى راتبة الظهر بعد العصر، إذاً النهي خفيف، فتصلى فيه ذوات الأسباب، لا يقوى النهي لمعارضة أحاديث ذوات الأسباب، يعني إذا تعارض عندنا أمران خفيف وثقيل، لا شك أننا نتجاوز الخفيف في سبيل أننا نتفادى الثقيل، نجيب مثال محسوس الآن عندكم بدءوا يضعون في الدوار إشارة، القاعدة تقول: إن الأفضلية للقادم من اليسار، والإشارة حمراء، هذا مشى باعتبار أن القاعدة معه من اليسار، جاي هذا من(6/18)
اليسار واستمر ما وقف عند الإشارة، وهذا مشى باعتبار أن الإشارة خضراء له وهو قادم من اليمين حصل حادث، هذا عنده قاعدة وهذا عنده قاعدة، لكن أي القاعدتين أقوى؟ هل نقول: القاعدة العامة أن الأفضلية لليسار، أو القاعدة الخاصة التي تقول: قف في هذا المكان لأن الإشارة حمراء؟ لا بد من النظر في النصوص بعين الاعتبار والموازنة خفه أو ثقله، والعلماء لهم أنظار بعيدة حول التعامل مع النصوص، شيخ الإسلام على العين والرأس وقال هذا الكلام وأقروه وانتهى الإشكال وقلدناه ومشينا، يدخل بعض الكبار، رأيت بعيني ولا تثريب عليه؛ لأنه من أهل النظر والاجتهاد، ولا يلزم أحد باجتهاد أحد، قبل أذان المغرب بخمس دقائق، وقت النهي المغلظ ويصلي ركعتين، باعتبار أن شيخ الإسلام قال والحمد لله، ما أحد بيتنقص شيخ الإسلام، ولا أحد بيتطاول على شيخ الإسلام، لكن عندنا مرجعنا ومرجع شيخ الإسلام النصوص، وعلى طالب العلم أن يعمل بما يعتقد ويدين الله به، تعرفون أن الظاهرية يرون أن النهي منسوخ، الظاهرية يرون أنه ما في نهي أبداً صل في أي وقت، لكن ونحن حينما نقرر كلام أئمة جبال كبار ثلاثة من الجمهور وأتباعهم منذ قرون كلهم يقررون هذا، ونأتي بأقل كلام نرمي بكلامهم عرض الحائط، لا، ينبغي أن يكون طالب العلم هياب لأهل العلم، ما تكون لديه الجرأة بحيث ينسف أقوال أهل العلم بكل بساطة، ومع ذلك ونحن نقرر هذا الكلام لا يعني أننا نفرض أن الشخص إذا دخل يصلي أو لا يصلي، لا، وليس من حقك، ولأن هذه المسألة ما هي بمسألة يرجح بها بالقشة يرجح أنه إذا صلى واحد تقوم وتفرك عنه. . . . . . . . . أو جلس واحد تقوم تشيله يصلي، مو بصحيح، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جلس قال: هل صليت ركعتين؟ ما قال: قم صل، وقد شهدنا شخص صف ابنه لتحية المسجد بعد صلاة العصر وقام وأداره عن جهة القبلة، الابن طالب علم والأب طالب علم، فلا هذا ولا هذا، الإنسان يعمل بما يدين الله به، فمن فعل عنده نصوص، ومن ترك عنده نصوص، فهذه المسألة المقرر عند أهل العلم أنها من عضل المسائل، حتى قال بعضهم: لا تدخل المسجد ... تقع في حرج عظيم إن صليت مشكلة، خالفت نصوص وإن تركت خالفت نصوص.(6/19)
هؤلاء الذين ذكرهم المصنف أحاديثهم شواهد لما ذكره في الباب حديث ابن عباس المروي عن عمر -رضي الله تعالى عنه- وحديث أبي سعيد، الحديث الأول هل هو من مسند ابن عباس أو من مسند عمر؟ يعني لو رجعت إلى تحفة الأشراف المزي يضعه تحت ترجمة عمر وإلا ترجمة ابن عباس؟ نعم مسند ابن عباس وإلا عمر؟ هاه؟ يعني لو أن ابن عباس شهد حادثة واقعة حصلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- مع واحد من الصحابة قلنا: من مسند ابن عباس بلا شك، لكن هنا هل هو يشهد على عمر هذه القصة التي حضرها مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو يرويها عن صاحبها، يرويها عن عمر، إذاً هي من مسند عمر -رضي الله عنه-.
يقول: وفي الباب عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة وسمرة وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت إلى آخره، هذه شواهد، هؤلاء رووا أحاديث النهي، فأحاديث النهي مستفيضة، ويرى الظاهرية أنها منسوخة، لكن عامة أهل العلم على أنها محكمة، وتنزل في منازلها، نعم.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب.
الصيغة التي استعملها ابن عباس صيغة الأداء صيغة نادرة، صيغة الأداء شهد عندي رجال صيغة نادرة، قد تبحث عن حديث آخر بهذه الصيغة ما تجد، من نوادر الصيغ ما جاء في صحيح مسلم في أحاديث الفتن فلان بن فلان رده إلى فلان، وفلان رده إلى فلان، يعني يرويه عن فلان وينقله عن فلان، هذه صيغ نادرة ينبغي أن يعتنى بها.(6/20)
هنا يقول: "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق" هذا من مسند جابر وإلا من مسند عمر؟ مسند جابر؛ لأنه يحكي قصة هو الحاكي لها، لكن لو كانت عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب أنه جاء يوم الخندق صارت من مسند عمر، الآن هي من مسند جابر يحكي هذه القصة، ما الفرق بين أن يقول: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق، أو يقول: عن عمر بن الخطاب أنه جاء يوم الخندق؟ في فرق وإلا ما في؟ يعني فرق بين السند المؤنن والمعنعن وإلا ما في فرق؟ يعني في حديث عن محمد بن الحنفية عن عمار أنه مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال أحمد ويعقوب بن شيبة: متصل، وعن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة: منقطع، في فرق وإلا ما في فرق؟ فهل المرد في اختلاف الحكم اختلاف الصيغة أو لا؟ يعني الخلاف في السند المؤنن أو المؤنأن هل هو مثل المعنعن وإلا لا؟ أيوه؟ لا يحتمل السماع، واللي عندنا أن عمر بن الخطاب لا يحتمل السماع؟ كون الراوي يروي قصة شهدها متصلة، وكونه يحكي قصة لم يشهدها منقطعة، لكن محمد بن الحنفية ما حضر القصة؛ لأنه لو حضرها كان صحابي، النبي -عليه الصلاة والسلام- طرف فيها، فاختلاف الحكم هنا لا لاختلاف الصيغة، فلما قال: عن محمد بن الحنفية عن عمار هو يروي القصة عن صاحبها، لكن لما قال: عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي قصة لم يشهدها، وليس مرد هذا إلى اختلاف الصيغة، فالجمهور على أن فلاناً مثل عن فلان، مثل ما عندنا هنا، لا تختلف.
. . . . . . . . . ... سووا، وللقطع نحا البرديجي
وحكم (أن) حكم (عن) فالجلُ ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
ولذا لما حكم ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة أنهم يرون التفريق لهذه القصة، قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه(6/21)
يعني ما انتبه إلى السبب الحقيقي، يعني مثلاً لي قصة مع واحد من المشايخ حدثتك بها فصرت ترويها عني أنها حصلت، لكن قصة لم تشهدها تقول: إن فلان حصل له قصة مع فلان متصلة وإلا منقطعة؟ لما تحكيها عني تقول: عن فلان أنه قال: حصل لي كذا وحصل لي كذا، تروي القصة عن صاحبها فهي متصلة، لكن لما تحكي القصة التي لم تشهدها ولم تروها عن صاحبها أن فلاناً حصل له كذا مع فلان منقطعة، ليس السبب اختلاف الصيغة إنما السبب أنه يروي القصة ولم يشهد، وحُكم عليها بالانقطاع، والعبارة أو الصيغة الأخرى أنه يحكي القصة عن صاحبها، فهي متصلة وهنا متصلة؛ لأن السند المؤنن حكمه حكم المعنعن، لو قلنا: بالاختلاف بين المؤنن والمعنعن قلنا: هذا منقطع وهو في الصحيح.
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش، قال: يا رسول الله" عمر يسب كفار قريش والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع ولم ينكر عليه، فدل على جواز سب الكفار، لا سيما من يتعدى ضرره "وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب" الآن صلاها قبل الغروب وإلا بعد الغروب من خلال هذه الجملة؟ قبل الغروب {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] ذبحوا وإلا ما ذبحوا؟ فعلوا وإلا ما فعلوا؟ فعلوا؛ لأن كاد إذا دخل عليها النفي مثل ما هنا يكون الفعل قد وقع، لكن لو لم تثبت كدت أصلي العصر، يعني هل وقعت وإلا ما وقعت؟ إذا دخل النفي ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، الصيغة تدل على أنه صلاها قبل الغروب؛ لأنه أدخل النفي على كاد، مثل {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] هم فعلوا، لكن قربوا من عدم الفعل، وهنا قرب من عدم الصلاة قبل غروب الشمس، بخلاف ما لو قال: كدت أصلي، يعني قرب أن يصلي، وهو لم يصل، ماذا عن قوله -جل وعلا-: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] هل أخفاها وإلا ما أخفاها؟ الساعة.
طالب:. . . . . . . . .(6/22)
تمام، لكن نشوف قبل هل أخفاها وإلا ما أخفاها؟ أخفاها، الصيغة تدل على أنه أخفاها وإلا لم يخفيها؟ تدل على عدم الإخفاء، لكنه قرب من الإخفاء، لكن المخرج من هذا في قول بعض المفسرين وهو صحيح أكاد أخفيها حتى عن نفسي، أما من عداه -جل وعلا- لا يعلم متى الساعة، فقد أخفاها عن كل مخلوق، فقوله: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني حتى عن نفسي، علشان تكتمل القاعدة صحيحة منضبطة "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) " كره بعض السلف أن يقول الرجل: ما صليت، كره بعض السلف أن يقول: ما صليت، الآن إذا قلت للعامي من الناس: صليت يا أبو فلان؟ قال: على النبي -عليه الصلاة والسلام-، دليل على أنه صلى وإلا ما صلى؟ ما صلى، لكن يكره أن يقول: ما صليت، وهذا له سلف، من السلف من كره، ولذا ترجم البخاري -رحمه الله تعالى-: باب قول الرجل: ما صلينا، واستدل بهذا الحديث: ((وأنا والله ما صليتها)) وفي هذا رد على من يكره مثل هذا اللفظ "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) قال: فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس" لأنه يجب قضاء الفوائت فوراً مرتبة، فتصلى قبل المغرب، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس "ثم صلى بعدها المغرب" وهذا نص مفسر للنص السابق أنه صلى العصر بين المغرب والعشاء، وصلاها بعد وقت صلاة المغرب، وقبل وقت صلاة العشاء، ثم صلى بعدها المغرب كما هنا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: مر معنا في درس الأمس اختلاف النسخ عند قول المصنف: وفي الباب عن علي .. إلى أن قال: معاذ بن جبل، وفي نسخة: معاذ بن عفراء، وفي طبعة دار الكتاب العربي للطبعة التي بعناية محمد بن منير(6/23)
هذه الطبعة المنيرية المطبوعة في مصر هي مأخوذة من الطبعة المنيرية لشرح العمدة لابن دقيق العيد، وفيها أخطاء وأوهام كثيرة، على أن منير يعتني، صاحب عناية، وطبعاته نفيسة، لكن طبعته لهذا الكتاب مفضولة بالنسبة لطبعة الشيخ أحمد شاكر، والشيخ حامد الفقي، وأيضاً النسخة التي عليها حاشية الصنعاني متقنة إلى حد ما، العدة بعناية الشيخ علي الهندي -رحمه الله-.
يقول: المجلد الأول إلى آخره ذكر في متن العمدة معاذ بن جبل، وفي الشرح ترجم لمعاذ بن عفراء، وترجم لمعاذ بن جبل، وقال في الحاشية: قوله: وأما معاذ بن جبل هكذا في نسخ الشرح، ومعاذ بن جبل ليس من رجال الباب، بل من رجاله معاذ بن عفراء، وهو محلق ببعض نسخ الشرح، ولعله تعرض له لخوف الالتباس فبينه.
كأن الشارح ابن دقيق العيد وقف على نسخة من العمدة فيها معاذ بن عفراء، ونسخة أخرى فيها معاذ بن جبل، فترجم للاثنين، لكن يبقى أن الصواب معاذ بن عفراء وليس معاذ بن جبل، وأما الطبعة المنيرية كما ذكرنا فيها أوهام وأخطاء.
هذا سائل من الكويت يقول: شخص يقوم الليل هل يجوز أن يوتر قبل أن ينام أولاً خشية أن لا يستيقظ لقيام الليل، وإن استيقظ قام الليل بدون أن يوتر؟
الأصل أن الوتر في أخر الليل وكونه آخر الصلاة هو الأفضل ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) وآخر صلاة الليل مشهودة، وهي وقت النزول الإلهي، لكن من خشي أو غلب على ظنه أنه لا يقوم آخر الليل فليوتر قبل أن ينام، ولذا أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام، ولا شيء في هذا، محل الوتر الليل من صلاة العشاء إلى طلوع الصبح كله محل للوتر، لكن هذا الأفضل، الذي يخشى على نفسه أنه لا يقوم، لا شك أن تحصيل الوتر في أول الليل أفضل من تركه، لكن إذا أوتر أول الليل بناء على غلبة ظنه أنه لا يقوم من آخر الليل، ثم تيسر له أن انتبه يصلي ما شاء، مثنى مثنى إلى أن يطلع الصبح دون وتر؛ لأنه لا وتران في ليلة، منهم من يقول: يشفع الوتر الأول، وهذا فيه مخالفة أشد من الوتر الثاني، لأنه يكون فيه ثلاثة أوتار، يكون حينئذٍ أوتر ثلاث مرات.
السائل من جدة يقول: ما حكم بيع المصحف الكريم؟(6/24)
المذهب عند الحنابلة أنه لا يجوز بيعه؛ لأن بيعه امتهان، وإشعار بأنه مرغوب عنه، فالمبيع بالجملة كل سلعة تباع مرغوب عنها، وثمنها مرغوب فيه، والمشتري راغب في السلعة، فكون البيع للمصحف يشعر بهذا الحنابلة لا يجيزون بيع المصحف، لكن مع ذلك الإمام أحمد يجيز شراءه للحاجة، والذي عليه الجمهور جواز بيعه وشرائه مع أنه محترم معظم.
يقول: عزو الحافظ ابن حجر في البلوغ للحاكم وابن حبان وابن خزيمة.
هذا العكس المفترض أن يبدأ بابن خزيمة ثم ابن حبان ثم الحاكم.
يقول: ما رأيكم فيه؟ وهل يمكن حذف أحدهما عند الحفظ خصوصاً عزوه للحاكم؟(6/25)
أولاً: عزوه للثلاثة مجتمعين يعطي للحديث قوة؛ لأن هؤلاء كلهم اشترطوا الصحة، فكتبهم من الصحاح في الجملة، وإن لم يوفوا بهذا الشرط فوجد فيها الضعيف، لكن كون الحديث موجود فيها مجتمعة يعطيه قوة، الأمر الثاني: أن من اعتنى بكتاب بعينه وأراد حفظه أو قراءته أو إقرائه عليه أن يقرأه بحروفه، وأن يحفظه بحروفه، كما وضعه مؤلفه، ليصدق عليه أنه حفظ الكتاب الفلاني، أما التصرف بالحذف والزيادة والنقص هذا له أن يجعل عليه حاشية، أو يعمل له تهذيب أو اختصار، أما أن يحفظ كتاب ألف في فن معين ألفه عالم من أهل العلم معتبر، ليس من الأمانة العلمية أن يحذف منه شيئاً، بل يبقى كما هو ويحفظ كما هو، ولو قدر أنك لم تجد الحديث عند الحاكم، افترض أن الحافظ عزاه للحاكم وابن حبان وابن خزيمة بحثت في المستدرك ما وجدته تستطيع أن تحذف هذا التخريج هذا العزو إلى هذا الإمام؟ لا يمكن، لكن لك أن تنبه، تقول: عزاه الحافظ إلى الحاكم ولم أجده فيه بعد الحرص والتتبع والاستقراء لجميع الكتاب، ولذا أهل العلم إذا وجد خطأ في كتاب، يعني في العمدة ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه -من الإثم- لكان عليه أن يقف)) هذه الزيادة لا توجد في الصحيح ((من الإثم)) إلا في رواية الكشمهني وهو ليس من الحفاظ، وانتقده ابن حجر ووقع في ذلك، فذكرها في البلوغ مع أنه انتقد الحافظ عبد الغني، ومع ذلك من يريد أن يحفظ الكتاب، من يريد أن يشرح الكتاب سواء كان شرحاً مسموعاً أو مقروءاً لا يجوز له أن يحذف هذه اللفظة، بل عليه أن يبقيها كما كانت ويعلق عليها، هذا مقتضى الأمانة العلمية، لا يحذف شيئاً من الكتاب، ولا يزيد فيه إلا إذا وجد في بعض الأصول المعتمدة، وسقط من بعضها حينئذٍ يلفق بين الأصلين، أهل العلم يقول: إذا وجدت خطأ لا يحتمل الصواب، إن في آية من القرآن صحح، عدل على ضبط المصحف، وإن كان الخلل في غيرها فتبقيها وترويها كما وجدت وتعلق عليها، كذا في الأصل والصواب كذا؛ لأنه قد يكون عندك أنت خطأ، لكن يبين ويلوح الصواب لغيرك، فإذا جرأت وصححت متى يبين الصواب؟ خلاص صححت كل من يأتي، وكم من كلمة يرجحها كثير من المحققين ويجعلونها في صلب الكتاب، ويعلقون عليها،(6/26)
يقولون: في الأصل كذا وهو خطأ والصواب ما أثبتناه، كثير من هذا، ونجد الصواب العكس، ويمر هذا كثير في الدروس، والله المستعان، فلا يتسرع الطالب في التصرف بكتب أهل العلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: فضل الجماعة ووجوبها
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم أرحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: فضل صلاة الجماعة ووجوبها(6/27)
الجماعة مأخوذة من الاجتماع، فلا بد أن تكون من أكثر من واحد، وأقلها اثنان، فضل الجماعة جاءت به النصوص التي يذكر المؤلف منها ما يذكر، وترك الشيء الكثير، الجماعة على الرجال الذكور الأحرار البالغين واجبة، يأثم القادر على إتيانها بعدم ذلك، فواجبة على الأعيان، على كل شخص بعينه، هذا الذي ذكره المؤلف في الترجمة، ويرى بعضهم وهو مذهب أهل الظاهر أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فلو صلى الرجل في بيته مع قدرته على إتيان الجماعة لا تصح صلاته، لهذا يقول أهل الظاهر: وهو رواية عن أحمد يرجحها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، مما يستدلون به الحديث المشهور: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) أدلة الوجوب منها ما ذكره المؤلف في هذا الباب، ومنها ما جاء في حديث ابن أم مكتوم وهو رجل معذور أعمى، بينه وبين المسجد مفاوز وأودية وهوام وهو أعمى، رخص له النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر فلما انصرف دعاه، قال: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) ومن أدلة وجوبها {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] ومنها أيضاً مشروعية صلاة الخوف، والتنازل عن بعض الواجبات، بل حصول ما يبطل الصلاة من أجل المحافظة على الجماعة، ولولا وجوب الجماعة ما حصل هذا الخلل، ما أقر شرعاً هذا الخلل في صلاة الخوف، ولا شك أن الجماعة بأدلتها الظاهرة المتضافرة أقل ما يقال فيها الوجوب، فيأثم بتركها من استطاع الإتيان إليها، منهم من يقول: إنها فرض كفاية، هذا قول معروف عند الشافعية؛ لأنها شعار للدين فلا بد أن يكون موجوداً، ولأجله شرع الأذان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد غزو بلد أو قوم انتظر، سمع أذان يكف وإلا أغار -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كانت مجرد شعار فالشعار يسقط بقيام البعض هذا قول الشافعية، والحنفية والمالكية يقولون: سنة مؤكدة لا يأثم بتركها، ويتمسكون بمثل ما جاء في هذا الباب من حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي هريرة.(6/28)
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) " هذا من أدلتهم على أن صلاة الجماعة سنة، من أدلتهم حديث عتبان لما كُف بصره دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- ليصلي في جزء من بيته ليتخذه مسجداً، ومقتضى ذلك أنه لا يحضر الجماعة، وهو محمول على أن عتبان لا يسمع النداء؛ لئلا يتعارض مع حديث ابن أم مكتوم، فهو محمول على أن عتبان لا يسمع النداء، فلا دليل فيه، فالذي لا يسمع النداء لا تلزمه الإجابة، قد يقول قائل: الناس الآن في بيوتهم لا يسمعون النداء، بين المساجد وفي أوساط المدن لا يسمعون النداء، وقد يكون بعيداً بعداً يشق الحضور، تحصل المشقة معه لسماعه النداء من بعد شديد لوجود المكبرات، نقول: الذين في بيوتهم التي هي الآن كالصناديق محكمة مغلقة مع وجود الآلات التي تمنع من سماع الصوت مكيفات وغيرها المسألة مفترضة في سماع النداء بالصوت العادي، بدون مكبرات وبدون موانع، افترضنا أن البلد قبل وجود الكهرباء ما في مكبرات ولا في مكيفات، ولا يوجد سيارات، من كم يسمع النداء؟ من مسافة كم؟ كيلو كيلوين؟ نعم يسمع من كيلوين، إذا كان الجو هادئ يسمع من كيلوين، إذا كانت هناك ريح تنقل الصوت يسمع من أكثر، لكن مثل هذا ليس فيه مشقة ويسمع، فالمسألة مفترضة مع انتفاء الأسباب الموصلة للصوت كالمكبرات، ومع انتفاء الموانع من سماع الصوت كالمكيفات والسيارات والآلات والمصانع وغيرها، إذا افترضنا هذا وقلنا: إن الصوت العادي يسمع، الصوت العادي لا أقول مثل العباس يسمع من تسعة فراسخ، لا لكن صوت عادي الناس، ولا شخص أبح ما يسمعه جيرانه، لا، المسألة مفترضة في الصوت العادي، والذي يتخذ مؤذن من شرطه أن يكون صيتاً، يبلغ الناس يبلغ أطراف البلد، وعلى هذا أتصور أن الكيلو والكيلوين يسمعون الأذان بالراحة مع انتفاء الأسباب والموانع، فلا يقول: أنا والله المسجد فوق رأسي، لكن ما أسمع، فإذا سمع النداء لزمه الإجابة ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) الرسول لا يجد رخصة فمن يرخص له بعد الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ فلا يملك أحد.(6/29)
هنا يقول في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) وهذا من أقوى أدلة الحنفية والمالكية على أن صلاة الجماعة ليست بواجبة، وإنما هي سنة مؤكدة، وجه الاستدلال أنه قال: ((صلاة الجماعة أفضل)) وأفضل أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل يقتضي وجود أمرين أو أمور تشترك في صفة، وهنا الصفة الفضل يزيد أحد هذه الأمور في هذه الصفة على غيره، فصلاة الجماعة تزيد في صفة الفضل المشترك بين صلاة الجماعة وصلاة الفذ، الفضل مشترك، لكن صلاة الجماعة تزيد في الفضل على صلاة الفرد، هذا مقتضى أفعل التفضيل إذا كانت على بابها، واللغة تشهد لذلك، إذا قلت: زيد أفضل من عمرو كلهم أهل فضل، لكن فاق أحدهما الآخر، إذا قلت: محمد أخطب من زيد فكلهم خطباء، لكن يبقى أن محمد أجود في الخطابة من زيد، فهم يقولون: صلاة الجماعة تشترك في الفضل مع صلاة الفذ، وكل من الصلاتين فيه فضل، لكن صلاة الجماعة أكثر في الفضل من صلاة الفذ، أولاً: ما جاء في النصوص مما يدل على أن أفعل التفضيل تستعمل حتى في النصوص الشرعية على غير بابها {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] هل في النار خير؟ ما فيها خير، ولا في المقيل فيها حسن ألبتة، فأفعل التفضيل ليست على بابها في هذه الآية، طيب نأتي إلى الحديث هل أفعل التفضيل على بابها؟ الذي يقول: إن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة يقول: أفعل التفضيل ليست على بابها؛ لأن صلاة الفذ ليس فيها فضل ألبتة، هذا الذي يقول: إن الجماعة شرط لصحة الصلاة فتكون أفعل التفضيل هنا ليست على بابها، أما الذي يقول: إن صلاة الجماعة واجبة، وصلاة الفذ صحيحة مجزئة مسقطة للطلب، وإن إثم فاعلها يقول: أفعل التفضيل على بابها، فصلاة الجماعة فيها فضل وصلاة الفذ فيها فضل، لا سيما وأن الفضل محدد بسبع وعشرين أو خمس وعشرين درجة، يعني لما يقال قد نفترض أن أفعل التفضيل ليست على بابها، لكن لو كانت ليست على بابها ما ذكر العدد، فذكر العدد يدل على أن صلاة الفذ فيها فضل، وأفعل التفضيل على بابها اشتركا في الفضل، لكن(6/30)
صلاة الجماعة يزيد في هذا الفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أو بخمس وعشرين درجة، وإن شئت فقل: بسبعة وعشرين ضعفاً أو جزء أو صلاة كما في بعض الروايات، يعني صلاة الرجل منفرد في بيته، والحديث يتناول حتى من صلى في المسجد لكنه منفرد، يصلي صلاة واحدة والناس الذين يصلون جماعة أكثر منه بسبع وعشرين ضعف، فضل عظيم لا يفرط فيه إلا محروم بين الحرمان، مع ارتكابه الإثم إذا كان تأخره لغير عذر، وفضل الله واسع، إذا كان التأخر لعذر فمن قصد الجماعة فوجدهم قد صلوا فله مثل أجرهم، إذا كان هناك عذر، أما إذا كان تخلفه لغير عذر فهو آثم وصلاته صحيحة.
صلاة الجماعة بأن يكون الشخص معه واحد أو أكثر أفضل من صلاة الفذ، وصلاته مع الرجلين أفضل، وصلاته مع الثلاثة أكثر، وكلما زاد الجمع كثر الفضل، من صلاة الفذ الفرد الواحد بسبع وعشرين درجة.(6/31)
في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) يقول الترمذي: عامة من رواه يقول: خمساً وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: سبع وعشرين، وأكثر الرواة على خمس وعشرين، فبعضهم يقول: العدد لا مفهوم له، والأصل أن الكلام له منطوقه ومفهومه، لكن إذا عورض المفهوم بمنطوق يلغى مفهوم العدد، يعني في مثل قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهمومه أنك إن استغفرت لهم واحد وسبعين مره أو أكثر غفر لهم، لكن هذا المفهوم معارض بمنطوق قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] فألغي المفهوم، لو يستغفر ألوف مؤلفة ما نفع، إلغاء المفهوم حينما يعارض بمنطوق معروف، لكن هل المفهوم هنا معارض بمنطوق أو غير معارض، لنلغي المفهوم غير معارض، إذاً كيف جاء في حديث ابن عمر بسبع وعشرين وفي حديث أبي هريرة بخمس وعشرين؟ منهم من يقول: يختلف زيادة الأجر ونقصه باختلاف المصلين، فالسبع والعشرين للأعلم الأخشع، والخمس والعشرين لغيره، ومنهم من قال: السبع والعشرين للبعيد عن المسجد، والخمس والعشرين للقريب منه، ومنهم من يقول: السبع والعشرين للصلاة الجهرية؛ لأن فيها ارتباط بقراءة الإمام والتدبر في القرآن وغير ذلك، والخمس والعشرين للسرية، ومنهم من يقول: إن الله -جل وعلا- أخبر نبيه بالمضاعفة خمس وعشرين ثم زاده فضلاً منه على من يعنى بصلاة الجماعة، زاده فضل، وعلى هذا يكون الخمسة والعشرين منسوخ، وهذا خبر من الأخبار، والأخبار لا تدخلها النسخ، لكنه خبر متضمن لحكم، وهو الحث على صلاة الجماعة، والأحكام يدخلها النسخ، على كل حال يحرص الإنسان على أن يدرك الصلاة في الجماعة مع الإمام الأفضل في المسجد الأقدم، يحرص على التبكير لصلاة الجماعة؛ لأن من أهل العلم من يقول: إن السبع والعشرين لمدرك الصلاة كلها، والخمسة والعشرين لمدرك بعضها، فنحرص على(6/32)
صلاة الجماعة كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يحرصون على أن يؤدوا الصلاة جماعة حيث ينادى بها، يعني المساجد، وأما ما يميل إليه بعض الفقهاء بأن الجماعة له فعلها في بيته، لا شك أنه ما أجاب النداء ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فلا تجوز الصلاة في البيوت، ولو كانت جماعة، بسبع وعشرين درجة، وهنا يقول: ((صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) "على صلاته" مفرد مضاف يعم جميع الصلوات، لكن أخرجت النوافل بالنصوص الخاصة ....(6/33)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (3)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لكن أخرجت النوافل بالنصوص الخاصة ((صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)).(7/1)
((في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)) الأصل أن العدد يخالف المعدود في التذكير والتأنيث، الضعف مذكر ينبغي أن يقال: خمسة وعشرين ضعفاً، لكن الضعف بمعنى الدرجة، فلما ضُمن معنى الدرجة التي جاءت في الحديث السابق صح أن تعامل معاملة المؤنث؛ لأنها ضمنت إياه ((وذلك)) يعني تبيين لهذه المضاعفات المذكورة ((وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد)) يكون وضوؤه قبل خروجه إلى المسجد، فعلى هذا الذي يقول: أتوضأ في دورات المسجد أفضل أو الذي يتوضأ في بيته ثم يخرج إلى المسجد؟ ((ذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء)) يأتي به على ما عرف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- وأسبغ الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ مرتين مرتين، وتوضأ مرة مرة، أسبغ الوضوء ولا مرة مرة يقال: أحسن الوضوء ((فأحسن الوضوء)) يعني توضأ في بيته، ثم خرج، توضأ في مكان عمله في المكان الذي هو فيه، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، طيب لك غرض في السوق، فتوضأت أنت خارجاً لهذا الغرض الذي في السوق، توضأت فقلت: الصلاة قرب وقتها أتوضأ وأتجهز في البيت، ثم خرجت لقصد غرضك في السوق فسمعت مسجد يقيم ميلت وصليت معهم، يحصل لك هذا الأجر وإلا لا يحصل لك؟ هو خرج لغرض في السوق، يشتري حاجة من السوق؛ لأنه يقول: ((لا يخرجه إلا الصلاة)) وهذا الذي أخرجه غرض، لكن إذا كان غرضه في السوق وفي السوق مسجد، فخرج من أجل الغرض والصلاة، إذ لو لم يكن في السوق مسجد لما خرج إلى السوق إلا بعد أن أدى الصلاة، وهذا من التشريك المباح، يعني السوق فيه مسجد، فتوضأ في بيته وخرج يقصد المسجد الذي في السوق، من أجل الغرض الذي يريده، هذا تشريك ما خرج من أجل الصلاة وحدها، ولا خرج من أجل الغرض وحده، لكنه شرك بينهما، فمثل هذا التشريك لا يضر، وإن كان أجره أقل من أجر من خرج لا يخرجه إلا الصلاة، إذا اجتمعت هذه الأمور، إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطوا خَطوة، أو خُطوة، بالفتح أو بالضم؟ لكن الخطوة بالضم هي ما بين القدمين، المسافة التي بين القدمين، والخطوة المرة الواحدة من الخطى، فهل الأجر مرتب على ما بين القدمين(7/2)
بحيث يكون أجره واحد لو مد الخطى أو قصر الخطى واحد؟ المقصود المسافة، كم يجي من بيتك إلى المسجد؟ تقول: مائة خطوة، هل يتأثر هذا العدد بما لو مددت الخطى فصار خمسين أو قصرت صار مائتين؟ إذا قلنا: خٌطوة، لكن إذا قلنا: خَطوة فالمراد بها الواحدة المرة الواحدة من الخطى فقدمت طولت قصرت على عدد خطاك، ما المراد هنا؟ المسافة يعني مائة خُطوة ما تزيد ولا تنقص، أو الخَطوة المرة الواحدة من خطاك أنت، بمعنى أنك لو قاربت بين الخطى زاد الأجر، مددت بين الخطى نقص الأجر، هل المراد الخَطوة الواحدة، واحدة الخطى فيكون الأجر مرتب على فعلك، ولا شك أن تقارب الخطى أقرب إلى السكينة والخشوع من مد الخطى، وهذا مطلوب، أما إذا قلنا: لم يخطُ خطوة من الخطى المقررة في طريقك المقررة من البيت إلى المسجد ما تزيد ولا تنقص، يعني كلمة رفعت وحط لأن الخطوة الواحدة فيها رفع وفيها حط، رفع لقدم وحط لأخرى، فهذا يرجح الفتح.
((لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة)) نظير ما رفع ((وحط عنه بها خطيئة)) نظير ما حط على الأرض من القدمين ((فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه)) تصلي عليه إيش المراد بالصلاة هنا؟ مفسر تقول: اللهم صل عليه ((تصلي عليه ما دام في مصلاه)) جاء تفسير الصلاة: اللهم صل عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه، فالصلاة هنا المراد بها الدعاء؛ لأن الصلاة في الأصل الدعاء {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [(103) سورة التوبة] يعني أدع لهم، يعني ما جاء في حديث إجابة الدعوة ((إذا دعا أحدكم أخوه فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليصل)) من أهل العلم من قال: يصلي ركعتين وينصرف، يحضر القصر، يجيب الدعوة يصلي ركعتين ويمشي، والأكثر على أن المراد بالصلاة الدعاء؛ لأن الصلاة في الأصل في اللغة الدعاء، فهي صلاة لغوية.(7/3)
اللهم صل عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه ((ما دام في مصلاه)) يعني بعد صلاته يحرص على أن يكون في مصلاه الذي أدى فيه الصلاة، لكن لو كان جلوسه في مصلاه يتعبه، وانتقل إلى مكان آخر في المسجد يريحه فهل المراد بالمصلى المسجد الذي هو مكان الصلاة الذي أديت فيه هذه الصلاة، أو المراد به البقعة التي شغلها في صلاته؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المسجد، هو الأصل، يعني لو نتقيد بحرفية النص أنه البقعة التي شغلها في صلاته ((ما زال في مصلاه)) وهذه البقعة يتناولها النص تناولاً قطعياً، أما بقية أجزاء المسجد فإن كان انتقاله لغرض صحيح بأن كان يتعبه الجلوس، أو مكان غير مريح قدامه مكيف ينفخ عليه، ينتقل إلى مكان آخر، يتضرر بهذا، أو المكان حار ولا يحصل له قراءة ولا ذكر بتدبر وحضور قلب، هذا غرض صحيح يحصل له الأجر في أي جهة تريحه من المسجد، وقل مثل هذا لو صلى في مصلى والدرس في جهة من المسجد ينتقل إلى الدرس، أو حلقة ذكر، وما أشبه ذلك؛ لأنه انتقل إلى غرض صحيح.
((ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم أغفر له، اللهم أرحمه)) ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة، وفي بعض الروايات: ((ما لم يؤذِ، ما لم يحدث)) فإذا أحدث انقطع الدعاء له، إذا آذى انقطع الدعاء له، والحدث يتناول الحدث الحسي والمعنوي، يتناول الحدث الحسي والحدث المعنوي، بأن انتقض وضوؤه أحدث، الحدث المعنوي ابتدع في الدين، أو عمل شيء، أحدث في الدين من باب أولى، ينقطع عنه، يتناوله النص ما لم يحدث، ما لم يؤذ، إذا تأذى أحد من وجوده مثل هذا ينقطع عنه الدعاء لضرره المتعدي.(7/4)
((ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) يعني ما دام الصلاة تحبسه فهو في صلاة، في ساعة الجمعة -هنا مناسبة- في ساعة الجمعة من أهل العلم وهو قول معتبر عند أهل العلم أن ساعة الاستجابة أخر ساعة بعد العصر، وجاء في وصف الساعة: ((أنها لا يصادفها عبد مسلم وهو قائم يصلي)) فسر بأنه قائم يصلي بأنه ينتظر الصلاة، يعني ترجيح من يقول بأن ساعة الجمعة كما هو القول الآخر من دخول الإمام إلى انقضاء الصلاة بكونه قائم يصلي بالفعل، وذاك قائم يصلي بالإلحاق باعتبار أنه ينتظر الصلاة، ليس بالفعل، لكن هل القيام المنصوص عليه محل للدعاء وإلا ليس محلاً للدعاء؟ القيام في الصلاة محل للدعاء؟ نعم ليس محلاً للدعاء، كان ساجد يدعو ما يخالف صحيح، لكن قال: قائم يصلي، فالمراد به إما أن يصلي بالفعل ويدعو في موضع الدعاء لا في موضع القيام، أو يكون كما هنا ينتظر الصلاة؛ لأن منتظر الصلاة في صلاة، صلاة الجماعة قلنا: إنها تلزم الرجال المكلفين، ويأثمون بتركها، من أمر بالصلاة وهو ابن سبع مثلاً، أو أكد في حقه الضرب ابن عشر فأكثر، هل يلزم إخراجه إلى المسجد يصلي مع الجماعة، أو يؤدي الصلاة ولو في البيت؟ لا شك أن شأن غير المكلف أقل من شأن المكلف، لكن هل على الأب المأمور بأمر ابنه بالصلاة، أو بضربه على الصلاة أن يخرجه إلى المسجد أو عليه أن يخرجه إلى المسجد؟ أو نقول: إنه مأمور بأن يصلي، ويؤدي الصلاة ولو في بيته؟(7/5)
البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: "باب وجوب صلاة الجماعة، وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة عليه لم يطعها" هذا في إيش لو منعته؟ ويحصل من الأمهات بل من الإباء الشفقة على أولادهم في البرد الشديد، في الظلام، مع السهر والتعب، يعني الآن إذا نُبه الطفل الصغير ابن سبع ابن ثمان ابن عشر لصلاة الفجر وهو سهران كل الليل مع الناس، نام قبل الفجر بنصف ساعة بساعة، يعني إلزامه بصلاة الجماعة فيه مشقة كبيرة، لكنه من تمام الأمر، الأب مأمور بأن يأمر ابنه بالصلاة، لكن هو شأنه أخف من شأن الكبير، لكن من تمام امتثال الأمر أن يؤدي هذه الصلاة على أكمل وجه، ومن متطلبات هذه الصلاة أداؤها في جماعة، ولذا قال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة عليه لم يطعها، طيب لو خشيت على الولد مثلاً، ونحن لا نفترض أن المسألة مسألة كهرب والليل أفضل من النهار وأجسر من النهار، لا افترض المسألة لأن الدين بأول الزمان وآخره، ما في كهرب ظلام، دفعت الولد وراء الباب وصكت دونه الباب وقالت: روح صل مع الجماعة، طيب يخاف الولد تأثم وإلا ما تأثم؟ نعم إذا كان الطريق مخوف تأثم، لكن لا تبعثها الشفقة عليه بأن تمنعه مع أمن الطريق وسلامته والقدرة على الذهاب إلى المسجد والرجوع من دون ضرر، يعني الآن بعض الآباء يقول: الولد يصلي في البيت إلا إذا كنت موجود، لماذا؟ يقول: لو طلع مع الباب حتى في النهار تلقفوه الشباب، ولا هم مأمونين، بل يوجد من منع أولاده من الحضور إلى حلقات التحفيظ لهذا السبب، يقول: وهو رايح إلى الحلقة يمسكونه الشباب شباب الجيران وعندهم قنوات ودشوش وما أدري إيش؟ ما أنا بملزمه، نحصل مستحب ونفرط في واجب، بل نرتكب محرم، وإذا خرج بيروح به إلى البقالة يمين ويسار، أو يدخل عند فلان وعلان، خله في البيت إن حفظ في البيت وإلا بكيفه، هذه حجة يقول بها كثير من الناس، لكن أيضاً لا تفرط بأمر أن مطالب به شرعاً، تربيته تربية حسنة، الصلاة مع الجماعة، حفظ قرآن، تعلم علم، يا أخي ابذل الأسباب لأن يصل إليه الخير مع عدم ارتكاب أدنى محظور.
عفا الله عنك.(7/6)
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)).(7/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني أبا هريرة صحابي الحديث السابق -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) أثقل الصلاة على المنافقين وأثقل هذه أفعل تفضيل، ويدل على أن الصلوات كلها ثقيلة بالنسبة للمنافقين {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ} [(142) سورة النساء] نعم الصلاة ثقيلة على المنافقين، لكن ماذا عن المسلم الذي يرى نفسه ثقيلة أو تتثاقل أو تتبرم بقرب الصلاة ودنو وحضور فعلها ووقتها؟ بل بجميع العبادات، أولاً: في الحديث أن الجنة حفت بالمكاره، يعني بما تكرهه النفوس ومنها الصلاة، فما معنى كون الصلاة ثقيلة على المنافقين، والجنة حفت بالمكاره، إذاً المسلم يتبرم من فعل ما يقربه ويوصله إلى الجنة، يعني ما يحس كل شخص، أو عموم المسلمين أنهم إذا كانوا في مكان مريح أو مبسوطين، ثم أقيمت الصلاة يدرك الإنسان من نفسه جهاد، تحتاج النفس إلى جهاد، وهنا في الحديث صلاة العشاء وصلاة الفجر، تصور نفسك في صلاة الفجر في الشتاء برد شديد، وأنت دفيان تحت الغطيان تحس بثقل وإلا ما تحس بثقل؟ عموم المسلمين يحسون؛ لأن هذا مما حفت به الجنة من المكاره، وقل مثل هذا في الصيف الليل قصير، والجو طاب الآن للنوم، فالمسألة تحتاج إلى جهاد، فما معنى تخصيص المنافقين بالثقل هذا؟ يعني لأن المفترض في المسلم أن يكون لا شك أنه في بداية الأمر يحتاج إلى جهاد، على كل عبادة يحتاج إلى جهاد، لكن بعد هذا الجهاد يصل المسلم إلى حد يتلذذ فيه بالعبادة، هذا المفترض بالمسلم، أما إذا استمر طول عمره متثاقل لسان حاله يقول: أريحونا من الصلاة بدلاً من أن يقول كقول محمد -عليه الصلاة والسلام-: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) يعني المفترض بالمسلم لا شك أنها مكاره في أول الأمر، حفت بالمكاره، وخلاف ما تشتهيه النفوس وتهواه، لكن عليه أن يجاهد نفسه حتى يتلذذ بالعبادة، وأهل العلم يختلفون في الأفضل، أيهما أفضل الذي يؤدي العبادة مع نوع من المشقة أم الذي يؤدي العبادة وهو متلذذ بها؟ فرح بها، منهم من يقول: الذي هي ثقيلة عليه أفضل؛ لأنه مع(7/8)
فعلها يحصل له أجر المجاهدة، يحصل له أجر الفعل مع أجر المجاهدة، والأكثر على أن المتلذذ أفضل؛ لأنه ما وصل إلى مرحلة التلذذ إلا بعد انتهاء المجاهدة، فأجر المجاهدة حصل له وانتهى، وأي جهاد أعظم من جهاد النفس حتى تذل وتنقاد للعبودية التي من أجلها خلق الإنسان، يعني بعض الناس شوف بعض من منّ الله عليه بالتلذذ بالعبادة ويشوف إن جاء إلى المسجد وجده، وإن خرج من المسجد وجده باقي، إن حذفه المسير إلى المسجد ناسي شيء وجد فلان، يا أخي هؤلاء أليست لهم مطالب مثل مطالبك؟ أليس ورائهم أسر؟ أليس لهم مطالب أسرية وضغوط اجتماعية مثلك؟ لكنهم جاهدوا وتلذذوا بالبقاء في المسجد، والمسجد بيت كل تقي.
وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجد
المسجد لا شك أنه بيت الله، وهو أحب البقاع إلى الله، كون الإنسان يجاهد نفسه حتى يقرها وتنساق وتنقاد إلى أن تتلذذ بالبقاء في المسجد، هذا لا شك أنه بلغ أعلى مرتبة من مراتب الجهاد، يعني جهاد النفس، أما الذي يحس بالثقل عند أداء أي عبادة من العبادات لا شك أن الصيام في الحر الشديد ثقيل على كثير من المسلمين، قيام الليل مع قصره، مع عدم توافر هذه الأسباب المريحة، أو مع طول الليل وشدة البرد، يعني لا شك أنه ثقيل على النفس، لكن إن جاهد نفسه ووصل إلى مرحلة يتلذذ فيها بالعبادة لا شك أنه أكمل بكثير، أما من لم تحصل له هذه النتيجة، نتيجة التلذذ، واستمر عمره كله يجاهد هو مأجور -إن شاء الله- على الجهاد، لكن لا يؤدي الصلاة وهو متبرم منها، بحيث لو لم يره أحد ما صلى هذا يكون من المنافقين {يُرَآؤُونَ النَّاسَ} [(142) سورة النساء] يكون من المنافقين، أما لو كان ثقيلة عليه لأنها من المكاره وهو مصلي مصلي، رآه أحد أو ما رآه هذا مسلم، فهذا الفرق بين المسلم والمنافق، يشتركان في شيء، ينفرد المسلم المؤمن كامل الإيمان عن المنافق بدون أدنى مشابهة، والمسلم قد يكون فيه شبه في التثاقل، لكنه ينفرد عن المنافق بأنه مصلي مصلي، رآه أحد أو لم يره أحد، مؤدي للصلاة بخلاف المنافق الذي يرائي الناس.(7/9)
((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) صلاة العشاء معروف أنها تعقب الأعمال والأتعاب والكد، وتقع في ظلام بحيث يأمن من رؤية الناس، وصلاة الفجر كذلك؛ لأنها تقع في آخر الليل بعد أن يطيب الجو في الصيف، ويدفأ الإنسان في الشتاء، لا شك أنها ثقيلة.
((ولو يعلمون ما فيهما)) لو يعلم المنافقون ما في هاتين الصلاتين، ما فيهما من الأجر والثواب ((لأتوهما ولو حبواً)) يعني على اليدين والركبتين ((ولقد هممت)) الواو هذه واو القسم، واللام موطئة لقسم محذوف تقديره: والله لقد هممت، (لقد) هذه حرف تحقيق، واللام موطئة لقسم محذوف، و (قد) حرف تحقيق و (هممت) الهم مرتبة من مراتب القصد، مراتب القصد خمسة: الخاطر والهاجس حديث النفس الهم العزم.
مراتب القصد خمس خاطر ذكروا ... يليه هم فعزم كلها رفعت
فهاجس فحديث النفس فاستمعا ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا
يعني الهم والعزم، عندنا الهم ما بعده من المراتب إلا العزم، ولا يلي العزم إلا التنفيذ، أما ما قبله من الهاجس والخاطر هذه مجرد تعرض وتزول للنفس وتنقضي بسرعة، حديث النفس الذي يتردد ويتكرر من غير هم مع فعل هذا معفو عنه، ما لم يتكلم الإنسان أو يعمل، الهم درجة بعد ذلك، مرتبة متقدمة بالنسبة إلى المخلوقين حتى لو هم بالأمر ما يؤاخذ عليه، لكن إذا عزم عليه يؤاخذ، كلها رفعت يعني رفع الأثر المترتب عليها، إلا الأخير الذي هو العزم، ففيه الإثم قد وقعا ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)) قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه)) عازم على قتل صاحبه، والهم النبي لا يهم عموماً، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، ومن هنا اكتسب الشرعية، واكتسب الحجية، كونه -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، إذاً يجوز له أن يحرق على المتخلفين بيوتهم، يجوز له ذلك، فإذا جاز له ذلك لا بد أنهم لأنهم تركوا أمراً عظيماً واجباً، إذ لا يحرق من يترك السنة.(7/10)
((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام)) الآن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يريد أن يصلي وإلا ما يصلي؟ وإلا الآن كيف بيحرق عليهم بيوتهم بالنار وبيترك الصلاة؟ بيخلي ناس يصلون ويروح يحرق البيوت، نقول: نعم هذا مفسدة وتفوت، فالذي يفوت يقدم، يعني لو قدر أن إنساناً رأى شخصاً يدخل بيتاً وهو في طريقه إلى المسجد والشخص مريب، يريد أن يسرق، يريد أن يزني، يريد أن يقتل، هذا الشخص مريب، هل تسعى في تخليص أهل هذا البيت من شر هذا الصائل، أو تروح تصلي الجماعة وترجع وتقول: ما علي منه؟ أو إن رجعت ولقيته وإلا بكيفه؟ لا، يلزمك أن تنكر المنكر؛ لأنه يفوت فتقدمه على الصلاة، الذي يفوت يقدم، لكن المحروم محروم، شخص بقي على الصلاة ربع ساعة، فجاءه شخص يريد إعلان إسلامه، يريد أن يسلم على يديه، قال له: الآن باقي على الصلاة ربع ساعة إذا صلينا تجي، محروم، وش اللي يمنعه؟ تلقنه الشهادة وتعلمه الوضوء ويجي يصلي معك، وتكسب أجره، ما الذي حصل في هذه القصة؟ حصل أنه خرج من عنده وفي تبادل إطلاق نار وقتل، وما أعلن الشهادة، يعني الأمور التي تفوت لا بد من تقديمها، فالمنكر الذي يفوت يقدم ولو كان على واجب؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.(7/11)
((ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس)) يعني بدله -عليه الصلاة والسلام- ((ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة)) هؤلاء القوم هل لهم ارتباط بمن ذكر في أول الحديث؟ أثقل الصلاة على المنافقين، أو هم قوم آخرون من المسلمين لكنهم لا يصلون مع الجماعة؟ يتخلفون عن الجماعة ((فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) منهم من قال بأن آخر الحديث مرتبط بأوله، وهذا تهديد للمنافقين، المنافقون النبي -عليه الصلاة والسلام- عنده علم بكثير من أخبارهم، وكثير من أعلامهم، وقد نطق بعضهم بكلمة الكفر، وتصرف ببعض التصرفات المكفرة مع علمه -عليه الصلاة والسلام- وإعراضه عنهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- معرض عن المنافقين وعن عقوبتهم لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، إذاً هؤلاء القوم الذين لا يشهدون الصلاة من المسلمين ((فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) طيب ما حرق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، هل فيه دليل؟ هم وترك، يعني تركه نسخ أو بين سبب الترك في رواية أخرى؟ ((ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار)) والحديث من أقوى أدلة القائلين بوجوب صلاة الجماعة؛ لأنه لا يحرق إلا على ترك واجب، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) قال: فقال بلال بن عبد الله: والله لمنعهن، قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: والله لمنعهن؟! وفي لفظ: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(7/12)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استأذنت أحدكم امرأته)) وفي حكم هذا إذا استأذنت البنت أباها، الزوجة تستأذن الزوج، والبنت تستأذن الأب، وعلى كل حال من استأذنته موليته على الخروج إلى الصلاة في المسجد فلا يمنعها؛ لأنه جاء في الحديث في آخره: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) شوف المناسبة بين .. ، ما قال: لا تمنعوا النساء مساجد الله؛ لأن في تنافر، النساء من شأنهن القرار في البيت {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] لكن التعبير بلفظ الإماء، إماء الله، هو يقابل في الذكور عباد الله، ولفظ العبودية له ارتباط كبير بالمسجد، فالأمة والعبد هذا بالنسبة للذكر، وهذا بالنسبة للأنثى العبودية لها ارتباط بالمسجد، فقال: ((لا تمنعوا نساءكم المساجد)) الأصل أن النساء مطالبات بالقرار في البيوت، هذه مناسبة اختيار إماء الله؛ لأن إماء الله معبدات مذللات لله -جل وعلا-، والمسجد هو مكان العبودية ((إذا استأذنت أحدكم امرأته)) لماذا قدم المفعول؟ وهل يجوز تقديم الفاعل في مثل هذا السياق؟ إذا استأذنت امرأته أحدكم؟ لا يجوز، لماذا؟ حتى لا يعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، امرأته هذا مشتمل على ضمير يعود على الأحد، فإذا قدمنا الفاعل امرأته عاد إلى الأحد، والأحد متأخر في اللفظ، ومتأخر في الرتبة؛ لأنه مفعول، والمفعول مرتبته متأخرة عن الفاعل، ولفظه متأخر ممنوع، لكن قدم المفعول لئلا يعود الضمير على متأخر في اللفظ وإن كان متأخراً في الرتبة "وشاع نحو خاف ربه عمر" لماذا؟ لأن الضمير يعود على متأخر في اللفظ لكنه متقدم في الرتبة فاعل عمر "وشذ نحو زان نوره الشجر" لأنه مثل ما عندنا يعود الضمير على متأخر لفظه ورتبته.
((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) هل المقصود ذات المسجد أو الصلاة مع الجماعة؟ يعني لو الساعة تسع أو الساعة سبع قال: أنا اطلع على الدوام، قالت: وأنا طالعة المسجد، إيش تقول؟
طالب:. . . . . . . . .(7/13)
((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) أو المقصود الصلاة في المسجد مع الجماعة؟ هذا الأصل؛ لأنه لو قال: أنا اطلع للدوام الساعة سبع، قالت: أنا باطلع إلى المسجد، والرسول يقول: ((لا تمنعوا)) له أن يمنع وإلا لا؟ له أن يمنع، وإذا وجدت الفتنة إذا خشيت الفتنة له أن يمنع في أي وقت؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، هذا مقرر شرعاً، فلا يمعنها، هناك شروط لا بد من اعتبارها ((وليخرجن تفلات)) يعني غير متزينات ولا متطيبات، والمرأة لا يجوز لها أن تتطيب إذا أرادت الخروج من بيتها، فإن تطيبت وخرجت جاء النص بأنها زانية، نسأل الله السلامة والعافية، فلا يجوز لها أن تخرج متطيبة، كما أنه لا يجوز لها أن تبدي شيئاً من زينتها، تقدم أنهن يخرجن متلفعات بمروطهن، أكسية غليظة المروط، ما هي بأكسية ناعمة، وتبين ما تحتها، وتشف عما وراءها، لا.(7/14)
"فقال بلال بن عبد الله" بن عمر، في بعض الروايات عند مسلم: واقد بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر عنده أولاد منهم بلال، ومنهم واقد "فقال بلال بن عبد الله: والله لمنعهن" يعني كأن الباعث لبلال بن عبد الله الغيرة، وكأنه يعيش في ظرف كثر فيه التبرج، كثر فيه التساهل، يعني بعض الظروف أحياناً تملي على الإنسان أن ينطق بكلام لا يحسب له حساب، يعني من رأى كثرة التبرج في أقدس البقاع، ثم قالت واحدة: والله نبي نروح نأخذ عمرة، وأقسم عليها ألا تخرج، ما تطلع، لكثرة ما رأى، يعني يتصرف من خلال حرقة يراها في أقدس البقاع، هنا يقول ابن عمر: فلا يمنعها، فقال بلال بن عبد الله: والله لمنعهن، هذا دافعه إيش؟ لا شك أنه الغيرة، لكن الغيرة التي تصادم بها النصوص ليست شرعية، لا بد أن تكون هذه الغيرة مقننة بالنصوص الشرعية، ولذا قال: "فأقبل عليه عبد الله -يعني أباه عبد الله بن عمر- فسبه سباً سيئاً" سباً شديداً، قسا عليه "ما سمعت سبه مثله قط" يمكن ولا سب أحد مثله قط، لماذا؟ لأن كلامه فيه مصادمة للنص، فيه معارضة لكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما لك كلام خلاص، قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، عليك أن ترضى وتسلم، جاءك نص من الكتاب والسنة عليك أن تسلم، يقول ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله وتقولون: قال أبو بكر وعمر! يعني تعارض النصوص بمثل قول أبي بكر وعمر، وهما اللذان قد أمرنا بالاقتداء بهما، لكن لا تعارض بهم النصوص المرفوعة، ويوجد من يتصدى لإفتاء الناس ويقول: الرسول يقول، أو في البخاري حديث: ((لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) يقول: لا يا أخي هذا علامات الضعف عليه ظاهرة، الواقع يرده، كيف يرده؟ يقول: يا أخي غاندي حكمت الهنود في وقتها سبعمائة مليون ونجحت، وتاتشر حكمت الانجليز ونجحت، وجلد مايير رئيسة وزراء إسرائيل هزمت العرب كلهم، شوف أفلحوا، يعني بمثل هذا ترد النصوص؟! ويوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله تقولون:(7/15)
قال أبو بكر وعمر، كيف مثل هذا؟ ومع الأسف أن هذا له شأن ويفتي، وحمل راية الدعوة سنين، لكن بمثل هذا نتعامل مع النصوص؟! مثل هذا ضلال في الفهم.(7/16)
"فأقبل عليه عبد الله فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط" يعني قد يقال: إن ابن عمر حصل عنده من الغيرة على السنة أكثر مما حصل عند ابنه من الغيرة على محارمه "وقال: أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: والله لمنعهن؟! " الآن مع الأسف الشديد أنه يوجد يروج بعض من أصيب بلوثات عقلية يدعون أنهم عقلانيين، قد أصيبوا بلوثات عقلية، وتأثروا بما يمليه عليهم أعداؤهم، يعرضون النصوص على عقولهم، فالنصوص عربية، ونحن عرب ونفهم، ولنا فهم ولا أحد يقف في وجوهنا، يعني فهم يخالف فهم سلف الأمة وأئمتها، وتقول: نحن نفهم العربية، والله ما تفهم من العربية شيء، يعني إذا تركت الحرية لأمثال هؤلاء يتكلمون كيفما شاءوا، إذاً لماذا جاء النهي عن تفسير القرآن بالرأي والتشديد في ذلك؟ وتورع الأئمة الكبار حفاظ الإسلام تورعوا عن تفسير غريب السنة؛ لأنك تجزم بأن هذا هو مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذه اللفظة، وتفسير الغريب تفسير كلام النبي على ما يقول أهل العلم: جدير بالتحري، حري بالتوقي؛ لأنك تحكم على النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذا مراده، كما منعت من التفسير بالرأي تفسير القرآن أيضاً تمنع من أن تفسر كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- برأيك، وهل يترك المجال لأن يفسر برأيه من يفهم ويقدم الحقائق العرفية السائدة في بلده، أو بين عشيرته على ما جاء عن نبي الله -جل وعلا- في تفسير القرآن، وعن صحابته الكرام، الذين عاصروا التنزيل وعايشوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، شخص يقال له: لا يجوز لك أن تجبر ابنتك على الزواج من شخص لا تريده، قال: لماذا؟ يستدل بالقرآن، يقول الله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [(33) سورة النور] إلى أن قال: {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(33) سورة النور] يقول: أنا أريد هذه المغفرة والرحمة، تقول: ما تبغيه إلا تبغينه، هذا يفهم النصوص؟! هل هذا عقل يتعامل مع ما قال الله وقال رسوله ويقول: فهومنا مثل فهومهم؟! يعني في حديث: ((أردت أو كدت أنهى عن الغيلة -التي هي الإرضاع وقت الحمل-(7/17)
فإذا فارس والروم يغيلون ولا يتضرر أولادهم بذلك)) يرضعون وقت الحمل ولا يتضرر أولادهم بذلك، ويكتب في الصحف من يقول: إن النصوص الشرعية مزيج إفادات من الأمم الأخرى والحضارات السابقة، هذا كُتب في الصحف، هل هذا كلام صحيح؟ الدين والنصوص لجميع من على وجه الأرض بما في ذلك فارس والروم، فإذا كان العرب وهم أقل الناس في ذلك الوقت يتضررون بمثل هذا والأمم الأخرى لا تتضرر هل يصدر النبي -عليه الصلاة والسلام- نص يشمل الأمة كلها وأكثر الناس ما يتضرر؟ ما يصدر نص؛ لأن الشرع ليس للعرب وحدهم، أو لأهل هذه البيئة وحدها، أو لأهل نجد، أو لأهل الحجاز، لا، لمن على جميع وجه الأرض، فإذا كان أكثر الناس لا يتضرر بهذا فلا يصدر نص يمنع، وهذا يقول: لا، الرسول استفاد فارس والروم استفاد منهم هذا، سبحان الله! وتعارض النصوص بمثل هذه الترهات! من أهل العلم من يرى أن بعد أن أحدث النساء ما أحدثن للأولياء المنع، ومنعهن ليس معارضة للنص، وإنما هو لدرء المفاسد، ومنهم من يرى أنه يسمح للكبار والعجائز دون الشواب، لكن يبقى أن الحكم الشرعي الأصل الجواز، لكن كون فلانة تمنع لأنها كذا، أو علانة تمنع هذا شيء آخر، يبقى أن الحكم الشرعي الجواز، وأن المرأة لا تمنع إذا أرادت أن تخرج، لكن إذا أوجس الإنسان خيفة أو ريبة أو خرجت على وضع غير مرضي قال لها: لا، لا، أبداً، ولا يكون مصادمة للنص أبداً، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وفي لفظ: فأما المغرب والعشاء والجمعة ففي بيته.
وفي لفظ: أن ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر.
وفي لفظ لمسلم: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(7/18)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فذكر الرواتب "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في الرواية الأخرى: "حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" علاقة الحديث بصلاة الجماعة، باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها، الحديث في صلاة التطوع، والترتيب عند أهل العلم أن صلاة التطوع في آخر كتاب الصلاة، فإن كان المؤلف -رحمه الله تعالى- لحظ قوله: "مع" وأنه يسن التجميع في النوافل فله وجه، لكن الرواية الأخرى: "حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات" والجماعة لا شك أنها للفرائض، هذا الأصل، للفرائض، وجاء في صلوات هي نوافل عند أهل العلم، مثل صلاة الكسوف، صلاة الليل، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ببعض أصحابه وصلى معه ابن عباس جماعة، فالتجميع في النوافل ما لم يكن ديدن وعادة لا بأس به، أما من كان ديدنه لا يصلي نافلة إلا جماعة هذا يخرج من حيز السنة إلى الابتداع، لكن لو صلى نافلة مرة أو مرات معدودة بحيث لا يكون عادة ولا ديدن، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها" وجاء في الحديث الصحيح حديث أم المؤمنين: أربع ركعات قبل الظهر، وهنا ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، والعدد الأقل يدخل في الأكثر، فالأفضل أن يصلي قبل الظهر أربع ركعات يفصل بينهن بسلام، أربع ركعات يعني بسلامين، أربع ركعات قبل الظهر، وهنا يقول: ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها، راتبة الظهر القبلية أربع، والبعدية ركعتين، لكن إذا فاتت الراتبة القبلية متى يصليها؟ دخلت والصلاة مقامة، وأنت ما تسننت، ما صليت الراتبة، وصليت مع الجماعة، وسلمت مع الإمام متى تقضي الراتبة القبلية أو نقول: سنة فات محلها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(7/19)
تقضى مباشرة قبل البعدية أو بعدها؟ أنت الآن صليت، عليك ست ركعات ثلاث تسليمات، أربع القبلية واثنتان البعدية، المقرر عند أهل العلم أنك تصلي تؤدي بعد الصلاة مباشرة الراتبة البعدية، ثم تقضي الراتبة القبلية، لماذا؟ لأن الراتبة القبلية مقضية مقضية هي قضاء؛ لأن وقتها قبل الصلاة، لكن لو صليتها قضيتها بعد الصلاة كانت الصلاة البعدية أيضاً قضاء؛ لأن الأصل أنها بعد الصلاة مباشرة، وتكمل بها الصلاة، فإذا أخرتها حتى تقضي الراتبة القبلية صار الكل قضاء، فأهل العلم يقررون أنك تصلي الركعتين اللتين بعد الصلاة مباشرة، ثم بعد ذلك تقضي ما فاتك، هذه الرواتب التي هي قبل الصلوات وبعدها، من فائدتها أن الإنسان إذا جاء إلى الفريضة من أعماله وأشغاله وأتعابه لا زال القلب مرتبط بدنياه، فإذا قدم بين يدي صلاته الفريضة ما يقربه إلى الله -جل وعلا- من التنفل، ويكون سبباً في غفلته ونسيانه لأمور الدنيا لا شك أنه سوف يقبل على الفريضة؛ لأن المقصود بالدرجة الأولى الفريضة، خمس صلوات كتبهن الله على أحدكم في اليوم والليلة، فإذا صلى الإنسان ما كتب له قبل الفريضة لا شك أنه يتهيأ لأن يقبل على فريضته بقلبه، بخلاف ما لو صلى الفريضة من دون فاصل بينه وبين أعمال الدنيا، والقلب القاسي والميت ما فيه حيلة لو يبتلي يقرأ لو يبتلي يصلي ما فيه حلية، الغافل غافل، لكن يحرص الإنسان على أن يحصل لب الصلاة وهو الخشوع والإقبال على الله -جل وعلا-.
"وركعتين بعدها" مشروعية الركعتين بعد الفرائض بعد الصلوات من أجل التكميل؛ لأنه أول ما ينظر في المرء في صلاته، كان يصلي الفرائض بها ونعمت، إذا كان هذه الفرائض على الوجه المرضي لا بأس، لكن إذا أديت على شيء من الخلل يقال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ لأن التطوع يكمل به الفرض.(7/20)
"وركعتين بعدها، وركعتين بعد الجمعة" وجاء في الجمعة أربع ركعات بعد الجمعة من حديث عائشة، هذا حديث ابن عمر ركعتين، حتى من حديثها أيضاً جاء أربع ركعات بعد الجمعة، وأهل العلم يحملون الركعتين بعد الجمعة إذا كانت في البيت، والأربع إذا كانت في المسجد، لتتفق النصوص، ومنهم من يقول: إن الجمعة يصلى بعدها ست ركعات، تُضم هاتان الركعتان والأربع، ومنهم من يقول: أربع فقط؛ لأن الثنتين تدخل في الأربع، كما أدخلنا الركعتين هنا قبل الظهر في الأربع.
وعلى كل حال إن صلى في المسجد يصلي أربعاً، وإن صلى في البيت يصلي ركعتين، وإن زاد فأجره على الله "وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب" طيب العصر؟ العصر ليس لها راتبة لا قبلية ولا بعدية، لكن من صلى قبل العصر أربعاً جاء الحث على ذلك ((رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً)) والحديث لا يسلم، لكنه يصلح للاستدلال في مثل هذا الموضع، لكنها ليست راتبة، يعني من النوافل المطلقة، ولا راتبة بعد العصر؛ لأنه وقت نهي، بعد المغرب ركعتان، وقبلهما نفل مطلق ((صلوا قبل المغرب)) ثم قال: ((لمن شاء)) من أراد أن يصلي قبل المغرب له أن يصلي، وأما الركعتان بعد المغرب فهما الراتبة، وركعتين بعد العشاء، هذه هي الراتبة، الراتبة بعد العشاء، وهي غير قيام الليل، غير التهجد غير الوتر "وفي لفظ: فأما المغرب والعشاء والفجر والجمعة ففي بيته" والأصل أن الصلاة في البيت أفضل إلا المكتوبة، لكن هناك صلوات لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- التنفل فيها في البيت منها ما ذكر.(7/21)
"وفي لفظ للبخاري: أن ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر" هاتان هما الركعتان راتبة الفجر، وهما خير من الدنيا وما فيها كما سيأتي، وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أشد تعاهداً وحرصاً على ركعتي الفجر والوتر، بحيث كان لا يتركهما سفراً ولا حضراً "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي سجدتين خفيفتين" سجدتين يراد بالسجدة الركعة، سجدتين يعني ركعتين، وجاء في الحديث: ((من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) قال الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، جاء في النصوص إطلاق السجود وإرادة الركوع، {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركعاً، ما يمكن الدخول سجداً، طيب جاء إطلاق الركوع وإرادة السجود، من يذكر؟ "خر راكعاً" يعني ساجداً، المقصود أن هنا يسجد سجدتين خفيفتين، يعني يركع ركعتين خفيفتين، هذه صفة راتبة الصبح، حتى كانت عائشة تقول: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ فصفة هاتين الركعتين التخفيف.
"بعد ما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها" لأنه يصلي هاتين الركعتين، ويضطجع بعدهما، السنة الاضطجاع بعد الركعتين في الصبح حتى يؤذنه بلال.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر" وفي لفظ لمسلم: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".(7/22)
قد يقول قائل: هاتان الركعتان تؤديان في دقيقتين، والإنسان يكدح طول عمره ما حصّل مليون، والدنيا فيها المليارات، نعم هي خير من الدنيا وما فيها، يعني عند الله -جل وعلا-، الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافر منها شربة ما، لكن هل يقدر المسلمون قدر الدنيا وقدر الآخرة؟ الذي يلهث وراء الدنيا ليل نهار، وينشغل عن الواجبات، ويقطع الأرحام، ويرتكب المحرمات من أجل الكسب، كسب الحطام هل هذا عرف حقيقة الدنيا؟ كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، ومع ذلك يبني القصور الشاهقة، ويمتلك الأموال، ويقطع الأرحام، ويرتكب محرمات وموبقات من أجل الحطام، ويبخل بالأركان، يبخل بالزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، هل هذا عرف حقيقة الدنيا؟ الذي عرف حقيقة الدنيا بالفعل سعيد بن المسيب، جاءه مندوب الخليفة يخطب ابنته لابنه، هذا السفير مندوب الخليفة يقول: جاءتك الدنيا يا سعيد بحذافيرها، ابن الخليفة يريد بنتك، ماذا كان جواب سعيد؟ قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا عسى أن يقص لي الخليفة من هذا الجناح؟ صحيح وش بيعطيه من هذا الجناح؟ لكن الله المستعان حال المسلمين، وواقع المسلمين، ولسان الحال يقول بأعلى الصوت: أدنى شيء من الدنيا في عرف كثير من الناس أفضل من الآخرة، يعني وإن لم يقلها بلسانه، هذا فعل كثير من الناس، يعني لغط الناس، وصخبهم ولهثهم وراء هذه الدنيا يؤكد هذا، لكن على الإنسان وإن اعتنى بدنياه، وكان على خلاف الأصل، خلاف الهدف الشرعي من وجوده وهو تحقيق العبودية، إذا نسي دينه فلا ينسى ما أوجب الله عليه، ولا يجوز له بحال أن يرتكب ما حرم الله عليه، وما عدا ذلك الأمر فيه سهل -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(7/23)
هذا يقول: ذكر ابن دقيق العيد في شرحه للعمدة عند حديث ابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- في فضل صلاة الجماعة قاعدة، وهي أن ما رتب على مجموع لم يلزم حصوله في بعض ذلك المجموع إلا إذا دل الدليل على إلغاء بعض ذلك المجموع، وعدم اعتباره، فيكون وجوده كعدمه، ويبقى ما عداه معتبراً، ولا يلزم أن يترتب الحكم على بعضه، يقول: أرجو توضيح هذه القاعدة.
هذا في العلل المنصوصة المركبة، أما العلل المستنبطة التي يستنبطها أهل العلم فهذه لا شك أن لها أثراً، لكن الحكم لا يدور معها وجوداً وعدماً إلا مع العلل المنصوصة، فإذا كانت العلة المنصوصة مركبة من أمرين فإن الحكم لا يتم إلا باجتماع الأمرين، مثال ذلك، جاء النهي عن أكل الثوم والبصل لمن أراد أن يصلي مع الجماعة في المسجد ((فلا يقربن مسجدنا)) وجاء النص على أن الملائكة تتأذى بما يتأذى به الإنسان، فهذه علل، وكان يأمر بإخراجه من المسجد ((فلا يقربن مسجدنا)) فتكون العلة مركبة، المنع من ذلك إنما يكون لمن أراد أن يصلي في المسجد، ويتأذى به الناس، فإذا أراد أن يصلي جماعة خارج المسجد هذا جزء العلة، من يصلي معه يتأذى، لكنه خارج المسجد، والمسجد علة منصوصة، وإذا أراد أن يصلي في المسجد ولا يوجد من يتأذى به هذا جزء العلة، لا يقوم بمفرده بالمنع، على كل حال إذا تركبت العلة المنصوصة المؤثرة في الحكم من أكثر من جزء تكون ذات أجزاء، فإن جزء العلة لا يستقل بالحكم، فإذا انتفى هذا الجزء وبقي جزء آخر لا يستقل بالحكم.(7/24)
وهنا يقول في فضل صلاة الجماعة: قاعدة أن ما رتب على مجموع لم يلزم حصوله في ذلك المجموع إلا إذا دل الدليل على إلغاء بعض ذلك المجموع وعدم اعتباره، فيكون وجوده كعدمه، ويبقى ما عداه معتبراً، يعني لو جاء عرضاً التنصيص على وصف له أثر، والتنصيص على وصف أخر لا أثر له، فإذا دل الدليل على أن هذا الوصف لا أثر له فإنه لا يؤثر في الحكم، كالذي جامع امرأته في نهار رمضان، الذي جامع امرأته في نهار رمضان لو جاء في وصفه أنه أعرابي، أو جاء في وصفه أنه شاب أو شيخ أو أبيض أو أصفر أو أسود أو غير ذلك من الأوصاف التي لا يعتبرها الشرع من الفروق بين المكلفين، فبعض الأوصاف ترد لبيان حقيقة الحال، ولا تؤثر في الحكم؛ لأن من الأوصاف أوصاف مؤثرة ومن الأوصاف ما هو غير مؤثر في الحكم، ودل على ذلك النصوص والقواعد العامة.(7/25)
الأسئلة كثيرة جداً، لكن سؤالاً تكرر وهو أن شخصاً أنشأ العمرة من هنا، وذهب عن طريق المدينة، ولم يحرم من الميقات من ذي الحليفة، تجاوز الميقات إلى ينبع، وجلس في ينبع أيام، ثم أحرم من رابغ مثلاً، أو له عمل أو مناسبة في جدة، أراد أن يقدمها على العمرة، ويرى أنه من غير المناسب أن يحضر هذه المناسبة وهو محرم، فقال: يؤخر الإحرام، هذا الذي ذهب إلى ينبع أو إلى جدة هل يلزمه الرجوع إلى الميقات الذي مر به وهو ذو الحليفة، أو يكفي أن يحرم من أقرب ميقات له مر به بعد ذلك الميقات؟ جمهور العلماء على أنه لا بد أن يرجع إلى الميقات الذي تجاوزه، فإن لم يرجع إليه لزمه دم؛ لأنه أتى على هذا الميقات ومر به وتجاوزه، فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلن، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: إذا أحرم من أي ميقات معتبر يكفيه ذلك، بمعنى أنه لما صار في ينبع ثم مر برابغ وهو بديل عن الجحفة، أو ذهب إلى السيل وأحرم منه يكفيه على رأي الإمام مالك، وهو ميقات معتبر محدد شرعاً، لا سيما إذا كان هو ميقاته الأصلي، فأهل نجد ميقاتهم السيل، فتجاوز أبيار علي، وتجاوز ذي الحليفة، وأنهى عمله في جدة، ورجع إلى السيل هذا لا إشكال فيه؛ لأنه هو ميقاته الأصلي، ويدخل دخولاً أولياً في قول مالك، ويكون له وجه حينئذٍ، وجه وجيه يسقط عنه الدم؛ لأنه قال: ((هن لهن)) هذه المواقيت لأهل تلك الجهات، فهو ميقات محدد له شرعاً يجزيه الإحرام منه، الجملة الثانية تتناول إحرامه من ذي الحليفة، أو من الجحفة أو من غيرهما من المواقيت التي ليست له أصلاً، ليست لأهل جهته، وإنما مر به.
يقول: ذكرتم أن الصلاة في البيت جماعة لا تجوز، فما توجيه القول الذي يقول: إن الصلاة في المسجد فرض كفاية.
عرفنا أن الجماعة عند الشافعية فرض كفاية، لكن النصوص الدالة على وجوب إجابة المؤذن ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب)) ولو كانت الصلاة في البيت تكفي ما قال له: "أجب" الأمر الثاني: أنه كما قال ابن مسعود حيث ينادى بها، يعني في المسجد، فمن سمع النداء يلزمه الصلاة في المسجد إلا من عذر.(7/26)
يقول: شرح ابن الملقن للعمدة المسمى بالإعلام بفوائد عمدة الأحكام، معروف هذا شرح كبير مطبوع، يقول: هل ثبت أن الحافظ ابن حجر والعيني ينقلان منه كثيراً دون عزو؟ وهل هذا إخلال بالأمانة العلمية؟
هما وغيرهما ينقلان، وجرت العادة عند المتقدمين أنهم لا يهتمون بالعزو كثيراً، لا سيما إذا كان الكلام لا يستقل به المنقول عنه، بمعنى أن شخصاً حرر مسألة، وخرج برأي يتفرد به، وبفهم فتح الله عليه به هذا يعزونه إلى صاحبه، أما الكلام العادي الذي يوجد عند فلان وغيره هذا لا يتحرون الدقة في عزوه، وعلى كل حال الأمور بمقاصدها، من أراد أن ينقل من كتب الناس يتكثر بهذا النقل، ويوهم القارئ أنه من تحريره، هذا لا شك أنه خادش للنية والقصد، ومخل بالأمانة العلمية، ويقول أهل العلم: إن من بركة العلم إضافة القول إلى قائله.
يقول: هل هناك من جمع اختيارات ابن حجر في الفتح؟ هل يمكن ذلك؟
اختيارات ابن حجر في فتح الباري متعددة الجوانب، وبحاجة إلى أن تبرز، وأظن في دراسات حول الفتح، دراسات فقهية، ودراسات حديثية، لكن لا يمنع أن يعتني طالب العلم بهذا الكتاب، أو بكتاب معين يجعله محوراً ينطلق منه ويجمع، وهذه طريقة ووسيلة من وسائل التحصيل، إذا رأى ابن حجر اختار هذه المسألة في علوم الحديث، أو في علل الحديث، أو في أي فن من فنون العلم ودونها وبحث عنها في الكتب الأخرى يستفيد فائدة كبرى -إن شاء الله-.
يقول: إذا مشيت إلى المسجد خمسين خطوة هل ترفع عني خمسين درجة وتحط عنه خمسين خطيئة؟
نعم -إن شاء الله-، هذا إذا توافرت الأوصاف الموجودة في الحديث.
هذا يطلب درس ثابت أسبوعي.
لكن الدرس الثابت فيه مشقة.
الأسئلة متداخلة يغني بعضها عن بعض.
يقول: هل هناك أدلة على وجوب صلاة الجماعة من الكتاب؟
ذكرنا الآية التي يذكرها أهل العلم، لا سيما من كتبوا في آيات الأحكام، الذين يعنون بالأحكام يفصلون في الجماعة، وصلاة الجماعة عند قوله -جل وعلا-: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] وأيضاً {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء] إلى أخره في صلاة الخوف.(7/27)
هذا يسأل عن الدليل الصريح الصحيح في منع الحائض من قراءة القرآن مع أن البخاري ضعف الرواية في ذلك وابن عبد البر وغيرهما كما تعلمون، ما الدليل من الحديث الصحيح على منع الحائض من قراءة القرآن؟
هاه؟ من يذكر دليل؟
{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] قد يقول لك قائل: هذا في المس، تريد أن تقرأ عن ظهر قلب، تقرأ غيب.
نعم حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن ورأسه في حجرها وهي حائض، استنبط منه أهل العلم أن الحائض لا تقرأ القرآن، ولو كانت تقرأ القرآن لما احتاجت إلى هذا التنصيص، قد لا يستوعبه كثير من السامعين لأول مرة، لكن إذا دقق في الحديث وجد أن الاستنباط صحيح، لماذا نصت عائشة -رضي الله عنها- على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن ورأسه في حجرها وهي حائض؟ يعني لو كانت الحائض نفسها تقرأ القرآن فهل يحتاج إلى التنصيص بأن القرب من الحائض لا أثر له في قراءة القرآن؟ هل يحتاج إلى التنصيص على مثل هذا؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب الأذان
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب الأذان(7/28)
الباب تقدم تعريفه في الأصل، ما يدخل ويخرج منه، حقيقته العرفية عند أهل العلم ما يضم فصولاً ومسائل في الغالب، وهنا ما يضم أحاديث يجمعها وصف واحد، والأذان مصدر، وإن شئت فقل: اسم مصدر، أذن يؤذن تأذيناً وأذاناً، كما تقول: كلم يكلم تكليماً وكلاماً، وهو في الأصل الإعلام {وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [(3) سورة التوبة] يعني إعلام، وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة أو بقربه، هذا الأذان، وهل هو من متعلقات الوقت أو من متعلقات الصلاة نفسها؟ إذا قلنا: إنه الإعلام بدخول وقت الصلاة هل معنى هذا أنه إذا نسي أن يؤذن في أول الوقت أو نام عن الصلاة حتى خرج الوقت أو كاد يؤذن أو لا يؤذن؟ إذا قلنا: إنه من أجل الوقت كما يدل عليه الحد –التعريف- قلنا: خلاص انتهى الوقت فلا يؤذن لها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أذن للفائتة صلاة الصبح، وأذن للمجموعة في عرفة، في مزدلفة، الحكم واحد فيما إذا وصل في أول الوقت أو في آخره، يعني من وصل إلى جمع في منتصف الليل يؤذن أو لا يؤذن؟ يؤذن، من نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس وخرج الوقت، أذن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو إعلام بدخول الوقت، وهو من متطلبات الصلاة، فالإعلام بدخول الوقت من أجل الصلاة.(7/29)
والأذان إذا تأملنا في جمله من التكبير في أوله والاعتراف والإقرار بالشهادتين، والدعاء إلى الصلاة بلفظها، وبما تحتويه من فلاح، وتكرار هذا التكبير، ثم الختم بكلمة التوحيد كلمة الإخلاص، وجدناه مشتمل على مسائل الاعتقاد وتعظيم الله -جل وعلا-، والاعتراف له والإذعان والشهادة بصدق نبوته -عليه الصلاة والسلام-، ففيه إثبات للتوحيد، ونفي للشرك بالألفاظ، وأصل المشروعية إنما هي من أجل اجتماع الناس للصلاة، وفي أول الأمر ما كان عندهم شيء إنما يتحينون الصلاة فيجتمعون، فجاءت الاقتراحات، أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يوجد شيء يجمعهم للصلاة، فاقترح بعضهم أن يتخذ ناقوس مثل ناقوس النصارى، قال بعضهم: بوق مثل بوق اليهود، رفض النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن المشابهة ممنوعة، قال بعضهم: نتخذ ناراً، قال: ذاك للمجوس، ولم يتفقوا على شيء، فرأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه في المنام قال: طاف بي وأنا نائم رجل أو طائف بيده ناقوس فقلت له: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تريد به؟ قلت: نجمع عليه الناس للصلاة، قال: ألا أدلك على خير من ذلك، تقول: الله أكبر، الله أكبر ... إلى آخره، وعلمه الأذان، بتربيع التكبير من غير ترجيع، هذا أذان عبد الله بن زيد بن عبد ربه، فلما أصبح قص الرؤيا على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ألقه على بلال)) ثم جاء عمر وبين أنه رأى هذه الرؤيا، المقصود أنها رؤيا حق، اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، هذا ابتداء مشروعية التأذين للصلاة، يقول في الحديث:(7/30)
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة" الآمر هو النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الصحابي إذا قال: أمرنا أو نهينا لا يتصور أن يسند الأمر والنهي لا سيما في المسائل الشرعية إلى غير من له الأمر والنهي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو مرفوع، وإن أدعى فريق من أهل العلم أنه لا يكون مرفوعاً حتى يصرح بالآمر والناهي، لكن من يتصور أن يأمر بلال بشفع الأذان وإيتار الإقامة غير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ إذا أطلق الأمر لا ينصرف إلا إلى من له الأمر والنهي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال ذلك بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قول الصحابي من السنة أو ... بعد النبي قاله بأعصرِ
نحو أمرنا حكمه الرفع ولو ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ
منهم من قال: لا يعتبر مرفوعاً حتى يصرح بالآمر لاحتمال أن يكون الأمر من غيره، أمرهم أبو بكر، أمرهم عمر، أمرهم من تولى أمرهم، لكن المرجح عند عامة أهل العلم هو القول الأول، إذا صرح الصحابي بالآمر أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة فهذا لا خلاف في كونه مرفوعاً، لكن هل الصيغة صيغة أمر ونهي؟ هل هي في القوة بمنزلة أفعل، اشفع يا بلال الأذان، وأوتر الإقامة؟ الجمهور نعم بمنزلتها، ولفظ الأمر يغني عن صيغته، ويقوم مقامه، فقول عائشة: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، بمنزلة قوله -عليه الصلاة والسلام-، كما جاء في بعض الروايات: ((أنزلوا الناس منازلهم)) لا فرق، وخالف في هذا بعض من شذ، وقال: لا يكون ملزماً، ولا يدل على الأمر والنهي حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأن الصحابي قد يسمع كلاماً يظنه أمراً أو نهياً، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، هذا إذا قال الصحابي، لكن إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) أو ((نهيت عن قتل المصلين)) فالآمر والناهي هو الله -عز وجل-، ولا يختلف في ذلك.(7/31)
"أمر بلال أن يشفع الأذان" فتكون جمله شفعاً، بمعنى أن كل جملة من جمله تكون شفعاً، فالتكبير أربع، والشهادة اثنتان واثنتان، والدعاء إلى الصلاة اثنتان واثنتان، ثم التكبير في النهاية وفي الآخير اثنتان، وختم بلا إله إلا الله واحد، فيكون قوله: أمر بلال بأن يشفع الأذان يعني جمل الأذان أغلبي؛ لأن كلمة التوحيد في النهاية واحدة، يكون أغلبياً.
"ويوتر الإقامة" الإقامة جملها وتر، على واحدة واحدة، طيب ماذا عن التكبير في أولها؟ جاء الاستثناء في الإقامة لفظ الإقامة، ويوتر الإقامة إلا الإقامة، يعني إلا لفظ الإقامة، قد قامت الصلاة فإنه يكرر، وما عدا ذلك يبقى على الأصل وتر، لماذا لم يستثن التكبير في أول الإقامة أو هو واحدة؟ التكبير في الإقامة واحدة وإلا اثنتين؟ إذا أقام المؤذن، الآن الإقامة شفع وإلا وتر؟ عرفنا أن الأذان كله شفع ما عدا كلمة التوحيد بآخره، فيكون أغلبي، طيب الإقامة في أولها الله أكبر الله أكبر، وفيها قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، وفي آخرها الله أكبر الله أكبر، صحيح وإلا لا؟ الإقامة مستثناة، لفظ الإقامة مستثنى، قد قامت الصلاة إلا الإقامة جاء استثناؤها، فماذا عن التكبير في أول الأذان وفي آخره؟ لماذا لم يستثن مثل لفظ الإقامة؟ باعتبار الأذان على النصف من الأذان.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .(7/32)
يعني كان الأذان في الأول اثنتين، يعني على النصف، طيب وفي الأخير؟ يعني هذا مما يرجح به قول من يقول: إن جملتي التكبير تؤدى بنفس واحد، فيقال: الله أكبر الله أكبر، فتكون كالجملة الواحدة، ويستدل بذلك بحديث الإجابة إجابة المؤذن، فإذا قال المؤذن كما في الصحيح: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، بينما في الشهادتين، قال: فإذا قال: أشهد أن لا إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فيكون تربيع التكبير في أوله كالجملتين، وتثنية التكبير في الإقامة كالجملة الواحدة، ويبقى أنه إذا جمع لفظ التكبير في أول الأذان فإنه لا يجمع في آخره ليطرد القول؛ لأنه إذا جمع في آخره وقلنا في أوله: كالجملة الواحدة لا بد أن نقول في آخره: كالجملة الواحدة، وحينئذٍ يكون التكبير واحد، ونحتاج إلى أخراجه من العموم، واضح أو ما هو بواضح؟ يحتاج إلى إعادة أو ما يحتاج؟ طيب أمر بلال الأمر للوجوب، وهو تابع لحكم الأذان في الجملة، حكمه على الخلاف بين أهل العلم، والمتقرر أنه واجب على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط على الباقين، وهو الدعاء للجماعة، والجماعة يكفيهم مؤذن واحد، وإن جعل أكثر من مؤذن فعلى التناوب كما سيأتي، فالمرجح أن الأذان فرض كفاية، ومن أهل العلم من يرى أنه سنة، وعلى كونه فرض كفاية لا أثر له في الصلاة، بمعنى أنهم لو لم يؤذنوا وصلوا صلاتهم صحيحة؛ لأن التفريط بأمر خارج عن الصلاة، والأذان توقيفي لا تجوز الزيادة فيه ولا النقصان، وإذا أراد المؤذن أن يأتي بأي ذكر فلينتقل عن مكانه، ويسمع من بعض المؤذنين بعض الأذكار قبل البداية وإذا انتهى، وهو في مكانه على نفس المستوى مستوى الصوت، وهذا لا شك أنه يدخل في الإحداث، إحداث قدر زائد على العبادة المحددة شرعاً، فإذا أراد أن يذكر الله -جل وعلا- ينتقل من مكانه، ويذكره بما شاء، وأصل الأذان الدعاء إلى الصلاة، ولو أن المؤذن إذا انتهى من أذانه دعا الناس إلى الصلاة قال: صلوا رحمكم الله، في مكانه في المنارة أو بالمكبر أو بغيره نقول: هذا لا يجوز، الأذان ألفاظ محددة شرعاً لا تجوز الزيادة عليها ولا النقصان منها إلا في حدود ما جاء الشرع بالزيادة فيه والنقصان، في التكبير هل(7/33)
هو تربيع أو تثنية؟ في الترجيع هل يعود إلى الشهادتين بعد أن يؤديهما بلفظ منخفض يرفع الصوت بهما، هذا جاء به النص، فمن فعل هذا فقد أحسن، لكن اللفظ الذي لم يرد به نص لا تجوز الزيادة فيه، لا تجوز زيادته ألبتة، فالشهادة لغير النبي -عليه الصلاة والسلام- بالولاية أو بالفضل أو بالعلم بدعة، كما يقال: أشهد أن علياً ولي الله هذه بدعة، ومثله زيادة: حي على خير العمل، الصلاة خير العمل الكلام صحيح، لكن الزيادة في الأذان بدعة.
عفا الله عنك.
وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في قبة له حمراء من أدم، قال: فخرج بلال بوَضوء فمن ناضح ونائل، قال: فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضأ وأذن بلال، قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يقول يمنياً وشمالاً: حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم ركزت له عنزة فتقدم فصلى الظهر ركعتين، ثم صلى العصر ركعتين، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة.(7/34)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في قبة له حمراء" قبة خيمة من جلد "من أدم، قال: فخرج بلال بوَضوء" يعني ماء يتوضأ به، فالوَضوء هو الماء الذي يتوضأ به، والوُضوء بالضم هو فعل المكلف، هذه العبادة المعروفة "بوضوء فمن ناضح ونائل" يعني بعضهم يحصل من هذا الوضوء ما ينضح به أعضاء الوضوء، ومنهم من لا يحصل له ذلك، حتى ينال من وضوء صاحبه، أو مما أخذه من صاحبه "قال: فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه حلة حمراء" الحلة مركبة من ثوبين إزار ورداء، يعني من قطعتين "حمراء" النصوص تدل على المنع من لبس الأحمر، لكن هذه الحلة وصفت بما غلب عليها، وهو اللون الأحمر الذي يخالطه خطوط من لون آخر كما قال أهل العلم، ويطلق عليها حمراء باعتبار أن اللون يغلب على غيره، فالشماغ مثلاً يقال له: أحمر، وهو نصفه أحمر ونصفه أبيض؛ لأن الأحمر غالب من الألوان الغالبة، فلا يجوز لبس الأحمر الخالص بالنسبة للرجال، لكن إذا خالطه غيره فلا بأس، لو وجد شماغ أحمر خالص لا يجوز لبسه للرجال، مع أن البياض أفضل منه ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم)) البياض أفضل من الحمرة، لكن أهل العلم يقولون: إن اللباس عرفي، إذا تعارف الناس على لباس لا نص يدل على منعه فلا بأس به، وإذا تواطأ الناس عليه وخرج عنه أحد خرج عن العرف يذم بذلك؛ لأن الألبسة عرفية عند أهل العلم، فلا يقال: لماذا المشايخ وطلاب العلم يلبسون شماغ ولا يلبسون غتر؟ نقول: نعم البياض في الأصل أفضل، لكن لو تواطأ الناس على الشماغ قلنا: هو أفضل من البياض؛ لأن اللباس عرفي، والخروج عنه خروج عن الأعراف، قادح في المروءة عند أهل العلم، ومما ترد به الشهادة، على كل حال الأحمر الخالص جاء النهي عنه، ومنهم من يحمل النهي على الكراهة، ويقول: إن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- صارف للنهي من التحريم إلى الكراهة، لكن المقرر عند الجمهور أن هذا ليس بأحمر خالص.(7/35)
"كأني أنظر إلى بياض ساقيه" وهذا لأن إزاره -عليه الصلاة والسلام- لا يصل إلى حد الكعبين، فأزرة المؤمن إلى نصف الساق "كأني أنظر إلى بياض ساقيه" ويجوز أن يرخى الإزار إلى الكعب، ولا يجوز بحال أن ينزل عن الكعب ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) ولو كان من غير خيلاء، أما إذا كان جر الإزار مع الخيلاء فالأمر أعظم، مجرد إرخاء الإزار تحت الكعب، فما أسفل من الكعبين فهو في النار، والمراد صاحبه، صاحب الإزار، كما في قوله: ((وكل ضلالة في النار)) يعني صاحبها، وإلا بالإمكان أن يقول قائل: ما دام الإزار في النار بكيفه؟ لا، المراد صاحبه، فمجرد إنزال الإزار عن الكعبين في النار حرام، وإذا صحب ذلك الخيلاء زاد الإثم، لا ينظر الله إليه، نسأل الله السلامة والعافية، وإذا قيل: لماذا لا يحمل المطلق على المقيد فيكون جره من غير خيلاء لا شيء فيه؟ نقول: لا يا أخي إذا اختلف الحكم فلا يحمل المطلق على المقيد، أما لو اتحد الحكم حمل المطلق على المقيد ولو اختلف السبب، هذه مسألة تحتاج إلى شيء من البسط والتفصيل والبسط، يكفي هذا -إن شاء الله-.
"كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فتوضأ -عليه الصلاة والسلام-، وأذن بلال" يقول أبو جحيفة: "فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا يميناً وشمالاً: حي على الصلاة حي على الفلاح" أتتبع فاه ها هنا وها هنا يميناً وشمالاً، يلتفت يميناً إذا قال: حي على الصلاة، وشمالاً إذا قال: حي على الفلاح، لكن هل يلتفت يميناً في حي على الصلاة الجملتين كلاهما عن جهة اليمين، أو إحداهما عن جهة اليمين والثانية عن جهة الشمال، وحي على الفلاح كذلك يميناً وشمالاً؟ ....(7/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (4)
الشيخ: عبد الكريم الخضير(8/1)
لكن هل يلتفت يميناً في حي على الصلاة في الجملتين؟ كلاهما عن جهة اليمين أو إحداهما عن جهة اليمين والثانية عن جهة الشمال وحي على الفلاح كذلك يميناً وشمالاً؟ يعني قوله: "يميناً وشمالاً" ينصرف إلى كل جملة جملة أو إلى الجملتين معاً، بمعنى أنه يقول مرة: حي على الصلاة يميناً ثم حي على الفلاح شمالاً، ثم يعود إلى حي على الفلاح يميناً والأخرى شمالاً، أو يقول الجملتين: حي على الفلاح يميناً، وحي على الصلاة شمالاً؟ اللفظ يحتمل، النص يحتمل، وبكل من الاحتمالين قال جمع من أهل العلم، يعني لو قال: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح امتثل، ولو قال: حي على الصلاة مرتين كلاهما عن جهة اليمين، وحي على الفلاح مرتين إلى جهة الشمال امتثل؛ لأن اللفظ محتمل، وقال بكل من الاحتمالين طائفة من أهل العلم، الالتفات فائدته تبليغ أهل الجهاد؛ لأن الصوت يكون إلى الجهة التي يلتفت إليها أقوى، فإذا كان المؤذن إلى جهة الأمام فصوته لا شك أنه يضعف بالنسبة لجهة اليمين والشمال، فضلاً عن الخلف، لكن إذا التفت يميناً وشمالاً وبلغ هؤلاء وبلغ هؤلاء هذه حكمة ظاهرة لهذا الالتفات، المؤذن إذا كان على المنارة وبدون آلة يتجه مثل هذا الكلام، لكن إذا كان كما هو وضع المؤذنين الآن في المسجد، داخل المسجد، وقد يكون في غرفة في داخل المسجد، وعنده الآلة فالالتفات يميناً وشمالاً يضعف الصوت لا يقوي الصوت، فهل نقول: إن الحكم يدور مع علته فلا يلتفت المؤذن لا يميناً ولا شمالاً؟ لأن الفائدة من الالتفات زيادة الصوت وزيادة التبليغ، فإذا التفت بالنسبة للمكبر ضعف الصوت، وهذا أمر محسوس، إذا التفتت يميناً والمكبر أمامه يضعف الصوت، وإذا التفت شمالاً والمكبر أمامه ضعف الصوت، فهل نقول: إن هذه العلة ارتفعت وارتفع الحكم معها؟ أو نقول: إن هذا الحكم مما شرع لعلة فيبقى الحكم ولو ارتفعت العلة؟ وله نظائر، لما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عمرة القضاء، قال الكفار: يأتي محمد وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأشواط الثلاثة، ومشى بين الركنين؛ لأنهم قالوا هذا يريد أن يغيظهم، الآن هل في أحد يقول: إن مسلمين(8/2)
يأتون وقد وهنتهم الحمى، ارتفعت العلة، فهل ارتفع الحكم معها؟ ارتفع وإلا بقي؟ بقي بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رمل في حجة الوداع وما في أحد، واستوعب الشوط بالرمل، فارتفعت العلة وبقي الحكم، فهل نقول هنا: ارتفعت العلة وبقي الحكم؟ أو نقول: يرتفع الحكم بارتفاع العلة؟ لا سيما وأن ارتفاع العلة ليس هو مجرد ارتفاع، ارتفاع العلة هنا ما هو ضد العلة وهو ضعف الصوت، ارتفاع العلة لزم منه ثبوت ضد العلة وهو خفض الصوت، الحنابلة ينقلون عن الإمام أحمد أنه قال: لا يدور المؤذن إلا إذا كان على منارة يقصد إسماع أهل الجهتين، القصر، قصر الصلاة في السفر إنما شرع لعلة وهو الخوف {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفعت العلة التي هي الخوف، وبقي الحكم معلق بوصف لا بد من تحققه، وهو السفر والضرب في الأرض، ماذا نقول؟ هل المؤذنين يلتفتون وإلا ما يلتفتون؟ الآن الوصف ارتفع، هذه مسألة عملية، وكل بحاجة إليها، فهل نقول للمؤذن: التفت يميناً وشمالاً مهما ترتب على ذلك من أثر؟ أو نقول: العلة ارتفعت ومثل ما قال الإمام أحمد: إذا ما يكون في منارة لا يلتفت؟ يلتفت وإلا ما يلتفت؟ نعم لشيء مأثور وموروث برؤية النبي -عليه الصلاة والسلام- وإقراره في عبادة، من السهل جداً أن نقول: لا يلتفت وبلال يلتفت بين يديه، يعني هل مجرد إسماع من على اليمين ومن على الشمال يستقل بالتعليل أو لا يستقل؟ يمكن هناك علل أخرى، حكم ومصالح أخرى، فإذا كانت العلة مركبة من أجزاء لا يرتفع الحكم إلا بارتفاع جميع الأجزاء، لكن هذه أظهر الوجوه، كونه ما يظهر للناس إلا أنه يريد أن يسمع من على يمينه ومن على شماله، الخلاصة على كل حال إذا أمكن أن يحقق العلة ويطبق الفعل، إذا أمكن تحقيق العلة مع تطبيق الفعل فهذا الأمر لا يرتفع الحكم معه، فإذا كان المؤذن بيده المكبر ويدور به معه، مثل هذا يلتفت يميناً وشمالاً، وأما إذا ترتب عليه ضعف في الصوت فمن اقتدى والتفت يميناً وشمالاً ولو ضعف صوته فهو على الأصل، ومن قال بقول جمع من أهل العلم: إن الحكم يرتفع بارتفاع علته فله ذلك، لكن يبقى أن من اقتدى وتمام(8/3)
الاقتداء إنما يتم بالالتفات، فإذا التفت فقد حقق ما عهد في عصره -عليه الصلاة والسلام-، ولا يلام في ذلك، ولو ضعف صوته، قد يقول قائل: هذه حرفية ظاهرية، وكثير من الأحكام معقولة العلل، والمصالح والمفاسد أمر مقرر في الشرع وفي أحكامه، في أحكام الحكيم الخبير، المصالح والمفاسد مقررة في الشريعة، فالمصالح تطلب والمفاسد تدرأ، والالتفات مصلحة أو مفسدة إذا كان يضعف الصوت؟ إذا كان يقوي الصوت مصلحة، لكن إذا كان يضعف الصوت، والمطلوب من المؤذن رفع الصوت، أن يكون صيتاً ويرفع صوته لدعاء الناس، لا سيما في هاتين الجملتين من الأذان، الناس يعرفون من الأذان أنه أذن من قوله: الله أكبر الله أكبر، يعرفون أنه أذن، ويسمعون التكبير، ويسمعون بقية الجمل، لكن المقصود من الأذان وهو دعوة الغائبين إلى الصلاة يكمن في قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، وعلى كل حال النظر له وجه، فمن امتثل وطبق فهو على الجادة، وهو على الأصل، ولو ضعف صوته، أما من رأى أن الحكم مع هذه العلة واقتدى بمن يقول: إن الحكم يرتفع له ذلك، لا سيما والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقول: لا يدور المؤذن إلا إذا كان على منارة، يقصد إسماع أهل الجهتين، حي على الصلاة حي على الفلاح، (حي) يعني هلموا وتعالوا وأقبلوا إلى الصلاة التي هي أعظم العبادات، ثانية أركان الإسلام، حي على الفلاح بأداء هذه الصلاة، وهو البقاء الدائم والفوز، ولا يوجد كما يقرر أهل العلم كلمة التعبير بكلمة واحدة عن معنى واضح مفهم إلا في الفلاح، ويقولون أيضاً: النصيحة، الفلاح لا تقوم كلمة مقامها، كما أن النصيحة لا توجد كلمة واحدة تعبر عنها، يعني لا يوجد لها ما يرادفها.
"ثم ركزت له عنزة" العنزة يراد منها السترة، وهي عصا في طرفه زج، حديدة محددة، يمكن غرسها في الأرض "ثم ركزت له عنزة" العنزة هذه الحديدة وليست القبيلة كما قال بعضهم: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا، العنزة المراد بها العصا، وفهم بعضهم أن العنزة هي العنزة المعروفة من بهيمة الأنعام، فروى الحديث بالمعنى على حسب فهمه، فقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى شاة وهذا تصحيف.(8/4)
"ثم ركزت له عنزة، فتقدم وصلى" والسترة للصلاة سنة مؤكدة، قال بعضهم بوجوبها لثبوت الأمر بذلك ((إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم)) لكن الصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب كونه -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، يقول الصحابي: يعني إلى غير سترة، فاتخاذ السترة سنة مؤكدة، وقال بعضهم بوجوبها، والقول الأظهر أنها سنة مؤكدة، وفي الحديث: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتازه)) سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"فتقدم وصلى الظهر ركعتين، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة" لأنه في سفر، لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة، على هذا السنة للمسافر القصر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يزل يصلي ويقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا)) " يعني يؤذن قبل دخول الوقت ((فكلوا واشربوا)) لأن الامتناع من الأكل والشرب إنما هو بطلوع الصبح ((فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) ابن أم مكتوم رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت، كما جاء في الروايات الأخرى، فأذان بلال لا يمنع من الأكل والشرب حتى يطلع الصبح بأذان ابن أم مكتوم، وعلى هذا اتخاذ أكثر من مؤذن وكون أحد المؤذنين يؤذن قبل الوقت هذا في صلاة الصبح خاصة عند أهل العلم، والدليل على ذلك هذا الحديث، سياق الحديث يدل على أنه في صلاة الصبح؛ لأن الامتناع من الأكل والشرب إنما يكون في الصبح، بطلوع الصبح.(8/5)
((يؤذن بليل)) ما المسافة أو المدة التي تكون بين أذان هذا وأذان هذا؟ من أهل العلم من يقول: إن له أن يقدم قبل الوقت بعد منتصف الليل، ومنهم من يقول: لا يزيد على مدة السحور، يكون الأذان الأول يوقظ النائم، ولا يمنع من الأكل والشرب، والثاني يمنع الأكل والشرب، ومنهم من يقول كما جاء في بعض الروايات: لم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا، على كل حال الصبح بحاجة إلى أن يكون لها أكثر من مؤذن؛ لأن أكثر الناس نيام، فهم بحاجة إلى تكرار بهذا الأذان، وهل يقوم بهذا التكرار واحد، بمعنى أنه يؤذن مرتين، ليقوم مقام المؤذنين، أو نقول: إن تكرار الأذان بالنسبة للواحد بدعة، والمطلوب أكثر من واحد؟ محل نظر بلا شك، لكن اتخاذ مؤذنين مشروع بهذا الحديث وغيره، لكن هل يؤذن المؤذنون الاثنين أو الثلاثة أو الأربعة في آن واحد في المسجد الواحد؟ كان يُفعل، أين؟ نعم في المسجد النبوي، كانوا يفعلونه دفعة واحدة، يؤذنون جميعاً، لكن هذا لا شك أنه خلاف السنة، فالسنة أن يكون الواحد تلو الآخر، أذان ابن أم مكتوم الذي هو مع طلوع الصبح هو الغاية للأكل والشرب {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [(187) سورة البقرة] نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)).
هذا الحديث: "عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) " وعلى هذا الذي لا يسمع الأذان لا يجيب ولا يتحرى أذان المؤذنين؛ لأن بعض الناس من حرصه على اكتساب الأجر وهو في مكان بحيث يكون وحده في البر يتحرى أذان المؤذنين ويجيبه، نقول له: يا أخي أذن أنت ويحصل لك الأجر العظيم، إذا كنت لا تسمع المؤذن وأنت في البر فأذن، وجاء الترغيب في الأذان في القفار، ويطلب أيضاً رفع الصوت فإنه لا يسمع صوت المؤذن حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة.(8/6)
((إذا سمعتم المؤذن)) هل قال: الأذان أو المؤذن؟ المؤذن فعلى هذا الذي يسمع الأذان من غير مؤذن يجيب وإلا ما يجيب؟ كيف يسمع الأذان من غير مؤذن؟ نعم بالتسجيل، وليس كل أذان في المذياع من غير مؤذن؛ لأنه إذا كان حي على الهواء ينقل من المكان مباشرة فهو مسموع من المؤذن، غاية ما هنالك أن الإذاعة بلغت مثل مكبر الصوت، فتسجيل الأذان وسماعه من المسجل لا يجاب، إنما يجاب إذا سمع المؤذن، سواء كان السمع المباشر تسمعه بقربك منه، أو لكونه نقل إليك بواسطة آلة حي كما هو في الإذاعات أحياناً حياً، وأحياناً مسجلاً، فتفرق بين هذا وهذا.(8/7)
((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) المماثلة من وجوه، أولاً: الموافقة في الجمل، بمعنى أنك لا تزيد عليه ولا تنقص، الأمر الثاني: أن الجملة الشرطية والعطف بالفاء يقتضي أن يكون قولك للجمل بعد فراغه من قولها، كل جملة في وقتها، بحيث لا تتقدم عليه ولا توافقه ولا تتأخر عنه كثيراً، العطف بالفاء أنه إذا قال: الله أكبر تقول: الله أكبر، وجاء في الحديث: ((فإذا قال: الله أكبر الله أكبر)) جمع بين الجملتين ((فقولوا: الله أكبر الله أكبر)) تمام المماثلة، شوف المماثلة ((فقولوا مثل)) يعني هل من تمام المماثلة أن يكون مدك للصوت مثل مده؟ أولاً: رفعك للصوت لا ينبغي أن يكون مثل رفعه؛ لأن المماثلة تقتضي الإتحاد من كل وجه، فهل نقول: إنه لا يتأتى أن نقول مثل ما يقول إلا إذا رفعنا صوتنا مثل رفع صوته، هذا لم يقل به أحد، وإلا لطلب الأذان من كل شخص، لكن المدود مد لفظ الجلالة، مد لفظ: أكبر، هل المماثلة لا تتم إلا بالمد مثل ما يمد؟ أو أنك تقول مثل ما يقول من هذه الجمل تؤديها على أي وجه كان؟ على أي وجه مجزئ، يعني هل المطلوب محاكاة المؤذن في كيفية أدائه لهذه الجمل أو المطلوب أننا نقول هذه الجمل التي يقولها المؤذن؟ لو نظرنا إلى المماثلة (مثل) يعني لما قال في الوضوء: ((من توضأ)) مثل وضوئي وإلا نحو وضوئي؟ نعم؟ نحو وضوئي؛ لأنه لا يمكن أن تتحقق المماثلة من كل وجه، وهنا قال: ((فقولوا مثل ما يقول)) ما قال: قولوا نحو ما يقول، فهل المقصود من المماثلة هنا المطابقة من كل وجه حتى في رفع الصوت حتى في مد الحروف؟ هناك من وجوه المماثلة ما لا يستطاع، وهناك ما دل الشرع على أنه غير مراد مثل رفع الصوت؛ لأنه لا يطلب إلا مؤذن واحد، وإلا صار الناس كلهم مؤذنون لو رفعنا الصوت، بقيت المحاكاة والمماثلة في أداء هذه الجمل من المدود وغيرها، والذي يظهر أن المطلوب إيجاد جمل الأذان التي يقولها، والعطف بالفاء يقتضي عدم التأخير؛ لأن بعض الناس يكون في يده شغل يقرأ مثلاً، وهذا المؤذن يحتاج إلى خمس دقائق، وأنت بإمكانك أن تقول جميع الجمل في دقيقة واحدة، تقول: أستغل هذه الأربع الدقائق وإذا قرب من النهاية أسرد، ما يفعله كثير من الناس، تبي(8/8)
تترك شغلك إذا قال: الله أكبر، هنا كان في مؤذن -رحمة الله عليه- لكنه خلاف السنة بلا شك، يستمر في أذانه أكثر من نصف ساعة، نقول: انتظر تقول مثل ما يقول؟ لا، لا، بعض المؤذنين يستمر خمس دقائق، فهل نقول: اترك ما في يدك من قراءة ومن ذكر ومن عمل حتى ينتهي في خمس دقائق وأنت بإمكانك أن تقول الأذان في دقيقة واحدة؟ مقتضى المماثلة أنك إذا انتهى من الجملة والعطف بالفاء للتعقيب، فإذا قال: الله أكبر الله أكبر فقولوا: الله أكبر الله أكبر، فعلى هذا تترك أي عمل في يدك لئلا تخلط في هذه الجمل أذكار أخرى، فتدخل عليها غيرها، افترض أنك تسبح وإلا تهلل وإلا شيء، تقول: الله أكبر الله أكبر، إذا وقف المؤذن يتنفس تقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، فتدخل أذكار بأذكار محددة فتقع في شيء من المحظور.(8/9)
((فقولوا مثل ما يقول)) يعني الجمل التي يقول قولوها، فإذا قال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله .. إلى آخره، طيب حي على الصلاة، حي على الفلاح، إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: حي على الصلاة؟ نعم؟ مقتضى المماثلة أن نقول: حي على الصلاة حي على الفلاح مثل ما يقول، لكن جاء ما يخصص هذا العموم من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله بدل الحيعلتين، من أهل العلم من يقول: المماثلة مطلوبة، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله هذا الخاص يضاف على ما يقوله المؤذن، لكن من نظر إلى المعنى رأى أن التخصص أوجه؛ لأن الدعوة إلى الصلاة، الجمل كلها أذكار يرتب عليها أجر، لكن كونك تقول بصوت منخفض حي على الصلاة ماذا تستفيد؟ هل هذا ذكر تؤجر عليه؟ هو يقولها ليدعو الغائبين إلى الصلاة، لكن أنت لماذا تقولها؟ جاء بدلها بالنص لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني لا حول لنا ولا قوة لنا في إجابة داعي الله إلا بالله -جل وعلا-، إلا بمعونته وتوفيقه، ولا حول ولا قوة إلا بالله ذكر وإلا ليست ذكر؟ ذكر، وجاء في فضلها أنها كنز من كنوز الجنة، لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، وش تتصور هذا الكنز المطمور المدفون تحت تراب الجنة؟ ترابها المسك الأذفر، إذا كان هذا التراب الذي يداس بالأقدام فكيف بالكنز؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.(8/10)
بعد ذلك يقول إذا انتهى من إجابة المؤذن: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته" وزيادة: "إنك لا تخلف المعياد" مختلف في كونها محفوظة أو شاذة، جاء الحث على الأذان والترغيب فيه، جاء أن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ((ولو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول حتى إذا لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) فالأذان مرغب فيه، وأجره عظيم، وثوابه جزيل، ولا يسمع صوته إلا شهد له يوم القيامة، وجاء في الخبر وإن كان لا يسلم ((من أذن اثنتي عشرة سنة كتبت له براءة من النار)) لكنه حديث تكلم فيه، وعلى كل النصوص الصحيحة الصريحة تغني عنه، والخلاف في المفاضلة بين الأذان والإمامة معروف عند أهل العلم، وجاء في الحديث: ((اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين)) وجاء ((الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن)) وعلى كل حال فيه ثواب عظيم، فعلى الإنسان إذا سنحت له الفرصة أن يؤذن فليحرص على ذلك، نعم.
عفا الله عنك.
باب: استقبال القبلة
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله، وفي رواية: كان يوتر على بعيره، ولمسلم: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، وللبخاري: إلا الفرائض.
باب: استقبال القبلة(8/11)
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، والقبلة إنما هي الكعبة، واستقبالها يكون بالاتجاه إليها {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] شطر المسجد الحرام، والمطلوب الكعبة، فإذا كان الإنسان داخل المسجد لا يجزئه إلا أن يستقبل عين الكعبة، ومن كان خارجه وبعيداً عنه بحيث لا يتمكن من استقبال عينها كفته الجهة عند الجمهور، وقال الشافعية: لا يجزئه إلا استقبال عين الكعبة ولو كان بعيداً عنها، قد يقول قائل: هذا مستحيل، الآلاف الأميال ثم يطلب عين الكعبة، هم يخففون هذا بكون الاستقبال إلى عين الكعبة بغلبة الظن، يعني إذا غلب على ظنه أنه إلى عين الكعبة كفاه ذلك، وعلى كل حال استقبال العين مستحيل لمن بعد، ولو قيل بأنه لا يتأتى لبعض من كان داخل المسجد، من كان داخل المسجد قد لا يتمكن من استقبال أو من رؤية عين الكعبة، لا سيما إذا كان في صفوف متأخرة أو يحول دونه ودونها أبنية وأعمدة يصعب عليه ذلك، لكن على من كان داخل المسجد أن لا يدخل في الصلاة حتى يتأكد أنه إلى عين الكعبة؛ لأنه لا عذر له، العين ممكنة، وإذا أمكنت لم يجزئ غيرها، فليحرص المسلم على ذلك.
يقول: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسبح" الأصل في التسبيح التنزيه، ويكون بقوله: سبحان الله، فهل هذا هو المراد؟ تسبيح كما يطلق على التنزيه بلفظ: سبحان الله، يطلق أيضاً على التنفل، والسبحة هي النافلة، فكان يتنفل -عليه الصلاة والسلام- "على ظهر راحلته" على دابته "حيث كان وجهه" أينما أتجه وجهه "يومئ برأسه" إلى الركوع والسجود، ويكون سجوده أخفض من ركوعه، يصلي حيثما كان وجهه، يومئ برأسه، هذا في النافلة بدليل الرواية اللاحقة: "غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، وللبخاري: إلا الفرائض" الظاهر أنه العكس، للبخاري: "غير أنه لا يصلي على المكتوبة" ولمسلم: "إلا الفرائض" خرج وإلا ما خرج؟
في نسخ مخرجة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب هي في البخاري، والثانية: الفرائض هذه في مسلم، مخرج عندك وإلا؟(8/12)
طالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
أي الجملتين؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كلام المؤلف، لكن هو الواقع وإلا لا؟ مخرج وإلا ما خرج؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
معك نسخة مخرجة وإلا كلام المؤلف؟
أعطني إياها أشوف، وهي أيضاً للبخاري هذه موجودة في الصحيحين، وللبخاري: إلا الفرائض، الذي يغلب على ظني أنها في مسلم أيضاً، لكن تراجع.
"يومئ برأسه" لأنه لا يتمكن من الركوع؛ لأن الركوع لا يكون إلا من قيام، ولا يتمكن من السجود لأنه يشق عليه، ولا يتمكن من أن يسجد على أعضائه السبعة على الدابة.
"وكان ابن عمر يفعله" اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وغيرهم من الصحابة يفعلونه "وفي رواية: كان يوتر على بعيره" في رواية: "غير أنه لا يصلي عليها إلا المكتوبة" يستدل بها الجمهور على أن الوتر ليس بواجب، من أين؟ من المقدمتين المذكورتين، من كونه -عليه الصلاة والسلام- يوتر على البعير، وكان لا يصلي عليها المكتوبة، إذاً الوتر ليس من المكتوبة، إذاً ليس بواجب، جاء ما يقيد هذا في السفر، أنه يصلي على الدابة في السفر، فهل يتطوع من شاء على الدابة وهو في الحضر؟ ترى الشخص في سيارته يمشي في طريق آمن ويصلي نوافل، أو انتقل بعد الصلاة إلى مكان بعيد ويخشى أن يفوت وقت الراتبة فيصليها في السيارة، يعني القيد الذي جاء، التقييد في كونه في السفر هل هو معتبر أو غير معتبر؟ معتبر عند الجمهور، وجاء عن أنس ما يدل عليه الإطلاق، وأنه في السفر والحضر، وأن شأن النافلة موسع فيها، كما أنه يصلي يجوز له أن يصلي وهو جالس من غير علة، مع قدرته على القيام يجوز له أن يصلي وهو على دابته في الحضر، يجوز له ذلك، وإن كان الجمهور يقيدون ذلك في السفر، في السيارات الآن التي يتمكن الإنسان من أداء النافلة اللهم إلا السجود لأنه يترتب عليه الانحراف عن الطريق، أو عدم رؤية من أمامه، إذا كان يقود السيارة يصعب عليه أن يسجد سجود كامل، يومئ، وحكمها حكم الدابة بل أولى، والصلاة في السيارة أيسر من الصلاة في الدابة، وإذا كان يقرأ القرآن وأيضاً مرت به آية سجدة، أيضاً يسجد حسب ما يمكنه من السجود، بالإيماء.(8/13)
"وكان يوتر على بعيره، ولمسلم: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة" بل يلزمه أن يصلي المكتوبة على الأرض بركوعها وسجودها، ولا يتنازل عن شيء من أفعالها من أركانها وواجباتها، اللهم إلا عند الحاجة الشديدة والعذر، ففي حديثه عن ابن مرة في السنن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- انتهى إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من تحتهم -يعني الأرض طين- والمطر ينزل، فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام، ثم تقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على راحلته فصلى بهم يومئ إيماء، يعني كما يفعل في النافلة، فالحاجة إذا دعت إلى ذلك لا مانع أن يصلوا على رواحلهم، وقل مثل هذا إذا كان المسافة بعيدة، وهم في طائرة، أو في باخرة لا يمكنهم النزول، فيصلون على حسب حالهم في الطائرة، أو في الباخرة على أن يؤدوا الصلاة على أكمل وجه ممكن، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما الناس في قباء في صلاة الصبح إذا جاءهم آتٍ، فقال لهم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما هاجر إلى المدينة مكث ستة عشر أو سبعة عشر شهراً يصلي إلى بيت المقدس، وكان يود -عليه الصلاة والسلام- أن تحول القبلة إلى الكعبة {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [(144) سورة البقرة] والصحابة يعرفون هذا أنه كان يرغب أن تحول القبلة، فحولت القبلة إلى الكعبة، فمن بلغه الناسخ عمل به، لا سيما من كان معه في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، منهم من بلغه الخبر بعد فرض واحد في صلاة العصر، فجاء من يخبرهم وهم في صلاتهم أن القبلة قد حولت فاستداروا كما هم، وأما أهل قباء، لم يبلغهم الخبر إلا في صلاة الصبح من الغد، في هذا الحديث يقول:(8/14)
"عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينما الناس في قباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستقبلوها" أولاً: القبلة بالنسبة لمن يصلي على الراحلة قبلته إيش؟ جهته التي يريدها، الجهة حيث كان وجهه، هذه مسألة دقيقة، إذا قلنا: إن قبلة من يصلي على الدابة أو على الراحلة الجهة التي يريدها، الطريق الذي يسير إليه، فماذا عنه إذا انحرف يميناً أو شمالاً على الدابة لأمر طارئ ما كان هو جهته، يصلي على السيارة فاحتاج بقالة لف يمين، احتاج بنزين لف يسار، ماذا يصنع؟ هذه غير جهته التي يريدها، الذي يقول: إن جهة من يصلي على الدابة جهته التي يريدها ويقصدها يقول: إذا انحرف يميناً وإلا شمالاً بطلت صلاته، ومنهم من يقول: إن الأمر أوسع من ذلك ما دام ساغ له أن يفرط بشرط من شروط الصلاة تخفيفاً عليه في الصلاة النافلة لا يضيق بمثلها هذه الحاجات التي تميل به يميناً وشمالاً ما دام ترك جهة القبلة، هذه فائدة نبه عليها بعضهم.(8/15)
يقول: "بينما الناس في قباء" الناس يعني من العام الذي أريد به الخصوص، الناس الذين يصلون في هذا المسجد لا جميع الناس، والعام قد يرد ويراد به العموم، وقد يرد ويكون من العام الذي أريد به الخصوص، وقد يرد ويكون من العام المخصوص، هناك فرق بين العام المخصوص، والعام الذي يراد به الخصوص، هنا من العام الذي يراد به الخصوص، أصل المتكلم ما قصد الناس كلهم {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [(173) سورة آل عمران] كل الناس جاءوا وقالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟! واحد، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] هل جميع الناس جمعوا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا عام أريد به الخصوص، وهنا عام أريد به الخصوص، أما إذا أريد العموم من الأصل ثم دخله المخصصات هذا شيء آخر "بينما الناس بقباء" بالمد والقصر، بالتذكير والتأنيث، بالصرف وعدمه "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذا جاءهم آتٍ" عباد بن بشر "فقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وقد كانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة" القبلة التي كانوا عليها إلى جهة بيت المقدس قطعية وإلا ظنية؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
كانوا عليها، يعني هل هم مترددين في الصلاة إلى بيت المقدس؟ هل يحتمل النقيض صلاتهم إلى بيت المقدس؟ أو أن هذه القبلة التي سمعوا ورأوا النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي إليها؟ إذاً قطعية.
طالب:. . . . . . . . .(8/16)
لا ما أقصد عينها وإلا ما عينها، استقبالهم إلى الجهة إلى بيت المقدس هذا مقطوع به، هم على قبلة مقطوع بها؛ لأنها إما بسماع مباشر من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو رؤية، والعلم الذي يحصل بالحواس قطعي، العلم الحاصل بالحواس قطعي بلا شك، انتقلوا عن هذه الجهة القطعية بخبر واحد، فهل خبر الواحد يفيد العلم القطعي أو يفيد الظن؟ لما انتقلوا من قطع إلى خبر واحد، أولاً: المسألة فيما يفيده خبر الواحد مسألة خلافية، والأكثر على أنه يفيد الظن، لماذا؟ لأن الواحد الثقة أو المجموعة من الثقات إذا لم يبلغوا حد القطع الملزم بالقبول الذي لا يحتمل النقيض مهما بلغوا من الحفظ والضبط والإتقان إلا أن الاحتمال يتطرق إلى خبرهم، يعني مالك وهو نجم السنن حفظ عنه بعض الأخطاء، الصحابة حفظ عن بعضهم بعض الأوهام، وما دام هذا الاحتمال قائم، هذا الاحتمال ما دام قائماً الأكثر يرون أن هذا لا يفيد إلا الظن، لا يفيد العلم القطعي، بمعنى أنه لو قال لك: جاء زيد، شخص واحد، أو اثنين أو ثلاثة، قالوا: جاء زيد هل تحلف أن زيداً قد حضر، أو يحتمل أن هذا القائل رأى شخص يظنه زيداً فبان غيره؟ وهم في خبره، الاحتمال قائم، لكن باعتباره ثقة عدل ضابط لا شك أن غلبة الظن متحققة، حتى تصل في بعض الناس إلى نسبة تسعة وتسعون بالمائة، يصل الأمر في خبر بعض الناس إلى أنه يكون في حكم المشاهَد في القطعية، لثقتك به، لكن مهما بلغ من هذه الثقة إلا أنه لم يصل إلى حد مائة بالمائة لا يحتمل النقيض، هذا قول جمهور أهل العلم، وهو مبني على التفريق في معنى العلم والظن والشك والوهم، هذه درجات المعلوم، فإن كان لا يحتمل النقيض بوجه من الوجوه خبره مطابق صادق مائة بالمائة لا يهم ولا يخطئ أبداً، هذا نقول: يفيد العلم، وهل من الرواة أو من المخبرين من هذه صفته؟ لا يهم أبداً، ولا يخطئ أبداً، فيهم من هذه صفته؟ لا يوجد، إذاً لا يوجد هذا إلا في غير المعصوم الذي خبره قطعي ويقيني، من عداه ما دام الاحتمال قائم فبقدر الاحتمال تنزل نسبته من مائة إلى مائة، تنزل النسبة من مائة بالمائة إلى أن يصل ثقتك ببعض الناس إلى أن يصل وضبطه وإتقانه إلى حد تسعة وتسعين بالمائة، وما دام هذا(8/17)
الاحتمال قائم إذاً خبره لا يفيد العلم القطعي، يفيد غلبة الظن، وينزل بعضهم إلى تسعين إلى ثمانين إلى سبعين، وما زال في دائرة الظن، حسب توافر شروط القبول فيه، هذا القول الذي يقول بأن خبر الواحد لا يفيد في أصله إلا الظن، والقول الآخر وهو قول أهل الظاهر أن حسين الكرابيسي وأهل الظاهر يقولون: إن الخبر يفيد العلم، إيش معنى هذا؟ أن أي شخص يخبرك بخبر يلزمك تصديقه، وهل هذا صحيح؟ هذا ليس بصحيح، يعني يفيد مطلقاً، منهم من يقول: إن أخبار الآحاد لا تفيد العلم مطلقاً، ومنهم من يقول: أخبار الآحاد تفيد العلم مطلقاً، ومنهم من يقول: إن أخبار الآحاد تفيد العلم إذا احتفت بها قرينة، يقول: هذه النسبة التي وجدت، الاحتمال الذي وجد في احتمال النقيض، يعني أنت الآن أخبرك زيد من الناس وهو أصدق الناس عندك، هو أصدق الناس وأحفظهم وأضبطهم، وأخبرك أن زيد قدم، أنت عندك نسبة، ولو واحد بالمائة أنه يخطئ، أترك له مجال يخطئ، ما في أحد ما يترك له مجال يخطئ؛ لأنه ليس بمعصوم، طيب هذا الاحتمال الضعيف إذا وجد قرينة، أنت عندك خبر أن زيد من الناس حجز في الساعة الفلانية وبيجي، نعم احتمال أن الطيارة تفوته، أن حجزه يلغى، احتمالات، لكن هذه قرينة تدلك على أن فلان سوف يحضر في الساعة الفلانية، جاءك أوثق الناس عندك، وقال: رأيت زيد، خلاص انتهى، أفاد العلم مائة بالمائة؛ لأن هذه القرينة التي عندك من قبل صارت في مقابل الاحتمال الضعيف، يقولون: هذه القرينة تجعل خبر الواحد تفيد العلم، وهنا؟ هنا في قرينة تجعل هؤلاء يقبلون خبره، ويقطعون به، وينتقلون بخبره المظنون في الأصل عن قبلة قطعية إلى القبلة الأخرى التي استفادوها من خبره، وإن كان في الأصل لا يفيد إلا الظن، لكن هناك قرائن، منها كون النبي -عليه الصلاة والسلام- كان متشوف إلى تحول القبلة، وموعود بتحويل القبلة، هذه قرينة لقبول خبره، وممن صرح بأن خبر الواحد يفيد العلم إذا احتفت به القرينة ومفهومه أنه لا يفيد العلم إذا لم تحتف به قرينة، ممن صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن رجب وجمع غفير من أهل العلم، وابن رجب في شرح هذا الحديث قرر أن خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بالقرينة، وهنا احتفت(8/18)
به القرينة، كون هذا الرجل يأتي إلى جماعة من الناس رافعاً صوته؛ لأن الشخص الذي يريد أن يكذب أو يلبس ما يشهر كلامه، ويرفع صوته بين الناس، لكن مثل هذا الذي جاء رافعاً صوته: أيها المسلمون أيها الناس ألا أن القبلة قد حولت، ويقبلون خبره، لا شك أن هذه قرينة تدل على صدقه، إضافة إلى أن الأصل في الصحابة الضبط والإتقان والصدق، هؤلاء انتقلوا من قبلة مقطوع بها إلى قبلة احتفت القرينة بخبر المخبر حتى صار خبره مقطوعاً به، فانتقلوا من مقطوع إلى مقطوع، هذا بالنسبة لهم، الأمر الثاني: أن ما صلوه قبل بلوغهم الناسخ صحيح وإلا ليس بصحيح؟ صحيح بدليل أنهم لم يستأنفوا الصلاة، كملوا، نصف الصلاة إلى جهة بيت المقدس، والنصف الثاني إلى الكعبة، فمن عمل بخبر عن الله أو عن رسوله عمل به قبل بلوغه ما ينسخه، أو قبل بلوغه ما يخصه، أو قبل بلوغه ما يقيده فعمله صحيح، لكن لا بد أن يكون من أهل العلم، ما يجي واحد بلغه خبر منسوخ والناسخ مستفيض ومعروف بين العلماء وطلاب العلم وكتب العلم منتشر ومستفيض ويعمل بالمنسوخ، لا، لا بد أن يكون من أهل النظر، أما من لم يكن من أهل النظر ليس له أن يعمل حتى يسأل أهل العلم، يبقى أن مثل هذا العمل بالناسخ أو بالمنسوخ قبل بلوغ الناسخ، العمل بالعام قبل وجود المخصص، والمطلق قبل وجود المقيد، هذا قول جماهير أهل العلم، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، هذا الذي بلغهم، هؤلاء صح أول صلاتهم عملاً بالمنسوخ؛ لأنه لم يبلغهم الناسخ {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [(19) سورة الأنعام] أما من لم يبلغه الخبر فلا يلزمه العمل به.(8/19)
"قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة" كما هم، يعني صار الإمام متقدم والصف الأول هو الصف الأول، والصف الثاني هو الصف الثاني إلا أن الجهة تغيرت، ومثل هذا العمل لمصلحة الصلاة لا يبطلها ولا يفسدها، وعلم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما حصل، وأقرهم على ذلك، طيب هذا خارج الصلاة، ووجههم وتوجهوا، لو أن إنساناً يصلي فأخطأ، شخص جالس وواحد ثاني يصلي جنبه، فجلس هذا الذي يصلي من ركعة، وقال له الجالس: قم يا أخي أنت ما صليت إلا ركعة، يقبل الخبر وإلا ما يقبل؟ أو أخطأ في القراءة ففتح عليه، هذا خارج الصلاة، يقبل خبره؛ لأن هؤلاء قبلوا خبر من ليس معهم في الصلاة، خارج الصلاة، فدل على أن من يخبر المصلي ولو كان خارج الصلاة يقبل خبره، وإن قال بعضهم: إنه لا يقبل الفتح عليه إلا ممن هو معه في الصلاة؛ لأن الذي معه في الصلاة يريد أن يحافظ على صلاة هذا المصلي؛ لأن صلاة هذا المصلي لها أثر في صلاته هو، أما من كان خارج الصلاة قد يفتح عليه وهو غير متأكد؛ لأن صلاته ما تهم، ولا يهمه أنه يزيد ركعة أو ينقص ركعة، فبعضهم يقول: إنه لا يقبل خبره إلا إذا كان معه في صلاته، لكن إذا كان ثقة غير متلاعب ويعرف أنه يقصد مصلحة الصلاة، وحصل عنده تعارض في نفسه، أما إذا كان متيقن من فعله، نعم لا ينتفي القول هذا، إذا شك أورث عنده شك فإنه يعتمد خبره، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أنس بن سيرين -رضي الله عنه- قال: استقبلنا أنساً حين قدم من الشام فلقيناه بعين التمر، ورأيته يصلي على حمار ووجه من ذا الجانب، يعني عن يسار القبلة، فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله لم أفعله.(8/20)
هذا حديث عن أنس بن سيرين، وهو أخ للإمام التابعي الجليل محمد بن سيرين، وأولاد سيرين من الذكور والإناث كلهم ثقات، وهم من سبي عين التمر، يقول: "عن أنس بن سيرين قال: استقبلنا أنساً" يعني ابن مالك "حين قدم من الشام" وفي بعض الروايات: قدم الشام، قدم من الشام خرجوا من البصرة لاستقباله فهو قادم من الشام، في بعض الروايات وهي في الصحيح: قدم الشام، ومن لا بد من اعتبارها؛ لأنه أنشأ السفر من الشام، ومن ابتداء الغاية، وإذا قيل: قدم الشام، يعني قدم الشام، هذا ظاهر اللفظ، لكن يجيزون حذف الحرف إذا لم يحصل لبس {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} [(155) سورة الأعراف] يعني من قومه، إذا لم يحصل لبس جاز الحذف، فلقيناه بعين التمر، فرأيته، عين التمر موضع حصلت فيه واقعة أسر فيها أولاد سيرين وغيرهم، المقصود أنه لو لم يكن من بركتها إلا محمد بن سيرين -رحمه الله تعالى-.
"فرأيته يصلي على حمار ووجه من ذا الجانب" تعني عن يسار القبلة، يصلي على حمار، الحمار جاء في لحمه أنه رجس، وجاء في روثه: أنه رجس، فهل هذا يدل على نجاسته؟ وجاء تحريم لحمه بعد أن كان حلالاً، بعد أن كان طيباً مباحاً، يحل لهم الطيبات، لكنه صار بعد ذلك محرماً، وانتقل من كونه طيباً مباحاً إلى كونه خبيثاً محرماً، فهل مقتضى هذا أن يكون نجساً؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ركب الحمار، وأنس -رضي الله عنه وأرضاه- صلى على الحمار، ويستدل بهذا أهل العلم على طهارة بدن الحمار، ولا سيما إذا كان الوقت حار، أو أجهد الحمار وأثقل بالأحمال سوف يخرج منه العرق، ويستدلون بهذا أيضاً على طهارة عرقه، وكثرة معالجته ومعاشرته تدل على طهارته، إذ لم يرد نص يدل على التوقي منه.(8/21)
"ووجه من ذا الجانب" يعني من غير القبلة على يسار القبلة "فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة" يعني كان انحراف يسير، الانحراف يسير عن جهة القبلة، الأمر سهل، المسألة فيها سعة، وقد جاء في الحديث المخرج في السنن ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) لكن يقول: "رأيتك تصلي لغير القبلة" فدل على أنه ينحرف إلى جهة اليسار إلى الحد الذي هو غير مرضي، يعني إلى حد بحيث يبطل الصلاة لو كانت صلاة استقرار، "رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله ما فعلته" النبي -صلى الله عليه وسلم- تنفل على الدابة، لكنه لا يصلي على الفريضة، وأنس تنفل على الحمار، وصلى على الحمار، وهو محمول على أنها نافلة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي على الدابة المكتوبة، السائل يقول: رأيتك تصلي لغير القبلة، يعني السؤال فيه شيء من الرفق، لو شخص رأى شخص يصلي إلى جهة، وحصل مراراً، يدخل شخص يحضر الدرس يشوف الطلاب أحياناً، بعض الناس يصاب بشيء من رهبة الجموع أو الكثرة أو كذا، ثم يصلي إلى غير القبلة، إيش المناسب في توجيهه؟ هذا حصل مرتين، يصلي إلى جهة الشرق، يدخل يشوف الطلاب والشرح والدنيا يصلي إلى جهة الشرق، هل من المناسب أن يزبر ويزجر أو يعرض عليه الأمر، أنت صليت أتجه قليلاً يا أخي، القبلة إلى جهة اليمين إلى جهة الشمال، الجهة خلفك، وش المانع؟ فيوجه برفق ولين، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن رآه دخل مع الباب وجلس، فقال له: ((هل صليت ركعتين؟ )) ما قال له: قم وصل ركعتين، فالتلطف بالسؤال مطلوب، فأجاب -رضي الله عنه وأرضاه-: "لولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله ما فعلته" لماذا؟ لأن العبادات توقيفة، فليس للإنسان أن يجتهد في العبادات، فالعبادات لا يدخلها القياس، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: ما حكم من جمع التكبيرتين في الأذان ولكن بمد زائد؟(8/22)
الجمع بين التكبيرتين ذكرنا في الأمس أنه قول لجمع من أهل العلم، وله ما يسنده وما يدل عليه، وهذا بيناه، ووضحناه بالأمس، الله أكبر الله أكبر، وأما المد الزائد الذي يولد من الحركات حروف، فهذا قد يبطل الأذان لا سيما في لفظ أكبر، فإذا مدت الباء انقلب المعنى، والأكبار هو الطبل.
هذا يقول: من فاتته الفريضة ثم صلى سبع وعشرين مرة.
إعادة الفريضة بنيتها بدعة، الصلاة الصحيحة المجزئة المسقطة للطلب إعادتها بنية الفريضة بدعة، فلا يشرع أن يعيدها سبع وعشرين مرة، لكن أثر عن بعض السلف أن منهم واحد لا يعرف غيره من صلى سبع وعشرين مرة، عله أراد بذلك كثرة التنفل لينجبر ما فاته بفوات الجماعة.
يقول: ما هو العلم الذي يتعين على كل مسلم ومسلمة تعلمه؟
الذي يلزم تعلمه، والذي يجب على كل مسلم ومسلمة ما يصحح العبادات الواجبة، بحيث يؤدي ما أمر به على سبيل الوجوب على مراد الله -جل وعلا-، يلزمه أن يتعلمه، يتعلم ما يحتاج إليه من الصلاة، من الزكاة إن كان عنده مال من الصيام؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
يقول: أنا شاب حلفت أني ما أفعل شيئاً معيناً في فترة محدودة، لكن نسيت مرة وفعلتها فهل علي شيء؟
إذا حلف أن لا يفعل ما فعل فعليه كفارة يمين.
يقول: تحدثتم عن طلب العلم في الصغر وأنه هو الأفضل، ولكن إذا كان الشخص كبيراً ولديه أسرة وعمل، ولكنه يرغب بطلب العلم فما تنصحونه كيف يبتدئ؟
يبتدئ على الجادة، وإن كان كبيراً إلا أنه بحكم المبتدئ، يبدأ بكتب المبتدئين، ومن سار على الدرب وصل، وجد في ترجمة بعض الحفاظ الكبار من لم يطلب العلم إلا وهو كبير، ومن أبرز الأمثلة ما يذكر في سيرة صالح بن كيسان وهو من كبار الآخذين عن الزهري، وهو من الثقات الحفاظ، أقل ما قيل في سنه وقت الطلب: خمسين، وقيل: تسعين.
يقول: ما حكم نزع الشعر بالليزر، فإذا كان في الظهر مثلاً؟
إذا كان الليزر لا يضر، والشعر مما يجوز أخذه أو يستحب فلا بأس.
ألا يقال: إذا كانت تحية المسجد مجرد سنة فلماذا يحرج الإنسان نفسه بأداء ما فيه شبهة، أنه منهي عنه في وقت النهي؟(8/23)
بالمقابل الذين قالوا وهم جماهير أهل العلم أن تحية المسجد سنة، أيضاً قالوا: إن النهي للكراهة، فالمسألة مقابلة بين سنة وكراهة، وسبقت المسألة بذيولها.
يقول: إذا رضع الطفل الرضاع المحرم من أكثر من امرأة هل تتعدد أمهاته من الرضاعة أم الحق للأولى؟ تتعدد بتعددهن.
يقول: ذكرتم في درس الأمس الإقامة وأنها تشفع، يعني لفظ الإقامة، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، وأنه خرجت بالرواية، وأن يوتر الإقامة، هذا هو الأصل، إلا الإقامة فإنها خرجت بالرواية، وذكرتم التكبير وكيفية إخراجه لكني لم أفهم.
التكبير إذا قلنا: إنه يقرن بين التكبيرتين في الأذان فيقال: الله أكبر الله أكبر، ثم يقال: الله أكبر الله أكبر فيكونان بمثابة جملتين فقط، وإذا قرنا بينهما في الإقامة كانتا بمثابة جملة واحدة وهذا مما يرجح به قرن التكبير.
يقول: مسألة من دخل في أوقات النهي والخلاف فيها، لكن يقول: هل ترجح المسألة -ركيك السؤال- يقول: سنة أو واجبة؟ فعلى من يقول: بالسنية لا يصلي، أما إذا كانت واجبة فيصلي ...
القرائن والصوارف من الوجوب إلى السنية كثيرة جداً.
الأسئلة كثيرة جداً، والوقت ضيق على الكتابين، فلعلنا نقتصر على هذا.
نعم.
بارك الله فيك.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: الصفوف
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)).
وعن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) ولمسلم: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أن قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره فقال: ((عباد الله لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الصفوف(8/24)
والصفوف جمع صف، يقول: "عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((سووا صفوفكم)) " وهذا أمر بالتسوية، والمراد بالتسوية التعديل، تعديل الصفوف عن الاعوجاج، ومن التسوية التراص في هذه الصفوف، بحيث لا يوجد فيها فرج تكون موضعاً للشيطان، فالتسوية تكون بتعديل الصفوف، وكثير من المسلمين هداهم الله لا يهتمون بهذا الأمر، والأمر فيه شديد، كما سيأتي في حديث لاحق ((لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) فالأمر هنا للوجوب، والعلة في ذلك ((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) قد يقول قائل: إن العلة تدل على الاستحباب وقد قيل بذلك، من تمامها، يعني من كمالها، فالتسوية أمر بالنسبة للصلاة كمالي؛ لأنه لا يعود إلى ذاتها ولا إلى شرطها فيكون كمالياً، لكن النص صريح في الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وتمام الشيء بجميع أجزائه، إنما يكون تمام الشيء بفعل جميع أجزائه، من تمام الصلاة قراءة الفاتحة، من تمام الصلاة أن الشيء لا يتم ولا يكمل إلا بصورته المجتمعة، بما في ذلك الأركان والواجبات والسنن، هذا تمامه، تمامه يكون بجميع أجزائه، وأما قول من يقول: إن التمام لا يدل على الوجوب لأن التمام قدر زائد على أصل الشيء فليس الأمر كذلك، السلام من تمام الصلاة، ولا تتم الصلاة إلا بقراءة، ولا تتم الصلاة إلا بركوع، ولا تتم إلا بسجود، وتشهد وسلام وغير ذلك، فلا تتم الصلاة إلا باجتماع أركانها، وتوافر شروطها وأركانها وواجباتها وسننها أيضاً، فالصلاة إنما تتم بهيئتها المجتمعة على الصورة التي رئي النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعرفنا أن من التمام ما هو ركن، ومن التمام ما هو واجب، ومنه ما هو مستحب، فلا يتعين أن يكون قوله في الحديث: ((فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة)) هل الصلاة التي لا يقرأ فيها صلاة تامة؟ ليست بتامة، ناقصة؛ لأن التمام في مقابل النقصان، فالشيء الناقص قد يكون نقصه نقصاً مخلاً، كترك الأركان والواجبات إذا كانت عن عمد، وقد لا يكون مخلاً في المستحبات، فلا يتعين أن يكون التمام في المستحبات، كما يقول من يصرف الوجوب إلى الندب بالعلة؛ لأن العلة تصرف عند أهل(8/25)
العلم العلة تصرف لكن متى تصرف؟ إذا تمحضت للندب، أما هنا ليست خالصة للندب، فالتمام يقابله النقص، فإذا نقص من صلاته واجباً، أخل بصلاته لا سيما إذا كان عن عمد، أما إذا كان عن سهو فيجبر بالسجود على ما سيأتي، ويؤيد القول بالوجوب حديث النعمان بن بشير الذي يليه: -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لتسوون صفوفكم)) اللام لام الأمر، والأمر الأصل فيه الوجوب، وهذا أمر مؤكد، اللام هذه موطئة لقسم محذوف، واللام تكون هذه حينئذٍ للتأكيد، كأنه قال: والله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم، ومخالفة الوجوه تكون بإعراض بعضهم عن بعض، وذلك تابع لمخالفة القلوب، فإذا انصرف بعض المسلمين عن بعض بالوجوه، هذا ناشئ وناتج عن تنافر القلوب، الذي من آثاره التقاطع والتدابر، وكل هذه الأمور محرمة، وما أدى إلى المحرم فهو محرم، فعدم تسوية الصفوف يؤدي إلى هذا المحرم فهي محرمة، وهذا وعيد شديد، لا يظن الإنسان أن هذا أمر سهل، أن يتقاطع المسلمون ويتهاجروا، هذا من عظائم الأمور، والله لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، وجاء النهي عن التقاطع والتدابر والتهاجر، وهذا من أسبابه، ونلاحظ في المساجد الآن قد يكون في هذا المسجد، تكون بعض السواري سبب في تقدم بعض الناس أو تأخرهم عن الصف، والناس في الغالب يتبعون الفرش، فإذا مالت الفرشة يميناً أو شمالاً انحرفوا عن الصف، فعلى الإنسان أن يعنى بهذا عناية تامة؛ لئلا يقع في الوعيد الشديد المذكور في الحديث، وعلى الإمام أن يتعاهد الجماعة، ويسويهم كما يسوي النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه كالقداح، على كل حال هذا الأمر في غاية الأهمية، يرد ها هنا مسألة وهي وضع الخطوط في الفرش من أجل تسوية الصفوف، لا شك أن هذا أمر حادث لم يوجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ولا في عهد سلف هذه الأمة، والقاعدة أن ما وجد سببه في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمكن فعله ولم يفعله يكون بدعة، وهل يمكن إيجاد مثل هذه الخطوط في عهده -عليه الصلاة والسلام-؟ وهل الحاجة الداعية لإيجاد هذه الخطوط في عهده -عليه الصلاة والسلام- مثل الحاجة الداعية إليه في عهدنا؟ أولاً: الحاجة تختلف، من(8/26)
الحاجة الشيء اليسير الخفيف الذي لا يقتضي إحداث، فإذا كان الصف قصير في حدود عشرة رجال يمكن تسويتهم بالراحة؛ لأن هؤلاء ما يحتاجون إلى خطوط، لكن إذا كان الصف يستوعب مائة، وكلكم أدركتم في مصلى العيد قبل وضع الفرش كيف يصلي الناس؟ كأنهم حول الكعبة، دوائر، نحن أدركنا هذا، وتسوية الصفوف واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذا كثرت الجموع كيف يسويها الإمام؟ نعم عليه أن يهتم بذلك، ويعنى بذلك، وينبه الجماعة، لكن كثير من الناس يحتاج إلى تنبيه أكثر من البعض، فهذه الخطوط السبب قائم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، والحاجة موجودة، لكن ليست في قوة الحاجة الداعية إلى الآن، أولاً لاهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصفوف، والأمر الثاني اهتمام الصحابة وامتثالهم أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقصر الصفوف، كل هذا يخفف من الحاجة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، أما في عصرنا فالناس قل الاهتمام عندهم، فإذا وجد من المأمومين من يعاند الإمام، ويتلفظ ببعض الألفاظ إذا طلب منه التسوية فلا شك أن الانصراف والتساهل موجود، فيحتاج الناس إلى ما يعنيهم، وهذا يخفف في حكم هذه الخطوط، فلا يحكم ببدعيتها؛ لأن الحاجة داعية؛ الحاجة ماسة إلى ذلك، كما أن الحاجة داعية إلى وجود ما يكبر الصوت، الناس إذا كثرت الجموع ما يسمعون شيئاً، بل قد تتعرض صلاة بعضهم للبطلان، لا يسمعون تكبير، ولا يسمعون رفع ولا سجود ولا خفض، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك إلى أمر أصله مباح فلا مانع من ذلك -إن شاء الله تعالى- وعلى ضوء مثل هذا الكلام جاءت الفتوى بإيجاد مثل هذه الخطوط، والعمل بها، والخط أيضاً الموجود أمام الحجر الأسود من أجل بداية الطواف ونهايته، الحاجة داعية إلى ذلك، لكن تحقيق هدا الخط في المطاف للمصلحة ظاهر، لكن ترتب عليه مفاسد، وجد زحام شديد، ووجد من يصلي على هذا الخط، فوجد فيه مصلحة ومفسدة، والحكم حسب ما يترجح من هذين، ووجد بناء على فتوى بأن المصلحة ظاهرة، كثير من الناس لا يدري من أين يبدأ الطواف؟ ويسأل سائل يقول: إنه بدأ الطواف من رجل إسماعيل، وين رجل إسماعيل؟ نعم، المقام، بدأ الطواف من رجل ... ، مثل هذا يحتاج إلى ما يعينه على(8/27)
تصحيح عبادته، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة أكبر من هذه المصلحة، فالأصل العدم، ولذا احتمال يعاد فيه النظر، على كل حال مثل هذه الخطوط أمرها -إن شاء الله تعالى- يسير، والمصلحة ظاهرة وراجحة ولا مانع منها، لكن يبقى مسألة زخرفة الفرش وغيره والتصفير والتحمير هذا أمر مكروه جداً، فينبغي العناية به، وأيضاً ما يتعلق بالمساجد من زخرفة مما يلهي ويشغل المصلين أيضاً هذه مسألة تحتاج إلى مزيد عناية، ونرى الأمر يزداد، ومع الأسف أن الذي يشرف على بناء هذه المساجد من طلاب العلم، لكن إذا انتهى المسجد وإذا فيه ما يشغل المصلين، فالكلام النظري ما يكفي، لا بد من التطبيق العملي.
" ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) ولمسلم: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح" يسويها يهتم بها ويعدلها تعديلاً تاماً، بحيث يتحاذى المصلون بالمناكب والأقدام، كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يلزق كعبه بكعب جاره، وهذه مسألة أيضاً فرط الناس فيها، ووجد فيها إفراط ووجد فيها تفريط، لكن الكثير التفريط، تجد بين المصلي وجاره شبر من هنا ومن هنا، وإذا أراد أن يتكايس ليطبق سنة وسع ما بين رجليه، علشان إيش؟ يحاذي ما بين الأقدام، لكن أين المحاذاة بالمناكب؟ مقتضى المحاذاة بالمناكب والأقدام أن لا يشغل المصلي أكثر من حجمه، يعني لا يحل الإشكال أنك تمد رجليك، ما يصلح هذا، الخلل موجود في الصف ولو مديت رجليك؛ لأن المطلوب المحاذاة بالبدن كله من المنكب إلى القدم.(8/28)
"كأنما يساوي بها القداح" واحدها قدح، وهو السهم قبل أن يراش وينصل، يعني قل: مثل المسطرة، القدح مثل المسطرة، وتجد بعض الناس إذا صف رجل إلى جهة الشمال ورجل إلى جهة الجنوب، وتعجب كيف تطاوعه رجله يسوي كذا؟ أبداً، الأصل أن الأصابع إلى جهة القبلة؛ لتكون مثل المسطرة، والصفوف كذلك تكون بالمساواة، لكن قد يقول قائل: إن هذا رجله قصيرة، وهذا رجله طويلة، وهذا ساقه طويلة بتقدم ويتأخر، هذه أمور لا تملك، لكن يحرص الإنسان بقدر ما يستطيع من تطبيق ما يملكه فعليه أن يسوي الصف بالمحاذاة بين المناكب والأقدام، ولا يتقدم ولا يتأخر، قد يكون هذا نحيف وهذا بدين، هذا متقدم إلى الأمام، وهذا متقدم إلى الخلف لأنه بدين، هذا ما هو بيده الأمر، الأمر ليس بيده، لكن عليه أن يسعى في تطبيق ما يملك، حتى رأى أن قد عقلنا عنه، قال: ما نحتاج إلى تنبيه آخر، تصور النبي -عليه الصلاة والسلام- أننا لا نحتاج إلى تنبيه آخر من كثرة ما يسوي هذه الصفوف.(8/29)
"ثم خرج يوماً وقام حتى كاد أن يكبر" أراد أن يشرع في الصلاة يكبر "فرأى رجلاً بادياً صدره" ناتئاً صدره، قد يقول قائل: أنا أحاذي بالمناكب والأقدام ويطلع بطنه، هذا إيش يسوي ذا؟ هذا ما فيه حيلة، يفعل ما أمر به والزائد ما عليه منه "بادياً صدره" صدره إعرابها؟ فاعل لإيش؟ فاعل لاسم الفاعل؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله "فقال: ((عباد الله)) " الأصل يا عباد الله منادى ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) كما جاء في الحديث في الرواية السابقة، الرواية الأولى متفق عليها، والثانية لمسلم، من أفراد مسلم ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) هذا من المتفق عليه؛ لأنه موافق للرواية الأولى، على كل حال تسوية الصفوف واجبة، ويأثم من يكون سبباً في اختلال الصف، ووصل الصفوف واجب، من وصل صفاً وصله الله، لكن بالمقابل قطعه لا يجوز، من قطع الصف قطعه الله لغير حاجة، لكن قد تدعوه الحاجة إلى أن يقطع الصف؛ لأنه لا يتمكن من أداء صلاته على الوجه المطلوب إلا بقطعها، يعني هذا المكان ضيق جداً بحيث لا يتمكن من الخشوع في الصلاة، أو غير مستوي، رجل مرتفعة، ورجل طامنة، مثل هذا ما يستطيع أن يؤدي الصلاة على الوجه المطلوب، فمثل هذا يعفى عنه، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جدته مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته، فأكل منه، ثم قال: ((قوموا فلأصلي لكم)) قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم أنصرف -صلى الله عليه وسلم-.
ولمسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى به وبأمه فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا، اليتيم قيل: هو ضميرة جد حسين بن عبد الله بن ضميرة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جدته" جدة من؟ جدة أنس وإلا جدة إسحاق؟ إذاً ما الداعي إلى ذكر إسحاق؟ الأصل أن يقتصر على الصحابي، هذه الجادة عند أصحاب المختصرات كالمؤلف، إذا ذكر الراوي عن الصحابي فللحاجة إليه، هاه؟
نعم؟(8/30)
القولان معروفان عند أهل العلم، لكن ما ذكر المؤلف التابعي إلا لأن له علاقة في الحديث، وأن الضمير يعود إليه، ولا شك أن مليكة هي زوجة أبي طلحة، فهي جدة لإسحاق، مليكة هذه أم أنس بن مالك اسمها إيش؟ نعم أم سليم، فهل اسمها مليكة؟ لا، على كل حال الخلاف موجود والشراح أطالوا في هذا، والمؤلف ما ذكر التابعي إلا ليرجح أنه هو المقصود، وأن الضمير يعود إليه.(8/31)
"أن جدته مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نأتي إلى السند المؤنن هنا، إذا قلنا: إن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة يروي القصة عن أنس كما هو مقتضى (عن) أن جدته مليكة فهل نقول: إن إسحاق يروي قصة لم يشهدها أو يروي قصة عمن شهدها، وإذا قلنا: إن جدته، وإذا قلنا: إنه يروي القصة عمن شهدها فتكون الجدة جدة أنس، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن جدته، انتبهوا يا الإخوان إلى صيغ الأداة، الآن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، كما قلنا في حديث محمد بن حنفية عن عمار أو أن عماراً مر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، في التفريق بين السند المعنعن والمؤنن، الآن هذه قصة مليكة دعت النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى طعام، فمن الذي يروي هذه القصة؟ هل الذي يرويها أنس وإسحاق يرويها عن أنس كما هو مقتضى (عن)؟ فيروي القصة عمن شهدها، فيكون الكلام كالصريح بأن الجدة جدة أنس، إذا كان يروي القصة عن أنس وهذا ما تقتضيه (عن) الصيغة الصريحة، أيضاً ما كل ما جاء بلفظ (عن) يدل على الرواية، ننتبه لهذا، قد يأتي الراوي بـ (عن) ولا يقصد بها الرواية، مثال ذلك؟ ما جاء عن أبي الأحوص أنه خرج عليه خوارج فقتلوه، هذه رواية عنه أو عن قصته؟ نعم؟ نعم عن قصته وليس طريقها الرواية هذه أبداً؛ لأنه قتل كيف يروي؟ فهل نقول: بأن المراد بـ (عن) هذه الرواية أنه يروي هذه القصة عن أنس، وأن جدة أنس مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحينئذٍ يستقيم السياق؟ وإذا قلنا على القول الثاني وهو الذي يرجحه المؤلف بإيراده ذكر التابعي أن الجدة جدة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، إلا أن يكون الضمير التفت فيه من التكلم إلى الغيبة، فيكون أن جدتي مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا نطيل في هذا لأن الشراح كلهم ما توصلوا إلى نتيجة بينة، والخلاف قائم؛ لأن عود الضمير في جدته يحتمل، وهي جدة لإسحاق مؤكد، لكن هل هي جدة لأنس بن مالك هذا الكلام.(8/32)
"دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى طعام فأكل منه، ثم صلى" أكل -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى، عتبان بن مالك دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- فصلى ثم أكل، فلماذا قدم الأكل هنا وقدم الصلاة هناك؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وهنا؟ الدعوة للطعام، وهناك الدعوة للصلاة، الدعوة للطعام فقدم الطعام، وهناك الدعوة للصلاة فقدمت الصلاة.
"دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام صنعته له فأكل منه، ثم قال: ((قوموا كي أصلي لكم)) قال أنس: "فقمت إلى حصير لنا" الحصير فعيل بمعنى مفعول يعني محصور، أو بمعنى فاعل يعني حاصر، إيش؟ حصير الحصير أكثركم يعرف الحصير لأنه أدرك الحصير، من خوص النخل نعم، هذا هو، لكن هل اشتقاق الفعيل هذه من اسم الفاعل {حِجَابًا مَّسْتُورًا} [(45) سورة الإسراء] يعني ساتراً؟ وجاء في وصف جهنم، ماذا قال في سورة الإسراء؟ {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [(8) سورة الإسراء] حصيراً يعني حاصرة لهم، اسم فاعل، وهل الحصير يحصير من يجلس عليه أو هو محصور محدد الطول والعرض؟ على كل حال هو يحتمل هذا وهذا، والأمر سهل.
"فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس" الحصير، الصلاة على الحصير، هنا صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فصلى على الحصير، وترجم البخاري -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في الصلاة على الحصير، وكره بعضهم الصلاة على الحصير، لماذا؟ للآية؛ لأن فيه مشابهة لجهنم ولو في الاسم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصير، يقول: "فقمت إلى حصير لنا قد أسود" نعم من طول الاستعمال، من كثرة الاستعمال يسود، يجتمع عليه غبار وأوساخ، مثل الفرش الآن، هذا بقايا طعام، وهذا شاي ينكب، وهذا لبن، وهذا كذا، ومع الزمن يسود "قد أسود من طول ما لبس" الأصل من طول ما جلس عليه، الحصير يجلس عليه، ولبس كل شيء بحسبه، فلبس الحصير بالجلوس عليه، ولبس القلم بالكتابة فيه، لبس الكتاب بالمطالعة فيه، فلبس كل شيء بحسبه.(8/33)
"من طول ما لبس، فنضحته بماء" النضح دون الغسل، لكن هل النضح مجرد الرش على البساط، أو على الحصير أو على الفرش المتسخ يجدي ويغني، أو إن كان هناك شيء يابس يرطبه؟ اليابس أسهل من الرطب؛ لأن اليابس لا ينتقل، فيطلق النضح ويراد به الغسل، فلعله غسله حتى زال ما به من وسخ, وإلا مجرد النضح يثير هذه الأوساخ "فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني يقدم هذا الحصير الخلق المستعمل المسود من كثرة الاستعمال لأشرف الخلق؟! من قرأ ما جاء في عيش النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف حقارة هذه الدنيا، وحقيقة هذه الدنيا، وساد النبي -عليه الصلاة والسلام- من أدم، حشوها ليف، وينام على حصير يؤثر في جنبه -عليه الصلاة والسلام-، وعنده ملاءة تصفط صفطتين، يضرب بعضها على بعض وينام عليها لتلين، لكن لما جعلت أربع رضي وإلا رفض -عليه الصلاة والسلام-؟ لأنها تلين أكثر، فإذا لانت، فإذا لان الفراش ثقل الإنسان عن الطاعة، فكيف لو رأى الآن فرش الناس أطول من قامة؟! والنبي -عليه الصلاة والسلام- لو أراد أن تبسط له الدنيا، لو أراد أن تحول له الجبال ذهب حولت، لكنه رفضها؛ لأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، أو كمن استظل بظل شجرة، هذا بيتخذ هذه الأمور المريحة، لا، ليدخر له أجره، ويوفر له حظه ونعيمه في الآخرة، وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، وحج أنس بن مالك على رحل ولم يكن شحيحاً، إنما إظهار للعبودية والحاجة على وجهها، والآن إذا اعتمر الإنسان يبحث عن فندق خمس نجوم، ما يليق به، لو ما وجد إلا أربع نجوم رجع، ويبحث عن أغلى الحملات، تذكر أرقام خيالية في الحملات من أقرب الأماكن إلى مكة، أرقام شيء ما يخطر على بال، ينفق الشخص الواحد في هذه الحملة ما تنفقه عشر أسر لمدة سنة، بدون مبالغة هذا موجود، لكن لو يذكر الرقم كان قال: مبالغ فيه، لماذا؟ علشان إيش؟ لمدة أربعة أيام، وحج أنس -رضي الله عنه- على رحل ولم يكن شحيحاً، هذا الذي يذهب إلى أقدس البقاع ليؤدي هذه العمرة، ويتقرب إلى الله -جل وعلا- في أفضل الأماكن، ويبحث عن خمس نجوم، هذا كيف يجتمع قلبه أثناء عبادته في هذا المكان؟! ...(8/34)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (5)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
هذا كيف يجتمع قلبه أثناء عبادته في هذا المكان، هذا الملحظ يخفى على كثير ممن فتح الله عليه، وبسط عليه الدنيا، ومع الأسف أن بعض الناس يقترض ويبحث عن هذه الأمور، فننتبه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشرف الخلق يفرش له حصير أسود، ويجيب دعوة عجوز، وهذا لا يزيد المرء إلا عزاً في الدنيا والآخرة، بعض الناس يتعاظم ويرفع أنفه كأنه خلاص الناس تنظر إليه على أنه لا نظير له في الدنيا، لا أبداً، تنظر إليه كالنمل، الإنسان لا يستطيع أن يرفع نفسه ألبتة إلا بالتواضع(9/1)
"فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" سيد الخلق، سيد ولد الآم، تُرى الأهلة الثلاثة، ولا يوقد في بيته نار، هل الرب -جل وعلا- لما كرمه وعظمه وشرفه يريد أن يهينه بهذا؟ لا والله، يريد أن يكرمه بهذا، الآن لو يقدم الطعام ينقصه بعض الأشياء، بعض الكماليات، لو ما في سلطة مثلاً، تجد الإنسان يغضب ويزمجر، ويقول .. ، يرمي أهله بأبشع الأوصاف لأتفه الأسباب، وتجد الإنسان لا سيما إذا تعود إكرام الناس له، إذا رأى أن شخصاً قصُر عمن قبله ولو يسيراً حمل في نفسه عليه، النفس لا نهاية لها، إلا إذا زمت بزمام الشرع، وخطمت به، وقد يجلس الإنسان على المائدة، وفيها من أنواع الأطعمة التي جلبت من جميع القارات، هذا شيء حاصل، فأين الشكر المقابل لهذه النعم؟ نعم مائدة واحدة عليها من القارات الست كلها، شيء ما يخطر على البال، يعني توافر نعم ما حصل، ومع ذلك لا نجد إلا من منّ الله -جل وعلا- عليه بالشكر، والنعم -كما هو معلوم- إذا شكرت زادت، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن بالمقابل {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] وكفر النعم شأنه عظيم، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [(28) سورة إبراهيم] نعم تسلط الأعداء هذا سببه، عدم شكر النعم، وشكر النعم بتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وتحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته، والبعد عن جميع مظاهر الشرك، ومشابهة المشركين {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور].(9/2)
على كل حال هذه حاله -عليه الصلاة والسلام-، ومن قرأ في سيرته وشمائله أدرك شيئاً من هذا، فجدير بطالب العلم أن يعنى بسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقراءة شمائله، ودلائل نبوته، وجميع ما يتعلق به؛ لأن هذا هو التطبيق العملي للشرع، حياته -عليه الصلاة والسلام- وعيشه ومعاملته للقريب والبعيد، كما هنا، الآن من أوضح الأمثلة، تعاون مع عجوز، دعته عجوز فيجيب الدعوة، لكن هل من هذا أن يوجد امرأة مثلاً تدعو رجلاً على وليمة في فندق، هذه واقعة، تدعو رجل من بلد آخر، تقول: إنه زميل لها في الدارسة في الخارج، والرسول دعته هذه المرأة وأجاب، هل بمثل هذا النص يستدل على مثل هذه التصرفات؟! هل الفتنة مأمونة؟ هل هذه عجوز جدة صحابي هل هذا مثل هذا؟ أبداً، نقول: نعم مسألة واقعة، ويأصلون بمثل هذا الكلام بعض التصرفات الشنيعة، لكن أين هذا من هذا؟ فلا بد من أمن الفتنة، وأن لا يفتح باب في مثل هذه الظروف التي نعيشها مع الهجمة الشرسة على الإسلام، ومبادئ الإسلام، والمسلمين والمسلمات على وجه الخصوص.
"فقام -عليه الصلاة والسلام- وصففت أنا واليتيم" و (أنا) ضمير إيش؟ فصل، إعرابه؟ لا محل له من الإعراب، يؤتى به ليتسنى العطف على ضمير الرفع المتصل، وهذا مضى نظيره.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فأفصل بالضمير المنفصل
صففت أنا واليتيم.
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فأفصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما، وبلا فصل يرد ... بالنظم فاشياً وضعفه اعتقد(9/3)
"فصففت أنا واليتيم وراءه" فمصافة الصبي؛ لأن اليتيم لم يبلغ الحلم، من مات أبوه من بني آدم ولم يبلغ الحلم يسمى يتيم، وأنس قد احتلم في هذا الوقت، كبير؛ لأنه لما قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة عمره عشر سنوات "فصففت أنا واليتيم وراءه" فمصافة الصبي صحيحة، إذا صحت صلاته صحت مصافته، "والعجوز من وراءنا" إذاً المرأة لا تصافف الرجال، ولو كانت محرم، لكن إن حصل أنها صفت مع محرم لها الصلاة صحيحة، لكن موقفها خلف الرجال، والعجوز من وراءنا، وهي واحدة، فذة، خلف الصف، و ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) وبهذا الحديث يخرج المرأة من عموم حديث: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) يعني الرجال، وهذا الحديث الذي معنا مخصِص "والعجوز من وراءنا، فصلى -عليه الصلاة والسلام- ركعتين ثم أنصرف" نافلة، والتجميع في النافلة جائز، حصل منه -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات، وفي حديث ابن عباس الآتي، وكونه -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم في رمضان ثلاث ليالٍ جماعة، فالتجميع في النافلة سائغ، لكن كونه ديدن وعادة مطردة لا يصلي نافلة إلا جماعة هذا يخرج العبادة من المشروعية إلى حيز الابتداع، يعني كون الشيء يجوز بعض أفراده، لا يعني أنه يجوز باطراد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل ذلك، فعله أحياناً.
"ولمسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى به وبأمه، فأقامني عن يمنيه، وأقام المرأة خلفنا" القصة واحدة أو مختلفة؟ القصة مختلفة؛ لأنهم في هذه ليس معهم يتيم "فأقامني عن يمينه" وهذا موقف المأموم الواحد عن اليمين، كما سيأتي في حديث ابن عباس، وموقف الاثنين خلف الإمام، هذا الأصل، لكن إن جعل واحداً عن يمينه، والآخر عن شماله فعله ابن مسعود، لكن السنة كما هنا موقف الاثنين من الإمام خلف، والمرأة من ورائهم، وأقام المرأة خلفنا، واليتيم؟ اليتيم هو ضميرة، جد حسن بن عبد الله بن ضميرة، حسن أو حسين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(9/4)
كلكم عندكم حسين؟ ما في أحد عنده حسن؟ يقول: هو جد حسن بن عبد الله بن ضميرة، فإن كان اثنين حسن وحسين إخوان فهي جدتهما ولا إشكال، لكن الذي يغلب على الظن أنه إما حسن أو حسين، فهذا راجع إلى نص واحد، يعني ما هي مسألة روايات، هذا كلام أثبته المؤلف هنا، وهو نص واحد، إما هذا أو هذا، ففي هذا إجابة الدعوة، وهي من حق المسلم على المسلم، وإذا دعاك فأجبه، ولو كان امرأة مع أمن الفتنة مع أمن الفتنة، وعدم الخلوة، وجواز صلاة النافلة جماعة، صلى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه أن المرأة لا تصف مع الرجال؛ لأنها واحدة، وصفت ورائهم، ولو كانوا من محارمها، لكنها لو خالفت وصلت مع محارمها صلاتها صحيحة، لكنه خلاف الأصل، نعم؟ الفاء هذه؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، الفاء السببية، والفعل المنصوب بأن المضمرة وجوباً بعد فاء السببية الواقعة بعد الأمر، نعم.
عفا الله عنك.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ برأسي فأقامني عن يمنيه.(9/5)
هذا حديث ابن عباس لما بات عند خالته ميمونة بنت الحارث زوج النبي -عليه الصلاة والسلام-، أم المؤمنين التي تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- بسرف، وماتت بسرف، بات عندها ليلة، ونقل من السنن مما حفظه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الليلة، ما أثبت في داووين الإسلام، ونفع الله به، فهذا المبيت من ابن عباس، ابن عباس لم يحتلم في هذا الوقت، صغير، فيجوز للإنسان أن يبيت عند أقاربه ولو كانت امرأة عند زوجها، إذا كان الزوج يرضى بذلك، وقد نام ابن عباس في عرض الوسادة، وناما في طولها، إذا كان يرضى بذلك فلا بأس، فبات ابن عباس عند خالته ميمونة، ولا تتصور أنه بينام في ملحق، أو بينام في الدور الثاني أو الثالث، أو الجناح الفلاني، لا، المسألة كلها غرفة واحدة، هذه بيوته -عليه الصلاة والسلام-، ما في قصور شاهقة، نعم النفس يا إخواني ما لها نهاية، ليست لها نهاية، إلى عهد قريب والناس إذا جلس الإنسان في المجلس لو يمد يده مس الجدران، ولو مدد برجليه رده الجدار الثاني، والذي ما هو بمصدق يشوف الآن البيوت القائمة، يشوف في بلد بجوار الرياض اسمه: رغبة، البلد القديم تهدم، وخرج الناس عنه، تشوف بين الأجصاص أجصاص التمر، ما بين كل واحدة والثانية خمسة أمتار، ما بقي إلا هن؛ لأن الفروش حصى جص باقيات قائمات، ما بين الواحدة والثانية خمسة أمتار، يعني تصور أن البيت بجصتين، لا، أدركنا بيوت خمسين متر، ستين متر، خرج الناس منها، لما توسع الناس في أمور الدنيا، صارت هذه البيوت سجن، خرجوا إلى أربعمائة متر، توسعوا، ثم بعد ذلك صارت الأربعمائة سجن، توسعوا الناس إلى الألف، والألف والخمسمائة إلى أن سكن الناس القصور، وصار ذلك سبباً في تنكيد حياتهم في الدنيا قبل الآخرة، الإنسان يعيش مديون عمره كله علشان بيت، كل هذا بسبب ليقال أو مثل الناس، بات ابن عباس في عرض الوسادة والنبي -عليه الصلاة والسلام- مع زوجه في طولها، وأنا أعرف بيت لما توفي أبوهم خرج منهم اثنين وعشرين أسرة، كل أسرة في بيت، كانت النفوس طيبة، ولا يوجد مشاكل مثل الآن، الآن صارت البيوت هذه الحديثة على حد زعمهم، وهي في الحقيقة تنانير صناديق من اسمنت لو بيطفأ الكهرب لا(9/6)
تطاق الحياة فيها، صارت سبباً لقطعية الرحم؛ لأن الشخص ما يدعو أخاه؛ لأنه عنده بزران بيخربون الأثاث،. . . . . . . . . عليهم، نعم، إذا كان الفرش يمشط بالمشط وبالاستشوار، وش اللي يجيب بزارين يلعبون؟! ما يدعو أخاه علشان الفرش هذا، وعلشان الأثاث، وعلشان ... ، من يتصور حديث ابن عمر: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) يعني الناس إلى وقت قريب من أراد أن يعمر بيت يقف باب المسجد أعان الله من يعين، ولبنة وطين ويومين ثلاث وهو منتهي البيت، الآن يجلس ثلاث سنين يعمر، ويجلس ثلاثين سنة مدين، إن تيسر له يسدد بعد، علشان إيش؟ الدنيا ما تسوى، وكان ابن عمر كما في الصحيح يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" بيوت كانت عند الوجهاء والكبار والأعيان تعد قصور في ذلك الوقت، لكن لو دخلتها اليوم .. ، موحشة، بيوت ضيقة، تقول: كيف أخذت الناس في ذلك الوقت .. ؟ لكن النفس ما لها نهاية.
النفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
النفس تقبل الزيادة، وإذا ترد إلى قليل تقنعُ، يعني تظن أن هذا الذي يشرب قارورة البيبسي، قارورة العائلة الكبيرة بنفس واحد، هذا مع التمرين صار يشرب، لكن لو كان يكتفي بالشيء اليسير كفاه، وهذا كله من الاهتمام بالدنيا والإعراض عن الآخرة، مع أن الإنسان خلق لهدف عظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأمر أن ينسى نصيبه من الدنيا الذي يعينه على تحقيق هذا الهدف، العبودية.
هنا يقول: "بت عند خالتي ميمونة، فقام النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي من الليل" ولد يمكن عمره عشر سنوات ذاك الوقت "فقمت عن يساره" ما قال مسكين تعبان كل النهار يدلج خلوه يرتاح، قام هو، وهو ما جاء إلا لهذا القصد، لهذا الهدف "فقمت عن يساره، فأخذ برأسي، فأقامني عن يمنيه" لأن موقف المأموم الواحد من الإمام عن يمين الإمام، فلو صلى عن يساره لم تصح صلاته، وهذا العمل اليسير بإدارة ابن عباس من جهة اليسار إلى اليمين هذا لا يؤثر في الصلاة؛ لأنه يسير، ولمصلحة الصلاة.
عفا الله عنك.
باب: الإمامة(9/7)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الإمامة
الإمامة: مصدر أم مثل الإعانة والإقامة والإجازة، أصل الكلمة المصدر أم يؤم أماً، إذا جئنا لإقامة: أقام يقيم إقامة، وأعان يعين إعانة، وأجاز يجيز إجازة، مصادر، أصلها إقوامة، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، وقلبت ألفاً، فاجتمع مثلان حذف أحدهما، إما الأصلي أو الزائد على الخلاف المعروف، وهنا الإمامة مصدر أم يؤم إمامة، فهو إمام، أصل أم حرف مضعف عبارة عن حرفين، أولهما ساكن، الحرف مضعف المشدد، عبارة عن حرفين، المشدد المدغم أحدهما في الآخر، فإذا فك الإدغام، ما عندنا يرتد ويرتدد، عندنا، فالمضعف المشدد عبارة عن حرفين، فأم يؤم أماً، هذا الأصل، وإمامة، فلها مصدران، والإمامة تطلق ويراد بها العظمي، فالإمام الأعظم هو الذي يتولى أمور المسلمين العامة، وإمام الصلاة هو الذي يتولى شؤونهم في هذه العبادة على وجه الخصوص، وبه يأتمون، وبه يقتدون، وما جعل الإمام إلا ليؤتم به، على ما سيأتي.
يقول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى)) " (أما) تنبيه، ((يخشى)) يخاف ((أما يخشى)) إما أن تكون تنبيهية مثل (ألا) للتنبيه، وقد تكون استفهام توبيخي، كما قال بعضهم، ((أما يخشى الذي يرفع رأسه)) يعني من الركوع أو من السجود، وفي حكمه الشروع في الركوع، والهوي إلى السجود قبل الإمام، والذي يؤم الجميع أما يخشى الذي يتقدم ويسبق الإمام؛ لأن ذكر بعض الأفراد .. ، ((أما يخشى الذي يرفع رأسه)) هل هذا خاص برفع الرأس قبل الإمام، أو شامل لمسابقة الإمام كما يدل على ذلك بعض الروايات، لكن هذا من باب ذكر بعض الأفراد، التمثيل ببعض الأفراد.(9/8)
((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام)) المأموم الذي يرفع رأسه قبل الإمام ((أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) ألا يخاف من هذا الوعيد الذي يسابق الإمام؟! ألا يخشى؟! ألا يخاف؟! المسابقة سبب للمسخ، والسبب قد يترتب عليه أثره، وقد يتخلف الأثر لوجود مانع، ولذا قال: ((أما يخشى)) ما قال: إن الذي يرفع رأسه قبل الإمام يحول الله رأسه رأس حمار، هنا قال: ((أما يخشى)) لأن هذا مجرد سبب، والسبب قد يترتب عليه أثره وقد لا يترتب لوجود مانع، وقد تدخر له العقوبة في الآخرة، وهذا أشد؛ لأن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة.(9/9)
((أن يحول الله رأسه رأس حمار)) حقيقي، أو صورته صورة حمار حقيقي، ومنهم من يقول: معنوي، يمسخ مسخاً معنوياً، بأن يكون بليداً كالحمار، لكن الأصل في اللفظ الحقيقة، وما المانع؟ والقدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، وقد ذكر الشراح أنه حصل مرتين، يعني حسب إطلاعهم، أن شخصاً يسابق الإمام حول الله رأسه رأس حمار، أو جعل صورته صورة حمار، قالوا: هذا وجد مرتين، هذا أمر مخيف، يعني تصور حال إنسان قد يكون له مقام عند الناس، ثم يخرج إليهم يوم من الأيام برأس حمار، أو صورته صورة حمار، والمسخ يوجد في آخر هذه الأمة، بل يكثر، كما قرر ذلك أهل العلم، اعتماداً على بعض النصوص والآثار، ويكون لطائفتين كما قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-، لطائفتين من الناس، للعلماء، علماء السوء الذين يبدلون شرع الله بالتأويل والتحريف، وللحكام الظلمة الذين يظلمون الناس، على كل حال هذا من المسخ الخاص، ولا يغيب عن أذهاننا أن المسخ شنيع، لكن أيها أعظم مسخ البدن أم مسخ القلب؟ يعني أهل العلم يقررون أن مسخ القلب أعظم من مسخ البدن، يعني الدنيا يوم يومين ثلاثة عشرة سنة، سنتين، عشر سنين، تنتهي، لكن الآخرة؟ لأن مسخ القلب أثره في الآخرة، وقد يكون مسخ البدن عقوبة عجلت له، يكفر له بها، قد، وهنا: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) الأمر ليس بالسهل، ومع ذلك ما الذي يستفيده من يرفع قبل الإمام؟ أو يسجد قبل الإمام؟ هل في نيته أن ينصرف قبل الإمام؟ يسلم قبل الإمام وينصرف؟ لا يمكن، ما يمكن أن يسلم قبل الإمام، وإن سلم قبل الإمام بطلت صلاته، إلا إذا أطال الإمام إطالة تعوقه عن أمر من أموره، ونوى الانفراد كما حصل في قصة معاذ لما أطال الصلاة، فهذا له عذره، الذي يسابق الإمام، يسجد قبله، يرفع قبله، هذا لا يستفيد، ما الذي يستفيده من عجلته هذه؟ لكن ما ذلك يوجد، تجد من يسجد قبل الإمام، والمأموم مربوط بإمامه ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) والعبرة بأفعال الإمام، العبرة بالأفعال، والأقوال إنما هي للدلالة على الأفعال، وعلى الإمام أن يكون مقارناً له القول، يكون القول مقارن للفعل، بحيث لا يتقدم القول على(9/10)
الفعل ولا يتأخر؛ لأنه إن تقدم عرض المأمومين لمسابقته، وإن تأخر فقد فات محله، فات محل التكبير إذا تأخر عن الانتقال، فلا يعرض صلاة المأمومين للبطلان، بل عليه أن يقرن القول بالفعل، الذي يرفع رأسه قبل الإمام ليتأكد مثلاً صوت الإمام ضعيف أو سمعه ثقيل، ورفع رأسه بيشوف رفعوا أو ما رفعوا ثم يعود، أو يسمع صوتاً يظنه تكبير فيرفع رأسه ثم يعود، هذا لا شيء عليه، فالإشكال في تعمد المسابقة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً، وصى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما أنصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)).
أجمعون أو أجمعين؟ بالواو؟
يقول -رحمه الله تعالى-:(9/11)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) " حصر، ما الفائدة من إيجاد هذه الوظيفة الشرعية؟ الفائدة يؤتم به، ويقتدى به، فلا تختلفوا عليه، هذا من مقتضى الإئتمام، عدم الاختلاف، فهو مؤكد لمفهوم الجملة السابقة، منطوق الجملة الثانية مؤكد لمفهوم الجملة الأولى؛ لأن مفهوم الإئتمام عدم الاختلاف، فلا تختلفوا عليه، وعمومه يتناول الأقوال والأفعال والنيات، عموم ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)) يتناول الجميع، نحن نختلف عليه في شيء من الأشياء، صلى الظهر لا بد تصلي الظهر، صلى العصر لا بد تصلي العصر، صلى فريضة لا تتنفل، تنفل لا تصلي فريضة، هذا بالنسبة للنيات، لكن أخرجت النيات، وإن قال جمع من أهل العلم بأنه وجوب متابعته حتى في النية، لكن من قال بأنه لا يلزم الموافقة في النية استدل بحديث إمامة معاذ لقومه، يصلي بهم نفل، وهم مفترضون، صلاة المفترض خلف المتنفل معروف عند الحنابلة لا تجوز، لماذا؟ لأنه إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، هذا الأصل يشمل الجميع، لكن العموم يخصص، فيخرج من هذا العموم الاختلاف في النية، يقول ناظم الاختيارات:
وعند أبي العباس ذلك جائز ... يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة
لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ ... وقد كان صلى الفرض خلف محمدِ(9/12)
فأخرجت النيات بفعل معاذ، بقي الأقوال والأفعال، ومما يؤيد إخراج النيات أنه في التمثيل، ما مثل إلا بأفعال وأقوال، فقال: ((إذا كبر فكبروا)) إذا كبر الإمام يكبر المأموم، (كبر) فعل ماضي، والفعل الماضي الأصل فيه أنه يكون بعد الفراغ في أمر مضى، كبر ومضى وانتهى، فكبروا، فهل نقول: إذا كبر إذا فرغ، أو نقول: إذا شرع كما جاء في بعض النصوص؟ أو نقول: إذا أراد، كما جاء في بعض النصوص؟ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ منه، كما هو الأصل؛ لأنه فعل مضى وانتهى، ويطلق ويراد به الشروع فيه، يطلق ويراد به إرادة الفعل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام إلى الصلاة، يعني هل الإنسان ما يتوضأ إلا إذا وقف في الصف؟ لا، إذا أراد القيام إلى الصلاة يتوضأ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] هل معنى هذا أنك ما تستعيذ بالله إلا إذا فرغت من القراءة أو إذا أردت القراءة؟ إذا أردت، فالفعل الماضي يطلق ويراد به إرادة الفعل، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، عندنا ((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من التكبير، إذا فرغ من التكبير فكبروا، لكن قوله: ((إذا ركع فاركعوا)) هل نقول: إذا فرغ من الركوع اركعوا، كما قلنا في التكبير؟ أو إذا شرع في الركوع اركعوا؟ نعم؟ إذا شرع، ليس معناه إذا فرغ من الركوع اركعوا؛ لأن الركوع المراد به .. ، هل الركوع الانتقال من القيام إلى انحناء الظهر، أو المراد به انحناء الظهر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الانحناء هو الركوع، الانتقال من الوقوف إلى الركوع هذا ليس بركوع، فإذا انحنى ظهره، هذا هو الركوع، فلا نقول: إذا فرغ مثل ما نقول: إذا فرغ من التكبير، إذا فرغ من الركوع اركعوا، إذا شرع فيه انحنى ظهره اركعوا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا كبر فكبروا، مقتضى التعقيب بالفاء أن يكون فعل المأموم عقب فعل الإمام، التعقيب بالفاء يقتضي المباشرة من غير تراخٍ، فلا ينتظر أو يتأخر عنه، فإذا كانت المسابقة محرمة، فالتأخير أيضاً لا يجوز؛ لأنك مأمور بالاقتداء، فإذا لم تركع معه ما لحقت شيء، ما اقتديت به.(9/13)
((وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فإذا قال: سمع الله لمن حمده، سمع، أولاً: فيه إثبات السمع لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، من غير تعرض له بتأول ولا تحريف ولا تشبيه، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، ومقتضى السمع الإجابة، سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، من الذي يقول: سمع الله لمن حمده؟ وإذا قال -يعني الإمام-: سمع الله لمن حمده، فقولوا، فمن يقول: سمع الله لمن حمده؟ النص على الإمام، والمنفرد بالاتفاق يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول وإلا ما يقول؟ لا يقول، ما يقول؟(9/14)
المأموم يقول: سمع الله لمن حمده وإلا ما يقول؟ مقتضى هذا الحديث أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، لماذا؟ لأن التعقيب بالفاء إذا قال: فقولوا، لا يترك فرصة لقول المأموم سمع الله لمن حمده، بل مجرد ما ينقطع صوت الإمام من قول سمع الله لمن حمده يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، والشافعية يقولون: كل مصلٍ يقول: سمع الله لمن حمده، لأنها ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وهو يقول: سمع الله لمن حمده، لكن مثل هذا مخصص لفعله -عليه الصلاة والسلام-، وعند أهل العلم أن الفعل لا عموم له، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، النبي -عليه الصلاة والسلام- أفعاله منها ما يفعله باعتباره إماماً، فيقتدي به الأئمة، ومنها ما يفعله باعتباره مكلفاً، فيقتدي به المكلفون، لو جاء شخص وقال: والله يوم الجمعة ما أنا بداخل إلا مع الإمام، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما عمره تقدم إلى الجمعة، أنا باقتدي بالرسول، ما أنا بداخل إلا مع الإمام للخطبة، نقول: لا يا أخي، أنت لك ما يخصك، والإمام له ما يخصه، الجمهور على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، بمقتضى هذا الحديث، وإذا قال: فقولوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وصحت الرواية بأربع صيغ، ربنا ولك الحمد كما هنا بالواو دون اللهم، وبحذف الواو ربنا لك الحمد، وباللهم مع الواو، اللهم ربنا ولك الحمد، وبحذف الواو اللهم ربنا لك الحمد، وكلها ثابتة، وإن ادعى ابن القيم -رحمه الله تعالى- أنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، لكنها في البخاري.
((فقولوا: ربنا ولك الحمد، فإذا سجد فاسجدوا)) إذا شرع في السجود فاسجدوا، نظير إذا ركع فاركعوا ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)) بعض الروايات: ((أجمعين)) فأجمعون على أنها تأكيد للواو في صلوا، و ((أجمعين)) على أنها حال، ويأتي ما في هذه المسألة.(9/15)
يقول هنا: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ، فصلى جالساً وصلى وراءه قومٍ قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا" والسبب في قيام المأموم خلف الإمام الجالس ما جاء في بعض الروايات من مشابهة فارس والروم، يقومون على أئمتهم، على ملوكهم ((كدتم أن تشبهوا فارس والروم)) فأمرهم بالجلوس بالإشارة "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته وهو شاكٍ" وذلك أنه لما سقط من؟ نعم، فجحش شقه الأيمن "فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا" الإشارة المفهمة في الصلاة لا تبطلها؛ للحاجة إليها، إذا دعت إليها الحاجة، حديث الكسوف لما دخلت أسماء فوجدتهم يصلون، فسألت عائشة وهي تصلي، فأشارت عائشة إلى السماء، فقالت: آية؟ فأشارت برأسها: أي: نعم، الإشارة المفهمة ليست بكلام، لكن عند الحاجة إليها، وردت النصوص بها، وهنا أشار إليهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) كما تقدم ((فإذا ركع فاركعوا)) وفي السنن: ((ولا تركعوا حتى يركع)) منطوق هذه الجملة مؤكد لمفهوم الجملة الأولى ((وإذا رفع فارفعوا)) وفي السنن: ((ولا ترفعوا حتى يرفع)) وهذه مثلها ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) على ما تقدم ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين)) كما تقدم، فماذا عن صلاة الإمام الجالس؟ ما حكمها؟ وما حكم الاقتداء به في الجلوس؟ حديثا الباب يدلان على أن الإمام إذا صلى جالس يصلي المأموم جالس، ولا يجوز له أن يقوم، في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- لما خرج إليهم وهم يصلون بإمامة أبو بكر جلس عن يساره، وأتموا الصلاة من قيام، ما أشار إليهم أن اجلسوا.(9/16)
أولاً: المالكية يرون أن إمامة القاعد لا تصح مطلقاً، ولا يصلى خلفه لا من قيام ولا من قعود، لماذا؟ جاء في الخبر: ((لا يؤمن أحد قاعداً بعدي قوماً قياماً)) لكنه حديث ضعيف، الحديث ضعيف، ويتمسك به المالكية، إذاً بقي عندنا رأي الشافعية والحنفية، ورأي الحنابلة، الشافعية والحنفية يقولون: تصح إمامة القاعد، كلهم مع الحنابلة، كلهم يصححون إمامة القاعد، لكن عند الحنفية والشافعية يصلون خلفه قياماً، ويرون أن ما حصل في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- من صلاة خلفه قياماً ناسخ لما جاء في هذا الحديث؛ لأنه متأخر عنه، وإلا فالحديث صحيح صريح في وجوب متابعة الإمام في القعود، مرض موته -عليه الصلاة والسلام- الذي صلى فيهم وهو قاعد وهم قيام متأخر بلا شك، لكن القول بالنسخ مع إمكان الجمع ضعيف عند أهل العلم، فيحمل الأمر بالجلوس على صورة، الحنفية والشافعية يقولون: منسوخ وانتهى الإشكال، لا يجوز لأحد أن يصلي وهو يستطيع القيام من قعود أبداً، ولو صلى الإمام قاعداً؛ لأن حديث مرض موته متأخر فهو ناسخ، انتهينا منه، الحنفية، ماذا يقولون؟ يقولون: لا هذا في موضعه، وهذا في موضعه، لدينا العمل بالنصوص كلها، نعمل هذا الحديث في الصورة المشبهة له، ونعمل حديث مرض موته -عليه الصلاة والسلام- في الصورة المشبهة له، فإذا صلى بل إذا ابتدأ إمام الحي قاعداً لمرض يرجى برؤه لزم متابعته بالقعود، إذا ابتدأ لا بد أن تبدأ الصلاة من قعود، ما هو تفتح الصلاة من قيام ثم يقعد الإمام يتابعونه، علشان إيش؟ علشان أن أبا بكر -رضي الله عنه- ابتدأ الصلاة من قيام، فيريدون أن يخرجوا هذه الصورة، إذا ابتدأ إمام الحي، ما يقولون: هذه فرصة، جماعة المسجد فرصه، إذا عندهم مقعد وما هو بإمام فرصة يقدمونه علشان يصلون وهم قعود، لا، لا بد أن يكون إمام الحي، وأن تبتدئ الصلاة من قعود، وأن يكون المرض يرجى برؤه، إذا بترت الرجلان للإمام وقرر أنه لن يقوم على قدميه خلاص هذا ما يرجى برؤه، فمثل هذا لا يقعدون وراءه؛ لأن هذه أمور طارئة، يعني مو بثابتة عادية، القيام للقادر عليه ركن من أركان الصلاة ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) فلا يهدر هذا الركن من أجل شخص لا يرجى(9/17)
برؤه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى بهم وأشار إليهم أن يجلسوا، هو إمام الحي، وابتدأ الصلاة من قعود، ويرجى برؤه، فحينئذٍ يصلى خلفه قعود؛ لتنزل على هذه الصورة، وأما بالنسبة لما حصل في مرضه -عليه الصلاة والسلام- فقد افتتحت الصلاة من قيام؛ لأنه افتتحها أبو بكر من قيام، فلا يسوغ لهم أن يجلسوا، ما القول الراجح؟ القول بالنسخ مريح، خلاص صلوا خلفه من قعود، هو قاعد وهم قيام وانتهى الإشكال، وهذا مرض موت اللي ما بعده شيء، وهذا الحديث في مرضه الذي لما سقط فجحش شقه الأيمن، متقدم على ذلك، فالشافعية والحنفية ما عندهم إشكال، تصح الصلاة، لكن من قيام، فهل نقول بالنسخ وهو واضح لأن النص متأخر وهذا متقدم؟ لكن إذا تصورنا أن النسخ إلغاء للنص، ورفع للحكم بالكلية، وبما ذكره الحنابلة يتم الجمع والتوفيق بين هذه النصوص، وإذا أمكن الجمع تعين، ما المرجح؟ يعني هل العلة انتفت مشابهة فارس والروم، نقول: ارتفع الحكم؟ انتفت العلة أو ما انتفت؟ العلة باقية، مشابهة فارس والروم التي هي سبب الأمر بالجلوس باقية، فهل نقول بقول الحنابلة: إن العلة باقية، والنص صحيح صريح؟ والنص الآخر يمكن حمله على صورة معينة، وما عداها يصلون من جلوس، وله وجه، والإمام إنما جعل ليؤتم به، الآن تنازلت عن ركن وهو القيام، هل له نظير في الصلاة أن يتنازل عن ركن من أجل الإمام في الصلاة؟ من أجل الإمام تنازل عن ركن؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
خوف، نعم في صلاة الخوف يتنازل عن مبطلات، قراءة الفاتحة إذا جاء والإمام راكع من أجل متابعة الإمام، تنازل عن هذا الركن، المقصود أن الاقتداء بالإمام له شأن، وأكد عليه في النصوص، فقول الحنابلة له وجه، ولو قيل بالنسخ لما بعد؛ لأنه متأخر، والمسألة اجتهادية.
الطالب:. . . . . . . . .
نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
يعني فعلها الصحابة من بعده، فعله، لكن على قلة، ما هو بمنتشر، الصحابة الكبار لما حصل لهم ما أحصل أنابوا، عمر -رضي الله عنه- لما طعن أناب صهيب ليصلي بالناس، استخلف ما كمل، نعم.
عفا الله عنك.(9/18)
وعن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري -رضي الله عنه- قال: حدثني البراء وهو غير كذوب، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهر حتى يقع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساجداً، ثم نقع سجوداً بعده.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن يزيد الخطمي" من الأنصار -رضي الله تعالى عنه- قال: "حدثني البراء وهو غير كذوب" يصف الصحابي بأنه غير كذوب، أيهما أولى أن يوصف الصحابي بأنه غير كذوب أو غير كاذب؟ غير كاذب؛ لأن وصفه بأنه غير كذوب لا ينفي أن يكون كاذباً؛ لأن المنفي عنه المبالغة، لكن هذا مراد أنه ينفي المبالغة، ويثبت ما دونها، لا، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] نفي المبالغة في مثل هذا لا يقتضي إثبات ما دونها، {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [(40) سورة النساء] يعني مقتضى الصيغة إذا نفينا المبالغة، مقتضاها أن نثبت ما دونها، إذا قال: غير كذوب لا يمنع أن يكون كاذب؛ لكنه لا يستحق الوصف بالمبالغة، وإن استحق أصل الوصف بالصفة، لكن هذا غير مراد، ليثبت صدق الصحابي، مع أن الصحابي ليس بحاجة إلى مثل هذا التنصيص؛ لأنهم كلهم عدول ثقات.
قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال" هذا ديدنه، (كان) تدل على الاستمرار "إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن أحد منا ظهره" يعني لم يتهيأ أحد للسجود، بل يستمر قائم "لم يحنِ أحد منا ظهره حتى يقع -صلى الله عليه وسلم- ساجداً" يعني لا يسجد أحدهم قبله ولا يوافقه في السجود، بل إذا وقع -عليه الصلاة والسلام- ساجداً ثم نقع سجوداً بعده، إذا شرع في السجود وباشر السجود ووصل إلى الأرض سجدنا، قال: سمع الله لمن حمده، بعض الناس بمجرد ما يقول: سمع الله لمن حمده يهوي إلى السجود، وتزول بذلك الطمأنينة التي نص عليها في كل ركن من أركان الصلاة في حديث المسيء، كما سيأتي، فلا يجوز للمأموم أن يهوي إلى السجود حتى يقع إمامه على الأرض، إذا اطمأن على الأرض يحني ظهره، نعم.
عفا الله عنك.(9/19)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) " أمن يعني قال: آمين، ومعنى آمين: اللهم استجب، وهي بالمد آمين، وتقرأ، بالقصر: أمين، ويروى عن جعفر الصادق التشديد: آمّين، قاصدين، لكن هكذا ضبطها عند جمهور أهل اللغة وغريب الحديث: آمين، والتأمين سنة في الصلاة وخارج الصلاة، إذا انتهى القارئ من قراءة الفاتحة، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يجهر بها، ويرفع بها صوته، وكذلك المأمومون، ويرتج المسجد من اجتماع اختلاط أصواتهم، إذا أمن الإمام مقتضاه أن الإمام يؤمن فيقول: آمين، وش معنى إذا أمن الإمام فأمنوا؟ التأمين في الصلاة، ما هو بالتأمين المعروف هذا، نعم ليس مقتضى الحديث أن يستدل على التأمين على الحياة أو الصحي أو الحوادث لا، قد .. ، أنتم باعتباركم أهل علم شرعي وكذا، لكن أهل الأهواء الذين يقولون: ويل للمصلين، يبي يقولون: جاء في الحديث الصحيح ((إذا أمن فأمنوا)) إذا أمن الإمام فأمنوا، أنتم تبعاً لإمامكم، وقيل به، إذا رآه الإمام ولي الأمر ساغ، سمعنا من يقول بهذا، على كل حال المقصود بالتأمين، لا تختلفون في المراد به، لكن لئلا يأتي مفتون فيستدل بجزء من الحديث، وينطلي على عوام الناس.(9/20)
هنا ((إذا أمن الإمام)) يعني قال: آمين، ومقتضاه أن الإمام يؤمن، جاء في الأحاديث الصحيحة وهي تبعاً للأحاديث السابقة ((إذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين)) فمفهومه أن الإمام لا يقول: آمين، لكن الإمام مسكوت عنه، منصوص على أنه يقول: ولا الضالين، أما بالنسبة للتأمين فمسكوت عنه، فقولوا: آمين، لكن مقتضى هذا أن المأموم يقع تأمينه بعد فراغ الإمام من ولا الضالين، لا يعني أنه يقع قوله: آمين بعد فراغ الإمام من قول: آمين، كما هنا: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) يعني إذا انتهى من التأمين فأمنوا؟ لا، يفسرها الرواية الصحيحة ((فإذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين)) ليتفق تأمين الإمام مع تأمين المأموم مع تأمين الملائكة.
((إذا أمن فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) فليحرص الإنسان على موافقة تأمين الملائكة، بما تكون الموافقة؟ لا تتقدم على الإمام، ولا تتأخر عنه، وأيضاً مد التأمين بقدر مده، وأحرص على أن يكون تأمينك بحضور قلب؛ لأن المؤَمِن في حكم الداعي، والله -جل وعلا- لا يستجيب لقلب غافل، لا يكون قولك: آمين عادة، لا، أنت تؤمن على جمل دعائية، فأنت داعٍ في الحقيقة، فأحضر قلبك؛ ليوافق تأمينك تأمين الملائكة، فيغفر لك ما تقدم من ذنبك، يعني إذا أمن فأمنوا، يعني إذا قال كما في الرواية الأخرى: ولا الضالين آمين، فمقتضى هذا أن الإمام بالنص الذي معنا يؤمن، والنص الثاني مسكوت عن الإمام، كما في قوله: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، هل الإمام يقول: ربنا ولك الحمد؟ نعم؟ إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، مسكوت عنه، ما في نص عليه، في هذا النص الإمام مسكوت عليه، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(9/21)
يقولها، لكن من الأئمة من يقول: أبداً الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، هذا معروف عند الحنفية الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد، هذه من وظائف المأموم، لكن هذه ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام-، نستحضر أنها ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام-، والمأموم وإن كان النبي -عليه الصلاة والسلام- صفته صفة إمام، لكنها لا تخالف ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والإمام هنا في هذا النص مسكوت عنه، كما في قوله: ((إذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين)) مسكوت عنه، فسرت النصوص الأخرى كما معنا إذا أمن فالإمام يؤمن.
((ما تقدم من ذنبه)) مقتضى كلام أهل العلم أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه من الصغائر، وإن كان الذنب مفرد مضاف يقتضي العموم، لكن الكبائر ينص أهل العلم أنه لا بد لها من توبة، ولذا جاء في النصوص في الخصال المكفرة جاء فيها: ((ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنب الكبائر)) {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] إلى غير ذلك، فالكبائر لا بد لها من توبة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم بنفسه فليطول ما شاء)).
وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذٍ، فقال: ((يا أيها الناس إن منكم منفرين، وأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(9/22)
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم للناس)) " للناس ((قوموا فلأصلي لكم)) "صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" واللام هنا منهم من يقول: تعليلية، يعني من أجلنا ((إذا صلى أحدكم للناس)) يعني لأجل الناس، إماماً بهم، فبعض تصرفات الإمام لا تلزمه لو كان منفرداً، لكنه من أجلهم يفعل هذه الأفعال، فبعض صلاته من أجلهم، تقدمه أمامهم من أجلهم، فيصدق عليه أن يصلي للناس، ومنهم من يقول: إن اللام هنا بمعنى الباء، إذا صلى أحدكم بالناس، يعني إماماً ((فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة)) أصحاب الأعذار فيهم، وليس في هذا حجة للنقارين، وقد جاء النهي عن مشابهة الحيوانات، ومنها نقر كنقر الغراب، والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، فالقراءة لا بد منها ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف)) والتخفيف والتطويل أمور نسبية، لا شك أن قراءة سورة آل عمران لمن يقرأ سورة البقرة تخفيف، وهكذا، فالذي أمر بالتخفيف ((فليخفف)) ((فليجز)) الذي أمر بهذا صلى بقاف واقتربت والصافات والطور وسبح والغاشية والجمعة والمنافقون، لكن لو قرأ بالطور قالوا: طول، وصلى بالأعراف في الركعتين، المغرب، لكن لا يكون هذا ديدن وعادة، يكون شأنه الرفق بالمأمومين ((فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة)) الذي لا يستطيع متابعة القيام مشغول بحاجته، لا يستطيع لضعفه، لا يستطيع لمرضه.(9/23)
((فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) يقرأ ما شاء، ومقتضاه أنه يجوز أن يصلي بما شاء من القرآن، فهل له أن يخرج الصلاة عن وقتها بتطويل القراءة؟ طلع الفجر فصلى لنفسه وهو منفرد، ما حوله جماعة ولا يسمع أذان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) صلى أحدهم لنفسه فقرأ في الركعة الأولى البقرة وآل عمران والنساء، وقرأ في الثانية المائدة والأنعام والأعراف، لما التفت إذا الشمس مرتفعة، لما دخل في الصلاة في أول وقتها، لكن لما سلم؟ هل له أن يطول لنفسه ما شاء حتى يخرج الوقت؟ ليس له أن يخرج الوقت قبل تمام الركعة الأولى؛ لأن مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) ومقتضى عموم هذا الحديث: ((من صلى لنفسه فليطول ما شاء)) يقرأ ما شاء، فإذا أدرك الوقت فالقدر الزائد على الإدراك له، أردك ركعة؛ وليحرص أن تكون صلاته كلها في الوقت، لماذا؟ لأن العلماء يختلفون في الركعة الثانية المدركة بعد خروج الوقت هل هي قضاء وإلا أداء؟ يعني إذا كان هناك عذر، واستيقظ من النوم قبل طلوع الشمس بخمس دقائق، توضأ وضوءاً خفيفاً وأدرك الركعة الأولى، ثم طلعت الشمس، الركعة الثانية قضاء وإلا أداء؟ حديث: ((فقد أدرك الصبح)) نعم مقتضاه أن تكون أداء، صلاته كلها أداء، ومنهم من يقول: لا، ما أدركه من وقته أداء، وما أدركه خارج الوقت قضاء، فعلى هذا لا ينبغي له أن يطول تطويلاً يفوت الوقت، وإن قال بعضهم بجوازه، ما دام شرع في الصلاة في الوقت، والنص ((إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)).(9/24)
"وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري" نسبة إلى بدر، والجمهور على أنه لم يشهد بدراً، وإنما سكن بدراً، ونزل فيها، فنسب إليها "قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا" يطيل بهم، يقرأ البقرة مثلاً، وفي الثانية آل عمران "فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب في موعظة أشد مما غضب يومئذٍ" لأن المطلوب من الإمام أن يتألف الناس، الداعية مطلوب منه أن يتألف الناس، العالم مطلوب منه أن يتألف الناس، الإمام يتألف الناس على هذه الصلاة، لا ينفر الناس، لا يكون سبباً لترك الناس لهذه الشعيرة العظيمة، فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- غضب في موعظة أشد مما غضب يومئذٍ، النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءه من يطلب النصيحة، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) فكرر عليه فقال: ((لا تغضب)) فكرر عليه قال: ((لا تغضب)) نعم إذا انتهكت محارم الله غضب، ولا شك أن هذا الصنيع يؤدي إلى الانتهاك، وما يؤدي ويؤول إلى الشيء حكمه حكمه "فما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب في موعظة أشد مما غضب يومئذٍ، فقال: ((يا أيها الناس إن منكم منفرين)) " ما قال: يا فلان، فليس من عادته التشهير بالأفراد، بل ينفر من العمل الذي تقع فيه المخالفة، وأما بالنسبة للمخالف إن أمكن نصحه سراً فهذا هو المطلوب، وإن لم يمكن إلا جهراً فليعمم، وإذا رأى الإمام تعميم النصيحة بهذه المخالفة لأنها ظاهرة، أو يخشى أن تكون ظاهرة يعمم في الكلام ((ما بال أقوام)) وهنا: ((يا أيها الناس إن منكم منفرين)) ما قال: فلان وفلان المنفر الفاعل التارك، وعلى هذا يتحرى في مثل الخطب والمواعظ والتوجيه للناس أن يكون فيه شيء من التعميم، بحيث لا يحرج من وقع في خطأ، والنصيحة كل ما أمكن أن تكون سراً هو الأصل؛ لأنها أدعى إلى القبول، وقد يترتب على الجهل بالإنكار مفسدة أعظم مما يترتب عليه من المصلحة، لكن البيان لا بد منه، لكن بالطرق المناسبة.(9/25)
((يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز)) الإيجاز الأصل فيه أنه للكلام، يقابله الإطناب، الإيجاز تقليل الكلام مع كثرة المعاني، والإطناب يقابله، وهنا أطلق في إيجاز الفعل وتقليله نسبياً، يأتي من يقرأ يكون ديدنه في صلاة الصبح قراءة سورة العصر، وسورة الإخلاص، بل وجد من يقسم سورة الإخلاص في الركعتين، وجد، امتثالاً لقوله: ((فليوجز)) ((فليخفف)) هل هذه حجة لمثل هذا؟ أبداً، فالذي قال: ((فليوجز)) ((فليخفف)) أم الناس بالصافات، وأمهم بالطور، وأمهم بـ (ق) واقتربت، فالإيجاز نسبي، والناس ما لهم نهاية ترى، يعني لو تصلي بهم بقصار السور اشرأبت نفوسهم إلى ما هو أقل من ذلك، ولا شك أن الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، القلب هو الذي يتعامل، تجد شخص يناهز المائة وعنده استعداد يقف في الصلاة ساعة، وتجد شاب في الثلاثين في الثالثة والثلاثين التي هو قوة الشبان، ما عنده استعداد يصلي خمس دقائق، فالذي يتعامل القلب، تجد هذا الشاب في مواطن أخرى عنده استعداد يقف ساعة ساعتين، وإذا جاء إلى الصف، يذكر عن شخص أنه من عشرين سنة يصلي جالس، كبير في السن عمره فوق الثمانين يصلي جالس، والناس يشوفونه يدخل بالعصا يمشي، لكن عاذرينه، ثمانين سنة، لكن لما صارت العرضة يوم العيد ساعتين يعرض وهو واقف، فالذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، وعرفنا شخص زاد عمره عن المائة، ويصلي خلف شخص في هذه البلاد في بريدة خلف شخص صلاة التهجد وصوته ما هو بالأصوات بعد المشجعة التي يقول الإنسان: إنه ينسى نفسه، لا، فهذا الإمام يصلي في الليل خمسة أجزاء، في ليلة من الليالي سمع مسجد يؤذن، والعادة أنه إذا أذن فالصلاة انتهت، فخفف في الركعة الأخيرة من صلاة التهجد، لما سلم استلمه هذا الشيخ الكبير، الذي زاد أو يناهز المائة، يا فلان لما جاء وقت اللزوم خففت، نعم مائة سنة، الله المستعان، لو يصلي الإمام .. ، الآن يصلى صلاة التهجد بورقة واحدة، كان الناس أقل ما يقرأ نصف جزء، قد يقول قائل: إن كيفية القراءة اختلفت، من أول الناس يسرعون، الآن بدءوا يرتلون، صحيح، لكن أمور نسبية، تصلي بورقة يا أخي؟! مطلوب إسماع الناس القرآن، كانوا يختمون(9/26)
ثلاث بل وجد من يختم أربع في رمضان، الآن يعني بدون مبالغة واحد وقف على الأعراف، ليلة تسعة وعشرين، وش قرأ للناس هذا؟ يعني ربع القرآن، ربع ختمة، طول رمضان كله بتراويح عشرين ليلة، وتهجد وتراويح عشر ليال، يعني التساهل إلى هذا الحد، نعم التنفير مرفوض، لكن يبقى أن المسألة تسديد ومقاربة، مسألة تسديد، ولا بد من إسماع الناس، ولا بد من تذكير الناس بالقرآن، يعني إذا كان الناس يضيق عليهم، ولا يلاحظون في بعض الأوقات من أجل إيش؟ لا يتخولون بالموعظة، وإذا جاء القرآن نقوم نخفف {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] التذكير بالقرآن من أعظم الأمور، هذا الذي غفل عنه كثير من الناس، وهيئ الناس على هذا، شم بعض الناس أن القرآن لمجرد تصحيح الصلاة، ولذلك لا تجد باكياً طول ليالي رمضان إلا القليل النادر، فإذا جاء ليلة الختمة تجدهم يتجهزون بالبكاء قبل أن يشرعوا في الصلاة، الناس هيئوا لهذا، فما يصلح، الأصل أن القرآن هو الذي يحرك القلوب، هو كلام الله -جل وعلا-، لكن يؤدى على طريقة يستفيد منها الناس، ويتأثر بها الناس، ولا يقول قائل: إن التأثير يكون للصوت، لا، أبداً، التأثير إنما هو للقرآن المؤدى بهذا الصوت، بدليل لو أن هذا الصوت لو قرئ به غير القرآن ما بكى الناس، ولا تأثروا، فالتأثير للقرآن المؤدى بالصوت الجميل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: بما أن المسجد مسجد يصلى فيه على الجنائز هل يجوز أن يعلن في المساجد الأخرى أن فلاناً مات، وسوف يصلى عليه في الوقت الفلاني؟(9/27)
النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، يعني أخبر بموته، وخرج بهم إلى المصلى فصلى عليه، فالنعي هنا مجرد الإخبار، فإذا كان الإخبار ليكثر الجمع عليه، ويصلي عليه خيار الناس، ويجتمع أهله وأقاربه ومحبوه لمجرد الإخبار فلا بأس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي، يعني أخبرهم بموته، وأما إذا كان من باب التفاخر، وذكر المحاسن، ورفع الأصوات بالأسواق وغيرها كالجرايد مثلاً للمباهاة والتفاخر فهذا هو النعي المنهي عنه.
يقول: كيف تقضى صلاة الجنازة؟
تقضى على صفتها، وما يدركه المسبوق هو أول صلاته، فيكبر ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يكبر فيدعو للميت، ثم يكبر الرابعة ثم يسلم، لكن إن خشي أن ترفع الجنازة قبل أن يدعو لها، نقول له: يتابع التكبير ثم يسلم، لكن إن تيسر أن يأتي بشيء من الدعاء الذي من أجله شرعت صلاة الجنازة لنفع الميت فهو أولى.
يقول: لماذا خصص المنافقين بالثقل؟
الثقل بالنسبة للمنافقين غير الثقل بالنسبة لكثير من المسلمين، هذا يختلف، الثقل الذي يتصف به المنافقون من أجل أنهم يراءون الناس، فلولا الناس ما صلوا، وأما بالنسبة لما يتصف به بعض المسلمين، وإن كان فيهم مشابهة للمنافقين من وجه إلا أنهم يصلون من غير مرآءة لأحد، فلو لم يرهم أحد لصلوا.
يقول: هل يمكن إعادة أقوال أهل العلم في إمامة الجالس؟(9/28)
المالكية لا يرون صحة إمامة الجالس، لا تصح إمامة الجالس، ولا تصح الصلاة خلفه، لا من قيام ولا من قعود، هذا رأي المالكية، وعند الشافعية والحنفية قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وإذا صلى جالساً صلوا جلوساً أجمعين)) هذا منسوخ بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- الذي مات فيه صلى جالساً، والناس من ورائه قياماً، والحنابلة يحملون هذا على صورة، والأصل أن من صلى جالساً يصلى خلفه من جلوس، لكن بالقيود التي ذكروها، إذا ابتدأ إمام الحي ابتدئ الصلاة جالساً، وإمامته -عليه الصلاة والسلام- في مرض موته إنما ابتدأت من قيام، لا من جلوس، ابتدأها أبو بكر -رضي الله عنه-، أن يكون إمام الحي، وليس أي إمام يؤتى به مقعد يقال: صل بالناس، وأيضاً لا بد أن يكون لمرض يرجى برؤه، ما يؤتى بإمام قطعت رجلاه، ثم يقال: تقدم للناس فصل بهم، ويصلي الناس وراءك قعود، لا، هذه قيود جعلها الحنابلة ليعملوا بجميع النصوص.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-(9/29)
عني أهل العلم ببيان صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- على ضوء ما ثبت عنه ليتحقق للقارئ امتثال الأمر: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ولولا عناية أهل العلم بمثل هذا الباب ما تيسر لنا أن نصلي كما صلى -عليه الصلاة والسلام-، فنقلت صلاته بالأسانيد الصحيحة الثابتة المتصلة إلى يومنا هذا، ليتم امتثال الأمر، وأنه هو القدوة، وهو الأسوة، والصلاة وجميع العبادات لا يدخلها الاجتهاد، العبادات توقيفية، فتذكر صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها بيان لما أجمل في القرآن، جاء الأمر بإقامة الصلاة والمحافظة على الصلاة، لكن كيف تؤدى هذه الصلاة؟ تؤدى اقتداء بالأسوة، اقتداء بالقدوة المبين عن الله -جل وعلا-، المفسر للقرآن، الموضح له، وهكذا يقال مثل هذا في بقية العبادات، كلها لا بد أن تكون موافقة لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا بد أن يتحقق الشرط الثاني بعد الإخلاص، أن تكون على ضوء ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولذا عقد مثل هذا الباب، باب صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة" (كان) هذه تدل على الاستمرار، وقد تدل على وقوع الفعل مرة أو أكثر، لكن الصيغة صيغة استمرار، هذا الأصل فيها "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر في الصلاة" تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، ولا تصح إلا بهذا اللفظ: الله أكبر، هذا هو المنقول عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولم يحفظ عنه أنه قال غير هذا اللفظ، فلا يقوم مقامه غيره، كـ (الله الأعز، الله الأجل، الله الأكرم، الله الأعظم) كل هذا ما يجزئ، وإن قال به بعض الأئمة، لكن لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كبر بغير هذا اللفظ، افتتح الصلاة بغير هذا اللفظ، يقول لو قال: الله الكبير كفى، لكن الصواب ما جاء عنه، وما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام-، ولو كان غيره يقوم مقامه لنقل ولو مرة واحدة لبيان الجواز، لكن لما لم يكن غير هذا اللفظ مجزئاً عنه لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كبر من غير هذا.(9/30)
تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة عند الجمهور، ويرى الحنفية أنها شرط من شروط الصلاة، وش الفرق بين القولين؟ ما الفرق بين القولين؟ بينهما فرق أو ما فيه؟ الآن من أي ناحية الفرق؟ يعني لو صلى ناسياً بغير طهارة، أو صلى ناسياً بغير تكبيرة إحرام، في فرق؟ الصلاة تنعقد أو ما تنعقد؟ لا تنعقد، وش الفرق بينهما؟ الشرط لا يسقط، إلا مع العجز والركن كذلك.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(9/31)
لا أنا أريد الفرق بين الركن والشرط، الجمهور يقولون: ركن، والحنفية يقولون: شرط، وش الفرق بينهما؟ نعم يعني الركن داخل الماهية، والشرط خارج الماهية، وش اللي ترتب على هذا من فائدة؟ يعني يمكن أن يقول: الله أكبر وهو لم يدخل في الصلاة، يعني هل معنى قول الحنفية: إنها الشرط أنه يمكن أن يكبر في البيت مثل ما يتوضأ في البيت ويجي يصلي؟ نعم؟ هم يقولون: شرط مقارن، لا بد أن يكون مقارن لأول جزء من الصلاة، لكنه شرط وليس بركن، فيه فائدة الخلاف أو ما فيه فائدة؟ يعني لو كبر وهو حامل نجاسة هذا متنجس، ثم قال: الله أكبر، يعني وضعه مع نهاية الراء، وضع هذا المتنجس مع نهاية الراء، صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ صحيحة عند من؟ عند الحنفية؛ لأنه لم يشرع في الصلاة، حمل النجاسة خارج الصلاة، وأما عند الجمهور فصلاته باطلة؛ لأنه حمل النجاسة داخل الصلاة، مثل أيضاً لو غير نيته مع نهاية التكبير يصح عند الحنفية بخلاف الجمهور، مسائل كثيرة مترتبة على مثل هذا الخلاف، فلا بد من الانتباه لمثل هذا. "إذا كبر في الصلاة" جنس في الصلاة سكت هنيهة، وهو يقول في هذا السكوت دعاء الاستفتاح، في الصلاة والمراد بالصلاة الجنس، فهل يستفتح في صلاة الجنازة مثلاً؟ في صلاة الخسوف؟ في صلاة العيد؟ في صلاة قيام الليل؟ في النافلة؟ في الفريضة؟ هناك "في الصلاة" جنس، يستفتح أو ما يستفتح؟ لأن الصلاة جنس تشمل جميع الصلوات، قد يقول قائل: المراد الصلاة التي يتبين فيها هذا السكوت، أما الصلاة التي لا يتبين فيها سكوت قد لا تكون داخلة في السؤال؛ لأنه بعد التكبير ساكت باستمرار، وصلاة الجنازة من هذا النوع، لكن يرد عليه صلاة الظهر والعصر مثلاً، نعم، فهل نقول: إن صلاة الجنازة يستفتح فيها استدلالاً بعموم الخبر: "في الصلاة"؟
هذا يقول: ما قول الحنفية في تكبيرة الإحرام أهي شرط أم ركن؟
عرفنا قول الحنفية أنها شرط، والجمهور على أنها ركن، وعرفنا الفائدة المترتبة على هذا الخلاف.(9/32)
صلاة الجنازة فيها استفتاح وإلا ما فيها استفتاح؟ بدليل؟ إذا قلنا: إذا كبر في الصلاة سكت، في الصلاة جنس الصلاة، وعلى هذا سجود التلاوة عند من يقول: إنه صلاة يستفتح وإلا ما يستفتح؟ جنس، يستفتح على هذا، لكن هل المراد بـ (أل) هنا الجنس أو العهد؟ نعم؟ العهد، والصلاة المعهودة هي الصلوات الخمس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المفروضة؟
النوافل ما فيها استفتاح؟ أو المراد بها الصلاة ذات الركوع والسجود؟ وهي الصلاة المعهودة خلاف الصلوات الطارئة؟ نعم يا إخوان؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المعهودة التي هي الصلوات الخمس، وما في حكمها، أما الصلوات غير المعهودة، ما الذي يخرج غير صلاة الجنازة؟ هو ما في غيرها، في غير صلاة الجنازة ليس فيها ركوع ولا سجود؟
طالب:. . . . . . . . .
السجود، سجود عند من يقول: إنه صلاة، سجود التلاوة وسجود الشكر لا يدخل إذا قلنا: المراد بالصلاة المعهودة المعروفة بقيامها وركوعها وسجودها، فتخرج صلاة الجنازة فتحتاج إلى دليل خاص ولا دليل، اللهم إلا إذا قيل بأن (أل) هنا للجنس، فيشمل جميع الصلوات، فتدخل صلاة الجنازة.
"سكت هنيهة قبل أن يقرأ" والإشكال لو قلنا: إنه في ما يمكن السؤال عنه والذي يمكن السؤال عنه هو الصلاة الجهرية التي يتصور فيها السكوت، يرد علينا الصلوات السرية من المفروضات.
"سكت هنيهة" وفي رواية: هنية، والمراد زمناً يسيراً، بدليل التصغير، هنيهة، هنية، في هذا دليل على أنه لا يجمع بين أدعية الاستفتاح؛ لأنه يترتب على الجمع بينها أن تكون السكتة طويلة.(9/33)
"فقلت: يا رسول الله" هذا أبو هريرة، وحريص على الخير، عُرف أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه- بالحرص على الخير؛ لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((قد علمت من حرصك على الخير)) يعني علمت أنك تسأل هذا السؤال من حرصك على الخير، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- "فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي" يعني يفديه بأبيه وأمه، والتفدية جائزة عند أهل العلم، حصلت منه وله -عليه الصلاة والسلام-، سمع ولم ينكر "أرأيت" يعني أخبرني "سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " يعني هذا الوقت الذي تسكت فيه بعد تكبيرة الإحرام ماذا تقول فيه؟ "قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) " المباعدة هنا يعني قبل وقوعها أو بعد وقوعها؟ قبل وقوعها إذاً كيف يقول: خطاياي؟ كيف ينسبها إلى نفسه وهي لم تقع منه؟
الطالب:. . . . . . . . .
يعني باعد يعني قبل وقوعها، إذاً كيف ينسبها إليه؟ كيف صارت خطاياه وهي لم تقع؟ أنه خطاء، يعني الأخطاء المتوقعة، وهذا تعليم للأمة، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم، وقد يكون فعله لخلاف الأولى بالنسبة له كخطأ غيره، وقد عوتب في ذلك ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) يعني اعصمني من الوقوع في الخطأ، هذا قبل وقوعها، وإذا وقعت فامح أثرها بالتنقية الآتية ((كما باعدت بين المشرق والمغرب)) هذه مبالغة في الحيلولة بينه وبين وقوع الخطأ، وهذا تعليم لأمته -عليه الصلاة والسلام- ((اللهم نقني)) من التنقية، ((من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) يعني إذا وقعت نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، والثوب الأبيض هو الذي يظهر فيه الدنس، وهو الذي يفيد فيه التنقية والتنظيف أكثر من غيره، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس من الوسخ.(9/34)
((اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)) أيهما أولى البداءة بالتنقية أو بالغسل؟ يعني لو قدم قال: اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس؟ يعني كما في دعاء؟ نعم الجنازة، الجنازة مثل هذا وإلا فيه تقديم وتأخير؟ فيه تقديم وتأخير، أيهما أولى أن يقدم التنقية أو يقدم الغسل؟ يقدم إيش؟ التنقية، لماذا؟ لأن؟ نعم، لو قدم الغسل اقتضى بقاء شيء يحتاج إلى تنقية، لو قدم الغسل، ولذا يقولون: التخلية قبل التحلية، فإذا نقي وتتبعت مواطن الوسخ، وأزيلت، ثم غسل الجميع غسلاً تاماً كاملاً ما بقي شيء، لكن لو غسل قبل ثم نقيت لاحتمل أن يبقى شيء، ولذا الدعاء في هذا الموضع يقولون: أبلغ من الدعاء في الجنازة، ولعل من يدرك سر في تقديم الغسل على التنقية في الجنازة، والعكس هنا هذا هو الأصل؛ لأنه تتبع المواطن -مواطن الوسخ- فتغسل، تنقى، ثم بعد ذلك يغسل الثوب، لا شك أن هذه تخلية أولاً ثم تحلية، أنت الآن الجدار هذا فيه بقع، لو أردت أن تصبغه صبغ أبيض فوق هذه اللون، وفيه البقع، احتمال يظهر أثر هذه البقع بعد الصبغ، لكن لو أزلت هذه البقع ثم صبغته بالأبيض انتهى الإشكال، ومن هذا إزالة النجاسة من أعضاء الوضوء قبل غسلها، تزال النجاسة إذا وجدت، تزال الأوساخ إذا وجدت قبل الوضوء؛ لأن التخلية قبل التحلية، هذا أمر معروف عندهم، وفي حديث الدعاء للميت: ((اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا)) قد يقول قائل: إنه بحاجة إلى غسل؛ لأن الموت موجب للغسل، بحاجة للغسل، ثم بعد ذلك ينقى من ذنوبه بدعاء إخوانه له، فعلى كل حال النصوص هذه ليس لأحد أن يعترض عليها، لكن إذا وجد تعليلها وتوجيهها هذا هو المطلوب؛ لئلا يبقى أدنى إشكال في ذهن الطالب والمتعلم.(9/35)
((اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطايا بالماء والثلج والبرد)) أيهما أفضل للتنظيف الماء الحار أو الماء البارد؟ البارد بدلالة النص أو الواقع؟ هو إذا كان الحار يكون سبباً في تليين بعض الأوساخ وإزالتها صار له دور، وإذا كان البارد سبب في تجميد بعض الأوساخ صار الحار أفضل، لكن بالتجربة الحار في الغالب ينبو عن البدن، وأما البارد لأن البدن إذا جاءه البارد ينقبض، ويصير فيه شيء من الخشونة التي تكون في الغسل أبلغ، هذا ملاحظ وإلا مو ملاحظ؟ يعني البارد لما تغسل بماء حار مثلاً مرور الماء الحار على البدن لا يؤثر على البدن تأثير الماء البارد الذي يجعل البدن ينكمش معه فيصير فيه تجاعيد؛ لأن الشيء الأملس تنظيفه أشق أو أسهل من الخشن؟ لأن الماء البارد حينما يرد على اليد مثلاً ما في شك أنها تنكمش يصير فيها شيء من الخشونة، ما هي بمثل الماء الساخن الذي يمر ولا يؤثر، ولذا حتى في التجربة يقولون: إن البارد أقوى في التنظيف من الحار، وقد التمس هنا مناسبة أن الذنوب لها حرارة، وحرارتها يناسب تنظيفها بهذا الأشياء البادرة، بالماء والثلج والبرد، وإذا توالت هذه المنظفات أكثر من منظف، ثلاثة منظفات هل يبقى من الدرن شيء؟ ....(9/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (6)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وإذا توالت هذه المنظفات أكثر من منظف، ثلاثة منظفات هل يبقى من الدرن شيء؟ يعني افترض أنك غسلت الثوب بماء وصابون وشامبو، ثلاثة أشياء لا تُبقي شيئاً.
دعاء الاستفتاح سنة عند جمهور أهل العلم، ويرى المالكية عدم مشروعيته للحديث الآتي، فيقول: الله أكبر الحمد لله رب العالمين، دون استفتاح، ولا تعوذ ولا بسملة، هذا عند المالكية، الجمهور يستدلون بمثل هذا الحديث، ويرون استحباب دعاء الاستفتاح، وجاء في استفتاحاته -عليه الصلاة والسلام- صيغ متعددة، ومن أشهرها بل من أصحها هذا المذكور لأنه متفق عليه، وفي صحيح مسلم من حديث عمر موقوفاً عليه "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك" ... إلى آخره، ورجحه الإمام أحمد لوجوه ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، يرجع إليه من أراده، وجاء استفتاح لصلاة الليل، وجاء استفتاحات أخر، واختلافها من باب اختلاف التنوع، وليس من باب اختلاف التضاد، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم الذي يطلع على هذه الأنواع أن يستفتح بها كلها، في كل صلاة يستفتح بدعاء خاص، مره يستفتح بهذا، ومرة بحديث عمر، ومره بالاستفتاحات الأخرى وهكذا، وقيام الليل جاء استفتاحه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: ((اللهم باعد بيني)) هو إمام وإلا منفرد -عليه الصلاة والسلام-؟ إمام، والصلاة المسئول عنها هو فيها إمام -عليه الصلاة والسلام- ((باعد بيني)) هل يجوز للإمام أن يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(10/1)
إيه على كل حال جاء في الحديث حديث ثوبان وغيره ((لا يؤمن أحد قوماً فيخص نفسه بدعوة دونهم)) وجاء عليه الوعيد، لكن تخصيص الإمام نفسه بالدعاء، كما هنا: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) ابن خزيمة -رحمه الله- وهو من أعرف الناس في التوفيق بين الأحاديث المتعارضة، حكم على حديث ثوبان بأنه موضوع؛ لأنه معارض بهذا الحديث الصحيح، لم يبن له وجه الجمع بين هذا الحديث وذاك، شيخ الإسلام يرى أن النهي خاص بالدعاء الذي يؤمن عليه كدعاء القنوت مثلاً، يعني هل يليق بالإمام وخلفه الصفوف يقول: اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، والجماعة يقولون: آمين؟ يليق به هذا؟ يدعو لنفسه وهم يؤمنون؟ لا، لا يليق به هذا، ولا يجوز له أن يخص نفسه بدعوة دونهم في الدعاء الذي يؤمن عليه، كدعاء القنوت، السخاوي يرى أن الدعاء الذي لا يجوز للإمام أن يخص نفسه به هو الدعاء الذي لا يشرع لكل مصلٍ، لكن مثل هذا يشرع لكل مصل أن يقوله، أما إذا دعا الإمام بدعوة في السجود مثلاً، أو بعد نهاية التشهد وقبل السلام، يتخير من المسألة ما شاء، لا يجوز له أن يخص نفسه بالدعوة دون المأمومين، أما ما يشرع لجميع المصلين أن يقولوه، ويشتركون فيه، مثل دعاء الاستفتاح لا يلزم فيه جمع الضمير، وكأن رأي شيخ الإسلام أظهر وأوضح.(10/2)
وهنا شبه الذنوب والخطايا بالأمور المحسوسة، بحيث توجد في مكان يطلب أن يكون بعيداً كبعد المشرق عن المغرب، وأن تكون هذه الأمور المشبهة بالمحسوس كأنها على بقعة بيضاء، يأتي عليها المنظفات فتزيلها، هذا السكوت الذي بين تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة، سكتة تستوعب دعاء الاستفتاح بالنسبة للإمام والمأموم، وهناك سكتة أخرى إذا فرغ من القراءة كلها، وقبل الركوع يسكت، لا يشبك تكبيرة الركوع بالقراءة، هذا موضع سكوت، وجاء به الخبر، وهناك سكتة ثالثة جاءت في بعض الروايات، وهي بعد قراءة الفاتحة بالنسبة للإمام، يسكت حتى يتراد النفس عنده، ومنهم من يقول: إنه يسكت ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، لكن سكتة تكون طويلة بقدر قراءة الفاتحة، ولا تنقل نقلاً متستفيظاً هذا فيه ما فيه؛ لأن منهم من يقول: إن على الإمام أن يسكت حتى يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة؛ لئلا ينازع القرآن، ولكي يأتي المأموم بما أمر به، قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تتم إلا بها، وإذا قلنا بهذا قلنا: ما لا يتم إلا الواجب إلا به، ولا يتم التوفيق بين النصوص، بين وجوب الإنصات، وبين وجوب قراءة المأموم إلا بسكوت الإمام، ولذا قال النووي: يسكت قدر قراءة المأموم الفاتحة، يستحبونها استحباباً، والأثر الذي يدل عليها فيه مقال، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعداً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السُبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم.(10/3)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" يستفتح الصلاة بالتكبير، تكبيرة الإحرام هي مفتاح الصلاة، وسبق الكلام عنها "والقراءة بالحمد لله رب العالمين" هذا يستدل به من يرى عدم الاستفتاح، مجرد ما يكبر يقول: الحمد لله رب العالمين، لكن هل في مثل هذا التعبير والسياق ما ينفي دعاء الاستفتاح، يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، لا يدل على نفي الاستفتاح، بدليل أنه لم يقل: يفتتح الصلاة بالقراءة، يفتتح الصلاة بالتكبير، هذه جملة، ويستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وما بينهما مسكوت عنه، هو يستفتح الصلاة بالتكبير، ويستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، وما بين القراءة والتكبير مسكوت عنه، دلت عليه أحاديث دعاء الاستفتاح، فليس في هذا مستمسك للمالكية.(10/4)
"يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين" يستدل بهذا من يقول .. ، وهذا واضح يعني رأي المالكية في عدم الاستفتاح وعدم التعوذ والبسملة يتمسكون بمثل هذا، لكن استفتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين دليل لمن يقول: إن البسملة ليست من الفاتحة لوجوب قراءة الفاتحة، والقراءة تكون بالحمد لله رب العالمين، فيقول: ما دام ما ذكرت البسملة هنا إذاً ليست من الفاتحة، الفاتحة ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب)) هي الفاتحة، وهنا استفتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، إذاً ليس قبل الحمد شيء، النتيجة البسملة ليست من الفاتحة، والخلاف في البسملة هل هي آية من الفاتحة، أو من كل سورة، أو ليست بآية مطلقاً؟ أولاً: الإجماع قائم على أنها بعض آية من سورة النمل {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(30) سورة النمل] هذا إجماع، والإجماع الثاني قائم على أنها ليست بآية في أول سورة التوبة، والخلاف فيما عدا ذلك، منهم من يقول: إنها آية من الفاتحة فقط، ومنهم من يقول: إنها آية في أول كل سورة، يعني مائة وثلاثة عشرة آية في القرآن، في أوائل السور عدا التوبة، ومنهم من يقول: هي آية واحدة، نزلت للفصل بين السور، آية واحدة وليست مائة وثلاثة عشرة آية، نزلت للفصل بين السور، وهذا يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-، والخلاف في البسملة هل هي من الفاتحة أو من السور، خلاف طويل، وهي مسألة كبرى، يستدل من يقول بأنها آية باتفاق الصحابة على كتابتها، ويستدل من يقول بأنها ليست بآية بوقوع الخلاف فيها، إذ لو كانت آية لما ساغ الخلاف فيها، وألف فيها مؤلفات، البسملة وهل هي من القرآن؟ نعم فيها مؤلفات لأهل العلم من المتقدمين، وهي مسألة من كبار المسائل؛ لأن الذي يقول: آية، يقول: كيف يختلف بآية والقرآن محفوظ من الزيادة والنقصان لا يتطرق إليها اختلاف؟ والذي يقول: هي آية يقول: اتفق الصحابة على كتابتها، ولم يكتبوا غيرها، ولو لم تكن من القرآن لما ساغ لهم إبطالها، أظن مأخذ القولين واضح.(10/5)
في الحديث الصحيح: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي)) ... إلى آخر الحديث، وهذا الحديث يستدل به من يرى أن البسملة ليست بآية من الفاتحة، كما يستدل بحديث الباب "والقراءة بالحمد لله رب العالمين" الذين يقولون: إنها آية، نقول: نعم هي آية من الفاتحة، وافتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين، يعني بهذه السورة لا بغيرها من السور، وفي الحديث الصحيح: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" وجاء في الصحيح: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، والنص المتفق عليه: "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" ولم يتعرضوا لنفي البسملة، والحمد لله رب العالمين كأنه علم على السورة، كما تقول: سورة الحمد، ولم يتعرض الراوي لنفي البسملة، لكن ظن بعض الرواة أن كونهم يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فنقل ذلك، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وعلة المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله(10/6)
يعني فقال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، لا في أول القراءة ولا في آخرها، لكن معروف الحديث مخرج في الصحيح، في مسلم، وحمله على وجه يصح هو المتعين صيانة للصحيح، ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وابن حجر وجمع من أهل العلم حملوا نفي الذكر على نفي الجهر، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم يعني جهراً، لا يذكرونها فيما يسمعه الناس، ولا يمنع هذا من الإسرار بها، فتتفق الروايات على أن القراءة تبدأ جهراً بالحمد لله رب العالمين، وما يسر به يدخل فيه الاستفتاح، ويدخل فيه التعوذ، ويدخل فيه البسملة أيضاً، والإسرار بالبسملة مما يرجح كونها ليست من الفاتحة، وأكثر الأدلة تدل على الإسرار بها، والإسرار بها هو قول الحنفية والحنابلة وغيرهم، أما الشافعية فيرون الجهر بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنهم يرونها آية من الفاتحة.
"وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك" لم يشخص رأسه يعني يرفع رأسه {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] يعني ترتفع، شخص البصر يعني ارتفع، ومنه الشاخص، الشيء المرتفع، ومنه الشخص لارتفاعه عن الأرض، المقصود أنه لم يشخص يعني لم يرفع "ولم يصوبه" لم ينزله إلى جهة الأرض، ومنه الصيب، المطر الذي ينزل إلى جهة الأرض "ولم يصوبه" ولكن بين ذلك، يكون باستواء الظهر، وجاء في صفة ركوعه -عليه الصلاة والسلام- أنه يسوي ظهره، بحيث لو صب الماء على ظهره لاستقر، نلاحظ من كثير من المصلين الخلل في هذا الركن، إما أن يرفع رأسه وظهره أيضاً، أو يحنيه، يهصر ظهره هصراً، بحيث ينزله إلى جهة الأرض "ولكن بين ذلك" فعله -عليه الصلاة والسلام- بين ذلك، يسوي ظهره.(10/7)
"وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً" بخلاف بعض من ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، الذين يقولون: لا يستوي، مجرد ما يرفع رأسه يشعر نفسه أنه انتقل من الركوع يسجد، ومثله إذا انتقل من السجود يهوي إلى السجدة الثانية مباشرة، وهذا النقر مردود بهذا الحديث، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، ومثله إذا رفع رأسه من السجدة، لم يسجد حتى يستوي قاعداً، وأمر بذلك المسيء في صلاته، أمره بالطمأنينة في هذين الركنين، ثم ارفع حتى تطمئن رافعاً، الطمأنينة مأمور بها، وهي ركن في جميع أركان الصلاة، وإذا لم يكن صنيع هؤلاء هو النقر المنهي عنه فلا نقر.
"وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعداً" عرفنا صفة الركوع، وأما صفة السجود فستأتي في المجافاة، نعم تأتي في المجافاة -إن شاء الله تعالى-.
"وكان يقول في كل ركعتين التحية" في كل ركعتين يعني بعد الركعتين الأوليين تحية، وبعد الركعتين الأخريين تحية، بعد الأوليين التشهد الأول، وبعد الأخريين التشهد الثاني، لكن ماذا عن الثالثة؟ هل بعدها تحية أو لا؟ مقتضى الحديث بعد كل ركعتين، فإذا صلى المغرب وصلى ركعتين، جلس للتشهد الأول، ثم جاء بثالثة مقتضى هذا الحديث في كل ركعتين التحية، أما إذا كانت ركعة واحدة مفهومه أنه لا تحية، والأدلة القطعية دلت على أن التحية تكون بعد الثالثة، وتكون بعد الخامسة، وتكون بعد السابعة، وتكون بعد التاسعة في الوتر، وعند من يصحح الوتر بواحدة، وهو ثابت عن بعض الصحابة، يكون بعدها التحية، لكن هذا ماشي على الثنائية والرباعية، وما عداهما دلت النصوص القطعية عليه.(10/8)
"وكان يقول في الركعتين التحية" هذا عنوان التشهد، التحيات لله، ويقع في الصلاة تشهد واحد أو أكثر، بعض الصلوات فيها تشهد واحد، وبعضها فيها أكثر من تشهد، فيها تشهدان، فالتشهد الأول الذي يقع بعد الركعتين الأوليين واجب، بدليل وجوبه لأنه جبر بالسجود في حديث عبد الله بحينة على ما سيأتي، ولو كان مندوباً لما احتاج إلى سجود، وعدم ركنيته بدليل أنه لم يرجع إليه لما نبه، فدل على أنه واجب من واجبات الصلاة، وسيأتي تقريره في حديث عبد الله بن بحينة، وأما التشهد الأخير فهو ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به. "وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى" يعني يفرش اليسرى، ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، وهذا يسمى افتراش، وهكذا يجلس في التشهد الأول، والتشهد إذا لم يكن في الصلاة إلا تشهد واحد، وبين السجدتين، يجلس مفترشاً، وجاء ما يدل على أن من السنة أن يجلس على عقبيه بين السجدتين كما في حديث ابن عباس، وأما بالنسبة للتشهد الثاني يخرج رجله اليسرى بحيث تكون تحت ساقه اليمنى، ويجلس على مقعدته كما في حديث أبي حميد وغيره، وعلى هذا الصلاة التي فيها تشهدان دل الدليل على أن الافتراش في التشهد الأول، والتورك للتشهد الثاني، وهذا قول الحنابلة، الحنفية ما عندهم شيء اسمه التورك، كل جلوسهم افتراش، والمالكية ما عندهم افتراش في التشهد، إنما كله تورك، فالأول والثاني كله تورك، الحنفية في الأول والثاني افتراش، والحنابلة الأول افتراش، والثاني تورك، والشافعية يتورك في كل تشهد يعقبه السلام، فمن يوافقون من الأئمة؟ الشافعية؟ يوافقون من؟ في كل تشهد يعقبه السلام، اجب.
الطالب:. . . . . . . . .
من يوافقون؟ في كل تشهد يعقبه سلام، المالكية في الظهر والعصر والعشاء يتوركون في التشهدين، لكن الشافعية ما يتوركون في التشهد الأول، ولا في الثاني إذا لم يعقبه السلام، كيف يكون في التشهد الثاني ولا يعقبه السلام؟
الطالب:. . . . . . . . .
لا ما يصير ثاني، المسبوق ما يصير ثاني له.
الطالب:. . . . . . . . .(10/9)
ما يكون ثاني بالنسبة للمسبوق، نعم، إن صار عليه سجود سهو، ما يتورك، الحنابلة يقولون: يتورك في التشهد الثاني باستمرار، ويفترش في الأول، الشافعية في صلاة الفجر يتورك وإلا ما يتورك؟ يتورك؛ لأنه يعقبه سلام، في صلاة الظهر إن كان يعقبه سلام تورك وفي الثاني دون الأول، والدليل يدل على صحة ما ذهب إليه الحنابلة من الفرق بين التشهدين.
"وكان ينهى عن عقبة الشيطان" عقبة الشيطان، تبون نجيب منها مثال من ها الجالسين أو لا؟
الطالب:. . . . . . . . .
لا صعب يكون فيه إحراج له، هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
بالوصف ما يخالف، تمثيلها لا بأس، أما يمثل بشخص جالس إحراج له، مع أني إلى الآن ما رأيت من يطبقها تطبيق دقيق ولله الحمد، يجلس على إليتيه، ينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض، هذه عقبة الشيطان، وهي كما يقعي الكلب، مثل الكلب، يرفع الرجلين كلهن، ويضع يديه يستند على يديه في الأرض، يلصق الرجل إليتيه يديه على الأرض، وينصب فخذيه وساقيه، ويرسل يديه على الأرض، يعتمد عليهما، هذه عقبة الشيطان.
"وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" في رواية: افتراش الكلب، والمراد افتراش الذراعين وهذا قد يفعله بعض الناس إما جهل وإما حاجة، يحتاج إلى أن يضع يديه على الأرض، اليدين الذراعين إلى المرفق على الأرض وهو ساجد، هذا افتراش السُبع المنهي عنه، وقد نهينا عن مشابهة الحيوانات، ونهينا عن نقر الغراب، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش السُبع، ونهينا عن الإشارة عند السلام كأذناب خيل شُمس، يعني باليدين، ونهينا أيضاً عن بروك البعير، ونهينا عن تدبيح الحمار، على كل حال هذه الأمور موجودة في كتب الشروح، ومنظومة، من أرادها يرجع إليها.(10/10)
"وينهى عن أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السُبع" وكان يختم الصلاة بالتسليم، ولا شك أن الصلاة تفتح بالتكبير وهو مفتاحها، وتختتم بالتسليم، والتسليم ركن عند الجمهور والحنفية لا يرونه، لا يرونه ركناً، بل بمجرد ما ينتهي من التشهد يخرج من صلاته، ولو بالحدث، المقصود أن صلاته انتهت، ويستدلون ببعض طرق حديث ابن مسعود "أنك إذا قلت التشهد فقد تمت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم" وهذا كلام مدرج، وليس من أصل الحديث.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود.
الحديث الثالث: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة" يعني مع تكبيرة الإحرام يرفع يديه، إذا كبر للركوع رفع يديه، إذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه كذلك، وهناك موضع رابع، إذا قام من الركعتين، كما في حديث ابن عمر في البخاري، يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
رفع اليدين حذو مقابل المنكبين، والمنكب مجتمع رأس العضد مع الكتف، وجاء ما يدل على رفعهما إلى فروع أذنيه، فمنهم من اختار هذا، حذو المنكبين كالشافعية، ومنهم من اختار كالحنفية فروع الأذنين، ومنهم من قال: يوفق بينهما، يجمع بين النصين، بأن يكون أطراف الأصابع حذو فروع الأذنين، وخلف الكف يكون حذو المنكبين، وإذا أمكن التوفيق فهو متعين، فمنتهى الرفع للأصابع يكون مقابل لفروع الأذنين، وظهور الأكف إلى المنكبين.(10/11)
رفع اليدين في المواضع الثلاثة أو الأربعة يقول به أكثر أهل العلم من السلف والخلف، والحنفية يقولون: ترفع اليدان مع تكبيرة الإحرام فقط، وهو أيضاً قول عند المالكية، عند تكبيرة الإحرام، أما الرفع عند الركوع مع تكبيرة الركوع ومن الرفع منه، فقال به الشافعية والحنابلة، وعند الشافعية أيضاً وهو مخرج على أصول إمامهم الرفع في الموضع الرابع، أما الحنابلة فلم يقولوا بالموضع الرابع الذي هو بعد الركعتين، وعرفنا أنه مخرج في الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعاً، فهل خفي هذا الحديث على الإمام أحمد؟ ما خفي عليه، لماذا لم يقل به، ولم يقل به أتباعه؟ أما الأتباع فهم تبع له، وهذا شأن المقلد لا يقول بما يخالف قول إمامه، أما بالنسبة للإمام فلم يثبت عنده مرفوعاً، وعند الإمام أحمد موقوف، الإمام أحمد يرجح الوقف، والبخاري يرجح الرفع، إذا وجد مثل هذا الخلاف يعني هل الإمام أحمد دون البخاري في المنزلة في الحديث وعلله؟ ليس دونه أبداً، فإذا وجد مثل هذا الخلاف، فماذا نصنع؟ هل نقول: نرجح الرفع لأنه ثبت في صحيح البخاري، أو نرجح الوقف لأنه قال به إمام من أئمة المسلمين قوله معتبر؟ من الأئمة الحفاظ المعروفين، من شيوخ البخاري، أعني الإمام أحمد من شيوخ البخاري، فما الذي يرجح؟ يعني هل يلام الحنابلة حينما لا يقولون بالموضع الرابع وإمامهم لم يثبت عنده الرفع بل هو موقوف من فعل ابن عمر؟ طيب ما موقف طالب العلم الذي هو ليس بمقلد، يعني شأنه الإتباع، وثبت عنده الحديث في صحيح البخاري مرفوع، يرفع وإلا ما يرفع؟ وإذا رفع يكون رجح رأي البخاري على رأي أحمد، وإلا كيف يصنع طالب العلم؟
الطالب:. . . . . . . . .
لا هو الخبر واحد، إما مرفوع أو موقوف، لا بد من الترجيح في هذا، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .(10/12)
يعني حتى على الرواية الموقوفة العبادات توقيفية، لا تدرك بالرأي، ليست من اجتهاد ابن عمر، لكن في الجملة افترض أن المسألة مما للرأي فيها مجال، اختلف قول البخاري مع قول أحمد .. أولاً: ما ثبت في الصحيحين عن البخاري ومسلم لا يعارض بما قيل من أي إمام كان، لماذا؟ لأن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول، يعني الترجيح بين البخاري وأحمد فيما لو نقل الترمذي عن البخاري تصحيح حديث، وقال أحمد بتضعيفه هنا نرجح أو العكس، إمام مع إمام، لكن كتاب التزمت صحته وتلقته الأمة بالقبول، حتى جزم جمع من أهل العلم أن جميع ما في البخاري صحيح، وأنه قطعي، وقال قائلهم: لو حلف رجل بالطلاق أن كل ما في صحيح البخاري صحيح ما حنث، فتلقي الأمة بالقبول للكتابين لا يعارض بقول أي إمام، يعني لو نقل لنا تصحيح البخاري خارج الصحيح بسند يثبت عن البخاري، يقول الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عن حديث كذا، فقال: صحيح، ثم نقل لنا بالسند أو نص عليه في كتب الإمام أحمد أن الحديث ضعيف، هنا نرجح ونشتغل، لكن ما دام التصحيح في الصحيح الذي التزمت صحته ما لأحد كلام، ولذا لو روى الإمام البخاري حديثاً، وعارضه حديث بنفس الإسناد الذي رواه به البخاري في مسند الإمام أحمد، ماذا ترجح؟ أرجح ما في البخاري، بلا شك، فهذه المسألة ينتبه لها طالب العلم، صيانة الصحيحين أمر لا بد منه، ولا مندوحة عنه، نعم إذا وجد هناك تعارض واضح بين النصوص في الصحيحين، لا بد من العمل، لا بد من الترجيح بالطرق المعتبرة عند أهل العلم، لكن ما كان خارج الصحيحين لا يعارض بما فيهما.(10/13)
"حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما" إذا افتتح الصلاة، الأصل أن التكبير للدلالة على الشروع في الصلاة، وللركوع للدلالة على الانتقال من القيام إلى الركوع، وللرفع التسميع للدلالة على الانتقال من الركوع إلى الرفع، فإذا كان القول للدلالة على الفعل طُلب المقارنة بينهما، يكون القول مقارن للفعل، يعني هل الإمام إذا استتم قائماً قال: الله أكبر، أو إذا هوى وباشر السجود قال: الله أكبر؟ الأصل أن التكبير للانتقال، يعني للدلالة على الفعل فيكون مقارناً له، والرفع إنما هو للدلالة على الانتقال مع التكبير فيكون مقارناً له بحيث يرفع مع بداية التكبير، ويضع يديه مع نهايته.
هذا يقول: كيف يستطيع الإنسان أن يضبط الأقوال في المسائل مع نسبتها إلى قائلها؟ ويعرف الراجح فيها؟
هذه مع الوقت -إن شاء الله-، والعناية والاهتمام وكثرة المراجعة والمطالعة، وسماع الدروس؛ يضبط الإنسان؛ لأن العلم ينمو كما ينمو بدن الإنسان، وينمو عقله، وتنمو جميع ملكاته، يجتمع على يديه أيضاً من المسائل والعلوم، إذا صدق وجد في الطلب.
فيكون التكبير مقارن للانتقال، والرفع مقارن للتكبير؛ لأنه للدلالة عليه؛ لأن مما قيل في حكمة الرفع أن الأصم الذي لا يسمع التكبير يرى الرفع، فهو للدلالة عليه، فهو بمثابته، وإذا كبر للركوع لأن الأصل إذا افتتح، وإذا كبر، وإذا رفع، الأصل في الفعل الماضي أنه فرغ منه، فيكبر إذا فرغ؟ لأن الماضي ماضي على اسمه، أو إذا أراد التكبير رفع؟ أو إذا شرع في التكبير رفع؟ هذا إذا شرع؛ ليكون مقارناً له؛ لأن الفعل يطلق الماضي ويراد به الإرادة، إرادة الشيء {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [(204) سورة الأعراف] كلها إرادة، ويطلق ويراد به الفراغ من الشيء ((إذا كبر فكبروا)) إذا فرغ من التكبير، ويطلق ويراد به الشروع في الشيء كما في قوله: ((إذا ركع فاركعوا)) ((إذا سجد فاسجدوا)) ... إلى أخره.(10/14)
"وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما" كذلك، والموضع الرابع إذا قام من الركعتين، وهل يرفع قبل القيام أو بعد القيام أو مقارن للتكبير؟ مثل ما قلنا مع مقارنة التكبير، وإن قال بعضهم: إنه يرفع يديه قبل أن يقوم ثم يقوم.
"وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" سبق في باب الإمامة ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعل ويفعل ويفعل، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، فدل على أن الإمام يجمع بينهما، الإمام يجمع بين التسميع والتحميد؛ لأن هذا فعله -عليه الصلاة والسلام- وهو إمام، وما جاء في باب الإمامة ((إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا)) يدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده للتعقيب بالفاء، وهذا تقدم، ويدل على أن الإمام يقول: ربنا ولك الحمد هذا الحديث، خلافاً لمن يقول: إن الإمام يقول كذا، والمأموم يقول كذا.
"وكان لا يفعل ذلك في السجود" يعني لا يرفع يديه في السجود، إذا أراد السجود، وفي حديث أبي حميد: وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، فالهوي للسجود والرفع منه لا رفع، إنما الرفع في هذه المواضع المذكورة لا غير، هنا ثلاثة، والرابع في حديث ابن عمر، في حديث: "كان يرفع مع كل خفض ورفع" صححه ابن حزم وقال به، قال: لا بد من الرفع مع كل خفض ورفع، للركوع والسجود والرفع منه، والسجدة الثانية، وجلوس التشهد، هذا كله خفض ورفع، إذاً يرفع يديه، مع أن النص الصريح الصحيح حديث أبي حميد: "وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود" وهنا: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" وهي أصح، بل الحديث الذي فيه: الرفع مع كل خفض ورفع، إما أن يحمل على الركوع والرفع منه، أو يقال كما قال بعض أهل العلم: إنه وهم، الحديث وهم، صوابه: كان يكبر مع كل خفض ورفع.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين)).(10/15)
في حديث "ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) " عرفنا أنه إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت)) كما هنا، أو قال: ((نهيت عن قتل المصلين)) أن الآمر والناهي هو الله -جل وعلا-.
وإذا قال الصحابي: أمرنا أو نهينا، فالآمر والناهي هو من له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-.(10/16)
((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) في حديث العباس في مسلم وغيره ((إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب)) يعني أعضاء، سبعة ((على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه-)) للدلالة على أن الأنف تابع للجبهة، ليس بعضو مستقل؛ لئلا يقول القائل: سبعة والمذكور ثمانية! ولذا جاء في حديث العباس: "وجهه" ليدخل في ذلك الجبهة مع الأنف، لكن مقتضى حديث العباس وجهه، وهنا: على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، بينهما اختلاف وإلا ما بينهما اختلاف؟ الرجل السوي لا يختلف في حديث ابن عباس مع حديث أبيه، لكن لو افترضنا أن شخصاً أنفه صغير جداً، أو مقطوع الأنف، يسجد على وجهه، كيف يسجد على وجهه؟ يعني بكامل وجهه؛ لأن الذي يرفع بقية الوجه عن الأرض هو الأنف، فإذا قدر عدم وجوده أو وجوده صغيراً هل نقول: يسجد بوجهه أو على جبهته فقط؟ إذا ذهب الأنف، يعني مقتضى حديث العباس وجهه، إذا سجد سجد معه سبعة آراب، وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه، وجهه بدل من سبعة بدل بعض، هل نقول: إن هناك فرق بين على الجبهة والأنف، أو والوجه، وإلا ما في فرق؟ يعني الرجل السوي ما في فرق؛ لأن بقية وجهه يرتفع عن الأرض بالأنف، وعلى هذا إذا قطع الأنف هل نقول: بالإمكان أن يطبق السجود على الوجه أو نقول: نفترض أن الأنف موجود ويكتفي بالجبهة؟ وش يترتب عليه؟ إذا سجد بوجهه معناه أن الفم والخدان كلها في التراب، وهذا مقتضى حديث العباس، لكن المقصود بالوجه ما جاء بيانه في حديث الباب على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، ليس المقصود الوجه كاملاً، بمعنى أنه لو كان الأنف مقطوع يسجد على الجبهة فقط، كما أن الأقطع يغسل بقية المفروض، هذا هو الأصل، والمراد بالوجه في حديث العباس المراد به الجبهة والأنف، هذا إذا قدر وجود الأنف الذي يرفع بقية الوجه، أما إذا لم يوجد فيفترض كأنه موجود، يسجد على الجبهة فقط، ولا يسجد على وجهه، بمعنى أنه لا يلصق فمه بالتراب، أو خديه بالتراب، فحديث ابن عباس مفسر للمجمل في حديث أبيه.(10/17)
((على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه-)) فالأصل في السجود الجبهة، ويسجد على الأنف تبعاً لها، وعلى هذا لو سجد على الأنف فقط ورفع الجبهة يصح السجود أو ما يصح؟ ما يصح، لكن لو سجد على الجبهة ورفع الأنف محل خلاف بين أهل العلم، والأصل أنهما كالعضو الواحد، لو رفع بعضه وبقي بعضه، ويوضحه ما بعده اليدين، السجود على اليدين، والمراد باليدين الراحة مع بطون الأصابع، هل نقول: إن اليد هنا مطلقة وفي حديث الوضوء مقيدة إلى المرافق، فيسجد باليدين على المرافق، يحمل المطلق على المقيد؟ لا، لماذا؟ للاختلاف في الحكم والسبب، وإذا اختلف الحكم والسبب ما يحمل المطلق على المقيد، وجاء أيضاً التنصيص على منعه، الافتراش، فاليدان هما الراحة مع بطون الأصابع، وكثير من المصلين يرفع الراحة، يسجد على بطون الأصابع فقط كذا، لا سيما الأحداث صغار السن، يحصل منهم كثيراً، ومثل هذا السجود لا يجزئ، فاليد الراحة هي الأصل، وبطون الأصابع تبع كالأنف، وبعض الناس يجمع اليدين بالجمع، يسجد على الجموع، وهذا أيضاً لا يجزئ؛ لأن السجود ركن، وقد أمرنا بالسجود على السبعة، فلا يتم الامتثال إلا بتحقق مباشرة السبعة للمسجود عليه، فينتبه لهذا، بعض الناس على الأصابع هكذا، ما يجزئ هذا، لكن لو سجد على الراحة، ورفع الأصابع كما لو سجد على الجبهة ورفع الأنف، وفيه الخلاف المعروف.(10/18)
((واليدين والركبتين)) هذا المخالفة فيه نادرة، يعني وقوع المخالفة من المصلين بما في ذلك الجهال والصغار نادرة، ما في أحد بيرفع ركبته على الأرض إذا سجد، هذه نادرة، لكن لا بد من السجود على الركبتين، وأطراف القدمين، ولتكن الأصابع أثناء السجود مضمومة، وتكون اليدان بحيال الوجه، وأصابع الرجلين إلى جهة القبلة، كما جاءت بذلك النصوص الصحيحة، مباشرة هذه الأعضاء للأرض، أو المسجود عليه، أما بالنسبة للركبتين فلا بد من سترهما، فلا يمكن أن تباشر الركبتان المسجود عليه، وأطراف القدمين جاءت النصوص الصحيحة بالصلاة بالخفاف والنعال، فلا مانع من سترهما، والمباشرة بالحائل لا بد منها، طيب أطراف القدمين الذي يرفع رجليه، وهذا ملاحظ من بعض المصلين، يرفع رجليه وهو ساجد، هذا صلاته معرضة للبطلان، قال ببطلانها جمع من أهل العلم، بعضهم قد يحتاج إلى أن يرفع إحدى القدمين، مثلاً يصلي ساجد جاءت بعوضة فلسعت إحدى رجليه، فاحتاج أن يحكها بالأخرى، ويعيدها إلى مكانها هذا لا يضر -إن شاء الله تعالى-، مثل هذا لا يضر، قلنا: إن القدمين يجوز سترهما بالخفين، والركبتان لا بد من سترهما، وبقيت اليدان والوجه، يعني إذا سجد على حائل، يقول: إذا كان الحائل منفصل فالنبي -عليه الصلاة والسلام- سجد على الخمرة، وهي قطعة بقدر الوجه، إذا كان حائل فلا بأس لا سيما مع الحاجة، وأما بالنسبة .. ، هذا المنفصل، أما المتصل إذا أراد أن يسجد وضع شماغه ما دام متصلاً به هذا يطلقون فيه الكراهة، مع أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، يعني من الحاجة أن تكون مثلاً الأرض المسجود عليها حارة، أو باردة شديدة البرودة، أو يكون فيها شوك، لكن بعض الناس من باب الترف، يقول: هذه الفُرش وطئت بالأقدام، وسجد عليها أناس كثير، أحط شماغي أنظف، هل هذه حاجة؟ نعم إذا كان هناك روائح لا يطيقها تنبعث من هذه الفرشات فلا بأس هذه حاجة، أما شيء ما هو بواقع ما فيها روائح، يبي يملأ فمك تراب فيما بعد، تتكبر عن فرشة فرشت لأطهر البقاع للمساجد! تقول: الناس داسوها بالأقدام! وعلى كل حال أهل العلم يكتفون بالكراهة في مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .(10/19)
والله متقضى الحديث السجود ركن، ولا بد من السجود على الأعضاء السبعة، إذا كان جاهل وأول مرة يدري، مثل هذا ما ذهب أقول: ما مضى عفا الله عنه، لكن لا يعود، والذي عنده علم لا يجوز له ذلك بحال، وإعادة الصلاة بالنسبة له متجهة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) ثم يكبر حين يهوي، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس.
وعن مطرف بن عبد الله قال: صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكرني هذا صلاة محمد -صلى الله عليه وسلم-، أو قال: صلى بنا صلاة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
في الحديث يقول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم" تكبيرة الإحرام "ثم يكبر حين يركع" تكبيرة انتقال، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) ثم يكبر للانتقال حين يهوي إلى السجود، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر حين يسجد الثانية، ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجدة الثانية، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس، هذه تكبيرات الانتقال الأولى تكبيرة الإحرام، وعرفنا حكمها، وأما تكبيرات الانتقال الواردة في هذا الحديث والذي يليه حديث مطرف بن عبد الله: "صليت أنا وعمران بن حصين" وهنا قوله: (أنا) ضمير فصل لا محل له من الإعراب، مضى نظائره، يؤتى به لتسويغ العطف.(10/20)
"أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر" هذه تكبيرات الانتقال، وكان فيها خلاف قديم في زمن أبي هريرة، وجد من الخلفاء من لا يكبر، ووجد من لا يجهر بالتكبير، لكن انقرض هذا الخلاف، فأجمعوا على مشروعية تكبيرات الانتقال، والجمهور على أنها سنن، لا يجب من تركها شيء، وهذه التكبيرات عند الحنابلة واجبة، الانتقال، قال الحنابلة بوجوبها، لمداومته -عليه الصلاة والسلام- عليها، كما في هذين الحديثين، مداومة خلفائه من بعده، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالمداومة تدل على أن هذا من الواجبات، خلافاً للجمهور الذين اكتفوا بمجرد الاستحباب كغيرها من الأذكار باستثناء الفاتحة؛ لأن عندهم أيضاً "سبحان ربي الأعلى" "سبحان ربي العظيم" "سمع الله لمن حمده" عند الجمهور سنن، لكن الحنابلة يقولون بالوجوب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- داوم على هذه الأمور، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ولم يتركها ولا مرة واحدة، فدل على أنها واجبة، لو تركها مرة واحدة، قلنا: الترك دليل على أن الفعل للاستحباب، على أن الفعل بمفرده عند الجمهور لا يدل على الوجوب، لكن للاستمرار بحيث لم يترك ولا مرة واحدة، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وكون هذه الصلاة تتكرر مراراً، بهذه الأقوال وهذه الأفعال دل على أنها واجبة.(10/21)
"قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فكان إذا سجد كبر" يعني للسجود "وإذا رفع رأسه من السجود كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر" كأن هذه التكبيرات من التكبيرات التي تركت في عهد بني أمية، كأنها تركت، ولذا لما قضى الصلاة، قضى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الصلاة، أخذ بيدي يقوله مطرف "أخذ بيدي عمران بن حصين" الصحابي الجليل الذي كان يسلم عليه في مرضه، يسلم عليه عياناً، الخبر صحيح، في الصحيح، تسلم عليه الملائكة عياناً، يسمع السلام، فلما اكتوى انقطع التسليم، فلما ندم عاد التسليم، صحابي جليل يقول: "ذكرني هذا صلاة محمد -صلى الله عليه وسلم-" يعني في عصره تساهل الخلفاء بالتكبير، واقتدى بهم بعض الناس "أو قال" وهذا شك من مطرف " أو قال: صلى بنا صلاة محمد -صلى الله عليه وسلم-" التي نسمع فيها التكبير، كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، سيأتي في حديث المسيء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بتكبيرة الإحرام، وفي البقية قال: ((اركع ثم اسجد ثم ارفع)) ما قال: كبر للركوع، كبر للسجود، لعله مستمسك الجمهور في مثل هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: هل يغني المغني ليكون عمدة في المذهب الحنبلي؟(10/22)
المغني للطالب المنتهي نافع جداً، وهو عمدة في مذهب الحنابلة، ودليل على المذاهب الأخرى؛ لأن المذاهب تؤخذ من أصحابها، فقد ينسب المغني، أو النووي في المجموع، أو شراح الحديث، أو التفاسير الكبار التي تعنى بنقل المذاهب، قد تنسب إلى المذهب رواية غير المعتمدة في المذهب، وغير المشهورة في المذهب، فيكون المغني بالنسبة لمذهب الحنابلة عمدة؛ لأنه إمام من أئمة الحنابلة، فإذا نسب لأبي حنيفة قولاً يتأكد من هذا القول في كتب الحنفية، نسب إلى الشافعي قولاً يتأكد من كتب الشافعية وهكذا، فالمغني من أنفس الكتب التي تذكر المذاهب بأدلتها، وهو عمدة في مذهبه، دليل على المذاهب الأخرى، وقل مثل هذا في المجموع للنووي، والاستذكار لابن عبد البر، وهو في الأصل شرح للموطأ، لكنه جمع فيه ابن عبد البر مذاهب فقهاء الأمصار بأدلتها، وهو عمدة في مذهب المالكية، دليل على المذاهب الأخرى وهكذا.
يقول: هل طبعت المطالب العالية التي هي عبارة عن رسائل؟
نعم طبعت كاملة في دار العاصمة، مطبوعة كاملة.
يقول: في حديث دعاء الاستفتاح: ((اللهم باعد بيني)) ألا نقول بأن قوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) للذنوب التي لم تقع، وقوله: ((اللهم نقني من خطاياي)) للذنوب المتعلقة بحقوق الناس، وقوله: ((اللهم اغسلني)) للذنوب التي وقعت.
على كل حال هذا مجرد التماس.
يقول: أي الطبعات أفضل للكتب التالية مسند أبي يعلى؟
مسند أبي يعلى مطبوع محقق في أجزاء كثيرة، وله طبعات، لكن أفضلها الطبعة المحققة لسليم الهلالي، أو ما أدري من هو؟ نسيت والله اسم المحقق بالتحديد.
مصنف عبد الرازق؟
الطبعة المعروفة الإحدى عشر مجلد، مصنف عبد الرزاق بعناية حبيب الرحمن الأعظمي.
وأما مصنف ابن أبي شيبة؟
فالطبعات كلها لا تسلم من أخطاء، الموجودة كلها لا تسلم من أخطاء، بما في ذلك أصل هذه الطبعات الهندية، الآن يطبع الكتاب بعناية اثنين من طلاب العلم، الطبعة هي أمثل من الموجود، فيها شيء من التصحيح، والتعليق الخفيف، وهو تحت الطبع.
والتمهيد؟
الأصل في الطبعات كلها الطبعة المغربية.
يقول: ذكرتم أن الإمام لا يخص نفسه بالدعاء فكيف في حال الجلسة بين السجدتين يقول: رب اغفر لي؟(10/23)
هذا يشرع لكل مصلٍ، وهو لا يؤمن عليه، فلا مانع من تخصيص نفسه بالدعاء، كدعاء الاستفتاح.
يقول: أفضل طريقة للاستفادة من شروح الكتب السنة لا سيما البخاري؟ وأيهما أفضل؟ إمضاء الوقت باختصار فتح الباري أو قراءته فقط، والانطلاق لما بعده من الشروح؟ وهل لكتاب إرشاد الساري طبعة مناسبة يمكن الحصول عليها .... صورة الطبعات التجارية؟
أقول: طالب العلم إن كان مجرد الجرد والقراءة يستوعب ويحفظ فالقراءة أسرع، على أن يدون رؤوس المسائل لمراجعتها عند الحاجة، أقول: إذا كان الطالب طالب علم يستوعب ويستفيد من القراءة الجرد من غير تدوين للمسائل، هذا لا شك أنه أسرع، على أن يأخذ أقلام ملونة في طريقة شرحناها مراراً، يجعل لكل نص لون خاص، هذا النص هو بحاجة إلى حفظه، يضع عليه لون أحمر مثلاً، وهذا المقطع بحاجة إلى فهمه، والسؤال عما يشكل فيه، يضع عليه علامة خضراء مثلاً، هذا المقطع يحتاج إلى أن ينقله في مذكرته؛ لأن كل طالب علم يجب أن يكون عنده مذكرة، ينقل فيها ما يستغرب من الفوائد والعلوم التي توجد في غير مظانها، ويدون رؤوس المسائل يرجع إليها عند الحاجة، إذا كان لا يستوعب بهذه الطريقة، طريقة الجرد فالاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، فيختصر الكتب، يمسك فتح الباري بدل ما هو بأربعة عشرة مجلد يختصره في نصف حجمه، أو ثلث حجمه، يقتصر منه ما يريد، يعلق ما يحتاج منه على نسخته، وهكذا. اختصار فتح الباري أو قراءته فقط والانتقال إلى ما بعده من الشروح؟
مثل ما ذكرنا إذا كانت القراءة يفيد منها طالب العلم، وعنده حافظة تسعفه للإفادة من القراءة مجرد سرد مرة واحدة، فهذه أسرع، أما إذا كان لا يستفيد إلا من معاناة وتعب وترديد كلام، فالاختصار ينفعه كثيراً.
وهل لكتاب إرشاد الساري طبعة مناسبة يمكن الحصول عليها؟
نعم الطبعة السادسة التي في حاشيتها شرح النووي على مسلم، من أصح الطبعات، وصورت، ومتدوالة.
يقول: هل هناك أحاديث مدونة في داووين الإسلام من الصحاح والمسانيد والسنن؟ ولم يتكلم عليها الأئمة بتصحيح أو تضعيف؟ وإذا كانت الإجابة بلا فما مدى فائدة دراسة مصطلح الحديث إذاً؟(10/24)
دراسة مصطلح الحديث تؤهل الطالب للاجتهاد، من أجل الحكم على الأحاديث التي لم يحكم عليها إن وجدت، أو للترجيح بين أحكام الأئمة؛ لأنه افترض أن الأحاديث كلها حكم على بعضها أئمة بالتضعيف، وحكم عليها آخرون بالتصحيح، أو توقف بعضهم، أو حكم بعضهم بحكم لا تفهمه أنت ولا من في طبقتك، فعلم المصطلح يؤهلك للترجيح بين أقوال الأئمة؛ لأنه إذا صحح إمام وضعف إمام وش موقفك؟ هل نقول: إن هذا الحديث خلا عن حكم الأئمة؟ ما خلا، لكن أنت بحاجة إلى من يرجح لك.
ما الدليل على أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يضم رجليه عند السجود؟
جاء التصريح بإلزاق الكعب أو القدم بالقدم، وجاء قول عائشة -رضي الله عنها-: "فوقعت يدي على رجليه" ومنهم من يرى أن الأصل في الصلاة المجافاة، بما في ذلك الرجلين.
يقول: رئي الإمام مالك بن أنس في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بكلمة كان يقولها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عند رؤية جنازة: "سبحان الحي الذي لا يموت" فكنت أقولها، السؤال هل قولها سنة؛ لأنها مروية عن أحد الخلفاء الراشدين؟
إذا ثبتت عن عثمان نعم، وأما بمجرد رؤيا فلا، الرؤية لا يثبت بها حكم شرعي.
يقول: يريد كلمة لطلبة العلم حول ثلب العلماء، وموقف طالب العلم من ذلك.
أولاً: عموم الأعراض والكلام فيها حرام، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، نسأل الله العافية، وجاء التشديد في أعراض المسلمين، وأعظم ما يحتاط له أعراض أهل العلم؛ لأن الوقوع في أعراضهم يزيد على كونه غيبة رجل مسلم لا تجوز غيبته بحال، يزيد على ذلك تنقصهم والتقليل من شأنهم، فإذا قلل من شأن أهل العلم الذين هم المرجع في بيان الدين، لا شك أن الأمة تضيع، إلى من يرجع عوام المسلمين إذا أُذهبت هيبة العلماء ومكانتهم ومنزلتهم والعامي فرضه التقليد؟ إذا لم يقلد العلماء من يقلد؟ على كل حال هذا أمر عظيم، والبلدان بلدان المسلمين عموماً ما ضاعت، ولا ضاع العوام في أقطار الأرض إلا لما قلل من شأن العلماء، وأُذهب هيبتهم من النفوس، على كل حال هذا أمر في غاية الخطورة، من عنده ملاحظة على أي عالم من العلماء يذهب إليه ويناصحه.(10/25)
يقول: ذكرت في درس الأمس أنه جاء زمن لا يكبرون تكبيرات الانتقال فكيف كان يتصور الانتقال خاصة في السجود؟
على كل حال مثل هذا لا شك أنه يوقع في لبس، ولذا شرع .. ، تكبيرات الانتقال شرعت من أجل هذا، والصوت إنما شرع من أجل المأموم، ولذا المنفرد لا يرفع صوته، ويقع الناس في لبس، وعلى كل حال هذا حصل في زمن أبي هريرة حصل من بعض الخلفاء أنهم لا يكبرون تكبيرات الانتقال، أو يكبرون من غير جهر، ولذا من رفع صوته بالتكبير قال: ذكرنا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
مسألة المياه وانقسامها إلى قسمين أو ثلاثة ما الراجح فيها؟ وهل من يقول: إن الماء قسمان يقلدون شيخ الإسلام خاصة، وأن أكثر أهل العلم يقولون: إن الماء ثلاثة أقسام؟
على كل رأي الإمام مالك أن الماء ينقسم إلى قسمين فقط، طاهر ونجس، وهو رأي شيخ الإسلام، لكنه هو رأي الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، والمسألة طويلة الذيول، بسطت في مناسبات كثيرة.
يقول: يعزو كثير من الكتب الفقهية وغيرها القول إلى الأئمة، ثم يتضح أن العزو خطأ، هل يوجد كتاب نقله موثق للأئمة؟
ما في أوثق من نقل الأصحاب عن أئمتهم، فإذا أردت أن تنسب قول إلى الإمام أحمد ترجع إلى كتب الحنابلة، وإذا أردت أن تنسب إلى أبي حنيفة ترجع إلى كتب الحنفية، إلى مالك إلى الشافعي وهكذا، وليس سبب ذلك أنهم لا يهتمون أو لا يكترثون، لكن جهلهم بالمذهب، علمهم بمذاهب غيرهم ليس كعلمهم بمذاهبهم، فإذا تصورنا أن للإمام أحمد روايات في كثير من المسائل، قد يُنقل عن الإمام أحمد رواية ليست هي المعتمدة في المذهب، وليست هي المشهورة في المذهب، أو ليست هي التي يقرر الحنابلة أنها هي المذهب، وقل مثل هذا في المذاهب الأخرى، ينقل عن الشافعي قول لا يكون العمدة والفتوى عليه، ولكل قوم اصطلاحهم، فالفتوى عند الشافعية على القول الجديد إلا في مسائل يسيره، ثلاثة عشرة مسألة، أو بضع عشرة مسألة، يُفتى فيها على القديم، وهي موضحة عندهم.
يقول: الحديث عن تصرفات ومواقف العلماء دون الدخول في نياتهم إنما نقد مواقفهم وخذلانهم للمسلمين هل في ذلك شيء؟(10/26)
على كل حال كل ما يؤدي إلى التقليل من شأن أهل العلم يؤدي إلى تضييع العامة، من كانت عنده ملاحظة على عالم ينبهه، ولا يمنع أن يبنه غيره ممن هو أكبر منه، لينبهه إذا لم يمتثل، وتبذل الجهود من أجل هذا، أما أن نقصر في هذا الباب، في باب النصيحة، ونذكر الأخطاء لعامة الناس، فيطلعون عليها، ويحذرون من أهل العلم، ماذا يبقى لهم؟ إذا لم يقتدوا بأهل العلم بمن يقتدون؟!
هذا السؤال من تونس يقول: ما حكم الزواج من مسيحية؟
على كل حال الزواج من الكتابية جائز، لكن لا شك أن له أخطاره، خطر على الأولاد، وخطر على الإنسان نفسه، وكم من إنسان أقدم على الزواج من مخالفة في الدين، أو في المذهب في العقيدة، فصارت الهيمنة للمرأة، فيخشى على الإنسان وإلا فالأصل الحكم بالجواز، الزواج بالكتابية جائز، لكن يبقى أن بعض الصحابة حذر تحذيراً شديداً لما يترتب عليه من آثار.
كذلك الزواج من المرأة الفاسقة يخشى على الزوج منها، وبعض الناس يبحث عن الجمال مثلاً، أو عن المال، الناس لهم مقاصد متعددة من زواجهم، ثم يقول: الدين يجي، يأتي بالدعوة، ثم لا يلبث أن يتحول هو، نسأل الله السلامة والعافية، قصة عمران بن حطان الخارجي المعروض، مادح ابن ملجم قاتل علي، داعية من دعاة الخوارج، كان على العقيدة الصحيحة، السليمة، رأى امرأة خارجية أعجبته، غاية في الجمال، فقال: نكسب الدين والدنيا، نكسب الجمال، ونكسب الدعوة، ندعوها إلى مذهب أهل السنة، لكن وش اللي حصل؟ حصل العكس، فلا يقدم الإنسان على أمر فيه خطر عليه، على دينه، مهما كان المبرر، وأبشع منظر رأيته في حياتي، شاب في الخامسة والعشرين من عمره لحيته إلى نصف صدره، وينتقل بين الدروس من حلقة إلى حلقة، ثم فجأة رأيته في الدرس حالق للحيته، بالموس يعني ما هو مقصر، بالموس، وإذا السبب امرأته، قالت: يا أنا يا اللحية، فلا يقدم الإنسان على شيء يضره، لا سيما ما يضره في الدين، ومثل هؤلاء كيف يتربى الأولاد؟ على أي معنى، لا شك أنها مسألة خطرة.
هذا من المغرب يقول: سؤالي عن الأناشيد التي فيها بعض الأدوات الموسيقية؟(10/27)
الأناشيد التي يسمونها أناشيد إسلامية، الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وأنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الكلام مباحاً، يعني مادته مباحة، ولم يصحبه آلة، وأدي بلحون العرب فهو جائز لا شيء فيه، أما إذا أدي بلحون الأعاجم، وعلى طريقة الفساق والمتماجنين، مثل هذا لا يجوز بحال، ولو لم يصحبه آلة، وإذا صحبته آلة فالآلة جاء منعها في النصوص، قد يقول قائل: إنه ما هناك آلات، لكن هناك مؤثرات صوتية، وترديد لبعض الكلام الذي يجعله بمثابة الآلة، إذا كانت هناك مؤثرات صوتية تؤدي نفس الغرض الذي تؤديه الآلة منع؛ لأنه ليست الآلة مقصودة لذاتها، إنما المقصود ما يصدر عنها، فإذا صدر عنها بعض المؤثرات وإن كانت غير محسوسة لا تلمس ولا ترى، إنما بطريقة يؤدونها مهرة في هذا الباب، كيف يطلعون هذا الصوت؟ وكيف ينزلونه؟ وكيف يكررون بعض الكلمات المتتابعة؟ هذا إذا كان أثره في النفس مثل أثر الآلات منع.
سائل من الإمارات يقول: في حديث عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ... الحديث، السؤال في قوله: إذا قعد يدعو، قال العلماء: إن القعود في الدعاء يكون في ثلاثة مواضع، بين السجدتين، والتشهد الأول والتشهد الأخير.
التشهد الأول ما فيه دعاء، إنما في بين السجدتين، وإذا فرغ من التشهد الأخير استعاذ بالله من الأربع، يتخير من المسألة ما شاء.
السؤال: كيف يكون في التشهد الأول وهم اختلفوا في الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- "اللهم صل على محمد وعلى آله ... ، إذا كان بين السجدتين هناك دعاء، وهو "اللهم أهدني وعافني" هل نتخير من الدعاء ما نشاء أم نتقيد بهذا فقط؟
على كل حال من مواطن الدعاء السجود، يتخير فيه الداعي ما شاء، ويحرص على جوامع الأدعية، وكذلك في نهاية الصلاة قبل السلام، وأما بين السجدتين فيلتزم بما ورد، ويكرره إذا طال الوقت.
يقول: تحريك الأصبع في التشهد هل يكون عند الدعاء أو عند لفظ بالجلالة أو من بداية التشهد إلى نهايته؟(10/28)
جاء التحريك، وجاء يحركها يدعو بها، وجاء نفي التحريك، والمترجح من النظر في عموم النصوص أنها تبقى مرفوعة، تحرك عند لفظ الشهادة، أشهد أن لا إله إلا الله، وعند الدعاء، فإذا دعا يدعو بها، يحركها يدعو بها، فهي عند الدعاء تحرك، وعند لفظ الشهادة ترفع، وهي الدلالة على الشهادة، ولذا لما رفع أصبعيه قال له: أحد، أحد، فالشهادة إنما تكون بأصبع واحدة؛ لأنها إشارة إلى الواحد الأحد.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: رمقت الصلاة مع محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء، وفي رواية البخاري: ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(10/29)
"عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: رمقت" لحظ، وسبر "صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-" يقول: "فوجدت قيامه، فركعته فاعتداله" يعني بعد الركوع "فسجدته فجلسته بين السجدتين فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريباً من السواء" استثنى في رواية البخاري: "ما خلا القيام والقعود قريباً من السواء" وإذا استثنينا القيام والقعود للتشهد الأخير التساوي متصور، التساوي والقرب منه متصور، لكن إذا قرأ في الصلاة خمسة أجزاء، كما قرأ البقرة والنساء وآل عمران، كيف يكون ركوعه وقيامه وسجوده وجلوسه قريب من السواء؟ وذكرنا فيما مضى أن هذا الاستواء قد يراد به الاستواء النسبي، بمعنى أنه إذا أطال القيام أطال الركوع، وأطال السجود، طول نسبي، ولا يلزم من هذا التساوي في الوقت، يقرب هذا أنك إذا رأيت ثوباً معلقاً، ثوب طوله مائة وستين سانتي، والكم شبر، هذا كم مساوي للبدن؟ وهل يلزم أن يكون الكم مائة وستين علشان نقول: الكم مساوي للثوب؟ لا، لا يلزم هذا، فالتساوي تساوي نسبي، يعني إذا رأيت شخص وزنه معتدل، وطوله معتدل، ويديه مناسبات، ورجليه .... تساوي، لكن بعض الناس تشوفه مثلاً سمين جداً، متين، والرجل ما هي بسمينة، هذا متساوي؟ أو اليد صغيره، أو الرأس صغير، هذا ما فيه تساوي، ولا يلزم من تساوي الأعضاء أن تكون بنفس المقدار، بنفس الوزن، بنفس الطول، لا، أمثلة تقريبية، فعندنا إذا قرأ خمسة أجزاء بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وهذا ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، هل يلزم أن يسجد ساعة؟ ويركع ساعة؟ ويجلس ساعة؟ ويرفع ساعة؟ لا، هذه تحتاج إلى يوم، علشان يصلي ركعتين، علشان يصلي ركعتين بهذه الطريقة يحتاج إلى يوم كامل، فالمراد بالمساواة هنا المساواة المتناسبة النسبية، بمعنى أنه إذا أطال القيام يطيل الركوع، إذا أطال الركوع يطيل الاعتدال، إذا أطال يطيل ... ، وهكذا، ما يقرأ في الركعة الأولى جزء والركعة الثانية جزء، وبقية الركعة في دقيقة، ما يجي، هذا ليس قريباً من السواء، لكن إذا قرأ جزء، وركع دقائق خمس أربع ست، وهكذا، والسجود مثل، يقال: قريباً من السواء، هذا الاستواء النسبي، لكن إذا استثنينا كما في رواية البخاري: ما خلا القيام(10/30)
والقعود خرجنا من الإشكال، لا مانع أن يكون الركوع بقدر السجود، والجلسة بقدر السجود، والرفع منه بقدر الركوع وهكذا، يكون الاستواء حقيقي ما هو بنسبي، لكن رواية البخاري لحديث البراء، الحديث نفسه مخرجه واحد، فهل يقال: إنه مرة، البراء بن عازب مرة قريب من السواء، ومرة أطال -عليه الصلاة والسلام- القيام والقعود أكثر من الركوع والسجود، يعني يحمل على تعدد القصة مع أن المخرج واحد؟ منهم من يرى هذا، ويقول: إن هذا أولى من توهيم الرواة، لكن كونه رمق الصلاة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- هل يمكن أن يتم له هذا من خلال صلاة واحدة، أو هو يريد أن يقرر هذا من خلال الاستقراء؟ يعني نظر في أكثر من صلاة فوجد الأمر هكذا، ولذا ساقه، وبينه للناس؟ يريد أن يخرج بنتيجة استقراء وتتبع، هل نقول هذا؟ وعلى هذا يلزم عليه توهيم الراوي للرواية الأخرى "ما خلا القيام والقعود قريب من السواء" وهذا قد يسلكه بعض المحدثين؛ لأن المخرج واحد، هذه العلة التي قد تجري على قواعد أهل الحديث، قد لا تجري على قواعد الفقهاء؛ لأن الاستثناء تخصيص بعد تعميم، لكن متى نقول مثل هذا؟ لو كان لفظ الحديث: رمقت الصلاة بجميع أركانها، فرأيتها قريباً من السواء، يعني ما نُص على القيام، يعني لو لم ينص عليه بعينه، بل دخل تحت العموم، انتبهوا يا الإخوان؛ لأنه الآن الإشكال وش هو فيه؟ الإشكال أن مفهوم الحديث أن الركوع طول القيام، والسجود طول القيام، هذا مفهومه، ثم الاستثناء الوارد بعد ذلك "ما خلا القيام والقعود" والقيام منصوص عليه، يعني هل يسوغ أن تقول: جاء محمد وزيد وعمرو وبكر وخالد ما خلا محمد وزيد، وأنت ناص عليهم في الجملة؟ يسوغ هذا وإلا ما يسوغ؟ لكن لو تقول: جاء الرجال، جاء الطلاب إلا زيد وعمرو، صح، فالاستثناء تخصيص والتخصيص إخراج بعض أفراد اللفظ العام، لكن ما دام نص على شيء ليس بعام، فكيف يخرج المنصوص عليه بنص مساوٍ له؟ لأنه نُص "فوجدت قيامه" والقيام هنا المراد به قيام القراءة الأول الذي قبل الركوع، ولذا: "وجدت قيامه فركعته فاعتداله" ثم يقول: ما خلا القيام؟ يستثني؟ فإما أن يحمل على تعدد الأحوال، أنه في كثير من الأحوال قريب من السواء، وفي بعض(10/31)
الأحوال استثنى فأطال القيام أكثر من غيره، وأطال القعود أطول من غيره، وهذا عند الفقهاء أسهل من توهيم الرواة، يعني هذا يجري على قواعد الفقهاء، لكن أهل الحديث ما عندهم مانع، إذا كان المخرج واحد، والاختلاف على الرواة لا بد فيه من الترجيح، فمنهم من يرجح هذا أو هذا، أما القول بتعدد القصة كما يستروح إليه بعض العلماء، الذين ليس عندهم من الجرأة ما يستطيعون أن يوهموا به الرواة، ولا شك أن صيانة جانب الرواة، وكتب الصحيح الصحيحين وغيرهما، أمر في غاية الأهمية، وإذا وجد للكلام محمل صحيح لا شك أنه يتعين، الكلام إذا لم يوجد محمل صحيح، العلماء الكبار عندهم من القرائن ما يحكمون به على أن هذه الرواية وإن جاءت من طريق الثقات إلا أنها خطأ، وهم، ما عندهم مانع، ولذا يرى بعضهم ثبوت ما يرويه مسلم في تعدد صفة صلاة الكسوف، الذي في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها بركوعين، وجاء في مسلم ثلاثة ركوعات وأربعة، وجاء في غيرها خمسة، منهم من يقول: كلها صحيحة، كلها ثابتة، وتعددت القصة، وش المانع؟ لكن الذي يقول: لم يحفظ أنه حصل الكسوف، أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الكسوف إلا مرة واحدة؟ فعلى هذا الرواية الأخرى وهم، وإن كانت في الصحيح، وهما مسلكان لأهل العلم، منهم من يرى صيانة جانب الصحيح، ولا يحكم بتوهيم الرواة، ما دام وجد لذلك محمل، ولا القول بتعدد القصة، ومنهم من يجزم، يضعف ويوهم، وهذه طريقة لأئمة كبار، وشيخ الإسلام يقول: أبداً صلاة الكسوف مرة واحدة، وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-، باعتبار أن صلاة الكسوف يوم مات إبراهيم، إبراهيم والله ما مات إلا مرة واحدة، لا شك أن مثل شيخ الإسلام عنده من الأصل الذي يعتمد عليه من نصوص الشريعة، وقواعد الشريعة ما يجعله يجرؤ أن يقول: ((أحابستنا هي؟ )) ويقول شيخ الإسلام: ما تحبس الرفقة، لكن من دون شيخ الإسلام لا يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام بحال، لكن يلاحظ على بعضهم الغلو في صيانة الرواة، فيصحح ويعدد القصة، ولو كان الاختلاف مرده إلى اختلاف ألفاظ الرواة، يعني إذا اختلف راوٍ مع راو ولو لم يترتب عليه أثر هذا الخلاف في سياق(10/32)
حديث قال: تعددت القصة، لا شك أن مثل هذا غلو، فالمسألة تحتاج إلى وسط، نحتاج إلى أن نصون الرواة الثقات عن التوهيم بقدر الإمكان، ونصون الكتب الصحيحة التي هي عمدة الإسلام والمسلمين بقدر الإمكان، والكلام الخطأ ما يمكن يمشي، نعم.
عفا الله عنك.
وعن ثابت البناني عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي.
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن ثابت البناني عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: إني لا آلو" يعني لا أقصر، فأبذل جهدي "أن أصلي بكم كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، قال ثابت: فكان أنس" تطبيقاً لما قعده وألتزمه أن يصلي بهم صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- "فكان أنس لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" تطويل الاعتدال من الركوع، لا شك أن الاعتدال والطمأنينة فيه ركن من أركان الصلاة، والجلسة بين السجدتين، والطمأنينة فيها ركن من أركان الصلاة، لكن هل الاعتدال مما يدخله التطويل؟ بمعنى أنه هل هو ركن طويل أو هو ركن قصير؟ وهل تطويله بأكثر مما ورد فيه من ذكر مخل بالصلاة، أو لا يخل بالصلاة؟ الذي يأتي بالأذكار الواردة يمكن أن يقال: قد نسي من طول القيام؟ لا يمكن أن يقال، إلا أن يكون القدر زائد، إما أن يكرر بعض الأذكار، أو يكرر لربه الحمد، كما جاء في بعض الروايات، وهنا أنس يصلي بهم صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويطيل في القيام بعد الركوع، حتى يقول القائل: قد نسي.(10/33)
الشافعية عندهم هذا الركن قصير، إيش معنى قصير؟ بمعنى أنه لا يطال بأكثر من ذكره، فلو أطيل بأكثر من ذكره بطلت الصلاة، هذا قول معروف عند الشافعية، لماذا؟ لأنه يخل بالموالاة بين أركان الصلاة؛ لأن القدر الزائد من هذا الاعتدال فاصل بين هذا الركن والذي يليه، فهو مخل بالصلاة عندهم، هذا إذا قلنا: إنه ركن قصير، دعونا من القوم الذين ينقرون هذا الركن، بحيث لا يتم لهم ولا الاعتدال، هؤلاء صلاتهم على خطر نسأل الله العافية، لكن قول عند الشافعية أنه ركن، لكن قصير، وليس من الأركان التي يمكن إطالتها، تحتمل الإطالة، القيام يحتمل الإطالة، طول اقرأ ما شئت، ما له حد، الركوع سبح ما شئت ما له حد، السجود كذلك، لكن الركن هذا قصير لا يحتمل الإطالة عندهم، فإذا أطيل بطلت الصلاة؛ لأنه حصل فاصل بين أركان الصلاة، وهذا القول ليس بشيء؛ لأنه لا يمكن أن يقال للمصلي: قد نسي، كيف نسي؟ إلا وقد أطاله، أطاله إطالة أكثر مما فيه من ذكر، فقولهم ضعيف.
"يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه" يعني الصلاة كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي لا شك أنها دخلها ما دخلها من التساهل والتفريط في القرن الأول، ولذا يتعجب بعضهم أن يرى من يصلي صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقول قائلهم: لقد أذكرنا هذا صلاة محمد -صلى الله عليه وسلم-، يعني لو كانت الصلاة النبوية معهودة بين الناس كلهم ما احتاجوا إلى أن يقولوا مثل هذا الكلام "فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" بمعنى أنه يطيل هذين الركنين، ولعل المقصود من ذلك الرد على من يرى تخفيف هذين الركنين، فضلاً عمن ينقر هذين الركنين نقراً، وفيه أدعية وأذكار يحرص عليها طالب العلم، ويأتي بها ....(10/34)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (7)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
وفيه أدعية وأذكار يحرص عليها طالب العلم، ويأتي بها، نعم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم صلاة من النبي -صلى الله عليه وسلم-.
يقول -رحمه الله تعالى-:(11/1)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال" ما قال: "وعنه" والحديث عن أنس؛ لئلا يظن أن الضمير يعود إلى ثابت "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة، ولا أتم صلاة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أخف يعني الصلاة، لا سيما الإمام يتعلق به أمران، أمر يتعلق بالصلاة فلا بد من إتمامها، لا بد من إتمام الصلاة، بأن يأتي بأركانها وواجباتها وسننها، وأمر يتعلق بالمأمومين، فلا يثقل عليهم ولا ينفرهم، واجتمع هذا في النبي -عليه الصلاة والسلام-، بعض الناس لا يستطيع التوفيق، فإما أن يشق على المأمومين، ويطبق جميع السنن والواجبات والأركان، أو يكون تخفيفه ملاحظته للمأمومين على حساب الصلاة، فلا بد من التوفيق بين هذين، الصلاة ركن الإسلام الأعظم، فتخفف من أجل فلان وعلان من المأمومين؟ نعم المأموم له حق ((وأيكم أم الناس فليخفف)) ((أفتان أنت يا معاذ؟ )) كل هذه تدل على أنه يخفف، لكن تخفيف نسبي، قد يقول قائل: إن العلاقة بين المأموم والإمام لها دخل كبير في الخفة، بعض الناس تصلي وراءه وبينك وبينه ود، لو تكون الصلاة ساعة خفيفة عندك، ملاحظ وإلا ما هو ملاحظ؟ وبعض الناس لو يقرأ أقصر السور صارت أثقل من الجبل عليك، لكن وأنت ماثل بين يدي الله -عز وجل- في هذه الصلاة، هل الملاحظ الإمام أو من مثلت بين يديه؟ الملاحظ الرب -جل وعلا-، فأنت بين يدي الله -جل وعلا-، وقفت بين يدي الرب الكريم، ترجو ثوابه، وتخشى عقابه، وتمتثل أمره، فعليك أن تقبل على صلاتك، ولو كان بينك وبين الإمام ما بينك وبينه، إذا كانت إمامته صحيحة مالك علاقة، مع الأسف يلاحظ أن بعض الناس أنه قد يوجد أدنى خلاف فإما أن يترك الصلاة خلف هذا الإمام، ويعرض صلاته للفوات، أو يصلي معه صلاة هي مجرد أفعال، ليس للقلب منها نصيب، أنت تتعامل مع الله -جل وعلا-، لست تتعامل مع زيد أو عمرو من الناس، فليقبل الإنسان على صلاته، وليتعامل مع ربه، لا شك أن الألُفة مطلوبة بين المسلمين، ولا شرعت الجماعة إلا من أجل هذا، والإمام الذي يرى أن أكثر الناس ما يرغبون الصلاة وراءه يترك الإمامة، لا سيما إذا كان عدم رغبتهم به بحق، فقد يقول القائل: إن الباعث لمقالة(11/2)
أنس: "ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أنه فيه الحب والود، وهذا يخفف الوقوف، وهذا شيء محسوس وملموس، لكن يجب أن يكون الباعث على الصلاة، والمنظور إليه في الصلاة من أولها إلى آخرها، الآمر بها وهو الله -جل وعلا-، أنت تؤدي الصلاة من أجله، تطلب رضاه وتخشى عقابه ولذلك صليت، كونك صليت وراء إمام بينك وبينه مشاحنات دنيوية، أو خلاف في منهج، ما عليك منه، نعم التخفيف على المأموم مطلوب ((أيكم أم الناس فليخفف)) وهذا التخفيف كما يقول أهل العلم ليس فيه حجة للنقارين، يعني تخفيف مع الإتيان بالأركان والواجبات والسنن؛ ليحافظ على صلاته؛ لتكون الصلاة مجزية، مسقطة للطلب، تترتب آثارها عليها، أنت تصلي صلاة لا يأمرك الفقهاء بإعادتها، لكن لا تترتب أثارها، ليس لك من أجرها شيء هذه مشكلة بعد، نعم قد تصلي صلاة بالأركان، لكن ليس لك عليها أجر ولا ثواب، والفقهاء يقولون: إن هذه صحيحة مجزئة، لكن القلب ما استفاد، والصلاة التي تؤدى على الوجه المأمور به هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي التي تكفر الصغائر، الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان، العمرة إلى العمرة، هذه مكفرات، لكن المقصود بهذه العبادات التي أديت على الوجه الشرعي.(11/3)
"ولا أتم صلاة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نعم يتمكن من الركوع والسجود، قد يقرأ بطوال المفصل، قد يقرأ بأوساطه، قد يقرأ بقصاره، فالصلاة تامة، يسبح التسبيح المطلوب، يأتي بالأذكار المطلوبة على وجهها، هذه صلاة تامة، يستحضر أنه في صلاة يقبل على ربه، يتدبر ما يقول، يخشع بين يدي الله -عز وجل-، يبكي، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه صلاة تامة، ومع ذلك هي خفيفة؛ لأنه قرأ فيها ما لا يشق على المأموم، فالمطلوب من الإمام أمران، إتمام الصلاة، وترك الفرصة للمأموم على أن يأتي بجميع الأركان على وجهها؛ لأن بعضهم قد يلاحظ بعض المأمومين لأنه كبير وضعيف يلاحظه من جهة، من جهة الضعف فيخفف، ولا يلاحظه من جهة إتمام الصلاة؛ لأن هذا الضعيف أيضاً بحاجة إلى مراعاة، بمعنى أنك تنتظر حتى يسجد، ويتمكن من سجوده، أما إذا سجدت ثم قمت قبل أن يسجد لأنه قد لا تطاوعه أعضاؤه لمتابعتك بالسجود من أول مرة، ولا يجوز له أن يسابقك، فلا بد من مراعاته من الوجهين، هذا الضعيف والكبير كلهم بحاجة إلى من يراعيهم، يخفف عليهم، فلا يصلى صلاة تشق عليهم، وأيضاً يمكنون من الركوع والسجود، ولا شك أن التطويل في حق الإمام إضرار بالمأمومين، وتفويت لمصالحهم، وأما التقصير في الصلاة والإخلال بها، لا شك أنه بخس في العبادة، نعم.
وعن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري قال: جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا، فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة، أصلي كيف رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ فقال: مثل صلاة شيخنا هذا، وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض، أراد بشيخهم أبا بريد عمرو بن سلمة الجرمي، ويقال: أبو يزيد.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(11/4)
"عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري، قال: جاءنا مالك بن الحويرث" مالك بن الحويرث مع جمع من الشببة، جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في المدينة، وصلوا وراءه، ثم أمرهم بالانصراف إلى أهليهم "جاءنا مالك بن الحويرث في مسجدنا هذا، فقال: إني لأصلي بكم، وما أريد الصلاة" يعني لمجرد التعليم، لا يريد الصلاة، إنما يصلي بهم ليعلمهم الصلاة بالفعل "أصلي كيف رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والأمر الوارد في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) هو جزء من حديث مالك بن الحويرث ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فهو يصلي كما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، ويري الناس كيف كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي؛ ليتم له امتثال الأمر ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
"أصلي كيف رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلي؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا، شيخهم أبو بريد عمرو بن سلمة الجرمي" هذا الذي كان يصلي بقومه، وهو طفل في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، واستمر إماماً إلى أن طال عمره، يقول: "وكان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض" في أي ركعة؟ الأولى والثالثة.
طالب:. . . . . . . . .(11/5)
إيه، معروف الثانية والرابعة وبعدين تشهد، الكلام في الأولى والثالثة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: "إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً" هذه الصلاة التي صلاها بهم مالك بن الحويرث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أو بعد وفاته؟ بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، يصلي بهم ويفعلها، وهو راوي الحديث، وهذه الجلسة يسميها الفقهاء جلسة الاستراحة، وهي ما إذا تمت الركعة الأولى وأراد أن ينهض إلى الثانية جلس، استوى قاعداً ثم قام، وإذا انتهى من الركعة الثالثة وأراد أن يقوم إلى الرابعة جلس، فإذا كان في وتر من صلاته، يعني بعد تمام الأولى وبعد تمام الثالثة لم ينهض حتى يستوي قاعداً، وهنا: "وكان يجلس إذا رفع رأسه قبل أن ينهض" هذه الجلسة التي يسميها الفقهاء جلسة الاستراحة ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، في البخاري من حديث مالك بن الحويرث هذا، وفعلها مالك بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال بها الإمام الشافعي فاستحبها مطلقاً، والإمام أحمد في رواية، وذهب الأئمة أبو حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه إلى أنها لا تشرع إلا لمن احتاجها، من احتاج إليها يفعلها، بدليل أن من نقل صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكرها، ومالك بن الحويرث إنما جاء في آخر زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما ثقل، جاء في بعض الروايات: لما بدن، لما ثقل النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها، ولذا يقرر أهل العلم من الحنفية والمالكية والحنابلة، يقولون: من احتاج إليها فعلها، وليست من سنن الصلاة الثابتة التي نقلت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونقلها عنه كل من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما يفعلها من احتاج إليها، إذا ثقل الإنسان يفعلها، ولذا سموها جلسة الاستراحة.(11/6)
وأطال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تقرير ذلك، بالنسبة لنقلها جاءت من حديث مالك بن الحويرث في الصحيح، وأشار ابن القيم إلى أنها جاءت في بعض طرق حديث أبي حُميد، ونقل عن أبي حُميد أنه كان يفعلها، أبي حميد الساعدي الذي وصف صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمحضر عشرة من أصحابه، جاءت في بعض طرقه هذه الجلسة، وأشار الحافظ ابن حجر في التلخيص إلى أنها جاءت في بعض طرق حديث المسيء في صلاته، وعلى هذا جاءت من أكثر من وجه، فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- علمها المسيء، هل نقول: إنها لا تفعل إلا مع الثقل؟ ما يلزم، هذا من حيث الرواية، من حيث الدراية يمكن أن أسأل كبار السن، أو الأشخاص الذين فيهم روماتيزم، لا تطاوعهم ركبهم، ولا تنثني بسهولة، بالله عليكم هل هذه الجلسة بالفعل استراحة وإلا زيادة عناء ومشقة؟ صحيح، هل هي عناء ومشقة؟ يعني صاحب الروماتيزم أفضل له أنه ينهض من السجود إلى القيام أو يتورك ثم يقوم؟ يلزمه يثني ركبه مرة ثم يفلها، ثم يثنيها ثانية للجلسة ثم يقوم، علشان نقول: إنها استراحة وعند الحاجة، من جرب وعرف، صاحب الروماتيزم أو كبير السن يتمنى أنه ينهض ما يجلس؛ لأن الجلوس يشق عليه، فكيف نقول: جلسة استراحة، ما في نص يدل على أنها استراحة، يعني تسميتها من قبل الفقهاء، وورودها ثابت من أكثر من حديث، يعني حديث .. ، لو قلنا: مالك بن الحويرث وجاء في آخر عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنبي ثقل وكذا، ممكن، لكن مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- تروا أيام ما طول، فعلى هذا نقول: هي ليست بجلسة استراحة، وإنما هي زيادة تكليف في الصلاة، ما هي بجلسة، بيقول: والله قصر من الصلاة يبي يتلين له خمس دقائق أو عشر دقائق، لا، هي مجرد ما يثني رجليه يعتدل في جلسته ثم يقوم مباشرة؛ لأنها ليس لها ذكر مخصوص، فعلى هذا المتجه القول باستحبابها للمحتاج وغير المحتاج، يعني قد نعذر المحتاج، ولا نكلفه بهذه الجلسة لأنها زيادة مشقة، خلاف ما يقولون، واضح وإلا ما هو واضح؟ فهذه زيادة تكليف، وليست بالفعل استراحة، نقول: إنه يستحب لكل مصلٍ أن يجلس هذه الجلسة بعد تمام الركعة الأولى، وبعد تمام الركعة الثالثة، طيب قد يقول قائل:(11/7)
الحديث الذي تقدم ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليها)) الإمام ما يجلس للاستراحة، إيش رأيكم نجلس وإلا ما نجلس؟ نقول: نجلس، نجلس ما دام ثبتت سنيتها نجلس، طيب افترض أن الإمام ما يرفع يديه أو يقبض يديه، أو يفرط في بعض السنن نفرط معه؟ لا، نحن مأمورون بالاقتداء به، ولا نختلف فيما هو مشروع، لكن لو ارتكب محظور نرتكب معه محظور؟ فإن أحسن فله ولكم، وإن أساء فعليه، يعني تصورنا إمام حنفي ما يرفع يديه عند الركوع والرفع من الركوع ما نرفع؟ لا تختلفوا عليه، لا، إذا فرط بشيء من السنن لا يتابع، وهي أيضاً هذه جلسة خفيفة لا تفوت الاقتداء، يعني من جربها يصل، يقوم مع الناس ما يتأخر، يثني رجليه ثم يجلس قاعد ثم يقوم مع الناس، يعني ما يفوته ولا آية من القراءة، هذا شيء مجرب، فالمتجه القول بسنيتها مطلقاً، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن مالك بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه.
"عن عبد الله بن مالك بن بحينة" وقد يقال: عن عبد الله بن بحينة، عن عبد الله بن مالك بن القشب بن بحينة، من يعرب لنا هذا؟ ويحذف (عن) هذه، ويجعل بدلها صيغة (قال)، قال عبد الله بن مالك، هنا ما يختلف فيها الإعراب (عن) هذه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يختلف.
طالب:. . . . . . . . .
صحيح.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
اثبت الألف.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
ابنُ.
طالب:. . . . . . . . .
أو تكون صفة لعبد الأول.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم، هذه وصف، كلاهما وصف لعبد، فعبد الله يوصف بأنه ابن مالك لأنه أبوه، ويوصف بأنه ابن بحينة لأنها أمه، مثل عبد الله بن أبي بن سلول، هذه أمه وهذا أبوه، فتثبت الألف، وتعرب إعراب الاسم الأول؛ لأنها تابعة له، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(11/8)
إيش لون نحتاج إلى تقدير؟ ما الذي يضطرنا إلى التقدير؟ والأصل في ابن أنها تابعة لما قبلها، فهي تابعة لما قبلها، فإما أن تعرب وصف أو بدل أو بيان، هي تابعة لما قبلها، لكن إذا قلنا: عن عبد الله بنِ مالك بنِ بحينة، ولا تزال الحركات صحيحة، وابن مجرورة باعتبار أنها وصف لعبد، وليست وصفاً لمالك، لكن لو قلنا: عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فإذا قلت: قال عبد الله بنُ عمرو بنِ العاص، يعني كل واحد تابعة لما قبلها؛ لأنها بين علمين متوالدين، فتحذف الألف، وتعرب إعراب ما قبلها، أما هنا عبد الله بن مالك بن بحينة، عبد الله بن أبي بن سلول، وقل مثل هذا محمد بنُ عبد الله بنُ حبيب؛ لأن حبيب أمه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وغيره، حبيب اسم امرأة، عاد يا الله إيش تقول؟ فيه إشكال؟ لا موجود، حبيب اسم امرأة، كما أن جويرية بن أسماء، جويرية اسم رجل، وأبوه اسمه أسماء، فهم يسمون بهذا وهذا، فعلى كل حال مثل هذه ينتبه لها؛ لأن الأصل في ابن أنها بدل أو بيان لما قبلها، إذا وقعت بين علمين متوالدين، تعرب تبعاً لما قبلها، وتحذف الألف، لكن هنا تثبت الألف، وتعرب إعراب ما قبل الذي قبلها.(11/9)
"-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطه" التفريج والمجافاة والتجافي هذا سنة في الصلاة، يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، هذه المجافاة، ومر في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام- أنه لو شاءت بهمة أن تمر بينه وبين الأرض لمرت من المجافاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يجافي، وهذه هي السنة في الصلاة، إذا لم تخالف سنة أخرى، إذا خالفت التراص مثلاً قدم التراص عليها، فالإمام يجافي، المنفرد يجافي، المأموم الذي يتسنى له ذلك يجافي، لكن مع طلب التراص في الصف، لا شك أن مثل سنة أقوى منها؛ لأن هذا أوجبه بعضهم، والمجافاة سنة، حتى يبدو بياض أبطه، يراه من خلفه؛ لأنهم يلبسون وأردية، يبدو منها هذا، نعم المنكب لا بد من ستره، أما الإبط فلا يلزم سترة ((لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبه منه شيء)) وفي الرواية الأخرى: ((ليس على منكبيه منه شيء)) أما الإبط فلا مانع، ويستدل بهذا بعض أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا من خواصه ليس على إبطه شعر، فكيف يبدو البياض وعليه شعر؟ يقولون: ليس على إبطه شعر، هذا يمكن من خواصه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان الشعر خفيف، إذا وجد شعر خفيف لا يمنع من رؤية البياض، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- أزهر اللون، أبيض، يميل إلى الحمرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المرأة؟
طالب:. . . . . . . . .(11/10)
بالنسبة للمرأة الفقهاء يقولون: المطلوب من المرأة الستر، وعليها أن تنضم لا تجافي، تلصق بعضها ببعض؛ لأنه أستر لها، يعني ولو كانت في بيتها؛ لأنه أستر لها، ولا شك أن هذا فيه محافظة على المرأة وعلى .. ؛ لأنه كل ما ينتشر الشيء، يتعرض للانكشاف وللرؤية، لكن إذا أنضم قل هذا الاحتمال، ويذكر عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه مر بامرأتين قد جافتا، فأشار إلى أن هذا ليس لهما بل للرجال، لكن الحديث ما أدري عن ثبوته؟ فالتجافي لا شك أنه بالنسبة للرجال ظاهر، أما بالنسبة للنساء إن ورد دليل يخصهن وإلا فالأصل أن النساء شقائق الرجال، يعني ما يطلب من الرجال، مما لا يعارض بأدلة أخرى، فهو مطلوب منهن، في البخاري: كانت أم الدرداء تجلس في الصلاة جلسة الرجل، وكانت فقيهة، فدل على أنه في مثل هذه الأمور المرأة كالرجل سواء، إلا ما دل الدليل على اختصاصها به، أو كان ما يفعله الرجال مما نهي عنه النساء، نعم، فلا شك أن التضام بالنسبة للمرأة أستر لها، لكن يبقى أنه إذا لم يرد دليل يخصها فهي مأمورة بما يأمر به الرجل؛ لأن التكليف للرجال وللنساء على حد سواء، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في نعليه؟ قال: نعم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن أبي سلمة سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في نعليه؟ قال: نعم" وجاء أمره -عليه الصلاة والسلام- بمخالفة اليهود ((خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) هذا أمر بمخالفتهم، فالصلاة في النعال سنة، لكن إذا عورضت بأمور أخرى بقي النظر في تعارض السنن، وإذا وصل إلى المسجد وعليه خفاف وأراد أن يدخل بها، وأصابها شيء من الأذى يدلكها، وطهورهم التراب، وجاء في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي حافياً ومنتعلاً، على كل حال هذا من الأمور الموسعة، اللهم إلا من حيث الأمر بمخالفة اليهود، فإذا صلى في بعض الأحيان في نعاله، ومرة حافياً، ومشى مرة منتعلاً، ومرة حافياً أصاب السنة -إن شاء الله تعالى-.(11/11)
وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي نعليه شيء من الأذى، فجاءه جبريل يخبره بذلك فخلع النعلين، وعلى هذا من صلى بنجاسة جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة، لكن إذا علم بها أثناء صلاته لزمه الخلع، لكن إذا لزمه خلع ما يستر به عورته إيش يسوي؟ يصلي في ثوب واحد، يفترض أن عليه سروال وفنيلة مثلاً، وتبين أن في سرواله نجاسة إيش يسوي؟ ماذا يصنع؟ يخلع؟ مو قلنا: ستر العورة شرط؟
طالب:. . . . . . . . .(11/12)
ما عليه غيره، لو عليه ثوب ما يخالف، إيه يقطع صلاته ما له إلا هذا؛ لأنه إن صلى صلى في نجاسة، وإن خلع خلع شرط، فعلى هذا يقطع صلاته، إذا صلى في النجاسة التي علمها، سبق أن علمها، أما إذا جلها فهذا لا إشكال في إجزاء الصلاة للحديث، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أعاد ما صلاه قبل، إذا علم النجاسة، علم أن في ثوبه نجاسة، ثم نسيها، نسي النجاسة، فصلى، فلما صلى تذكر النجاسة، عند المذهب يبطلون الصلاة، لا بد من الإعادة، فإن علمها ثم جهلها أعاد، وهذا محمول على الذي لم يعلم بها بالكلية، الذي لم يعلم بها بالكلية صلاته صحيحة، لكن علمها وفرط في غسلها، ثم صلى جاهلاً بها عندهم يعيد، ولا شك أن الجهل يرفع؛ لأن الجهل والنسيان القاعدة فيهما واحدة، فالنسيان عند أهل العلم ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود؛ لأنه جاء {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] نعم لا مؤاخذة بالنسيان وجوداً ولا عدماً، لكن الموجود مع النسيان حكمه حكم العدم، والمعدوم مع النسيان لا بد من الإتيان به، المعدوم لا بد من الإتيان به، يعني لو صلى شخص ناسياً الظهر خمس ركعات، نقول: نسيانك نزل الموجود هذه الركعة الزائدة منزلة المعدوم، ولا إثم عليك، لكن لو قال: والله نسيت صليت الظهر ثلاث ركعات، والله يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] وقال: قد فعلت، نقول: نعم، ما عليك إثم، لم يؤاخذك الله -جل وعلا- بنسيانك، لكن لا بد من الإتيان بالركعة المتممة لصلاتك؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، هذا مقرر عند أهل العلم، وأمثلته كثيرة جداً، فرق بين من ينسى ستر العورة مثلاً، هذا لا بد أن يعيد، وبين أن ينسى ويصلي بعورة مستورة بسترة فيها نجاسة هذا لا يعيد، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(11/13)
"وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي" (كان) هذه في الأصل تدل على الاستمرار، لكنها هنا مرة واحدة، كان يصلي يعني حصل أن صلى مرة واحدة، وهو حاملٌ أمامة أو حاملُ أمامة؟ بالتنوين أو عدمه؟ وجهاً واحداً؟ حاملٌ أمامة أمامة إعرابها؟
طالب:. . . . . . . . .
مفعول به لاسم الفاعل يعني إذا قلنا بالتنوين؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله، لكن إذا لم ننون، حاملُ أمامة، مضاف إليه لكنه مجرور بالفتحة لأنه علم مؤنث، وأيهما أرجح التنوين أو عدمه؟ ما في راجح وفي مرجوح؟
طالب:. . . . . . . . .
{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [(3) سورة الطلاق] إيش؟ في قراءة بالغٌ أمرَُهُ؟ {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ} [(45) سورة النازعات] نعم يجوز التنوين وعدمه وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
ما قال: بالغاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هدياً وإلا وصف؟ وصف لأنه نكرة، حاجته إلى الوصف أكثر من حاجته إلى الحال، في مثل هذا: حاملٌُ أمامة أو حاملُ أمامة؟ إمامة أما مفعول أو مضاف إليه، فمع التنوين تكون مفعول، ومع عدمه تكون مضاف إليه، ويجوز هذا وهذا، لكن هم يرجحون التنوين فيما مضى، وعدمه فيما يستقبل، والمسألة سهلة ما فيها إشكال -إن شاء الله-.
وأمامة بنت زينت بنت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأمامةَ بنتَ، وعلى عدم التنوين نقول: بنتِ.(11/14)
"زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" زينب بنتِ وصف لزينب، الأولى وصف لأمامة وهو مفعول به، وبنتِ وصف لزينب وهي مجرورة "بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الله -جل وعلا- يقول: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [(5) سورة الأحزاب] وهنا يقول: بنت زينب، هنا يتداوله الرواة لشرف الانتساب إليه -عليه الصلاة والسلام-، ولذا ذكروا الأم ثم ذكروا الأب "ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس" وفي الموطأ: لأبي العاص بن ربيعة، ومنهم من قال: هذا وهم من مالك، والصواب ابن الربيع، ومنهم من قال: إن ربيعة جد له، فنسب إلى جده، على كل حال هو أبو العاص بن الربيع، زوج زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد أثنى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- في مصاهرته، وتأخر إسلامه عن زينب.(11/15)
"فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها" كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو حامل أمامة، هذا الفعل المتكرر، من النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة، أولاً: هل الصلاة فريضة أو نافلة؟ منهم من قال: نافلة، والنافلة يتوسع فيها أكثر من الفريضة، لكن في بعض الروايات قال الراوي: بينما نحن ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الظهر، إذ خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو حامل أمامة، فدل على أنها فريضة، المالكية لهم أجوبة كثيرة عن هذا الحديث، منهم من قال: في صلاة النافلة، ومنهم من قال: هذا العمل منسوخ بحديث: ((إن في الصلاة لشغلاً)) لكن حديث: ((إن في الصلاة لشغلاً)) متقدم على هذا الحديث قطعاً، ومنهم من يقول: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: هذه الخصوصية لا بد لها من دليل، والقول بالخصوصية في مثل هذا لا يتجه، لماذا؟ لأن هل مثل هذه الحركات أكمل أو عدمها أكمل؟ عدمها أكمل، يعني هل نطالب الأمة بالكمال والرسول الذي هو أكمل الخلق يتسامح له في مثل هذه الأمور؟ يعني كل كمال مطلوب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فكيف نقول: إن مثل هذه الحركات ما يخالف الرسول يخصه مثل هذه الحركات يتحرك، يسمح له، واللي غيره ما يسمح له؟ لا، ما تأتي الخصوصية بمثل هذا، فالكمال الذي يطلب من الأمة يطلب منه -عليه الصلاة والسلام-، بل قد يطلب منه من الكمال أعظم مما يطلب من الأمة لأنه أكمل، منهم من يقول: إن وجه الخصوصية للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن مثل هذه الصبية لا يؤمن أن تبول، إذا حملها أحد، بينما النبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم من أن تبول عليه، كما قالوا نظير ذلك في طوافه -عليه الصلاة والسلام- على الدابة، قالوا: ما يجوز أحد يطوف على الدابة، لماذا؟ لأنها احتمال أن تبول في المسجد، وعند الشافعية الذين يقولون مثل هذا الكلام بولها نجس، فلا يجوز أن يعرض مثل هذا المكان للنجاسة، طيب النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل .. ، قال: أبداً، النبي مخصوص بهذا؛ لأن دابته لا تبول في هذا المكان، وهذه الصبية لن تبول وقد حملها النبي -عليه الصلاة والسلام-، طيب منهم من يقول مثل هذا العمل يجوز(11/16)
للحاجة، فإذا كان مع الإنسان طفل مثل هذا، ولم يجد من يكفيه أمره، وخشي عليه، يحمله وإلا فلا، لكن بيوت النبي -عليه الصلاة والسلام- معمورة بنسائه، يوجد من يكفيه أمرها، فليست المسألة معلقة بالحاجة، وإنما فعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان جواز مثل هذا الفعل، لكن كونه يدل على الجواز هل يدل على أنه أفضل بحيث إذا كان الإنسان في بيته وأراد أن يتنفل شال معه بزر وإلا شيء يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ صلاته صحيحة، ويجوز له ذلك، لكن الأكمل أن يبتعد عن كل ما يشغله، النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا بالنسبة له باعتباره مشرع أكمل؛ لأن بيانه للشرع أكمل من عدمه، ولو فوت بعض السنن لبيان الجواز، الأجوبة عن هذا الحديث كثيرة لا سيما لمن لا يرى مثل هذا العمل، وأنه عمل كثير، إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، وعند الشافعية مثل هذا العمل عمل مفرق، ليس بعمل متوالي، نعم هو مفوت لبعض السنن، هذا العمل مفوت لبعض السنن، فلا يتأتى لمن حمل مثل هذا أن يرفع يديه حذو منكبيه، ولا أن يقبض اليسرى باليمنى، وهكذا يفوت عليه بعض السنن، لكن فعله -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا لبيان الجواز، وهو تشريع، طيب القراءة في المصحف في النافلة في الفريضة لحاجة لغير حاجة، يعني المصحف حمله ووضعه ليس بأشد ولا أعظم من حمل هذه الصبية، ولذا جوز بعضهم من هذا الحديث جواز الصلاة والقراءة من المصحف أثناء الصلاة، أما عند الحاجة فلا إشكال، في النافلة فلا إشكال، عائشة -رضي الله عنها- اتخذت إماماً يصلي بها التراويح من المصحف، لكن إذا قلنا في الفريضة لا شك أنه قياس على هذا القول بجوازه يتجه، لكنه خلاف الأولى، والآن المحاولات في إصدار شاشات في المحاريب فيها قرآن، يضغط على الزر على السورة اللي بيقرأ ويطلعه ويقرأ منه، وهذه عبادة، الواجب صيانتها عن المحدثات إلا ما احتيج إليه، فيقتصر منه على قدر الحاجة، الأصل أن الصلاة بدون كثير مما ترونه الآن؛ لأنها عبادة والعبادات توقيفية، وتوقف كثير من أهل العلم في بداية الأمر في مثل المكبرات، بل منهم من مات ما استعملها، صيانة لهذه العبادة من المحدثات، لكن إذا دعت الحاجة إليها فاستعملها أهل العلم وأباحوها(11/17)
وجوزوها، ولكن ينبغي أن تكون بقدر الحاجة؛ لأنه وجد من يستعمل هذه الآلات، ويسترسل فيها، وليس وراءه إلا الإمام أو واحد واثنين، المؤذن ومعه واحد أو اثنين، ومع ذلك يأتي بمكبرات بمئات الألوف، علشان إيش؟ بل يأتي بمؤثرات، وترديد كلام وصدأ، علشان إيش؟ لا شك أن الاسترسال في هذه المحدثات خلاف الأولى خلاف السنة، فالصلاة الأصل فيها أنها .. ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] لكن احتيج إلى قدر زائد فبدلاً من المستملين المبلغين عن الإمام تستعمل مثل هذه الآيات بقدر حاجة، فالأجوبة من قبل أهل العلم لا سيما المالكية كثرت عن هذا الحديث؛ لأن المطلوب من المصلي الإقبال على صلاته، وعدم الانشغال بغيرها، لكن ما دام هذا ثابت وفي الصحيحين ما لأحد كلام، وليس معنى هذا بعد أيضاً فتح باب لكل من حضر إلى المسجد أن يحضر طفله ليصلي به مع الناس، النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله ليبان الجواز، وليس معنى جوازه أنه هو الأفضل والأكمل، لكن من أحضر لا يمنع، اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، من أحضر لا يمنع إلا إذا أحدث تشويش للمصلين من هذه الجهة، ويسترسل بعض الناس في إحضار الأطفال ويترك الأم بدون عمل، يحضر معه ثلاثة، أربعة، كلهم أبو سنة وأبو سنتين، واحد قدامه وواحد بينه وبين الذي عن يمينه، وواحد .. ، هذه ما هي بصلاة صارت، هذا لعب، ووصل الأمر ببعض الناس -شيئاً رأيته- في انتظار صلاة العيد رأيناه والله وهذا أمر محزن، يعني يكلم المرأة في المسجد الحرام، بينها وبين الرجال حاجز، ويأخذ الطفل منها، من المرأة، ويخرج به عن المسجد، ويغير له، ويجيبه ويعطيه أمه، يعني وصل الأمر إلى هذا الحد؟! ما هو معقول أبداً، الأم لها وظيفة، والأب له وظيفة، يعني كون الدعوة إلى حقوق المرأة، واحترام المرأة، وتقدير المرأة، هذا ليس ظلم للمرأة، صحيح يا إخوان، الإسلام معتدل في تشريعه، الرجل له وظائف، والمرأة لها وظائف، من حق المرأة على الرجل أن يعينها إذا زادت التكاليف، ومن المؤسف أن يقال للمرأة التي ترعى شؤون بيتها وأولادها وأطفالها يقال لها: عاطلة، وبالمقابل المرأة التي ترعى شؤون أولاد غيرها هذه عاملة، تتوظف(11/18)
بحضانة ما يخالف، لكن تعمل في بيتها، وتربي أولادها، لا هذه عاطلة، هذه لا بد تخرج، هذه مظلومة في البيت، وتطلع علشان تشتغل في حضانة، في بيت ثانين، أو في مدرسة وإلا شيء حضانة، شغلها مثل شغلها في البيت، تنظف الأولاد وتربيهم، هذه عاملة وهذه عاطلة، لكن إلى الله المشتكى، والمسلمون يستجيبون لمثل هذه المطالب.
هذا يقول: في جلسة الاستراحة يرى بعض المعاصرين عدم فعلها كالشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع، وكما ذكرتَ من المتقدمين ألا نقول: تفعل مرة وتترك وهكذا؟ وما موقفنا في مثل هذه الاختلافات؟
المرد {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ} [(10) سورة الشورى] وين يرد؟ نعم إلى الله ورسوله، وما دام ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بما سمعتم، وكل يفعل ويعمل بما يعتقد، ويدين الله به، وما دام بلغه عن الله وعن رسوله، المسألة فيها أئمة كبار، يعني مثل الإمام أبي حنيفة أو مثل مالك نجم السنن، أو مثل أحمد إمام أهل السنة، كلهم ما قالوا بجلسة الاستراحة، نعم رواية عن أحمد وهي قول الشافعي قالوا بها، وليس معنى هذا إذا قرر مسألة أنه مصادرة لأقوال الآخرين، أبداً، لكن هذا مجلس تعليم ومجلس تمرين على كيفية التفقه والاستنباط، وكونك تبي تلزم بقول رُجح هنا، ما هو بإلزام، يعني بإمكانك أن تعمل، المسألة ما هي بإلزام، لكن إذا بان لك الحق لا مندوحة عن العمل به، ولو خالفه من خالفه، تعمل بما تعتقد وتدين الله به -جل وعلا- من خلال ما ثبت عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحد ذراعيه انبساط الكلب)).(11/19)
وهذا الحديث أيضاً "عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اعتدلوا في السجود)) " كيف نعتدل في السجود؟ يعني الاعتدال في الركوع متصور، الاعتدال في القيام متصور، يعني في الركوع الاعتدال تعديل الظهر، ودع الرأس مساوية للمؤخرة، هذا اعتدال، لكن كيف نعتدل في السجود؟ أليس المطلوب منا أن نجعل أسافل البدن أعلى من أعاليه في السجود؟ نعم هذا هو المطلوب في السجود، هل معنى ((اعتدلوا في السجود)) أن نجعل شيئاً مرتفعاً نسجد عليه بحيث يعتدل الظهر؟ لا، إذاً ما معنى الاعتدال هنا؟ نعم على وفق الأمر الشرعي، هذا هو الاعتدال، إذا جعلنا السجود على وفق الأمر الشرعي، يعني بأن نسجد على الأعضاء السبعة، ونجافي، ونضم الأصابع، ونمكن الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين، نجعل الأصابع إلى جهة القبلة، هذا هو الاعتدال؛ لأن الاعتدال نسبي، فإذا أردت أن تعدل شيئاً تجعله موافق لأمر هل معنى هذا أن تجعله مستقيماً؟ عندك ذهب محلق، دائرة، تثنى مع الوقت، كيف تعدله هذا؟ نعم؟ يعني خاتم أنعوج كيف تعدله؟ تجعله مستقيم؟ نعم تعيده دائرة كما هو، فاعتدال كل شيء بحسبه، فتعديل واعتدال السجود معناه الإتيان به على وفق المقتضى الشرعي، على الهيئة الشرعية.(11/20)
((ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)) يعني لا يضع مرفقه وذراعيه على الأرض، بل يرفع ويجافي، نعم قد يكون متعب ومنهك، وقد شكي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- التعب فحث أو أمر أو وجه إلى الاستعانة بالركب ((ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)) ولا يفترش افتراش السبع، على كل حال نهينا عن موافقة الحيوانات، جاء هنا انبساط الكلب، وجاء أيضاً افتراش السبع، وجاء النهي عن مشابهة البعير في بروكه، والتفات الثعلب، ونقر الغراب، وإقعاء الكلب، وبسط الذراعين، وأذناب الخيل الشمس عند التشهد والفراغ منه، وأيضاً زاد الصنعاني ما جاء في بعض الأحاديث من عدم مشابهة الحمار في التدبيح، يعني تقويس الظهر، يقول الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- مر على امرأتان وهما تصليان، أخرجه أبو داود في المراسيل عن يزيد بن حبيب، وقد رواه البيهقي من طريقين موصولتين، لكن كلاهما فيه متروك، قاله الحافظ، وعلى كل حال المرسل مع هذين المتروكين ما يثبت بهما حجة، وعلى هذا فيبقى أن المرأة في مثل هذا -حتى يرد التخصيص- تكون مثل الرجل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: الحلية لأبي نعيم هل لها طبعة معتبرة أو لا؟
ليس لها إلا طبعة واحدة هي طبعة السعادة، طبعت قبل ثمانين سنة، طبعة جميلة، لكن فيها أخطاء، وما طبع بعدها كلها إما تصوير أو كليشة عنها من غير عناية ولا تصحيح، وأما أحاديث الحلية فجلها مخرج ومحقق ومحكوم عليه، يبقى مسألة الأخبار المتعلقة بالمترجمين هذه أمرها سهل.
يقول: كيف الاستفادة من أطراف المسند لابن حجر؟
معروف أن المسند الاستفادة منه لا سيما في أحاديث المكثرين من الصحابة كأبي هريرة، عند مراجعته يصعب على طلاب العلم، وأطراف المسند إذا عرفت أن هذا الحديث من أحاديث أبي هريرة، وعرفت الراوي عنه، تيسر لك الأمر جداً، إذا عرفت الراوي عن أبي هريرة، والراوي عنه، يعني عرفت السند تقف عليه بكل سهولة ويسر.(11/21)
يقول: بدأت بحفظ الصحيحين والآن تقريباً انتصفت، فقال لي بعض الإخوة: هل حفظت متناً من المتون؟ فقلت: لا، فقال: لا بد من التأصيل، والآن أنا متأرجح هل أواصل في الحفظ، أو أتوقف حتى انتهي من حفظ المتون؟ أرجو التوجيه.
مثل هذا يستمر في حفظه، يخصص لما بدأ فيه وقتاً مناسباً مع عنايته بالمتون الأخرى في سائر الفنون، بما في ذلك الحديث، فيبدأ بحفظ الأربعين، أو إن أوقف مشروعه حتى يتم له حفظ المتون فيبدأ بحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم يعود إلى حفظ الصحيحين وهكذا بقية المتون.
يقول: إذا كنت في زواج، وفيه تصوير فوتوغرافي أو فيديو، وأنكرت عليهم، ولم يستجيبوا بحجة أنها خلافية، فهل أنصرف لأني أرى تحريم ذلك؟
أنت عليك أن تعمل بما تعتقد وتدين الله به، فإذا كنت ترى التحريم لا يجوز لك البقاء.
هل يجوز سنة الوضوء في أوقات النهي؟
سنة الوضوء معروف أنها من ذوات الأسباب، فلو فعل الإنسان في الوقتين الموسعين على ما سبق تقريره لا بأس -إن شاء الله تعالى-، وإن رأى أن مجرد مدح بلال لسنة الوضوء لا يقاوم النهي، فهذا له وجه.
كيف كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يضع يديه على صدره أثناء الصلاة؟
هو يقبض اليسرى باليمنى، ويضع يديه على صدره، هذا أرجح ما قيل، وهو في صحيح ابن خزيمة، وما عداه فهو ضعيف.
يقول: ما الكتاب الذي شرحته لابن سعدي في المدينة المنورة؟ هل هو عيون الأخبار؟
لا، ليس عيون الأخبار، إنما هو جوامع الأخبار، والإعلان الذي نشر بهذا الاسم غلط.
يقول: ماذا يقول المتابع للمؤذن في أذان الفجر عندما يقول: الصلاة خير من النوم؟
يقول مثل ما يقول المؤذن، الصلاة خير من النوم، أما ما يذكر في كتب الفقه، يقول: صدقت وبررت، هذا لا أصل له.
هل الطهارة شرط لصحة الأذان؟
ليست بشرط، يصح للمحدث، لكن الأولى والأكمل أن يكون على طهارة؛ لئلا يلزم من ذلك الخروج من المسجد بعد الأذان، وقد ثبت بذلك النهي عنه.
يقول: هل يقدم المصلي حال الهوي إلى السجود ركبتيه أم يديه؟ وما السنة في ذلك؟ وما الراجح في جلسة الاستراحة في الصلاة؟(11/22)
هل يقدم المصلي حال الهوي إلى السجود ركبتيه أم يديه؟ وما السنة في ذلك؟ هذا السؤال أجيب عنه سابقاً، لكن باعتبار أن الحديثين لم يردا في العمدة لأنهما ليس في الصحيحين، لا مانع من إعادة الكلام في هذه المسألة باختصار، وإلا فالكلام فيها يطول، في حديث أبي هريرة: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) وحديث وائل: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" المرجح من حيث الصناعة حديث أبي هريرة، فهو أرجح من حديث وائل؛ لأن له شاهداً عن ابن عمر، والمسألة فيها كلام طويل لأهل العلم، ابن القيم -رحمه الله- أطال في تقرير هذه المسألة، وترجح عنده أن حديث أبي هريرة مقلوب؛ لأن آخره يعارض أوله، والذي يظهر لي أنه ليس بمقلوب، بل آخره يشهد لأوله، المنهي عنه أن يبرك الإنسان كما يبرك البعير، متى يقال: برك البعير؟ إذا أثار الغبار، وفرق الحصى، يقال: برك البعير، وحصص البعير، إذا أثار الغبار، وفرق الحصى ((لا يبرك كما يبرك البعير)) يعني لا ينزل بيديه على الأرض بقوة كما ينزل البعير؛ لأنه منهي عن مشابهة الحيوانات، كما أنه لا ينزل على الأرض بقوة على ركبتيه، كما يربض الحمار، بعض الناس يلاحظ أنه إذا سجد سواء قدم يديه أو ركبتيه يخلخل البلاط، ويسمع له صوت، مثل هذا منهي عنه في الصلاة، سواء رجحنا حديث أبي هريرة وقلنا يقدم يديه قبل ركبتيه امتثالاً للحديث: ((وليضع)) مجرد وضع ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) ما في قلب ولا شيء، المنهي أن يبرك بل يضع، وفرق بين أن يبرك ويلقي بنفسه على الأرض بقوة، وبين أن يضع يديه مجرد وضع على الأرض، أنتم تفرقون بين من يضع المصحف على الأرض وبين من يرمي المصحف على الأرض، أهل العلم يقررون جواز وضع المصحف على الأرض، وضع المصحف على الأرض لا بأس به عند أهل العلم، لكن رميه على الأرض بقوة هذا أمر خطير جداً، والفرق بين الأمرين بين وواضح، هو مجرد وضع على الأرض ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) وفي حديث وائل، وهو يصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: "كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" أنتم تعرفون الخلاف في المذاهب معروف، لكن كل من يعتمد قولاً من هذه الأقوال يتوجه(11/23)
عنده ترجيح الحديث، فالذي يرى تقديم اليدين على الركبتين يرجح حديث أبي هريرة، والذي يرجح تقديم الركبتين ويرى أن حديث أبي هريرة منقلب على راويه، مع أني لا أعرف أحداً من المتقدمين عله بالقلب، ابن القيم -رحمه الله تعالى- لما أنقدح في ذهنه القلب أجلب عليه بكل ما أوتي من قوة البيان وسعة الإطلاع، لكن حال بينه وبين تقرير المسألة في وجهها انقداح هذا في ذهنه، وإلا من حيث الصناعة حديث أبي هريرة أقوى من حديث وائل، فإذا تصورنا أن المطلوب من المصلي أن يضع برفق وهون، لا ينزل بقوة على الأرض، سواء قلنا: يقدم يديه أو يقدم ركبتيه مجرد وضع ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) هذا هو المتقرر في هذه المسألة، والمسألة بحثت في مناسبات كثيرة، وقررت في أشرطة مسجلة مع غيرها من المسائل المشكلة في الصلاة وغيرها.
يقول: ما الراجح في حكم جلسة الاستراحة في الصلاة؟(11/24)
مرت بنا في حديث مالك بن الحويرث، وهو يصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا قام إلى الثانية، إذا كان في وتر من صلاته لم يعتدل قائماً حتى يجلس، وقلنا: إن ابن القيم وابن حجر ذكروا أنها وردت في بعض طرق حديث أبي حميد، يعني إذا ساغ لنا أن نقول بما قرره ابن القيم وغيره أنها عند الحاجة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما فعلها لما احتاجها، كما نقل ذلك عنه مالك بن الحويرث؛ لأنه جاء في آخر العهد، لكن كيف نجيب عن حديث أبي حميد؟ وقد وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بمحضر عشرة من أصحابه؟ وإذا أمكننا الجواب عن ذلك فكيف نجيب عن حديث المسيء؟ جاءت في بعض طرقه في البخاري، وقفنا عليها في البخاري في كتاب الاستئذان هذا موجود، والآن وقفنا على حديث المسيء وهذا من طرقه، في البخاري في كتاب الاستئذان لما شرح الركعة الأولى كاملة، قال: ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)) السجدة الثانية من الركعة الأولى، قال: ((ثم أرفع حتى تطمئن جالساً)) وش تصير الجلسة ذي؟ هي جلسة الاستراحة، التي يسمونها استراحة، وسموها استراحة من أجل إيش؟ من أجل أن يقرروا أنه إنما يفعلها من يحتاجها، يستريح بها، والذي لا يحتاجها ولا يستريح بها هذا لا يفعلها، لكن هل هي بالفعل جلسة استراحة؟ قررنا في الأمس أنها زيادة تكليف، وليست استراحة، فالمحتاج البدين؛ لأنهم ذكروا في بعض الروايات أنه لما بدن النبي -عليه الصلاة والسلام-، البدين والمريض والمصاب بداء في ركبتيه، وأصحاب الروماتيزم يدركون هذا كله، كونه ينهض من السجود مباشرة أسهل من كونه يتورك جالساً ثم يقوم، هذه زيادة تكليف، فسماها جلسة استراحة بعض الفقهاء ليقرر أنه إنما يستريح المحتاج، فإذا احتاج إليها يستريح، والذي لا يحتاج إليها لا يفعلها، فإذا جاءت في حديث مالك بن الحويرث صراحة، وجاءت في حديث أبي حميد كما قرر ذلك ابن القيم وابن حجر أيضاً في التلخيص، وجاءت هنا في حديث المسيء، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في ناحية المسجد، فصلى ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وعليك السلام)) لأن في الرواية التي معنا ما(11/25)
فيها رد ((وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل)) فرجع فصلى ثم جاء فسلم، فقال: ((وعليك السلام، فارجع فصل، فإنك لم تصل)) فقال في الثانية أو في التي بعدها: علمني يا رسول الله، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)) هذه السجدة الأولى ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) هذه بين السجدتين ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) هذه الذي يسمونها جلسة الاستراحة، يعني هل المسيء الذي أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكرر الصلاة ثلاث مرات هل هذا بحاجة إلى مثل هذه الجلسة؟ يعني إذا قلنا: إن مالك بن الحويرث جاء في آخر العهد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ثقل واحتاج إلى هذه الجلسة، على ما يقرره من لا يرى هذه الجلسة، وعرفنا بالأمس أن القول بها هو قول الإمام الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، وأما الأئمة مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه لا يقولون بها، وما دام ثبتت بها السنة الصحيحة فلا عذر لأحد على القول بها، قد يقول قائل: إن الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)) نقول: نعم، لا نختلف عليه فيما يفعله من مشروع، أما ما يفعله فيما يخالف، أو يتركه من المشروع لا يوافق عليه؛ لأنه لا يقتدى به في مثل هذا، فلو قدر أن إماماً يصلي ولا يرفع يديه من الركوع والرفع منه ما اقتدينا به، رفعنا، وأيضاً هذه الجلسة لا يترتب عليها تأخر عن الإمام، بل نرى من يفعلها يقوم مع من بجانبه ممن لا يفعلها أبداً ما يتأخر، مجرد أن يثني رجليه يجلس ويقوم، فلا يترتب عليها تأخير.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود(11/26)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود
الطمأنينة يراد بها الرفق والأناة وعدم العجلة، ويراد بها أيضاً الإتمام، إتمام الركوع والسجود على ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيان المأمور به من قبل الله -جل وعلا- في هذه الشعيرة العظيمة، فالطمأنينة مطلوبة، وركن من أركان الصلاة في أركانها كلها.
يقول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد" في مشروعية الإتيان إلى المسجد في وقت الصلاة وغير الصلاة، وكثيراً ما يأتي النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المسجد، ويمكث في المسجد، وجاء الترغيب في ذلك، المبادرة إلى الصلوات، والرباط بين الصلاتين، والتأخر في المصلى، وجاء ما يدل على أن المسجد بيت كل تقي.
وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ(11/27)
ومعروف إلى وقت قريب عناية المسلمين بالمساجد، طول مكثهم فيها، وبقاؤهم بها، بل يوجد من يسكن المساجد، وهذه تكاد أن تنقرض، وجرت العادة من عهده -عليه الصلاة والسلام- إلى وقت قريب، وجل الناس لا ينصرفون من المسجد لا سيما بعد صلاة الصبح، حتى تنتشر الشمس، والآن مع الأسف الشديد في مثل هذا البلد، من أراد الجلوس إلى أن تنتشر الشمس قد يعاني من المضايقات، المؤذن يبي يطلع ويقفل الأنوار، والحارس يقول: أنا مؤتمن ولا أستطيع، فلا بد من التمكين من هذه السنة، والمسئولون لا يعارضون إذا وجدوا من يمكث في مسجد وهو ثقة وأمين، نعم وجد من يسيء إلى مثل هؤلاء، وجد بعض التصرفات، لكن هذه لا تكون سبب قطع الخير ومنعه، يعني وجد من مكث في المسجد ثم إيش اللي حصل؟ نسأل الله السلامة والعافية، بال على المصاحف كلها، مثل هذا يكون سبب في منع هذا الأمر، لكن ينبغي أن يكون محل عناية من المسئولين، فلا يمنع بسبب شخص، أو أشخاص تصرفوا تصرفات خاطئة، فلا تكون أفعالنا ردود أفعال، إنما تعالج المخالفات، وتبقى السنن على ما هي عليه، لا تعارض السنن بمثل هذا، وبعض البلدان -ما شاء الله- تجد من ينتظر لا أقول: عشرة بل عشرات بعد الصلاة حتى تنتشر الشمس، وبلدان هي في موازين عامة الناس ما هي بشيء، وبعض البلدان التي ينظر إليها أنها محل الخير وأهل الخير ما تجد أحد، مثل هذا لا شك أنه خلاف السنة، وطالب العلم على وجه الخصوص إن كان ممن يبادر إلى النوم بعد صلاة الصبح هذه مصيبة بالنسبة له، هذا وقت البركات، فإذا لم يستغل مثل هذا الوقت، متى يستغل العمر إذا نام بعد صلاة الصبح؟ قد يقول قائل: الناس ابتلوا بالسهر، نقول: ومع السهر يمكن استغلال مثل هذا الوقت، والمسألة عادة، إذا عود الإنسان على شيء خلاص، من تعود الجلوس إلى ساعة معينة، افترض أنه يجلس ساعتين ثلاث ساعات بعد صلاة الصبح ولو سهر ما يجيه النوم، حتى تنتهي هذه المدة، وهذا مجرب.(11/28)
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم" الاحتمال أن تكون هذه الصلاة تحية المسجد من هذا المسيء، ويحتمل أنه فاتته الصلاة فصلاها منفرداً "فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ارجع)) " في هذه الرواية لم ينقل رد السلام، نقل في روايات أخرى في الحديث نفسه من حديث أبي هريرة، قال: ((وعليك السلام)) ولو افترضنا أنه لم ينقل ألبتة في أي رواية من الروايات كما في حديث أم هانئ، قالت: السلام عليك يا رسول الله، قال: ((من؟ )) قالت: أم هانئ، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) وسلمت فاطمة فقال: مرحباً بابنتي، ولم ينقل أنه رد السلام -عليه الصلاة والسلام-، فمنهم من يقول: إن مرحباً تجزئ في رد السلام، ومنهم من يقول: من عدم النقل عدم الوجود، بل رد -عليه الصلاة والسلام- ولم ينقله الرواة للعلم به، بعض القضايا التي لا يحتاج إلى نقلها، الأمر برد التحية ثابت في القرآن، لا يخفى على أحد، فمثل هذا قد يتساهل في نقله لأنه نقل نقلاً ملزماً، يعرفه الخاص والعام، ولذا إذا جاء الأمر في القرآن أحيل عليه ما يرد من السنة، فمثلاً من جامع زوجته في رمضان جاء الحديث الصحيح في الصحيحين وغيرهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ألزمه بالكفارة، عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فهل يقال لمن جامع في نهار رمضان: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان الثابتة في السنة، أو يقال: عليك كفارة؟ كفارة إيش؟ ماذا يقال له؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن كفارة الجماع في نهار رمضان ثابتة في الصحيحين وغيرهما، فهل من جامع في نهار رمضان يقال: عليك كفارة جماع في نهار رمضان، عامة المسلمين ما يعرفون إيش الكفارة؟ لو أحلناهم على هذا الحديث، لكن يقال: عليك كفارة ظهار، والفقهاء يقولون: من فعل كذا فعليه كفارة ظهار، يعني هل كفارة الجماع ثبتت بالقياس على كفارة الظهار؟ لا، ثبتت بالنص، لكن يحال على ما ثبت في القرآن لأنه لا يخفى على الخاص والعام، يعني إذا أردت أن تحيل تحيل على الأقوى، والأكثر شهرة وانتشار، فتقول: عليك كفارة ظهار، لماذا لا يقال: عليك كفارة قتل؟(11/29)
طالب:. . . . . . . . .
تختلف في إيش؟ عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، يعني إن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، لماذا لا يقول الفقهاء: عليه كفارة قتل؟ للخلاف في الإطعام، في كفارة القتل الإطعام مختلف فيه، أما في كفارة الظهار فلا خلاف، فيحال على المعروف، ويقول عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، بيعة الرجال قبل بيعة النساء، لكن بيعة النساء مضبوطة في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [(12) سورة الممتحنة] لأنها مضبوطة في القرآن، يحال على ما في القرآن، وإلا هي ثابتة في الأحاديث الصحيحة، وهي متقدمة على بيعة النساء، ولكن يحال على ما ثبت في القرآن، وهنا مثل هذا قد لا ينقل رد السلام؛ لعدم الحاجة إليه؛ لأنه ثابت في القرآن {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] يعني أقل الأحوال.(11/30)
"ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) " قد يقول قائل: صلى ركع وسجد وقرأ، صلى فما الصلاة المنفية؟ هل المنفي حقيقتها العرفية أو حقيقتها الشرعية؟ نعم هو صلى، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) هذه حقيقة، الحقيقة العرفية موجودة، ركع وسجد وش يبي؟ صلى ودعا، لكن المنفي الحقيقة الشرعية للصلاة، يعني الصلاة المجزئة المسقطة للطلب، فكونه يصلي صلاة لا تنفعه، هذه صلاة لا وجود لها شرعاً، وإن وجدت حقيقتها عرفاً، يعني مثل ما ينفى السمع والبصر عمن له أذنان تسمعان الكلام، وبصر يبصر به المرئيات، هذا يمكن نفيه، إذا كان لا يستفيد من هذا السمع ولا من هذا البصر {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [(18) سورة البقرة] ليس معناه أنهم لا يشوفون ولا يسمعون ولا يتكلمون، يتكلمون ويسمعون ويبصرون، لكن لما لم تنفعهم هذه الحواس صار وجودها مثل عدمها، فحقيقتها الشرعية منتفية، ولذا جاء في الآية الأخرى: {وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا} [(179) سورة الأعراف] واختلاف الحقائق الشرعية مع العرفية لا بد لطالب العلم من الانتباه له بدقة، ولا بد من معرفة الاصطلاحات العامة والخاصة مع الحقائق اللغوية، يعني لو جاءك شخص وأقسم أنه لم ير في عمره كله جملاً أصفر، ما رأى جمل أصفر، والذي عنده في عرفه أن الأصفر هذا، في جمل مثل هذا؟ لونه مثل هذا؟ ما في، مع أن الجمالات الصفر مثبتة في القرآن، هل نقول: إن هذا محاد لله -جل وعلا-؟ ويقصد حقيقة والشرع يقصد حقيقة أخرى، وقل مثل هذا حينما يقول الحنفية: زكاة الفطر واجبة وليست بفرض، والصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل نقول: هذه معاندة؟ هذه حقائق مختلفة، يعني الحقائق الثلاث معروفة عند طلاب العلم، فكون الإنسان يريد حقيقة، ينفي باعتباره حقيقة، وغيره يثبت باعتباره حقيقة، لا تكون هذه معاندة، ولذا ما في أحد اتهم عامة أهل العلم في قولهم: إن غسل الجمعة ليس بواجب، وفي الحديث: ((غسل الجمعة واجب)) هذه حقيقة وتلك حقيقة، فمع اختلاف الحقيقة لا تثريب، لكن على طالب العلم أن تكون حقائقه أقرب ما تكون إلى الحقائق الشرعية.(11/31)
((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) فرجع فصلى كما صلى، ما يعرف غير هذا، ثم جاء فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه مشروعية تكرار السلام، ولو مع قرب الفاصل "فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ارجع فصل، فإنك لم تصل)) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني" يقول: لا أحسن غير هذه الصلاة، ما في شيء، لو كنت أحسن ما ترددت ثلاثاً "والذي بعثك بالحق" يقسم بالله -جل وعلا- الذي بعث نبيه -عليه الصلاة والسلام- بالحق أنه لا يحسن غيره "فعلمني" الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما فعل هذا المسيء الصلاة التي لا تجزئ ولا تسقط الطلب، فنفاها عنه -عليه الصلاة والسلام- ما عنفه، لم يعنفه، وهذا من حسن خلقه -عليه الصلاة والسلام-، وكونه ردده ثلاثاً؛ لينتبه لما يلقى إليه؛ لأن الشيء الذي يأتي بسهولة ينسى بسهولة، لكن ما دام ردده ثلاثاً لا شك أنه سوف يضبط ما يلقى إليه، وفي هذا جواز تأخير البيان عن أول الأمر يعني إلى وقت الحاجة، يجوز تأخير البيان للمصلحة، فلو علمه الصلاة من أول مرة يمكن ينسى، لكن لما ردده ثبت العلم في ذهنه، وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يتعب في تحصيل العلم، ويتعب في تصور المسائل وفي تصويرها، وبعضهم يعمد إلى كتاب صعب معقد، فيقرأ هذا الكتاب، ويفهم هذا الكتاب، ويراجع هذا الكتاب، ويسأل عما يشكل في هذا الكتاب؛ لأنه إذا عرف الكتاب الصعب كانت معرفته بالكتب السهلة لا تحتاج إلى معاناة، بحيث لو احتاج أي مسألة في كتاب من الكتب دون هذا الكتاب الذي قرأه لا شك أنه لن يشكل عليه شيء، وأنا أقول: هذا الكتاب الذي في أيدي بعضكم -شرح ابن دقيق العيد على العمدة- الطالب الذي يفهمه على وجهه لا يحتاج أن يسأل على مسائل في أي شرح من الشروح، هل إحالة طلاب العلم على مثل هذا الشرح لتعذيبهم؟ لا، وإنما للعناية بهم، كررنا مراراً أن عناية أهل العلم بزاد المستقنع مع أن عبارته مستغلقة ليست عبث، عنايتهم بالمنتهى مع أن عبارته صعبة ليست عبث، عناية المالكية بمختصر خليل ليست عبث، إنما إذا فهم الكتاب -هذا الكتاب المستغلق الشديد إذا فهم- فما دونه من باب أولى، وبعض الناس يقول: لا، يكفي، الكتب المختصرة الآن،(11/32)
ومذكرات والكتب التي رتبت ونظمت وهذبت والخلاف والأقوال والأدلة والرأي، هذه ما تربي طالب علم؛ لأن الإنسان يتصور نفسه في بلد نائي ما عنده أحد، وأشكل عليه مسألة وعنده المراجع ما يستطيع يراجع، إذا لم يترب على المتون المعتبرة عند أهل العلم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ردده مراراً؛ ليحفظ عنه هذا العلم، والعلم لا يستطاع براحة الجسم، أبداً، لا يمكن أن ينال العلم براحة الجسم، وقد يقول قائل: لماذا تعبه مرتين ثلاث علشان إيش؟ علشان يضبط ويتقن، الآن إذا كان عند المدير كاتب، ثم بعد ذلك هذا الكتاب حرر له خطاب، كتبه بالآلة ثم قرأه المدير، ووجد نقطة ساقطة، أخذ القلم ووضعها بالحبر الأسود ما تبين، لكن متى يتعلم هذا الطابع؟ لو قال له: امسح هذه الكلمة واكتب غيرها، أو قال له: راجع الخطاب، وابحث عن الخطأ، الكتاب فيه خطأ، يعني لو قال له: امسح هذه الكلمة ترى فيها خطأ واكتب غيرها، لا شك أنه أثبت في ذهنه من كونه يضع المدير النقطة بقلمه، لكن لو قال له: راجع الكتاب أنت، واستخرج الخطأ، وصحح الخطأ، مثل هذا لن يخطئ مرة ثانية، هذا أسلوب من أساليب التربية والتعليم، هذا يحتاج إليه باستمرار، فقال هنا في القسم على الأمور المهمة: "والذي بعثك بالحق" يقسم بالله -جل وعلا- أنه لا يحسن غير ما صنع، فالقسم على الأمور المهمة مطلوب، وجاءت به النصوص الكثيرة، كثيراً ما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((والذي نفسي بيده)) يقسم ويحلف من غير استحلاف، أما إذا كان الأمر غير مهم جاء النهي عن جعل الله -جل وعلا- عرضة للأيمان، أما في الأمور المهمة يحلف من غير استحلاف.(11/33)
فقال: ((إذا قمت إلى الصلاة فكبر)) هذه تكبيرة الإحرام بلفظ: الله أكبر، لا يجزئ غيرها، وهي ركن من أركان الصلاة عند الجمهور، وشرط عند الحنفية، وسبق أن قررنا الخلاف والفوائد المرتبة عليه ((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) وهذا مجمل بينه حديث عبادة الآتي: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) وفي بعض الروايات: ((ثم اقرأ بأم القرآن)) فدل على أن ما تيسر ما زاد على الفاتحة، أما الفاتحة أمر لا بد منه، الفاتحة لا بد منها، كما سيأتي في حديث عبادة.
((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)) وفي هذا دليل للجمهور الذين لا يوجبون تكبير الانتقال، ما قال: "ثم كبر ثم اركع" لا، لكن التكبير ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومداومته عليه، وخلفاؤه من بعده داوموا عليه، وهذه حجة من يقول بوجوب تكبيرات الانتقال، والمسألة سبقت ((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)) في الحديث الصحيح: ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)).(11/34)
((اركع حتى تطمئن راكعاً)) وتمكن يديك من ركبتيك، وتسوي ظهرك ورأسك مع آخرك، على الصفة المشروحة سابقاً في الركوع، وتأتي بالذكر المطلوب، والقدر الواجب منه ما يستطيع معه أن يمكن يديه من ركبتيه، ويهصر ظهره، ويأتي بالذكر ولو مرة واحدة، وما زاد على ذلك هل هو واجب أو مستحب؟ الزيادة على القدر الواجب في العبادات واجب أو مستحب؟ هذا إذا كان متميزاً بنفسه الإجماع على أنه مستحب، يخرج صاع فطرة وصاع ثاني زيادة، هذا مستحب اتفاقاً، لكن إذا خلط الصاعين جميعاً، أو أخرج كيس هل الواجب الصاع وما زاد عليه مستحب؟ مسألة خلافية، منهم من يقول: إذا كانت الزيادة لا تتميز بنفسها تأخذ حكم الأصل، قد يقول قائل: ما الفائدة من الخلاف؟ إذا قلنا: الزيادة في الركوع على القدر الواجب مستحب ماذا يقول من يرى عدم صحة صلاة المفترض خلف المتنفل؟ إذا أدركه في القدر الزائد على الواجب؟ ماذا يقول؟ الحنابلة يقولون: لا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، دخلت والإمام راكع، وقال: سبحان ربي العظيم، الواجب انتهى، فأدركته في القدر المتسحب، ولا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، هم يقولون: إن الزيادة إذا لم تتميز بنفسها تأخذ حكم الأصل، هذه أمور لا بد من الانتباه لها؛ لأن المذاهب لا بد أن تكون منضبطة؛ لئلا يرد عليها ما يرد، والفقهاء من أدق الناس في هذه الأمور.
((ثم أركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)) وفي بعض الأحاديث الصحيحة في صفة الصلاة: ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)) كل عضو وكل مفصل يعود إلى مكانه، طيب في حال الاعتدال لا بد أن يعود كل فقار إلى مكانه، هل المراد كل فقار يعود إلى مكانه قبل الدخول في الصلاة أو قبل الركوع؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، وش يترتب على هذا؟ وضع اليدين، إذا قلنا: يجب أن يعود كل فقار إلى مكانه قبل الركوع تقبض يديك وتضعهما على صدرك، وجاء هذا في حديث وائل ما يدل عليه، وإذا قلنا: يعود كل فقار إلى مكانه قبل الصلاة ترسل يديك، كما يرجح الألباني وغيره -رحمة الله عليه-.(11/35)
((حتى تعتدل قائماً ثم اسجد)) ولم يذكر التكبير -تكبير الانتقال- ولا ذكر سمع الله لمن حمده، وهذا يستدل به من يقول بعدم الوجوب، وقل مثل هذا في التسبيح، وقل ربنا ولك الحمد، وغير ذلك من الأذكار، الأكثر على أنها ليست بواجبة هذه، والحنابلة يوجبونها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم عليها، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)) في الحديث الذي سبق: ((حتى تعتدل ساجداً)) وعرفنا معنى الاعتدال، اعتدال الشيء تقويمه على مقتضى نظر الشرع، هذا اعتداله، وضربنا لذلك أمثلة، فتعديل الخاتم مثلاً، تعديل الخاتم كيف يكون تعديله؟ تقويمه؟ يستقيم كذا؟ ما يجئ ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم أرفع حتى تطمئن جالساً)) والمقصود الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع من الركوع والرفع منه، وهذا تقدم خلافاً لمن لا يطمئن في الرفع من الركوع والرفع من السجود، مهما كانت إمامته، وأتباع المذاهب بعضهم ينقر هذين الركنين نقر.
((وافعل ذلك في صلاتك كلها)) وجاءت الإشارة إلى جلسة الاستراحة في رواية عند البخاري، وسقناها في أول الدرس ((وافعل ذلك في صلاتك كلها)) وعلى هذا القراءة والركوع والسجود والاعتدال والرفع كله مطلوب في كل ركعة، بما في ذلك القراءة، يعني هل القراءة ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) كما سيأتي هل يكفي في ركعة أو في الغالب؟ لأن الغالب له حكم الكل ....(11/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (8)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
يعني هل القراءة؟ ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) كما سيأتي، هل يكفي في ركعة أو في الغالب لأن الغالب له حكم الكل، أو في جميع الصلاة؟ ((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) يعني مثل هذه الركعة صل صلاتك كلها، سواء كانت ثنائية ضم إليها أخرى، ثلاثية ضم إليها ركعتين، رباعية ضم إليها أربع ركعات مثل هذه الركعة.
باب: القراءة في الصلاة
عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) " لا صلاة، لا نافية للجنس، جنس الصلاة، والنفي قد يرد على العين ويراد به الحقيقة اللغوية، وقد يرد على العين ويراد به الحقيقة العرفية، ويرد ويراد به الحقيقة الشرعية، فإذا قلنا: المنفي الحقيقة الشرعية للصلاة، قلنا: لا صلاة صحيحة، أو لا صلاة مجزئة ومسقطة للطلب؛ لأن صورة الصلاة التي لا تجزئ لو افترضنا أن شخص جاء بالصلاة على وجهها بأركانها، بواجباتها، بسننها، واطمأن فيها، لكنها فقدت شرط، هذه ليست بصلاة، ليست بصلاة شرعية لتخلف شرطها، هنا يقول: ((لا صلاة)) والنفي يرد ويراد به النهي، وحينئذٍ يكون أبلغ من النهي الصريح، لو جاء: لا تصلوا إلا بفاتحة الكتاب، الأصل في الأمر الوجوب، وقد يرد ما يصرفه إلى الاستحباب، لكن هنا نفي، يعني هذه الصلاة وجودها مثل عدمها، هي مجرد حركات.(12/1)
((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) فاتحة الكتاب هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، فلا تصح الصلاة بدونها، واختلفوا فيمن يلزمه قراءة الفاتحة، فأبو هريرة -رضي الله عنه- والبخاري والشوكاني يرون أن الفاتحة لازمة لكل مصلٍ، يعني الإمام والمأموم، والمنفرد والمسبوق، فعلى هذا من جاء والإمام راكع، أو قبل الركوع بحيث لا يتمكن من قراءة الفاتحة لم يدرك الركعة، على هذا القول فلا بد من قراءة الفاتحة، الشافعية يرون أن الفاتحة تلزم كل مصلٍ إلا المسبوق، أخرج المسبوق بحديث أبي بكرة، حينما ركع دون الصف وأدرك، هذا رأي الإمام الشافعي، والحنابلة والمالكية يقولون: تلزم الإمام والمنفرد على خلاف بينهم في المأموم في السرية دون الجهرية، فمنهم من يلزم بها المأموم في السرية، ومنهم من يقول: قراءة الإمام قراءة لمن خلفه، فلا تلزم المأموم أصلاً، لا في جهرية ولا في سرية، والحنفية يقولون: لا تتعين الفاتحة، ومنهم من يوجبها على أنها ليست بفرض ولا ركن، في الصلاة تجبر بسجود سهو، ومنهم من يقول: يكفي ما تيسر من القرآن ولو بغير الفاتحة، وحصل مناظرات وإلزامات لبعض الحنفية؛ لأنهم يجيزون الترجمة للقرآن بغير العربية، ويجيزون قراءة ما تيسر، فلما صلى المصلي على مذهب الحنفية بين يدي محمود بن سبكتوكين، والقصة معروفة عند أهل العلم، ومنهم من يشكك فيها، جاءوا بشخص توضأ بنبيذ، تعرفون النبيذ الماء الذي يمرس فيه شيء من التمر، ويتصور هذا النبيذ في وقت حار، ولبس جلد ما أدري والله عاد جلد كلب أو غيره، مدبوغ، وهذه إلزامات للحنيفة، فجاء هذا فقال: الله العظيم دوسابز، دوسابز هذه إيش هي؟ ترجم المداهمتان، واقرأ ما تيسر، مداهمتان آية من القرآن، وهذا الذي تيسر يجوز قراءته بغير العربية، وجاء ونقر الصلاة على مذهب متأخري الحنفية، وتشوفه متوضئ بنبيذ، والحشرات والذبابين عليه، والخليفة السلطان يراه، قال: هذه صلاتكم يا الحنفية؟ قال واحد من الشافعية حاضرين: نعم هذه مذهب أبي حنيفة، فكان حنفياً ثم صار شافعياً كسبوه بهذه الصلاة، ويغفلون عن أن الأئمة إذا اجتهدوا استفرغوا الوسع، وهذا ما أدى إليه اجتهادهم، هم مأجورون على هذا، لكن لا يرى أبو حنيفة(12/2)
أن الصلاة تؤدى بهذه الطريقة أبداً، يعني تجمع كل شواذ أبي حنيفة، وشواذ أحمد، وشواذ مالك، لا يمكن، هذا لا يراه أحد، الصلاة مجتمعة بهذه الطريقة لا يمكن أن يراها أبو حنيفة، لكن لو قدر أنه توضأ بنبيذ، أو مثلاً فعل كذا وكذا، ممكن، أما تجمع الصلاة على هذه الهيئة المخالفة للشرع من كل وجه، هذا ما يرضاه أبو حنيفة ولا غيره، لكن يسلك مثل هذا المسلك في المناظرات، تجد الخصم يجلب على خصمه بكل ما يملك من أسلوب وبيان للتنفير من الخصم، وما يراه الخصم، لكن لو كان المراد من هذه المناظرات إصابة الحق على لسانه، أو على لسان خصمه ما حصل مثل هذا، وعلى كل حال بعض الفقهاء يشكك في نسبة هذه إلى إمام الحرمين أو غيره.(12/3)
((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) عرفنا المذاهب في قراءة الفاتحة، والخلاف الطويل في المأموم، والنصوص هنا من أصح الأدلة في الصحيحين وغيرهما ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) والذين لا يرون القراءة على المأموم يستدلون بأدلة منها: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وفي حديث الإتمام: ((وإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا ركع فاركعوا)) المقصود أن المسألة أن الأدلة كثيرة جداً، والمسألة من عضل المسائل، وألف فيها أيضاً (القراءة خلف الإمام) وللإمام البخاري -رحمه الله تعالى- (جزء القراءة خلف الإمام) وللبيهقي (جزء القراءة خلف الإمام) المقصود أن فيها مؤلفات، والخلاف فيها قديم، والأدلة المتعارضة تكاد أن تكون متكافئة، والترجيح يكاد يكون بالقشة، كثير من الناس يستروح إلى ترجيح بعض الأقوال دفعاً للحرج، بعض الناس يقول في التراويح مثلاً، أو في الصلاة الجهرية والإمام ما يتنفس يواصل القراءة، وكثير من الناس ما يقدر يقرأ، لو بغى يقرأ ما استطاع، ما يجمع الفاتحة بعض الناس، والإمام يجهر، هذا صحيح واقع، لكن مثل هذا إذا عجز معذور، العاجز معذور، بعض الناس يقول: الإمام ما يمكنا من قراءة الفاتحة، يركع قبل أن نقرأ، نقول: هذا بحكم المسبوق، لكن يبقى أن الحديث نص صحيح صريح شامل لكل مصلٍ، وإذا أخرجنا المسبوق في حديث أبي بكرة، يبقى الإمام والمأموم والمنفرد كلهم داخلون في هذا الحديث، وجاء ما يخص الفاتحة خلف الإمام ((ما لي أنازع القرآن؟ لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)) قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) وهذا نص في المأموم، على كل حال المسألة الترجيح فيها من الصعوبة بمكان، والأدلة من الطرفين كلها فيها قوة، وإذا رجح الإنسان، أو قلد من يرجح وجوب الفاتحة لزمه أن يقرأ؛ لأنه يعمل ما يدين الله به ويعتقد، لزمه أن يقرأ خلف الإمام، ولو جهر الإمام، وإذا ترجح عنده واستروح ومال إلى القول الآخر، ورأى أن المأموم عليه أن ينصت، وعليه أن يستمع له ذلك، وجاء في حديث أبي هريرة: ((من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج)) خداج يعني ناقصة، نعم.
عفا الله عنك.(12/4)
وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، يسمع الآية أحياناً، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي قتادة -الحارث بن ربعي- الأنصاري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب" في الركعتين بفاتحة الكتاب، يعني في كل ركعة من الركعتين بفاتحة الكتاب "وسورتين" يعني في كل ركعة سورة "يطول في الأولى، ويقصر في الثانية" وجاء في بعض الروايات: من أجل أن يدرك المسبوق، من أجل أن تدرك الصلاة يطول الأولى، فهذه سمة صلاة الظهر تطول كالصبح "يطول في الأولى، ويقصر في الثانية" ويسمعنا الآية أحياناً، نعم في الصلاة السرية الأصل الإسرار، فإذا أسمعهم الآية أحياناً فعلَ فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وامتثل السنة، فأحياناً يسمعهم الآية، لكن هل معنى هذا أن تكون القراءة جهرية؟ لا، لو جهر في صلاة الظهر أو أسر في صلاة الصبح عند أهل العلم كره ذلك، ولو كان ديدنه ذلك، لا يصلي الصبح إلا سراً، ولا يصلي الظهر إلا جهراً، قلنا: هذا مبتدع، هذا متعمد للمخالفة، لمخالفة النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مبتدع، لكن لو فعله أحياناً، أو نسي أو سها ما عليه شيء.
"ويقصر في الثانية، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب" فقط، وجاء ما يدل على أنه يقرأ في الركعتين الأخريين على النصف من قراءته في الركعتين الأوليين، كما في صحيح مسلم، يطول في الركعتين الأوليين وفي الركعتين الأخريين على النصف، وفي الركعتين الأوليين من صلاة العصر كالأخريين من صلاة الظهر، وفي الأخريين على النصف، فهذا يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً، يقرأ في الركعتين الأخريين قدراً زائداً على الفاتحة، وأحياناً يقتصر على أم الكتاب كما هنا.(12/5)
"وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية" تقصير نسبي، ليس معنى هذا أنه يقرأ في الأولى سورة طويلة، ثم يقرأ في الثانية من السور القصار، لكنها أقصر من الأولى، والصلاة كما تقدم، والتمثيل بصلاة الكسوف تطويل وتقصير تدريجي، نسبي، وهذا سبق الكلام فيه فلا يعاد، يقتصر على الركعتين الأخريين بأم الكتاب، كان يقرأ أحياناً على النصف مما قرأه في الركعتين الأوليين، وثبت في الموطأ عن أبي بكر أنه كان يقرأ في الركعة الثالثة من صلاة المغرب: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران] هذا ثابت عن أبي بكر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، ولما جاء في الخبر ما يدل على المغرب وتر النهار، أراد أن يدعو بهذه الآية في الركعة الثالثة، تشبيهاً لها بالوتر {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [(8) سورة آل عمران] جاء في الحديث القصر أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فزيد في الحضر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار، ولذا كان أبو بكر -رضي الله عنه- يقرأ في الركعة الثالثة من صلاة المغرب {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران].
عفا الله عنك.
وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور.(12/6)
جبير بن مطعم بن عدي لما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في فداء الأسرى، يكلمه -عليه الصلاة والسلام- في فداء الأسرى، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في المغرب بسورة الطور، هذا قبل أن يسلم حال كفره، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- في المغرب بسورة الطور، ويقول: وكان ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي، هو جاء غير مسلم، وانصرف ولم يسلم، لكنه بدأ الإيمان يدب إلى قلبه؛ لأنه سمع كلام مذهل، لا شك أن العربي الذي على سليقته لا يملك نفسه، إذا سمع مثل هذا الكلام، بخلاف أحوال المسلمين الآن لا يتذوقون القرآن، ولا يستشعرون عظمة القرآن، وكأن القرآن كغيره من الكلام، القرآن عظيم، وهو كلام الله، وثقيل أيضاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أنزل عليه في الليلة الشديدة البرد يتصبب عرقاً من عظم ما يلقى إليه {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] ثقيل، فمن يستشعر هذه العظمة، وهذا الثقل؟ من منا من يلقي بالاً لقوله -جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] في أحد يلقي لها بالاً؟ والله هذه عند كثير من المسلمين لا تحرك شعرة، ولا يستشعر لها شيء، وزرارة بن أوفى في صلاة الصبح لما سمعها مات، بدون مبالغة، ولا هو بتمثيل هذا، ولا يمكن إنكاره؛ لأن بعض الناس إذا سمع مثل الكلام قال: ما هو بصحيح، هذا تمثيل، وسبقهم إلى ذلك ابن سيرين -رحمه الله-، يقول: الذي يصعق ويغمى عليه ويغشى عند قراءة القرآن، اجعلوه فوق جدار، واقرؤوا القرآن إن طاح إن سقط فهو صادق، لكن ما هو بصحيح هذا الكلام، هذا ثابت مقطوع به، وكثُر في التابعين، وأقره أئمة الإسلام؛ لأن الإنسان قد يغلب على أمره، لماذا؟ لا شك أن القرآن عظيم وثقيل، وأنزل على قلب قوي، قلب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسمعه الصحابة، وهم من أقوى الناس قلوباً، وأمتنهم ديانة، فإذا نزل القوي على شيء قوي صار له أثره العملي، وتحمله ذلك القلب القوي، لكن بعدهم تستشعر عظمة القرآن، وضعفت القلوب التي تحتمل هذه العظمة وهذه القوة فحصل ما حصل، ثم بعد أن خلف خلوف لا يستشعرون قوة ولا عظمة مع ضعف القلوب، قال: لماذا لا يتأثرون؟ ما استشعروا(12/7)
شيء، ما كأن شيء يقرأ عليهم، أبداً، أحياناً تدهاك مصيبة ما تملك نفسك تبكي، بل أحياناً تتصرف تصرفات لا تدري ما هي؟ لأن هذه المصيبة التي وقعت عليك أقوى من قلبك من مقاومة قلبك، فغلبتك، القلوب ضعيفة بلا شك، بدليل لو أنه دهاها أي أمر من أمور الدنيا طاشت وضاعت، لكن أمر الدين لا يهم كثير من الناس، ولذلك لا يؤثر فيهم.
هذا وهو في حال كفره تحمل هذا الخبر، فيجوز في حال التحمل أن لا تتوافر الشروط، شروط قبول الرواية، في حال التحمل، فيتحمل الكافر، ويتحمل الطفل الصبي الصغير، محمود لما عقل المجة، وهو ابن خمس سنين، رواها بعد ذلك فنقلت عنه، جبير بن مطعم لما تحمل هذا الخبر، وهو كافر أداها سنة بعد إسلامه، فقبلها الناس منه، وخرجت في الصحيحين، فالشروط إنما يطلب توافرها للأداء لا للتحمل؛ لأنه إنما يحاسب عند قبول خبره، ومتى يقبل خبره؟ إذا أداها، يعني لو قال لك ثقة من الناس كان فاسق ثم تاب ثم قال لك بعد توبته وبعد استقامته، وبعد توافر الشروط: إنا كنا سمعنا من فلان قال كذا، تقول: لا أنت سمعته لما كنت فاسق خبرك مردود؟ لا تحاسبه الآن؛ لأن المطلوب العدالة والضبط من أجل أن لا يكذب ولا يخطئ، نعم في حال فسقه يحتمل يكذب، لكن بعد توبته واستقامة أمره لا يتصور، وهذا بعد إسلامه لا يمكن أن يكذب، فالتحمل بعد توافر الشروط.(12/8)
"سمعت النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في المغرب بالطور" والطور من طوال المفصل، لكن الخلاف بين أهل العلم فيما يقرأ في الصلوات الخمس، وما يناسب كل صلاة مقصودهم الأمر الأغلبي، فتطال صلاة العصر، تطال صلاة الفجر، تطال صلاة الصبح، يقرأ فيها بين الستين والمائة، الظهر تطال أيضاً كما في الحديث السابق، والخلاف بينهم هل هي كالصبح أو مثل الفروض الثلاثة؟ يقرأ فيها من أوساط المفصل معروف، لكن أكثر من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر ذكر أنه يطليها، العصر والعشاء من أوساط المفصل، المغرب من قصار المفصل، هذا أغلبي، وإلا فقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في المغرب بالطور، وثبت أنه قرأ الأعراف، وثبت أنه قرأ الزلزلة في صلاة الصبح، المقصود أن مثل هذه الأمور على خلاف القاعدة، على خلاف الأغلب، الأغلب أن تطال صلاة الصبح، لكن إن خففها لأمر لا بأس، يعني لو كان الناس في العشر الأخيرة من رمضان تعبوا في صلاة التهجد، فلاحظهم الإمام في صلاة الصبح، وخفف عليهم لا بأس، إذا كانوا في سفر وتعبوا من جراء السفر خفف عليهم لا بأس، لكن الأصل أن صلاة الصبح مما يطال، وكذلك الظهر، وصلاة المغرب جاء فيها سورة الطور، وجاء فيها سورة الأعراف، لكن هي من الصلوات القصيرة التي ينبغي أن تقصر القراءة فيها، والسبب أن الناس بعد كد النهار وكدحهم تنبغي مراعاتهم، ومعاذ لما صلى سيأتي حديثه -إن شاء الله تعالى-، لما صلى في صلاة العشاء بسورة البقرة أنكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وشدد عليه، وسيأتي حديثه -إن شاء الله تعالى-، نعم.
عفا الله عنك.
وعن البراء بن عازب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر، فصلى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه.(12/9)
يقول في الحديث الرابع: "عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر، فصلى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه -صلى الله عليه وسلم-" قرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون، وهذه من القصار أو من الطوال؟ من القصار، وكان في سفر، والمسافر يلاحظ حاله وحال من خلفه؛ لأن السفر مظنة المشقة والتعب، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان حسن الصوت بالقرآن "فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه -عليه الصلاة والسلام-" وجاء الأمر بتحسين الصوت ((وما أذن الله لعبد ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن)) ((زينوا القرآن بأصواتكم)) فالمطلوب تحسين الصوت بالقرآن، أن يحسن صوته بالقرآن، ويزين القرآن بصوته، ويذكر الناس بالقرآن {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] ولا شك أن هذا له أثر في قلب السامع، فأنت تسمع الآية والسورة بصوت فلان فلا تتأثر، وتسمع نفس السورة بصوت فلان فتتأثر، فهل التأثير للصوت أو للقرآن؟
الطالب:. . . . . . . . .
نعم للقرآن المؤدى بهذا الصوت، لو كان التأثير للصوت ما أجر عليه الإنسان، ولا أجر من يتأثر، إنما التأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت، بدليل أن هذا الصوت الجميل لو قرئ فيه غير القرآن ما أثر؛ لأنه يستشكل، مأمور بالخشوع، مأمور بالتدبر، مأمور بالتأثر بالقرآن، فإذا تأثرت بصوت فلان دون فلان ما امتثلت الأمر، فلا بد أن يكون القرآن هو المؤثر، فقد يقول قائل: افترض أن القرآن يؤثر بذاته، سواء كان بصوت جميل أو غير جميل، نقول: لو كان الأمر كذلك لما أمرنا بتزيين الصوت بالقرآن، ولما أمرنا بتحسين القرآن، وتزيينه بأصواتنا، ولا أمرنا بالتغني بالقرآن، فدل على أن الصوت له أثر، لكنه أثر تابع لأثر القرآن، فلا يقول قائل: إن التأثير للصوت فقط، لا، التأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت الحسن.(12/10)
"فما سمعت أحداً أحسن صوتاً، أو قراءة منه -عليه الصلاة والسلام-" كان يتأثر، وكان يؤثر في قراءته، وكثير من المسلمين اليوم يدخل المسجد وقلبه خارج المسجد، يعني لو صلى ركعة واحدة أو عشر ركعات، لو قرأ آية أو قرأ سورة، طول أو قصر ما في فرق، بل العكس بعض الناس إذا طول الإمام صار في مجال؛ لأن يسرح ويتجول بذهنه في أماكن ومواقع متعددة، الله المستعان، ولا واعظ مثل القرآن، وجاء الأمر بالتذكير بالقرآن {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] نعم.
عفا الله عنك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ )) فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن -عز وجل-، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أخبروه أن الله تعالى يحبه)).(12/11)
في هذا الحديث: "عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على سرية" يعني أمره عليهم "فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد" إذا قرأ الفاتحة وقرأ السورة قرأ قل هو الله أحد، اجتهاداً منه، وحباً لهذه السورة التي تشتمل على صفة الرحمن، اجتهاداً منه من غير نص، وهذا سائغ في وقت التنزيل والتشريع، واكتسب الشرعية من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-، قد يقول قائل: أنا أريد أن اجتهد مثل ما اجتهد هذا، نقول: لا، هذا إنما اكتسب الشرعية؛ لأنه في وقت التنزيل، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبو سعيد اجتهد في رقية اللديغ بالفاتحة، وما أدراك أنها رقية، ما سمع شيء من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه اجتهد فأقره النبي -عليه الصلاة والسلام- على ذلك، فالاجتهاد في عهد التشريع سائغ، وكانوا يفعلون، وكانوا يتركون، والقرآن ينزل، ويستدلون بهذا: "كنا نعزل والقرآن ينزل" ولو كان شيئاً لنهى عنه القرآن، على كل حال الاجتهاد مثل هذا إنما يكتسب الشرعية من الإقرار، قد يقول قائل: كيف يقدم صحابي على أن يفعل شيء لم يسبق له شرعية؟ ما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وفعل الشيء الذي لم يسبق له شرعية في الكتاب ولا في السنة مما يتعبد به داخل في حيز البدع؟ نقول: هؤلاء خيار الناس إنما فعلوا هذا رجاء أن ينزل ما يؤيد أو يخالف؟ ولم ينكر عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لو فعلت فعلاً تعتقده صالحاً، تتعبد به وتعتقده صالحاً من ينبهك على الصواب بعد أن انقطع الوحي؟ تستمر تتعبد بهذا وأنت على غير هدى، المقصود أن عمل هذا الصحابي اكتسب الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-.(12/12)
"فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((سلوه)) " وش السبب؟ " ((لأي شيء يصنع ذلك؟ )) فقال: لأنها صفة الرحمن -عز وجل-، فأنا أحب أن أقرأها" يعني هل مجرد محبة الشخص يبرر له أن يفعل شيئاً لم يسبق له شرعية؟ لا، ما يكفي، أولئك في عصر التنزيل، ولو كان فعلهم غير لائق شرعاً، أو مما ينهى عنه لنهوا عنه، ولكنه يكتسب الشرعية من الإقرار " ((لأي شيء يصنع ذلك؟ )) فقال: لأنها صفة الرحمن -عز وجل-" صفة الرحمن المذكور في سورة الإخلاص، قل هو الله أحد هل هي أسماء أو صفات؟ نعم أسماء وصفات {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [(1 - 2) سورة الإخلاص] هذه إيش أسماء؟ أسماء.
الطالب:. . . . . . . . .
نعم صفات منفية، أي غير مثبتة.
الطالب:. . . . . . . . .
قد يقول قائل: ما في صفات؟ قال: صفة الرحمن، كل اسم متضمن لصفة، فالأسماء يشتق منها الصفات، ولا عكس، الأسماء يشتق منها الصفات، لكن لا عكس، الصفات لا يشتق منها الأسماء، فدائرة الأسماء أضيق من دائرة الصفات، ودائرة الصفات أضيق من دائرة الإخبار، ولذا يختلفون في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله طيب)) ((إن الله وتر)) هل هي صفات أو أسماء؟ صفات، هل تقول: عبد الطيب أو عبد الوتر؟ ما تقول؛ لأنها ليست أسماء، وإن قال بعضهم: إنه يمكن أن يؤخذ من هذين الحديثين أسماء لله -جل وعلا-، ولو استطردنا في إثبات الأسماء بمثل هذه النصوص للزم عليه أن نقول بما قال أهل الظاهر: إن الدهر من أسماء الله -جل وعلا-، مثل هذا مجرد إخبار.
"لأنها صفة الرحمن -عز وجل-، لذا أنا أحب أن أقرأها" وفي هذا حث على تعلم وقراءة وفهم ما جاء في الأسماء والصفات، نعم هذا في غاية الأهمية.(12/13)
((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحده، من أحصاها دخل الجنة)) فلا بد من تعلمها {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [(180) سورة الأعراف] والإفادة من معانيها، ودعاؤه بها، وكذلك الصفات، والذين ينكرون هذه الأسماء أو هذه الصفات على خطر عظيم؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((أن الله -جل وعلا- يأتي على هيئة يوم القيامة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: لا، لست بربنا، ثم يأتيهم على الصفة التي يعرفونها)) يعني مما جاء في الكتاب والسنة، فيقرون ويذعنون أنه هو الرب -جل وعلا-، فماذا عن الذي ينفي الصفات وينكر الصفات؟ إيش موقفه من هذا الحديث؟ كيف يعرف الله -جل وعلا- بصفاته التي جاءت في نصوص الكتاب والسنة وهو ينكر الأسماء والصفات أو الصفات فقط؟ هذا خطر عظيم، فحب الصفة يجعل الإنسان يبحث عن هذه الصفات، ويعرف معاني هذه الصفات، وما يليق بالله -جل وعلا-، وما يجب له، وما يستحيل في حقه، وهذا هو الفقه الحقيقي، يعني ما هو بعبث أن تقول: إن لله -جل وعلا- تسعة وتسعين اسماً من أحصاها، إيش معنى الإحصاء؟ هو مجرد أن تحفظها في قصيدة وترددها؟ لا تعرف معانيها، ولا تدعو الله بها، ولا تستحضر عظمة الله -جل وعلا- من خلالها، ما تستفيد؛ لأن الإحصاء له معنى غير العدد، من طاف أسبوعاً يحصيه، هل معناه أنه يعده سبعة أشواط؟ لا، يحصيه يحضر قلبه فيه، هذا معنى الإحصاء، بعضهم يقول: الأسماء الحسنى مائة، والحديث: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة)) كلامه صحيح وإلا ما هو صحيح؟ الذي يقول: مائة كاملة، كلامه صحيح وإلا هي تسعة وتسعين؟ الأسماء الحسنى تسعة وتسعين وإلا مائة؟
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
في هذا الحديث، أنا أقصد من خلال هذا الحديث.
وإلا مائة؟
الطالب:. . . . . . . . .(12/14)
بعض العلماء أخذ من هذا الحديث أنها مائة، ولفظ الجلالة تمام المائة، تسعة وتسعين للمسمى بهذا الاسم الذي هو الله، فإذا أضفنا لفظ الجلالة إلى التسعة والتسعين صارت مائة، هذا قول لبعض أهل العلم، لكن الحديث يدل على أن له تسعة وتسعين اسماً هي الموصوفة بهذا الوصف والموعود محصيها بهذا الوعد، وأما أسماء الله -جل وعلا- لا يمكن إحصاؤها، ولا يمكن الإحاطة بها؛ لأن في الحديث الصحيح: ((أو استأثرت به في علم الغيب عندك)) يعني في من الأسماء ما لا يعرفه أحد.
"فأنا أحب أن أقرأها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أخبروه أن الله تعالى يحبه)) " وفي لفظ: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) وفي الحديث إثبات المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وفيه أيضاً مشروعية الجمع بين السور بدليل الإقرار، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما جمع، وهذا الصحابي جمع، فهل نقول: إن مثل هذا الصحابي اكتسب المشروعية من الإقرار، وكونه يحب أيضاً قدر زائد على مجرد القراءة، وأدخله حبه إياها الجنة أن نفعل هذا أو لا نفعل؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل؟ ولم يكن الله ليختار لنبيه إلا الأكمل، نقول: نعم فعله أكمل -عليه الصلاة والسلام-، وهذا يدل على الجواز، فمن فعل فلا إشكال، ومن ترك اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- أيضاً فهو الأصل، نعم.
عفا الله عنك.
وعن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ: ((فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)).
نعم هذا حديث جابر -رضي الله عنه- في قصة معاذ، كان معاذ بن جبل الصحابي الجليل يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم العشاء، وهذا الحديث عمدة من يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، والمذهب عند الحنابلة كما تعرفون لا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، لكن هذا الحديث عمدتهم.
وعند أبي العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ
يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة ... وقد كان صلى الفرض خلف محمدِ(12/15)
صلى معاذ بقومه ليلة فافتتح البقرة، صلى معه شخص معه نواضحه، فلما افتتح البقرة نوى الانفراد وانصرف، صلى وانصرف، فتناوله معاذ، ووصف هذا الرجل بالنفاق، فشكاه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شكا معاذاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أفتان أنت يا معاذ؟ )) والفتان الذي يصرف الناس عن دينهم أو عن عبادتهم، الذي يفتن الناس أو يصرفهم عن دينهم، هذه هي الفتنة، والفتنة أشد من القتل؛ لأنه بالقتل يخسر الدنيا، وبالفتنة يخسر الدين.
وكل كسر فإن الدين جابره ... وليس لكسر قناة الدين جبرانُ
فعلى الإنسان أن يعنى بدينه، وأن يهتم بدينه، وأما دنياه ما يأتي تبعاً لذلك فمطلوب منه أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، لكنه خلق للعبودية.
((أفتان أنت يا معاذ؟ )) والفتنة تطق على الشيء الكبير والصغير ((كادت أن تفتنني)) الخميصة التي أهداها أبو جهيم له ((كادت أن تفتنني)) {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] فكل ما يشغل فتنة، لكن هناك فتن دون فتن، وفتنة معاذ أراد أن يصرف هذا الرجل المسلم التعبان من جراء العمل، كاد أن يفتنه ويصرفه عن صلاته، ثم وجهه -عليه الصلاة والسلام-: ((فلولا)) هلاّ عرض ((صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها والليل إذا يغشى)) لماذا؟ لأنه ((يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة)) وهؤلاء بحاجة إلى مراعاة ((أيكم أم الناس فليخفف)) ((فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) فيصلي الكبير والضعيف وذو الحاجة، وهم بحاجة إلى مراعاة، والكبير والضعيف أيضاً بحاجة إلى مراعاة من جهة أخرى، قد تكون مراعاة الضعيف والكبير بعدم العجلة في الصلاة، في التأني في الركوع والسجود؛ لأنه لا يتمكن من أن يسجد بسرعة، أو أن يقوم بسرعة، فالمحافظة على مثل هذا مطلوب من الأئمة، أن لا يضجروا المصلين، ويمللوهم، ويكرهوهم في الصلاة، ويصرفونهم عنها، ويفتنونهم، وأن لا يسرعوا سرعة تخل بالمأمومين، فالضعيف والكبير بحاجة إلى مراعاة، وذو الحاجة أيضاً يجب أن يراعى، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(12/16)
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وفي رواية: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ولمسلم: صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(12/17)
باب ترك الجهر، في النهاية في آخر الحديث يقول: لا يذكرون، ما قال: باب ترك الذكر ببسم الله الرحمن الرحيم، قال: باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم أورد حديث أنس بألفاظه، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، الصلاة إنما تفتتح بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وهذا تقدم، تفتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام، وهي مفتاح الصلاة، ثم بعد ذلك بعد التكبير، وقبل القراءة في سكوت كما في حديث أبي هريرة، أرأيت سكوتك قبل التكبير والقراءة ما تقول؟ قال أقول: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) إلى أخر دعاء الاستفتاح، ثم بعد ذلك القراءة، وهذه القراءة تفتتح بالحمد لله رب العالمين، تفتتح بهذه السورة، وفي رواية: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم، وصلاته خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- لمدة عشر سنوات، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان خمس وعشرين سنة، يصلي وراءهم، ما سمع منهم أحداً يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، خلال خمسة وثلاثون سنة، صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وعلى هذا يترجح القول بعدم القول ببسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن هذا الصحابي الملازم الخادم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ما سمعه يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ولا يمنع من عدم سماعه عدم ذكرها سراً، لا يلزم، اللهم إلا الرواية التي فيها: وكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، وهذه الرواية التي تنفي ذكر البسملة هي مبنية على فهم الراوي للروايات السابقة، لما قال أنس: يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، فهم الراوي أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، يعني لا جهراً ولا سراً، فروى الحديث على حسب فهمه، وأعل الحديث بذلك، ومثل به لعلة المتن، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
وعلة المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله(12/18)
ظن الراوي أنها لا تذكر، يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، إذاً لا تذكر بسم الله الرحمن الرحيم، وفي هذا حجة لمن يقول، الرواية الأخيرة حجة للمالكية الذين لا يرون ذكر البسملة، إنما يقول: الله أكبر الحمد لله رب العالمين، والحنفية والحنابلة يقولون: عدم الذكر -لتتحد الروايات- عدم الذكر في الرواية الأخيرة، يعني لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً، لكي تتحد الروايات.
والخلاف في البسملة، وهل هي آية من الفاتحة أو ليست بآية؟ تقدم ذكره، وعلى كل حال مذهب الشافعية أنها آية من الفاتحة، ولذا يجهرون بها، وأكثر الروايات على عدم الجهر، وعدم الذكر يحمل على عدم الجهر، وجاء ما يدل على عدم الجهر بها، لكن من أصرح الأدلة التي يستدل بها على عدم الجهر مثل هذا الحديث، وحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: العبد الحمد لله رب العالمين)) ما قال: إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم ((حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي)) والخلاف في المسألة في الذكر وعدمه، في الجهر والإسرار تقدم بسطه قبل هذا الموضع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكرت أن لبس النعل في الصلاة مرة تحقق السنة، ومخالفة لليهود، فهل صيام اليوم التاسع من محرم مرة واحدة في العمر يحقق المخالفة؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على صيام عاشوراء، ولم يثبت عنه أنه داوم على الصلاة بالنعل، بل صلى حافياً ومنتعلاً.
يقول: ما صفة وضع اليدين على الصدر في الصلاة؟
يقبض يده اليسرى باليمنى، ويضعهما على صدره.
يقول: هل القيام للجنازة واجب أم على الاستحباب؟
جاء الأمر به، وجاء تركه، فمن أهل العلم من يرى أن الترك نسخ، ومنهم من يقول: إنه صرف للنهي، أو للأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
يقول: أفضل طبعة لصحيح البخاري يركز عليها غير الطبعة ذات الحجم الكبير؟
ما أدري إذا كان القصد السبب الحجم هذه مشكلة؛ لأن مسألة الحجم سهل بالنسبة للفائدة العظمى المرجوة من هذه الطبعة التي هي أفضل الطبعات.(12/19)
يقول: هل يلزم طالب العلم أن يتتبع الحديث في جميع مصادره، وكل كتاب خرجه، وكل من رواه في مسنده وسننه، أم ماذا؟
إذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما أو جمع من طرقه ما يصحح به، فالقدر الزائد زيادة خير -إن شاء الله-، لكن ليس بلازم، يجمع من طرقه ما يصح بها، فإذا وصل إلى درجة الصحة فإن عورض يجمع من الطرق ما يرجح به على معارضه، وإلا فلا يلزم أن يُخرج الحديث من عشرة مصادر، عشرين مصدر، عشرين طريق، ما يلزم، إذا صح انتهى الإشكال.
يقول: المستدرك للحاكم -رحمه الله- أي طبعة من طبعاته الأسلم؟
لا يوجد طبعة سليمة، لكن كل هذه الطبعات مفرعة عن الطبعة الهندية، في أربعة مجلدات كبار، هي الأصل لكل هذه الطبعات.
يقول: لماذا يدلس بعض الأئمة وهو معروف بإمامته؟
التدليس له أغراض، فالأغراض الحاملة عليه مختلفة من شخص إلى شخص، منهم من يدلس للتفنن، ومنهم من يدلس للاختبار والامتحان، ومنهم يدلس لتغطية أمر الراوي، إلى غير ذلك.
هل يعتبر التدليس من التورية؟
لا التدليس في الأصل غش.
متى يوقع الإمام التكبير عند جلسة الاستراحة؟
إذا قام من الجلسة إلى القيام.
إذا كبرت في سنة راتبة بعد الصلاة، ثم كبر الإمام لصلاة الجنازة هل تكمل السنة أم تقطعها للصلاة على الجنازة؟ ثم تأتي بالسنة الراتبة بعد ذلك؟
على كل حال هذه مفاضلة بين سنن، فإذا خشي أن تفوت الصلاة على الجنازة، فالأمر الذي يفوت عند أهل العلم مقدم على ما في وقته سعة، فإن أتمها خفيفة، وأدرك صلاة الجنازة فهو أفضل، وإن لم يستطع ذلك قطعها ثم كبر، صلى على الجنازة، ثم أتى بالراتبة صنع خيراً -إن شاء الله-.
يقول: بعض المصطلحات مثل: "حسن لغيره" "حسن بشواهده" ظهرت بعد عهد المتقدمين من السلف فكيف نطبقها على كلامهم وروايتهم؟(12/20)
لا شك أنه تقويه بكثرة الطرق معروف، التقوية بكثرة الطرق معروفة، ولذا يحكم الترمذي على حديث بأنه حسن صحيح، لو نظرت إلى سنده وجدت فيه ضعف، لكن إنما صححه لما يشهد له في الباب، يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، فهو يقوي حديث الباب بهذه الشواهد، فالعمل معروف عندهم، التقوية بالطرق، لكن التسمية ما يلزم، المصطلحات منها ما هو موجود، ومنها ما هو حادث، والاصطلاح إذا لم يخالف أمراً متقرراً في علم من العلوم مقرر عند أهله، إذا لم يخالف ما عليه الناس فلا مشاحة في الاصطلاح، وهذه يطلقها أهل العلم، وهي مقبولة إلى حد ما إذا لم تتضمن مخالفة لما عليه الناس، فلو قال شخص لنفسه: أنا أصطلح لنفسي "السماء تحت، والأرض فوق" نقول: لا يا أخي، هذا يخالف ما عليه الناس، ويخالف ما عليه سائر العقلاء، لكن لو قال: أنا في الخارطة، في الخريطة يعني في الرسم، الناس يجعلون الشمال فوق، أنا بحط الجنوب فوق، يقلب الخريطة، هذا ما فيه شيء، هذا لا يتضمن مخالفة، ولا يترتب عليه مخالفة لما عليه الناس، ابن حوقل في صورة الأرض جعل الجنوب فوق، ما يضر هذا، لو قال: أنا أؤلف في الفرائض وأسمي أخ الأب خالاً، وأخ الأم عماً، قلنا: لا يا أخي أنت تخالف، وهذا يترتب عليه حكم شرعي، هذا فيه مخالفة، تشاحح في اصطلاحك، لكن لو قال: أسمي والد الزوجة الذي يسمونه الناس خالاً أنا اسميه عم، قلنا: لا مشاحة في الاصطلاح، ما يخالف؛ لأنه ما يترتب عليه حكم شرعي، كونه عم أو خال أمره سهل، فهذه ينبغي أن يتنبه لها، فالاصطلاحات التي لا تتضمن مخالفة مقبولة عند أهل العلم، ولا مشاحة فيها.
يقول: من فاتته ركعة واحدة متى يتورك في الصلاة الرباعية؟
يتورك بعد الثانية له التي هي الثالثة بالنسبة للإمام.
هذا يشكو من بعض ما يرد في الصحف اليومية من مخالفات ومن ...
لكن إلى الله المشتكى، والمشايخ جزاهم الله خير أدوا بعض الواجب، هناك مكاتبات وهناك مناصحات، نسأل الله -جل وعلا- أن تجد آذاناً صاغية من المسئولين؛ لتكف هؤلاء السفهاء.
يقول: ما كيفية الجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة؟ هل هي مثل جلسة التشهد؟
نعم افتراش.(12/21)
يقول: قلتم: إن الشرح هو كتاب جوامع الأخبار، فما هو الاسم الكتاب كاملاً؟
جوامع الأخبار هذا هو للشيخ ابن سعدي، يشتمل على تسعة وتسعين حديثاً من الأحاديث الجامعة، وشرحه الشيخ نفسه في كتاب مشهور أسماه (بهجة قلوب الأبرار).
يقول: ماذا على طالب العلم الذي يبحث عن مسألة هل يبحث في كتب الحديث والفقه وشروحهما، أو يكتفي بفن واحد؟
لا كلما أكثر البحث كلما بانت له أطراف المسألة وخفاياها، فعليه أن يستقرئ الكتب سواء كانت من كتب الفقه، أو شروح الأحاديث، أو التفاسير التي تعنى بالأحكام.
يقول: يلاحظ على كثير ممن يحضرون مجالس أهل العلم عدم التطبيق للعلم الذي يدرسونه، فمنهم من يغش، ومنهم من يكذب، ومنهم من يتكلم في العلماء، ومنهم من يتأخر عن الصلوات ...
الخلل موجود، والتقصير حاصل، وعلى كافة المستويات، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا، وكل شخص مسئول عن نفسه، وإذا كانت الرجعة إلى الله -جل وعلا- مطلوبة، والتوبة واجبة في كل زمان ومكان فلئن تكون في هذا الوقت الذي كشرت فيه الفتن عن أنيابها أوجب وآكد، فلا بد من الرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى-، والرجوع يبدأ من الأفراد، إذا أصلح كل إنسان نفسه ومن تحت يده صلحت الأمة -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هناك ملصقات توزع وتلصق في أبواب المساجد مكتوب فيها عبارة: "ارجع فصل فإنك لم تصل" ما رأيكم في هذا؟ وتوزيعها ونشرها؟
من يقصد بهذا؟ يقصد بها جميع من جاء إلى المسجد، أو يقصد من أخل بصلاته؟ هو بعد ما صلى، ما بعد دخل المسجد، لا هذا لا يصلح توزيعه، هناك من الأحاديث والعبارات ما هو أنفع من هذا، إنما هذا خطاب يتجه لمن أخل بصلاته.
أيهما مقدم يمين الصف أم القرب من الإمام؟
اليمين هو الأفضل، فإذا ظهرت الزيادة في يمين الصف ترجح القرب منه، من الإمام، لا سيما في صلاة الصبح، لكي يستمع لقراءة الإمام، ويتدبر ما يقوله الإمام؛ لأن هذه الصلاة مشهودة، ابن القيم -رحمه الله تعالى- أطال في تقرير هذا في شرح حال المقربين، من طريق الهجرتين، فليرجع إليه، كلام في غاية النفاسة، وجاء في الخبر عند ابن ماجه لكنه ضعيف ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)).(12/22)
الحديث الضعيف غير شديد الضعف هل يرتقي إلى الحسن لغيره إذا أتى من حديث آخر مثله، وإن لم يوافقه الثقات؟ يقول: لأني قرأت بعض المؤلفات وهم لا يحسنون الحديث الضعيف بمثله إلا إذا وافق الثقات.
إيش معنى الموافقة؟ وإيش معنى المخالفة؟ إذا تضمن مخالفة لا يحتج به.
الطالب:. . . . . . . . .
يعني حديث تفرد به، وهو لا يحتمل تفرده، ووجد ما يشهد له، هو ما تفرد، الصدوق الآن يحسنون حديثه، يكون حسن لذاته، لكن يبقى أن الحديث إذا تفرد به من لا يحتمل تفرده يحكم عليه أهل العلم بالنكارة، لكن إن وافقه مثله عرف أن له أصل، لو جاءت كلها غير شديدة الضعف تدل على أن له أصلاً -إن شاء الله-.
الأسئلة كثيرة جداً، وتحتاج إلى وقت طويل، فنكتفي بهذا.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي، قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، ولكن نسيت أنا، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه، وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) فقال: ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، فنبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم.
هذا يسأل عن كلام ابن القيم الذي أشرنا إليه قريباً في شرح حال المقربين.(12/23)
هذا في طريق الهجرتين، رسم منهج وخطة يسير عليها المقربون من أول اليوم إلى آخره، وبعد أن رسمها بدقة أقسم أنه ما شم لهم رائحة، لكن عل الله -جل وعلا- أن يفيد منها بعض المسلمين، فيكتب له مثل أجره، وهي خطة مرسومة بدقة، تنبئ عن حال من يقوم بها، ويطبقها، والله المستعان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
الباب مر بنا مراراً، والسجود معروف، الهيئة المعروفة المعهود في الصلاة، وإضافة السجود إلى السهو من إضافة المسبب إلى سببه، فالمسبب هو السجود، وسببه السهو في الصلاة، والسهو والغفلة والنسيان أمور متقاربة جداً، السهو والغفلة والنسيان كلها عزوب ذكر الشيء عن القلب.(12/24)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" إما الظهر أو العصر، هاتان هما صلاتا العشي، وجاء في رواية عند مسلم الجزم بأنها العصر، يقول: وسماها "قال ابن سيرين: وسماها أبو هريرة، و ... نسيت أنا، قال: فصلى بنا" هذا هو السبب في ذكره في السند وإلا فالأصل الاقتصار على الصحابي، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم؛ لأنه لو قال: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي، ولم يذكر تعيينها أو الشك فيها نسب الإبهام إلى أبي هريرة، لكن أبا هريرة سمى الصلاة، لكن الذي نسيها ابن سيرين، قال: فصلى بنا ركعتين ثم سلم، صلاة الظهر أو العصر، قد يقول قائل: هذا النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلى أسلوب العامة: "إحنا ما علينا شرهة" لو نسلم من ركعة، إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- سلم من نصف الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بشر ينسى كما تنسون، لكن إنما ينسى ليسن، يعني لو لم يقع مثل هذا متى يتبين الحكم، من نعم الله -جل وعلا-، وفي هذا سلوة للمسلمين أن نسي النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، والمسلمون ينسون كغيرهم، وجاء الحث على أن يعقل المسلم صلاته، ويحرص على ذلك، لكن لا يمنع من وقوع السهو في الصلاة، والإشكال في السهو عن الصلاة، أما السهو في الصلاة، فهو حاصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، حتى ذكر بعض أهل العلم الخلاف في الشخص الذي يحصل منه ويقع منه السهو في صلاته، والذي لا يقع منه السهو ألبتة، أيهما أفضل؟ وإذا لحظنا أن بعض الناس إذا كان منفرد أو مأموم كثر السهو عنده والغفلة، وإذا صار إمام تمر السنين ما سها ولا غفل، هذا يوضح لنا مأخذ الخلاف، لماذا لا يسهو إذا كان إمام، وإذا كان مأموم أو منفرد لا يحضره قلبه؟(12/25)
نعم مراعاة المأمومين، فيخشى من مرآتهم، أما مراعاتهم وتصحيح صلاتهم؛ لأنه ضامن من أجل أن تصح صلاة من خلفه، هذا مطلوب، لكن الإشكال في المرآة، بعضهم يقول: الذي يسهو في صلاته أفضل من الذي لا يسهو، لماذا؟ لأنه يقول: إنه منتبه إلى حقيقتها ولبها، غافلاً عن صورتها، والذي لا يسهو مهتم بالصورة غافل عن اللب؛ لأن العقل عند بعضهم لا يحتمل الالتفات إلى كل شيء، لكن ما يمنع، الناس يتفاوتون في هذا، بعض الناس يدرك كل ما يدور حوله، وبعض الناس يدرك خلقة ثلاثة أرباع ما يدور حوله، وبعض الناس ما يدرك الشيء الذي أمامه، الله -جل وعلا- وزع هذه المواهب، لكن يبقى أن على المسلم أن يهتم لصلاته، للبها الذي هو الخشوع، وأن يخرج منها بأكبر قدر ممكن من أجرها، قد يقول قائل: إنه لا يتصور إنسان لا يغفل ألبتة، لكن لا يكون مثل الذي خرج بعشرها بربعها، يحرص على أن يخرج بأكبر قدر ممكن، وبعض الناس لا يدري هل هو في المسجد أو لا؟ من الغفلة، وعدم حضور القلب، والمشاريع إنما تزاول في الصلوات، ويمهد لأمور الدنيا، ويخطط لبقية يومه إذا صف يصلي، برنامجه اليومي يرتبه إذا صف، هذا خذلان، هذه خسارة، فعلى الإنسان أن يهتم لهذا.(12/26)
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم ركعتين، ثم سلم "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد" هو عنده إحساس بشيء، لكن لا يكاد يجزم به "فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها، كأنه غضبان" يعني وضعه وضع الغضبان، لكن هل يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا إذا انتهكت محارم الله -جل وعلا-، لا، لكن الصحابة توقعوا للأمر الذي أهمه شيء يجول في نفسه، كأنه غضبان، يتوقون هذا "ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه" كيف وضع يده اليمنى على اليسرى، وشبك بين أصابعه؟ هذا وضع اليد اليمنى على اليسرى، معروف، لكن شبك بين أصابعه، يعني ما هو في آن واحد، أول الأمر وضع اليمنى على اليسرى، ثم شبك بين أصابعه، وشبك بين أصابعه، التشبيك بين الأصابع مكروه في الصلاة، وقبل الصلاة لقاصد الصلاة؛ لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة، لكن بعد الانتهاء من الصلاة لا بأس، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، شبك بين أصابعه؛ لأنه انتهى من الصلاة، أما داخل الصلاة، وقبل الصلاة حال انتظار الصلاة فلا، مكروه، طيب شخص انتهى من صلاته، وأراد أن ينتظر الصلاة التي تليها، انتهى من صلاة المغرب، ويبي يجلس إلى صلاة العشاء، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فرغ من الصلاة شبك بين أصابعه، فهل نقول: أنت فرغت من الصلاة شبك، أو نقول: ما دمت تنتظر الصلاة فأنت في صلاة فلا تشبك؟ وهل في حكم التشبيك المكروهات الأخرى في الصلاة، الفرقعة بين الأصابع، وبعض الحركات المكروهة في الصلاة، يعني سلم وبدأ يطقطق أصابعه، نقول: ما دام شبك، وهذا مكروه، وفرغنا من الصلاة انتهينا، هل الحكم واحد؟ أما من ينتظر الصلاة فهو منهي عن التشبيك.
الطالب:. . . . . . . . .(12/27)
نعم مكروه أن يشبك بين أصابعه، لا في الصلاة ولا في انتظار الصلاة، وأما ما بعد ذلك فالأمر فيه سعة، إلا لمن ينتظر الصلاة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قام إلى الخشبة المعروضة، وشبك بين أصابعه، وخرجت السرعان، العطف بالواو لا يقتضي الترتيب، فقد يكون خروجهم قبل قيامه، كما يلاحظ على بعض الناس، كأنه طير في قفص، مجرد ما يسمع الإمام يقول: السلام عليكم ورحمة الله يقوم، ولا يدرى ما الذي أعجله؟ هل هناك حاجة لهذا القيام؟ لا بأس، لكن في الغالب أنه لا حاجة، وقل مثل هذا في الذين يمشون يجوبون الشوارع في سياراتهم بسرعة متناهية، طيب وواحد من الفضوليين يقول: "ودي بس أشوف ها اللي طاير شو بيزيين لو وصل بيته؟ " ما هذا الأمر الذي يفوت؟ وقل مثل هذا فيمن إذا سلم الإمام قام، هذا يوحي بعدم الرغبة في الخير، الملائكة تصلي على المصلي ما دام في مصلاه، هل أنت غني عن هذا الدعاء، اللهم اغفر له، اللهم أرحمه، أنت بأمس الحاجة لمثل هذا الدعاء، فما الذي يعجلك؟
"خرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة" قَصُرت وضبطت، بـ (قُصِرت) إضافة القصر إلى الصلاة نفسها، قصرت الصلاة، وإضافة القصر إلى المجهول، إسناد القصر إلى المجهول، والذي قصرها هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما حذف قصرت الصلاة، على الرواية الثانية، يعني قصر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة، بل نزل أمر أو خبر جديد بمشروعية قصر الصلاة في الحضر، هذا التردد الذي حصل سببه ما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلاة رباعية ركعتين، هذه صفة الصلاة المقصورة.
"قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" النبي -عليه الصلاة والسلام- له هيبة عظيمة، مع أنه من أحسن الناس وأطيبهم خلقاً، والهيبة ليس مردها إلى الخوف، بل مردها التعظيم، والتعظيم لا يلزم أن يقترن بقوة، كما يقول الشاعر:
أهابكِ إجلالاً وما بكِ قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها(12/28)
فالهيبة سببها التعظيم، وتجد من أضعف الناس بنية وخلقة، بل قد تجد شخص معوق مشلول تهابه، تعلوك الرحضاء، ويتصبب العرق من رؤيته وهو لا يحرك أطرافه، تأتي وهو من أهل العلم لتسأله، عندك عشر مسائل ما تسأل إلا واحدة، وتنسى الباقي، هذا تعظيم، وهذا الهيبة بقدر الإرث من النبي -عليه الصلاة والسلام- في العلم والعمل، والنبي عليه الصلاة نصر بالرعب مسيرة شهر، وفي رواية: مسيرة شهرين، وبعض الناس يتطاول عليه السفهاء، وإن كان عنده شيء من العلم، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- نزع الهيبة في قلوب العباد له؛ لأن ما عنده من علم، وإن أدعاه علماً وهو في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم إنما هو ما نفع، فهذه الهيبة ليس مردها إلى القوة ولا إلى البطش، ولا إلى الخوف، لا، مردها إلى التعظيم، يعظمون النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"فهابا أن يكلماه" طيب عطاء بن أبي رباح من يعرف أوصافه؟ تهابه الملوك، وهو رجل مصاب بعاهات كثيرة، الهيبة هذه مردها إيش؟ مردها الإرث من هذه الهيبة النبوية، وكل بحسبه.(12/29)
"وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين" واسمه الخرباق "يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله" أين الهيبة يا ذا اليدين؟ لا بد أن يوجد في الأمة مثل ذي اليدين، لو هاب الناس كلهم، ما بان كثير من الأحكام، وهناك مسائل وقضايا يجب أن يكون هناك تبادل، تقدير واحترام وتعظيم بين الراعي والرعية، العالم والطلاب، وما أشبه ذلك، لكن لا بد أن يوجد شخص .. ، قد تستدعي الحال في بعض الأوقات أن تقول: عل الله -جل وعلا- أن يسوق لنا شخصاً ما يستحي ولا يهاب، ولذا الصحابة -رضوان الله عليهم- لما نهوا عن السؤال، كانوا يتمنون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ليسأل، هناك قضايا يتتابع عليها الناس، هيبة لمن يرتكب هذا الأمر، أو تقديراً وتعظيماً له، واستحياء منه، ثم يأتي شخص ما عليه من أحد، نعم الحياء لا يأتي إلا بخير، لكن الخجل الذي يمنع من إنكار بعض الأمور، تقول: لعل الله -جل وعلا- أن يبعث شخص في عرف الناس ممن لا يستحي يقول مثل هذا الكلام، فوجود مثل هؤلاء تجعل الإنسان يحسب لهم حساب، وإلا فقد يقول قائل: لماذا أبو بكر وعمر يهابون الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- مهيب هيبة شرعية ربانية، فكيف ذو اليدين لا يهابه؟ والله -جل وعلا- جعل من الأجر لهذا بسبب الهيبة، وجعل من الأجر لهذا بسبب ما ظهر من سؤاله من خير، بسببه من خير وعلم.(12/30)
"فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) " طيب ركعتين صليت، النبي –عليه الصلاة والسلام- نفى النسيان ونفى حدوث أمر جديد بناء على غلبة ظنه، والأمور إنما تبنى على غلبة الظن، حتى أجاز العلماء أن يحلف على غلبة الظن، كيف تحلف على غلبة الظن؟ الذي أقسم بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- "والذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أفقر مني" هل يجزم بأنه بحث عن البيوت، بيوت المدينة بيتاً بيتاً، وجزم وقطع أنه لا يوجد أحوج منه، هذا بناء على غلبة ظنه، كثير من الناس يتوقع أنه في حالة لا يوجد أسوأ منه حالاً، فيغلب على ظنه ذلك، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لم أنس ولم تقصر)) هذه غلبة ظن، مشى عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخرج من صلاته بسببها، عورضت غلبة الظن بقول واحد، معارضة غلبة الظن بقول الواحد توجد شك، يعني غلبة الظن عند الشخص، هل ينقض غلبة الظن الذي عنده بقول شخص، لا ينزل عنده مستوى الجزم إلى الشك، يتردد، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) يبي مرجح، الآن غلبة ظنه -عليه الصلاة والسلام- قاومها كلام ذو اليدين؛ لأن عندنا المعلوم، ويقولون: ما عنه الذكر الحكمي، الذي هو المعلوم، إما أن لا يحتمل النقيض ألبتة، يعني نتيجته مائة بالمائة، هذا علم، هذا لا يمكن أن ينقض بأي خبر من الأخبار، إذا نزلت هذه النسبة أفاد الظن، الظن الغالب، وإذا تساوى الاحتمالان صار شك، إذا نزل عن النصف صار الاحتمال المرجوح يقال له: وهم، والاحتمال الراجح يقال له: ظن، والمساوي هو الشك، نزلت نسبة الاحتمال الراجح من الظن الغالب إلى الشك، الآن إذا وجد الشك وتساوت المرتبتان تساوى الاحتمالان، لا بد من إيش؟ لا من مرجح ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) يعني لو قالوا: نعم ترجحت كفة ذو اليدين، لو قالوا: لا، ما هو صحيح كلامه، ترجحت كفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، صار ما يقوله ذو اليدين لا قيمة له، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب مرجحاً ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) قالوا: نعم، خلاص انتهى، صار ما عند النبي -عليه الصلاة والسلام- بدل أن يكون غلبة ظن، سلّم بسبب غلبة الظن، ثم(12/31)
أورث عنده كلام ذو اليدين شك، ثم بترجيحهم لكلام ذي اليدين صار كلامه وهم، احتمال مرجوح، فترجحت كفة ذي اليدين، وهذا كله من أجل التشريع، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي في الظروف العادية، في الأمور البلاغية، التي يبلغ بها الدين، لا يمكن أن يقال مثل هذا الكلام، لا يعارض قوله بأحد كائناً من كان، لكن في مثل هذه الأمور التي فيها تشريع، يعني لو تصورنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سها في صلاته أبداً، ولا نام عن صلاة الصبح، ويش تصير حالنا؟ هذه تسلية لنا، كونه وقع منه السهو، وقع منه النوم عن صلاة الصبح، لكن ليس في هذا حجة لا من قريب ولا من بعيد لمن يتساهل في صلاة الصبح، أو في غيرها من الصلوات؛ لأنها حصلت مرة واحدة في العمر، إذا حصل منك مرة أو مرتين في عمرك، أو مرات يسيره، هذا سهل، لك أسوة، أما أن يكون ديدنك، تركب الساعة على الدوام، تقول لي: والله النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى الصبح إلى أن أيقظهم حر الشمس، ما هو بصحيح، وقد لا يركب الساعة على الدوام ينام بالسطح، ومعروف أنه إذا قرب الدوام احترت الشمس، يقول: ما يوقظنا إلا حر الشمس، نقول: لا يا أخي، لا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع؛ لأنك بصدد ترك واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، النبي -عليه الصلاة والسلام- وكل إيقاظهم إلى بلال، فنام بلال، وأخذ بنفسه الذي أخذ بنفس النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا مصلحة كبرى، مصلحة تشريعية.
" ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) قالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك ثم سلم" تقدم لأنه قام من مجلسه، ولو قدر أنه كان في مجلسه يستقبل القبلة، ثم يقوم إلى الركعة الثالثة، يقوم من غير تكبير؛ لأنه كبر في الانتقال من السجود أو ما كبر؟ لأنه في التشهد، المسألة مسألة تشهد أول، يعني لو كان سلم من ثلاث نقول: كبر من انتقاله من السجود، وفي مثل هذه الصورة يحتاج إلى تكبيرة انتقال من التشهد إلى الركعة الثالثة.(12/32)
"فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم" صلى الركعتين الأخريين ثم سلم ثم كبر "وسجد مثل سجوده أو أطول" يعني على هيئة سجود الصلاة، ويقال فيه ما يقال في سجود الصلاة "ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر فسجد مثل سجودها أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه ثم سلم، قال: فنبئت" ربما للتقليل، ربما سألوا الراوي هل سلم النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ هل قال: "ثم سلم" وجزم بها عمران بن حصين، لكن ابن سيرين لم يجزم بالنسبة إلى عمران، بل "قال: فنبئت -بواسطة- أن عمران بن حصين قال: "ثم سلم" ولا شك أن الخروج من الصلاة إنما يكون بالتسليم، وهذا السهو مشتمل على زيادة أو على نقص؟
هذا يقول: ما رأيكم في من يتعمد السهو حتى يرشد الناس بعد الصلاة إلى أحكام السهو؛ لأن ذلك أجدى مما لو شرح لهم دون حدوث السهو في الصلاة؟
لا يجوز التعمد، صار عمد هذا، ولا يشرع له سجود، فإن تعمد ترك واجب بطلت الصلاة، إن تعمد ترك سنة فلا سجود لها، والسجود إنما يكون للسهو زيادة ونقصاً، وللشك وأما العمد فلا سجود له.
ترجم الإمام البخاري في كتاب الصلاة: باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، فهل هذا إيماء منه إلى أن الأحاديث الواردة في تشبيك الأصابع معلولة؟
التشبيك المطلق الذي لا ارتباط له بالصلاة لا يثبت، لكن التشبيك في الصلاة، وفي انتظار الصلاة، وفي الطريق إلى الصلاة هذا ثابت.
الطالب:. . . . . . . . .
يقول: ربما سألوا أبا هريرة، يعني هل سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه الصلاة أو ما سلم؟
الطالب:. . . . . . . . .
ثم قال: ثم سلم، فربما سألوه، يعني هل قال: ثم سلم أو ما قال؟ هذا تردد؛ لأن ربما للتقليل الأصل فيها، لكن جزم بها عمران بن حصين، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عبد الله بن بحينة، وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين، ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم.(12/33)
هذا حديث عبد الله بن بحينة، عبد الله بن مالك بن القشب، وبحينة أمه على ما تقدم، وكان من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر" هل نحن بحاجة إلى أن يقال: كان من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد صلى خلفه الظهر؟ لا، لسنا حاجة، لكن هو تصريح بما هو مجرد توضيح "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس" يعني التشهد الأول، ما جلس في أثناء الصلاة في منتصفها، فترك الجلوس، وذكره الذي هو التشهد الأول "ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الصلاة تسلميه، كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم" إذا ترك التشهد الأول، نسي التشهد الأول وقام أهل العلم يقولون: إذا لم يستتم قائماً يلزمه الرجوع، وإذا استتم قائماً كره الرجوع، وإذا شرع في القراءة حرم الرجوع، وهنا استتم قائماً -عليه الصلاة والسلام- فلم يرجع، أو شرع في القراءة والأمر آكد، على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرجع، لم يجلس، وقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم.
في حديث ذي اليدين السجود بعد السلام، وفي حديث عبد الله بن بحينة السجود قبل السلام، والعلماء يختلفون في موضع السجود على أنه نقل الاتفاق على الجواز، على أنه يجوز أن يسجد للسهو قبل السلام وبعده، نقل الإجماع على هذا، لكن الخلاف في الأفضل، فالحنفية عندهم السجود كله بعد السلام، فلا يُجمع إلى الخلل الذي حصل في الصلاة زيادة على ما شرعه الله فيها في الأصل، فهذه الزيادة ينبغي أن تكون جابرة لما حصل من خلل في الصلاة، كالنافلة التي بعد الصلاة، تجبر الخلل، فموضع السجود حينئذٍ يكون بعد السلام، وهذا رأي الحنفية، الشافعية يقولون: الأفضل في السجود كله أن يكون قبل السلام ....(12/34)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (9)
باب: المرور بين يدي المصلي - باب: جامع
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الشافعية يقولون: الأفضل في السجود كله أن يكون قبل السلام، وهذا بالنسبة للمأمومين سواء منهم المدرك للصلاة كلها والمسبوق هذا لا شك أنه أضبط لصلاة المأموم، يعني ينتهي من الصلاة قبل أن يسلم؛ لأنه إذا سلم حصل اضطراب من المأمومين، منهم من .. ، السرعان يخرجون من المسجد، والذين يقضون الصلاة ينوون الانفراد، هذا عند الشافعية يكون أضبط فهو أفضل، هذا رأي الحنفية والشافعية، المالكية يستدلون بحديثي الباب، ويقولون: إذا كان السجود سببه الزيادة في الصلاة فيكون موضعه بعد السلام؛ لئلا تشتمل الصلاة على زيادات، يعني زائدة عن المسهو عنه، المسهو فيه نزيد أيضاً سجدتين داخل الصلاة، وهي الأصل فيها زيادة؟! لا تشتمل الصلاة على هذه الزيادة كلها، وإذا كان السجود عن نقص كما في حديث عبد الله بن بحينة يكمل هذا النقص بسجدتين قبل السلام، مذاهب الأئمة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ ومآخذها ظاهرة، الحنفية يقولون: كله بعد السلام، والشافعية يقولون: قبل السلام، والمالكية: إن كان لزيادة بعد السلام، وإن كان لنقص قبل السلام، والحنابلة الإمام أحمد -رحمه الله- يرى السجود كله قبل السلام، إلا ما ورد النص فيه أنه بعد السلام، ومنه إذا سلم عن نقص، كما في قصة ذي اليدين، ومنها إذا ما بنى الإمام على غالب ظنه، وفيه: ((فليتحر ثم ليسجد بعد السلام)) يعني الأصل أن الصلاة تختتم بالتسليم، وكل ما يتعلق بها يكون قبل التسليم؛ لأنه خاتمتها، هذا الأصل، لكن جاء بعض الصور ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سجد بعد ما سلم، تكون هذه على خلاف الأصل، ويقتصر فيها على مواردها، على كل حال الأمر فيه سعة، والاتباع هو المطلوب، فإذا كان النص يدل على أن السجود قبل السلام أو بعده يتبع النص، وما عدا ذلك كونه قبل السلام هو الأصل، ومسائل السهو كثيرة جداً، متعلقات الباب فرعها الفقهاء بتفريعات كثيرة، فتراجع كتب الفروع، نعم.
عفا الله عنك.
باب: المرور بين يدي المصلي(13/1)
عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنةً.
باب: المرور بين يدي المصلي(13/2)
لا شك أن المرور بين يدي المصلي يشوش على المصلي صلاته، يشوش عليه صلاته، والمطلوب في الصلاة حضور القلب والخشوع، تدبر ما يقرأ وما يسمع، فإذا مر بين يدي المصلي شيء لا شك أنه يشوش عليه، ولذا جاء الوعيد الشديد، في حديث الباب يقول: "عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يقف بين يديه)) " لو يعلم، لو هذه حرف امتناع لامتناع، يعني امتنع وقوف هذا المار لامتناع علمه بالإثم ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم)) من الإثم هذه ليست في الصحيحين، وانتقد الحافظ ابن حجر الحافظ عبد الغني حيث ادخلها؛ لأنه صنيعه يوهم أنها في الصحيحين ((لو يعلم المار ماذا عليه)) من الإثم لا توجد في الصحيحين، انتقد ابن حجر مؤلف العمدة، وذكر أنها لم تثبت إلا في رواية أبي الهيثم الكشميهني، وهو ليس من العلماء، إنما هو من الرواة لصحيح البخاري، فتوجد هذه في روايته تفرد بها، وروايته ليست قوية مثل الروايات الأخرى؛ لأنه ليس من أهل العلم، الكشميهني، ومع ذلك الحافظ ابن حجر ينتقد الحافظ عبد الغني، ويوردها في البلوغ، أوردها في البلوغ، فيتجه عليه الانتقاد مثل ما انتقد، والنقد بابه مفتوح، إذا كان القصد منه النصيحة، فالنصيحة لا بد منها، والدين النصيحة، وحينما انتقد من أدخل هذه اللفظة يشكر على هذا الانتقاد؛ لأنه بين للناس، وكونه يقع فيما انتقد ليعلم العلماء وطلاب العلم أنه ليس هناك عصمة، كونه ينتقد، ويقع في الخطأ، وهو من الحفاظ -رحمه الله-، ما هو بإنسان عادي، لكن يقع، وكثيراً ما ينتقد الإنسان ولا أقصد ابن حجر، ينتقد الإنسان في شيء ولا يكون في ذلك مخلصاً فيقع فيه، وقيل لشخص من الأئمة المعروفين: إن فلاناً قرأ الآية كذا فضحك، فقرأها كما قرأها من ضحك عليه، وقع فيها، ولا أريد أن أذكر الآية؛ لئلا يعرف الطرفان؛ لأن المسألة مشهورة، على كل حال النقد إذا كان القصد منه النصيحة، يعني لو أن الحافظ عبد الغني موجود في وقت الحافظ ابن حجر، المناسب أن يكتب له أن هذه اللفظة لا توجد في(13/3)
الصحيحين، فيتولى هو نفسه حذفها، بدلاً من أن يكون هذا في مصنف يقرأ إلى يوم القيامة، هذا تمام النصيحة، لكن شخص مات وانتشر كتابه لا بد أن ينبه، ينبه عليه ويبين، وليس القصد من ذلك تنقص أهل العلم، ليس الهدف من ذلك نتقص أهل العلم، وإنما القصد منه بيان الحق، وتصحيح ما يقع من أوهام وأخطاء، وأوصي طلاب العلم أن يقرؤوا في مقدمة (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب البغدادي؛ لأنه يصحح على الأئمة الكبار، يصحح على البخاري وأحمد وغيره، يصحح على الكبار (موضح أوهام الجمع والتفريق) طالب العلم إذا تصور موقف الخطيب وهو إمام من أئمة المسلمين، ويقول مثل هذا الكلام بالنسبة للكبار عرف كيف يتعامل أهل العلم بعضهم مع بعض بصدق وإخلاص، وأن القصد من ذلك كله بيان الحق، والوصول إلى الصواب، والاعتراف بالفضل لأهله، هذا أمر مطلوب؛ لأنه قد يجول بخاطر شخص يقول: إن هذا يصحح على البخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة وأحمد وابن معين، وش يصير هذا؟ ولولا هذه المقدمة التي ذكرها، والتي على كل طالب علم أن يراجعها مع ما كتبوه كثير في هذا الباب، بين الخطيب -رحمه الله- أنه لولا هؤلاء ما صار شيء، لكن لا يمنع أن يهم الإنسان ويخطئ، يقع في شيء من الخطأ هذا أمر لا ينفك منه أحد.(13/4)
((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين)) أربعين إيش؟ ما يدرى هل هي أربعين يوم أربعين شهر أربعين سنة؟ هي مبهمة، إذا لم يذكر التمييز فالمميز مبهم، ولذا لما جيء بالتاريخ، بداية التاريخ من قبل عمر -رضي الله عنه- جاء إليه شخص بصك فيه دين على شخص إلى شعبان، يعني يحل في شعبان، لكن شعبان سنة كم؟ ما فيه، قال: شعبان الماضي أو شعبان القادم؟ ما يدرى، وبعض الناس يعرف أنه مولود في نصف رمضان، لكن سنة كم؟ ما يدري، هذا موجود، وهنا: ((لكان أن يقف أربعين)) وأحياناً يحذف التمييز للتفخيم؛ ولتعظيم الأمر وتهويله، وش الأربعين ذا؟ ما هذه الأربعين؟ احتمال تكون أربعين قرن بعد، احتمال ((لكان أن يقف أربعين خيراً له)) فيحذف المتعلق، أحياناً يحذف المفعول، وأحياناً يحذف الظرف ليسرح الذهن كل مسرح، كل ما يخطر على البال يتصوره هنا، فيكون أشد وأعظم ((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي)) الأمر ليس بالسهل، ليس بالهين.
"قال أبو النضر" الراوي "لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" والمسألة خمس دقائق، تجد السرعان يخترقون الصفوف ويتخطون المصلين من أجل خمس دقائق أو أقل، وهنا: ((لو يعلم المار)) يقف أربعين الأمر ليس بالهين، والمسألة مسألة إثم عظيم، أبيحت المقاتلة من أجله، فليس من السهل أن يمر الإنسان بينه وبين سترته وهو يصلي، وهذا يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي إذا استتر، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)).(13/5)
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) " هذه يستدل بها أهل العلم على أن الأمر باتخاذ السترة ليس على سبيل الوجوب، وإنما على سبيل الاستحباب ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) مما يدل على أن له أن يصلي إلى غير سترة، وسيأتي بحديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالناس بمنى إلى غير جدار، وجاء توضيحه في بعض الروايات: "إلى غير سترة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في المسجد الحرام إلى غير سترة، والطائفون يمرون بين يديه، فدل على أن الأمر باتخاذ السترة ((ليستتر أحدكم في الصلاة ولو بسهم)) هذا الأمر للاستحباب، وليس على سبيل الوجوب، وهو قول عامة أهل العلم، أوجبه بعضهم للأمر، لكن هذا صارف ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس)) فالسترة مستحبة، وتكون بالجدار، وتكون بمؤخرة الرحل، وتكون بالسهم، المقصود أنها تكون بشيء يعرف المار أن هذا يصلي، شيء شاخص.
وأما الخط ((فإن لم يجد فليخط خطاً)) هذا الحديث مثل به ابن الصلاح للمضطرب، فقد روي على نحو عشرة أوجه مختلفة، مثل به للمضطرب، وابن حجر -رحمه الله- رجح بعض الطرق على بعض، وانتفى عنه الاضطراب، وقال في البلوغ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن، فعلى هذا تكون السترة بالخط، وفي حكم الخط طرف السجادة، عند من يقول بأن هذا يجزئ، وإلا فالحديث فيه كلام طويل لأهل العلم، والحكمة من السترة عند أهل العلم ليكف المصلي بصره عما وراءها، ينظر في موضع سجوده، وليمنع من أراد الاجتياز دونها، أما إذا لم يستتر فليس له أن يمنع.(13/6)
((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس)) يعني ما تتصور أن الساتر بحيث لا يراه الناس، لا، ولو مؤخرة رحل، عنزة وإلا عصا، وإلا جدار وحائط قصير، أو أدنى شيء، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، أي أحد كائناً من كان ((فليدفعه)) يرده الأسهل فالأسهل، إذا كانت ترده الإشارة فليفعل، إذا كان لا يرده إلا الدفع باليد يفعل ((فإن أبى فليقاتله)) رفض، دفعه رجع، دفع رجع .. ((فليقاتله)) يعني ينتقل من الأسهل إلى الأشد، لكن هل يصل الأمر إلى أن يخرج المسدس من جيبه ويقتله؟ هذا ليس بقتل، ما قال: فليقتله، إنما قال: ((فليقاتله)) لتكون مدافعة بين الاثنين هذه هي المقاتلة ((فإنما هو شيطان)) هذه هي العلة، فإنما هو شيطان، لا شك أن الشخص الذي يصر على أن يؤثر في صلاة أخيه المسلم هذا شيطان، مثل هذا شيطان ليست له حرمة، منهم من يقول: ((فليقاتله)) هذا من باب المقاتلة، كما تقول: قاتل الله فلاناً، قاتل الله اليهود والنصارى يعني لعنهم، فليقاتله بالسب والشتم، هذا قول قيل به، لكنه قول ضعيف؛ لأن السب والشتم ينافي مقتضى الإقبال على الصلاة، بل هذا مبطل للصلاة، قاتل الله فلان يعني لعنه، أنت تشتم وأنت في الصلاة بعد، هذه مشكلة، هذا قيل به، وهو قول ضعيف، فكأن مثل هذا استبعد مسألة القتل، قال: شتمه ولعنه أسهل من قتله، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) وليس في هذا مستمسك لمن أراد أن يتقصد الناس يكون بينه وبينهم شيء يصلي في طريقهم إذا أراد أن يجتاز ومعه مسدس، لا، لا، ليس المراد به القتل، المقاتلة هي المفاعلة بين الاثنين، يكون فيه شيء من المدافعة، أما أن تصل إلى القتل فلا.(13/7)
تأتي صيغة المفاعلة وهي من طرف واحد، لكن ليس هذا منها ((فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) يجب الدفع؛ لئلا يعرض صلاته لخلل، والمالكية عندهم تفاصيل وتفاريع، فعندهم أنه إذا صلى الشخص في طريق الناس والمار ليست له مندوحة عن هذا الطريق، ما في طريق إلا هذا، والمصلي قد استتر فبرئت عهدته، والمار ليست له مندوحة، إذا لا إثم عليه يمر ولا عليه شيء، وإذا كان للمار مندوحة والمصلي مستتر، فالإثم على المار، وإذا كان المار ليست له مندوحة ما له طريق ثاني، والمصلي لم يستتر فالإثم على المصلي دون المار، وإذا لم يستتر المصلي والمار له مندوحة فالإثم عليهما، لكن في هذا الحديث استتر فأراد أحد أن يجتازه، وسبب الحديث أن شاباً من بني أبي معيط أراد أن يجتاز بين أبي سعيد وسترته، فدفعه أبو سعيد فنظر الشاب فلم يجد مساغاً، ما وجد طريق إلا هذا، فدفعه أبو سعيد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) فقال أبو سعيد: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) ... إلى آخره، فالشاب لم يجد مساغاً، ليست له مندوحة، ومع ذلك دفعه أبو سعيد، فعليه أن ينتظر، وفي الحديث السابق: ((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يدي المصلي)) ولو لم يكن له مندوحة، ينتظر يا أخي، لكن على المصلي أن يلاحظ صلاته، ويلاحظ المارين، ما يعرض صلاته للبطلان، بعض الناس إذا صف يصف في مكانه كأنه يقصد أن يمر الناس بين يديه، كأنه مختبئ بحيث لا يشعر به أحد، مختبئ من اليمين والشمال وإلا القدام مفتوح ما في ستره، صحيح هذا يفعله بعض الناس، تجد بعض الناس يصف بأي مكان، ما عليه من أحد، مثل هذا .. ، عليك أن تحتاط لصلاتك ((إذا صلى أحدكم فليستتر)) أقل الأحوال الاستحباب، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان، والمقاتلة المراد بها المدافعة.
نعم نأخذ الحديث الذي بعده.
عفا الله عنك.(13/8)
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد.(13/9)
جاء في الحديث الصحيح أنه يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه المرأة والحمار والكلب، وجاء في بعض الروايات تقييد بالأسود، وهنا في هذا الحديث حديث ابن عباس، قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، لو قال: على أتان ما يكفي؟ هي أنثى الحمار، فالحمار يطلق على الجنس مثل الإنسان على الذكر والأنثى، والأتان خاص بالأنثى، ولذا لا يقال: أتانة "أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذٍ قد ناهزت الاحتلام" النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي في منى في السنة العاشرة، وابن عباس ولد قبل الهجرة بثلاث، يعني عمره ثلاثة عشرة سنة، ما احتلم، ناهز الاحتلام "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي" والحال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي "بالناس في منى إلى غير جدار" يقول ابن دقيق العيد: لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة، وجاء التفسير في بعض روايات الحديث إلى غير جدار، يعني إلى غير سترة "فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع -ترعى- ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد" والعبرة بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، إلا أنه لو كان مما ينكر لبادر الصحابة بالإنكار عليه، كما بادروا بالإنكار على من بال في المسجد، ابن عباس يريد أن يستدل على أن مرور الأتان بين يدي المصلي لا تقطع صلاته، واستدل به بالحديث، وبحديث عائشة الآتي: أن الصلاة لا تقطع بمرور شيء، لا يقطع الحمار الصلاة، وحديث عائشة الآتي: المرأة لا تقطع الصلاة، فحملوا القطع على النقص من الأجر، لا البطلان، والمشهور عند الحنابلة أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، وأخرجوا الحمار بحديث ابن عباس، وأخرجوا المرأة بحديث عائشة، والاستدلال إنما يتم لو مر الحمار بين يدي المصلي وسترته، وهو يصلي منفرد أو إمام، أما بالنسبة للمأموم فحكمه معروف، سترة الإمام سترة لمن خلفه، ومنهم من يقول: الإمام سترة لمن خلفه، فلو مر بين يدي الإمام بطلت صلاته، وتبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا يتم الاستدلال بمثل هذا الحديث على عدم بطلان الصلاة بمرور الحمار؛ لأن الحمار ما مر بين يدي لا إمام ولا منفرد، والمأموم سترته إمامه، وجاء في بعض الأخبار أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، لكن(13/10)
مثل هذا .. ، ما جاء في هذا الحديث يحمل على هذه الحالة، فإذا مر بين يدي المأموم لا يؤثر، بخلاف ما إذا مر بين يدي الإمام أو المنفرد، ويبقى الحديث محفوظ ببطلان صلاة المصلي بمرور الحمار، ومثله المرأة على ما سيأتي، فصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف بالحمار، فكونه مر بين يدي بعض الصف ولم يمر بين يدي الإمام ولا المنفرد، لا يستدعي هذا أن يخرج الحمار من عموم ((يقطع صلاة الرجل)) ... الثلاث المذكورة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح.(13/11)
وهذا حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، فإذا قام بسطتهما، والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" المؤلف وهو من الحنابلة، من أئمتهم المعروفين، يريد ويقصد من إيراد حديث ابن عباس وحديث عائشة تخصيص الحديث ((فإنه يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود)) رواه الجماعة إلا البخاري، ولو كان الحديث على شرطه لأورده قبلهما، لكنه أورد مفردات مسلم، على كل حال هذا الحديث صحيح، القطع بمرور الثلاثة صحيح، والمؤلف يريد استثناء الحمار، وإخراجه من عموم الحديث، ويريد استثناء المرأة من شمول الحديث لها، وعرفنا ما في الحمار أنه لا يستثنى من الحديث إلا لو كان مروره بين مصلي وبين سترته، والإمام سترة لمن خلفه، ومنهم من يطلق سترة الإمام سترة من خلفه، فالمأموم لا يطلب له سترة، وعلى هذا للإنسان أن يمر بين يدي الصف، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، أحياناً في الحرمين الشريفين يحتاج الإنسان إلى أن يمر بين يدي الصف، ولا أثر له في صلاة المأمومين، فلا يتم الاستدلال بالاستثناء إلا لو مر بين يدي منفرد أو إمام، وكذلك حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني" طعن بأصبعه في رجلها "فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما" الحجرة ضيقة، لا تستوعب واحد يصلي وواحد نايم، وهنا نتصور عيشه -عليه الصلاة والسلام-، أفضل الخلق، وأشرف الخلق، في غرفة لا تستوعب نائماً ومصلياً "كنت أنام" وهذا يدل على أنه تكرر هذا، والصيغة للاستمرار "بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني" ويحتمل أن يكون بحائل، يعني مستترة، ويحتمل أن يكون بدون حائل، لكن من غير شهوة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يملك إربه "فإذا سجد غمزني، فقبضت رجلي، وإذا قام بسطتهما" تحتاج إلى بسط الرجلين "والبيوت يومئذٍ ليس فيها مصابيح" هذا اعتذار منها؛ لأنه قد يقول قائل: لماذا ما تكف الرجل وتبسط من غير غمز؟ ما تدري هو راكع وإلا ساجد وإلا قائم وإلا .. ؟ لأنها ليس فيها مصابيح، ليس فيها إضاءة ولا(13/12)
كهرباء، ولا سرج، هكذا كانت الحياة، حياة الناس إلى وقت قريب، يعني إن شئت فقل: نصف قرن، أو أقل، ليس فيها مصابيح، فهذا الذي يجعلها تحوجه إلى غمز، لو كان فيها مصابيح كفت رجلها بمجرد ما يهوي إلى السجود، والحنابلة يستدلون بهذا على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل، لكن هل صنيع عائشة هذا مرور؟ وهل حكم القار هو حكم المار؟ لا، يختلف، يعني لو صلى إنسان إلى إنسان، جالس وصلى إلى شخص، لا بأس، لو اتخذ إنسان سترة، هذا ما هو بمرور ذا، والحكم معلق بالمرور، حكم القطع معلق بالمرور، وليس القار كالمار، فاستثناء عائشة واستثناء المرأة من عموم حديث: ((يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه)) ... الثلاثة، لا يستقيم ولا يتم إلا لو مرت بجسمها كاملاً، عائشة تستنكر على من يروي الحديث، وتقول: "ساويتمونا بالحمر والكلاب" يعني هل الملحوظ في هذا استواء الرتبة بين النساء والحمر والكلاب؟ أو الملحوظ أن المرأة وافتتان الرجل بها، ومرورها بين يديه أشد من الحمار والكلب؟ لأنه قد يسمع بعض الناس المفتونين مثل هذا الكلام ويقولون: وين حقوق الإنسان؟ وين ... ؟ سووا امرأة بكلب وحمار؟! لا، لا، المسألة الملاحظ فيها المصلي، وحفظ صلاته عن كل ما يشغله، أعظم ما يشغل الرجال النساء، فلو قيل: إن المرأة في هذا الباب أشد من الكلب، وأشد من الحمار، هل يعني أنها أخس من الكلب والحمار؟ لا، ليس هذا، وإنما هي تفتن الرجل أكثر من الكلب والحمار، يعني هذه الدلالة دلالة اقتران، هل هي تدل على الاشتباه بالحكم من كل وجه؟ أولاً: دلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم، وضعفها عند جماهير أهل العلم معروف، الأمر الثاني: أن وجه الشبه بين الثلاثة شغل القلب، القلب ينشغل بمرور هذه الأمور، وإن لم تكن المرأة أشد فليست بأقل، وليس قرنها مع الكلب والحمار لخستها مثل الكلب والحمار، لا، المقصود أن ما قالته عائشة -رضي الله عنها- مرده إلى اجتهادها، مما يدل على أنها لم تسمع الحديث من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا لو سمعته منه -عليه الصلاة والسلام- ما كان لها خيرة في الأمر أبداً، وليس لها أن تناقش أو تجادل، نعم يوجد من يناقش ويجادل في الأحاديث الصحيحة الصريحة، لكن هؤلاء قوم(13/13)
من المفتونين، أما من كان هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-، من رضي الله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، لا يمكن أن يناقش إذا صح الخبر {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما لأحد كلام، وفتح باب النقاش والحوار بالمسائل الشرعية حقيقة مؤذن بخطر عظيم، إذا صح الخبر انتهى الإشكال، ما لأحد كلام، الإنسان معبد مذلل لله -جل وعلا-، ليس له أن يناقش، الله المستعان، فيبقى الحديث: ((يقطع صلاة الرجل إذا مر بين يديه الحمار والمرأة والكلب)) محفوظ، فمرور هذه الأمور بين يدي المصلي مبطل لصلاته، والجمهور يحملون البطلان على نقص الأجر، لا على أنها لا تجزئ ولا تصح، لا، والحنابلة معروف مذهبهم أنه لا يبطل الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، وأخرجوا الحمار بحديث ابن عباس، والمرأة بحديث عائشة، وعرفنا ما في ذلك، حديث: ((إذا صلى أحدكم)) يشمل كل مصلي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا قلنا: إن المرأة داخلة في مثل هذا يكون الذي يقطع صلاتها الرجل، باعتبار أنه هو الذي يشغل قلبها، وإذا كانت العلة منصوصة، وأنها شغل القلب، لو كانت منصوصة في حديث من الأحاديث قلنا: إن الحديث يدور معها، لو وجد شخص لا حاجة له بالنساء ألبتة، ومرور رجل أو امرأة أو طفل، لا فرق، بعض الناس تمر من عنده المرأة الفاتنة في كامل زينتها كما لو كانت محمولة على الأعناق، جنازة، بعض الناس هكذا، هل نقول: إن مثل هذا لا تبطل صلاته، لا؛ لأن العلة ليست منصوصة، إذا نصت العلة دار الحكم معها، وإذا استنبطت لا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: إذا كانت الغرفة ضيقة -يعني بيت عائشة -رضي الله عنها- كيف النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم عن الكلب عندما انقطع الوحي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
هو كان تحت السرير، فلم يره النبي -عليه الصلاة والسلام-(13/14)
يقول: من حصل له مثل ما حصل للرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديث ذي اليدين، فهل إذا أراد إتمام الصلاة يكبر للصلاة أو يدخل فيها بدون تكبير؟
ينظر إلى المتروك، فإن كان مما يبدأ بالتكبير ولم يمر في وقته، مثلاً الانتقال من الجلوس إلى القيام، لو افترضنا أنه جلس في الثلاثة، كبر وجلس وأراد أن يتشهد فسبحوا به، يقوم إلى الرابعة من دون تكبير لأنه انتقل إلى السجود بالتكبير، لكن في مثل حديث ذي اليدين سلم عن نقص، فهل نقول: إن تكبيره حينما قام من السجود إلى التشهد يكفي أو لا بد من التكبير للقيام إلى الركعة الثالثة؟ لا بد من التكبير؛ لأن الموضع موضع جلوس، والجلوس يحتاج إلى تكبير، انتقل من السجود إلى الجلوس بالتكبير، والقيام يحتاج إلى تبكير ثاني فيكبر.
يقول: ماذا عن السترة في الحرم؟ وهل يترك المار يمر أو يدافع أو يمنع؟
على كل حال الرجل الذي يستتر، يصلي إلى ساتر يدفع، والذي يصلي إلى غير سترة لا يدفع؛ لأنه في الحديث: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز فليدفعه)) هذا مشروط بما إذا صلى إلى سترة، وأما الفرق بين الحرم وغيره مقرر عند أهل العلم أن الحرم كغيره إلا أن المشقة تجلب التيسير، بحيث إذا كثر الناس كثرت الجموع ولا يستطيع أن يرد لا يرد.
يقول: ما المقدار المشروع للمار بين يدي المصلي هل هو متر أو أقل أو أكثر؟
ثلاثة أذرع عند أهل العلم، قدروها بثلاثة أذرع، متر ونصف.
يقول: هل الأولى في المسجد الذي جماعته قلة أن يصلى فيه بدون مكبرات، أم يصلي فيه بمكبرات حتى لو كان المصلون قلة؟ وما وجه المنع إن كان يمنع من ذلك؟
لا شك أن المكبرات من المحدثات، وتستعمل في عبادة، ويتقرب إلى الله -جل وعلا- بوجودها؛ لأنها تبلغ هذه العبادة إلى من لم يسمعها، لكن مثل هذه الأمور يقتصر فيها على موضع الحاجة.
يقول: هل رفع اليدين قبل الركوع وبعد الركوع مستحب أم واجب؟
عامة أهل العلم على أنه مستحب في المواضع كلها، وأوجبه بعضهم مع تكبيرة الإحرام، وأما ما عدا ذلك فهو مستحب، ويبقى أنه مع تكبيرة الإحرام عامة أهل العلم على أنه مستحب وليس بواجب.(13/15)
يقول: ما رأيكم بكتاب إحياء علوم الدين للغزالي؟ وما هي السلبيات الموجودة فيه؟ وما هي الإيجابيات؟
هذا الكتاب أولاً: الرجل معروف بأخطائه العقدية، الرجل مخالف في العقيدة لما عليه سلف هذه الأمة في كثير من أبواب الاعتقاد، وعنده تصوف مشوب بفلسفة، وهذا شديد عند أهل العلم، فأمره شديد في كثير من القضايا، تؤخذ منه على حذر شديد.
الأمر الثاني: بضاعته في الحديث مزجاة، أورد في الكتاب من الأحاديث الموضوعة والواهية الشيء الكثير، ويصرح بذلك، بضاعته مزجاة، والكتاب لا يخلو من فائدة، طالب العلم المتأهل الذي يدرك مثل هذه الأمور لا مانع من أن يقرأ مثل هذا الكتاب، وفيه فوائد، لكن الطالب المبتدئ الذي لا يدرك مثل هذه المخالفات لا يجوز له النظر في مثل هذا الكتاب، ولا في غيره مما اشتمل على مخالفات عقدية؛ لأنهم يبثون شبه، فإذا لصقت هذه الشبهة في قلب خالٍ، لا يستطيع إزالتها هذا يعرض نفسه للخطر، فلا يجوز له أن يعرض نفسه للخطر، إذا كان عنده من العلم ما يستطيع به دفع هذه الشبه لا بأس، وأهل العلم قرؤوا فيه، ونقلوا عنه، شيخ الإسلام وابن القيم ينقلون عنه، لكن مع ذلك ينبغي أن يقرأ على حذر من قبل طالب علم متأهل، وما عدا ذلك فلا.
يقول: خمسة أفراد كنا في رحلة صلى بنا أحدنا صلاة العصر أربعاً، فلما فرغنا من الصلاة قال أحد المأمومين: إني لم أقرأ الفاتحة في الركعة الأخيرة بسبب عجلة الإمام، سؤالي هل يأتي بركعة أم أنها صحيحة، وهل إذا أتى بها تكون ركعة زائدة؟
أقول: الذي لا يستطيع قراءة الفاتحة كاملة مع الإمام لا شيء عليه، حكمه حكم المسبوق، لكن إذا عرف أن هذا الإمام هذه طريقته وهذه عادته وهذا ديدنه لا يمكنهم من قراءة الفاتحة يبحث عن غيره؛ لئلا يكون في حكم المسبوق باستمرار.
يقول: أحياناً يمر الإنسان على مؤذن يؤذن فيسمع من أذانه لفظة أو لفظتين، ثم يمضي بسيارته فهل يردد معه هذه الألفاظ التي سمعها عملاً بعموم: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول))؟(13/16)
إذا كان يغلب على ظنه أنه يسمع مؤذناً بجميع جمل الأذان لا يردد مع هذا، ينتظر حتى يصل المؤذن الذي يغلب على ظنه أنه يدرك معه الأذان كاملاً؛ لأن الأصل أن الأذان جمل مترابطة، كامل، ما يؤتى ببعضه دون بعض، وإذا كان لا يغلب على ظنه فما يدركه يأتي به.
يقول: أيهما أفضل للطالب المتوسط في علم أصول الفقه شرح مختصر الروضة أم شرح الكوكب المنير؟
على كل حال المفاضلة بين هذين الكتابين فيه شيء من الصعوبة، ويحتاج إلى شيء من التفصيل، مختصر التحرير كتاب نفيس إلا أنه صعب، ومعقد على طالب العلم المتوسط، ويحتاج إلى شيخ بارع ماهر يحلل ألفاظه، والشرح طيب مناسب جداً، وصيتي لطالب العلم أن يعتني بهذا الكتاب، ويكون دور طالب العلم إما قراءته على الشيخ أو اختصار هذا الكتاب، يعنى بالمتن مختصر التحرير، ويراجع عليه الشرح، ويختصر هذا الشرح، المتن صغير جداً، الشرح في أربعة مجلدات، يعني لو اختصر هذا الشرح بقدر ما يحتاج إليه، وتترك المباحث التي لا يدركها أوساط المتعلمين، ويقتصر على ما يدركه ويفهمه في مجلد واحد بحجم الربع، من أنفع ما يكون لطالب العلم، أما مختصر الروضة للطوفي فالمتن كتاب لطيف جداً، وجميل، والتقسيم تقسيم فاهم، والشرح أيضاً من أمتع كتب الأصول، شرح مختصر الروضة للطوفي نفسه، هناك شروح أخرى لمختصر الروضة، لكن من أنفسها شرح المؤلف للطوفي نفسه، ويفعل به الطالب مثل ما يفعل بشرح الكوكب، شرح المختصر، فيختصر هذا الكتاب، بدل ما هو ثلاث مجلدات كبار يمكن اختصاره، والتعليق على المتن في مجلد لطيف، واختصار الكتب وسيلة من وسائل تحصيل العلم؛ لأن بعض الإخوان ما يدرك إذا كان يقرأ، لكن إذا كان معه القلم يحاول يفهم ويختصر ويصوغ بعبارته، يفهم، إذا حاول فهم -إن شاء الله تعالى-، وإذا أشكل عليه شيء، استغلق عليه شيء يسأل عنه.
يقول: فرقت بين وقت نهي مغلظ ووقت نهي مخفف، فما الدليل على هذا التفريق؟ وهل نفهم أن رأيكم أن ذوات الأسباب تؤدى في وقت النهي المخفف دون المغلظ؟(13/17)
هذا صرحنا فيه مراراً، حتى في أكثر من مناسبة في هذا الدرس، أما بالنسبة للتفريق بين وقت النهي المغلظ والمخفف، الموسع والمضيق، فلما عُرف من أن وقت النهي الموسع حصل فيه إقرار من صلى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح، أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر، فالأمر فيه سعة، حتى قرر جمع من أهل العلم مثل ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين إنما هو من باب سد الذريعة، من باب نهي الوسائل؛ لئلا يسترسل الإنسان يصلي حتى يصل إلى الوقت المضيق، وأما الأوقات المضيقة فأمرها أشد، وجاء فيها حديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" فالصلاة في الوقت الموسع لا بأس بها -إن شاء الله تعالى-، ولو امتنع الإنسان عن الصلاة في الأوقات كلها، ولو كان ذات سبب لكان له وجه، وهو قول جمهور العلماء، وإذا فعل ذوات الأسباب فقد اقتدى بأئمة وعلماء تبرأ الذمة بتقليدهم، وأما من حيث الدليل فقد بسطناه سابقاً، وأول حديث في درس اليوم هو في ذوات الأسباب، يعني في ركعتي تحية المسجد.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع
عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع(13/18)
جرت عادة أهل العلم أن يذكروا مثل هذا الباب في أواخر الكتب، إذا انتهى من الأبواب التي يريدها قال: باب جامع، يضع فيه أحاديث لا تندرج تحت الأبواب السابقة ولا الكتب السابقة، أما هنا وضع أحاديث من كتاب الصلاة فلو ترجم لكل حديث أو حديثين كما مضى بترجمة تخصه، وأيضاً هو جعل هذه الأحاديث بين أجزاء الصلاة، بين صفتها وبين التشهد، والتشهد من صفتها، فلا أعرف وجهاً لهذا الباب في هذا الموضع، مع أن الأحاديث كلها الموجودة كلها تندرج تحت كتاب الصلاة، وقد جرت عادتهم في جعل الباب الجامع في أواخر الكتب، بحيث يجمعون أحاديث لا تندرج تحت أبواب سبقت، أما ما يمكن إدراجه في الأبواب السابقة يدرج، وعلى كل حال الكتاب بهذا الترتيب وبهذا الانتقاء، وبهذا التحرير، محل عناية وحفاوة من أهل العلم فمنذ أن ألف الكتاب إلى يومنا هذا، وتراجم أهل العلم يندر أن تجد فيهم من لا ينص في ترجمته على أنه حفظ كذا وكذا، وكتاب العمدة للحافظ عبد الغني؛ لأنه كتاب منتقى من الصحيحين، فهو من أفضل كتب الأحكام، نعم فيه إعواز كبير؛ لأن هناك أحاديث من أحاديث الأحكام لا توجد في الصحيحين، موجودة في السنن والمسانيد وغيرها، امتازوا بها الكتب الأخرى، كالمنتقى والمحرر والبلوغ وغيرها.(13/19)
يقول الحديث الأول: "عن أبي قتادة حارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) " (إذا دخل أحدكم) أحد مفرد مضاف فيعم الجميع، أي داخل للمسجد لا بد أن يصلي ركعتين، لكن هل يشمل خطيب الجمعة مثلاً؟ دخل خطيب الجمعة يصعد إلى المنبر وإلا يصلي ركعتين عملاً بهذا الحديث؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل المسجد رقي المنبر، وهذا مخصص لهذا الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى العيد ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما، فمن دخل لصلاة العيد يصلي وإلا ما يصلي؟ هل نقول: إنه يشمله عموم هذا الحديث أو نقول: لا يصلي لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصل؟ وهل ترك الركعتين قبل العيد وبعدها من قبله -عليه الصلاة والسلام- من أجل تخصيص صلاة العيد بهذا؛ ليشمل عموم الأمة أو لأنه انشغل بالصلاة؟ انشغل بالصلاة، والمقصود شغل البقعة، وعلى هذا إذا صليت العيد في مسجد، ودخل المأموم قبل الإمام يصلي ركعتين وإلا ما يصلي؟ يصلي، يشمله عموم هذا الحديث، يصدق عليه أنه دخل المسجد، فيصلي ركعتين، كونه -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلهما ولا بعدهما في مكانها، النبي -عليه الصلاة والسلام- انشغل بالصلاة؛ لأن الصلاة تقدم، كما لو دخل المأموم وقد أقيمت الفريضة، ينشغل بها عن تحية المسجد، وعن الراتبة القبلية، والمقصود من وجود الركعتين شغل البقعة، ولذا تتأدى هاتان الركعتان بأي صلاة، لكن لا بد أن تكون ركعتين فأكثر ((حتى يصلي ركعتين)) إذا قال: أنا أدخل المسجد بعد صلاة العشاء، وبدلاً من أن أجلس وأخالف النهي أصلي ركعة واحدة أنويها وتر وتكفي، نقول: لا بد من ركعتين، لكن لو قال: أوتر بثلاث، أوتر بخمس، أوتر بتسع، نقول: لك ذلك؛ لأنه صدق عليك أنك أتيت بركعتين، والمسألة خلافية بين أهل العلم، لكن لا تتأدى ولا يتم الامتثال في هذا الحديث إلا بركعتين فأكثر ((إذا دخل أحدكم المسجد)) هل يشمل كل ما يمكن أن يطلق عليه مسجد؟ مصلى العيد مثلاً، مصلى الجنائز، كان الجنائز لها مصلى خاص خارج البلد يسمى جبانة، يصلون هناك، تكون قريب من المقبرة، وأحياناً في جزء المقبرة، وأما(13/20)
مصلى العيد الذي أمر الحيض باعتزاله فله أحكام، أي نعم هو دون المسجد في الأحكام، وفوق مصلى الجنائز، ولذا يقرر أهل العلم أن مصلى العيد مسجد، ومصلى الجنائز ليس بمسجد، طيب المسجد الذي معروف حدوده ومعالمه لا شك أن له جميع أحكام المسجد، لكن المصليات في الأماكن العامة، وفي الدوائر الحكومية، يصلى فيه وقت واحد، الظهر مثلاً هل يأخذ أحكام المسجد؟ لا يأخذ أحكام المسجد، بدليل لو أنه بيع هذا المكان بيع معه، لم يوقف على أساس أنه مسجد، وليست فيه معالم المسجد، ولا تتأدى به الجماعة المطلوبة حيث ينادى بها، ولذا من يسمع النداء يلزمه الإجابة، ولا يكفي أن يصلي في مصلى الدائرة أو في غيرها، اللهم إلا إذا ترتب على خروجه من هذا المكان ضياع للعمل، أو تضييع للطلاب، أو ما أشبه ذلك، هذه المسألة رخص فيها أهل العلم من أجل حفظ العمل، وحفظ الطلاب من الضياع والتسيب.(13/21)
((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس)) لو قال: أريد أن أدخل المسجد وأستمر واقفاً، أو قال: لن أجلس أبى أضطجع، أنا جاي أبا أنام خلاص، هو قال: ((لا يجلس)) ما أنا بجالس، انسدح على طول، يتم أو ما يتم؟ تلزمه الصلاة؟ ولو قال: أبا أقف؟ نعم؟ المكث، لو وقف ساعة؟ يقول: أنا ما جلست، أنا ما خالفت، ولو كان بيده عمل يسير يقتضي الجلوس، وهذا العمل يفوت، يعني مثل الذي يركبون الآلات هذه للدروس، وفيها مصلحة تخدم الدرس، يقول: أنا أركب الذي بيدي وأصلي ركعتين، يعني جلوس غير مقصود، وقل مثل هذا لو خرج من باب ودخل مع باب، هو يريد الدخول في المسجد، دخل مع هذا الباب وصلى ركعتين، قال: لا أبا أجلس بتلك الزاوية، لكن ما أنا مؤذي اللي أمر عليهم، أطلع وأدخل، نقول: هذا خرج ليدخل يلزمه ركعتين أو ما يلزمه؟ وقل مثل هذا من صلى في المسجد الحرام مثلاً، صلى الفرض مثلاً في الدور الأرضي، ووجده ضنك وضيق وحر ومدري إيش؟ قال: أطلع السطح، فطلع مع الباب، ورقى السلم الكهربائي، وصلى في السطح، قبل ما. . . . . . . . . نقول: تصلي ركعتين وإلا ما تصلي؟ لأن منهم من يفرق بين من خرج لذات الخروج، ودخل لذات الدخول، ومن خرج ليدخل، ومنهم من يفرق بينما إذا كان الفاصل قصير، يعني يتردد على المسجد، هو جالس في المسجد، فأراد أن يخرج إلى البرادة برع يشرب ويرجع، يلزم وإلا ما يلزم؟ خرج ليتوضأ ويرجع، والدورة قريبة جداً، هم يقولون: إذا كان الفاصل قصير، وهذا مقيس على من يتكرر دخوله على مكة، كالحطاب والجمال وغيرهم، يتكرر دخولهم، يومياً يدخلون على اليموزينات وعلى .. ، يلزمه إحرام وإلا ما يلزمه؟ عند من يقول: إن الإحرام يلزم كل داخل، وهو المذهب عند الحنابلة، وجمع من أهل العلم، أما من يقول: إنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد الحج والعمرة، كما هو منصوص ومنطوق الخبر، ممن أراد الحج والعمرة، هذا ما فيه إشكال، لكن الذي يقول: بأنه يلزم كل داخل يقولون: هذا الذي تكرر دخوله ما يلزمه يحرم كل ما دخل، فالذي تكرر دخوله إلى المسجد مع فاصل يسير هذا عندهم لا يلزمه تحية؛ لأن هذا يشق والمشقة تجلب التيسير، فمن دخل ليخرج يتسامحون في أمره، من خرج قريباً ليعود ليشرب أو شبهه،(13/22)
أو بيكلم شخص عند الباب يدخل هو حي المسجد والحمد لله، فمثل هذا يتسامح في حقه، وإلا من دخل جاء التوجيه النبوي ((فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وعامة أهل العلم على أن النهي للكراهة، والأمر بالركعتين للاستحباب، هذا عامة أهل العلم عليه، ولم يقل بوجوبه إلا نزر يسير من أهل العلم، وهو مقتضى اللفظ الوجوب، لكن الصوارف، ذكروا صوارف كثيرة، فمثلاً حديث الثلاثة لما مروا بالمسجد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جالس في المسجد، ثلاثة، واحد جلس، وجد فرجة فجلس، وآخر جلس في آخر الحلقة، والثالث انصرف، ثم قال: ((ألا أخبركم بخبر الثلاثة؟ أما الأول فآواه الله، والثاني فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه)) وما حفظ أنهما صليا تحية المسجد، هذا من الصوراف، ويذكرون مثل هذه القضايا الكثير، يعني قضايا متعددة في مثل هذا، فللموجب أن يقول: إن ما تقرر في الشرع، وجاء الأمر به على وجه التخصيص لا يلزم نقله في كل حادثة؛ لأنه نقله من تقوم الحجة بنقله، فلا يلزم أن ينقله كل أحد، خلاص، يصير هذا معروف، ما يحتاج نقل ثاني، احتمال أنهما صليا تحية المسجد، لو ما صليا لاتجه إليهما ما أتجه إلى غيرهما، صليت ركعتين؟ يعني لو لم يكن صليا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، جلس، قال: ((صليت ركعتين؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصل ركعتين)) ولا يلزم أن ينقل، ومنهم من يقول -وهذا مذهب عامة أهل العلم- على أنها للاستحباب، وذكروا من الصوارف ما ذكروا، ومنها: ((خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة)) وليس منها تحية المسجد، على كل حال الأمر المعتبر والمفتى به عند أهل العلم أن الأمر للاستحباب وليس للوجوب.(13/23)
((فلا يجلس)) الأمر بالشيء يقول أهل العلم: نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده، فإذا نهي عن الجلوس هل هو أمر بالقيام؟ هو نهي عن الجلوس مغيا بغاية، وهي صلاة ركعتين، فإذا لم يحصل منه الجلوس لا تلزمه هذه الغاية؛ لأنه مربوط بغاية، فلا تلزمه هذه الغاية، ومعلوم عند أهل العلم أن الأمر بالشيء إذا كان ضده واحد صار النص أمر بالشيء بمنطوقه، ونهي عن ضده بمفهومه، لكن إذا كان له أضداد، أكثر من ضد، فهل هو نهي عن جميع الأضداد أو عن واحد منها، أو لا يتناول الأضداد كلها؟ فعندنا فلا يجلس، هل معنى هذا فليقف؟ يعني الجلوس ضده القيام، وعند الظاهرية أيضاً من أضداده الاضطجاع، فإذا اضطجع عند الظاهرية ما عليه شيء، خلاص لأنه ما جلس، إلا عند من يقول: إنه لا يمكن أن يضطجع حتى يمر بالجلوس، ما يتصور اضطجاع من غير جلوس، يتصور وإلا ما يتصور؟ يعني على طول بيطيح، ما يمكن، فإذا اضطجع صدق عليه أنه جلس؛ لأنه لا ينفك الاضطجاع من الجلوس، فالاضطجاع لا يحل الإشكال كما يقول أهل الظاهر، نعم إن وقف فلا يتجه إليه النهي، لكن من الذي يقف مدة طويلة وبإمكانه أن يصلي هاتين الركعتين في دقيقتين؟ خشية أن يصلي؟ هذا محروم، فيصلي ركعتين ثم يجلس، لكن إذا قال: أنا لن أجلس، أقف، لا سيما إذا كان المانع شرعي، إيش المانع الشرعي؟ النهي مانع شرعي، فمثل هذا له وجه إذا كان المانع مرغب فيه، له وجه، إذا قال: والله أنا الآن درس، إن صليت فلن أعقل من صلاتي شيء، ولن أستفيد من الدرس، يعني لن أستفيد من الدرس، ولن أعقل من صلاتي شيء، فأنا با أقف إلى أن ينتهي الدرس، هذا مبرر أنه يقف، لكن شخص ما عنده .. ، يبي ينتظر شخص، قال: ميعادك المسجد، وطال قيامه، قال: أنا بأجيك الساعة ثمان، ودخل المسجد سبع ونصف، قال: نصف ساعة أقف، إيش يصلي ركعتين؟ الله المستعان، نقف بدل أن نصلي، نقول: لا يا أخي أنت محروم، صل ركعتين وأجلس.(13/24)
هنا مسألة لو دخل إلى المسجد وهو بغير طهارة، يستحسن بعضهم أن ينشغل بالتسبيح والذكر ويجلس، لكن هل من لازم الأمر بهاتين الصلاتين الأمر بالوضوء؛ لأنه ما لا يتم إلا به؟ أو نقول: إن عدم الوضوء مبرر للجلوس؟ مسألة الاضطجاع التي يقولها الظاهرية ترى يحتاجها كثيراً الذي يحتاج إلى أن ينام في المسجد، يعني معتكف، وكل ما انتبه يبي ينتبه يروح إلى الدورة يتوضأ ويجئ يصلي ركعتين، معناه ما ينام، يطير عنه النوم، فيقول: أنا ما أنا بجالس، أضطجع على مذهب الظاهرية، نقول: هذا حكمه حكم من يكثر التردد، إذا صلى أول مرة فالخروج اليسير هذا مبرر سهل، عند كثير من أهل العلم يرخص له في أن لا يصلي، أقول: الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، فهل الأمر بهاتين الركعتين أمر بالوضوء لهما؟ نقول: نعم أمر بالوضوء لهما، لكن ما دام الركعتان مستحبتين، فالأمر بالوضوء لهما مستحب؛ لأنه لا يتأدى هذا المستحب إلا بهما، ومسألة الإتيان بهاتين الركعتين في أوقات النهي بحثت أكثر من مرة، يعني بسطت أكثر من مرة، فلا نحتاج إلى إعادتها، نعم.
عفا الله عنك.
وعن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام.
هذا يقول: الوقت الذي قبل صلاة العيد أليس وقت نهي؟
ليس وقت نهي، نعم من دخل في وقت النهي، لكن المسألة مفترضة فيمن دخل بعد خروج وقت النهي؛ لأن وقت النهي الذي قبل صلاة العيد هذا وقت مغلظ معروف، لكن تأخير الفطر مثلاً، لو أخرت بعد خروج وقت النهي بنصف ساعة مثلاً، ودخل قبل الصلاة بعد ارتفاع الشمس، إن كان صلاة العيد في المسجد يصلي ركعتين، وإن كانت في غير المسجد فالأمر فيه سعة، أما بالنسبة لما بعد صلاة العيد فثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصلي ركعتين في بيته، ولعلهما ركعتا الضحى، وإلا فصلاة العيد ليس لها راتبة.(13/25)
في الحديث الثاني يقول: "عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه في الصلاة" إذا عطس شمته، إذا سلم رد عليه، إذا احتاج إلى شيء كلمه "حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] " القنوت له معاني كثيرة، منها: داوم الطاعة، ومنها: الطاعة، ومنها: طول القيام، ومنها: الصلاة، ومنها: السكوت، وما الذي يرجح السكوت معنا؟ السياق، يكلم مقابله السكوت "يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه، حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" أمرنا بالسكوت يعني أمرنا بهذه الآية أو بنصوص أخرى؟ ((أن هذه الصلاة لا يصلح فيها ... كلام الناس)) لكن هل هذه الآية، يعني هل قول الصحابي: فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام بهذه الآية، وإلا بأدلة أخرى؟ نعم؟
وهذه الآية تدل على النهي {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يعني ساكتين، فأمرنا بالسكوت "قوموا قانتين" يعني حال كونكم قانتين ساكتين، معناه: اسكتوا، هنا هنا السياق، يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه، فنزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] الغاية "قوموا لله قانتين".
طالب:. . . . . . . . .
لا سياق الخبر، سياق الخبر يدل على أنه في السكوت؛ لأنها غاية للكلام؛ لأن الصحابي ساقه على أنه غاية للكلام، وسبب نزولها إيش؟ كلامهم، فجاء النهي عن الكلام والأمر بالسكوت لأنهم كانوا يتكلمون، والغاية هنا {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] هو مشترك لمعاني كثيرة، لكن السياق ما الذي يرجح أحد معاني المشترك؟ السياق، وهنا السياق يدل على أن قانتين ساكتين، الآن الخبر مرفوع وإلا موقوف؟ نعم؟ له حكم الرفع من أي وجه؟
الطالب:. . . . . . . . .(13/26)
دعنا من آخره، لو ما فيه "كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] " نعم؟ الحاكم يرى أن تفسير الصحابي له حكم الرفع؛ لأن الصحابي الذي عاصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرف ما جاء في التفسير من قبل الرأي لن يقدم على تفسير القرآن إلا وعنده أصل حجة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن عامة أهل العلم حملوا ذلك على ما يتعلق بأسباب النزول، له حكم الرفع، وما عدا ذلك يحتمل أنه قاله باجتهاده، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وعُدّ ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحمول على الأسبابِ(13/27)
يعني على أسباب النزول، وهنا أمروا بالسكوت، ونهوا عن الكلام بهذه الآية وبغيرها من النصوص، وأمرنا ونهينا معروف أن له حكم الرفع عند أهل العلم، والكلام من عالم بتحريمه، متعمد له، ذاكر لصلاته، لغير مصلحة الصلاة، قالوا: أو إنقاذ مسلم، مبطل لها، لمصلحة الصلاة مثل ما جاء في حديث: ذي اليدين، تكلموا، لكنه لمصلحة الصلاة فلم تبطل، لإنقاذ مسلم من هلكة، أعمى يقع في حفرة فينبه، قالوا: لإنقاذ مسلم من هلكة، هذا الكلام مفسدة مغمورة بالنسبة لإنقاذ المسلم، ومع ذلك الكلام مبطل للصلاة؛ لأن هذه الصلاة لا يصلح معها شيء من كلام الناس، فمن مبطلات الصلاة الأكل والشرب والكلام والضحك وغيرها، كلها مبطلات الصلاة، الكلام المبطل، أما الإشارة المفهمة التي تؤدي ما يؤديه الكلام من فهم هذه لا تبطل الصلاة، وسبقت الإشارة إليها، عندنا الإشارة غير المفهمة، الإشارة ولو كانت مفهمة هذه لا تبطل الصلاة، غير الإشارة مما لا يسمى كلام، هو لا يسمى كلام، لكن من لازمه خروج بعض الحروف، تنحنح، انتحب، بكى، حصل له أنين في الصلاة، كل هذه قد يخرج منها الحرف والحرفان، ولذا عند الحنابلة والشافعية من فعل شيئاً من هذا فبان منه حرفان بطلت، تبطل عنده ببيان حرفين، ومن عداهم يقول: لا، ما دام ما تكلم، ولا يصدق عليه أنه كلام لا لغوي ولا شرعي ولا عرفي لا يبطل الصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- يسلم عليه فيرد بالإشارة، يرد السلام بالإشارة، والإشارة مفهمة، وفي حديث أسماء في صلاة الكسوف "أشارت إلى السماء أن آية؟ " فأشارت برأسها: "أن نعم".
الكلام لمصلحة الصلاة أو لإنقاذ مسلم قلنا: إنه يجوز، لكن هل يبطل الصلاة؟ وهل يلزمه الإعادة؟
لا يبطل الصلاة، ولا تلزمه الإعادة.
هل يوجد وقت نهي يوم الجمعة قبل الظهر؟
حفظ عن الصحابة أنهم يتطوعون ويصلون حتى يخرج الإمام، وجاء في الباب حديث: ((إن الجمعة لا تسجر فيها جهنم)) مثل هذا اليوم، فيوم الجمعة استثناه أهل العلم من وقت النهي، وسلف هذه الأمة لا يزالون يصلون حتى يخرج الإمام، نعم.
عفا الله عنك.(13/28)
وعن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا أشتد الحر فابردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
هذا الحديث المروي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- يعني الثلاثة، عمر وابن عمر وأبو هريرة "عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما" أنهما يعود إلى الراويين، لابن عمر وأبي هريرة "عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا أشتد الحر فابردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) " وسبق أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الظهر بالهاجرة، وسبق الحديث فيه، وأن الهاجرة هي وقت شدة الحر، يعني أول الوقت، ثم صارت تطلق على المبادرة بصلاة الظهر في أي فصل من فصول السنة، وسبق الكلام فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا عن الصلاة)) وهذا من شفقته ورحمته بأمته -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا يشق عليهم، فيخرجهم من بيوتهم في هذا الوقت الشديد الحر.
((فابردوا عن الصلاة)) ...
هذا يقول: لقد سألتك أكثر من مرة فلم تجب –الآن لا بد أن نجيب- إذا أتيت إلى زواج وفيه تصوير فيديو فما العمل؟
على كل حال إذا كنت ممن يرى تحريم التصوير بالفيديو فلا يجوز لك البقاء، تنكر إن امتثلوا بها ونعمت، وإلا فلا يجوز لك البقاء، وإن كنت ممن يقلد من يرى جواز ذلك، وأنت لست من أهل النظر، فأفتى به من تبرأ الذمة بتقليده، لكن على الإنسان أن يعمل بما يعتقد ويدين الله به، لا يساوم في دينه، لا يجامل في دينه، إذا كان يرى هذا أمر محرم لا يصوغ له البقاء، والله المستعان.(13/29)
((إذا أشتد الحر فابردوا عن الصلاة)) الزوال اثنا عشر، ويخرج الوقت بعد ثلاث ساعات ونصف مثلاً، وكله وقت أداء للصلاة، إيش معنى نبرد؟ يعني في شدة الحر، العصر شدة الحر، فابردوا هل معناه أننا نصلي الظهر في آخر النهار إذا برد الجو أو في وقتها؟ لكن هل ينحل الإشكال في وقتها؟ يعني بعد ساعتين من الزوال، ثلاث ساعات من الزوال يبرد الوقت وإلا يستمر حار؟ يستمر حار، لكن المقصود أن يكون للجدران ظل، يستظل به الناس للخروج إلى الصلاة، ومنهم من يقول: تؤخر الصلاة -صلاة الظهر- إلى آخر وقتها ليكون الظل مستوعب للناس وقت دخولهم وخروجهم، وأيضاً للتيسير على الناس ليخرجوا إلى الصلاتين مرة واحدة، فيكون كالجمع الصوري، منهم من يرى هذا من أهل العلم، ويقول: لو تأخرنا ساعتين ما أنحل الإشكال، سنطلع بين الشمس طالعين طالعين أول الوقت أفضل، الملاحظ أنه في شدة الحر ما ينحل الإشكال إذا أخرنا ساعة أو ساعتين، لكن وجه التأخير ليكون للحيطان ظل يستظل به الناس، وإلا بعد الزوال مباشرة يصعب أن يوجد ظل يستظل به جميع الناس الذين يريدون أن يخرجوا إلى الصلاة، ويخرجون منها، وعلى كل حال هذا من رأفته -عليه الصلاة والسلام- بأمته، وهذا من تيسير الله -جل وعلا-، لكن هل التأخير رخصة وإلا هو السنة؟ لأنه جاء ما يدل على أن أفضل الوقت أوله، أول الوقت هو أفضله، فهل نقول: إن هذه رخصة أو نقول: سنة؟ وإذا قلنا: رخصة فمن لا يحتاج إلى هذه الرخصة يفعلها يؤخر وإلا يقدم يرجع إلى الأصل؟ وإذا قلنا: سنة يفعلها ولو لم يحتج إليها، طيب مجموعة من الناس طالعين في نزهة، وفي استراحة، ولا عندهم إشكال، ولا يسمعون النداء، ويصلون في استراحتهم، والمكيفات شغالة، والمكان يستوعب، ودورات المياه في جانب .. ، ما عندهم مشكلة، هؤلاء يقدمون وإلا يؤخرون؟ إذا قلنا: رخصة يرجعون إلى الأصل يقدمون؛ لأنهم ما عندهم مشكلة، العلة للتأخير ليست موجودة، وإذا قلنا: هذه هي السنة يؤخرون ولو لم يتأذوا بالحر، وقل مثل هذا في الجمع لسبب في الحضر، إذا قلنا: إنه رخصة لا يسوغ لمن لا تنطبق عليه العلة، وإذا قلنا: هو السنة قلنا: يجمع مع الناس ولو ساكن في غرفة في المسجد.(13/30)
((فابردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) لأن جهنم اشتكت إلى الله -جل وعلا-، وأن بعضها أكل بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما يوجد من البرد من ذلك النفس، فيستعيذ المسلم من حرها وبردها، وأشد ما يوجد من الحر فهو من النفس الثاني ((فإن شدة الحر من فيح جهنم)) كونها اشتكت هل هو بلسان الحال أو بلسان المقال؟ لا يمنع أن يكون بلسان المقال، وأن تشتكي بالصوت والحال، وش المانع؟ {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] إيش المانع؟ تتكلم، القدرة الإلهية صالحة لهذا، منهم من يقول: أبداً اشتكت بلسان المقال، والله -جل وعلا- رأى ذلك منها فنفس لها، لكن الأصل الحقيقة، والشكوى الأصل فيها أن تكون باللسان، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) وتلا قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] ولمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)).
هذا يقول: هل التبسم مبطل للصلاة؟
الأكثر على أنه لا يبطل الصلاة؛ لأنه ليس ضحك، لكنه منافٍ لمتقضى الخشوع، الخشوع ينافيه التبسم، وعند ابن حزم التبسم مبطل للصلاة؛ لأنه ضحك، بدليل قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} [(19) سورة النمل] فدل على أن التبسم من الضحك، والجمهور على أنه لا يبطل الصلاة.
من خرج من المسجد وذهب إلى مسجد آخر فهل تلزمه السنة؟
نعم تلزمه تحية المسجد للمسجد الثاني.
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) وتلا قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] ولمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) ".(13/31)
من نسي صلاة، نعم الإنسان معرض للنسيان، لكن على المسلم أن يكون من الاهتمام بحيث لو ينسى الأكل والشرب والنوم والعمل والوظيفة والأهل والمال ما ينسى رأس المال الذي هو الدين، لكن إذا حصل هذا غفل، والإنسان يأتيه ما يشغله، وينسيه ويلهيه ويذهله، أحياناً بعض المواقف تجعل الإنسان يذهل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- شغله الكفار يوم الخندق عن صلاة العصر، على كل حال من نسي، والناسي {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت.(13/32)
((من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها)) لو وجد شخص كل يوم ينسى فرض ويستدل بالآية، وما سمي الإنسان إلا لنسيانه، هذا يدل على عدم اهتمام، يدل على عدم اكتراث، نعم قد ينسى في السنة، قد ينسى في العمر، أما إذا دل الأمر على عدم الاكتراث فإنه يؤاخذ بهذا، وإلا فالأصل أن النسيان معفو عنه، من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها، هذا وقتها، مجرد ما يذكرها في أي وقت من ليل أو نهار فليصلها، تعقيب بالفاء، يعني مباشرة فوراً ((فليصلها إذا ذكرها)) إذا تذكرها صلى ((لا كفارة لها إلا ذلك)) يعني لا يلزمك أن تتصدق، لا يلزمك أن تعتق، لا يلزمك أن تصوم، فهذه كفارتها تصليها إذا ذكرتها، هل يلزمك أن تتوب؟ تستغفر؟ نعم ليس على سبيل الوجوب، لكن من تمام العمل أن تنسب التقصير إلى نفسك، مهما بذلت من الأسباب فالتقصير حاصل، لكن هل يتصور أن الإنسان ينسى الدوام؟ هل يتصور أن الإنسان ينسى الدراسة؟ ما معنى كونه ينسى الصلاة ولا ينسى دوامه ولا دراسته، ولا أكله ولا شربه؟ لا بد من التقصير، مع أن الإنسان مجبول على النسيان، لكن يبقى أنه عدم الاهتمام جعله ينساها، وحينئذٍ يعترف بتقصيره، ويندم، وهذا رفعة لدرجاته، لا لأنه يأثم إذا نسي لا هذه مسألة أخرى، يعني قد يقول الفقهاء -فقهاء الظاهر-: أنت ما يلزمك إلا تصليها، لكن أرباب القلوب يقولون: عليك تبعات أخرى، تندم وتنكسر بين يدي الله، ولعل الله -جل وعلا- أن يتجاوز عنا وعنك، وهذا ينبغي أن يكون ديدن المسلم وحاله، أن ينسب نفسه إلى التقصير باستمرار ولو أدى العبادة، ولذلك شرع في نهاية كل عبادة ذكر من الأذكار، بعد الصيام التكبير، بعد الصلاة الاستغفار، بعد .. ، نعم {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ} [(185) سورة البقرة] وبعض الناس يفعل ويفتي غيره، إذا قيل له: إن فلان حصل له مانع من صلوات أسبوع مثلاً، عليه صلوات أسبوع، يفتي لنفسه أن يصلي كل فرض مع فرض، صلى الفجر اليوم يصلي الفجر من اليوم الأول، صلى الظهر اليوم يصلي الظهر من اليوم الأول، أو يسرد صلوات الفجر كلها؟ حق أسبوع، إذا صلى الظهر صلى صلوات الظهر كلها، ثم إذا صلى العصر صلى صلوات العصر كلها وهكذا، فيفعل في نفسه، وقد يفتي غيره،(13/33)
وسمعنا من يقول بهذا من العوام، لكن قضاء الفوائت فوراً، عليك صلوات أسبوع اسردها الآن، والمشقة تجلب التيسير، إذا كانت تعوقك عن تحصيل الحاضرة، وعند أهل العلم الترتيب واجب، ولا يسقط إلا بنسيانه، أو بخشية فوات وقت اختيار الحاضرة، فإذا نسي وصلى العصر قبل الظهر ما عليه، لكن مع الذكر لا يجوز أن يصلي الظهر قبل العصر، ومن سرد الفجر سبعة أيام قبل الظهر هذا مرتب؟ ما رتب هذا، يصلي اليوم الأول الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء، في وقت ولو كان وقت نهي؛ لأن هذه فرائض لا تدخل في النهي، ثم يأتي اليوم الثاني كذلك واليوم الثالث كذلك ... إلى آخره إلى أن تنتهي، للمبادرة في إبراء الذمة.
((فليصلها إذا ذكرها)) يعني بمجرد ذكره إياها يصليها ((لا كفارة لها إلا ذلك)) ما في بديل عن كونه يصليها، لا بديل عن صلاته إياها، ولا ينوب عنه أحد فيها، ما يقول: والله أنا مشغول، وورائي صلوات، قم يا فلان صل عني، ما في أحد يصوم عن أحد ...
"وتلا قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] " لا شك أن الصلاة إنما شرعت، والمساجد إنما بنيت لإقامة ذكر الله، فهي مشتملة على الذكر، وقد يكون المراد من الآية وما يدل عليه السياق أقم الصلاة لذكرك إياي، وذهاب النسيان عنك، يعني لتذكرك هذه العبادة المشتملة على ذكري.(13/34)
"ولمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) " وقل مثل هذا فيمن صلى صلوات مع الإخلال بها، وأمر بقضائها، صلى صلوات غير مجزئة، فأمر بإعادتها، يكون حكمه حكم من نام عنها، أو نسيها، يقضيها فوراً ((فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) ومثل ما تقدم، لا كفارة لها إلا ذلك، لا يلزمه غير هذا، وهل نقول: إن من نام عن الصلاة فانتبه هو الوقت، ويكون فعله إياها أداء، باعتبار أن وقتها بدأ الآن من استيقاظه، أو نقول: هو قضاء؟ ومثله من نسي ثم ذكر، وقته من ذكره إياها أو وقتها الحقيقي، ومع ذلك ثم يقضيها بعد ذلك، مقتضى تعريفهم للقضاء والأداء أنها قضاء، لكن لا إثم في ذلك؛ لأنه معذور شرعاً، هذا من نسي، ومن نام المعذور في الجملة، لكن غير المعذور، ذاكر ومنتبه وجالس يسولف مع زملائه ومع زوجته وأولاده إلى أن خرج الوقت، هذا في المعذور فليصلها إذا ذكرها، غير المعذور يصليها إذا خرج وقتها، يعني متعمد لإخراجها عن وقتها.(13/35)
يقول: عند مسلم: وإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها، فهذا فيه إشكال، أي أنها تصلى مرتين، لا، يصلي عند وقتها، يعني صلاة اليوم الثاني يصليها في وقتها، فلا يؤخرها كما مضى، أقول: المتعمد للتأخير هل يصليها إذا أراد أن يصليها بعد خروج وقتها؟ وعرفنا بالنسبة للنائم والناسي معذور ويصليها إذا ذكرها، النائم يصليها إذا استيقظ، فهل المتعمد حكمه حكم الناسي؟ المنصوص عليه الناسي والنائم، عامة أهل العلم، ونقل عليه الإجماع أنه يأثم بتأخيرها عن وقتها، وعليه قضاؤها، نقل على هذا الإجماع، أنه يجب عليه أن يقضيها، فإذا طولب المعذور فلئن يطالب غير المعذور من باب أولى، هذا نقل عليه الإجماع، ويرى جمع من أهل التحقيق، بل نقل عليه ابن حزم الإجماع على أنه لا يقضيها، إذا فرط فيها عالماً متعمداً مصراً حتى خرج وقتها، وأن فعلها بعد خروج الوقت كفعلها قبل دخوله، وهذه من غرائب المسائل التي ينقل فيها الإجماع على القولين المتناقضين، يعني ينقل الإجماع على أنه يلزمه القضاء، فإذا أمر المعذور بالقضاء فلئن يأمر غير المعذور من باب أولى، فلا أن لا يعذر، بل يلزمه القضاء، يؤمر بالقضاء من باب أولى، وهذا قول الجماهير، بل نقل عليه الإجماع.
أما القول الآخر ونقل عليه ابن حزم الإجماع، ويرجحه شيخ الإسلام، وأفتى به بعض المحققين، أنه لا يقضيها، خلاص خرج وقتها، انتهى وقت فعلها، الوقت المحدد لها انتهى، يعني كما لو صلاها قبل الوقت، كذلك إذا صلاها بعد الوقت مع العمد، وقول الجمهور واضح يعني ومأخذهم واضح، إذا أمر المعذور بالقضاء فلئن يأمر غير المعذور من باب أولى، ومما يستدل به شيخ الإسلام وغيره أن هذه صلاة ليست على أمره، وليست على هديه -عليه الصلاة والسلام-، فهي مردودة مردودة، فلا يكلف نفسه، وجاء في الحديث الصحيح ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر ولو صامه)) لكن جماهير أهل العلم يلزمه القضاء، قضاء هذا اليوم، وأما بالنسبة للإثم آثم، من نام عن صلاة فانتبه قبل خروج وقتها بخمس دقائق، بحيث يمكنه أداؤها، لكن انتبه محتلماً، يلزمه الغسل، إن اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت ...(13/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (10)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لكن انتبه محتلماً، يلزمه الغسل، إن اغتسل خرج الوقت، وإن تيمم أدرك الوقت، وكل من الطهارة والوقت شرط لصحة الصلاة، فهل يقدم هذا أو يقدم هذا؟ يعني تقدم الطهارة وإلا يقدم إدراك الوقت؟ كل منهما شرط لصحة الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
الوقت، غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
الطهارة نعم، الجمهور على أن المقدم الطهارة، ولذا تجدون في تصانيفهم عامة أهل العلم على أن الكتب إنما تبدأ بكتاب الطهارة لأهمية الطهارة، و ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) و ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) ورأي الإمام مالك أن الوقت أهم من الطهارة، ولذا بدأ في موطئه بكتاب وقوت الصلاة، وشيخ الإسلام له استرواح وميل إلى مذهب مالك، وعلى كل حال هو معذور، إذا انتبه قبل طلوع الشمس بما لا يكفي إلا الاغتسال أو الصلاة يغتسل ثم يصلي، وفي هذا معذور، كما لو خرج وقتها، نعم.
عفا الله عنك.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان يصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة.(14/1)
حديث معاذ تقدم بعضه، وفيه الأمر بالتخفيف، وفيه غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتغليظ القول على معاذ؛ لأنه طول في الصلاة، معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يصلي العشاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ليدرك فضل هذه الصلاة خلفه -عليه الصلاة والسلام-، والصلاة تفضل بزيادة فضل الإمام، وبعلم الإمام، وورع الإمام، تفضل بهذا، فليتحرى الإنسان من يصلي وراءه، يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- لإدراك هذه الفضيلة الصلاة خلفه، وأيضاً لو جد جديد، وإلا نزل وحي، أو جاء خبر جديد يتابعون -رضي الله تعالى عنهم-، ويتناوبون، واحد يدخل أول النهار، وواحد يدخل آخر النهار، وواحد يلازم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنهار، وواحد يلازمه في الليل من أجل يحملوا عنه هذا الدين، فيصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشاء، ثم يرجع إلى قومه، يرجع إلى بني سلمة "فيصلي بهم تلك الصلاة" العشاء، ويعيد الصلاة، فيصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- الفريضة، ويصلي بهم نافلة، وجاء عن الدارقطني: "فهي لهم فريضة، وله تطوع" وقل مثل هذا فيمن صلى برحله، ثم وجد الناس يصلون يصلي معهم، وفريضته التي صلاها الأولى؛ لأن قلب الفريضة إلى نافلة إنما تكون من المنفرد قبل الفراغ منها، إذا فرغ منها استقرت، ولا بد أن يكون منفرداً، وأن يكون الوقت متسعاً "وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز" فالتي يصليها مع النبي -عليه الصلاة والسلام- الفرض، والذي يصليها بقومه هي النافلة، والحديث عمدة لمن يصحح صلاة المفترض خلف المتنفل، والذين يتمسكون بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)) يدخِل في ذلك النيات كالحنابلة، عندهم لا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، ولا من يصلي الظهر خلف من يصلي العصر، ولا عكسه، لا بد من إتحاد النية بين الإمام والمأموم، لكن هل يقول الحنابلة بالعكس؟ لا يصححون صلاة المتنفل خلف المفترض؟ يصححونها؛ لأن الشخص صلى في رحله ثم جاء إلى مسجد، ووجد الناس يصلون، وفي نص: ((إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتم المسجد فصليا، فإنها لكما نافلة)) هذا نص في كون المتنفل يصلي خلف المفترض، وحديث الباب يدل على(14/2)
صلاة المفترض خلف المتنفل، والتفريق بينهما يحتاج إلى نص قاطع، يعني نظير ما جاء في الوضوء بفضل المرأة ... ((لا تغتسل المرأة بفضل الرجل، ولا الرجل بفضل المرأة)) ومن أهل العلم من يقول: إن الرجل لا يغتسل بفضل المرأة، والمرأة تغتسل بفضل الرجل، ويستدلون بهذا الحديث، إما خذوه جملة أو اتركوه جملة، التفريق بين المتماثلات لا سيما التي مساقها واحداً يحتاج إلى نص قاطع للعذر.
وعندنا حديث الباب دليل على جواز اقتداء المقترض بالمتنفل، وفيه دليل أيضاً على جواز إعادة الصلاة في اليوم الواحد مرتين، يعني إذا وجد سبب لهذه الإعادة، أما إذا كان مجرد وسواس فلا، صلى صلاة كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها خلف إمام، ثم يقوم فيعيدها منفرداً ما في مبرر، فنقول: ابتدعت، لكن يوجد مبرر، صليت مع منفرد وجدت جماعة هذا مبرر، فعلت مثل ما صنع معاذ، أيضاً هذا مبرر، أقره النبي -عليه الصلاة والسلام- "ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة" في هذا رد على من لا يجيز صلاة المفترض خلف المتنفل، وشيخ الإسلام في الاختيارات رجح قول الشافعية، ويقول الناظم ناظم الاختيارات:
وعند أبي العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ
يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة ... وقد كان صلى الفرض خلف محمدِ
فهي له نافلة، ولهم فريضة، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته بسطه ثوبه فسجد عليه.(14/3)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه" ثوبه المتصل أو المنفصل؟ "نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني هل تصور أن الصحابة ينقلون ثياب معهم غير التي عليهم؟ لا، هي المتصلة، والسجود على الحائل المنفصل هذا ما فيه إشكال، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخمرة وعلى الحصير، لكن المتصل؟ وتقدم في حديث: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) أن الركبتين تستران، وكذلك القدمان، وأما بالنسبة للوجه واليدين مع الحاجة إلى ذلك لشدة الحر أو شدة برد، وقل مثل هذا فيما لو كانت الفرشات قديمة، وينبعث منها روائح، تجد بعض الناس يضع شماغه ويصلي عليه، إذا وجدت الحاجة، هم يقولون: بالكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، هذا مبرر لئن يبسط الإنسان شماغه، قل مثل لو طلعت في رحلة، وصار موضع السجود ما هو مريح، ما تقدر تخشع في سجودك، إما حصى وإلا شوك وإلا شيء لا مانع من أن تضع طرف ثوبك الذي هو الشماغ، هذا في حكمه.(14/4)
"كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه" فهذه حاجة، لشدة الحر، أو لشدة البرد، أحياناً يجي في الشتاء في صحن الحرم البلاط جامد، لو سجدت عليه تصدع، لا مانع من أن تبسط عليه ثوبك أو شماغك، لا مانع، وقل مثل هذا فيما لو وجدت أي حاجة؛ لأنهم يطلقون الكراهة، والكراهة تزول بأدنى حاجة، لو وجد مثلاً فرشات ينبعث منها روائح، أو وجد أرض غير مستوية، فيها حصى فيها شوك أو شيء، تسجد عل طرف شماغك، لكن إذا لم يوجد سبب فأهل العلم يقولون بالكراهة، لا سيما المتصل، بعض الناس يأنف أن يسجد على ما يسجد عليه الناس، وهذا ليس بمبرر مزيل للكراهة، نعم إذا شفت شيء وسخ لا تطيقه، أو فيه روائح، هذا مبرر، أما ما عدا ذلك فلا، يقول: أكيد الناس مارين من هنا، وداسوه بالأقدام، طيب وش يصير؟ ما تتصور وش بيصير لك أمام؟ قدام في القبر؟ الله المستعان، بعض الناس يسجد على يديه، لكن جل من يفعل هذا من غير المكلفين، يضع يديه ويسجد عليها من شدة حر أو من شدة برد، هذا سجوده باطل، صلاته باطلة؛ لأن أهل العلم لا يختلفون في السجود على الوجه، لا بد أن يسجد على وجهه، هذا سجد بيده، ما سجد على وجهه، الساجد هما اليدان وليس الوجه، فالسجود على هذه الصورة باطل، نعم.
عفا الله عنك.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)).
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصلي)) " لا هذه ناهية وإلا نافية؟
الطالب:. . . . . . . . .
ناهية، والياء؟ هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
ثابتة هي ثابتة، هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .(14/5)
نافية يراد منها النهي، والنهي إذا جاء بلفظ النفي كان أبلغ، ومنهم من يقول: هي ناهية والياء للإشباع، كما في قوله تعالى في قراءة: {إنه من يتقي ويصبر} "ألم يأتيك والأنباء تنمي؟ " تكون للإشباع، ومثل هذا الذي يقال فيه للإشباع، هذا لا شك أنه لتمرير القواعد، وإلا هي ياء، سواء قلنا: ياء الكلمة، أو ياء إشباع، هي ياء، لكن إذا أرادوا أن يمرروا القواعد قالوا هذا الكلام، كما يقولون: تحركت الواو وتوهم انفتاح ما قبلها، توهم إيش معنى توهم؟ بس من أجل أن تكون قواعدهم منضبطة، وإلا هي ما انفتحت لتتحقق القاعدة، لكن يمررون القاعدة ماره ماره شئت أم أبيت، فيسلكون مثل هذا لتمرير قواعدهم، ولا شك قواعدهم منضبطة، لكنها أغلبية، ليست قواعد كلية، هي قواعد أغلبية.
((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد)) وجاء في الحديث: ((أو لكلكم ثوبان؟ )) يعني ما كان الناس عندهم ثوبين، لكن إذا صلى في ثوبين أكيد واحد يستر أسفل البدن والثاني أعلاه، أما إذا كان واحد، تصور الواحد ما هو بساتر، ما تقول: ثوب قميص له أكتوف وله أكمام وله .. ، لا، الثوبان عبارة عن إزار ورداء، وجاء في حديث جابر: ((إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به)) هذا في الصحيحين.
((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد)) صلى أبو هريرة بثوب واحد وثيابه على المشجب؛ ليبن الجواز أنه تصح الصلاة بثوب واحد، ليش ثيابه؟ وش هو المشجب؟ الشماعة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، أنت تستعملها! أنت ما أنت مدركها أنت قطعاً، يقول: ثلاثة عصيان، يقرن رؤوسها في بعض.
طالب:. . . . . . . . .
ها مدركها، نعم؟
تعلق عليها القرب والأسقية وكذا، يسمونها إيش؟ ما يسمونها مشجب ولا شماعة، يسمونها مثل ما يقول أبو أحمد، ما في أحد أدركها؟ قرابة .. ، إلى ثلاثين سنة وهي موجودة، يسمونها إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
قناره، نعم، في هذه البلاد ما يعوزنا مثل هذا الاصطلاح، لكن بلدان أخرى ما يدرون وش هي؟(14/6)
على كل حال أبو هريرة يصلي بمثل هذا، بعد ما توسعت الدنيا، وإلا ما كان عنده إلا ثوب واحد، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أو لكلكم ثوبان؟ )) يصلي في ثوب واحد لا بأس، فإن كان هذا الثوب واسعاً يلتحف به، ويصل إلى أسفل البدن، وإن كان ضيقاً يتزر به، وعلى هذا قوله: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) منهم من قال: النهي للكراهة، بدليل حديث جابر، والأصل في النهي التحريم لا يجوز له أن يصلي إلا وقد ستر أحد عاتقيه على هذه الرواية، مع أنه في الصحيح: ((ليس على عاتقيه منه شيء)) رواية صحيحة، فلا بد من ستر المنكبين أو أحد المنكبين مع العورة، قد يقول قائل: إنه في شروط الصلاة ما يذكرون إلا من السرة إلى الركبة، وش لون ما يذكرون مثل هذا؟ نقول: نعم الشرط من السرة إلى الركبة، لكن هنا وجوب، يعني يأثم إذا كشف والصلاة صحيحة، فرق بين هذا وهذا؛ لأنه قد يقول قائل: ما نجد عند الأئمة كلهم من يذكر مثل هذا في شروط الصلاة، نعم المشترط ستر العورة من السرة إلى الركبة، لكن يبقى أن مثل هذا في مثل هذا النص: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) النهي الأصل فيه للتحريم، فلا يجوز كشف المنكب في الصلاة، العاتق والمنكب واحد ((ليس على عاتقه منه شيء)) وإذا قلنا بالرواية الأخرى: ((عاتقيه)) وأردنا أن نوفق بين الروايتين، قلنا: العاتق المراد به الجنس، فيشمل العاتقين، فيلزمه حينئذٍ أن يستر المنكبين، نعم.
عفا الله عنك.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من أكل ثوماً وبصلاً فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته)) وأتي بقدر فيه خضرات من بقول، فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه، فلما رآه كره أكلها قال: ((كل، فإني أناجي من لا تناجي)).
وعن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)).(14/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا)) " هذا الأمر ترخيص وإلا تعزير؟ تعزير، لكن كثير من الناس قد يفرح بمثل هذا، ويظنه ترخيص من التكليف من الأمر بحضور الجماعة في المساجد، لكن تصور أنه لو أكل مثل هذا يخرج من المجالس، من مجالس القيل والقال، صار هذا أشد عليه من وقع السيوف، ومثل هذا لا شك أنه يدل على اختلال في الميزان، الميزان ليس بشرعي، يعني من أعظم التعزير أن يقال: فلان لا يدخل المسجد، وهذا يقول: الحمد لله، جاء إلى الجامع وجد الباب مقفل قال: سلام عليك يا جامع، أنا والله معذور، لا لا ((من أكل ثوماً أو بصلاً)) والسبب الرائحة الكريهة، وجاء التنصيص على الكراث في الرواية الأخرى، وفي حكمها كل ما له رائحة كريهة، الدخان من باب أولى، يعني إذا كان هذا في المباحات، فكيف بالمحرمات؟
((من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا، وليقعد في بيته)) يعني إذا قيل لشخص يعتبر نفسه شيء، رجل من الرجال اقعد في بيتك، يعني هل هذا تشريف له، وإلا مثل هذا لو كان يعقل مثل هذه النصوص ما جادت نفسه بأن يخالف؟ ولذا يعدون من أبشع أساليب الهجاء.
. . . . . . . . . ... أقعد فأنت الطاعم الكاسي
"على شان اقعد في بيتك رد عليك أنت ما تسوى".(14/8)
" ((وليقعد في بيته)) وأتي بقدر فيه خضرات" خُضَرات، إذا ضممت الخاء فافتح الضاد، خُضَرات، وإذا فتحت الخاء فاكسر خَضِرات "من بقول فوجد لها ريحاً" وجد النبي -عليه الصلاة والسلام- لها ريحاً، طيب هذه البقول وهذه الخضرات التي لها ريح ثوم، كراث، بصل، تعوقك عن فعل واجب، وهي صلاة الجماعة حيث ينادى بها، القاعدة أن ما يعوق عن الواجب محرم، وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهل هذه الخضرات، وهذه البقول محرمة وإلا مباحة؟ يعني تعوقك عن فعل واجب، يعني جرياً على القواعد، دعونا من النصوص الأخرى، يعني تحصيل السترة واجب، تحصيل الماء واجب في الصلاة، مثل هذه الأمور التي تمنعك من أداء الواجب تكون على القواعد محرمة، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل كما في صحيح مسلم: أحرام هي؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) وإن قال الظاهرية بتحريمها، لكن عامة أهل العلم على أنها مباحة، ويبقى أن الإنسان إذا احتاج مثل علاج مثلاً يترخص، إذا احتاج لعلاج يترخص، أما ما عدا ذلك فالذي يعوقه عن تحصيل الواجب لا يتناول "فسأل فأخبر بما فيها"، "وأتي بقدر فيه خضرات" كثير من الشراح يقول: هذه تصحيف، يعني بعض روايات الصحيح: "ببدر فيه خضرات" يعني القدر معروف إناء الطبخ، والبدر طبق، يعني صحن، وبعضهم يرجح اللفظ: ببدر، لماذا؟ لأن القدر يوحي بطبخ، وإذا طبخت هذه البقول ماتت رائحتها، وأما إذا أتي بها ببدر في طبق احتمال أن تكون نيئة، فهي التي تستحق الرد، أتي بقدر، نقول: لا يمنع من أن تكون بقدر، ويكون طبخها نصف طبخ، إذا كان نصف طبخ لا تذهب رائحتها، بدليل قوله: فوجد لها ريحاً، فسأل فأخبر بما فيها من البقول، فقال: قربوها إلى بعض أصحابه، يعني إقراره -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه أن يأكلوها هذا الإقرار دل على جواز أكلها، وإن كانت لها رائحة، كما أن إقراره خالداً في أكل الضب دليل على أنه مباح، ولو امتنع منه النبي -عليه الصلاة والسلام-، السنة التقريرية وهي وجه من وجوه السنن "قربوها إلى بعض أصحابه" هذه رواية الصحابي، وإلا الأصل أن يقول: قربوها إلى فلان وفلان وسموا "فلما رآه كره أكلها" بعض الصحابة لما رآه كره أكلها لأن لها رائحة، واستنكف(14/9)
النبي -عليه الصلاة والسلام- من أكلها كره، فقال: ((كل، فإني أناجي من لا تناجي)) طيب الصحابي مأمور بأن يصلي في المسجد، فلعل الوقت فيه متسع؛ لأن تذهب هذه الرائحة، إذا كان في أول الليل وأكله ومطبوخ طبخاً ما يذهب الرائحة يعني نصف طبخ كفيل بأن يذهب، وفي الصيف مثلاً لو كان بعد صلاة الصبح ما تجئ صلاة الظهر إلا وقد انتهى أو خف، بحيث لا يكون له أثر ((فإني أناجي من لا تناجي)) هذا هو -عليه الصلاة والسلام-.
"وعن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل البصل أو الثوم أو الكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى به بنو" الإنسان أو ((بنو أدم)) يتأذون من هذه الرائحة، لماذا خص التأذي في المساجد؟ طيب الذي في البيت يتأذى، زوجته تتأذى، أولاده يتأذون، لماذا خص التأذي في المسجد؟
الطالب:. . . . . . . . .(14/10)
يعني اللي في البيت ما يتأذون؟ اللي معه طالعين نزهة في استراحة مثلاً يجلسون أسبوع كلهم يأكلون ثوم ما يتأذون، ولا يتأذى بعضهم من بعض ممن لا يأكل، والملائكة تتأذى، لو قلنا بعموم العلة قلنا: لا يؤكل الثوم أصلاً؛ لأن الكل يتأذى منه، والملائكة تتأذى، لكن إذا عرفنا أن التأذي جزء علة وليس بعلة، التأذي المذكور يعني من عموم الأدلة في الباب يدل على أن التأذي جزء علة لا يقتضي المنع بمفرده، والجزء الثاني هو المسجد، فمن أكل الثوم خارج المسجد، في بيته، في استراحة، الناس اتفقوا على أن يأكلوا تأذى بعضهم ببعض، ما في مشكلة، الملائكة تتأذى، لكن هل مجرد التأذي يستقل بالمنع؟ يعني علة كاملة تستقل بالمنع، أو أن نقول: العلة مركبة من كونه تأذي وكونه في المسجد؟ يعني لو قلنا: التأذي علة مستقلة تستقل بالمنع، قلنا: لا يؤكل الثوم أبداً؛ لأنه حتى الذي في البيت يتأذون، وحتى الذي في الاستراحة يتأذون، لكن نقول: العلة مركبة من المسجد ومن التأذي، فمن أراد أن يصلي في المسجد، ومسجد الجماعة الذين يتأذون به يمنع، لكن إذا كان في غير المسجد هذا جزء علة، العلة ما تحققت ما يمنع، طيب في مسجد ليس فيه جماعة، يريد أن يدخل مسجد ما فيه جماعة، دخل المسجد بعد ما خرج الجماعة، نقول أيضاً: المسجد جزء علة، فلا يقتضي المنع، لا بد أن تكون العلة المركبة مكتملة الأجزاء، ولذا ما هو أشد من الثوم عند الحاجة، حكمه؟ إرسال الحدث في المسجد، يعني احتاج هو جالس في المسجد عنده عمل في المسجد، أو ساكن في المسجد معتكف، احتاج إلى إرسال الحدث، سواء كان له صوت أو لا صوت له، وش الحكم للحاجة؟ ((فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً)) قد يقول قائل: هذا فيما إذا غلبه، لكن يقرر أهل العلم أنه إذا كان لحاجة، وليس هناك من يتأذى يطلقون الجواز، ونص ابن العربي وغيره في شرح الترمذي قال: ويجوز إرسال الفساء والضراط في المسجد للحاجة، فالمقرر هنا أن المسجد جزء علة، والتأذي الجزء الآخر، فإذا اجتمع الجزآن تركبت العلة منهما، لا يدخل، لا يقرب المسجد، أما إذا كان بمفرده في المسجد، بأن جاء إلى المسجد، ووجد الناس قد صلوا يدخل المسجد؛ لأن النهي قال: ((فلا يقربن(14/11)
مسجدنا فإن الملائكة تتأذى)) طيب عندك ملائكة حفظه، الحفظة ماذا عنهم؟ حفظة ملازمون للإنسان يتأذون أو ما يتأذون؟ منهم من قال: ما يتأذون، وإلا لاقتضى المنع مطلقاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا أحرم ما أحل الله)) نعم بعض الناس يشق عليه جداً أن يترك الجماعة في المسجد، وهذا أشبه ما يكون بورع العوام، يشق عليه أن يترك الجماعة في المسجد، وقد قال له الدكتور: ما لك علاج إلا الثوم، والثوم علاج لكثير من الأدواء، حتى قرر كثير من الأطباء أنه يقضي على جرثوم السرطان، وهذا مجرب شخص قرر بتر رجله فذهب إلى طبيب بمكة، وقال له: داوم على الثوم لمدة شهر، ولا تحتاج إلى قطع، وبالفعل حصل، أنا رأيته بعدها بسنن، فالمقصود أنه من ورع بعض الناس الذي هو أشبه بورع العوام غافلاً أو متغافلاً عن النصوص، يقول: والله يا أخي أنا مأمور ومضطر للثوم لكن الصلاة؟! على عبارتهم: "ما يهنأ يصلي في البيت والناس في المسجد" لكن هذا تشريع ((فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو)) الإنسان، بعض الناس يقول مثل الصيف مثلاً إذا أكل في أول النهار مثلاً، أكل بعد صلاة الصبح، وأخذ البدن منه ما يحتاج، ثم بعد ذلك بينك وبين صلاة الصبح إلى صلاة الظهر كم سبع ساعات، أو ثمان ساعات؟ نعم ثمان ساعات، فإذا أكلت عليه وأكثرت الأكل يخف حتى لا يكون له إلا الأثر اليسير، فإذا خفف بطيب ونحوه مع الخروج إلى الصلاة يخف الأمر، فتكون الرائحة عادية، رائحة شخص ما هو بأطيب الناس ريح، لكن يبقى في شيء يسير، وقل مثل هذا في ليالي الشتاء، إذا أكله بعد الساعة مثلاً، متى يصلون العشاء سبع في الشتاء؟ سبع ممكن، أكله بعد الصلاة مباشرة وانتظر ساعتين ثلاث ثم كثر العشاء، وبينه وبين الصلاة مفاوز، وتطيب لصلاة الفجر، يعني هذا يخفف بلا شك، وقد يؤخذ هذا العمل من الترخيص بالمطبوخ؛ لأن المدار على الرائحة، فإذا كانت الرائحة تزول ترتفع العلة، وإذا خفت بحيث يكون أثرها يسير جداً، لا يتأذى به، فالحكم يدور مع علته، نقف على باب التشهد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(14/12)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يقول: هل يكفي كتاب عمدة الفقه عن كتاب الزاد؟
كتاب الزاد فيه أضعاف ما في العمدة من المسائل، كتاب الزاد متن متين معتبر عند أهل العلم، يربى عليه طالب علم، ويخرج عليه، وليس معنى هذا أنه دستور معصوم، لا، فيه مسائل مرجوحة، فيه مسائل خالف فيها المؤلف حتى المذهب، لكن مثل هذا الكتاب يتخذه طالب العلم كخطة عمل يسير عليها في التفقه، يتصور المسائل، ويستدلل لها، ويعرف من وافق ومن خالف، مع أدلة الجميع، ثم يوازن بين هذه الأدلة، وإذا انتهى من الكتاب يكون قد حوى علماً عظيماً -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ماذا ندرس بعد نخبة الفكر؟
بعد النخبة مختصر علوم الحديث للحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، ثم الألفية، ألفية الحافظ العراقي وشروحها.
يقول: هل للوالدين حق في اختيار الزوجة لابنهم؟
الأصل أن البر مطلوب، ورضا الوالدين أمر لا بد منه، لكن إذا اختارا امرأة لا تناسبك، ولا تملأ عينك على ما تذكر، ويمكن أن تتطلع إلى غيرها بعد الزواج بها، فالطاعة بالمعروف، حاول إقناعهم بقدر الإمكان، وإلا فالأمر لك أولاً وأخراً.
يقول: هل على من لديه أسهم في أحد البنوك زكاة أم لا؟
أسهم في أحد البنوك، يعني جزء مشاع من هذا البنك أو من شركة يكتتب فيها في هذا البنك؟ مع العلم أنه يستطيع أن يتحكم في البيع والشراء.
المقصود أن الأسهم جزء مشاع من مال، وهذا المال إن كان أسهم من بنك يتعامل بالربا فهذه مشكلة، ينبغي أن يسأل عن نظافة هذا المال، وعن طيب هذا المال قبل أن يبحث عن زكاته، والله -جل وعلا- طيب لا يقبل إلا طيباً، أما إذا كانت أسهمه عبارة عن جزء مشاع مما يجوز بيعه من الشركات التي لا تتعامل بالربا هنا يسأل عن كيفية تزكية هذا الجزء؟
بأن يسأل أهل الخبرة وأهل الاختصاص كم يساوي السهم الواحد وقت إخراج الزكاة إذا حال عليها الحول، وفي كل حول يسأل هل زادت الأسهم أو نقصت؟ ثم يقومها في وقتها، ويخرج منها الزكاة، أصل التجارة مع ربحها.(14/13)
يقول: أنا طالب في كلية الشريعة، وقد انتصفنا في منهج الفقه والحديث، وقد نويت بعزيمة وإصرار حفظ المنهج في الفقه وهو الزاد، وحفظ الحديث وهو البلوغ، ولكن السؤال هل أبدأ الحفظ من نصف الزاد والبلوغ أم أبدأ من بداية الكتاب؟
الأصل أن تبدأ من بداية الكتاب، لكن إذا كانت متابعتك لما يشرح في الكلية يعينك على فهم ما يشرح، فتحفظ قبل الحضور، ثم تسمع الشرح وتستفيد، لا يمنع أن يكون لك أكثر من درس، درس لحفظ الكتاب من أوله، ودرس ثاني لحفظ الكتاب من أخره، وإذا حفظت في الكتابين معاً، يعينك هذا على فهم هذا، وهذا لا شك أن من حفظ الزاد والبلوغ مع الفهم التام، ومع الطريقة والمنهج المسلوك عند أهل العلم، وكيفية الاستدلال للمسائل، ومعرفة أقوال العلماء في هذه المسائل وأدلتهم، هذا يؤهلك لأن تكون عالماً، لكن مثل ما ذكرنا إذا كنت تريد أن تنتفع بما تحفظه في دراستك فتحفظ مما وقفت عليه من النصف الثاني، وتجعل وقت آخر لحفظ النصف الأول وفهمه ومراجعته.
يقول: لما يأتي حديث ويحكم عليه طائفة من أهل العلم الكبار بأنه مقبول، ويحكم عليه طائفة أخرى من العلماء الكبار أيضاً أنه مردود، فما العمل حيال ذلك؟
أنت لا تخلو إما أن تكون من أهل النظر، ولديك الأهلية بحيث ترجح بين أقوال أهل العلم هذا مثل خلافهم في المسائل، ترجح، تنظر في أدلتهم وترجح، وإن لم تكن لديك أهلية فتقلد أوثقهم عندك، أو من استفاضت ثقته واعتداله، واستقام أمره من أهل العلم والدين والورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
يقول: ما هي الكتب التي تنصحون بها طالب العلم في علم المصطلح وعلم الجرح والتعديل، بحيث تكون عنده ملكة؟
لا بد أن يسلك الجادة، ويبدأ بالمتون الصغيرة، ثم يترقى بعد ذلك إلى ما هو أكبر منها، على ما شرحناه في مناسبات كثيرة، يبدأ بالنخبة، ثم اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ثم الألفية مع شروحها، ثم يقرأ في الكتب الأخرى التي تعينه على معرفة ما يؤثر عن المتقدمين من مصطلحات كشرح علل الترمذي وغيرها، ويكثر من التخريج، وجمع الطرق، ودراسة الأسانيد، ثم بعد ذلك تتكون لديه الأهلية -إن شاء الله تعالى-.(14/14)
يقول: يرى بعض الناس أن الرد على أهل البدع وبيان أخطائهم يقسي القلب، ويضعف الإيمان، فما تقول؟ البدع منكرات، والمنكر لا بد من إنكاره ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه)) هذه من أعظم المنكرات، البدع، لا بد من تغييرها، وأقل أحوالها أن تبين بردها، من أهل العلم المتقدمين في وقت نشوء البدع يرى أن الرد على أهل البدع بذكر أقوالهم نشر لأقوالهم، فيرد على البدعة من دون تعرض للقول بجملته، يعني ما تذكر مقطع كامل من كتاب مشتمل على بدع، ثم ترد عليه، إنما تنقض البدعة ابتداء؛ لئلا يرسخ هذا الكلام المذكور بشبهه في ذهنك، ثم تعجز بعد ذلك عن اجتثاث هذه الشبهة، نريد منك أن تبين الحق ابتداء، فبيان الحق ابتداء يكون هناك منعة، أو ما يمنع من التأثر بالباطل، مع الأسف أنه يوجد الآن من الشبه ما يدخل إلى أعماق بيوت المسلمين من عوام المسلمين، ولا يجد من يقاوم هذه البدع، فوظيفة أهل العلم أولاً بيان المعتقد الصحيح الذي فيه الوقاية -بإذن الله تعالى- عن التأثر بهذه البدع، ثم إذا وجد شيء من هذه البدع تفند وترد.
يقول: بعض الكتب التي نقرأها مثل كتاب الأذكار للنووي يوجد بها أحاديث يشار إليها في الهامش أنها ضعيفة، بل ضعيفة جداً، فإن كانت ضعيفة فلماذا تذكر لأنها تشوش على القارئ؟
أولاً: الضعيف في هذا الباب عند جمهور أهل العلم يذكر ويعمل به؛ لأن باب الأذكار من باب الفضائل عندهم، والنووي أصّل هذه المسألة في مقدمة الكتاب، ومشى عليها، لكن بالنسبة لمن لا يرى العمل بالضعيف مطلقاً لا يقبل مثل هذه الأمور، والضعيف موجود في كتب الأئمة المتقدمين والمتأخرين، وإذا بين برئت العهدة، فما كان ضعيفاً فاطرحه حتى تجد ما يسنده.
ما هي أسهل الطرق لحفظ الصحيحين والسنن؟
طريقة شرحناها في محاضرة اسمها: (معالم على طريق الطلب).
هذه النغمات الموسيقية التي تكون في الجوالات؟(14/15)
قد تتفاوت وجهات النظر في اعتبارها مطربة أو غير مطربة، لكن الفتوى من اللجنة الدائمة صدرت بتحريم هذه النغمات الموسيقية، وإذا كان التحريم في كل مكان فليكن في المسجد أعظم، مع الأسف أن تحول مساجد المسلمين إلى ما يشبه الكنائس، يوجد بعض العمال الذين يحافظون على الصلوات، تجده يرن الجوال من أن يشرع في الصلاة إلى أن ينتهي، كله يخشى أن تختل صلاته إذا أدخل يده فأغلق الجوال، فيقال له: أولاً غير النغمة خلها نغمة غير موسيقية، أو تنبيه خفيف، أو أغلق الجوال ما دمت في المسجد، لكن هذه النغمات الموسيقية التي أفتى أهل العلم بتحريمها، ويشاع الآن ويذكر في القنوات، ويذكر في وسائل الإعلام من يخالف في الغناء وفي الموسيقى كابن حزم وغيره، وينشر لابن حزم بقوة في مثل هذه الأيام، لكن أين هذا الذي ينشر رأي ابن حزم ما ينشر رأيه في المسائل الأخرى؟ ما يقول: إن ابن حزم يقول: إذا ضرب الابن أباه ما في شيء، لكن إذا قال له: أوف ارتكب جريمة من الجرائم، لماذا لا يقال هذا لعوام المسلمين؟ ليعرفوا مقدار هذا الرجل؟ هذا الرجل عنده خلل كبير في العقيدة، فمثل هذا لا يقلد، وداود الظاهري الذي هو أصل المذهب يقول النووي في حقه وغيره من أهل العلم: إن داود قوله لا ينقض الإجماع، ولا يعتد بقول داود لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، ومثله ابن حزم، بل فرع منه.
يقول: هل نستفيد من كلامك في مسألة التقليد أننا لا ننكر على من كان مقلداً لمذهب من المذاهب الفقهية؟
أما بالنسبة للعامي ومن في حكم العامي من مبتدئي الطلبة هؤلاء فرضهم التقليد، وأما من كان لديه الأهلية فلا يجوز له أن يقلد الرجال في دينه.
ما هو المنهج الذي تقترحه لطالب علم أصول الفقه ليبلغ جل الغاية من أقصر طريق؟(14/16)
أصول الفقه كغيره من العلوم، له كتب صنفت للمبتدئين، وأخرى للمتوسطين، وثالثة للمنتهين، ومصادر كبيرة تراجع، لكن يبدأ الطالب بالورقات، بشروح الورقات المطبوعة والمسموعة، ويسمع الأشرطة، ويفرغ على الكتاب، ويسأل عما يشكل عليه، ثم يقرأ بعد ذلك إن شاء مختصر التحرير، وإن شاء مختصر الروضة (البلبل) كلاهما كتاب نفيس، يعني مختصر الروضة غاية في الجودة، وإذا قرأه على شيخ يحسن هذا العلم ويتقنه نور على نور، ومن طرق التحصيل في هذا العلم وفي غيره الاختصار، فإذا اعتنى بمختصر التحرير مثلاً، وجاء إلى شرحه الكوكب المنير، وقرأ المقطع من المتن، ثم حاول يقرأ الشرح، ويلخص ما في الشرح، ويصوغه بأسلوبه ليخرج بمجلد واحد بدلاً من أن يكون أربعة مجلدات، وقل مثل هذا في شرح مختصر الروضة، ثم بعد ذلك يقرأ في الكتب التي هي أطول من هذا، وهذا العلم وعلم النحو وغيرها من العلوم التي هي مفاتيح للعلوم مما يعينه على فهم الكتاب والسنة، أمر لا بد منه لطالب العلم، أن يغالط نفسه طالب علم يريد أن يطلب العلم ولا يعتني بالأصول، وعلم العربية، وأصول الحديث، وقواعد التفسير، وغيرها من العلوم التي تعينه على فهم المقاصد.
يقول: هل إذا رأينا حديث وحكم أهل الحديث بأنه صحيح بشواهده وطرقه، هل هذه الطرق كلها حسنة وضعيفة، أو كلها ضعيفة، وحكمنا عليه بالصحة؟
سؤال ركيك، لكن إذا قالوا: صحيح لغيره فأعرف أنه بمفرداته لا يصل إلى درجة الصحة، لكن هو عبارة عن أكثر من طريق، كلها في الغالب حسنة، منهم من يرقي الضعيف إلى أكثر من درجة، فإذا كثرت طرقه الضعيفة القابلة للانجبار كثرة بحيث يقطع أو يجزم الناظر أن له أصل يثبت به لا سيما إذا كان بعض المتابعات، أو بعض الشواهد في الصحيحين، فإنه يرقيه أكثر من درجة، لا يقتصر على قوله بأنه حسن لغيره، بل يرقيه إلى درجة الصحة.
يقول: نصيحتك للشباب الذين تصدروا الفتيا، وهم شباب جامعيون، يدرسون في كلية الشريعة ويحضرون، ولكنهم لا زالوا في مرحلة أخذ ونهل من أهل العلم فلا يقعوا في مهاوي الردى؟(14/17)
على كل حال الفتيا شأنها عظيم، وسلف هذه الأمة وأئمتها تدافعوها، بحيث يأتي السائل إلى البلد الكامل وهو مكتظ بأهل العلم، ويكاد أن يرجع دون أن يجد من يفتيه، يتدافعون الفتيا؛ لأن شأنها عظيم، وهو توقيع عن الله -جل وعلا-، وإذا كانت بغير علم صارت محض كذب على الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] وإذا ضممنا هذا الآية إلى آية الزمر {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] الإنسان عليه أن يحمد الله -جل وعلا- على العافية الذي لم يعين هذا الأمر عليه، فإذا تعين عليه يستعين بالله، لا يجوز له أن يترك بعد أن تعين عليه، ويحجم عن الفتوى، الذي يُسأل وعنده علم فيكتمه يلجم بلجام من نار يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، على كل حال المسألة تحتاج إلى مزيد عناية، ونرى الناس تتابعوا على هذا الأمر، وهم ليسوا بأكفاء، وكلام أهل العلم وسلف هذه الأمة وخيارها كثير في هذا الباب.
يقول: لا شك أنه إذا قال رجل من أهل الفضل: حدثني بذلك ثقة من الثقات فإنه قوله يقبل دون تردد؟
إذا قال: حدثني الثقة هذه مبحوثة عند أهل العلم، ولا يكتفون بهذا، بل لا بد أن يسمي من حدثه، عله أن يكون غير ثقة عند السامع، وهذا إبهام في التعديل.
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
لأنه قد يكون ثقة عند الناقل، لكن ليس بثقة عند السامع، يختلفون في توثيقه فلا بد من تسميته، نعم إذا قال: حدثني الثقة من الأئمة المتبوعين، فعلى من يقلده في الفروع أن يقلده في مثل هذا.
يقول: وقد قعد العلماء أن الراوي إذا قال: حدثني الثقة لا يقبل منه ولو كان من الأئمة الكبار، فكيف نجمع بين ما تعارف عليه الناس وبين هذه القاعدة، وخاصة أنه قد يفعل ذلك أئمة كبار كالإمام مالك وغيره من الأئمة؟(14/18)
الإمام مالك معروف أنه يتحرى في الرواية، ولا يروي إلا عن ثقة، لكن مع ذلك اغتر -رحمه الله-، اغتر بعبد الكريم بن أبي المخارق، روى عنه، وخرج عنه في موطئه، وهو ليس بثقة عند أهل العلم، ضعيف، لكنه غره بكثرة جلوسه في المسجد كما قال، فيغترون بالظاهر، هم بشر، قد يغترون بالظاهر، وقد يستروحون إلى أن فلاناً ثقة، وهو ليس كذلك، ولذا لا بد من النظر في الراوي من جميع الجوانب، من جميع ما قاله فيه العلماء، ليخرج بالقول الصحيح، وكل له هفوة، وكل له زلة.
يقول: هل إخراج مسلم للراوي في صحيحه مقروناً بغيره أو في الشواهد أو في المتابعات على شرط الصحيح أم لا؟
لا ليس على شرط الصحيح، إنما شرطه لمن يخرج له على سبيل الانفراد، معتمداً عليه في الأصول.
يقول: هل يجوز إذا اجتمع واجب موسع مع واجب مضيق، وقد شرع المكلف في الواجب الموسع فهل يجوز قطعه لفعل المضيق؟ مثال: الموسع فعل صلاة الظهر في أول وقتها، ومثال المضيق: نداء الوالدين مع العلم بأنهما شديدي الغضب؟
أما إذا شرع في الفريضة فلا يقطعها بحال، لكن إن شرع في نافلة مثلاً، وهناك أمر يفوت، صلى الظهر ثم شرع في الراتبة، فأحضرت جنازة مثلاً، هذا محل التردد عند أهل العلم، هل يقطع؟ لأنه جاء النهي عن إبطال العمل، والنهي عن إبطال العمل في القرآن، فمثل هذا هل يعارض به مثل هذا العمل الذي يفوت، والحصول على أجر الصلاة على الجنازة؟ لا شك أنه مما ينبغي للمسلم أن يعنى به ويهتم به، ولا يفوت مثل هذه، لكن إذا شرع فالمسألة مسألة مفاضلة بين هذا الأمر الذي يفوت، وبين ما شرع فيه، ومن يستروح إلى أن المتطوع أمير نفسه قال: يقطعها، ومن قال: إن هذا عمل صالح يدخل في عموم الآية، قال: يتمها ويخففها ويلحق على ما يدركه من الجنازة.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
يقول الإمام الحافظ عبد الغني المقدسي في كتابه: (عمدة الأحكام من كلام خير الأنام):
باب: التشهد(14/19)
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد كفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن، التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وفي لفظ: ((إذا قعد أحدكم للصلاة فليقل: التحيات لله)) وذكره، وفيه: ((فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض)) وفيه: ((فليتخير من المسألة ما شاء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: التشهد
والتشهد المقصود به الذكر المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الصلاة وفي وسطها، وأخذ هذا اللفظ من قوله فيه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ لأنها أعظم ما فيه، وهي الشهادة لله بالوحدانية، ويسمى الشيء باسم بعضه، وهذا مستفيض.(14/20)
يقول الحديث الأول: "عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد" النبي -عليه الصلاة والسلام- علم ابن مسعود التشهد، وعلم ابن عباس التشهد، وهناك تشهد عمر، وتشهد مروي على صيغ متعددة، عن جمع من الصحابة، واختلف الأئمة في اختيار أي هذه الصيغ؟ فالحنفية والحنابلة اختاروا تشهد ابن مسعود، وهو أصح حديث في التشهد، فهذا الحديث هو المتفق عليه من صيغ التشهد، حديث ابن عباس وتشهد ابن عباس في مسلم، واختاره الإمام الشافعي، واختار مالك تشهد عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وهو في الموطأ، وكلها صحيحة، واختلافها إنما هو اختلاف تنوع، لكن من أراد أن يرجح من حيث الثبوت، فأصحها حديث ابن مسعود المذكور هنا، وهو على شرط المؤلف من المتفق عليه؛ لأن المؤلف اشترط أن لا يذكر إلا ما اتفق عليه الشيخان، وقد يحتاج إلى جملة أو إلى شيء يبين ما اتفق عليه الشيخان من مفردات البخاري، أو مفردات مسلم، قد يحتاج إلى شيء من هذا فيخرج عن شرطه، ولذا اقتصر على تشهد ابن مسعود، ولذا قلنا أيضاً المذهب له دور في هذا الاختيار، لكن هو يوافق الشرط، في الأصل لو كان تشهد ابن عباس في الصحيحين أو تشهد عمر قلنا: اختار هذا لأنه مذهبه، لكن هذا شرطه، وغيرها لا ينطبق على شرطه.
قال: "علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نعود فنقول: هل الاختلاف اختلاف تنوع أو تضاد؟ هل نقول: إن هذا تنوع كما جاء في اختلاف صيغ دعاء الاستفتاح؟ فالمسلم مخير بين أن يقول هذا وهذا، يقول هذا أحياناً، ويقول هذا أحياناً، أو يختصر على واحد منها، أو يرجح كان الاختلاف اختلاف تضاد لا بد من الترجيح، لكن ألفاظها كلها مقبولة، ولا ينفي بعضها بعضاً، وهي محفوظة أيضاً ليست بشاذة ولا منكرة، هي محفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأقرب إلى أن الاختلاف بينها اختلاف تنوع، فعلى المسلم لاسيما طالب العلم أن يحفظ جميع ما ورد في الباب، وينوع، يأتي بهذا أحياناً، وهذا أحياناً، من الثابت من ذلك.(14/21)
يقول: "علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد كفي بين كفيه" وهذا من باب العناية بهذا الشأن، هذا أمر ينبغي أن يعنى به كل مسلم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- علمه ابن مسعود، واعتنى به، وحرص عليه، وابن مسعود ذكر ما حصل مما احتف بهذا التعليم، ليبين أنه ضبط هذا التشهد الذي علمه إياه النبي –
عليه الصلاة والسلام-، فما يذكر من قصة أو سبب ورود أو ما أشبه ذلك، ولو لم يتطلبها المقام، إنما يذكرها بعض الرواة لبيان أنه ضبط ما روى.
"كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن" اهتمام شديد بهذا الأمر، ولذا التشهد الأول واجب، تبطل الصلاة بتركه عمداً، ويجبر بسجود السهو كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث عبد الله بن بحينة، لما قام عن التشهد الأول جبره بسجود سهو، ومنهم من يقول: هو سنة، لكن لو كان سنة ما جبر بالسجود، ما احتيج إلى جبره بالسجود، والتشهد الثاني ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به، على خلاف بين أهل العلم في ذلك.(14/22)
"كما يعلمني السورة من القرآن، التحيات لله" التحيات جميع ما يلقى، وما تعارف عليه الناس من أنواع التحايا بمجموعها لله جل وعلا، بمجموعها بـ (أل) الجنسية مع الجمع، بهذه الصيغة خاص بالله -جل وعلا-؛ لأن الصيغة صيغة حصر: التحيات لله، يعني لا لغيره، إذا اجتمع الجمع مع (أل) الجنسية فلا يجوز أن تقول: التحيات لزيد، لكن إذا أفردت التحية لزيد، أو تحيتي لك، أما التحيات الموجودة على ألسنة الناس كلهم بمجموعهم خاصة بالله -جل وعلا-، كما جاء الحصر بالحمد، الحمد لله، يعني لا لغيره، فجميع أنواع التحايا التي لا محظور في لفظها، بمجموعها لله -جل وعلا- "والصلوات" المفروضات والنوافل لله -جل وعلا-، لا يجوز صرف شيء منها لغيره "والطيبات" من الأقوال والأعمال كلها لله "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" السلام عليك بكاف الخطاب، وهذا اللفظ مما تعبد به، ولذا يقال في حال الغيبة في حياته وبعد مماته، وجاء في البخاري ما يدل على تغيير الضمير بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، لكن المعتمد عند أهل العلم أن الضمير يبقى خطاب كما علمه ابن مسعود؛ لأن هذا من الألفاظ المتعبد بها، جاء عن بعض الصحابة: إننا كنا نقول: السلام عليك أيها النبي، ثم قلنا: السلام على النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام اسم من أسماء الله -جل وعلا-، وهو دعاء بالسلامة، وهو تحية المؤمنين، تحية المسلمين، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وجاء ما يدل على فضل إلقاء السلام خارج الصلاة من النصوص الشيء الكثير، وأن أكمله ما كان بهذه الصيغة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لكن السلام عليكم تجزئ خارج الصلاة، وفيها عشر حسنات، ورحمة الله عشر، وبركاته عشر أيضاً، فمن ألقى السلام بهذه الصيغة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته -يعني خارج الصلاة- استحق ثلاثين حسنة، وهي سبيل الألفة والمودة بين المسلمين، فمن حق المسلم على المسلم أنه إذا لقيه يسلم عليه، ويخير خارج الصلاة بالنسبة للسلام على الأحياء أن يقرنه بـ (أل) وأن ينكره.(14/23)
السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويجبره ... بالسلام خارج الصلاة {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] وجاء ما يدل على الاكتفاء بمرحباً دون رد للسلام، في نصوص منها حديث أم هانئ لما جاءت والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغتسل، قالت: السلام عليك يا رسول الله، قال: ((من؟ )) قالت: أم هانئ، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((مرحباً بأم هانئ)) ولم يحفظ أنه رد السلام، من أهل العلم من يقول: إن هذه تكفي، ثبتت في الصحيح وتكفي، ومنهم من يقول: رد السلام -عليه الصلاة والسلام- ولم ينقل؛ لعدم الحاجة إلى نقله؛ لأنه ثبت رد السلام بنصوص كثيرة، فلا بد من رد السلام، وإذا زيد عليه بعض الألفاظ، مثل مرحباً زيادة خير، وقال -عليه الصلاة والسلام- لما سلمت فاطمة، قال: ((مرحباً بابنتي)) إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على أن مرحباً كلمة مأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فينبغي أن تتداول بين المسلمين، ويكتفى بها عن التحايا الوافدة من غير المسلمين.
"السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" يعني اسم السلام، اسم الله -جل وعلا- علينا، وإذا حل هذا الاسم حلت البركات، وحلت الخيرات، أو هو دعاء بالسلامة من جميع الآفات "علينا وعلى عباد الله الصالحين" وفي الحديث: ((فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض)) سلمتم سألتم الله -جل وعلا- لهم السلامة، فإذا سلمت على جميع هؤلاء الصالحين وهذه دعوة في ظهر الغيب لأخيك الصالح، والملك يدعو لك بمثل هذا، فعليك أن تحرص على مثل هذا، وبالمقابل على المسلم أن يسعى في إصلاح نفسه ليكون من عباد الله الصالحين، ليناله هذا الدعاء من جميع المصلين، لكن غير الصالح محروم من مثل هذا، حرم نفسه من مثل هذا، فعلى المسلم أن يتصف بهذا الوصف ليدخل في جميع دعاء المصلين.
"أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" هذه كلمة الإسلام التي لا يدخل المسلم إلا بها، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)).(14/24)
"وأن محمداً عبده ورسوله" هذا في الصلاة في أشرف المواقف، ويذكر بالعبودية والرسالة، وتحقيق العبودية التي من أجلها خلق الإنس والجن، هذه هم المسلم الحقيقي، تحقيق هذه العبودية، الهدف الشرعي من إيجاد الجن والإنس {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] فنودي النبي، وذكر بهذا الاسم، أو بهذا الوصف في أشرف المقامات.
"وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" شهادة له بالعبودية، تتضمن هذه الشهادة عدم إطرائه، وعدم الغلو فيه، وشهادة له بالرسالة التي شرفه الله -جل وعلا- بها "وفي لفظ: ((إذا قعد أحدكم للصلاة فليقل: التحيات لله)) وذكره، وفيه: ((فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض)) وفيه: ((فليتخير من المسألة ما شاء)) " متى يتخير من المسألة ما شاء؟ يعني إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله يتخير من المسألة ما شاء؟ أو في نهاية .. ، قبل السلام يتخير من المسألة ما شاء؟ كما جاء ما يدل عليه في بعض الروايات، وهو موطن الدعاء، آخر الصلاة، الذي فيه الاستعاذة بالله من أربع، وفيه ما طلبه أبو بكر على ما سيأتي من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه التخير من المسألة ما شاء، يتخير من المسألة ما شاء في آخر صلاته، وأيضاً من مواضع الدعاء السجود، يتخير أيضاً من المسألة ما شاء.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا رأيه، وهذا اجتهاده، والحديث محتمل، وقوله: ((ليتخير من المسألة ما شاء)) يعني من أمور الدين والدنيا، من أمور دينه ودنياه، خلافاً لمن قال: إن أمور الدنيا لا تطلب في الصلاة.
سم.
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة -رضي الله عنه- فقال: ألا أهدي لكم هدية؟ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).(14/25)
في هذا الحديث يذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "لقيني كعب بن عجرة" الصحابي الشهير المعروف "فقال: "ألا أهدي لكم هدية؟ "، "لقيني كعب بن عجرة، فقال: ألا أهدي لكم هدية؟ " فلعله لقيه مع غيره، ولذا جمع الضمير، وما ينفع في الآخرة، وما يعين على قيام ديانة الإنسان أعظم ما يهدى للمسلم "ألا أهدي لكم هدية؟ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله" معشر الصحابة، جاء الأمر بالصلاة والسلام عليه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] هذا أمر لا بد من امتثاله، وعلمهم النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف يسلمون عليه، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، لكن كيف نصلي عليك وقد أمرنا بذلك؟ فعلمهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)) والجمع بين إبراهيم وآله ثابت، وبعض الرواة يقتصر على إبراهيم، وبعضهم يقتصر على الآل، لكن الجمع بينها ثابت في الصحيح، على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، هذه الصيغة التي يسميها أهل العلم الصلاة الإبراهيمية، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أمروا بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في آية الأحزاب، فبين لهم الصيغة التي يتم بها امتثال الأمر في آية الأحزاب، لكن هل هذه الصيغة لازمة في الصلاة وخارج الصلاة بحيث لا يتم الامتثال إلا بها؟ يعني إذا سمعنا من يقرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] قلنا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، والسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، يعني نجمع بينهما ليتم امتثال الأمر في الآية، أو هذا خاص في هذا الموضع؟ وفرد من أفراد المأمور به في آية الأحزاب؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يفسر العام ببعض أفراده للاهتمام بشأن هذا الفرد، والعناية به، فسر الظلم بالشرك، لكن هل(14/26)
معنى هذا أن الذي يظلم نفسه ويظلم غيره بما دون الشرك يحصل له الأمن التام يوم القيامة، أو نقول: فسره بالشرك للاهتمام بشأن الشرك والعناية به؟ نعم، فسر القوة بالرمي: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] ((ألا إن القوة الرمي)) يعني ما في قوة إلا الرمي؟ أو نقول: فسر العام ببعض أفراده للاهتمام بشأن هذا المفرد والعناية به؟ لكن لو قلت: صلى الله عليه وسلم يتم امتثالك أو ما يتم؟ يتم، الأمة كلها على هذا قاطبة، إذا قلت: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام تم امتثالك للأمر في آية الأحزاب، إذا قلت هذا، وأهل العلم حملوه على الصلاة، وأدخلوه في كتاب الصلاة، وخارج الصلاة يتم امتثال الأمر بالمأمور به، وهو الصلاة والسلام، ولذا ينص بعض العلماء على أن من يفرد الصلاة دون السلام يقولون: مكروه، النووي قال: إفراد الصلاة دون السلام مكروه، واستدرك بهذا على مسلم في مقدمة صحيحه، والعكس لو أفرد السلام دون الصلاة مثله؛ لأنه لا يتم الامتثال إلا بالجمع بينهما، وابن حجر خص الكراهة بمن كان هذا ديدنه، يعني عمره كله يصلي ولا يسلم، أو العكس، هذا ما امتثل، لم يمتثل الأمر حتى يجمع بينهما، لكن ماذا عن الصلاة على الآل خارج الصلاة؟ من أهل العلم المتأخرين، ولا أعرف أحدهم من المتقدمين قاله، من أتهم العلماء قاطبة بأنهم تركوا الصلاة على الآل ممالأة للحكام، نقول: أبد ما عرف عن الأئمة كلهم، كتبهم بين أيدينا أنهم يصلون على غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، كتب السنة قاطبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يأتي من يقول في القرون المتأخرة أنهم تركوا الصلاة على الآل ممالأة للحكام، ومداراة لهم، طيب الكتب متى صنفت؟ صنفت في دولة بني العباس، وهم من الآل، كيف يمالئون بني العباس وهم من الآل ويحذفون الآل؟ لا يمكن، يعني قال بهذا الصنعاني، وقال بهذا صديق وغيره، نشروا إفراد الآل بالصلاة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأهملوا الصحب؛ لأنهم نشئوا في بيئات فيها شوب تشيع، فأثرت عليهم، فاتهموا خيار الأمة بأنهم تركوا الصلاة على الآل ممالأة للحكام، نقول: امتثال الأمر في الآية يتم بقولك -صلى الله(14/27)
عليه وسلم-، لكن إذا عطفت الآل وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهم علينا حق، هذا خير، لكن امتثال الأمر بالآية إنما يتم بقولك: "صلى الله عليه وسلم" لكن إذا اتبعت الآل له -عليه الصلاة والسلام-، وأعني بهذا خارج الصلاة، فلتتبع الصحب، يعني إذا كان للآل علينا حق؛ لأنهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن أي طريق وصلنا الدين ووصلنا الخير؟ إلا عن طريق الصحب، وإذا استشعرنا أن إفراد الآل شعار لبعض المبتدعة، وإفراد الصحب شعار لقوم آخرين من المبتدعة، قلنا: الجمع بينهما هو الأصل، وعقيدة أهل السنة تولي الطرفين، وأقول هذا خارج الصلاة، وأما الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- لا بد من هذه الصيغة داخل الصلاة؛ لأنها توقيفية، تعبدية، وهي تفسير للنص العام ببعض أفراده، وتفسير العام ببعض أفراده لا يقتضي التخصيص على ما مثلنا ونظرنا، وشاع بين الناس، الآن تسمعون كثير "صلى الله عليه وآله وسلم" والذي أشاعه. . . . . . . . . ما في شك إمام من أئمة المسلمين، ما أحد بيستدرك عليه، لكن كل له فهمه، فإذا صلينا على الآل نصلي على الصحب، هؤلاء لهم حق، وهؤلاء لهم حق، فهؤلاء هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهؤلاء لهم حق على الأمة، ما وصل الدين إلا بسببهم، ما انتشر الإسلام إلا بواسطتهم، وقد يقول قائل: إن الآل يدخل فيهم الصحب؛ لأن المراد بالآل هم الأتباع على الدين، نعم صحيح هذا قيل به، لكن إذا قلنا: إن الآل كما جاء في بعض الروايات: ((اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته)) وخير ما يفسر به النص في موضعه ما جاء في رواية أخرى، فيكون خاصاً، فإذا اقتصرنا على الآل، والمراد بذلك جميع الأتباع على الدين، وهذا قول لبعض أهل العلم، وإن كان المرجح عند الشافعية وعند الحنابلة أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، والخلاف في المسألة طويل جداً، لكن هذا تنبيه هذه مناسبته، تفسير الصلاة المطلوبة المأمور بها بهذا اللفظ تفسير للعام ببعض أفراده لا يقتضي التخصيص، وكون بعض الناس يتهم خيار الأمة بأنهم حذفوا الصلاة على الآل؛ لأنك لما تحاجهم تقول: أعطنا كتاب يخصص الآل في السلام، ما تجد، لا بخاري، ولا مسلم، ولا غيره من كتب السنة،(14/28)
مستفيض عن أهل العلم هذا، أما كون الأمة كلها مالأت الحكام، وحذفوا الصلاة على الآل، هذا كلام لا يقوله أحد، وإن قال به من قال من المتأخرين، هذا اتهام لخيار الأمة.
"فقال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)) " والخلاف في الآل طويل استوفاه ابن القيم -رحمه الله تعالى- في جلاء الأفهام.(14/29)
((كما صليت على آل إبراهيم)) وثبت ((كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) وثبت أيضاً في الموضع الثاني: ((كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) وثبت الاقتصار على إبراهيم، وثبت الاقتصار على الآل، وكله ثابت، لكن الذي يظهر الجمع بينهما، ومن اقتصر على إبراهيم فقد أحال على من روى، ومن اقتصر على الآل فقد قصر في الرواية، على كل حال الزيادات في الألفاظ وفي المتون التي يحفظها بعض الرواة دون البعض، هذه موجودة في السنة، الزيادات مقبولة عند أهل العلم من الثقات، إذا صحت أسانيدها. ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) الأصل أن المشبه دون المشبه به، نحن نطلب صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو أشرف الخلق وأكمل الخلق، كما صلى الله -جل وعلا- على خليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-، الذي هو أفضل الخلق بعد نبينا -عليه الصلاة والسلام-، وأول من يكسى يوم القيامة، وفضائله لا تحصر، لكن أيهما أفضل محمد أو إبراهيم عليهما الصلاة والسلام؟ محمد أفضل إجماعاً، فكيف نطلب لمحمد صلاة مثل الصلاة على إبراهيم؟! لأن هذا يوحي بأنه دونه في هذا الباب، وليس الأمر كذلك، فأهل العلم ذكروا كلام كثير، منهم من قال: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وفيهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني نريد قدر زائد على ما صليت به على محمد -عليه الصلاة والسلام- الداخل ضمن آل إبراهيم، ومنهم من يقول -وهو قريب من هذا لكنه- يقول: الثابت لمحمد -عليه الصلاة والسلام- عند الله -جل وعلا- قبل دعائنا، قبل أن ندعو له، الثابت له من الصلاة أفضل مما لإبراهيم وآل إبراهيم، لكن أمرنا أن نطلب له المزيد على ما ثبت له من الصلوات، كما ثبت لإبراهيم وآل إبراهيم، وقل مثل هذا في: ((وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد)) حميد مجيد من أسماء الله -جل وعلا-، فعيل صيغة مبالغة، معدولة عن فاعل أو مفعول، عن حامد أو محمود، ومثله مجيد، نعم.(14/30)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو في صلاته: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال)) وفي لفظ لمسلم: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم)) ثم ذكر نحوه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو في صلاته: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر)) " عذاب القبر ثابت بالنص القطعي، وهو مجمع عليه عند من يعتد بقوله من أهل العلم، وخالف في هذا بعض الطوائف كالمعتزلة، لم يثبتوا عذاب القبر، لكنه ثابت بالنص القطعي المتواتر تواتراً معنوياً، فالناس يعذبون في قبورهم بقدر معاصيهم، وأكثر ما يكون عذاب القبر مما نص عليه على المشي بالنميمة، وعدم الاستنزاه من البول، أكثر ما يكون من هذا، كما يقول أهل العلم ((ومن عذاب النار)) التي توعد بها الكفار والعصاة، فعلى المسلم أن يستعيذ بالله من عذاب النار؛ لأنه لا قدرة له عليها، سُمع شخص يقول: اللهم أعنا على عذاب النار، ما أنت بحاجة، يقول: اللهم أعنا على عذاب النار، هذا جائز. . . . . . . . .، لكن سبحان الله العظيم، لما أنكر عليه قال: أنا أسمعكم تقولون، هم يقولون: اللهم أعذنا من عذاب النار، جهل، لكن يبقى أن مثل هذا، بعض الناس لارتكابه بعض المحرمات والجرائم يقنط من رحمة الله، ومن عفو الله، ومن كرم الله، أنت تحت رحمة أرحم الراحمين، ما أنت برحمة فلان أو علان، سل ربك أن يعفو عنك، وأن يستر زلاتك، ويغفر ذنوبك.(14/31)
((ومن فتنة المحيا والممات)) فتنة المحيا الإنسان يفتن في حياته، يشعر أحياناً أو لا يشعر، والفتن وقد بدت بوادرها تكثر في آخر الزمان، وأمرنا بالمبادرة بالأعمال خشية هذه الفتن، وقد وجد بعضها، وجد من يتكلم بكلام يخشى عليه من الزيغ بعد أن كان ممن يوجه الناس، ويتأثر الناس بكلامه، ممن يسمى في بعض اصطلاحات الناس من رؤوس الصحوة، وما أشبه ذلك من هذا الكلام، والآن يكتبون في الصحف، ويعلقون ويحللون تحليلات أشبه ما تكون أبعد الناس من الكتاب والسنة، مجرد اعتماد على أخبار من وسائل إعلام وتحاليل، طيب وين نصوص الكتاب والسنة؟ والعصمة بالكتاب والسنة، والمخرج من الفتن بالاهتمام بالكتاب والسنة ((ومن فتنة المحيا)) كثير من الناس يمسخ قلبه ولا يشعر، نسأل الله السلامة والعافية، ممسوخ القلب، وهو لا يشعر، وتستغرب أن يصدر بعض الكلام من بعض الناس فتجده بكل ارتياح يقوله، ولذا جاء في الحديث: ((يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً)) المسألة خطيرة، وإذا مسخ القلب فحدث ولا حرج، ما في فائدة، وأهل العلم يقررون أن مسخ القلب أعظم من مسخ البدن، مسخ البدن عقوبة، ويرجى أن تكون كفارة لما حصل من صاحبها، لكن مسخ القلب، خلاص ينتهي إذا ختم عليه، فذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- بعض الآثار التي تدل على كثرة الخسف والمسخ في هذه الأمة في آخر الزمان، وذكر مما ذكر أن الاثنين يمشيان في المعصية فيمسخ أحدهما خنزيراً، طيب الثاني إيش يصير عليه؟ يقول: الحمد لله على السلامة ويرجع، يستمر في معصيته، نسأل الله العافية، فأمرنا بالاستعاذة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، من فتنة المحيا حال الحياة، ومن فتنة الممات التي تكون في القبر ((إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة المسيح الدجال)) ومنهم من يقول: إن فتنة الممات ما يحصل للمحتضر عند موته، قد يفتن، وقد يصرف عن دينه في آخر لحظة، فليتعوذ المسلم من هذه الفتن، ومن فتنة المسيح الدجال الأعور الكذاب الذي يخرج في آخر الزمان، يدعي الإلوهية، ويتبعه أناس لما يقع على يديه من خوارق، فيتبعه بعض الناس، والمحفوظ من حفظه الله -جل وعلا-، فأمرنا أن نستعيذ من هذه الفتن في كل صلاة، في لفظ مسلم: ((إذا(14/32)
تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع)) اللام لام الأمر، وجمهور أهل العلم على الاستعاذة بالله من أربع سنة مستحبة، ليست بواجبة، ومنهم من أوجبها وهو الأصل؛ لأن اللام لام الأمر، وأمر طاووس ابنه عبد الله أن يعيد الصلاة لما ترك الاستعاذة من أربع، كما جاء في صحيح مسلم، أمره أن يعيد الصلاة، لكن حتى على القول بوجوبها؛ لأن اللام لام الأمر تكون من واجبات الصلاة، تجبر بالسجود، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عامة أهل العلم على أنه إذا تشهد، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، حديث ابن مسعود، الذي يستدل به الحنفية على عدم وجوب السلام، نعم.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فأغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)).(14/33)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي" يطلب من النبي أن يخبره بما ينبغي أن يختاره لنفسه من الدعاء؛ لأنه أمر بأن يتخير من المسألة ما شاء، فكونه يعتمد على ما يختاره له المعصوم أفضل مما يختاره لنفسه -رضي الله عنه وأرضاه-، فطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، وأداه إلى غيره، فرواه عنه عبد الله بن عمرو بن العاص؛ وتناقلته الأمة؛ لأن مثل هذا مما ينبغي أن يشاع، ولذا من تمام النصيحة لطالب العلم أنه إذا ضفر بفائدة يخبر بها أقرانه وزملاءه ومن يحتاجه، ما قال: علمني دعاء أدعو به في الصلاة، قال: فرصة هذه خاصة لي من دون الناس، ما الذي يميزني وأنا أفضل الأمة؟ أدع هذا يميزني عن الناس، لا، مثل هذا لا يمر بخواطرهم، ولا يجول في أفكارهم وأذهانهم "قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) " هذا الصديق أفضل الأمة بعد نبيه ظلم نفسه ظلماً كثيراً، الذين يتقلبون في المظالم ليل نهار، بل بعدد الأنفاس، تجد الواحد عند نفسه شيء، ولا شك أن الناس يتفاوتون في هذا الباب، يعني بين الذي يتعبد سبعين سنة ولا يسأل الله الجنة، يقول: يكفني أن ينجيني من النار، وبين من يجلس يتقدم إلى الصلاة ربع ساعة، أو نصف ساعة، أو يجلس بعد الصلاة ربع ساعة يقرأ القرآن، فإذا حُرك الباب انتظر التسليم {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] فهذا أبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها يقول له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) هذا يدعو الإنسان إلى أن يعرف حقيقة نفسه، ولا يعجب بعمله، إذا كان هذا خير الأمة ظلم نفسه ظلماً كثيراً، فكيف بمن دونه؟!(14/34)
((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) ما في أحد يغفر، لا نبي مرسل، ولا ملك مقرب، ولا ولي، ولا عالم، ولا أحد أبد يملك هذا، هذا خاص بالله -جل وعلا- ((ولا يفغر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك)) لا من عند غيرك ((وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) هذه الجملة تعقيبية لما تقدم مناسبة جداً للمغفرة والرحمة، لكن هل يلزم في الدعاء أن يكون التعقيب والتوسل من الأسماء الحسنى بما يناسب الدعاء أو لا يلزم؟ يعني لو تقول: اللهم أغفر لي إنك أنت العزيز الحكيم، يعني جاء في أكثر من آية: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(118) سورة المائدة]. . . . . . . . . في التوبة، في آية الممتحنة التي آخر الصفحة من اليمين {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(5) سورة الممتحنة] المهم أنه في مجموع آيات، فبعضهم يطلق، ويغفل عن مثل هذه النصوص، أنه ينتقى من الأسماء الحسنى ما يناسب الدعاء، بعضهم يجيب عن هذه الآيات، لكن في الآيات ما يدل على جواز ذلك، والأسماء الحسنى كلها مما يتوسل به، وتعقيب هذه الدعوة التي علمها النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا بكر بهذين الأسمين مناسب جداً، لكن لا يعني أنه لا يجوز بغيرهما، هو من أسمائه الحسنى، ليس من الاعتداء، لكن ينبغي أيضاً مراعاة الحال، أنه في حال ذل وانكسار وخضوع بين يدي الله -جل وعلا-، فلو اختار غير هذا الاسم لكان أولى، نعم.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة بعد أن أنزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح، إلا يقول فيها: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم أغفر)) وفي لفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم أغفر)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(14/35)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح" لأن فيها الأمر بالتسبيح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يمتثل الأمر، أمتثله بالفعل، وكرره، وجاء في خبر عائشة أنه يتأول القرآن بقوله وفعله "بعد أن نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها: ((سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم أغفر لي)) " {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [(3) سورة النصر] ((سبحانك اللهم وبحمدك)) امتثال لهذا الأمر "وفي لفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده" هذا تسبيح وتنزيه وتحميد وطلب للمغفرة، وطلب المغفرة دعاء، فهل يخالف هذا ما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم))؟ هنا يقول في ركوعه: ((اللهم أغفر لي)) هذا يخالف وإلا ما يخالف؟ نعم، لكن المسألة مسألة غالب، مثل هذا الشيء اليسير بدليل طلب الكثرة في السجود، طلب الكثرة في السجود يدل على أن القلة في الركوع لا تنافي التعظيم، من باب المقابلة، أما كذا وأما كذا ((أما السجود فأكثروا فيه)) إذاً الركوع نعظم فيه الرب، لكن هل يمنع أن ندعو بدعاء ليس بكثير؟ لئلا نشبه الركوع بالسجود؟ لا يمنع، ودليله هذا الحديث، بدليل هذا الحديث، أن الشيء اليسير لا ينافي التعظيم، ولو قال قائل مثلاً: إن الدعاء من التعظيم، ما دعوت الله حتى عظمته، نقول: مقابلة الدعاء بالتعظيم يدل على أنه تعظيم بغير الدعاء، لكن الدعاء اليسير لا ينافي التعظيم، إذا خص العام ضعفت دلالته، فدخله هذا التخصيص.
أقول: نكتفي بهذا اليوم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.(14/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (11)
باب: الوتر - باب: الذكر عقب الصلاة - باب: الجمع بين الصلاتين في السفر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أغفر لنا ولشيخنا ولجميع المسلمين.
يقول المؤلف -رحمه الله- في كتابه (عمدة الأحكام):
باب: الوتر
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر ما ترى في صلاة الليل؟ قال: ((مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى)) وأنه كان يقول: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)).
كمل اقرأ الحديثين.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل بثلاثة عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوتر(15/1)
الوتر الفرد يقابله الشفع، فالأفراد تسمى أوتار، والأشفاع الأزواج تسمى شفع، فالوتر وهو الصلاة في الليل، التي هي آخر صلاة الليل، يكون بواحدة، ويكون بثلاث، ويكون بخمس، ويكون بسبع، ويكون بتسع، ويكون بإحدى عشرة وثلاثة عشرة، والواحدة ثبتت عن بعض الصحابة، أنه أوتر بواحدة، وقال بها جمع من أهل العلم، منهم من يرى أن أقل الوتر الثلاث، كما جاء في حديث عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث" والخمس الوتر فيه كما في الحديث الذي يأتي حديث الباب، ليوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرها، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بسبع لم يجلس إلا في آخرها، أوتر بتسع لم يجلس إلا بعد الثامنة، ثم جلس مع التاسعة وسلم، والوتر بإحدى عشرة أكثر من التسع.
((صلاة الليل مثنى مثنى)) إذا أراد أن يصلي أكثر من تسع، فصلاة الليل مثنى مثنى، على ما سيأتي، والوتر من آكد السنن عند جمهور العلماء، وجاء الأمر به: ((أوتروا أهل القرآن)) وغير ذلك مما يستدل به الحنفية بوجوبه، قالوا بوجوبه، وعلى كل حال هو من آكد السنن، واظب عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- سفراً وحضراً، ومن اعتاد ترك الوتر كما يقول الإمام أحمد رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته، فالوتر من آكد السنن، لا يليق بالمسلم تركه، ومن باب أولى طالب العلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر، ما ترى في صلاة الليل؟ " سأل رجل النبي -عليه الصلاة والسلام-، المبهم هذا قال بعضهم: إنه ابن عمر -رضي الله عنه-، وهذا من حرصه، وهو معروف بالحرص على الخير، ومنهم من يقول: هو أعرابي، وجاء في بعض الروايات: سأل أعرابي الرسول -عليه الصلاة والسلام- ... إلى آخره، وتعيين المبهم هنا يترتب عليه شيء وإلا ما يترتب عليه شيء؟
"وهو على المنبر، ما ترى في صلاة الليل؟ قال: ((مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة، فأوترت له ما صلى)) " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(15/2)
يخطب سواء كان في جمعة أو غيرها، يجوز لأنه -عليه الصلاة والسلام- يستغل الأوقات والظروف والمناسبات، وإذا وجد ما يناسب الخطبة خطب -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
نعم يوقف الخطيب، الكلام مع الخطيب ومن الخطيب جائز، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((هل صليت ركعتين؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصل)) يجوز للإمام. . . . . . . . . مع الإمام.
((ما ترى في صلاة الليل؟ )) يعني في عددها؟ في كيفيتها؟ في فضلها؟ السؤال محتمل، لكن الجواب قال: ((مثنى مثنى)) فدل على أن الصلاة المطلقة من الليل مثنى مثنى، لا يجوز الزيادة على ركعتين، ويقرر أهل العلم أنه لو قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في فجر، يلزمه الرجوع إن لم يرجع بطلت صلاته.
((صلاة الليل مثنى مثنى)) وهذا مطلق، يعني له أن يصلي من الليل ما شاء، ويستدل بالإطلاق هذا من لا يرى التحديد، بالعدد الذي ذكرته عائشة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يزيد لا في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، الإطلاق هنا يدل على أن لا حد لصلاة الليل، فلو صلى مائة ركعة، يشهد له هذا الحديث على أن يصلي مثنى مثنى، وحديث أيضاً: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يدل على هذا، وهو المرجح أن صلاة الليل لا حد لها، أما عائشة -رضي الله عنها-، وما ذكرته هو على حد علمها، وهذا اجتهادها، على أنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- ما يدل على الزيادة، ثلاثة عشرة ثابتة كما سيأتي في الصحيحين، خمسة عشرة موجودة في المسند وغيره، فدل على أن هناك زيادة، هذا على حد علم عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-، أو أنه لا يوتر بأكثر من إحدى عشرة، أما الصلاة المطلقة فيصلي ما شاء.(15/3)
((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة)) نعم هذا دليل من يقول بأنه يوتر بواحدة، وأن ما قبلها من الأشفاع لا علاقة له بالوتر، صلاة مطلقة تهجد ((صلى واحدة فأوترت له ما صلى)) يعني ليست بدليل صريح على أن الواحدة تكفي، نقول: هذا ليس بدليل صريح، يقول: ((صلى واحدة فأوترت له ما صلى)) جعلت كل ما تقدم وتر، عند من يقول بأن الواحدة لا تكفي، وهي ثابتة عن بعض الصحابة، وأنه كان يقول: ((اجعلوا أخر صلاتكم بالليل وتراً)) هذا الأفضل، وإلا فقد أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض الصحابة أن يوتر قبل أن ينام، كان أبو بكر -رضي الله عنه- يوتر قبل أن ينام، والأمر هنا: ((اجعلوا أخر صلاتكم بالليل وتراً)) أمر إرشاد، هو الأفضل لمن غلب على ظنه أنه يقوم من آخر الليل، الذي يغلب على ظنه أنه لا يقوم آخر الليل فيوتر قبل أن ينام.
((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) هذا امتثل وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلى العشاء، وأوتر ونام، ثم تيسير له القيام فقام، والأمر هنا: ((اجعلوا أخر صلاتكم بالليل وتراً)) يفهم منه أن لا تصلوا بعد الوتر، من صلى بعد الوتر ما امتثل هذا الأمر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا لو عارضت منطوق، أما إذا لم تعارض منطوق فهي معتبرة.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: عارضت فعله -صلى الله عليه وسلم-.
((لا وتران في ليلة)).
وجاء: ((لا وتران في ليلة))(15/4)
هاه وش غيره في الباب؟ لأن أهل العلم يصورون في هذا أنه لا بد من ارتكاب مخالفة ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل)) يعني من أوله إلى أخره، أجعلوا الوتر آخر شيء، منهم من يقول: لا يصلي بعدها، ومنهم من يقول: يصلي ركعة إذا قام من الليل تشفع له وتره، الركعة الواحدة توتر له ما قد صلى، والركعة الواحدة تشفع له ما قد أوتر، ظاهر؟ هذا قال به جمع من أهل العلم، وهو مخالف لحديث: ((لا وتران في ليلة)) مع أنه سوف يوتر على هذا الكلام ثلاث مرات، الآن إذا نقض الوتر أوتر من أول الليل قبل أن ينام، ثم استيقظ من آخر الليل فصلى ركعة، وهذا مأثور عن ابن عمر، ويقول به جمع من أهل العلم، تشفع له ما قد صلى؛ لأن الركعة التي توتر له ما قد صلى، الركعة هذه تشفع له ما قد صلى، موجود فاصل، لكن ...
طالب: تشرع يا شيخ عبادة بركعة واحدة خلاف الوتر؟ هل يتعبد بركعة واحدة خلاف الوتر؟
أنتم الآن ظنيتم أني انتهيت من المسألة؟ الآن هذه الركعة التي صلاها منفردة، وصلى في أول الليل ركعة، وسيصلي في آخر الليل ركعة، في آخر صلاته، يصير أوتر كم مرة؟ ثلاث مرات، فوقع في مخالفة الحديث ((لا وتران في ليلة)) منهم من يقول: يوتر أول الليل إذا غلب على ظنه أنه لا يقوم، وإذا قام يصلي من الليل يصلي مثنى مثنى حتى يطلع الفجر، وخلاص الوتر وقع وانتهى، ويكون الأمر ((اجعلوا أخر صلاتكم)) هذا أمر إرشاد، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر، فدل على أن هذا هو الأولى، الأولى أن يكون الوتر في آخر الصلاة، لكن إذا وقع لا يمنع من إيجاد صلاة بعد الوتر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر، وهذا الأولى أن لا ينقض الوتر؛ لأن نقض الوتر يوقع في مخالفة الحديث: ((لا وتران في ليلة)) فلا ينقض، ولا تترك الصلاة من أجل أنه أوتر، ولا صلاة بعد الوتر، لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر، إذاً يصلي بعد الوتر ما تيسير له.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
.... مثنى مثنى.
طالب:. . . . . . . . .(15/5)
أي نعم هي لبيان الجواز، الأفضل أن يكون آخر الليل الوتر، آخر صلاة الليل الوتر، وفعله -عليه الصلاة والسلام- .. ؛ لأن هذا أمر، فإذا خالف الأمر هذا فعله -عليه الصلاة والسلام- دل على أنه صارف من الوجوب إلى الاستحباب.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ بالنسبة لـ ((لا وتران في ليلة)) ممكن ما يحمل على الحقيقة الشرعية، وإنما يحمل على عدم وجود وتران؛ لأن الله -عز وجل- وتر، فالذي يوتر مرتين ما تحقق في حقه الوتر؟
إيه هذا يؤيد ما قلناه، هذا ما يعترض مع ما قلناه، ولا يعترض مع مفهوم حديث: ((لا وتران)) يعني ما هو يعارض ((لا وتران في ليلة)).
طالب: أنا أقصد يا شيخ أحسن الله إليك إذا نقض الوتر الآن بركعة ما يكون قد وقع في النهي الآن.
طالب:. . . . . . . . .
وراه؟
بيصير أوتر ثلاث مرات الآن.
طالب: لأننا ما نحمل على الحقيقية الشرعية .... لا وتران في ليلة، اعتبره خبر يا شيخ؛ لأن ما هناك وجود وتران في ليلة، ما يمكن يقع وتران في ليلة، لا بد أن تكون واحدة، يعني الذي يوتر مرتين ما عليه شيء.
هو خبر، لكنه يراد به النهي؛ لأن الخبر يأتي ويراد به النهي، يأتي النهي على صيغة الخبر، كما أنه يأتي الأمر على صيغة الخبر، ويكون حينئذٍ أبلغ {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} [(233) سورة البقرة] {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [(228) سورة البقرة] هذه أخبار، لكن هل يراد أنه مجرد خبر، أو المراد الحكم المترتب على هذا الخبر؟ لا لا هذه أخبار يراد منها الأوامر.(15/6)
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من أول الليل، وأوسطه، وأخره" أوتر من أول الليل، وأوتر من أوسط الليل، وأوسط من آخره، فانتهى وتره إلى السحر، يدل على أن نهاية وقت الوتر السحر، بداية وقت الوتر بعد صلاة العشاء، ونهايته السحر، فإذا طلع الصبح فلا وتر، وفي الحديث: ((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة)) "وانتهى وتره إلى السحر" هذا دليل على أن الوتر وقته ينتهي بطلوع الفجر، خلافاً لمن يقول: إنه يقضى بعد طلوع الفجر، نعم فعله بعض الصحابة، قضوا الوتر بعد طلوع الفجر، لكن في هذين الحديثين دلالة صريحة على أنه بعد طلوع الصبح لا وتر، انتهى وقته، لكن هل يقضى بعد ذلك؟ يعني بعد ارتفاع الشمس؟ نعم يقضى، ولا يقضى على وقته؛ لأن الوتر في الليل وليس في النهار، من صلاة الليل وليس من صلاة النهار، صلاة النهار وترها المغرب، كما أنه لا وتران في ليلة لا وتران في يوم، صلاة المغرب هي وتر النهار، كما جاء في الحديث "وإلا المغرب فإنها وتر النهار".
طالب: وقت الوتر يبدأ من العشاء حتى لو جمعت الصلاتين؟
ولو جمعت، ما دام من صلاتها، من صلاة العشاء، ما قيل: من وقت العشاء، معلق بالصلاة.(15/7)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاثة عشرة ركعة" طيب يا أم المؤمنين أين قولك: ما زاد رسول الله؟ ما كان يزيد على إحدى عشرة؟ نعم؟ ما كان يزيد، وهنا تقول: ثلاثة عشرة، اختلفوا في الركعتين، في توجيه هذه الزيادة زيادة الركعتين للجمع بين الأحاديث، فمنهم من قال: الركعتان هما راتبة العشاء، ومنهم من قال: الركعتان بعد الوتر، المقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبتت عنه الزيادة، وحديث الخمسة عشرة أيضاً موجود، فدل على أن قولها -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- على حسب فهمها، فالزيادة مطلوبة وليست ببدعة، والإكثار من التعبد سنة ((صلاة الليل مثنى)) ما الذي يعارض هذا الإطلاق؟ و ((أعني على نفسك بكثرة)) والعلماء يختلفون في الأفضل من تكثير عدد الركعات مع التخفيف، أو تقليل عدد الركعات مع التطويل؟ هل المشروع إطالة القيام والركوع والسجود، وتقليل العدد، أو المشروع تكثير العدد مع التخفيف؟ ولكل من الصورتين أدلته، فـ ((أعني ... بكثرة السجود)) هذا يدل على أن الكثرة مطلوبة، النبي -عليه الصلاة والسلام- قيامه، والقيام، طول القيام هو القنوت، يعني مما يطلق عليه القنوت طول القيام، وصلاة الليل تسمى قيام، فدل على أن طول القيام مطلوب أيضاً، فإذا صلى في ثلاث ساعات نفترض، شخص يريد القيام ثلاث ساعات، هل نقول: إن الأفضل لك أن تقرأ في هذه الثلاث الساعات وتصلي ثلاثة عشرة ركعة، وتقرأ فيها خمسة أجزاء مثلاً، أو تصلي أضعاف هذا العدد، وتقرأ فيها أقل؟ لكل منهما وجه، والإطلاق مثنى مثنى، وأعني بالكثرة أيضاً يدل على أن الكثرة مطلوبة، وعلى كل حال من وافق صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كيفية وكمية فهو أولى؛ لأن الله لا يختار لنبيه إلا الأفضل، فمن صلى بإحدى عشرة، أو ثلاثة عشرة، واستغرق من الوقت ما يستغرقه من يصلي أضعاف ذلك مع طول القراءة وطول الركوع وطول السجود، لا شك أنه أكمل، والحد للقيام، الحد الإجمالي هو الوقت، سورة المزمل إيش فيها؟ {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [(2 - 4) سورة المزمل] هذا تحديد بالوقت، دل على(15/8)
أن الإنسان لو اقتدى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في الكمية والكيفية فهو أكمل، يعني لو تصورنا أن الإنسان يبي يقرأ خمسة أجزاء في إحدى عشرة ركعة، ويترسل فيها، ويطيل الركوع والسجود، ويستغرق عليه ثلاث ساعات مثلاً، أفضل ممن يصلي أضعاف هذا العدد بقراءة أقل، وبقيام أقل، وبسجود أقل، وحضور قلب أقل في الغالب، لكن إذا كان هذا أنفع له، إذا أطال سرح ذهنه، وما عقل من صلاته شيء؛ لأنه ورد عن بعض الصحابة أنهم يبادرون بها الشيطان، كيف يبادرون بها الشيطان؟
طالب: ما يطيلون.(15/9)
نعم إذا أطال دخل الشيطان، وصار له مجال، وهذا بالنسبة لبعض الناس دون بعضهم، بعض الناس كلما يطيل يتلذذ، يتلذذ بالمناجاة إذا أطال، بينما لو استعجل وكذا، لا يقول شخص: أنا كبير سن، لا أطيق القيام، ولا أنا صغير سن أنا مشغول، وذهني مشتت، لا، لا، الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- في هذه العبادة هو القلب، تجده بعضهم في العشرين والخمسة والعشرين والثلاثين من طلاب العلم وعندهم رغبة في الخير، لكن الصلاة يستثقلونها، وعنده استعداد يقف عند باب المسجد يكلم صاحبه إلى الصبح، لكن إذا صف يصلي راح، وأدركنا شخصاً جاز المائة من عمره، تجاوز المائة ويصلي خلف الإمام صلاة التهجد، يقرأ خمسة أجزاء هذا الإمام، وصوته عادي أيضاً، يعني ما هو يقال: والله مبسوطين من قراءته، ومرتاحين، لا، صوت عادي، في صلاة التهجد آخر ركعة سمع هذا الإمام صوت مؤذن، والعادة جرت أن المؤذن يؤذن إذا انتهت الصلاة، فظن أنه تأخر على الجماعة، فخفف الركعة الأخيرة، فلما سلم ماذا حصل له من هذا الشيخ الكبير الذي جاز المائة؟ تكلم عليه بقوة، يا فلان لما جاء وقت اللزوم تخفف الصلاة؟! هو يصلي واقف عمره مائة، هذا لا شك أنه تعرف إلى الله في وقت الرخاء. . . . . . . . . يبغي له تاريخ، ما هي مسألة يجئ الإنسان من لا شيء، ثم يبي يصير شيء، أبداً، وهذا في العبادات كلها، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، والإنسان إذا صلى مع إمام يقرأ ورقة في صلاة التهجد قال: أطال بنا هذا وين؟ الله المستعان، طول علينا وين؟ تجد المساجد التي عرف أئمتها بالتخفيف تزدحم، والله المستعان، والتعامل في هذه العبادة مع القلب لا مع البدن، الصحابة يؤتى بأحد منهم يهادى بين الرجلين، ونحن نتقلب في نعم الله، وإذا دخلنا الصلاة نحسب متى ينتهي؟ ووضعت الساعات أمام الناس، صاروا بس يحسبون الدقائق، ولو تهيأ لهم تفرك الساعة على شان يغتر بها الإمام ويخفف، فهذا واقع الأمة الآن، يعني يندر أن تجد، والأمة فيها خير، لكن الغالب أنه يقل أن تجد من يتلذذ بالمناجاة في هذه العبادة؛ لأنهم ابتلوا بأمور غطت على قلوبهم، يعني توسعوا في الدنيا، والتوسع في الدنيا لا شك أنه على حساب الآخرة، يعني تصور بيت(15/10)
منقوش فيه سائر النقوش، ومزخرف وكذا، وين القلب الذي يحضر في هذا المكان؟ ومع الأسف الشديد أن بيوت الله الآن دخلتها الزخارف، زخرفت، والله المستعان.
"كان يصلي من الليل -عليه الصلاة والسلام- ثلاثة عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس .... أربع فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربع، ثم يوتر بخمس بسلام واحد" والعدد بالنسبة للوتر يختلف فيه أهل العلم، منهم يرى الوقوف على الإحدى عشرة، ومنهم من يرى الثلاث والعشرين؛ لأن عمر بن الخطاب جمع الصحابة على أبي، فكان يصلي بهم عشرين ركعة، ويوتر بثلاث، ومنهم من يرى الأربعين، ومنهم من يزيد، ومنهم من ينقص، على كل حال هذا الخلاف يدل على أن المسالة فيها سعة.
طالب: يعارض صلاة الليل مثنى مثنى.
لا ما يعارض؛ قلنا: الوتر لا يدخل، لو صلى بسبع أو بتسع، سلام واحد.
طالب: القول بأن صلاة التراويح تختلف عن صلاة الوتر، بمعنى أن الخلاف فيها يختلف هل هذا معتبر؟
التراويح مثنى مثنى.
طالب: العدد هل ينطبق عليه الخلاف في الوتر أو لا تدخل؟
لا هم الذين يلزمون بالعدد يقولون: بما في ذلك التراويح، لا يزيد، يصلي ثمان تراويح، ويوتر بثلاث.
طالب: يا شيخ يجوز وصل الثلاث؟
الوصل؟
طالب: نعم.
لا مانع، يسلم من آخرها، لكن الممنوع عند أهل العلم ويقول به الحنفية أن تشبه بالمغرب، الجلوس بعد الثانية، ما يكون الجلوس إلا بعد الثامنة.
طالب: صلاة التراويح والتهجد يعني يطال في التهجد خلاف التراويح في رمضان؟
باعتبار أن الوقت يختلف، وقته هذا في أول الليل والناس مشغولين وأذهانهم غير مجتمعة، وأخر الليل مظنة إجابة من هذه الحيثية، لكن الإشكال ما هو بهذا، يعني الذي يفصل بين صلاة أول الليل، ويجعل لها صفة تناسبها، وصلاة آخر الليل يجعل لها صفة تناسبها، ماشي هذا له وجه، لكن إذا كان مما يقرن، يقرن .... صلاة التراويح خمس تسليمات، ثم يصلي تسليمه أو تسليمتين من التهجد، الخمس يخففها والتسليمتين يخففها، باعتبار أنها اسم تهجد، ثم بعد ذلك يصلي ثلاث تسليمات في آخر الوقت.
طالب: على اعتبار يا شيخ لعله يريد أن يطبق إحدى عشر ركعة؟(15/11)
ما هو بمطبق، با يطبق ثلاث وعشرين هو، لكن الكلام في التسليمة الخامسة والسادسة، يعني السادسة تعادل الخمس، لماذا؟ لأنها تهجد، وهاذيك تراويح، ليش تهجد؟ وش اللي خلاها تهجد؟ لأنها أخذت من صلاة التهجد، صارت تهجد؛ لأنها ... تحسم من صلاة التهجد، فصارت صلاة تهجد، وينطبق عليها وصف التهجد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا أبد، هذا من التفريق بين المتماثلات ما له أصل أبداً، نعم.
باب: الذكر عقب الصلاة
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
وفي لفظ: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بالتكبير.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب الذكر عقب الصلاة، يعني الصلاة المكتوبة، الأصل في الصلاة أنها المكتوبة، ولذا النوافل والجنازة والاستسقاء والعيد والكسوف لا تقيد بالأذكار المقيدة بعد الصلوات من تسبيح وتهليل وتحميد، لكن هل يشملها حديث معاذ ((أحبك فلا تدع أن تقول بعد كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك)) فيشمل هذه الصلوات، فيشمل الجنازة، يشمل العيد، يشمل الاستسقاء، يشمل الكسوف؟ أو أن هذا خاص بالصلاة المعهودة التي هي الصلوات الخمس؟ التسبيح والتحميد المائة هذه خاصة بالصلوات الخمس، جاء في الوتر بعده يقال: سبحان الملك القدوس ثلاثاً، يمد صوته بالثالثة، هذا بعد الوتر، لكن ما عد الوتر من نوافل هل لها أذكار بعدها؟ الذي يظهر من تصرفهم أنها أذكار خاصة بالفرائض، أهل العلم إنما حملوا ما جاء من أفكار بعد الفرائض، وحديث معاذ محتمل، ولو قاله أحد بعد فراغه من صلاة النافلة يشمله النص لعمومه.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(15/12)
في الركوع "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" أما بعد الوتر: "سبحان الملك القدوس" في النسائي وغيره. "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رفع الصوت بالذكر حينما ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وإذا أضاف الصحابي الفعل إلى العهد النبوي صار له حكم الرفع، فدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته يرفعون أصواتهم بعد انقضاء الصلاة، ولذا ما كانوا يعرفون انقضاء صلاة الرسول الله -عليه الصلاة والسلام- إلا بالتكبير، والمراد بالتكبير مطلق الذكر الذي منه التكبير، فالتكبير فرد من أفراده.
"كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته" يعلم إذا انصرفوا ابن عباس صغير احتمال تفوته الصلاة، واحتمال أن يصلي في مؤخرة المسجد، في آخر الصفوف، فيعرف ذلك بالتكبير، ولو كان قريباً من الإمام لعرف ذلك بالسلام.
"كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته" وفي لفظ: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بالتكبير" القريب يعلم انقضاء الصلاة بالتسليم، والبعيد الذي لا يسمع التسليم يعرف ذلك بالتكبير، وعرفنا أن المقصود الأذكار المشروعة بعد الصلاة، لا خصوص التكبير، وإن قال به بعضهم، بعضهم مجرد ما يقول: السلام عليكم ورحمة الله، الله أكبر، إتباعاً لنص الحديث، ومنهم من يقول: إنه لا يراد حقيقة التكبير، وإنما يراد الذكر الذي التكبير فرد من أفراده، ففي الحديث دليل على استحباب رفع الصوت بالذكر عقب المكتوبة.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بجماعي، يعني كونه يحدث صوت من صوت المجموع، من صوت مجموع الناس نعم، لا يعني أنهم يتفقون على أداء اللفظ، بدليل أنك تدخل على صلاة الجمعة قبل دخول الإمام فتجد الصوت مرتفع، والأصوات يرتج بها المسجد، لكن هل معنى أنهم يقرؤون قراءة واحدة من سورة واحدة، على نغمة واحدة،
لا، فباجتماع الأصوات المختلفة توجد مثل هذا، فليس فيه مستمسك لمن يقول: بالذكر الجماعي.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . وما يأتي بعده يأتي تفصيله ....
طالب:. . . . . . . . .
يجهر فيها إيه، كل الأوقات يجهر بها.
نعم.(15/13)
عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- في كتاب إلى معاوية -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) ثم ذهبت بعد ذلك إلى معاوية -رضي الله عنه- فسمعته يأمر الناس بذلك.
وفي لفظ: كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن وراد مولى المغيرة بن شعبة -وكاتبه- قال: أملى علي المغيرة في كتاب إلى معاوية -رضي الله عنه-" فدل على اعتبار المكاتبة في الرواية، وأنها طريق معتبر من طرق التحمل والأداء، فالمكاتبة كتب المغيرة أملى على غلامه ومولاه أن يكتب إلى معاوية، في حديث ابن بريدة قال: كتب أبي وكتبت عنه إلى أخي، وكان يومئذٍ قاضياً، فالكتابة معروفة بين الصحابة والتابعين ومن دونهم، وهي طريق معتبر عند أهل العلم من طرق الرواية.(15/14)
"أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقول في دبر كل صلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) " الدبر يحتمل أن يكون من جزء الشيء، ملتصق به، قبل الفراغ، ويحتمل أن يكون منفصلاً عنه بعد انقضائه، من ذلك دبر الدابة، لكن أي الاحتمالين يرد هنا؟ يعني بعد الفراغ من الصلاة أو قبل السلام؟ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وضع قاعدة أن ما كان من الأذكار بعد الصلاة، من الأدعية قبل السلام، المقصود أن هذه القاعدة عند شيخ الإسلام هو يطردها في العبادات كلها، الأدعية داخل العبادة، الأذكار بعد العبادة، وهنا دبر كل صلاة مكتوبة، يعني بعد انقضائها، والسلام منها؛ لأنه ذكر، لكن .. ، ويقرر أن قول: ((اللهم أعني على ذكرك وشكرك)) لأنه دعاء يكون قبل السلام، واللفظ محتمل، لكن ماذا عن قول: ((ربي قني عذابك يوم تبعث عبادك)) قبل السلام وإلا بعده؟ هو ذكر وإلا دعاء؟ دعاء، وهو قبل السلام وإلا بعده؟ كان إذا أنصرف من الصلاة قال، فتنخرم قاعدة شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، ويبقى الاحتمال في حديث معاذ، يبقى الاحتمال قائم هل هو بعد السلام أو قبله؟ لأن القاعدة انخرمت، وعلى هذا لا يلزم أن يقال قبل السلام، يعني من قاله قبل السلام اللفظ محتمل، ومن قاله بعد السلام اللفظ محتمل.
طالب: واللي يجمع بينهم يا شيخ على قاعدة ... يجمع بينهم قبل السلام وبعده؟
يعني في صلاة واحدة أو في صلاتين؟
طالب: .... يقولها قبل السلام ثم يعيدها بعد السلام.(15/15)
يقول في صلاة واحدة؟ أقول: النووي بينا طريقته مراراً، وأنه إذا اختلفت عنده الروايات حمل على التعدد، وحمل على أنه يقال هذا وهذا، ما عنده مشكلة في هذا، ومن حرصه على الخير لا يفوت شيء -رحمة الله عليه-، لكن من عنده جرأة مثل شيخ الإسلام، جرأة، لكن ليست من فراغ، بعض الناس ما ينقصه جرأة، لكن لا تستند إلى علمه، فيقع في المهالك، شيخ الإسلام جرأته مستندة إلى علم، إلى إحاطة، إلى فهم للنصوص، وإحاطة بها، وفهم لمقاصد الشرع، وإلا من منا أو من آحاد المتعلمين من يسمع قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((أحابستنا هي؟ )) ثم يقول: الحائض لا تحبس الرفقة؟ ألا يجبن طالب العلم أن يقول مثل هذا الكلام؟ الرسول يقرر أنها تحبس، وهو يقول: الحائض لا تحبس الرفقة؟ لكن يستند إلى علم، يعني إحاطة بنصوص الشريعة وبمقاصدها، وأن الشرع جاء فيه من الرخص ما هو أقل من ذلك، لكن أيضاً الإنسان ... ، الإمامة في الغالب أنها ما تنال إلا بمثل هذا، الذي يجبن عن أن يدخل في المسائل الكبار، أو يجبن عن أن يبدي رأيه في عضل المسائل في الغالب أنه يستمر على وضعه، لكن أيضاً الإنسان يوازن بين أموره، إذا كانت إحاطته ومعرفته بالنصوص، ومقاصد الشرع ما تؤهله إلى أن يجرأ على مثل هذا عليه أن يكون وقاف، وهو الأصل، فشيخ الإسلام قرر هذه القاعدة، وتلقفها الناس عنه، وعملوا بها، وأنكروا على غيرهم، لكن أقول: المسألة ليست من مسائل الإنكار، من قالها قبل السلام اللفظ محتمل، ومن قالها بعد السلام اللفظ محتمل.(15/16)
"دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) " في بعض روايات الصحيح في كتاب الرقاق يقولها ثلاث مرات، وفي بعض الروايات من الصحيح في هذا الموضع مرة واحدة، فهذا من اختلاف النسخ، روايات الصحيح، ما هي بالروايات في الصحيح، فرق بين الروايات في الصحيح، وبين الروايات الصحيح، يعني في هذا الموضع اختلف الرواة عن البخاري في إثبات الثلاث، وحينئذٍ نحتاج إلى إيش؟ إما أن نعتمد أقوى الروايات عن البخاري، وابن حجر يقرر أن رواية أبي ذر، نعم رواية أبي ذر هي أوثق الروايات، ومنهم من يرى أنه إذا روي الحديث من طريق البخاري، رواه أحد الأئمة المتأخرين مثل البيهقي أو الحاكم أو غيرهم، ورجح إحدى الروايات فهي المرجحة؛ لأنه رجحها إمام، فهي الراجحة عندهم، أفضل من ترجيح غيرهم، ... فائدة يحرص عليها طالب العلم، فائدة. . . . . . . . .
طالب: يعني يُعتمد على ما يثبته. . . . . . . . .(15/17)
إيه لا شك، يعني لو أثبت البغوي وهو إمام من أئمة المسلمين، روى الحديث من طريق البخاري، البخاري النسخ مختلفة فيه، نسخ صحيح البخاري، وأثبت البغوي أحد هذه الصور، أو الوجوه المختلف فيها، أو أثبت رواه البيهقي من طريقه، نعم ترجيح من البيهقي، ترجيح من البغوي، هؤلاء أئمة، تلقوا العلم من أهله. . . . . . . . . أهل العلم، مسألة مدركة وإلا ما هي بمدركة؟ عندنا هذا الحديث في صحيح البخاري في كتاب الرقاق يقولها ثلاثاً، ثلاثاً هذه عليها رقم تجد في الونينية تقول: كذا في نسخة أبي ذر، ولا توجد عند المستملي والسراخسي، يعني من رواة الصحيح، فهل نقول: إن في البخاري ثلاث وإلا واحدة؟ نحتاج إلى موازنة بين الرواة في البخاري، يعني ما هي موجودة في جميع رواة البخاري، نحتاج للموازنة بين رواة البخاري، العلماء رتبوا الرواة، وجعلوا بعضهم فاضل، وبعضهم مفضول، لكن أنا أقول: إن الترجيح من خلال من يروي الحديث من طريق البخاري من الأئمة، يعني رواه البيهقي ورجح واحدة، يعني ذكره مرة واحدة، أو رجح ثلاث، ورواه البغوي كذلك، ورواه الحاكم كذلك، لا الحاكم ما يتصور أنه يروي من طريق البخاري، البيهقي والبغوي، أو نقول: كل أحد؛ لأن هؤلاء أئمة يروون الأحاديث بالأسانيد، أصول، تعتبر أقوالهم.
طالب:. . . . . . . . .
يقصدون إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، تبقى أنها رواية، لكن أرجح الروايات؟ الحديث ما نقل إلا على وجه واحد، يعني هل نقول: إن الرسول يحتمل مرة قال كذا ومرة قال كذا؟ هو حديث واحد، ومخرجه واحد، فلا بد من الترجيح، هو جاء لفظ واحد، ومخرجه واحد، وحديث واحد، ونقول: مرة نقولها ثلاثاً، ومرة نقولها واحداً؟ نجزم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قالها إلا مرة واحدة، إما ثلاثاً وإما واحدة، فلا بد من الترجيح.
طالب:. . . . . . . . .
كتبهم البغوي في شرح السنة، والبيهقي في كتبه ...
طالب:. . . . . . . . .
ما راجعتها.
طالب: هذه عندي -أحسن الله إليك- عند عبد بن حميد، الشيخ ابن باز قال: إنها لا بأس بها بإسناده.
أين الثلاث وإلا الواحدة؟
طالب:. . . . . . . . .(15/18)
الثلاث هي في البخاري، لكن نريد نثبت في البخاري، ولن نستطيع أن نثبت من طريق عبد بن حميد، ولا فلان ولا علان، ولا سنن أبي داود، نثبت من طريق من يروي عن طريق البخاري، طريق البخاري بالإسناد المذكور في صحيحه، هذا. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
والله ما راجعتها.
"يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) " في بعض الألفاظ: ((ولا راد لما قضيت)) السند لا بأس به، السند جيد، يثبت بمثله ((ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) صاحب الحظ لا ينفعه حظه من الله، ولا يغنيه من الله شيئاً.
"يقول: ثم وفدت بعد ذلك على معاوية، فسمعته يأمر الناس بذلك" تلقاه عن صحابي، يضيفه الصحابي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا مندوحة من العمل والأمر به.
"وفي لفظ: كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال" قيل وقال الكلام، كثرة الكلام والحديث بما يعني الإنسان وما لا يعينه، وأن يحدث بكل ما سمع، وهذه مهنة كثير من الناس اليوم، قيل وقال، وإذا جاء الكلام النافع استثقله، ولا محالة، إذا جاء ما ينفعه استثقله، إذا كان وقته كل معمور. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
هو المرفوع ثابت من حديث معاوية أيضاً.
"كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال".
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ثابت من حديث .. ، الآن الأصل هو من حديث المغيرة، ومعاوية. . . . . . . . . المغيرة، والذي ينهى هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
"ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال" المال مال الله وإضاعته لا تجوز، إضاعة المال يعني دون فائدة دينية أو دنيوية لا تجوز.(15/19)
"وإضاعة المال، وكثرة السؤال" يشمل السؤال عن الدنيا وعن الدين أيضاً، الكثرة مذمومة، يعني يسأل الإنسان عما يهمه من أمر دينه ودنياه، ويسأل الناس من اضطر إلى سؤالهم إياه، ومن سأل تكثراً لا يجوز، جاء الوعيد على ذلك، لكن إن اضطر إلى المسألة حصلت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحذر منها، تبقى أنها تقدر بقدرها عند الحاجة لا بأس، ولا تجوز عند عدمها، والسؤال في مسائل الدين لا يخلو إما أن يكون لمسائل واقعة، جاء الأمر به {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] وإن كان. . . . . . . . . أو أغلوطات والهدف منها التعجيز، هذه جاء النهي عنها، وكره السلف تشقيق المسائل، والسؤال عنها، والسؤال عما لم يقع، لكن منهم من يحمل النهي على وقت التنزيل، الذي يحتمل أن يسأل عن شيء فيحرم بسببه، وجاء أن مثل هذا من أعظم الناس جرماً، لكن بعد وقت التنزيل، ومن أجل تمرين الطلاب، العلماء تتابعوا على تشقيق المسائل، وبيان حكمها. . . . . . . . .
"وكان ينهى عن عقوق الأمهات"
طالب:. . . . . . . . .
سؤال طلب المال يدخل دخول أولي، سؤال طلب المال جاء النهي عنه بنصوص مستقلة.
طالب: لأنه هنا قال: كثرة، لا تدخل السؤال فيها، قال: ينهى عن كثرة السؤال، ألا تدخل فيها طلب المال؟
يعني مجرد .. ، حتى كثرة السؤال يتصور في المال، هذا يكفيه في الشهر ألف، ثم يلح ويطلب ويزيد على ألف، الكثرة مذمومة.
"وكان ينهى عن عقوق الأمهات" لعظم حقهن، وإلا أيضاً عقوق الآباء محرم.
"ووأد البنات" كانت عادة في الجاهلية يفعلونها. . . . . . . . . العار، الهدف صحيح، لكن الغاية لا تبرر الوسيلة المحرمة، الغاية والهدف لا تبرر الوسيلة المحرمة، وأد البنات كان من عاداتهم أنهم إذا بلغت البنت مبلغاً ست سنوات أو سبع سنوات، طلب من أمها أن تجملها ليذهب بها إلى أقاربها لزيارتهم، ثم يذهب بها فيدفنها وهي حية، نسأل الله السلامة والعافية.
"ومنع وهات" .... الجشع، وأن القلب أشرب الشح بمنع الواجب "وهات" غير المستحق، يصير بعض الناس أبداً جماعاً، مناع، هات بس، لكن خذ ما في، القاموس ما فيه خذ، ما فيه إلا هات، وبعض الناس ما شاء الله العكس، والله المستعان.(15/20)
خذ الحديث الثالث.
طالب: أحسن الله إليك: عوداً على القاعدة اللي قبل قليل، ما يتعلق بالبخاري، قلت: لو اختلف حماد. . . . . . . . . مع مثلاً الفربري. . . . . . . . . يعني البيهقي مثلاً يمر بنفس طريق واحد منهم، هل يثبت هذا؟
إيه يثبت، هذا دليل على أن البيهقي اعتنى بهذه الرواية، فيعطيها قوة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
... ((يحيي ويميت)) هذه لم ترد في حديث المائة، المائة لم يرد فيها ((يحيي ويمت)) ولا ما بعدها، المائة التي هي الحرز، ليس فيها. . . . . . . . . العشر بعد الصبح وبعد المغرب فيها يحيي ويميت، وهذه الرواية شوف عندك نص، ليس فيها ذلك، فتنزل الألفاظ في منازلها.
طالب:. . . . . . . . .
حتى نقف على الوارد، على الإنسان أن يقف ... ؛ لأنها جاءت في بعض المواطن، ولم تأتِ في مواطن أخرى.
عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه فقراء المهاجرين أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتم؟ )) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاث وثلاثين مرة)) قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) قال: سمي فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث، فقال: وهمت، إنما قال: ((تسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين)) فرجعت إلى أبي صالح فذكرت له ذلك، فأخذ بيدي فقال: قل: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله حتى تبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين.(15/21)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن فقراء المسلمين" وهو واحد منهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أن فقراء المسلمين، ما تجئ والله.
طالب:. . . . . . . . .
أشار إلى ...
طالب: الأصل المسلمين ثم صوب فوقها.
نظر عندك؟
على كل حال هذا ما يؤثر، الخلاف ما يؤثر، سواء كانوا من المسلمين عموماً، أو من المهاجرين، أو من الأنصار، المقصود أنهم قوم فقراء، أهمهم أن يسبقهم الأغنياء، وليس جمع المال أو النجاح في التجارات من كسبهم.
"أن فقراء المسلمين أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور" الدثور الأموال "بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، قال: ((وما ذاك؟ )) " يعني ما يلزم يا إخوان أن الذي عنده أموال طائلة، ويتصدق وينفق ثم بعد ذلك يسبق غيره حتى يكون المكسب طيب؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وهذا المظنون في الصحابة، فكسبهم طيب، فذهبوا بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، وأقرهم الرسول -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الأمر كذلك.(15/22)
"قال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق" فالعبادات التي نفعها قاصر يشترك فيها الأغنياء والفقراء، العبادات البدنية من صلاة وصيام يشتركون فيها، يشترك فيها الغني والفقير، لكن الصدقة والعتق من خواص الأغنياء، الفقير لا يجد ما يتصدق به، ولا يجد ما يعتق به "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم؟ )) " هؤلاء الأغنياء سبقوهم بمزيد الأعمال، فأخبرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأمر قد يسبقون به من الأغنياء، ويسبقون به من بعدهم، يدركون به من سبق؛ ليكون في مقابل الإنفاق، فيدركون، يعني لو افترضنا المسألة حسية، إذا كان مثل العبادات البدنية مع المالية توصل إلى مسافة معينة، قل مثلاً: مائة كيلو، والعبادات البدنية توصل إلى النصف من ذلك، مثلاً إلى الخمسين، أراد النبي أن يخبرهم بأعمال تكمل لهم هذا النقص، فيدركون به من سبقهم، فوصل إلى المائة، ويسبقون به من بعدهم ممن لم يفعل كفعلهم.
" ((ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتم)) لأن الفضل ليس للذوات، إنما هو للأفعال "قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) " مفهوم اللفظ هذا أنه يجتمع من الجميع ثلاثاً وثلاثين، تسبحون إحدى عشرة، وتكبرون إحدى عشرة، وتحمدون إحدى عشرة، فيجتمع من الجميع ثلاثاً وثلاثين.
"قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين فقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله" يعني هل هذا من باب الغيرة المذمومة والحسد المذموم؟ يعني يتمنون أن الأغنياء ما سمعوا شيء؛ لئلا يتقدمون عليهم مرة ثانية؟ لا، هذا من الغبطة، بل يريدون من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخبرهم بشيء يسددون به هذا النقص، فهم يبحثون عما ينفعهم، ليس بحثهم عما يضر غيرهم.(15/23)
"فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) " نعم إذا كان الغني يأتي بجميع ما يأتي به الفقير، ويزيد عليه ما لا يستطيع عليه الفقير ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، أيضاً القوي في بدنه إذا كان يأتي بجميع ما يأتي به الضعيف في بدنه ويزيد عليه نقول: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، نعم إذا عاق المرض عن ما كان يعمله في السابق نعم يكتب. . . . . . . . . لكن إذا كان في الأصل ما يعمل إلا شيء يليق بجسده، وهناك ناس عندهم متعوا في أبدانهم، فزادوا في الأعمال، لا شك أن هذا يندرج في قوله: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من تمنى حصل له ما تمنى، فهما في الفضل سواء، يعني شخص يتمنى أن يكون له مثل مال فلان له مثله، ((فهما في الأجر سواء)) منهم من يرى أنه في أصل الأجر سواء، فيكون التمني بمثابة الفعل، لكن تبقى المضاعفات لمن فعل بالفعل. . . . . . . . . لكن مقتضى التسوية ((فهما في الأجر سواء)) أنه يشمل هذا وهذا، له الأجر ومضاعفاته، وهذا بالفعل فضل الله يؤتيه من يشاء، فضل الله لا يحد.(15/24)
يتكلم أهل العلم في هذا الحديث على مسألة المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر، وابن القيم أفاض وأطال ونقل نقول عن شيخ الإسلام وغيره في هذه المفاضلة، يعني إذا وجد غني شاكر يجمع الأموال من طرقها الشرعية، ويبذلها لمستحقيها على الوجوه الشرعية، وهناك فقير، لكنه يصبر ويحتسب، على ما ناله من سبب هذا الفقر، منهم من يفضل الغني الشاكر بهذا الحديث، ومنهم من يفضل الفقير الصابر لأنه في الغالب أسلم في العاقبة، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر أن المفاضلة زيادة ونقصاً تبعاً للتقوى، فإذا كان الغني أتقى لله فهو أفضل من الفقير، وإذا كان الفقير أتقى لله فهو أفضل من الغني، ويبقى أن ما زاد وما نقص كل شيء بحسابه، يعني الميزان التي توضع فيه الحسنات توضع فيه كل ما يأتي من قبل هذا الفقير، إضافة إلى تحليه بالصبر والاحتساب، والميزان الثاني للحسنات بالنسبة للغني يوضع فيه، والمسألة موازنة ومفاضلة، فيبقى الأصل أن المفاضلة للتقوى، ثم بعد ذلك يعني قلت مثل هذا في جميع أبواب الدين، نعم عالم وعامي مثلاً، كلاهما يصوم أيام متساوية ويتصدقون بأموال متساوية، ويصلون صلوات متساوية، هل نقول: أن هذا أفضل وهذا أفضل؟ يعني. . . . . . . . . الذي رتب عليه التقوى. . . . . . . . .، كل شيء بحسبه، يعني صبر الفقير قد يصل به إلى درجات لا يدركها أحد تبعاً لهذا الصبر، وأيضاً تفريج الغني للكروبات قد يبلغ بها ما لا يدركه فيها أحد، وبين هذين أمور كثيرة، فيبقى الفضل للتقوى، وما يأتي مما يسببه الفقر له أجره، وما يسببه الغنى له أجره، ويبقى الميزان الوحيد هو التقوى، هذا ما يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن من مقتضيات التقوى، إذا اتقى الله الإنسان، يعني لا يفضل أحد على أحد إلا بالتقوى، فالتقوى لها أصل، ولها مقتضيات، كما أن الإيمان له أصل، وله كمال، وله ما فوق الكمال، المقصود أن مثل هذا كلام طويل، أفاض فيه ابن القيم -رحمه الله- في عدة الصابرين.
"قال سمي" الراوي ....
طالب:. . . . . . . . .(15/25)
مسألة الإيثار في القربات، الإيثار يطلق أهل العلم، يطلقون الكراهة، لكن الإطلاق ليس بصحيح، بل من الإيثار في القربات ما هو محرم، يعني عندك ما يكفيك للوضوء تؤثر به غيرك، يتوضأ به؟ لا يجوز بحال، وجدت مكان في الصف لا يسع إلا شخص واحد تؤثر به غيرك وتجلس ما تصلي أنت؟ هذا إيثار؟ نقول: لا يجوز، لكن إيثار هو في إطار المستحبات ويترتب عليه مصلحة أعظم، يندرج تحت قولهم بالكراهة، لكن لو قدم شخص مع أبيه إلى المسجد، هل نقول للابن: تقدم على أبيك ليعظم أجرك؛ لأنك دخلت المسجد قبل أبيك؟ أو نقول: حصل من البر بوالدك ما هو أعظم من مجرد دخولك المسجد قبله؟ فالمسألة تحتاج، يعني الإيثار مسألة كبيرة، ولها فروع، ولها ذيول، وتختلف من مسألة إلى أخرى.
"قال سمي: فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث فقال: وهمت، إنما قال: تسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين" اللفظ الأول يوحي أن المجموع ثلاثة وثلاثين، واللفظ الثاني يوحي أن المجموع تسعة وتسعين "فرجعت إلى أبي صالح فذكرت له ذلك، فقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، حتى يبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين" هذا يؤيد اللفظ الأول أو الثاني؟ يقول: فقال: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد حتى يبلغ من جميعهن ثلاثاً وثلاثين" يعني هل يبلغ من الجميع أو من المجموع؟ النص من جميعهن، يعني من الثلاث ذولي مجتمعة ثلاثة وثلاثين، إذاً تسعة وتسعين، يؤيد اللفظ الثاني، لو قال: من مجموعهن اللفظ الأول، ولذلك قال: ((وتقول تمام المائة)) نص قاطع، في بعض الروايات: ((وتقول: تمام المائة لا إله إلا الله، وحده لا شريك له)).
الحديث الرابع.
طالب: يا شيخ أحسن الله إليك هل تعتبر هذه صفة بدون لا إله إلا الله؟ يعني هل يعتبر من تنوع الأذكار؟ هو جاء بالنسبة لأذكار الصلاة على وجوه، جاء منها هذا، وجاء منها الثلاثة والثلاثين، وجاء العشر، والعشر، والعشر، نعم جاءت على وجوه، لكن هذا لفظ الحديث.
طالب: أقصد يا شيخ بدون لا إله إلا الله بدون زيادة لا إله إلا الله هل يقتصر على هذه فقط .... ؟(15/26)
لا هذا في ذكر النوم، يزيد أربعة وثلاثين التكبير، أما ذكر الصلاة فيه لا إله إلا الله بدليل الأدلة الأخرى.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: ((اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي)) الخميصة: كساء مربع له أعلام، والأنبجانية: كيس غليظ.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في خميصة لها أعلام" جاء في بعض الروايات ما يدل على أنها قبلها النبي -عليه الصلاة والسلام- هدية من أبي جهم، ولذا ردها عليه، خميصة لها أعلام، كساء مربع، فيه خطوط، مثل هذا يشغل المصلي، فإذا شغل النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق، وأعرفهم، وأعلمهم بالله، فلئن يشغل غيره من باب أولى، وفي بعض الروايات: ((كادت أن تفتنني عن صلاتي)) يعني تشغلني عن صلاتي "فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف" نظر مجرد نظرة، فكيف بمن ينشغل بما يراه أو يسمعه من بداية الصلاة إلى نهايتها؟! بعض الناس يدخل في الصلاة، ثم لا يشعر إلا بسلام الإمام، أو إذا أخطأ الإمام وفتح الناس عليه، أو إذا بكى الإمام عرف أنه في الصلاة، وما عدا ذلك ما يدري، يذكر عن تاجر قبل مدة لما سلم الإمام قال: سبحان الله، سبح. . . . . . . . . فقيل له: وما يدريك أنه. . . . . . . . . قال: العادة ما تسلمون إلا وأنا واصل من الخارج، والآن أنا وصلت مكان كذا، واقعة، وذاك بيحسب تجارته، وفقد ريال، ومع السلام ضرب على فخذه وجد الريال، ريال الدبس لقاه، يعني الأمور سبحان الله العظيم، يعني الإنسان اللي ما يلقي باله في الصلاة يسرح، والشيطان حريص على هذا؛ لأن الشيطان إذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا انتهى التثويب أقبل، فإذا أقيم للصلاة أدبر ثم أقبل يسوس على المصلي، ولذا يذكر عن أبي حنيفة -رحمه الله- ولا أخاله يثبت عنه، أن رجلاً فقد مبلغاً من المال، نسيه، فقال: صل ركعتين، وسوف تذكر، ولا يظن بالإمام أنه يأمر بالصلاة بهذه العبادة من أجل الدنيا، لا يظن به -رحمه الله- هذا، وإن نقل عنه.(15/27)
"نظر نظرة" يعني بعض المساجد مع الأسف الشخص الذي له تذوق للخط، أو الرسم هذا لن يعقل من صلاته شيئاً، يعني أمامه إيش يشوف ولا متحف، يعني المسألة اهتمام بالقشور، شخص في زيارة لتركيا، فرأى مسجد أعجبه شكل المسجد ودخل، فإذا فيه شيخ على منصة ولحية وبشت وعمامة، وطلاب من حوله، ويقرأ عليهم في كتاب، يقول: نحضر هذا الدرس، فإذا ما فيه لا قراءة ولا شرح، بس منظر، إذا بهم يؤدون دور تمثيلي، وما وجدوا أعظم من هذا المكان للتصوير، أجمل من هذا المكان ما وجدوا، في مسجد، فلا شك أن الأمة في آخر عهدها التفت إلى مثل هذا، والله المستعان.(15/28)
النبي -عليه الصلاة والسلام- نظر نظرة إلى علمها، وين؟ مع أن مثل هذا يعني لباس على جلدك وين بتروح؟ النظرة لا بد منها، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- غير؛ لأن الأبيض النظيف يبين فيه أدنى شيء، لكن مثلنا سواد بسواد وش يبين؟ وش يكاد؟ يعني شخص صلى في مسجد، فلما صف، يعني تأمل في المسجد، المسجد بارد وواسع ونظيف، وتأمل فيه إذا ما فيه محراب، قال: ما هو معقول هذا ما هو بجامع، وهو في الصلاة، يخطط، وهو عابر طريق، ما هو من جماعة المسجد، أليس من المعقول أن يكون هذا ليس بجامع؟ نظر وفيه غرفة عن يمين المحراب، قال: هذه تصلح محراب، تتعدل وتصير منبر، وسلم الإمام وهو ينقل العفش من الغرفة إلى شرق المسجد، على شان يوضب المنبر، عاد الإجراءات التي تلي هذا من الفتوح الرسمية، وعرضها على الإفتاء، والشؤون الإسلامية، تبي صلوات بعدها، يا إخوان هذا واقعنا، ما هو نقوله .. ، بمرارة، يعني واحد يتحدث .. ، يعني مشكلة هذي، هذه مشكلة، لا بد من علاجها، لا بد من الإقبال على الله؛ لتترتب الآثار على هذه الصلاة، يعني يلاحظ الإنسان في نفسه قبل غيره، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ثم إذا سلم زاول كل ما كان يزاوله، وين الصلاة؟ المقصود بالصلاة التي تؤدى على الوجه الشرعي، الصلاة المثمرة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] وين التقوى؟ يصوم ثم يسرق بالليل، أو يزني، وين التقوى؟ الصيام الذي تترتب عليه آثاره، الذي يؤدى على الوجه الشرعي، فالعبادات لها لب، إذا ما وصلنا إلى اللب القشور يعني ما .. ، صحيح أنه ما يؤمر بإعادتها مجزئة ومسقطة للطلب، والله -جل وعلا- كما قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] لكن الفساق يؤمرون بقضاء أو بإعادة صلاتهم وعباداتهم؟ ما يؤمرون، الصلاة صحيحة عند أهل العلم، ومسقطة للطلب، لكن الآثار المرتبة عليها، والوعود التي جاءت بسببها، من تكفير للذنوب، وتقوى، ونهي عن فحشاء ومنكر، هذه لا بد أن تكون على الوجه المأمور به، النبي -عليه الصلاة والسلام- نظر نظرة إلى أعلامها فلما انصرف قال: ((اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني(15/29)
بأنبحانية أبي جهم)) كساء غليظ ما فيه نقوش ولا خطوط، ولا أعلام، ولا شيء، يستحضر القلب؛ ليحضر القلب ((فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي)) وكونه طلب الأنبجانية ليجبر خاطره؛ لئلا يفهم أنه رد عليه هديته، وطلب البدل، وذكر العلة، فطلب الأنبجانية وذكر العلة، فإنها ألهته -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، وهذا مبرر لردها، وإلا رد الهدية لا شك أنه يوقع في نفس المهدي شيء.
يكفي؟
نكمل غداً -إن شاء الله- بعد صلاة العصر، وبعد صلاة العشاء، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب: بعض الشراح يذكرون بأن هناك من العباد من إذا صلى ألتهى بصلاته عما سوى ذلك ...
صحيح تقطع رجله.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- أكمل الخلق ...
لكن لا يعني أن هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، أو ذاك ديدن من فعل كذا.
طالب: مناسبة هذا الحديث يا شيخ للباب، باب الذكر بعد الصلاة، هل لأنه ذكر هذا بعد الصلاة، يعني ذكر أمراً يتعلق بالصلاة ... ؟
لكن هذا من أواخر ما يذكر من متعلقات الصلاة، وإلا الأصل أنه يدخل في باب الخشوع، وهو ما أورد باب خشوع.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أغفر لنا ولشيخنا ولجميع المسلمين.
يقول المؤلف الحافظ الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله-، ونفعنا بعلومه في الدارين آمين، في كتابه: عمدة الأحكام:
باب: الجمع بين الصلاتين في السفر
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير، ويجمع بين المغرب والعشاء.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الجمع بين الصلاتين في السفر(15/30)
الجمع أن تصلى الصلاتان الأولى والثانية في وقت إحداهما، تقديماً أو تأخيراً، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء معاً في وقت المغرب أو في وقت العشاء، أو في وقت العصر أو في وقت الظهر، واختاره جمهور أهل العلم ويقولون به، وهو جائز ومعلق بسببه، ولا يجيزه الحنفية إلا في النسك، أجازوا الجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة، وما عدا ذلك لا يجوز عندهم؛ لأن الأصل التوقيت، وجاء التشديد في المحافظة على الأوقات، وأن الصلاة لا تصح قبل وقتها ولا بعده، فاعتمد الحنفية أحاديث التوقيت، وحملوا ما جاء من النصوص الدالة على الجمع الصوري، والجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ويقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها، فمثلاً صلاة الظهر يؤخرها إلى الساعة الثالثة مثلاً، ثم يؤديها، وبمجرد ما يفرغ منها يدخل وقت صلاة العصر فيقيم صلاة العصر، هذا جمع صوري، وقل مثل هذا بين مغرب وعشاء، لكن الجمهور حملوه على الجمع الحقيقي؛ لأن فيه قدم وأخر، قدم الثانية، وفيه أيضاً أخر الأولى، فالتقديم والتأخير يرد ما قالوه واختاروه، اللهم إلا إذا كان مرادهم وحملهم الحديث، آخر الأولى إلى آخر وقتها، وقدم الثانية إلى أول وقتها، لكن مثل هذا لا يحتاج إلى ذكر، وليس من الرخصة التي تفضل الله بها على عباده، بل لو قيل بأن الصلاة تؤدى في وقتها، الأفضل وهو أول وقتها، الأولى والثانية أسهل على المسافر من مراقبة الوقت بدقة بحيث يؤدي الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها، أيسر على المسافر من ملاحظة أواخر الأوقات وأوائلها التي قد تخفى على بعض الخاصة دون العامة، يعني لو كلف الناس أن يجمعوا جمع صوري، لو كلف الناس بهذا، ما يتمنون أنهم بدون هذا الجمع أفضل؟ إيه، وهذه الرخصة إنما شرعت لرفع المشقة، وتكليف الناس النظر في أوائل الأوقات وأواخرها، لا شك أنه حرج ومشقة، فالمرجح قول الجمهور، هذا الحديث الذي معنا، هل هو على شرط المؤلف في الصحيحين؟ هل هذا الحديث على شرط المؤلف؟ يعني مخرج في الصحيحين في الأصول؟ ليس على شرط المؤلف، لكنه صحيح، وثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يجمع جمع التأخير، أما جمع التقديم فلا يوجد في الصحيح، هو موجود(15/31)
عند أبي عوانة، ولا يوجد في الصحيح، ولذا ينازع الأوزاعي في جمع التقديم، لا يجيز جمع التقديم، والجمهور على جواز الجمع تقديماً وتأخيراً.
طالب:. . . . . . . . .(15/32)
ثم ركع، لا، هذا لحديث ابن عباس، حديث ابن عباس في مسلم: "صلى سبعاً وثمانياً من غير خوف ولا مطر" "جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر" لكن العلة في ذلك رفع الحرج؛ لأنه سئل ابن عباس فقيل: أراد أن لا يحرج أمته، فلا شك أن الحرج موجود لو لم يجمع، الحرج والمشقة موجودة، ويتصور الحرج والمشقة في بعض الأوقات في بعض الظروف، في بعض الأوقات يتصور الحرج، ولو لم يجد سفر، ولو لم يوجد مطر، ولو لم يوجد خوف، افترض أن إنسان في سيارة مثلاً، ما استطاع أن ينزل، وما استطاع أن يقدم ولا يتأخر، هذا حرج، ماذا يصنع؟ يعني يترك السيارة في السرة بين السيارات، يعوق الناس عن سيرهم، يعطل الناس عن مصالحهم، هذا لا شك أنه حرج، فأراد أن لا يحرج أمته، والحرج منفي عن هذه الشريعة، ولله الحمد والمنة، الترمذي في علل الجامع يقول: لا يوجد في كتابي حديث أجمع العلماء على ترك العمل به إلا هذا الحديث، وحديث معاوية في قتل الشارب، المدمن، مع أنه وجد من يعمل بهما، لكن على قدر الحاجة، مع وجود المشقة، فإذا وجدت المشقة كالمريض مثلاً، أجاز له العلماء الجمع، المريض الذي لا يستطيع أن يؤدي الصلاة في وقتها يجمع {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] المستحاضة أجيز لها الجمع في بعض الصور، المقصود أن الجمع ليست علته السفر فقط، إنما يجوز الجمع إذا وجد سببه، أما الجمع من أجل المطر أو الصلاة في الرحال كل هذا وارد ثابت، فالجمع بين الصلاتين في السفر، ولها أحكام كثيرة وفروع، ومتى يشرع في الجمع؟ هل يشرع في الجمع إذا عزم على السفر، أو إذا شرع فيه، وباشر السبب؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء عنه من حديث أنس أنه أفطر قبل السفر، أفطر قبل أن يسافر، هو مريد السفر، لكن الحديث مضعف عند أهل العلم، فالرخص علقت بوصف، فلا ترتكب هذه الرخص إلا بعد تحقق الوصف، والوصف إنما يتحقق بمفارقة البلد، مفارقة الحضر؛ لأن السفر قسيم للحضر، فمادام في الحضر لا يطلق عليه الوصف الذي علق عليه الترخص، يفترض شخص وصل إلى المطار هل نقول: إنه فارق البلد؟ المطار يبعد عن البلد عشرين ثلاثين كيلو هل نقول: إنه فارق البلد أو ما زال(15/33)
في البلد؟ فارق البنيان، ترك البنيان وراء ظهره، وهو الآن في المطار، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالفعل هو ما سافر، وإذا رجع إلى المطار قيل: وصلنا البلد الفلاني، وصلنا إلى الدمام، هذا مطار الرياض، وصلنا الرياض، هبطنا مطار الرياض، يعني وصلنا البلد، والوصف لم يتحقق، فعلى هذا لا بد أن يباشر الوصف الذي علق فيه الترخص، والمسألة مما يجب الاحتياط له، يعني إذا ترددت هل المطار من البلد أو ليس من البلد؟ وأفتاك من أفتاك بأنك خرجت من البلد، وسمعت من يقول: إنك ما زلت في البلد، وهو الحقيقة أنت ما زلت، وصلت الرياض، فارقت الرياض إذا فارقت المطار، فأنت بين اثنين شخص يصحح صلاتك وأنت في المطار، وشخص يبطلها، لكن إذا باشرت السفر بالفعل من يبطل صلاتك؟ في أحد يبطل صلاتك؟ الصلاة صحيحة قولاً واحداً، بدون خلاف، فهل ترضى أن تعرض صلاتك لقول من يقول: ببطلانها، وله وجه؟ لأنه في النص الشرعي عُلق على وصف، لا بد من تحققه، والسفر أصله من الإسفار، ولذا قيل في المرأة التي تبرز شيئاً من جسدها: سافرة، والسفور معروف، فالسفر هو الخروج والبروز عن البلد، ومفارقة البلد.
طالب:. . . . . . . . .
قصر بذي الحليفة، لكنه خرج من المدينة، خرج يعني باشر السفر، ما يطلبون مسافة القصر هنا في البداية، المسافة للغاية، وليست للبداية، مجرد ما يفارق عامر البلد، ولو كان إذا التفت رأى البلد، خلاص برز، وشرع في السفر بالفعل، لكنها من البلد، لكن هذا عمران، ومنسوب إلى البلد، كآخر جزء منه، هو منسوب إلى البلد، بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا ما سافر إلى الآن، الذي متجه إلى المطار ما شرع في السفر.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
وهو مسافر؟
طالب:. . . . . . . . .
خلاص هذا مسافر انتهى، مجرد ما يفارق آخر بناية في البلد خلاص انتهى، مسافر.
طالب:. . . . . . . . .(15/34)
عندك الرخص، المسألة ترى طويلة، وفروعها كثيرة، الرخص هذه المعلقة في السفر من القصر والجمع والفطر والمسح هذه تحتاج إلى ما يسمى سفر، والجمهور اعتمدوا مسافة واعتمدوا مدة، اعتمدوا مسافة معينة واعتمدوا مدة معينة، والأدلة لا تنهض على التحديد في المسألتين، ولذا يرى جمع من أهل التحقيق أنه إذا وجد الوصف وجد الحكم، وإطلاق النصوص يدل على أن السفر يطلق على قليله وكثيره، وابن حزم يقول: إذا خرج عن البلد ميل ولو كان الغاية يترخص، عملاً بالإطلاق، وبعضهم عمل ببعض النصوص في غير هذا الباب، ما أطلق عليه سفر في النصوص الأخرى كنهي المرأة عن أن تسافر مسيرة يوم وليلة، ويومين، وثلاثة، نقول: هذه أسفار، جاء في النص تسميته سفر، وما عدا ذلك لا يقال له: سفر، والصحابة اعتمدوا بالنسبة للمسافة أربعة برد، مأثور عن الصحابة، وذكره عن ابن عباس وغيره البخاري وغيره، قالوا: من مكة إلى الطائف، من مكة إلى عسفان، من مكة إلى جدة، قالوا: هذه مسيرة يومين، والمدة حددوها بأربعة أيام، وأخذوها من مفهوم بعض أسفاره -عليه الصلاة والسلام-، نقول: النص الملزم بالحد المحدد سواء كان في المدة أو في المسافة لا ينهض على تأييد قول الجمهور، لكن يبقى أن العمل بإطلاق النصوص يترتب عليه تضييع لهذه العبادات، وانظروا إلى الناس لما أفتوا بهذا في الوقت الأخير، ما الذي حصل؟ صاروا يذهبون إلى الدراسة أربع سنين، خمس سنين، عشر سنين؛ لأنه ما في أحد محدد، خلاص مسافر وبيرجع، يترخصون، لا يصومون، ولا يصلون مع الناس، ويقصرون، يترتب عليه تضييع لهذه العبادة التي هي من أعظم شعائر الدين، الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- كان يفتي بقول شيخ الإسلام بالإطلاق، أفتى به مدة، ثم رجع عنه إلى قول الجمهور، التحديد بالمسافة والمدة، يقول: لأن هذا هو الاحتياط لهذه المدة، وعلى المسلم أن يخرج من عهدة الواجب بيقين، كونه يعرض صلاته للبطلان على قول جمع غفير من أهل العلم، ما هي مسألة واحدة وإلا اثنين وإلا عشرة، جماهير أهل العلم يرون التحديد، فكونه يعرض صلاته لبطلان عند هؤلاء، على أن القائلين بالقول الآخر لا يبطلون الصلاة إذا عوملت معاملة مقيم، يعني إذا صلى الإنسان كل صلاة في(15/35)
وقتها أو صلاها أربع تكون باطلة عند الطرف الآخر؟ ما تكون باطلة، حتى عند من يوجب القصر مثل الحنفية، يؤثمونه، يقولون: خالف، لكن الصلاة صحيحة، فالاحتياط لهذه العبادة أمر واجب.
هذا يقول: هل الخروج للنزهة وقد بلغ أكثر من ثمانين كيلو هل يترخص برخص السفر؟
نعم يترخص، ولو كان خرج للنزهة، ولو خرج .. ، بعضهم يخص السفر الذي فيه الترخص بأن يكون سفر طاعة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سافر إلا للطاعة، للغزو، أو جهاد، حج، عمرة، ما عدا ذلك ما سافر، لكن الشرع علق بالوصف، وهذا سفر، والمسافة موجودة، والمدة محدودة، على قول عامة أهل العلم يترخص، حتى لو خرج للنزهة، لكن هل يترخص في سفر المعصية وإلا ما يترخص؟ الجمهور لا يترخص، والحنفية يترخص عندهم، كأنه ميل شيخ الإسلام إلى قول الحنفية، يترخص، لماذا؟ لأنه علق بوصف ووجد هذا الوصف، لكن الجمهور يقولون: إن إتاحة الترخص له مما يعينه على معصيته، والعاصي لا يعان في معصيته، يعني بدلاً من أن يعاق عن طريقه ...(15/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (12)
باب: قصر الصلاة في السفر - وباب: الجمعة - وباب: صلاة العيدين
الشيخ: عبد الكريم الخضير
والعاصي لا يعان في معصيته، يعني بدلاً من أن يعاق عن طريقه، خرج ليقطع الطريق مثلاً، أو ليرتكب جرائم ومحرمات، نقول له: اجمع بين الصلاتين أو اقصر؟ اجمع واقصر ليتوفر لك وقت؟! الجمهور لا، لو قدر أنه يزاد عليه كان أنسب لحاله ووضعه، وقيد الأكل من الميتة للمضطر بكونه غير باغ ولا عاد، يعني لو كان باغياً أو عادياً لا يجوز له أن يأكل من الميتة، وهي رخصة، فالعاصي لا يترخص، وهذا قول جمهور العلماء.
طالب:. . . . . . . . .
يومياً.
وش المانع؟ يترخص، المسافة موجودة والحمد لله، والدين فيه سعة، والوصف موجود.
طالب:. . . . . . . . .
فيها حديث في المستخرج.
سم.
باب: قصر الصلاة في السفر
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: قصر الصلاة في السفر
يعني جعل الصلاة الرباعية ركعتين، وفي حديث عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر" وعند أحمد: "إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار" وهو حجة الحنفية الذين يوجبون القصر، وعندهم فرضت ووجبت، والجمهور يقولون: فرضت قدرت، ولا يعني هذا الوجوب.(16/1)
في حديث: "ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك" يعني وصحبت أبا بكر وعمر وعثمان كذلك كانوا لا يزيدون على ركعتين، عثمان في آخر خلافته زاد وأتم، وكذلك ثبت عن عائشة -رضي الله عنها-، وابن مسعود أتم خلف عثمان، وذكر أن الخلاف شر، وهذه القاعدة يستدل بها بعضهم على ارتكاب بعض المحظورات، أو المتابعة على بعض البدع، يقولون: الخلاف شر، هذا الكلام ليس بصحيح، الخلاف شر في فاضل ومفضول، تفعل المفضول لأن الخلاف شر، أما ترتكب محظور وتقول: الخلاف شر؟! لا، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
يقول: "صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان لا يزيد في السفر على ركعتين" نعم القصر أفضل من الإتمام؛ لأنه هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتوقيت أفضل من الجمع، هكذا يطلق أهل العلم، ولا شك في أن القصر أفضل من الإتمام، وأما بالنسبة للجمع فالأرفق بالمسافر هو الأفضل، وهو المناسب لقصد الشرع، حينما شرع ذلك، في الحديث السابق يقول: إذا كان على ظهر سير، بعضهم يجعل الجمع مقيد بما إذا جد به السير، إذا جد به السير جمع، وإذا كان مسافر لكنه نازل في مكان، ويمر عليه أكثر من وقت فإنه لا يجمع، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه في تبوك أنه أقام وجمع بين الصلاتين، وجمعه بعرفة ومزدلفة وهو جالس باقي في المكان، هذه المسألة خلافية بين أهل العلم، المقصود أنه لا يلزم منه أن يكون قد جد به السير، والشرع حينما أباح هذه الرخصة، وتفضل بها على المسلمين لا شك أنه يريد أن تفعل، فالله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، فالجمع يجوز للنازل، ولمن جد به السير ولو كان نازلاً، ما دام الوصف محققاً.(16/2)
والأصل في قصر الصلاة الكتاب والسنة والإجماع {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] بهذا الشرط بشرط الخوف، ثم ارتفع الخوف وبقي الحكم؛ لأنه قد يشرع الحكم لعلة ترتفع العلة ويبقى الحكم، كما هنا صار صدقة تصدق الله بها، كما جاء في حديث عمر وغيره، الرمل في الطواف شرع لعلة، لأن المشركين قالوا: يأتي محمد وأصحابه، وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل في الطواف، ارتفعت العلة، وبقي الحكم، فهذا من الأحكام التي شرعت لعلة، فارتفعت العلة وبقي الحكم، الحنفية عندهم الجمع واجب، طيب ماذا عن قوله -جل وعلا-: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [(101) سورة النساء]؟
طالب:. . . . . . . . .
القصر إيه.
القصر عندهم واجب، طيب دليل القصر من الكتاب؟ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ} [(101) سورة النساء] رفع الجناح لا يدل على الوجوب، نستحضر آية السعي {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [(158) سورة البقرة] هم يستدلون بتلك الآية على عدم وجوب السعي، ويستدلون بهذه الآية على وجوب القصر، يتم الاستدلال وإلا ما يتم؟ ما يتم الاستدلال، هم يجيبون على من أوجب السعي وهم الجمهور يقولون: أليس في الآية أكثر من رفع الجناح، ورفع الجناح يعني رفع الإثم، وهذا لا يدل على الوجوب، طيب تعالوا إلى هنا، ليس في الآية أكثر من رفع الجناح، ورفع الجناح لا يدل على الوجوب، وإذا قالوا: أوجبنا القصر بمثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين" قال لهم الجمهور: أوجبنا السعي بمداومة النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وقوله: ((خذوا عني)) وأيضاً جاء الأمر به ((اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي)) فلا يتم لهم الاستدلال هنا حتى يسلموا هناك، ظاهر دليلهم وإلا .. ؟ وعلى كل حال عامة أهل العلم جمهورهم على أن السعي واجب، أو ركن من أركان الحج، يخالف فيه الحنفية، وهنا يخالفون في الطرفين، وإذا ألزموا هنا يلزمون هناك.(16/3)
هو عندك متن: "هذا هو لفظ البخاري"؟ ما عندكم في المتن؟ هذا هو لفظ رواية البخاري، وفي الحديث: ولفظ رواية مسلم أكثر وأزيد، موجود في العمدة وإلا ما هو موجود؟ يعني ما هو عندكم؟
لفظ مسلم .. ، يقول: حفص بن عاصم يقول: "صحبت ابن عمر" يعني عمه عبد الله بن عمر "في طريق مكة فصلى بنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جاء رحله، وجلس وجلسنا منه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى ناساً" عندك ذكرها؟ إيه.
صلى .. أكمل.
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
هذه في مسلم، طيب نعم يصلون؟ هذا فهم ابن عمر وإلا ثبت عن عثمان -رضي الله عنه- أنه أتم، وأنه تأول، وعائشة أتمت وتأولت كما تأول عثمان.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الجمعة
الحديث الأول:
عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أن رجالاً تماروا في منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أي عود هو؟ فقال سهل: من طرفاء الغابة، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عليه فكبر، وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر، ثم ركع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: ((يا أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي؛ ولتعلموا صلاتي)) وفي لفظ: فصلى وهو عليها، ثم كبر عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الجمعة(16/4)
باب متفرع عن كتاب الصلاة، فالجمعة صلاة، تشملها النصوص العامة التي جاءت في الصلاة، وما يخصها فيما جاء بالتشديد بشأنها، والاهتمام بها، الجُمعة بضم الجيم، والميم الجمهور على ضمها جُمُعة، وجاء تسكينها وهي قراءة الأعمش، يعني قراءة العامة بضم الميم، قرأ الأعمش بتسكينها، جُمْعة، ونطقت من قبل العرب بفتح الميم جمَعة، كهمزة ولمزة وهزأة، كما أنها ذكرت بكسرها، جمِعة، لكن الأكثر على الضم ضم الميم، والتسكين سائغ، وكان العرب يسمون هذا اليوم يوم العروبة، وهذا اليوم يوم عظيم شأنه، اختلف في المفاضلة بينه وبين يوم عرفة، ولا شك أنه بالنسبة للأسبوع أعظم أيام الأسبوع، وهو يوم هذه الأمة الذي أدخره الله لها، وأظل عنه الأمم السابقة، اختار اليهود السبت، واختار النصارى الأحد، ولذا جاء في الحديث في الصحيفة المشهورة، صحيفة همام، وهي مخرجة في الصحيحين وغيرهما ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) نحن الآخرون يعني بالنسبة للزمان، والسابقون يوم القيامة، اليهود غداً، والنصارى بعد غد؛ لأن الجمعة ثم السبت ثم الأحد، وعلى هذا يكون الأول في أيام الأسبوع المعتمد عند الناس السبت، السبت هو الأول، ومن باب أخذ الأولية من التسمية كأن العرب لما نطقوا بالأحد، الاثنين، الثلاثاء، الأربعاء، الخميس، السبت، أنها على هذا الترتيب الأحد هو الأول، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب الأحد هو الأول ...
طالب:. . . . . . . . .
لا حتى من التسمية، الأحد هو الأول، والاثنين هو الثاني، والثلاثاء هو الثالث، واضح مطابقة الأسماء للأرقام، لكن مقتضى ((نحن الآخرون السابقون)) يدل على أن الجمعة قبل السبت؛ لأنه هو آخر أيام الأسبوع، وعلى كل حال هذا اليوم شأنه عظيم، والصلاة المفروضة فيه صلاة الجمعة شأنها أيضاً عظيم، وجاء في شأنها، والتشديد من التفريط فيها من النصوص ما جاء ((من ترك ثلاث جمع متواليات طبع الله على قلبه)) وأهل العلم يقررون أن ترك الجمعة والتساهل في أمرها يقولون: من باب تيسير العسرى، ما معنى هذا الكلام؟ هاه؟ إيش معناه؟
طالب:. . . . . . . . .(16/5)
لا ما هو بعسير، هو يسير لكن .. ، {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(8 - 10) سورة الليل] ييسر له النار نسأل الله السلامة والعافية، وجاء في التشديد فيها ما جاء، نصوص كثيرة فيها، لا شك أن هذا الذي ينام ويترك الجمعة ميسر للعسرى للنار، نصوص الوعيد الشديدة التي جاءت فيها، يختم على قلبه، وعلى خلاف بين أهل العلم في ترك الصلاة وهي واحدة منها، لكن شأنها عظيم، وهي صلاة مستقلة كالصبح لا تجمع ولا يجمع إليها، والمراد بالباب الصلاة صلاة الجمعة، باب صلاة الجمعة.
الحديث الأول: "عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أن رجالاً تماروا" يعني تجادلوا وتنازعوا "واختلفوا في منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أي عود هو؟ " هل من الخشب الأثل؟ أو النخل؟ أو من أي شجر هو؟ "من أي عود هو؟ "فقال سهل: من طرفاء الغابة" يعني من شجر الطرفاء الموجودة في الغابة "وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عليه" يعني قام على المنبر، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستند إلى جذع قبل اتخاذ المنبر، يستند إلى جذع، يقف مستنداً عليه، ولما اتخذ المنبر وهجر الجذع، حن الجذع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، حن إليه -عليه الصلاة والسلام-، فأتخذ المنبر من أجل أن يصعد عليه، يكون من ثلاث درجات ليرى ويُرى؛ لأن الرؤية لها أثر في الرائي، رائي القول، رائي القائل ورائي العامل، يعني حينما صلى لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- على المنبر رأوه؛ لأن الإمام إذا كان على الأرض قد يخفى أمره على الصف الثاني والثالث والرابع ومن بعده، قد يراه الصف الأول لا سيما القريب منه، لكن إذا كان على المنبر رأوه جميعاً، القائل أيضاً له أثر، رؤية القائل لها أثر في نفس المستمع، ولذا تجدون من يقرب من الإمام تكون فائدته أكثر، وكذلك من يقرب من المعلم في الدرس لا شك أن فائدته أعظم، ولذا جاء الحث على القرب من الإمام، والتبكير إلى الجمعة، وجاء في خبر: أن الأقرب إلى الإمام هو الأقرب إلى الله -جل وعلا- يوم المزيد.
قرب بقرب والمباعد مثله ... بعد ببعد حكمة الديانِ(16/6)
لكن الحديث فيه كلام، والحث على التهجير سيأتي -إن شاء الله تعالى- في حديث في الباب، لا شك في أمره.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعني هل المطلوب المسارعة إلى الصف الأول والمحافظة عليه وعلى يمين الصف، ولو كان يساره أقرب، أو على الصف الأول مع كون الوسط الثاني أقرب؟ نعم؟ النصوص الأكثر في المحافظة على الصف الأول، لو يعلمون ما في .. إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
وأيضاً؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ((لو يعلمون ما في النداء والصف الأول ... ولو حبواً)) المقصود أن الصف الأول جاء فيه من النصوص أكثر، ولذا يسأل كثير من الطلاب هل نحافظ على الصف الأول إذا كان الدرس في مؤخرة المسجد، أو نقرب من الدرس؟ لأنه إن قربوا من الدرس وجلسوا إلى نهايته فاتهم الصف الأول، وإذا جلسوا في الصف الأول لا سيما وأن الأسباب التي تبلغ الحاضر قد تكون لمن بعد عن الدرس أوضح ممن قرب منه؛ لأن السماعات واللواقط تكون على الحيطان، نعم؟ القرب لا شك ((فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه)) هذا يدل على مزاحمة الشيوخ، والحرص على هذا؛ لأن لا يفوت شيء من العلم؛ لأن بعض الأمور قد لا يتبينها السمع مع غيبة الشخص، لكن إذا اجتمع السمع مع ضعفه، مع ملاحظة كيفية أداء الكلمة من الشيخ يتوافر هذا على هذا، وتثبت، على كل حال القرب هو أفضل من البعد.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الذي جاء في الصف الأول أكثر.
طالب:. . . . . . . . .
عن كل خير، على كل حال التبكير مطلوب، والتأخر على حسبه إن كان تأخر عن مستحب فهو مكروه، وإن تأخر عن واجب فهو محرم، والتأخر عن مخرج فأمره أعظم.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . يقدم.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال يعرفون يدبرون أمورهم، إذا هناك بضاعة تبي تفوت يعرفون يصرفون أنفسهم.
اليوم عمال يشتغلون عند باب المسجد بآلات أزعجت الناس، ونقول لهم: صلوا، يقولون: ما أقام، الله المستعان.(16/7)
"وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عليه" يعني مصلياً "فكبر -عليه الصلاة والسلام-" يعني للإحرام "وكبر الناس وراءه" إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا "كبر الناس وراءه وهو على المنبر" والمنبر ثلاث درجات "ثم ركع وهو على المنبر، فنزل القهقرى" ثم ركع فنزل، مقتضى العطف بالفاء أنه نزل راكعاً، في لفظ: "ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى" لا يلزم منه أن يكون نزوله حال الركوع، وإنما بعد الرفع منه؛ لأن ثم تقتضي العطف مع التراخي.
"ثم ركع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر" يعني عند أصله الذي هو أساسه "ثم عاد" يعني عاد إلى المنبر صعد عليه، حتى فرغ من آخر صلاته على الطريقة التي أدى عليها الركعة الأولى "ثم أقبل على الناس فقال: ((يا أيها الناس)) " يعني من رأى ويسمع ((إنما صنعت هذا)) صنعت وفعلت هذا ((لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي)) لأنه القدوة، وهو الأسوة، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فأراهم النبي -عليه الصلاة والسلام- كيفية الصلاة ليتم الامتثال " ((ولتعلموا صلاتي)) وفي لفظ: صلى عليها ثم كبر، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى" صلى ثم كبر، كيف صلى ثم كبر؟
طالب:. . . . . . . . .
صلى يعني أراد الصلاة "ثم كبر عليها، ثم ركع وهو عليها ... " إلى آخر الحديث، المقصود أن صلاة الجمعة .. ، الآن الصلاة التي صلاها صلاة جمعة وإلا لا؟ هذه صلاة جمعة وإلا صلاة فرض عادي وإلا نفل وإلا وش تصير؟ هل هي صلاة الجمعة لندخلها في باب الجمعة؟ لا هو أدخل الحديث من أجل المنبر، أي نعم، دخل الحديث من أجل المنبر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي يظهر أنها صلاة عادية، صلاة فرض من الفروض أو للتعليم، جاء في الترمذي: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، المقصود أن الحديث إنما أورد من أجل المنبر، وأن الجمعة تكون خطبتها على المنبر.
طالب:. . . . . . . . .(16/8)
لا سجد على الأرض، في أصل المنبر، فيه النزول أثناء الصلاة وهو حركة، وإذا قلنا: إن المنبر ثلاث درجات لزم عليه أن يتحرك ثلاث، وهم يمنعون ثلاث حركات متوالية في ركن واحد، ويبطلون الصلاة بهذا، في ركن واحد إيه، الجواب؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا لحاجة ممنوع، ثلاث متوالية تعتبر كثيرة في ركن واحد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، مثل هذه ما يدرى هل هي نفل أو فرض؟ لها احتمالات، وصلاة .. ، على الاحتياط، كيف يجاب عنه؟ يعني هل فيه ما يدل على أنه صلى على الدرجة الثالثة؟ منهم من يقول: لا يلزم أن يكون صلى على الدرجة الثالثة، فإذا صلى على الدرجة الأولى أو الثانية صار صلى على المنبر، اللفظ يحتمل، الأمر الثاني أنه احتمال أنه نزل درجة وهو راكعاً، فلما رفع من الركوع نزل البقية.
طالب: احتمال ينزل الثلاث بحركة واحدة.
ثلاث يعني بحركة واحدة ينزل درجتين؟ حمل أمامة بنت زينب مرة واحدة هذه، مرة واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
تقدم.
طالب:. . . . . . . . .
معروف إيه.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم خطوتين توصله، خطوتين ترجعه وتقدمه.
طالب:. . . . . . . . .
عامة أهل العلم على هذا، كأنهم يتفقون على هذا، وأن الثلاث كثيرة.
طالب:. . . . . . . . .
هم تأخروا، لكن يمكن الصف الأخير وصل إلى مكان الناس، يمكن، ولا يلزم منه أن يكون كثيراً.
المقصود أن مثل هذه الحركة، ومثل حمله أمامة بنت زينب وجاءت من القدوة والأسوة فلا ينكر على من فعل مثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
فتح الباب وتقدمه من أجل السترة، المقصود أن الحركات مثل هذه ...
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا في الفريضة، صلاة الظهر، بينما نحن ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني جاء وهو حامل أمامة، متى ينتظرونه؟ ينتظرونه في صلاة الفرض، جاء في بعض الطرق أنها الظهر.
طالب:. . . . . . . . .
يقولون هذا، يعني مثل القراءة في المصحف، يحتاج إلى حمل ويحتاج إلى وضع، يعني من باب أولى.
سم.(16/9)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من جاء منكم الجمعة فليغتسل))
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من جاء منكم الجمعة فليغتسل)) " من جاء منكم الجمعة، مفهومه الذي لا يجيء إلى الجمعة لا يلزمه الغسل؛ لأن المسألة شرطية ((من جاء منكم الجمعة فليغتسل)) فمفهوم الشرط أن الذي لا يريد الإتيان إلى الجمعة لا يغتسل كالنساء مثلاً، ومن لديه عذر يبيح له ترك الجمعة فإنه لا يغتسل، فالغسل إذاًَ لحضور صلاة الجمعة ((من جاء منكم)) ممن يتأتى إليه خطاب الأمر بالجمعة ((من جاء منكم الجمعة)) والمراد الصلاة ((فليغتسل)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وجاء في الحديث المخرج في مسلم: ((غسل الجمعة)) وفي رواية: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) فعندنا اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وغسل الجمعة واجب.
طالب:. . . . . . . . .
عجيب.
أجل ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ما في إلا الحائض اللي تصلي مختمرة، وإذا طهرت تجدع الخمار صح؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
أنت ما شاء الله عليك، وارث الشوكاني أنت.
إذاً نقول: الحائض عليها أن تختمر، لا يقبل الله صلاتها إلا بخمار، والطاهرة ما تختمر، صح؟ لا محتلم يعني مكلف، يعني بلغ الحلم، كما أن الحائض من بلغت الحلم بالحيض؛ لأنه غالب ما تبلغ به النساء، والاحتلام غالب ما يبلغ به الرجال.
طيب ((من جاء منكم الجمعة فليغتسل)) اللام لام الأمر، وعامة أهل العلم على أن غسل الجمعة سنة وليس بواجب.
طالب:. . . . . . . . .(16/10)
((ومن اغتسل فالغسل أفضل)) هذا صارف لهذا الحديث؛ لأن الأمر مشترك بين الوجوب والاستحباب، فيوجد من يصرف، لكن اللفظ كيف يصرف؟ واجب، كيف نصرف كلمة واجب؟ يعني إذا استطعنا أن نصرف الأمر افعل أو فليفعل لأن هذا مشترك بين أهل العلم بين الوجوب والندب، فإذا صرف عن أصله الذي هو الوجوب احتمل الندب، هذا ما فيه إشكال، لكن كلمة واجب كيف نستطيع صرفها؟ يا إخوان خلونا خطوة خطوة، وبكلام يمشي ما نريد، دعونا من كلمة واجب متأكد، وإلا ما أدري ... ، لا ما ينفع، عندنا الذي يمكن صرفه الأمر، وما يأتي بلام الأمر يمكن صرفه، لكن لفظ واحد، يعني لو تقول: جاء زيد، تستطيع أن تصرفه إلى ذهب زيد، ما يمكن، ما يمكن تصرفه إلى ذهب زيد؛ لأن هذا لفظ نص في المسألة، أنا أقول: صيغة الأمر ولام الأمر تحتمل الأمرين، فإذا تعذر الأصل فيها لوجود ما يعارضه استطعنا أن نصرف، لكن اللفظ الواحد كيف نصرفه ودلالته واحدة؟ خلونا مسألة مسألة، أنا أريد أن أقرر شيء؛ لأنهم يقولون: واجب على كل محتلم، مصروف بقوله، مصروف كيف مصروف؟ اللفظ المحدد لا يحتمل صرف، لكن نبحث في معناه، إذا أردنا واجب اصطلاحي ما نستطيع أن نصرفه، ما نستطيع أن نصرف الواجب الاصطلاحي إلى غيره، واضح وإلا ما هو بواضح؟ إذا أردنا أن نطبق الواجب الاصطلاحي ما استطعنا أن نصرف، لكن إيش معني الواجب في اللغة؟ هل يتطابق الاصطلاح الحقيقة العرفية عند أهل العلم مع الحقيقة اللغوية؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(16/11)
متأكد، في لغة العرب إذا قيل: حقك علي واجب يعني متعين ومتأكد، لا يعني أني آثم إذا لم أؤده إليك، والوجوب من السقوط {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [(36) سورة الحج] الجنابة يعني سقطت، فلا تلازم بين الحقيقة اللغوية مع الحقيقة الشرعية، أو مع الحقيقة الاصطلاحية، لا تلازم، إذاً من يقول: إن اللفظ صريح في المراد، وأن الذي لا يغتسل آثم لأنه واجب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق، وأنصح الخلق، وأعرف الخلق بمراد ربه، وبلغة قومه، وقد أدى وبلغ باللفظ الصريح الصحيح، فما جوابنا عن هذا؟ نقول: إن الحقائق اللغوية قد تختلف مع الحقائق الاصطلاحية، ومع الحقائق العرفية تختلف، ضربنا مثال: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يعني لو أقسم شخص أنه منذ أن ولد إلى أن بلغ مائة سنة ما رأى جمل أصفر، نقول: أنت محاد لله ورسوله؟ أنت معاند للقرآن؟ يعني الجمل الأصفر باللون الأصفر المتعارف عليه بين الناس هل رأى أحد منكم جمل أصفر؟ هذا الأصفر، أحد رأى جمل مثل هذا؟ ما رأى أحد، ما في أحد رأى جمل مثل هذا، فإذا اختلفت الحقيقة العرفية أو اللغوية عن الشرعية ما تصير في محاداة، نعم ينبغي أن تكون الاصطلاحات ولو قلنا: يجب أن تكون الاصطلاحات أثمنا أهل العلم قاطبة، أن تكون الاصطلاحات مطابقة للحقائق الشرعية، ولذلك لما يقول الصحابي: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" يقول الحنفية: ليست بفرض، نقول: معاندين ومحادين؟ نقول: هذا اصطلاح عندهم، نعم ينبغي أن يكون الاصطلاح موافقاً لما جاء في النصوص، لكن عامة أهل العلم، كل في استعماله حصل منه مخالفة، فكلمة واجب مدلولها اللغوي غير مدلولها الاصطلاحي، وعلى هذا لا نقول: إن من قال .. ، وعامة أهل العلم على هذا، من قال: بأن غسل الجمعة ليس بواجب مخالف، محاد ليس عنده جواب، إلا عنده جواب، ليش ما عنده جواب؟ نقول: فما عذرك إذا وقفت بين يدي ربك وقال لك: بلغك نبيي عني أن غسل الجمعة واجب؟ نقول: نعم واجب ومتأكد ومتعين، لكن هل معنى هذا أنه هو الذي يطبق عليه تعريف الفقهاء للواجب أو الأصوليين؟ ما يلزم، لكن فهم أحد من الصحابة أنه آثم؟ عثمان هات عمر قصته مع عثمان دخل ما اغتسل، وش(16/12)
قال له؟ قال له: أنت آثم؟! ما قال له شيء، بحضور الصحابة كلهم، عثمان دخل متأخر وعمر يخطب فلامه على التأخر، قال: ما فعلت إلا أن توضأت وحضرت، قال: والوضوء أيضاً؟ يعني مثل عثمان إذا أخل بمثل هذه الفضيلة ولو لم تكن واجبة يلام، لكن هل قال له: أنت آثم، وبحضور الصحابة كلهم؟ دعونا .. ، صحيح أنهم لا يقولون باشتراطه مثل الوضوء، يعني يأثم بتركه عندهم، عند من يقول به، ولا عرف هذا القول إلا عند الظاهرية، والإمام مالك يقول: بالنسبة لمن تتغير رائحته، أصحاب المهنة وغيرهم، وإلا عامة أهل العلم على أنه مستحب.
((من جاء منكم الجمعة)) والمقصود صلاة الجمعة ((فليغتسل)) فالغسل للصلاة، الظاهرية الذين أوجبوا الغسل جعلوه لليوم، وعلى هذا لو اغتسل عصر الجمعة كفاه، لو اغتسل العصر يكفيه؛ لأنه لليوم، جاء في بعض الروايات: ((غسل يوم الجمعة)) فأضيف إلى اليوم، فإذا اغتسل العصر أو آخر العصر أو الظهر بعد صلاة الجمعة ما عليه، أدى الواجب، والأصل أن الاغتسال تهيئ لهذا الاجتماع، ولهذا العيد، وأيضاً إذا اجتمع الناس على غير اغتسال وغير نظافة لا بد أن تنبعث منهم روائح، لا سيما في البلاد الحارة، ولا نتصور أن الزمان السابق مثل زماننا فيه المكيفات وفيه الأمور المريحة، لا.
لا هناك في أمور مريحة، وهنا في أمور مريحة، صح وإلا لا؟
طالب: إيه.
وشلون مريحة؟
طالب: يعني الآن أريح ....
صح وقبل؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه من الراحة وتلك من الرائحة، ما شاء الله عليك.
الغسل لصلاة الجمعة، لو اغتسل لصلاة الفجر، وخرج إلى الجامع، وجلس من صلاة الفجر إلى أن صلى الجمعة يكفي وإلا ما يكفي؟ اغتسل لصلاة الفجر بعد طلوع الفجر، أما قبل طلوع الفجر ما أحد يقول به، لكن بعد طلوع الفجر، وصلى الفجر الصبح في الجامع، وبقي إلى أن صلى الجمعة، اغتسل قبل صلاة الفجر، وقال هذا يكفي، وهذا يفعل أحياناً لصلاة العيد، إذا صليت مثلاً في مسجد الفاصل يسير، لكن الجمعة الرواح إليها -كما سيأتي- إنما يبدأ من ارتفاع الشمس، اغتسل لصلاة الجمعة، وراح لصلاة الجمعة، ثم اتكأ على شيء ونام، انتقض وضوؤه يعيد الغسل وإلا ما يعيد؟
طالب:. . . . . . . . .
وراه.(16/13)
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بشرط، لكن يأثم وإلا ما يأثم؟ أدى الجمعة بغسل وإلا لا؟ بغسل منتقض، الوضوء انتقض، ويعيد الوضوء، نعم ما أحد من أهل العلم يلزمه، أو يستحب له أن يعيد الغسل، نعم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال: جاء رجل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: ((صليت يا فلان؟ )) قال: لا، قال: ((قم فاركع ركعتين)) وفي رواية: ((فصل ركعتين)).
يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث:
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة" فجلس والنبي -عليه الصلاة والسلام- يراه، لما دخل من باب المسجد وجلس "فقال: ((صليت يا فلان)) " من باب العرض؛ لئلا يحرجه أمام الناس، ويأمره بالأمر المباشر، وهذا أسلوب من أساليب التوجيه، فإذا لاحظت على شخص شيء، وأتيت به على سبيل الاستفهام، لا شك أنه أدعى لقبوله، ترى المخالفات ظاهرة، لكن إذا أتيت بها على سبيل الاستفهام كان أدعى للقبول، حتى مع الكبار، يعني لو سمعت مثل عمل من شخص، أو قول، أو فتوى تأتي فتسأله عن حكم المسألة، ما حكم كذا؟ أو سمعنا أن أحداً يقول بكذا، فما رأيكم بكذا؟ يعني. . . . . . . . . القول، أما أن تواجهه بالانتقاد هذا ثقيل على النفس.(16/14)
" ((صليت يا فلان؟ )) قال: لا، قال: ((قم فاركع ركعتين)) " تحية المسجد، من دخل المسجد والإمام يخطب يصلي ركعتين، يتجوز فيهما، عند الحنابلة والشافعية، ومنع من ذلك المالكية والحنفية، قالوا: لكي يشتغل بالسماع، باستماع الخطبة، فإذا نهي عما هو أقل من ذلك، تحريك الحصى بثانية واحدة ((من مس الحصى فقد لغا)) إذا قلت لصاحبك: أنصت، كلمة في ثانية لغوت، ولا جمعة لك، فكيف يأتي بركعتين تحتاجان إلى وقت؟! وهل يقبل على صلاته أو يقبل على الإنصات إلى الخطبة؟ نقول: ما دام جاء النص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، قال: ((قم فاركع ركعتين)) فدل على أن هذا مخصوص، وأن تحية المسجد لا تسقط باستماع الخطبة، ولا يعفى عنها، وإن كان عامة أهل العلم على أن تحية المسجد سنة، وليست بواجبة. "وفي رواية: ((فصل ركعتين)) " هناك إجابات عن الأمر بهاتين الركعتين، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره ليصلي ركعتين ليراه الناس؛ لأنه محتاج، فإذا رآه الناس وبان من بينهم، والناس يستمعون، فطنوا له وتصدقوا عليه، هذا جواب المالكية عن الحديث، وإلا فتحية المسجد أثناء الخطبة ليست سنة عندهم، مثل مس الحصى، ومثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إن قلت: اسكت، على كل حال هذا الحديث مخصص لما جاء من الاستماع، وأن هذه ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وفي الحديث ما يدل على أن تحية المسجد لا تسقط بالجلوس، ومن أهل العلم من يقول: سنة فات محلها، لكن هذه تقال بالنسبة لمن عرف الحكم وترك؟ أما الجاهل الذي لا يعرف الحكم يعرف، فيكون حينئذٍ عمله بالنص بعد بلوغه.
في شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
يجلس، ما يلزم أن يكون؛ لأن عدم النقل ليس بنقل للعدم، السنة تثبت بمثل هذا الحديث، وما عداه محتمل، قررنا مراراً أن الوقتين الموسعين لا مانع من الصلاة فيهما، والأوقات الثلاثة المضيقة لا يصلى فيها شيء من النوافل، ولو كانت ذات سبب.
الطالب: يعني الآن جاء ويجلس ....
إذا كان قرب طلوع الشمس لا يصلي، مثل هذا فيه سعة، يعني لو جلس عملاً بأحاديث النهي ما يلام، ولو صلى ما يلام -إن شاء الله-.
نعم.(16/15)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس.
الحديث الرابع:
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس" هذا لفظ الحديث في الصحيحين وإلا المعنى؟ "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب خطبتين يقعد بينهما" علقوا عليه المحققين وإلا ... ؟ إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، المقصود أنها رواية بالمعنى ولا مانع منها، فيشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتين، يفصل بينهما بالجلوس، والأصل أن تكون من قيام، وفعله -عليه الصلاة والسلام-، والخلفاء من بعده، وهاتان الخطبتان شرط لصحة الجمعة، وتشتملان على ما يسمى خطبة، ويتقدمها الحمد، والثناء على الله -عز وجل-، والصلاة على النبي، والشهادة .. إلى أخر ما يطلب في ما يسمى خطبة، وجاء في وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يخطب أنه -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيح إذا خطب علا صوته، وأحمر وجهه، كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، يرتفع صوته، ويحمر وجهه وعيناه، كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، ولا شك أن هذا أبلغ في التأثير بالنسبة للسامع، وجاء أيضاً أنه يقول في خطبته: أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله ... إلى آخره، إيش؟ وأن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، كما في بعض الروايات، المقصود أنه نقل من خطبه -عليه الصلاة والسلام- شيء منها، والمقصود ما يسمى خطبة، تشتمل على الحمد، والشهادة، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والموعظة، والأمر بتقوى الله ... إلى غير ذلك، وإيراد الشعر في الخطبة يبطلها عند بعض أهل العلم، ومنهم من يرى أنها لا تبطل إلا إذا غلب الشعر، وصار أكثر من النثر، وينبغي تنزيهها من الشعر في الجملة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال في الجملة المطلوب ما يؤثر في السامع.
طالب:. . . . . . . . .
خطبتين شرط عند أهل العلم.
نعم.(16/16)
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس:
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قلت لصاحبك)) " الصحبة تكون لأدنى مناسبة، والمراد بالصاحب هنا المجاور أو القريب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لأمهات المؤمنين: ((لأنتن صواحب يوسف)) لوجه الشبه بينهن، فالصحبة تكون لأدنى مناسبة وملابسة، ولذا قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة)) حال خطبة الإمام ((فقد لغوت)) لأن المطلوب الاستماع، فالاستماع للخطيب واجب، كل ما يؤثر على هذا الواجب لا يجوز؛ لأنه يحول دون تحقيق الواجب، وما لا يتم الواجب إلا بتركه فهو واجب، وجاء سد الباب فيما هو أدنى من ذلك، مجرد الحركة بمس حصى أو شبهه يلغو، و ((من لغا فلا جمعة له)) والمقصود من هذا الثواب المرتب على الجمعة يفوته، وإلا فالصلاة صحيحة، ومسقطة للطلب، طيب من لا يتصف بالسمع ولا بالاستماع، أو لا يفهم يطالب بالإنصات وإلا ما يطالب؟ الأصم مثلاً، أو الأعجمي الذي لا يفهم الكلام؟ عموم الحديث يشمل الجميع، والذي لا يفهم أو لا يسمع إذا كانت العلة منتفية بالنسبة له أثره يتعدى إلى غيره.
طالب:. . . . . . . . .
يشغل من حوله، نعم بلا شك، لا شك أنه يشغل من حوله، فالعموم هو الصواب.
طالب:. . . . . . . . .
ولا بد أن تكون الخطبة بالعربية، أجاز بعض أهل العلم كالحنفية ترجمتها، لكن تكون بالعربية، ولو ترجمت بعد الصلاة لغير العرب بالأعجمية فحسن.
طالب:. . . . . . . . .
ما يسمع، بعيد، والذي حوله بعد أيضاً ما يسمعون، .... يشوش على نفسه، ولا على غيره، افترض أنهم في الدور الثاني، أو في أسفل، نعم جاء مهندس وقام يشبك، مثل هذا يتعامل مع الإمام، فالإمام له أن يكلم، وله أن يتكلم، هذه ما فيها إشكال، إذا تعامل مع الإمام أنحل الإشكال، إذا كلفه الإمام ما في إشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(16/17)
والله العموم يشمله، لكن لو ترجمت فيما بعد، المقصود أن المسألة خلافية، والجمهور على أنها لا تترجم، لا بد أن تؤدى بالعربية، معروف الجواب على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
بعد الصلاة ما في ما يمنع.
طالب:. . . . . . . . .
أبد، يقال لهم: إنه يترجم لكم فيما بعد، ويعرفون من عادته، إذا جاء بما يسقط الطلب بالعربية، ثم أضاف إليه بغيرها ما في ما يمنع أيضاً، لكن يأتي بخطبة تامة بأركانها، بما يسقط الطلب باللغة العربية، ثم يأتي بغيرها من اللغات.
طالب:. . . . . . . . .
يفتح عليه؛ لأن مخاطبة الإمام ما فيها بأس.
نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اغتسل في الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)).
يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اغتسل يوم الجمعة)) " اغتسل، فالثواب المرتب في هذا الحديث، وفي غيره من الأحاديث مثل: ((من غسل واغتسل، وبكر وابتكر)) لا بد من توافر ما اشترط؛ لأنه قد يتعدد فعل الشرط؛ ليكون الجواب واحداً عن المجموع ((من اغتسل يوم الجمعة)) والغسل على ما تقدم في قول عامة أهل العلم مستحب استحباباً متأكداً ((يوم الجمعة)) واليوم يبدأ الأصل من طلوع الفجر، عند المتشرعة من طلوع الفجر، وعند الفلكيين من طلوع الشمس، وهنا من ارتفاع الشمس؛ لأن ما قبله مستغرق بعبادة، صلاة الصبح، والانتظار بعدها إلى ارتفاع الشمس هذا مستغرق بعبادة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعله، إذاً الصلاة التي تليها يكون الرواح إليها بعد هذا الوقت، بعد ارتفاع الشمس.(16/18)
((ثم راح)) الرواح الأصل فيه أنه يقابل الغدو، والغدو في أول النهار، والرواح في آخر النهار، الغدو في أول النهار، في الصباح، والرواح في المساء، وهل المطلوب هنا الرواح في المساء؟ المقصود مجرد الذهاب، فإذا أطلق الرواح من غير اقتران بالغدو فيشمل الوقتين أول النهار، وآخر النهار، ويراد به ما يرادف الذهاب، أما إذا جاء مقروناً بالغدو فيحمل الغدو على معناه الخاص، والرواح على معناه الخاص.
((ثم راح في الساعة الأولى)) التي تبدأ من ارتفاع الشمس إلى ما ينقسم عليه الوقت من هذا إلى دخول الإمام، فإذا كانت الشمس ترتفع الآن في الخامسة والثلث، والإمام يدخل في الثانية عشرة إلا عشر، اقسم هذا على خمسة، وقد تكون موافقة للساعة الفلكية التي هي ستين دقيقة، وقد تكون أقل، وقد تكون أكثر، قد تكون أقل وقد تكون أكثر؛ لأن المراد بالساعة مقدار من الزمان، وبدؤها يكون من أول النهار من ارتفاع الشمس، ومن أهل العلم كالإمام مالك من يرى أن هذه الساعات ساعات لطيفة تبدأ بعد الزوال عملاً بالرواح، وهذا القول لا شك أنه يناسب كثير من الناس، كثير من طلاب العلم في هذه الأوقات، أنها ساعات لطيفة بعد الزوال .. ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
يأتي هذا، راح في الساعة الأولى، إذا افترضنا أن الساعة الأولى بدأت من خمس وثلث إلى ست ونصف مثلاً، إلى ست ونصف، ساعة وربع أو ساعة وعشر، الذي يأتي خمس وثلث مثل الذي يأتي في ست ونصف إلا خمس، كلهم في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، كلاهما كأنما قرب بدنة، لكن البدنة تختلف الذي يأتي في أولها بدنة نفيسة، والذي يأتي في أثنائها بدنة متوسطة، والذي يأتي في آخرها بدنة أقل.
((فكأنما قرب)) وفي رواية: ((كأنما أهدى بدنة)) والبدنة هنا في هذا الحديث المراد بها من الإبل، وإن كان الإطلاق يشمل البقر، لكن لما كان البقر منصوص عليها في الحديث خرجت من الإطلاق.(16/19)
((ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة)) في الحديث ما يدل على أن إهداء البدنة أفضل من إهداء البقرة، الحديث دليل على أن إهداء البدنة من الإبل أفضل من إهداء البقرة؛ لأنه لا يستوي من جاء في الساعة الأولى، ومن جاء في الساعة الثانية، ومعادلة البدنة بسبع والبقرة بسبع يدل على التساوي، لكن في هذا الباب البدنة أفضل، وفي باب الهدي والأضاحي متساوية، وفي باب الغنائم متفاوتة؛ لأن البدنة عدلت بعشر، والبقرة عدلت بسبع، فلكل باب ما يخصه.(16/20)
" ((فكأنما قرب)) وفي رواية: ((كأنما أهدى)) ((بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن)) " ويقال فيه مثل ما قيل .. ، ويدل على أن الذكر أفضل من الأنثى، والأقرن أفضل من الأجم ((ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة)) وفي رواية: ((كأنما أهدى دجاجة)) الدجاجة تهدى أو يتقرب بها؟ أقول: هل الدجاجة مما يهدى أو يتقرب به؟ المراد بذلك كأنما تصدق بكذا، على كل حال النصوص فوق الجميع، فالمقصود أن الدجاج والعصفور على ما جاء في بعض الروايات، والبيض كله ليس مما يهدى، لا يقبل في الهدي والأضاحي، لكن المراد بالتقريب هنا التصدق، طيب قد يقول قائل: أنا لماذا أذهب إلى الجمعة في الساعة الأولى وكأنما قربت بدنة واحدة، لماذا لا أجلس في بيتي وأتعلم عشر آيات، أو عشرين آية، أو مائة آية، وأكون كمن حصل عن كل آية بدنة، بدلاً من الذهاب في الساعة الأولى يجلس في مصلاه، في بيته، في مسجده، ولا يروح الجامع، وله عن كل آية بدنة، نعم، الآية ببدنة، وبناقة، والآيتين بناقتين، يمكن يحصل على أجور عظيمة إذا جلس في بيته أو في مصلاه، يمكن يحصل على آلف بدنة، نقول: فرق بين أن يهدي وبين أن يأخذ، الذي يتعلم كأنما أخذ، كأنما حصل له من أمور الدنيا بدنة، لكن يهدي بدنة يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- أفضل من مئات الألوف من البدنات التي يأخذها؛ لأن بعض الناس قد يشوش عليه في مثل هذا، يقول: بدل ما أهدي بدنة واحدة، والآية الواحدة ببدنة، وعشر آيات بعشر بدنات، وألف آية بألف بدنة، ليش أنا أستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ نقول: لا يا أخي، نقول: هذه كأنما حصلت من أمور الدنيا على بدنة، وهنا في حديث الباب كأنما تقربت إلى الله -جل وعلا- ببدنة، أنت تصور أن البدنة أقل شيء بألفين ريال، قس الألفين ريال بخمس ساعات تروحهن، أما كونك تأخذ هذه مسألة أخرى.
طالب:. . . . . . . . .
حتى في المسجد في المصلى يقول: هذا أريح لي أجلس هنا، وأقرأ لي مائة آية، وأتأخر إلى دخول الخطيب ولا أروح إلا الخامسة، على كل حال في كل خير، ولكل خير -إن شاء الله تعالى-، وكلهم على خير، لكن المبادرة أفضل بلا شك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد الزوال؟(16/21)
طالب:. . . . . . . . .
نحن ذكرناه، ذكرنا قول مالك ساعات لطيفة بعد الزوال.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بعد الآذان الثاني، إذا دخل الخطيب انتهى ما في ساعات، عند الجميع ما في ساعات، نعم.
((من راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة)) والدجاجة بفتح الدال وكسرها، وإن كانوا يرجحون أن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، الفتح للذكر والكسر للأنثى، مثل المايح والماتح، وغيرها من ألفاظ كثيرة على هذا.
((ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة)) في بعض الروايات: ((كأنما قرب عصفوراً)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يطلق عليه دجاجة، بالفتح يطلق عليه ...(16/22)
((ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة)) وجاء عند الحاكم أن اليوم اثنا عشر ساعة، وهو موافق لرواية الست ((من راح في الساعة السادسة)) لأن الزوال إلى السادسة، وفيه أيضاً ما يدل على أن الأصل في ضبط الوقت من بداية النهار، لا من نصفه، إذا طلعت الشمس تبدأ الساعة الأولى بهذا الحديث، أما تبدأ الساعة الأولى بعد الزوال على خلاف هذا الحديث، وخلاف ما هو معمول به عند العرب، إلى زمن قريب إلى أن امتزجوا بغيرهم، ولذا تجد الخلل مثلاً حينما تبدأ الساعات من الزوال، وقت الصفر الذي هو الزوال، ثم تبدأ بعده الواحدة، ثم الثانية ثم الثالثة، الثانية عشرة منتصف الليل، صح وإلا لا؟ الثانية عشرة منتصف الليل، الثانية عشرة آخر ما هي منتصف، الواحدة بعدها صباحاً، فالنصف الثاني وين راح؟ صحيح هذا تقوله في إذاعات العالم كلها تقول هكذا، إذاعات الدنيا كلها تقول: الثانية عشرة منتصف الليل، الواحدة صباحاً، دل أن المسألة فيها خلل، فالساعات تبعاً لهذا الحديث تبدأ من أول النهار، وما في شك أن ضبط أول النهار بالتوقيت غير العربي، بالتوقيت الإفرنجي الوافد، ضبط أول النهار لا سيما لأمور الدنيا، هم ما لاحظوا أمور الآخرة، هو أضبط، وأول الليل بالنسبة للتوقيت الغروبي العربي أضبط، ولذلك ما تنضبط صلاة العشاء، لا صيف ولا شتاء على التوقيت المعمول به الآن، قبل منضبطة واحدة ونصف يؤذن العشاء صيفاً وشتاء، ولذلك الليل منضبط على التوقيت الغروبي، والنهار أوله لا سيما أوله منضبط بالتوقيت الزوالي، المبني على زوال الشمس، وعلى كل حال المسألة اصطلاحية، وكان الموظفون في العهد السابق في كل أسبوع يأتون يقولون: ترى الدوام يبدأ الساعة واحدة، مع الأسبوع الثاني وحدة وربع، الثالث وحدة ونصف، وحدة وعشر، لا بد يغير، ليش؟ لأن طلوع الشمس المرتب عليه الدوام، الدوام بعد طلوع الشمس بساعة ما هو منضبط، ولذلك لأمور دنياهم وأعمالهم وتجاراتهم منضبطة بالتوقيت، بتوقيتهم، لكن أول الليل لا ينضبط إلا بتوقيت العرب المستمد من هذا الحديث.(16/23)
((فإذا خرج الإمام)) يعني خرج المقصود به دخل وخرج على المصلين، الدخول والخروج أمور نسبية، يعني أقبل وأدبر، حينما يقول: مسح رأسه أقبل بيديه وأدبر، مقتضاه أن يبدأ من مؤخر الرأس إلى مقدمه، ثم يدبر، لكن يقول: بدأ بمقدم رأسه، فالإقبال والإدبار نسبي، وهنا الدخول والخروج نسبي، يعني خرج على المصلين، والأصل أنه دخل المسجد، فهذه أمور نسبية.
((حضرت الملائكة)) تركت الكتابة ((حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) على هذا من يسجل الداخل بعد هذا؟ في أحد يسجل، ما في إلا الحفظة، وأما من يسجلون من أجل هذه الجوائز فقد انتهوا.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الجمعة
الحديث السابع:
عن سلمة بن الأكوع -وكان من أصحاب الشجرة -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به.
وفي لفظ: كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع فنتتبع الفيء.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السابع من باب صلاة الجمعة:
"عن سلمة بن الأكوع -وكان من أصحاب الشجرة -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجمعة" وكنا تدل على الاستمرار، وهذا الأصل، وقد ترد لغير ذلك إذا دلت القرائن على أن مثل هذا الفعل لم يحصل إلا مرة واحدة "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجمعة ثم ننصرف" يعني منها "وليس للحيطان ظل يستظل به" نفي للظل، وهذا يقتضي أن تكون الصلاة قد وقعت قبل الزوال.(16/24)
"وفي لفظ: كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع فنتتبع الفيء" اللفظ الثاني يدل على أن الجمعة إنما تكون بعد الزوال "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع فنتتبع الفيء" وبين اللفظين شيء من التعارض في الظاهر، فمفهوم الحديث الأول يدل على أنهم يفعلونها قبل الزوال، ومنطوق اللفظ الثاني يدل على أنهم يفعلونها إذا زالت الشمس، يعني بعد الزوال، إذا زالت الشمس يعني بعد الزوال، فإذا قدمنا المنطوق كما هو الأصل، لا بد من الإجابة عن المفهوم "فكنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" ظل موصوف، ليس لها ظل ليس مطلقاً، لو قال: وليس للحيطان ظل حصل التعارض، لكن "يستظل به" يدل على أن لها ظل، ولكن لا يمكن الاستظلال به بالنسبة لجميع من خرج من المسجد دفعة واحدة، قد يكون هناك ظل، هناك ظل، لكنه لا يستوعب الناس الذين يخرجون من المسجد يوم الجمعة، فهؤلاء يحتاجون إلى ظل واسع، ولا يعني أنه لا يوجد ظل لا يستوعب الناس، فتتفق الروايات، وتكون صلاة الجمعة بعد الزوال والحيطان لها ظل، لكن ليس بالظل الكثير الذي يظل الناس كلهم {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] هل هذا نفي للعمد أو إثبات للعمد؟ نفي للعمد المرئية، يعني لا ينفي أن يكون هناك عمد غير مرئية.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نظير ما عندنا {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] هل هذا نفي للعمد بالكلية؟ يعني لا يوجد عمد أصلاً؟ ومن لازم عدم العمد عدم الرؤية، أو أن هناك عمد لكنها لا ترى؟ واللفظ محتمل، وهذا أعظم في القدرة، كون هناك عمد لكنها لا ترى، هو مطابق لما معنا وإلا ليس مطابق؟ فالمنفي هنا الظل الذي يستظل به من قبل من يستظلون به ممن يخرجون من المسجد الجامع دفعة، وعلى كل حال المسألة خلافية، فعل صلاة الجمعة قبل الزوال محل خلاف بين أهل العلم، جمهور أهل العلم على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، ووقت صلاة الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء ... وإلا مثله؟(16/25)
مثله، أنت حنفي أنت، هذا قول الجمهور، وعند الحنابلة أنه يصح فعلها قبل الزوال لهذه النصوص، لمثل هذا النص يصح فعلها قبل الزوال، والجمعة لها سبب وجوب، ووقت وجوب، بناء على القاعدة، القاعدة أن العبادة إذا كان لها سبب وجوب ووقت وجوب لا يصح فعلها قبل السبب اتفاقاً، ويصح فعلها بعد دخول وقت الوجوب اتفاقاً، ويجوز بين الوقتين على خلاف في ذلك، بين السبب والوقت، فالحنابلة يجوزونها قبل الزوال، بناء على أن السبب انعقد، ولو لم يحضر الوقت، عندهم، والمرجح هو قول الجمهور في هذه المسألة، وأجوبتهم يمكن أن يجاب عنها، أدلتهم يمكن أن يجاب عنها بما ذكرنا.
"كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع فنتتبع الفيء" الفيء هو الظل، فيه ظل لكنهم يتتبعونه لقلته، لو كان كثيراً ما تتبعوه، لوسعهم، الآن لو تصورنا أن المسجد على شارع كبير، والرصيف متر واحد، ويطلعون الناس من صلاة الجمعة هل هذا الرصيف يتسع الناس كلهم؟ أو يتتبعونه واحد رجل على الرصيف، وواحد برع، اتقاء السيارات على الرصيف، ويتتبعون هذا الرصيف مثل ما يتتبعون الظل خشية الحر، فإذا كان المكان لا يستوعب فلا بد من تتبع، ولا بد من قصده، ولو كان واسع كبير يتحمل الناس من غير تتبع.
الحديث الثامن.
نعم.
الحديث الثامن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة آلم تنزيل السجدة، وهل أتى على الإنسان.
في الحديث الثامن يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة آلم تنزيل السجدة" هذه في صلاة الفجر يوم الجمعة "وهل أتى على الإنسان" والمناسبة ظاهرة؛ لأنه في السورتين ما يدل على شيء مما حدث ويحدث في هذا اليوم العظيم، ففيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في صلاة الفجر من يوم الجمعة، والمناسبة ظاهرة؛ لأن السورتين اشتملتا على شيء مما حصل ويحصل في هذا اليوم العظيم.(16/26)
جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- ما يدل على أنه كان يديم ذلك، بمعنى أنه لا يخل به إلا نادراً، وهذه السنة تكاد تكون مهجورة في كثير من المساجد، لا سيما إذا كان الإمام لا يحفظ هاتين السورتين، أو كان المأموم يتضايق من قراءة هاتين السورتين، لا سيما وأن الناس قد ربوا على عدم الإطالة، على تخفيف الصلوات بما فيها صلاة الفجر التي هي مشهودة {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] تشهده الملائكة، وأيضاً كما جاء في الحديث: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة" ومع الأسف أن كثير من الأئمة لا يحتمل هذا التطويل، وعود الناس على التخفيف، بحيث صاروا يتضايقون لو زيد فيها آية واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
يديم ذلك جاء في أسانيد لا بأس بها، لكن الدوام معناه الغالب، هم يقولون: من باب أن لا تشبه بالواجبات، لا يداوم عليها، والمستحبات ينبغي أن لا يداوم عليها من هذا الباب؛ لئلا تشبه بالواجبات، فيظنها العامة أنها واجب، ولا بد من تمرين العامة على السنن، ولا بد من إطلاعهم على السنن؛ لأنه في عصر مضى يعني قبل خمسين سنة، وقف رجال الحسبة على عمال يعملون في بستان، قبيل زوال الشمس في يوم الجمعة، فلما نوقشوا ما عرفوا أن هذا يوم جمعة؛ لأن الإمام ما قرأ هاتين السورتين في صلاة الفجر، إذا عودوا على هذا خلاص اعتادوه، بحيث لو لم يقرأ ناموا وتركوا صلاة الجمعة، فلا بد من تعويدهم على هذا، وأيضاً ترك هذا في بعض الأحوال؛ ليعرفوا أن هذا سنة وليس بحتم.
نعم.
باب: صلاة العيدين
الحديث الأول:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة.(16/27)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب صلاة العيدين، والعيدان تثنية عيد، وهو اسم لما يعود ويتكرر في وقت معين محدد، وهما عيدان، الأضحى الذي يقع في أثناء مناسك الحج، والفطر الذي يعقب الفطر من رمضان، فعيد الفطر من رمضان، إنما شرع لشكر هذه النعمة، إتمام هذه النعمة التي هي أداء ركن من أركان الإسلام، والتوفيق له، وقل مثل هذا في عيد الأضحى الذي فيه .. ، في العشر الذي تقدمته من العبادات العظيمة التي منها الصلاة والصيام والذكر والحج، يجتمع في هذه العشر ما لا يجتمع في غيرها، و ((ما من أيام من العمل الصالح فيهن أفضل وأعظم من هذه الأيام العشر)) إلا ما استثني من رجل خرج بنفسه وماله في سبيل الله فلم يرجع من ذلك بشيء، المقصود أن هذه الأيام هي أيام عظيمة، شرع فيها عبادات، وشرع بعدها العيد شكراً لله -جل وعلا- على التوفيق لأداء هذه العبادات في هذه الأيام العظيمة، في الحديث: ((شهرا عيد لا ينقصان)) ما معنى شهرا عيد؟ رمضان وذي الحجة، لكن ذو الحجة في أثنائه، فيصح أن نقول: إنه شهر عيد، وأما بالنسبة لرمضان فالعيد فيه أو بعده؟ بعده، فكيف قيل: شهر عيد والعيد بعده؟ لأنه بسببه؛ ولأنه ملاصق له، ولذا قيل .. ، جاء في الحديث الذي سقناه قريباً: "إلا المغرب فإنها وتر النهار" وهي في الليل، لكن لما تعقبته من غير فاصل صارت كأنها فيه في النهار، والعيد لما تعقب رمضان من غير فاصل صار كأنه في رمضان.
وليس للمسلمين عيد ثالث غير هذين العيدين، وكان للعرب في جاهليتهم يومان يظهرون فيهما الفرح والسرور، بناء على أنهما عيدان، فأبدلنا الله -جل وعلا- بدلهما هذين العيدين.(16/28)
والعيد لا شك أنه يوم فرح وأنس، وفيه فسحة في التخفف من شيء من التكاليف الواجبة .. لا أقول: الواجبة بل المستحبات، أما الواجبات لا بد من أدائها، وليس معنى هذا أنه يزاول فيه المحرمات؛ لأن من زاول المحرمات في هذين اليومين فقد استعملهما على خلاف ما شرعا من أجله، شرعا لشكر الله -جل وعلا-، وإظهار الفرح والأنس الذي تعقب هذه العبادات، أما من زاول المحرمات في هذين العيدين فليس هذا دليل على قبول هذه الأعمال، وليس هذا أيضاً من باب مقابلة النعم بالشكر، كثير من الناس يتوسع في مثل هذا، يترك واجبات، يرتكب محرمات، لكن هذا لا يجوز، نعم في الدين فسحة ولله الحمد، في مزاولة بعض المباحات، وبعض الأمور التي ينكف عنها المسلم في سائر أيامه.
المقصود أن مثل هذا في ديننا فسحة له، من الشيء اليسير، من العبث اليسير، واللهو اليسير، كل هذا في الدين فسحة، أما ارتكاب المحرمات فلا.
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" هذا ديدن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر وعمر يقدمون الصلاة على الخطبة، ثم بعد ذلك في عصر بني أمية قدمت الخطبة على الصلاة، لماذا؟ يقول أهل العلم: إنهم أحدثوا في الخطب ما يتورع عن سماعه بعض الناس، فإذا صلوا خرجوا، فأراد الولاة أن يلزموهم بالحضور، حضور الخطبة؛ لأنهم لن يخرجوا والصلاة باقية، وعلى كل حال هذه بدعة ممن جاء بها، ولو كان متأولاً، داخلة في حيز البدعة؛ لأنها خلاف ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان متأولاً؛ لأنهم أحياناً يقولون: كون الخطبة قبل الصلاة أو بعدها لا يؤثر، كما أن الجمعة خطبتها قبل الصلاة، نعم فلتكن العيد مثلها، على أن العبادات توقيفية لا تقبل الاجتهاد ولا القياس، فعلى المسلم أن يلتزم بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
وصلاة العيد يختلف أهل العلم في حكمها، فمنهم من يقول: بسنيتها كالمالكية والشافعية، وعند الحنابلة هي فرض كفاية، ويرى الحنفية أنها واجبة على الأعيان، ما معنى واجبة على الأعيان؟ يعني علية القوم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(16/29)
نعم وجوب عيني لا وجوب كفائي، وجوباً عينيناً لا وجوباً كفائياً، بمعنى أنها لا تسقط عن أحد إلا المعذور الذي لا يستطيع الحضور إليها، فهي واجبة في حقه، الذين قالوا بسنيتها كالمالكية والشافعية استدلوا بحديث: ((خمس صلوات كتبهن الله على العباد)) وحديث أيضاً ضمام بن ثعلبة لما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- عارضاً عليه ما سمع، ومما سمعه أن الله -جل وعلا- أوجب على عباده خمس صلوات، ثم بعد ذلك قال .. ، أقسم أنه لا يزيد على ذلك ولا ينقص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أثبت له الفلاح، فدل على أنه لا يجب غير الخمس، والذين يقولون بأنها فرض كفاية كالحنابلة يقولون: شعار لا بد من القيام به، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وواظب عليه، وفعله خلفاؤه من بعده، فلا يجوز تعطيله، شعار من شعائر الدين، وعلامة على هذا اليوم العظيم، فلا بد من أن يقوم به من يحصل به الغرض، فإذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وصار سنة.
أما الحنفية فاستدلوا بأدلة، منها: قوله -جل وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] قالوا: المراد بالصلاة هذه صلاة العيد، ومنها حديث أم عطية الآتي: "أمرنا بإخراج العواتق والحُيض وذوات الخدور" والأمر أصله للوجوب، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يميل إلى قول الحنفية أنها واجبة على كل مستطيع، وأنه لا يعذر فيها أحد، وكأنه من حيث النظر أقوى، الأقوى دليلاً.
نعم.
الحديث الثاني:
عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأضحى بعد الصلاة، فقال: ((من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له)) فقال أبو بردة بن نيار خال البراء بن عازب: يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، فذبحت شاتي وتغديت قبل أن آتي الصلاة، قال: ((شاتك شاة لحم)) فقال: يا رسول الله فإن عندنا عناقاً وهي أحب إلينا من شاتين، أفتجزئ عني؟ قال: ((نعم، ولن تجزئ عن أحد بعدك)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:(16/30)
"عن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأضحى بعد الصلاة" وفيه من الدلالة مثل ما في الحديث السابق، وأن العيد لها خطبة، وأنها تكون بعد الصلاة.
"فقال: ((من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك)) " يعني صلى صلاة العيد ونسك فقد أصاب النسك، والنسك هنا الذبح ((ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له)) يعني لا يقبل منه، بل وقت الأضحية إنما هو بعد الصلاة.
والأضحية كما في بابها عامة أهل العلم على أنها سنة مؤكدة، وهي النسيكة في هذا اليوم، ومنهم من يرى الوجوب؛ لقوله في الحديث اللاحق: ((فليذبح)) وسيأتي ما فيه.
((من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك)) شرط وجوابه، والشرط مركب من جملتين، والجواب مرتب على الجملتين، يعني مضى بالأمس نظيره، ما مضى نظيره؟ في الجمعة.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هنا؟ ((من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى)) ((من اغتسل ... ثم راح ... فكأنما قرب)) فلا يحصل ثواب التقريب إلا بالغسل والرواح، لماذا؟ لأن الجواب جاء متعقباً لجملتين، وننظر هنا ((من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك)) طيب الذي لم يصل صلاة العيد؟ لأن مقتضى التركيب أنه لا يصيب النسك إلا إذا صلى ونسك.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
افترض إنه شافعي ما صلى العيد، نام عن صلاة العيد، انتبه الساعة تسع، الناس مصلين ذبح ذبيحته، تقبل وإلا ما تقبل؟
طالب:. . . . . . . . .
((من صلى)) شوف اقرن بهذا ما جاء في حديث عروة بن مضرس لما جاء وأدرك صلاة الصبح ليلة النحر بالمزدلفة، وجاء في ((من صلى صلاتنا هذه، وقد وقف بعرفة قبل ذلك أية ساعة من ليل أو نهار)) من أهل العلم من يرى اشتراط أن يدرك الصلاة، وأن يصلي الصلاة، وإلا ما يصح وقوفه، تنظير مطابق وإلا ما هو مطابق؟ الآن لو افترضنا أن مالكياً وإلا شافعياً نام بعد صلاة الصبح، انتبه الساعة التاسعة وذبح ذبيحته، نقول: نسك وإلا ما أصاب النسك؟ ....(16/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (13)
باب: صلاة الكسوف
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الآن لو افترضنا أن مالكي أو شافعي نام بعد صلاة الصبح، انتبه الساعة تسع وذبح ذبيحته، نقول: نسك وإلا ما أصاب النسك؟ هل أتى بالشرطين أو ما أتى بهما؟ أتى بواحد، طيب لو قام من نومه يوم الجمعة توضأ ومشى في الساعة الأولى يدرك بدنه وإلا ما يدرك؟ على مقتضى الحديث ما يدرك حتى يغتسل، وهنا لأن الجواب متعقب لجملتين، لا بد أن تتحقق الجملتان، واضح مفهوم وإلا ما هو مفهوم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما يكفي، لا هذا قول، ما في شيء يصيبه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو تحقق له أحد الشرطين، هل نقول: إنه مثل الذي لم يصل؟ ذبح ولم يصل هل هو مثل من صلى ولم يذبح؟ كلاهما لم يصب النسك؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا المفروض، يعني هذا الأصل، لكن أنت تفترض المسألة في شخص يقول: صلاة العيد ليست بواجبة سنة، ما الذي يلزمني بها؟ أنا أميل يمكن الناس عموماً في ليالي العيد، كثير منهم ابتلى بالسهر، يصلي الفجر وينام إلى تسع، ويقوم يتعيد مع الناس ونشيط، ويذبح مع الناس، نقول: أصاب النسك وإلا ما أصاب؟ فهل تقدم الصلاة شرط لقبول النسك أو ليس بشرط؟ قيل به لهذا الخبر، الذي ما يصلي لا يذبح، قيل به، لكنه قول غير معتبر عند أهل العلم، والجهة منفكة.
أما قوله: ((من صلى صلاتنا)) يعني ممن أراد الصلاة، أو من صلى فإنه لا يذبح حتى يصلي، يعني من أراد النسك فإنه لا يذبح حتى يصلي، الصلاة أو قدرها، والخلاف معروف بين أهل العلم في هذا، هل المقصود الصلاة ذاتها أو وقت الصلاة؟ أنت افترض أن الإمام تأخر على الناس، يعني بدلاً من أن تصلى الصلاة في .. ، الساعة الآن في مثل هذه الأيام مثلاً خمس ونصف تصلى أو قبلها، تأخر الإمام إلى الساعة السادسة، فالساعة ستة المفروض أنهم صلوا وانتهوا، هذا نظر الساعة وقال: الشمس طالعة لها مدة، وهذا الوقت كافي لأداء الصلاة وذبح، صحيحة وإلا ما هي بصحيحة؟ أو نقول: هذا معلق بصلاة الإمام؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(17/1)
شوف اللفظ، اللفظ: ((من صلى صلاتنا)) واللفظ الثاني: ((من ذبح قبل أن يصلي)) فالنصوص كلها معلقة بالصلاة تقدمت أو تأخرت، هذا ظاهر النص، أليس هذا ظاهر النص؟ فهو معلق بالصلاة، لكن هل يخضع الناس لا سيما البعيدون عن مكان الإمام، ومن ينيبه الإمام، يخضعون لمثل هذا، لا تفترض المسألة في سهولة الاتصال بمثل هذه الأيام هل صلى أو ما صلى؟ تعلم الدنيا كلها في آنٍ واحد أن الإمام صلى أو ما صلى، نعم، لو يبعد عشرين كيلو عن الحاضر عن محل الإمام، ما يدري هل الإمام صلى أو ما صلى؟ ويبي ثلاث ساعات وما وصله الخبر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي لكن أقول: هل المعتبر في مثل هذا تحقق الصلاة أو مقدار وقت تقضى فيه الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الذي يظهر، نعم أهل العلم اعتبروا وقت الصلاة كافي، وإن كان منهم من تقيد بالحرفية فقال: لا بد من الفراغ من الصلاة.
((من صلى صلاتنا)) يعني صلاة العيد ((ونسك نسكنا)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن ..
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه جاء نصوص تقول: ((من راح)) ما في اغتسل ((من راح)) ((من هجر في الساعة الأولى)) فهو منفك لا شك، لكن الغسل أيضاً له ثوابه ((ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له)) قبل الصلاة، هذا يرجح قول من يقول: إن الأمر معلق بالصلاة، والقول الآخر يحتاج قائله أن يقدر، ومن نسك قبل وقت الصلاة، أو قبل زمن تؤدى فيه الصلاة فلا نسك له.
"قال أبو بردة بن نيار -خال البراء بن عازب-: يا رسول الله إني نسكت شاتي" يعني ذبحت شاتي "قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب" نعم أيام الأعياد، أيام أكل وشرب، وليست محل صيام ولا غيره، "وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي" لينال الأجر قبل الناس، ليطعم الناس، ليَطْعم ويطُعم، فينال الأجر، ويتفرد به؛ لأن العبرة بمن يذبح الأول، إذا أكل الناس من الأولى ما احتاجوا إلى الثانية.(17/2)
"وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي، وتغديت قبل أن آتي للصلاة، فقال: ((شاتك شاة لحم)) " الآن أبو بردة هذا عالم بالحكم أو جاهل؟ جاهل بالحكم، عذر بالجهل أو لم يعذر؟ لم يعذر، لماذا لم يعذر بالجهل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يفرقون بين المأمور والمنهي، بين الأمر والنهي، فالمأمور لا يعذر فاعله بالجهل؛ لأنه لا بد من إيجاده، والمنهي عنه يعذر بالجهل لأن المراد تركه، والقاعدة أن الجهل مثل النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لو أن هذا نسي الأضحية، ثم قال: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] وكنت ناوٍ أضحي ونسيت أضحي، يعذر وإلا ما يعذر؟ يعذر بالنسيان وإلا ما يعذر؟ يعني هل فعل محظور وإلا ترك مأمور؟ فالنسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لكنه ينزل الموجود منزلة المعدوم، الآن هنا في القصة المذكورة، هذا ذبح فالنسيكة موجودة، والجهل في حكم النسيان، وهذه النسيكة التي جهل أمرها جاءت على خلاف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهي مردودة عليه، ولم يعذر بجهلة؛ لأن هذا الجهل والنسيان نزل هذه الموجودة منزلة المعدومة، والذي نسيها لم ينزل المعدوم منزلة الموجود، لا بد من الإتيان بها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كالتسمية، التسمية شرط، سواء نسي وإلا جاهل ما عليه، كل هذا يجوز الأكل منها.
"قال: ((شاتك شاة لحم)) " يعني يجوز أكلها؛ لأن الشروط متوافرة، لكن الشروط التي تجعلها نسيكة يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- مقبولة غير متوافرة.
إلا أن هذا جاء من المسلمين، حديث عهد بإسلام، الأصل أنهم يسمون.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
أقول: هذه ذبيحة جاءت من مسلمين، نعم كونهم حديثي عهد بإسلام قد الشك يتساور الذهن أنهم ما سموا، ما بلغهم الحكم، سم أنت وكل، إنما تأكل على الأصل أنها ذبيحة مسلم، لكن لو قال لك مسلم: ما سمى، تسمي وتأكل أنت؟ ما ينفع.
طالب:. . . . . . . . .
"إن نسينا"؟
طالب:. . . . . . . . .
النسيان هذا في الإيجاد لا في الترك.(17/3)
"قال: ((شاتك شاة لحم)) " بمعنى أنها تؤكل، ذبيحة توافرت الشروط في حل أكلها فتؤكل، لكنها لا تجزئ عن الأضحية.
"قال: يا رسول الله فإن عندنا عناقاً" يعني صغيرة لم تبلغ السن المطلوب، والسن المطلوب جذع الضأن، وثني ما سواه "فإن عندنا عناقاً، وهي أحب إلينا من شاتين، أفتجزئ عني؟ قال: ((نعم، ولن تجزئ عن أحد بعدك)) " لو أقتصر على قوله: "أفتجزئ عني؟ قال: ((نعم)) " يعني تكفي، تقضي، قال: ((نعم)) صارت له ولغيره ممن يشبه حالُه حالَه، وقوله: ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)) لا تجزئ لمن ذبح قبل الصلاة، ولا لمن لم يذبح، لا تجزئ عن أحد بعدك.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود المعلق بها صلاة الإمام، هذا المقصود بها عند أهل العلم، مع الإمام، أو قدر صلاة الإمام، لكن أنت افترض أن الإمام تأخر، أخذه نوم ونام له زيادة ساعة، والوقت ما زال، وإن كانت السنة تعجيل الأضحى وتأخير الفطر، وقال مثلاً: الوقت من ارتفاع الشمس إلى الزوال وأخرها، وخالف السنة في هذا، ينتظر الناس حتى يصلي؟ من أهل العلم من قال: ينتظر، لكن إن كان بالإمكان الإطلاع على حال الإمام لا شك أن الأحوط ينتظر حتى يصلي الإمام، إذا لم يكن بالإمكان كما هو بعيد عن الإمام مثلاً، ولا وسائل للاتصال، مثل هذا يعمل بالوقت.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
بارتفاع الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
هو وقتها نعم إلى زوال الشمس.
" ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)) " دليل على أن الخطاب يعم الجميع إلا ما استثني؛ لأنه لو لم يرد هذا الاستثناء لأجزئت عن الجميع، فدل على أن الأصل أن خطاب الواحد يعم الأمة إلا ما استثني.
نعم.
الحديث الثالث:
عن جندب بن عبد الله البجلي -رضي الله تعالى عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، ثم خطب وقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
الحديث الثالث:(17/4)
"عن جندب بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ثم خطب" صلى ثم خطب، هناك قال: خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأضحى بعد الصلاة، في الحديث الأول: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة، كل هذا مما يدل على أن الخطب للأعياد تكون بعد الصلاة، ولم يذكر في حديث واحد -على ما سيأتي- أنه أذن لها ولا أقيم لها، فدل على أن صلاة العيد لا أذان لها ولا إقامة، على ما سيأتي.
"صلى يوم النحر ثم خطب، قال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليذبح أخرى مكانها)) " لا تجزئ، شاة لحم، إذا تعجل فشاته شاة لحم ((فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)) قائلاً: باسم الله، والتسمية شرط {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [(121) سورة الأنعام] والمقصود أن التسمية شرط لحل الذبيحة، فإذا تركت التسمية صارت الذبيحة ميتة، لا تحل لأحد.
وقت الأضحية من بعد الصلاة يوم العيد إلى أخر أيام التشريق، إلى غروب شمس أخر أيام التشريق الثلاثة، ومن أهل العلم من يرى أن الذبح ثلاثة أيام: يوم العيد، ويومين بعده، والمسألة معروفة عند أهل العلم، وأيام التشريق أيام أكل وشرب، وهي ثلاثة وهو المرجح.
"إذا ذبح" يعني بالنسبة للأضحية النصوص ظاهرة فيها واضحة، لكن ماذا عن الهدي؟ هل حكمه حكم الأضحية؟ يذبح بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق أو يجوز ذبحه قبل صلاة العيد؟ يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
الكلام في أوله، دعنا من آخر الوقت، أنت افترض أن هذا بعد نزوله من مزدلفة، أول عمل بدأ به الذبح، قبل الرمي وقبل الطواف، وقبل الحلق، يصح أنه لما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) يجوز تقديم الذبح على الرمي، لكن هل يجوز تقديم الذبح على الصلاة صلاة العيد؟
طالب:. . . . . . . . .
وقتها وقت الصلاة.
طالب:. . . . . . . . .(17/5)
يعني الكلام على إيش؟ أن هذا نزل من مزدلفة وذبح قبل صلاة العيد، ذبح هديه، يصح أنه ما سُئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) وهو في ذلك اليوم، لكنه وقع ذبح الهدي قبل الصلاة، فهل نقول: إن الهدي حكمه حكم الأضحية، أو أن الهدي له حكم يخصه؟ كما تقول الشافعية: إنه يجوز ذبحه قبل يوم النحر، بعد انعقاد السبب.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شك أن هذا قول معتبر، وهو الأحوط.
يقول في الحديث: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ثم خطب، وقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى)) " واللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، بهذا يستدل من يقول بوجوب الأضحية.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . يعني هذا الذي ذبح قبل العيد أولى بالوجوب ممن لم يذبح شيء أصلاً، أقول: في هذا دليل لمن يقول بوجوب الأضحية، ومنهم من يحمله على الأضحية المعينة، لما تعينت الأضحية صارت واجبة، وهذه الواجبة التي وجبت بالتعيين ما تجزئ لا بد من بدلها، واضح وإلا ما هو بواضح؟ منهم من يقول بوجوب الأضحية مطلقاً أخذاً من قوله: ((فليذبح مكانها أخرى)) ومنهم من يقول الوجوب في حق من عينها، تعينت الأضحية الأولى بالتعيين فيجب ذبحها، وذبحها على غير الوجه المشروع فليزمه بدلها، فيجب عليه أن يذبح بدلها، ظاهر الاستدلال وإلا ما هو ظاهر؟ والجمهور على مذهبهم بأن الأولى والثانية كلها على سبيل الاستحباب.
طالب:. . . . . . . . .
الأولى تعينت.
طالب:. . . . . . . . .
تعينت فوجبت عليه، وجب عليه ذبحها، ذبحها على وجه لا يجزئ كمن نذر، نذر أن يذبح بدنة فذبح شاة تكفي؟ يذبح إيش؟ بدنة، يذبح مكانها البدنة، أو ذبح بدنة معيبة، نذر أن يضحي مثلاً فضحى بأضحية معيبة هل يكفي؟ لا، هذا عين هذه الشاة أضحية فوجبت في ذمته، يجب عليه أن يذبحها، ذبحها على وجه لا يجزئ ولا تبرأ به الذمة، لا بد أن يذبح على وجه تبرأ به الذمة.
طالب:. . . . . . . . .
الاستحباب إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .(17/6)
الآن قبل العيد نُهي عن الذبح وإلا ما نهي؟ نعم؟ نُهي عن الذبح قبل العيد ((وليذبح)) أمر بعد حظر، بعد منع، أمر بعد حظر، إذا صليت تذبح {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] هل يقال بوجوب الانتشار بعد صلاة الجمعة؟ هل يقال بوجوب الاصطياد بعد الإحلال؟ هذا أمر بعد حظر، جمهور أهل العلم على أنه للندب وليس للوجوب، ومنهم من يقول: إن الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل المنع، وكل على مذهبه، فالذي يرى وجوب الأضحية قبل المنع يرى وجوبها بعده، والذي يرى وجوب الاصطياد قبله يرى وجوبها بعد الحظر، فيعود الأمر إلى ما كان عليه قبل الحظر.
طالب:. . . . . . . . .
عامة أهل العلم على أنها سنة مؤكدة.
طالب:. . . . . . . . .
تنتهي خلاص مستحبة، يعود الأمر على ما كان عليه، الأصل نعم ما في واجب بأصل الشرع.
((فليذبح مكانها أخرى)) أو أخرى مكانها، ((من لم يذبح فليذبح باسم الله)) اللام هذه؟ نعم لام الأمر، لكن هل الأمر مطلق أو مقيد بالتسمية؟ وليكن ذبحه مقترناً باسم الله، فيدل على وجوب الذبح وإلا على وجوب التسمية؟ اللام لام الأمر (فليذبح) ذبحاً مقترناً باسم الله.
طالب:. . . . . . . . .
إي نعم، إنما الأمر لم يتجه إلى الذبح إنما إلى الذبح المقترن باسم الله، كما قيل في قوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [(101) سورة يوسف] ما هو بطلب للوفاة إنما طلب للوفاة المقترنة بالإسلام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لو صح الخبر اللفظ لفظ اشتراط، لو صح الخبر ما في مندوحة من اشتراط.
الحديث الرابع:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على الطاعات، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال: ((تصدقن، فإنك أكثر حطب جهنم)) فقامت امرأة من سطة النساء، سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: ((لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير)) قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن.(17/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع:
"عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة" ويشهد له جميع ما تقدم من الأحاديث الثلاثة، وأن الصلاة تكون قبل الخطبة، ويركز الصحابة الرواة على هذه المسألة، لماذا؟ لأنه حصل التغيير في عهدهم، وهذه البدعة، وهي تقديم الخطبة على الصلاة حصلت في عصر الصحابة، صار كل من روى صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- يؤكد على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل أن يخطب ليرد على الوضع القائم.
"فبدأ بالصلاة قبل الخطبة".
أحاديث متتابعة، كلها تنص: "صلى ثم خطب" "بدأ بالصلاة قبل الخطبة" "خطب بعد الصلاة" والحديث الأول: "يصلون قبل الخطبة" كلها للرد على ما حصل في عهدهم من تقديم الخطبة على الصلاة، وسببه ومنشأه ما ذكرنا.
"فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة" فالأذان بأي لفظ كان، والمقصود بالأذان إعلام الناس بصلاة العيد بدعة؛ لأنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أذن لها، أو أقيم لها، وما يختاره بعض أهل العلم من قياسه على صلاة الكسوف من قول: الصلاة جامعة، فلا أصل له، هذا خاص بصلاة الكسوف؛ لأنه في الغالب يحصل والناس في غفلة، أما صلاة العيد تحصل والناس في غفلة؟ الناس في الأصل مجتمعون للصلاة، فكيف ينادون لها؟ كيف ينادون لصلاة العيد؟ أما قول: "صلاة العيد" أو ما أشبه ذلك التنبيه فهو خلاف السنة بلا شك، لم يحصل لها تنبيه ألبتة، والناس يعلمون بدخول الإمام، ويعلمون بتكبيره، فلا داعي للإعلام بها.(17/8)
"بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً" قام -عليه الصلاة والسلام- "متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على الطاعة، ووعظ الناس وذكرهم" يعني خطبهم خطبة بعد صلاة العيد، هذا بالنسبة للرجال، والنساء لبعدهن عن الرجال لم يسمعن وعظه لهم، وإلا فالأصل أن ما يوجه للرجال يوجه للنساء، إلا ما دل الدليل على اختصاصهم به، ولذا لما لم يسمعن خطبته ووعظه "مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن" لأنهن شقائق الرجال، وجاءت الشكوى من النساء؛ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استأثر به الرجال، فوعدهن يوماً ووعظهن وذكرهن، فالنساء لا شك أن لهن حق في الموعظة والتذكير والتعليم، لكنهن لسن على مستوى الرجال، الأصل في العلم وتحمله الرجال، ولذلك وعدهن يوماً، ما وعدهن ثلاثة أيام أو أربعة أيام في الأسبوع، وعدهن يوماً يجتمعن فيه، فأمرهن ونهاهن ووعظهن، وهنا في صلاة العيد لما لم يسمعن الموعظة أتاهن فوعظهن وذكرهن "فقال: ((تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم)) " لأن الصدقة تدفع البلاء، سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ((تصدقن)) سبب الأمر؟ العلة؟ ((فإنكن أكثر حطب جهنم)) والصدقة تطفئ غضب الرب.(17/9)
"فقامت امرأة من سطة النساء" يعني من وسطهن في المجلس، أو من وسطهن في العمر، أو في النسب، أو ما أشبه ذلك، المقصود أنها من سطتهن، أي من أوسطهن، بعضهم يقول: إنها من خيارهن؛ لأن الوسط الخيار العدول، لكن المرجح عند كثير من الشراح أنها قامت من وسطهن، من المكان الواقع في وسطهن. "من سطة النساء، سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ " سفعاء الخدين هذه المرأة من سطة النساء، من بين النساء قامت "فقالت: لم يا رسول الله؟ " تسأل عن السبب، كيف عُرف أنها سفعاء الخدين؟ والسفعاء التي في خديها لون يخالف لون بشرتها، لون يخالف لون البشرة الأصلي، كيف عُرف هذا الوصف منها؟ الأجوبة كثيرة؛ لأن هذا النص محتمل، فلا بد من رده إلى النصوص المحكمة، النص المحكم: "كان يعرفني قبل الحجاب، فخمرت وجهي بخماري" {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [(59) سورة الأحزاب] المقصود أن الحجاب أمر مفروض محكم، فيرد إليه مثل هذا اللفظ المتشابه، فيحمل على أنها إما قبل الحجاب، أو يقال: إنها من القواعد، لا يمنع أن تكون القواعد التي ليس عليهن حجاب، المقصود أن الإجابة عن هذا سهل.
"سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ " فبين السبب "قال: ((لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير)) " ما جلس في الغالب امرأتان إلا وتشكي إحداهما على الأخرى، حصل كذا، ويحصل كذا، يكثرن الشكاية، وقل من النساء من تستغل الوقت لما ينفعها في أمر دينها ودنياها، كثير الشكاية عند النساء، وإن وجد هذا في الرجال، لكنه في النساء أكثر.
((وتكفرن العشير)) العشير الزوج، تكفرن نعمته عليكن، إذا رأت إحداهن ولو مرة واحدة خللاً في معاملة، أو في نفقة نفت كل ما تقدم، كل ما تقدم ينسف، ما رأيت خيراً قط.
" ((وتكفرن العشير)) قال: فجعلن يتصدقن" خفن؛ لأنه ذكر أشياء موجودة، تقتضي أن يكن أكثر حطب جهنم، وما دام هذا موجود لا بد من تكفيره، يحتاج إلى كفارة، والكفارة تكون بقوله: ((تصدقن)) بالصدقة "فجعلن يتصدقن " استجبن، وفي هذا مسارعة النساء في الصدر الأول كالرجال إلى ما تكفر به الذنوب والخطايا، مسارعة إلى بذل الخير، وفعل الخير.(17/10)
"فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن" والأقراط ما يعلق في الأذن من حلي، والخواتيم جمع خاتم، وهو ما يلبس في الأصابع، وفي هذا ما يدل على أن للمرأة أن تتصرف بمالها، وأن تتصدق منه، من غير إذن زوجها، وجاء في سنن أبي داود ما هو قابل للتحسين نهي المرأة أن تتصدق أو أن تتصرف في مالها بغير إذن زوجها، فلعل هذا من الشيء اليسير المتعارف عليه، المقصود أن مثل هذا حصل، ولو حصل نظيره لكان مشروعاً، ولا يتوقف في ذلك على إذن الزوج.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل هي خطبة واحدة أو خطبتين؟
جمهور أهل العلم على أنها خطبتان، وجاء في سنن أبي داود ما يدل على أنها خطبة واحدة، لكن عامة أهل العلم على أنها خطبتان.
طالب:. . . . . . . . .
الجمهور خطبتين يجلس بينهما، هو ما في شك أنها ما دامت خطبة، والخطبة لا يتم نظر المأمومين مع كثرتهم في العيد للإمام أن يكون على شيء مرتفع، هذا مما لا يتم الأمر إلا به، وهذا مستحب، وما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، كونه -عليه الصلاة والسلام- اعتمد متوكئاً على بلال وخطب، لا يعني عدم وجود منبر، أو أنه لا يشرع المنبر، يحتمل أنه -عليه الصلاة والسلام- في مكان بحيث يرونه؛ لأن الصحراء فيها المرتفع وفيها المنخفض.
نعم.
الحديث الخامس:
عن أم عطية نسيبة الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحُيض أن يعتزلن مصلى المسلمين، وفي لفظ: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى تخرج الحُيض فيكبرن بتكبيرهن، ويدعون بدعائهن، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس:(17/11)
"عن أم عطية نسيبة" بضم النون وفتحها، وهي بنت كعب الأنصارية "-رضي الله تعالى عنها- قالت: أمرنا" تعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي بعض ألفاظ الحديث: "أمرنا" واللفظ الذي معنا مرفوع قطعاً لذكر الآمر، وفي قولها: أمرنا في بعض الروايات، الأمر لا يتجه إلا لمن له الأمر والنهي في أحكام الشرع، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو مرفوع عند الجمهور، وإن قال أبو بكر الإسماعيلي: إنه موقوف حتى يصرح بالآمر، لاحتمال أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، اللفظ الذي معنا أمرنا بالبناء للمفعول، وذكر الآمر وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، مساوٍ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: أخرجوا في العيدين، مساوٍ لصريح الأمر، وإن قال داود الظاهري وبعض المتكلمين: إنه لا يدل على حقيقة الأمر حتى ينقل اللفظ النبوي، لماذا؟ قالوا: لأن الصحابي قد يسمع كلام يظنه أمر أو نهي، وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، لكن هذا القول مردود، لماذا؟ لأن الصحابة إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية من يعرفها؟ وإذا تطرق مثل هذا الاحتمال ما قامت للنصوص قائمة، كل لفظ وفيه احتمال.
"أمرنا" تعني النبي -صلى الله عليه وسلم- "أن نخرج في العيدين العواتق" العواتق جمع عاتق، وهي التي عتقت عن الخدمة ببلوغها، أو بمقاربتها البلوغ.
"وذوات الخدور" هي التي لا تبرز، بل تلازم خدرها من الحرائر المكنونات "وأمر الحيض" وفي رواية: وذوات الحيض، أو الحيض داخلات في الأمر، أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور والحيض، فالكل مأمور بالخروج لصلاة العيد، ومع ذلك أمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين، فالمرأة الحائض لا تدخل المصلى، علماً بأن مصلى العيد أحكامه أخف من أحكام المسجد، فإذا أمرت باعتزال المصلى فلئن تؤمر باعتزال المسجد من باب أولى، ومنهم من يقول: إن المراد بمصلى المسلمين المكان الذي تؤدى فيه الصلاة، فتؤمر بالابتعاد عنه؛ لئلا تضيق على المصلين، أو لئلا يوجد من بين المصلين من لا يصلي فيساء الظن به، كما أن من صلى في رحله إذا دخل المسجد يصلي مع المسلمين؛ لئلا يساء به الظن.(17/12)
"وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين" وعلى كل حال الحائض لا تدخل المسجد بهذا الخبر كالجنب.
"وفي لفظ: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى تخرج الحيض فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، ويرجون بركة ذلك اليوم وطهرته" "يشهدن الخير" كما في الصحيح "يشهد الخير ودعوة المسلمين" فالكل يخرج، ومنصوص على العواتق وذوات الخدور رداً على من يقول بأن الشواب لا يخرجن، ولا يبرزن لصلاة العيد، نعم لا يخرجن على هيئة يفتتن بهن الرجال، بل يخرجن تفلات كسائر الصلوات، بحيث لا يفتتن بهن الرجال، وأما كون الأبكار وذوات الخدور والشواب يمنعن من البروز لصلاة العيد فلا، وفي الحديث رد على من يمنعهن، نعم إذا خشيت الفتنة فالمسألة معروفة عند أهل العلم، درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ومع هذا لا بد من الاحتياط، من أن يخرجن فاتنات مفتونات، أو متبرجات، أو يكن بمقربة من الرجال، أو بدون فاصل ولا عازل، لا بد أن يعتزل النساء عن الرجال، ولبعدهن خصهن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالخطبة، ولو كن قريبات من الرجال ما خصهن بخطبة كما في الحديث السابق، فدل على بعدهن من الرجال، وأنهن بمثابة من لا يفتتن بهن، فإذا توافرت هذه الشروط فإخراج النساء إلى صلاة العيد سنة عند الجمهور، وأوجبه بعضهم؛ لأن الأمر الأصل فيه الوجوب، ولا يبعد القول بالوجوب بالشروط والضوابط المذكورة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله-:
باب: صلاة الكسوف
عن عائشة -رضي الله عنها- أن الشمس خسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وتقدم فكبر، وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الكسوف(17/13)
والكسوف مصدر كالخسوف، ويطلقان معاً على ذهاب ضوء أحد النيرين أو بعضه، فيقال: كسفت الشمس وخسفت، كسف القمر وخسف، جاء: ((لا ينكسفان)) وجاء أيضاً ((لا ينخسفان)) ومنهم من يخصص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر، ومنهم من يعكس، لكن جاء هذا بإطلاق هذا بإزاء هذا، وجاء العكس، فالأمر فيه سعة، وجاء إطلاق الخسوف على القمر {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [(7 - 8) سورة القيامة] وفي هذا الحديث حديث عائشة: "أن الشمس خسفت" ويطلق الخسوف على كل منهما، كما أنه جاء الكسوف بإزاء كل واحد منهما، فالأمر فيه سعة.
والكسوف ومثله الخسوف ذهاب ضوء أحد النيرين الشمس والقمر أو بعضه، وأهل الهيئة يردون الأمر إلى شيء عادي، ويدركونه بحسابهم، ويقولون في خسوف القمر مثلاً: إن الأرض حالت بين القمر وبين استمداده من نور الشمس، وماذا عن كسوف الشمس؟ ما الذي حال دونها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف يحول القمر دونها؟ هو يستمد نوره منها، على كلامهم، يعني يتصور أن تحول الأرض دون الشمس، ونحن على ظهرها ولا نرى حائلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا الأرض ما تحول دون الشمس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والأرض؟
طالب:. . . . . . . . .(17/14)
ابن العربي يستبعد مثل هذا، أن الصغير كيف يحول ويغطي الكبير؟ يستبعد هذا جداً، ويرد عليهم بقوة، كيف الصغير يغطي الكبير؟ لكن ترى هذا أمر ما هو مستغرب نظراً للقرب والبعد، فلو وضعت هذه الورقة دون الباب حالت دون الباب ما ترى شيئاً من الباب، طيب نسبتها إلى الباب؟ صغيرة جداً، لكن نظراً لقربها تحجب الباب، فليس بمستبعد من هذه الحيثية، وهم يقولون: إن هذه أمور تدرك بالحساب ولا تتخلف، حساباتهم منضبطة بالدقيقة بل بالثانية، وينكر جمع من أهل العلم علمهم بهذا، ويقولون: إن هذا من إدعاء علم الغيب، أو من الكهانة أو شيء من هذا، لكن الواقع يثبت أن هذا شيء مطرد، وهذا أمر ما دام يدرك بحسابهم واطرد أمرهم فيه، وعرف أن بعضهم ثقات، لا يستخدمون شيئاً محرماً للوصول إلى هذه الحقائق، فلا مانع من إدراكه بالحساب، لكن يبقى أن إخبار الناس بهذا يفوت الفائدة التي من أجلها وجد هذا التغير في الكون، هل يخاف الناس إذا حصل الكسوف أو الخسوف؟ الآن وضع الناس يخافون أو هذا أمر عادي مثل ما تطلع الشمس وتغاب يذهب ضوؤها أو بعضه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عادي صار عند الناس، وسببه إخبارهم قبل حدوثه بمدة، فهذا يفوت المصلحة والحكمة من التغيير، وهو التخويف، آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [(59) سورة الإسراء] هذه الفائدة، ولذا لا نرى أثراً على عامة الناس، بل وعلى خاصتهم من أهل العلم، وطلبة العلم عندما يحدث هذا التغير، شيء عادي، وسمعوه من الصحف قبل أسبوع أو شهر أنه سوف يحدث، وقد يخبر بما يحدث في هذه السنة كلها، فهذا لا شك أن له أثره، ويكون سبباً في إذهاب الفائدة والحكمة من إرسال هذه الآيات أو وقوع هذه الآيات، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حدث الكسوف في عصره خرج يجر رداءه يظن أنها الساعة، من شدة الخوف من الله -جل وعلا-، وكونه أمر مطرد، ويدرك بالحساب، وأنه وقع وسيقع، لكن قد يحدث أمور تقارن هذا التغيير، فالقادر على هذا التغيير لا شك أنه قادر على أن يقرنه بشيء أعظم منه، وقد حصل.(17/15)
الأمر الثاني: أن من الحِكم أن الإنسان يتذكر ما سيحصل في القيامة فيرعوي ويراجع نفسه {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [(1) سورة التكوير] {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [(8) سورة القيامة] المقصود أن هذه الآيات، الآيات يحصل لها ما يحصل في يوم القيامة، وإذا حصل شيء من التغير تذكرنا التغيير الأكبر.
طالب:. . . . . . . . .
الفقهاء يقولون: ذهب، وهو ذهاب بالنسبة للرائي.
يقول في الحديث الأول:
"عن عائشة -رضي الله عنها- أن الشمس خسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبعث منادياً ينادي" خسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال الناس: خسفت الشمس لموت إبراهيم، وكان عندهم هذا الاعتقاد، أنها إنما تنكسف إذا مات عظيم، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) فبين النبي -عليه الصلاة والسلام- الحكمة، وأن هذا غير مقترن بموت أحد ولا وفاته.
"فبعث منادياً ينادي الصلاة جامعة" بفتح الجزأين، ويروى بضمهما الصلاةُ جامعةٌ، على المبتدأ والخبر، وأما الصلاةَ فعلى الإغراء، وجامعة حال.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الصلاة جامعة، الصلاة على الإغراء، وجامعة حال، الصلاة جامعة برفع الجزأين على المبتدأ والخبر. "فاجتمعوا" الآن صلاة الخسوف ينادى لها، الصلاة جامعة، وعرفنا أن العيد لا ينادى لها ولا الاستسقاء؛ لأن صلاة العيد وصلاة الاستسقاء يرتب لها قبل ذلك، ويعرف أنها تقع في الوقت الفلاني والمكان الفلاني، أما الكسوف وهو يحصل على غرة، والناس في أعمالهم وأشغالهم، وقد يكون في وقت نومهم وراحتهم، فينادى لها ليجتمع الناس، فالتجميع لصلاة الكسوف سنة.
"فاجتمعوا وتقدم" ...
طالب:. . . . . . . . .(17/16)
ومع ذلك يقع على غرة؛ لأن الناس لا يولونها من العناية مثل ما يولون صلاة العيد، صلاة العيد مقترنة بأحداث تحف بها قبلها وبعدها فيهتم بها، وصلاة الاستسقاء يدعى لها من قبل الإمام، ويؤكد على ذلك، فيجتمع الناس في وقت محدد، لكن صلاة الكسوف هل سبق أن سمعتم بيان من الديوان الملكي أنه بيصير كسوف في يوم كذا، فاجتمعوا وصلوا، لا، هذا مقرون بالرؤية، والحكم معلق بها ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا)).
"وتقدم فصلى فكبر وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" أربع ركعات يعني ركوعات، ويأتي تفصيلها في الأحاديث اللاحقة "في ركعتين" الأصل أن صلاة الكسوف ركعتان، في كل ركعة ركوعان وسجدتان، ففيها أربع ركوعات، وأربع سجدات في ركعتين.
الحديث الثاني:
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، فإذا رأيتم منهما شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:
"عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري" بدري منسوب إلى بدر، المكان، نزل بدراً فنسب إليه، ولم يشهد بدراً الغزوة المعروفة عند الجمهور، وإن ذكره البخاري أنه شهدها "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشمس والقمر آيتان)) " يعني علامتان من العلامات التي ((يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته)) وكانوا يعزمون في الجاهلية أن الشمس تنكسف أو القمر ينكسف لموت عظيم، فنفاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبالغ في النفي حتى ألحق الحياة بالموت، وإلا هل يوجد من يقول: إن الشمس تكسف لحياة أحد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا تنكسف لحياة أحد، ما قال أحد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم ما هي بالمولد، إنما يزعمون أنها تنكسف للموت لا للحياة، فبالغ النبي -عليه الصلاة والسلام- ونفى ذلك، لا موت ولا حياة، كما قال الصحابي: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها، في أحد يسمي في آخر القراءة؟ هذا مبالغة في النفي.(17/17)
طالب:. . . . . . . . .
أنت راجعتها أنت؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هي موجودة، هي صحيحة على كل حال.
((فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا)) التعليق بالرؤية، والعطف بالفاء في الجزاء دليل على أن الصلاة معلقة بالرؤية، لا بالتوقع ولا بالظن، ولا اعتماد قول فلان ولا علان، إنما يصلى عند رؤية شيء من ذلك، ومقتضى قوله: ((إذا رأيتم منها شيئاً فصلوا)) وهو أمر، والأمر للوجوب، وقد نقل الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة وليست بواجبة، نقله النووي وغيره، وقد ترجم أبو عوانة في صحيحه: باب وجوب صلاة الكسوف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا قال: باب وجوب صلاة الكسوف، وعلى كل حال قول الجمهور معروف، وحجته أنه لا يجب غير الصلوات الخمس على ما ذكرناه في الاستدلال لحكم صلاة العيد.
((إذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)) ومقتضى هذا أنه مجرد ما يقع يحصل الأمر بالصلاة، في أي وقت كان، ولو كان وقت نهي، أما على القول بوجوبها فلا تعارض بينها وبين أحاديث النهي؛ لأن النهي عن النوافل لا عن الواجبات، وعلى القول باستحبابها، فمن يقول بأن أوقات النهي لا يفعل فيها شيء من النوافل مطلقاً، وهم الجمهور، المالكية والحنفية والحنابلة يطرد مذهبهم، يقولون: لا تصلى صلاة الكسوف في وقت النهي، يعني لو حصل مع طلوع الشمس، أو مع زوالها، أو مع غروبها، أو بعد الصبح، أو بعد العصر، لا صلاة عند من يقول بأنه لا يفعل شيء حتى ما له سبب في أوقات النهي من النوافل، وأما عند الشافعية فهم يصلون بناء على فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي عندهم، والمسألة فرع من المسألة السابقة الكبيرة التي بحثناها مراراً، وهي فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، والجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة لا يفعل شيئاً، حتى ما له سبب، خلافاً للشافعية، الآن ابن خزيمة وش قال؟ باب الأمر، ما نحتاج إلى هذه الترجمة وعندنا من النص ((فصلوا وادعوا)) يعني هل القائل بوجوب صلاة الكسوف يقول بوجوب الدعاء؟ مقتضى الأمر نعم، أنه يجب عليه أن يدعو.
طالب:. . . . . . . . .
إيه الأمر ما فيه إشكال، لكن هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟(17/18)
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما يفيد القارئ، يعني إذا أردنا أن نستفيد الأمر من الترجمة، وعندنا أمر صريح، ما في قدر زائد على ما في النص، لكن لو صرح بالوجوب أو بالاستحباب عرفنا رأيه في هذا.
طالب:. . . . . . . . .
ما يرد عليه كلام ابن خزيمة.
طالب:. . . . . . . . .
يرد عليه، ابن عوانة يرد عليه، وقد يغفل أثناء النقل عن صحيح أبي عوانة، لكن هل يغفل عن صحيح البخاري؟ النووي يظن أنه يغفل عن صحيح البخاري في قوله: وعيادة المريض سنة بالإجماع، والبخاري يقول: باب وجوب عيادة المريض؟ يعني إذا تصورنا أنه يغفل عن أبي عوانة ما يغفل عن البخاري.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما وصل، ما وصل لا لا.
((فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)) يعني حتى ينجلي هذا الكسوف، ويعود النور إلى النيرين.
طالب:. . . . . . . . .
المغلظة، لا، والموسعة لا بأس.
طالب: الغلظة لا يصلي؟
لا ما يصلي أبداً، الثلاثة المضيقة لا.
طالب:. . . . . . . . .
ينشغل بالدعاء حتى يؤذن نعم، المسألة كلها عشر دقائق ما تزيد.
أهل العلم يقولون: إذا غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصل، طلعت الشمس، هم يقولون: لذهاب الانتفاع بهما؛ لأنه إذا غابت الشمس خلاص ما لنا دعوة، وطلعت الشمس خلاص لسنا بحاجة إلى القمر بطلوع الشمس لذهاب الانتفاع بهما، لكن هذا التعليل عليل، إذا غابت الشمس كاسفة متى نعرف أنه أنجلى أو ما أنجلى؟ ما ندري، الأمر معلق بالرؤية، فإذا غابت كيف نراها؟ كيف نرى حصوله؟ وكيف نرى انجلاؤه؟ وقل مثل هذا في القمر؛ لأنه إذا طلعت الشمس، واشتد ضوؤها، ذهبت الصفرة عنها، انتهى ضوء القمر.
نعم.
الحديث الثالث:(17/19)
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الركعة الأولى، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا)) ثم قال: ((يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله سبحانه من أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)) وفي لفظ: فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات.
نعم يقول المؤلف -رحمة الله عليه- في الحديث الثالث:(17/20)
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" العلماء يقررون أن الشمس لم تنكسف إلا مرة واحدة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، مقترنة بموت إبراهيم، وفي كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- تصريح بذلك، والتعريض بمن يقول: إن صلاة الكسوف تعددت، ولذا جاءت على صفات متعددة، هي ركعتان في كل ركعة ركوعان، وهذا المتفق عليه، وجاء ثلاثة ركوعات، وأربعة ركوعات في مسلم، وخمسة ركوعات في غيره، فمنهم من يحكم بما اتفق عليه الشيخان هو المحفوظ، وما عداه يكون شاذاً، ومنهم من يحمل التعدد في الصفات على تعدد وقوع القصة، يريد أن يحفظ ثقة الرواة من أن تخدش بالوهم أو بالخطأ، حماية لجنابهم، نقول: بعض العلماء عندهم من الجرأة المبنية على الإطلاع على نصوص الشريعة وقواعدها، تحمله هذه الجرأة على أن يحكم بتوهيم الرواة وإن كانوا ثقات، ومنهم من يجبن عن هذا، فيحتاط للرواة من أن يحكم عليهم بالخطأ والوهم، ما داموا ثقات، فلا مانع أن تتعدد القصة وش المانع؟ ما دامت الرواية في الصحيح فما المانع أن تثبت القصص كلها التي دلت الأدلة الصحيحة على اختلاف صورها؟ وبعضهم يتوسع في هذا حتى يجعل ما مرده إلى اختلاف الرواة في ألفاظهم التي لا يترتب عليها اختلاف في الحكم، فيقول بتعدد القصة.
شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: ما حدث الخسوف إلا مرة واحدة، وما مات إبراهيم إلا مرة واحدة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مبالغة في النفي، النووي وغيره ما عندهم مانع أن تتعدد القصة صيانة لجناب الرواة الثقات من أن يحكم عليهم بالوهم.(17/21)
"خسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس فأطال القيام" وفي حديث ابن عباس: نحواً من سورة البقرة، وجاء أنه قرأ فيها سورة البقرة، فقوله: "نحواً" يستدل به من يقول: إن صلاة الكسوف سرية وليست جهرية، إذ لو كانت جهرية ما قال: نحواً من سورة البقرة، لقال: قرأ سورة البقرة، لكن جزم بذلك، فدل على أنها جهرية، وكون ابن عباس لم يتبين القراءة إما لبعده، أو لمؤثر آخر جعله لم يتبين القراءة، المقصود أن من أثبت مقدم على من لم يثبت سواء كان نافياً أو غير نافٍ.
"فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع" قام قياماً طويلاً "ثم ركع فأطال الركوع" ركع ركوعاً طويلاً "ثم قام فأطال القيام وهو دون قيام الليل" أطال القيام بعد ركوعه، والاتفاق حاصل على أن القيام الأول يقرأ فيه الفاتحة وسورة طويلة، القيام الثاني بعد الركوع يقرأ فيه القرآن؛ لأنه تابع للقيام الأول، لكن هل تقرأ الفاتحة أو لا؟ الجمهور على أنها تقرأ في القيام الأول، وبعض أصحاب مالك يقولون: يُكتفى بقراءة الفاتحة في القيام الأول؛ لأنه تابع له، تابع للقيام الأول.
"فأطال القيام وهو دون القيام الأول" القيام الأول أولية مطلقة "ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد" يعني ثم رفع من ركوعه, ولم يتعرض فيه هل هو قيام طويل بعد الركوع الثاني أو لا؟ "ثم سجد" القيام الأول والركوع الأول هما ركنا الركعة الأولى، والقيام الثاني مع ركوعه قدر زائد على أصل الصلاة، فلا تدرك بهما الركعة، يعني إذا جاء المسبوق والإمام يقرأ في القيام الثاني من الركعة الأولى أدرك الركعة وإلا ما أدرك؟ ما أدرك، حتى يدرك الركوع الأول.(17/22)
"ركع ركوعين في الركعة الأولى" بهذا قال الجمهور، أكثر أهل العلم على أن في كل ركعة ركوعين، والحنفية يقولون: تصلى صلاة الكسوف ركعتين لا صفة لهما زائدة، يعني مثل ما تصلى النوافل، ومثل ما تصلى الصبح، لا صفة لهما زائدة، ركعتان بركوعين وأربع سجدات، استدل لهم بحديث: ((فإذا رأيتم ذلك فصلوهما كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة)) ثم يقولون: ركعتان، لا صفة لهما زائدة، والذي حصل في وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- في وقت الضحى، وأحدث صلاة من المكتوبة هي صلاة الصبح، فيصلي ركعتين، لا صفة لهما زائدة، لكن ماذا عما لو كان الخسوف بعد الظهر؟ يلزم على قولهم: إن يصلوا صلاة الكسوف أربع ركعات، أو بعد العصر، أو بعد العشاء؟ على هذا الحديث، لكن الحديث لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين وغيره.
يجيبون عن هذه الأحاديث بأجوبة لا أدري كيف تمشي على عالم؟ هنا الركوع الثاني هو راكع الرسول -عليه الصلاة والسلام- ركوع طويل، ثم يرفع لينظر هل أنجلى الكسوف، ثم يرجع إلى ركوعه، هذا هو الرفع الذي حصل، هل يتصور أنه جاء في مثله .. ، ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول هذا مجرد رفع لينظر فقط؟ المقصود أن مثل هذا الجواب يثبت لرد مثل هذه النصوص أو لمعارضة مثل هذا؟ لا يمكن.
"ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود" أطال السجود، المعروف عند الشافعية أن السجود لا يطال، وكأنه لم يثبت عندهم، والشافعي لم يذكره في الأم، وتبعوه على هذا، لكن الحق أحق أن يتبع، والعبرة بما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولذا قال بعض الشافعية: بأنه يطال طرداً لقول الإمام الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقد صح بذلك.
"ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الركعة الأولى" نعم في بعض الروايات: ثم قام قياماً طويلاً للركعة الثانية، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد سجوداً طويلاً، وهو دون السجود الأول ... إلى آخره.(17/23)
وهنا يأتي البحث في الأولية هنا هل هي أولية نسبية أو نسبية مطلقة؟ إذا قلنا: أولية مطلقة قلنا: إن القيام في المواضع الثلاثة متساوي، في الثاني والثالث والرابع، هذا القيام متساوٍ، يعني إذا قرأ في القيام الأول سورة البقرة، فيقرأ في الثاني آل عمران، وفي الثالث الأعراف؛ لأنها بقدرها، بقدر آل عمران، ثم .... للقيام الرابع سورة بقدر، أو يجمع بين سورتين بقدر آل عمران والأعراف، تكون متساوية، لكنها يشملها وصف واحد وهي دون القيام الأول.
وإذا قلنا: إن الأولية نسبية، قلنا: الأول طويل جداً، الذي يليه طويل، لكنه دونه، والثالث يلي الثاني، لكنه دونه، والرابع يلي الثالث لكنه دونه، فيكون الأول بالنسبة لما قبله، الأول أولية مطلقة هو الذي لم يتقدمه شيء، الثاني تقدمه الأول، لكنه أول بالنسبة للثالث، والثالث تقدمه اثنان، لكنه أول بالنسبة للرابع وهكذا، وعلى هذا يكون القيام الأول طويل جداً، يليه الثاني ثم الثالث ثم الرابع وهكذا.
"ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الركعة الأولى، ثم انصرف وقد تجلت الشمس" إذا قرأ في القيام الأول سورة البقرة، وسورة بنحو آل عمران في الثانية وهكذا، زمن طويل، نعم زمن طويل مع ركوعه الطويل وسجوده الطويل "وقد تجلت الشمس" لكن لو أنصرف ولم تتجل الشمس؟ يعيدون الصلاة؟ لا، الصلاة ما تعاد، وإنما يكثرون من الذكر والدعاء.
طالب:. . . . . . . . .
في مكانهم أو إذا انصرفوا ما في ما يمنع.
"ثم أنصرف وقد تجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه" أستدل بهذا من يقول: إن صلاة الكسوف لها خطبة، وهو صريح في الدلالة على ذلك، خطب الناس، والصحابي يعرف معنى الخطبة.(17/24)
"فحمد الله، وأثنى عليه" مقومات الخطبة "ثم قال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك)) " ... إلى آخر الحديث، فدل على أن صلاة الكسوف لها خطبة أخذاً من هذا الحديث، ويخالف جمع من أهل العلم ويقولون: إنها ليس لها خطبة راتبة، وإنما قد يوجد ما يدعو إلى موعظة، أو دفع إشكال أو شبهة، أو تنبيه على مخالفة، إذا وجد مثل هذا، كما وجد في عصره -عليه الصلاة والسلام- أنهم قالوا: كسفت لموت إبراهيم، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- كشف هذه الشبهة، ولم يرد الخطبة.
((فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا)) لا شك أن الصدقة على ما تقدم في باب صلاة العيد تدفع مثل هذه الأمور المخوفة، وتطفئ غضب الرب، فهي مناسبة جداً مع الذكر والدعاء، والإكثار من الاستغفار "ثم، قال: ((يا أمة محمد، والله ما من أحد أغيرَ)) " أو أغيرُ؟ ((والله ما من أحد)) (من) هذه زائدة لتأكيد النفي، و (أحد) مجرور لفظاً مرفوع محلاً، اسم (ما) وخبرها (أغير) فإن كانت حجازية قلنا: أغيرَ، تعمل عمل ليس، وإن كانت تميمية قلنا: أغيرُ ((من الله -سبحانه وتعالى-)) ويوصف الله -جل وعلا- بالغيرة على ما يليق بجلاله وعظمته ((أن يزني عبده أو تزني أمته)) الزنا الفاحشة أمرها عظيم، وشأنها خطير من كبائر الذنوب، بإجماع أهل العلم، فالله -جل وعلا- يغار، فلا بد من وضع .. ، وقد وضع الشرع الاحتياطات الكفيلة بمنع هذه الفاحشة ((أو تزني أمته)).
((يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم)) يعني ما عند الله -جل وعلا- من العذاب للعصاة والمخالفين ((لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً)) ولو علم الناس ما عند الله من العذاب والانتقام ما طمع في رحمته أحد، ولو علم ما عنده من سعة الرحمة والنعيم المقيم ما أيس من رحمته أحد، المقصود أنه لا بد أن يجمع الإنسان بين المقامين مقام الخوف ومقام الرجاء.(17/25)
((والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً)) مع الأسف أن مجالس الناس ومحافلهم معمورة بالطرائف والنكت، وهذا ديدن كثير من الناس، منهم من ينقل ويؤثر عن غيره, ومنهم من يبتدع ويختلق القصص، وينسب إلى بعض الناس، أو إلى بعض الجهات، ويلصق بهم ما ليس فيهم، وهذا شأنه عظيم، وقد جاء في الخبر، ويل لمضحك القوم.
((ولبكيتم كثيراً)) وفي لفظ: "فأستكمل أربع ركعات وأربع سجدات" لا بد من السرعة في الشرح على شان الباقي كثير جداً.
نعم.
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: خسفت الشمس على زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد فقام فصلى بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: ((إن هذه الآيات التي يرسلها الله تعالى لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع من باب صلاة الكسوف:
"وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله تعالى عنه- قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة" جاءه ما ذهله، وإلا فالساعة مسبوقة بعلامات لم تحصل، فكيف يخشى -عليه الصلاة والسلام- مع أن العلامات التي أخبر هو بها لم تحصل؟ هذا أمر بالنسبة لأرباب العقول والألباب والقلوب الحية السلمية لا شك أنه مذهل، لكن إذا ماتت القلوب فلا فائدة.
خرج -عليه الصلاة والسلام- "قام فزعاً يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد فقام فصلى بأطول قيام" وعرفنا أنه نحو من سورة البقرة، وركوع وسجود ما رأيته يفعله في صلاته قط لطوله "ثم قال: ((إن هذه الآيات)) ومنها الشمس والقمر ((التي يرسلها الله تعالى لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده)) " كما قال الله -جل وعلا-: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [(59) سورة الإسراء].(17/26)
((فإذا رأيتم منها شيئاً)) (شيئاً) نكرة في جواب الشرط فتعم ((فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره)) ولذا يقول جمع من أهل العلم: إن الآيات كلها يصلى لها مثل صلاة الكسوف، زلزلة مثلاً، أو ظلمة في النهار، أو ضوء شديد في الليل، أو تساقط نجوم، أو ما أشبه ذلك من الآيات المخوفة يصلى لها، وقد صلى بعض الصحابة للزلزلة، لكن لم يثبت بشيء منها ما يدل على أنه يصلى لها إلا مثل هذا العموم.
((إن مثل هذه الآيات التي يرسلها الله تعالى لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره وإلى دعائه واستغفاره)) لا شك أن مثل هذه الآيات مخوفة، ولو لم يرد فيها نص يدل على الصلاة من أجلها على هذه الصفة، لكن قوله: ((فافزعوا إلى ذكر الله وإلى دعائه واستغفاره)) بما يدفع به مثل هذا الأمر المخوف من الذكر والدعاء والاستغفار والندم والتوبة والإقلاع والصدقة، وغير ذلك مما يستدفع به البلاء، هذا متجه، أما الصلاة فهي خاصة بالشمس والقمر.
باب: الاستسقاء
عن عبد الله بن عاصم المازني قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة، وفي لفظ: أتى المصلى.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الاستسقاء
والسين والتاء للطلب، يعني طلب السقيا من الله -جل وعلا-، إذا قام السبب من الجدب، القحط، واحتاج الناس إلى نزول المطر يستسقون، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استسقى على أوجه: منها ما في هذا الباب، مما يقترن بالصلاة صلاة الاستسقاء، ومنها ما هو في خطبة الجمعة، كما سيأتي في الحديث الثاني، يستسقي في خطبة الجمعة، ومنها: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسقى عند أحجار الزيت، دعا فسقوا، واستسقى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالدعاء في إحدى الغزوات لما سبقهم المشركون إلى الماء وغير ذلك، المقصود أنه -عليه الصلاة والسلام- يُجاب، أجيب في جميع استسقاءاته، ونزل المطر، وزالت الشدة.(17/27)
"عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني" هذا راوي الوضوء، بخلاف عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان "-رضي الله عنه- قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يستسقي" خرج، فدل على أن صلاة الاستسقاء يُخرج لها عن البلد، وتكون في الصحراء كالعيد "يستسقي فتوجه إلى القبلة" لكن إذا وجد الداعي لئن تصلى في المساجد، إذا وجد الداعي لذلك فلا مانع منه، لكن الأصل أنها يُخرج لها، يعدهم يوماً يستسقون فيه، ثم يخرجون إلى الصحراء.
"خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة" في بعض الروايات: "كما يصلي في العيد" ولذا يشرع التكبير في أول صلاة الاستسقاء، مثل التكبير لصلاة العيد، المقصود أنه توجه إلى القبلة "ودعا وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة" وفي لفظ: أتى المصلى، يعني ثم بعد ذلك "دعا، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين" ثم صلى ركعتين يدل على أن الصلاة بعد الدعاء، وجاء ما يدل على أن الصلاة قبل، وفي الأمر سعة، يعني إن قدم الدعاء قبل الصلاة فلا بأس، وإن أخر عنها فلا بأس، بعضهم يجمع بين ما اختلف من الروايات بأنه يبدأ بدعاء خفيف، ثم يصلي الركعتين، ثم بعد ذلك يخطب الخطبة المتضمنة للدعاء المفصل.
يقول: "ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة" فدل على أن صلاة الاستسقاء يجهر فيها بالقراءة كالجمعة، وإن كانت نهارية، خلافاً لمن يطرد القول بأن صلاة الليل جهر، وصلاة النهار سر، فيفرق بين كسوف الشمس، وخسوف القمر، فالشمس سرية، والقمر جهرية، والخلاف معروف بين أهل العلم، لكن الأدلة دلت على الجهر بهذه الصلوات.
نعم.(17/28)
عن أنس بن مالك أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً، ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله يغثنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة, وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)) قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس.
قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري.
الضراب: الجبال الصغار، والآكام: جمع أكمة، وهي أعلى من الرابية، ودون الهضبة، ودار القضاء: دار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، سميت بذلك لأنها بيعت في قضاء دينه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب الجمعة" ودار القضاء المتبادر من اللفظ: أنها المكان المعد للقضاء، وفصل الخصومات بين الناس، لكنها ليست كذلك، إنما عرفت بهذا الاسم؛ لأنها كانت لعمر -رضي الله عنه-، فأوصى بها أن تباع وتقضى ديونه، ويقضى من قيمتها ديونه -رضي الله عنه وأرضاه-، وهو الخليفة الراشد، المقصود أن عمر -رضي الله عنه- كان مديوناً، بيعت داره وسددت الديون منها.(17/29)
"ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب" والجمعة حال، والحال أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب "فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً" يعني الرجل استقبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني وجهاً لوجه، قائم بإزائه ليراه "ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغثنا" وفي رواية: "يغيثنا" بالياء، هذا الرجل اختلف في اسمه هل هو أبو سفيان أو غيره؟ المقصود أنه لا يترتب على ذكره فائدة.
"هلكت الأموال" من القحط والجدب، وعيشها بالكلأ والعشب، فإذا عدم هذا هلكت الأموال التي هي ذوات الأرواح "وانقطعت السبل" يعني الطرق انقطعت، لماذا؟ لأنها صارت مفاوز مهلكة، لا يوجد فيها ماء للشرب ولا للاستعمال، فيؤدي هذا إلى انقطاعها.
"فادعُ الله يغثنا" وفي رواية: يغيثنا، فإذا كانت بلفظ: "يغثنا" فهي جواب الطلب، ادع الله يغثنا، أو جواب شرط مقدر، ادع الله فإن تدعه يغثنا، وعلى "يغيثنا" إما أن يقال: إنها إشباع، الياء هذه إشباع "إنه من يتقي ويصبر" إشباع، أو يقال كما قيل في: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(5 - 6) سورة مريم] ما قال: يرثْني، والتوجيه ذكر في التفسير.
"قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) " ثلاثاً، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا تكلمَ تكلم ثلاثاً، وإذا سلمَ سلم ثلاثاً.
"قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة" لا في سحاب متصل بعضه ببعض، ولا متفرق؛ لأن القزع الأشياء المتفرقة، ومنه القزع في رأس الصبي، وهو حلق بعض شعره وترك بعضه "ليس فيه سحاب ولا قزع، وما بيننا وبين سلع" وهو جبل في المدينة "وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار" يستفاد من هذا؟ الفضاء من المسجد إلى سلع، يعني لو كان فيه بيوت يحتمل أن يكون في السماء سحاب لا يرى مما يحول دونه من البيوت، لكن المجال مكشوف، وليس فيه لا سحاب ولا قزع.
"قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس" يعني مثل هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(17/30)
بقدر المدينة، مثل الترس "فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت، قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً" مطر متتابع سبتاً، يعني أسبوع، ويطلق البعض ويراد الكل، وإلا فالسبت اليوم المعروف، يطلق على الأسبوع سبت، ويطلق عليه جمعة، باعتبار أنه جزء من أجزائه.
"فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة" الجمعة الثانية التي تليها دخل رجل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب بالناس، "فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل" ....(17/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الصلاة (14)
باب: صلاة الخوف
الشيخ: عبد الكريم الخضير
والجمعة الثانية التي تليها "دخل رجل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب بالناس، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل" يحتاج إلى استسقاء والآن يحتاج إلى رفع! هلكت الأموال بالجدب ظاهر، لكن بكثرة المطر كيف تهلك الأموال؟ نعم يجتحفها، ويغرقها من كثرته، ولا شك أن الغيث اسمه غيث يغيث الله به الناس، وهو نافع، ويُطلب، ويُخرج لطلبه، ومع ذلك يحصل منه ما يحصل من الأضرار.
فيقول: "هلكت الأموال" لزيادة الماء، بكثرة السيول تهلك الأموال، وتنقطع السبل، في الأول انقطعت السبل؛ لأنها صارت مفاوز قاحلة، من يخترقها ويقطعها يموت عطشاً، والآن يموت غرقاً، انقطعت السبل، لا هذا ولا ذاك، كلها تسبب هلاك الأموال، وانقطاع السبل.
"فادع الله يمسكْها عنا" في رواية: يمسكُها، ويقال فيه ما قيل في "يغيثنا ويغثنا".
"فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا)) " ما دعا بانقطاع المطر؛ لأنه نافع على كل حال، لكن دعا بارتفاع ضرره فقط وبقاء نفعه ((اللهم حوالينا ولا علينا)) حوالينا يعني في البراري والقفار التي لا يتضرر بها أحد.
((اللهم على الآكام)) وهو جمع أكمة، وهي أعلى من الرابية كما يقول المصنف، ودون الهضبة ((والضراب)) وهي الجبال الصغار ((وبطون الأودية، ومنابت الشجر)) يعني حيث يُحتاج إليه في هذه المواضع.
"قال: فأقلعت -توقفت- وخرجنا نمشي في الشمس" كرامة لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، دعا أن يغاث فأغيثوا، ودعا أن يُرفع عنهم فرُفع.
"قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري" لكن جاء في بعض الروايات: أنه نفس الرجل، في بعض الروايات: "ثم دخل ذلك الرجل" والنكرة إذا أعيدت معرفة صار عينه، صار عين الأول، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هو راوي حديث الإسراء في الصحيحين، ونص الإمام مسلم أنه زاد ونقص وقدم وأخر، وله مخالفات في حديث ... ، لكن ما يلزم منه الضعف.
باب: صلاة الخوف(18/1)
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، وقضت الطائفتان ركعة ركعة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الخوف
والخوف الفزع والإشفاق من أمر متوقع، فإذا خُشي ضرر شيء وجد الخوف.
الحديث الأول:
"عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف في بعض أيامه التي لقي فيها العدو" وهذه كانت الصلاة بعسفان بين مكة والمدينة "في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو" صلاة الخوف إذا وجد سببها شرعت، خلافاً لأبي يوسف الذي يقول: إنها مرتبطة بوجود النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لقوله -جل وعلا-: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} [(102) سورة النساء] فالتنصيص على وجوده في الآية يدل على اختصاصه بها، ويؤيد ذلك من جهة المعنى أن الصلاة خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- هي التي لها الميزة دون غيره، فلا مانع من أن يُتخذ أكثر من إمام، إذ لا ميزة لغيره، وميزته -عليه الصلاة والسلام- تجعل ذلك من خصائصه.
وجمهور أهل العلم على أنها له ولغيره من بعده، وقد فعلها الصحابة -رضوان الله عليهم- من بعده, وهي مشروعة في السفر والحضر.
قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق ما صلى صلاة الخوف، أخر الصلوات إلى أن غربت الشمس، وما صلى صلاة الخوف، وبهذا يستدل من يقول: إن صلاة الخوف لا تفعل في الحضر، وإنما تفعل في السفر، وهذا بناء على أن غزوة ذات الرقاع قبل الخندق، وإلا على القول بأن غزوة الخندق متقدمة على غزوة ذات الرقاع كما يقول الإمام البخاري، ويرجحه ابن القيم، وأن ذات الرقاع بعد خيبر في السنة السابعة حينئذٍ يكون لا إشكال، يكون تأخيره للصلوات منسوخ، تصلى صلاة الخوف حتى في الحضر.(18/2)
"قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، فقامت طائفة معه" يعني صلوا معه، خلفه "وطائفة بإزاء العدو" ومثل هذه الصفة تفعل إذا كان العدو في غير جهة القبلة "طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا" من غير إتمام صلاتهم، ذهبوا وصلاتهم لم تتم "وجاء الآخرون" الذين هم في الحراسة بإزاء العدو "فصلى بهم ركعة، وقضت الطائفتان ركعة ركعة" كل منهم قضى بطريقته، ركعة ركعة، أكمل صلاته بعد أن سلم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
صلاة الخوف جاءت على أوجه ستة أو سبعة كلها صحيحة ثابتة، بأيها أديت صحت، لكن على الإمام أن يلاحظ نعم؟ يلاحظ إيش؟ الأحفظ للصلاة، والأبلغ في الحراسة، يعني الأقل مخالفة في الصلاة، والأبلغ في الحراسة، وإذا كان العدو في جهة القبلة لها صور، وإذا كان في غير جهة القبلة لها صور مثل هذه.
نعم.
عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة ذات الرقاع صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.
الرجل الذي صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو سهل بن أبي حثمة.
الحديث الثاني:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحابي، لا تضر جهالته، وسواء كان خوات بن جبير، والد صالح، أو سهل بن أبي حثمة كما صُرح به في بعض الروايات، فالأمر سيان، المقصود أنه صحابي، والصحابة كلهم ثقات، لا تضر جهالتهم ولا إبهامهم.
"عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة ذات الرقاع" سميت بذلك لأن أقدامهم نقبت من الحفاء، فلفوا عليها الرقاع، وقيل غير ذلك، المقصود أن هذا أولى ما يقال.(18/3)
"صلاة الخوف -وصفتها- أن طائفة صفت" مع الإمام الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- "وطائفة وجاه العدو" يعني بإزاء العدو؛ لأن العدو في جهة القبلة وإلا في غير جهة القبلة؟ في غير جهة القبلة "فصلى بالذين معه ركعة" يعني مثل ما جاء في حديث ابن عمر السابق، إلا أنها تختلف الصورة هنا بأي شيء؟ "فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً" يعني في الركعة الثانية، ثبت قائماً حتى أتموا لأنفسهم الركعة الثانية، ثم انصرفوا وصلاتهم قد تمت، يقول: "فأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو" للحراسة، مكان الطائفة الأخرى "وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالساً" بعد أن أتم الركعة الثانية ثبت جالساً "وأتموا لأنفسهم" وهذا من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام- بين الطائفتين "ثم سلم بهم".
شوف سوء الطباعة.
موصول هذا.
ثم سلم بهم، عندك موصول كذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، عندنا: "ثم سلم بهم الرجل" هذا سوء في الطباعة، ثم سلم بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأولئك أدركوا ...
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا لا ما يدركون مثل هذا.
ثم سلم بهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، عدل بين الطائفتين، الطائفة الأولى أدركت معه تكبيرة الإحرام وهي ركن، والثانية تميزوا عن الطائفة الأولى بالتسليم وهو ركن أيضاً، وصلى بكل طائفة ركعة، وأتموا لأنفسهم، المقصود أن هذا من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام-.
ثم قال المؤلف: "الرجل الذي صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو سهل بن أبي حثمة" وجاء في بعض الروايات: أنه خوات بن جبير، عن صالح بن خوات عن أبيه، خوات بن جبير، جاء في بعض الصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم ركعتين له، وصلوا -أعني الطائفتين- ركعة ركعة، ولم يزيدوا على ذلك، فصار للنبي -عليه الصلاة والسلام- ركعتين، ولهم ركعة ركعة، وجاء في بعض الصفات: أنه صلى بكل طائفة ركعتين، صلى بالطائفة الأولى صلاة كاملة، وهو مفترض فيها، وصلى بالطائفة الثانية ركعتين وهو متنفل فيها، والصور مثلما قال الإمام أحمد: ست أو سبع كلها صحيحة، لكن على الإمام كما ذكرنا سابقاً أن يحتاط للصلاة، وأن يبالغ في الحراسة.(18/4)
نعم الحديث الثالث.
على كل حال هذه الصلاة يلاحظ فيها أمران، والتساهل والتنازل عن أمور تبطل الصلاة في حال الرخاء إنما هو من أجل الحراسة، والمبالغة في المحافظة على صلاة الجماعة، فهذا من أقوى الأدلة على وجوب صلاة الجماعة، فإذا تأكدت الجماعة في مثل هذا الظرف، فتنوزل عن بعض ما يبطل الصلاة وجوداً وعدماً، فدل هذا على أن صلاة الجماعة أمر حتم لا بد منه.
هات الحديث الأخير.
عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصففنا صفين خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود، وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع فرفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، فقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً.
قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائكم" ذكره مسلم بتمامه، وذكر البخاري طرفاً منه، وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف" وهذه الصورة فيما إذا كان العدو بينهم وبين القبلة، يعني في جهة القبلة، وفي هذه الحالة لا يحتاج إلى أن يقسم الناس إلى قسمين: قسم يصلي، وقسم يحرس، كلهم يدخلون في الصلاة جميعاً، وحينئذٍ يصفون، أو يجعلون صفين.(18/5)
"والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً" يكبر الإمام، ويكبر الصف الأول والثاني جميعاً "ثم ركع" ركع النبي -عليه الصلاة والسلام- "وركعنا جميعاً" الصف الأول والثاني؛ لأن مشاهدة العدو في حال القيام ممكنة، وفي حال الركوع أيضاً ممكنة، لكن متى تتعذر مشاهدة العدو؟ في حال السجود.
"ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" يتفقون إلى هذا الحديث.
"ثم انحدر النبي -عليه الصلاة والسلام- للسجود والصف الذي يليه" والصف معطوف على ضمير الرفع المتصل المستتر، وجاز العطف على ضمير الرفع المتصل دون تأكيد بالضمير المنفصل لماذا؟ لوجود الفاصل، الذي إيه؟ بالسجود "أو فاصل ما" يعني لو قال: ثم انحدر والصف الذي يليه يجوز وإلا لا؟ لا، ما يجوز، لا بد من فاصل، الآن وجد الفصل بالجار والمجرور.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
لا بد أن يقول: ثم انحدر هو والصف الذي يليه، لكن وجد الفصل بالجار والمجرور فجاز العطف من غير وجود الضمير المنفصل.
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... . . . . . . . . .
إلى آخره.
"والصف الذي يليه" الصف الأول "وقام الصف المؤخر في نحر العدو" يحرسون، يعني الصف الثاني استمروا قياماً بعد رفعهم من الركوع للحراسة "في نحر العدو" يعني في جهته.
"فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود" يعني أكملوا ركعتهم، أكملوا الركعة "وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم" لماذا؟ ليتم العدل بين الصفين "ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" مثل ما حصل في الركعة الأولى "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى" وصار مقدماً "وقام الصف المؤخر في نحر العدو" الذي كان في الصف المقدم في الركعة الأولى.(18/6)
"فلما قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود" الذي كان مقدماً في الركعة الأولى "فسجدوا، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً" وهذا من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام-.
"قال جابر" مصوراً ما حصل من قيام بعض المأمومين والإمام مع بعض المأمومين ساجد أو جالس، يقول: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائكم" وهذه حالة ضرورة، وإلا فالأصل في مثل هذه الصورة المنع لوجود المشابهة، كما جاء في حديث: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) وأشار إليهم: أن أجلسوا؛ لئلا يشبهوا فارس والروم، يشبهوا الكفار بالقيام على رؤوس أئمتهم، لكن هذه حالة ضرورة مستثناة.
"كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائكم" يقومون على رؤوسهم لحراستهم.
"ذكره مسلم بتمامه، وذكره البخاري طرفاً منه، وأنه صلى صلاة الخوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في الغزوة السابعة" يعني ترتيبها السابعة؟ لا، إنما هي ...
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، سنتها، يعني في السنة السابعة غزوة ذات الرقاع، وهذا اختيار البخاري، وأنها بعد خيبر، وبهذا يستدل على أن صلاة الخوف تفعل في الحضر والسفر، خلافاً لمن منع ذلك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(18/7)
شرح: عمدة الأحكام - كتاب الجنائز
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: كتاب الجنائز.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نعى النبي -صلى الله عليه وسلم- النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج إلى المصلى فصف بهم وكبر أربعاً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الجنائز:
الكتاب تقدم الكلام فيه مراراً، وهو مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، وأصل المادة تدور على معنى الجمع، والكتاب هو المكتوب الجامع لمسائل من العلم، وهنا جامع لمسائل الجنائز وما يتعلق بها، والجنائز جمع جَنازة وجِنازة، والفتح للميت الجنازة، والجنازة بالكسر للنعش الذي هو السرير، أو السرير وعليه الميت، بناء على قاعدتهم في أن الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول:(19/1)
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نعى النبي -صلى الله عليه وسلم- النجاشي في اليوم الذي مات فيه" نعى النعي هنا يراد به الإعلام، ومجرد الإخبار بموت الميت، ومجرد الإعلام والإخبار بموت الميت، فيخبر الناس أن فلاناً قد مات؛ ليتحقق مصالح مثل اجتماع الناس للصلاة عليه، والإسراع بتجهيزه، وقضاء ديونه، المقصود أن هناك مصالح مترتبة على الإخبار، والنعي هنا هو مجرد الإخبار، ولذا جاء أحاديث فيها النهي عن النعي، جاء النهي عن النعي، وهو على ما كانت عليه الجاهلية من اقتران الأخبار برفع الأصوات وتعداد محاسن الميت، وإظهار الجزع عليه، فيبعثون في السكك والمجامع ألا إن فلاناً بن فلان قد مات الفاعل التارك .. إلى آخره، هذا النعي منهي عنه، جاء النهي عنه، أما مجرد الإخبار بموته لتترتب عليه المصالح دون المفاسد فهذا مشروع، وقد فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث، يقول: "نعى النبي -صلى الله عليه وسلم- النجاشي" النجاشي لقب على كل من ملك الحبشة يقال له: النجاشي، كما أن من ملك مصر يقال له: فرعون، كل من ملك الروم يقال له: قيصر، ومن ملك الفرس يقال له: كسرى، المقصود أن هذه ألقاب على ملوك جهات، اليمن يقال له: تبع، والنجاشي الذي نعاه النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي آوى المسلمين لما هاجروا إلى الحبشة في المرة الأولى والثانية، وهو رجل صالح أسلم لما قرئت عليه سورة مريم، ورأى الحق المطابق لما عندهم مما لم يدخله التحريف، أسلم وصار ردءاً نافعاً للمسلمين، لذا نعاه النبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الذي مات فيه، وهذا علم من أعلام النبوة حيث أخبر عن موته في اليوم الذي مات فيه، والخبر لا يصل من الحبشة إلى المدينة إلا في مدة طويلة، كونه يخبر عن موته في اليوم الذي مات فيه دل على علم، ودليل واضح على نبوته -عليه الصلاة والسلام-.(19/2)
"الذي مات فيه" وخرج بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى المصلى، خرج بهم إلى المصلى لكي يكثر الجمع، ويحصل الأجر العظيم لهذا الرجل الصالح، ولا يعني هذا أن الصلاة على الميت في المسجد لا تجوز، وإنما تصح الصلاة في المسجد وتجوز، وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على سهيل بن بيضاء في المسجد، وصلي على أبي بكر في المسجد، وصلي على عمر في المسجد، المقصود أن الصلاة في المسجد على الجنازة سائغة وجائزة، ولا إشكال فيها، ومن أهل العلم من يستدل بهذا الحديث بما لا دلالة فيه على قوله، يقول: الصلاة على الميت في المسجد لا تجوز؛ لأن الميت قد يلوث المسجد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- خرج بهم إلى المصلى، أولاً: هل هنا ميت يلوث المسجد؟ قصة النجاشي فيها ميت يلوث المسجد؟ صلاة غائب، ولا. . . . . . . . . فيها، ودلت الأدلة على جواز الصلاة على الميت في المسجد، غاية ما هنالك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج بهم لكي يكثر الجمع، "خرج بهم إلى المصلى" اللي معروف؟ مصلى الجنائز يعرف بإيش؟ بالجبانة، وهي خارج البلد، إذا كثرت الجموع يحتاج إلى مثلها، "فصف بهم -عليه الصلاة والسلام- وكبر أربعاً" صف بهم وصلى صلاة الجنازة، كبر أربع تكبيرات يقرأ بعد الأولى بسورة الفاتحة، والثانية يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي الثالثة يدعو الميت، وبعد الرابعة يسلم، المقصود هذه صفة صلاة الميت، يسلم تسليمة واحدة "وكبر بهم أربعاً" واستقر القول على أربع تكبيرات وبعض العلماء ينقل الإجماع على الأربع بعد الخلاف الواقع في عدد التكبيرات، فأثر عن السلف خلاف كبير في هذا، وجاء في هذا أحاديث من تسع إلى ثلاث تكبيرات، لكن كما قال ابن عبد البر انعقد الاتفاق على الأربع، وفي الحديث دليل على صحة الصلاة على الغائب، فالنجاشي مات في أرض الحبشة، وهو غائب عن المدينة وصلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا يستدل الشافعية والحنابلة على الصلاة على الغائب، وأما المالكية والحنفية يمنعونها، يقولون: ما أثر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على غائب غير النجاشي، فهذه قضية عين لها ما يعتريها من الاحتمالات، وما عدا ذلك يبقى الحكم في حيز المنع،(19/3)
ومنهم من يقول: إن كان الميت قد صلي عليه في بلده فلا صلاة على الغائب، وإن كان الميت لم يصلَ عليه في بلده شرعت الصلاة كما في هذا الحديث، منهم من يقول: إذا كان الميت عُلم بموته في اليوم الذي مات فيه، كما هنا "في اليوم الذي مات فيه" صلى عليه غائباً، وبعده لا يصلى عليه، ولا شك أن هذا جمود على اللفظ، منهم كابن حبان من يرى أنه يصلى على الغائب إذا كان في جهة القبلة، أما إذا لم يكن في جهة القبلة فإنه لا يصلى عليه، كيف تجعل الميت وراء ظهرك وتصلى عليه؟ كيف تجعل الميت عن يمينك وشمالك وتصلي عليه؟ إن كان في جهة القبلة تصلي عليه، أخذاً من قصة النجاشي، يعني لو تصورنا أن المدينة شمال شرق بالنسبة لمكة، والحبشة تكون في الجنوب الغربي، وحينئذٍ تكون على سمت المدينة عند استقبال القبلة، نعم، واضح كونها جهة القبلة، واضح جداً، يعني لو تصورنا أن هذه هي الكعبة مثلاً، هذه هي مكة، الكعبة هنا، في هذه النقطة، والمدينة هنا، والحبشة من وراء البحر من هنا، نعم، هكذا، تصورنا أن هذه مكة، وهذه هي المدينة، وهذه هي الحبشة، فلو مددنا خطاً مستقيماً لجاءت في جهة القبلة، وهذا اختيار ابن حبان، لكن إذا ثبت الحكم أصل المسألة فلا داعي لمثل هذه التفصيلات، ولذا يرجح قول من يقول بصحة الصلاة على الغائب لا سيما بالنسبة لمن له أثر في الدين، أو على الشخص على أقل الأحوال، يعني توفي شيخ، وتوفي أبوه، ولو لم يصلَ عليه، لكن من حقه عليك أن تصلي عليه، ومن حق من له أثر في الدين من حقه على الأمة أن يصلى عليه، كما في قصة النجاشي، فالمرجح أن الغائب يصلى عليه إذا كان له ميزة تقتضي ذلك، وأما سائر الناس فلا، المقصود أن له حق، له حق عليه يصلي عليه لا بأس.
طالب:. . . . . . . . .
كأنهم نقلوا الاتفاق على الأربع فيما بعد، بعد الخلاف الطويل الذي من تسع إلى ثلاث تكبيرات، ابن عبد البر نقل الاتفاق على الأربع بعد ذلك، على كل عمدته الأقوال السابقة قبل ذلك، والخلاف في مسألة انعقاد الإجماع بعد وجود الخلاف مسألة خلافية بين أهل العلم، هل يثبت الإجماع بعد الخلاف، وهل تموت الأقوال بموت أصحابها؟ مسألة معروفة عند أهل العلم، وكل له ذلك -إن شاء الله-.(19/4)
عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على النجاشي" يعني بعد أن نعاه في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، وصلى عليه، وصف بهم، وكبر أربعاً، يقول جابر: فكنت في الصف الثاني أو الثالث دليل على مشروعية تكثير الصفوف، وإلا فالصحراء تستوعبهم في صف واحد، فدل على مشروعية تكثير الصفوف، وقد جاء في المسألة ((من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب)) وحسنه وصححه الحاكم، المقصود أن تكثير الصفوف مطلوب، نعم.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على قبر بعد ما دفن فكبر عليه أربعاً.
في هذا الحديث المروي "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على قبر" امرأة سوداء، أو رجل كان يقم المسجد مات في الليل ولم يخبروا النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يؤذنوه بذلك، كأنهم تقالوا شأنه أو شأنها، فصلوا عليه ودفنوه بالليل، فلما أصبح النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل عنها أو عنه فأخبر بذلك، ثم صلى على قبرها، وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على قبر بعد مضي شهر، وصلى على قتلى أحد في آخر حياته كالمودع لهم، المقصود أنه يصلى على القبر، يصلي على القبر من لم يصلِ عليه، ولا مانع من إعادة الصلاة فقد جاء ما يدل عليها بالنسبة لمن صلى عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يصلي عليهم كلهم؟ يصلي على المجموع كلهم؟ يعني كل واحد تجعله أمامك وتصلي عليه وتنتقل من مكان إلى مكان؟ والله ما أدري هذا يحتاج إلى دليل، ما لهم مزية، يعني شهداء أحد صلى عليهم، والأصل أن الصلاة على الشهيد غير مشروعة، لكن كالمودع لهم على خلاف بين أهل العلم في المراد بالصلاة، هل هي صلاة حقيقية ذات تكبيرات، أو هو مجرد دعاء، وهو المرجح عند جمع من أهل العلم، وأما الشهيد فلا يصلى عليه، لكن لو مات لك قريب أو مات لك شخص عزيز عليك وأنت خارج البلد، ثم علمت بعد ذلك فصليت على قبره لا بأس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(19/5)
إي نعم القريب وفاة يصلى عليه، يدرك الأجر -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال منهم من أثبتها ومنهم من نفاها، والواجب الفاتحة، وما عدا ذلك سنة، يعني تفعل أحياناً، ويكبر عليها أربعاً مع رفع اليدين في التكبير، وهذا الثابت عن ابن عمر، وفيه حديث: لا يسلم من مقال، وعارضه قول ابن عباس.
طالب:. . . . . . . . .
كل الأربعة إن شاء الله.
الطالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا إذا وجد من يخالف في حكم مسنون لو جهر به من أجل أن يعلم المخالف، وإلا فالأصل أنها سرية.
طالب:. . . . . . . . .
ليعلم أنها سنة، يعلم أن قراءتها سنة، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجهر بالآية أحياناً، يعلم أن هذا سنة، لا يخفى على الناس، وإذا عرف الناس أنه سنة انتهت الحكمة، نعم.
عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع:
"عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفن" الكتفين هو إدراج الميت في كفنه وأثوابه "كفن في ثلاثة أثواب يمانية" بتخفيف الياء نسبة إلى اليمن، والألف عوض عن الياء الثانية، ولذا خففت، لو قيل: يمنية صارت ياء مشددة؛ لأن ياء النسب يجب تشديدها.
. . . . . . . . . ... ياء كيا الكرسي زيدت للنسب
مشددة لكن لما عوض بالألف مكان الياء الثانية والحرف المشدد عبارة عن حرفين، أحد الحرفين صار مكان الألف فاقتضى تخفيفه، يمانية، ولو قيل: يمنية لتعين التشديد، مثل لو قيل: تيمية مثلاً بالتشديد متعين، ما في شيء اسمه تيمية أبداً، إنما ياء النسب مشددة.
. . . . . . . . . ... ياء كيا الكرسي زيدت للنسب
إذا عوض عن إحدى الياءين ألف كما هنا خففت، فقيل: يمانية.
"بيض" فمن السنة أن يكون الكفن أبيض، وجاء في الحديث: ((البسوا من ثيابكم البياض، فإنه أطيب وأطهر، وكفنوا فيها موتاكم)).
"سَحولية" أو سُحولية، نسبة إلى قرية اسمها: سحول في اليمن، بيض ... نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
وش هي؟
الطالب:. . . . . . . . .(19/6)
إيه موجودة.
"بيض" منهم –كالحنفية- من يستحب التكفين بالمخطط الذي هو الحبرة، ويستدلون بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سجي ببرد حبرة، نعم التسجية غير التكفين، التسجية بعد التكفين، تغطية يغطى الميت بها، أو قبل التكفين حتى يجهز، المقصود أن التسجية لا مانع من أن تكون بأي لون من الألوان، نعم المقصود أنه يسجى إذا سجي بأي لون من الألوان، البيض نعم للرجال والنساء ((كفنوا فيها موتاكم)) أما التغطية فبأي لون كان المقصود الستر، ليس فيها قميص ولا عمامة، ليس فيها قميص ولا عمامة، ليس في الأثواب الثلاثة التي كفن بها قميص ولا عمامة، من أهل العلم من يرى أنه يشرع التكفين في القميص وفي العمامة، ماذا يقول: عن هذا الحديث؟ يقول: "ليس فيها" ليس في الثلاثة قميص ولا عمامة، بل القميص والعمامة قدر زائد على الثلاثة، ويستدل بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن عبد الله بن أبي في قميصه، وكونه كفن هذا المنافق رأس المنافقين في قميصه مكافأة له حينما كسا العباس لما جاءه مهاجراً، كساه قميصاً، فكافأه بهذا، وجبراً لخاطر ولده عبد الله الرجل الصالح الصحابي الجليل، المقصود أن الأكفان ليس فيها قميص ولا عمامة، كما هو مدلول هذا الحديث، وهو قول جماهير أهل العلم، نعم.
عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفيت ابنته زينب، فقال: ((اغسلنها بثلاث أو خمس أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الأخيرة كافوراً -أو شيئاً من كافور- فإذا فرغتن فآذنني)) فلما فرغنا آذناه فأعطانا حقوه، فقال: ((أشعرنها إياه)) يعني إزراه، وفي رواية: ((أو سبعاً)) وقال: ((ابدأن بمايمنها ومواضع الوضوء منها)) وأن أم عطية قالت: "وجعلنا رأسها ثلاثة قرون".(19/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث: حديث أم عطية الأنصارية "قالت: دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين توفيت ابنته زينب" وجاء عند ابن ماجه وغيره أنها أم كلثوم، لكن هذا أصح، أصح أنها زينب، ولا يمنع أن تكون أم عطية شاركت في غسل البنتين، وروت مرة تغسيلها لزينب والأخرى لأم كلثوم "حين توفيت ابنته زينب، فقال: ((اغسلنها بثلاث أو خمس أو أكثر من ذلك)) " في رواية: ((أو سبعاً)) ((اغسلنها بثلاث)) غسلات ((أو بخمس)) غسلات ((أو سبع أو أكثر من ذلك)) لا ينافي السبع، لكن هل بعد السبع أكثر من ذلك؟ ليس في الحديث ما يدل عليه، فإذا أنقت الثلاث اكتفي بها، إذا أنقت الأربع زيد خامسة؛ ليقطع على وتر، إذا أنقت بالست زيد سابعة ليقطع على وتر ((إن رأيتن ذلك)) مرده إلى الحاجة والمصلحة لا إلى التشهي، يعني إن رأيتن الأمر يقتضي ذلك لعدم انقطاع الخارج فيزاد على حسب الحاجة. ((بماء وسدر)) يغسل الميت بالماء والسدر كونها أنظف، من أهل العلم من يقول: إن الماء إذا خلط بالسدر تغير به، وحينئذٍ ينقلب على مذهب الشافعية ومذهب الحنابلة من كونه طهوراً مطهراً إلى كونه طاهراً، لكن ما يلزم من هذا أن يخلط الماء بالسدر، ولو خلط في غسلة وأزيل في الثانية أو الثالثة ما تم استدلال من يجوز رفع الحدث بالماء الطاهر غير المطهر، على أن تغسيل الميت ليس عن حدث، إنما هو تعبد.
((بماء وسدر)) والسدر هو النبق ((واجعلن في الأخيرة كافوراً)) وهو نبت طيب الرائحة يطرد الهوام، ويساعد على بقاء القوة في الجسم، فلا يسرع إليه الفساد ((أو كافوراً أو شيئاً من كافور)) ((اجعلن في الأخيرة كافوراً -أو شيئاً من كافور-)) (أو) هذه للشك فهل قال: ((اجعلن في الأخيرة كافوراً)) لا يختلف الأمر إلا أننا إذا قلنا: شيئاً من كافور يكفي منه أي جزء يسير ولا يلزم التكثير، والمقصود منه تطييب الرائحة وما ذكر.(19/8)
((فإذا فرغتن -يعني من الغسل- فآذنني)) فأعلمنني وأخبرنني "فلما فرغنا من الغسل آذناه" أعلمناه وأخبرناه "فأعطانا حقوه" الحقو أصله معقد الإزار، المحل الذي يعقد به الإزار من البدن، ثم أطلق على الإزار نفسه من باب إطلاق المحل وإرادة الحال "فأعطانا حقوه، فقال: ((أشعرنها إياه)) " أي اجعلنه شعاراً عليها، أو اجعلنه شعاراً لها، والشعار: ما يلي البدن من الثياب، والدثار: فوق الشعار، وجاء في فضائل الأنصار ((الأنصار شعار، والناس دثار)) يعني هم الذين يلون شعر البدن لقربهم، فقال: ((أشعرنها إياه)) يعني إزاره، وفي رواية: ((أو سبعاً من الغسلات)).
"وقال: ((ابدأن بميامنها)) " يعني الجهة اليمنى، فتغسل اليد اليمنى قبل اليسرى، والرجل اليمنى قبل اليسرى، والشق الأيمن عموماً قبل الشق الأيسر ((ومواضع الوضوء منها)) العطف على نية تكرار العامل، فكأن الحديث جاء بلفظ: "ابدأن بميامنها، وابدأن بمواضع الوضوء منها" هل تتفق الجملتان أو بينهما تعارض؟ طيب هل في تعارض بين الجملتين أو ما فيه تعارض؟ ما فيه تعارض، يعني ابدأن بميامنها يقتضي أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى في الوضوء كذا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
ابدأن بميامنها وابدأن بمواضع الوضوء منها هذا مقتضى الجملة؛ لأن العطف عندهم على نية تكرار العامل، مقتضى الجملة الأولى: "ابدأن بميامنها" أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، ومقتضى الجملة الثانية: "ابدأن بمواضع الوضوء منها" أن تغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى، فيه تعارض أو ما فيه تعارض؟ كيف ندفع هذا التعارض؟ أولاً: نعرف التعارض بين الجملتين في وإلا ما فيه؟ كيف نرفع؟ نقول: الوضوء مستقل على صورته الشرعية كما يصنع الحي يتوضأ قبل أن يغتسل، وهنا يوضأ الميت قبل أن يغسل، ففي الوضوء يبدأ بمواضع الوضوء، وفي سائر الغسلات يبدأ بالميامن قبل المياسر.(19/9)
"وأن أم عطية قالت: وجعلنا رأسها ثلاثة قرون" يعني ظفرنا رأسها وجدلناه وجعلناه ثلاثة قرون، وفي بعض الروايات: "وألقيناه خلفاها" الآن "وجعلنا رأسها ثلاثة قرون" هذا مرفوع أو موقوف؟ هل هذا بأمره -عليه الصلاة والسلام-؟ ما قال: اجعلن رأسها ثلاثة قرون كما قال: ((اجعلن في الأخيرة كافوراً)) يعني هل هذا من تصرف النسوة أو عن علمه واطلاعه وأمره أو إقراره على الأقل؟ نعم الأكثر على أن رأس الميت يضفر، بعد تغسيله يضفر، ويجعل ثلاثة قرون، ويلقى خلفه رجلاً كان أو امرأة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه يمشط إيه، مقتضى كونه يقرن قرون ....
الطالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الزائد يؤخذ لا بأس، المقصود أن هذا فيه ما يدل على المشروعية ولو بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، الحنفية يقولون: لا، لا يضفر ولا شيء، يسرح ويفرق على وجهها، ووراء ظهرها، وقالوا: هذا من فعل النسوة من غير علمه -عليه الصلاة والسلام-، الأصل الذي يزال من أجل التنظيف في حق الحي يزال بالنسبة للميت؛ لأن المقصود تنظفيه.
طالب:. . . . . . . . .
لكن الأصل لماذا غسل الميت مو لينظف؟ فكل ما تقتضيه النظافة ينظف.
((اغسلنها بثلاث أو خمس أو أكثر)) بثلاث غسلات أو خمس أو أكثر، الأمر هنا (اغسلنها) لوجوب الغسل أو غسل الثلاث؟ وجوب الغسل فقط أو اغسلنها بثلاث؟ مو مر بنا سابقاً أن الأمر قد يتعلق به ما يجعل الأمر متجه إليه، يعني ما يجزئ واحدة، تعميمه بالماء كالحي ما يجزئ؟ طيب (اغسلنها) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، هل نقول: بوجوب الغسل واستحباب الثلاث؟ هل نقول: إن الأمر للغسل (اغسلنها) هذا أمر وجوب والثلاث والخمس والسبع استحباب؟ لا سيما إذا أنقت بدون ذلك، أنقى غسله بواحدة أو باثنتين فالثالثة وجوب وإلا استحباب؟
طالب:. . . . . . . . .(19/10)
استحباب، إذاً اغسلنها، الثلاث متعلقة بالأمر، فاغسلن ينتابه أمران، أمر بالغسل وأمر بالتثليث، هل نستطيع أن نقول: هذا الأمر بالغسل للوجوب والأمر بغسل التثليث للاستحباب؟ نستطيع؟ ونكون حينئذٍ استعملنا اللفظ الواحد في معنييه، يجوز وإلا ما يجوز؟ اغسلنها عندنا أمر بالغسل، الغسل واجب، فرض كفاية تغسيل الميت، وغسل الميت ثلاثاً إن احتاج الأمر بمتعلقه ما نفكه غسل الثلاث إيش حكمه؟ الثلاث قلنا: مستحب، من أين أخذنا الاستحباب؟ من الأمر بغسلها ثلاثاً اغسلنها، ومن أين أخذنا وجوب الغسل؟ من قوله: ((اغسلنها)) إذاً استعملنا هذا اللفظ اغسلنها في المعنيين في الوجوب وفي الاستحباب، يجوز وإلا ما يجوز؟ استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى يجوز وإلا ما يجوز؟ الجمهور ما يجوز، لا بد، تقصد هذا وإلا تقصد هذا، لا، الشافعية يجيزون استعمال اللفظ في أكثر معنى في آن واحد، ظاهرة المسألة وإلا ما هي بظاهرة؟ يعني لو قدامك اثنين واحد اسمه محمد والثاني محمد، ثم صوت يا محمد، التفت الاثنان، أنت تقصدهم جميعاً وإلا تقصد واحد منهم؟ نعم؟ يمكن أن تقصد الاثنين بلفظ واحد؟ إذا أردت أن تدعو الاثنين قلت: يا محمدان.
طالب:. . . . . . . . .
وش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر أن المسألة ما هي بظاهرة أصلاً، يعني ما هو ... ، نعم؟ أصل الإشكال الذي أوردته ما هو بظاهر عندكم، نعم؟ وش عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
وش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
التغسيل؟ فرض كفاية، فرض كفاية تغسيل الميت، وتكفينه والصلاة عليه ودفنه كلها فروض كفاية.
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
يأثمون لو دفنوه بغير تغسيل، أثم كل من علم وقدر على تغسيله يأثم.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(19/11)
هل نقول: إن الأمر هنا ما دام تعلق به استحباب نقول: اغسلنها على سبيل الاستحباب بثلاث، ونأخذ الوجوب من أدلة أخرى، وجوب أصل الغسل؟ يعني ما عندنا وجوب الغسل إلا هذا النص، ((اغسلنها بثلاث)) إما أن نقول: بوجوب التثليث أو نقول: إن الأمر اغسلنها للاستحباب ونأخذ وجوب التغسيل من دليل آخر، مثلاً هذا الحديث الذي يليه ((اغسلوه)) ويأتي بماء وسدر بعد، إشكالات، نعم؟ نعم ما الصارف من وجوب الثلاث إلى الواحدة مثلاً إذا أنقت؟ رد ذلك على رؤيتهن من جهة، رده إلى رؤيتهن للحاجة، الأمر الثاني: أن غسل الحي وهو عن حديث يكتفى فيه بتعميم الماء فالميت من باب أولى، إذا قيل: هذا تعبد ووجبت الثلاث ما يبعد.
طالب:. . . . . . . . .
لا التخيير (أو) التخيير. . . . . . . . . يبدأ بالسدر أول شيء مع الغسلة الأولى، والكافور في الأخيرة.
طالب:. . . . . . . . .
إذا عمم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو نقي ما يخرج منه شيء، افترض أنت شخص ما يخرج منه شيء، بقي مدة خرج منه كل شيء، كل ما فيه، ولا طلع شيء، سوى كل هذا ما خرج شيء.
طالب:. . . . . . . . .
وش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
لا السدر أول، أنت إذا أردت أن تغتسل تعم بدنك بالماء، صح ثم بعد ذلك تضع الشامبو أو الصابون وتتركه ما تتبعه ماء؟
طالب:. . . . . . . . .
إذاً الشامبو مع الأول، السدر مع الأول مع الغسل، أولاهن بالتراب من أجل أن يأتي الماء على إزالة ما بقي، ولو كان طاهر ما يبقى على البدن.
نعم الحديث السادس.
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحته فوقصته، أو قال: فأوقصته، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) وفي رواية: ((ولا تخمروا وجهه ولا رأسه)) قال المصنف -رضي الله عنه-: الوقص كسر العنق.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: بينما رجل واقف بعرفة" في حجة الوادع "إذ وقع" سقط عن راحلته "فوقصته" يعني مات في الحال، الوقص الموت بالحال، فوقصته الضمير يعود إيش؟ الناقة هي التي وقصته أو الوقعة؟(19/12)
طالب:. . . . . . . . .
إيش سوت به الناقة؟ الناقة واقفة وطاح، إيش سوت الناقة؟ هي التي تحركت وطاح؟ "إذا وقع عن راحلته فوقصته" الوقعة أوقصته -أو وقصته- ومات في الحال بسبب الوقعة أو بسبب الناقة؟ الناقة ما تحركت "بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع" زلق وطاح، وش صار؟ وهي ما تحركت، وش يصير؟
الطالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
فوقصته الوقعة، يعني مات بسبب الوقعة، مات بسبب السقطة، طيب افترض شخص على جدار، فوقصته يعني السقطة، الجدار سوى له شيء؟ نعم؟ وقع عن جدار فوقصته، هل نستطيع أن نقول: إن الجدار هو الذي وقصه؟ ما يمكن، فلو أن الدابة هي التي تحركت وأوقعته لكنه وقع عن راحلته، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يدريك، لا لا ما يلزم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو إن تحركت فهي السبب.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، لا لا ما يلزم.
الطالب:. . . . . . . . .
يعني وطأته أو شيء؟
الطالب:. . . . . . . . .
لا لا هذا ما له دخل أبداً، لا لا، أنت افترض بدل الناقة جدار هو فوق جدار فسقط فوقصته إيش اللي وقصه؟
الطالب:. . . . . . . . .
وهنا فوقصته الوقعة، يعني نقول: الاشتباه في الضمير لكونه يحتمل أن يعود على هذا لأنها مؤنثة على كل حال الوقعة والناقة والراحلة، جاء هنا الاشتراك وجاء هنا الاحتمال، لكن أنت افترض أن الناقة واقفة، هو واقف بعرفة "إذ وقع" ما قال: أوقعته.
الطالب:. . . . . . . . .
لا لا ما في، في فوقصته، في أوقصته، في فأقعصته، لكن من التي أقعصته؟ أنت افترض أنه نعس وطاح، وش صار؟ نعم؟ يعني السبب الذي مات به، الوقعة من الدابة من الراحلة؛ لأنه يطيح بس على رقبته، يحتاج أكثر من هذا؟
الطالب:. . . . . . . . .
هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
ما في شيء ما فيه مخاطر، الناس يركبون الطيارات احتمال تطير على جبل ما يبقى نفس، يركبون، الغالب السلامة يعني، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
إيه نعم صح بعد الطيحة، الطيحة التي وقصته.
الطالب:. . . . . . . . .
فوقع إيه نعم.
الطالب:. . . . . . . . .(19/13)
لا هي ما وصلته، ولا جئته، ولا هي بلمه، أندقت عنقه من الطيحة من الوقعة، واحتمال أنها تحركت وطاحت احتمال أنه .. ، لكن يقول: وقع، ما قال: أوقعته، وقع، الحافظ ابن حجر يقول: يحتمل أن يكون فاعل فأوقصته الوقعة أو الراحلة بأن تكون أصابته بعد أن وقع، قال: والأول أظهر.
الطالب:. . . . . . . . .
يعني من الوقعة، خلاص طاح على رأسه وأندقت عنقه، يحتاج إلى أكثر من هذا؟ ما يحتاج.
الطالب:. . . . . . . . .
لا لا الأول الوقعة، وقصته الوقعة أو الراحلة.
"وفي رواية: "فأوقصته" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اغسلوه)) " فدل على أن المحرم يغسل كما يغتسل وهو حي يغسل إذا مات ((بماء وسدر)) فالأمر متجه إلى الغسل بالماء والسدر، السدر ليست فيه رائحة فلا محظور فيه أن يغسل فيه الميت وإن كان محرماً ((وكفنوه في ثوبيه)) ويكتفى بهما بالثوبين وإن كانت الثلاثة أفضل، على ما تقدم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثلاثة أثواب، لكن المحرم يكفن في ثوبين، إن احتاج إلى زيادة لأن الثوبين ما يكفيان، فيهما شح عن تغطية جميع بدنه يزاد عليهما ما يستره، لكن الثوبين لا بد منها لا على سبيل الوجوب؛ لأن المحرم الحي له أن يغير في ثوبيه، لكن مثل هذه الثياب التي بوشرت بها العبادة ينبغي أن يكفن بها.
((ولا تحنطوه)) الحنوط: أخلاط فيها أطياب وروائح طيبة ولذا منع منها المحرم ((ولا تخمروا رأسه)) لأن المحرم لا يجوز أن يغطي رأسه، لا يجوز تغطية رأسه بحال ((فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) هذه هي العلة في كونه لا يغطى رأسه لأن إحرامه مستمر إلى أن يبعث، فأنه يبعث يوم القيامة حال كونه ملبياً "وفي رواية: ((ولا تخمروا وجهه ولا رأسه)) " منهم من يحكم على الوجه بالشذوذ، لكن لا داعي للحكم عليه وهو في الصحيح ((ولا تخمروا وجهه ولا رأسه)) فعلى هذا إحرام الرجل في رأسه ووجهه، ومنهم من يقول: إن عدم تغطية المحرم لوجهه من باب الاحتياط؛ لأنه إذا غطى وجهه احتمل أن يغطي رأسه، لكن من باب اتقاء الشبهة لا يغطى وجهه، والصواب أن الوجه أيضاً ممنوع المحرم الذكر من تغطيته كالرأس.
الطالب:. . . . . . . . . .(19/14)
يذكرون، يعني هو قول أكثر أهل العلم على أن المرأة إحرامها في وجهها، لكن ما في في المرفوع ما يدل عليه، ليس في المرفوع ما يدل عليه، عائشة تقول: كن يكشفن، إذا حاذاهن الرجال الأجانب سدلت إحدانا خمارها على وجهها.
((ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) من أهل العلم من يرى أن المحرم إذا مات كغيره يغطى رأسه وجهه؛ لأنه ليس كل محرم يبعث ملبياً، هذا علم النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يبعث ملبياً فدل على أن إحرامه مستمر، ومن عداه من يشهد له؟ من يشهد له أنه يبعث يوم القيامة ملبياً؟ يعني عموم العلة، لا يقولون: هذه العلة خاصة بهذا الرجل الذي شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام-.
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
المقصود أن من أهل العلم من يرى أنه يغطى رأسه ووجهه، لماذا؟ لأن هذا شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يبعث يوم القيامة ملبياً، ومن عداه يحتاج إلى شهادة معصوم، لكن القول بعموم العلة متجه، فكل من مات محرماً بُعث يوم القيامة ملبياً، يعني هل يقول مثل هؤلاء الذين قالوا عن هذا الرجل أن غيره لا يبعث ملبياً أن الشهيد الذي يأتي ودمه يثعب لونه لون الدم والريح ريح المسك هل هو خاص بهذا الرجل أو كل شهيد؟ حتى هم يقولون: كل شهيد هذه ميزته، نعم إذاً كل محرم هذا مآله وحاله.
"وفي رواية: ((ولا تخمروا وجه ولا رأسه)) " قال -رضي الله عنه- المؤلف-: "الوقص كسر العنق" هذا الرجل لما سقط عن الراحلة أندقت عنقه فوقصته، والخلاف في الضمير تقدم.
الطالب:. . . . . . . . .
يبعث على ما بقي من حجه؛ لأن هذا بعرفة ما بعد باشر التحلل.
الطالب:. . . . . . . . .
أي شيء فيه طيب يمنع كالمحرم الحي، يعني حكم الواحد حكم الجماعة كلهم يسألون، نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
إنه ليسمع قرع نعالهم، إذا انتهوا من دفنه بدأ السؤال، يعني مجرد ما ينصرفون، أو يشرعون في الانصراف يبدأ السؤال، وإنه ليسمع قرع نعالهم.
الطالب:. . . . . . . . .
يسوغ نعم، ما في بأس، نعم.
عن أم عطية الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا.(19/15)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث أم عطية الأنصارية: "قالت: نهينا عن إتباع الجنائز" لأن المرأة لا تتبع الجنازة مجرد إتباع، وجاء ما يدل على التحريم في حديث فاطمة، في حديث فاطمة يدل على التحريم ((لو بلغتِ الكدي للفحتك النار)) هذا يدل على تحريم إتباع الجنازة، وهنا "ولم يعزم علينا" يدل على أن النهي ليس للتحريم وإنما هو للكراهة، وأن النواهي متفاوتة، منها النهي الشديد، ومنها النهي الخفيف، هذا بالنسبة لإتباعها، أما دخول المقابر وزيارتها بالنسبة للنساء فجاء فيه اللعن، ((لعن الله زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)) فالنساء ممنوعات من هذا، لكن المرأة إذا صلت على جنازة فلها من القيراط مثل ما للرجل، فالإتباع غير الصلاة، والإتباع أيضاً غير الزيارة ودخول المقابر.
الطالب:. . . . . . . . .
كيف؟
الطالب:. . . . . . . . .
وش تزور؟
الطالب:. . . . . . . . .
لا لا ((لعن الله زوارات القبور)) تزورها هذا عام، خصص النساء باللعن.
الطالب:. . . . . . . . .
لا ما يدخلن أبد، ما يدخلن المقبرة، اللعن صريح في هذا، اللعن اللعن ((لعن الله زوارات القبور)).
الطالب:. . . . . . . . .
نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .
ولم يمنعنا، يعني لم يؤكد علينا، فإما أن يقال: إن تفاوت النهي تبعاً لتفاوت النساء، ففاطمة لعظم مقامها تمنع بأشد مما يمنع عنه غيرها؛ لأنه قال: ((للفحتك النار)) المقصود أن مثل هذا منهي عنه، سواء كان نهي كراهة أو نهي تحريم، والمقصود به إتباع الجنازة والخروج معها لا إلى المقبرة، نعم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(19/16)
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أسرعوا بالجنازة)) " يعني بمجرد ما تخرج الروح ويتأكد من خروجها تباشر أسباب الدفن، تغسل وتكفن ويصلى عليها وتدفن، هذا مقتضى الأمر بالإسراع ((أسرعوا بالجنازة)) لكن إذا ترتب على التأخير -التأخير الذي لا يترتب عليه تغير في الميت من رائحة كريهة أو تأذي أهل الميت بهذا- وترتب عليه المصلحة من قدوم من يرجى قدومه في مدة معقولة مقبولة، يعني بين صلاتين مثلاً، يؤخر من صلاة الفجر إلى صلاة الظهر مثلاً، أو من الظهر إلى العصر، الأمر فيه سعة ولله الحمد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- دفن بعد ثلاثة أيام، فدل على أن الأمر بالإسراع للاستحباب لا للوجوب، لكن شريطة أن لا يتغير الميت ويتأذى ويؤذي، والعلة واضحة ((فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه)) يعني لا يحرم من هذا الخير الذي ينتظره ((وإن تكن سوى ذلك)) يعني غير صالحة وغير طيبة فشر تضعونه عن رقابكم، فالأشرار صحبتهم وبال سواء كانوا أحياء أو أموات، لا شك أن هذا شر يوضع عن الرقاب، فالإسراع في تجهيز الميت والإسراع بدفنه هو السنة، لكن إن ترتب على التأخير مصلحة راجحة فلا مانع منه، لكن لا يؤخر تأخيراً بحيث يسرع إليه الفساد، أو يتأذى أهله أو يكون سبباً في حرمانه من الخير الذي ينتظره، المقصود أن مثل هذا مستحب، نعم.
عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: صليت وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث التاسع:(19/17)
"عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: صليت وراء النبي -صلى الله عليه وسلم- على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها" صليت وراء النبي صلى الله عليه على امرأة والمرأة يصلى عليها كالرجل، والأدلة مستفيضة، وكذلك النفساء يصلى عليها وإن كانت على ما جاء في الأخبار شهيدة وإلا ما هي بشهيدة؟ شهيدة إذاً يصلى عليها وبهذا تختلف عن شهيد المعركة الذي لا يصلى عليها، فهي شهيدة في الآخرة لا في أحكام الدنيا "ماتت في نفاسها" يعني بعد الولادة "فقام في وسطها" وهذه هي السنة في موقف الإمام من المرأة إذا ماتت أنه يقف وسطها ليكون ساتراً للوسط الذي فيه العورة عن اطلاع الرجال المصلين عليه، إذ لن يعدم أن يوجد من في قلبه شيء من المرض، أقول: لا يعدم، وجد في مثل هذه المناسبات أشياء كثيرة، وقع محظورات في هذه المواطن، والقلوب متفاوتة منها القلب الميت الذي يشرأب لمثل هذه الأمور، ومنها ما هو أفضل من ذلك كما هو الأصل "فقام في وسطها" فدل على أن موقف الإمام من الميت إن كان امرأة فهو في وسطها، وإن كان رجلاً فعند مقابل رأسه.
الطالب:. . . . . . . . .
شهيدة، لكن شهيدة آخرة، يعني تختلف في أحكام الدنيا ليست بشهيدة، هي شهيدة في أحكام الدنيا لأن الشهداء يتفاوتون، شهيد دنيا وآخرة، شهيد دنيا فقط، شهيد آخرة فقط، شهيد الدنيا والآخرة من مات في الجهاد مقبل غير مدبر ولا غال، المقصود أنه مات في الجهاد مخلصاً في ذلك، هذا شهيد الدنيا والآخرة، تثبت له أحكام الدنيا.
الطالب:. . . . . . . . .
جاء النهي عن الإطلاق؛ لأن هذا من باب الشهادة، إنما يعلق بالمشيئة أو يرجى له ذلك، المقصود أن هذا شهيد، نعم، بغض النظر عن فلان بعينه، ولو مات على هذه الصفة ما نجزم بأنه شهيد، وإنما ترجى له الشهادة، جاء النهي عن هذا، وشهيد دنيا فقط، يعني لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه مات في المعركة لكن غال أو ليقال أو ما أشبه ذلك، هذا ليس له من الأجر شيء في الآخرة، وشهيد الآخرة فقط دون الدنيا مثل المبطون والحريق والغريق والنفساء وما أشبه ذلك.
الطالب:. . . . . . . . .(19/18)
هو إذا كان الشخص حديث عهد بالنساء لا شك أنه يبقى في قلبه شيء من التعلق بهن، حديث عهد بمقارفة النساء يبقى في نفسه شيء، أما بعيد العهد يكون نسي ما يتعلق بالنساء، نعم، لكن إذا كان من محارمها من ولدها، أبوها مثلاً، أو أخوها فهو أولى بها، تلك قضية عين عليها بعض الإشكال، نعم.
عن أبي موسى عبد الله بن قيس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برئ من الصالقة والحالقة والشاقة.
قال المصنف: الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن أبي موسى عبد الله بن قيس -الأشعري- رضي الله تعالى عنه- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برئ" تبرأ في حكم قوله: ((ليس منا)) تبرأ من الصالقة والحالقة والشاقة، الصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة، والأصل فيه السين وأبدلت صاداً أصلها سالقة، سلقوكم، نعم، فهذه الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة برئ النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبرئ من الحالقة التي تحلق شعرها بسبب المصيبة، وبرئ من الشاقة التي تشق ثوبها، والأصل هذا أن يكون في النساء لجزعهن وعدم صبرهن، لكن إذا وجد في الرجال فالحكم واحد، إذا وجد في الرجال من يرفع صوته أو يحلق شعره، أو يلطم خده وصدره، أو يشق ثوبه الحكم واحد، وفي هذا وعيد شديد على من فعل هذه الأفعال وجزع ولم يصبر على ما قدر الله فهو متوعد بالبراءة منه، وإن استحل ذلك فأمره أشد وأخطر، نعم.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(19/19)
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما اشتكى النبي -عليه الصلاة والسلام-" مرض في مرض موته الأخير "ذكر بعض نسائه" وجاء التصريح بأم سلمة وأم حبيبة، وهن ممن هاجر إلى الحبشة "ذكر بعض نسائه كنيسة رأتها" في بعض الروايات: رأتاها، يعني أم سلمة وأم حبيبة "بأرض الحبشة" التي هاجرن إليها، "يقال لها" يقال للكنيسة: "مارية" وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة "فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها" الكنائس يعتنى فيها من الناحية الجمالية والرسوم الفنية؛ لأن هذا حضهم منها، ينشغلون بها عن لب العبادة، وهذا من شؤم المخالفة، إذا وقع الإنسان في مخالفة وعوقب بما يسلبه أحوج ما يحتاج إليه، يعني هذا منع من زخرفة المساجد؛ لئلا يكون سبباً في إذهاب الخشوع للمصلي، وهؤلاء هذا حضهم من هذه العبادة، هذه التصاوير الحسنة والجميلة، وزادوا على ذلك سوء فصوروا مريم والمسيح، صوروا، فيها تصاوير لهم، المقصود أن هذه محرمات لا يجوز التصاوير في أماكن العبادة.(19/20)
"فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسه وقال: ((أولئكِ إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور)) " ظلمات بعضها فوق بعض، صور وتماثيل في مكان العبادة، وأيضاً قبر في المسجد فأنى يقبل لهؤلاء، إضافة إلى أنهم حرفوا وبدلوا وكفروا، فالمقصود أن مثل هؤلاء صنعوا ما صنعوا وقلدهم من قلدهم من المسلمين، وجعلوا القبور في المساجد، وزخرفوا المساجد، فهؤلاء فيهم شبه من شرار الخلق عند الله تعالى ((أولئكِ إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً)) قد يكون الدافع في أول الأمر تذكر صاحب القبر؛ ليكون معيناً لهم على النشاط في العبادة، فإذا تذكروا هذا العبد الصالح نشطوا، ثم بعد ذلك يخلف الخلوف فيأتيهم الشيطان يقول: ما وضع هذا القبر في هذا المسجد إلا لتطلب منه الحاجات؛ لأنه رجل صالح، أو ليصلى عنده، وتحصل البركة بجواره، وقد وقع هذا في هذه الأمة في كثير من الأقطار، وتتابع الناس عليه في الشرق والغرب إلى أن قيض الله لها في العصور المتأخرة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، فانبرأ لهذه القضية، وأخرج القبور ما استطاع منه أن يخرج القبور من المساجد، هدمت المساجد والأبنية على القبور بسبب دعوته، ورجوع الناس إلى الحق، وفي الحديث الذي يليه حديث عائشة، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً.
يقول: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه" في مرضه الذي مات فيه: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، أولئكِ إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً)) وهنا يقول: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) لعن اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى، ولعن اليهود ظاهر؛ لأن لهم أنبياء ووضعوا على قبورهم المساجد، وأما النصارى لهم نبي غير عيسى -عليه السلام-؟ نعم؟
الطالب:. . . . . . . . .(19/21)
لا خلنا على القول الصحيح، النصارى ليس لهم نبي إلا عيسى وعيسى لم يقبر، فكيف يقال: ((لعن الله اليهود والنصارى)) عيسى لم يقبر؟ إما أن يقال: أنبياء اليهود أنبياء للنصارى؛ لأن دين عيسى -عليه السلام- مكمل لما جاء به موسى -عليه السلام-، أو يقال كما في الرواية الأخرى: ((اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)) فيكون اليهود اتخذوا قبور الأنبياء، والنصارى اتخذوا قبور الصالحين مساجد، بمعنى أنها. . . . . . . . . ويصلى عندها، وقد جاء النهي عن الصلاة إلى القبور، ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) أو ((لا تجلسوا على القبور أو تصلوا إليها)) "قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ولولا ذلك لأبرز قبره" النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أبرز قبره، دفن في بيت عائشة، فلم يبرز قبره خشية أن يتخذ مسجداً، لو كان بارزاً لجاء من جاء وبنى عليه مسجد، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، فدفن في بيت عائشة -رضي الله عنها-، وكان بيت عائشة مستقل بعيد عن المسجد بينه وبين المسجد السور خارج المسجد، ثم بعد ذلك احتيج لزيادة المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك فأدخل في المسجد، وأنكر من أنكر ممن وجد من الصحابة والتابعين، المقصود أنه حصل الإنكار، لكن تتابع الناس على ذلك، وتداولوه الأئمة عن الأئمة ولم يحصل بعد ذلك أن أبطلت الصلاة في المسجد النبوي؛ لأنه لم يبنَ على المسجد، المسجد مبني قبل القبر، والميت ما دفن في المسجد، فالمسجد قبل القبر، والمقبور ما قبر في المسجد، ولهذا تصحح الصلاة في المسجد النبوي بخلاف ما إذا دفن ميت في المسجد، أو بني مسجد على قبر فلا بد من أن يكون الحكم للسابق منهما، إن كان الميت دفن في المسجد ينبش ويخرج، وإن كان المسجد بني على القبر يهدم، وهنا يظهر الفرق بين المساجد التي بنيت على القبور وبين مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودعا النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
فأجاب رب العالمين دعاءه ... فأحاطه بثلاثة الجدرانِ(19/22)
ثلاثة جدران لا يستطيع أحد أن يستقبله، هذا على القول بأن هذه الدعوة أجيبت كما يقول ابن القيم ويقرره جمع من أهل التحقيق، ولكن وجد من يسجد إلى القبر وظهره إلى الكعبة، مثل هذا لا شك أنه عابد، عابد للقبر، ساجد له، مثل هذا ساجد للقبر، أما كونه مسجد صبغته صبغة المسجد يرتاده الناس في كل وقت من أجل أن يصلوا إليه، ومن أجل أن .. فهذا لم يحصل، يعني إذا وجد من أفراد فإن هذا لا يعني أن الدعوة لم تجب، نعم.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ليس منا)) " أي ليس على طريقتنا، وليس على هدينا، بل هديه مخالف لطريقتنا وسنتنا من فعل هذه الأفعال: من ضرب الخدود بسبب المصيبة، وشق الجيوب وتقدم الشاقة، النبي -عليه الصلاة والسلام- برئ منها ((ودعا بدعوى الجاهلية)) كقولهم: وسنداه، وظهراه، وسيداه، هذه دعاوى الجاهلية، يدعون بالويل والثبور بسبب هذه المصيبة التي وقعت بهم، وكل هذا يدل على أن هذه الأفعال من كبائر الذنوب نسأل الله السلامة والعافية، وإذا استحل ذلك خرج يعني ليس من ديننا إذا أستحل ذلك، نعم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين)) ولمسلم: ((أصغرهما مثل جبل أحد)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(19/23)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد الجنازة حتى يصلى عليها)) " يعني حضرها، بعض الروايات: ((من تبعها)) يعني من بيت أهلها ((حتى يصلى عليها فله قيراط)) المقصود أن القيراط مرتب على الصلاة، ((ومن شهدها)) يعني من الصلاة حتى تدفن حضر الدفن وشارك ((فله قيراطان)) ((من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) فالمجموع؟ ثلاثة أو اثنين؟ اثنين؛ لأن القيراطين للمجموع، لما تقدم من الصلاة والدفن "قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين)) " تمثيل للعمل العظيم بالجرم العظيم الجبل مثلاً، "ولمسلم: ((أصغرهما مثل جبل أحد)) " تصور أن الإنسان يوضع في كفة حسناته مثل جبل أحد، وهذا بسبب صلاة واحدة، أو شهود جنازة واحدة، وقد فرطنا في القراريط، نعم ومن أهل الفضل من يتتبع الجنائز في مواطنها ويصلي عليها ويتبعها ويشهدها، هذا يبحث عن الأجر، ولا شك أن تتبع مثل هذه الأمور من علامات التوفيق، وفي مقابله من علامات الحرمان والخذلان أن يوجد الإنسان في مسجد يصلى فيه على جنازة ولا يصلي، وهذا يحصل كثيراً، في الحرمين يحصل كثيراً، أنا قلت لشخص: لماذا لم تصلِ على الجنازة؟ قال: أنا مصلي أمس على واحد، وشاب من الشباب قيل له: لماذا ما تصلي على الجنازة؟ قال: لأن لا يظن وجوبها، لبيان الجواز، حرمان، والله حرمان، فليحرص الإنسان على مثل هذا، وهو بأمس الحاجة إلى الحسنات التي تكون في مقابل بحار السيئات التي يتخوض فيها الناس نسأل الله السلامة والعافية.
الطالب:. . . . . . . . .
هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
إيش فيها؟
الطالب:. . . . . . . . .
هناك داخلة في اللفظ، والله إذا لم تضيق على الأحياء فلا مانع، وإذا حصل منها ضيق فالأحياء أولى.
اللهم صل وسلم على عبدك ...
الطالب:. . . . . . . . .
هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
داخلة في عموم الحديث -إن شاء الله-، ومجموع الجنائز، يعني لو صلي على عشر في آن واحد عشرة قراريط، وفضل الله واسع ...(19/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح عمدة الأحكام - كتاب الزكاة (1)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الزكاة
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل - حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب الزكاة
والكتاب سبق التعريف بها مراراً، أظن هنا في كتاب الطهارة، نعم كتاب الطهارة شرح هنا وإلا وين؟ إيه سبق التعريف به ولا مانع من التذكير بشيء من ذلك.
فالكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابةً وكتباً، وأصل المادة يدل على الجمع، ومنه: تكتب بنو فلان اجتمعوا، وجماعة الخيل يقال لها: كتيبة، والمراد به هنا المكتوب، المراد بالمصدر اسم المفعول مثل الحمل يراد به المحمول، فالمراد هنا بالكتاب المكتوب الجامع لمسائل الزكاة، والكتاب والكتابة يقول أهل العلم: إنها من المصادر السيالة التي تحدث شيء فشيئاً، فالكتاب إنما يحدث تدريجياً باجتماع الحروف والكلمات، ولا يحدث دفعة واحدة كالقيام مثلاً، لا.(20/1)
والزكاة تطلق في اللغة ويراد بها النماء والتطهير، ولذا جاء في زكاة الفطر أنها طهرة للصيام، وزكاة الأموال {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] ليش؟ لأي شيء؟ نعم؟ {تُطَهِّرُهُمْ} [(103) سورة التوبة] فالزكاة في الأصل الطهارة فهي تطهر المال وتزكيه وتنميه، وتطهر صاحب المال من الأوصاف الذميمة، تطهره من صفتي البخل والشح، كما أنها تنظف المال وتنميه، وثبت في الحديث: ((ما نقص مال من صدقة)) والملاحظ أن الذين يخرجون الزكوات، ويزيدون عليها من أنواع الصدقات أموالهم تزيد؛ لأنه قد يقول قائل: كيف تنمي المال والأمر محسوس؟ ألف ريال أخرجنا منه خمسة وعشرين ريال زكاة، صار الباقي تسع مائة وخمسة وسبعين، كيف تقول: تنمي المال؟ نقص المال؟! نقول: لا أخي ما نقص، انظر إلى العاقبة، كم من شخص تصدق بشطر ماله، بثلث ماله، أضعاف مضاعفة عن الزكاة، وأمواله تنمو وتزيد، والواقع يشهد بذلك، وكم من شخص شح بالزكاة المفروضة، وبخل بها، واضمحل ماله، وضاع ماله، ولم يستفد من ماله لا في دينه ولا في دنياه، بل بعضهم صار ماله وبال عليه.(20/2)
الزكاة ركن من أركان الإسلام بالإجماع؛ لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) فهي ركن من أركان الإسلام، من جحد وجوبها كفر إجماعاً، ومن اعترف بوجوبها ومنعها أخذت منه قهراً، وقوتل عليها، تأخذ منه قهراً، والصديق -رضي الله عنه وأرضاه- بالاتفاق مع الصحابة قاتلوا الذين منعوا الزكاة، وأقسم بالله ليقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فشأنها عظيم، وأما من جحد وجوبها فهو كافر بلا نزاع؛ لأن وجوبها معلوم بالضرورة من دين الإسلام، ومن منعها فلم يزك ماله مع اعترافه بوجوبها فقد أتى موبقة من الموبقات، وعظيمة من عظائم الأمور، والجمهور على أنه لا يكفر بذلك، والقول بكفره قول معروف عند أهل العلم، لكن الجمهور على خلافه، والقول بكفر تارك أحد الأركان العملية قول معروف، وهو رواية عن الإمام أحمد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، أقول: هذا القول قول معروف عند أهل العلم، لكن الجمهور على أنه لا يكفر إلا بجحد وجوبها، فالزكاة شأنها عظيم، والأدلة عليها متضافرة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهي قرينة الصلاة بنصوص كثيرة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول:
عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل.(20/3)
ابن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، وأحد العبادلة، ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، أخباره ومناقبه شهيرة، ومعاذ بن جبل من جل الصحابة، ومن أعلمهم وأعرفهم بالحلال والحرام، قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- حين بعثه إلى اليمن معلماً وداعياً إلى دين الإسلام، وذلك سنة تسع أو عشر أو ثمان على خلاف بين أهل العلم، ومكث فيها يدعو الناس إلى الدين، ويعلمهم الأحكام إلى أن قدم بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال حينما بعثه إلى اليمن ليستعد لمن أمامه: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) ولا شك أنه بمثل هذا يستعد لمن أمامه، فكل إنسان يهتم لمن أمامه بقدر مستواه العلمي، فالذي يلقي كلمة عند عوام لا يتهم ولا يحتاط لنفسه مثل من يدرس طلاب علم، والذي يدرس المنتهين لا شك أن يهتم أكثر ممن يدرس المبتدئين، نعم، هذا شيء معروف، فالذي أمامك هو الذي يحدد اهتمامك، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له هذا الكلام: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) لكي يحتط لنفسه، فالاحتياط في مخاطبة من مثل هؤلاء الذين عندهم شيء من العلم أشد من الاحتياط ممن ليس كذلك من عبدة الأوثان الذين لا علم عندهم.
((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب)) والأصل أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، واليمن فيه يهود، وجهة نجران وما والاها فيها نصارى في ذلك الوقت، على كل حال أهل الكتاب موجودين في جنوب الجزيرة، واليهود أيضا موجودين في المدينة وخيبر وغيرها.(20/4)
((إنك ستأتي قوم أهل كتاب)) وأهل إعرابها بدل من قوم، فإذا جئتهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- يرسم منهج للدعاة، وهذا المنهج يتمثل في الاهتمام بالأهم فما دونه، الاهتمام بالأهم، يجعل الأهم هو في العناية بالدرجة الأولى، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، فإذا جئتهم فادعهم إلى الإسلام، ادعوهم إلى الإسلام والإسلام إنما يكون بالشاهدة، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، أهل الكتاب الذين نزل القرآن وهم موجودون في الأرض كمن بعث إليهم معاذ، وكمن هم في المدينة النبوية، وفي غيرها من أقطار الأرض، في ذلك الوقت هم أهل كتاب، وسموا أهل كتاب في التنزيل في القرآن مع أن عندهم شيء من الشرك، وتختلف معاملتهم عن معاملة المشركين، ولهم أحكماً تخصهم يختلفون بها عن سائر طوائف الكفر من المشركين وغيرهم، ولذا تحل ذبائحهم، وتنكح نسائهم، وطعامهم حل لنا بخلاف طوائف الكفر غير أهل الكتاب، وفيهم شرك يشركون، يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، النصارى يقولون: المسيح ابن الله، واليهود يقولون: عزير ابن الله، على كل حال هم فيهم شرك، ولذا يقرر جمع من أهل العلم أنهم ليسوا مشركين، هم كفار إجماعاً، ومن شك في كفرهم كفر إجماعاً، هم كفار لا إشكال في هذا، لكن هل يقال: إنهم مشركون لوجود الشرك فيهم؟ أو يقال: فيهم شرك؟ يقال: فيهم شرك، كما قرر ذلك الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، وفرق بين أن تقول: مشرك وفيه شرك، ومنافق وفيه نفاق، وجاهلي وفيه جاهلية، فرق بين هذا وهذا، ولذا يرى جمع من أهل العلم أنه لا يحتاج في نساء أهل الكتاب إلى مخصص يخرجهن من قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [(221) سورة البقرة] يقول: هن ليس بمشركات إنما فيهن شرك، لا نحتاج إلى مخصص، والذين يقولون: هم من ضمن طوائف المشركين مثل غيرهم شركهم لا يقل عن شرك غيرهم، يقول: الآية خصصت بقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [(5) سورة المائدة] المقصود أن هذه المسألة هم كفار إجماعاً، كفرهم أكبر ليس بقابل للغفران، لكنهم هل يطلق عليهم الشرك، أو يقال: فيهم شرك؟ مسألة معروفة عند أهل العلم، والفوائد(20/5)
المترتبة على هذا، لا يعني أن كفرهم أقل من كفر غيرهم، لا هم كفار على كل حال {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة] كفروا، المقصود أنهم كفار، لكن إذا قلنا: إنهم مشركون يعاملون معاملة المشركين في سائر الأحكام، وإذا قلنا: إنهم كفار وفيهم شرك يستثنون في بعض المسائل، وقد جاء استثناؤهم في بعض نصوص الكتاب والسنة.(20/6)
((فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) هذا الذي يدخل به في الإسلام ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فبهذا الكلمة يدخل الإسلام، لا بد أن يوحد الله، وأن يفرد الله بالعبادة ((إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) وهذا قد يقول القائل منهم: إنهم يعترفون بأنه لا إله إلا الله، ويعترفون بالله -جل وعلا-، وأنه هو الخالق الرازق، وإن صرفوا لخلقه شيء من أنواع العبادة، يعني كما يقع من بعض المسلمين، بعض من ينتسب إلى الإسلام تجده يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ويطوف على قبر، وقد يذبح لغير الله، وقد يزاول الشرك الأكبر، وهو يدعي، ومع ذلك قد يقول: إننا نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، لكن لا بد مع ذلك أن يشهدوا أن محمداً رسول الله، وهذا الذي لا يدعونه، اليهود والنصارى لا يدعون ذلك، يعني قد يدعون أنهم يشهدوا أن لا إله إلا الله، باعتبار أنهم أهل كتاب، وأنهم تبع لنبي ولرسول من الرسل، لكن لا يمكن أن يدعوا أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله، فلا بد من هذا، ولذا يقرر أهل العلم أن من كفر بشيء لا يسلم ولا يدخل في الإسلام، ولا يحكم بإسلامه حتى يعترف وينص على ما كفر به، يعني لو وجد مثلاً شخص يؤمن بالله وبملائكته وكتبه ورسوله ولا يؤمن باليوم الأخر نقول: لا يدخل في الإيمان، ولا يصح منه الإيمان حتى يعترف ويقر ويؤمن باليوم الأخر، وقل مثل هذا في بقية الأركان، حكم بكفره لأنه جحد وجوب الزكاة، لا يقبل منه الدخول في الإسلام حتى يتعرف بما جحد، ومثل هذا جميع شرائع الدين التي يفكر جاحدها مما عُلم من الدين بالضرورة، فلا بد من التنصيص على ما كان ينكره قدم الدعوة إلى الشهادة لأنها هي المفتاح، يعني الذي ليس معه مفتاح يرجع بدون دخول ما دخل لو عمل ما عمل، لو اعترف وامتنع أن يقول: لا إله ألا الله وأن محمداً رسول الله، وصلى وصام صار صوام قوام يصوم الدهر ويقوم الليل ما ينفعه هذا؛ لأن القبول الأعمال مترتب على الإيمان، فالإيمان بالله -جل وعلا- شرط لقبول جميع الأعمال، فهذه هي المفتاح، ثم بعد ذلك إذا فتح الباب ودخل قيل له: قف بعد هذا أركان،(20/7)
فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم، نعم مراتب، إذا تجاوزوا المرتبة الأولى بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، نعم، ينتقلون إلى المرحلة الثانية فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة.(20/8)
((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) أقروا واعترفوا وشهدوا واعتقدوا حينئذٍ العمل المترتب صحته عليها بالدرجة الثانية الصلاة ((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) مفهومه أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك، مفهوم هذا الكلام أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك فلا تخبرهم، إذا لم يطيعوا لك بذلك فلا تخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات، ترى المسألة دقيقة يا الإخوان انتبهوا، منطوق واضح أنهم إذا اعترفوا وشهدوا وأقروا وأذعنوا بالشهادتين انتقل إلى الركن الثاني، إذا لم يفعلوا ذلك المفهوم من اللفظ فإنهم أطاعوا لك بذلك إن لم يطيعوا لك بذلك فأخبرهم الأصل، نقول: فلا تخبرهم؟ إن لم يطيعوا لك فلا تخبرهم؟ أو أخبرهم أن الله لم يفترض عليهم؟ أو ما في فرق بين الجملتين؟ في فرق بين المفهومين؟ هل المسألة مسألة مجرد إخبار، أو عمل بالمخبر به؟ فالمرحلة الثانية هي مجرد إخبار بوجوب الصلاة وافتراضها عليهم، وعلى هذا إذا لم يعترف بالشهادتين هل هو مطالب بالصلاة أو غير مطالب؟ لأن مفهوم الجملة الثانية منطوقها واضح، لكن مفهومها، هل مفهوم الجملة الثانية أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك فلا تخبرهم أن الله افترض عليهم وأن كان الله قد افترض عليهم، أو المفهوم الثاني والاحتمال الثاني أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك فإن الله لم يفترض عليهم خمس صلوات؟ لم يفرض عليهم خمس صلوات، لماذا؟ لأنهم لم يطيعوا لك بالشهادة في كل يوم وليلة، فرق بين المفهومين وإلا ما في فرق؟ الفرق بينهما أنه إذا كان الامتناع عن مجرد الإخبار عن الافتراض فهذا عمدة من يقول: بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، المفهوم الثاني أنهم إذا لم يشهدوا إن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فأخبرهم أو لا تخبرهم، هذا سيان عاد يبقى فأخبرهم أو لا تخبرهم، هذا سيان عاد يبقى أن الله لم يفترض عليهم لم يفرض عليهم خمس صلوات، وهذا فهم من لا يرى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ما الراجح من الاحتمالين؟ الاحتمال الأول أنهم إذا لم يطيعوا لك بذلك ولم يشهدوا ولم يعترفوا ولم يعتقدوا لا تخبرهم، وإن كان الله قد فرض عليهم خمس صلوات، لكن لا تخبرهم، ما في فائدة من أخبارهم، نعم؟ لا تخبرهم، أو نقول: الله -جل وعلا- لم يفرض عليهم؛(20/9)
لأن هذه أمور رتب بعضها على بعض؛ لأنك لو أخبرتهم أن الله فرض عليهم، أو عرفوا هم أن الله -جل وعلا- فرض عليهم هم لم يسلموا، ما الفائدة من علمهم بذلك؟ وما الفائدة من تكليفهم بفروع الشرعية؟ وشرط قبول العمل غير متحقق وهو الإيمان، يعني مسألة مخاطبة الكفار بفروع الشريعة مسألة معروفة عند أهل العلم، والجمهور على أنهم مخاطبون خلافاً للحنفية، أو مخاطبون بالنواهي دون الأوامر كما يقول بعضهم، أنتم معي يا الإخوان وإلا ما أنتم معي؟ الجمهور يستدلون بمثل قوله -جعل وعلا- عن الكفار {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [(42 - 44) سورة المدثر] إلى آخر ذكروا فروع، الذي أدخلهم النار فروع والذين يقولون بأنهم غير مخاطبين يقول: الشرط غير موجود، كيف تتطلب شيء وشرطه غير موجود؟ وهنا رتبت مطالبتهم بالصلاة على دخولهم في الإسلام، ومفهوم هذا أنهم إذا لم يدخلوا في الإسلام لا يطالبون بالصلاة، والجمهور يقولون: نعم لا يطالبون بالصلاة حال كفرهم، ولا يؤمرون بقضائها إذا اسلموا، إذاً ما الفائدة من تكليفهم بالفروع؟ ما معنى تكليفهم بالفروع؟ الجمهور يقولون: إن الفائدة الزيادة في عذابهم على مجرد ترك الإيمان، فهم يعذبون على ترك الإيمان، وترك الصلاة، وعلى ترك الزكاة، وعلى ترك الحج، وعلى ترك سائر فرائض الدين، وعلى ارتكاب ما حرم الله -جل وعلا- لأنهم مخاطبون، لكن عرفنا مأخذ القولين من الحديث؟ نعم؟ عرفنا مأخذ القولين من الحديث؟ يعني رأي الجمهور بالمثال التقريبي نعم؟ بالمثال التقريبي شخص مريض، يعني كشف عليه، كشف عليه الأطباء، وأجرون التحليلات اللازمة والفحوصات الكاملة فتبين فيه عدة أمراض، فيه عدة أمراض، هذا المريض فيه سلطان بالكبد، وفيه قرحة في المعدة، وفيه جرح في القولون، وفيه التهاب بالحلق، وفيه جرح يسير في أصبعه وإلا في رجله وإلا، يعني إذا عالجت الجرح الذي في رجله مثلاً، أو حاولت تصرف له علاجات لعلاج المعدة مثلاً، والآن عنده سرطان في الكبد، يعني الأطباء يقولون: أهم شيء نعالج هذا ها الحين، إذا شفي هذا عالجنا .. ، لأن هذا أمور يرتب بعضها على بعض؛ لأنه إذا(20/10)
استمر السرطان في الكبد ما تعالج، لا سيما إذا كان الذي ترتب عليه أذى له، مثال تقريبي، لكن الآن عندنا أمور يشترط بعضها شرط لبعض، كيف نطالب شخص بالصلاة وهو ما أسلم؟ نقول: يا الإخوان ليس القصد من هذا أنه يطالب بها قبل أن يسلم، وكونه لا يقبل منه إذا فعله حال كفره ولا يطالب به بعد إسلامه بقضائه لا يعني أنه يعذب عليه يوم القيامة كما يعذب على ترك الإيمان، ولو قلنا بأنه لا يخاطب بها لأنه لم يأت بشرطها لزم على هذا إيش؟ أنت وأنت ماشي إلى المسجد، وفي طريقك الصلاة مقامة تسمع الله أكبر، الله أكبر، أقيمت الصلاة، وفي طريقك ناس، أنت تقول لهم: صلوا وألا تقول: توضئوا؟ أو تسأل كل واحد منهم: أنت متوضئ لو قال لك: إيه قلت: صل؟ إن قال لك: لا توضأ قبل، نعم؟ الصلاة، والوضوء شرط لها، إذاً هم مطالبون بالصلاة وإن لم يتحقق شرطها، كما أن من وقف في طريق الناس وقت الصلاة يطالب بالصلاة وإن لم يتوضأ، يتوضأ من لازمها أن يتوضأ بجميع لوازمها، وإلا يلزم عليه أنه إذا عرفنا أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله مقتضى الحديث نسمعه يتشهد، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وعنده أموال نسأله أنت تصلي وإلا لا؟ إن قال: نعم أصلي قلنا: يا الله هات الزكاة وإلا تركناه، لا سيما عند من يقول بعدم كفر تارك الصلاة، هل يرتب قبول الزكاة على قبول الصلاة؟ لأن السياق واحد ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم)) يعني إن أطاعوا لك بالشهادة أخبرهم بالصلاة، أطاعوا لك بالصلاة أخبرهم بالزكاة، كل واحد مرتب على الثاني، لكن هل يقول لا سيما الذي لا يقول بكفر تارك الصلاة هل يرتب عليها الزكاة؟ لا يطالب بالزكاة، وعلى كل حال مخاطبة الكفار بفروع الشريعة هو قول جمهور أهل العلم، وعرفنا أن الفائدة من ذلك الزيادة في عذابهم يوم القيامة، وإن كانوا لا يطالبون بها أثناء كفرهم، ولا يؤمرون بقضائها إذا أسلموا.(20/11)
((فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)) فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وشأنها في الدين عظيم عند أهل التحقيق، يكفروا بمجرد تركها، والصحابة كانوا لا يرون شيء من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) المقصود أن الصلاة شأنها عظيم، افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، وجاء في حديث هل علي غيرها؟ قال: ((لا إلا أن تطوع)) ويستدل به من يرى أنه لا يجب شيء من الصلوات غير الخمس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للأعرابي لما قال له: هل علي غيرها؟ قال: ((لا إلا أن تطوع)) ثم قال: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، فيستدل بهذا من يرى عدم وجوب أي صلاة من الصلوات، فالوتر ليس بواجب بدليل هذا الحديث، صلاة العيد ليست بواجبة بدليل هذا الحديث، صلاة الجنازة ليست بواجبة بدليل هذا الحديث إلى آخره، صلاة الكسوف مع الأمر بها ليست بواجبة بدليل هذا الحديث، وغير ذلك من الصلوات، والذين يجيبون عن هذه الصلوات يجيبون عن ذلك بأجوبة منها: أنها المقصود في اليوم والليلة، ولا يمنع أن يوجد صلوات في غير اليوم والليلة، فالعيد في السنة مرتين، الكسوف عند وجود سببه وهكذا، وصلاة الوتر يعني زيدت بعد هذا الحديث، ولا يمنع من الزيادة، المقصود أن هذه مسائل مختلف فيها بين أهل العلم، هل يجب غير الخمس أو لا يجب غير الخمس؟ كما هو معروف في محله.
((خمس صلوات في كل يوم وليلة)) وأصل المشروعية لخمسين، ثم ما زال النبي -عليه الصلاة والسلام- يفاوض الله -جل وعلا- حتى كتبهن خمس، والأجر أجر خمسين كما هو معروف في حديث الإسراء.
((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) يعني شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، واعترفوا بوجوب الصلوات، وأدوا هذه الصلوات.(20/12)
((فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) وهي الزكاة، فدل على أنه يطلق على الزكاة صدقة، دل على أنه تطلق الصدقة ويراد بها الزكاة المفروضة خلافاً لمن فرق بين الزكاة والصدقة، فحمل الصدقة على المندوبة، والزكاة على المفروضة، هنا قال: صدقة، وسيمت الزكاة صدقة؛ لأنها تبرهن على صدق دافعها، على صدق إيمانه؛ لأنها تبرهن على صدق إيمانه، إنسان مستعد يشهد ويتكلم بلسانه، يعطيكم ما تبغون، ومستعد يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة بعض الناس، لكن ليس بمستعد أن يخرج فلساً، فإذا عمل ببدنه وأنفق من ماله دل على صدقه، وهذا من عظمة هذا الدين، ومن رحمة الله -جل وعلا- بهذه الأمة أن جعل العبادات متنوعة، بدنية ومالية ومشتركة، ومثل ما قلنا: إن بعض الناس عنده استعداد يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، لكن ما عنده استعداد أن ينفق شيء، فجاءت الزكاة لتبرهن على أن هذا بالفعل يتعبد لله -جل وعلا- على مراده، وهواه تبعاً لما جاء عن الله وعن رسوله أو يتبع هواء نفسه؟(20/13)
وبعض الناس مستعد ينفق الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، وبعضهم مستعد يصلي معك ما شئت من الركعات، وينفق ما شئت من الأموال، لكن ما يمتنع عن الأكل والشرب، فتنوعت هذه العبادات لتكون برهاناً على صدق إيمان هذا العبد، وأنه تبعاً لما جاء عن الله وعن رسوله، قال له: صل يصلي، اخرج من مالك يخرج من ماله، كف عن الأكل والشرب يكف عن الأكل والشرب، هذا المؤمن الصحيح اقطع الأميال والأكيال من أجل أداء فريضة الحج ويحج، فإذا جاء بالأركان دل على أنه صادق الدين، صادق في ديانته. ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم بأن الله قد فرض عليهم صدقة)) وهذه هي الزكاة المفروضة، ثالث أركان الدين ((تأخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم)) هي إنما شرعت الزكاة لدفع حاجة المحتاج، ولسعادة المجتمع، والكل سعيد، الغني سعيد بإنفاقه وجوده، والفقير سعيد بما يأخذه بما يسد به حاجته والكل سعيد بهذه الشعيرة، بعض الناس بعض الأغنياء الذين شرح الله صدورهم للإنفاق في سبيله يعيشون لذة في الإنفاق لا يتصورها أحد، يعني بعض الناس تجد أموره ليست يعني ميسورة، وتجده حينما يكرم الضيف يطرب مبسوط وقد تكون ضيافته بالقرض أو بالدين، فكيف بمن أيسر الله عليه، وشرح الله صدره للدين! سعادة لا يدركها إلا من زاولها، وبعض الناس ممن لم يشرح الله صدره للإنفاق في سبيله تجده يتبرم ويتذرع حتى قال قائلهم: إنما هي جزية أو أخت الجزية، نسأل الله السلامة والعافية، ومع ذلك تجده في أبواب أخرى ينفق ويصرف من دون قيد ولا شرط، ينفقون الأموال ذاهبة ذاهبة ما تبقى، وبعض الناس يبتلى، إما يبتلى بأولاد سفهاء يفرقون أمواله وهو ينظر، أو يبتلى بزوجة لا ينتهي مطالبها، ويبخل بالواجب، ومع ذلك تنتهي أمواله تذوب بين يديه كذوبان الثلج، ولا يستطيع أن يقدم لا يؤخر، والحياة كلها دروس وعبر، دروس وعبر، شخص معروف من الأثرياء الكبار، الكبار يعني قد ضيق على نفسه وعلى من ولاه الله أمرهم، ضيق لا يكاد يتصوره عاقل، من الأثرياء الكبار تجده في الشوارع يلقط، هذا قشر، وهذا ما أدري إيش؟ من أجل أن يطعم دوابه، ويمشي حافياً أحياناً وأحياناً مشكلة أو مقطعة، ولا يركب ولا يؤكل شيئاً من الطعام إلا بقدر ما(20/14)
يقيم صلبه، وعنده مئات الملايين، وجزاء وفاقاً لما توفي استلم الورثة المال، وخلال سنة سنتين وهو منتهي، أبد، عبر، المسألة عبر، والأمثلة على هذا كثيرة، والواقع يشهد بهذا، فالعاقل يحرص على مصلحته، وليس لابن آدم من ماله إلا ما قدمه، هذا ماله، وما أخره هو مال وارثه، ومن القصص الواقعية أن اثنين من الشباب جمعتهم إشارة، واحد على مرسيدس جديد ذاك الوقت يمكن سعره مائتين ألف، والثاني على سيارة ديهاتسن مديل قديم، ما تسوى ألف، هذا الذي على السيارة الرديئة أبوه بجنبه من الأغنياء الكبار الوالد، والثاني كذلك أبوه غني لكن توفي، التفت صاحب الدهاتسن قال: ما شاء الله ويش السيارة؟ قال: والله مات، مات أبو العيلة والشايب يسمع قال: ويش يقول؟ قال: هذا اللي سمعت، دروس وعبر بمسمع منه، فتغيرت حياته هذا الثري تغيرت حياته تغير جذري، نفذ في حياته مساجد كثيرة، وصرف لأسر كثيرة من الفقراء والأرامل والأيتام في حياته، وأيسر على أولاده، تغيرت حياته بهذه الكلمة، لكن أين هذا الرجل وأمثال هذا الرجل من نصوص الكتاب والسنة؟ لكن إذا أراد الله بعبده خير يسر له مثل هذه المواقف وإلا موقف ما ينسى هذا، يعني تصورتم الموقف يا الإخوان؟ يعني موقف ما ينسى هذا، والله المستعان، فعلى الإنسان أن يحرص على ما ينفعه، ويبذل لخدمة دينه ما دام في زمن المهلة.
((تأخذ من أغنياهم فترد على فقرائهم)) والغني الذي تجب عليه الزكاة، وهو من ملك نصاباً حال عليه الحول تجب عليه الزكاة، تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء، فيها مساواة، وفيها عدل، وفيها رحمة، وفيها سعادة، لا شك أن مثل هذا يبعث على التواصل والمودة والشفقة من الغني للفقير، والتقدير والاحترام من الفقير للغني وهكذا، فيعيش المجتمع الإسلامي في ألفة ومودة وتراحم وتعاطف.(20/15)
((تؤخذ من أغنيائهم)) ويستدل بهذا من يقول: إن من يملك النصاب لا يجوز له أخذ الزكاة، ومنهم من يقول: من يملك نصاب يزكي هذا النصاب، ويأخذ بقية حاجته وما يكفيه، متصور وإلا ما هو متصور؟ نعم، الآن تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم؛ لأنه جعل الناس فريقين، فريق دافع، وفريق آخذ، فهل يتصور أن يكون الشخص الواحد دافعاً أخذاً في آن واحد؛ لأنه جعلهم فريقين، تؤخذ من الأغنياء وتعطى الأغنياء وإلا الفقراء؟ تعطى الفقراء، طيب الذي يأخذ منه غني وإلا فقير؟ نعم؟ غني، والذي يأخذ فقير وإلا غني؟ طيب كم نصاب الفضة؟ ((ليس فيما دون خمسة أواق صدقة)) يعني مائتا درهم، يعني بالريال العربي السعودي الفضة ستة وخمسين ريال، يعني افترض أن الريال العربي الفضة يسوى اثنى عشر ريال من الورق، يعني ستمائة ريال نصاب، الذي يملك ستمائة ريال يزكي، يدفع خمسة عشر ريال زكاة، لكن هل تكفيه ستمائة ريال؟ ما تكفيه نعم ما تكفيه ستمائة ولا في السنة يمكن ولا ستة آلاف، فعطي زكاة هذا الستمائة، ويأخذ بقية كفايته، فيكون غني وإلا فقير هذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن الذي يستدل بظاهر الحديث يقول: الناس إما غني دافع، وإما فقير آخذ ما في ثالث، ولذا لا يجوز لمن تجب عليه الزكاة أن يأخذ زكاة، نعم، ومنهم من يقول: ما في ما يمنع، هذا عليه زكاة، ومطالب بها، وعليه نفقات، وعليه أمور مطالب بتكميلها، فيدفع زكاة هذه الستمائة، ويأخذ ما يكفيه، نعم؟(20/16)
على كل حال المسألة تقديرية ينظر كم النصاب في وقته، ويبقى أن النصاب بين الذهب والفضة متفاوت، يعني قد يكون نصاب الذهب عشرين مثقال إحدى عشر جنيه، وثلاثة أسباع الجنيه، والجنيه بكم؟ الغالب أربعمائة ريال أو أقل؟ قل: أربعمائة ريال، إذاً النصاب أربعمائة في إحدى عشر، يعني إذاً في حدود خمسة آلاف على الذهب، والنصاب من الفضة ما سمعتم، وهل الأصل الذهب أو الفضة؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، على كل حال المسألة مفترضة في شخص عنده أسرة كبيرة، وتحتاج في السنة مثلاً إلى ثلاثين ألف، أقل شيء في الشهر خمسين ألف، وهذا يملك خمسة آلاف أو عشرة آلاف، نقول: عليك زكاة العشرة الآلاف مأتيين وخمسين ريال، وخذ ما يكفيك من الزكاة أو نقول: لا، لا، لا تأخذ حتى تتصف بوصف الفقر الذي لا تدفع معه الزكاة؟ أنت انفق ها إلي عندك ولما ينقطع أطلب زكاة، المسألة واضحة وإلا ما هي بواضحة؟ نعم؟ على القول بظاهر الحديث أنه لا يجمع بين وصفين، غني وفقير الدافع للزكاة غني، والآخذ فقير، فكيف يكون فقير يأخذ الزكاة وهو غني تجب عليه الزكاة؟ فمعنى هذا أنه لا يجوز له أن يأخذ ما دام عنده ما يسمى به غنياً، ما دام عنده نصاب ما يجوز يأخذه، لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة، ومنهم من يقول: إذا كانت الزكاة هذا المال الذي عنده ما يكفيه يوم أو يومين أو ثلاثة أو عشرة، وله أن يأخذ نفقة سنة من الزكاة، يدفع زكاة ما عنده ويأخذ، ومفهوم الحديث فيمن يتصف بغنى لا يحتاج معه إلى غيره، والفقير من لا يجد شيئاً بخلاف المسكين من يجد بعض كفايته، وهذا الدافع الآخذ داخل في حيز أو في حد المسكين، الدافع الآخذ في حد المسكين.
((تأخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)) تأخذ من أغنيائهم الضمير يعود على من؟ أهل البلد وفقرائهم، وبهذا يستدل من لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى أخر، إنما تأخذ من أغنياء البلد فترد في فقراء البلد، وعلى هذا لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى آخر، والذين يقولون بجواز نقلها تأخذ من أغنيائهم يعني أغنياء المسلمين فترد في فقراء المسلمين عموماً في أي بلد كانوا، نعم؟(20/17)
إذا وجد حاجة لنقلها لا بأس -إن شاء الله تعالى-، إذا وجد قريب محتاج مثلاً في بلد آخر حاجته ظاهرة، فالصدقة على القرابة صدقة وصلة، إذا وجد من هو أشد حاجة في بلد أخر تنقل إلى هذا البلد لمسيس الحاجة. ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم)) احذر ((فإياك وكرائم أموالهم)) هذا تحذير من أخذ الكرائم، وهي نفائس الأموال، أفضل ما في المال، لا، الزكاة شرعت مواساة، والشرع الحكيم لا يراعي طرف على حساب الطرف الآخر أبداً، شرعها مواساة للفقراء، لكن ليس المقصود منها الإضرار بالأغنياء، إنما هي مواساة بلا شك، فإذا شرعت لهذا فالشرع لا يلاحظ طرف على حساب الطرف الآخر، فالفقير الآخذ له حق، والدافع أيضاً له حق، فمراعاة الطرفين من مميزات هذه الشريعة المطهرة.
((فإياك وكرائم أموالهم)) الأموال النفائس المحببة لهم إلى قلوبهم، تأتي إلى أفضل ما عند هذا الغني من الأغنام فتشيله، من الإبل تشيله، من الأموال وتترك له الأوساط والرذيلة، لا، لا، خذ من المتوسط؛ لأن ديننا دين اعتدال ((فإياك وكرام أموالهم)) ثم بين السبب، وأشار إلى أن أخذ كرائم الأموال ظلم من الساعي للمتصدق، ظلم للمتصدق من قبل الساعي.(20/18)
((واتق دعوة المظلوم)) لأنك إذا أخذت كرائم الأموال ظلمت الغني، وإذا أخذت أراذل الأموال ظلمت الفقير، فأنت ظالم في الحالين ((فاتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) نسأل الله العافية، فالذي يأخذ الكرائم ظالم لصاحب المال، والذي يأخذ الأردأ والأرذل ظالم للفقراء، وهو معرض نفسه لقبول الدعوة عليه، فعلى هذا يجب على الساعي أن يتحرى أوساط المال، فلا يظلم المتصدق، ولا يظلم الفقير، وبهذا يتقي دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب؛ لأنها مقبولة، ليس لها صارف يصرفها، ولا مانع يمنعها، أحياناً تأتي جملة لها ارتباط وثيق بالجملة التي بعدها، ومثال ذلك ما عندنا؛ لأنه قد يقول قائل: الجمل متعاطفة، يعني لا ارتباط لبعضها ببعض، لا، فيه إشارة إلى أن من تعدى ما ذكر فهو ظالم، ومستحق لإجابة الدعوة عليه {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج] هذا البيت يستوي فيه العاكف المقيم فيه والبادي الأعرابي الذي يأتي يؤدي فريضة ويرجع، في فرق بينهم؟ نقول: والله هذا من عمار المسجد الحرام، قم يا أيها الأعرابي أنت ماجيت إلا هذا الفرض صل بأي مكان، هذا جالس بالحرم ليل نهار أحق منك بهذا المكان، ممكن؟ لا هذا المكان يستوي فيه العاكف والبادي، الطارئ الذي يريد يصلي فرض واحد ويمشي، ما في فرق، يعني لو تقدم إلى المكان الذي خلف الإمام هو أحق به، من هذا الذي سكان فيه، أربعة وعشرين ساعة، ويصلي فيه السنوات الطوال {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء} هم فيه سواسية {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج] وهذا له ارتباط بالجملة التي قبله، مثل الارتباط الذي عندنا، فدل على أن الذي يعتدي على من يتقدمه إلى أي مكان يقول: أنا أحق به، أنا مقيم في الحرم، نقول: لا يا أخي، هذا ظلم، هذا إلحاد في الحرم، ولذا فحجز الأماكن في المسجد الحرام لا يجوز، حجز الأماكن لا يجوز، وداخل في هذا التحذير، وفي هذا التشديد، إلحاد في الحرم، ليس معنى أن كل إلحاد خروج من الدين، لا،(20/19)
الإلحاد الميل عن الطريق السوي، وهذا حاد عن الطريق السوي، لكن رتب عليه عقوبة عظيمة أنه مجرد الهم بالإلحاد يرتب عليه هذه العقوبة، نذقه من عذاب أليم، فدل على أن الجملتين بينهما ارتباط وثيق، كما أن الجملتين في الحديث بينهما هذا الارتباط، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أمره أخف، يبقى أن مجرد الهم بالإلحاد الهم بهذا الإلحاد نذقه من عذاب أليم، أما الأماكن الأخرى فالعقوبة مرتبة على الفعل، لا مجرد الهم، ومع الأسف أنه يوجد ناس في ظنهم وعلى حد زعمهم أنه يبحثون عن الأجور والمضاعفات في هذا المكان الشريف العظيم المكرم المعظم، والصلاة بمائة ألف صلاة، ثم بعد ذلك يرتكب من الأمور المحظورات ما يتمنى أنه جالس في بلده، وهناك أجراء يحجزون للناس الأماكن، ويتحصل بسببها الخلاف والشقاق والنزاع، ومن أراد أن يعرف حقيقة هذا الأمر ينزل إلى الصحن في العشر الأواخر، وأحياناً تصل إلى حد المضاربة، وقبيل غروب الشمس من آخر يوم من رمضان حصل ما حصل، وتواعدوا بعد الصلاة بعرفة؛ ليخرجوا من الحرم يكملون، يا أخي الأمر يعني إذا ما أدركنا حقيقة العبادة، يعني ما استشعرنا نفس العبادة، بيتضاربون بعرفة، بيطلعون من الحرم، يعني المضاربة بالحرم حرام وبعرفة حلال، صحيح هي أسهل، خارج الحرم أسهل، لكن يبقى هل مثل هؤلاء استشعروا حقيقة العبادة، والله -جل وعلا- يقول: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج] وتحصل مثل هذه الأمور، على كل حال الإنسان ينتبه لمثل هذا، ويسعى في خلاص نفسه، وإرشاد غيره.(20/20)
الحديث اقتصر على ذكر الشهادتين والصلاة والزكاة، وبقي من الأركان الصوم والحج، الصوم مفروض وإلا ما فرض؟ نعم؟ فرض في السنة الثانية، فرض الصيام في السنة الثانية، وبعث معاذ كان في السنة التاسعة أو العاشرة أو الثامنة على الخلاف الذي ذكرناه، فالصيام مفروض، ما ذكر الصيام، ولم يذكر الحج على القول بأنه فرض في السنة السادسة أو التاسعة على القول المرجح، اكتفي بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة؛ لأن كلمة الإسلام هي الأصل، لا بد منها، والصلاة تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات، فالذي تجود نفسه بهذه العبادة رغم تكررها لن يشق عليه أن يأمر بالصيام فيصوم شهر في السنة، وأيضاً المال جبل الإنسان على محبته، جبل الإنسان على محبته، فإذا جاد بالمال المال المحض يخرج المال ويعطيه الفقير؛ فلأن يجود بمثل الحج من باب أولى، فإذا أذعن للأركان الثلاثة أذعن للبقية، نعم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) نصاب، نصاب الفضة الورق ليس فيما دون خمس أواق صدقة، والأوقية أربعون درهماً، فنصاب الفضة مائتا دهم ((ولا فيما دون خمس ذود صدقة)) ليس فيما دون خمسٍ أو خمسِ ذودٍ، خمسٍ ذودٍ وإلا خمسِ ذودٍ؟ نعم؟ خمسِ ذودٍ أو خمسٍ ذودٍ بالإضافة أو بالقطع؟ نعم؟ خمسٍ؟ يعني الذود هي الخمس، يعني الخمس هي الذود، وإذا قلنا: خمسِ ذودٍ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يطلع الذود واحد، الواحدة ذود، فالخمس من الأذواد فيها الصدقة، وإذا قلنا: خمسٍ ذود الذود هي الخمس، والخمس هي الذود، وعلى كل حال قيل بأن الذود يطلق على الواحد.
((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) هذا دليل على أنه لا بد من اكتمال النصاب، ومثل هذا في صدقة بهيمة الأنعام فيها نصاب، وفي أيضاً ما يخرج من الأرض النصاب.(20/21)
((وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) ذود من الإبل ما دونها ليس في مفهومه أن الأربعة ليس فيها زكاة، وما دون الخمس الأواق من الفضة ليس فيها زكاة، وما دون خمسة الأوسق مما يخرج من الأرض ليس فيه زكاة، والقول باشتراط النصاب قول الجمهور، القول باشتراط النصاب قول جمهور العلماء، والحنفية يعملون بالنصوص المطلقة ((فيما سقت السماء العشر)) وهو نص عام يتناول الخمس وما فوقها وما دونها، يتناول خمسة الأوسق، يتناول الأربعة الأوسق، يتناول الوسق الواحد ستون صاعاً، يتناول ما دون ذلك؛ لأن (ما) من صيغ العموم ((فيما سقت السماء العشر)) يعني في قليله وكثيره، لكن الجمهور يقولون: هذا نص عام خص بمثل هذا الحديث، فلا بد من توافر النصاب، وهذا أيضاً من ملاحظة الشرع المطهر للدافع، فالشارع الحكيم يلاحظ حال الدافع، ولا يكلف الناس في كل شيء، حتى يبلغ حد معين يتميزون به عن غيرهم فيأمرون بمثل هذا، فالمرجح هو قول الجمهور، وهو أن النصاب معتبر، أنه شرط لوجوب الزكاة، بعض الروايات عند البخاري: ((ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)) يعني هو تصريح بما هو مجرد توضيح، والوسق ستون صاعاً، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، والذي غلته دون الثلاثمائة لا تجب عليه الزكاة، نعم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) وفي لفظ: ((إلا زكاة الفطر في الرقيق)).
يقول -رحمه الله تعالى-:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)).(20/22)
هذا يدل على أنما يتخذ للقنية ليس فيه زكاة، فالعبد الذي يستعمل للخدمة ليس فيه زكاة، الفرس الذي يستعمل للحاجة ليس فيه زكاة، وقل مثل هذا البيت الذي يسكنه الإنسان ليس فيه زكاة، السيارة التي يركبها، الأثاث الذي يستعمله، كل ما يتخذ للقنية ليس فيه زكاة ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) لأنه ليس بمال نام معد للتجارة، لكن لو كان عنده عبد يعده للتجارة، أو فرس يعده للتجارة تجب فيه الزكاة باعتباره عرض من عروض التجارة "وفي لفظ: ((إلا زكاة الفطر في الرقيق)) " زكاة الفطر في الرقيق يعني كما تجب على الزوج وعلى الوالد زكاة الفطر عن زوجته وولده كذلك عن رقيقه، فتجب فيه زكاة الفطر، وهل تجب أصالة على الصغير والمرأة والعبد ثم يتحملها الولي أو هي تجب على الولي مباشرة؟ سيأتي هذا في باب زكاة الفطر -إن شاء الله تعالى-.
ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن الزهري أنه قال: "في المملوكين للتجارة الزكاة"؛ لأنهم عرض من عروض التجارة، وقل مثل هذا في الفرس فيزكى زكاة التجارة، وتخرج عنه صدقة الفطر، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)) الجبار: الهدر الذي لا شيء فيه، والعجماء: الدابة.
يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع:(20/23)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العجماء جبار)) العجماء فسرها المؤلف بأنها الدابة، وقيل لها: عجماء لأنها لا تتكلم، تشبيه لها بالأعاجم، الذين لا يتكلمون العربية، فاعتبر كلاهم بغير العربية كعدمه، فهم عجم وأعاجم، وهذا الدابة التي لا تتكلم عجماء، فاعتبر كلامهم مثل عدمه، ولذا يعرفون الكلام بأنه هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، تكون فائدته بالوضع، بالوضع العربي، وعلى هذا كلام الأعاجم لا يدخل في الكلام عند النحاة، فكأنهم لا يتكلمون ما دام ما يتكلمون بالعربية، يعني مثل أصوات الطيور، ومثل .. ، فهم أعاجم، ويدخل في هذا كلام غير بني آدم من الطيور المعلمة إذا كان كلام مركب، ويفيد بالوضع العربي، يعني باللغة العربية، ومنهم من يفسر قولهم: بالوضع، يعني بالقصد، فكل كلام مفهوم ومقصود كلام عندهم، فيدخل في هذا كلام الأعاجم، لا يدخل في هذا كلام النائم ولا كلام الطيور ولا غيره، وعلى كل حال هذا وجه تسمية الدابة عجماء؛ لأنها لا تتكلم تشبيهاً لها بالأعاجم الذين لا يتكلمون العربية، وعلى هذا كلامهم وجوده مثل عدمه، وبالمناسبة الأعاجم نالوا من علم الشريعة ما نالوا، وما يعين على فهم الشريعة لهم فيه القدح المعلى، يعني مو بالمسألة تنقص للأعاجم، لا، لو كان الدين بالثريا لناله رجال من وين؟ من فارس، وأصحاب الكتب الستة ممن؟ البخاري من وين؟ مولى من بخارى، يستثنى مسلم من قشير قبيلة من العرب، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، كلهم من بلاد الأعاجم، نعم؟ سيبويه صاحب الكتاب في العربية إمام في العربية، إمام أهل العربية على الإطلاق أعجمي، على كل حال ليس المراد به تنقصهم، فالإنسان قيمته قيمة ما يتقن وما يحسن، افترض أنه من الذرية الطاهرة، من نسل النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن لا يحسن شيئاً له قيمة وإلا ما له قيمة؟ أو غير مسلم أو غير مستقيم قيمته ما يحسن، وما يقربه إلى الله -جل وعلا-، فأكثر المفسرين من الأعاجم، أكثر المؤلفين في السنة من الأعاجم، في شروحها، من الفقهاء، من المؤرخين، من الأدباء في علوم العربية، في اللسان العربي أكثرهم أعاجم، فعندما يقال مثل هذا الكلام، وبحث أصل(20/24)
المسألة لا يعني أنك تنتقص أحداً بعينه، أبداً.
((العجماء جبار)) والجبار الهدر الذي لا شيء فيه، فلا ضمان في متلفها، مع عدم التفريط، جاء من حديث البراء بن عازب أنه كانت له ناقة ضارية دخلت حائطاً فأفسدت فيه، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وحفظ الماشية بالليل على أهلها، نعم أنت بالنهار صاحب حائط احفظ حائطك يا أخي، والعجماء جبار، لو دخلت دابة وأكلت وخبرت ما .. ، لكن بالليل على صحاب الماشية أن يحفظ ماشيته، وليس معنى هذا أن الإنسان بالنهار يتحين الفرص والغفلات، ويرسل دوابه في أموال الناس، لا، إذا تصرفت بنفسها، وهذا يعانى منه في الخطوط، هل نقول: إن العجماء جبار اترك مواشيك في الخطوط الطويلة لتهلك الناس؟ لا، يعني إذا تصرفت بنفسها مع حرصك عليها، وحفظك لها، وبذلك جميع الأسباب في حفظها، وتفلتت من غير علمك جبار، هدر.
((والبئر جبار)) إذا لم تضعها في طريق المسلمين جاء واحد وتردى في بئرك، وهي ليست في طريق المسلمين ما عليك منه، جبار، هدر، لا تضمن شيء، البئر جبار، لكن لو جاء واحد وحفر بئر في طريق المسلمين، وغطاها بغطاء خفيف، وضع عليها لوح ابلكاش، وذر عليها شيء من الرمل، أو التراب، وجاء واحد ووطأ على هذا الأبلاكاش وانخفس به ومات، نقول: البئر جبار؟ يصير حبالة للناس كل من جاء، هذا قاصد -نسأل الله السلامة والعافية-، لا، هذا ليس بجبار، هذا يضمن.
((والمعدن جبار)) فالذي يتلف فيه وبسببه هدر ((وفي الركاز الخمس)) الركاز: ما يوجد مدفوناً في الأرض، ويتشرط جمع من أهل العلم أن يكون من دفن الجاهلية، عليه علامة من علامة الجاهلية، لا يملكه مسلم، لكن إن كان عليه ملك إسلامي فهذا فئ يدخل في بيت المال، أما إذا كان من دفن الجاهلية فهذا يملكه صاحبه وزكاته خمسه، وله أربعة الأخماس.
وفي الركاز الخمس وإذا اشترى شخصاً أرضاً فعمل بها وجد فيها ركاز فهل يملكه بملكه الأرض أو يكون لمن قبله أو لمن باع للذي باع عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(20/25)
نعم إذا كان جاهلي فهو له، مسألة الورع مسألة معروفة عند أهل العلم، كون الإنسان يقول: أنا والله ما اشتريت إلا الأرض، هذا مسألة معروفة، وفيها قصة يذكرها أهل العلم من أن شخص اشترى أرضاً من شخص فوجد فيها فذهب إلى صاحبها، وقال: أنا اشتريت الأرض، ما اشتريت الركاز، فقال له صاحبه: أنا بعتك الأرض بما فيها، وهذان في اصطلاح الناس اليوم من أهل التغفيل هاذولا على وجوههم، مغفلين، وإلا المال يتركه أحد؟ الله المستعان، الذي اشترى الأرض يقول: أنا اشتريت الأرض فقط، وهذا ليس لي، والذي باع الأرض يقول: أنا بعت الأرض بما فيها، أنا ما لي علاقة، فاختصموا عند القاضي، عاد مثل هذه تحتاج إلى خصومة؟! الناس في زماننا يتخاصمون في مثل هذا؟ فأراد القاضي أن يصلح بينهم، فما رضوا نقسمه بينهم، كل واحد يقول: لا والله أنا ماني بلازم ما لي علاقة، أنا اشتريت الأرض، وذلك يقول: وأنا بعت الأرض، فقال لأحدهما: هل لك من ولد؟ قال: نعم، وقال للثاني: هل لك من بنت؟ قال: نعم، قال: نزوج الولد والبنت من هذا المال وينتهي الإشكال.
سم.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر -رضي الله عنه- على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها)) ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه)).
يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر على الصدقة.
في هذا مشروعية بعث الإمام الساعة والجباة لجباية الزكاة، ويتحرى في هذا الأنسب في الديانة والأمانة والقوة على تحمل أعباء هذه المسئولية، وعمر أهل لذلك، فبعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصدقة ساعياً.(20/26)
"فقيل: منع ابن جميل" وعلى هذا الساعي يبلغ ولا يلزم، يبلغ من له الأمر والنهي عمن امتنع من دفع الزكاة، وليس له أن ينفذ "منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني منعوا الزكاة رفضوا أن يؤدوا الزكاة لعمر -رضي الله عنه-، وهل عمر عاجز عن أن يأخذ منهم الزكاة بالقوة؟ ليس بعاجز -رضي الله عنه وأرضاه-، لكن الأمور إنما تؤتى من أبوابها، ومثل هذه الأمور والإلزام وترتيب الآثار على الأحكام إنما ينوء بها ولاة الأمر، فعمر -رضي الله تعالى عنه- لما امتنعوا عن دفع الزكاة أخبر بذلك النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو المنفذ -عليه الصلاة والسلام-، هؤلاء الثلاثة ابن جميل الشراح يقولون: لا يعرف اسمه، والعباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخالد بن الوليد، ماذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ إذا كانت المسألة تنحل بالأسهل تحل بالأسهل، تحل بالكلام إذا أمكن، إن لم يمكن الكلام فبالفعل، ونزل النبي -عليه الصلاة والسلام- كل واحد من هؤلاء الثلاثة منزلته، والناس يتفاوتون ويختلفون في المعاملة، يعني شخص بذل نفسه وماله لله ولدين الله وحصل منه شيء تختلف معاملته عن شخص لا يعرف أنه يؤدي أكثر مما يجب عليه.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما ينقم ابن جميل)) " إيش يعتب ابن جميل؟ ماذا يعتب ابن جميل؟ ليس له عذر، اللهم إلا أن يكون كونه فقيراً فأغناه الله، وهذا تأكيد للذم بما يشبه المدح، يعني ليس له عذر إلا هذا، تأكيد للذم بما يشبه المدح، كان فقيراً يتكفف الناس فأغناه الله -جل وعلا-، ثم منع الزكاة، ما عنده عذر إلا هذا، وتأكيد الذم بما يشبه المدح، وعكسه تأكيد المدح بما يشبه الذم معروف:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب(20/27)
هذا مدح فأظهرهم مظهر الذم وأكد المدح بما يشبه الذم، عكس ما عندنا، ابن جميل يكفيه هذا الكلام، عزر بمثل هذا الكلام، إلا أن كان فقيراً فأغناه الله تعالى، والمنة لله -جل وعلا- على كل حال؛ لأن بعض الناس إذا أغناه الله -جل وعلا- رأى أن له منة على الناس، وتجده من أكثر الناس أموالاً، ومن أشدهم بخلاً، وإذا مشى بين الناس يتصور أن الناس كلهم في كنفه ونعمته {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6 - 7) سورة العلق] إذا رأى الإنسان أنه استغنى دخل في حيز الطغيان، بعض الناس غني، لكن لا يلزم منه الطغيان أبداً، لكن إذا رأى وخيل إليه أنه استغنى عن غيره دخل في حيز .. ، ما هو بحاجة الناس، وقل مثل هذا في كثر من الأمور، واطرد هذا في كثير من الأمور، شخص طلب العلم مدة، ثم رأى أنه صار عالماً، الناس يحتاجونه، وهو ما يحتاجهم، هذا من أشد الناس جهلاً بنفسه، ويحمله تصوره هذا على ارتكاب عظائم الأمور، قد لا يعتدي على أحد إذا أعجب بنفسه، مثل هذا يقضي على جميع أعماله.
والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرمِ
الإعجاب بالنفس هذه مشكلة، الإعجاب بالمال، الإعجاب بالقصور الفارهة، الإعجاب بالسيارات والمراكب المريحة، كل هذا يدعو إلى مثل هذه النقائص.(20/28)
((وأما خالد)) وهو خالد بن الوليد الذي قدم نفسه لله، قدم مهجته لله فضلاً عن ماله، مثل هذا يستحق أن يعتذر عنه وإلا ما يستحق؟ نعم يستحق ((وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، فقد احتبس أدراعه)) أوقف أدراعه ((واعتاده في سبيل الله)) يعني هل يتصور من شخص عنده عمارة للإيجار أو للبيع قيمتها مليون ريال زكاتها خمسة وعشرين ألف، بقي شهر على حلول الزكاة قال: هي وقف لله تعالى، يا جمعية تحفظ القرآن استلموها، هل نتهم هذا بأنه يفر من الزكاة؟ أبداً، ما نتهم مثل هذا أنه يفر من الزكاة، خالد -رضي الله عنه- احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، أوقفها لله -جل وعلا-، وبهذا يستدل من يقول من أهل العلم بجواز وقف المنقول من كراع وسلاح، بجواز وقف المنقول، مما تبقى عينه، ومثل ذلك قل: الكتب الشرعية، ووقفها من أفضل الأعمال، وهي من العلم الذي ينتفع به، وهذه الأدراع والأعتاد التي أوقفها خالد بن الوليد لنصر الإسلام، ورفع شأن المسلمين وعزة المسلمين، فهي من أفضل الأعمال، فمثل هذا لا يتهم، شخص يقدم نفسه دون دينه، ويقدم أمواله ويحبسها ويوقفها ويخرجها من يده بحيث لا يتصرف فيها يخرجها من يده هذا يتهم بأنه يمنع الزكاة؟! هذا مظلوم.
((وأما العباس فهي علي ومثلها)) ضمن النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عمه، ومنهم من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتاج لأمر العامة لا لحاجته الشخصية، فاقترض من العباس زكاة سنتين، أو تعجل من العباس زكاة سنتين، ولذا قال: فهي علي ومثلها، وبهذا يستدل على جواز تعجيل الزكاة بالعين تعجيل، لا يفهم منه كما فهم في بعض المناسبات التأجيل، لا، التعجيل غير التأجيل، التعجيل التقديم، بعض الناس يسمع هذه وهذه ما يفرق بينهم للإتحاد في الميزان الصرفي، كلاهما على وزن صرفي واحد تأجيل وتعجيل على وزن واحد، فالتعجيل يجوز يستدل أهل العلم على جوازه بهذا الحديث، وأما التأجيل فلا يجوز بحال؛ لأن تأخير الزكاة افتيات على حق الفقراء، وجبت تخرج في يومها من الغد، يتسامح أهل العلم في اليوم واليومين، لكن أكثر من ذلك افتيات على الفقير، ومطل في حقه.(20/29)
((وأما العباس فهي علي ومثلها)) ثم قال: ((يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ )) مثل أبيه حكماً مثل أبيه؛ لأنه يدلي بالأب، فحقه من حق الأب، والأصل في الصنو في النخلتين تجتمعان في أصل واحد وأصل الأب والعم واحد وهو الجد {وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [(4) سورة الرعد] نعم إما نخيل مفردة، كل نخلة بأصلها، وإما أكثر من نخلة تجتمع في أصل واحد ((أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ )) مثل أبيه؛ لأنهما يجتمعان في أصل واحد، وفي هذا اعتذار فيتلطف مع العم ويوصل العم، وصلته من بر الأب؛ لأنه يدلي به، طيب قد يقول قائل مثلاًَ: إن بين أبي وعمي مشاحنة، وبينهما قطيعة، وإذا كان طريقي إلى العم هو طريق الأب، والأب انقطع، أذاًَ انقطع عن العم هل هذا مبرر؟ لا، ليس مبرر، الجهة منفكة، أنت مطالب بالصلة، وأبوك مطالب بالصلة والجهة منفكة، لا يترتب هذا على هذا، ليس من شرط هذا هذا، أبداً، لكن هذا الأصل، يعني الأصل أن صلتك بعمك بواسطة أبيك، فتبر وتصل عمك لو قطع أباك، فكل إنسان عليه أن يؤدي ما طلب منه، وعلى هذا يجوز إخراج زكاة سنة أو سنتين لا سيما عند الحاجة إليها، لكن لو قال شخص: أنا أريد أن أخرج زكاة سنتين من مال لا يحتاج إلى جميعه، الناس ما هم بحاجة إلى زكاة نخلك مثلاً لمدة سنتين، الفقراء يكفيهم مدة سنة واحدة، ولو دفعت السنتين لفسد بعضه، هل يكون الأفضل التوقيت؟ نعم الأفضل التوقيت، كل سنة بسنته، لكن إذا قامت الحاجة، ودعت الحاجة إلى تقديم وتعجيل الزكاة عن وقتها فهو أفضل، وأصله ما سمعتم، وفي الحديث شاهد لحديث: أمرنا أن ننزل الناس منازلهم فمنزلة ابن جميل ما هي مثل منزلة خالد، ومنزلة خالد ما هي بمثل منزلة العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى كل حال الناس بالنسبة للتشريع سواسية، يعني لو كانت ظروفهم واحدة ما فرق بينهم، إن كانت ظروفهم واحدة ما فرق بينهم، لكن كل واحد ظرفه يختلف عن الثاني، فيعامل على ضوئه، نعم.(20/30)
عن عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنه- قال: لما أفاء الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين قسم في الناس، في المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ )) كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ((ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ )) قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ((لو شئتم لقلتم: جئتنا كذا وكذا، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(20/31)
"عن عبد الله بن زيد بن عاصم" المازني، وهذا راوي حديث الوضوء وغير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي حديث الأذان، وإن زعم بعضهم أنهما واحد، لكن هذا شخص وذاك أخر "-رضي الله عنه- قال: لما أفاء الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين" أي من غنائم، الغنائم التي حصل عليها، حينما قاتل يوم حنين، وكان كانت غنيمة كبيرة جداً من أعظم الغنائم، ستة آلاف نفس سبي، من النساء والأطفال، وأربعة وعشرين ألف من الإبل، وأربعين ألف من الغنم، غنائم كبيرة جداً، ستة آلاف نفس، لما أفاء على نبيه يوم حنين، والفيء هنا يراد به الغنيمة؛ لأن الفيء يطلق على ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، والغنيمة ما تأخذ قهر بالغلبة بالقتال، وهل نقول: إن هذه الغنائم على كثرتها نقصت من أجورهم شيء؟ الغنائم يقرر ابن القيم أنها أطيب المكاسب، أطيب من الزراعة وأطيب من الصناعة على خلاف بين أهل العلم في الأفضل، منهم من يفضل الزراعة مطلقاً، وجاء في فضلها أحاديث، والصناعة مهنة بعض الأنبياء، ومنهم من يقول: رعي الغنم أفضل، ما من نبي إلا رعى الغنم، المقصود أن مثل هذا يختلف فيه أهل العلم، وابن القيم يقرر أن الغنائم أطيب المكاسب؛ لأنها رزق النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يقول: ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) وجاء في الحديث الصحيح أن الله -جل وعلا- تكفل لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله أنه إما أن يقتل شهيداً، أو أن يرجع، أو أرجعه نائل ما نال من أجر أو غنيمة، يعني جعلت الغنيمة في مقابل الأجر، فهل معنى هذا أن الذي يرجع بالغنيمة لا أجر له؟ وجاء في الحديث أن من غزا فلم يغنم كان أجره كاملاً، وإن غنم تعجل ثلثي الأجر، لكن مثل هذا لا يقدح في غزو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا في صحابته الكرام؛ لأن مثل هذه الأمور وإن كانت مؤثرة على النيات والمقاصد، لكن جاء مدحهم بالنصوص، وأنهم يقاتلون لله، ولإعلاء كلمة الله، وغزوة بدر التي مدح أهلها، واطلع عليهم الله -جل وعلا- وقال: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] غنموا فيها، فلا نقيس غيرهم بهم، لكن قد يقول قائل: نقيس أهل بدر بأنفسهم لو لم يغنموا أيهم أفضل؟ نعم، ما نقيس أهل بدر بمن قاتل(20/32)
غيرهم، ولا نقيس بمن قاتل في حنين وغنم بمن جاء بعدهم، هذا ظاهر، نعم لأن العمل في وقت الصحابة يختلف؛ لأن العلم يرفعه ما يحتف به من إخلاص ويقين وإتباع وحاجة، والحاجة لها دور {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(10) سورة الحديد] حتى بين الصحابة، فالظروف لها ما يحتف بها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا جاء في الحديث الصحيح، في المسند والسنن أنه يأتي في أخر الزمان للعامل منكم أجر خمسين منكم، يعني الصحابة، وهذا إذا نظرنا إلى ذات العمل تصدقت أنت بدرهم وتصدق الصحابي بدرهم درهمك أفضل من خمسين درهم، لكن شرف الصحبة التي اتصف به لا يدركه أحد كائناً من كان، فإذا نظرنا إلى العمل المجرد حصلت المفاضلة، وإذا نظرنا إلى العامل حصلت مفاضلة من جهة أخرى.
"قسم النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الغنائم العظيمة في الناس" يعني في الغزاة، وفي المؤلفة قلوبهم أعطاهم وزادهم، وترك بعض الناس؛ لأنه وكلهم إلى إيمانهم، وفي الصحيح من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- رهطاً وسعد جالس، فقلت: مالك عن فلان يا رسول الله إني لأراه مؤمناً؟ قال: ((أو مسلماً؟ )) ثم أعطى غيره، فقال يا رسول الله: مالك عن فلان إني والله لأراه مؤمناً؟ إلى أن قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إني أعطي الرجل وغيره أحب إلى منه مخافة أن يكبه الله في النار)) يعني هؤلاء الذين يتألفون بحطام الدنيا يخشى عليهم لو لم يعطوا، لكن مثل هذا يؤكل إلى إيمانه، خلاص هذا مضمون ما يحتاج إلى أن يؤلف بالدراهم، ومثل هذا كونه -عليه الصلاة والسلام- لم يعط الأنصار شيئاًً "ولم يعط الأنصار شيئاً" هل يقال: ظلم الأنصار؟ لا ما ظلم الأنصار، إنما وكلهم إلى ما عندهم من إيمان، كأنهم وجدوا في أنفسهم، ولا يلزم أن يكون كلهم أو يكون خيارهم، لا، مع أن النفس قد تجبل على شيء من هذا، لا سيما يوزع وأنت جالس قد يقول قال: يمكن السبب أني ما نفعت في هذه الغزوة، لو أنا نافع في هذه الغزوة أعطيت مثل الناس، قد يتطرق مثل هذا الاحتمال إلى بعض الأذهان، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يترك مثل هذا الظرف من غير بيان ...(20/33)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: عمدة الأحكام – كتاب الزكاة (2)
باب صدقة الفطر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يترك مثل هذا الظرف من غير بيان، يعني ما أعطى المؤلفة قلوبهم، وقال: توكلوا على الله، وأنتم يا الأنصار ما لكم شيء توكلوا على الله، وانتهت المسألة، لا، يبي يرتب الرسول ... ، يبين من خلال هذه القسمة فضل الأنصار، استغلال لمثل هذا الظرف أحياناً الإنسان يتمنع من أمر ليبين فضل صاحبه.
"فكأنهم وجدوا" الفعل (وجد) الثلاثي (وجد) ما يتغير، لكن المصدر يتغير، وجد وجداً، ووجد وجوداً، ووجد موجدة، ووجد وجادة، المقصود أن هذا من الموجدة وهي الغضب، وجدوا في أنفسهم شيئاً، تأثروا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، وبعض الناس يتأثر لأنه حرم من أمر الدنيا، وقد يقع أو يرد على خواطرهم أنهم احتمال أن يكون أثرهم في الجهاد ضعيف ما استحقوا عليه شيء من الغنيمة، وهذا يحز في النفس، وهذا قد يورث مثل هذه الموجدة.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خطب ليبين الآن ليرفع الأنصار ويعطيهم حقهم أكثر مما أعطى غيرهم من حطام الدنيا "فخطبهم فقال: ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) " نعم كانوا ضالين ((ألم أجدكم ضلالاً)) كانوا كفار ((فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين)) يعني بينهم إحن وعداوات وحزازات جعلت أقرب القريب من أبعد الناس عن قريبة ((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ )) قال: ((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) قالوا: الله ورسوله أمن، يعني ما قالوا: أنت وجدتنا ضلال لكن أنت واجد قريش بعد ضلال، ويش الفرق؟ ما يمكن أن يقال مثل هذا الكلام؟ لكن هؤلاء الأنصار ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) هؤلاء الأنصار بإمكان الواحد منهم أن يقول: جماعة قريش كانوا ضلالاً فهداهم الله بك، ويش الفرق؟ ليش تعطيهم ونحن لا؟ ما هو يمكن أن يقال هذا الجواب وهو صحيح؟ ما كانوا ضلال قريش وهداهم الله بالنبي؟ نعم، كان جوابهم: "الله ورسوله أمن" المنة لله -جل وعلا-.(21/1)
((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ )) قالوا: الله ورسوله أمن، ما ردوا عليه برد يمكن أن يكون مقبول، نعم، الله ورسوله أمن ((وعالة فأغناكم الله بي؟ )) وما قالوا أيضاً: قومك أكل بعضهم بعضاً لما دعوت عليهم، وأكلوا الهوام، وأكلوا الجيف، وأكلوا كل شيء.
((عالة فأغناكم الله بي؟ )) قالوا: الله ورسوله أمن، النبي -عليه الصلاة والسلام- اقتنع إلى ما عندهم، اطمأن إلى ما في قلوبهم، لكن أراد أن يزيدهم طمأنينة، وأن يرفع من شأنهم قال: ((لو شئتم لقلتم: جئتنا بكذا وكذا)) لو شئتم قلتم فصدقتم وصدقتم، لو شئتم قلتم: جئتنا مكذباً فصدقناك، صحيح، كذبته قريش فهاجر إلى المدينة، جئتنا مخذولاً فنصرناك، أخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أو مخرجي هم؟ )) قال: نعم، فأخرج من بلده، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك، هذا الكلام صحيح، لكن فيه إظهار للمنة، ما يقولون مثل هذا الكلام، وإن كان حقيقة وواقع؛ لأنهم لا يرون لأنفسهم منة على الله ولا على رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا استحقوا هذه المنزلة، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ )) يعني سهل أن يذهب الناس بحطام الدنيا، وأنتم تذهبون بالنبي أشرف مخلوق إلى رحالكم؟! ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)) يعني لولا أن الله -جل وعلا- قسم خيار هذه الأمة إلى مهاجرين وأنصار، والهجرة وصف شرعي تترتب عليه آثاره ولوازمه، لا يمكن التخلي عنه كالنسب ((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى الأعم للنصرة هو الذي نصر الله به الدين، وهو الذي أقام الله به الدين، لكن بالمعنى الخاص، بالمعنى الأعم يدخل المهاجرون في الأنصار؛ لأنهم نصروا الدين، أي نصر أعظم من نصر أبي بكر وعمر للدين؟! فهم أنصار بالمعنى الأعم، لكن بالمعنى الأخص الذي يريد أن يقرره النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدخل فيه من ذكر.(21/2)
((لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها)) نعم كان الناس لما كانوا ينتقلون ويضربون في الأرض من مكان إلى آخر تجد كل جماعة مع بعض، أهل البلد الفلاني، أفراد القبيلة الفلانية، أبناء الرجل الفلاني، المقصود من يجمعهم وصف واحد تجدهم في شعب مستقل، هؤلاء الذين يجمعهم وصفاً واحد، ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار -عليه الصلاة والسلام-، فيقدمهم على غيرهم، يبقى في النفوس شيء بعد هذا الكلام؟ لن يبقى شيء بل قد يجد من أعطي الأموال الطائلة في نفسه شيء من هذا الكلام، لكن الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) فيقول: ((الأنصار شعار، والناس دثار)) الشعار هو اللباس الذي يلبس مما يلي البدن؛ لأن هذا اللباس الذي يلي البدن يلي شعر البدن مباشرة، فهو شعار، والدثار ما يلبس فوقه، الشعار هو الذي يلبس مما يلي البدن؛ لأنه يلامس ويباشر شعر البدن وما فوقه يسمى دثار.
((إنكم ستلقون بعدي أثرة)) يعني كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لو مثلناه في واقعنا، وقال أخونا الثالث الذي أجاب بالجواب الدقيق: أنت أعطيت فلان وفلان وأنا جوابي هو الدقيق، نعم، يعني ما يكفيك أن يقال: ما شاء الله جوابك هو الصحيح الدقيق، على كل حال القبائل وهذه قبائل أوس والخزرج مثل بني تميم يزيدون وينقصون، نعم، هي قبائل على كل حال.
((الأنصار شعار)) مثلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما يلامس جسده الطاهر الشريف، وغيرهم دثار، حتى قريش دثار، يعني يلبس فوق الشعار، ولذا جاء في حديث أم عطية في غسل ابنته -عليه الصلاة والسلام- قالت: فأعطانا حقوه، فقال: ((أشعرنها إياه)) يعني اجعلنه شعاراً يلبس مما يلي البدن.(21/3)
((إنكم ستلقون بعدي أثرة)) بلا شك حصل لهم ما حصل؛ لأن الملك في غيرهم، الملك ((الأئمة من قريش)) ومعلوم أن طبيعة الملك تقريب الأقرب، طبيعة الملك هكذا؛ لأن البشر علمهم بالأقربين أكثر من علمهم بالأبعدين، وما دام يعرف حقيقة هذا الشخص من أقاربه، ويخفى عليه حال البعيد، يولي هذا القريب الذي يعرفه مع ما جبل عليه الناس من الميل إلى مثل هذا.
فوجد الأنصار أثره، وأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصبر ((إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) وهذا فيه بيان لمزيتهم وشرفهم، ومنزلتهم في الدين، وبيان أيضاً أنهم ممن سيرد الحوض على النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك الهجرة لها وقع وشأن في الشرع.
نعم، يقول: ويش دخل هذا الحديث في كتاب الزكاة؟ لماذا أدخل المؤلف -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في كتاب الزكاة؟ نعم؟
إعطاء المؤلفة قلوبهم، وهم من مصارف الزكاة، وأيضاً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو ما يزكى، هو يقسم بين الغانمين، ثم من غنم شيئاً .. ، من ناله أكثر من النصاب وحال عليه الحول يزكي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الخمس هذا .. ، {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال] هذا ما له علاقة بالزكاة، المقصود أن هذا له صلة بالزكاة من وجوه، أنه يشبه الزكاة في إعطاء المؤلفة كما ذكر الأخ، ونسمع الجواب الدقيق، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(21/4)
طيب، أيضاً أن من أعطي من الزكاة أكثر من غيره أو أقل من غيره أن يمتثل هذا الحديث، ويتصور أن المعطي هو الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، والغني الذي تجب عليه الزكاة إنما هو يتولى قسمة ما أعطا الله -جل وعلا-، {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] يعني لو تصور اثنين ظروفهم واحدة، أو واحد أفقر من الثاني دخلوا على شخص غني جداً يوزع الزكاة، ثم قال للأقل حاجة يعني هذا فقير لكنه أقل حاجة: هذه عشرة آلاف تصرف بها خلال ها السنة، دبرهن على بيتك وعيالك، ثم جاء الثاني الأشد حاجة قال: والله ما عندي شيء،. . . . . . . . . هل من حق هذا الفقير الذي ما أعطي في المجالس يتحدث فلان حرمني، فلان أعطى، فلان ترك؟ ليس له ذلك، الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، وهذا يعطي أو يقسم ما يعطيه الله -جل وعلا-، وما يكتبه الله -جل وعلا- لخلقه على يديه، أبداً، فليتصور الفقير مثل هذا، ما يقول: والله هذا يتخبط في مال الله، يعطي فلان، ويحرم فلان، نعم أنت مخاطب بأن ترضى وتسلم، لكن أيضاً الغني مخاطب بأن يرفع حاجة الفقير، لكل شخص ما يخصه من الخطاب، الخطاب الشرعي، وليس معنى هذا أن الأغنياء يرون شخص فقير، يقولون: هذا والله ما كتب الله له شيء، ما إحنا معطينه، نعم، هل معنى هذا أنه يحرم بعض الناس ويقال: والله ما كتب الله لك شيء، أنت مأمور بأن تعطيه إذا كان فقير، لكن كونه تقدم عليه واحد وتأخر واحد، والآن ما معك شيء، أو الرصيد والله ما فيه شيء اليوم، ممكن هذا، هذا الذي ليس بيدك، أما إذا كان بيدك وهذا فقير، وهذه زكاة طالعة طالعة ما تحرمه إلا بسبب بين، فإذا حرمته لسبب بين أنت مقتنع به، فالذي حرمه في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وإذا أعطيته لسبب ولمبرر واضح فالذي أعطاه في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وأنت وسيلة توصل هذا المال إلى عباد الله، نعم.(21/5)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: فرض النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، قال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير، وفي لفظ: أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاء السمراء قال: أرى مداً من هذا يعدل مدين، قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب صدقة الفطر:
صدقة الفطر مضاف ومضاف إليه، والإضافة سببية؛ لأن هذه الصدقة سببها الفطر من صيام شهر رمضان، وهي شكر للمنعم على الإتمام، وتجب بغروب الشمس آخر يوم من رمضان؛ لأن سببها الفطر، والفطر يكون في هذا الوقت، والوجوب الذي يذكر في مثل هذا يراد منه أن من ولد بعد غروب الشمس أو مات قبل غروبها، أو ولد قبل غروبها، أو مات بعد غروبها، إذا قلنا: سبب الوجوب السبب هذا الوقت فمن مات قبل غروب الشمس تخرج عنه صدقة الفطر؟ تخرج وإلا ما تخرج؟ لا تخرج؛ لأنه مات قبل وقت الوجوب، طيب مات بعد غروب الشمس تخرج عنه، ولد قبل غروب الشمس تخرج عنه وإلا ما تخرج؟ تخرج، ولد بعد غروب الشمس لا تخرج إلا على سبيل الاستحباب؛ لأنها تستحب عن الحمل، فهذا معنى كون الإضافة سببية.(21/6)
صدقة الفطر شرعت طهرة للصائم، إنما شرعة طهرة للصائم، تطهره وترفوا ما اشتمل عليه صيامه من خلل، وترقع ما فيه من فتوق، وعلى كل حال هي عند عامة أهل العلم واجبة، ووجوبها ثابت بالكتاب والسنة والإجماع {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى] تزكى زكاة الفطر {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى] يعني صلاة العيد، بينما جاء في عيد الأضحى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وهنا {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى] المراد زكاة الفطر وصلاة العيد، وأما السنة فالأدلة متكاثرة منها ما معنا، وتجب على جميع المسلمين، ومن العدل بينهم أن يتساووا في هذه الفريضة، فالكبير والصغير والحر والعبد والذكر والأنثى الوضيع والحقير والكبير والشريف كلهم فطرتهم صاع، وهذا شأن هذا الشرع المطهر في تشريعه العام، ما يقال: والله هذا كبير، هذا شريف، لا بد أن يؤخذ منه عشرة أصواع، عشرة آصع، وهذا وضيع من أسرة يعني تجد ما تخرج لكنها ليست ذات بال ولا شأن يكفي منهم اللي يجي بس، لا، لا، مثل هذه الأمور لا توكل إلى الاجتهاد، ولذا في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر، أو قال: رمضان، صدقة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك، طيب الذكر والأنثى، الذكر صاع والأنثى صاع؟ وإلا نقول: للذكر مثل حظ الأنثيين، الذكر صاع والأنثى نصف صاع؟ نعم؟ بالتساوي.
طيب ما جاء في النصوص أن المرأة على النصف من الرجل في كم موضع؟ خمسة، ليس هذا منها، خمسة مواضع المرأة على النصف من الرجل من يذكرها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(21/7)
الدية، الميراث، الشهادة، نعم الشهادة {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [(282) سورة البقرة] هاه بقي اثنان؟ العقيقة، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، والعتق، يعني رجل يعتق رجل أو امرأتين، فعتق الرجل يعادل عتق امرأتين، ليس هذا منها، ما يقال: والله المرأة على النصف، للذكر مثل حظ الأنثيين ما تطلع إلا نصف صاع، لا، لا، أبداً، على الذكر والأنثى.
"فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" معنى فرض يعني أوجب أو قدر، فزكاة الفطر واجبة؛ لأن معنى فرض أوجب، منهم من يقول: إن فرض معناها قدر، قدر زكاة الفطر صاع، يعني مقدرة من قبل الشارع، معنى فرض قدر، وبهذا لا يلزم الحنفية بمخالفة اصطلاحهم، الحنفية يرون أن زكاة الفطر واجبة، عند الأكثر ما في مشكلة سواءً كانت واجبة وإلا فريضة ما في فرق، بالإمكان أن يقول الحنبلي: زكاة الفطر فريضة وواجبة ما يفرق، أو المالكي، أو الشافعي، نعم، لكن إذا قلت للحنفي: زكاة الفطر فريضة وإلا واجبة؟ لا واجبة ليست فريضة، طيب ابن عمر يقول: فرض رسول الله، كيف تقول: ما هي بفريضة؟ نعم، هل نقول: إن اصطلاحهم خالف النص؟ أو يقولون: والله فرض بمعنى قدر، ويسلم اصطلاحهم لهم؛ لأنهم يفرقون بين الفرض والواجب، الفرض ما ثبت عندهم بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، والدليل مثل هذا يسمونه ظني؛ لأنه خبر آحاد.(21/8)
"فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" طيب إذا اختلفت الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية، عرفهم الخاص أن زكاة الفطر ليست فريضة، وابن عمر يتحدث عن الحقيقة الشرعية "وأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- فرض صدقة الفطر" تقدم الحقيقة العرفية وإلا الحقيقة الشرعية؟ نعم؟ يعني لما يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) يقول جمهور أهل العلم: الغسل يوم الجمعة ليس بواجب، نقول: هذه معاندة؟ لا ليست معاندة، حينما يقول الحنفية: زكاة الفطر ليست فريضة مع قول الصحابي، لا، هذه ليست معاندة، لو يجي واحد من الموجودين الناس الآن ويقسم بالله أنه ما رأى في عمره جمل أصفر، نقول: كذبت تب إلى ربك أنت خالفت القرآن؟ {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] نعم، يقول: والله ها الأصفر ذا اللي إحنا نشوف ذا ما هو بهذا الأصفر عند الناس؟ يقول: والله ما شفت جمل بهذه الصورة، يعني تعارض الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية ليست معاندة؛ لأن الجهة منفكة، وهو يحلف على شيء وأنت تقرر شيء، فلا يسمى هذا معاندة، على كل حال المسألة تحتاج إلى شيء من العناية والبسط؛ لأنه كثير من الحرج الذي يقع به بعض الناس يزول بمثل هذا، وعلى كل حال كل ما أمكن أن تتحد الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية فهو أولى.(21/9)
"فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر أو قال: رمضان على الذكر والأنثى، والحر والمملوك" وتقدم في المملوك، تقدم فيه: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) وفي لفظ: ((إلا زكاة الفطر)) إلا زكاة الفطر "على الذكر والأنثى، والحر والمملوك" يعني هل زكاة الفطر على كل مسلم بمعنى أنها تجب عليه وهو المخاطب بها؟ فالمملوك يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه؛ لأن الزكاة مفروضة عليه، المرأة يجب عليها أن تخرج زكاة الفطر، الصغير يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر، أو أن المخاطب بهذا السيد والزوج، والأب بالنسبة للصغير؟ لأنه يقول: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر، أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير" يعني هي مفروضة على من يتجه إليه الخطاب، يعني المملوك ما يملك، ما عنده شيء، ولا بد من إخراج الزكاة عنه من مال سيده؛ لأنه لا يملك، إذاً هي مفروضة على السيد وإلا على المملوك؟ انظر في النص، مقتضى النص، طيب المملوك يقول لك: أنا مملوك ويش عندي؟ لا أملك أنا، مسكين، والمرأة تقول: أنا والله ما عندي شيء، مصروفي يا الله يكفيني، الصبي الصغير يقول: فرض الله علي لكن أنا ما عندي شيء، فهل تسقط عنهم زكاة الفطر أو يلزم وليهم؟ نعم؟ إذاً الخطاب يتجه لمن؟ "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً" يعني في حق هؤلاء على أوليائهم "صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، قال: فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير، وفي لفظ: أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى.(21/10)
الصاع من هذه الأنواع من التمر من الشعير من الطعام من الزبيب من الأقط، تنوع هذه الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر يدل على أن المقصود قوت البلد، تنوع هذه الأنواع يدل على أن المراد هو قوت البلد، ولذا قال جمع من أهل العلم: إنها ليست توقيفية، بمعنى أنها لا تصح إلا من الأنواع المذكورة، بل كل ما يقتاته الناس في بلد ما تخرج منه، وهو الأنفع لفقراء البلد، يعني لو تأتي لبلد ما يأكلون الشعير تطق على فقير تعطيه شعير، وإلا تعطيه رز أيهما أفضل؟ نعم؟ الشعير منصوص عليه، لكن الرز ما نص عليه، نقول: هذا أفضل؟ أقول: تنوع هذه المدفوعات يدل على أن المراد كما يقرره جمع من أهل العلم قوت البلد، وليس توقيفية.
طيب "فعدل الناس به" التمر والشعير وغيره "نصف صاع من بر على الصغير والكبير، وفي لفظ: أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى" هذا وقتها، وكان الصحابة يعطونها قبل العيد بيوم أو يومين كما في البخاري، كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطونها قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا فيه فرصة للآخذ والمعطي، فيه سعة، وإن كان الأصل أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى، لكن إذا تأخرت عن الصلاة فهي صدقة من الصدقات، ليست بزكاة فطر، فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد الصلاة، لكن هذا معه خرج بزكاة الفطر معه وهو خارج إلى المصلى، خارج إلى المصلى معه زكاة الفطر له ولأولاده افترض خمسة عشر صاع، كيس مليان ورابطه يبي يشيله معه بالسيارة انفك الكيس وانكب في التراب، بحث عن ناس يبيعونه وإلا شيء، ما وجد إلا بعد الصلاة، تحصل وإلا ما تحصل؟ انكب اختلط بالتراب ويش يسوي عاد؟ يخرجها بعد الصلاة وإلا ما يخرج؟ نعم يسعى أن يخرج ما يمكن إخراجه قبل الصلاة يحرص على هذا، والذي لا يمكن بعد الصلاة ضرورة هذه، وإلا فالأصل أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى.
في حديث أبي سعيد الذي يليه، نعم.(21/11)
"عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء، فقال: أرى مداً من هذه يعدل مدين" والصاع كم مد؟ أربعة أمداد، إذاً مدين تعدل الأربعة، والمدين نصف صاع، إذاً رأى معاوية أن نصف صاع من السمراء تعادل الصاع من غيرها، فكان يخرج معاوية نصف صاع، يقول: "فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين" أرى مداً من هذه يعدل مدين، فهذا فعل صحابي اجتهد ووافقه عليه بعض الصحابة، وخالفه آخرون، والعبرة بالمرفوع، والمرفوع ليس فيه إلا الصاع، فاجتهاد مرجوح، ولذا استمر أبو سعيد وجمع من الصحابة استمروا على ما كانوا يخرجونه في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال: "أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وأبو سعيد معروف في ثباته، حتى في إنكاره على من يخالف السنة، له موافق -رضي الله عنه وأرضاه-.(21/12)
طيب هذا شخص واحد، زكاته زكاة الفطر بالنسبة له صاع، يقال: فرصة أنهم الآن مفطرين، نتصور المسألة التي ذكرناها أنه انكب، فجاء وقال: هذا الكيس يباع أنا أخرجه كله زكاة، صدقة عني، ثم حصل له ما حصل أراد أن يحمله قبيل دخول الإمام فانكب، ووجد صاع يباع، يكفيه أن يشتري هذا الصاع ويخرجه عن نفسه أو نقول: الواجب عليك مثل هذا الذي انكب منك كيس؟ هاه؟ خليكم معي، المسألة تنضوي تحت قاعدة عامة، الزيادة على القدر المحدد شرعاً عند أهل العلم إن كانت الزيادة متميزة بنفسها فالقدر الزائد نفل، وإن كانت الزيادة غير متميزة فالجميع واجب، أنت ما عليك إلا صاع، فطلعت كيس، هذا غير متميز، فرق ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ ترى المسألة معروفة عند أهل العلم، يعني شخص أخرج دينار عن عشرين خلنا نجيب المثال اللي بروضة الناظر اللي درستوه كلكم، كمن أخرج ديناراً عن عشرين يجب عليه في العشرين كم؟ نصف دينار، فجاء وأخرج دينار، هل نقول: إن الواجب عليك نصف دينار والثاني تطوع، أو نقول: الكل باعتباره غير متميز؟ نعم لو أخرج نصف دينار، قال: خذ، وأنت خذ نصف دينار ثاني خلاص انتهى الإشكال متميز، وهذا لو جاء بالآصع كل واحد بمفرده قلنا: هذا الواجب والبقية نفل، لكن هذا طلع كيس كامل صدقة الفطر وهو واحد، يرى بعضهم أن الزيادة إذا لم تكن متميزة فهي واجبة عليه، فعلى هذا يلزمه بدل الواجب كيس كامل، ما يكفي صاع.(21/13)
طيب نأتي إلى القدر الزائد على الواجب في الركوع، القدر الواجب في الركوع أن يطمأن راكع، ويأتي بالتسبيح ولو مرة، وما زاد على ذلك فهو سنة، دخل واحد وجد الإمام راكع ومطمئن ومنتهي من القدر الواجب، وزاد الإمام من أجل هذا الداخل زيادة تسبيحات، واطمأن زيادة، الآن نقول: هذا الداخل أدرك الإمام وهو مفترض وإلا متنفل؟ الآن القدر الزائد على الواجب نفل وإلا فرض؟ متميز وإلا غير متميز، أو ما في فرق؟ هذا متميز وإلا ما تميز؟ هذا ما تميز يا الإخوان، ولذلك الحنابلة ما يشكل عليهم مثل هذا في إمامة المفترض خلف المتنفل، يطول الإمام ما شاء وزيادة غير متميزة، والكل واجب، ولا يعني هذا أنه يأثم فيما لو تركه، خلاص ما يأثم لو تركه، لكنه حكماً حكمه حكم الواجب، ولذا لا يشكل عليه في أصلهم في مسألة صلاة المفترض خلف المتنفل، فننتبه لمثل هذه الأمور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هم عندهم القدر الزائد على الواجب قاعدة معروفة، حتى الإخوان الذين درسوا روضة الناظر مرت عليهم، وقواعد ابن رجب مارة عليهم، لكن روضة الناظر باعتبارها مقرر في الكليات مرت قطعاً، ونذكر المثال، كمن أخرج ديناراً عن عشرين، هذا مثال صاحب الروضة، وعلى كل حال صنيع أبي سعيد يدل على ما كان عليه من شدة الإتباع والتمسك بالآثار، وترك العدول عن المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غيره مهما كان قائله، وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-.
هذا يقول: هل يجوز قول القائل: منة الله ولا منة خلقه؟
منة الله ولا منة خلقه، يعني لو أن شخصاً لا يستطيع الحج، وجاء واحد وقال: هذه خمسة آلاف وحج، يقول: يا أخي أنا الآن معذور ومنة الله ولا منة خلقه، هذا الكلام صحيح من حيث المعنى، الله -جل وعلا- أمن، هو الذي من عليك بألا تتكلف فوق طاقتك، والمال المبذول من قبل هذا التاجر لا يسلم من منة، فالمعنى صحيح، لكن يحتاط الإنسان في كلامه أكثر.
ما مقدار القلتين؟
خمس قرب، يعني خمسمائة رطل عراقي كما قال أهل العلم.
يقول: ما صحة الزيادة في هذا الحديث: ((ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده))؟
بل تزده هذه ليست ثابتة، ومن حيث العربية صحيحة وإلا ليست صحيحة؟ بل تزده، بل تزده، يعني من حيث العربية؟ نعم؟ غير صحيحة الأصل: بل تزيده.
حديث الأذنان من الرأس.
ضعيف، ضعيف، نعم.(21/14)
عمدة الأحكام - تابع كتاب الزكاة، كتاب الصيام (1)
باب صدقة الفطر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يترك مثل هذا الظرف من غير بيان، يعني ما أعطى المؤلفة قلوبهم وقال: توكلوا على الله، وأنتم يا أنصار ما لكم شيء، توكلوا على الله، وانتهت المسألة؟ لا، يبي يرتب الرسول -عليه الصلاة والسلام- يبين من خلال هذه القسمة فضل الأنصار، استغلال لمثل هذا الظرف أحياناً الإنسان يتمنع من أمر ليبين فضل صاحبه.(22/1)
"فكأنهم وجدوا" الفعل (وجد) ثلاثي وجد ما يتغير؛ لكن المصدر يتغير، وجد وجداً، ووجد وجوداً، ووجد موجدةً، ووجد وجادةً، المقصود أن هذا من الموجدة، وهي الغضب، وجدوا في أنفسهم شيء، تأثروا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، وبعض الناس يتأثر؛ لأنه حرم من أمر الدنيا، وقد يقع أو يرد على خواطرهم أنهم احتمال أن يكون أثرهم في الجهاد ضعيف، ما استحقوا عليه شيء من الغنيمة، وهذا يحز في النفس، وهذا قد يورث في النفس مثل هذه الموجدة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خطب ليبيّن الآن ليرفع الأنصار ويعطيهم حقهم أكثر مما أعطى غيرهم من حطام الدنيا، فخطبهم فقال: ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) نعم كانوا ضالين، ((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) كانوا كفار، ((فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين)) يعني بينهم محن وعداوات وحزازات جعلت أقرب القريب من أبعد الناس عن قريبه، ((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله بي؟ )) قال: ((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) قالوا: "الله ورسوله أمنّ" يعني ما قالوا: أنت وجدتنا ضلال؛ لكن أيضاً وجدت قريش ضلال، وش الفرق؟ ما يمكن أن يقال مثل هذا الكلام؟ لكن هؤلاء الأنصار ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) هؤلاء الأنصار بإمكان الواحد منهم أن يقول: جماعة قريش كانوا ضلال فهداهم الله، إيش الفرق؟ ليش تعطيهم واحنا لا؟ ما هو يمكن أن يقال هذا الجواب وهو صحيح؟ ما كانوا ضلال قريش وهداهم الله؟ كان جوابهم: "الله ورسوله أمنّ" المنّة لله -جل وعلا-، ((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي)) قالوا: "الله ورسوله أمنّ" ما ردوا عليه بردٍ يمكن أن يكون مقبول، الله ورسوله أمنّ، ((وعالة فأغناكم الله بي)) وما قالوا أيضاً: قومك أكل بعضهم بعضاً، لما دعوت عليهم، وأكلوا الهوام، وأكلوا الجيف، وأكلوا كل شيء، ((عالةً فأغناكم الله بي؟ )) قالوا: "الله ورسوله أمنّ" النبي -عليه الصلاة والسلام- اقتنع إلى ما عندهم، اطمأن إلى ما في قلوبهم؛ لكن أراد أن يزيدهم طمأنينة وأن يرفع من شأنهم، قال: ((لو شئتم لقلتم: جئتنا بكذا وكذا، لو شئتم قلتم فصدقتم وصدّقتم، لو شئتم قلتم: جئتنا مكذباً(22/2)
فصدقناك)) صحيح، كذبته قريش فهاجر إلى المدينة، ((ج ئتنا مخذولاً فنصرناك)) أخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أومخرجيهم؟ )) قال: نعم، فأخرج من بلده، ((وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك)) هذا الكلام صحيح؛ لكن فيه إظهار للمنّة، ما يقولون مثل هذا الكلام وإن كان حقيقة وواقع؛ لأنهم لا يرون لأنفسهم منّة على الله ولا على رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا استحقوا هذه المنزلة، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ )) يعني سهل أن يذهب الناس بحطام الدنيا، وأنتم تذهبون بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أشرف مخلوق إلى رحالكم؟ ((لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار)) يعني لولا أن الله -جل وعلا- قسم خيار هذه الأمة إلى مهاجرين وأنصار والهجرة وصف شرعي تترتب عليه آثاره ولوازمه لا يمكن التخلي عنه كالنسب، لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى العام للنصرة هو الذي نصر الله به الدين، وهو الذي أقام الله به الدين؛ لكن بالمعنى الخاص، بالمعنى الأعم يدخل المهاجرون في الأنصار؛ لأنهم نصروا الدين، أي نصرٍ أعظم من نصر أبي بكر وعمر للدين؟ فهم أنصار بالمعنى الأعم؛ لكن بالمعنى الأخص الذي يريد أن يقرره النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدخل فيه من ذكر، ((لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها)) نعم كان الناس لما كانوا ينتقلون ويضربون في الأرض من مكانٍ إلى آخر تجد كل جماعة مع بعض، أهل البلد الفلاني، أهل أفراد القبيلة الفلانية، أبناء الرجل الفلاني، المقصود من يجمعهم وصف واحد تجدهم في شعبٍ مستقل، هؤلاء الذين يجمعهم وصف واحد، ((ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار)) -عليه الصلاة والسلام-، فيقدمهم على غيرهم، يبقى في النفوس شيء بعد هذا الكلام؟! لن يبقى شيء قط، بل قد يجد من أعطي الأموال الطائلة في نفسه شيء من هذا الكلام؛ لكن الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، ((إنما أنا قاسم والله المعطي)).(22/3)
فيقول: ((الأنصار شعار، والناس دثار)) الشعار: هو اللباس الذي يلبس مما يلي البدن؛ لأن هذا اللباس الذي يلي البدن يلي شعر البدن مباشرةً فهو شعار، والدثار: ما يلبس فوقه، الشعار: هو الذي يلبس مما يلي البدن لأنه يلامس ويباشر شعر البدن، وما فوقه يسمى دثار.
((إنكم ستلقون بعدي أثرة)) يعني كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لو مثلناه في واقعنا، وقال أخونا: الثالث الذي أجاب بالجواب الدقيق أنت أعطيت فلان وفلان، وأنا جوابي هو الدقيق، يعني ما يكفيك من قول ما شاء الله، جوابك هو الصحيح الدقيق فعلى كل حال القبائل، هذه قبائل، الأوس والخزرج مثل بني تميم يزيدون وينقصون، هي قبائل على كل حال، الأنصار شعار مثلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بما يلامس جسده الطاهر الشريف وغيرهم دثار، حتى قريش دثار، يعني يلبس فوق الشعار.
ولذا جاء في حديث أم عطية في غسل ابنته -عليه الصلاة والسلام- قالت: "فأعطانا حقوه، فقال: ((أشعرنها إياه)) يعني اجعلنه شعاراً، يلبس مما يلي البدن، والناس دثار، ((إنكم ستلقون بعدي أثرة)) بلا شك حصل لهم ما حصل؛ لأن الملك في غيرهم، الملك الأئمة من قريش، ومعلوم أن طبيعة الملك تقريب الأقرب، طبيعة الملك هكذا؛ لأن البشر علمهم بالأقربين أكثر من علمهم بالأبعدين، وما دام يعرف حقيقة هذا الشخص من أقاربه ويخفى عليه حال البعيد يولي هذا القريب الذي يعرفه مع ما جبل عليه الناس من الميل إلى مثل هذا، فوجد الأنصار أثرة، وأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصبر، ((إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)) وهذا فيه بيان لمزيّتهم وشرفهم ومنزلتهم في الدين، وبيان أيضاً أنهم ممن سيرد الحوض على النبي -عليه الصلاة والسلام-، بلا شك الهجرة لها وقع وشأن في الشرع، يقولون: إيش دخل هذا الحديث في كتاب الزكاة، لماذا أدخل المؤلف -رحمه الله- هذا الحديث في كتاب الزكاة؟ إعطاء المؤلفة قلوبهم، وهو من مصارف الزكاة، وأيضاً؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يزكى، هو يقسم بين الغانمين، فمن غنم شيئاً، من ناله أكثر من النصاب وحال عليه الحول يزكي.
طالب:. . . . . . . . .(22/4)
لا الخمس هذا {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [(41) سورة الأنفال] هذا ما له علاقة بالزكاة المقصود أن هذا له صلة بالزكاة من وجوه، أنه يشبه الزكاة في إعطاء المؤلفة كما ذكر الأخ، ونسمع الجواب الدقيق.
أيضاً أن من أعطي من الزكاة أكثر من غيره أو أقل من غيره أن يمتثل هذا الحديث، ويتصور أن المعطي هو الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، والغني الذي تجب عليه الزكاة إنما هو يتولى قسمة ما أعطاه الله -جل وعلا-، {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] يعني لو تصور اثنين ظروفهم واحدة أو واحد أفقر من الثاني ادخلوا على شخص غني جداً يوزع الزكاة، ثم قال: من أقل حاجة؟ هذا فقير لكنه أقل حاجة، هذه عشرة آلاف تصرف بهن خلال هذه السنة دبرهن على بيتك وعيالك، ثم جاء الثاني وهو أشد حاجة قال: والله ما عندي شيء، هل من حق هذا الفقير الذي ما أُعطي في المجالس يتحدث فلان حرمني فلان أعطى فلان وتركني؟ ليس له ذلك، الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، وهذا يعطي أو يقسم ما يعطيه الله -جل وعلا-، وما يكتبه الله -جل وعلا- لخلقه على يديه، أبداً، فليتصور الفقير مثل هذا، ما يقول: والله هذا يتخبط في مال الله يعطي فلان ويحرم فلان، نعم أنت مخاطب بأن ترضى وتسلم؛ لكن أيضاً الغني مخاطب بأن يرفع حاجة الفقير، لكل شخص ما يخصه من الخطاب، الخطاب الشرعي، ليس معنى هذا أن الأغنياء يرون شخص فقير ويقولوا: هذا والله ما كتب الله له شيء محنا معطينه، معنى هذا أنه يحرم بعض الناس يقول ما كتب الله لك شيء، أنت مأمور بأن تعطيه إذا كان فقير، لكن كون تقدم عليه واحد وتأخر واحد والآن ما معك شيء أو الرصيد ما في شيء اليوم، ممكن هذا، هذا الذي ليس بيدك، أما إذا كان بيدك وهذا فقير وهذه زكاة طالعة طالعة ما تحرمه إلا بسببٍ بين، فإذا حرمته لسببٍ بين أنت مقتنع به، فالذي حرمه في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وإذا أعطيته لسببٍ ولمبررٍ واضح فالذي أعطاه في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وأنت وسيلة توصل هذا المال إلى عباد الله.(22/5)
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض النبي -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر -أو قال رمضان- على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، قال: فعدل الناس به نصف صاعٍ من برٍ على الصغير والكبير، وفي لفظٍ: "أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقطٍ، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السامراء، قال: أرى مداً من هذا يعدل مدين؟ قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب صدقة الفطر، صدقة الفطر مضاف ومضاف إليه والإضافة سببية؛ لأن هذه الصدقة سببها الفطر من صيام شهر رمضان، وهي شكر للمنعم على الإتمام، وتجب بغروب الشمس، بغروب شمس آخر يومٍ من رمضان؛ لأن سببها الفطر، والفطر يكون في هذا الوقت، والوجوب الذي يذكر في مثل هذا يراد منه أن من ولد بعد غروب الشمس، أو مات قبل غروبها، أو ولد قبل غروبها أو مات بعد غروبها إذا قلنا: سبب الوجوب السبب هذا الوقت فمن مات قبل غروب الشمس تخرج عنه صدقة الفطر؟ تخرج وإلا ما تخرج؟ لا تخرج؛ لأنه مات قبل وقت الوجوب، مات بعد غروب الشمس؟ تخرج عنه ولد قبل غروب الشمس؟ تخرج عنه وإلا ما تخرج؟ تخرج، ولد بعد غروب الشمس لا تخرج إلا على سبيل الاستحباب؛ لأنها تستحب عن الحمل، فهذا معنى كون الإضافة سببية، صدقة الفطر شرعت طهرة للصائم، إنما شرعت طهرةً للصائم، تطهره وترفو ما اشتمل عليه صيامه من خلل، وترقع ما فيه من فتوق.(22/6)
وعلى كل حال هي عند عامة أهل العلم واجبة، ووجوبها ثابت بالكتاب والسنة والإجماع {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى] {تَ زَكَّى} زكاة الفطر {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} يعني صلاة العيد، بينما جاء في عيد الأضحى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وهنا {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} يراد زكاة الفطر، وصلاة العيد، وأما السنة فالأدلة متكاثرة منها ما معنا، وتجب على جميع المسلمين ومن العدل بينهم أن يتساووا في هذه الفريضة، الكبير والصغير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والوضيع والحقير والكبير والشريف، كلهم فطرتهم صاع، وهذا شأن هذا الشرع المطهر في تشريعه العام، ما يقال: هذا والله كبير، هذا شريف يكفي، لا بد أن يؤخذ منه عشرة آصع، وهذا وضيع من أسرةٍ تجد ما تخرج لكنها ليست ذات بال ولا شأن، يكفي منهم الذي يجي بس، لا لا، مثل هذه الأمور لا توكل إلى الاجتهاد، ولذا في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر أو قال: صدقة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك، طيب الذكر والأنثى، الذكر صاع والأنثى صاع؟، أو نقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] الذكر صاع والأنثى نصف صاع؟ بالتساوي، طيب ما جاء في النصوص أن المرأة على النصف من الرجل في كم موضع؟ خمسة، ليس هذا منها، خمسة مواضع المرأة على النصف من الرجل من يذكرها؟ الدية، الميراث، الشهادة {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [(282) سورة البقرة] بقي اثنان: العقيقة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، والعتق يعني يعتق رجل أو امرأتين، فعتق الرجل يعادل عتق امرأتين، ليس هذا منها، ما يقال: والله المرأة على نصف، الذكر مثل حظ الأنثيين، ما تطلع إلا نصف صاع، لا لا أبداً، على الذكر والأنثى، فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معنى فرض يعني أوجب أو قدّر، فزكاة الفطر واجبة؛ لأن معنى فرض أوجب، ومنهم من يقول: فرض هنا بمعنى قدّر، قدر زكاة الفطر صاع، صدقة الفطر صاع، يعني(22/7)
مقدرة من قبل الشارع، معنى فرض قدر، وبهذا لا يلزم الحنفية بمخالفة اصطلاحهم، الحنفية يرون زكاة الفطر واجبة، عند الأكثر ما في مشكل سواء كانت واجبة وإلا فريضة ما في فرق، بالإمكان أن يقول الحنبلي زكاة الفطر فريضة وواجبة ما يفرق أو المالكي أو الشافعي؛ لكن إذا قلت للحنفي: زكاة الفطر فريضة وإلا واجبة؟ لقال: لا واجبة ليست فريضة، طيب ابن عمر يقول: "فرض رسول الله .. فريضة؟ هل نقول: أن اصطلاحهم خالف النص أو يقولون: فرض بمعنى قدّر، ويسلم اصطلاحهم لهم؛ لأنهم يفرقون بين الفرض والواجب، الفرض ما ثبت عندهم بدليلٍ قطعي، والواجب ما ثبت بدليلٍ ظني، والدليل مثل هذا يسمونه ظني؛ لأنه خبر آحاد، فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، طيب إذا اختلفت الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية، عرفهم الخاص أن زكاة الفطر ليست فريضة، وابن عمر يتحدث عن الحقيقة الشرعية، وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فرض صدقة الفطر، تقدم الحقيقة العرفية وإلا الحقيقة الشرعية؟ يعني لما يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) يقول جمهور أهل العلم: الغسل يوم الجمعة ليس بواجب نقول هذه معاندة؟ لا، ليست معاندة، حينما يقول الحنفية: زكاة الفطر ليست فريضة، مع قول الصحابي هذا هذه ليست معاندة، لو يجي واحد من الموجودين الناس الآن ويقسم بالله أنه ما رأى في عمره جمل أصفر، نقول: كذبت، تب إلى ربك أنت خالفت القرآن؟ {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] نقول: والله الأصفر ذا اللي حنا نشوفه ذا هو هذا الأصفر عند الناس؟ نقول: والله ما شفت جمل بهذي الصورة، يعني تعارض الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية ليست معاندة؛ لأن الجهة منفكة، هو يحلف على شيء وأنت تقرر شيء، فلا يسمى هذا معاندة، على كل حال المسألة تحتاج إلى شيءٍ من العناية والبسط؛ لأنه كثير من الحرج الذي يقع به بعض الناس يزول بمثل هذا، وعلى كل حال كل ما أمكن أن تتحد الحقيقة العرفية مع الحقيقة الشرعية فهو أولى، فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر، أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك، وتقدم في المملوك، تقدم فيه ليس على المسلم في عبده ولا(22/8)
فرسه صدقة، وفي لفظٍ: "إلا زكاة الفطر، على الذكر والأنثى والحر والمملوك" يعني هل زكاة الفطر على كل مسلم بمعنى أنها تجب عليه؟ وهو المخاطب بها؟ فالمملوك يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عن نفسه؛ لأنها زكاة، مفروضة عليه، المرأة يجب عليها أن تخرج زكاة الفطر، الصغير يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر، أو أن المخاطب بهذا السيد والزوج والأب بالنسبة للصغير؛ لأنه يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر أو قال: رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعير" يعني هي مفروضة على من يتجه إليه الخطاب، يعني مملوك ما يملك، ما عنده، ولا بد من إخراج الزكاة عنه من مال سيده؛ لأنه لا يملك، إذاً هي مفروضة على السيد وإلا على المملوك؟ انظروا في النص، مقتضى النص، طيب المملوك يقول: أنا مملوك وش عندي ما أملك أنا، مسكين، والمرأة تقول: أنا والله ما عندي شيء، مصروفي يالله يكفيني، الصبي الصغير يقول: فرض الله علي لكن أنا ما عندي شيء، فهل تسقط عنهم زكاة الفطر أو يلزم وليهم؟ إذاً الخطاب يتجه لمن؟ فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعاً؟ يعني (على) يعني في حق هؤلاء على أوليائهم، صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، قال: "فعدل الناس به نصف صاعٍ من بر على الصغير والكبير" وفي لفظٍ: "أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى" الصاع من هذه الأنواع من التمر، من الشعير، من الطعام، من الزبيب، من الأقط تنوع هذه الأطعمة التي تخرج منها زكاة الفطر يدل على أن المقصود قوت البلد، تنوع هذه الأنواع يدل على أن المراد هو قوت البلد، ولذا قال جمع من أهل العلم أنها ليست توقيفية، بمعنى أنها لا تصح إلا من الأنواع المذكورة، بل كل ما يقتاته الناس في بلد ٍمنا يخرج منه، وهو الأنفع لفقراء البلد، يعني لو تأتي بلد وهم ما يأكلون الشعير، فتعطي الفقير شعير، وإلا تعطيه رز؟ أيهما أفضل؟ الشعير منصوص عليه لكن الرز ما نص عليه، نقول: هذا أفضل، أقول: تنوع هذه المدفوعات يدل على أن المراد كما يقرره جمع من أهل العلم قوت البلد، وليست توقيفية، فعدل الناس به التمر والشعير وغيره نصف صاع من بر على(22/9)
الصغير والكبير، وفي لفظٍ: "أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى" هذا وقتها، وكان الصحابة يعطونها قبل العيد بيومٍ أو يومين، كما في البخاري، كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطونها قبل العيد بيومٍ أو يومين، وهذا فيه فرصة للآخذ والمعطي، فيه سعة، وإن كان الأصل أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى؛ لكن إذا تأخرت عن الصلاة فهي صدقة من الصدقات، فليست بزكاة فطر، فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد الصلاة؛ لكن هذا خرج ومعه زكاة الفطر، وهو خارج إلى المصلى، معه زكاة الفطر له ولأولاده، افترض خمسة عشر صاع، كيس مليان ورابطه يبي يشيله معه بالسيارة انفك الكيس وانكب بالتراب، بحث عن ناس يبيعون ما وجد إلا بعد الصلاة، تحصل وإلا ما تحصل؟ انكب واختلط بالتراب وش يسوي عاد؟ يخرجها بعد الصلاة وإلا ما يخرج؟ يسعى أن يخرج ما يمكن إخراجه قبل الصلاة، يحرص على هذا، والذي لا يمكن، الشكوى لله، بعد الصلاة ضرورة هذه، وإلا فالأصل أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعامٍ، أو صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقطٍ، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السامراء قال: "أرى مداً من هذا يعدل مدين؟ والصاع كم مد؟ أربعة أمداد، الصاع أربعة أمداد، إذاً مدين تعدل الأربعة، والمدين نصف صاع، إذاً رأى معاوية أن نصف صاع من السمراء تعادل الصاع من غيرها، فكان يخرج معاوية نصف صاع، يقول: "فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مداً من هذه يعدل مدين" فهذا فعل صحابي اجتهد ووافقه عليه بعض الصحابة، وخالفه آخرون، والعبرة بالمرفوع، والمرفوع ليس فيه إلا الصاع، فاجتهاد مرجوح، ولذا استمر أبو سعيد وجمع من الصحابة استمروا على ما كانوا يخرجونه في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وأبو سعيد معروف في ثباته، حتى في إنكاره على من يخالف السنة له مواقف -رضي الله عنه وأرضاه-.(22/10)
طيب هذا شخص واحد زكاته زكاة الفطر بالنسبة له صاع، وقال: فرصة الآن من فطري ونتصور المسألة التي ذكرناها أنه انكب فجاء وقال: هذا الكيس يباع أنا بخرجه كله زكاة، صدقة عني، ثم حصل له ما حصل أراد أن يحمله ومع دخول الإمام قبيل دخول الإمام انكب، ووجد صاع يباع يكفيه أن يشتري هذا الصاع ويخرجه عن نفسه، أو نقول: الواجب عليك مثل الذي انكب منك كيس؟ المسألة تنطوي تحت قاعدةٍ عامة، الزيادة على القدر المحدد شرعاً عند أهل العلم إن كانت الزيادة متميزة بنفسها فالقدر الزائد نفل، وإن كانت الزائدة غير متميزة فالجميع واجب، أنت ما عليك إلا صاع، فطلعت كيس هذا غير متميز، الفرق ظاهر وإلا ما هو ظاهر؟ هذه مسألة معروفة عند أهل العلم، يعني شخص أخرج دينار عن عشرين، خلينا نجيب مثال الذي بروضة الناضر الذي درستوه كلكم، كمن أخرج ديناراً عن عشرين، يجب عليه في العشرين كم؟ نصف دينار، فجاء وأخرج دينار، هل نقول: أن الواجب عليك نصف دينار، والثاني تطوع، أو نقول: الكل باعتباره غير متميز؟ نعم لو أخرج نصف دينار، قال: خذ وأنت خذ نصف الدينار الثاني، خلاص انتهى الإشكال، متميز، وهذا لو جاء بالآصع كل واحد بمفرده، قلنا: هذا الواجب والبقية نفل؛ لكن هذا طلع كيس كامل صدقة الفطر وهو واحد، يرى بعضهم أن الزيادة إذا لم تكن متميزة فهي واجبة عليه، فعلى هذا يلزمه بدل الواجب كيس كامل، ما يكفي صاع.(22/11)
نأتي إلى القدر الزائد عن الواجب في الركوع، القدر الواجب في الركوع أن يطمئن راكعاً، ويأتي بالتسبيح ولو مرة، وما زاد على ذلك فهو سنة، دخل واحد وجد الإمام راكع ومطمئن ومنتهي من القدر الواجب، وزاد الإمام من أجل هذا الداخل زيادة تسبيحات واطمئن زيادة، الآن نقول: هذا الداخل أدرك الإمام وهو مفترض وإلا متنفل؟ الآن القدر الزائد على الواجب نفل وإلا فرض؟ متميز وإلا غير متميز أو ما في فرق؟ هذا متميز وإلا ما تميز؟ هذا ما تميز يا إخوان، ولذلك الحنابلة ما يشكل عليهم مثل هذا في إمام المفترض خلف المتنفل، يطول الإمام ما شاء وزيادة غير متميزة والكل واجب، ولا يعني هذا أنه يأثم فيما لو تركه، خلاص ما يأثم لو ترك؛ لكنه حكماً حكمه حكم الواجب، ولذا لا يشكل عليهم في أصلهم في مسألة صلاة المفترض خلف المتنفل، فننتبه لمثل هذه الأمور.
طالب:. . . . . . . . .
لا هم عندهم القدر الزائد على الواجب، قاعدة معروفة، حتى الإخوان الذين درسوا روضة الناظر مرت عليهم، وقواعد ابن رجب مرت عليهم؛ لكن باعتبار روضة الناظر باعتبارها مقرر في الكليات معروفة قطعاً، ونذكر المثال كمن أخرج ديناراً عن عشرين، هذا مثال صاحب الروضة، وعلى كل حال صنيع أبي سعيد يدل على ما كان عليه من شدة الاتباع، والتمسك بالآثار، وترك العدول عن المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غيره مهما كان قائله، وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون هواه تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-.
هذا يقول: هل يجوز قول القائل: منة الله ولا منة خلقه؟
يعني لو أن شخصاً لا يستطيع الحج، وجاء واحد قال: هذه خمسة آلاف حج، يقول له: يا أخي أنا الآن معذور ومنة الله ولا منة خلقه، هذا الكلام صحيح من حيث المعنى، الله -جل وعلا- أمنّ، هو الذي منّ عليك بأن لا تتكلف فوق طاقتك، والمال المبذول من قبل هذا التاجر لا يسلم من منّة، فالمعنى صحيح؛ لكن يحتاط الإنسان في كلامه أكثر.
ما مقدار القلتين؟
خمس قرب، يعني خمسمائة رطل عراقي، كما قال أهل العلم.
يقول: ما صحة الزيادة في هذا الحديث: ((ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده))؟(22/12)
لا، ((بل تزده)) هذه ليست ثابتة، ومن حيث العربية صحيحة وإلا ليست صحيحة؟ بل تزده بل تزده؟ يعني من حيث العربية غير صحيحة، الأصل: بل تزيده.
حديث: ((الأذنان من الرأس))؟
ضعيف.
قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب الصيام:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصم)) وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا السائل يقول: سؤال من الأمس أجلناه لليوم، للمناسبة يقول: لماذا قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الحج على صوم رمضان في حديث ابن عمر؟
في حديث ابن عمر المتفق عليه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) هذا المتفق عليه والمخرج في الصحيحين، وخرج الإمام مسلم من حديثه عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج)) فقيل له -لابن عمر-: "الحج وصوم رمضان؟ قال: لا، صوم رمضان والحج".(22/13)
فالروايات المتفق عليها فيها تقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى الإمام البخاري -رحمه الله- تعالى ترتيب كتابه، فقدم المناسك والحج على الصيام، فالبخاري -رحمه الله- تعالى بنى كتابه، ترتيب كتابه على الرواية التي خرجها المتفق عليها في تقديم الحج على الصيام، ومسلم كغيره من عامة أهل العلم مشى على تقديم الصيام على الحج، والأكثر على أن الصيام أهم من الحج، وأعظم من الحج، والبخاري في تقديمه الحج على صوم رمضان يفهم منه أن الحج عنده أعظم من الصيام، وباللفظين جاء الخبر الصحيح، كيف يروي ابن عمر الحديث ويقدم الحج على الصيام ويخرج عنه في الصحيحين؟ وينكر على من رد عليه في صحيح مسلم تقديم الصيام على الحج؟ قال: "لا، صوم رمضان والحج" فأهل العلم يقولون: أن ابن عمر يروي الحديث من الوجهين، سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- بتقديم الصيام مرةً وبتقديم الحج مرة، وخرجه العلماء على هذا الأساس، وأن كل منهما صحيح، ومعروف في العربية أن الواو لا تقتضي ترتيب، إذاً ما دام على الوجهين عند ابن عمر كيف أنكر على من قال له: الحج وصوم رمضان، أنكر عليه أن يتدخل ويستدرك ما لا علم له به، ابن عمر عنده خبر أنه مرةً قدم هذا ومرةً قدم هذا، ورواه على الوجهين؛ لكن بعض الناس يرد ما لا يعرفه فمثل هذا يؤدب، كأن ابن عمر قال له: أنا أعرف منك، أنت سمعت الخبر من طريقي، والحديث عندي على الوجهين فلا ترد علي، خلي مرةً أروي على هذا ومرةً أروي على هذا، فإنكاره عليه من باب تأديبه وزجره، ومنهم من يقول: يحتمل أن ابن عمر نسي، هو يرويه عن الوجهين، ونسي الوجه الثاني لما رد على من استدرك عليه، ونسي الوجه الثاني لما استدرك عليه المستدرك، وعلى كل حال الوجهان صحيحان، والأكثر على تقديم الصيام، والرواية المتفق عليها بتقديم الحج، والحج شأنه عظيم، لو لم يكن فيه إلا قول الله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] خطر عظيم الذي يجد، ويستطيع الحج ولا يحج، وجاء عن عمر -رضي الله عنه- كتب إلى الأنصار أن ينظر إلى من كانت عنده(22/14)
جدة، ويستطيع الحج فلم يحج أن تضرب عليه الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، ولهذا قدم البخاري الحج على الصوم استناداً على الرواية، ولما جاء في ذلك من نصوص تعظم شأن الحج، جاء في الصيام أيضاً نصوص شديدة، من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر ولو صامه، فالأمر ليس بالسهل، ركن من أركان الإسلام شأنه عظيم، حتى قال بعض أهل العلم بكفر تاركه، ولو أقر بوجوبه، يعني كما ذكرنا في درس الأمس في الزكاة، أن من أهل العلم من يرى كفر تارك الأركان العملية، تارك أحد الأركان العملية، وهي رواية عند الإمام أحمد رجحها بعض أصحابه، وذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، المقصود أن الأركان شأنها عظيم، الأركان شأنها عظيم، ومنها الصيام الذي معنا، وما يليه من الحج، وما قبله من صلاةٍ وزكاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الصيام، كتاب تقدم التعريف به، والصيام مصدر صام يصوم صياماً كقام يقوم قياماً، ومنهم من يقول: كتاب الصيام، ومنهم من يقول: كتاب الصوم، وهو اسم مصدر أيضاً لصام، كما يقال: نام ينام نوماً، على كل حال هما مصدران للفعل صام، والصيام في اللغة: الإمساك {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [(26) سورة مريم] إمساك عن الكلام.
خيل صيام وخيل غير صائمة *****. . . . . . . . .(22/15)
المقصود أن منها الممسك عن الأكل، ومنها الخيل التي تأكل، فمجرد الإمساك في لغة العرب يسمى صيام، وهو في الشرع الإمساك في النهر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطرات من أكلٍ وشربٍ وجماع، الإمساك عن المفطرات بنية، بنية التقرب من أكلٍ وشربٍ وجماع، هذا هو الصيام الشرعي مما ورد في الشرع، هذا الصيام الشرعي؛ لكن لو أمسك عن الطعام من طلوع الشمس إلى غروبها، هذا ممسك عن الأكل، وهو صائم لغةً؛ لكن هل صيامه شرعي؟ يؤجر عليه؟ لا يؤجر على مثل هذا الصيام، وإن تعبّد به دخل في حيّز الابتداع، بدعةً أن يمسك الإنسان بنية التقرب إلى الله -جل وعلا- من طلوع الشمس إلى غروبها، ومما يذكر الأستاذ أحمد أمين أديب معروف، وتولى القضاء الشرعي، ودرس في المدارس الشرعية؛ لكنه محسوب في الجملة على الأدباء، يذكر في مذكراته كتاب اسماه (حياتي) أنه ممن درسه في مدرسة القضاء الشرعي شخص أعجبه في علمه وسمته، ثم انقطع خبره هذا الشخص، يقول: بحثت عنه عشر سنين لم أجده، ثم تيسر له أن سافر إلى تركيا فوجد شخص هناك قد انقطع عن الناس، ولزم الصيام والقيام، لزم الصيام والقيام، تصوّف على حد زعمه؛ لكن يقول: كان يصوم من ارتفاع الشمس إلى غروبها، طيب ما السبب؟ يقول: بجواره في السكن أو في الشقة التي يسكنها تحتها أسرة ما أدري الآن هل قال: يهودية أو نصرانية، يخشى أن يزعجهم إذا قام قبل صلاة الفجر، وأعد السحور، وتسحر وصام صيام شرعي، قلت: سبحان الله، يعني من لوازم شهادة أن محمداً رسول الله أن لا يعبد الله إلا بما شرع، لا بالبدع، هذه بدعة، والداعي إليها يعني المبرر قبيح، ليس له مستند لا عقل ولا نقل، لئلا يزعج الأسرة اليهودية أو النصرانية التي تسكن تحته، نسأل الله السلامة والعافية.(22/16)
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [(8) سورة فاطر] هذا ليس بصيام، إنما الصيام من طلوع الفجر، مقرون بالنية إمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام الشرعي، ولا بد أن يكون ليؤتي ثماره أن يكون على الوجه المطلوب، على الوجه الشرعي، على الطريقة النبوية؛ لأن بعض الناس يصوم يمسك عن المفطرات الحسية، ويزاول ما يزاول من جرائم ومنكرات، هل هذا صيام؟ نعم هو صيام مجزئ ومسقط للطلب، لا يؤمر بإعادته؛ لكن هل تترتب عليه آثاره؟ الفائدة العظمى من مشروعية الصيام التقوى، الثمرة العظمى من مشروعية الصيام أنه مورث للتقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] هذه هي الثمرة العظمى من مشروعية الصيام، فالصيام الذي لا يورث تقوى ولا يكف عن معاصي هذا وإن أسقط الطلب إلا أنه لا تترتب آثاره عليه، مثل هذا قل في كثيرٍ من الناس الذين يصلون، يحافظون على الصلوات مع الجماعة، الصلوات الخمس يحافظون عليها مع الجماعة، ويزاولون المنكرات والفواحش {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] يعني هل هذا كلام من؟ كلام الله -جل وعلا-، لا يختلف كلامه ولا يتخلف، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، طيب هذا يصلي لكن إيش الفائدة؟ ليست هذه الصلاة كما أمر الله -جل وعلا-، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تقام على مراد الله -جل وعلا-، وعلى ضوء ما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يعني الصلاة المقبولة والصيام المقبول لا أعني الصيام الصحيح في عرف الفقهاء الذي لا يؤمر بإعادته، أعمال الفساق كلها غير مقبولة، وإن لم يؤمر بإعادتها، بل يحكم بصحتها {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فالذي يزاول المنكرات، ولا يتقي الله -جل وعلا- في فعل الأوامر واجتناب النواهي، هذا لا يتقبل الله منه عبادته، ومعنى نفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادات، وإلا فعبادات الفساق(22/17)
صحيحة، بمعنى أنها مجزئة ومسقطة للطلب لا يؤمرون بإعادتها، والصيام كما أنه مورث للتقوى أيضاً هو مورث لمنزلة المراقبة لله -جل وعلا-، المراقبة، منزلة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، كيف الصيام دون غيره يورث منزلة المراقبة؟ لأن الصيام سر بين العبد وربه، بإمكانه أن يفطر والناس لا يشعرون، بإمكانه أن يفطر والناس لا يدرون به، بينما العبادات الأخرى يراه الناس، فإذا كان يصوم والناس لا يرونه، ويثبت على صيامه، الصيام الشرعي، لا شك أنه يراقب الله -جل وعلا- في صيامه، وإذا تولدت عنده هذه الملكة، وهذه المنزلة، منزلة المراقبة اتقى الله، وترك ما حرم الله، وفعل ما أمره الله به، ولذا جاء في الحديث القدسي: ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) سر بين العبد وربه، ما الذي يمنعه أن يدخل في غرفته ويحكم إغلاق الباب، وكثير من الغرف الآن لما وسع الله على الناس فيها كل ما يحتاجه الإنسان، لو يغلق عليه الباب –باب غرفته- أيام ما تأثر، عنده الثلاجة، وعنده فيها الأكل والشراب، فيها كل ما يحتاجه، والله المستعان.
فإذا ترك هذا من أجل الله -جل وعلا- لا شك أن هذه مراقبة في الخلوة، والمراقبة في الخلوة تبعث على مراقبة الجلوة، يعني بين الناس، وهذه المنزلة منزلة عظيمة جداً، قد لا تحصل لكثيرٍ من المسلمين، منزلة بعد الإيمان كما في حديث جبريل، فالإنسان عليه أن يسعى لتحصيلها.(22/18)
يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى في الحديث الأول: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان)) الأصل ((لا تتقدموا رمضان)) يعني بأن تصوموا قبله بيوم أو يومين، ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين)) وهذا النهي إنما ينهى من صام آخر شعبان، آخر يوم أو يومين من شعبان للاحتياط، بنية الاحتياط لرمضان، خشية أن يكون من رمضان، وهو لا يشعر، هذا جاء النهي عنه، جاء النهي عنه، والاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، كما قال شيخ الإسلام، ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين)) لأن عندنا عبادات شرعية محددة، معلومة الأول والآخر، مبنية على وسائل شرعية، لا بد من رؤية الهلال، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، فإذا رؤي الهلال لزم الناس الصيام، كما سيأتي، وإذا أكمل الناس شعبان ثلاثين يوماً صام الناس، أما أن يقال: يصوم الناس احتياطاً، الناس ما رأوا الهلال، احتمال أن يكون ظاهر وهو ما ظهر؟ لا، هذا هو الاحتياط الذي جاء النهي عنه، عندنا وسائل شرعية، يلزمنا العمل بها ولو أخطأنا في تطبيقها، لو أخطأنا في تطبيقها، افترض أن الهلال ظاهر؛ لكن ما رآه أحد، وعلق الأمر بالصيام برؤية الهلال، ثم بعد ذلك لما أتممنا ثمان وعشرين يوم رأينا هلال الفطر، هل نكون فرطنا بشيءٍ من ديننا أو أثمنا؟ لا، عندنا مقدمات شرعية لا بد من توافرها، ليس هذا ناتج عن تفريط، لا أبداً، فالصيام عبادة معروفة الأول والآخر مبنية على وسائل شرعية، كما أن القاضي إذا حكم بالبينة والمفترض في البينة أن يكونوا ثقات، إذا تحرى وشهد عنده الثقات وقبل شهادة هؤلاء الثقات وحكم بموجب شهادتهم ولو أخطأ، ولو كذبوا في شهادتهم؛ لأن المسألة مفترضة في ثقات، والثقة معروف أنه ليس بمعصوم، قد يخطئ، المقصود أن الحكم صحيح، ولذا جاء في الحديث الصحيح: إنما أنا بشر أقضى على نحو ما أسمع، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي، فلنفترض أن القاضي مثل أمامه شخصان، مدعي ومدعى عليه، فأحضر المدعي شاهدين، تحرى القاضي في أمر الشاهدين وغلب على ظنه أنهما ثقتان، وحكم بموجب ذلك، ثم تبين بعد ذلك أن(22/19)