والميتة نجسة فلا يجوز بيعها، والأصل في المنع من بيعها هذا الحديث، الميتة تطلق ويراد بها ما ذكرنا في حدها وتعريفها، وبهذا تشمل جميع أجزائها، فلا يباع شيء منها، لكن دل الدليل على جواز الانتفاع بجلدها المدبوغ، ((أيما إيهاب دبغ فقد طهر)) وجاء في شاة ميمونة: ((هلا انتفعتم بإهابها)) قالوا: إنها ميتة! قال: ((إنما حرم أكلها)) فإذا دبغ الجلد طهر، وإذا طهر جاز استعماله على خلاف بين أهل العلم هل يطهر ظاهراً وباطناً أو ظاهراً فقط؟ وهل يستعمل في المائعات واليابسات؟ وهذه المسألة تقدم شرحها في باب الآنية، على كل حال ((أيما أيهاب دبغ فقد طهر)) ولا كلام، إذا طهر هذا الإيهاب وجاز استعماله هل يجوز بيعه أو نقول: هو جزء من الميتة فلا يباع؟ الشعر، الظفر، والظلف وما أشبه ذلك على الخلاف بين أهل العلم هل هي في حكم المتصل أو المنفصل؟ إذا ماتت البهيمة مثلاً تنجست، صارت نجسة ما يمكن تطهيره كالجلد يطهر، الشعر والظفر هل هو في حكم المتصل أو المنفصل؟ يختلف أهل العلم في ذلك، والمرجح أنه في حكم المنفصل؛ لأنه يجوز جزه وقطعه وإبانته من البهيمة وإن كانت حية، لو كان في حكم المتصل قلنا: ما أبين من حي فهو كميتته، ومثل هذه الأمور يقرر أهل العلم شيخ الإسلام وغيره أنها لا تحلها الحياة، بدليل أنها تقطع من البهيمة ولا تحس ولا تتألم، لا تحلها الحياة الحيوانية، أما الحياة المشبهة لحياة النبات لا شك أنها فيها، بدليل أنها تطول، نعم؟ تنمو وهي على ظهر الحيوان، لكن إذا قطعت ماتت كموت النبات إذا قطع، والحياة والموت المراد به الحياة الحيوانية والموت الحيواني، أما ما يشبه حياة النبات وما يشبه موته فهذا غير مراد هنا، بدليل أن النبات يموت إذا قطع، لكن هل يقال بأنه نجس ولا يجوز بيعه لأنه ميت؟ يدخل في عموم هذا؟ لا يدخل، فالمراد بالحياة الحياة الحيوانية، هذا بالنسبة للشعر والظفر، والحنفية يتوسعون في هذا الباب، ويجعلون العظم أيضاً لا تحله الحياة، فيرون الانتفاع به بعظم الميتة، وشيخ الإسلام أيضاً يرجح هذا القول، ويضيف أيضاً الأنفحة واللبن، لبن الميتة وأنفحة الميتة كل هذا لا علاقة له بروحها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(75/11)
الأنفحة الكرش، كشر الجدي الصغير، نعم؟ الذي يستعمل في الجبن، ويستدل شيخ الإسلام أن الصحابة أكلوا الأجبان من البلدان التي فتحت وذبائحهم في حكم الميتة، ولو كانت نجسة ما أكلوها، فعرفنا ما في جلد الميتة وما في شعر الميتة، وظفر الميتة، وقرن الميتة، الجمهور على أنه نجس، وكذلك من باب أولى لبنها وأنفحتها، وهي إن لم تكن نجسة بذاتها فهي متنجسة، وإذا كان اللبن متجنس كيف يمكن تطهيره؟ لأنه في وعاء نجس فكيف يمكن تطهيره؟ إذا تجنس اللبن يمكن تطهيره؟ ما يمكن تطهيره، فيبقى الاستثناء للجلد إذا دبغ، والصوف أيضاً إذا جز جزاً، ولم يستأصل بالنتف؛ لأن أصوله باشرت النجاسة، فيجز جز بحيث لا يباشر النجاسة، الميتة لا يجوز بيعها، أحياناً يستفاد منها، تُجعل علف للكلاب، وعلف للطيور، تُعلف الكلاب الميتة، أقول: هل هذه المنفعة تبيح مخالفة هذا النص؟ لا تبيح مخالفة هذا النص، لا يجوز بيعها، يدخل في الميتة أيضاً جسد الميت من بني آدم، هل يجوز بيعه أو لا يجوز؟ يتصور هذا في التشريح، نعم؟ احتيج لجثة لتشريحها ورفض أهلها أن يدفعوها إلا بقيمة يجوز بيعها وإلا لا يجوز؟ لا يجوز، وجاء في السيرة أن المشركين طلبوا قتيلاً لهم ودفعوا فيه الأموال من النبي -عليه الصلاة والسلام- فدفعه إليهم دون مقابل، فالميتة على عمومها وإطلاقها لا يجوز بيعها، والخنزير ليس بمال ولا محترم، ولا يجوز أكله ولا اقتناؤه فلا يجوز بيعه.(75/12)
((والأصنام)) الأصنام سواء كانت من مادة يستفاد منها، افترض أنه صنم من ذهب يعبده شخص فأسلم هذا الشخص وقال: انتهينا من عبادته هل يجوز له أن يبيعه؟ لا يجوز له أن يبعه، ومثله لو كان من خشب، أو من أي مادة كان ما دام اسم الصنم يطلق عليه لا يجوز بيعه، لكن إذا تحول اسمه من صنم إلى كسر أو قطع من رآها لا يقول: هذه صنم لا مانع؛ لأنه لم يبع صنم يعني لو أن شخصاً عنده صنم من ذهب، ثم بعد ذلك ذهب به إلى الصاغة فحولوه إلى حلي يجوز بيعه وإلا ما يجوز؟ يجوز بيعه؛ لأنه لا يصدق عليه أنه باع صنماً، وكذا لو كان كِسر من خشب، أو حول هذا الصنم من خشب إلى ماسة أو كرسي أو شيء يجوز الانتفاع به يجوز له بيعه؛ لأنه لم يبع صنم، وقل مثل الأصنام جميع ما يؤله ويعبد، ويصرف له شيء من حقوق الله -جل وعلا- كالصليب مثلاً لا يجوز بيعه.
"فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؟ " يعني أخبرنا عن شحوم الميتة، الشحوم يستفاد منها، كيف يستفاد منها؟ ذكروا الأوجه، أوجه الاستفادة منها، تطلى بها السفن، لماذا تطلى السفن بالشحوم؟ من أجل إيش؟ كيف؟
طالب: تسرب الماء.
نعم لكي ينبو عنها الماء، فلا يشرب الخشب الماء، نعم؟ فيستفاد منها من هذه الحيثية، وتدهن بها الجلود لتلين وتنعم، ويستصبح بها الناس، شمع، الشحم هذا يتخذ مصابيح، قبل الكهرباء الناس عاشوا عليه مدد متطاولة، هو مصابيح الناس، لا شك أن هذه منافع ظاهرة "أرأيت شحوم الميتة، فإنها تطلى بها السفن, وتدهن بها الجلود, ويستصبح بها الناس?"(75/13)
منافع ظاهرة، ولا فرق بين الطاهر والنجس في هذه المنافع، النجس يؤدي نفس الغرض الذي يؤديه الطاهر، نعم دخان المصباح المتنجس تكلموا فيه هل يؤثر على ما يصيبه أو لا يؤثر؟ المسألة في كتاب الطهارة، لكن هنا "ويستصبح بها الناس" لما ذكروا هذه المنافع، أجابهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((لا، هو حرام)) (لا) هنا وقف لازم وإلا جائز؟ لازم، وقف لازم؛ لأنك لو سلطت النفي ((لا هو حرام)) يعني ليس هو حرام، لكن تقف وقفاً لازماً، والوقف اللازم معروف، وهو في القرآن ظاهر، {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [(65) سورة يونس] نعم، هذا الوقف لازم، لماذا؟ لأن قوله: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [(65) سورة يونس] ليس هو قولهم الذي يحزن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو وصلنا لأوهم السياق أن الذي يحزن النبي -عليه الصلاة والسلام- قولهم: إن العزة لله وليس ... ، فيجب الوقف في مثل هذا، وهنا: ((لا، هو حرام)) يجب الوقف، أهل البلاغة عندهم واو تحل الإشكال، إذا قيل لك: تريد ماءً، ثم قلت: لا سلمك الله، عندهم لا بد أن تقول: لا وسلمك الله، نعم نقول: الوقف اللازم يحل الإشكال، وهو الذي جاءت به بالنصوص، ولا داعي لهذه الواو، قف على (لا) واستأنف ما تشاء من الكلام؛ لأنه لا يوجد في النصوص مثل هذه الواو، (لا) يعني لا يجوز، ثم أكد ذلك بقوله: ((هو حرام)) والضمير (هو) يعود على أي شيء؟ على البيع وإلا على الانتفاع؟
طالب: القاعدة: إلى أقرب مذكور؟
اللي هو إيش؟ الانتفاع؟
طالب: نعم.
وهو قول الأكثر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الشحم المتنجس.
طالب:. . . . . . . . .(75/14)
يجوز وإلا ما يجوز؟ تأملوا يا إخوان: "أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: ((لا)) " لما تكلم عن الميتة وأن بيعها حرام سئل عن جزها -عليه الصلاة والسلام-، وذكرت منافع هذا الجزء، إذا كان الميتة بيعها حرام فماذا عن بيع بعضها؟ لا سيما وأن منافعه ظاهرة؟ والسياق يدل على البيع، وإن كان الانتفاع في الجمل الثلاث هو الأقرب، وعلى كل حال المسألة محتملة، والأكثر على أنه يعود إلى الانتفاع؛ لأنه أقرب وأحوط، فقال: ((لا، هو -البيع أو الانتفاع- حرام)) يؤيد ما يختاره جمع من أهل العلم من أن الضمير يعود إلى البيع أول الحديث: ((إن الله ورسوله حرم بيع)) وآخر الحديث ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: ((قاتل الله اليهود، إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه)) تحايلوا على ارتكاب المحرم، وغيروا الاسم والحقيقة واحدة، الحقيقة لم تتغير إنما تغير الاسم، بدل ما هو شحم جامد أذابوه فصار مائعاً سائلاً، فتغير اسمه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه، وقالوا: ما بعنا الشحم، هم باعوا جميل، مذاب، ما باعوا شحم، فهم تحايلوا على ارتكاب المحرم بهذه الحيلة، وقد عرفوا بذلك، وقد جاء النهي عن التشبه بهم لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله بأدنى الحيل، فهم أهل حيل، فعلوا مثل هذه الحيلة، وتحايلوا على الصيد، صيد السمك، فوضعوا الشباك يوم الجمعة فوقعت فيه الحيتان يوم السبت، واستخرجوها يوم الأحد، وقالوا: ما صدنا يوم السبت، وهم في الحقيقة تحايلوا على المحرم، وارتكبوا المحرم بهذه الحيل، ومن ذلك ما عندنا.(75/15)
((قاتل الله اليهود)) يعني لعنهم، ((إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه)) وهكذا الحكم فيمن يتحايل لإسقاط واجب، أو ارتكاب محرم، ومشبهٌ لليهود من هذه الحيثية، وهو مستحق لهذا الوعيد كما استحقوه بسببه، بسبب هذه الحيلة، جاءت نصوص تدل على جواز بعض الحيل، أما الحيل التي يتوصل بها إلى فعل الواجب، وترك المحرم هذه شرعية، ماذا قال -جل وعلا- عن الهجرة: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] هؤلاء لا يستطيعون حيلة بمعنى أنهم لو استطاعوا حيلة يذمون وإلا ما يذمون؟
طالب: مفهوم مخالفة.
نعم؟
طالب: مفهوم مخالفة.(75/16)
ما يذمون، بل يمدحون لو يستطيعون الحيلة لفعل الواجب، يرتبكون الحيلة لفعل الواجب، أو يرتكبون الحيلة لترك محرم، وهو البقاء بين أظهر المشركين ولذا مدحوا، أما الحيل التي يتوصل بها إلى ترك الواجب أو فعل المحرم فهي حيل اليهود، هناك حيل يتوصل بها إلى الخروج مثلاً من مأزق، أو ارتكاب مباح، أو ما أشبه ذلك أمرها يسير، لكن يبقى أن الحيل التي ترتكب فيها محرمات محرمة، وفيها مشابهة لليهود، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه)) وهم يقولون: والله ما أكلنا، ما بعنا شحم ولا أكلنا شحم، جملناه فبعنها جميلاً مذاباً، ليس بشحم هذا، وهناك حيل يرتكبها الناس وهي موجودة أيضاً حتى عند المسلمين، يرتكبون بعض الحيل لإباحة ما حرم الله -جل علا-، ويسمون الأشياء ويلبسون يسمونها بغير أسمائها، ويلبسون على الناس، وبعضهم يسعى بشتى الوسائل أن يخرج السؤال للمفتي على طريقة يلقنه فيها الجواب، وهناك من الحيل والوسائل التي يرتكبها بعض الناس عند السؤال من أجل أن يحل لهم ما حرم الله، وهذه من حيل اليهود، لا بد أن تكشف المسألة بفصها، تذكر المسألة على وجهها، وإلا ماذا يستفيد المطلق إذا أخفى صورة الطلاق وجاء يستفتي؟ لماذا جاء يستفتي في الأصل ليعاشر امرأته على الوجه الشرعي، إذاً يجب عليه أن يشرح الصورة كما هي، ولا يخفي شيئاً يؤثر في الحكم، قد يتحايل مثلاً على من يفتيه، وهنا يجب الاستفصال من قبل المفتي، قد يتحايل عليه من أجل أن يقنع الزوجة أن تعود إليه، أو يقنع ولي أمرها لكي يعيدها إليه، كل هذه حيل لا تجوز؛ لأنه يتحايل بذلك على ارتكاب ما حرم الله -جل وعلا-، ففيه مشابهة لليهود، نعم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)) رواه الخمسة, وصححه الحاكم.
وعن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ثمن الكلب, ومهر البغي, وحلوان الكاهن" متفق عليه.
نعم الحديث الثالث: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(75/17)
"وعن ابن مسعود" عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي الصحابي الجليل المعروف من جلة الصحابة وفقهائهم -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا اختلف المتبايعان ليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)) رواه الخمسة، وصححه الحكم، الخمسة الإمام أحمد إضافة إلى أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهذا الحديث كما قال المؤلف: صححه الحاكم، وهو قابل للتصحيح، وفيه قاعدة فيما إذا اختلف المتبايعان البائع والمشتري بأن قال البائع: بعتك بألف، وقال: المشتري بخمسمائة، يقول البائع: بعتك بألف والمشتري يقول: بخمسمائة، اختلفا وليس بينهما بينة تشهد بالواقع، وإلا إذا وجدت البينة فالبينة على المدعي، واليمين على من أنكر، إذا لم توجد البينة والسلعة بيد المشتري، الآن قبضها فطلب منه الثمن فدفع خمسمائة، نفترض أن طالب علم راح إلى مكتبة وأخذ منهم كتاب، وليس عليه سعر، أو نفترض أن عليه سعر ثم ماكسه، أو يزعم أنه ماكسه فبدلاً من أن تكون بألف أخذها بسبعمائة أو ثمانمائة، والغالب في مثل هذه الأحوال أنه ما يوجد شهود، ولا يشهد عليها في مثل هذه الأحوال؛ لأن الإشهاد ليس بواجب، إنما هو سنة، لمثل هذه المنازعات، يسن الإشهاد لقطع مثل هذه النزاعات، لكن إذا لم يوجد بينة فالقول قول رب السلعة، أو يتتاركان، القول قول رب السلعة يعني يلزم المشتري بدفع ألف، أو يتتاركان هذه (أو) للتخيير كذا؟ يعني إذا لم يقبل المشتري بقول رب السلعة فإنهما يتتاركان، يعني هل يلزم المشتري بدفع الألف لأن رب السلعة قال: إني بعتك بألف؟ ومعلوم أن القاعدة فيمن يقبل قوله أنه لا بد مع ذلك من يمينه، فإذا قال البائع: والله إني بعت لك هذا الكتاب بألف ريال، يلزم بدفع الألف أو يتتاركان؟ نعم؟ يخير إما أن يدفع الألف أو يتتاركان، لكن لو رفض اليمين البائع إما أن يأخذ السبعمائة أو يتتاركان، هل يلزم المشتري ... ؟ ألزمنا البيع باليمين إذا أقدم على أن يجزم على قوله، ويكون القول قوله، لكن إذا قال: أبداً أنت .. ، إذا طلب منه اليمين من المشتري يلزم باليمين أو نقول: يتتاركان؟ لأنه ما دام الخيار إما قبول قول البائع أو الترك فالمسألة(75/18)
فيها مندوحة، ما فيها إلزام لخلو المسألة عن البينة، القضية ما فيها بينة، وكل منهما مدعي وإلا مدعى عليه؟ الآن في مثل هذه الصورة أيهما المدعي؟ في مدعي وإلا كلاهما مدعي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلاهما مدعي وكلاهما مدعى عليه، إذا قلنا: جانب صاحب السلعة أقوى؛ لأننا قبلنا قوله، وجعلنا القول قوله، هل يعني هذا أن قوله ملزم بقبول السلعة مع يمينه أو هناك خيار وهو التتارك؟ نقول: إذا كان الخيار التتارك ما معنى قبول قول رب السلعة ويمين رب السلعة؟ أقسم أنه باعه بألف، ثم بعد ذلك قال المشتري: أنا لا أريدها، وقلنا: إنه لا يلزم بأخذها ودفع الألف، فما معنى قبولنا قول رب السلعة مع يمينه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
انتهينا من هذا، لكن إذا كان الخيار الترك، الخيار الثاني، افترضنا أن صاحب السلعة قال: إني بعتك بألف، وقبلنا قوله بيمينه وأقسم على ذلك، نعم، وأنها بألف لا سبعمائة، والخيار للمشتري أنه يترك ما معنى قبول قول رب السلعة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا كان السلعة قائمة؟ يعني ينفع التتارك فيما إذا كانت السلعة قائمة، أما إذا كان المشتري قد استهلك هذه السلعة، نعم اشترى كتاب مثلما صورنا، واختلف في القيمة هذا تصرف في الكتاب، كتاب أهداه لغيره، أو تلف منه، أو سرق يلزم بدفع ما يقوله رب السلعة مع يمينه؛ لأنه جاء في رواية: "أو يترادان" وجاء عند ابن ماجه في رواية: "والمبيع قائم بعينه" أما إذا استهلكت السلعة فنلجأ إلى قول رب السلعة، إذا كانت قائمة يتتاركان إذا كانت مستهلكة يلزم المشتري بدفع ما يقوله رب السلعة مع يمينه.(75/19)
يقول: "وعن أبي مسعود الأنصاري" أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري، ينسب إلى بدر؛ لأنه نزلها، وإن لم يشهد الوقعة عند الجمهور، وإن قال البخاري: إنه شهدها، -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن" ثمن الكلب: والكلب يشمل جميع أنواعه، المعلم وغير المعلم، لكن هل يختص بالفصيلة المعروفة من الكلاب، أو يتناول بقية السباع؟ كالأسود مثلاً؟ نعم؟ نهى عن ثمن الكلب يتناول جميع السباع أو يختص بالكلاب الفصلية المعروفة؟ جاء في الحديث: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)) فأكله الأسد، فدل على أن الأسد كلب، يدخل وإلا ما يدخل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني الكلب المعهود المعروف بين الناس؟ لا شك أن له أحكاماً تخصه، الكلب، وجاء التشديد في نجاسته، وفي اقتنائه مما يد على أن غيره بخلافه، فيكون النهي خاص بالكلب المعروف.(75/20)
"نهى عن ثمن الكلب" ومن لازم النهي عن ثمنه تحريم البيع، سواء كان معلماً أو غير معلم، "ومهر البغي" الزانية ما تأخذه في مقابل الزنا، فيطلق عليه مهر من باب التوسع، وإلا فهو ليس بمهر؛ لأن المهر يستباح به البضع على الوجه الشرعي، هذه حقيقته الشرعية، لكن هذا من باب التوسع؛ لأنه مشبه للمهر، يأخذه ليدفعه في مقابل البضع، نهى عن مهر البغي، فالبغي لا تستحق هذا المهر، لا تستحق هذا المهر، وإن أُلزم الزاني بأرش البكارة مثلاً والحد مهر البغي هذا قد يوجد شخص يستدرج امرأة مثلاً، وهذه المرأة مسألة مفترضة في امرأة عفيفة، وهو يعرف هذا الحديث، هذا الخبيث يعرف هذا الحديث، فيقول لها: هذا مبلغ كبير من المال افترض مليون ريال مثلاً لما سمعت هذا المبلغ وافقت، ولما انتهى قال: مهر البغي خبيث، ونهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن مهر البغي، وأنت لا تستحقين المهر، فلا شيء لك عندي، كلامه صحيح وإلا باطل؟ هي لا تستحقه لأنه خبيث، ونهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن يعزر بتفويته عليه لأنه بذله بطوعه واختياره، وإلا لو لم يكن ذلك لحصل الإغراء بأكثر من هذا، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ هي لا تستحقه لأنه خبيث؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عنه، وهو أيضاً يفوت عليه، ويعزر بتفويته عليه؛ لأنه بذله بطوعه واختياره، ونقول مثل هذا فيمن عقد صفقة ربا، احتاج مبلغ من المال، وقال: أنا لا أريد أن استدين ديناً يقره الشرع، ويلزمني بالزيادة، الله -جل وعلا- يقول: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] هذا المرابي لا يستحق إلا رأس ماله، فأخذ مائة ألف بمائة وعشرين ألف لما حال الحول دفع مائة، وقال: أنت لا تستحق الزيادة، وكلاهما مخالف وعاصي وآثم ومحارب لله -جل وعلا-، فصاحب المال لا يستحق الزيادة ليس له إلا رأس ماله، والدافع الباذل يفوت عليه هذا المبلغ تعزيراً له، وإلا بمثل هذه الحيل ما يستقيم أمر.(75/21)
((وحلون الكاهن)) الكاهن الذي يدعي علم المغيبات، ويدعي معرفة أماكن الضوال والمسروقات، ويأخذ على ذلك أجرة، هذا هو حلوان الكاهن، ما يأخذه من أجرة على كهانته، أيضاً لا يجوز له ذلك؛ لأن عمله محرم، وما نتج عن المحرم فهو محرم، وسمي حلوان، وهو في الأصل أجرة، قالوا: لأنه حلو، جاء من غير تعب ولا مشقة، لأنه جاء من غير تعب ولا مشقة فقيل له: حلوان، فمثل هذه الأمور التي تدفع يدفعها الإنسان في أمور محرمة بطوعه واختياره وإن كان صاحبها لا يستحقها شرعاً إنما تفوت عليه؛ لأنه بذلها مختاراً طائعاً، ويتخلص منها، وتكون في المصارف الدنيئة الوضيعة، وتصرف بها على سبيل التخلص فيشترى بها أعلاف حيوانات، وإلا مجاري وتصريف، وإلا دورات وما أشبه ذلك، ما هو دورات علمية، دورات قضاء الحاجة، نعم؟ لأنه أموال خبيثة لا تناسب، ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) ولذا قال: ((أطعمه ناضحك)) فإذا اشتري به أعلاف خف الأمر؛ لأنه ليس بكسب طيب، والله -جل وعلا- طيب لا يقبل إلا طيباً، نعم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه كان على جمل ...
يسير، كان يسير ...
طالب: نعم يا شيخ؟
أنه كان يسير على جمل.
طالب: إي هذه في نسخة أخرى بعده في يسير.
نعم.
طالب: نقرأ المثبت؟
إيه اقرأ، اقرأ.
عفا الله عنك.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه كان على جمل له أعيا، فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعا لي، وضربه، فسار سيراً لم يسر مثله, قال: ((بعنيه بوقية)) قلت: لا، ثم قال: ((بعنيه)) فبعته بوقية, واشترطت حملانه إلى أهلي, فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه, ثم رجعت فأرسل في أثري، فقال: ((أتراني ماكستك لآخذ جملك? خذ جملك ودراهمك فهو لك)) متفق عليه, وهذا السياق لمسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(75/22)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه كان يسير على جمل له قد أعيا" يعني تعب وكل عن السير، فتخلف عن القوم، فأراد أن يسيبه، أراد أن يتركه؛ لأن مثل هذا الجمل بدلاً من أن يستفاد منه الراحة بركوبه ولحوق القوم صار يعوقه عن لحوق القوم، وهو بدونه أفضل، أراد أن يسيبه، فما الذي حصل؟ قال: "فلحقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا لي" دعا له لشخصه، وضربه، ضرب الجمل، فسار سيراً لم يسر مثله، فقال: ((بعنيه بأوقية)) بعد أن ضربه فسار سيراً لم يسر مثله، وهذا هو النصح وإلا بإمكانه أن يقول: بعنيه قبل ضربه؛ ليكون الثمن أقل، يعني لو ما أراد أن يسيبه، لو قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: "بعنيه بربع أوقية" باعه، لكن ماذا صنع المصطفى -عليه الصلاة والسلام- الناصح؟ وهذا تشريع لأمته -عليه الصلاة والسلام-، ومبالغة في النصح ضربه فسار سيراً لم يسر مثله، فقال: ((بعنيه بأوقية)) قلت: لا" يعني يستحق أكثر، "ثم قال: ((بعنيه)) فبعته بأوقية" أن تعرض السلعة يعرضها صاحبها كالسيارة مثلاً، وفيها علة وصاحبها لا يعرف ما هذه العلة، يتمنى أن يتخلص منها بأقل الأسعار، فيأتي صاحب الخبرة ويقول: بعنيها بكم بعشرة آلاف نصيبك، هذه السيارة أتعبتنا وكذا، المشتري يعرف أن المسألة والعلة هذه مجرد سلك منفصل، أليس من النصح وتطبيق هذا الحديث أن يشبك السلك وتمشي السيارة وتسيراً سيراً حسناً ثم يشتريها بعد ذلك؟ أو يشتريها قبل ربط السلك؟ يشتريها بعد ربط السلك هذا تمام النصح، وهذا تطبيق هذا الحديث، بعض الناس حتى من طلبة العلم يأتي إلى مكتبة واحد من زملائه فيجد كتاب من أنفس الكتب، لكن ناقص مجلد والمجلد هذا عنده، عند هذا الأخ الداخل، ما تبيع عليه الكتاب الناقص المخروم بدلاً من أن يقول: بألف خذه بمائتين بثلاث مائة، لكن لو قال: هذا الكتاب يكمل نسختك فلما كمُلت قال: بعنيها تمام النصح هنا، لكن هل يلزم هذا النصح لا يلزم؟ لكن ينبغي أن يفعله الناس المسلمون اقتداء بنبيهم -عليه الصلاة والسلام-، الآن الذي يفعله كثير من الناس ضد هذا تماماً، يأتي صاحب السيارة التي فيها علة لا يعرفها هو إلى صاحب الورشة، ثم يفحصها ويتبين له أن المسألة سلك،(75/23)
فبدلاً من أن يربطه فيقول له صاحب السيارة: أنت ما عملت شيء خذ عشرة، عشرين، وانتهى الأشكال، يقول: تأتيني بعد ثلاثة أيام، المسألة تحتاج، معضلة هذه، ليست علة يسيرة، ومجرد ما ينصرف يربط ها السلك وتشتغل ويحبسها ثلاثة أيام على شان يطلب مبلغ كبير، ويظهر لصاحب السيارة أنه تعب عليها، هل هذا من النصح؟ هذا غش هذا، وأكل أموال الناس بالباطل، وأنت مؤتمن على هذه الصنعة، فعلى المسلم أن يكون ناصحاً، فإذا كان شيء يسير، يعني صاحب سيارة أجرة يطلب منه بعض الناس أن يوصله إلى المحل الفلاني، المحل الفلاني أمتار عنه ليس ببعيد، لكن لو ركب معه أمتار قال: هذه خمسة والسلام عليكم، دار به، لف به البلد أكثر من مرة، ثم وصله إلى نفس المكان، على شان إيش؟ يطلب مبلغ يستحق التعب، فاعل هذا الفعل هل طبق ما جاء في هذا الحديث؟ لا، فأراد أن يسيبه قال: فلحقني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعا لي، وضربه فسار سيراً لم يسر مثله، كان ربطت السلك ومشت السيارة مضبوط وسم، تعرف أن المسألة سلك ما هي بشيء، ما يبي قطع، وما يبي شيء أبداً، يقول: والله يا أخي احتمال تكون مكينة وإلا جير وإلا شيء، والله يا أخي أمر عظيم، يمكن ما مر علينا مثل هذا، المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يكون هو السائد بين المسلمين، لا سيما طلبة العلم.
فقال: ((بعنيه بأوقية)) والوقية: أربعون درهماً، "قلت: لا" ما دام ما في علة، ويمشي قدام الناس، صار يمشي قدام الناس مثل جمل ابن عمر، نعم، "قلت: لا" هل قوله: لا فيه معصية لله -جل وعلا- لأنه رد طلب النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو المسألة عقود بيع وشراء والبيع عن تراضٍ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هل هذا ملزم لصحابي أن يبيع للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا هذا بيع وشراء والبيع عن تراضي، هذا تشريع، فقال: لا، ولذا ما ذمه، ولا ثرب عليه أحد.(75/24)
"قلت: لا، ثم قال: ((بعنيه)) فبعته بأوقية" وليس في هذه حجة لمن له سلطة أن يلزم من تحت يده على أن يبيعه ما يريد بما يريد؛ لأن بعض الناس يولى أمر من الأمور، ثم يتسلط على من تحت يده، شاف عنده سيارة زينة، قال: هذه ما تصلح إلا لنا بعنيها، مسكين جانبه ضعيف، يخشى على وظيفته، يخشى على مستقبله، يبيع، أو يذكر عنده بنت متميزة وإلا شيء يقول: زوجنيها من واقع هذه المسؤولية.
النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس لهذا، قال: ((بعنيه بأوقية)) لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأخير: ((أتراني ماكستك لأخذ جملك؟ )) ليس هذا هو المقصود منه -عليه الصلاة والسلام-، إنما يريد إكرام جابر، فقال: ((خذ جملك ودراهمك)) يعني ما في بأس أن يقول المدير بعني سيارتك بخمسين ألف، وهي تستحق مائة ألف ثم يقول له: والله ما أنا ببايعك، إلا بعنيها ثم يعطيه الخمسين والسيارة طيب، "ثم قال: ((بعنيه)) فبعته بأوقية، واشترطت حملانه إلى أهلي" بيع وشرط، وجاء النهي عن بيع وشرط، وحمله الأكثر على أنه الشرط الفاسد، وحمله بعضهم على عمومه أنه لا بد من أن ينفصل البيع عن الشرط، يبرم عقد البيع، فإذا انتهى عقد البيع أجره إياه، أو طلب منه أن يركبه أن يعيره ظهره فلا مانع، يجيب بعضهم عن هذا الحديث ممن لا يجيز الشرط مع البيع، يقول: إن هذا ليس على سبيل العقد والإلزام، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان في نيته أن يشتري الجمل، إنما أراد إكرام جابر، وهذه قضية عين لا يقاس عليها، هذا تفضل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، والجمل والثمن كله لجابر، والحديث لفظه صريح "اشترطت حملانه" وإذا كان في علم النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يريد رد الجمل والثمن، فإن هذا لم يكن في علم جابر، وهو الطرف الآخر، يعني لو كان في علم الطرفين على حد سواء أنه مجرد إكرام وليس بعقد قيل مثل هذا الكلام، لكن جابر جازم بأنه باع الجمل، واشترط الحملان، والاشتراط ظاهر.
يقول: "فعبته بأوقية واشترطت حملانه إلى أهلي" فدل على جواز اشتراط مثل هذا، ويجاب عن الحديث الآخر بأنه محمول على الشروط الفاسدة.(75/25)
"واشترطت حملانه إلى أهلي فلما بلغت" يعني بلغت منزلي وأهلي "أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه" الأوقية ثم رجعت بالثمن بعد أن سلم الجمل، "ثم رجعت فأرسل في إثري" أو أثري "فقال: ((أتراني)) أتظنني بضم التاء ((أتراني ما كستك لأخذ جملك؟ )) المماكسة المقاولة والمحاولة من أجل تخفيض الثمن، بأن يقول: البائع: بعتك بألف، ويقول المشتري: بخمسمائة، بستمائة هذه مماكسة، ولا بأس بها، ولا تبرر .. ، لا يبرر جواز المماكسة رفع الأسعار من قبل التجار؛ لأن بعض التجار يرفع السعر أضعاف، يقول: الناس ما يقبلون بالسعر الحقيقي، يقول: لو قلت هذه السلعة بمائة قال: بثمانين، فلازم أقول: مائة وعشرين مائة وخمسين على شان يقول: مائة، هذا ليس بمبرر رفع الأسعار، ومع الأسف أنه يوجد في أسواق المسلمين من يرفع السعر عشرة أضعاف، ليأتي من يقول: خفض، أو يرفع عشرة أضعاف ويقول: تخفيضات هائلة خمسين بالمائة، فيزدحم الناس على محله ويشترون منه، وهذا أكثر ما يوجد في السلع التي يحتاجها النساء، والمسترسلون من الرجال، بعض الناس يغتر بالتسعير، يعني هل يتصور أن يكتب على متر القماش في محل بمائة وخمسين ومحل آخر بعشرة نفس القماش؟ هل هذا من النصيحة للمسلمين؟ حجة الذي رفع السعر يقول: لو أقول: بعشرة ما أشتراه الناس يقولون: رديء، اشتري جيد وسعره بالسعر المناسب، أما هو رديء بالفعل لما يكون في مقابل قيمة المائة والخمسين، هو رديء بالنسبة للمائة والخمسين، وهذا لا يبرر مثل هذا التصرفات أبداً، فعلى المسلم أن يحرص على طيب الكسب، ولا يخفى أثر طيب الكسب على إجابة الدعوة ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) "وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له" يعني إذا كان يتقلب الإنسان في الحرام كيف يستجاب له؟ والإنسان بأمس الحاجة إلى إجابة دعوته، فكيف نرجو إجابة دعوة، وهذه التصرفات موجودة بيننا، فضلاً عن المحرمات الصريحة التي فيها الأضرار، نعم يوجد في البلد مغفلون، ويوجد من يحكم على جودة السلعة من خلال سعرها، لكن لا يبرر هذا أننا نرفع الأسعار لنغرر بالناس أن هذه السلع جيدة، ونسوق بهذه(75/26)
الطريقة، شخص يأتي لأمرته بقماش من إحدى الدول المجاورة المتر بعشرة دراهم، فقال لها: المتر بثلاثمائة درهم، من باب أن الكذب على المرأة فيها سعة، شكرت الزوج، وفصلت الثوب، وحضرت به مناسبة، واجتمع عليها النساء نريد مثل هذا، نبي مثل هذا، ورجعت بالشنطة مملوءة بالدراهم وصايا، أحرج الرجل شاريه بعشرة دراهم، اشلون بيأخذ هذه الألوف، أخبرها بحقيقة الحال فدعت عليه، وشنعت عليه، لماذا؟ لأنه أحرجها بين الناس أن تحضر هذه المناسبة بهذا الثوب الرديء، كان جيد الثوب لما كانت قيمته عالية، أنا أقول: كل هذه التصرفات لا تبرر رفع الأسعار، مهما قلنا، لا تبرر رفع الأسعار، وعلى المشتري أن يكون نبيهاً لا يؤخذ على غرة، ويخاطب بهذا النساء قبل الرجال.
يقول: "فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني الثمن، ثم رجعت فأرسل في أثري فقال: ((أتراني ما كستك؟ )) يعني يوجد في المتسوقة في الشوارع ممن يبيع الطيب أو يبع العسل، أو يبع كذا، يرفع الثمن أضعاف مضاعفة، لكن بعض الناس يأخذ بنصف ما يقال، وبعض الناس بالربع، وبعضهم بالعشر، وصاحب السلعة كسبان، فعليهم أن يتقوا الله -جل وعلا- في المسلمين، لا يستغفلوا المسلمين، ولا يستغروهم، ولا يأكلوا أموالهم بمثل هذه الحيل.
((أتُراني ماكستك لأخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك فهو لك)) والحديث في الصحيحين، نعم.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "أعتق رجل منا عبداً له عن دبر، ولم يكن له مال غيره، فدعا به النبي -صلى الله عليه وسلم- فباعه" متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(75/27)
"وعنه" يعني عن جابر صحابي الحديث السابق "قال: أعتق رجل منا" يعني من الأنصار "أعتق رجل منا عبداً له عن دبر" يعني علق عتقه بوفاته، قال: إذا مت فأنت حر، ويسمى المدبر، "لم يكن له مال غيره" المدبر المعلق عتقه بالوفاة حكمه حكم الوصية، التي لا تثبت إلا بالموت، فيجوز بيعه في حال الحياة، كالمال الموصى به بعد الوفاة؛ لأن للموصي أن يتصرف في حال حياته؛ لأن العقد لم يثبت وليس بملزم؛ لأنه معلق بالوفاة، فقبل الوفاة له أن يزيد من النسبة أو ينقص، أو يبيع ما يحتاج إليه، وله أن يغير، أوصى بهذه الدار ثم غيرها، أوصى بالثلث ثم نقص منه إلى الربع وهكذا، ما دام الشرط ما تحقق فله أن يتصرف.
"أعتق رجل منا عبداً له عن بدر لم يكن له مال غيره" فكأنه أوصى بجميع ماله، والوصية لا تنفذ إلا بالثلث فأقل، حديث سعد: "أتصدق بجميع مالي؟ بثلثي مالي؟ بنصف مالي؟ بثلث مالي؟ قال: ((الثلث، والثلث كثير)) "لم يكن له مال غيره" هذا جميع ماله، جميع ما يملك "فدعا به النبي -عليه الصلاة والسلام- فباعه" لأنه ليس له أن يوصي، لكن لو أعقته عتقاً منجزاً، كما لو أوقف الدار، وهو لا يملك غيرها، هذا يختلف الحكم، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من يشتريه؟ )) فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام، أو ابن النحام، بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، قال: أنت أحق به منه، أنت أحق بهذا المال ما دام لا تملك غيره، فهذا المدبر حكمه حكم الوصية يجوز التصرف به قبل الموت، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما في هذا الحديث.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(75/28)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (3)
تابع: باب: شروطه وما نهي عنه منه
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه ورقة فيها أكثر من بضعة عشر سؤالاً، الإجابة عنها يتعذر؛ لأن الأسئلة كثيرة، وإجابتها تطول، ولعل صاحبها أن يسأل على جهة الاستقلال، ويُجاب بخصوصه؛ لأن في أسئلة قد لا تهم السامعين، ولا علاقة لها بالدرس، وفيها أسئلة قوية وجيدة.
يقول: ما حكم شراء الدش الخاص بقناة المجد، والذي سعره ثلاثمائة ريال، وذلك لأنه ليس خاص بقناة المجد. . . . . . . . . المعلوم أن حقوقهم محفوظة، ودشهم بسعر ألف وثمانمائة ريال، وهذا ليس لهم، فما حكم شرائه. . . . . . . . .؟
هم يمنعون من شراء مثل هذا، يمنعون، ولا يبيحون أحداً أن يستعمل قناتهم بواسطة هذا الدش، وعلى كل حال الكلام في القناة رُدد مراراً، وقلنا مراراً: إن السلامة لا يعدلها شيء، والأصل عدم هذه المحدثات كلها، لكن المبتلى بما هو شر منها فارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، الذي عنده دشوش إباحية، أو فيها برامج محرمة ظاهرة التحريم هذه لا شك أنها أخف منها، وهذه فيها ما فيها من تمكين النساء في بيوتهن من رؤية الرجال الذين يخرجون في هذه القناة، فضلاً عن غيرها على وجه يتجملون فيه بحيث يكون بعضهم فتنة لبعض النساء، وقد وجد. . . . . . . . . الرسائل في الجوالات، تجعل الإنسان يتحرى في مثل هذا الباب، ويحتاط لأهله ونسائه وبناته، على كل حال النساء لا يخرجن في هذه القناة البتة، ففتنة الرجال مأمونة، لكن تبقى فتنة النساء بالرجال، ومثل ما قلنا: إن الرجل المبتلى بقنوات إباحية أو قنوات مشتملة على أمور بينة التحريم هذه خير ما يرى من هذه القنوات، وارتكاب أخف الضررين الذي لا يستطيع أن يضبط نفسه أو يضبط أولاده ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، وفيها برامج نافعة، وفيها دروس علمية، لكن يبقى أن الأصل أن ما عند الله لا ينال بسخطه، تريد علم شرعي، تريد توجيه، تريد .. ، لكن فيه دخن، ومثلما قلنا: إن المبتلى هذا خير ما يرى في هذا الوقت، والله المستعان.(76/1)
وبالنسبة لاستعمال الدش الخاص بهم، يقول: الخاص بهم وسعره ثلاثمائة، لا ما هو بخاص بهم، هذا فيه كل القنوات، لكن الذين يبيعونه يشفرونه على قناة المجد، ويجلونه خاص بها، وبالإمكان إذا كان الشخص حريف ويفهم هذه الشغلة، أو عنده ممن يفهم من الأطفال، وطفل عمره عشرة سنوات في السنة الخامسة أو الرابعة الآن يشفر لك ما تريد، يخرج لك ما تريد من القنوات، يبرمج لك اللي تبي، فالمسألة لا يمكن ضبطها وإحكامها، نعم الدش الخاص بهم لا يأتي عن طريقه إلا قنواتهم، إضافة إلى أنهم لا يبيحون استعمال هذه الدشوش التي يزعم بائعوها أنها خاصة بهم، وحفظ عنهم في مناسبات أنهم يحرجون على استعمال قنواتهم من خلال هذه الدشوش التي تباع من غير وكلائهم، اللهم إلا إذا كان الإنسان لا يستطيع بذل المبلغ الكامل ألف وثمانمائة فهم يتسمحون في مثل هذا، من باب بذل العلم النافع على حد زعمهم ورأيهم، على كل حال المسألة معروف حكمها، والورع معروف والتحري والتثبت بابه لا يخفى على أحد.
يقول: ما حكم تعليق الآيات القرآنية على الجدران، ووضعها في براويز على المكاتب؟
في فتوى من اللجنة الدائمة بالمنع.
يقول: قصدي من السؤال عن النظام النقدي أن أتبين إن كان هناك إشكال من ناحية شرعية في كون الريالات غير مربوطة بسلعة أو بذهب أو فضة، وإنما هي أوراق ذات قيمة متعارف عليها، فهل في هذه الريالات أو الأوراق شبهة؟
هي ليست من الذهب أو الفضة المنصوص عليها في الربويات، لكنها باعتبار علة النهي والتحريم في التفاضل والنسا في الذهب والفضة عند أهل العلم النقدية، والعلة هذه مطردة في العملات الأخرى، فيجري فيها الربا كجريانه في الذهب والفضة.
يقول: كيف نقول: متفق عليه وهذا السياق لمسلم، ومن المعلوم أن البخاري كتب الأحاديث قبل مسلم؟
مرادهم بهذا الاصطلاح "متفق عليه" أن يكون الحديث مخرجاً في الصحيحين من طريق صحابي واحد، فإذا نص على أن مسلم له اللفظ، فالبخاري له المعنى والعكس، وإذا كان الحديث مروي بالمعنى عن طريق الصحابي نفسه فهو الحديث نفسه؛ لأن الرواية بالمعنى جائزة عند الجمهور.(76/2)
حينما يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((قاتل الله اليهود)) هل نأخذ من هذا أن كل من عمل هذا العمل قاتله الله؟
هو معرض نفسه لهذه الدعوة.
يقول: هل يجوز اشتراط منفعة أثناء البيع من الحديث مطلقاً يعني حديث جابر، حيث من الممكن أن أشترط بيع جمل وأن آكل من لحمه مثلاً؟
جاء في الحديث النهي عن الثنيا إلا أن تُعلم، فإذا بعت هذا الجمل واشترطت على صاحبه تعرف أنه بيذبح الجمل اشترطت عليه كيلو من لحمه إذا ذبحه، هذه ثنيا وهي معلومة، نهى عن الثنيا إلا أن تُعلم، أما إذا كان يشتريه للقنية، للحمل والركوب، ثم تشترط كيلو من لحمه! ما يتسنى هذا.
هذا سؤال مهم يقول: يلاحظ على بعض الإخوان من طلاب العلم الذين عليهم أمارات الحرص على التحصيل ومتابعة الدروس والجثي بين يدي الشيوخ بعض التصرفات التي لا تليق بطالب العلم مثل مد الرجلين تجاه الشيخ ....
المسألة متصورة إذا كان الشيخ جالس على الأرض والطالب أمامه ومادٍ رجليه على الشيخ، نعم، أو مادٍ رجليه على المصاحف، أو على كتب العلم، أو تارك كتب العلم في طريق الناس، بحيث يمرون من فوقها، أو يدسونها أحياناً مثل هذه التصرفات على طالب العلم أن يتحاشاها بقدر الإمكان، لكن إذا كان هناك حاجة، رجل في أرجله أو في رجليه ألم في الركب لا يستطيع أن يثنيها باستمرار فله أن يمدها، وهذه الحاجة تقدر بقدرها، ويحرص على ألا يكون في مقابل الشيخ مباشرة مثل هذا، يحيد عنه يمنة وإلا يسرة، وكذلك على طالب العلم أن يحترم من هو أكبر منه سناً، ومن هو مثله في السن، فالاحترام ينبغي أن يكون متبادلاً، وأن يسود بين الإخوان.
هذا يقول: إذا أراد شخص أن يشتري خمراً فيريقها لكي لا يصل ضررها إلى الناس، فما الحكم في ذلك؟
إذا كان هناك شخص يبيع الخمر ويستعمله ويبيعه لمن يشربه، فأراد شخص أن يشتريه ليستنقذه، ويكفي الناس شره، لا شك أن المشتري مأجور على هذه النية التي يخلص بها الناس من هذا الشر العظيم، والبائع آثم.
يقول: هل يجوز استخدام أي جزء من حيوان الخنزير مثل الشحم الذي يساعد في نمو الشعر؟
شحمه نجس نجاسة عينية، لا يمكن تطهيره، ومزاولة النجاسات لا تجوز، فرق بين النجس والمتنجس.(76/3)
هذا يقول: شخص فتح المحل ليترزق منه، وجاب الأغراض المعدة للبيع الحلال، وجاب العامل على كفالته وقال: اشتغل في المحل بع واشترِ، وفي نهاية كل شهر تعطيني ألف ريال، ولو بعت بمائة ألف، لا تطيعني إلا ألف، فهل عملي هذا جائز ومباح؟ أم أنا غلطان أفيدوني بارك الله فيكم؟
الآن الأغراض لصاحب المحل الذي هو الكفيل، هذا الذي فهمت من السؤال، يقول: فتح محل ليترزق وجاب الأغراض المعدة للبيع، البضائع جابها صاحب المحل، وجاب عامل، وقال: بع من هذه الأغراض ما شئت ولو بعت بمائة ألف لا تعطيني إلا ألف إيش معنى هذا الكلام؟ هل هذا الكلام حقيقي بمعنى أنه لو قال من يسوم ها المحل بجميع ما فيه، وباع جميع محتوياته خلال شهر، وأعطاه ألف وأخذ الباقي، يرضى صاحب المحل أو هذا كلام استهلاك؟ هذا الكلام لا حقيقة له، إنما يريد أن يستدرج العامل، وإلا ما يمكن أن يجعل بضاعة بمائة ألف ويقول للعامل: تصرف فيها وبع من غير قيد ولا شرط على أن تصفي لي ألف في الشهر، افترض أن البضاعة انتهت في شهر، هذا لا يجوز، مثل هذا لا يجوز؛ لأنه يعرض الطرفين للخصومة والنزاع، ولم يرضَ صاحب المحل بهذا، وإنما جاء بمثل هذا الكلام ليستدرج العامل، أما إذا كان بيعه احتمال أن يبيع في شهر بألف وفي شهر بألف ومائتين، وفي شهر بألف وثلاثمائة، شهر ألف وخمسمائة، دارساً تجارته، نعم؟ وأنه يريد ما زاد على الألف أجره لهذا العامل أيضاً العقد ليس بصحيح؛ لأنها أجرة مجهولة، احتمال أن تكون الأجرة أكثر مما اشترط، واحتمال أن تكون أقل، واحتمال ألا يبيع العامل إلا بثمانمائة فيتضرر، فالعقد على الوجهين ليس بصحيح.(76/4)
نريد مثالاً على التحايل المباح، لو أن شخصاً استعار كتاب من زميله، استعاره عارية، قال: أعرني كتابك فيه تعليقات حضرت فيها الدروس أنا أريد أن أنقل هذه التعليقات على نسختك، فقال: تفضل خذ الكتاب، ثم بعد مدة طالبه به، بعد أسبوع، عشرة أيام، شهر، غلب على ظنه أنه انتهى من نقل التعليقات فطالبه به، فقال: ما عندي لك شيء، وليس ثم بينة، فقال: ما دام الكتاب كتابك، وعليه تعليقات أعرني إياه لأنقل تعليقاتي على نسخة ثانية، هذه حيلة، ثم بعد ذلك لما مكنه منه قال: هذا كتابي اصنع ما شئت، هذا تحايل على كتابه، أو جعل واحد يستعيره مثلاً بطريقة أخرى، يستعيره منه، فيأخذ منه كتابه بهذه الطريقة، وإذا كان الكتاب لا شبهة في عدم انتقال الملك منه، فلا شيء في ذلك، هذه حيلة مباحة لاستخراج الحق.
يقول: ذكرتم في حديثكم عن بيع الخمر أنه يجوز الانتفاع به وبيعه إذا تحول إلى خل؛ لأن علة التحريم الخمر هي النجاسة، فهل يسوغ لنا أن نقول بنفس هذا القول في لحم الخنزير؛ لأنه في الدول الكافرة يوجد هناك مزارع للخنازير، ويتم الاعتناء بلحومها بحيث تكون كما يزعمون خالية من الأمراض والنجاسات، هذه المسألة قد وردت علينا في دراستنا للطب البيطري؟
أصل المادة -مادة الخمر- أصل المادة التمر والعنب والشعير والزبيب، أحياناً العسل، مواد مباحة، طرأ عليها التحريم لما انتابها من تغير، وزال هذا التغير، فتعود إلى أصلها، أما الأصل في الخنزير ليست مادته مباحة في الأصل ثم طرأ عليها ... ، الأصل فيها التحريم والنجاسة العينية، فمهما صنع فيها، مهما عمل فيها لا تطهر بحال من الأحوال.
يقول هذا: ما هو بيع الغرر؟
سيأتي في حديث، يرد -إن شاء الله تعالى- اليوم.
يقول: ما هو الصحيح في تحريك السبابة في التشهد؟
نقول: ترفع السبابة عند لفظ الشهادة، وتحرك عند الدعاء، وما عدا ذلك تبقى ثابتة.
يقول: ما حكم الاكتتاب في بنك البلاد؟(76/5)
هذا ذكرناه مراراً أن حكم الاكتتاب فيه مثل حكم الاكتتاب في بنك الراجحي، وكلهم أهل تحري وتثبت، ولا يقدمون على محرم، وعندهم لجان شرعية متثبتة متحرية، لا يمكن أن يقدموا على عقد محرم، إقدام، أم كونه يرد عليهم مما لا يقصدونه من الأمور المحرمة بحكم ارتباطهم ببنوك أخرى داخلية وخارجية، لا شك أن هذا يورث شبهة، ولا بد من التخلص من هذه النسبة، أما الإقدام على المحرم ولو كانت نسبته في غاية القلة، ولو كانت ضئيلة جداً الإقدام على المحرم لا يجوز، لكن كون المحرم يرد من غير قصد، ثم يتخلص منه الأمر أسهل، والشبهة موجودة، فمن يتقي الشبهات لا يعرض نفسه لمثل هذه الأمور، وأما الأصل في الحكم ما دام لا يقدمون على محرم، ويتحرون في معاملاتهم، ومعاملاتهم تعرض على ثلة من طلاب العلم المعروفين لا بأس -إن شاء الله تعالى- في الجملة.
يقول: هل يجوز للمرء أن يقول عن نفسه: إن الله ابتلاني بهذا الأمر، مثل أن يقول: ابتلاني الله بهؤلاء الأبناء؟
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] والفتنة والابتلاء والاختبار معانيها متقاربة، نعم ابتلاك الله -جل وعلا- بهؤلاء الأولاد، فإن كانوا صالحين وشكرت الله على صلاحهم أجرت على ذلك، وصاروا من البلوى بالخير، وإن كانوا غير ذلك وأتعبوك وأشقوك وصبرت على أذاهم وصابرت معهم في نصحهم وتوجيههم وتربيتهم أجرت على ذلك، وصاروا من البلوى بالشر {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [(35) سورة الأنبياء] وعلى كل حال من ابتلي بالخير فشكر أجره عظيم، ومن ابتلي بغيره فصبر فأجره عظيم، والدنيا كلها محل امتحان وابتلاء، بقي أسئلة كثيرة جداً تحتاج إلى وقت، لعل الله ييسر وقت للإجابة عليها.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:(76/6)
وعن ميمونة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن فأرة وقعت في سمن فماتت فيه, فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها، فقال: ((ألقوها وما حولها, وكلوه)) رواه البخاري، وزاد أحمد والنسائي: "في سمن جامد".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها, وإن كان مائعاً فلا تقربوه)) رواه أحمد وأبو داود، وقد حكم عليه البخاري وأبو حاتم بالوهم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا الحديث محله كتاب الطهارة، لكن أورده المصنف هنا من أجل بيع السمن الذي وقعت فيه الفأرة فماتت، هل يجوز بيعه لأنه يمكن إلقاء الفأرة وما حولها؟ أو لا يجوز بيعه لأنه باشر النجاسة من ناحية؟ أدخله في كتاب البيوع من هذه الحيثية.
عن ميمونة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن فأرة وقعت في سمن فماتت فيه، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: ((ألقوها وما حولها، وكلوه)) وهذا الحديث في البخاري، سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها عن هذه الفأرة التي وقعت في السمن "فماتت فيه، فقال: ((ألقوها وما حولها)) رواه البخاري، وزاد أحمد والنسائي: "في سمن جامد" ويحتاج إلى انتباه مثل هذا.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه)) هذه الرواية موافقة لرواية أحمد والنسائي الماضية، الزيادة التي في الحديث السابق.(76/7)
"رواه أحمد وأبو داود وقد حكم عليه الإمام البخاري بالوهم"، وقال: "أخطأ فيه معمر" والحكم بالوهم على رواية أبي هريرة، وإنما المحفوظ حديث ميمونة، يعني السامع لهذا الكلام يظن أن البخاري حكم على هذا الحديث بالوهم من رواية أبي هريرة، لكنه من رواية ميمونة محفوظ، رواية ميمونة هل هي بلفظ رواية البخاري؟ "إذا وقعت الفأرة في سمن فإن كان جامداً .. " فيها التفصيل هذا أو التي تقدمت؟ التي تقدمت وليس فيها تفصيل، هذه رواية ميمونة، رواية ميمونة مطلقة، جاء القيد في زيادة أحمد والنسائي، يؤيد هذا القيد حديث أبي هريرة الذي حكم عليه البخاري بالوهم، وكذلك أبو حاتم كما حكاه عنه ابنه في علله، فهل نقول: إن حديث ميمونة مطلق، والزيادة عند أحمد والنسائي من حديث ميمونة، ويشهد لها حديث أبي هريرة الذي أورده المصنف قيد مؤثر فنفرق بين الجامد وبين المائع؟ أو نقول: ما دامت هذه الرواية محكوم عليها بالوهم فهي خطأ وقد أخطأ فيها معمر؟ والمحفوظ: الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة، وإذا كان الحديث عن ميمونة فحديث ميمونة الذي خرجه البخاري عندنا لفظه ما في قيد، إذا أجرينا القواعد من حمل المطلق على المقيد ماذا نقول؟ نحمل ما ورد في حديث ميمونة من إطلاق على ما جاء مقيداً في غيره، يعني رواية البخاري: "أن فأرة وقعت في سمن جامد وإلا مائع؟ " مطلق، نعم؟ "فماتت فيه، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: ((ألقوها وما حولها)) رواه البخاري" مقتضى هذا أنه مطلق، ويشمل المائع والجامد سواء كان السمن مائعاً أو جامداً تلقى هذه الفأرة وما حولها، ويُستعمل.(76/8)
القيد الذي جاء في زيادة أحمد والنسائي: "في سمن جامد" وفي حديث أبي هريرة قيد معتبر وإلا غير معتبر؟ إذاً المائع يلقى على كل حال، نقول مثل هذا الكلام لو كانت الروايات التي فيها التقييد لا كلام فيها، لكن الإمام البخاري وأبو حاتم حكما على حديث أبي هريرة بأنه وهم، وزيادة أحمد والنسائي مقتضى صنيع الإمام البخاري باقتصاره على الرواية المطلقة مع مسيس الحاجة إلى القيد، متقضى صنيعه الحكم عليها بأنها غير محفوظة، ومن حيث المعنى إذا وقعت الفأرة في سمن جامد تموت وإلا ما تموت؟ تموت؟ سمن جامد! هي تغاص بالجامد؟ نعم؟ تموت وإلا ما تموت؟
طالب:. . . . . . . . .
ما تغاص يا الإخوان، والموت سببه الغرق في هذا السمن، هذا من حيث المعنى، فالقيد المذكور في سمن جامد الذي يغلب على الظن عدم ثبوته، وأنه يبقى الحديث على عمومه وإطلاقه، كما خرجه الإمام البخاري، سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فيه، فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها فقال: ((ألقوها وما حولها)) وهو يشمل الجامد والمائع، يبقى الحديث على إطلاقه، وعرفنا ما في حديث أبي هريرة من الكلام والحكم عليه بالوهم، نعم والرواية التي زادها أن أحمد والنسائي تخريج البخاري للحديث مطلقاً من غير قيد قد يُعل به زيادة أحمد والنسائي، ومن حيث المعنى المعنى ظاهر؛ لأن موت الفأرة في السمن سببه الغرق، ومعلوم أن الفأرة لن تغرق في سمن جامد، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ السمن يختلف عن الماء، السمن كثيف، الماء رقيق، الأثر الناشئ عن هذا الاختلاف أن النجاسة في السمن سريانها أقل من سريانها في الماء، الماء إذا وقت الفأرة وماتت أرقه، ماتت أرقه؛ لأنها تسري بسرعة، النجاسة، لكن في السمن ألقها وما حولها وينتهي الإشكال، ما يسري لأنه ثخين، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ نعيد وإلا ما نعيد؟
طالب:. . . . . . . . .
ثم جمد؟(76/9)
لا، لا، النص ظاهر، أنت أدخل جامد في حديث البخاري لتأتي على رواية أحمد والنسائي: "أن فأرة وقعت في سمن جامد فماتت فيه" هذه رواية أحمد والنسائي "أن فأرة وقعت في سمن جامد فماتت فيه" نقول: يا إخوان الفأرة لا تموت في السمن الجامد إذا كان نهاية مدتها في هذه الدنيا حلت وهي فيه، مجرد ما وقت في هذا السمن جاءها أجلها هذا ما له أثر، وليس بمقصود؛ لأن "ماتت فيه" هذا وصف مؤثر، يعني افترض أنها وقعت في سمن مائع ولم تمت فيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
سائل نعم، جاء تحديده بما أخرجه ابن أبي شيبة من مرسل عطاء أنه يكون بقدر الكف، يقول الحافظ: "وسنده جيد".
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الإخوان يقولون: ما المقدار الذي يلقى مما حولها؟ نعم نقول: جاء عند ابن أبي شيبة وغيره من مرسل عطاء أن ذلك يكون بقدر الكف، وسنده لا بأس به، لكنه يبقى أنه مرسل.
طالب:. . . . . . . . .
قطعاً ظرفية تقتضي هذا، لو وقعت الفارة وما ماتت استخرجناها حية تؤثر وإلا ما تؤثر؟
طالب: تؤثر.
تؤثر وإلا ما تؤثر؟ أولاً: سؤرها طاهر وإلا نجس؟ يعني افترض أنها شربت من هذا السمن، وما نزلت فيه إلا لتشرب، الفقهاء يقولون: سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر، هذه دونها في الخلقة، نعم؟ ويقرر أهل العلم أن النجاسة غير ملازمة للتحريم، لا تلازم بين النجاسة والتحريم، الحمار مثلاً عرق الحمار، ولعاب الحمار طاهر وإلا نجس؟ هل أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على كثرة ما ركب، وصحابته ركبوا الحمار هل أثر عنهم أنهم يغسلون هذه الأمور؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ما دام هذا الحيوان وإن كان محرم الأكل وهو حي فهو طاهر، يبقى مسألة: مسألة تقزز النفوس كيف يستعمل الإنسان سمن وقعت فيه فأرة؟ هذه مسألة أخرى لا تعلق لها بالحكم الشرعي، هذه مردها إلى كون النفس تعاف هذا الأمر أو لا تعافه، وهذا كون النفس تعاف أو لا تعاف أيضاً يختلف باختلاف الأوقات، يعني في أيام الشح النفس ما تعاف شيء، لكن في أيام رغد العيش والسعة تعاف أدنى شيء، والله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
أي هن؟(76/10)
طالب:. . . . . . . . .
حاكم عليه البخاري وأبو حاتم بالوهم، تدور غير البخاري وأبو حاتم؟ نعم؟ الشيخ الألباني إمام في هذا الباب لكن عندنا كبار، الذين هم العمدة في الباب، يعني إذا مضى مدة يغلب على الظن أن النجاسة سرت والرائحة أنتنت يبقى المسألة مسألة النتن حكمه غير التلبس بالنجاسة، نعم إذا انتن الطعام، ولو ما وقع فيه نجاسة يؤكل وإلا ما يؤكل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جاء في الحديث: إذا صاد الصيد وغاب عنه فوجده ميتاً فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((كله ما لم ينتن)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- أضافه اليهودي على خبز شعير وإهالة سنخة، متغيرة، فيها رائحة، فيجمع بين الخبرين أنه فرق بين نتن ونتن، يعني بداية التغير مقبول، يعني ولا يترتب عليه ضرر، لكن إذا استحكم التغير وأنتنت واشتد نتنها هذه لا شك أنها ضارة، فلا تأكل.
طالب:. . . . . . . . .
وكلها. . . . . . . . . كلها يرمى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو أولى بهذا من الماء؛ لأن الماء سريان النجاسة فيه أسرع من سريانه في السمن؛ لأنه كثيف السمن، لكن أنت لو أتيت بالقلم مثلاً وعندك سطل ماء، وفتحت الأنبوب حقه، وأنزلت الحبر في السطل، تشوف سريان الحبر في الماء لكن ببطء، مو على طول يصير أزرق لا، أو أسود فيه يتخذ طرق يمين ويسار إلى أن يستقر فيغير في الماء، لكن السمن ما يغير هذا التغيير أبداً إلا إذا طبخ معه، ولذلك تجدون السمن أحياناً يكون أبيض، وأحياناً يكون أصفر؛ لأنه يطبخ معه مواد، فتغير في لونه إيش تقول: يا أبو عمر؟ التخريج؟
طيب، يقول: أخرجه الإمام أحمد وأبو داود من حديث معمر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب.
من أين تخريجها؟
طالب: طارق عوض الله.
كمل.(76/11)
طالب: طيب، يقول: أخرجه الإمام أحمد وأبو داود من حديث معمر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً به، قال البخاري فيما نقله عنه الترمذي في العلل الكبير: وهم فيه معمر ليس له أصل، وقال أبو حاتم كما في العلل لأبنه: هذا وهم، والصحيح الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن القيم -رحمه الله- في تهذيب السنن: حديث الفأرة تقع في السمن قد اختلف فيه إسناداً ومتناً، والحديث من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة ولفظه: أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ألقوها وما حولها وكلوه)) رواه الناس عن الزهري بهذا المتن والإسناد.
من غير قيد بكونه جامداً.
نعم، عفا الله عنك.
ومتنه خرجه البخاري في صحيحه والترمذي والنسائي وأصحاب الزهري كالمجمعين على ذلك، وخالفهم معمر في إسناده ومتنه، فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال فيه: ((إن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوه))، ولما كان ظاهر هذا الإسناد في غاية الصحة صحح الحديثُ جماعة.
الحديثَ، الحديثَ.
عفا الله عنك.
صحح الحديثَ جماعة، وقالوا: هو على شرط الشيخين، وحكي عن محمد بن يحيى الذهلي تصحيحه ...
على شرط الشيخين لأن الشيخين خرجا لرجاله بأعيانهم فهو على شرطهما، هذا لو كان محفوظاً، أما لو كان خطأ أخطأ فيه معمر كما نص على ذلك إمام الصنعة الإمام البخاري فلا، نعم.
عفا الله عنك.
ولكن أئمة الحديث طعنوا فيه، ولم يرووه صحيحاً، بل رأوه خطأ محضاً.(76/12)
قال الترمذي في جامعه: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب في هذا خطأ، وقد أشار أيضاً إلى علة حديث معمر من وجوه فقال: باب: إذا وقعت في السمن الجامد أو الذائب، ثم ذكر حديث ميمونة وقال عقبه: قيل لسفيان: فإن معمراً يحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: ما سمعت الزهري يقول: إلا عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولقد سمعته منه مراراً، ثم قال: حدثنا عبدان، قال: حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري سئل عن الدابة تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها، قال: بلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح، ثم أكل، فذكر البخاري فتوى الزهري في الدابة تموت بالسمن وغيره الجامد والذائب أنه يؤكل، واحتجاجه بالحديث من غير تفصيل دليل على أن المحفوظ من رواية الزهري إنما هو الحديث المطلق الذي لا تفصيل فيه، وأنه مذهبه، فهو رأيه وروايته، ولو كان عنده حديث التفصيل بين الجامد والمائع لأفتى به واحتج به، فحيث أفتى بحديث الإطلاق واحتج به دل على أن معمراً غلط عليه في الحديث إسناداً ومتناً، ثم قد اضطرب حديث معمر فقال عبد الرزاق عنه: فلا تقربوه، وقال عبد الواحد بن زياد عنه: إن كان ذائباً أو مائعاً لم يؤكل، وقال البيهقي: وعبد الواحد بن زياد أحفظ منه، يعني من عبد الرزاق، وفي بعض طرقه: فاستصبحوا به، وكل هذا غير محفوظ في حديث الزهري، يقول: راجع العلل للدارقطني والتنقيح لابن عبد الهادي والتخليص الحبير، انتهى.
الحديث الذي يليه.
عفا الله عنك.
وعن أبي الزبير قال: سألت جابراً عن ثمن السنور والكلب? فقال: "زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك" رواه مسلم والنسائي وزاد: "إلا كلب صيد".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(76/13)
"وعن أبي الزبير" محمد بن مسلم بن تدرس، المعروف بالرواية المكثر عن جابر -رضي الله عنه- المعروف بالتدليس أيضاً، وتدليسه في صحيح مسلم محمول على الاتصال؛ لأن مسلم تلقته الأمة بالقبول، وهكذا سائر روايات المدلسين في الصحيحين محمولة على الاتصال وليس لأحد كلام فيها، وأن من تكلم فيها محجوج باتفاق من قبله من أهل العلم، سوى الأحرف اليسيرة التي تكلم عليها الحفاظ، وما عدا ذلك فهو متلقى بالقبول.
يقول: "وعن أبي الزبير -رضي الله تعالى عنه- قال: سألت جابراً عن ثمن السنور" بكسر السين المهملة وتشديد النون هو الهر كما في القاموس وغيره، والهر له أسماء كثيرة، منها هذا، ومنها الهر، ومنها القط، ومنها أسماء كثيرة، عرضه أعرابي للبيع فجاء شخص فقال: كم تبيع القط؟ فعرضه بالثمن، ثم قبله، جاء آخر كم تبيع السنور؟ قال: بكذا، ما قبله، كم تبيع الهر؟ كم تبيع كذا؟ إلى أن أتى على أسمائه عدد من الأشخاص بعدد الأسماء، فقال: لا بارك الله في سلعة كثرت أسماؤها وقل ثمنها، هو معروف بكثرة الأسماء من بين الحيوانات، المقصود أنه معروف يسمونه العامة؟
طالب: بَس.
إيش؟
طالب: بَس.
بالفتح وإلا بالكسر؟
طالب:. . . . . . . . .
بالفتح؟ بَس؟
طالب: بَس.
لا، لا، هذه أوقعت في حرج كبير، العامة يكسرون الباء في جهة من الجهات يفتحونها بَس، مثلما قال سليمان، فواحد عرض على صديق له أن يكرمه بضيافة، قال: لا أريد أن تتكلف رز وبس،. . . . . . . . . يقول: لما قدم الصحن وإذا عليه رز وعليه ... ، قال: يا أخي هذا طلبك، لا هو بكسر الباء عند العامة، وإلا ما أدري هل لها أصل هذه التسمية وإلا لا؟(76/14)
"سألت جابراً عن ثمن السنور والكلب، فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك" أما بالنسبة للكلب فسبق الكلام فيه، وأن بيعه حرام، ونهى عن ثمن الكلب كما تقدم، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وهنا عن ثمن السنور والكلب، "فقال: زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك" فكل من السنور والكلب لا يجوز بيعه، لكنهما متفاوتان كتفاوت ما تقدم، بيع الكلب هل هو مثل حلوان الكاهن؟ لو أن شخصاً باع كلباً، لا سيما إذا كان معلماً أو يستفاد منه فائدة، ليس مثل حلوان الكاهن، وليس بمنزلة مهر البغي، فدلالة الاقتران ضعيفة عند أهل العلم، وهنا السنور يختلف فيه أهل العلم، أشد من اختلافهم في الكلب المعلم، وأجازه بعضهم وقال: إن الزجر هذا لمجرد الكراهة، والآن في المحلات محالات الأحياء الجميلة التي يسمونها يبيعون كل شيء، والله المستعان، لكن ما دام ثبت الخبر في الزجر عن بيعه فبيعه ممنوع، لا يجوز بيعه، على خلاف بين أهل العلم في السنور هل هو زجر ونهي كراهة أو تحريم؟ لكن الأصل أنه إذا نهى أو زجر فالأصل المنع والتحريم. "زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك" رواه مسلم" وزاد والنسائي، وزاد يعني النسائي: "إلا كلب صيد" وتقدم الكلام في هذا لأن الصيد منفعة مباحة فأجيز بيعه، أبيح بيعه، وحمل الخبر على غير المعلم على هذه الرواية؛ لأن فيه منفعة مباحة، والذي يمنع بيعه مطلقاً يشترط في نفع العين ألا تكون مقترنة بالحاجة، ونفع الكلب مقترن بالحاجة، ولذا يشترطون في صحة البيع أن تكون السلعة مباحة النفع لغير حاجة، يعني من غير احتياج إليها، يعني نفعها مطلق غير مقرون بالحاجة، زيادة النسائي: "إلا كلب صيد" التي رواها النسائي هذه الزيادة حكم عليها النسائي بأنها منكرة، ومرة قال: "ليست صحيحة" يبقى الحديث على إطلاقه، وأن الكلب لا يجوز بيعه مطلقاً، لكن من احتاجه وصاحبه لا يدفعه إليه، محتاج إلى كلب زرع، محتاج إلى كلب ماشية، محتاج إلى كلب صيد، صاحبه لا يبذله له، مثلما قلنا سابقاً: إن الشراء أمره أخف من أمر البيع، كما في المواد المتنجسة التي تستعمل في خدمة الزراعة، نعم.(76/15)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية, فأعينيني، فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت, فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم; فأبوا عليها, فجاءت من عندهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس، فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم, فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرت عائشة -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((خذيها واشترطي لهم الولاء, فإنما الولاء لمن أعتق)) ففعلت عائشة, ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أما بعد, ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله تعالى، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مائة شرط, قضاء الله أحق, وشرط الله أوثق, وإنما الولاء لمن أعتق)) متفق عليه, واللفظ للبخاري، وعند مسلم قال: ((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءتني بريرة" بريرة مولاة كانت لأناس من الأنصار، ثم انتقل ولاؤها إلى عائشة كما في الحديث، وفيها ورد سنن بسببها، منها هذا، ما ذُكر، ومنها: أنها أعتقت وكانت تحت عبد يسمى مغيث فخيرت، ومنها: أنه يتصدق عليها فيأكله من لا تحل له الصدقة من باب الهدية، وسنن كثيرة، وقصتها سواء كانت في هذا الباب، أو في باب النكاح وعتق المرأة تحت العبد كثيرة جداً، استنبط من قصتها أهل العلم فوائد كثيرة، ولخصها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فليرجع إليه.
تقول: "جاءتني بريرة" بريرة هذه وإن كانت أمة إلا أن لها شأن، سألها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عائشة فوثقتها، وقبل أهل العلم توثيق المرأة استناداً إلى خبرها، وقبلوا أيضاً توثيق غير الحر استناداً إلى توثيقها لعائشة -رضي الله عنها-، وإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا التوثيق، فتعلق بسببها أو وجد بسببها أحكام، وحياتها وسيرتها وما حصل لها ينبغي أن تكون محل عناية لطالب العلم؛ لأنه تعلق بها مثل هذه الأحكام العظيمة.(76/16)
"جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي" وهم ناس من الأنصار كما بين ذلك النسائي، والمكاتبة مفاعلة، كاتبت مفاعلة، والأصل في المفاعلة أن تكون بين طرفين، يكتب له ويرد عليه كتابة، فهي مكاتبة مفاعلة، وهنا المراد بالمكاتبة ما يكتبه السيد من وثيقة تتضمن بيع العبد على نفسه بثمن يتفق عليه، ويشترط الشافعي أن يكون الثمن منجماً، يعني مقسط على أكثر من نجم، ويجيز الجمهور أن يكون على نجم واحد، يحل في مدة لا تشق على المكاتب، هذه هي المكاتبة: بيع العبد على نفسه، كتابة السيد الوثيقة على عبده ببيعه على نفسه بثمن معلوم، بأجل معلوم أيضاًَ، ويبقى حكمه حكم الأرقاء ما بقي عليه درهم، والمكاتبة جاء الأمر بها بقوله -جل وعلا-: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [(33) سورة النور] ولذا أوجب جمع من أهل العلم الكتابة، والمكاتبة بيع العبد على نفسه، ومنهم من أوجبها إذا تحقق الشرط، إن علم فيه خيراً، يعني علم فيه القدرة على الوفاء، والمراد أيضاً ما يعم ذلك وغيره، يعني ينفع نفسه وينفع غيره، أما إذا كاتبه وصار كلاً على الناس، يتكفف الناس ليجمع الأقساط، ونجوم الكتابة، ثم يتكفف الناس للاقتيات، مثل هذا ما علم فيه خير؛ ولأن الخير في الأصل المال، وترك خيراً الوصية المال، هذا. . . . . . . . . عند بعضهم، لكن الخير أعم من ذلك، إذا كان هذا العبد المراد كتابته إذا تحرر وتخلص من الرق وتفرغ لعبودية الله -جل وعلا- على مراده ولطلب العلم، رئيت فيه علامات النجابة والنباهة لنفع الأمة مثل هذا علمنا فيه خير، وبضد هذا إذا عرفنا أن هذا العبد الذي يطلب الكتابة قد يتضرر الناس من تفرغه من عمل سيده، يتفرغ لأذى الناس وسرقات، فمثل هذا لا يكاتب، ولذا القيد في الآية معتبر {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [(33) سورة النور] ولهذا من عُلم فيه الخير سواء كان عبداً أو حراً ينبغي أن يعان ليتحقق هذا الخير، ويزداد هذا الخير على يديه، أما من علم عنه خلاف ذلك ينبغي أن يضيق عليه، ولا يعان على ما يحقق به شره، ولذا المرجح عند عامة أهل العلم أن العاصي لا يترخص في السفر، لماذا؟ لأن هذا الرخص توفر له الجهد والوقت الذي يغتنمه ويستغله في(76/17)
معصيته، فلا يرخص له، خلافاً لمن أجاز ذلك، المقصود أنه إذا علم فيه الخير اتجه القول بالوجوب، وإن كان رأي الجمهور أنه ملكه وهو صاحب الشأن، والأمر إليه، إن شاء كاتبه، وإن شاء لم يكاتبه، فيبقى الأمر للاستحباب.
"كاتبت أهلي على تسع أواق" الأوقية كما تقدم: أربعون درهماً، فقيمتها تسعة في أربعين؟ بثلاثمائة وستين درهماً، على أقساط "في كل عام أوقية" على تسع سنوات "فأعينيني" لكي أسدد هذه الأقساط، فعرضت عليها عرضاً مغري أنها تخلصها حالاً وفوراً؛ لأن الذمة تبقى مشغولة لمدة تسع سنوات دين في ذمتها، أفضل منه أن ينقد الثمن الآن، وهذا في عرف الناس عرض مغري "إن أحب أهلك أن أعدها لهم" تسع نقد الآن، "ويكون ولاؤك لي فعلت" الولاء ينتج عنه النصرة، وأيضاً الحق من إرث وغيره، لا شك أن من كان ولاؤه لشخص من الأشخاص أن عليه حق له ليس مثل البعيد، ولذا يرثه إذا مات، ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم: يدفع الثمن كامل الآن، ويكون الولاء للدافع وهو عائشة -رضي الله عنها-، فأبوا ذلك عليها، يعني يكفينا أن يكون أقساط، لكن الولاء يستمر لنا، فجاءت من عندهم لتخبر عائشة -رضي الله عنها- بما قالت وما قيل لها، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس، والجملة حالية.(76/18)
فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع هذا الكلام، فأخبرت عائشة النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)) حكم شرعي: "الولاء لمن أعتق" ومثل هذا الحكم لا يؤثر فيه الاشتراط، يعني كأن شخصاً اشترى سلعة أرض مثلاً بنية التجارة، وقال له البائع: خذها بثمن كذا، ولا تزكيها خلاص، ما عليك زكاة، أو الزكاة عليّ، الحكم الشرعي المتقرر لا تلغيه الشروط، فمثل هذا الحكم حكم عام للناس كلهم، الولاء لمن أعتق، لا يستثنى منه أحد، هل يملك شخص من الأشخاص أن يقول: أنت إذا صليت الجمعة خلاص لا تصلي غيرها، يكفي منك أن تصلي الجمعة؟ ما يملك، هذا حكم شرعي ما يملكه أحد، ولا يملك تغييره مهما بذل الشخص، المقصود أن مثل هذه أحكام شرعية لا يملك أحد تغييرها، ولهذا قال: ((خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)).(76/19)
والذي يغلب على الظن أن هؤلاء أعني الجماعة من الأنصار، الذي كانت بريرة مولاة لهم يعرفون هذا الحكم، أن الولاء لمن أعتق، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بينه أبلغ بيان، ومع ذلك اشترطوا أن يكون الولاء لهم، فخالفوا على بصيرة، نأتي بمثال قد ينشط بعض الإخوان، يذكر أن مزارعاً مر به الساعي وماله أنصبة ما هو بنصاب واحد، فكأنه أكرمه فرق لحاله وكذا، وقال: أنت. . . . . . . . . ما عليك زكاة هذه السنة، فتحدث بها في مجلس فيه واحد من المشايخ، قال: الحمد لله مر بنا الساعي وقال: أنت ما عليك زكاة، قال: ألحقه، اتبعه وهو في البلد الفلاني الآن لعله أن يعفيك من الصلاة بعد، هذه أمور ما يملكها أحد، إذا تقرر بالنصوص الشرعية ما يملكها أحد، ولذا الذي ما يفهم حقيقة الحال يشكل عليه الحديث؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اشترطي لهم الولاء)) ويقول هذا تغرير بهم؛ لأنهم أقدموا على أساس أن الولاء لهم؟ لا، حكم شرعي ثابت بين بأبلغ بيان من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك قال: ((اشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)) ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس فحمد الله، وأثنى عليه، كما هي عادته في خطبه -عليه الصلاة والسلام- يفتتحها بالحمد والثناء، ثم يقول: أما بعد: وهذه سنة في الخطب، جاءت من أكثر من ثلاثين طريق عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما بعد بهذا اللفظ، وإبدال أما بالواو جرى عليه المتأخرون، لكنها لا تتأدى بها السنة، أما بعد، و (أما) حرف شرط وتفصيل، و (بعد) قائم مقام الشرط مبني على الضم؛ لأنه حذف المضاف مع نيته، وجواب الشرط الأصل أن يقترن بالفاء، يعني الأصل أن يقال: أما بعد فما بال رجالٍ، ولعل الفاء سقطت من نقل الرواة أو الناسخ، وما أشبه ذلك، وإلا فالأصل أنها لا بد أن توجد في جواب الشرط.
طالب: مثبت.
نعم؟
طالب: مثبتة عندي.
عندك؟ ويش يقول؟
يقول: أما بعد فما بال ....
هذا الأصل نعم، هذا الأصل لا بد أن تقترن بالفاء.
طالب: ونسخة أخرى بدون ....(76/20)
لا، لا، الصواب بالفاء، أما بعد ما بال رجال، بعض الناس يقول: ثم أما بعد، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ثم أما بعد، هذه (ثم) لا قيمة لها هنا، لكن لو قال: أما بعد، ثم احتاج إلى الانتقال من أسلوب إلى آخر، أو من موضوع إلى آخر، ثم قال: أما بعد لا بأس؛ ليعطف الثاني على الأولى.
((أما بعد ما بال رجالٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله)) هذا الأدب النبوي في الخطب أنه لا يعين الأشخاص، ولا يواجههم بما يحرجهم أمام الناس، بل يعمم -عليه الصلاة والسلام-، ما بال رجال، ما بال أقوام، هذا هو الأدب النبوي في الخطب، ولذا تعيين الأشخاص في الخطب على خلاف هديه -عليه الصلاة والسلام-.
((ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله -عز وجل-)) هل يلزم أن تكون الشروط كلها في كتاب الله؟ أو المراد بكتاب الله هنا حكم الله الذي هو أعم من القرآن فيشمل السنة؟ نعم؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الولاء لمن أعتق)) هذا في كتاب الله أو في سنته -عليه الصلاة والسلام-؟ في سنته وسنته من حكم الله -عز وجل-.
((ما كان من شرطٍٍ ليس في كتاب الله فهو باطل)) ما كان من شرط ليس في كتاب الله ليس في حكم الله فهو باطل؛ لمعارضته لحكم الله، وكل ما يعارض حكم الله -جل وعلا- يضرب به عرض الحائط، لكن هناك شروط جائزة، وهناك شروط فاسدة لاغية، والعقد يبقى صحيح، وهناك شروط تأتي على العقد بالبطلان إذا كانت تنافي مقتضاه، وتفصيل هذه الأمور في كتب الفروع.(76/21)
((وإن كان مائة شرط)) يعني ولو أكد مائة مرة ((قضى الله أحق، وشرط الله أوثق)) يعني ما يشترطه الله -جل وعلا- ويقضيه من أحكامه ويبرمه لا شك أنه أحق بالوفاء وأوثق في الثبوت من غيره، ((وإنما الولاء لمن أعتق)) متفق عليه، واللفظ للبخاري، وعند مسلم فقال: ((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء)) اشترطي لهم هل هو على ظاهره؟ أو أن اللام بمعنى على؟ الشافعي والمزني يقولا: اشترطي عليهم، مو اشترطي لهم، معنى لهم عليهم، وبعضهم يستدل على هذا ببعض الآيات، يعني: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [(7) سورة الإسراء] يعني عليها، {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} [(107) سورة الإسراء] يعني يخرون على الأذقان والحروف تتناوب، الحروف ينوب بعضها عن بعض، ومر بنا مراراً أن تضمين الأفعال أولى من تضمين الحروف، وهذا ما يقرره شيخ الإسلام ابن تيمية، وعلى كل حال هذا أعني تقارب الحرفين هنا، وأن معنى لهم عليهم مقبول لولا أن السياق يأباه، اشترطت عليهم في أول الأمر فما قبلوا فكيف يقول ثانية وهم ما قبلوا "اشترطي عليهم"؟ ثم بعد ذلك يقوم -عليه الصلاة والسلام- ويخطب ويعرض بهم ((ما بال أقوام)) وقد اشترطت عليهم؟ اشترطت عليهم في أول الأمر ما قبلوا، وقالوا: لا بد أن يكون الولاء لنا، وحينئذٍ يكون هذا التأويل ضعيف يرده السياق، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ لأنه لو اشترطت عليهم وقبلوا نعم ما احتاج الأمر إلى هذه الخطبة، ولا التعريض بهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا يأتي في كتاب العتق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو مضعف، لكن مثل الرقيق إذا كوتب ثم بقي عليه نجم واحد وأعجز نفسه قال: عجزت، ما قدرت، يعود رقيقاً، هل يعيد السيد عليه ما أعطاه إياه؟ لا يعيده؛ لأنه من كسبه وهو وكسبه لسيده، نعم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد فقال: لا تباع, ولا توهب, ولا تورث, يستمتع بها ما بدا له، فإذا مات فهي حرة" رواه مالك والبيهقي وقال: "رفعه بعض الرواة فوهم".
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد, والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي, لا نرى بذلك بأساً" رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني, وصححه ابن حبان.(76/22)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد" فقال في شأن أم الولد: "لا تباع، ولا توهب، ولا تورث" لماذا؟ لأن ولدها أعتقها، بولادتها صارت حرة في باب البيع والشراء، أما في باب الخدمة والمهنة والقسم، فهي لا تزال في حكم الإماء، ففيها شوب حرية، وفيها شوب رق، شوب حرية لأن ولدها أعتقها، فلا يجوز بيعها، وهذا منزع أمير المؤمنين عمر -رضي الله تعالى عنه-، وفيها شوب رق باعتبار أنها لا تعتق العتق التام إلا بوفاة سيدها، فهل تعامل معاملة الأحرار في عدم البيع فتدخل في حكم من باع حر فأكل ثمنه؟ أو تدخل في حكم الأرقاء في جواز البيع؛ لأن عتقها لم يحن إلا بوفاة سيدها؟ وهنا يمكن أن يستعمل قياس الشبه، وهذا فيما لو خلت المسألة عن النصوص؛ لأنها مشبهة للحر من وجه، ومشبهة للرقيق من وجه، عمر -رضي الله تعالى عنه- والخبر موقوف عليه، نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد، أم الولد هذه التي تلد بسبب وطء سيدها، لكن إذا ولدت من وطء غيره، إما بإنكاحها من رقيق، أو من حر لا يجد طول حرة، تصير أم ولد وإلا لا؟ فليست أم ولد هذه، بل ولدها رقيق مثلها؛ لأن الولد يتبع أمه حرية ورقاً، نهى عمر عن بيع أمهات الأولاد، وهذا الباب كله فيه غرابة وبُعد عن الواقع الذي نعيشه؛ لأنه لا يوجد هذا النوع من البشر، بل هو ملغى كما تعلمون، ولذلك أحكامه قد تخفى على بعض الخاصة، ومن أحكامه ما يصعب فهمه؛ لأن الناس هجروا دراسته كتاب العتق والرق وما يلتحق به هُجر لأنه غير عملي على حد زعمهم، وهو باب من أبواب الدين لا يجوز تركه، والفقه فيه كالفقه في غيره، داخل في حديث معاوية -رضي الله عنه-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) في جميع أبوابه، ومنها ما يتعلق بالرق والعتق، وما أشبه ذلك.(76/23)
"نهى عمر -رضي الله عنه- عن بيع أمهات الأولاد، فقال: لا تباع ولا توهب، ولا تورث، يستمتع بها ما بدا له، فإذا مات فهي حرة، رواه مالك والبيهقي" وهو صحيح، لكنه موقوف على عمر، ورفعه بعض الرواة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فوهم، والحديث له سبب، أخرج الحاكم وغيره عن بريدة قال: كنت جالساً عند عمر إذ سمع صائحة فقال لغلامه يرفأ: يا يرفأ انظر ما هذا الصوت؟ ثم نظر فجاء فقال: جارية من قريش تباع أمها، ونعلم ما جاء من الوعيد في شأن من فرق بين الولد وأمه، واستدل عمر بهذا الحديث على أنه لا يجوز بيع أمهات الأولاد؛ لأنه يتضمن التفريق المنهي عنه.
هل يمكن أن يباع ولدها معها؟ نعم لا يمكن أن يباع لأنه حر، من لازم بيع أمهات الأولاد التفريق بين الأم وولدها، فعمر -رضي الله تعالى عنه- جمع المهاجرين والأنصار فقال لهم: أما بعد فهل كان فيما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- القطيعة؟ قالوا: لا، قال: قد أصبحت فيكم فاشية، كيف تفشو القطيعة في الصحابة؟ إذا بيعت الأم وترك أبنها، هذه القطيعة، ولا شك أن هذا من دقيق فقه عمر -رضي الله تعالى عنه-.
الحديث الذي يليه حديث جابر:(76/24)
قال: "كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي، لا نرى بذلك بأساً" الذي يرى عم جواز البيع وهم الأكثر استدلالاً بمنع عمر ونهيه عن بيعهن قال: من أين لنا أن نعرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع على هذا البيع فأجازه؟ والحديث قابل للتصحيح "كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حي لا يرى بذلك بأساً"؟ من أين لنا أن نعرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اطلع على ذلك؟ نعم؟ هذه حجة من يقول: إن أمهات الأولاد لا يبعن، ومن قال بجواز بيعهن وهو مذهب الظاهرية، وقول عند الشافعية، وقال به جمع من أهل العلم، لكن القول الأول هو قول الجمهور، قال: إن قول الصحابي: كنا نفعل له حكم الرفع، فهو مرفوع حكماً، ولذا استدل جابر على مسائل، استدل على جواز العزل، "كنا نعزل والقرآن ينزل" وقوله: "والقرآن ينزل" بمثابة قوله هنا: "والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي لا نرى بذلك بأساً" الحكم واحد، كونه حي أن القرآن ينزل، كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن، هذا يستدل به من يقول بجواز بيع أمهات الأولاد، وله حكم الرفع عند أهل العلم، وما تقدم موقوف على عمر، والذين عملوا بقول عمر وبنهيه قالوا: خليفة راشد، أمرنا بالاهتداء بهديه، والاستنان بسنته، وأصدر هذا النهي بمحضر من المهاجرين والأنصار، وهناك نظاير لهذه المسألة عمل بها الجمهور، الطلاق مثلاً طلاق الثلاث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر الثلاث واحدة، ثم اجتهد عمر -رضي الله عنه- فأمضاه فصار هو قول الجمهور، فهذه نظيرها، الجمهور عملوا بنهي عمر بناءً على أنه خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء بسنته، واجتهد، واستدل بأدلة، قد تكون في قوتها مثل قول جابر -رضي الله عنه-: "كنا نبيع سرارينا .. إلى آخره، لا سيما ما جاء من التحذير والترهيب من التفريق بين الولد وأمه، وعلى كل حال الجمهور على أن أمهات الأولاد لا تباع، والظاهرية يقولون بجواز بيعها، وهو وجه عند الشافعية، هذه بعض النسخ.
طالب: عندي مثبتة.
وهي التي عليها ....
طالب:. . . . . . . . .
التي عليها الشرح، الشارح اعتمد الياء، نعم؟(76/25)
طالب: موجود عندنا.
نعم؟
طالب: قال هنا: لا نرى بذلك بأساً هذا المثبت ...
لا أقوى، أصح أصح لا نرى، هذه الأصح، هذه الأقوى في اختلاف النسخ، الأقوى وألا نرى بذلك بأساً، كنا نفعل، لا نرى.
طالب: في نسخة (دال ونون) يرى وما أثبتناه موافق للمصادر نسخة وسيم. . . . . . . . .
على كل حال المسألة جمهور أهل العلم أن أمهات الأولاد لا يبعن، وقال بعض العلماء منهم الظاهرية، وهو أيضاً كان علي -رضي الله تعالى عنه- موافق لعمر في عدم جواز بيع أمهات الأولاد، ثم اجتهد ورأى أنه لا مانع من بيعهن، ولذا قيل له: رأيك مع عمر أحب إلينا من رأيك منفرداً، نعم قاله عبيدة السلماني، عبيدة بن عمرو السلماني: رأيك مع رأي عمر أحب إلينا من رأيك وحدك، نعم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء" رواه مسلم، وزاد في رواية: "وعن بيع ضراب الجمل".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عسب الفحل" رواه البخاري.
نعم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(76/26)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء" نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، التصريح به -عليه الصلاة والسلام- يجعل الخبر مقطوع برفعه إليه -عليه الصلاة والسلام- بخلاف ما لو قال: نهينا عن بيع فضل الماء، والجمهور على أن هذه الصيغة المغيرة من الفاعل إلى المفعول أيضاً مرفوعة، ولو قال الصحابي: نهينا؛ لأنه إذا قال: نهينا أو أمرنا، فالمتجه بل المتعين أن يكون هذا الأمر والنهي لمن له الأمر والنهي، في الأحكام الشرعية وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا صرح كما هنا: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مقطوع برفعه، والخلاف في قوة هذه الصيغة، هل هي بمثابة لا تفعلوا، لا تبيعوا فضل الماء النهي الصريح فتدل على التحريم كدلالة النهي الصريح؟ عامة أهل العلم على هذا، وخالف داود الظاهري وبعض المتكلمين، قالوا: لا تدل على النهي، إذا قال الصحابي نهانا لا يدل على النهي حتى ينقل الصيغة النبوية؛ لأنه قد يسمع كلام يظنه أمر أو نهي، وهو ليس في الحقيقة لا أمر ولا نهي، لكن هذا كلام فاسد باطل؛ لأن الصحابة إذا ما عرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية من يعرفها بعدهم؟! والدين كله ما أتانا إلا عن طريقهم.(76/27)
"نهانا رسول -صلى الله عليه وسلم- عن بيع فضل الماء" والأصل في النهي التحريم، فما زاد عن الحاجة عن الماء يجب بذله للمحتاج، وهو محمول على المياه المباحة في الأصل، بأن يكون في وادي مثلاً فيسقي الأول المرتفع ثم يرسل الماء وجوباً إلى من بعده، ولا يقول من في أعلى الوادي: لا أرسله إليك إلا بمبلغ كذا، وكذلك ما يحتاج إليه تدعو الحاجة إليه من الأموال المحوزة ممن لا يستطيع شراءها، أنت عندك أو معك علبتين من الماء وأنت بحاجة إلى واحدة جاء واحد عطشان وليس معه قيمتها نقول: يجب عليك بذلها للمحتاج؛ لأنه نهى عن بيع فضل الماء، أما ما تحتاجه أنت أو يحتاجه من تحت يدك لا تبذله إلا على جهة الإيثار، لكن لا يلزمك بذله إذا كنت بحاجة إليه، أو من تحت يدك ممن تلزمك نفقته بحاجة إليه؛ لأن الحديث في الفضل، والفضل هو القدر الزائد، وزاد في رواية: "وعن بيع ضراب الجمل" الجمل، الناقة احتاجت إلى ضراب، الضراب الظاهر معروف نعم وسيأتي في الحديث الثاني عسب الفحل، نعم نهى عن عسب الفحل، عن بيع ضراب الجمل، احتاجت الناقة إلى ضراب إلى وطء، احتاجت البقرة إلى وطء، احتاجت الشاة أو العنز إلى وطء، هذا عسب الفحل، المراد به قيمة مائه، جاء زيد بناقته إلى عمرو الذي عنده الجمل المتميز الذي نتاجه يباع بأضعاف مضاعفة عن نتاج غيره، قالوا: نريد الجمل ينزو على هذه الناقة، قال: ما يمكن حقنا الجمل متميز دور غيره إذا كنت تبي بمجان، هذا الجمل الآن بمائة ألف أو مأتي ألف، نعم؟
طالب: بملايين.(76/28)
المقصود عاد بأي ثمن كان، يقول: وعن بيع ضراب الإبل، منهي عنه؛ لأن هذه الأمور مما ينبغي أن تسود بين المسلمين على وجه التعاون، لا على وجه التشاح والتشاحن، فضراب الجمل ومثله بقية الحيوانات لا يجوز أخذ الأجرة عليه، ومنهم من يقول: إن سبب المنع الجهالة، قال: بكم تترك هذا الجمل ينزو على هذه الناقة؟ قال: بألف، النهي من أجل الجهالة في عدد المرات، وفي ... ، سببه الجهالة، والجهالة معروفة في مثل هذا، ففيه غرر، فالنهي عنه من هذه الحيثية، لكن لو حددت المدة قال لك: لمدة ساعة، أو عدد كذا من النزوات، أباح بعض أهل العلم هذا؛ لأنه علل النهي بالغرر والجهالة، ولا شك أن هذه العلة وإن كانت مؤيدة بنصوص أخرى في منع الغرر، ومنع الجهالة، وإذا ارتفعت الجهالة ثبتت الإباحة، لكن هنا الحكم غير معلل، فالذي يظهر المنع مطلقاً، وأن هذا مما ينبغي أن يسود بين الناس، يعني مثل الحجامة، واحد جالس فاتح محل حجام يجي واحد يبي يحجم يقول: كسب الحجام خبيث، طيب أنا خسران وتارك للأعمال وكذا، أقول: هذه مما ينبغي أن تسود بين المسلمين بدون أجرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام، فالمقصود أنه لا بد أن تسود هذه الروح بين المسلمين، وأن تكون أمورهم مبنية على المسامحة لا على المشاحة، لكن لو افترضنا أن شخصاً عنده جمل متميز وقال: ما في نهى ما نهى، ما عندنا إلا بدراهم، أنا خسران بمئات الألوف ومتى أدخلهن؟ نقول: المحتاج الذي هو دافع الأجرة مثل مشتري ما يحتاج إليه مما يمنع بيعه أمره أخف ممن يأخذ هذه الأجرة، يعني قد يقول قائل: ما دام مُنع أخذ الأجرة يحرم دفعها؛ لأن ما منع أخذه يمنع دفعه، نقول: هناك أمور لا بد منها، فإذا لم يحصل عليها إلا بمقابل، فإلى الله المشتكى، ماذا يصنع صاحبها؟ فيدفع مثل ما يشتري الكلب عند الحاجة إليه، وإن كان النهي عن بيعه يقتضي منع البيع، مثل ما يشتري الأسمدة لزراعته، مثل ما يشتري عموم ما يمنع لما ذكرنا، وهذا خاص الحديث بالجمل، والذي يليه، يعم الجمل وغيره.(76/29)
يقول: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عسب الفحل" والفحل يشمل الإبل والبقر والغنم وغيرها من الحيوانات التي تقتنى للنسل، الآن يؤتى بالماء من بعيد، يؤتى بالماء من بلدان بعيدة بحوافظ، وبعد ذلك تباع بالقطارة؛ لأنها من سلالات معينة، ومن أشياء نادرة، وهذا منه، هذه التجارة فرع عن هذا الحديث، لا يجوز بيعه، لكن من اضطر إليه واحتاج إليه فالأمر بالنسبة له أخف ممن يأخذ، وبالمناسبة سؤال هنا:
يقول: هل الأفضل لمن ابتلي بعقم أن يعمل عملية أطفال الأنابيب أم يتورع عنها؟
لأن المسألة في جلب الماء من الخارج من أجل الحيوانات، الحيوانات ما هو متصور فيها مسألة اختلاط أنساب ولا زنا ولا غيره، أمرها سهل، لكن طفل الأنابيب ابتلي بعقم هذا شخص ابتلي بعقم، وقالوا: إن فيك حيوانات لكنها ضعيفة تحتاج إلى تنشيط نأخذ منك ومن ماء المرأة فنجعله في أنبوب، وبهذه الطريقة ينتج الولد، إذا وصل إلى حد معين يودع في رحم المرأة وتحمل به من جديد، المسألة لا شك أنها مشكلة؛ لأن الزلل والخطر فيها يقع في مسألة عظيمة، وهي مسألة الأنساب، أنت افترض أنهم حفظوا هذا الماء وغُيّر مثلاً، أو حصل خطأ من غير قصد، وفوق هذا كله الرضا بما قدر الرحمن، نعم أفتت بعض المجامع العلمية بجواز مثل هذا شريطة أن تعمل كافة الاحتياطات لحفظ هذا الماء، وهو ماء من زوج وزوجته في الجملة يعني أفتوى بهذا، لكن يبقى أن المسألة من أبتلي بهذا عليه أن يرضى بما قدر الرحمن.
وكن صابراً للفقر وادرع الرضا ... بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ
أنت ما تدري ماذا يحصلك من خلال هذا الولد؟ كم من شخصٍ بذل المستحيلات من أجل الولد، ثم صارت حياته بسبب هذا الولد جحيماً لا يطاق، هل تعرفون أن هناك ناس ما ينامون الليل بسبب الأولاد، يعني الولد ليس بنعمة على الإطلاق، نعم الولد الصالح الذي يدعو له هذا نعمة في حياته وبعد مماته، لكن يبقى أن الإنسان ما يدري وين الخيرة؟ يرضى بما أختار الله له، وعلى كل حال إن أراد أن يفعل هذا الفعل فقد صدرت فيه فتوى من بعض الجهات، لكن أنا في وقفة من هذا، سم.
طالب:. . . . . . . . .(76/30)
هم يقولون: إن الماء المحوز والمتعوب عليه مثل الأمور المشتركة العامة مثل الماء والحطب وغيره الأصل أنها مشاعة بين الناس والحشيش والكلأ، لكن إذا تعب عليه وحازه إلى رحله وتكلف عليه له أن يأخذ قيمة، له أن يأخذ القيمة بقدر أتعابه، وإلا فالأصل أنه مشاع بين الناس، هذا الأصل، وما زاد على ذلك فهو بيع.
طالب:. . . . . . . . .
مثل هذا، تصفية وشغل، على كل حال. . . . . . . . . ومن يعرف النهي عن بيع فضل الماء يتوقف في مثل هذه الأمور، ويتورع عنها، نعم؟
يكفي.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(76/31)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (4)
تابع: باب: شروطه وما نهي عنه منه
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سؤال يقول: ما نصيحتكم لطالبات العلم، ودورهن في المنطقة، وتجاه أهلن وبيوتهن، فإننا نتذكر أمنا عائشة -رضي الله عنها- ونتمنى أن يوجد في نساء الأمة من يؤدي دورها، ويكون حجر عثرة أمام المتهجمين على المرأة؟
على كل حال النساء شقائق الرجال، وهن مطالبات بما يطالب به الرجال فيما يناسبهن من الأحكام، بالنسبة للعلم الشرعي على المرأة أن تتعلم العلم الشرعي، وأن تنفع نفسها، وأن تعمل بهذا العلم، وتعلم الناس، وتدعو إلى الخير، فإذا تعلمت العلم الشرعي على وجوهه ومن أبوابه، وعلى الجادة المعروفة عند أهل العلم عن أهله، وتأهلت للتعليم والدعوة، وبذلت في هذا المجال ما تستطيعه، واستطاعت أن توفق بين هذا العمل، وبين ما أوجب الله عليها من خدمةٍ لزوجها، وتربيةٍ لأولادها فمن أفضل ما تعمله المرأة، أو من أفضل ما يطلب منها، فعليها أن تسعى جاهدة مخلصة في التعلم والتعليم والدعوة، وخدمة زوجها وبيتها، وحينئذٍ مع تمسكها بدينها مخلصة في ذلك، لا سيما في مثل هذه الظروف التي نعيشها ينطبق عليها ما جاء في الحديث أن العامل بالسنة في أوقات الفتنة يكون له أجر خمسين من الصحابة، وليس معنى هذا أنه أفضل من أقل الصحابة شأناً، لا؛ لأن منزلة الصحبة لا يمكن أن ينالها غير الصحابة، لكن في هذا العمل .. ، افترض أن العمل نوافل من الصلاة، أو من الصيام، أو من غيرهما من الأعمال المتمسك بهذا العمل الذي يؤديه على ضوء ما شرع الله له في مثل هذه الظروف له أجر خمسين، كما جاء في الخبر، والعبادة في وقت الهرج، في أوقات الفتن كالهجرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما جاء في الحديث الصحيح، في صحيح مسلم وغيره، فعلى طلاب العلم عموماً سواء كانوا من الذكور أو من الإناث أن يجتهدوا في تحصيله من أبوابه وأن يبلغوه غيرهم، يعملوا به، ويبلغوه غيرهم بالرفق واللين.
يقول: ما رأيكم فيما يحصل الآن في أراضي مكة حيث يباع بعض أراضيها مع كونها وقفاً؟(77/1)
الوقف لا يجوز بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، إذا تعطلت منافعه جاز بيعه، وكون بيوت مكة على الخلاف بين أهل العلم هل فتحت صلحاً أو فتحت عنوة؟ هي فتحت عنوة، دخلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعلى رأسه المغفر، وأحلت له ساعة من نهار، ففتحت عنوة، وكونها لم تقسم بين المقاتلين كما فُعل بغيرها، مَنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهلها بما يملكونه من بيوت ووهبها لهم، كما قال -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لهم أنفسهم ما سبى منهم أحد، قال: ((أنتم الطلقاء)) فالذي منّ عليهم بأنفسهم منّ عليهم بأموالهم، وعلى هذا يجوز بيع بيوتها وتأجيرها، وإن كانت فتحت عنوة.
يقول: عندي مساهمة عقارية قدرها ثلاثون ألفاً، وسيحول عليه الحول في شهر محرم سنة ستة وعشرين هل فيها زكاة؟
نعم أصل المساهمات إنما هي للتجارة، وإذا اشتريت السلعة للتجارة بما في ذلك العقار، وحال عليه الحول فإنه يُقوّم ويزكى.
يقول: هل الجهاد لابن المبارك أحاديثه صحيحة أم لا؟
فيه الصحيح وغير الصحيح.
يقول: حديث الصلاة في الفلاة تعادل خمسين درجة؟
هذا الحديث صححه الألباني، وفيه شيء من الضعف.
يقول: ما حكم رفع الإمام صوته جداً في الصلاة؟ أرجو التنبيه لأن هذا الأمر حصل أمام عدد كبير من طلبة العلم في هذا المسجد فقد يفهم إقرارهم بهذا العمل؟
الأصل أن الصوت يكون بقدر ما يسمع المأموم، لكن إذا ورد من الآيات ما يحرك به القلوب من بشارة أو نذارة النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب علا صوته، واحمر وجه، علا صوته حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم؛ ليتأثر السامع بالخطبة، فإذا رفع الصوت بآية البشارة، أو النذارة من أجل أن يتأثر السامع بها فأرجو ألا بأس به -إن شاء الله تعالى-، وإلا فالأصل أن الصوت يكون بقدر ما يسمع المأموم.
يقول: هل المماكسة تعتبر من المجادلة؟ وما حكم المماكسة في الحج؟
المماكسة يعني طلب التخفيض للسعر من حق المشتري لا سيما إذا غلب على ظنه أو خشي أن يكون قد رفع عليه السعر أكثر من الواقع له أن يماكس، وإذا كان في الحج وبقدر الحاجة لا بأس به.
هل يجوز صبغ المرأة بغير لون الأسود إذا سلمت من التشبه؟
إذا سلمت من التشبه لا بأس به.(77/2)
هل يجوز استخدام زيت الحشيش؟
زيت الحشيش إن كان المراد بالحشيش هو الحشيش المسكر فله حكمه، والجمهور على أنه نجس، لا يجوز استعماله، لا سيما إذا كان مما يتشربه الشعر والبشرة.
يقول: ما الدليل على أنه يباح بالاضطرار لمن أراد فحلاً أن يستعيره بأجر من صاحبه؟
هذه الأمور التي يحتاجها الناس ولا تبذل إلا بمقابل فإن كان النص دل على الكراهة فقط فالكراهة تزول بأدنى حاجة، وإن كان النص يدل على التحريم فالحاجة الشديدة تبيحه، لا سيما في مثل هذه الأمور في هذا الباب ما في وسيلة إلا إطراق الفحل، وأنت افترض أن هذه المسألة بين اثنين لا يوجد غيرهما، هذا عنده أنثى، وهذا عنده ذكر وطلب الأنثى هل نقول: ما يحتاج أن ينزو عليها هذا الذكر لأنه طلب؟ ولها نظائر، فالحاجة أبيح بها بعض المحرمات بقدرها، كما قالوا في شراء المصحف، الحنابلة يحرمون بيع المصحف، لكن يجيزون شراءه، الوقف إذا احتيج إليه، احتاج طالب علم إلى كتاب وقف يحرم بيعه، لكن أذا احتاجه طالب علم يشتريه، وله نظائر كثيرة.
يقول: ما حكم ريش النعام أو الطيور الميتة؟ هل هي في حكم جلد الميتة، ولكن الريش لا يدبغ؟
الريش مثل الشعر حكمه حكم المنفصل، لكن ما باشر منه النجاسة يقص.
ما حكم رفع المرأة صوتها بآمين وهي بين نساء خمس، وليس حولهن رجال قط؟
لا بأس؛ لأن عدم الرفع .. ، الأصل هو رفع الصوت، لكن عدمه بالنسبة للمرأة خشية أن يسمعها الرجال الأجانب، فإذا أمنت هذه المفسدة رجعنا إلى الأصل.
ما حكم سترة المصلي إن كانت مدفئة مضاءة أو غير مضاءة؟ إن علمنا أن الصلاة إلى النار لا تجوز تشبهاً بصلاة المجوس؟(77/3)
الصلاة إلى المدفئة أولاً: ما يكون في المدفئة مما يشبه النار، وليس بنار حقيقة، وإن اشترك مع النار في الإحراق، إلا أنه ليس له لهب كما للنار، فانفصل من هذه الحيثية، الأمر الثاني: أن القول بكراهة الصلاة إلى النار إنما منع للتشبه، والبخاري -رحمه الله- كأنه يضعف هذا القول، وما ورد فيه، وأثبت ترجمة: باب الصلاة إلى النار، وأورد حديث الكسوف، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تكعكع، تأخر في الصلاة؛ لأنه عرضت عليه النار، يعني في جهة القبلة بالنسبة له، وهذا في البخاري، أما كون الإنسان يقر في قلبه التشبه بالمجوس فالأمر أعظم من مجرد كراهة أو تحريم، كونه يتشبه بهم في هذه العبادة الأمر عظيم، لكن إذا كان مجرد اتفاق حصل هذا، إنها حصلت من غير التفات إليها فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، ويبقى أن هناك فرقاًَ بين المدفئة وبين النار.
هذا عبد الله العتيبي من الكويت يقول: نرجو زيارة الكويت فطلبة العلم متشوقون ... إلى آخره؟
أنا أقول: أنا لا أسافر.
محمد خالد من مصر يقول: العلاقة بين الصلاة ولا إله إلا الله؟
لا إله إلا الله، شهادة ألا إله إلا الله هذا الركن الأول من أركان الإسلام، والصلاة هي الركن الثاني.
يقول: أحمد من الكويت: هل كتاب صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- للإمام الألباني كتاب معتمد؟
نعم معتمد من إمام محدثٍ محقق، لكن لا يعني أن الشيخ معصوم لا يرجح قولاً مرجوحاً لا، هو كغيره من أهل العلم، لكنه في الجملة معتمد.
يقول: أرجو نصحي إلى كتب الفقه المعتمدة علماً أنني لست عالماً في الجرح والتعديل؟
كتب الفقه تحدثنا عنها على اختلاف مذاهبها ضمن أشرطة يقال لها: كيف يبني طالب العلم مكتبته؟ وهي موجودة في الأسواق.
يقول: هل يحق لمن اشتغل بجمع الرمل الناعم الخاص بالبناء من الأودية غير المملوكة أن يمنع غيره من الأخذ؟(77/4)
ليس له أن يمنع، فمن سبق إلى مباح فهو أحق به، عامة أهل العلم على نجاسة الخمر، الخمر نجسة عند عامة أهل العلم، وقلت مراراً: أنني لا أعرف دليلاً ينهض على التنجيس، نعم، لكن يبقى أن هيبة أهل العلم مع كثرتهم وكثرت أتباعهم هيبة قولهم ينبغي أن يكون هو شعار طالب العلم، لكنني لا أعرف دليلاً خاصاً يدل ... ينهض على القول بنجاسته، وعامة أهل العلم حتى نقل الإجماع على أن الخمر نجس، وفي حكمه كل ما يسكر.
سم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا قيل بنجاستها لا يجوز بيعها، وعرفنا أنه قول عامة أهل العلم، والدليل لا ينهض على التنجيس، ولطالب العلم أن يتأمل المسألة، أما أنا فلا أجرؤ على مخالفة جماهير الأمة، وإن لم أجزم بنجاسته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة, وكان بيعاً يبتاعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة, ثم تنتج التي في بطنها" متفق عليه, واللفظ للبخاري.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعنه" أي عن ابن عمر صحابي الحديث السابق "-رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى" النهي أصل صيغته (لا) الناهية لا تفعلوا كذا، لا تبيعوا كذا، حبل الحبلة، وهنا عبر الصحابي -رضي الله تعالى عنه- وهم أعلم الناس بمقاصد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبمدلولات ألفاظه، فلا يرد علينا قول داود الظاهري، وبعض المتكلمين أننا لا نحتج بهذه الصيغة حتى ينقل اللفظ النبوي.(77/5)
"نهى عن بيع حبل الحبلة" الحبَل: مصدر حبلت تحبل حبلاً، والمراد به الحمل الذي في بطنها، الحمل الذي في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة أو الجارية، المقصود به الحمل وهو مصدر يراد به اسم المفعول، المحمول، والحبلة جمع حابل، مثل كتبة جمع كاتب، وظلمة جمع ظالم، والحبل إطلاقه في الآدميات هذا هو الأصل، قالوا: ولم يرد في غير الآدميات إلا في هذا الحديث، مع أن منهم من قال: ورد في غيره من الأحاديث.
"نهى عن بيع حبل الحبلة" ظاهر العبارة أن المنهي عنه ما في بطن الناقة، بيع ما في بطن الناقة، أو ما في بطن الذي ما سيكون في بطن الذي في بطنها، نهى عن الحبل هذا الذي في بطن الناقة، وحبل الحبلة ما سيكون في بطن الذي في بطنها "وكان بيعاً" هذا التفسير لما نهي عنه، هذا التفسير مدرج، إما من كلام ابن عمر الراوي، أو من كلام نافع الراوي عنه، وهو تفسير للمراد، وفهم للصحابي أو للتابعي.
"وكان بيعاً يبتاعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة" نهى عن بيع حبل الحبل، اللفظ الأصلي المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على نهي بيع الحبل، الذي هو الحمل، عن بيع الحبل الذي هو الحمل، والتفسير سواء كان من الصحابي والجادة عند أهل العلم أن الصحابي أعرف بمعنى ما يروي، وهذا غالب، أغلبي وليس بكلي؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رب مبلغ أوعى من سامع)) تفسير المدرج سواء كان من الصحابي ابن عمر، أو من التابعي نافع يدل على خلاف هذا، أصل النص يدل على النهي عن بيع الحبل، الذي هو الحمل نفسه، والتفسير يقول: "وكان بيعاً يبتاعه أهل الجاهلية" ماشي إلى هذا الحد "كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها" التفسير يجعل النهي عن البيع إلى أجل مجهول؛ لأنه ما يُدرى متى تنتج هي أو التي في بطنها؟(77/6)
و (تنتج) لم يرد إلا مغير الصيغة، يعني لم يأتِ على صيغة المبني للمعلوم البتة، إنما ورد هكذا في لغة العرب، الآن الحديث يحتمل أن يكون معناه البيع إلى أجل مجهول، نهى عن بيع حبل الحبلة، فالمرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على النهي عن بيع الحمل، سواء كان الحمل الذي بطن الناقة، أو ما سيحمله ما في بطنها، واضح وإلا مو بواضح؟ نقول: نهى عن بيع حبل الحبلة، والتفسير المدرج سواء كان من الصحابي أو من التابعي يدل على غير هذا، قال: كان الرجل يبتاع الجزور إلى .. يعني إلى أجل حلوله أن تنتج الناقة، واضح وإلا مو بواضح؟(77/7)
"ثم تنتج التي في بطنها متفق عليه، واللفظ للبخاري" ولذا يختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث؛ لأن المرفوع له دلالة، وله مفهوم واضح، وهو أن المنهي عنه بيع الحمل، لما فيه من الغرر؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون المبيع معلوماً برؤية أو صفة، هل يستطيع إنسان أن يصف ما في بطن الناقة؟ ما يمكن فضلاً عن أن يصف ما سيكون في بطن الذي في بطنها، هذا في غرر، القول الثاني لأهل العلم أخذوه في تفسير الصحابي أو التابعي على الخلاف في ذلك المدرج، وقالوا: إن الحديث سيق للمنع من التأجيل إلى أجل غير معلوم مجهول، ويؤيده التفسير: "كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها" وكلاهما ممنوع، بيع ما في بطن الناقة، وبيع ما سيكون في بطن الذي في بطنها ممنوع، غرر الجهالة والتأجيل إلى أجل غير محدد أيضاً ممنوع، غرر الجهالة، يعني هل وضع الحمل يكون في يومٍ معين، أو في شهر معين؟ ألا يوجد في الحوامل سواء كن من النساء أو من الإبل أو من البقر ما يتأخر الوضع عندها؟ يوجد، فالتأجيل إلى وضع الحمل أجل غير معلوم، {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [(282) سورة البقرة] لا بد أن يكون مسمى ومحدد، ولذا حصل الإشكال في عهد عمر -رضي الله عنه- لما جيء له بصك –وثيقة- فيها أن لفلان على فلان ابن فلان دين مقداره كذا حلوله في شعبان، شعبان الماضي وإلا شعبان القادم وإلا أي شعبان؟ ما في سنة، ما يُدرى؛ لأنه ما كان هناك تاريخ، فوضع عمر -رضي الله عنه- بالاتفاق مع الصحابة التاريخ، فالأجل لا بد أن يسمى، وجاء في السلم، وأنه لا بد أن يسلم في شيء معلوم إلى أجل معلوم، فعلى كلا الاحتمالين البيع ليس بصحيح، ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
وش لون معلوم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما يختلف إما ذكر وإلا أنثى، ما يعلم وقته، ما في حمل يمكن أن يحدد باليوم، وكثيراً ما يقول الأطباء أن هذه المرأة في الشهر كذا، وسوف تلد في كذا، ولا يصير، ما يصير، وذكر من طرق كثيرة جداً أن من النساء من يمتد حملها إلى ضعف ما تحمله النساء، وقل مثل هذا في البهائم.(77/8)
حكي عن بعضهم: أن المراد بالحبلة الكرْمة التي هي العنب، وأن الحديث يدل على النهي عن بيع العنب قبل أن يصلح، والنهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها معروف، لكنه فهم بعيد، واحتمال ضعيف، نعم.
وعنه: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء وعن هبته" متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعنه" أي ابن عمر، راوي الأحاديث السابقة، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الولاء" في حديث في قصة بريرة السابقة، واشتراط الولاء لأهلها من الأنصار، وما حصل من إنكار النبي -عليه الصلاة والسلام- ذلك عليهم، وشراء عائشة لها، وكون الولاء لها، كل هذا يدل على أن الولاء لازم كالنسب، وأنه لحمة كلحمة النسب، لا يُتنازل عنه، فلا يباع، ولا يوهب، مثل النسب، قد يقول قائل: إن أبرز ما في الولاء من أثر عملي هو الإرث، والمولى الذي يستحق الإرث من هذا المعتق له أن يتصرف في هذا الإرث كيف شاء؟ نعم، له أن يهبه لمن شاء، أرثي من فلان لك يا فلان، نعم؟ فيما يملكه من الأموال يتصرف فيها، إذا كان جائز التصرف، لكن يبقى أن المسألة حكم شرعي، يعني لو قيل مثلاً شخص له عشرة أبناء وترك مال يرثه هؤلاء العشرة، فقال شخص منهم: نصيبي لفلان، لعمي فلان مثلاً، يملك أن يهب نصيبه لعمه، لكن لا يملك أن يكون عمه وارث كإخوته، وهنا يملك الإنسان أنه إذا ورث من العبد أعطاه فلان، أو فرقه على المساكين، أو تصرف به كيفما شاء إذا كان صحيح التصرف، أما الإرث فهو حكم شرعي، يعني في إخراج حصر الورثة مثلاً، إذا قيل: مات فلان عن أبناء: فلان وفلان وفلان، وبناته وزوجته وما أدري إيش؟ هل للقاضي أن يثبت اسم العم بدلاً من الابن الذي تنازل عن إرثه؟ ليس له ذلك؛ لأنه ليس له أن يغير من الحكم الشرعي شيء، لا هو ولا الولد، لكن إذا قبض الولد نصيبه وأعطاه عمه ما أحد يستدرك عليه في شيء، وهنا الولاء نهي عن بيعه وعن هبته؛ لأنه حكم شرعي لازم كلزوم النسب، كانت العرب تهب الولاء وتبيعه، فجاء النهي عن ذلك، وجاء فيه ما يدل على أنه لازم كالنسب، نعم.
طالب: وعن أبي ....
هذا الحديث مثال في علوم الحديث من يذكره؟ في أي باب؟ كالنهي عن بيع الولاء وهبته، في أي باب؟(77/9)
طالب: في ألفية العراقي لكن ما ....
ألفية العراقي! في أي باب؟
الأفراد؟
تحفظ الأفراد؟
طالب: كالنهي عن بيع الولاء وهبته. . . . . . . . .
إيه كالنهي عن بيع الولاء وهبته ... لكن كمل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الفرد؟
طالب:. . . . . . . . .
النسبي أو المطلق؟ وليس في أقسامه النسبي، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
تفرد به الزهري، نعم؟ عمن؟
طالب:. . . . . . . . .
مالك عن الزهري، المقصود أنه فرد، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة, وعن بيع الغرر" رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة, وعن بيع الغرر".
عمومٌ بعد خصوص، نهى عن بيع الحصاة، بيع الحصاة له صور: إما أن يأخذ حصاة من الأرض ويتفق مع صاحب سلعة أو سلع فيقول: أي شيء وقعت عليه هذه الحصاة فهو علي بكذا، احتمال أن تقع على سلعة بمائة، واحتمال أن تقع على سلعة بألف أو بريال، المقصود أن هذا غرر، وهذه صورة واضحة من صور بيع الحصاة، أو يرميها على قطيع من الغنم فالتي تقع عليها أو من الإبل أو من غيرها فهو عليه بكذا، واحتمال أن يكون ما تقع عليه يستحق هذا الثمن أو لا يستحق أو يستحق ضعفه، وفي هذا من الغرر والجهالة ما فيه، منهم من يقول: إن مما يدخل من صور بيع الحصاة أن يقبض كفاً من حصى فيقول: بعتك هذه السلعة بقدر ما في كفك من الحصى، وهذا أيضاً غرر وجهالة، صور كثيرة تدخل في مثل هذا، منهم من يقول أيضاً أن من صوره أنه يجعل في كفه حصاة متى وقعت لزم البيع، متى سقطت من يده لزم البيع، المقصود أن من أظهر صوره قذف الحصاة على السلع، صورة ظاهرة، وسبب المنع منها الغرر والجهالة، وعن بيع الغرر، عموم بعد خصوص، ونص على الخاص وإن كان يشمله اللفظ العام للاهتمام به، والعناية بشأنه؛ لأن من شرط صحة البيع أن يكون الثمن معلوم، وأن يكون المثمن معلوم، أما ما اشتمل على جهالة وغرر فقد اختل شرط الصحة.(77/10)
صور يتداولها الناس ويتعاملون بها فيها من الغرر ما فيها، غرر وجهالة تأتي إلى المستوصف وتقول له: هذا ألف ريال على أن تعالجني لمدة سنة غرر وإلا ما فيه غرر؟ احتمال أن يكلف علاجك عشرة آلاف، واحتمال ألا تحتاج ولا ريال، تأتي إلى مغسلة سيارات وتقول له: هذه مائة ريال على أن تغسل سيارتي لمدة سنة، كل هذه الأمور تفضي إلى الخصومة والنزاع، وكل ما أفضى إلى نزاع فالشرع لا يأتي به، بل يأتي بحسم مادته، وقطع النزاع، قطع دابر النزاع، المفضي إلى الخلاف، الضمان ضمان السلع فيه غرر، اشتريت جوال قال: عليه ضمانه، احتمال أن يحتاج إلى إصلاح في كل أسبوع، واحتمال أن ينتهي من غير حاجة إلى إصلاح، تنتهي صلاحيته، يبطل عمله الكلي لغير إصلاح، هذا غرر، قد يقول قائل: إن هذا تبرع من صاحب السلعة الذي باعها، وقل مثل هذا في السيارات، نقول: إن كان هناك فرق بين قيمة السلعة المضمونة، وبين قيمة السلعة غير المضمونة هذا ما هو بتبرع، لا سيما إذا كان الفرق له وقع في الثمن، فهذا الضمان في مقابل هذه الزيادة، لكن إن كانت السيارة بمائة ألف مضمونة أو غير مضمونة سواء، ما تزيد ولا تنقص، قلنا: إن إصلاحهم لها تبرع منهم، وقل مثل هذا في الجوال وغيره من السلع، هناك أنواع من الغرر تعارف الناس على التسامح فيها، أو لم يقدروا على الوقوف على حقيقتها، الأساس -أساس البنيان- أساس الجدران، أساس القواعد ما يمكن يطلع عليه الناس، مقدار الحديد الذي في الجسور أو غيره من .. ، لا يمكن أن تطلع على هذه الأمور إلا بفساد السلعة.(77/11)
الثياب المبطنة لو اشتريت كوت مثلاً فيه حشو، هل يلزم أن تدري إيش اللي بوسطه؟ إما خيش وإلا صوف وإلا قطن وإلا؟ هذا يتسامح فيه، هذا من أنواع الغرر التي تعارف الناس على التسامح فيها، هناك أمور أيضاً يشتمل بيعها على الغرر: مثل السمك في الماء، ويكون حينئذٍ غير مقدور على تسليمها؛ لأنها في الماء حجمها يختلف عن حجمها إذا أخرجت، هو من هذه الحيثية فيه غرر، وفيه أيضاً اختلال شرط آخر وهو كونها غير مقدور عليها، الطير في الهواء لا يمكن ولا يقدر على تسليمه، فمثل هذا لا يصح بيعه حتى يمكن تسليمه، طير في هواء في حكم المقدور عليه، يعني افترضنا أنه في طائر في هذا المسجد، وقال: نبي نبيعك هذا الطائر، وأنت تراه من جميع جهاته، ومقدور عليه، يعني بعد ساعة أو ساعتين بيتعب ويطيح، هذا في حكم المقدور عليه، لكن قد يعتريه ما يعتريه إذا كان هناك مواد متلفة في المسجد، أو في المكان الذي اتفق عليه، مراوح طار الطير وخبطته المروحة وانكسر، الضمان على من؟ المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد أن يكون المبيع مقدور على تسليمه، وأن يكون معلوم معرفة تامة، يتسامح في الغرر اليسير الذي تعارف الناس على التعافي عنه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بيع الموصوف الوصف الدقيق يجوز، لكن يبقى أن المشتري بالخيار إذا اختلفت صفته، هناك نوع من الخيار يقال له: خيار الخلف في الصفة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو مسألة ضمان هذه يرد بالعيب، خيار العيب، هذا خيار العيب، نعم.
وعنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله)) رواه مسلم.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(77/12)
"وعنه" يعني أبا هريرة راوي الحديث السابق "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله)) " يعنى حتى يقبضه القبض الشرعي المعتبر، وقبض المكيل بكيله، قبض الموزون بوزنه، قبض المعدود بعده، وهكذا فلا بد من القبض، ومع ذلك في الطعام لا بد أن يحوزه إلى رحله، والخلاف في بقية السلع، وجاء في الحديث: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" فالقبض له شأن يعين السلعة، وينقلها من ضمان البائع إلى ضمان المشتري، وأما ما يحصل من التساهل في أمور بالإمكان قبضها ويتساهل في قبضها لا شك أن هذه مخالفة، وابن عباس -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ولا أحسب كل شيء إلا مثله" يعني مثل الطعام، وجاء الحديث العام: "نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" والطعام أشد؛ لأن فيها النص الخاص ((من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله)) فالطعام لا بد من نقله، والسلع كذلك، فيما يمكن نقله، أما ما لا يمكن نقله فقبضه يكون بالتخلية، وبعض الناس يهمه أن يستعجل فيما هو بصدده، ولا يستوفي الشروط والواجبات الشرعية، اشترى سلعة وهو لا يريدها إنما يريد قيمتها، المسمى عند أهل العلم مسألة التورق، ما يهمه إلا القيمة على أي وجه كان، يشتري من شخص قد لا يكون ملكه لهذه السلعة تاماً، ثم بعد ذلك يستعجل فلا يقبض، ثم بعد ذلك يستعجل فيوكل البائع الأول، ويبيعها أو بيعها عليه، كل هذه مخالفات، في مثل هذه المسألة التي هي مسألة التورق، والخلاف فيها عند أهل العلم معروف في أصل جوازها، ويزداد ضعفها مع التساهل الحاصل بين الناس، يشتري تورق حديد في الصين، أو اسمنت في اليابان، أو ما أدري إيش؟ على شان إيش؟! يعني البلد ما في سلع يمكن قبضها؟! أين التحري يا إخوان؟ هذا تحايل، ثم بعد ذلك يشتري السلعة من شخص عرف بالتساهل، وقد يكون في معاملاته المخالفات الشرعية، ويقول: وكلني أقبض لك، وكلني أبيع لك، وتجئ تجد الثمن جاهز، التحايل في مثل هذه الصور ظاهر، لكن من احتاج إلى مسألة التورق يبي يتزوج وما عنده دراهم بيشتري سيارة، بيشتري حاجة أصلية يحتاجها، جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة على(77/13)
جواز مسألة التورق، على أن تكون شروطها مستوفاة، يكون البائع الأول مالك ملك تام للسلعة ثم بعد ذلك يبيعها على من يريدها، ولو كانت الإرادة لثمنها يبيعها عليه بالثمن الذي يتفقان عليه، ثم المشتري يقبض قبض شرعي معتبر، ثم يبيعها المشتري يبيع سلعته على طرف ثالث، ثم الطرف الثالث يقبضها ويتصرف فيها، في مثل هذه الصورة مسألة التورق جائزة عند جماهير أهل العلم، لكن يقول: أنا أبيع عليك أسهم، أسهم إيش؟ حديد، وين؟ باستراليا، كيف تقبض؟ كيف؟ هل له حقيقة هذا الحديد؟ صلب في اليابان، كيف؟ يعني ضاقت أسواق المسلمين عن السلع التي تحل مشكلاتهم؟ ما ضاقت، الخيرات كلها عندنا -ولله الحمد-، ومسألة التورق معروف كلام أهل العلم فيها، وأسهل ما يتعامل به بالنسبة لها السيارات، التي يمكن قبضها وتحريكها وحيازتها ببساطة وسهولة، يعني بعض الناس يتعامل بالأطعمة، يستدين من زيد ألف كيس ويقول: وين؟ متى تجي الألف كيس؟ متى نحط ألف كيس؟ إحنا مستعجلين، هذه سيارة شغلها وطلع بس، أيسر على الناس هذه، فهي أقرب إلى تحقيق القبض المعتبر، نعم، قبض كل شيء بحسبه، ما يشق نقله، ولا يستطاع حمله، قبضه بالتخلية كالأراضي والثمار على رؤوس الشجر وغيره ما لم يمكن نقله.
في مسألة مما يتعلق بحديثنا الأطعمة في الأسواق، أسواق الفواكه والخضروات وغيرها، يجي يحرج على سيارة كاملة فيها ألف صندوق تمر، كم نبيع؟ بعشرة، عشرين، ثلاثين؟ نصيبك، ثم المشتري وهو في السيارة يبدأ يقطع خذ يا فلان كذا، خذ كذا ما حازها، والطعام أمره أشد من غيره من السلع لورود النص الخاص فيه، فلا بد أن يقبضه يحوزه لا بد أن يحوزه ينقله من هذا المكان إلى مكان آخر، ويطمئن على العدد، وعلى النوعية وعلى .. ، كم من إنسان نكب بهذه الطريقة! ولا يأتي الشرع بشيء لمجرد أنه في زيادة تكليف أو زيادة مشقة أبداً، إنما يأتي الشرع بما يحقق المصالح، كم من واحد استعجل ولا قبض ولا فرز ولا سوى شيء، ثم يندم، يتبين له خلل في السلعة، فيفضي مثل هذا إلى النزاع والشقاق والخصومات، والشرع بمثل هذه النصوص يقطع دابر هذه الخصومات، نعم.(77/14)
وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله)) رواه مسلم، وعنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة" رواه أحمد والنسائي, وصححه الترمذي وابن حبان.
ولأبي داود: ((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعنه -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة" يعني في صفقة واحدة، أبيعك كذا على أن تبيعني كذا، أو أن أبيعك هذه السلعة بألف حالة وألف وخمسمائة مؤجلة لمدة سنة، إذا قال: هاتين البيعتين .. لك هذه السلعة بألف حالة وألف وخمسمائة مؤجلة، يعني هل المقصود بهذا أنه يختار في المكان ويختار الحال له الآجل؟ هل هذا هو المقصود في بيعتين في بيعة؟ لا، تم العقد على بيعة واحدة، فلا يدخل في النهي، لكن تكتب الوثيقة على أنها بألف حالة، أو بألف لمدة سنة، وبألفين لمدة سنتين، وتكبت الوثيقة على أنه إن جاء بالمبلغ فهي بالسعر الأول، وإن لم يأت به فبالسعر الثاني، هذه هي الصورة المطابقة للحديث واضح وإلا مو بواضح؟ لكن إذا قال: بألف حالة أو ألف وخمسمائة لمدة سنة، واختار المشتري أحد البيعتين، ما يقال: له بيعتين، لكن المحظور أن يعقد البيعتين في عقد واحد، ولا يقطع بإحداهما في محله، لو قال له: بألف حالة أو ألف وخمسمائة بعد سنة، وأترك لك فرصة تختار مدة أسبوع يصح وإلا ما يصح؟ يصح، لماذا؟ لأنه ما أبرم العقد، ما بعد صار بيع إلى الآن، لكن الإشكال في العقد الملزم، وإبرام العقد، والتفرق بعده، فلا يتضمن بيعتين.
((من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)) طيب باع بيعتين هذه السلعة عليك بألف حالة، دعونا من حالة، بألف لمدة سنة، وبألفين لمدة سنتين، باع بيعتين وكتب العقد على هذا الأساس، لا يستحق صاحب السلعة إلا الثمن الأدنى، فله أوكسهما أو الربا.(77/15)
وجه الشبه في مثل هذه الصورة بالربا أن الألف المدفوع بعد سنة صار هذا الألف المدفوع بعد سنة بألفين بعد سنتين، وإذا باع شخص ألف بألفين هذا ربا وإلا ليس بربا؟ صار عين الربا، ولذا لا يستحق إلا أوكسهما الذي يمثل في حكم رأس المال، ولذا المرابي لا يستحق أكثر من رأس ماله {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] وهنا نقول: له أوكس القيمتين أو الربا، إن أخذ الأكثر أخذ الربا، هذا يعني مع الجهل بحكم مثل هذا العقد، أو مع الإصرار عليه، والعلم بحكمه، ثم التوبة، أما الإقدام على عقد محرم لا يجوز بحال، ولو نوى أن يتصرف بالزائد، ما يعفيه أن يتصرف بالزائد إذا أقدم عليه، يقول: يقدم على محرم ثم بعد ذلك يتخلص منه لا يعفيه هذا أبداً، مسألة التخلص فيما إذا ورد عليه شيء من المحرم مما لم يقصده يبرأ من عهدته بالتخلص منه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه مسألة عند أهل العلم يعبرون عنها: بـ"ضع وتعجل" يعني افترضنا أنك بعت سيارتك على شخص بمائة ألف لمدة سنة، ثم جاءك بسبعين بعد ستة أشهر، أو أنت احتجت سبعين، وقلت له: عجل لي بسبعين وأتنازل عن الباقي، هذه مسألة معروفة عند أهل العلم يجيزونها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عقود إيش؟.
طالب:. . . . . . . . .
طيب لكن أنت الآن هذه المساهمة في هذه الشركة، الشركة قائمة عبارة عن عروض تجارة وإلا أموال مجمدة في البنوك؟
طالب: عروض تجارة.
عروض تجارة أنت لك جزء مشاع من هذه العروض، لك أن تبيعه متى شئت وكيف شئت.
طالب:. . . . . . . . .
فين مغلقة؟
طالب: نعم؟
كيف مغلقة؟ مساهمتها أو ألغيت؟ على كل حال من أراد أنت لا تغش ....
طالب:. . . . . . . . .
يعلم ذلك إذا أقدم .. ، إذا كانت أغلقت بحق ولا أمل في الإفراج عنها فلا .. ، ما صارت مال يأخذ عليه قيمة خلاص انتهت، فأنت ما تبيع شيء أنت، أنت تبيع لا شيء الآن.
طالب:. . . . . . . . .
الإشكال إيش؟ أنك أنت إن كان ميئوس منها فأنت تبيع لا شيء، تأكل مال أخيك بالباطل، أما إذا كان غير ميئوس منها، واحتمال أن تفتح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(77/16)
ما يكفي غلبة الظن؛ لأنك تبيع شيء غير مقدور على تسليمه لا حقيقة ولا حكماً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ضع وتعجل ما فيه إشكال، ضع ما فيه إشكال -إن شاء الله- نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكنه يختار الآن أحد البيعتين ما فيه شيء إيه، هو راح من عندك ما قطع خياره، صار هو الذي إن شاء ....
طالب:. . . . . . . . .
الصورة الآن ....
طالب:. . . . . . . . .
نعم السؤال يقول: ما الفرق بين كون المشتري يختار في المجلس أحد البيعتين وكونه لا يختار؟ يعني أنت إذا قلت له هذه السلعة بألف لمدة سنة وألفين لمدة سنتين، يعني بعد استلامه للسلعة وبيع السلعة انتهت السلعة، ما في سلعة، فيه ألف ريال، في ذمته لك ألف ريال تحل بعد سنة، إن ما سدد هذا الألف بعد سنة صار بعد سنتين ألفين، فيكون ربا الجاهلية، إما أن تقضي وإما أن تربي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف أن السلعة في مدة الخيار ...
هذا يقول: لو تكرمت ينبه الإخوان على عدم المقاطعة في الأسئلة الشفوية؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يقبض السلعة، السعلة ما زالت من ضمان البائع.
طالب:. . . . . . . . .
إلى أن يجزم بأحد ....
يقول هذا: لماذا لا يكون الدرس غداً -إن شاء الله تعالى- بعد العصر أو بعد المغرب؟
الشيخ ما عنده شيء بكرة؟ الشيخ ما عنده درس غداً؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا يقول: لماذا لا يكون الدرس غداً -إن شاء الله تعالى- بعد العصر أو بعد المغرب لوجود محاضرات بعد العشاء، ونريد حضور الدرس مع محاضرة من هذه المحاضرات، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل الشيخ المغرب عنده .. ؟ ما هو بعندكم المغرب الشيخ؟ إذاً ما يمكن تقديمه إلى المغرب، العصر هو الاحتمال، العصر نبي نحتاجه يوم الخميس -إن شاء الله تعالى-، يوم الخميس سوف يكون الدرس عصراً -إن شاء الله تعالى-؛ لأن في محاضرة في الجبيل بعد العشاء ما يمدينا عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(77/17)
متى؟ غداً؟ هو يقول هذا، لكن يقول: إن العصر ما نقدر نحضر، قلنا: غداً العصر الأربعاء باعتباره دوام ما يقدرون يحضرون، لكن المغرب الشيخ عنده درس هنا، فما في حل غداً إلا درسنا العشاء، بعد غدٍ والإخوان كلهم ما عندهم عمل الخميس، يكون الدرس العصر -إن شاء الله تعالى-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العشاء محاضرة بالجبيل -إن شاء الله تعالى-.
سم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنهم- قالوا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل سلفٌ وبيع، ولا شرطان في بيع, ولا ربح ما لم يضمن, ولا بيع ما ليس عندك)) رواه الخمسة, وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم.
وأخرجه في (علوم الحديث) من رواية أبي حنيفة عن عمرو المذكور بلفظ: "نهى عن بيع وشرط" ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في (الأوسط) وهو غريب.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنهم-" مضى الكلام مراراً عن هذه السلسلة، وأنها إذا صح السند إلى عمرو فأعدل ما يقال في حكمها أن الحديث حسن، "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل سلفٌ وبيع)) " والمراد بالسلف هنا: القرض، نعم يراد به هنا القرض، فلا يقول: سلفني أو أقرضني وأشتري منك، أو يقول البائع: أقرضك وتشتري مني؛ لأن هذا القرض جر نفعاً، وإذا كان المراد بالسلف هنا السلم؛ لأن معنى السلف في الأصل والسلم واحد، يبيع عليه ثمرة زرعه بحيث ينقد المشتري الثمن والمثمن آجل، معلوم المقدار ومعلوم المدة، الأجل، فإذا باع عليه هذه الثمرة ونقده الثمن وبقيت السلعة عند صاحبها، الثمرة عند صاحبها المزارع إلى أن استوت وحان قطافها هذا السلم جائز بالإجماع، وهو في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، إذا أضيف إلى هذا العقد بيع، إذا قال: اشتري منك الثمرة الآن بمائة ألف وبقي على جذاذها ستة أشهر، وإذا جذت تستحق مائة وعشرين ألف، هذا السلم، لكن قال له: على أن تشتري مني بهذه المائة ألف السيارة الفلانية أو البيت الفلاني، فيكون هنا المنع من سلم وشرط، وعقدين في عقد، فالمنع من هذه الحيثية.(77/18)
((ولا شرطان في بيع)) منهم من فسر الشرطين في البيع ما أشرنا إليه آنفاً من أن يقول له: السيارة بمائة ألف لمدة سنة وبمائة وخمسين لمدة ستين، فُسر بهذا، وهذا ممنوع، وذكرنا وجه المنع، ومنهم من يمنع الشروط الفاسدة، وأما الشروط الصحيحة لو اشترى قطعة قماش، واشترط عليه التفصيل والخياطة، نعم اشترط عليه التفصيل والخياطة، هذان شرطان في بيع، من يعمم الخبر يقول: أبداً ما يصح مثل هذا العقد، أو اشترى منه الحطب، وقال بشرط: أن تكسره وتحمله إلى البيت، شرطان في بيع، فالذي يحمل الحديث على عمومه يمنع مثل هذا، والذي يفسره بما سبق يبيح مثل هذا، والمسلمون في الأصل على شروطهم، والذي يقول: إن المراد به من الشروط الفاسدة يحمله على الشروط الفاسدة، لكن الشروط الفاسدة يعني منعها هو الأصل لفسادها ولمخالفتها ما في كتاب الله، فيكون الحديث مؤكد، وليس بمؤسس لحكم جديد، نعم؟ كيف مؤكد وليس بمؤسس؟ لأن الأصل أن الشروط الفاسدة ممنوعة، نعم؟ هذا الأصل، وإذا حملنا هذه الشروط المنصوصة على الشروط الفاسدة قلنا: إنه ما جاب جديد في الحديث، صار مؤكد، لكن لا مانع من حمل الخبر على التأكيد، وأن كان التأسيس أقوى منه إذا كان التأسيس معارض بنصوص أخرى.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: لو يبين التأسيس والتأكيد؟
ويش فيه؟
طالب: ما هو الأصل في الكلام التأسيس؟ لو يُبين يعني بمثال ....(77/19)
أهل العلم يقولون: التأسيس خير من التأكيد، إذا حملنا هذه الشروط على الشروط الفاسدة كما يقول جمع من أهل العلم يصير الحديث فيه فائدة جديدة وإلا من الأصل أن الشروط الفاسدة مخالفة لما في كتاب الله وممنوعة ولو كانت مائة شرط؟ من الشروط الفاسدة ما يبطل بنفسه، ومنها ما يبطل العقد، إذا كان ينافي مقتضى العقد، فنقول: ولا شرطان في بيع من الشروط الفاسدة، يقول القائل: الشروط الفاسدة من أصلها ممنوعة لسنا بحاجة إلى مثل هذا الحديث؛ لأن ما في جديد يصير مؤكد لنصوص سابقة، لكن إذا قلنا: إنه مؤسس وجاء بحكم جديد غير ما نعرفه من النصوص الأخرى هذا أولى، التأسيس أولى من التأكيد، لكن يبقى أنه إذا كان التأسيس معارض لا سيما في حمله على الشروط الصحيحة التي لا تأتي على العقد بالبطلان، المسلمون على شروطهم، طيب اشترى الحطب في البر هذا جمع له سيارة مليانة حطب، وقال: وصلها البيت هذا شرط، وعليك تكسيرها هذا شرط، مجرد الشرط الواحد معارض بإيش؟ بحديث جابر الذي تقدم في الصحيحين، اشترط الحملان ففيه بيع وشرط، وأكثر من شرط يعني لو قال مثلاً: هذه السيارة التي تعبت على قطعها من الحطب وصلها البيت، وهو بحاجة إلى تكسيرها، نقول: لا تقول لهذا: يكسر يكفيه شرط واحد؟ وائتِ بآخر يكسر وإلا نقول: لا مانع أن يكسر هو؟ وإذا اشتريت قطعة قماش لا تترك الفرصة لهذا بأن يفصل ويقطع ويخيط، لا، شوف واحد ثان، هل هذا هو المراد؟ نعم؟
طالب: ليس المراد.
هو قيل به على كل حال، قيل به، أنت اشتريت السلعة خل غيرك يتصرف، يحقق لك ما تشاء من الشروط، لكن عموم المسلمون على شروطهم وهذا شرط لا يحرم حلال، ولا يحل حرام، وأيضاً يدل عليه حديث جابر حيث اشترط الحملان وهو أصح من هذا الحديث لا بد من حمله على وجه لا يعارض ما هو أقوى منه.(77/20)
((ولا ربح ما لم يضمن)) لأن الخراج بالضمان، والربح خراج فلا بد أن يكون تابع للضمان، الآن تسمعون في كلام أهل العلم أن الربح المضمون لا يجوز، وهنا لا يجوز ربح ما لم يضمن، ويش الفرق بين هذا وهذا؟ هاه؟ الفرق بين الربح المضمون وربح ما لم يضمن؟ نعم؟ نعم تشتري أو تساهم مساهمة مع شخص يقول: ادفع لي مائة ألف وأعطيك كل شهر عشرة آلاف، هذا ما يجوز؛ لأنه ربح مضمون، السلعة التي لم يتم ملكها نعم؛ لأنه لا يكون ضمانها من قبل المشتري إلا إذا تم ملكها، اشترى سلعة وهو بمدة الخيار مثلاً، يبي يجرب قال: لي خيار شهر وصار يدور بها على المحلات إن كسبت جزم، وإن ما كسبت ردها على صاحبها، نقول: هذا ربح ما لم يضمن، أو ما قبض؛ لأن السلعة قبل القبض من ضمان البائع.
ويرد عندنا هنا التأجير المنتهي بالتمليك، كيف يرد هنا؟ السلعة في هذا العقد المشتمل على عقدين تأجيل وبيع، الآن من ضمان من؟ اشترى سيارة بأجرة، ما تقدر كيف تعبر؛ لأنها لا تدري هي بيع وإلا أجرة، ولذا ورد إلى هذه الصورة الخلل، قال: هذا السيارة عليك كل شهر ألفين ريال لمدة ثلاث سنين، وأبيعها عليك إذا انتهت هذه الأقساط بعشرة آلاف، تأجير منتهي بتمليك، استلم السيارة، وبدأ يسدد الأقساط، تلفت السيارة من ضمان من؟ من ضمان البائع؟ إن كان بيع إن اعتبرناها بيع فهي من ضمان المشتري، وإن اعتبرناها أجرة فهي من ضمان المؤجر، ولكون الضمان عائر في مثل هذه الصورة أفتى أهل العلم بعدم جواز مثل هذا البيع، عرفنا السبب؟ يعني لو اشترى أو أخذ سيارة من إحدى الشركات بهذه الطريقة تأجير منتهي بالتمليك لما قام الصباح إلى الدوام وجدها محترقة.
طالب:. . . . . . . . .
هما عقدان في عقد، لكن مسألة الضمان هنا ربح ما لم يضمن، من الذي يضمن الآن؟ وحينئذٍ يمتنع بيعها على صاحبها الأصلي وعلى الثاني، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أرباح إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . يضمن له الربح، يضمن الربح؟ عشرة بالمائة من رأس المال أو من الربح؟
طالب:. . . . . . . . .
بمائة ألف يعطيه كل شهر عشرة آلاف، لا هذا هو الربح المضمون الذي يمنعه أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .(77/21)
هذا كله ترويج وضحك على الناس،. . . . . . . . . شوف أوضح من هذا البطاقات بطاقات التلفونات اللي تقول لك: هات لنا عشرة آلاف، ونعطيك في كل شهر ألف ريال، أعطنا ثمانية ألف وخمسمائة نعطيك كل شهر ألف وخمس، هذا الربح المضمون الذي يمنعه أهل العلم، لكن إذا أفلس وحجر عليه روح دوره، المسألة الآن صارت الدنيا هدف، ما صار الهدف تحقيق العبودية التي من أجلها خلق الإنسان، ولذلك يتحايلون على الربح بأي وسيلة على كسب الأموال وعلى النصب على الناس والاحتيال عليهم بأي طريقة هذه مشكلة، ولذلك تتابع الناس في هذه الأبواب وغرر بهم، ودفعوا أموالهم، واستدانوا وباعوا أملاكهم والنتيجة لا شيء، مثل ما حصل العام الماضي، على الإنسان أن يتحرى طيب المطعم والمكسب.
((ولا ربح ما لم يضمن)) طيب البيع على التصريف، ينزل عشرة كراتين لبن في كل كرتون عشرين حبة، يقول: الذي يبقى منها رده إليّ هذا بيع ما لم ... نعم؟ يضمن وإلا مضمون؟ غير مضمون؛ لأنه بإمكانه أن يرده في أي لحظة على صاحبه، ولذا مثل هذا العقد لا يسمى بيع، إنما هو توكيل بالبيع بالأجرة، بالقدر الزائد على ما يريده صاحبه، أجرة لهذا البائع، يقول: تبيع اللبن بأربعة أنا لي ثلاثة وأنت لك ريال على كل حبة، نعم كأنه وكله أن يبيع هذا اللبن وأجرته على كل .. ، أجرة البيع على كل علبة ريال، فهو مجرد توكيل، وإلا فمثل هذا الشرط الذي يشترطه المشتري إذا اعتبرناه بيع واشترط المشتري أن يرد القدر الباقي هذا ينافي مقتضى العقد، شرط ينافي مقتضى العقد؛ لأن من تمام أو من مقتضى العقد أن ينتفع البائع بالسلعة كيف شاء وينتفع البائع بالثمن كيف شاء، والمشتري بالسلعة كيف شاء، هذا الأثر المترتب على صحة العقد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أجرة، أجرة بيع، سمسرة، إيه سمسرة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: في شرط ينافي مقتضى العقد فلا يصح البيع، هذا قلنا: إنه وكيل عنه يبيع له بالأجرة هذا شاء أم أبى ما هو ببيع هذا؛ لأنه في شرط ينافي مقتضى العقد، يبطل العقد اللي ما أصرفه أرجعه عليك، هذا ينافي مقتضى العقد، فهو مبطل للعقد.(77/22)
((ولا بيع ما ليس عندك)) وجاء في حديث حكيم بن حزام حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يأتيه طالب السلعة وليست عنده فيشتريها له، ثم يبيعها عليه، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تبع ما ليس عندك)) فلا يجوز البيع قبل تمام الملك، ويزاول الآن في أسواق المسلمين أنه يبرم العقد على المشتري ويأمل له من التجار غداً أو بعد غد، يمكن تجيني بعد أسبوع -إن شاء الله- تجد السلعة جاهزة، هذا باع ما ليس عنده "رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم" وهو حديث كما قلنا: حسن، "وأخرجه في علوم الحديث" الحاكم في علوم الحديث أخرج الحديث من رواية أبي حنيفة عن عمرو المذكور "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: "عن بيع وشرط" ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في الأصل، فهو غريب، لكنه لا يكفي أن يقال فيه: غريب، شديد الضعف؛ لأن فيه عبد الله بن أيوب وهو متروك، نعم اقرأ.
وعنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العربان" رواه مالك, قال: "بلغني عن عمرو بن شعيب به".
"وعنه" يعني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العربان" أخرجه الإمام مالك بلاغاً عن الثقة عنده، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والمبلغ مجهول، والثقة عنده مجهول، فالحديث ضعيف، وعمل به الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، بل أبطله مالك والشافعي؛ لأنه أكل لأموال الناس بالباطل، إيش معنى العربان؟ العربان والعربون يستعمل الآن، نعم، تأتي لصاحب السيارة وتقول: اشتريت هذه السيارة بمائة ألف وهذه ألف عربون، إن جئتك ببقية الثمن صار هذا الألف من قيمتها، وإن لم آتيك فالألف لك، هذا الألف الذي أخذه صاحب السيارة في مقابل وإلا في غير مقابل؟ في حالة عدم تمام العقد في غير مقابل، ولذا أبطله الإمام مالك والشافعي لهذا النهي؛ ولأنه من أكل أموال الناس بالباطل، نفس الشيء ما في شيء في مقابل هذا الألف، والنهي هنا الحديث عرفنا أنه فيه ضعف، نعم المسألة إذا قلنا: إن الحديث ضعيف، وعرفنا أن الشافعي ومالك عملا به، ويؤيده أن هذا المبلغ لا مقابل له، فهو من هذه الحيثية من أكل أموال الناس بالباطل بدون مقابل، نعم؟(77/23)
طالب:. . . . . . . . .
انتظر، انتظر، هذا القول الثاني، منهم من قال: هذا في حكم الشرط، والمسلمون على شروطهم، وصاحب السلعة متضرر بحجزها، وبتفويت الزبائن، نعم تفويت الزبائن قد يكون من يريد الشراء قصده تفويت الزبائن، نعم يشوف السلعة السيارة يسومها زيد من الناس الذي دراهمه وشيكه في جيبه تسعة وتسعين ألف قال: مائة ألف، وهذا عربون ألف، قصده إيش؟ إلى أن يروح هذا الشاري، بحيث لو دار بها مرة ثانية ما جابت ولا تسعين فيأخذها بأقل، الذي ينظر من هذه الحيثية، وأنه فوت عليه الزبون، وضيع عليه جزء مما هو من حقه من ثمن السلعة، قال: إن العربون صحيح؛ لأنه شرط بينهما، والمسلمون على شروطهم، والحديث ضعيف، ولذا تجدون القضاة في المحاكم منهم من يحكم به، ومنهم من لا يحكم به، بناء على الخلاف بين أهل العلم، ولا شك أن الحكم به فيه قوة وإلا لو لم يوجد مثل هذا يسمونه شرط جزائي في حكم الشرط الجزائي، يعني إن جئت بالثمن وإلا ضاع عليك، مثل ما يتفق مع المقاول على أن يتم بناء المسكن في مدة سنة، لكن إذا ما تم في سنة ترى عليك في كل شهر عشرة آلاف، نعم لولا هذا الشرط الجزائي الذي صححه بعضهم كان تطول المدة، ويتضرر صاحب البيت، وقد يستفيد المقاول من الدراهم التي يأخذها من صاحب البيت في أموره الخاصة، وفي أعماله الأخرى، فهذا الشرط الجزائي صحح لأنه يحفظ الحقوق، ومثله العربون، وفيه قوة لا سيما وأن الحديث ضعيف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العربون: هو المقدم من قيمتها بحيث يتفقان على أنه إن كمل القيمة فهو من الثمن، إن لم يكمل ضاع عليه سواء قل أو كثر، لكن ما يتصور عربون بنصف القيمة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ما يتصور عربون كبير؛ لأن الناس يحتاطون لأنفسهم، نعم.(77/24)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ابتعت زيتاً في السوق, فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحاً حسناً، فأردت أن أضرب على يد الرجل، فأخذ رجل من خلفي بذراعي، فالتفت فإذا زيد بن ثابت, فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك; فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع السلع حيث تبتاع, حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" رواه أحمد وأبو داود، واللفظ له, وصححه ابن حبان والحاكم.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ابتعت" يعني اشتريت "زيتاً في السوق" الزيت ما يعتصر من الزيتون، أو من السمسم، أو من الشعير، أو من غيره، المقصود أنه ما يعتصر يقال له: زيت، زيت السمسم يسميه الفقهاء؟ هاه؟ شيرج، نعم.
"ابتعت زيتاً" يعني اشتريت زيتاً "في السوق، فلما استوجبته" استوجبته يعني بالإيجاب والقبول، قال: بعتك هذا الزيت، قال: اشتريت هذا الزيت، استوجبت يعني تم العقد بالإيجاب والقبول، "فلما استوجبته لنفسي لقيني رجل، فأعطاني به ربحاً حسناً" يعني وهو في مكانه "فأردت أن أضرب على يد الرجل" يعني أن أبيع عليه؛ لأن البيع مثلما تقدم من الباع كل واحد يمد يده هذا يأخذ وهذا يأخذ وهذا يعطي نعم، وأيضاً يقال لها: صفقة لأنه عمل باليدين.(77/25)
"أن أضرب على يد الرجل" يعني أن أبيع عليه وأخذ الثمن "فأخذ رجل من خلفي بذراعي" وين أنت رايح؟ وين تبي؟ "فالتفت فإذا زيد بن ثابت" ويش المحظور هنا؟ المحظور أنه يبيع الطعام في مكانه من غير أن يحوزه إلى رحله "فإذا زيد بن ثابت قال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك" الحيازة والقبض الشرعي المعتبر أمر لا بد منه، وإن كان يروج الآن من بعض الناس أن القبض أمر اعتباري، يراد منه التأكد من وجود السلعة وصلاحية السلعة، هذا لا يكفي، بل لا بد من القبض، "لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تباع السلع" وهذا يشمل الطعام وغير الطعام، وتقدم في حديث ابن عباس التنصيص على الطعام وقول ابن عباس: ولا أحسب أن بقية السلع إلا مثله، مثل الطعام، وهنا جاء العموم: "نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" لا بد من نقلها من مكانها، "رواه أحمد وأبو داود، واللفظ له، وصححه ابن حبان والحاكم" وأقل أحواله أن يكون حسناً، فلا بد من القبض الشرعي المعتبر مع الحيازة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يكفي حتى يحوزها الثاني، يحوزها المشتري الأول ثم الثاني.
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
عندنا حتى يحوزها التجار إلى رحالهم.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد أن يحوزها عن مكان البيع الأول.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل نقلها، الأمور التي لا تفضي إلى منازعات مثل الهبة، نعم لكن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، لا تلزم إلا بالقبض، لو قال: وهبتك هذا الكتاب ولا قبضته صار مجرد عدة، له أن ينفذ أو لا، لكن لو قال: وهبتك هذا الكتاب وقبضته العائد في هبته كالكلب لا يجوز العود فيها.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الحيازة بالنسبة للأمور التي لا يمكن نقلها بالتخلية، وأنت كأنك تريد أن تقول: هل نقل الملكية لها أثر وإلا ما لها أثر؟ يعني الإفراغ ونقل ملكية السيارة هذا قدر زائد على العقد الشرعي، هو زيادة توثقة لا شك، لكن الأصل في العقود الشرعية الإيجاب والقبول، نعم.(77/26)
وعنه قال: "قلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع, فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم, وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير, آخذ هذا من هذه وأعطي ....
من هذا.
طالب: نعم؟
آخذ هذا من هذا.
طالب: عندي من هذه.
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه؟
طالب:. . . . . . . . .
وش هي هذه؟ آخذ هذا من هذا، وأعطي هذا من هذا.
طالب: نعم.
أو من هذه الدراهم والدنانير؟
طالب: ما أدري أنا مثبتة؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا اللي عندك، أو أنت راجع إلى الأصول؟ نعم؟ في نسختك يعني، صح؟ لأن النسخ اختلفت الآن، يقول: آخذ هذا المال من هذا الرجل، وأعطي هذا المال من هذا الرجل، المقصود أو من هذه الدراهم والدنانير المعنى واحد ما يختلف.
طالب: نعم.
علق عليها المحقق؟
طالب: لا هو علق على: "وآخذ بالدنانير".
الدراهم، الدراهم هذه.
طالب: لا، ما علق.
علق عليها غيره؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش قال؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا إيه، هو أوضح التذكير أوضح، نعم.
وعنه قال: "قلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم, وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير, آخذ هذا من هذا وأعطي هذه من هذا? فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء)) رواه الخمسة, وصححه الحاكم.
يقول -رحمه الله تعالى-:(77/27)
"وعنه" يعني ابن عمر "-رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع" الحديث مضعف عند أهل العلم، رفعه ضعيف "قلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع, فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم, وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير" مقتضى هذا أنه صرف، صرف بوجود المالين أو بوجود أحدهما دون الآخر؟ نعم؟ المالين موجودين، يعني باع جمل بمائة درهم، نعم، فلما أراد الاستيفاء قال: والله ما عندي مائة درهم عندي عشرة دنانير، كلهن موجودات وإلا واحد؟ واحد، صرف في وجود أحد المالين، أبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، باع الجمل بمائة درهم جاء ليستوفي الثمن قال: والله ما عندي مائة درهم عندي عشرة دنانير عندي اثني عشر دينار خمسة عشر دينار ثمانية دنانير، صار إيش؟ في حكم الصرف، ومن شرط الصرف أن يكون .. ، ((إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) ظاهر وإلا مو بظاهر؟ قلنا: هذا صرف وصرف الدراهم الذي في ذمته بدنانير حاضرة، الدراهم ليست حاضرة، والدنانير حاضرة، إذا قلنا: إن الخبر ضعيف انتهينا من هذا، فلا بد أن يكون المالان الدراهم والدنانير كلها حاضرة، اشتريت بدراهم لا بد أن تدفع دراهم، فإذا دفعت هذه الدراهم، أو كانت بيدك، وأردت أن تأخذ مكانها دنانير، لا بأس، لا بد أن يكون الصرف يداً بيد، يعني قريب من هذا إذا ذهبت إلى صاحب المجوهرات معك ذهب مستعمل، وأنت تريد جديداً، نعم، تريد جديد بعت عليه القديم الجرام الواحد بثلاثين، ووزنه فإذا به أربعين جرام، قيمته ألف ومائتين، وبعت وانتهيت واستقرت القيمة في ذمة المشتري، أردت أن تشتري منه ذهب جديد، هل يلزم أن تقبض قيمة الذهب الأول؟ أو نقول: باعتبارها مقبوضة مثل قيمة البعير؟ فهي في حكم الحاضرة، الآن ما في ذهب بذهب، ذهب بدراهم في ذمته، هو ما هو بيشتري ذهب بذهب، ما قال: خذ هذا الذهب وأعطني جديد، لا، إلا لو كان يداً بيد، وزناً بوزن، لكن هو باع عليه هذه القطعة من الذهب أربعين جرام من ثلاثين بألف ومائتين، اشترى جديد ثلاثين جرام من أربعين ريال بألف ومائتين، قال: خلاص انتهينا، يصح وإلا ما يصح؟ نعم، لا بد أن يكون يداً بيد، ادفع له الألف والمائتين، خذ منه الألف(77/28)
والمائتين صاحب الدكان، ثم اشترِ منه وابذلها له؛ ليكون يداً بيد.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ما صار يداً بيد، ما قبض.
طالب:. . . . . . . . .
ولو تم البيع، لا بد أن يكون يداً بيد، ولذا لو صح هذا الخبر لكان فيه مستمسك لمثل هذه الصورة، فيه وإلا ما فيه؟ خلنا نقرر حديثنا الآن؛ لأن الوقت معنا، الآن فيه وجه شبه بينما صورناه وبين ما جاء في الحديث، فيه وإلا ما فيه؟ الآن قيمة الجمل دراهم، قال: ما عندي دراهم خذ دنانير، نعم؟ نأتي إلى صورتنا قال: أنت تحتاج ذهب ليش تأخذ مني ألف ومائتين وأنت تبي لك قطعة من الذهب بألف ومائتين خذ هذه القطعة، نقول: لا بد أن تستوفي القيمة ثم تشتري بها ذهباً جديداً.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
فيها خفاء؟ لأن الذهب مستعمل، يستعمله الناس، يستعملوه من غير نكير، يبيع عليه ويأخذ بداله، هذه لا بد من التنبيه عليها، لا بد أن يكون يداً بيد، أنت إذا اعتبرت أن الذهب في مقابل الذهب عين الربا، لكن أنت الآن الدراهم في مقابل الذهب، إذاً لا بد أن يكون يداً بيد، وهنا في صورة الحديث: الدنانير في مقابل الدراهم.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)) " يعني هل يكفي مجرد أن يحصل هذا في مجلس العقد أو لا بد أن يكون يداً بيد حقيقة؟ لا بد من التقابض حقيقة؟ يعني يكفي في مثل هذا الشيكات؟ بعت عليه ذهب وأعطاك شيك قال: روح اصرفه، يكفي وإلا ما يكفي؟ ما يكفي يا أخي، ما صار يداً بيد، لا؛ لأن الشيك ما هو بعملة، نعم؟ ما هو بعملة هذا الشيك، افترض أنك رحت البنك ولقيته مسكر قال: تجئ يوم السبت صار يداً بيد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت الآن افترضها في شيك مصدق، خلنا من الشيكات التي يحتمل ردها، قبض وإلا ما قبض؟ قبض القيمة يتصرف فيها كيف شاء؟ ما قبض يا أخي، قبض وثيقة كما لو كتب له بيده: أن عندي لك مبلغ ووقع عليه.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(77/29)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (5)
تابع: باب شروطه وما نهي عنه منه
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: بعض أصحاب الفحول يعني من الجمال والتيوس والثيران إذا طُلب منه الفحل للضراب طلب من المحتاج -يعني صاحب الأنثى- أن يحضر للفحل علف، شعير وبرسيم، فما حكم ذلك؟
هذه أجرته، وهذا عسبه، وهذا ثمن مائه، البرسيم والشعير مال تدفع فيه الدراهم، أما كونه يقول: ما أخذت أجرة، إنما أخذت علف، ولا أخذت مال، ولا أخذت دراهم، نقول: هذا مثل فعل اليهود، أذابوا الشحم وجملوه وباعوه، قالوا: ما بعنا شحم، على كل حال مثل هذا تحايل على النص فلا يجوز.
توفي رجل ولديه أسهم في أحد الشركات فهل فيها زكاة؟ وكيف تخرج إذا كانت أكثر من عشر سنوات؟
هذه الأسهم كلما حال عليها الحول تزكى، والزكاة دين الله في المال، ويجب أن يخرج هذا الدين مع ديون الآدميين، وهو في المرتبة الثالثة من مراتب الحقوق المتعلقة بالتركة.
الأول: مؤونة التجهيز.
والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة كالديون بالرهن.
والثالث: الديون المطلقة، ومنها حقوق الله -جل وعلا-.
والرابع: الوصية.
والخامس: الإرث.
يقول: رجل اشترى أربعين كيلو ذهب سبيكة بثلاثين كيلو ذهب مصاغ إلى سلاسل وحلق وغيرها من أدوات الزينة، وتكون الزيادة بحكم سعر الصياغة الحاصل على السبيكة .... ؟
هذا عين الربا، ((الذهب بالذهب -مثلاً بمثل- رباً إلا هاء وهاء)) فلا يجوز بيعه إلا مثلاً بمثل يداً بيداً، تجعل السبائك في كفة والمصوغ بعد أن تخرج منه المواد غير الذهب كالخرز ونحوه، فتجعل هذه في كفة وهذه في كفة، فإذا استوى قلب الميزان ولسانه جاز البيع حينئذٍ على أن يأخذ ويعطي، والصياغة لا تحول الذهب من كونه ذهب إلى كونه سلعة، فالصناعة لا تؤثر في حكمه، وهذا قول عامة أهل العلم، وقد أنكر الصحابة على معاوية -رضي الله تعالى عنه- لما باع الجام بأقل من وزنه مقابل الصناعة، وهذا قول ينسب لشيخ الإسلام، المقصود أن عامة أهل العلم على أنه يجري فيه الربا، ولذا القلادة التي فيها خرز جاء الأمر بتصفيتها من هذه المواد التي ليست ذهب لتتم المماثلة.(78/1)
يقول: وهل ممكن أبيع الذهب بمائتين وخمسين ريال سبيكة غير مشكلة على حلي ووزنها خمسة كيلو مثلاً، ثم أشتري من نفس البائع ذهب مشكل على حلي وزنه ثلاثة كيلو بنفس السعر؟
إذا بعت الذهب غير المصوغ بالريالات، واستلمت القيمة، فاشترِ بهذه القيمة ما يقابلها من الذهب المصوغ، سواءً كان وزن أول المبيع أو لا؛ لأنك الآن ما بعت ذهب بذهب، ولا اشتريت ذهب بذهب، إنما بعت ذهب بدراهم، واشتريت ذهب بدراهم، لكن وعلى كل حال لا بد من التقابض.
يقول: ما معنى قوله في حديث ابن عمر "وبينكما شيء"؟
معناه أنه لا يبقى من القيمة شيء، التي تم صرفها في الحال.
يقول: ما حكم الأجرة المنتهية بالتمليك؟
هذه شرحناها بالأمس، وقلنا: إن هيئة كبار العلماء أصدروا حكماً بتحريمها، وذكرنا بالأمس أيضاً السبب في التحريم.
يقول: هل الضمان محرم علماً بأنه يشمل الصيانة أما التكاليف فهي على المشتري؟
الضمان الذي يؤخذ في مقابله ثمن له وقع في السلعة، يعني إذا كان الجوال مثلاً بدون ضمان بألف، وبضمان بألف ومائتين، فهاتان المائتان في مقابل صناعة مجهولة، وإصلاح مجهول، فيمنع من هذه الحيثية، أما إذا قال صاحب المحل: أنا أبيعك الجوال بألف سواءً أتيتنا به لنصلحه لك، أو لم تأتنا، وليس لها وقع في الثمن، ولا اتخذ قيمة محددة من أجل إصلاحه فلا بأس؛ لأن الإصلاح حينئذٍ يكون تبرع من البائع.
يقول: ما حكم الاشتراك في بعض الصالات الرياضية لمدة شهر بمائة ريال، هل هذا يدخل في الغرر أم لا؟
هناك أمور لا بد فيها من الغرر، لا يمكن أن تكون معرفة الثمن، الثمن معروف، لكن معرفة مقابله بدقة مائة بالمائة، استأجرت محل، أنت استأجرت محل، استهلاكك لهذا المحل يعني بما فيه كهرباؤه وماؤه، وهاتفه، لا يدري صاحب المنزل هل تستهلك من الماء عشرة ريالات، أو مائة ريال، هذه أمور تثبت تبعاً، ولا يدري هل تسكن البيت شهراً أو ستكنه سنة، أو لا تسكنه البتة، هذه أمور .. ، وسكنى البيت لا شك أن له أثر على البيت.(78/2)
تأتي بمفردك إلى المكتب العقاري تقول: بكم هذه الشقة؟ يقول: بعشرة آلاف في السنة تقول: هذا العربون واكتب العقد، وتكتبون العقد، لكن أليس هناك فرق بين أن يسكن في هذه الشقة رجل وزوجته ما عندهم أولاد، أو رجل وزوجته وأولاده العشرة الذين يحدثون الأضرار بالمسكون؟ فهناك تفاوت في استعمال المستأجر، مثل هذا التفاوت يتجاوز فيه؛ لأن مثل هذه الأمور لا يمكن ضبطها كم عندك من الأولاد؟ يمكن يسألك عن أولادك وأنت تبي تستأجر؟ والله أولادك ستة لا، لا بد يصيرون خمسة ما نقدر نأجرك، وأنت تعلم ما يصير مثل هذا، هذه أمور تعارف الناس عليها من غير نكير.
وهذا الذي يدخل الحمام مثلاً في وقت في القرون المفضلة كانت الحمامات موجودة، ويدخل الإنسان الحمام، ويستعمله، ويغتسل فيه بأجرة معينة كانت الحمامات موجودة في الشام، وفي مصر، وفي سائر الأقطار، نعم؟ لكن ما يدرى كم يستهلك هذا الذي دخل الحمام، قد يضبط بالوقت يقال: تدخل الحمام لمدة ساعة، تدخل الحمام لمدة نصف ساعة، لكن استهلاك هذا المستأجر للماء ينضبط وإلا ما ينضبط؟ ما يمكن ضبطه، فمثل هذه الأمور يتسامح فيها.
فكونه يشترك بمائة ريال في هذه الصالة الرياضية، والمسألة مفترضة في صالة لا محظور فيها، ألعاب يستفيد منها تخفيف الوزن ويسمونه كمال الأجسام والقوة والنشاط هذه يستعملونها، لكن افترضنا أن هذه المسألة في محل لا محظور فيه، فكونه يستعمل هذه الألعاب كلها يستوي مع كونه لا يرغب في لعبة من الألعاب التي تعينه؛ لأن ما كل الناس اتجاههم واحد، فهو متاح له أن يلعب كيفما شاء، كونه تنازل عن بعض هذه الأمور، الأمر لا يعدوه، بعد لو اشترك بمائة ريال ولا حضر إيش نقول؟ ما عليه شيء، يدفع المائة وكونه يحضر هذا الأمر إليه، كما لو اشترى علبة لبن مدتها ثلاثة أيام أربعة أيام، ثم تركها أسبوع نقول: رجعها خلاص فسدت، هو الذي فوت على نفسه هذا الأمر، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(78/3)
إيه الاشتراك الطبي البون كبير جداً، الاشتراك الطبي لا يتيحون له العلاج بجميع أنواعه، الأمر الثاني هذه المدة هذا الذي اشترك بريال معروف أنه يأتي كل يوم، اتفق على هذا، كونه يتنازل عن هذا نعم الأمر إليه، لكن الاشتراك الطبي لو جاءهم كل يوم يرضون، كل يوم بيكشف يرضون؟ ما يرضون، يرضون إذا مرض، وكونه يمرض أو لا يمرض هذا غيب، احتمال ما يمرض أبداً، واحتمال أن يمرض بمرض عضال يحتاج إلى مائة ضعف مما دفع، بون كبير هذا.
يقول: هل يدخل في حديث أبي هريرة: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة -انتبهوا يا الإخوان- الحصاة بذاتها؟
بيع الحصاة واحدة الحصا، يعني أنت جالس بمنى في خيمتك جمعت لك سبعة آلاف حصاة، وكل سبع بريال، هذه السبعة الآلف تبي. . . . . . . . . نهى عن بيع الحصاة عموم الحديث يشمل مثل هذا؟ لا، لا؛ لأن الحصا تستعمل استعمال مباح، يمكن هناك حصا للبناء، خرسانة وإلا شيء نقول: هذا الحصا لا يجوز بيعه؟
يقول: الغرر الموجود في البوفيه المفتوحة يسير ومغتفر أو لا؟
لا ليس بيسر ولا مغتفر؛ لأن الناس منهم من يأكل عشرة أضعاف غيره.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . وماشي بإذن الله.
كثير من الإخوان يرسل ورق عتاب يقول: إني أرسل أسئلة ولا تجيبون عليها.
لكن الأصل الإجابة على الجميع متعذر، الإجابة على جميع الأسئلة متعذر، لكن سليمان ينتقي منها، ونحن كذلك.
هذا سؤال من الإنترنت وهذا سؤال من النساء ونختم بهما.
يقول أبو سارة من المملكة العربية السعودية: الحديث إذا كان من كلام جبريل -عليه السلام- فمن أي أٌقسام الحديث؟
كلام جبريل يكون من الحديث المرفوع بالإقرار النبوي، يكون من قسم التقرير، إذا صح سنده وألقاه جبريل، كيف نعرف أن جبريل قال هذا الكلام؟ نعم؟ هل يقوله لأبي بكر؟ هل يقوله لعمر؟ هل يقوله ... ؟ إنما يقوله للنبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا أقره النبي -عليه الصلاة والسلام- اكتسب الرفع من هذه الحيثية.
يقول من ألمانيا: هل يجوز سداد دين بالربا بفوائد البنك؟
لا يجوز بحال، تسديد الدين لا بد أن يكون بطريقة شرعية.
الغزالي من المملكة العربية السعودية: ما حكم بيع التقسيط؟(78/4)
بيع التقسيط إذا اشترى سلعة يحتاجها وإلا فالانهماك في الديون جاء التحذير منه، ومن أخذ أموال الناس تكثراً جاء الوعيد عليه، لكن من احتاج إلى سلعة فاشتراها بالتقسيط، {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] لا بد أن تكون السلعة مما يجوز بيعها، وتباح منفعتها، والثمن معلوم، والأقساط معلومة، والآجال معلومة.
يقول: أبو عبدا لعزيز المملكة العربية السعودية: هل سكرة الموت تكون لكل أحد؟
هذا هو الأصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أثبت: ((إن للموت لسكرات)) وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أنه يوعك كما يوعك الرجلان منكم" قال ابن مسعود: "ذلك أن لك أجرين؟ قال: ((أجل)) جاء في الشهيد أن سكرة الموت تخفف عليه، على كل حال مثل هذا ليس بعلامة تشديد السكرة على الإنسان وتخفيفها لا يدل على فضل ولا على عدمه؛ لأن تشديد السكرة عليه قد يضاعف له به الأجور، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يوعك كما يوعك الرجلان منكم؛ لأن له أجرين، فإذا وعك كما يوعك الثلاثة صار له ثلاثة أجور وهكذا، وإذا خف عليه الأمر لا شك أن هذا مما يعاقب به الإنسان، فترفع به، أو ترفع به درجاته، إما تكفر به سيئات كانت عنده، وإلا ترفع درجاته كما هو شأن النبي -عليه -الصلاة والسلام-.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعنه قال: "نهى -صلى الله عليه وسلم- عن النجش" متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعنه" يعني ابن عمر صحابي الحديث السابق "قال: نهى -صلى الله عليه وسلم- عن النجش" بسكون الجيم مصدر نجش ينجش نجشاً مثل ضرب يضرب ضرباً، والمقصود به في الأصل تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد، لكي يتبين، إذا كان مختفياً وراء شيء لا يمكن صيده يثار من أجل أن يتبين وينجش؛ ليتضح أمره فيصاد.(78/5)
وهو في الشرع: الزيادة في السلعة ممن لا يريد شراءها، إما لنفع البائع أو للإضرار بالمشتري، تأتي إلى سلعة تباع سيارة يحرجون عليها في المعارض ثلاثين ألف تقول: واحد وثلاثين ألف وأنت ما تبي السيارة، ولو باعوا عليك وأنت في مجلس الخيار تقول: والله ما لي رغبة، تريد أن يقال: اثنين وثلاثين، تقول: ثلاثة وثلاثين، ويقال: أربعة وثلاثين وهكذا، وأنت لا تريد شراءها إما لتنفع صاحب السيارة، أو لتضر المشتري، فإن كان باتفاق مع البائع اشتركا في الإثم، والنهي هنا للتحريم، وإن كان من غير اتفاق مع البائع فيستقل الناجش بالإثم إذا حصل العقد على هذه الكيفية، وعلى هذه الصورة، أحياناً يكون عكس هذا، يضر البائع يؤتى بالسلعة فيتفق الحاضرون ممن يريد شراء هذه السلعة على عدم الزيادة فيها ليشتركوا فيها، سيارة بخمسين ألف كم نقول: عشرين ألف، والثاني يقول: واحد وعشرين، ويوقفون على هذا، ما تجيب أكثر من هذا، وكل واحد يدلي برأيه ترى ما تسوى أكثر من هذا، بع على الرجل لا يفوتك، هذا إضرار بالبائع وهو أيضاً لا يجوز، لكن الذي يهمنا الزيادة الذي هو النجش.(78/6)
النجش إذا حصل السيارة تستحق خمسين ألف، فقال الناجش: واحد وخمسين، قال الثاني: اثنين وخمسين وأوصلوها إلى سبعين ألف، ثمانين ألف، واشترى هذا المسكين الذي غرر به؛ لأن بعض الناس يشتري بالتقليد، يشتري بالتقليد ما يعرف الأسعار، ولولا أنها تستحق ما سيمت تسعة وسبعين ألف إلا أنها ... أنا بحاجة إليها أزيد زيادة يسيرة فهي تستحق هذا الثمن، إذا اشتريت هذه السيارة التي لا تستحق إلا خمسين ألف بسبعين ألف أو ثمانين ألف، فهل البيع صحيح أو باطل؟ وإذا صحح هل يثبت الخيار للمشتري أو لا يثبت؟ الإثم حاصل، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النجش، من حيث الصحة وعدم الصحة المسألة خلافية بين أهل العلم، الظاهرية عندهم أن كل نهي يقتضي الفساد، كل نهي يقتضي الفساد، وعلى هذا البيع الذي تم بهذه الصورة فاسد، وهو عقد باطل تُرد السلعة به، إذا اطلع المشتري على حقيقة الحال يرد السلعة، فالعقد باطل عندهم؛ لأن كل نهي يقتضي الفساد، وهذا قول عند الحنابلة، وهو معروف أيضاً عند المالكية، لكن القاعدة في مثل هذا أن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، ذات المنهي عنه بيع خمر مثلاً، أو بيع كلب، أو بيع خنزير عاد إلى ذات العقد باطل، أو إلى شرطه، عاد النهي إلى شرط العقد يبطل، إذا عاد إلى أمر خارج يصح العقد مع الإثم، ومثلنا لهذه القاعدة بأمثلة مرت بنا مراراً من أوضحها سترة العورة الذي هو شرط لصحة الصلاة بثوب مغصوب، أو بثوب حرير بالنسبة للرجال الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ نعم؟ ستر العورة ويش يصير بالنسبة للصلاة؟ شرط، عاد النهي إلى الشرط، الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟
طالب: باطلة.(78/7)
باطلة لأنه عاد إلى شرط العبادة، لكن إذا عاد إلى أمر خارج صلى وعليه عمامة حرير هل عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها؟ عاد إلى أمر خارج فصلاته صحيحة، هنا عاد إلى أمر خارج، وعلى هذا يصح العقد عند جمع من أهل العلم، لكن له الخيار إذا عرف أنه زيد عليه له الخيار، فهو مغرر به، لو كانت الزيادة من غير نجش، وسيأتي هذا في باب الخيار يثبت الخيار مطلقاً وإلا لا؟ في النجش هذه يثبت الخيار مطلقاً، مثل المصرات، لكن لو كانت الزيادة فاحشة، الثلث فأكثر يثبت الخيار للزيادة الفاحشة، أما لو كانت أقل من الثلث وليس هناك نجش، وليس هناك تغرير، كم هذه السيارة؟ بسبعين ألف، ثم لما اشترها وجدها ما تسوى إلا خمسين، نقول: الزيادة لا تبلغ الثلث فلا تستحق الإقالة ولا الخيار، ظاهر الفرق وإلا مو بظاهر؟ فهم يحددون الزيادة التي فيها خيار الغبن بالثلث، فإذا كان الثلث فأكثر له الخيار، وإذا كان دون ذلك فلا خيار له، لكن مع وجود مثل هذا النهي من النجش المحرم يثبت له الخيار، ولو كانت الزيادة أقل من الثلث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لقوله -عليه الصلاة والسلام- الثلث والثلث كثير، هذا اتخذ قاعدة في كثير من الأبواب، من أجل هذا القول منه -عليه الصلاة والسلام-، في حكم النجش فيما لو زاد فهو من حقيقته فيما لو زاد صاحب السلعة، أو زاد الدلال السمسار، كم نقول السيارة؟ خمسين ألف، قال الدلال راح يمين يسار واحد وخمسين، واحد وخمسين، ما في أحد قال: واحد وخمسين، أو صاحب السلعة تنكر وجاء يزود أو ما هو معروف عند الحاضرين وصار يزيد فيها، هذا إيش؟ من حقيقة النجش، شخص جاء بسيارته وحلف بالله أنها سيمت بسبعين ألف هذا في حكم النجش، وهذا -نسأل الله العافية- لو حلف على ذلك، حلف أنها سيمت بمبلغ كذا، المنفق سلعته بالكذب -نسأل الله العافية- باليمين الكاذبة، {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [(77) سورة آل عمران] يدخل في هذا، بل قيل: إنه سبب نزول الآية، نعم.(78/8)
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المحاقلة, والمزابنة, والمخابرة, وعن الثنيا إلا أن تُعلم" رواه الخمسة إلا ابن ماجه, وصححه الترمذي.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المحاقلة, والمخاضرة, والملامسة, والمنابذة, والمزابنة" رواه البخاري.
هذان الحديثان اشتملا على النهي عن صور من البيع، ففي حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- "نهى عن المحاقلة" والنهي عنها أيضاً في حديث أنس، وهي مفاعلة، محاقلة، والمراد بها في تفسير جابر راوي الحديث أنها بيع الرجل الزرع بما يعادله من الحنطة، وهو زرع حنطة، لكنه في سنبله يبيعه بما يعادله من الحنطة، وسبب النهي عدم العلم بالتماثل؛ لأن الحنطة يبست وصار لها كيل معين، ووزن معين، أما ما دام الحب في سنبله لا يمكن الاطلاع على حقيقة مقداره بدقة، فلا يمكن التماثل، والجهل بالتساوي عند أهل العلم في هذا الباب في باب الربا كالعلم بالتفاضل، الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل.
"نهى عن المحاقلة والمزابنة"، المزابنة مأخوذة من الزبن، وهو الدفع الشديد، وهي بيع التمر، وهو على رؤوس النخل بالتمر الجاف كيلاً، هذه المزابنة تشتري عشر عشرين ثلاثين نخلة، يعني تمر هذه النخل وهو على رؤوسها، أو على الأرض وهو رطب بما يقابله من الجاف، وهذا ممنوع كسابقه، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أينقص الرطب إذا جف؟ )) قالوا: نعم، قال: ((فلا إذاً)) لماذا؟ لأنه لا بد من التساوي؛ لأن التمر ربوي لا بد فيه من التساوي، فإذا كان أحدهما رطباً والثاني جاف لا يمكن تحقق التماثل. والمخابرة: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع، وهي المزارعة؛ لأن المخابرة إما مأخوذة من الخبرة؛ لأن الذي يزرعها خبير بالزرع، وصاحب الأرض ليست عنده خبرة، كما هو العادة، أو لأن أول هذه المعاملة إنما حصلت بخيبر.(78/9)
المزارعة تعطي زيداً من الناس أرضاً، عشرة آلاف متر، عشرين ألف متر، وتقول: ازرعها على بعض ما يخرج منها، ازرع لي هذه الأرض وصفِ لي بالسنة خمسمائة صاع، أو لي النصف الشمالي من الأرض، ما يخرجه النصف الشمالي من الأرض، نعم؟ هذا النوع الممنوع من المزارعة، وهو الذي جاءت به النصوص، احتمال أن الأرض لا تخرج خمسمائة، أو تخرج خمسمائة فقط، فيكون عمل المزارع هباء، فيتضرر بذلك، إذا قال: لي النصف الشمالي ولك النصف الجنوبي احتمال أن النصف الشمالي ينتج والجنوبي ما ينتج، أو العكس، فيحصل الضرر بأحدهما، والضرر ممنوع في الشرع، لكن إذا كانت المزارعة والمخابرة على جزء مشاع، على ربع نصف ما تنتجه الأرض مثلاً، على الربع، على النصف، لا بأس، وعلى هذا تنزل نصوص الجواز؛ لأنهما في هذه الحالة يشتركان في الغنم والغرم، إذا تضرر صاحب الأرض تضرر صاحب الزرع، ما يتضرر أحدهما على حساب الثاني، فإذا أنتجت هذه الأرض عشرة آلاف صاع، فلصاحب الأرض النصف وللمزارع النصف، أنتجت هذه الأرض مائة صاع لصاحب الأرض النصف وللمزارع النصف، فيشتركان في الغنم والغرم، وهذه هي الصورة الجائزة من المزارعة.
"عن الثنيّا" والمراد بها الاستثناء، وقد تخفف فيقال: ثنيا، ويراد بها الاستثناء في حديث ماعز اعترف عند النبي -عليه الصلاة والسلام- بالزنا، اعترف، ثم ثنى ذلك عليه مراراً؛ لأنه لو قلت: ثنى صارت مرتين فقط، ولذلك ضبط الكلمة ثنى يعني كرر مراراً، وهنا هي ثني يعني استثناء هذا هو الأصل وقد تخفف.
"إلا أن تُعلم" لا بد أن يكون الاستثناء معلوماً، بعتك هذه البضاعة إلا كذا، لا بد أن يكون معلوماً، بعتك هذه الصبرة إلا عشرة أصواع، عشرين صاع، بعتك هذه البضاعة إلا ربعها، يكون معلوم، لكن لو قال: بعتك هذه إلا بعضها، بعتك هذه البضاعة إلا بعضها، يصح الاستثناء وإلا ما يصح؟ لا يصح؛ لأن المستثنى غير معلوم، والبعض متردد بين أدنى شيء، وبين أكثر شيء، وإن كان بعضهم يقف في الاستثناء على النصف، ولا يجيز استثناء أكثر من النصف، المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من أن تكون معلومة لئلا توقع في الخصومة والشجار والنزاع.(78/10)
"إلا أن تُعلم" هذا استثناء تعقب جمل، فعوده على آخرها متفق عليه، عن الثنيا إلا أن تعلم، لكن هذا الاستثناء إلا أن تعلم هل يعود على الجمل السابقة، نهى عن المحاقلة إلا أن تعلم، نهى عن المزابنة إلا أن تعلم، نهى عن المخابرة إلا أن تعلم، نهى عن الثنيا إلا أن تعلم، يعني الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة هل يعود إليها جميعها أو إلى الأخير فقط؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن كيف نعرف أنه رجع في هذا إلى الأخير أو إلى الأول أو إلى الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
نهى عن المحاقلة إلا أن تعلم ويش صار؟ نهى عن المزابنة إلا أن تعلم، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا أن تعلم، نهى المحاقلة إلا أن تعلم، معلوم أن الزرع معلوم قدامك، والآصوع معلومة من .. ، كلها معلومة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذه الأمور فاعلها ضمير مستتر يعود إلى مثنيات، مثنيات مجازية يجب أن يؤنث، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل هناك قاعدة تضبط هذا الأمر وإلا ما في قاعدة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في مثال رددناه مراراً، وهو قوله -جل وعلا- في القذف، القاذف، القذفة جاء في حكمهم، جاء فيهم ثلاثة أمور، {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(5) سورة النور] يعني هذا الاستثناء يعود إلى الثلاث الجمل، أو إلى الأخيرة فقط؟ أم ماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فقط، الجلد الحد إجماعاً لا يسقط؛ لأنه حق آدمي، الفسق يرتفع اتفاقاً، الوصف بالفسق يرتفع اتفاقاً، لكن الجملة الوسطى يتناولها الاستثناء أو لا يتناولها؟ تقبل شهادته وإلا ما تقبل إذا تاب؟
طالب:. . . . . . . . .(78/11)
إذا ارتفع الفسق الذي هو سبب رد الشهادة يعني عدنا إلى قبولها، وهذه حجة من يقول: إنه يعود إلى الجملتين، أما من يقول وهو قول موجود عند أهل العلم، وكثير من أهل التحقيق يميلون إليه، وأن شهادته تبقى مردودة، والاستثناء لا يعود إلا للأخيرة، نعم، ولقوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] قرن بالتأبيد، نعم؟ مع أنه لو قرن بالتأبيد هل التأبيد معناه الدوام على هذا التأبيد، أو معناه طول أمده؟ نعم؟ أو تعليقه بوصف يرفعه كما هنا؟ {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [(95) سورة البقرة] مع أنه جاء: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [(77) سورة الزخرف] المقصود أن التأبيد هل معناه التأبيد المستمر أو أن معناه في الأصل طول الأمد؟
طالب: الثاني.(78/12)
لكن أنت افترض أن هذا الشخص حتى لو قلنا: إنه طول الأمد كما يقول بعضهم، نعم، حتى لو قلنا هذا لو أن شخصاً قذف محصنة، وشهد عليه الشهود وجلد، ثم تاب وحسنت توبته من الغد، ما في طول أمد، نقبل شهادته وإلا ما نقبل؟ الأصل أن الذي ترد شهادته بالنص .. ، الذي تقبل شهادته العدل، والذي يقابل العدل الفاسق، {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [سورة الحجرات: 6] فتثبتوا، يدل على أنه إذا لم يتحقق هذا الوصف الذي رُتب عليه عدم قبول الشهادة إذا ارتفع ارتفع حكمه وتقبل الشهادة، والمسألة خلافية، وإذا قررنا هذا عرفنا هذا، وهو أنه استثناء تعقب ثلاث جمل عاد إلى الأخيرة بالاتفاق، ولم يعد إلى الأولى بالاتفاق، والثانية هي محل الخلاف، نرجع إلى عندنا؛ لأنه يوضح ما عندنا، نقول: الاستثناء يعود إلى الأخيرة اتفاقاً: "عن الثنيا ألا تعلم" لكن هل عوده إلى الأولى يرفع النهي؟ هذه محاقلة معلومة، وقلنا عن المحاقلة في تفسير جابر: الرجل يبيع الزرع بجنسه، الزرع من الحنطة في سنبله بحنطة جاهزة للأكل، هل نستطيع أن نقول: إلا أن تعلم يمكن أن يعود إلى هذا؟ لأن لو علمت ما صارت محاقلة، فلا يمكن العلم بها، لا يمكن أن نعلم بدقة ما التساوي مع المبدل منه، فهذه الجملة لا تعود إلى الجملة الأولى: نهى عن المحاقلة؛ لأن هذا الشرط لن يتحقق، ولو تحقق ما صارت محاقلة، وقل مثل هذا في المزابنة والمخابرة.
وفي حديث أنس: "نهى عن المحاقلة" وهذه تقدمت، والمخاضرة: المخاضرة قالوا عنها: إنها بيع الزروع والثمار وهي خضراء، لم يبدو صلاحها، زرع أخضر ما بدا صلاحه، على رؤوس النخل ثمره وهو أخضر، لم يبدو صلاحه، قبل أن يزهي، وبدو الصلاح إنما يكون بإيش؟ إن يحمر أو يصفر، وبدو الصلاح في العنب أن يتموه حلواً، وبدو الصلاح في الحب أن يشتد، فإذا بيع قبل هذه الصلاحية للاستعمال فإنه يكون حينئذٍ من باب المخاضرة من وصفه، الغالب أن لونه أخضر في هذه الحالة، الزرع أخضر، ثم النخل أو طلعه أخضر، والعنب أخضر، في هذه الحالة.(78/13)
والملامسة: الملامسة تأتي إلى صاحب سلعة وتقول: أي شيء أو أي سلعة ألمسها يقوم لمسها مقام رؤيتها يكفيني اللمس، في ظلام مثلاً ويعطيك الثوب تلمسه تقول: شريت، أو يعطيك الثوب وهو مصفود، مصفد، تلمسه تقول: خلاص اشتريناه من دون أن تنشره، هذه ملامسة، وفيها غرر وجهالة، نعم لأن اللمس وحده لا يكفي، اللمس وحده لا يكفي، طيب ماذا عن بيع الأعمى، وشراء الأعمى، الأعمى وسيلته؟ عنده وسيلة غير اللمس؟ نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب الوصف نعم الوصف لكن المسألة الوصف يصلح حتى في حال الظلام، جاء في حال الظلام بثوب وقال: صفته كذا وكذا وكذا، ثم إذا أصحبت إن طابق الوصف وإلا فخيار الخلف في الصفة، هل من هذا النوع الأعمى؟ لا بد أن يوصف له وصف دقيق، ثم إن بان غير ذلك .. نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأعمى؟
طالب:. . . . . . . . .(78/14)
لكن أن افترض أن أعمى اشترى ثوب ولمسه ووجده من النوع الذي يريد ووضعه في أبطه ومشى، لما لبسه إذا به إلى حد الركبة، يرجعه وإلا ما يرجعه؟ إذاً ما يكفي اللمس، طيب افترضنا المسألة في أعمى في غاية النباهة، الآن كثير منهم يعرف العملات المختلفة، نعم يعرف تعطيه ورقة يقول لك: هذه خمسمائة، نعم، هذه خمسمائة، تعطيه ثانية يقول لك: هذه مائة، تعطيه ثلاثة يقول لك: هذه عشرة، وبعضهم عنده طريقة إذا أعطيته العملة وضعها في يده هكذا، يعرف مقاسها، وبسرعة فائقة، يعرف إذا وصلت إلى هذا الحد فهي كذا، ويعرف يقيس الثوب، يعني عنده نباه، بل ذكروا أشياء قد لا يهضمها كثير من الناس، وهي بالفعل حقائق، فالأعمى الذي من هذا النوع في غاية النباهة، يمكن أن يقول: أنا والله ما دريت وهو قايس وشايف طوله وعرضه ويمين ويسار، ولونه، حتى قال بعضهم: الألوان يدركها بعضهم، فالمسألة مسألة كيفية الحصول على حقيقة الشيء، وإدراك حقيقته بدقة، فإذا كان هذا الأعمى من النوع الذي عرف بأنه أبصر من المبصرين يكفي اللمس، ويقيس عرضه وطوله، نعم، هل نقول: إن هذا يكفي؟ أو نقول: إن هذا في حكم الملامسة وله الخيار؟ نعم؟ لأنه اشترى بهذه الطريقة التي جاء النهي عنها، فله الخيار؛ لأنه اشترى بالطريقة التي جاء النهي عنها، وفي مثل هذه الحالة ما يترك الأمر لاختلاف الأفراد، يعطى قاعدة عامة، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن شراء الأعمى موقوف على الإجازة، مثل الشراء بالصفة، فإذا اختلف الوصف له الخيار، كمن يشتري سلعة غائبة، أو في ظلام لا يمكنه التحقق والتأكد منها، ومنهم من نظر إلى بعض العميان، وأن عندهم من النباهة ما ليس عند المبصرين، وقال: إن هذا بإمكانهم أنه يتأكدوا مما يريدون وأجازوا شراء الأعمى، لكن لو ادعى أنها خرجت على خلاف ما يريد، ادعى أنها ظهرت على خلاف ما يريد، طيب افترض أنه يريد ثوب له ليلة العيد، جاء يشتري ثوب، فأعطي ثوب امرأة، المادة واحدة، صوف، كله صوف، لمسه وقال: والله صوف طيب، أعطني إياه، وشاله، ووصل البيت فإذا هو .. ، هذا لا إشكال في كونه يرد، نعم؟ كونه توصف له السلعة من قبل البائع ثم يتبين أنها على خلاف الوصف هذا أيضاً لا إشكال في كونه يرد،(78/15)
لكن إذا تأمل في السلعة ونظر فيها من جميع الوجوه، ووصفت له، ووجد الوصف مطابق، هل نقول: إنك اشتريت بالملامسة؟ نعم؟ لا مثل هذا يلزم البيع إذا وجدت المطابقة.
"والمنابذة" أنبذ لي ثوبك، وأنبذ لك ثوبي؛ لأن هذه الصيغ كلها مفاعلة الأصل فيها أن تكون من طرفين، أي ثوب نبذته إليك فهو عليك بكذا، وأي ثوب نبذته علي فهو علي بكذا، والمزابنة تقدمت.
طالب:. . . . . . . . .
يشترط عدم الترجيع ما يملك؛ لأن هناك خيار العيب فإذا وجد العيب ترد، خيار الخلف في الصفة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ إيه، لا، لا، لكن بعضهم يشترط مدة معلومة للترجيع، يعني يقول: خلال أربعة وعشرين ساعة ترجعه، ما عدا ذلك فلا، فإذا كان يتمكن من النظر في السلعة، وقبل المدة صحت، نعم، لكن إذا كان لا يتمكن من النظر فيها خلال أربعة وعشرين ساعة، ولا تبين عيوبه إلا بمدة أكثر من ذلك يحتاج إلى المدة الكافية.
طالب:. . . . . . . . .
يشتري بقيمتها سلعة أخرى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
اشمغة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا قيل له إيش؟ قال: أريد شماغ مقاس ستين مثلاً، فأعطى شماغ مقاس إيش؟ ستين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن نوعية الشماغ وماركته.
طالب:. . . . . . . . .
وتبين أن في قيمته غبناً، كون الإنسان يفرط في حال الشراء لا يعذر، يعني جاء المحل قال: بكم الشماغ؟ قال: بمائة، ثم طلع ووجده يباع ثمانين. . . . . . . . . يفرط، ما يعذر، لكن إن كان فيه عيب لك خيار العيب، إن كان فيه غبن ما يسوى إلا خمسين يمديك ترجعه بخيار الغبن، أما أن تسترسل وتشتري من غير تأمل هذا العهدة عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الإلزام بالاستبدال، الأصل أنه يستحق القيمة، هذا الأصل، ولو طالبه لألزمه بدفع القيمة، كونه يشتري به بضاعة أخرى مما يحتاجه هذا الأمر إليه، ولو ألزمه دفع القيمة للزمه إذا كان له الخيار، أما خيار غبن، أو خيار عيب، وإلا خيار خلف، أو أي نوع من الخيار، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .(78/16)
ويش فيها؟ يعني أنت اشتريت شريط وسمعته وانتهيت منه، أو اشتريت شريط ووجدت التسجيل فيه رديء نعم تعيده إلى صاحبه، وتأخذ مثله بقيمته؛ لأن هذا عيب، نعم يا سليمان.
وعن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلقوا الركبان, ولا يبيع حاضر لباد)) قلت لابن عباس: ما قوله: ((ولا يبيع حاضر لباد?)) قال: لا يكون له سمساراً" متفق عليه، واللفظ للبخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- ...
الحديث الثاني مثله.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
المنابذة قلنا: إن يقول أحدهما لصاحبه: أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا، أو أي ثوب أنبذه لك فهو عليك بكذا.
الحديث الثاني الذي يليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلقوا الجلب، فمن تلقي فاشتري منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث المتفق عليه: "عن طاوس" وهو ابن كيسان "عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلقوا الركبان)) " والحديث الذي يليه: ((لا تلقوا الجلب)) يعني من يجلبون السلع إلى البلدان سواء كانت من القرى أو من البوادي.(78/17)
((لا تلقوا الركبان)) يعني حتى تصل هذه السلع مع ركبانها -مع جلبها- إلى السوق، والنهي عن تلقي الركبان ينظر فيه إلى الجالب –الراكب- وينظر فيه أيضاً إلى مصلحة أهل السوق؛ لأن المتلقي هذا يريد فائدته فقط، بغض النظر عن فائدة الجالب وبعض النظر عن فائدة أهل السوق، فيشتري هذه السلعة من هذا الجالب قبل أن يعرف الجالب ما تستحقه من قيمة وبعض النظر عن مصلحة الجالب، ثم يبيعها بالسوق، فلا يستفيد لا الجالب ولا أهل السوق، والشرع نظره إلى المصالح، مصالح جميع الأطراف، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، فيترك الجالب والركبان إلى أن يصلوا إلى السوق، فإذا وصلوا إلى السوق وعرفوا الأقيام والأسعار، ثم باعوا على بينة وعلى بصيرة سواء كان بسعرها أو بأقل، وحينئذٍ ينتفع الناس كلهم، ولا يتضرر الجالب؛ لأنه إذا تلقي والسلعة تستحق ألف، ثم قال هذا المتلقي: سلعتك لا تستحق إلا خمسمائة، ووثق به الجالب، تضرر الجالب، فهل يبيعها هذا المتلقي في السوق بخمسمائة وخمسين، أو ستمائة وهي تستحق ألف؟ يبيعها بألف، وحينئذٍ يتضرر الجالب ولا يستفيد أهل السوق، لكن إذا جلب صاحب السلعة من البادية، أو من القرى ببضاعته، ثم وصل إلى السوق وعرف أن هذه السلعة تستحق كذا باعها بما تستحق أو بنازل يسير واستفاد من يشتري منه، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، أما أن يحصل الضرر الكبير بالجالب أو بأهل السوق فلا، وهذا هو سبب النهي عن التلقي.
التلقي من أين يبدأ؟ من خارج السوق أو من خارج البلد؟ أو المسألة مربوطة بما يعرف به السعر؟ يعني لو جاء واحد جلب عليكم بضاعة ووقف بطرف الدمام وسأل كم تسوي هذه؟ ما يدرون، يدرون كم تسوى؟ حتى ينزل إلى السوق الذي هو محل البيع والشراء؟ نعم؟ المقصود ألا يتلقى قبل المكان الذي يعرف به الثمن، ويرتفع به الغرر، يعني لو قبل السوق بشارع واحد، وسأل، نعم، هذا شخص معه سمن، أو صل إلى شارع قبل سوق السمن، شارع كله اتصالات وأجهزة وسألهم ما يدرون لا يجي بألف ولا ريال، يحصل به العلم بالسعر؟ ما يحصل به حتى يصل إلى المكان الذي يعرف به السعر بحيث لا يغبن.(78/18)
((ولا يبيع حاضر لباد)) لا تلقوا أصلها لا تتلقوا الركبان، جمع راكب ويستوي في ذلك الواحد والجماعة، لكن هم في الغالب إنما يدخلون جماعة، وفي الغالب يدخلون ركبان، لكن لو جاءوا على الأقدام مشاة، نعم ومعهم سلع يجوز تلقيهم وإلا ما يجوز؟ لا ما يجوز؛ لأن هم في الغالب يقدمون هكذا، والأمر جرى على الغالب.
((ولا يبيع حاضر لباد)) حاضر لباد، وفيه ما فيه الذي قبله، ((لا يبيع حاضر لباد)) بل يترك البادي ينزل إلى السوق ويبع لنفسه ليستفيد ويستفاد منه، لكن إذا كان لا يعرف يبيع هل معنى هذا أنه يترك ولا يعان على بيع سلعته بأجرة أو تبرع؟ لأن البيع بيع الحاضر للبادي إذا نزل بسلعته إلى السوق ثم جاء هذا الحاضر إلى هذا الباد وقال: أبيع لك سلعتك، وأصير دلال سمسار بالأجرة، نعم؟ قال: أبيع لك بالأجرة.
ولذا يقول ابن عباس، قلت لابن عباس: ما قوله: ((ولا يبيع حاضر لباد؟ )) قال: لا يكون له سمساراً".
والبخاري -رحمه الله تعالى- ترجم على هذا الحديث وقيد النهي بالأجرة، باب: لا يبع حاضر لباد بأجرٍ، نعم فدل عل أنه لو تبرع جاز، يعني من باب أنه يخدم أخاه بغير مقابل، ومثل هذه الأمور ينبغي أن تسود بين المسلمين فيحصل بينهم التعاون من غير مشاحة ولا مقابل، لكن هل الأجرة لها أثر إذا نظرنا إلى حقيقة الأمر؟ ما العلة في النهي عن بيع الحاضر للبادي؟ نعم؟ العلة أن يستفيد أهل السوق؛ لأنه إذا تولها الحاضر الذي يعرف الثمن بدقة ما استفاد الناس، وهذا البادي في الغالب لن يخسر على أي حال، هذا البادي هو الذي صنع هذه السلعة، أو استخلص هذا السمن، أو صنع هذا الأقط أو غيره، فإذا باعه على الناس واستفادوا منه كلهم حصل المراد الشرعي، فكون الإنسان يتولى البيع الحاضر الذي يعرف الثمن بدقة فيستفيد البائع دون سائر الناس لا يتحقق الهدف الشرعي من نهي البيع الحاضر للبادي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(78/19)
((ولا يبيع حاضر لباد)) من أهل العلم من يرى أن هذا الخبر منسوخ، هذا الحديث منسوخ، وأن التوكيل في البيع والشراء جائز، والبيع بأجرة والسمسرة هذا توكيل في البيع، ومنهم من يحمل هذا النهي على قول الحاضر للبادي: أبيع لك هذا السلعة لكن ما أبيعها الآن لأننا إذا قلنا من يسوم ما تأتي بالسعر الذي نريده تتركها عندي أيام فأبيعها لك على التراخي ليحصل لك السعر الذي تريد، ضع هذه السلعة عندي لأبيعها لك على التدريج بأعلى من هذا السعر منهم من يحمل النهي في هذا الحديث على هذه الصورة دون غيرها، وسواء كانت الصورة الأولى مجرد سمسرة تباع في وقتها أو بيع بالتدريج كلها موجودة في أسواق المسلمين، جاء شخص بسلعة، جاء البادي بسيارته يبي يبعها، وقال صاحب المعرض: وقفها عندي على شان نعرضها، نعم، وقفها عندي نعرضها؛ لأنه لو قلنا: من يسوم؟ انكسرت السلعة، ما تجيب لك عشرين ألف، ولو وقفناها تجيب لك ثلاثين، حكم هذا البيع؟ حكم هذا العرض؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(78/20)
مو قلنا: بعض أهل العلم نزل النهي عن قول الحاضر: ضع عندي هذه السلعة لأبيعها لك على التدريج، هذه الصورة على هذا القول جائزة وإلا غير جائزة؟ غير جائزة، إذاً ما الصورة الممنوعة في بيع الحاضر على البادي، إذا عرفنا أنه يكون له سمسار، نعم، يكون له سمسار دلال بأجرة، جاء البادي بالأقط بالسمن بالإبل بالغنم ووجد شخص دلال وأعطاهن إياه يبعهن له، يجوز وإلا ما يجوز؟ هذا أنه. . . . . . . . . حاضر وهذا باد، ينطبق عليه النهي في الحديث، "ولا يكون له سمسار" لا يكون سمسار، وهل هناك فرق بين أن يكون سمسار بالأجرة أو بغير أجرة؟ الجمهور على أنه لا فرق، والبخاري -رحمه الله تعالى- ترجم على الحديث بالأجرة، باب: لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة، وكأنه فهم أن السمسرة معناها الأجرة، ليست هي مجرد البيع، أو الدلالة كما يقول الناس، فيكون النهي في هذه الصورة من باب أن هذا الأمر مما ينبغي أن يعان فيه المسلم من غير أخذ أجر عليه، فما الصورة الممنوعة في هذا الحديث؟ يعني من يرى أن الحديث منسوخ، وأنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقاً، سواء كان بأجرة أو بغير أجرة، باعه مباشرة فيمن يزيد، أو باعه على التدريج، كل هذا جائز، والخبر منسوخ عندهم، لكن هل تصح دعوى النسخ من غير معرفة تاريخ للحديث؟ نعم؟ منهم من يرى أنه منسوخ، وهذا عند أبي حنيفة ومجاهد وعطاء، وإذا استنصحك فانصح له، والدين النصيحة، تترك هذا الأعرابي المسكين يمكن يضحك عليه، وتأخذ السلعة بنصف قيمتها أو أقل، الآن في سوق الكتب وأنتم طلبة علم، أحياناً يرث الورثة كتب نفيسة من أبيهم، أبوهم عالم وعنده مكتبة فيها نفائس الكتب، وقد يكون فيها مخطوطات، هؤلاء الورثة لا يعرفون قدرها، فلو نزلوا بها السوق، وراحوا بها إلى الحراج، وبيعت كالأثاث المستعمل بثمن بخس، لو جاء شخص قال: أنا أعرف هذه الكتب نفائس، ولا يجي أحد يضحك عليكم ويبيعها بما تستحق، يلام وإلا ما يلام؟ يعني هل تعلمون أن من أبناء العلماء من حصل منهم بعد أن مات أبوهم الذي عنده مكتبة عظيمة ونفيسة أخرجوها للشارع؟ ما يدرون عن قيمة هذه الكتب، وفيها مخطوطات، وفيها المطبوعات القديمة، ما يدرون، وماذا لو جاء شخص إلى بيت هؤلاء وهم(78/21)
لا يعلمون واشتراها بواحد بالمائة من قيمتها غبن هذا، ويأتي في الحديث اللاحق: ((لا تلقوا الجلب، فمن تلقي فاشتري منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار)) يعني لو عرف أصحاب هذه الكتب أنها تستحق عشرة أو عشرين ضعف هم بالخيار.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في غبن كبير هذا.
طالب:. . . . . . . . .
أي بيع؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بغبن هذا، الشيء اليسير الذي لا يزيد عن الثلث ليس بغبن، فيما قرره أهل العلم ليس بغبن، ومن أهل العلم من يرى أنه لا غبن البتة، لو وجدت كتاب يستحق ثلاث آلاف فجابه لك وراث وقال: بثلاثمائة ريال بعشر القيمة، منهم من يقول: ليس بغبن هذا، الدنيا كلها ليس فيها غبن، الغبن متى؟ {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] يعني الدنيا كلها ما تسوى الغبن، ولذا لا يثبت بعضهم خيار الغبن، المقصود أن من أهل العلم من يرى أن الخبر منسوخ، وإذا قلنا بهذا انحل كثير من الإشكالات التي أوردناها، نعم، وأما على القول بأن الحديث محكم، ((لا يبع حاضر لباد)) لا يكون له سمسار لا يبيعه لا بأجرة ولا بغير أجرة، نعم وأيضاً لا يبع له فوراً ولا بالتدريج، المسلمون منذ قرون متطاولة وهم هذه طريقتهم، والسمسرة معروفة، إذاً نحتاج على صورة محررة ينطبق عليها هذا النهي، ويخرج عنه ما عداها، من يذكر لنا صورة يمكن ينطبق عليها هذا النهي؟ يعني هل يمكن أن يستعمل هذا النهي على عمومه وإطلاقه؟ لا يبع حاضر لباد، طيب البادي هذا لا بد أن يأتي بأعرابي مثله يبع له على شان نخلص من كلمة حاضر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ترى بعض الإخوان يكررون مراراً أننا نترك الأسئلة الشفوية، لكن لا بد من التفاعل مع الدرس، نريد صورة ينطبق عليها النهي الذي عندنا في الحديث، ولا يبع حاضر لباد؛ لأنه في أسواق المسلمين منذ مئات السنين والدلالين والسماسرة موجودين، ويبيعون فوراً، ويبيعون على التدريج، هذا موجود.
طالب:. . . . . . . . .
ويش يخشى منه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو الآن الملاحظ مصلحة أهل السوق، الملاحظ في الحديث أن يبع البادي لنفسه فيستفيد الناس من ورائه.
طالب:. . . . . . . . .(78/22)
لا، لا، تلقي الركبان لئلا يتضرر صاحب السلعة، هنا ما عنده مصلحة البائع هذا إلا الأجرة، والأجرة ما تتغير نسبتها واحدة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قضينا من التلقي، التلقي لئلا يتضرر الركبان، فيشتري منهم هذا المتلقي سلعهم بأثمان بخسة، إذا نزلوا إلى السوق وعرفوا الأسعار ما في إشكال، عندنا مسألة بيع الحاضر للبادي، الملاحظ في هذه الجملة أن يتولى البادي بيع السلعة بنفسه ليستفيد منه الناس، أهل السوق، يستفيد التاجر ويستفيد من ورائه المستهلك، هذا الأصل، وهذا السمسار إذا تولاها بنفسه ما استفاد أحد، لا سميا إذا قال: ضعها عندي أبيعها لك على التدريج، هذا ما يستفيد أحد، ما هو مخلٍ فيها فرصة، نعم؟ تلقى الركبان هو محتاج هذه السلعة، نفترض شخص يريد سمن، وقال: لو نزل السوق أخذوه الناس، ما تركوه، أنا با اتلقاهم من أجل السلعة لا من أجل ضرر صاحبها في قيمتها، السلعة هذه تستحق ألف ريال، هذا السمن يستحق ألف، وتلقى الركبان، وقال: ترى سلعك تستحق بالسوق ألف، لكن أنا محتاج أنا با أدفع لك ألف، هذا فيه ضرر على الركبان؟ ما فيه ضرر، لكن يبقى أنه لو
لم يتلقى ووصل به إلى السوق هي تستحق ألف وأنت محتاج، والثاني أيضاً محتاج تبي تزيد على الألف، فلا ينتفي المحظور، لا تتلقى أصلاً، إن كنت محتاج زد، نعم، من يأتي بصورة ... ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(78/23)
((ولا يبع حاضر لباد)) يعني الحاضر لا يقصد البادي للبيع له، وإنما إذا عرض عليه البادي أن يبيع له جاز، يعني ما يصدق عليه أنه باع حاضر لباد إذا قصده البادي؟ نعم؟ لا هو التمثيل بالبادي وإلا بعضهم يقول: أهل القرى لا يعرفون الأسعار مثل البوادي، فهل الوصف بالبادي من باب المثال، وأن الجهل في البوادي أكثر من غيرهم، فصار المثال بهم، وفي حكمهم من يشترك معهم في الوصف، الذي هو الجهل، بعضهم يعمم على هذا، لكن يبقى أن الصورة التي يمكن أن نطبق عليها الحديث، ولا تختلف مع ما مشى عليه الناس من قرون باطلاع من أهل العلم، وعدم كف لهم، وعدم منع لهم، هل يمكن في يوم من الأيام أن أهل الحسبة يدورون على المعارض يقولون: لا توقفوا السيارات تبيعونها بـ ... ، خلوا صاحب السيارة يبيعها كسب وإلا خسر؟ يمكن يوجد مثل هذا؟ ما يمكن يوجد مثل هذا؟ ما يمكن يوجد مثل هذا، ولا يمكن أن تتفق أيضاً الأمة من قرون على مثل هذه الأمور وتكون أيضاً داخلة في المنع، إذاً ما الصورة التي تدخل في المنع؟
طالب:. . . . . . . . .
من المستفيد؟
طالب: الحاضر.
((ولا يبع حاضر لباد)) ما زال الإشكال؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يكون هو المستفيد الوحيد؟ نعم؟ بحيث تكون أجرته أكثر من أجرة المثل، نعم؟ يعني يقدرها بتقديرين، يقدر السلعة بتقديرين، يعني يقول للبادي: كم تقدر سعلتك؟ ما يدري يقول: بخمسين، نعم يقول: كم تستحق سلعتك خمسين، ثم يذهب بها إلى السوق ويبيعها فيمن يزيد بدل الخمسين بمائة، يقول صاحبها: أنا راضي بالخمسين من الأصل، يعني صاحبها راضي بالخمسين، ولي الزود، يمكن أن يطبق على مثل هذا؟ فيه بعد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، البادي ساكن البادية، هو ساكن البادية.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل فيه، لكن إذا اشترك مع البادي في الجهل بقيمة السلعة صار له حكمه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني في الحوائج الأصلية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا بيجي الاحتكار، يا الله يا الإخوان هاه يا شيخ، صور لنا صورة يمكن ندخلها في الحديث من غير إشكال؟ يا الله.
طالب:. . . . . . . . .(78/24)
لحظة، لحظة، خلونا نشوف الشيخ ويش عنده؟ هذا جاء بسمن، أعرابي جاء بسمن هل يجوز أن يتولى حاضر بيع هذا السمن لهذا الأعرابي؟ أنت افترض أن هذا أعرابي يستحي أن يرفع صوته بين الناس، والسمسرة والدلالة عيب عند كثير من القبائل، يقول: والله ما أبيعه لو أتركه، وجاء واحد من الحضر يمتهن هذه المهنة وقال: أبي أبيعه لك، نقول: حرام عليك تبيعه له وإلا لا؟ النهي صريح والحديث متفق عليه، في صورة واضحة من هذا؟ هو التفريق بين الحوائج الأصلية وغير الأصلية له أصل، ولذا عمر -رضي الله عنه- يأخذ من أصحاب السلع من غير المسلمين في الحوائج الأصلية نصف العشر، وفي غير الأصلية العشر، يأخذ من الحنطة نصف العشر، ومن غيرها نصف العشر؛ لأن الناس بحاجة ماسة إلى الحنطة، فهم يفرقون بين الحوائج الأصلية التي يحتاجها الناس كلهم، وبين الحوائج التي لا يحتاجها الناس كلهم، أنت افترض شخص جلب تمر، أو جلب حاجة أصلية تمس إليها الحاجة، وشخص جالب تحف، أو مناظر، يستوي الحكم؟ نعم؟ يستوي الحكم بين حاجة أصلية يحتاجها أهل البلد وبين تحفة من التحف أو رسم أو شغل يدوي جميل أو شيء من هذا؟ لا يستويان، هو ما شك أن تفريق .. ، لكن نحتاج إلى ما يخرجنا من هذا الإشكال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قلت لابن عباس: ما قوله: ((ولا يبيع حاضر لباد?)) قال: "لا يكون له سمساراً" ما يكون دلال، يعني حسم المادة، يعني الدلالة من الحاضر للبادي لا تجوز لهذا الخبر.
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا حصل إيش؟ إذا حصل غبن، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
طيب هذا الأصل، يعني لو قال: دعها لي أبيعها لك على التصريف بالتدريج.
طالب:. . . . . . . . .
ويدخل في مثل هذا لو جاء الأعرابي بسيارته يبي يبيعها قال: وقفها أبيعها لك على الراحة، يدخل وإلا ما يدخل؟
طالب:. . . . . . . . .
يدخل، لو جاء واحد من وسط البلد ومعه سيارته، وراح المعرض .... ووقفها لي أبيعها لك على التدريج، هذا ما هو ببادي من وسط البلد، يدخل وإلا ما يدخل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
للجهل بالسعر؟ لكن يعرف السعر، يقول: سيارتي أعرفها، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(78/25)
هو الخبر ما فيه ما يشير إلى مسألة تركها عند الحاضر وبيعها بالتدريج، وبيعها على سعر، في حسم للمادة، لا يبع حاضر لباد، يعني اللي بيقف عند ظاهر الحديث، وهو مذهب الظاهرية واللائق بهم، أنه لا يمكن خلاص، لو جاء بدلال سمسار أعرابي وجعله يبيع ما في إشكال؛ لأن النهي عن أن يبيع الحاضر للبادي، لكن بيع حاضر لحاضر جائز، بيع بادي لبادي جائز، على مقتضى مفهوم المخالفة من الحديث، وهو اللائق بمذهب الظاهرية، لكن هل يمكن أن يقال بمثل هذا أن الأثر في الجنس، جنس السمسرة هل هو أعرابي أو حاضر؟ له أثر في الحكم؟ يعني هل البداوة والحضارة وصف مؤثر في تغيير الحكم؟ ما لها أثر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مثلما قال الأخ تقصد، أنه قال البادي للحاضر أو الحاضر للبادي في أول الأمر قبل الاتفاق: كم تستحق هذه السلعة؟ قال: خمسين، فعرف هذه الحاضر أنه يريد خمسين فقط، هذا ما قدره في نفسه ويقتنع به، فباعه الحاضر بالتدريج أو جملة أو بالإلحاف في السعي والطلب باعها بمائة، قال: صاحبها قدر خمسين أعطيه خمسين، هل هذا المقصود؟ يعني افترض أنت أن البادي جاء بهذه السلعة وقال للحاضر أو حاضر ثاني الحاضر قال للحاضر أو البادي قال للحاضر: بع لي هذه صفِ لي مائة، والزود لك، فباعها بثلاثمائة وإيش يكون الحكم؟ قال: صفِ لي بهذه السلعة مائة والقدر الزائد لك، فحرج عليها ودلل عليها فباعها بثلاثمائة، السمسار ماذا يستحق من هذه الثلاثمائة؟
طالب: مائتين.
يعني هذا حسب إيش؟ الاتفاق، نعم؟ وهذا قول ابن عباس، ((المسلمون على شروطهم)) واشترطوا على هذا واتفقوا عليه، لكن عامة أهل العلم وجمهورهم على أنه ليس له إلا أجرة المثل، لماذا؟ لأن الأجرة المتفق عليها في العقد مجهولة، ما يدرى تزيد عن المائة عشرة عشرين ثلاثين خمسين مائة مائتين، مجهولة، فيبطل المتفق عليه، ويرجع بالمسألة إلى أجرة المثل.
طالب:. . . . . . . . .
إيه طيب.
طالب:. . . . . . . . .(78/26)
إيه، لكن مع ذلك الأمر المتفق عليه مجهول بينهما، هل يعرفه الطرفان؟ الأجرة ما يعرفها الطرفان، احتمال تستحق مائة، أو أقل من مائة، أو أضعاف المائة، تكون الأجرة وهي القدر الزائد عن المائة مجهولة، فيبطل العقد الذي اتفقا عليه، ويرجعون في مثل هذه المسألة إلى العرف، كم يستحق يعطى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش الفرق بين الأعرابي والبدوي؟ الأعراب هم سكان البادية.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما في فرق، على كل حال لو يتبرع أكثر من واحد نحتاج إلى أن يُبحث في كتب أهل العلم في المذاهب، وما قاله المشايخ في هذه المسألة؛ لأنه حقيقة إذا طبقناه على ما نعيشه من واقع، وما عاشه المسلمون منذ قرون الإشكال باقي، فنحتاج إلى هذه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا إذا وجدت التهمة سواء كان أعرابي وإلا حاضر وإلا بادي كله الحكم واحد، إذا وجدت تهمة، لا المسألة مفترضة في ارتفاع التهمة، الآن في الجملتين السابقتين: ((لا تقلوا الركبان)) الملاحظ في هذه الجملة مصلحة الركبان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من هو الذي يغلبهم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما ينزل لهم شيء، لكن ما يغلبون، ما ينزل لهم شيء، لكن الملاحظ في الدرجة الأولى في ((لا تلقوا الركبان)) مصلحة الركبان، والملاحظ في الجملة الثانية مصلحة السوق، وعلى كل حال الشرع يلاحظ المصالح كلها، نعم؟
لعلنا نرجئ بقية الكلام في الحديث إلى أن تحضر بحوث مختصرة في هذه المسألة، وتقرأ غداً بدل الأسئلة.
طيب.(78/27)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تلقوا الجلب)) وهو مصدر بمعنى المجلوب، مثل الحبل بمعنى المحبول والمحمول، ((فمن تلقي فاشتري منه)) هو تلقي الركبان، تلقى الركبان وتلقى الجلب فاشترى هذا المتلقي السلعة ((فمن تلقي فاشتري منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار)) يعني رب السلعة أتى السوق فوجد هذا المتلقي اشتراها بنصف قيمتها له الخيار، اشتراها بثلثي قيمتها له الخيار، وهذا يدلنا على صحة العقد، نعم؟ هل الخيار يثبت في العقود الباطلة؟ لا ما يثبت في العقود الباطلة؟ ما تحتاج إلى خيار، الخيار إنما يثبت في العقود الصحيحة، فهو صحيح إلى إجازة صاحب السلعة بعد مجيئه إلى السوق، نعم.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لباد, ولا تناجشوا, ولا يبيع الرجل على بيع أخيه, ولا يخطب على خطبة أخيه, ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" متفق عليه.
ولمسلم: ((لا يسِمُ المسلم على ... )).
لا يسوم، لا يسوم.
أو لا يسم؟ لا يسم؟
طالب: نعم المثبت هكذا.
على أساس أنها ناهية، وإذا قلنا: إنها نافية ((لا يسوم)) مثل: ((لا يبيع)) فهي نافية، ويراد منها النهي، نعم.
ولمسلم: ((لا يسِمُ المسلم على سوم المسلم)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعنه" أي عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق "قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لباد" وهذا تقدم الكلام فيه، وسيأتي أيضاً مزيد إيضاح.
"ولا تناجشوا" ومضى الكلام في النجش، الذي هو الزيادة في السلعة من غير إرادة لشرائها لنفع البائع أو للإضرار بالمشتري.(78/28)
"ولا يبيع الرجل على بيع أخيه" (لا) هذه نافية، ولو كانت ناهية لقال: (لا يبع) فتحذف الياء الثانية لالتقاء الساكنين، والنفي هنا يراد منه النهي، وهو أبلغ من النهي الصريح "ولا يبيع الرجل على بيع أخيه" باع زيد سيارته على عمرو بخمسين ألف، فيأتي أحد ويقول لعمرو: أنا عندي لك سيارة أفضل منها بأربعين ألف، وهذا يتصور في مدة الخيار أو بعد انتهاء مدة الخيار؟ هو في مدة الخيار؛ لأنه يضمن فسخ البيع، لكن بعد مدة الخيار، مدة الخيار لا إشكال فيها أنه لا يجوز قطعاً، لكن لو جاء له بعد مدة الخيار وقال: عندي لك سيارة أفضل منها بأربعين ألف يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا،. . . . . . . . . الفرق خمسة آلاف، عشرة آلاف، نعم يؤثر على نفسيته، وقد يتسبب في إحراج البائع، يذهب المشتري ويتظلم عنده ويتأذى، لكن لو ذهب للبائع وقال له: أنت بعت سيارتك بخمسين ألف وأنا سيارتي أفضل منها مستعد أن أبيعها بأربعين ألف لو خفضت لصاحبك قليلاً، يعني ينتفع به لا بأس، أما أن يذهب إلى المشتري محاولاً إفساد البيع هذا هو المحرم، إذا أراد أن يشتري شيئاً في المستقبل لا بأس، أما الآن في الوقت الحاضر هذا ما غير يورث الحزن في قلبه، وأيضاً الإحراج للبائع.
"ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه"، تقدم زيد لخطبة امرأة ثم علم عمرو أن زيداً تقدم فقال: أنا أفضل منه قطعاً بيقدمونني عليه، ثم ذهب يخطبها، لا يجوز له أن يخطبها، حتى يعلم أنه رد، أو يأذن له، إذا استأذنه قال له: والله أنا بحاجة ماسة إلى امرأة، وهذه المرأة أنا غافل عنها حتى سبقتني وأنت لست بحاجة، أو أنا أحوج منك، أو المواصفات الموجودة فيها تلاءمني أكثر من ملاءمتك ثم أذن له لا بأس، أما أن يذهب بعد علمه بخطبة أخيه وجزمه بأنه لم يُرد هذا لا يجوز، والشرع حينما يصدر عنه مثل هذه النواهي لإسعاد الناس، لكي يعيشوا بتبادل المشاعر الطيبة بينهم، ولا يكن بينهم شحناء ولا بغضاء، وأكثر ما يؤتى الناس من هذه الأبواب.(78/29)
"ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" شخص عنده زوجة، عنده أم أولاده، فخطب امرأة فقالت له: لا بد أن تطلق زوجتك الأولى، أنا لا أرضى بزوج عنده امرأة، حتى تطلقها أقبلك وإلا فلا، وتضغط عليه حتى يطلقها، لا يجوز لها ذلك.
"ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها" ما الذي في إنائها؟ هذا تصوير، النص فيه تصوير لما يحصل من الزوج لزوجته، وأن ما في الإناء خير واصل لهذه المرأة من هذا الزوج، فكأن هذه المرأة التي اشترطت الطلاق كفأت ما في هذا الإناء الذي تنتفع به أختها.
ولمسلم: ((لا يسم المسلم على سوم أخيه)) لا يسوم المسلم أو لا يسم، إذا قلنا: إنها ناهية، مثل: (لا يبع) ولا يسم أو لا يسوم المسلم على سوم أخيه، يعني هل المسألة مفترضة فيمن يزيد؟ سلعة يحرج عليها بعشرة، ثم يقول واحد: بإحدى عشر، والثاني: باثني عشر هل يدخل في هذا (لا يسم على سوم أخيه)؟ أو إذا عرف أنه ركن إليه لكن العقد لم يبرم بعد؟ نعم؟ ركن إليه ولا يطلب المزيد على ما أعطاه أخوه، ثم يأتي قال: لا أنا أزيد على هذا، يدخل في النهي، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا كان لا يعلم معذور، إذا علم فيما بعد؟ نعم عليه أن ينسحب.
طالب:. . . . . . . . .
عليه أن ينسحب، نعم، لكن الإثم ما عليه في الأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقوى صيغة النفي ويراد به النهي أقوى؛ لأنه في الخبر صيغة النهي خبر، والرسول عليه -الصلاة والسلام- يخبر عن المسلم، نعم أن هذا شأنه لا يبيع على بيع أخيه، فإذا كان هذا شأن المسلم فالبيع على بيع الأخ ليس من شأن المسلم، إنما هو من شأن غير المسلمين، نعم.
وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)) رواه أحمد, وصححه الترمذي والحاكم, ولكن في إسناده مقال، وله شاهد.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(78/30)
"وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من فرق بين والدة وولدها)) " يعني من الأرقاء في البيع ((فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة)) وهو ظاهر في ملك اليمين، لا يبيع الأم على أسرة ويبيع الولد على أسرة أخرى، أو هذه في بلد وولدها في بلد، ويسعى في التفريق بينهما ليحرم كل واحد منهما من الآخر، وهل يشمل مثل هذا الحديث المطلقة التي لها حق الحضانة شرعاً ما لم تتزوج، فيسعى جاهداً ليفرق بين الولد وأمه فيجلب على هذه المسألة بما أوتي من وسائط ومن بيان وليبين للجهات أن الأم ليست أهلاً للحضانة، فيفرق بينها وبين ولدها، والأصل أن الحضانة حق شرعي لها، يدخل في هذا أو لا يدخل، يدخل في عموم الحديث؟ يدخل، وإن كان الأصل في ملك اليمين ((من فرق بين والدة وولدها فرق الله)) والولد يشمل الذكر والأنثى ((بينه وبين أحبته يوم القيامة)) روه أحمد، وصححه الترمذي والحاكم، ولكن في إسناده مقال" لأن فيه حيي بن عبد الله المعافري، وقد اختلف فيه، وله شاهد من حديث عبادة من الصامت عند الدارقطني بإسناد ضعيف، وعلى كل حال الحديث حسن، نعم.
طالب: اللفظ موجود عندي.
نعم؟
طالب: اللفظ موجود اللي ذكرته ...
ويش هو؟
طالب: اللي هو حديث عبادة.
إيه أعطنا حديث علي.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، مثل هذا يعني بالنسبة للأولاد المملوكين؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما دون التكليف، أعطنا الحديث الذي يليه فإنه في معناه.
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما, ففرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أدركهما, فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعاً)) رواه أحمد, ورجاله ثقات, وقد صححه ابن خزيمة, وابن الجارود وابن حبان والحاكم والطبراني وابن القطان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(78/31)
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبيع غلامين أخوين" أرقاء لكنهما أخوان، يقول: "فبعتهما ففرقت بينهما" باع أحدهما على زيد، والثاني على عمرو، ووضع الأرقاء يختلف عن وضع الأحرار، الأرقاء مشغولون بالخدمة، ولا يراعى شعورهم، ولا شؤونهم مثلما يراعى شؤون الأحرار، فتجدهما في بلد واحد، لكن لا يتمكن هذا من رؤية هذا إلا في القليل النادر؛ لأنه مشغول بخدمة الأسياد، وليس لهم شأن يفرض على أسيادهم تمكينهم من زيارة أقاربهم.
يقول: "فبعتهما ففرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أدركهما فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جميعاً)) فدل على أن البيع صحيح وإلا غير صحيح؟ غير صحيح ((فارتجعهما، ولا تبعهما إلا جمعياً)) رواه أحمد، ورجاله ثقات، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان ... إلى أخره.(78/32)
طيب افترضنا أن شخص عنده غلامين فذهب بهما إلى السوق فقال: من يشتري الغلامين؟ التفريق هذا يستحق عشرة آلاف، وهذا يستحق عشرة آلاف، وإذا ضم إلى بعض الاثنين من يسوم إحدى عشر ألف أثنى عشر ألف، وقد لا يزيد ثمنه مع ثمن الواحد؛ لأنه قد لا يوجد في المحل من يرغب أو يتحمل نفقة اثنين، يقول الله: أنا حاجتي بواحد، حاجتي بشخص واحد، أولاً: ليس عندي من العمل من يستحق أن اشتري اثنين، الأمر الثاني: والله ما عندي استعداد اصرف على اثنين أنا عاجز عن أولادي، ما وجد من يشتريهما معاً، يعني ما هي بالسلع تعرض فلا تمشي إلا بالتفريد، نعم، افترضنا أن هذين الغلامين ذُهب بهما إلى السوق فقيل: من يسوم؟ قال: والله تبيع علي واحد وإلا اثنين، ما عندي إلا عشرة آلاف، الثاني كذلك: أنا والله عاجز عن عيالي ما أبي إلا واحد، بل العكس كم تعطيني وأخذ الثاني، مو باحتمال هذا؟ نعم؟ ويش نقول؟ نفرق وإلا ما نفرق؟ ما نفرق هذا ظاهر، لا نفرق ولو نزلت القيمة، يعني أنت افترض أن شخص معه ثوبين وأنت ما تحتاج إلا واحد قال: خذ الثاني، قال: وأنا إيش أسوي به؟ أو أحذية أو أي نوع من الأنواع التي لا يحتاج منها إلا واحد، لكن التفريق في غير هذه الصورة أمره سهل؛ لأن أمره لصاحبه، لكن هذان غلامان لوحظ الأثر النفسي عليهما فلم يصح بيعهما بالتفريق لهذا الخبر، ولو تضرر صاحبهما؟ يعني لو تضرر؟ قيل: بكم نبيع؟ هذا قال: أنا ابي هذا بعشرين ألف لحاله، وأنا ابي هذا بعشرين كم ذولاء؟ أربعين، لكن الجميع ما أبيهم إلا بعشرة، العشرة يا الله تنفق على الثاني لمدة، ويش يسوي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(78/33)
يبيع بعشرة؟ نعم؛ لأن هناك من الأوامر الشرعية والنواهي الشرعية ما فيه ابتلاء للمكلف، شخص عنده أخشاب من نوع معين لو قال: من يسوم؟ من نوع معين من نوع غالٍ جداً يعني، أخشاب سقوف، لو قال: من يسوم؟ اللوح يمكن هو على تقديرهم هم في سوقهم، وهذه مسألة حقيقية، اللوح مقدر بمليون ريال، وهي عشرين لوح، بكم؟ عشرين مليون، عرضها في السوق ما وجد من يحتاجها، وهو متكلف عليه قريب من هذا المبلغ، ما وجد من يحتاجها، اتصل عليه في معبد وثني في دولة شرقية، قالوا: بمائة مليون، يبيع وإلا ما يبيع؟ ابتلاء، نعم هذا ابتلاء، نعم ما يبيع، وهنا لو قال: الواحد بعشرين، نعم، هذا بعشرين وهذا بعشرين، وقيل: لا والله ما نبيهم جميعاً إلا .. ، لأنه حتى التفريد أحياناً أنفع للمشتري من وجوه؛ لأنه لو اجتمعوا الأخوة الاثنين يمكن بعضهم يكسل بعض، ويلهو بعضهم ببعض، وإذا مرض هذا مرضه الثاني، وإذا أكل هذا طلب الثاني، نعم، لا شك أن هذا ابتلاء ولا يجوز التفريق بينهما لهذا الحديث، ولو فرق بينهما فالعقد ليس بصحيح، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(78/34)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (6)
تابع: باب: شروطه وما نهي عنه منه
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مسألة بيع الحاضر للبادي التي جاء النهي الصحيح الصريح عنها، والتي قد تستشكل فيما يتعامل به ويتداوله الناس، وهذه الموسوعة الفقهية تكلموا عن المسألة، أحضره بعض الإخوان مصوراً، وفيه المذاهب منقولة من كتب أربابها، والحاضر: لا شك أنه من يسكن المدن، والبادي: من يسكن البادية، ويقول: غير أن الحنابلة اعتبروا البدوي شاملاً للمقيم في البادية، ولكل من يدخل البلدة من غير أهلها، سواءً كان بدوياً أو من قرية أو بلدة أخرى، الجامع بين هؤلاء الجهل بثمن السلعة.
يقول: والمراد ببيع الحاضر للبادي عند الجمهور أن يتولى الحضري بيع السلعة للبدوي، بأن يصير الحاضر سمساراً للبادي البائع، يقول: قال الحلواني: هو أن يمنع السمسار الحاضر القروي من البيع، ويقول له: لا تبع أنت أنا أعلم بذلك، فيتوكل له ويبع ويغالي، ولو تركه يبيع لنفسه لرخص على الناس، فالبيع على هذا هو من الحاضر للحاضر نيابة عن البادي بثمن أغلى.
وذهب بعض الحنفية كصاحب الهداية إلى أن المراد بالحديث أن يبيع الحضري سلعته من البدوي؛ وذلك طمعاً في الثمن الغالي فهو منهي عنه، لما فيه من الإضرار بأهل البلد، وعلى هذا التفسير تكون اللام في: ((ولا يبع حاضر لباد)) بمعنى (من).
ذكروا عن أبي يوسف: لو أن أعراباً قدموا الكوفة، وأرادوا أن يمتاروا –يتز ودوا- من الطعام منها، ألا ترى أن أهل البلدة يمنعون عن الشراء للحكرة فهذا أولى.
يعني أهل البلدة يمنعون عن الاحتكار ويلزمون ببذل هذه الأموال لمشتريها، وسيأتي ما في الاحتكار.
فإذا كان الحضري يمنع من الاحتكار، يترك البدوي والوافد على البلد يبيع بالسعر الذي يريده هو، وإن كان نازلاً، نعم ليكتسب من في البلد، فإذا أمر صاحب البلد بعدم الاحتكار، وحرم عليه الاحتكار، ومنع السلع -على ما سيأتي- أيضاً يترك له فرصة ليستفيد ويكسب.
النهي عن هذا البيع: يقول: لا يختلف الفقهاء في منع هذا البيع، فقد ورد النهي عنه في أحاديث كثيرة منها: وذكر حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، وحديث أنس.(79/1)
ثم ذكر علة النهي عن بيع الحاضر للبادي، يقول: اختلف الفقهاء في علة هذا النهي، فمذهب الجمهور بناءً على التفسير الأول: أن المعنى في النهي عن ذلك هو ما يؤدي إليه هذا البيع من الإضرار بهذا البلد، والتضييق على الناس، والقصد أن يبيعوا للناس برخص.
يعني إذا نظرنا إلى الحديث بجميع جمله: النهي عن تلقي الركبان، فلا يجوز للشخص أن يتلقى الركبان فيشتري منهم برخص قبل أن يعرفوا السعر، وعندنا طرفان مشتري وبائع، المسألة مفترضة في مشتري فرد، وبائع فرد، وليست حينئذٍ مصلحة المشتري بأولى من مصلحة البائع، نعم، فتلاحظ مصلحة البائع؛ لأنه هو الذي يجهل السعر، أما المشتري يعرف السعر، فتلاحظ مصلحته -أعني البائع-، المشتري لن يشتري السلعة بأكثر من قيمتها، لكنه يتوقع أن يشتري السلعة بأقل من قيمتها فيتضرر البائع، فمصلحة فرد في مقابل فرد لا ترجح مصلحة أحدهما على الآخر، فتلاحظ مصلحة البائع؛ لأنه هو الذي يجهل السعر.
إذا نظرنا إلى مصلحة الفرد في مقابل مصلحة الجماعة، قُدمت مصلحة الجماعة، وهذا ما يدل عليه الجملة الثانية في الجملة: ((ولا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) يعني اترك هذا الأعرابي الذي السلعة هذه ما كلفته شيء يذكر؛ لأنه هو الذي أنتجها، وهو الذي استخرجها، وهو الذي صنعها، نعم ما راح يشتريها بمبلغ كبير، ثم اشتريت منه بمبلغ ضعيف فيتضرر، يترك فرصة لهؤلاء الذين يبيعون على الناس في الأسواق ليرتزقوا، ((دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)) فيعم الرخص بهذه الطريقة، لكن لو تولى الحاضر البيع للبادي ما ترك فرصة لأهل السوق ولا للمستهلكين، هذا هو الملحوظ في الحديث، لكن هناك أدلة أخرى مثل أدلة الوكالة، لو جاء حاضر بادي ووكل حاضر ببيع السلعة، ماذا نقول؟ نقول: فعله معارض بهذا الحديث الصحيح الصريح، وقد تكون المعارضة بالأدلة الأخرى من جواز الوكالة وغيرها صارفاً للنهي من التحريم إلى الكراهة.
يقول: لما في ذلك من الإضرار بأهل البلد، والتضييق على الناس، والقصد أن يبيعوا للناس برخص.(79/2)
قال ابن القاسم: "لم يختلف أهل العلم في أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو لنفع الحاضرة؛ لأنه ما ترك البدوي يبيع سلعته اشتراها الناس برخص، ويوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها ... ، شوف الآن البادي يبيع على الحاضر في السوق برخص، والحاضر بدوره يبيع على المستهلك، فيتجه إليه أمر أخر، وهو أنه لا يجوز له أن يحتكر هذه السلعة حتى يرتفع السعر، فترخص الأسعار على المسلمين عموماً، ويستفيد البائع والشاري والمستهلك.
فإذا تولى الحاضر بيعها وامتنع من بيعها إلا بسعر البلد ضاق على أهل البلد، وقد أشار النبي –صلى الله عليه وسلم- في تعليله إلى هذا المعنى.
ومذهب بعض الحنفية كصاحب الهداية والكساني، وكذلك غيرهما فيما يبدو بناء على التفسير الثاني، أن المعنى في النهي عن ذلك وهو الإضرار بأهل المصر -يعني أهل الاستهلاك-، من جهة أخرى غير الرخص، وهي أن يكون أهل البلد في حال قحطٍ وعوز إلى الطعام والعلف فلا يبيعهما الحضري مع ذلك إلا لأهل البدو بثمن غالٍ، عوز إلى الطعام والعلف، يعني ننظر إلى ما يعبر به العلماء، أو ما يعبر عنه أهل العلم بالقوتين، قوت الآدميين، وقوت الحيوان.
هذا الذي يتجه فيه الأمر، الحوائج التي يحتاجها الإنسان ويحتاجها الحيوان، ويتضرر بارتفاع سعرها، وهي التي نهي فيها عن الاحتكار، لكن الكماليات لو شخص عنده مستودع تحف، وقال: أنا ما أنا ببايع هذه السنة هذه التحف حتى تنقطع من السوق وأرفع ثمنها، قلنا: افعل، الناس ما هم بحاجة إلى تحف، أو مناظر طبيعية أو غيرها، لكن قوت، الناس يموتون جوع ويتضررون بالاحتكار، هذا الذي يأتي فيه المنع، وهو الذي يرد فيه نهي بيع الحاضر للبادي في هذه النصوص.(79/3)
قيود النهي: قيد جهور الفقهاء النهي عن بيع الحاضر للبادي بقيود وشروط شتى منها: أن يكون ما يقدم به البادي مما تعم الحاجة إليه، سواءً كان مطعوماً أو غير مطعوم، فما لا يحتاج إليه إلا نادراً لا يدخل تحت النهي، افترض أن مصنع المشروبات الغازية مثلاً ببسي وإلا سفن وإلا غيرها، وإلا ميرندا، احتكر قال: أنا هذه السنة ما أنا ببايع حتى يرتفع السعر، الناس بحاجة إلى هذه الأشياء؟ مثل التحف ليسوا بحاجة، بل لو منعت لكان أفضل للناس، الناس يعيشون بدونها، فهذا قيد لا شك أنه معتبر، وعرفنا بالأمس أن عمر -رضي الله تعالى عنه- يفرق بين ما يأخذه ممن يقدم البلد بالأموال، بين الحاجات الضرورية فيخفف العشور، وبين ما لا يحتاجه الناس فيزيد في العشور، وهذه سياسة من عمر شرعية، ما يستعمله الناس في حياتهم اليومية متفاوت تفاوت بين، هناك الضروريات، وهناك الحاجيات، وهناك الكماليات، فالضروريات هي محل هذا النهي، وهي أقوات الآدميين، وأقوات الدواب.
القيد الثاني: أن يكون قصد البادي البيع حالاً أو حالّاً، يعني يريد البادي أن يبيعها ويرجع، ما يقول البادي: أنا والله أبا استأجر لي محل، وأبيعها بالتدريج، حينئذٍ لا يختلف وضعه عن وضع الحاضر، فترتفع العلة.
يقول: وهو ما عبروا عنه بالبيع بسعر يومه، فلو كان قصده البيع على التدريج فسأله البلدي تفويض ذلك إليه فلا بأس به؛ لأنه لم يضر بالناس، ولا سبيل إلى منع المالك منه، يعني لو جاء البادي بسلعته إلى السوق وقال: أنا أبي استأجر محل وأبيعها بالتدريج، يمنع من هذا وإلا ما يمنع؟ ما يمنع، وهو في هذه الصورة لا يختلف عن الحاضر.
يقول: وهذان الشرطان للشافعية والحنابلة، وأن يكون البيع على التدريج بأغلى من بيعه حالاً أو حالّاً، كما استظهره بعض الشافعية، قالوا: لأنه إذا سأل الحضري أن يفوض له بيعه بسعر يومه على التدريج لم يحمله ذلك على موافقته، فلا يكون سبباً للتضييق، بخلاف ما إذا سأله.(79/4)
المقصود هم نظروا إلى العلة، فإذا ارتفعت ارتفع معها الحكم، لكن العلل التي تكون بهذه المثابة هي العلل المنصوصة، أما العلل المستنبطة فشأنها غير هذا، نعم لها أثر لكنه لا يصل إلى ارتفاع الحكم بارتفاعها، قالوا: لأنه إذا سأله حضري أن يفوض له بيعه بسعر يومه على التدريج لم يحمله ذلك على موافقته، فلا يكون سبباً للتضييق، بخلاف ما إذا سأله أن يبيعه بأغلى فالزيادة ربما حملته على الموافقة فيؤدي إلى التضييق.
يعني مسألة التدريج لا أثر لها إلا إذا ترتب عليها زيادة في السعر، لو قدم البادي بمائة تنكة من السمن، وسيمت بالجملة، التنكة بألف ريال أو خمسمائة ريال مثلاً، بخمسمائة ريال، أو بألف، بما تستحقه جملة، وجاء حاضر، وقال لهذا البادي: دعني أبيعها لك على التدريج بهذا السعر، هذا ما في تضييق على الناس، فارتفعت العلة، ويبقى أن الملحوظ فيما لو باع البادي، الملحوظ التاجر الذي يشتريها جملة، فإذا باعها مفردة اكتسب وانتفع، والملحوظ في عرض الحاضر على البادي أن يبيعها بنفس السعر على التدريج، الملحوظ المستهلك، ولا شك أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
قالوا: وأن يكون البادي جاهلاً بالسعر؛ لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده، يكون جاهل بالسعر، أحياناً يكون البادي ومن في حكمه أشد في السعر من السعر الحقيقي المتداول في السوق، ضربنا مثال بالأمس بالكتب مثلاً، يرد بها الورثة إلى المكتبات أو إلى أسواق الحراج فيبيعونها بثمن بخس، افترضنا أن هذا الولد الوارث يسمع عن المخطوطات أنها عالية الأقيام، فيرد بكتابه فيقول: هذا الكتاب بعشرة آلاف، وهو ما يستحق إلا ألف، مثل هذا لو بيع له بالثمن المعتاد العلة منتفية وإلا غير منتفية؟ منتفية.
وأن يكون البادي جاهلاً بالسعر؛ لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده؛ ولأن النهي لأجل أن يبيعوا للناس برخص، وهذا العلة إنما توجد إذا كانوا جاهلين بالأسعار، فإذا علموا بالأسعار فلا يبيعون إلا بقيمتها، كما يبيع الحاضر، فبيع الحاضر حينئذٍ بمنزلة بيعهم، وهذا الشرط للمالكية والحنابلة.
ومع ذلك فقد أطلق الخرشي النهي سواء أكان البدوي جاهلاً بالأسعار أم لا.(79/5)
واختلف في المعتمد عند المالكية، فالمعتمد عند العدوي شرط الجهل بالأسعار هو الذي نص عليه ابن جزيء، والمعتمد عند الآخرين كما نقله الدسوقي هو الإطلاق.
واشترط الحنابلة أن يكون البادي قد جلب السلع وحضر لبيعها؛ لأنه إذا حضر لخزنها، أو أكلها فقصده الحاضر وحضه على بيعها كان توسعة لا تضييقاً.
يعني جاء بادي ليسكن الحاضرة مثلاً ومعه من السمن أو الأقط أكثر من حاجته. . . . . . . . . قال: والله عندي هذا للاستعمال، ما أنا ببايع شيء، فيقول الحاضر: بع منه ما يزيد على حاجتك، وأنت يكفيك نصفه، دعنا نبيع النصف الثاني لتستفيد ويستفيد الناس، مثل هذا ينتفي المحظور عندهم.
يقول: واشترط المالكية أن يكون البيع لحاضر، فلو باع الحاضر لبدوي مثلاًَ فإنه يجوز؛ لأن البدوي لا يجهل أسعار هذه السلع، فلا يأخذها إلا بأسعارها سواءً أشترها من حضري أم بدوي، فبيع الحضري له بمنزلة بدوي لبدوي، واشترط الحنابلة أن يقصد البدوياً حاضرٌ عارف بالسعر، فإن قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التوسعة، يعني المحظور أن يكون هذا الحاضر هو الذي يقصد البدوي، البدوي جاء على وجه يبيع بأي قيمة، فقصده الحضري، لكن فيما لو تصور أن البدوي هو الذي قصد الحضري، ليحتاط لنفسه فينتقل من كونه بيع حاضر لبادي إلى كونه توكيل بادٍ لحاضر، البادي وهو بهذا التصور جاء قاصد الحضري لئلا يغلب في السعر نعم يقولون: ترتفع العلة بهذا، ويكون من باب التوكيل لا من باب ...
فإن اختل شرط من شروط المنع لم يحرم البيع من الحاضر للبادي عند القائل بذلك بتلك الشروط، والحنفية الذي صوّر بعضهم النهي بأن يبع حاضر طعاماً أو علفاً للبادي طعماً في الثمن الغالي قيد التحريم بأن يضر البيع بأهل البلد، بأن يكون في قحط من الطعام والعلف، فإن كانوا في خصب وسعة فلا بأس به لانعدام الضرر، وعبارة الحصكفي: وهذا في حال قحط وعوز وإلا لا لانعدام الضرر، أم الذين صوروا منهم النهي بأن يتولى الحاضر بيع سلعة البدوي ويغالي فيها -وهذا هو الأصح- فقد قيدوه بأن تكون السلعة بما تعم الحاجة إليها كالأقوات، فإن كانت لا تعم أو كثر القوت واستغني عنه ففي التحريم تردد، وبما إذا كان أهل الحضر يتضررون بذلك.(79/6)
ثم قال: حكم بيع الحاضر للباد: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه محرم مع صحته، وصرح به بعض الحنفية وعبر بعضهم بالكراهة وهي للتحريم عند الإطلاق، كما صرح به المالكية والشافعية والحنابلة، لكنه مع ذلك صحيح عند جمهورهم، وهو رواية عند الإمام أحمد، وعرفنا أن النهي إذا كان عائداً إلى أمر خارج عن ذات العقد وشرطه فإن العقد يكون صحيحاً مع التحريم، والنهي عنه لا يستلزم الفساد والبطلان؛ لأنه لا يرجع إلى ذات البيع؛ لأنه لم يفقد ركناً ولا إلى لازمه؛ لأنه لم يفقد شرطاً، بل هو راجع لأمر خارج غير لازم كالتضييق والإيذاء، قال المحلي: والنهي للتحريم فيأثم بارتكابه العالم به، ويصح البيع.
وفي رواية عن أحمد أن البيع صحيح ولا كراهة فيه، وأن النهي اختص بأول الإسلام لما كان عليه من الضيق قال أحمد: كان ذلك مرة، يعني ثم نسخ، مذهب المالكية والمذهب عند الحنابلة والأظهر عندهم أن هذا البيع حرام، وهو باطلً أيضاً وفاسد كما نص عليه الخرقي؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وكما نص عليه البهوتي بقوله: فيحرم ولا يصح لبقاء النهي عنه، وقال أحمد لما سئل عن هذا البيع: أكره ذلك، وأرد البيع في ذلك، وفصّل المالكية في هذا وقرروا أولاً: أنه يفسخ البيع ما دامت السلعة قائمة لم تفت ببيع أو عيب أو موت أو نحو ذلك.
ثانياً: فإن فاتت مضى البيع في الثمن الذي وقع بالبيع وهذا هو المعتمد، وقيل بالقيمة، يقول: وفيما يلي بعض الفروع التفصيلية عند غير الحنفية في هذا البيع:(79/7)
أولاً: نص المالكية على أنه مع فسخ هذا البيع بشرط عدم فوات المبيع يؤدب كل من المالك والحاضر والمشتري إن لم يعذر أحد منهم بجهله بأن كان عالماً بالحرمة، ولا أدب على الجاهل لعذره بالجهل، لكن هل يؤدب مطلقاً أم يؤدب إن اعتاد هذا البيع، قولان للمالكية في هذا، والشافعية قرروا الإثم على العالم بالتحريم كما قال المالكية، وكذا الجاهل والمقصر، ولو فيما يخفى غالباً، قالوا: وللحاكم أن يعزر في ارتكاب ما لا يخفى غالباً، وإن ادعى جهله، قال القليوبي: إن الحرمة مقيدة بالعلم أو التقصير، وإن التعزير مقيد بعدم الخفاء غير أن القفال من أئمة الشافعية جعل الإثم هنا على البلدي دون البدوي، وقرر أنه لا خيار للمشتري، يعني البدوي يطلب لنفسه ويحتاط لنفسه وهو في مثل هذا لا يُلام والنهي في الحديث لم يتجه إليه، إنما اتجه للحاضر، ثم عمم الشافعي في اشترط العلم بالحرمة في كل منهي عنه، قال ابن حجر: ولا بد هنا في جميع المناهي أن يكون عالماً بالنهي أو مقصراً في تعلمه كما هو ظاهر أخذاً من قولهم: يجب على من باشر أمراً أن يتعلم جميع ما يتعلق به، مما يغلب وقوعه، يعني الإمام يجب عليه أن يتعلم ما يتعلق بالإمامة، وما يصحح الصلاة وما يبطلها، وعموم المسلمين يجب عليهم أن يتعلموا ما يصحح الواجبات من العبادات والمعاملات، والبائع عليه أن يتعلم أحكام البيع، والمشتري كذلك، وصاحب الذهب عليه أن يتعلم، بائع الأطعمة عليه أن يتعلم ما يتعلق بها، وبائع الحيوانات عليه أن يتعلم ما يتعلق بها، وهكذا.
يقول: يجب على من باشر أمراً أن يتعلم جميع ما يتعلق به، الموظف عليه أن يعرف حدود صلاحياته، ويعرف الأنظمة المتعلقة به التي تسير أمور المسلمين، مما لا مخالفات فيه، يجب على من باشر أمراً أن يتعلم جميع ما يتعلق به مما يغلب وقوعه، أما الأمور النادرة فهذا تبقى مما يتميز به أهل العلم.
ثانياً: بما أن النص ورد في النهي عن البيع للبادي فقد اختلف في حكم الشراء له، مذهب المالكية التفصيل بين الشراء له بالنقد أو بالسلع، فمنهم من يرى جواز الشراء له بالنقد، وبالسلع مطلقاً سوء أحصل السلع بنقد أم بغير نقد، وهو ظاهر كلام خليل.(79/8)
وقال آخرون: ظاهر كلام الأئمة أنه لا يجوز الشراء له إلا بالنقد لا بالسلع، ويش الفرق؟ لأن الشراء له بالنقد لا يختلف فيه الحاضر عن البادي، لكن لو ورد البادي بسلعة، جاء بسمن وأراد أن يشتري بهذا السمن طعاماً يصير مثل البيع، مثل البيع له؛ لأن الشراء له بهذه السلعة مثل بيعه بالدراهم.
وهو ممنوع مطلقاً على المعتمد كما تقدم، واستوجه هذا الدسوقي، ومذهب الشافعية متردد في التأثيم به أيضاً، يعني إذا قدم الإعرابي بدراهم يريد الشراء هو كالحاضر، ما في فرق، يتوكل عنه الحاضر، لكن لو ورد بسلعة يشتري بها سلعة أخرى، كما لو ورد لبيعها يتجه إليه النهي، ومذهب الشافعية متردد في التأثيم به أيضاً، فلو قدم من البدو من يريد الشراء فتعرض له من الحضر من يشتري له رخيصاً فابن يونس قال: هو حرام، بحث الأذرعي الجزم بالإثم، وله وجه كما قال ابن حجر، وهو القياس على البيع، قال الشرواني: وهو المعتمد، لكن قيده بأن يكون الثمن مما تعم الحاجة إليه، السلعة التي أوردها البادي ليشتري بها سلعة أخرى ليتجه إليها ما اشترط في البيع له، من كون السلعة مما يحتاجه الناس، والقول بالمنع نقله ابن هانئ أيضاً من الحنابلة، وله رواية معروفة عن الإمام أحمد، وجمع من المتأخرين اختاروا عدم الإثم في الشراء؛ لأن النص في البيع "لا يبع" أما يشتري له لا بأس، وفرقوا بين البيع والشراء للبدوي بأن الشراء غالباً بالنقد ولا تعم الحاجة إليه، لكن إذا كان الشراء بسلعة صار حكمه حكم البيع، أما ابن حجر فذهب مذهب التوفيق بين القولين، فحمل القول الأول بالإثم على ما إذا كان الشراء بمتاع تعم الحاجة إليه، وحمل القول بعدم الإثم على خلافه، وما إذا كان الشراء بمتاع لا تعم الحاجة إليه، ومذهب الحنابلة في الشراء للبادي أنه صحيح رواية واحدة، وذلك لأن النهي غير متناول للشراء بلفظه، وإن كان البيع من الأضداد، يطلق على البيع حقيقة، ويطلق على الشراء.(79/9)
يقول: وذلك لأن النهي غير متناول للشراء بلفظه، وله في معناه، فإن النهي عن البيع للرفق بأهل الحضر ليتسع عليهم السعر، ويزول عليهم الضرر، وليس ذلك في الشراء لهم إذا لا يتضررون في عدم الغبن للبادين، بل هو دفع الضرر عنه، والخلق في نظر الشارع على السواء، فكما شرع ما يدفع الضرر عن أهل الحضر لا يلزم أن يُلزم أهل البدو الضرر.
ثالثاً: هناك مسألة تتصل ببيع الحاضر للبادي والشراء له وهي: ما لو أشار الحاضر على البادي من غير أن يباشر البيع له: فقد نقل ابن قدامة أنه كرهه مالك والليث أو استشاره مجرد استشارة جاء يبيع قال: ويش رأيك؟ كم نبيع كرهوه لأنه في حكم البيع له.
وقال الشافعية: في وجوب إرشاده إلى الادخار أو البيع وجهان: أوجههما أنه يجب إرشاده؛ لوجوب الإشارة بالأصلح عليه، ونقل ابن قدامة أيضاً أنه رخص فيه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-, والأوزاعي وابن المنذر، قال ابن قدامة: وقول الصحابي حجة ما لم يثبت خلافه.
رابعاً: نص ابن جزيء من المالكية على أن تعريف البادي بالسعر هو كالبيع له فلا يجوز. انتهى كلام أرباب الموسوعة.
وهو كلام شامل، ويوضح شيء من المعالم، فإذا ثبت النهي عن هذا البيع من قبل الحاضر للبادي، وقد ثبت بالنص الصحيح الصريح وهو محكم خلافاً لمن يقول: بأنه منسوخ، لا بد من تقييده بالقيود التي ذكرت؛ لأن المعنى واضح، المعنى من نهي الحاضر للبادي واضح، وهو مصلحة أهل السوق، ومصلحة المستهلك الذي يشتري من هذا السوق، وهو لا يرد على هذا أن البادي يبيع برخص على التجار والتجار يرفعون الأسعار على المستهلكين يعني مسألة مفترضة إذا ساد هذا وعرف أنه تكثر السلع في الأسواق برخص، ويحرم على التاجر الاحتكار فيضطر أن يبيعها برخص، فالنصوص متوازنة ومتعادلة نظرت إلى مصلحة الجالب: ((لا تلقوا الركبان)) ونظرت إلى مصلحة أهل السوق: ((لا يبع حاضر لباد)) ونظرت إلى مصلحة المستهلك في تحريم الاحتكار، وهذا في الأقوات كما هو معلوم، وما يحتاج إليه الناس أم الأمور الكمالية فالأمر فيها سعة كما يقرره عامة أهل العلم.
الإمام البخاري ترجم على الحديث بتراجم وهي عادته في بيان فقهه لهذه التراجم، يقول في الترجمة الأولى:(79/10)
باب: هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ وهل يعينه أو ينصحه؟ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له)) ورخص فيه عطاء، النصيحة الآن الترجمة على سبيل التردد، هل يفعل كذا؟ هل يفعل كذا؟ ما جزم البخاري بشيء، لكن العادة أن المرجح عنده ما يردفه به من حديث أو خبر موقوف، ثم أورد ((لا تلقوا الركبان)) و ((لا يبع حاضر لباد)) قال: لا يكون له سمساراً، والسمسار إنما هو من يبيع بأجرة، فمفهوم هذا أن الذي يبيع بغير أجر يجوز عند الإمام البخاري، هذه ترجمة، الترجمة الثاني: باب: من كره أن يبيع حاضر لباد، الترجمة الثالثة: باب: لا يشتري حاضر للباد بالسمسرة، وكرهه ابن سيرين وإبراهيم للبائع والمشتري، وقال إبراهيم: إن العرب تقول: بع لي ثوباً، وهي تعني به الشراء، فقوله: ((لا بيع حاضر لباد)) والبيع من الأضداد يطلق على البيع والشراء، فلا يبيع للبادي ولا يشتري للبادي، وهذا اختيار الإمام البخاري.
يقول: باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود؛ لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالماً، وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز، ثم ذكر باب منتهى التلقي .. إلى آخره.
المسألة التي صورناها بالأمس من التفريق بين الأخوين، وقلنا: إنه لو عرض أخوين على سبيل التفريد فسيم واحد منهما بعشرين ألف، والثاني بعشرين .. ، سام زيد هذا بعشرين وسام عمرو هذا بعشرين، والنهي ثابت من الأحاديث السابقة من فرق بين والدة، وفرق بين أخوين غلامين، كما في حديث علي قال: لا أريد أن أفرقهما، أحدكما يأخذهما بأربعين، قال هذا المعروض عليه: أنا لا أريد إلا واحد، وحاجتي واحد، والثاني يكلفني، ولا أستطيع أن اشتري الاثنين معاً إلا بعشرة، بدلاً من أن يكون الواحد بعشرين؛ لأنه يحتاج إلى نفقة عليه، هل له أن يفرق؟ ليس له أن يفرق؛ لأن النهي ثابت، إذاً ماذا يصنع؟(79/11)
يقول أحد الإخوة: بدلاً من أن يبيعهما بعشرة، وقد سيم كل واحد منهما بعشرين يبيع واحد بعشرين ويعتق الثاني، والعتق مأمور به، نقول: نعم له أن يعتق، والتفريق بينهما ببيع أحدهما وعتق الآخر ليس كالتفريق بينهما ببيعهما على أكثر من جهة؛ لأن بيعهما على أكثر من جهة يقتضي بقاء الرق وانشغال الرقيق بخدمة سيده، فلا يتمكنان من الاتصال ببعضهما، الذي من أجل القطيعة والتفريق بينهما حصل المنع، أما لو كان أحدهما حر فإنه يزور أخوه متى ما أراد، أيضاً هذا المشتري الثاني احتمال أن يبيعه على مشترٍ ثاني ببلد آخر وهكذا، فله أن يعتقه، ولعل هذا الحديث والذي قبله من الأساليب التي جاءت عن الشارع في التشوف إلى العتق، يعني أنها وسيلة من وسائل العتق، باع الأم لا يجوز له أن يبيع ولدها، له أن يعتقه، هذا المنفذ له أن يعتقه وهكذا، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر, فسعِّر لنا, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله هو المسعر, القابض, الباسط, الرازق, وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه ابن حبان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(79/12)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "غلا السعر بالمدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس" أولاً: غلاء الأسعار بسبب قلة الموارد وقلة المواد التي يحتاجها الناس، فالبضائع والسلع أسعارها مرتبطة بالعرض والطلب، فإذا زادت في الأسواق رخصت، وإذا قلت في الأسواق غلت أثمانها، خلاف لما يفعله الناس في هذه الأيام من ارتكاب بعض الأساليب التي يتوصلون بها إلى غلاء الأسعار، أو رخصها في الدعاية مثلاً يتوصلون إلى خداع الناس والتمويه عليهم إلى أن تشترى هذه السلع، وإن كانت أقل من غيرها بأقيام أرفع، هذا هو أثر الدعاية، وقد تنزل الأسعار بسبب صنيع بعض التجار للإضرار بغيرهم كما يقولون: لإسقاط بعض التجار الصغار على اصطلاح التجار يأتي التاجر الكبير فيضرب السوق؛ لأنه ما يهمه أن يخسر في هذه البضاعة في سبيل أن بعض المحلات تغلق ليتجه الناس إليه، فالغلاء والرخص سببه الزيادة في العرض والطلب والنقص فيه، المقصود أن الأساليب التي تستعمل في التجارة الآن أكثرها وافدة من غير المسلمين، فعلى المسلم أن يتحرى في طيب المطعم، وتبذل الآن على الدعايات الملايين، وكلها على حساب المستهلك، شخص يتخذ محل لبيع الأقمشة هذا المحل يكفيه خمس من اللمبات مثل هذه من باب الدعاية، وإخراج هذه الأقمشة بشكل غير حقيقتها وضع مائتين، وفي هذا ما فيه الإسراف، وفيه تغرير للمشتري، وتلبيس عليه، المقصود أن مثل هذه الأساليب هي وافدة، واردة على المسلمين وليست من أعمالهم وطبائعهم، فعليهم أن يجتنبوها ويتقوا الله -جل وعلا- في طيب المطعم.(79/13)
"غلا السعر في المدينة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس: يا رسول الله غلا السعر, فسعر لنا" سعر لنا حدد الأسعار بحيث لا يتجاوزه التجار، سعّر "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله هو المسعر القابض الباسط)) كل شيء بيده -جل وعلا-، هو الذي ينعم على الناس فيكثر الخير ويعم الرخاء، وهو الذي يقبض فتقل الأسعار، وتقل الموارد .. ، تقل السلع والموارد فترتفع الأسعار، ((الباسط الرازق)) الله -جل وعلا- هو المعطي المانع ((وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى, وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) إذا سعّر المسعر من سلطان ونحوه، وألزم الناس بهذا السعر، فيتصور الظلم على البائع وعلى المشتري، ولذا قال: ((وليس أحد منكم)) لا باعة ولا مشترين، ((يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) نعم إذا حدد سعر هذا الكتاب من قبل ولي الأمر لا يزيد عن مائة ريال، السوق قابل للزيادة والنقصان، فإذا قلت النسخ، وزادة الأسعار، وزادة التكاليف على صاحب الكتاب، واحتاج أن يستأجر له المخازن وغيرها، وارتفعت عليه الكلفة صار ظالم للتاجر، ولو طبع الكتاب مراراً، وصار بدلاً من أن كان يبيعه التجار من مائة وخمسين، وسعره الوالي بمائة، طبع مرة ثانية وثالثة وعاشرة، وصار يباع بعشرين، واستمر السعر على مائة، نعم؛ لأن ما يتصور أن جهة من الجهات تبي تلاحظ الأسعار، وكل صباح تضع السعر الجديد، إذا ما يكون له قيمة التسعير، التسعير ليكون الأمر ثابت لا يتجاوزه البائع ولا يتجاوزه المشتري، وإثبات السعر والسلعة قابلة للزيادة والنقص لن يخلو عن ظلم، يعني افترضنا أن الكتاب ندر وتعب عليه صاحبه، وبذل في تحصيله الأموال الطائلة، ثم ثبت سعره بمائة، وصار يستحق ألف مثلاً، والوالي سعره بمائة هذا ظلم للتاجر، ولو طبع مراراً عشر مرات وصار بدلاً من أن سعره مائة يستحق عشرين ريال، أو يتكدس في المستودعات صار ظلم للمستهلك، ولذا قال: ((وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال)) أنتم تصوروا الظلم الحاصل على الطرفين في البلدان التي يحدد فيها الأجور مثلاً، بلدان وضعت فيها الأجور في ظرف من الظروف في وقت من الأوقات حددت من(79/14)
خمسين سنة، وما زالت إلى الآن، تجد البيت بدلاً من أن يؤجر أو الشقة بعشرة آلاف في عملاتهم هو يؤجر بعشرة فقط آحاد، بدلاً من الآلاف، وما زال الأمر جاري هذا ظلم لمن؟ ظلم لصاحب المال، ويكون سبباً في ظلم المستهلك؛ لأن صاحب المال بيضطر إيش يفعل؟ يغلق هذا البيت، لا يؤجره، يقول: بدلاً من أن أؤجر لا يؤجر، أيضاً من كانت عنده نية أن يتوسع ويوسع على الناس في البيوت والمساكن، يقول: ليش أعمر، وهو من دخله لا يخرج، ولا أستطيع أن أزيد عليه، خله يجلس، خلها أرض، حتى أن بعضهم يتحايل على بعض العمارات الفارهة الشاهقة يهدمها، فإلزام الناس بأسعار لا شك أنه ظلم لهم، نعم قد يتوقع أو يتوخى مصلحة في وقت من الأوقات في ظرف من الظروف لأمر طارئ ويزول ويزول هذا بزواله، ويجتهد إمام، أو يفتى بهذا شيء، نعم، ويبقى أن الله -جل وعلا- هو المسعر القابض الباسط المعطي المانع، فالأصل أن التسعير لا يجوز، طيب لو لاحظ ولي الأمر أن التجار يمنعون بيع السلع إلا بأسعار مرتفعة، نقول: يترك الأمر للسوق والعرض والطلب، إذا كثرت في الأسواق رخصت، ويحرم الاحتكار، يلزمون بالبيع، يحرم الاحتكار، فإذا ألزموا بالبيع رخصت السلع، لا يستطيعون أن يرفعوا الأسعار، تبيع أنت وإلا يبيع غيرك، نعم، فإذا نظرنا إلى التشريع في هذا المجال وجدناه على أدق وصف وعلى أكمله وأرحمه بالناس عموماً، البائع والمشتري والمستهلك كلهم لوحظت مصالحهم، فالبائع لوحظت مصلحته بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تلقوا الركبان)) المشتري لوحظت مصلحته ((لا يبع حاضر لباد)) المستهلك لوحظت مصلحته بتحريم الاحتكار، الذي يليه.
وعن معمر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) رواه مسلم.
هذا الحديث عن معمر بن عبد الله بن نضلة العدوي أسلم، قديماً وهاجر إلى الحبشة، المقصود أنه صحابي معروف، وإن كان مقل في الرواية "معمر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحتكر إلا خاطئ)) رواه مسلم.(79/15)
والخاطئ والمخطئ اسم فاعل، خاطئ من الثلاثي، ومخطئ من الرباعي، أخطأ، والخاطئ مرتكب الخطيئة، وهو الآثم العاصي، والمخطأ مرتكب الخطأ، من أخطأ فهو مخطئ، وقد يكون آثماً، وقد يكون غير آثم لجهله مثلاً.
((لا يحتكر إلا خاطئ)) لا يرتكب إلا خاطئ يعني آثم عاصي، وهذا الحديث في مسلم، وحمله الجمهور على ما يحتاجه الناس، ولذا جاء في الخبر ((من احتكر طعاماً)) أي اشتراه وحبسه حتى يقل في الأسواق فيغلو ثمنه، فحملوه على الطعام، وسبب الحمل تقييد الخبر بفعل الصحابي، راوي الحديث وهو أدرى بما روى.
أخرج مسلم عن سعيد بن المسيب أنه كان يحتكر فقيل له: فإنك تحتكر، قال: لأن معمر راوي الحديث كان يحتكر، قال ابن عبد البر: كانا يحتكران الزيت، وهذا ظاهر أن سعيداً قيد الإطلاق بعمل الراوي، وهو أدرى بما روى، فالأمور الضرورية الزيت ضروري وإلا ما هو بضروري؟ نعم؟ في وقتهم ليس بضروري؛ لأن عندهم السمن، لكن عندنا الآن هو حل محل السمن الذي لا يقوم الطعام إلا به، ولو احتكر وارتفع الناس إلى أسعاره رجع الناس إلى السمن، المقصود أن المنع هنا إنما يكون فيما يضطر إليه الناس، في أقواتهم، وهنا الشرع يلاحظ المستهلك، فلا يمكن أن يضطر المسلم إلى طعام والمخازن والمستودعات مملؤة بهذا الطعام، فمن احتكر مع حاجة الناس إلى هذا الطعام آثم عاصي خاطئ، ويلزمه ولي الأمر ببيعه، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تصروا الإبل والغنم, فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها, إن شاء أمسكها, وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)) متفق عليه.
ولمسلم: ((فهو بالخيار ثلاثة أيام)).
وفي رواية له علقها البخاري: ((ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء)) قال البخاري: "والتمر أكثر".
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعاً" رواه البخاري.
وزاد الإسماعيلي: "من تمر".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(79/16)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تصروا الإبل والغنم)) " الإبل والغنم، وفي حكمها البقر، والمراد بالتصرية ربط أخلاف الناقة، يعني ربط ثدي الناقة لئلا تحلب فيجتمع فيها اللبن، ولو اجتمع من غير ربط كان له نفس الحكم، المقصود أنه ترك اللبن في ضرع الناقة والبقرة والشاة حتى يجتمع فيراه المشتري كثيراً، فيظن أن هذه عادتها، أنها ذات لبن كثير، فيقدم عليها، فنهي عن ذلك.
((فمن ابتاعها)) من اشتراها وقد اغتر بما في ضرعها من اللبن الكثير ((فهو بخير النظرين)) له الخيار من إمضاء البيع أو ردها، ((فهو بخير النظرين بعد أن يحلبَها)) بعض الروايات: ((يحلبُها)) و (أن) ناصبة للفعل المضارع، وقد يلغى عملها.
أن تقرآن على أسماء ويحكما ... . . . . . . . . .
المقصود أن الأصل فيها النصب، وجاء في بعض الروايات الصحيحة بالرفع، وهذا إلغاء لها، لعملها، وقد جاء فيه الشعر.
إن شاء بعد النظرين أن يحلبها، ((إن شاء أمسكها)) إذا قبلها وعرف وأقدم على الشراء مع علمه بهذا الغرر الأمر لا يعدوه، أحياناً تكون السلعة في نظر المشتري رخيصة جداً، ولو تبين فيها عيب أيضاً تبقى رخيصة فله أن يمسكها، اشتريت كتاب مثلاً يباع بألف قيمته ألف فوجدته بثمانمائة رخيص، لما رجعت إلى البيت وجدت فيه سوس خفيف هذا عيب، لكن إن شئت أن تعيده باعتبارك ما وقعت ولا رأيت هذا العيب، وإن شئت أن تمسك؛ لأنه أيضاً رخيص بهذه القيمة، فلك ذلك، الأمر لا يعدوك، يقول: ((إن شاء امسكها، وإن شاء ردها)) لأن خيار العيب ثابت في الشرع، وهذا عيب، وهذا يثبت به خيار التدليس، هذا تدليس، وهو إظهار السلعة بمظهر غير مظهرها الحقيقي.(79/17)
((وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)) قد يكون هذا اللبن يعدل صاعين من التمر، قيمته تعدل صاعين أو ثلاثة، وقد تكون قيمته لا تعدل ربع صاع، لكن لا يمكن ضبط هذه الأمور إلا بهذه الطريقة، يُجعل قدر وهو هنا متوسط، هذا في الأمور العامة لا بد من إرجاع الناس إلى شيء منضبط، ما يترك للاجتهاد؛ لأنه حلب هذه الناقة، فإن ادعى أنه مثلاً لتر، وقال صاحبها: لا هو عشر لتر، تعطينا قيمة عشرة لترات، من يحل مثل هذا الإشكال؟ في مثل هذه الأمور يرد الناس إلى أمر منضبط، ولا يترك لاجتهادهم؛ لأن اجتهادهم يفضي إلى النزاع الذي لا ينحل، يعني حينما -وهذا تقدم- أُمر الأب أن يأمر ابنه لسبع سنين بالصلاة، وأن يضربه لعشر، ما صار مرد الأمر والنهي إلى التمييز، لماذا؟ لأن التمييز متفاوت بعض الأطفال يميز لأربع، وبعضهم ما يميز إلا لثمان، تسع، ثم إذا قلت لفلان: لماذا لا تأمر ولدك؟ قال: والله ما ميز، عمره عشر سنين، والله ما ميز يا أخي، مرده إلى التمييز، لا، لا يوضع شيء قاعدة عامة تعم الناس كلهم، أما بالنسبة للأمور التي ليس فيها إلزام وتكليف عام يترك للتمييز، طلب العلم مرده إلى التمييز، ميز لأربع دعه يطلب العلم من أربع، ما ميز إلا لعشر لا يطلب العلم إلا لعشر، لا تكلفه بما لا يطيق، فالشرع في الأمور العامة التي تشمل الناس كلهم يضع قاعدة عامة، وإن كان الأصل أرفع أو أقل، أو أحياناً أرفع وأحياناً أقل.
متفق عليه، ولمسلم: ((فهو بالخيار ثلاثة أيام)) ثلاثة أيام من الشراء أو من الحلب وتبين العيب؟ قيل هذا وقيل هذا، لكن المفترض أنه لا يتبين أنها مصراة إلا بثلاثة أيام من حلبها، الحلبة الأولى تبين أن فيها عشر لترات، حلبة ثانية فيها خمسة لترات، حلبة ثلاثة فيها ثلاث لترات وهكذا، قد يكون مرد النقص في الحليب نعم التغذية، وهذه تختلف من شخص لأخر، لكن المصرات لا شك أن عيبها يبين للتفاوت الكبير بين اليوم الأول والثاني والثالث تركت فرصة ثلاثة أيام ليتأكد من هذا الأمر.(79/18)
"وفي رواية له علقها البخاري" لأبي هريرة ((ورد معها صاعاً من طعام لا سمراء)) " طعام مطلق، والطعام يشمل جميع ما يطعم، قال –الإمام- البخاري: "والتمر أكثر" ويش معنى أكثر؟ يعني أكثر في الرواية فهو أرجح، نعم، وقال بعضهم: عن ابن سيرين: "صاع من طعام، وهو بالخيار ثلاثاً" وقال بعضهم: عن ابن سيرين: صاع من تمر ولم يذكر ثلاثاً، والتمر أكثر، يعني أرجح في الرواية، وأكثر في الرواة.
يقول بعد هذا .. ، في كلام طويل لأهل العلم في حديث .. ، في المصارات، وأن من الأئمة من العلماء من رد العمل بهذا الحديث، وأنه يخالف القياس، وأن فيه غرر وجهالة، وكيف يرد صاع بدل عشرة لترات أو لتر واحد أو كذا؟ هذا كله جعل بعض العلماء يردون هذا الحديث، وأنه على خلاف الأصل، لكن الحديث هو الأصل، وأنه لا قياس في مقابل هذا النص، فالأقيسة تكون فاسدة الاعتبار عند مخالفتها للنصوص الصحيحة، وجماهير أهل العلم على العمل به.
"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "من اشترى شاة محفلة" وهي التي جمع لبنها في ضرعها "فردها فليرد معها صاعاً" هكذا مطلق، صاعاً من إيش؟ ما بُين، لكن هو في الحديث السابق حديث أبي هريرة -هذا حديث ابن مسعود- مبين بالتمر.
"زاد الإسماعيلي: "من تمر" الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري زاد: "فليرد معها صاعاً من تمر"، وهذه من فوائد المستخرجات، المستخرجات والاستخراج أن يعمد عالم حافظ يروي بأسانيده إلى كتاب معتبر من كتاب الحديث، فيخرج أحاديث الكتاب بأسانيده هو، من غير طريق صاحب الكتاب، من فوائد هذه المستخرجات قد يقول قائل: لماذا الإسماعيلي يضع مستخرج على البخاري يكفينا البخاري؟ إذا كانت الأحاديث هي أحاديث البخاري لكنها بأسانيد الإسماعيلي يكفينا البخاري، لسنا بحاجة إلى مستخرجه، نقول: لا هذا المستخرجات فيها فوائد كثيرة، أوصلها بعضهم إلى عشرين فائدة، منها الزيادة في المتون، تزيد جمل، وقد تزيد قيد، وقد تزيد ما يحتاج إليه في فهم النص، من فوائدها أيضاً تصريح المدلسين بالسماع وبالتحديث، وأيضاً تعيين المبهمات سواء كانت في الأسانيد أو في المتون، وتمييز المهملات في الأسانيد، المقصود أن لها فوائد كثيرة.(79/19)
واستخرجوا على الصحيح كأبي ... عوانة ونحوه واجتنبِ
عزوك ألفاظ المتون لهما ... إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما
المقصود أن هذه المستخرجات استفاد منها هذه الفوائد، لكن إذا أخذت الحديث من مستخرج الإسماعيلي ما تقول: رواه البخاري بناء على أن الأصل في البخاري؛ لأنها خالفت وزادت ونقصت، فلا بد إذا عزوت لكتابٍ أن ترجع إلى الكتاب نفسه، نعم لا بد أن ترجع إلى الكتاب نفسه.
. . . . . . . . . ... إذ خالفت لفظاً ومعنى ربما
وما تزيد فاحكمن بصحته ... فهو مع العلو من فائدته
والأصل يعني البيهقي ومن عزا ... وليت إذ زاد الحميدي ميزا
لأن من أهل العلم من اعتمد على المستخرجات وعزا للصحيحين، البيهقي يصنع هذا، يسند للبخاري، يضيف للبخاري ما في مستخرج أبي عوانة، الحميدي في الجمع بين الصحيحين كذلك مع أنه ميز وحاول يميز لكن ما دام مرجعه الفرع يصعب عليه التمييز، تمييز كل لفظة بعينها، وقل مثل هذا في جامع الأصول؛ لأن بعض الناس يعتمد على جامع الأصول بناء على أنه جمع الكتب الستة، الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي والموطأ، يقول: خلاص أنا ليش أرجع إلى الكتب الستة هذه يكفيني جامع الأصول، نقول: لا يا أخي لا بد إذا قال لك: خرجه البخاري ترجع إلى البخاري فتتأكد أن هذا لفظه؛ لأنه يعتمد على المستخرجات، فمن فوائد المستخرجات زيادة في اللفظ: "من تمر" وهذه فائدة مهمة في الحديث، نعم جاءت في أحاديث أخرى، لكنها في حديث ابن مسعود ما جاءت إلا في المستخرج، فيستفاد من المستخرجات مثل هذا، نعم.
طالب: طيب ما يحمل المطلق على المقيد، الصاع يكون من تمر.
صاعاً؟
طالب: إيه يكون مطلق يحمل على المقيد.
هو قيد بكونه من تمر.
طالب: يحمل وإلا لا.
نعم؟
طالب: يحمل؟
لا بد، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة طعام, فأدخل يده فيها, فنالت أصابعه بللاً, فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام?)) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس? من غش فليس مني)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(79/20)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة" وهي الكوبة المجتمعة من الطعام "فأدخل يده فيها" ليختبر -عليه الصلاة والسلام- "فنالت أصابعه بللاً" معروف أن التمر إذا جاءه الماء يفسد مع الوقت ما لم ينشف حالاً، لكنه يفسده الماء، وقل مثل هذا فيما يتلفه الماء كالورق مثلاً أو الحبر المكتوب، المقصود أن مثل هذا إخفاؤه عن المشتري غش، "فنالت أصابعه بلالاً، فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟ )) قال: أصابته السماء" يعني أصابه الماء، المطر (إذا نزل السماء بأرض قومٍ) فالمراد بالسماء هنا المطر.
"أصابته السماء يا رسول الله، قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ )) أما أن يخفى بحيث لا يراه المشتري هذا هو الغش، وفي الحديث: ((من غش فليس مني)) وفي رواية: ((من غشنا فليس منا)) يعني ليس على هدي، وليس على طريقتي، وليس من المقتدين بي، والمؤتسين بعملي، هذا معناه، وجمع من أهل العلم يكرهون تفسير مثل هذه النصوص؛ لأن عدم تفسيرها أبلغ في الزجر عن هذا العمل.(79/21)
وعلى كل حال الغش حرام، ويكثر تداول هذا اللفظ بين الطلاب أيام الامتحانات ينظر في ورقة زميله أو يطلب من زميله أن يساعده ويقول: غششني، أو يقال: إنه غش فلان من فلان، لا شك أن هذه خيانة، خيانة للشخص نفسه ولغيره ممن .. ، أقول: هذا الشخص سوف يتولى أعمال ووسيلته في هذا العمل والوصول إليه محرم، أمر مبني على خيانة، ولذا بعض أهل العلم يرى أنه يحرم عليه أن يعمل بهذه الشهادة التي نالها بهذه الطريقة، وبعض الناس يقول: أنا أعمل بعمل لا علاقة له بالعلم الذي تعلمت، يعني كوني غشيت في مادة حديث وإلا تفسير وإلا .. ، وأنا أشتغل في شركة الكهرباء، كيف يؤثر هذا على .. ؟ نقول: ما مكنت من هذا العمل إلا بهذه الشهادة التي هذا العمل الذي عملته جزء منها، ولا شك أن الأمر يختلف فيمن كان ديدنه الغش يعني جميع سنواته يستعمل الغش، وفي جميع المواد هذا لا شك في تحريم ما يكسبه من جراء هذه الشهادة، لكن يبقى أنه لو غلبته نفسه الضعيفة في مادة من المواد، وأخذ كلمة أو شبهها وتاب منها وإلا فشهادته على الجادة، ولا غش غير هذه المرة قد، وإن كان الأمر محرم وخيانة، أما تحريم الكسب لأنه زل في كلمة أخذها أو شيء من هذا، نعم قد يفتى بذاك من باب الاهتمام بشأن هذا الأمر، والتهويل من شأنه ليترك ويجتث من أساسه، لكن من قال: إنه فعل هذا مرة في عمره في كلمة واحدة، في مادة واحدة، في فصل واحد، وتاب وأناب إلى الله -جل وعلا-، التوبة تهدم ما كان قبلها، وليس معنى هذا أنه يقدم على هذا العمل مع الإصرار ليتوب منه، لا، المسألة مفترضة في عمل حصل وتاب منه، كمن زنا وتاب، أو سرق وتاب، ليس معنى هذا أن هذا يهيأ له أن يزني ثم يتوب، لا، يختلف الأمر، فلا يفهم من هذا أن الإنسان يتجاوز ويتسامح في الغش، أبداً، لكن فرق بين من كانت شهادته مبنية على هذه الخيانة، وبين من حصلت منه هفوة أو زلة واستفاد كلمة أو نحوها، ثم تاب منها، تاب يتجاوز عنه أثر المعصية، التوبة تهدم الذنب، لكن العمل المنوط به بسبب هذه الشهادة لا يجوز، يعمل بدون شهادة، يعمل سادة، نعم؟
طالب: ما في قاعدة.(79/22)
معروف أنه لا يقصد من مثل هذا الكلام خروجه من الدين، معلوم هذا أنه لا يقصد خروجه من الدين، وإن كان فاعله مرتكباً لأمر محرم، نعم.
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حبس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمراً فقد تقحم النار على بصيرة)) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه" بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي معروف -رضي الله عنهما- "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حبس العنب أيام القطاف)) تركه أيام القطاف ((حتى يبيعه)) من يهودي أو نصراني، أو ((ممن يتخذه خمراً)) من فساق المسلمين، يستعمله في محرم ((فقد تقحم النار على بصيرة)).
أولاً: هذا الحديث باطل، لا يصح، قاله أبو حاتم، وقال الذهبي في الميزان: موضوع، وقول الحافظ بإسناد حسن ليس بحسن، فهذا الحديث ليس بصحيح، لكن مقرر عند أهل العلم من عمومات الشريعة أن من اشترى شيئاً ليتوصل به إلى محرم يحرم بيعه عليه، إذا عرف ذلك البائع، فلا يجوز بيع العنب ممن يتخذه خمراً، ولا بيع التمر، ولا بيع السلاح لمن أراد أن يتقل به مسلماً، ولا بيع آلة التصوير لمن أراد أن يصور بها ذوات الأرواح .. إلى آخره، فكل هذه الأمور محرمة دلت العمومات على تحريمها، جاء شخص يشتري سكين الناس يبيعون السكاكين من غير نكير؛ لأن غالب استعمالها في المباح، لكن عرفنا أن شخص اشترى سكين ليطعن بها مسلماً يحرم البيع عليه؛ لأن هذا من التعاون معه على الإثم والعدوان، ومثله بيع السلاح في الفتنة، وبيع العنب لمن يتخذه خمراً وهكذا، المقصود إذا كان يعرف أن المشتري يستعمله في محرم لا يجوز له أن يبيعه عليه، والحديث عرفنا أنه باطل، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخراج بالضمان)) رواه الخمسة, وضعفه البخاري وأبو داود، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(79/23)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخراج بالضمان)) " يقول: " رواه الخمسة, وضعفه البخاري وأبو داود، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان".
وهؤلاء يعني الترمذي وابن حبان والحاكم وابن خزيمة قد يتساهلون في التصحيح، لكن اجتماعهم على تصحيح خبر لا سميا وقد انضم إليهم ابن الجارود وابن القطان، لا يقل عن مرتبة ولا ينزل عن مرتبة الحسن، وتضعيف البخاري لرواية الترمذي المطولة التي فيها مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، لكن الرواية المختصرة عند الترمذي وغيره يعني ليس فيها هذا المقدوح فيه، فأقل أحواله الحسن، والحديث قاعدة عامة من قواعد الشرع ((الخراج بالضمان)) قد تقدم لنا النهي عن بيع ما لم يضمن، فالربح مربوط بالضمان، اشتريت سلعة واشترط الخيار لمدة شهر لك ذلك، لكن هل لك أن تعرضها على المشترين بمعنى أنها إن جاءت بثمن مرتفع تجزم على شرائها أو تردها على صاحبها، لا يجوز لك أن تبرم هذا العقد، ولك أن تستشرف وتستطلع الآراء تشوف كم تسوى؟ وتتحرى في قيمتها لك ذلك، إما أن تبيعها في مدة الخيار وهي ليست من ضمانك من ضمان البائع فليس لك ذلك، والربح الذي يحصل منها في حال الخيار قبل أن تكون من ضمانك الربح لصاحبها لأن الخراج بالضمان، المرتهن يجوز له أن يركب ما يركب، ويحلب ما يحلب، لماذا؟ لأنه ينفق عليه، لو كان الرهن سيارة يركبها، لماذا؟ لأنه هو الذي يضع فيها البنزين والزيت ويلاحظها، فالخراج بالضمان، الدابة له أن يركبها، وله أن يحلبها؛ لأنه هو الذي يعلفها، فالخرج بالضمان وصور ذلك كثيرة جداً لا تنتهي، المقصود أن هذا القاعدة لها فروع كثيرة، وهي من ضمن القواعد الفقيه التي يذكرها أهل العلم، نعم.
وعن عروة البارقي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه ديناراً يشتري به أضحية أو شاة, فاشترى به شاتين, فباع إحداهما بدينار, فأتاه بشاة ودينار, فدعا له بالبركة في بيعه, فكان لو اشترى تراباً لربح فيه. رواه الخمسة إلا النسائي.
وقد أخرجه البخاري ضمن حديث, ولم يسق لفظه، وأورد الترمذي له شاهداً من حديث حكيم بن حزام -رضي الله عنه-.(79/24)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عروة البارقي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه ديناراً يشتري به أضحية أو شاة" للأكل أو لغيره، شك الراوي، "فاشترى به شاتين فباع أحدهما بدينار فأتاه بشاة ودينار" الآن المصلحة من هذا التصرف ظاهرة، تصرف وتعدى ما حد له، أعطي دينار ليشتري شاة، فاشترى شاتين، هل نقول: إن مثل هذا التصرف يجوز؛ لأن المصلحة جلية وظاهرة، افترض أنه اشترى شاتين، وجاء بهما لمن وكله، يختلف الحكم فيما لو باع أحداهما بدينار كما هنا؟ الآن المصلحة ظاهرة، المصلحة مقطوع بها، الدينار الذي أعطيه رده، ومعه شاة، لكن لو اشترى شاتين بدل شاة، وجاء بهما لصاحب الدينار الحكم واحد وإلا يختلف؟ احتمال أن تكون هاتين الشاتين أقل من الشاة الواحدة التي يرغب فيها صاحب الطلب، ولا شك أن هذا يسمى عند أهل العلم التصرف إيش؟ الفضولي، ويسمونه أيضاً العقد الموقوف، والحديث دليل على جوازه بإجازة صاحب الشأن، أعطيت واحد مائة ريال قلت له: هات لي صحيح البخاري، راح ووجد فتح الباري بمائة ريال قال: فرصة الكتاب الذي أنت تريده كامل ومشروح وزيادة، نعم؟ مصلحة راجحة، لكن يبقى أن المسألة موقوفة على إجازتك، تقول: والله ما عندي محل لفتح الباري، وفتح الباري عندي لا أريد نسخة ثانية، أنا أريد نسخة من البخاري صغيرة أحملها في الأسفار، فلك أن ترد ذلك، ولو كانت المصلحة راجحة، فأنت الذي تقدر مصلحتك.(79/25)
يقول: "فاشترى به شاتين فباع إحداهما بدينار, فأتاه بشاة ودينار, فدعا له بالبركة" لأنه جاء له بما أعطاه وزيادة، صارت الشاة ربح، "بالبركة بالبيع، فكان لو اشترى تراباً لربح فيه" ويوجد على مر العصور من التجار بهذه المثابة، لو قلب حجراً لوجد تحته ما يربحه، وواحد من التجار أراد أن يشيد عمارة أو عمائر على أرض كبيرة، فحفر لها في الأرض للقواعد والأخبية، فاجتمع التراب الكثير بحيث امتلأت الأسواق منه فأحضر شركة لتقوم بنقل هذا التراب، فقالوا: ننقل هذا التراب بثلاثمائة ألف، قال: ما عندي ألا مائة ألف تنقلون هذا التراب، وانفضوا على هذا، في نفس اليوم في آخر يوم جاءت شركة أخرى تشتري هذا التراب بمائتي ألف، وعليهم النقل، أقول: بعض الناس لا شك أن التجارات حظوظ من الله -جل وعلا-، وإنسان من أذكى الناس وأنبههم يتعرض للتجارة وهو في. . . . . . . . . كل يوم أردى من الثاني، ورجل لا يحسن شيء، بل علامة التغفيل عليه ظاهرة والأرباح تزداد، وابن آدم لا يفعل شيئاً، الله -جل وعلا- هو الذي يوسع، وهو الذي يضيق، وهو الذي يرزق، وهو الذي يبسط، وهو الذي يقدر الأرزاق، المقصود أن الإنسان عليه أن يبذل السبب؛ لأنه مأمور به، وأما النتائج فهي بإذن الله -جل وعلا-، وهذا كان لو اشترى تراباً لربح فيه ببركة الدعوة النبوية منه -عليه الصلاة والسلام-.
"رواه الخمسة" أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد "إلا النسائي، وقد أخرجه البخاري ضمن حديث, ولم يسق لفظه" بل ساق لفظه برقم (3642)، "وأورد الترمذي له شاهداً من حديث حكيم بن حزام" لكنه ضعيف، وعلى كل حال الحديث صحيح، نعم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع, وعن بيع ما في ضروعها, وعن شراء العبد وهو آبق, وعن شراء المغانم حتى تقسم, وعن شراء الصدقات حتى تقبض, وعن ضربة الغائص" رواه ابن ماجه والبزار والدارقطني بإسناد ضعيف.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع ... " الحديث.(79/26)
يقول الحافظ: "بإسناد ضعيف" لأن فيه شهر بن حوشب، والجمهور على تضعيفه، فإسناده ضعيف، وقصة تضعيفه، وقصة السرقة وما أشبه ذلك، وما حيك حولها، قد لا يثبت، لكن الجمهور على تضعيفه، فالحديث ضعيف، وفي جمله الست ما لبعضها شواهد، يقول: "نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع" وذلك للغرر، ونهى عن بيع حبل الحبلة، وتقدم هذا، والحمل في البطن لا يجوز بيعه لوجود الغرر.
"وعن بيع ما في ضروعها" يعني من الألبان، ما يدرى كمية اللبن الذي في ضرعها، فالغرر موجود، "وعن شراء العبد وهو آبق" فلا يجوز بيعه؛ لأنه غير مقدور على تسليمه "وعن شراء المغانم حتى تقسم" لأنها قبل تمام الملك، يبيع نصيبه قبل أن تقسم ويقبضه بيع قبل تمام الملك، فيشمله ((لا تبع ما ليس عندك)) "وعن شراء الصدقات حتى تقبض" كذلك ما تم الملك حتى تقبض "وعن ضربة الغائص" لما فيها من الغرر، الغائص الذي يغوص في البحر، يقول: أغوص أعطني مائة ريال وأعطيك ما أحصله في هذه المرة، قد يحصل حوتاً كبيراً بعشرة أضعاف ما دفع، وقد لا يحصل شيئاً، وقد يحصل شيئاً صغيراً لا يستحق، ولا عشر القيمة، فالغرر موجود، والحديث ضعيف، نعم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر)) رواه أحمد، وأشار إلى أن الصواب وقفه.
هذا الحديث كسابقه في ضربة الغائص، وهو غرر، والعلة مذكورة، يقول: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر)) " لا سيما وأن الجرم في الماء يبدو أكبر من حقيقته، وأحياناً يبدو أصغر السمك في الماء لا يجوز بيعه؛ لأنه لا يجزم بالاستيلاء عليه، قد ينزل ليمسكه فيعجز عنه، هو غير مقدور على تسليمه من وجه، والأمر الثاني: أن فيه غرر وجهالة، فلا يجوز بيعه، والحديث مضعف مرفوع، والصواب وقفه، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(79/27)
لا هو إذا كان مقدور عليه تسليمه يعني في مزرعة صغيرة أو في ظرف صغير فيه ماء، ومعلوم يجوز بيعه نعم على أن للمشتري الخيار إذا ظهر خلاف مرآه، إذا رآه ورأى أن وزنه عشرة كيلو ثم لما خرج من الماء تغيرت حقيقته فإذا وزنه خمسة كيلو له الخيار، وسبق أن قلنا في الطير في الهواء يختلف الهواء المفتوح الذي لا يقدر على تسليمه، وبين الهواء مثل هذا المكان وهذا الظرف، إن لم يقدر على تسليمه في الحال قدر عليه بعد ساعة، هذا يختلف عن هذا، نعم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تباع ثمرة حتى تطعم, ولا يباع صوف على ظهر, ولا لبن في ضرع" رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني.
وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة, وهو الراجح، وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي, ورجحه البيهقي.
يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تباع ثمرة حتى تُطعِم" أما الحديث المذكور فالمرجح أنه موقوف، وأما المرفوع فهو مرسل، لا تقوم به حجة، فالمرفوع ضعيف، وجمله يُنظر فيها، لها ما يشهد لبعضها من المرفوع، وبعضها يندرج تحت قواعد شرعية.
يقول: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تباع ثمرة حتى تُطعِم" فالنهي عن الطعام حتى يبدو الصلاح ويحمر أو يصفر على ما تقدم، وعلى ما سيأتي في النصوص، والعنب يتموه حلو، والحب حتى يشتد، لا بد أن يبدو الصلاح، فهذه الجملة لها ما يشهد لها، وتحمل على ما ثبت في النصوص الصحيحة.
"ولا يباع صوف على ظهر" صوف على ظهر فيه غرر؛ لأنه إذا بيع الصوف على الظهر صاحب الدابة يبي يترك من الصوف أكبر قدر يستطيعه، والمشتري يريد أن يستوفي جميع الصوف، ولو أمكنه ذلك بالنتف لفعل، إن لم يمكن النتف فبالموسى، نعم، فيحصل الخلاف والشقاق، هذا يقول: لا نستطيع -اللي هو البائع- أن نترك هذه الدابة دون شعر نعطيك من أطرافه، فتكون المسألة تقصير، وذاك يريد الحلق، فيحصل الخلاف والشجار والنزاع، فلذا لا يجوز بيع الصوف على الظهر؛ لأنه لا يوصل فيه إلى حل متفق عليه.(79/28)
"ولا لبن في ضرع" وقد سبق الكلام في هذا، وأنه فيه غرر، "رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة وهو الراجح" وهو مرسل "وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي، ورجحه البيهقي" فعندنا الموقوف مرسل وهو ضعيف، وعندنا الموقوف صحيح على ابن عباس وجمله يمكن أن يشملها نصوص أخرى، وقواعد عامة، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع المضامين والملاقيح" رواه البزار, وفي إسناد ضعف.
وهذا أيضاً حديث ضعيف، "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع المضامين" والمراد بها: ما في بطون الإبل، المضامين ما في بطون الإبل، وتقدم النهي عن بيع حبل الحبلة، والحمل في البطن "والملاقيح" ما في ظهور الجمال يبع على المشتري نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
المضامين ما في بطون الإبل، والملاقيح ما في ظهور الجمال، فيأتي المشتري ويقول: أشتري أول نتاج لهذا الجمل، هذا إيش؟ ملاقيح؛ لأن الجمل يلقح الناقة، والناقة ما في بطنها وفي ظرفها وفي جوفها في حكم المضمون، المضمون من قبلها؛ لأن تحميه؛ لأن ظرفها وبطنها تحمي ويضمن بقاء هذا الجنين فيه، بخلاف ما لو كان خارج البطن، وعلى كل حال الحديث ضعيف، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته)) رواه أبو داود وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(79/29)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أقال مسلماً)) وفي رواية: ((من أقال نادماً)) وهو أعم من كونه مسلماً أو غير مسلم، فمن ندم على شراء سلعة لارتفاع سعرها مثلاً، أو لتبين الأمر بالنسبة له أنه ليس في حاجة إليها، فندم على شرائها من أقاله ((أقال الله عثرته)) يوم القيامة، وهو في أمس الحاجة إلى أن تقال عثرته، وبمثل هذا التعامل الشرعي يسود الحب والوفاق بين المسلمين، أما إذا اشترى سلعة فذهب بها إلى بيته فوجد أنه ليس بحاجة إليها، أو استغنى عنها، أو وجد في بيته ما يغني عنها، أو أهدي إليه مثلها، أو اشترى ابنه أو أخوه مثلها، فوجدها زائدة عن حاجته فندم على شرائها، ثم ذهب إلى البائع قال: أبداً اشتريت وتفرقنا تبي نشتري منك نشتري، وهذا يصنعه كثير من الناس، والجشع قد استولى على قلوبهم، تريد نشتري منك نشري، ثم لا يشتري منه إلا بثمن بخس، فإقالته ودفع ما دفعه كاملاً هو المرغب فيه بهذا الحديث, ((أقال الله عثرته)) يوم القيامة، "رواه أبو داود وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم" وهو صحيح، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(79/30)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (7)
باب: الخيار
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: الخيار
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته)) رواه أبو داود وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم.
هذا الحديث تابع للباب السابق، الخيار أوله حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، نعم.
أحسن الله إليك.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعا, أو يخير أحدهما الآخر, فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع, وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) متفق عليه, واللفظ لمسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الخيار
الباب مضى التعريف به مراراً، وأنه في الأصل وضع لما يدخل ويخرج منه، ثم اصطلح أهل العلم وتعارفوا على جعله عنواناً لما يضم فصولاً ومسائل غالباً، والخيار اسم مصدر من خيّر، أو اختار، خير يخير تخييراً، هذا المصدر، واسمه -اسم المصدر منه- خياراً، أو اختار يختار اختياراً، هذا المصدر، واسم المصدر منه خياراً.(80/1)
والخيار في اصطلاح أهل العلم: طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، والخيرية تكون بالنسبة لمن طلبه، فهو خير له فيما يبدو له، ولولا ذلك لما اختار الإمضاء أو الفسخ، والخيار أنواع ذكر منها المؤلف -رحمه الله تعالى- خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار الغبن، ومنها أيضاً خيار العيب، وخيار الخلف في الصفة، وخيار التدليس، وأنواع أخرى ذكرها أهل العلم تفصيلها في كتب الفروع.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(80/2)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا تبايع الرجلان)) تبايعا: تفاعلا، والمفاعلة والتفاعل إنما تكون بين طرفين، تبايعا، والعقود لا تكون إلا بين اثنين، لا تكون إلا بين اثنين، بين عاقدين، وهنا بائع ومشتري، وإطلاق التبايع على الطرفين حقيقة فيهما، أو يقال: هو بالنسبة للبائع حقيقة، وبالنسبة للمشتري فيه شيء من التجوز، وإن أطلق في بعض النصوص على المشتري أنه بائع، وهو في الحقيقة بائع؛ لأن البيع مبادلة مال بمال، البيع في حقيقته مبادلة مال بمال على ما تقدم تعريفه في أول كتاب البيوع، فكل منهما معطي الآخر ما بيده، فالبائع للمشتري السلعة، والمشتري الذي هو بائع أيضاً من هذه الحيثية معطيٍ لما معه من الثمن للبائع، فكل منهما بائع وكل منهما مشتري، من هذه الحيثية قال: ((إذا تبايع الرجلان)) الرجلان وفي حكم ذلك الرجل مع المرأة، أو المرأتان، فإذا تبايع المرأتان ثبت لهما هذا الحكم، أو تبايع رجل مع امرأة فالحكم كذلك، وينص على الرجال كثيراً في هذا الباب؛ لأن الرجال هم الأصل في هذا الباب، وأما بالنسبة للنساء يحصل منهن ما يحصل من عقود، وتصح عقودهن؛ لأنهن يملكن، والمال الذي بيد المرأة ملكها، وتتصدق منه بما شاءت بغير أذن زوجها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما خص النساء بخطبة خاصة في يوم العيد وحثهن على الصدقة تصدقن من غير إذن أزواجهن، وعلى أنه جاء في سنن أبي داود بإسناد لا بأس به على أن المرأة لا تتصرف إلا بإذن زوجها، فالمرأة تملك وتتعامل بالمعاملات المباحة كالرجل إلا أنه ينص على الرجل كثير في هذه الأبواب؛ لأنه هو الأصل، ولو قيل: إن امرأة ما عقدت عقداً منذ أن ولدت إلى أن ماتت ما بعد، وصار إجراءً طبيعياً ما تلام؛ لأنها مكفية، والرجال قوامون على النساء، وتقضى حاجتها وهي في بيتها، وهو الأصل، إتباع للأمر بالقرار في البيوت، خلاف ما إذا كانت المرأة خراجة ولاجة كما هو شأن كثير من النساء مع الأسف الشديد في هذه الأزمان، كثير من الرجال يترك الأمر للمرأة ويدعها تذهب وترجع إلى الأسواق، في كل يوم، وتشتري حاجات البيت التي هي الأصل على عاتقه، وقد يكلفها بشراء ما يختص به(80/3)
دونها، وقد يستحي الرجل عن شراء بعض الأمور ويكلف المرأة بها، مع أن الأصل في المسألة العكس، المرأة هي التي تستحي، وعادي أن تقف المرأة عند محل تجاري تريد كذا مما يستحي الرجال أحياناً من ذكره، أو عند صيدلية أو غيره، يكلفها الرجل، حجة الرجل مثلاً أن المرأة متحجبة، والحياء في العيون، الحياء في العيون، لكن ليست بحجة، هذه ليست بحجة، كون المرأة تطلب شيئاً يستحي منه الرجال، وقد تستحي من زوجها أن تكلفه بهذا الأمر، أو من ولدها وتذهب هي بنفسها تشتري، وهذا قلب في التصور، وخلل في الفطر، فالأصل المرأة أن تقر في البيت، وأن تقضى حاجتها، والرجال قوامون على النساء، وتكفى المؤنة، وعليها مهمة عظمى وهي القيام بحقوق الزوج والأولاد وتربيتهم.
((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار)) البائع والمشتري، المبايِع والمبايَع كل منهما بالخيار، إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه، ما لم يتفرقا، وفي بعض الراويات: ((ما لم يفترقا وكانا جميعاً)) يعني في الأصل كان جميعاً، فإذا كان جميعاً وافترقا وكان جميعاً يعني نفترض أن المتبايعين في مكان واحد، وداخل أسوار مكان واحد، ما لم يتفرقا عن هذا المكان، وكان جميعاً فيه، لكن لو قدر أنهما ليسا جميعاً، كما يحصل بوسائل الاتصال الآن، هل نقول: إنهما جميعاً؟ يعني يتصور قبل هذه الوسائل أن المتبايعين لا بد أن يكونا جميعاً، ما لم يكن أحدهما وكيل عن غيره، والحكم حينئذٍ للوكيل، إذا تفرق البائع مع الوكيل عن المشتري أو العكس ثبت البيع؛ لأنه يقوم مقامه، ويأخذ حكمه.(80/4)
((وكانا جميعاً)) افترض أنهما ليسا جميعاً واحد في الشرقية والآخر في الغربية وبالهاتف تبايعا، كيف ينتهي خيار المجلس؟ النص على أنهما كان جميعاً، نعم؟ هل له مفهوم؟ وكان جميعاً هذا مفهومه أنه إذا لم يكونا جميعاً يعني في مكان واحد فلا خيار للمجلس؛ لأنه لا حقيقة للمجلس، ولا مجلس يضم الاثنين، يعني هل يكون التفرق بالكلام بمجرد الإيجاب والقبول؟ أو بمفارقة كل واحد منهما مجلسه؟ أو يكون هذا هو مجلس البيع حكماً، لكن قوله: ((وكانا جميعاً)) يدل على أنه يحصل التفرق بمجرد انعقاد الصفقة، وهذه فائدة قوله: ((وكانا جميعاً)) وأما ما يتم بالوكالة فالوكيل له حكم موكله.
((ما لم يتفرقا)) ظاهر الحديث .. وفي أخره قال: ((وإن تفرقا بعد أن تبايعا)) ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع، يعني ظاهر اللفظ يدل التفرق بالأبدان، ((وكان جميعاً)) جميعاً بالأبدان أو بالأقوال؟ بالأبدان، وإن تفرقا بعد أن تبايعا, لا يتم التبايع، وإذا تبايعا لا يتم هذا إلا بعد التفرق بالأقوال، ويبقى الخيار إلى التفرق بالأبدان، والنص كالصريح في هذا، وبهذا يقول الشافعي وأحمد والصحابة بحيث لا يعرف من الصحابة من قال بخلافه، ومن تبعهم، فالمراد بالتفرق التفرق بالأبدان، ومذهب أبي حنيفة ومالك أن التفرق بالأقوال، ((إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)) بالأقوال ولو لبثا في مجلسهما، خلاص قال: بعتك هذه الدابة أو هذه الدار بألف، وقال: اشتريت تفرقا بالأقوال، وعلى هذا يلزم البيع عندهما، ولو مكثا في المجلس، ولو طلبا أحدهما الفسخ، لا يتمكن من ذلك، فقد وجب البيع؛ لأن التفرق عندهما وعند من يقول بقولهما إنما هو التفرق بالأقوال.(80/5)
ما الذي دعاهم إلى مثل هذا الكلام والحديث كالصريح في المراد بالتفرق بالأبدان، وصنيع الراوي ابن عمر يدل على هذا الفهم؛ لأن ابن عمر إذا عقد بيعاً مشى خطوات من أجل أن يلزم البيع، وقد جاء النهي عن ذلك، لكن ابن عمر لعله أن يبلغه النهي، المقصود أن هذا فهم الصحابي راوي الحديث، يمشي خطوات من أجل أن يلزم البيع، وما الذي دعا من يقول بأن التفرق بالأقوال لا بالأبدان إلى أن يقول ما قال مع أنه احتمال ضعيف جداً؟ وهؤلاء أئمة، يعني كلامهم ما جاء من فراغ، نعم فيه راجح ومرجوح، لكن هل يظن بأبي حنيفة أنه يخفى عليه المعنى الظاهر من هذا الحديث، ويلجأ إلى المعنى المرجوح؟ أو على مالك نجم السنن وقد روى هذا الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسنده الصحيح عن نافع عن ابن عمر؟ مالك -رحمه الله- من أعمدة رواة هذا الحديث، فكيف لا يقول بخيار المجلس؟ حتى قال ابن أبي ذئب: "ينبغي أن يستتاب مالك لمخالفته هذا النص"، قال: وهذا النص يحتمل معنيين هو التفرق بالأبدان وهو الظاهر، والتفرق بالأقوال وهو معنى يحتمله الحديث، وهو مرجوح، لكن قد يلجأ إلى المرجوح إذا وجد ما يرجحه، يعني الظاهر والمؤول متى نعمد إلى المؤول الذي هو المرجوح؟ نعم؟ إذا وجد ما يدل على أنه هو المراد في هذا الموضع، إنما البيع عن تراض، {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [(29) سورة النساء] وتراضوا وتم البيع خلاص انتهى، صار بيع، وأيضاً {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [(282) سورة البقرة] في المجلس حضر البائع والمشتري والشهود، وقال البائع: بعتك كذا بكذا، وقال المشتري: قبلت ورضيت، وتمت الصفقة وشهد الشهود على ذلك، ومكثا في المجلس، الآن الشهادة لزمت وإلا ما لزمت؟ نعم؟ الأصل أن الشهادة لزمت، وكيف تلزم الشهادة على ما يمكن فصله؟ هذه من أدلتهم، نفترض أن الشهود شهدوا وانصرفوا والبائع والمشتري باقيان في المجلس، وبعد ما انصرف الشهود، قال المشتري: والله أنا رجعت خلاص أنا لا أريد البيع، أو قال البائع: أنا رجعت، على مقتضى الحديث له أن يرجع، لكن ماذا عن شهادة الشهود التي لزمت وانصرفوا بعدها؟ يقولون: يخالف مثل هذا، لكن كل عقد العبرة بنهايته، كل(80/6)
عقد العبرة بثبوته ونهايته، يعني لو حصل الخيار يبلغ الشهود بأن الصفقة ما تمت، وهناك أجوبة وردود ومقاولات بين الفريقين يطول المقام بذكرها، وعلى كل حال المرجح في هذا قول الحنابلة والشافعية من ثبوت خيار المجلس؛ لأنه هو الذي يدل عليه الحديث، وقبل التفرق بالكلام لا بيع، يعني هل يكون هناك بيع قبل أن يقول المشتري: اشتريت، لا بيع، وفي الحديث: ((إذا تبايع الرجلان)) وفي الرواية الأخرى: ((البيعان بالخيار)) هل يسمى بيع قبل أن يقول: اشتريت؟ هل هناك تبايع من الطرفين قبل أن يقول المشتري: قبلت؟ ما في بيع أصلاً، فكيف يثبت الخيار فيما لم يثبت؟ يعني نثبت الخيار قبل إبرام العقد؟ يثبت؟ له قيمة الخيار قبل إبرام العقد؟ الأصل الخيار طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، الآن ما في بيع أصلاً لنطلب خير الأمرين، لكن أحياناً يتوهم أمور ومن أئمة يعني لا نقدح في هذا ولا نطعن في فهمهم، فمثلاً حديث: "أعتق النبي -عليه الصلاة والسلام- صفية وجعل عتقها صداقها" العتق يكفي عن الصداق، يقول أئمة كبار مثل أبي حنيفة وغيره: لا يصح أن يكون العتق صداقاً، أعتقها وجعل عتقها صداقها، قالوا: لا يخلو إما أن يكون النكاح قبل العتق أو بعده، لا يخلو إما أن يكون النكاح قبل العتق أو بعده، فإن كان قبل العتق فهي أمة ولا يجوز نكاح الأمة إلا مع العجز عن طول الحرة، فتبقى ملك يمين ما صار نكاح، وإذا كانت ملك يمين ما تحتاج إلى مهر أصلاً، وإن كان النكاح بعد العتق فيه أملك لأمرها إن شاءت قبلته وإن شاءت ردته، ويكون لها حينئذٍ مهر مثلها، فلا يصح العتق أن يكون صداقاً، يعني مثل هذه الأمور، وهذه التحليلات من أهل العلم التي تأتي على بعض النصوص بالبطلان تطبل مفاد النص، يعني مثل القول بأن التفرق المراد به التفرق بالأقوال؟ يلغي فائدة الخبر، ما يجعل للخبر قيمة، يجعله لغو من الكلام؛ لأنه لا بائع ولا مشتري، الآن ما تم شيء من أجل أن نقول: لهم الخيار، ومثله قولهم في: "جعل عتقها صداقها" وهذه وعود تنبني عليها العقود يعدها بأن يعتقها، ويعدها بأن يكون العتق هو الصداق، ولو قيل: بأنه جعل قيمتها صداقها ما بعد من حيث المعنى، جعل قيمتها، يعني باعها على(80/7)
نفسها، فجعل هذه القيمة هي صداقها وإلا فالصداق لا بد منه، الآن حينما يقولون: في العتق والصداق يقولون: حصل النكاح قبل العتق فليست بزوجة، هي ملك يمين، وإن كانت زوجة فلا بد أن يكون عاجزاً عن طول الحرة، وعلى هذا يكون العتق نافذاً وإلا غير نافذ؟ لأنه عتق مشروط بالنكاح، هو نكاح مترتب على العتق، فهم لا يجيزون بعض النصوص كلما يدقق فيها بما فيها من الاحتمالات العقلية المجردة، نعم؟ نأتي عليها بالنقض، الشخص الذي خرج بسيارته وقال: سيارتي قيمتها خمسون ألفاً، أنا أبيع السيارة بخمسين ألفاً، ثم جاء شخص وقال: لا يا أخي سيارتك ما تجئ بخمسين ألفاً، قال: أنزل لك عشرة آلاف، تصير بأربعين، على متقضى كلامهم أنه تنازل عن العشرة قبل أن يملكها بالعقد، فلا يصح التنازل فتعود إلى الخمسين، ترى هذا متقضى كلامهم، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ يعني شخص تنازل عن شيء لا يملكه؛ لأن ملكه للخمسين إنما هو بالعقد، وتنازل عن عشرة قبل أن يملكها بالعقد، فلا يصح هذا التنازل، لكن هل هذا يمكن أن يقول به أبو حنيفة وغيره؟ يمكن أن يقول بهذا؟ ما يكمن أن يقول بهذا، وقل مثل هذا فيمن يقول: بالزوج الذي يكون فيه شيء من التنازل من قبل المرأة مثلاً، أو من قبل الرجل؛ لأن المسألة عرض وطلب، إذا ارتفعت أسهم الرجل ضغط عن المرأة فجعلها تتنازل عن بعض حقوقها أو العكس؛ لأن بعض النساء تشترط على بعض الأزواج شروط لولا أنه أقل من مستواها ما اشترطت عليه، فإذا قال: لا قسم ولا نفقة ورضيت، بعضهم يقول: لا يصح النكاح، لماذا؟ لأنها تنازلت عن هذه الأمور قبل أن تملكها، نقول: هذا الكلام مثلما يتنازل صاحب السيارة من الخمسين إلى الأربعين قبل أن يملكها، والمماكسة في البيع معروفة، فمثل هذه الأمور والاحتجاج بها والاستدلال بها تأتي أحياناً على النصوص بالإبطال، فقولهم: إذا قلنا: إن الشاهد إنما يشهد قبل التفرق أو نلزمه بالبقاء إلى التفرق حتى يلزم العقد؟ ولا ملزم له، ما يستطيع أحد يلزم الشاهد أن يقول: ابق معنا حتى نتفرق، ولو قام أحدهما من أجل أن يثبت البيع لوقع في النهي، وعلى كل حال المرجح في هذه المسألة قول الشافعية والحنابلة، ولو لم يكن في النص إلا قوله: ((إذا(80/8)
تبايعا الرجلان)) وقبل العقد بالإيجاب والقبول لا تبايع أصلاً، ولا بيع ولا بيّع.
((أو يخير أحدهما الآخر)) بأن يشترط أحدهما الخيار مدة زائدة على المجلس، فيقول: لي الخيار أو لك الخيار ثلاثة أيام مثلاً، أو يتفقا على إسقاط خيار المجلس، أو يخير أحدهما الآخر، أو يقول: لزمك البيع من غير خيار، لا مجلس ولا غيره، أو يقول: لي خيار الشرط، فإذا اتفقا على شيء من هذا فالمسلمون على شروطهم، وإلا فقد وجب البيع، ((فإن خير أحدهما الأخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)) إذا خير أحدهما الآخر بأن قال: لا خيار لك، لا خيار مجلس ولا شرط وجب البيع بالنسبة له، وإذا كان هذا بالنسبة للطرفين فقد وجب البيع لهما.
((وإن تفرقا بعد أن تبايعا)) والبيع لا يكون إلا بعد الإيجاب والقبول، وحمل البيع على السوم -مجرد سوم- خلاف الظاهر؛ لأنه قال: ((وأن تفرقا بعد أن تبايعا -يعني تساوما- ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) إيش لون؟ ((وأن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع)) متفق عليه, البيعان أو إذا تبايعا يعني تساوم الرجلان عند الحنفية والمالكية، وإطلاق البائع والبيع والتبايع على السوم خلاف الظاهر، وعرفنا أن فهم ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- للتفرق أنه التفرق بالأبدان، ويدل على ذلك صنيعه، وأنه كان يمشي خطوات من أجل أن يلزم البيع، ولو لم يكن في القول الثاني إلا أنه إلغاء للحديث، وإبطال لفائدته، نعم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا, إلا أن تكون صفقة خيار, ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) رواه الخمسة إلا ابن ماجه, ورواه الدارقطني وابن خزيمة وابن الجارود. وفي رواية: ((حتى يتفرقا من مكانهما)).
هذا الحديث يقول المؤلف:(80/9)
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" ومضى مراراً الكلام في هذه السلسلة، وأقوال أهل العلم، وخلاف في الاحتجاج بها فمنهم من يحتج بها ويجعلها من قسم الصحيح، ومنهم من يردها ويضعفها بسبب الخلاف في عود الضمير في قوله: "عن جده" هل يعود لعمرو أو شعيب، والمسألة مضى بحثها مراراً، وأعدل الأقوال عند أئمة التحقيق أنه إذا صح السند إلى عمرو فالحديث من قبيل الحسن، وهذا الحديث كذلك، حسنه جمع من أهل العلم.
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البائع والمبتاع)) " البائع صاحب السلعة، والمبتاع المشتري الذي يدفع الثمن بالخيار حتى يتفرقا، حتى يتفرقا متى نسمي صاحب السلعة بائع وصاحب القيمة مبتاع؟ نسميهما بائع ومبتاع إذا ثبت البيع بالإيجاب والقبول، يعني هل نستطيع أن نسمي شخصاً ما قال قبلت نسميه مبتاع؟ نعم؟ ما قال: قبلت هل نستطيع أن نسميه مبتاع؟ وهل نستطيع أن نسمي شخصاً عرض سلعته ولم يذكر لها ثمناً، أو ذكر لها ثمناً ولم يتفق عليه هل نسميه بائع؟ هناك ما يسمى باعتبار المستقبل، باعتبار ما سيكون، لكن ليس مراداً هنا، نسميه مبتاع إذا كان ذلك في المستقبل، وإذا تحقق وقوعه قلنا: مبتاع، إذا كان هذا الأمر مما يغلب على الظن أو يتحقق وقوعه نسميه مبتاع، كما يقال في الوعد الجازم بأن يزوج فلان فلانةً فلاناً، يزوجه ابنته، وجزم بذلك وتواطؤا على هذا ممكن أن نقول: هذا زوج فلانة باعتبار ما سيكون، لكن هل نثبت له من الأحكام شيء؟ هو مجرد إطلاق، لكن لا يثبت له من الأحكام إلا بعد تحقق الوقوع، وهنا لا نقول: بائع ولا مبتاع ونرتب عليه أحكام قد نتجوز ونقول: هذا بائع وهذا مبتاع باعتبار أن الصفقة ستتم من باب التجوز، لكن لا ترتب الأحكام عليه إلا إذا تحقق الوقوع.(80/10)
((بالخيار حتى يتفرقا -والتفرق بالأبدان على ما تقدم- إلا أن تكون صفقة خيار)) يعني مثلما تقدم، يُخير أحدهما الآخر ((ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)) يعني من أجل أن يلزم البيع يقوم فيخطو خطوات ويخرج من المكان من أجل أن يلزم البيع، بهذه النية، لا، لكن إذا انتهى المقصود، ورأى أن الجلوس لا فائدة منه، أو كان وراءه عمل آخر ينتظره وتفرقوا من أجل ذلك لم يدخل في النهي، لكن النهي منصب على إذا كان الباعث خشية أن يستقيله، وابن عمر -رضي الله عنهما- نقل عنه أنه كان يفعله، ولعله لم يبلغه هذا النهي ((ولا يحل)) وإذا انتقى الحل ثبتت الحرمة، ومنهم من يقول بالكراهية فقط، الكراهة؛ لأن فعل الصحابي يجعلونه صارف لما في الخبر ((لا يحل له)) إذا انتفى أو نفي الحل ثبتت الحرمة هذا هو الأصل، وما دام ثبت عن ابن عمر راوي الحديث، وأنه كان يفعل فكأنه حمله على الكراهة، هذا إذا قلنا: إنه بلغه الخبر، ولا يظن بابن عمر أنه يبلغه مثل هذا الخبر ويخالفه.
((خشية أن يستقيله)) السين والتاء للطلب، يعني يطلب إقالته، نعم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يخدع في البيوع فقال: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(80/11)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذَكر" أو ذُكر، وضبط بهذا وهذا، وآخر الحديث يدل على أنه ذكر، ذكر رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه أنه يخدع في البيوع، يغلب، مسترسل إذا رأى سلعة يريدها لا يسأل عن ثمنها، ولا يتحرى في ذلك، ولا يعرف المماكسة، يُخدع في البيوع، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) يعني لا خديعة ولا غبن، وهذا الرجل هو حبان بن منقذ، رجل أصابه ضربة على رأسه فصار فيه شيء من التغفيل بسببها، وأثرت أيضاً على لسانه، فيقول: لا خذابة بالذال، والأصل أن الخلابة الخديعة والخيانة والغش، فإذا اشترط أنه لا خلابة ولا خيانة ولا خش ولا غبن صار له الخيار، وطالع عمره إلى ولاية عثمان -رضي الله عنه- فكان إذا بائع أحداً وأراد الرد أتى بمن يشهد له من الصحابة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((إذا بايعت فقل: لا خلابة)) وكان يقولها فيثبت له الخيار، وهذا ما يسمى عند أهل العلم بخيار الغبن، والغبن يقول به جمع من أهل العلم، وهو معروف عند الحنابلة أنه إذا وجد في ثمن السلعة غبن وزيادة تقدر بالثلث أخذاً من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الثلث كثير)) في حديث الوصية، فقدروا ذلك بالثلث، وإلا فالأصل أن ما في تقدير، وأكثر أهل العلم على عدم إثبات هذا النوع من الخيار، وأن الإنسان إذا فرط ولم يحتط لنفسه لم يثبت له هذا النوع من الخيار، ومنهم من يقول: الدنيا كلها لا غبن فيها، ولو بيعت السلعة بعشرة أضعاف لا غبن فيها، والغبن إنما يكون في القيامة {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] أما الدنيا فكلها ما فيها ما يستحق أن يسمى غبن، اللهم إلا فيما يضر بالآخرة، أو لا ينفع ولا يفيد في الآخرة هذا هو الغبن، ومنه الحديث الصحيح: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) مغبون دل على أن هناك غابن ومغبون، لكن في ترك ما ينفع في الآخرة، أو ارتكاب ما يضر، هذا المغبون، عدم استغلال الصحة والفراغ فيما يقرب إلى الله -جل وعلا- غبن، وأي غبن يعني أنت إذا افترضت أن شخصاً نام الضحى وفاته ما كسبه غيره من أمور الدنيا بأن يكون زيد من الناس خرج إلى السوق، وربح ألف في(80/12)
الضحى، والثاني: نام ولا ربح شيء، صلوا الظهر جميعاً هذا في جيبه ألف ريال، وذالك ما في جيبه شيء، نقول: هذا مغبون؟ على هذا الحديث ليس بمغبون، لكن لو افترضنا أن شخصاً نام الضحى لمدة أربع أو خمس ساعات، والثاني: قرأ في هذه الخمس الساعات نصف القرآن، هذا غابن وإلا مغبون؟ هذا الغابن حقيقة؛ لأنه أدرك ما فات على غيره مما يوصله ويقربه إلى الله -عز وجل-، ومتى يبين هذا؟ يبين في يوم التغابن، يبين الفرق، ولهذا أكثر أهل العلم على عدم إثبات خيار الغبن، وإثبات خيار الغبن معروف عند الحنابلة وجمع من أهل العلم، ويحدون هذا بالثلث، لكن في أسواق المسلمين اليوم تغابن كثير تجد سلعة تباع مثلاً بألف في مكان، ونفس السلعة تباع في مكان آخر بمائة، وهذا يفعله كثير من التجار بناءً على أنهم لو نزلوا في سعارها ما انباعت، ما جاء من يشتريها؛ لأن الناس اعتادوا أن الجودة تابعة للقيمة من غير إعمال نظر ولا فكر، وشخص يبيع المتر من القماش بمائة وخمسين وجاره يبعه بخمسة عشر ريالاً، والناس مقبلون على الغالي، ويتركون السعر المنخفض؛ لأنهم يتصورون أن السعر المنخفض دلالة على رداءة السلعة، ويصرحون يصرح بعضهم أنه لو خفض من سعرها ما مشت، والنساء في الغالب وأشباه النساء هذا مقياسهم، وعلى هذا معولهم، يعلون على القيمة، لكن هل في هذا ما يبرر رفع الأقيام إلى أضعاف؟ ليس ما فيه ما يبرر، نقول: والله إذا ما رفعنا السعر كسدت البضاعة، خلها تكسد، تربح ربحاً قليلاً يبارك لك فيه خير من أن تربح الأموال الطائلة التي تجتمع عليك بهذه الأسباب، هذا غش للمشتري، وفي النهاية تذهب عليك سداً، لا استفدت منها لا في دينك ولا دنياك، قليل مبارك خير كثير منزوع البركة، وهذا أمر مشاهد، الذي يرفق بالمسلمين وينصحهم هذا يبارك له، وجاء في الحديث الصحيح ((أنهما إن بينا وصدقا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما محقت بركة بيعهما)) فالتحديد بالثلث الذي يقول به الحنابلة، إذا كان سبب الزيادة تكاليف، والتكاليف تتفاوت من محل إلى آخر، شخص استأجر محلاً بمائة ألف، وآخر استأجر بعشرة آلاف، وهذا يجد وهذا يجد، ثم هذا رفع الأقيام إلى النصف؛ لأن تكاليف الأجرة أعظم من تكاليف ذاك،(80/13)
يلام أو لا يلام؟ استأجر بمائة ألف يقول: من أين أطلع الإيجار؟ لازم أرفع الأسعار، يعني قيمة السلعة الحقيقية عليه بتكاليفها، في أحد بيقول للبائع: ليش تحسب علي أجرة الدكان أو أجرة العامل أو مصاريف الكهرباء، أو التلفون أو شيء من هذا، يعني لو جاءت السلعة قيمتها مثلاً بالصين، أو باليابان أو بغيرهما بمبلغ كذا، لكنه صرف عن هذه السلع حتى وصلت صرف عليها مكالمات، صرف عليها سمسرة ووسائط إلى تضاعفت تكاليفها، تكاليفهما بما يحف بها، فهذا الذي استأجر الدكان بمائة ألف هل نقول: لازم تبيع مثل يبيع الذي استأجر بعشرة آلاف؟ لا، أقول: ملاحظة الطرفين البائع والمشتري أمر لا بد منه، فلا نلاحظ حال المشتري على حساب البائع أو العكس، لكن على المشتري أن يحتاط لنفسه، إذا احتاط لنفسه وسعر السلعة من أكثر من محل، وأخذ بأقلها لا يلام، لكن إذا استرسل واشترى من أول محل، وبعض الناس يؤثر أن يتشري السلعة الغالية طلباً للراحة، يقول: عندنا في الحي تباع بألف، وهي موجودة في وسط البلد بخمسمائة، ليش أكلف نفسي وأروح وأجي وأضيع وقتي على شان هذا الفارق؟ نقول: مثل هذا ورد على بينة ولا خيار له، والخلاصة أنه إذا كانت الزيادة مما تحتملها أسواق المسلمين فلا خيار، وكون الإنسان يغلب بناء على تفريطه يتحمل، أما إذا كانت الزيادة مما لا يتداول مثله في أسواق المسلمين شخص اشترى سلعة ولبس على الناس فيها وعرضها عرضاً يجعلها تباع بأضعاف قيمتها، لا شك أن هذه خديعة، وغش وخيانة للناس مثل هذا يعزر بردها، نعم.
باب: الربا
عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" وقال: ((هم سواء)) رواه مسلم.
وللبخاري نحوه من حديث أبي جحيفة -رضي الله تعالى عنه-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الربا(80/14)
الربا: مقصور، وقد يُمد من ربا يربو إذا زاد، فالربا الزيادة، ومن ذلك قول الله -عز وجل-: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [(5) سورة الحج] يعني زادت، والربا من كبائر الذنوب، وحرب لله ولرسوله، {بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] والمرابي في قول جمع من أهل العلم يبعث يوم القيامة مجنوناً، أخذاً من قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [(275) سورة البقرة] الربا ولو قلت نسبته إذا ثبت أنه ربا فهذا مآله، وهذا مصيره {فأذنوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [(279) سورة البقرة] حرب، نسأل الله السلامة والعافية، ومن يقدر ومن يثبت لحرب الله ورسوله، كثير من الناس تساهل في أمر الشبهات، واسترسل فيها، وحام حول الحمى، ثم وقع فيه، واستمرأه، وصار لا يهتم به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث جابر: لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، آكل الربا الذي يأخذه وهو حقيق وجدير وخليق بذلك؛ لأنه هو المستفيد من الربا، وموكله الذي يدفع الربا؛ لأنه يتعاون مع المرابي آكل الربا، وكاتبه وشاهديه ممن علم بالصفقة، وأنها صفقة محرمة، شريك لهما في الإثم، وداخل في اللعن، نسأل الله السلامة والعافية، اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله -عز وجل-، فآكل الربا مجرم، نسأل الله السلامة والعافية، محارب لله ورسوله، وموكله الذي يمكن الآكل منه، الطرف الثاني في العقد شريك له، وكاتبه وشاهداه متعاونان معه على الإثم والعدوان، فالحكم واحد بالنسبة للجميع، وقال: ((هم سواء)) إثمهم واحد، ولو لم يجد المرابي من يشهد له، ولا من يكتب له، ما رابا؛ لأنه يخشى أن ينكره الطرف الآخر، وهو مظنة لذلك، يعني إذا باع البائع مبلغاً من المال بأكثر منه إلى أجل، أو باع ربوياً بجنسه مع التفاضل أو عدم التقابض ربا، على آخر قد يكون الآخر محتاج، لكنه متعاون مع المرابي آكل الربا، والكاتب هو الذي يثبت هذا العقد، إذ لولا كتابة هذا الكاتب، وشهادة هذا الشاهد لأنكر المحتاج، الذي يعقد عقد ربا الإنكار أسهل من الربا، والربا وإن كان في الظاهر أخذ(80/15)
المال على طريق التراضي لكن لا يكفي في هذا التراضي، بل لا بد أن يكون العقد على مراد الله -جل وعلا-، وعلى ضوء ما جاء على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فقد يكون الربا أعظم من السرقة والغصب والنهب، وإن كان الكل حرام، لكن جاءت نصوص الوعيد في الربا أكثر، وحينئذٍ لا يكفي التراضي حتى يكون العقد على مقتضى النظر الشرعي، آكل الربا قد يقول قائل: أنا لا آكل، يتعامل بالربا، ويشتري بيت أو يشتري سيارة، يقول: أنا أكل ما آكل، أعرف أن الجسد الذي ينبت على الحرام سحت، سحت النار أولى به، لكن يقول: أنا أبني بيت وإلا أرابي من أجل أن أشتري سيارة أو أتزوج، لكن ما آكل، والنص في الآكل، التنصيص على الآكل لأنه أبلغ وجوه الانتفاع، ولا ينفي ما عداه، الشرب مثله، وقل مثل هذا في أكل مال اليتيم، الشرب مثل الأكل، سائر الاستعمالات مثل الأكل لكن التنصيص على الأكل لأنه أظهر وجوه الانتفاع.(80/16)
"آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه" وقال: ((هم سواء)) " وعلى كل حال فالحديث دليل على أن الربا من كبائر الذنوب؛ لأنه لعن صاحبه، وجاء في ذلك ما هو أشد من مجرد اللعن، جاءت نصوص على الحديث الذي سيأتي بعد هذا حديث ابن مسعود يدل على أن الربا من عظائم الأمور، ولا يقال: هذه نسبة ضعيفة، الربا يقدم الإنسان على الربا ويقول: نسبة ضعيفة، واحد بالمائة، اثنين بالمائة هذه ما تشكل شيء، ولا تؤثر في المشتري، أقول: الإقدام على العقد المحرم حرام، ولا يكفي في هذا التخلص منه، يقدم على عقد يلعن من أجله ثم بعد ذلك يتخلص منه! لا يكفي، نظير من يقدم على الزنا ثم يعقد يصحح، ما يكفي، فالأمر جد خطير، والربا قليله وكثيره في النصوص سوء، وإذا سمع المرابي مثل هذا الكلام كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وما جاء عن الله -جل وعلا- ولم يتب فالغالب أن قلبه ممسوخ نسأل الله السلامة والعافية، ممسوخ، يحتاج إلى علاج قلبه ليعود ويفيق، وعلى هذا {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] له ما سلف، فإذا تاب المرابي بعد أن عمل في الربا سنين، وتاب قبل مدة، قبل سنين، عشر سنين أو أكثر، شخص من أعمدة البنوك والربا، وقد بدأ التجارة بعشرين ريال، وتاب عن مليارات، قد تبلغ المائة، فله ما سلف {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] والخلاف في المراد برأس المال، هل هو رأس ماله وقت دخوله في التجارة الأولى، أو رأس ماله وقت التوبة؟ والتوبة تجب ما قبلها، أو تهدم ما كان قبلها، فهذا صاحب العشرين ريال الذي دخل في التجارة قبل ستين سنة ثم تاب عن المليارات هل يقال له: ما لك إلا عشرين ريال، وتخلص من البقية؟ أو نقول: لك رأس مالك وقت التوبة؟ يعني هذا أنك إذا وجد ربا لم تقبضه لا يجوز لك أن تأخذه، ليس لك منه إلا رأس مالك؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(80/17)
وكل بيدخل في الزنا ثم يتوب، كل يشرك ويتوب، ومن تاب تاب الله عليه، صح وإلا لا؟ يعني أنت تمنع المشرك الذي عاش سبعين سنة في الشرك ثم تاب؟ يعني أي ذنب الذي رابا عشر سنين أو عشرين أو ستين سنة، أو أشرك سبعين سنة ثم أسلم، والكلام الذي يوجه لمثل هذا أن هذا فيه تسهيل للاستمرار في الربا، مثل تسهيل أمر الزنا وأمر الشرك إذا فتحنا لهم أبواب التوبة، هل معنى هذا أننا نسهل عليهم؟ هل يوفق للتوبة وهذه نيته؟ هل يقول: أبي استأنس وانبسط لي عشرين ثلاثين سنة ثم أتوب؟ مثل هذا من يضمن له أن يعيش إلى أن يتوب؟ هذا الحكم واحد، الذنوب واحدة، ليس في هذا تسهيل أبداً، لكن في هذا حث على التوبة، يعني لما نقول للشخص الذي يملك المليارات بعد عشرات السنين: ما لك إلا عشرين ريال، هل هذا نحثه على التوبة أو نصرفه عن التوبة؟ نعم؟ نصرفه عن التوبة، ومن المحال يعني على طريقة شيخ الإسلام -رحمه الله- يكرر مثل هذا الكلام في مواضع: من المحال في العقل والدين أن الله -جل وعلا- يحث على التوبة، ويأمر بها، ويوجبها على الناس، ويحب التائب، ويحب التوابين، ويفرح بتوبة عبده، ثم يصده عنها، يعني لو أن مغني مثلاً، مغني خمسين سنة يغني، ويأخذ الأموال من الناس، وعمر البيت، وتزوج، وأولاد وأسرة، نقول: اطلع البيت؟ تخلص من البيت؟ أو نقول: التوبة تهدم ما كان قبلها، والله غفور رحيم لنرغبه في التوبة؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا تاب وتاب الله عليه انتهى الإشكال، مثلما الطيب ينصرف إلى الخبث، الحمير كان طيبة فصارت خبيثة، ويش يصير؟ الكلام مع الدليل وجوداً وعدماً، ما دل الدليل على حله فهو طيب، ما دل الدليل على تحريمه فهو خبيث، الخمرة كانت طيبة فصارت خبيثة، لما كانت مباحة نقول: خبيثة؟ لما كانت مباحة؟ إذاً هذه أوصاف معنوية تنتقل مع الدليل، شوف الحديث الثاني، حديث ابن مسعود.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه, وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم)) رواه ابن ماجه مختصراً, والحاكم بتمامه وصححه.(80/18)
هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- في التهويل من شأن الربا، "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) " هذا للتنفير من الربا، والحديث يعني بمفرداته قد لا يصل إلى درجة الصحيح، لكن له شواهد من أقواها حديث أبي هريرة عند ابن ماجه أيضاً، والحديث مصحح من قبل جمع من أهل العلم، لكن هل معنى هذا أن الربا اليسير أيسره مثل أن ينكح الرجل أمه، وفي رواية: ((علانية)) النفوس تتقزز من مثل هذا، يعني النفوس السوية والفطر السليمة تنفر من مثل هذا بمجرد سماعه، فضلاً عن رؤيته، فضلاً عن مزاولته، والربا قد يتساهل الناس فيه؛ لأن الناس يتصورون بعض الأمور بحسب تأثيرها عليهم، فكثير من الناس لا يدرك خطورة الشرك بينما يستنكر ما هو دونها من الذنوب، يعني قد ينكر أشد الإنكار على امرأة متبرجة مثلاً، ومعه حق في هذا، لكن لا ينكر من يقول: يا فلان، لا ينكر على من يقول: يا فلان، يقول: ذنبه على جنبه، ليش؟ لأنه نظر إلى أثر المعصية عليه، ولذا تجد الناس يتفاوتون في تقدير التبرج، ويتفاوتون في تقدير أثره؛ لأنه حسب تأثيره عليهم، شخص شديد التعلق بالنساء، شديد التأثر برؤيتهن يرى أن أدنى شيء تبرج، ويقع في نفسه من خلال هذه النظرة ما يقع من عظم الأمر عليه فتجده ينكر هذا المنكر أشد مما ينكره زيد من الناس، يعني فرق بين شخص يرى هذه جريمة ومنكر عظيم، وأنه لا بد من تغييره؛ لأنه أثر في نفسه، الأخر ما أثر في نفسه، يقول: المسألة خلافية، والأمر سهل، ما يوجد مثل هذا؟ لكن يتفقون، عامة الناس يتفون على أن نكاح الأم أمر شنيع وخطير، ولذا التمثيل به بالزنا حصل من قبل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، فجاء بمثال وقال: إن امرأة صاحت ثم بعد ذلك تبين أن رجل دخل عليها البيت، وفجر بها، ففزع الناس أين هذا الرجل؟ كيف فعل؟ وكيف صنع؟ ثم لما صار من الغد قال: لا الأمر غير هذا، إنها لما .. ، المقصود أن المسألة شركية فيها شرك، في ذبح ديك أو شيء من هذا، أو أنها أصيبت مثلاً بجن فصاحت، ثم قيل لها: اذبحي كذا فتشفين فذبحت، فتساهلوا هذا الأمر بالنسبة للزنا، فالزنا تنفر منه النفوس،(80/19)
وحق لها أن تنفر منه؛ لأنه من الموبقات، نسأل الله السلامة، من كبائر الذنوب، من عظائمها، لكن أين الزنا بالنسبة للشرك الأكبر الذي لا يغفر؟! فيضرب المثل بالزنا لنفرة الناس عنه، ولتقرر أحكامه في نفوس؛ ولأنه يعلم حرمته الخاص والعام، شخص يتلفظ بلفظ شرك، ثم يقول له صاحبه: هذه الكلمة شرك، نسأل الله السلامة والعافية، قال: لا، شيوخنا يقولون هذا، قال: لكن الله -جل وعلا- يقول كذا، قال: هذا لا يفهمه إلا العلماء، وشيوخنا يقولون كذا، لو هو شرك ما قالوه، ثم بعد ذلك وهم في المجلس دخلت بنت لهذا الرجل وسيمة، لكنها صغيرة، قال له صاحبه الذي يحاوره قال: لماذا لا تتزوج هذه البنت؟ أقل الأحوال اعقد عليها ما تفوتك، قال: بنتي، قال: وبعدين لو صارت بنتك؟ المهم لا تفوتك، قال: بنتي حرام، قال: ويش يدريك أنها حرام؟ قال: الله -جل وعلا- يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [(23) سورة النساء] قال: أنت تفهم هذا ولا تفهم الشرك وهو أعظم؟! الزنا أمر متفق عليه مغروس في النفوس أنه منفور منه، كل يعرف تحريمه، ولذا قال: ((أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) والناس يردون في التمثيل إلى ما يعرفونه ويتفقون عليه، كثير من الناس يقول: وبعدين ريال بريالين ويش صار؟ مات؟ ما صار شيء، الناس يبذرون العشرات بل المئات، ما هو بمسألة ريال زاد وإلا نقص، هو محتاج إلى أن يصرف عشرة بتسعة، أي واحد يقضي حاجته، نقول: يا أخي هذا ربا، جريمة عظمى، محاربة لله ورسوله، يقول: ريال إيش الريال؟ ترى لسان حال كثير من الناس يقول هذا، يقول هذا كثير من الناس بلسان مقاله لا بلسان حاله، ويتساهلون في هذا الأمر، ويقولون: إذا كانت النسبة يسيرة أمرها يسير ويمكن التخلص منها، فالإقدام على الحرام حرام، نعم الذي يرد عليك من غير عمداً ولا قصد عقدت عقداً مباحاً ظاهر الإباحة، ثم من آثار هذا العقد ظهر عليك ما يشوبه، الآن تخلص يا أخي، لك أن تتخلص، أما أن تقدم على العقد المحرم وتقول: أتخلص لا يمكن، هذا كلام ليس بصحيح، وجاء التغليظ في شأن الربا، يقول: ((الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) والآن الشيء اليسير يختلفون فيه، منهم من(80/20)
يقول: واحد اثنين بالمائة يسير، هذا أمر لا يمكن أن ينفك منه، إلا ينفك منه، خمسة بالمائة يسير طيب عشرة؟ أحد يقول: كثير؟ يقول: لا، سهل؛ لأن ما في حد، الأمور التي لا حكم لها يرجع إليه بالنص الصحيح من الشرع إذا فتح بابه ما ينتهي الناس، إلى أن يصلوا إلى حد الثلث، والثلث كثير، فما دونه يسير، وعلى هذا جميع صور الربا الموجودة في البنوك يسيرة؛ لأنهم يعطوك أربعة بالمائة، خمسة بالمائة، فعلى هذا ما في ربا، وهذا -نسأل الله العافية- تيسير وتسهيل لأمر هذه الجريمة العظمى، ولو أوصد الباب وسد الباب عن الناس لما وجدت مخالفة، لكن ييسر على الناس، ويسهل عليهم أمر الربا، ويبون الناس يتوبون، أو يبون البنوك تقلع، كثير من البنوك الآن بصدد تغيير معاملاتها إلى ما يتفق مع الشريعة نظراً لأن الناس هجروها، والناس عموم الناس فيهم خير، ولولا بعض البنوك المتساهلة لما وجدت بنك يتعامل بغير ما يبيح الله -جل وعلا-، وفي بنوك لبنان ظهرت تقارير للعام المنصرم فوجد أن البنوك كلها أرباحها تتراوح بين واحد إلى واحد ونصف بالمائة إلا واحد عشرين بالمائة ربحه، فإذا به يتعامل معاملات شرعية، والناس يتدافعون عليه المسلمون عمومهم فيهم خير، ولو ضيق هذا الباب لنقطع دابر الربا، الآن يوم صار في إعلان عن الشركات، وأن بعضها نضيف وبعضها فيه دخن، وفيه كذا، سارعت الشركات إلى تصحيح عقودها، وهذا نعمة، وسبق لمن يخرج مثل هذه البيانات، جزاهم الله خيراً، صار يتسابقون لتصحيح عقودهم، فلو ضيقت الدائرة على الربا والمرابين انقطع دابره بإذن الله تعالى، وأما قولنا: يسير، سهل، إيش يسير؟ في شيء محرم اسمه يسير؟ نعم المحرمات تتفاوت، لكن ربا صريح ولو كانت نسبته يسيرة، يبقى أنه ربا، والإجماع قائم على أن قوله: {أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] مفهومه ليس بمقصود، وليس بمراد، بل لا مفهوم له عند أهل العلم، فالربا يسيره وكثيره كله محرم، أيسرها يعني أسهلها في نظر الناس، يعني يجلس واحد يصرف للناس وهو عائش على الصدقات، يجلس ويصرف العشرة بتسعة، هذا الربا، يقول: المسألة ريال ويش ريال؟ يعني ما يضر، الناس يبذرون يعطون البزران عشرات، المقصود أن هذا(80/21)
ليس له ما يبرره.
((أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)) وهذا لا زال الناس -ولله الحمد- يستقذرونه ويستقبحونه بشدة، وإن وجد شذاذ يحصل ما حصل منهم مع المحارم، نسأل الله السلامة والعافية، بعد أن مسخت بعض الفطر بسبب ما دخل على بيوت المسلمين من الشر المستطير بواسطة هذه القنوات.
((وإن أربى الربا -أشد الربا- عرض الرجل المسلم)) وهذا يدلنا على أن سياق الحديث سياق التنفير، وأنه لا تراد حقيقته، والزنا عند جمع من أهل العلم أعظم من الربا، فسياق الحديث سياق التنفيذ، والتهويل من شأن الربا، بدليل أن أيسر الربا مثل أن ينكح الرجل أمه، وأربى الربا أشد الربا عرض الرجل المسلم الذي هو الغيبة، من أجل التنفير من الربا والغيبة؛ لأنهما بصدد أن يتساهل الناس في أمرهما، الربا مثلما ذكرنا يتساهل الناس فيه، والغيبة أشد تساهلاً، توجد الغيبة في المجالس بكثرة، وقد توجد بين من ظاهره الصلاح، وقد يستدرج الإنسان، المقصود أن هذا تهويل من شأن الغيبة، وعلى كل حال لوجود مثل هذا، وأن الربا أعظم من الزنا، أعظم من نكاح الأم، أيسره أعظم من الزنا بالأم، وأعظمه أيسر من الغيبة، والنصوص دلت على خلاف هذا، مما جعل بعض أهل العلم يضعف الحديث، وصححه بعضهم بشواهده، وقال: إن المراد به التهويل، والتخويف من شأن الربا والغيبة، نعم؟
طالب: والصحيح -رعاك الله- أن الربا أعظم من الزنا؟
هذا عن جمع من أهل العلم، لكن ....
طالب: للحديث الذي في المسند -رعاك الله- النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((درهم ربا يأكله ابن آدم أشد من ستة وثلاثين زنية)).
إيه معروف، هذا أيضاً مختلف فيه، مختلف في صحته، وجمع من أهل العلم على أن الزنا أعظم، لكن هذا النص وما يأتي في معناه الربا أعظم، لكن هل نقول: إن أيسر أبواب الربا يعني إذا أردنا حقيقة الكلام أعظم من نكاح الأم؟ وفي بعض الروايات: ((علانية)) إنما يكون سياق الخبر سياق التنفير والتشديد، نعم.
طالب: أحسن الله إليك.(80/22)
وإذا نظرنا إلى أن أيسر الربا أعظم من أن ينكح، وأربا الربا الذي هو أشده أيسر من الغيبة، فعلى هذا الغيبة أعظم من الزنا، والزنا أعظم من ... ، الغيبة، نأتي إلى الغيبة، الغيبة أعظم من الربا، والربا أعظم من أن ينكح الرجل أمه، هذا لا شك أنه سياق تأويل وتشديد وتنفير، نعم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض, ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) متفق عليه.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل)) " وزناً بوزن، بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر، لا قليل ولا كثير، لا بد من التماثل، والجهل به كالعلم بالتفاضل، الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل.
((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثل بمثل ولا تشفوا)) يعني: لا تفضلوا ولا تزيدوا بعضها على بعض, لا تزيدوا، ولو حصل الرضا، فلا تجوز الزيادة حينئذٍ، إذا جاء الإنسان إلى صاحب المحل من الذهب، ومعه ذهب مستعمل، وأراد نوعاً جديداً، ورضي أن يعطيه الجديد، وإن كان أقل في الوزن، لا يكفي الرضا، بل لا بد أن يبيع المستعمل ويشتري الجديد، على ما سيأتي في التمر، يبيع القديم بالدراهم، ويقبض القيمة، ثم يشتري بها ذهباً جديداً بقيمته.
((الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل)) لا بد من التساوي ((والفضة بالفضة وزناً بوزن)) مثله، لا يجوز التفاضل، إذا بيع الذهب بالذهب أياً كان نوعه أو صياغته أو صناعته فلا بد من التماثل والتقابض، وقل مثل هذا في الفضة، الفضة بالفضة وزناً بوزن، يعني سواء كانت مصنوعة أو ورق عمله، أو خام ما صنعت، لا بد أن تكون مثل بمثل، ((فمن زاد)) زاد غيره، ((أو استزاد)) يعني طلب الزيادة من غيره ((فهو ربا)) يعني إذا بيع الذهب متفاضلاً، أو بيعت الفضة متفاضلة فهي الربا، وقل مثل هذا إذا بيعت من غير تسليم.(80/23)
((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل, ولا تشفوا بعضها على بعض)) يعني لا تفضلوا بعضها على بعض لا تفضلوا المبيع على المبيع عليه ولا العكس شيئاً، ولو كان أمراً يسيراً، ((ولا تبيعوا الورق)) الذي هو الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ((إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا)) يعني: لا تزيدوا، ولا تفضلوا ((بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) لا بد من التساوي والتقابض، لا بد من التساوي في الوزن، ولا بد من التقابض في المجلس، أما إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، ذهب بفضة التفاضل لا بأس به، تشتري عشرة دراهم بدينار واحد، وهذا يسمى صرف، لكن لا بد من التقابض، ((ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) وهذا يشمل ما إذا كان من جنس واحد، أو من أجناس، فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، ويحل محل الذهب والفضة عند عامة أهل العلم ما يستعمل بديلاً عنها قيماً للسلع، من المضروبات، النقود، العملات، المسكوكات كلها تقوم مقامها، إذا كانت من جنس واحد لا يجوز الزيادة بعضها على بعض، ولا بد من التقابض، وإذا كانت عملات مختلفة فلا مانع من الزيادة على أن يتم ذلك في المجلس، فإذا بعنا ريال بدولار لا مانع أن يباع الدولار برلين، أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة أو بريال واحد التفاضل لا بأس به، لكن لا بد من التقابض، والشيكات لا تغني عن التقابض، وتحويل المبلغ من حساب إلى حساب لا يغني عن التقابض؛ لأنه لا يتم فوراً، والذين يحولون الدراهم إلى بلدانهم، يحولون النقود إلى بلدانهم يقعون في حرج عظيم، يريد أن يحول أولاً إلى عملته، ثم بعد ذلك تقبض في بلده، لو أن مصرياً مثلاً يعمل في هذه البلاد، وتوفر لديه مبلغ من المال، ولنقل: خمسة آلاف مثلاً، توفرت لديه خلال سنة، وأراد تحويلها بالجنيه المصري، هم يقولون: نحول لك .. ، تستلم هناك في مصر بالجنيه المصري، كم في هذا من محظور؟ في محظور عدم التقابض؛ لأنها تقبض هناك، وعلى هذا يلزم بأن يصرفها قبل تحويلها، أو تحول ريالات وتصرف هناك، يقبضها الوكيل في وقتها، يصرفها الوكيل في وقتها، لكن هم يتضررون بهذا طرداً وعكساً، إن صرفوها هنا فالريال أغلى من الجنيه، وإن صرفوها(80/24)
هناك ماذا يصير؟ كيف يتضررون لو حولت ريالات هناك وصرفت جنيهات؟ نعم؟ يعني هل الأفضل للمصري مثلاً أو غير المصري أن يحول الريال إلى بلده ثم يصرف هناك؟ يصرفه وكيله الذي يقبضه عنه؟ أو الأفضل أن يصرفها هنا؟ نعم؟ ثم بعد ذلك تحول بعملته؟ كثير منهم من يسأل يقول: يتضررون بهذا لو صرفوها قبل التحويل، تحويلها بعد صرفها أولى، لكن على هذا لا بد من التقابض، إذا صرفت لا بد من التقابض، يقبض الجنيه المصري ثم يحوله، هاه؟ في أحد يشكل عليه هذا من الإخوان الذين يعانون مثل هذا الأمر؟ من أي جنسية كانت؟
طالب: هم اللي يحولون الخادمات وإلا السائقين أقول: ليس بالضرورة أن يكون هناك ... يعني ....
وين؟
طالب: يعني بجي يحول مثلاً الخادمة اللي عنده، أراد أن يحول مالها هناك يأتي للبنك فيقول: حول مثلاً العملة الاندونيسية مثلاً وإلا ....
مثل هذا يعطيه شيك مصدق بالمبلغ الذي يريد يصرفه فوراً، يعطيه البنك شيك مصدق وكأنه أقبضه ثم يحول له هذا المبلغ.
طالب: لا، ما في الشيء هذا.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن هذا شيك مصدق من قبل البنك، لو قلت: لا أعطني الدراهم الآن؟ نعم؟ أنت الآن على البنك ما هو بيحول لك بنك ما تدري متى يصرف لك؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب والبنك الآن في حوزته وفي خزينته هذا المبلغ كامل ويخيرك أن تقبض أو لا؟ الأحوط أن تقبض، لكن الشيك المصدق الذي يمكن صرفه فوراً لا يحولك على بنك ثاني، يقول لك: غداً أو بعد غد، أو انتهى الدوام أو شيء من ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
الآن عندنا عمليتين، عندنا صرف يحتاج إلى تقابض، وعندنا تحويل بنفس العملة، فأنت إذا حولت الريالات إلى جنيهات مصرية أو دولارات، وقال: هذا درهمك، هذه دولاراتك، ودراهمك الأولى معك بيدك، بحيث يكون يداً بيد، هذا لا إشكال فيه البتة، هذا هو الأصل، لكن لو قال لك البنك: والله الدراهم موجودة، تبي دراهم وإلا أصدر لك شيك مصدق؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب؟
طالب:. . . . . . . . .(80/25)
لا المسألة مسألة تحويل بواسطة البنك نفسه، لكن فرق بين أن يعطيك شيك مصدق والمبلغ في خزينته الآن بحيث لو طلبته أعطاك إياه، وبين أن يكون المبلغ كبير ما عنده شيء هو، نعم ما عنده، لكن يؤمنه لك، يعطيك هذا الشيك المصدق باعتبار أنه يستطيع أن يؤمنه في أي وقت تريده، هذا لا إذا لم يكن في خزينته فهو ما هو حكم المقبوض.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما صار يداً بيد، لو قلنا: إنه تحويل في آن واحد، لا بد من التقابض في المجلس في المكان، ثم بعد ذلك يحول، هذا لا إشكال فيه إذا تم الصرف في المكان وقبض كل منهما ما يخصه، ثم تم التحويل ما في إشكال، لكن الإشكال في أن يتم الصرف كلام، ويحول المبلغ إلى بلد ثاني قبل التقابض، هذا ما حصل التقابض.
طالب:. . . . . . . . .
شوف الآن هل البنك الآن في خزينته ما يسدد هذا الشيك؟
طالب: ربما عنده أنا ما أدري ....
طالب: أكيد.
هو بيقل لك: بالخيار، خذ شيك وإلا خذ دراهم؟ تأخذ جنيهات، لكن أحياناً البنك يكون الصرف كبير جداً، ما عنده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في خزينته ما يغطي هذا المبلغ، يعني تقول له: والله حول لي مليون ليرات لبنانية، هل في البنك ما يعادل مليون من الليرات اللبنانية في خزينته؟ ما عنده، مستحيل أن يكون في بنك ما يعادل مليون ريال من الليرات اللبنانية أو التركية أو غيرها من العملات الهابطة، يقولون: خذ شيك مصدق، نقول: لا يا أخي ما في تقابض، الشيك هذا ما عندك ما يقابله، لكن لو كان في الخزينة ما يخيرك بين هذا الشيك المصدق وبين هذا المبلغ المتوفر، لكن أنت نظراً لعظم أو كبر حجم هذا المبلغ تأخذ الشيك مصدق في مقابله هذا فيه مقابضة حكماً، ما هو مثل الشيك العادي أو يحولك على بنك ثاني بشيك ثاني، حتى لو حولك بشيك مصدق على بنك ثاني بيقول: والله فرعنا مثلاً في كذا فيه هذا المبلغ، روح اقبض منه، نقول: ما هو بقابضه؛ لأنك احتمال تذهب إلى البنك الثاني يقول لك: والله انتهى الدوام، ائت يوم السبت، ما يجي؟
طالب:. . . . . . . . .(80/26)
أنت الآن عندك الشيك المصدق مال، هذا مال الآن ما يستطيع أحد يتصرف فيه، وحجز في وقته؛ لأنك بنفس البنك الأصلي الذي أعطاك الشيك المصدق فهو حجز المبلغ اللحظة هذه، الآن مكنت الصراف لو يقول لك: حولناه إلى حسابك يتم تحويله فوراً وإلا تنتظر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو بفوراً، البنك اللي أنت قائم عليه الآن فوراً، لكن لو مثلاً من مكينة صراف ما يجيء.
طالب:. . . . . . . . .
إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
والله ما أدري، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هو بفوراً، ما يجي، لا، لا، ما يجي فوراً، لا، لا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، شوف، ما يجي فوراً يا أخي، هو يحجز المبلغ من صاحبه الأول، لكن ما يأتي إلى الثاني إلا بعد مدة، وهذه حيل منهم؛ لأن الساعة تنفعهم، البنوك بقاء المال عندهم ساعة تنفعهم، كم يباع فيها من سهم، ويشترى من سهم في هذه اللحظة؟! المقصود أن هذه الأمور تحتاج إلى مزيد احتياط، ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، وأمر الربا شأن خطير جداً، فلا بد من أن يحتاط، من أراد الصرف قال: هات الجنيهات وخذ الريالات، مثل ما نقول: بع القديم واشترِ جديد، بع القديم واقبض الدراهم؛ لأنه يقول لك: أبيع القديم مثلاً جئت لصاحب الدكان هذه قطعة من الذهب قديمة مستعملة بكم؟ والله أشتريها بألفين، طيب خذها بألفين، ما أعطاه الدراهم، اشترِ بالألفين من عندي، هذه فيه تقابض؟ ما فيه تقابض، لا بد أن يقبض القيمة ثم يشتري بها الذهب الجديد، فعلى هذا ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في بأس، ما في بأس، أنت ما طلعت إلا تبي تشتري.
طالب: نعم؟
أقول: أنت ما طلعت إلى سوق الذهب إلا تبي تشتري، حتى في حديث -على ما سيأتي- في تمر خيبر النية مبيتة أنه يبي يشتري من النوع الجيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(80/27)
إيه، إيه هذا الذي يشكو منه كثير من الإخوان، يقولون: إنه ما يتم الصرف .. ، يقولون: مستحيل أن يعطيك جنيهات مصرية ويحولها لك جنيهات مصرية، فهم متضررون على الحالين، فالمسألة مشكلة، لكن بإمكانه أن يصرف الآن، ويودعها عندهم، ويأخذ الشيك مصدق ويرسل الشيك، يصرفها عندهم بالجنيهات المصرية وبالعملات الأخرى، ويودعها عندهم، ويأخذ بدلها شيك مصدق ويرسل الشيك، ما في غير هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه شيك، ما في أوضح منه.
((ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)) لا بد أن يكون يداً بيد حقيقة لا حكماً، لا بد من أن يكون الأخذ والإعطاء في آن واحد حقيقة، حكماً زيد مدين لعمرو بألف ريال، وزيد عنده محل ذهب، فجاء عمرو واشترى من الذهب بألف ريال بقدر الدين الذي له، وقال: ادفع ألف، قال: والله الألف بذمتك، عندك لي ألف، فيه يداً بيد وإلا ما فيه؟ نعم؟ إذاً لا بد قبل ذلك أن يستوفي الألف ثم يشتري به ذهباً، هذا حقيقة، معنا يا الإخوان؟ أقول: زيد مدين لعمرو بألف ريال، وزيد عنده محل ذهب، جاء عمرو أشترى ذهب بألف ريال، قال: ادفع، لا بد يداً بيد، قال: لا اللي بذمتك، يكفي وإلا ما يكفي؟ وإلا نقول مثل بيع الذهب بالذهب، لا بد أن يبيع ويشتري، لا بد أن يبيع التمر ويشتري بقيمته، فيه قبض حكمي، هذا قابض؛ لأنه في ذمته له، فهو في حكم القابض، لكن كون النص يدل على القبض حقيقة يداً بيد تأكيد بألفاظ كلها تدل على أنها اليد لها دور يد الآخذ ويد المعطي كلها حاضرة في الحال في مجلس العقد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يصلح مقاصة، نعم.
طالب: وعن عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- قال ....
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
دين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا بد نقد، لا يستدين بغير ذلك، لا ولا بدراهم، لا ما يجوز إلا بالوكالة يبيعه سمسار وكيل عنه، أما يشتري منه ولا ينقده الثمن لا، ويش إحنا نتكلم من اليوم؟ نعم.(80/28)
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح, مثلاً بمثل, سواء بسواء, يداً بيد, فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) رواه مسلم.
والذي بعده؟
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن، مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن، مثلاً بمثل, فمن زاد أو استزاد فهو ربا)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(80/29)
"وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, والملح بالملح)) " الذهب والفضة والبر والشعر والتمر والملح ستة، كلها ((مثلاً بمثل، سواء بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)) هذه الربويات الستة المجمع عليها، وما عداها مما يشاركها في العلة فتحريمه بالإلحاق، بالقياس عند الجمهور، والظاهرية لا ربا إلا في هذه الستة، عند الظاهرية لا ربا إلا في هذه الستة، وعند الجمهور يلحق بها ما يشاركها في العلة، فيلحق بالذهب والفضة ما يتعامل به من النقود، ويكون قيماً للمبيعات، ويلحق بالبر والشعير والتمر ما يشاركها في العلة من المطعومات مما يكال ويدخر ويقتات، ((مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) اختلفت هذه الأصناف المذكورة بعضها مع بعض؟ أو هي مع غيرها مما يشاركها في العلة أو مما يختلف معها؟ ننظر إلى الموجود، الذهب صنف، والفضة صنف، إذا اختلف المبيع مع المبيع معه صار صرف ذهب بفضة كيف شئتم، من حيث الوزن، كيف شئتم من حيث الوزن، إذا كان يداً بيد، هذا الذهب مع الفضة، نأتي إلى الذهب مع البر، فبيعوا اختلفت الذهب جنس أو صنف والبر صنف، اختلفت هذه ((فبيعوا كيف شئتم)) إذا كان يداً بيد يشترط هذا وإلا ما يشترط؟ يعني ما يجوز أن تشتري البر نسيئة، تشتريه بقيمة، ولولا هذا لما أبيح البيع إلى أجل في الربويات، ما يمكن. . . . . . . . . البيع بأجل إذا كان يداً بيد، لكن استثنوا القيم، نأتي إلى الأنواع الأخرى: بر بشعير، صنف واحد وإلا أصناف؟ بر بشعير هل نقول: إنه اختلفت هذه الأصناف نشتري صاعين شعير بصاع بر وإلا ما نشتري؟ إذا كان يداً بيد؟ نعم؟ سيأتي في حديث النهي عن بيع الطعام "كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) وكان طعامنا يومئذٍ الشعير" وسيأتي الخلاف في أن البر مع الشعير صنف واحد أو صنفين، والجمهور على أنهما صنفان، وسيأتي قول مالك: إنهما صنف واحد ولا يجوز إلا مثلاً بمثل يداً بيد.(80/30)
((والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر)) بر بتمر صاع بصاعين يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، لكن إذا كان يداً بيد، اختلفت الأصناف، يعني الخلاف في البر والشعير هل هما صنفان أو صنف واحد سيأتي، والأكثر على أنهما صنفان، فتشتري صاع بر بصاعين شعير لا بأس إذا كان يداً بيد، وعلى قول مالك: إنهما صنف واحد؟ لا يجوز إلا مثلاً بمثل، يداً بيد.
((والتمر بالتمر، والملح بالملح)) بر بملح يجوز التفاضل وإلا ما يجوز؟ يجوز، تمر بملح يجوز وإلا ما يجوز؟ تمر بشعير يجوز إذا كان يداً بيد.
والحديث الذي يليه: حديث أبي هريرة:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الذهب بالذهب وزناً بوزن)) لا بد من التماثل في الوزن ((مثلاً بمثل، والفضة بالفضة وزناً بوزن مثلاً بمثل, فمن زاد -فأعطى الزيادة- أو استزاد -يعني طلبها- فهو ربا)) نسأل الله السلامة والعافية، وهذا تقدم شرحه في الحديث الذي قبله.
((الذهب بالذهب والفضة)) هذا وزن، ذهب بذهب وزن بوزن، والفضة وزن بوزن، وما بعدها من البر والشعير والتمر والملح وزن وإلا كيل؟ كيل، هل يجوز كيل الموزون أو وزن المكيل؟ هل يجوز بيع الذهب والفضة بالكيل؟ صاع فضة بصاع فضة؟ أو نقول: هذا لا بد فيه من الوزن؟ لا بد فيه من الوزن، والبر نشتري عشرة كيلو بر بعشرة كيلو؟ أو نقول: لا بد أن نشتري صاعين أو ثلاثة بصاعين أو ثلاثة؟ نعم؟ سيأتي تحقيقه -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقيت الإشارة إلى أن الربا نوعان:(80/31)
ربا الفضل، وربا النسيئة، والمقصود بربا الفضل: ربا الزيادة، وربا النسيئة ربا التأخير وعدم التقابض، وكل منهما محرم، وأما ربا النسيئة فالإجماع قائم على تحريمه، وجاء فيه الحديث الصحيح ((لا ربا إلا في النسيئة)) وعلى هذا يذكر عن ابن عباس أنه يجيز ربا الفضل، مع أنه ثبت عنه أنه يحرمه، وعامة أهل العلم على تحريمه، وأما الحديث ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لا ربا إلا في النسيئة)) لكن لا ربا أعظم من ربا النسيئة، لا ربا أعظم منه إلا في النسيئة، يعني ربا النسيئة أعظم من ربا الفضل، على أنه لا يتصور ربا نسيئة إلا بفضل، لا يتصور لا سيما في المعاملات الدائرة اليوم إلا مع النسيئة، ما في أحد يقول: هات ألف وأعطيك ألف ومائة حالة، أو أخذ عليك مكسب أربعة في المائة يداً بيد، ما يمكن، إلا أن مع ربا الفضل ربا النسيئة، نعم في الأنواع الأخرى التي يتصور فيها الجودة والرداءة يتصور فيها ربا الفضل دون ربا النسيئة، تمر رديء بتمر جيد يداً بيد، يتصور فيها ربا الفضل فقط، أو الشعير أو غيرها من الأنواع، وهذا أيضاً انعقد الإجماع على تحريمه بعد أن ذُكر الخلاف الأول وارتفع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(80/32)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (8)
تابع: باب: الربا
الشيخ: عبد الكريم الخضير
تنبيه قد يحتاج إليه طلاب العلم لما عندهم من كتب، ويغفلون عن الترتيب المعمول به عند أهل العلم، وهو أن الكتب ترتب إذا وضع بعضها فوق بعض حسب شرفها، فيجعل الأعلى الذي لا شيء فوقه القرآن الخالص، ثم يليه التفسير الذي فيه القرآن مرسوم برسمه على هيئته، ثم يليه الحديث الخالص، ثم التفاسير الأثرية، ثم شروح الأحاديث، ثم يليها ما بعدها، أهل العلم يرتبون على هذا، وينصون على أن آخر الكتب مما يلي الأرض يقولون: كتب النحو، ولا أدري لماذا قالوا: إن كتب النحو هي التي تكون مما يلي الأرض، مع أنه يوجد أسوء منها، لكن لعل من رتب هذا الترتيب وأشار إليه لا يتوقعون من طالب علم أن يقتني كتب أقل من كتب النحو، لا يتوقعون أن طالب علم يقتني كتب فيها إسفاف في الأدب، أو فيما ينافي الخلق الإسلامي.
على كل حال هي على حسب قربها وبعدها من الكتاب والسنة، فترتب على هذا الأساس، ويجعل الأعلى القرآن ثم متون السنة، ثم ما يخدم القرآن، ثم ما يخدم السنة من التفاسير والشروح، ويقصد بالتفاسير التفاسير الأثرية، أما التفاسير التي معولها على الرأي فهذه كلام الناس، فيها خلط كثير، وفيها ما جاء النهي عنه، تجعل بعد ذلك، ثم في النهاية كلام البشر، وإن تخلله شيء من نصوص الكتاب والسنة، فالعبرة بالشيء الخالص، والفقهاء نصوا على هذا، ورتبوا الكتب إذا جعلت على الأرض على هذه الكيفية، أما إذا جعلت في الرفوف والدواليب فينبغي أن تكون العناية الأولى بالقرآن، وما يتعلق به على ترتيب المكتبات المعروف، خلافاً للترتيب المبتكر المبتدع الذي هو معمول به في جميع المكتبات، يجعلون القرآن والسنة في آخر شيء، يجعلون معارف العامة، دوائر المعارف وما أشبهها هي الأولى؛ لأنه جاء من غير المسلمين، (ديوي) الذي رتب هذه المكتبات ليس بمسلم، ولا يهمه أن يعتنى بكتاب الله أو لا، لكن طالب العلم يجعل أول مكتبته ما يتعلق بالقرآن، وما يخدم القرآن، ثم بعد ذلك السنة ثم العقيدة، ثم الفقه، وما يتعلق به.(81/1)
الأولية يقول أهل العلم: لها نصيب في الأولوية، لكن أحياناً يضطر الإنسان أن يجعل كتاب قبل كتاب وهو أهم منه؛ لأنه مرتبط بكتاب بعده، إما لكونه مختصر منه مثلاً، أو لكونه طبع على هامشه، هذا ما تستطيع أن تفصل الهامش من .. ، وإلا قد يقول قائل: كيف يقدم مثلاً تفسير النيسابوري، وفيه ما فيه من مخالفات، وهو مختصر من الرازي على تفسير الأثر؟ لأنه مطبوع على هامش الطبري، أنت قدمت الطبري ما قدمت النيسابوري، لكن هو تقدم تبعاً، فينبغي الاهتمام بمثل هذا في ترتيب المكتبات، ويش معنى أنك تحط أول شيء، أول ما تدخل المكتبة دليل على أنك تعتني بهذا الأول، ولا بد أن يكون محط عناية المسلمين كلهم –لا سيما طلاب العلم- القرآن وما يتعلق به، ثم السنة وما يتعلق بها، ثم العقيدة الصحيحة، ثم بعد ذلك يأتي الفقه وما يخدمه من أصول وقواعد، سواءً كان من كتابات المتقدمين أو المتأخرين.
هذا تنبيه قد يغفل عنه بعض الإخوان مع العجلة، أو مع ضيق وقت، أو ما أشبه ذلك يجي ويضع الكتب من غير ترتيب، وقد يكون بينها مصحف أحياناً.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً على خيبر, فجاءه بتمر جنيب, فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكل تمر خيبر هكذا?)) فقال: لا والله يا رسول الله, إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والثلاث، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((لا تفعل)).
كنا نأخذ الصاع من هذا؟
طالب: نعم.
بالصاعين؟
طالب: والثلاثة.
مو بالصاعين بالثلاثة، الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة؟
طالب: لا.
كذا؟
طالب: من هذا بالصاعين والثلاثة.
الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، إيش الطبعة اللي معك؟
طالب: هذه الجديدة -رعاك الله- أحمد بن سليمان حققه، مكتبة الرشد 1426هـ.
التأخر ما هو بدليل، لكن يبقى جودة المحقق، ورجوعه إلى ...
طالب:. . . . . . . . .
اللي يظهر أنه الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة.(81/2)
طالب: أحسن الله إليك.
نقرأ هكذا رعاك الله؟
نعم، إيه.
طالب: أحسن الله إليك.
إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاث، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((لا تفعل، بع الجمع بالدراهم, ثم ابتع بالدراهم جنيباً)) وقال في الميزان مثل ذلك. متفق عليه.
ولمسلم: ((وكذلك الميزان)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما-" ويقال في مثل هذا ما قيل بالنسبة للترتيب حسب الأولية، فأيهما أولى بالتقديم أبو سعيد أو أبو هريرة؟ أبو سعيد من صغار الأنصار، وأبو هريرة حافظ الأمة، وإن كان إسلام أبي سعيد متقدم على إسلام أبي هريرة، وتقدم الإسلام له شأن في الترتيب، في الإمامة وغيرها، والسن أيضاً له دور في التقديم، فالسابقة لها شأن في التقديم، والسن أيضاً له دور، وقل مثل هذا في الإمامة، لو وجد متقدم إسلام، ووجد أكبر سن، وجاء التنصيص عليهما بحديث الأولى بالإمامة: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا بالسنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً)) فيقدم القدم على السن، ومن هذه الجهة وهذه الحيثية قدم المؤلف أبا سعيد على أبي هريرة، وهو وإن كان أكبر منه سناً، وأحفظ منه للسنة، وأروى منه للحديث، إلا أنه لكونه أقدم في الدخول في الدين قُدم على أبي هريرة، نعم؟
طالب: أعلم بالسنة.
أعلم بالسنة، نعم أعلم بالسنة، نقول: من هذه الحيثية من حيث القدم لا شك أن أبا سعيد أسبق من أبي هريرة، نعم، وأبو هريرة أكبر سناً، نقول: من هذه الحيثية في شيء من التقارب مع أن الأقدم أولى من الأكبر سناً، ويبقى أن الميزة لأبي هريرة العلم بالسنة، وهو مقدم على كل شيء بعد العلم بكتاب الله، ولعل الحافظ ما .. ، ولذا يستغرب أن يجعل الحافظ أبا سعيد قبل أبي هريرة، أحياناً يقول: وعن ابن عمر وأبي هريرة، وأحياناً يعكس، فلعله لا يلقي أثناء الكتابة لهذا بالاً، والأصل أن العالم محاسب على ما يكتب، ويُقتدى به في هذا فيدقق في مثل هذا.(81/3)
"-رضي الله عنهما-" هناك يقول: عن ابن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما قالا، والضمير ضمير الجمع يعود إلى عمر وابنه وأبي هريرة، وضمير التثنية يعود إلى ابن عمر وأبي هريرة، أنهما قالا: سمعنا أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهنا قال: "عن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً" اسمه: سواد بن غزية، سواد بلفظ ضد البياض، ابن غزية الأنصاري "على خيبر" استعمله، يعني جعله عاملاً عليها، والعامل على البلد، أو على الإقليم هو في عرف المتقدمين: عامل، وهو الأمير فيما تعورف عليه فيما بعد، والله المستعان.(81/4)
"استعمل رجلاً على خيبر" يعني بعد فتحها "فجاءه بتمر جنيب" الجنيب: طيب، نوع من التمر طيب، نوع واحد خالص طيب صلب لم يختلط به غيره "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكل تمر خيبر هكذا؟ )) كله من هذا النوع الجيد الطيب؟ "فقال: لا والله يا رسول الله" هنا أقسم من غير طلب، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يثرب عليه "فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع بالصاعين" يشترون التمر الطيب بالنوع الرديء مضاعفاً "الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة" والطيب يتفاوت، والرديء يتفاوت، فأطيب الطيب يكون الصاع بالصاعين، وما دونه يكون الصاعين بالثلاثة "والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تفعل)) " لماذا؟ لأن التمر ربوي، لا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً، وإن اختلف النوع في الجودة والرداءة؛ لأن التمر جنس واحد ((لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً)) ((بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم)) يعني اقبض الدراهم قيمة الطيِّب، أولاً: بع الرديء واقبض قيمته، ثم بعد ذلك اشترِ بهذه القيمة الطيب، وقبض الثمن، قبض ثمن المبيع قبل الشراء هو الأصل، وهو أبعد عن الاحتيال؛ لأنه قد يكون البيع صوري للتحليل فقط، أو للتحايل، يقول: نقدر هذا ونقدر هذا، وهذا قيمته كذا، وهذا قيمته كذا وتدفع الباقي، الأصل أن يباع الرديء أو القديم بالنسبة للذهب والفضة المستعمل، وتقبض قيمته، ويكون المشتري حينئذٍ بالخيار: إما أن يشتري من هذا المحل أو من غيره، فإذا قبض أشترى به بعقد جديد، الطيب أو الجديد.
((لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً)) بيع التمر بالتمر لا بد فيه من تحقق الشرطين، التماثل والتقابض، لكن لو بيع التمر بالنوى، يعني إلى وقت قريب يعني قبل انفتاح الدنيا النوى يشترى به؛ لأنه علف للدواب، عنده عشرة آصع من النوى اشترى به صاع واحد من التمر، يمكن وإلا ما يمكن؟ هذا محتاج إلى التمر، وهذا محتاج للنوى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(81/5)
ما في بأس، نعم، إذا قلنا: إن التمر فيه نوى، فصرنا بعنا النوى بنوى وزيادة، لكن هل النوى مما يدخل فيه الربا؟ هل هو ربوي؟ ومما يقتات ويدخر ويكال؟ هو ربوي وإلا لا؟ لا، ليس بربوي، ومن قديم يعرف مثل هذا البيع.
المناظرة التي حصلت بين شامي وعراقي، الشامي يفضل الزيتون على التمر، والعراقي يفضل التمر على الزيتون، لكل منهما خصائص، المقصود أن هذا يفضل هذا؛ لأنه هو المعروف عندهم، والعراقي يفضل التمر؛ لأنه هو المعروف عندهم، فما استحضروا أدلة يستدلون بها، لكن حسم الموضوع بقول العراقي: إننا نشتري الزيتون بالنوى، فهل يعني في نواكم ما يشتري به شيء؟ ما يشترى به شيء، النوى تبع الزيتون، فالنوى على كل حال ليس بربوي، يجوز أن يشترى به الربويات.
((لا تفعل بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً)) المقصود بالدراهم: العملة المتداولة من قيم الأشياء، وإلا لو باع الجمع بالدنانير مثلاً أو بالريالات واشترى بهذه الريالات جنيباً انطبقت الصورة، فهذا بالنسبة للمكيل مما يدخله الربا يفعل به هكذا.
"وقال في الميزان مثل ذلك" يعني قال فيما يوزن مثل ذلك، ذهب قديم مستعمل يريد أن يشتري به ذهباً جديداً، أو ذهب خام، ما صيغ ولا صنع، يريد أن يشتري به مصوغاً، لا بد أن يبيع الذهب الذي معه بالدراهم، ويقبض الدراهم، ثم بعد ذلك يشتري بالدراهم ما يريد.
"وقال في الميزان مثل ذلك" متفق عليه.
ولمسلم: ((وكذلك الميزان)) يعني حكمه كذلك، والحكم كذلك، كحكم المكيل، يعني في الموزون، والمكيل لا يجوز بيعه إلا كيلاً، والموزون لا يجوز بيعه إلا وزناً، فلو بيع التمر بالميزان بالكيلو يجوز وإلا ما يجوز؟ لأنه مكيل، يجوز بيعه بالوزن أو لا يجوز؟ قد يقول قائل: الناس كلهم يبيعونه بالوزن؛ لأن ما يعرف المكيال، يجوز بيعه وزناً وإلا ما يجوز، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(81/6)
نعم بجنسه لا يجوز إلا كيلاً، وبغيره جنسه يبيع ما شاء؛ لأن التفاضل لا إشكال فيه، وما يوزن كالذهب والفضة مثلاً يجوز بيعه كيلاً وإلا ما يجوز؟ لا يجوز بيعه كيلاً، إنما يباع بجنسه وزناً، لا بد من الاتحاد، هذا الأصل، وهذا المكيل ينظر فيه إلى عرف مكة وإلا المدينة؟ نعم؟ الميزان عرف من؟ والمكيل؟، الكيل كيل إيش؟ كيل أهل المدينة، والوزن وزن أهل مكة، نعم، منهم من يقول: هذا يترك لأعراف الناس، يتعاملون على ما عندهم من مكاييل وموازين، ومنهم من يقول .. ، وهذا قريب القول هذا بأن الناس يتعاملون على ما تعارفوا عليه إذا اتحدت وضبطت هذه المكاييل والموازين، ولنفترض أنه بالسطل مثلاً بيع التمر، بالسطل، أحجام متساوية من كل وجه، وهذا سطل وهذا سطل متساوية ويش المانع؟ التماثل متحقق، لكن الإشكال في بيع ما يوزن كيلاً أو العكس، منهم من يخفف فيرى أن المكيل يباع وزن ولا عكس، المكيل يباع وزناً؛ لأن الوزن أدق، من وجه نظره، من وجهة نظر القائل، لكن لا يطرد هذا؛ لأنه قد يكون التقارب في الكيل مما لا يوجد نظيره في الوزن والعكس، فالأصل يبقى على ما كان عليه إن كان مكيلاً فهو مكيل يباع بالكيل، وإن كان موزناً يباع بالوزن.
هذا التمر الذي تصرف هذا العامل، وهذا العقد الذي عقده فاشترى الصاع بالصاعين أو الصاعين بالثلاثة، هل هذا العقد صحيح وإلا باطل؟ نعم؟ باطل، لماذا؟ لأنه ربا، الربا باطل وموضوع، تحت قدميه -عليه الصلاة والسلام-، والحديث ليس فيه ذكر للرد، وإبطال العقد، مع أنه جاء في صحيح مسلم في قصة بلال أو غيره أنه قال: هذا هو الربا، فردوه عين الربا، فردوه، فعلى هذا عقود الربا باطلة يجب ردها، لكن حسب الإمكان؛ لأنه قد يتوب الإنسان من الربا ويحاول الرد ولا يتمكن من ذلك، يتوب من الربا ويبذل جهده في إبطال ورد العقد وإبطاله، ثم لا يتيسر له ذلك حينئذٍ يكون في حكم المكره على أن عليه أن يفعل ما أمر به من أخذ رأس المال فقط فسكوت الراوي هنا الراوي هنا في هذا الحديث عن الرد، لا يعني أنه لا يجب الرد، فبيان الحكم في حديث واحد يكفي، وقد جاء في الصحيح فردوه، نعم.
"وعن جابر بن عبد الله ... "
لحظة، لحظة.(81/7)
لو وضعت ماء في صاع، ثم وزنته صار وزنه ثقيل، لكن لو وضعت تمر في صاع ثم وزنته وجدت أنه أخف، ولو وضعت تمراً في صاع ووضعت مثله من نوع أخر من التمر في صاع، وتساوى الكيل، ثم وزنت هذا ووزنت هذا وجدت أحدهما أثقل من الآخر؛ لأنه لا ارتباط بين الحجم والثقل، نعم واضح وإلا مو بواضح؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا المنظور في المكيل الكيل بغض النظر هل هو ثقيل وإلا خفيف، لكن لو جئت بهذا المكيل وجئت بنظيره في نفس المكيال ثم وزنت الاثنين وجدت أحدهما أرجح من الآخر؛ لأنه ما في ارتباط بين الحجم والوزن، ما في ارتباط، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ مو بظاهر، في ارتباط وإلا ما فيه؟ الآن لو جئنا بصاع ووضعنا فيه تمر ووضعنا فيه أيضاً تمر من النوع الثاني، ووزنا هذا ووزنا هذا يعني هل في مناسبة بين الحجم والوزن؟ يعني من بداهية العلوم هذه، مو يدرس في العلوم؟ يدرس في العلوم، ولذلك تأثير الجرم على الماء مثلاً تجد الحجم كبير، لكن ما يطفو على الماء؛ لأنه خفيف الوزن، وأحياناً تجد الصغير لأن الدفع بقدر الحجم، تجد الحجم أصغر يهوي، وقد تجد الحجم واحد واحد يطفو واحد يرسب تبعاً للثقل، فلا تلازم بين الحجم والوزن.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
الفواكه فيها ربا؟ هي ربويات؟ لا ليست ربويات، الكلام على الادخار.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نعم الملحوظ إلى ما قُرر في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ويُوقف عليه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لكن إذا بحثت عن صاع ما وجدت، بع التمر بالدراهم واشتر غيره بالدراهم، نعم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة من التمر التي لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر" رواه مسلم.
يقول -رحمه الله تعالى-:(81/8)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة" الكومة الطعام المجتمع الكثير هذه صبرة "الصبرة من التمر لا يعلم مكيلها"، صبرة طعام مجتمع تمر كثير يقدر بخمسمائة صاع مثلاً، يباع هذا التمر الذي لا يعلم مكيله إلا بالتقدير، لا يجوز بيعه بما قُدر به من تمر آخر، لا يجوز أن تباع هذه الصبرة بخمسمائة صاع من تمر.
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة من التمر التي لا يعلم مكيلها" بل لا بد أن يعلم مكيلها، يعني لو كيلت خمسمائة صاع، ثم صارت صبرة فبيعت بخمسمائة صاع أخرى علمنا مكيلها وانتهى الإشكال، يجوز ذلك، لكن كومنا وجمعنا من التمر، ما يشكل في تقديرنا، وغالبة ظننا خمسمائة صاع نبيعه بخمسمائة صاع، لا، ولذا نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيله، ما يكفي أن يظن، لا بد من العلم، لا يعلم، فلا يكفي في هذا غلبة الظن، والجهل بالتساوي عند أهل العلم كالعلم بالتفاضل؛ لأنه لا بد من العلم بالتساوي، ولهذا نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك، والنهي للتحريم، نعم.
وعن معمر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- قال: إني كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) وكان طعامنا يومئذٍ الشعير. رواه مسلم.
يقول -رحمه الله تعالى-:(81/9)
"وعن معمر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- قال: إني كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الطعام بالطعام)) " وهذا شامل لكل مطعوم، هذا الأصل فيه، شامل لكل مطعوم، لكن هل هذا العموم مراد الطعام بالطعام مثلاً بمثل، أو أنه مقصور على العلة التي إذا تحققت مُنع التفاضل وإلا فالأصل أن كل مطعوم طعام سواء كان مما يُكال أو يوزن أو يدخر، أو يؤكل آنياً كالفواكه والخضروات كلها مطعومة، النصوص الأخرى تدل على أن العموم، في قوله: ((الطعام)) يراد به الخصوص، وكل على مذهبه في العلة الجامعة بين الربويات، هنا يقول: "وكان طعامنا يومئذٍ الشعير" التخصيص بالعادة الفعلية يقول بها الحنفية، التخصيص بالعادة الفعلية طعامهم الشعير إذاً النص خاص بالشعير؛ لأن طعامهم الشعير، ولا يتعداه إلى غيره، وإذا قيل بهذا فليس معنى هذا أن الربا لا يجري في التمر، ولا في البر، ولا في الملح؛ لأننا أخرجناها بالتخصيص بالعادة المطردة عندهم، هذا يؤخذ من نصوص أخرى، والجمهور لا يخصصون بالعادة، فعلى هذا قوله: ((الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) يشمل جميع الربويات مما يطعم، وكون طعامهم الشعير يومئذٍ لا يعني أنهم لا يأكلون التمر، ولا يعني أنهم لا يأكلون البر والقمح، ولذا جاء التنصيص عليها في نصوص أخرى.(81/10)
"طعامهم يومئذٍ الشعير" قد يطلق الطعام ويراد به البر، وقد يطلق ويراد به العموم، "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من طعام، أو صاع من أقط، أو صاع من زبيب" فيراد به في الحديث كما في الأدلة الأخرى البر، ويدخل فيه ما يتناوله اللفظ، يبحث أهل العلم من الشراح في هذا الحديث الطعام، وأنه يراد به ما يشمل الحبوب، كالقمح وطعامهم الشعير، يعني دخول الشعير في النص قطعي وإلا ما هو بقطعي؟ قطعي؛ لأن ذكر التنصيص على فرد من أفراد العام بالنص دخوله قطعي، فالشعير دخوله قطعي، والبر معروف أنه طعام اتفاقاً، فهل الطعام الذي هو البر والشعير الذي هو طعامهم نوع واحد؟ أو جنس واحد أو أجناس؟ يعني هل هو جنس أو جنسان؟ الجمهور على أنهما جنسان، يعني يجوز شراء صاع من قمح بر بصاعين من الشعير، هذا قول الجمهور، والإمام مالك -رحمه الله- والليث والأوزاعي يرون أنهما جنس واحد، فلا يجوز بيع البر قمح بالشعير متفاضلاً لأنهما جنس واحد عندهم، وجاء في حديث في السنن عند أبي داود والنسائي من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا بأس ببيع البر بالشعير والبر أكثر، إذا كان يداً بيد)) لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر وهما يداً بيد هذا عند أبي داود والنسائي، هذا يدل على أنهما جنسان، وهو ما يؤيد به قول الجمهور، نعم.
وعن فضالة بن عبيد -رضي الله تعالى عنه- قال: "اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً, فيها ذهب وخرز ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً, فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تباع حتى تُفصّل)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(81/11)
"وعن فضالة بن عبيد -رضي الله تعالى عنه- قال: "اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً, فيها ذهب وخرز" ذهب وخرز يعني غير ذهب، مشتملة على الذهب وغيره، أحياناً الذهب المصوغ يوضع فيه ما يجمله من خرز من زجاج أو غيره، وفيه أيضاً حبل يربط بالعنق، فيه هذا وهذا، فيه فصوص، وأحياناً يكون فيه أوساخ متراكمة يصير وإلا ما يصير؟ هل يجوز بيعه بذهب وهو بحالته هذه بما في ذلك الخرز والحبل والأوساخ المجتمعة فيه؟ الناس يتفاوتون في نظافتهم، لكن قد يوجد، يتصور، لا سيما في البلدان التي يقل فيها الماء ويشح فيها، وتكون الاهتمام بالنظافة أقل، أو لانشغالهم بمعيشتهم، يعني لا تتصورون أن الناس في بلدانهم وأزمانهم على نحو ما نعيشه من انفتاح من النعم واهتمام بمثل هذه الأمور، الناس قبل انفتاح الدنيا لو وزن الثوب قبل غسله وبعده لاختلف الوزن، ما عندهم وقت، يمكن ما عنده غيره، ولا عنده وقت يغسله ولا عنده .. بلش، مشغول بالمعيشة، فقد يتراكم الأوساخ على هذه القلادة مما يؤثر في الوزن، والفصوص الخرز موجود، والحبل الذي يربط بالعنق موجود، هذه الأمور لا بد أن تفصل عن الذهب عند بيعه بالذهب، عند بيع القلادة بالذهب لا بد أن تفصل فينظف من الأوساخ، ويزال الخرز، ويوضع على جهة، والحبل أيضاً يفك، ثم توزن ويباع بذهب مثلاً بمثل، يداً بيد، أما إذا أراد أن يبيعها بالدراهم فلا يلزم شيء من ذلك.(81/12)
يقول: "اشتريت يوم خيبر قلادة" والقلادة ما يحيط بالعنق "قلادة باثني عشر دينار فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تباع حتى تفصل)) لا بد أن يجعل الذهب الخالص في مقابل الذهب الخالص، وما عدا ذلك يباع بالدراهم، لا مانع من أن يباع بالدراهم ولو بذهب، لحاجة المشتري إليه، لكن لا بد من بيع الذهب بالذهب يداً بيد مثلاً بمثل، ولا يتم ذلك إلا إذا فصلت، وبهذا قال جماهير أهل العلم، يباع على أساس أنه ذهب، ولا يجوز بيع الذهب وغيره بذهب خالص، حتى يفصل، ويتحقق فيه الشرطان، وبعض أهل العلم يرى أنه يجوز بيعه من غير فصل بأكثر من قيمة الذهب ذهباً، هذه فيها أكثر من اثني عشر دينار اشتُريت باثني عشر دينار، فالتفاضل متحقق، لكن لو قدر أنها وزنت، وزن الذهب الخالص فبلغ اثني عشر دينار، فاشتُريت هذه القلادة، اُشترى ذهبها وخرزها وجميع ما فيها مما يتحاج إليه بثلاثة عشر دينار بمعنى أنه يجعل اثني عشر في مقابل اثني عشر، والزايد مما لم يفصل في مقابل الدينار الزائد، يجوز إلا ما يجوز؟ قبل فصلها؟ أنت افترض أن المسألة أننا نجزم أن هذه القلادة زنتها من غير خرز وغيره مما يحتاج إليه فيها ذهب خالص اثني عشر دينار، وفيها الخرز، فقال: اثني عشر دينار باثني عشر دينار، ولا تحتاج تفصل ثم تعيد، دعها ما دام فيها اثني عشر دينار هذه قيمة اثني عشر دينار، والخرز اشتريه بدينار من غير فصل، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تباع حتى تفصل)) يعني ولو علمنا وجزمنا يقيناً أن قيمة الذهب بقدر ما دفع من الذهب، لا بد أن تفصل، الحنفية لهم رأي في المسألة، يقولون: إذا بيعت هذه القلادة بجميع محتوياتها بأكثر مما فيها من الذهب، افترضنا أنها فيها أكثر من اثنى عشر دينار، الذهب والخرز ثلاثة عشر دينار، الخرز والذهب والوسخ والحبل كله ثلاثة عشر دينار، فاشتراها بثلاثة عشر ديناراً ويقول: الذهب مقابله ذهب والزائد من القائمة في مقابل الخرز وما معها، بدلاً من أن نضيع الوقت في فصلها وإعادتها، يعني إذا اشتريت بأكثر وإذا كان الوزن واحد بين الذهب ومعه شيء بالذهب الخالص، عرفنا أنها(81/13)
اشتريت بأكثر من قيمتها، فيكون القدر الزائد عما أضيف إلى الذهب من خرز ونحوه، هذا عندهم يجوز، لكن كونه يباع بأقل هذا لا يجوز، ولذلك قال: "فوجدت أكثر من اثني عشر ديناراً" مفهومها أنه لو وجد فيها أقل من اثنى عشر دينار على رأي الحنفية يصح وإلا ما يصح؟ يصح، لماذا؟ لأن الإثنا عشر دينار في مقابله ذهب، والقدر الزائد في مقابل الخرز، لكن النص لم يفرق، ليس فيه دليل على ما ذهبوا إليه "فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا تباع حتى تفصل)) رواه مسلم" فيجعل الذهب .. ، لأنه لا بد من العلم بالتساوي، كون الناس يتسامحون في القدر الزائد لا يعفيهم هذا من كونه ربا، لو قال: هذا الزنبيل فيه سبعين كيلو وأنت عندك سبعين كيلو خذ هذا وهذا وإن كان الغلب أنت صديق على ما قالوا، إن كان زائد كيلو أو ناقص كيلو الأمر سهل، سواء كان في تمري أو تمرك، نقول: لا يا أخي هذا عين الربا، ولا يكفي في هذا التراضي، بل لا بد من تحقق المساواة، يدخل في هذا بعض الصور أحياناً كرتون المناديل يوضع فيها ريال هدية، ويباع أحياناً بريال، وأحياناً بريالين، ريال ومناديل بريالين، ما هي بهذه صورتها؟ هذه مثل مسألة مد عجوة، نعم، مد ودرهم بدرهمين، تصح وإلا ما تصح؟ مد ودرهم بدرهمين، حكمها مسألة مد عجوة معروف وإلا ما هو بمعروف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مد ودرهم بدرهمين، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
وراك؟
طالب:. . . . . . . . .(81/14)
الآن يقول: درهم بدرهم انتهى الإشكال، والمد بدرهم ثاني، يعني بعقد واحد لا يجوز، لا بد من عقدين، ما الفائدة من بيع الدرهم بالدرهم؟ ما الفائدة من أن يجعل لي مع المناديل التي كانت بريال يجعل معها ريال ويقول: بريالين، هل يستفيد من ذلك البائع أو المشتري؟ ما يستفيد بها إلا إذا كان أحياناً يضع وأحياناً لا يضع، يقول: حضك ونصيبك، وحينئذٍ يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز، أما إذا كان محقق أنه يضع ريال لكل مشترٍ ويبيع بالقيمة مضافاً إليها ريال عبث هذا، عبث، وإن كان يضع الريال أحياناً ويبيع بنفس قيمة المناديل، كرتون المناديل بريال يوضع في بعض العلب ريال من أجل الإغراء بالشراء، ويبيع بريال فقط قيمة المناديل، والقدر الزائد منه، من صاحب السلعة، لأي مشترٍ إن ترتب على ذلك أن تشترى السلع من أجل الريال الزائد أو تسبب في ضرر الآخرين كما يقال في الجوائز والهدايا وغيرها فلا يجوز حينئذٍ، فلا بد من الفصل، فصل الربوي من غيره، الربوي إذا أريد بيعه مع غيره لا بد من فصله، وهذا الحديث أصل في هذا المسألة.
بيع الذهب المصوغ بذهب أكثر منه، أو أقل، وهل الصياغة أو الصناعة تخرجه عن كونه ذهباً إلى كونه عرض من عروض التجارة أو لا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الذهب المصوغ ذهب وإلا ليس بذهب؟ ذهب، أو عرض من عروض التجارة يباع ويشترى بالذهب متفاضل ومن غير تقابض، عامة أهل العلم على أن الصياغة لا تخرجه عن كونه ذهباً يجب فيه التساوي إذا بيع بمثله، والتقابض بالميزان، ولو تعب عليه صانعه أو صائغه، لا يخرجه عن كونه ذهباً، ومن أهل العلم من يرى أن الصياغة والصناعة تخرجه عن كونه ذهباً إلى كونه عرض من عروض التجارة، فيباع ويشترى كغيره من السلع، ويستدلون على ذلك بإيش؟ دليلهم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(81/15)
حديث الباب دليل عليهم لا لهم، في عهد معاوية -رضي الله عنه- مما غنموه جام من ذهب، إنا من ذهب، فبيع على عهد معاوية على أساس أنه عرض من العروض وأنكره الصحابة أنكروا على معاوية هذا الصنيع -رضي الله عنه وأرضاه-، وكأن شيخ الإسلام فيما أختاره يميل إلى شيء من هذا، وعلى كل حال هو قول مرجوح، وحديث الباب رد عليهم، نعم.
وعن سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة" رواه الخمسة, وصححه الترمذي وابن الجارود.
نعم؟
فضة، لا يجوز بيعه بفضة إلا بالشرطين، التماثل والتقابض مثل الذهب بالذهب، الفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء.
طالب:. . . . . . . . .
يفصل، لا بد من فصله.
طالب:. . . . . . . . .
أي؟
طالب:. . . . . . . . .
الورقية؟
طالب:. . . . . . . . .
أصلها فضة، أصلها كان الريال العربي السعودي من فضة، ثم بعد ذلك تحول إلى العملة الورقية، فهي أصل قائم برأسها، تباع مع فضة مع التفاضل، لكن لا بد من التقابض، تباع بذهب لكن لا بد من التقابض، فهي أصل قائم بأصلها كالذهب والفضة.
طالب:. . . . . . . . .
إذا بيعت بفضة، أما إذا بيعت بجنس أخر ما يلزم؛ لأنه لا يلزم التساوي.
طالب:. . . . . . . . .
الورقيات ما يحتاج فصل، ولا شيء أبد، ما تحتاج اشترِ منها بالريالات من الربويات ما شئت.
طالب:. . . . . . . . .
وش هي فضة؟
طالب:. . . . . . . . .
الورقية هذه فضة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما تأخذ حكم الفضة، كان أصلها فضة، ثم تحولت إلى ورق، فصارت أصلاً برأسها؛ لأن الفضة بالفضة، لا الفضة بالورق.
طالب:. . . . . . . . .
يفصل، لا بد من فصله.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن حسم المادة في مثل هذا لا بد منها، لا بد أن يوقف على الوزن بيقين، لا بد من العلم بالتساوي، وأن يكون الأطراف كلهم على حد سواء بهذا العلم، على كل حال هو ذهب بذهب لا يجوز بيعه بجنسه إلا بالشرطين.
طالب:. . . . . . . . .(81/16)
عيار ثمانية عشر وعيار واحد وعشرين، تريد أن تقول: أنا أشتري عشرة دنانير من عيار واحد وعشرين بإحدى عشر دينار من عيار ثمانية عشر، لا لا بد من .. ، إن كان القدر الفارق بينهما يعني مما أدخل على الذهب فصار عياره أقل، لا بد أن يفصل، إذا أردت أن تبيعه بذهب، نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الذهب الأبيض ذهب، نفس الذهب الأصفر إلا أن اللون يتحكمون فيه، يعني ما هي مجرد تسمية مثل الذهب الأسود البترول، لا، هذه عند أهل الصنف حقيقة في الذهب، إلا أن اللون إن شاء جعله أصفر، وإن شاء جعله أبيض، فلا تغير من حقيقته فهو ذهب.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني نطبق عليها الفضة بالفضة، نعم الريال بالريال، لكن ريال بفضة ما في تماثل، ولذلك يباع العربي السعودي الفضة بعشرين ريال مثلاً ورقي.
طالب:. . . . . . . . .
لا ليست ربوية، ما في إلا الذهب والفضة، إلا إذا استعملت عملات، لو أن الدولة ضربت مصكوكاتها كلها ألماس عملتها دخل فيها الربا.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة" رواه الخمسة, وصححه الترمذي وابن الجارود.(81/17)
وهذا الحديث أولاً أكثر .. ، هذا يطلب درجة الحديث ويقول: بأنه أحسن، ما هو بأحسن فقط، لا يبنى الحكم إلا على حديث صحيح أو حسن، فلا بد من بيان درجته، وإذا سكت عنه، فالأصل أنه صالح للاحتجاج، الحديث الذي معنا حديث سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن الجارود، وصححه جمع من أهل العلم بشواهده وطرقه، لكنه من رواية الحسن عن سمرة، والأكثر على أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، ومنهم من أثبت سماع الحسن من سمرة، وعلى كل حال الخلاف قوي، ولو لم يكن إلا هذا الطريق لكان إلى التضعيف أقرب، وضعفه الشافعي وغيره، وفي الباب حديث في معناه، الحديث الرابع عشر، يعني بعد أربعة أحاديث، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره أن يجهز جيش فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، قال: فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى أبل الصدقة، رواه الحاكم والبيهقي، ورجاله ثقات، الحديث لا بأس به.
حديث عبد الله بن عمرو: نفذت الإبل فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، يعني إذا جاءت الزكاة، قال: فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، وهنا يقول: "نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة" وحديث عبد الله بن عمرو من حيث الإسناد متوسط، يعني حسن، بل هو حسن لذاته، وحديث سمرة بطرقه وشواهده صحح من قبل جمع من أهل العلم، يؤيد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسلف بكراً، ورد خياراً رباعياً.(81/18)
فعندنا حديث الباب حديث سمرة "نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة" فدل على أن الحيوان ربوي، لكن هل هو قبل ذبحه مطعوم؟ مما يكال ويدخر؟ لا تجري فيه علة الربا، نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، والحديث الآخر حديث عبد الله بن عمرو: فكنت أخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، ففيه الفضل، وفيه النسيئة، فهما حديثان متعارضان، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص لذاته أرجح من حديث سمرة، ولذا المرجح جواز ذلك، وإذا قلنا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسلف بكراً ورد خياراً رباعياً، القرض يجري فيه الربا، يعني هل هو عقد معاوضة, وإلا عقد إرفاق؟ إرفاق ليس بمعاوضة، فلا يتصور فيه الربا، وكونه رد أفضل مما أخذ من غير اشتراط في العقد ليس هذا أيضاً من صور الربا، وإنما هو من حسن القضاء، يعني لو أن شخصاً اقترض من شخص ألف ريال، فلما أراد أن يعيد الألف أضاف إليها مائة من غير اشتراط، هذا من حسن القضاء، وليس من الربا لأنه لم ينص عليه في العقد، وهكذا النبي -عليه الصلاة والسلام- استسلف بكراً ورد خياراً رباعياً، فدل على أن القرض لا يدخل فيه هذا.(81/19)
يبقى عندنا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحديث سمرة بينهما التعارض ظاهر، مع أن منهم من حمل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص على القرض، لكن القرض مع التفاضل عين الربا، لو قلت لشخص: أقرضني ألفاً على أن أؤديه لك ألف ومائة ربا وإلا ليس ربا؟ ربا بلا شك، ولذا جمهور أهل العلم يرون القرض لا يقبل التأجيل، معنى هذا الكلام أنه لو قال: أقرضني ألفاً وأسدده لك من الراتب، يعني الراتب بقي عليه أسبوعين وأسدده لك، هل يلزم المقرض أن ينتظر إلى مجيء الراتب أو له أن يطالبه قبل ذلك؟ نعم؟ يعني لو قلنا: إن هذا مال بمال مع التأجيل، الجمهور على أن القرض لا يقبل التأجيل، لكن إن تركه إلى أن يأتي الراتب أو الراتب الثاني، أو السنة الثانية هذا فضل منه، فلو أقرضه قال: أنا عندي مشروع ومحتاج إلى مبلغ كذا وأؤديه لك أقساط لمدة سنة كل شهر كذا، ثم احتاج المقرض هل له أن يلزم المقترض أو ليس له ذلك؟ القرض لا يقبل التأجيل، فله أن يلزم المقترض عند الأكثر، ويرى الإمام مالك -رحمه الله- أن القرض يقبل التأجيل، وأن المسلمين على شروطهم، وهو ما يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-؛ لأن المسألة في الربوي ريال بريال، لا بد من التقابض، ولا بد من التساوي، التساوي ألف بألف، بيؤدي ألف ما هو بزايد، لكن التقابض أجله لمدة سنة هل في تقابض؟ الجمهور لئلا يلزموا بأن هناك صور من الصور التي فيها عدم التقابض وتجوز، فيورد عليهم بعض المسائل، قالوا: إن القرض لا يقبل التأجيل، وكونه يتأخر في دفعه ويصبر عليه المقرض هذا فضل منه، وإلا لو قبل التأجيل لوقعنا في عين الربا؛ لأنه لا بد من التقابض، وإلا كيف نشترط التقابض وهو يقبل التأجيل؟ هذا قول أكثر أهل العلم أنه لا يقبل التأجيل، وهو معروف عند الحنابلة وغيرهم، وأما المالكية فيقولون: المسلمون على شروطهم، ويرجحه شيخ الإسلام، وأيضاً الحاجة قد تقتضي ذلك.(81/20)
لو أن شخصاً قال: أنا عندي مشروع يحتاج إلى مائة ألف فتقرضني مائة ألف لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، قال: تفضل، ثم بعد أسبوع نزلت به نازلة وحلت به ضائقة فاحتاج المائة ألف، فقلنا: يلزم دفعها، هذا الذي تصرف بمائة ألف يتضرر، نعم حاجته مراعاتها ليست بأولى من مراعاة حاجة الأصل المقرض، لكن يبقى أن مثل هذا يضر بالمقترض وقد يفعل بعض الناس مكيدة بأخيه فيتضرر بذلك، ويقرضه ويعرض عليه القرض، فإذا تصرف فيه طالبه به، فيضطر أن يبيع السلعة بأقل من قيمتها فيخسر، هذا هو ما دعا المالكية ورجحه شيخ الإسلام أن المسلمين على شروطهم -كما هو معروف- لئلا يتضرر المقترض.
وهذا الكلام القروض من قبل الدولة الصناديق من قبل الدولة يجري فيها الاختلاف، على المذهب للدولة أن تطلب ما بذمم الناس حالاً وفوراً إذا احتاجت إلى ذلك، وعلى رأي مالك ليس لها ذلك، إلا بالمدد المضروبة المتفقة عليها بين الطرفين، وهو ترجيح شيخ الإسلام -رحمه الله-، نعم حديث أبي رافع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسلف بكراً ورد خياراً رباعياً يعارض حديث الباب وإلا ما يعارض؟ نعم، هذا لا يعارض؛ لأنه قرض وليس ببيع، يعني الربويات لو اقترضت، لو جاء شخص واقترض منك دراهم، ويعيدها دراهم بمقدارها ما في إشكال، ولو أضاف إليها من باب حسن القضاء ما في إشكال أيضاً من غير اشتراط وهذا جنسه، فلا يدخل في معارضة حديث الباب، إنما المعارضة تكون بين حديث سمرة وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص لذاته أقوى من حديث سمرة، نعم.
أحسن الله إليك
لحظة, لحظة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص؟
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، ما هو بقرض هذا، ليس بقرض؛ لأنه لو كان قرض قلنا: قرض يجر نفع ولا يجوز، بل بعضهم يطلق عليه الربا، ويروون في هذا ما يروون، لكن الحديثان متعارضان بلا شك، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أرجح، وعلى هذا البعير بالبعير، الحيوان بالحيوان، الثياب بالثياب وغيرها ليست ربوية، نعم.
أحسن الله إليك.(81/21)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم أذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) رواه أبو داود من رواية نافع عنه, وفي إسناده مقال.
ولأحمد نحوه من رواية عطاء, ورجاله ثقات وصححه ابن القطان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(81/22)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا تبايعتم بالعينة)) " العينة صورتها: أن يشتري شخص من أخر سلعة بأكثر مما تستحقه نقداً إلى أجل، يشتريها إلى أجل بثمن أكثر مما تستحقه نقداً، ثم يبيعها عليه بأقل مما اشتراها به، زيد يشتري من عمرو سيارة، وليس بمحتاج للسيارة، محتاج إلى قيمتها، يشتري زيد من عمرو سيارة بمائة ألف لمدة سنة، وهي حالّة لا تستحق أكثر من تسعين ألف، ثم يبيعها على صاحبه عمرو، زيد يشتري من عمرو بقيمة أكثر، ثم إن زيداً يبع على عمرو هذه السيارة بأقل من قيمتها نقداً، هذه التحايل فيها على الربا ظاهر، وهذه مسألة العينة؛ لأن البائع الأول رجع إليه عين ماله، والمشتري حصل على العين الذي هو المال، هذه مسألة العينة، لكن لو أن المشتري باعها على طرف ثالث، باع السيارة على طرف ثالث غير البائع الأول صارت مسألة التورق، مسألة التورق إذا كان البائع الأول يملك السلعة ملكاً تاماً ثم باعها بثمن مرتفع إلى أجل، والمشتري لا يحتاج إلى السلعة وإنما يحتاج إلى قيمتها فباعها على طرف ثالث، هذه مسألة التورق، وجماهير أهل العلم على جوازها للحاجة الدعية إليها، وأنه لا يوجد بديل عن الربا إلا السلم، ونادراً ما يوجد السلم، وقد لا يوجد، وقد لا يتيسر لكل أحد، إذاً لا حل لمشاكل الناس إلا بالتورق، ولذا عامة أهل العلم على جوازها، ابن عباس -رضي الله عنهما- وعمر بن عبد العزيز وشيخ الإسلام ابن تيمية يرون أن مسألة التورق لا تختلف عن مسألة العينة، يعني كونه يبيع على البائع الأول أو على غيره لا فرق، وأنها لا تجوز، فهي حيلة على الربا لكن ما الذي يحل مشاكل المسلمين؟ افترضنا أن مسألة التورق لا تجوز وأنت بحاجة إلى دراهم، بحاجة إلى أن تتزوج، بحاجة إلى أن تشتري بيت، بحاجة إلى أن تشتري سيارة، بحاجة إلى نفقة ولم تجد من يقرضك ماذا تصنع؟ افترض المسألة في منع مسألة التورق، ما في حل لهذه المشكلة أبداً إلا التورق، ولذا القول بتجويزها هو المتجه، وهو قول عامة أهل العلم، وتختلف مسألة التورق عن مسألة العينة أن التورق تباع السلعة على طرف ثالث، وفي العينة تعود إلى الطرف الأول.(81/23)
((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر)) كناية عن الزرع، اشتغلتم بالزراعة، والزراعة من أفضل الأعمال.
((وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع)) يعني حينما يكون المحمود مسبباً لترك .. ، أو يكون في مقابل ما هو أعظم منه يذم صاحبه، لكن إذا كان مضموماً إلى ما هو أفضل منه يذم صاحبه وإلا يمدح؟ يمدح، يعني إذا رضينا بالزرع ونحن نجاهد، أخذنا أذناب البقر وزرعنا وجاهدنا وأدينا الواجبات كلها، عند بعض أهل العلم الزارعة أفضل المكاسب، ولذا يخطئ بعض الناس في فهم قوله -جل وعلا-: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [(19) سورة التوبة] يعني التمدح بعمارة البيت الحرام، نعم إذا كان في مقابلة الإيمان يعني يتمدح به من لم يؤمن، فهذا ذم وإلا مدح؟ هذا من مسائل الجاهلية، ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب من مسائل الجاهلية فهو ذم، لكن إذا كانت عمارة المسجد الحرام ممن يؤمن بالله، والمعارة سواء كانت الحسية أو المعنوية جاء مدحها في الشرع، وهنا الزراعة عند جمع من أهل العلم أطيب المكاسب، لكن متى تذم الزراعة وهي أطيب المكاسب؟ إذا صارت في مقابل ما هو أفضل منها وأولى، إذا صدت عن واجب، أنت افترض طالب علم تقرأ القرآن، وتقرأ في السنة، وتنهمك في مثل هذا وتضيع الواجب، ما تصلي في المسجد، أو تجئ صلاة الجمة والخطيب يخطب وأنت في يدك مصحفك، تذم وإلا ما تذم؟ تذم، فالذم هنا والسياق سياق ذم ((وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع)) الأصل أن هذا من أطيب المكاسب، لكن كيف سيق مساق الذم؟ لماذا؟ ((تركتم الجهاد)) يعني بسبب ذلك تركتم الجهاد في سبيل الله، النتيجة؟ ((سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) والأسلوب أسلوب تهويل وتعظيم في لشأن الجهاد؛ لأنه جعل من فعل ذلك كأنه خرج من دينه، فاستحق هذا الذل، وهذه المسكنة والمهانة حتى يرجع إلى الذي خرج منه، وهو الدين، ففي هذا تعظيم شأن الجهاد، وتحقير أمور الدنيا التي تصد عن الجهاد.(81/24)
((سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه)) شيء، يعني مهما فعلتم، تركتم الجهاد، عمرتم المساجد ليل نهار، تلوتم كتاب الله ليل نهار، صمتم النهار، وقمتم الليل، لكن تركتم الجهاد، ((سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه –شيء- حتى ترجعوا إلى دينكم)) يعني الدين التي تتدينون به مما تركتموه؛ لأن الصلاة ما تركتموها حتى ترجعوا إليها، الزكاة ما تركتموها حتى .. ، الصيام ما تركتموه إنما تركتم إيش؟ تركتم الجهاد، فلا بد من مراجعة هذا ليرتفع الذُل أو الذِل بالضم والكسر والمسكنة والحقارة التي تعيشها الأمة لا ترتفع إلا بالجهاد، فهو مصدر عز الأمة ورفعتها.
"رواه أبو داود من رواية نافع عنه, وفي إسناده مقال".
هذه غمزة من الحافظ ابن حجر، وفي إسناده عبد الرحمن الخرساني، مضعف، له مناكير، وقال الحافظ الذهبي: هذا من مناكيره، وعلى كل حال الحديث له طرق يصل بها إلى حد الصحيح لغيره، لكن الشافعية تبعاً لإمامهم لا يثبتون هذا الحديث، ويجيزون التبايع بالعينة، ويستروح من كلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "في إسناده مقال" لا نقول: إنه تبرير للمذهب، لكن الحافظ يصحح مثله، وإمامه الشافعي لا يرى ثبوت هذا الخبر، ولا يعمل به، ويجيز مسألة العينة، والجمهور على أن مسألة العينة مسألة محرمة.
"ولأحمد نحوه من رواية عطاء، ورجاله ثقات" طيب رجاله ثقات عندك يا ابن حجر، وصححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام، والحديث مصحح من قبل جمع من أهل العلم ولا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-، نعم.
وعن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها, فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا)) رواه أحمد وأبو داود, وفي إسناده مقال.
يقول المؤلف:(81/25)
"عن أبي أمامة" صدي بن عجلان الباهلي "-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شفع لأخيه شفاعة)) والشفاعة {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن} [(85) سورة النساء] نعم؟ {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا} [(85) سورة النساء] ولا فرق بين النصيب والكفل، معناهما واحد، وقد جاء الأمر بالشفاعة، ((اشفعوا تؤجروا)) فالأصل أن تكون هذه الشفاعة لله -جل وعلا-، رجاء الثوب من الله -جل وعلا-، وأن تسود بين المسلمين دون مقابل.
((من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها)) هدية، يعني ما اشترط أن يشفع له بكذا ((فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا))، رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده مقال.
لأنه من رواية القاسم الأموي، وفيه مقال فيما قاله المنذري في مختصر السنن، وعلى كل حال الحديث مضعف، والمسألة معروفة عند أهل العلم، مسألة أخذ المال على الجاه، لا شك أن الأولى أن تسود هذه الأمور بين المسلمين دون مقابل، كما أن إعانة بعض المسلمين لبعض ينبغي أن تكون دون مقابل، كالحلاقة والحجامة وغيرها مما ينتفع به بعض المسلمين من بعض، ينبغي أن تسود روح المحبة والمودة، ولا يكون كل شيء مبني على المشاحاة، والشفاعة من هذا، ترجو ثواب الله -جل وعلا- فلا تشترط، ولا تقبل، وإلا فالحديث لا يعول عليه لأنه ضعيف، الحديث ضعيف.
ومن أهل العلم من يمنع أخذ المال على الجاه؛ لأنه ليس في مقابل مال، فهو من أكل أموال الناس بالباطل، ومنهم من يقول هذه أتعابه، وأقل الأحوال أن يأخذ أجرة المثل، فإذا أخذ في مقابلها فلا شيء فيه، والمسألة خلافية، لكن يبقى أن الأدب وروح المودة والمحبة بين المسلمين ينبغي أن يكون هو السائد.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(81/26)
لا هذه غير الرشوة، المسألة مفترضة في شخص أنت احتجت إلى عمل، إلى أن تدرس مثلاً في الجامعة أو غيرها، فقدمت ملفك ما قبلوك، جئت إلى شخص وكتب لك أو ذهب معك فقبلت، كونك تعطيه مال هذا في مقابل الجاه، هذا مختلف فيه، لكن ليس برشوة، لكن لو أعطيته مبلغاً من المال مقدماً نعم واتفقت معه على مبلغ من المال وذهب إلى مدير الدائرة وأعطاه نصف هذا المال صار هو راشي والمدير مرتشي على ما سيأتي، وأنت سبب، سبب متعاون معهم على هذه الرشوة، فحرام على الجميع، بعض الناس يلبس فيدخل الشفاعة باسم الشفاعة يرشي، أنت تعطي هذا الشخص لأنه لا يعمل في نفس الدائرة، فلا تكون رشوة، أنت تعطيه على أساس أنها أجرة له، أجرة عمله، وهو يستعمل هذه الأجرة لتسهيل الأمر فيعطي فلان وعلان ممن يعمل في هذه الدائرة، وأحياناً تكون الوسائط أعداد، لا يوصل إلى المصدر الذي بيده الحل والعقد إلا بواسطة عشرة، وكل واحد يشترط مبلغ، وهذا في المبالغ الطائلة والتثمينات الكبيرة يحصل، هذا يتوسط عند هذا ليتوسط عند هذا، وهذا عند هذا، وذاك عند ذاك إلى أن تصل إلى الكبير، كل واحد يحتاج إلى نصيبه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا كانت أجرة المثل، ولا أثر في المدفوع على من بيده القرار، نعم لا أثر له، فمثل هذه أجرة، أجرة مثل لا إشكال فيها، لكن إذا كان هذا المدفوع بيصل إلى من بيده القرار أو من حاشيته الذين يؤثرون عليه فهذه هي الرشوة، نعم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي" رواه أبو داود والترمذي وصححه.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(81/27)
"وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي" الراشي: اسم فاعل من الفعل رشا "والمرتشي" الراشي والمرتشي صيغتها إذا كان الأول اسم فاعل فالثاني؟ تأتي مرتشي اسم مفعول أو مرتشى؟ اسم المفعول، إذا قلنا: راشي فاعل، فاسم المفعول على زنته مرشي، مرشي هذا اسم المفعول من الفعل الثلاثي رشا، والفعل ارتشى فاسم الفاعل مرتشي، واسم المفعول مرتشى، فالمرتشي اسم فاعل من ارتشى، والراشي أسم مفعول من رشا، والافتعال؟ الافتعال؟ نعم؟ إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، اسم مفعول من رشا مرشي مفعول، أصلها: مرشيوٌ، لكن مرتشي اسم فاعل من ارتشى، كلاهما اسم فاعل، لكن الأول من الفعل الثلاثي رشا، والثاني من ارتشى، خماسي ارتشى يرتشي فهو مرتشٍ، كيف يجتمع في المادة اسم فاعل واسم فاعل والأصل أن فيه اسم فاعل واسم مفعول آخذ ومعطي؟ أخذ ومعطى، فالمعطى في الأصل اسم مفعول، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(81/28)
لا هو نظر إليه على أنه آخذ فهو اسم فاعل، نظر إلى الراشي على أساس أنه معطي، ونظر إلى المرتشي باعتباره آخذ، لا أن هذا معطي وذاك معطى، أو هذا آخذ وهذا مأخوذ؟ لا، كلاهما اسم فاعل، هذا معطي وذاك آخذ، فيصح من هذه الحيثية، وجاء أيضاً لعن الواسطة بينهما وهو الرائش، الرائش: هو الذي يمشي بينهما، وهذا حديث الباب صحيح عند أبي داود والترمذي، وصححه، وزيادة: الرائش عند أحمد في المسند، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله -جل وعلا-، فدل على تحريم الرشوة، وأنها من الكبائر، ولا شك أن الرشوة خطرها وضررها عظيم، تفسد المجتمعات، وتكدر على الناس معايشهم، الرشوة واعتماد من وكلت الأعمال إليهم عليها إذ تسبب تضييع الحقوق، إذا ارتبط العامل بهذه الجريمة، ولا يعمل لأحد شيء حتى يدفع له مبلغ، وليس كل الناس يستطيع الدفع، فلا شك أنها عثت فساداً في كثير من المجتمعات، بحيث لا يستقيم لهم عمل إلا بها، ولذا جاء التحذير الشديد منها واللعن للأطراف الثلاثة، حسماً لهذه المادة، فلا يجوز أن يدفع لمن يعمل في أي عمل، وتحت أي مسمى شيء من المال لتسهيل الأمر والمهمة؛ لأنه صار سبباً أو يصير سبباً في تعطيل من لم يدفع، وشواهد الأحوال تغني عن طول الشرح، في بلدان العالم كله ما تشمي أمورك لا قليلها ولا كثيرها، لا صغيرها ولا كبيرها إلا بشيء يدفع، والذي لا يدفع يتورع عن الدفع يتضرر، ولذا جاء هذا اللعن، ثم ماذا إذا دفع مال يسير يستخرج به حقه، أو يصل به إلى حقه، نقول: هي رشوة، بعض أهل العلم يرخص في الوصول إلى الحق الذي لا يمكن الوصول إليه بدونها يرخص في أمر الرشوة، لكن هذا الترخيص صار سبباً في تساهل بعض الناس في الرشوة، لماذا؟ أنا والله أريد استخراج حقي، طيب الحديث ويش يحمل عليه؟ نقول: يمكن يحمل على استخراج ما لا يستحقه، لكن لفظ الحديث عام فيما يستحقه وما لا يستحقه، وما عند الله لا ينال بسخطه، قد تبذل المال وتحق عليك اللعنة، نسأل الله السلامة والعافية، ثم بعد ذلك يحصل لك ما تريد فتصرفه، بل قد يكون وبالاً عليك، لا أقول: يذهب سداً كما جاء لا قد يكون هذا المال الذي وصل إليك بهذه الطريقة المحرمة وبالاً عليك، وضرر الرشوة وخطرها لا(81/29)
يحتاج إلى تدليل، كثير من الناس يعاني لأنه لا يدفع، قد يوجد هذا فيمن يولى أمور عامة من مراقبة أو غيرها يعقد الأمور حتى يصل إلى ما يريد من الرشوة.
يقول: حكم إعطاء المال للتوصل إلى إحقاق حق أو إبطال باطل هل يدخل في الرشوة؟
الأصل أن الحديث عام، وعلى هذا الزعم أنك تتوصل بذلك إلى إحقاق حقك، والوصول إليه، وبغيرها لن تصل، طيب ماذا عن غيرك الذي له حق ولا يستطيع أن يدفع؟ يضيع؟ لكن لو لم يدفع أحد شيئاً مشت الأمور، لأن العامل هذا الذي يأخذ الرشوة إذا يئس من الدفع عمل، لكن ما دام يغلب على ظنه أنه يدفع له يطلب، ولا شك أن الرشوة وأخذ الرشوة والسعي بين الراشي والمرتشي تعاون على الإثم والعدوان.
يعني هل يفرق بين بلد الرشوة في مبادئها؟ ويخشى من تطورها، ويمكن أن يصل إلى حقه بعد الجهد دون رشوة، وبين بلد لا يمكن إلا برشوة، نعم ما في مسلك إلا الرشوة، على كل حال اللعن صريح، والدينا بحذافيرها لا تقوم له، ولا تعادله، فعلى الإنسان أن يحرص أن لا يدخل في هذا اللعن، كبيرة من كبائر الذنوب، واللعن الطرد عن رحمة الله، فهل تقوم الدنيا بحذافيرها لهذا اللعن؟ الدنيا التي لا تأتي إلا بهذه الطريقة لا خير فيها، بعض الناس قد يدخل في الموضوع ويشتري سلعة من برا ولا يعرف أنها ما تمشي إلا برشوة، فإذا تورط قال: استنقذ مالي، وهو قد يوجد له شيء من العذر بهذا على ضوء من يفتي بأن الوصول إلى الحق الذي لا يمكن أن يوصل إليه إلا بواسطتها قد يفتى بهذا، لكن يثق ثقة تامة أنه بيجيب دفعة ثانية على علم أنه بيدفع الرشوة عقوبة لما دفعه أولاً، ثم بعد ذلك يستمري هذا الأمر فيصير يرشي على كل شيء، والتساهل في أول الأمر يجر إلى العظائم، فلو أن الإنسان حسم المادة بالكلية، ولو تواطأ الناس على مثل هذا ما وجد من يقبل الرشوة، ولا وجد من يعرقل المعاملات، ويكون حجر عثرة في دروب المسلمين إلا بالرشوة، يمكن ما يوجد، ولو انكف الناس عن الربا قليله وكثيره لما وجد من يتعامل بالربا، وقل مثل هذا في كثير أو أكثر الجرائم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، حديث الباب؟
طالب:. . . . . . . . .(81/30)
اللعن لعن العصاة، جاء لعن العصاة، لعن الله الراشي، لعن الله السارق، لعن الله الخمرة، لعن فيها عشرة، لعن آكل الربا وموكله، المراد به الجنس، جنس الراشي، جنس المرتشي، جنس آكل الربا، جنس الموكل، جنس شارب الخمر، جنس السارق، يُلعن، لكن فلان من الناس لأنه اتصف بما ورد فيه اللعن يُلعن بعينه، لا، ما يقال: اللهم العن زيداً لأنه مرابي، لا، أما لعن الله من أكل الربا هذا جاءت به النصوص، فلعن المعين غير لعن الجنس، وكونه يرد لعن الجنس لا يعني جواز ذلك في المعين، نعم.
أحسن الله إليك.
وعنه -رضي الله تعالى عنه- "أن رسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، قال: فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة" رواه الحاكم والبيهقي, ورجاله ثقات.
يقول المؤلف -رحمه لله تعالى-:
في حديث سبق شرحه مع حديث سمرة "وعنه" يعني عبد الله بن عمرو بن العاص، صحابي الحديث السابق "أن رسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يجهز جيشاً" الجيش يحتاج إلى ما يركب "فنفدت الإبل" الإبل الموجودة نفذت، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستدين أبل يركبها الغزاة، الجيش.
"فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة" يعني على إبل الصدقة، إذا جاء بها المصدق، من أربابها، والعادة أن السعاة يخرجون في وقت محدد؛ لئلا يقال في مثل هذا: إن الأجل مجهول، نعم، قد يزيد أيام وينقص أيام، لكن وقت الزكاة معروف.
"فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، قال: فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة" يعني إبل الصدقة تأتي بعد ستة أشهر مثلاً تعطينا بعير ونعطيك اثنين إذا جاءت إبل الصدقة.
"رواه الحاكم والبيهقي, ورجاله ثقات" وأقل أحواله أن يكون حسناً، أقل أحوال الحديث أن يكون حسناً لذاته، وهو معارض لحديث سمرة السابق، والنهي عن بيع البعير بالبعيرين، لكن عرفنا أن هذا أرجح من حيث الصناعة من ذاك.
والشافعي يقول في حديث سمرة: إنه غير ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما ذكر ذلك البيهقي في السنن الكبرى عن الإمام الشافعي، فالمرجح جواز ذلك، وأنه لا يجري فيه الربا، نعم.(81/31)
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً, وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً, وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام, نهى عن ذلك كله" متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة".
المزابنة: سبق التعريف بها في أول كتاب البيوع، وأنها من الزبن وهو الدفع الشديد، وفسرها ابن عمر ببيع التمر رطباً بالتمر الجاف كيلاً، وبيع العنب بالزبيب كيلاً، "نهى عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً" يعني يبيع الرطب بالجاف، الرطب مكيل والجاف مكيل، فإن كان كرماً –عنب- يبعه بالزبيب اليابس كيلاً، وإن كان زرعاً في سنبله رصيناً ملياً بالماء أن يبيعه بكيل طعام يابس، "نهى عن ذلك كله" متفق عليه" لأن المماثلة لن تحقق، والعلة في الحديث الذي يليه، والكلام في المزابنة تقدم، والحديث الذي يليه حديث سعد بن أبي وقاص.
اقرأ.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن اشتراء الرطب بالتمر، فقال: ((أينقص الرطب إذا يبس?)) قالوا: نعم، فنهى عن ذلك. رواه الخمسة, وصححه ابن المديني والترمذي وابن حبان والحاكم.
نعم هذا الحديث حديث "سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن اشتراء الرطب بالتمر" الرطب الطري الجديد بالتمر الجاف بالنسبة للرطب وإلا ليس بجاف جفافاً تاماً، إنما يقال له: جاف، وقد ييبس ويجف بالكلية، وإذا يبس خف وزنه؛ لأن الرطوبة التي تستدعي الثقل انتهت مع الجفاف.(81/32)
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أينقص الرطب إذا يبس?)) يعني إذا جف ينقص وإلا ما ينقص؟ "قالوا: نعم، فنهى عن ذلك" لأنه بهذا النقص لن تتحقق المساواة والمماثلة، بل لا بد من التفاضل، قد يقول قائل: النقص ظاهر في الوزن، والتمر لن يباع وزن، إنما يباع كيل، وكونه ينقص وزنه لا يؤثر في حجمه، لكن هل هذا صحيح أن الحجم يبقى إذا يبس أو يصغر؟ يصغر إذا يبس، فلا يتحقق التماثل، فنهى عن ذلك، لماذا؟ لأن المساواة لن تتحقق، ولا بد من تحققها، أعله بعضهم بجهالة أبي عياش، زيد بن عياش، وهو من رواته، لكن وثقه الدارقطني وغيره، فالجهالة لا تضر إذا كان مردها إلى عدم العلم بحال الراوي إذا علمه غيره، غير من جهله، فالمثبت للعدالة مقدم على من خفي عليه الحال، نعم.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "نهى عن بيع الكالئ بالكالئ, يعني: الدين بالدين" رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف.
يقول -رحمه الله تعالى-:(81/33)
"وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" الكالئ: اسم فاعل من كلأ الدين كلأً إذا أخره، وكلأته إذا حفظته، والحفظ من مقتضاه التأخير، يعني كونك تحفظ الشيء من مقتضى هذا الحفظ أن يتأخر عندك بخلاف ما إذا لم تحفظه وعرضته للتلف والفساد، فإنك لا تأخره، فالمادة محفوظة هنا، وعلى هذا فسروا الكالئ بالكالئ "يعني: الدين بالدين" ومنهم من يقول: إن التفسير مرفوع، على أن الخبر ضعيف؛ لأنه من رواية موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، يقول أحمد: لا تحل الرواية عنه، منهم من صحفه بموسى بن عقبة، وموسى بن عقبة هكذا رواه بالتصحيف الحاكم، وصححه تبعاً لذلك؛ لأن موسى بن عقبة ثقة، بينما موسى بن عبيدة الربذي ضعيف، ومنهم من صحف التصحيف فقال: موسى بن عتبة، والذي في الحاكم موسى بن عقبة، وصححه لأن موسى بن عقبة ثقة، والصواب فيه أنه موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف، يعني الدين بالدين، بيع الكالئ بالكالئ، يعني الواضح من الصورة على أن الحديث ضعيف، ولا يثبت به حكم، لكن الواضح من هذه الصورة أن يكون لك دين في ذمة زيد، ويكون لعمرو دين في ذمة بكر، أنت لك دين في ذمة زيد وعمرو له دين في ذمة بكر، فتأتي إلى عمرو فتقول: بعني دينك الذي في ذمة بكر بديني الذي في ذمة زيد؛ لأن مطالبة بكر أيسر عليّ، ومطالبة بكر أيسر عليك، يعني قد يكون زيد من الناس ابن عم لك في ذمته دين لك، وتحرج من مطالبته، وعمرو نفس الشيء له دين في ذمة ابن عم له ويحرج من طالبته، فتبيع هذا الدين بالدين؛ ليرتفع الحرج، هذه الصورة ظاهرة في بيع الدين بالدين؟ هذه الصورة ظاهرة، لكن يقول في النهاية: هو أن يشتري الرجل شيئاً إلى أجل فإذا حل الأجل لا يجد ما يقضي به فيقول: بعنيه إلى أجل أخر، أصله دين، فإذا حل ولم يجد سداداً فيقول: بعنيه إلى أجل أخر بزيادة شيء فيبيعه عليه ولا يجري بينهما تقابض، يعني على نفس الشخص، هو دين في ذمة الشخص يباع بدين أكثر منه في ذمة نفس الشخص، هذا تفسير صاحب النهاية، وهذا هو ربا الجاهلية، إما أن تقضي وإما إيش؟
طالب: أن تربي.
أن تربي، وعلى كل حال كل من الصورتين لا تجوز، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(81/34)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (9)
باب: الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار- أبواب السلم والقرض والرهن
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: ما سبب رواية الحافظ ابن حجر للأحاديث التي يعلم أنها ضعيفة؟
أهل العلم حينما يصنفون في الحديث من أجل الاستدلال بهذه الأحاديث على الأحكام، والأصل أنه لا يستدل إلا بحديث صحيح أو حسن، يعني في دائرة القبول، وحينما يذكرون الحديث الضعيف إنما للعلم به، لا لبناء الحكم عليه، والحافظ في الغالب يبين الضعف، وليبين أن هذا الحديث قد استدل به أهل العلم على ما ذهب إليه، وإن كان فيه ضعف، وقد يكون الحديث ضعيفاً بالطريق الذي .. ، أو بالرواية التي ذكرها، ويكون له ما يشهد له من أحاديث أخرى، أو قواعد عامة، أو أصول، المقصود أن الحديث الضعيف ليس بحجة في الأحكام، وهذا من الأمور المتفق عليها، لكن كونهم يوردون الأحاديث الضعيفة للعلم بضعفها من جهة؛ ولأنه استدل بها من استدل من أهل العلم؛ ولأنها قد تثبت من وجوه أخرى، وإن كان الوجه الذي ذكره فيه ضعف.
ما علاقة الرشوة بباب الربا؟
العلاقة واضحة، وأن آكل الربا ملعون، وموكله كذلك، والراشي كذلك، والمرتشي كذلك، فكل منهم ملعون، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: حديث عبد الله بن عمرو عندما أمر أن يجهز الجيش، أرجو إيضاح الأمر أليس فيه شبهة الربا أي البعير بالبعيرين حتى تأتي إبل الصدقة؟
أولاً: هل مثل هذا .. ، الحيوانات هل يجري فيها الربا؟ لا يجري فيها الربا، يعني كتاب بكتابين ويش يصير؟ في إشكال كتاب بكتابين؟ ما في أدنى إشكال، كذلك البعير بالبعيرين، الثوب بالثوبين، الشماغ بشماغين، الأمور التي لا يجري فيه الربا لا يقال فيها مثل هذا الكلام.
هذا يقول: لماذا لا يكون في وقت راحة بين الفترتين من أجل عدم الملل والكسل؟(82/1)
أكثر الإخوان إنما يحضرون بعد مضي وقت من الدرس الأول، فإذا مشى الدرس، وقام على سوقه تأتي الراحة، هذا يكون فيه تقطيع للدرس من جهة، والدرس كله ساعتين، ما يتجاوز ساعتين، والساعتين ما فيها ملل، يعني إذا كنا با نمل من ساعتين! كنا في الأعوام السابقة، وفي غير هذه البلاد ثلاث ساعات متواصلة أحياناً، وما يكون فيه ملل ولا شيء.
يقول: ألا يحمل حديث سمرة إذا قيل بصحته بأنه إذا بيع الحيوان بالحيوان مؤجلاً جميعاً، يعني أبيعك بعيراً أسلمك إياه بعد سنة، ببعيراً تبيعني إياه تسلمه بعد سنة، فيكون من باب بيع الدين بالدين، أو يكون عندي لك بعير اشتريته مني بالقيمة إلى أجل، وهذا يشبه السلم، فإذا حل الأجل قلت لك: دعه إلى العام القادم وأعطيك بعيرين، على ما جاء في تفسير الكالئ بالكالئ، وهذا تفسير الإمام الشافعي -رحمه الله- له وجه، لكن إذا قيل: بأن الخبر لا يثبت، أو يحمل على التنزيه والكراهة، المسألة سهلة يعني، لكن بيع حيوان بعضه ببعض لا إشكال فيه، ألا يقال: إن حديث سمرة يحمل على جواز النسيئة، وحديث ابن عمرو في التفاضل، فيجوز النسيئة دون التفاضل؟
حديث عبد الله بن عمرو فيه تفاضل وفيه نسيئة.
ما حكم الإيداع في البنوك الربوية؟
الإيداع فيها، وجعلهم يستفيدون من هذا المال المودع من فوائده بمعاملات محرمة الأصل فيه أنه حرام، لكن إذا لم يجد الإنسان من يحفظ ماله، وخشي عليه من السرقة، من التلف، من الضياع، ولم يجد إلا هذه فأهل العلم أجازوا ذلك، إذا لم يوجد غيره.
ما معنى شرط التماثل في البيع؟
التماثل التساوي في المبيع وعوضه، إذا بيع الربوي بجنسه اشترط فيه التماثل، وزن بوزن، كيلاً بكيل، واشترط فيه أيضاً التقابض، وإذا بيع بغير جنسه اشترط فيه التقابض فقط.
هل يجوز بيع التمر ديناً؟
إذا بيع بالنقود لا بأس، إذا بيع بالنقود فلا بأس، أما إذا بيع بربوي غير النقود فلا، إذا كان يداً بيد.
هل يجوز المبايعة بالانترنت بحيث أنه يتم تحويل المبلغ قبل قبض السلعة؟(82/2)
يعني يتصور تسليم المبلغ قبل قبض السلعة حتى في البيع العادي بالمواجهة، ولا أثر له فهما يتفقان بالإيجاب والقبول، فكون المشتري يقبض السعلة قبل الثمن أو العكس ما في إشكال، والبيع بواسطة الآلات الإيجاب والقبول بالانترنت والتلفون وغيرها من المكاتبة هذه أجازوها.
هل تعتبر مدة الخيار في المبايعة بالهاتف أي إغلاق السماعة؟
نعم حددوا هذا بالتفرق بالكلام، وإغلاق السماعة؛ لأنه لا يتصور التفرق عن المجلس؛ لأنهما لم يجتمعا أصلاً.
لو فصل الدرس لفترتين من أربع إلى خمس، ومن خمس وربع إلى ست وربع، لكان أحضر للذهن، وأضبط للفهم؟
على كل حال مثل هذا التقطيع والتنتيف يقطع الدرس، يقطع ترابط الدرس وتسلسله، وبعدين من يقدر يضبط لنا أن فترة الراحة تكون ربع ساعة؟
بيع التمر بالنوى لا شيء فيه.
يقول: ذكر بعض أهل العلم جواز بيع المصوغ من الذهب بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد مقابل الصنعة؟
هذه المسألة ذكرناها بالأمس وقلنا: إن عامة أهل العلم على أن الصياغة والصناعة لا تخرجه عن كونه ذهباً يجب فيه التماثل والتقابض.
ومثل ذلك قالوا في الخبز والدقيق ونحوه، فما الراجح في ذلك؟
الراجح أنه إذا اتحدت الأجناس البر بالبر، والشعير بالشعير، والذهب بالذهب، لا بد من التماثل والتقابض.
الأسئلة عن الأسهم كثيرة جداً، وأنا لا أنصح بها أحداً.
يقول: في الحديث لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله، ثم قال: كلمة (سواء) هل هما بدرجة واحدة في الإثم أم لا؟
نعم هم في درجة وحدة في أصل الإثم، كلهم آثمون، لا يعفى واحد منهم، لكن آثامهم الأصل فيها أن تكون واحدة، وسيئاتهم متماثلة، لكن قد يعتري بعضهم ما يعتريه من التخفيف أو التشديد.
يقول: الآن نذهب ونشتري الذهب من محلات الذهب وفيه فصوص فيزنونه بفصوصه؟
إذا اشتري بغير الذهب، اشتري بالريالات بالدولارات، اشتري بالفضة لا يلزم فصله؛ لأنه لا يشترط فيه التماثل، فيوزن بفصوصه لا بأس.
وإذا ذهبنا نبيع الذهب القديم عندهم فإنهم ينزعون فصوصه ويزنونه بدون فصوص، فما الحكم في ذلك؟(82/3)
أما بالنسبة لمن يصنع ذلك من أصحاب المحلات يحتاط لنفسه ويتساهل في أمر غيره فيه مثل قوله -جل وعلا-: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [(1 - 3) سورة المطففين] يخشى عليه من هذا.
يقول: هل للإنسان أن يخبر بعمله الصالح ليسلم من إضاعة وقته، أو ليعذر بعدم مجيئه إلى عزيمة أو جلسة أو نحو ذلك؟
مثلاً تحضر عندنا كذا يوم كذا ليلة كذا، يقول: والله أنا الآن ما بعد كملت نصيبي ووردي من القرآن، لازم أكمله أو حفظي أو شيء من هذا، إذا ترتب عليه مصلحة، إذا ترتب على .. ، الأصل الإسرار وهو أقرب إلى الإخلاص، لكن إذا ترتب على الذكر مصلحة؛ لأنه يخلص من أمر لا يحمد، أو يقتدى به {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [(271) سورة البقرة].
يقول: زوجتي لا تلبس قفاز اليدين بحجة أن القفاز يسبب لها حرارة في يدها، هل ألزمها بذلك؟
إذا كانت تضرر به لا تلبسه، لكن عليها أن تغطي يديها إذا كانت بحضرة الأجانب.
يقول: في حديث مرض موت النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيح البخاري عندما خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الصلاة كان معتمداً على العباس وعلي -رضي الله عنه- فلما روت عائشة الحديث لم تذكر للراوي عنها علياً وإنما قالت: وآخر، فلما عرضه الراوي عنها على ابن عباس قال له ابن عباس: هل أخبرتك من الآخر؟ قال: لا، ثم قال: هو علي بن أبي طالب؟
كون عائشة -رضي الله عنها- تبهم علي -رضي الله عنه- في هذا الموقف الذي هو منقبة له، كونها لا تجود نفسها بذكر اسمه؛ لأنه نصح النبي -عليه الصلاة والسلام- بتركها، فوجدت في نفسها عليه، قال: النساء غيرها كثير، فمثل هذه المواقف تأثيرها على النفوس جبلي، لا يستطيع أن ينفك منه كثير من الناس، فلا تلام بهذا؛ لأنه كاد أن يكون سبباً في حرمانها من خير الدنيا والآخرة.
انتشر بين الشباب المتدين هذه الأيام تقسيمات حزبية، فهل من كلمة في ذلك؟(82/4)
على طالب العلم أن يحرص على تعلم العلم، والعمل به، علم الكتاب والسنة، وأن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن يكون على ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، ويترك هذه الأمور ومشاكلها التي أورثت الحزازات، والبغضاء بين الناس، وحرمت كثير من الناس بركة العلم والعمل، فعليه أن ينصرف عنها، ولا يلتفت إليها.
ما حكم حجز مكان للعالم في الصف الأول من المسجد؟
الحجز من سبق إلى مباح فهو أحق به، من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به، فإن طابت أنفس الجماعة بتقديمه إذا حضر ولو متأخراً فلا بأس، أما أن يحجز والناس لا تطيب نفوسهم بذلك فلا.
رجل كفل أمه كفالة غرامية -يعني ضمن ما في ذمتها- ودفع عنها هل له الحق بالمطالبة بما دفع أو لا؟ المبلغ كبير؟ يعني هل له مطالبة أمه؟
له مطالبتها بالأسلوب المناسب الذي لا يوقعه في العقوق، فمن حقه أن يطالبها لكن بالأسلوب الذي لا يدخله في العقوق.
يقول: ما حكم بيع الذهب والفضة عن طريق الشيكات البنكية؟
في بحث في مجلة المجمع تعرض لهذا.
يقول: ما حكم فتح سجل تجاري باسم زوجتي بحيث أني موظف فلا يسمح لي بمزاولة التجارة، فأنا أريد أن أعمل في مجال التجارة باسم زوجتي؟
زوجتك يسمح لها، وتكون وكيلاً عنها، لا سيما إذا كانت وظيفتك لا تفي بحاجاتك، فمثل هذه الحيلة الخفيفة التي يتوصل إليها أو بسببها إلى كف النفس عن الحاجة إلى الناس، الأمر فيه سهل -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ماذا يقصد المؤلف في قوله: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في القال؟
هذا كلام الشافعي -رحمه الله تعالى-، يعني على سبيل المثال الذي جامع زوجته في رمضان، الأوصاف المؤثرة في الحكم يستفصل عنها، والأوصاف التي لا أثر لها في الحكم لا يستفصل عنها، رجل جامع زوجته وقع منه الجماع هل من الممكن أن يقال: إن زوجتك لونها كذا أو كذا، أو أنت لونك كذا أو كذا، أو هي حرة أو أمة، أنت جامعت خلاص عليك كفارة، والأوصاف التي لم يسأل عنها صار دليل ذلك على عدم تأثيرها في الحكم، فالجماع من الرجل في نهار رمضان يلزمه بالكفارة ولو كان جاهلاً بما يترتب عليها.(82/5)
ما حكم شراء البيت من خلال الإيجار المنتهي بالتمليك، أو عن طريق البنوك من خلال القروض إذا كانت البنوك الآن غير ربوية؟
المشكلة الإيجار المنتهي بالتمليك الفتوى على أنه لا يجوز، صدر بذلك فتوى من هيئة كبار العلماء، والسبب في ذلك أن الضمان عائر بين الطرفين، وحينئذٍ يوقع في إشكال وخصومة ونزاع، لو اشترى هذا البيت بإيجار لمدة خمس سنوات وينتهي بالتمليك في النهاية بثمن مستقل، لو تهدم هذا البيت من غير تفريط من الطرف الثاني، الطرف الأول يقول: أنا بائع، فالضمان عليك، والطرف الثاني يقول: أنا مستأجر، الضمان عليك، وحينئذٍ يقع الطرفان في النزاع والشقاق، ومثل هذا لا تجيزه الشريعة.
طالب: أليس -راعك الله- لأنه بيعتان في بيعة؟
على كل حال هذا من أقوى الأسباب في منعه أن ضمانه عائر ويوقع في شقاق ونزاع.
يقول: أو عن طريق البنوك من خلال القروض؟
أنا لا أدري كيف اللبس بين القروض وبين الدين؟ يعني القرض مقتضاه أن يعطيك خمسمائة ألف ويأخذ خمسمائة ألف بعد مدة ما يزيد ولا ريال واحد، هذا القرض، أما إذا زاد عليك هذا دين وليس بقرض، فإن كان يملك البنك البيت ملكاً تاماً مستقراً ثم باعه عليك بقيمة هي أكثر مما يستحقه حالاً بثمن مرتفع إلى أجل، وأنت محتاج إلى هذا البيت هذا الدين جائز بالاتفاق بغض النظر عن كونه بنك أو غير بنك، لكن العقد صحيح، التعامل مع البنوك الربوية ولو كانت بعقود جائزة لا شك أنه يعينهم على ما هم عليه، فينبغي أن لا يكون إلا إذا لم يوجد غيره، أما إذا وجد غيرهم فلا يعانون بمثل هذا، إذا كانت لا حاجة لك بالبيت وإنما تحتاج إل قيمة البيت أو قيمة السيارة واشتريت من البنك سيارة أو بيت يملكها ملكاً تاماً مستقراً ثم بعتها على طرف ثالث هذه مسألة التورق التي سبق الكلام فيها، وإلا إن بيعت على الطرف الأول فهي العينة، وتقدم الكلام في هذا.(82/6)
استدانة، أو التورق بالأسهم، مسألة التورق فيها خلاف بين أهل العلم، وهو خلاف قوي، ابن عباس وعمر بن عبد العزيز وشيخ الإسلام ابن تيمية كلهم لا يجيزونها؛ لأن فيها تحايل، وأما عامة أهل العلم على جوازها، وتزداد ضعفاً بالتوسع، الذي يزاول في هذه الأيام من خلال الأسهم التي لا يعرف ولا يدرى ما حقيقتها، ولا يمكن قبضها ولا حيازتها.
هذا قرار من المجمع الفقهي التابع للرابطة في تجارة الذهب، يقولون: في قرارهم (أ): يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة على أن يتم التقابض بالمجلس، يعني يتم قبض الذهب والشيك، هم يجيزون هذا، الشيك المصدق لا مفر من الالتزام به، بخلاف الشيك غير المصدق، وأيضاً الشيك المصدق، وهو مضمون في هذه الحالة إلا أن التقابض فيه ما فيه، ومع أنهم أجازوه فالورع تركه.(82/7)
يقول: تأكيد ما ذهب إليه عامة الفقهاء من عدم جواز مبادلة الذهب المصوغ بذهب مصوغ أكثر مقداراً منه، لأنه لا عبرة بمبادلة الذهب بالذهب بالجودة أو الصياغة، وعلى هذا إذا اشتريت قلادة زينتها أثنا عشر دينار باثني عشر دينار، هذه إذا كانت خالصة فهي تساوي الموجود، وإذا كان فيها شيء من غير الذهب يجب فصله، ولا يقال: إن هذا القدر الزائد فيها اثنا عشر دينار مثل ما ذكر عن الحنفية في درس الأمس، يكون الزائد في مقابل ما زاد على الذهب، فيها اثني عشر دينار تشتريها بثلاثة عشر دينار، قلنا: اثني عشر في مقابل اثنى عشر، والدينار الزائد مقابل الخرز والصياغة، يقول: لأنه لا عبرة بمبادلة الذهب بالذهب بالجودة أو الصياغة، بالجودة يعني تشتري ذهب عيار واحد وعشرين بعيار ثمانية عشر، لا بد من التماثل والتقابض، ويقولون أيضاً في كلام: لذا يرى المجمع عدم الحاجة للنظر في هذه المسألة مراعاة لكون هذه المسألة لم يبق لها مجال في التطبيق العملي؛ لعدم التعامل بالعملات الذهبية بعد حلول العملات الورقية محلها، وهي إذا قوبلت بالذهب تعتبر جنساً آخر، العملات الورقية جنس مستقل، لا ذهب ولا فضة، يجوز بيعها بالذهب، وبيع الذهب بها متفاضلاً إذا كان يداً بيد، وقل مثل هذا في الفضة، وكونها غير قابلة للتطبيق العملي لا يعني هذا أن تهمل دراسته، وما يدريك أنه في يوم من الأيام تعود الأمور إلى ما كانت عليه.
(ج) تجوز المبادلة بين مقدار من الذهب ومقدار أخر أقل منه مضموم إليه جنس أخر، وذلك على اعتبار أن الزيادة في أحد العوضين مقابلة بالجنس الآخر بالعوض الثاني، هذا هو رأي من؟ رأي الحنفية الذي ذكرناه في حديث القلادة، والجمهور على أنه لا بد من فصل الذهب عن غيره، ذهب بذهب يباع بذهب مع التساوي والتقابض، وما زاد عليه يباع بقيمته.
قرر ثانياً: بشأن الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة، وهذا يحتاجه الوافدون إلى غير بلادهم، إذا توفرت إليهم أموال وأرادوا تحويلها إلى بلدانهم مع اختلاف العملة.(82/8)
يقول: الحوالات التي تقدم مبالغها بعملة ما، ويرغب طالبها تحويلها بنفس العملة جائزة شرعاً، سواء أكانت بدون مقابل أو بمقابل حدود الأجر الفعلي، يعني جنيه تسلم جنيه أو ريال وتقبضه في البلد الثاني أو يقبضه وكيلك بنفس العملة جنيه أو دولار أو ريال، هذا ما فيه إشكال، وإن أخذوا عليك أجرة التحويل فلا بأس.
فإذا كانت بدون مقابل فهي من قبيل الحوالة المطلقة عند من لم يشترط مديونية المحال إليه، يعني الحوالة من ذمة إلى ذمة الأصل فيها أن يكون الثاني المحال عليه مديون، وهنا ليس بمديون، وهم الحنفية وهي عند غيرهم سفتجة، وهي إعطاء شخص مالاً لأخر لتوفيته للمعطي أو لوكيله في بلد أخر، يعني ليست من قبيل الحوالة هذه، نعم هي تحويل من بلد إلى بلد، وتحول من بلد إلى بلد، لكن الحوالة الواردة في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- المتفق عليه ((من أحيل على ملئ فليحتل)) ليست هذه؛ لأن الملئ الثاني مدين، وأنت تريد أن تحيل إلى شخص غير مدين، هي تحويل وليست حوالة، وإذا كانت بمقابل فهي وكالة بأجر، وإذا كان القائمون بتنفيذ الحوالات يعملون لعموم الناس فإنهم ضامنون للمبالغ جري اً على تضمين الأجير المشترك، يعني هل الذي تولى الحوالة أمين بحيث لو لم تصل هذه الحوالة إلى البلد الثاني يضمن أو لا يضمن؟ فرق بين أن يحول نفس المال الذي أعطيته، أعطيته مبلغ من المال مربوط برباط، ومغلف بغلاف، ومكتوب عليه اسمك، واسم من يصل إليه، وقلت: هذا المال أوصله إلى البلد الفلاني، هو في هذه الحالة أمين، لكن تعطيه مبلغ من المال يدخله في حساباته، ويضارب به، ويسلم في البلد الثاني غير هذا المال، هذا مضمون بلا شك.(82/9)
يقول: إذا كان المطلوب في الحوالة دفعها بعملة مغايرة للمبالغ المقدمة من طالبيها فإن العملية تتكون من صرف وحوالة بالمعنى المشار إليه في الفقرة (أ)، وتجري عملية الصرف قبل التحويل، وذلك بتسليم العميل المبلغ للبنك، وتقيد البنك له في دفاتره بعد الاتفاق على سعر الصرف، يعني على كلامهم ما يحتاج إلى قبض مجرد ما يسجل لك المبلغ بالعملة التي تريدها انتهى هذا صرف على كلامهم، وإلا فالأصل في الصرف أنه لا بد من التقابض فيه، وذلك بتسليم العميل المبلغ للبنك، وتقييد البنك له في دفاتره بعد الاتفاق على سعر الصرف المثبت في المستند المسلم للعميل، ثم تجد الحوالة بالمعنى المشار إليه، يعني ما يحتاج قبض عندهم، مجرد ما يثبتونه في دفتر الحوالة، أو في مستنداتهم أن لك عندهم كذا، سلمتهم ألف ريال، وتريدها أن تسلم في مصر جنيهات، وقلت لهم، اتفقت معهم على أن يكون الصرف ألف ريال بألف وخمسمائة جنيه، سلمتهم الألف وقيدوا لك ألف وخمسمائة جنيه ويسلمونها هناك لوكيلك، هذا صرف وحوالة، والأصل أن تسلمهم الألف ويسلموك الألف وخمسمائة جنيه في المجلس، في المكان، ثم تدفع لهم ما تريد تحويله، هذا هو الأصل لا بد من التقابض، وهم يقولون: إن مجرد التقييد في مستنداتهم وأن لك عندهم هذا المبلغ يكفي، وهذا لا يخلو من تساهل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: الرخصة في العرايا، وبيع الأصول والثمار.
عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً" متفق عليه.
ولمسلم: "رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق, أو في خمسة أوسق" متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الرخصة في العرايا، وبيع الأصول والثمار.(82/10)
الرخصة في الأصل هي التيسير والتسهيل، ومن ذلكم قول الناس: رخصت الأسعار، بأن صارت سهل ميسرة لعموم الناس، والرخصة في اصطلاح أهل العلم: ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام المانع لولا ذلك العذر، ويعرفونها أيضاً بأنها: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، فأكل الميتة ثبتت على خلاف الدليل الشرعي؛ لأن الله حرم الميتة، والعرايا ثبت على خلاف الدليل الشرعي؛ لأن بيع التمر بالتمر لا بد فيه من التساوي، ولا يباع الرطب بالجاف؛ لأن الجاف ينقص، ((أينقص الرطب إذا جف؟ )) أو إذا يبس؟ قالوا: نعم قال: ((فلا إذاً)) هذا الأصل، وذلكم لأن المساواة لا تتحقق، وهنا العرايا رخص فيها بالدليل الشرعي، فهي جاءت على وفق دليل شرعي، جاءت بدليل شرعي على خلاف دليل شرعي متقدم، وإلا فثبوتها بدليل شرعي، ولذا الرخص عامتها إنما يقتصر فيها على موارد الأدلة، ولا يتوسع فيها، بحيث لو احتاج الناس أو احتاج بعض الناس إلى محرم أشد من حاجة من احتاج إلى العرايا نبيح لهم المحرم بالدليل بالنص؛ لأنه احتاج إلى هذا الأمر أشد من حاجة صاحب العرية إلى العرية، الأصل العزيمة، والرخصة على خلاف ذلك الأصل فيقتصر في الرخص على مواردها؛ لأن بعض الناس وهو في بيته عليه من المشقة في الصيام وفي توقيت الصلاة أكثر من مشقة المسافر، نقول: يرخص له أن يجمع وأن يفطر وهو في بيته؟ افترض شخص ما عنده مكيفات ومسافر سافر بالطائرة أيهما أشد مشقة؟ في عز الصيف ما عنده مكيف وهو في بيته، وهذا مسافر بالطائرة السفر مدته ساعة، ويصل إلى فندق، والطائرة مكيفة، والوسيلة بين الطائرة والبيت وبين الطائرة إلى المسكن الجديد أيضاً مريحة أيهما أشق؟ لا شك أن الذي في بيته هذا إن سلم من مزاولة الأعمال الشاقة، المسافر أسهل مشقة من المقيم، ونادى بعض المفتونين بجواز فطر العمال؛ لأن عليهم من المشقة أكثر مما على المسافرين، وعلى هذا يفطرون، نقول: لا يا أخي الرخصة جاءت على خلاف الأصل، على خلاف الدليل الشرعي، فيقتصر فيها على مواردها، ولا يتوسع فيها، على موارد النصوص فقط.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(82/11)
"عن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً" والمراد ثمر العرايا، والمراد بالعرايا أحد أمرين: إما أن يحتاج الفقير إلى تمر يأكله رطباً مع الناس، وليس عنده ما يشتري به، وعنده ما يبقى من تمر العام الماضي جافاً فأبيح له أن يشتري بالتمر الجاف بخرصه مما على رؤوس النخل؛ ليأكل مع الناس تمراً رطباً، هذا يلاحظ فيه حاجة المحتاج الفقير، تفسر الثاني للعرايا، وقال به جمع من أهل العلم: أن الناس جرت عادتهم بمنح بعض الناس نخلات يأكلون ثمارها مع الناس من باب الإحسان إليهم، يأتي إلى جاره أو إلى قريبه الفقير ويقول: لك هذه الخمس النخلات تخرف منها كل يوم بيومه، وتأكل مع الناس من التمر الرطب، ثم عاد هذا المعرى الموهوب المتصدق عليه المحسن عليه يسيء يتحين فرصة وجود هذا الشخص المحسن مع أسرته في أول النهار أو في أخره، أو في أثنائه في وقت توافرهم في هذا المكان فيطرق الباب ليأخذ من التمر، ومن الغد يا فلان نبي ندخل نأخذ التمر، فيتضرر هذا المحسن هو وعائلته يفرقهم، ويضيق عليهم بتردده، وحينئذٍ يقول له: خذ من هذا التمر اليابس بقدره، وفكنا، وهذا فيه نظر إلى مصلحة الغني الذي هو صاحب التمر الأصلي المحسن، سواء كانت على هذا التفسير أو على التفسير الأول هي على خلاف الأصل؛ لأن الرطب لا يباع بالجاف، الأمر الثاني: أن الخرص لا يكفي في بيع الربوي بجنسه؛ لأنه لا بد من تحقق التماثل.(82/12)
"أن تباع بخرصها كيلاً" هذه النخلات الخمس فيها أربعة أوسق، ثلاثة أوسق، خمسة أوسق على الخلاف في الخمسة يشتريها المحتاج بمثلها بخمسة أوسق، لكن هل المماثلة متحققة؟ ليست متحققة من وجهين: الأول: أن الخرص لا تتحقق فيه المماثلة بدقة، وإن وجد بعض الناس الذي يخرص البساتين فلا تزيد ولا تنقص، لكن هذا فيه عدم علم بالتساوي، العلم أمر لا بد منه بأن يكون التساوي مقطوعاً به لا مظنوناً فمن هذه الحيثية يمنع لعدم التساوي، لعدم العلم بالتساوي، ومن جهة أخرى أنه يباع الرطب باليابس، وقد جاء النهي عنه، "رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً" ويلاحظ في هذا الترخيص حاجة الفقير على التفسير الأول، وحاجة الغني على التفسير الثاني "متفق عليه".
"ولمسلم: رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلونها رطباً" مع الناس، العرية هذه الأصل في تمرها الرطب أن يكون على رؤوس الشجر، وإذا كانت على الأرض تمر رطب مجذوذ وعلى الأرض، يعني ألا يمكن أن يقال في الأصل في مسألة العرية بع القديم واشترِ جديد، كما قيل: بع الجمع بالدراهم واشترِ بالدراهم جنيباً، يمكن أن يقال له، لكن الشارع الحكيم لحظ أنه إذا باعه لا يأتي له بقيمة، لا يأتي له بقيمة يستفيد منها، فيبعها برخص شديد؛ لأنه مضى عليه حول، والناس لا يريدونه، يريدون من التمر الجيد الرطب، فلحظ حاجته فأباح له أن يشتري به بقدره؛ لأنه احتمال أن يبيع الخمسة الأوسق من التمر الجاف بما يساوي قيمة وسق واحد، فلما لحظت مصلحته وحاجته، والذي منع هذا هو الذي أباح هذا، لما جاز مثل هذه الصورة.
"ولمسلم: رخص بالعرية يأخذها أهل البيت بخصرها تمراً يأكلونه رطباً" قلنا: إنه إذا كان الرطب على رؤوس الشجر فيه الخرص يكفي، وإن لم تتحقق فيه المساواة، لكن إذا كان مجذوذاً على الأرض فمن أهل العلم من يمنع فيه هذه الصورة، ومنهم من يقول: إن كون الثمرة على رؤوس النخل وصف لا أثر له، إنما الفقير يريد أن يأكل رطب، ومنهم من يرى أن هذا الوصف له أثر؛ لأنه يريد أن يأكله بالتدريج مثل الناس، وإذا كان على الأرض ما أكله بالتدريج، بخلاف ما إذا كان على رؤوس النخل، وعلى كل حال كونه على رؤوس النخل هو الأحوط.(82/13)
يقول: إن رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطباً، ويأكلون مع الناس، وعندهم فضول قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرسها من التمر، وجاء التنصيص على كونه على رؤوس الشجر في بعض الروايات، وعرفنا أن هذا الوصف هل له أثر أو لا أثر له؟ منهم من يقول: لا أثر له؛ لأنهم يريدون أن يكون رطب وهذا رطب، ومنهم من يقول: له أثر؛ لأنه وإن كان رطباً على الأرض إلا أنه لا يؤكل بالتدريج، الرطب إذا كان على الأرض لا شك أنه في اليوم الأول مو مثل اليوم الثاني، واليوم الثالث ما هو مثل الثاني وهكذا، بينما لو كان على رؤوس الشجر استمر لمدة شهر أو أكثر يؤكل رطباً بالتدريج.(82/14)
ولذا يرى بعضهم أن العرية لا تأتي إلا إذا كان على رؤوس الشجر، في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص ببيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة، وهذا شك من الراوي، بين الإمام مسلم أن الشك فيه من داود بن حصين، يقول: شك داود هل قال: دون خمسة أوسق، أو قال: خمسة أوسق؟ ما دون خمسة أوسق لا خلاف فيه، وما فوق الخمسة لا خلاف في منعه أيضاً، والخلاف في الخمسة، والأحوط ألا تبلغ الخمسة؛ لأن الخمسة مشكوك فيها، وترجم ابن حبان في صحيحه: الاحتياط ألا يزيد على أربعة أوسق، يعني دون خمسة أوسق، هل يقال: الأربعة دون الخمسة، صحيح الأربعة دون الخمسة، لكن أربعة ونصف دون الخمسة؟ نعم؟ لو قيل: خمسة أسوق إلا كيلو أو إلا صاع واحد، مائتين وتسعة وتسعين صاع هذه دون خمسة أوسق، يصدق أنها دون خمسة أوسق، وابن حبان يقول: الاحتياط ألا يزيد على أربعة أسوق؛ لأنه ما دون الخمسة إلا الأربعة من الأعداد، نعم، وفي المسند حديث: الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة، فلم يصل إلى ما دون الخمسة من الكسور، طيب احتاج في العرية أن يأكل هو وأولاده، لكن هذا فقير عنده بيوت، أربعة بيوت مملؤة بالنساء والذراري والأحفاد والأولاد، فاشترى خمسة أوسق فانتهت قبل أن ينتهي ما يسمى بالمقياض، تعرفون المقياض؟ وقت أكل التمر الرطب في وقته يعني، فاحتاج إلى خمسة ثانية هل يجوز له أن يشتري خمسة ثانية بتمر؟ أو يقال: لا، حد لك الشرع خمسة واستوفيتها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(82/15)
نعم، يعني كل بيت خمسة، يعني له أن يأخذ عشرين وسق، رخص في العرية يأخذها أهل البيت، يعني وأهل البيت الثاني لهم مثلها، وأهل البيت الثالث لهم مثلها، وأهل البيت الرابع لهم مثلها، أو نقول: إن هذا الرجل الذي يريد أن يعقد الصفقة ليس له أن يأخذ أكثر من خمسة، إنما يأخذ خمسة فما دون على الخلاف في الخمسة، المقصود أنه فيما دون خمسة أوسق الأمر فيه سعة، لكن إذا احتاج إلى ذلك، المسألة فيما إذا احتاج أكثر من الخمسة، أصل المسألة رخصة، والرخصة جاءت على خلاف الأصل، على خلاف الدليل للحاجة والحاجة تقدر بقدرها عند أهل العلم، إذا كان يكفيه وسق واحد، الحاجة تقدر بقدرها، ولذلك قال: الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة، فكأن الواو هذه بمعنى (أو) التي هي للتقسيم، إذا كان يكفي واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة، وإذا تعدى ذلك للخمسة مع أنه لا يحتاج إلا لواحد، الآن الوسق ستون صاعاً، نعم، والصاع قل: ثلاثة كيلو أو كيلوين ونصف، ستون صاع يعني مائة وخمسين كيلو، فإذا احتاج إلى خمسة من مائة خمسين سبعمائة وخمسين كيلو، هذه تكفي أكبر عائلة، يعني في ظروفنا التي نعيشها، لكن عندهم هم ولا طعام إلا التمر والماء، يحتاجون إلى أضعاف ذلك، الحاجة تقدر بقدرها، والرخصة جاءت على خلاف الأصل، إذاً لا يأخذ أكثر من حاجته، لكن إذا احتاج إلى أكثر من الخمسة، هل نقول: إن الرخصة جاءت في الخمسة فما فوقها لا يجوز؟ هذا هو الأصل، مهما بلغت أسرته لا يزيد عن الخمسة، وهل يقاس على غير التمر؟ هل يقاس غير التمر عليه؟ غير التمر، احتاج إلى عيش؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هي النخل.
طالب:. . . . . . . . .(82/16)
لكن احتاج إلى عيش، وعنده عيش يابس من عيش العام الماضي واحتاج إلى رطب، الرخصة لا تتعدى محلها، الأمر الثاني: أن غير التمر الحاجة إلى يابسه أشد من الحاجة إلى رطبه، فإذا كان عنده أربعة أوسق من البر الجاف الذي من أجود الأشياء للاستعمال، والحب عموماً كلما طالت مدته زادت جودته، إن سلم من سوس، هل يقال: إنه يقاس على التمر ما في معناه من الربويات فيجوز للحاجة بهذا المقدار؟ أو يقال: إن الحاجة للأكل الرطب إنما هو في التمر خاصة، وإذا قلبنا المسألة صاحب الزرع خلِّ المحتاج هو صاحب الزرع عنده حب عيش بر في سنبله، ما تم نضجه، بدا صلاحه ولم يتم نضجه، واحتاج إلى عيش جاهز للاستعمال، هل نقول: من باب القياس على العرية في النخل، أن لهذا أن يأخذ من الصالح للاستعمال بشيء من ثمرة بستانه التي لم تصلح بعد للاستعمال وإن بدا فيها الصلاح؟ يعني لاحظنا حاجة المحتاج في التمر فهل نلاحظ حاجة الغني في غير التمر؟ وأنت افترض مسألة في مزارع لا يجد ما يشتري به عيش جاهز، وعنده عيش غير جاهز، يعني عكس العرية، يعني هل القياس يدخل في الرخص أو لا يدخل؟ يدخل القياس في الرخص وإلا ما يدخل؟ الآن متصورين المسألة؟ يعني في مسألة العرية على التفسير الأول لاحظنا حاجة المحتاج، وعلى التفسير الثاني لاحظنا حاجة صاحب النخل، صاحب البستان، فهل نلاحظ حاجة صاحب الزرع إذا أراد حباً جاهزاً للأكل، جاهز، الحب الآن بدأ يشتد وبدا صلاحه، لكنه غير جاهز للاستعمال إلا بعد مدة شهر أو شهرين، فهل نقول له: إذا كان عند أحد من الحب الجهاز الاستعمال يجوز أن يعريك منه بشيء من حبك غير الجاهز أو لا؟ العكس العرية التي في النخل؛ يعني مو متصور المطابقة، الإخوان معنا وإلا ما هم معنا؟ يعني هل يمكن تطبيق التنظير بين البر وبين التمر من كل وجه؟ أو أن الحاجة في البر تختلف عن الحاجة إلى التمر؟ عكس الحاجة إلى التمر، يعني قلنا: حاجة المحتاج إلى التمر ليأكله رطب، البر لا يؤكل رطب إنما يأكل جاف، يعني الآن نتصور الفقير المحتاج عنده بر رطب، يمكن نتصور هذا وما عنده بستان؟ ما عنده، عنده جاهز للاستعمال، والمزارع هو الذي عنده رطب غير جاهز للاستعمال، فهل ننظر إلى حاجته كما(82/17)
نظرنا إلى حاجة المحتاج الأول، ونجيز له العرية بخمسة أوسق فما دون، الأصل ألا يقاس على ما جاء في التمر، نعم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها, نهى البائع والمبتاع" متفق عليه.
وفي رواية: وكان إذا سئل عن صلاحها? قال: "حتى تذهب عاهته".
وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى تزهى.
تزهيَ.
أحسن الله إليك.
حتى تزهي، قيل: وما زهوها? قال: "حتى تحمار وتصفار" متفق عليه, واللفظ للبخاري.
وعنه -رضي الله تعالى عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع العنب حتى يسود, وعن بيع الحب حتى يشتد" رواه الخمسة إلا النسائي, وصححه ابن حبان والحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها" نهى البائع والمبتاع، نهى البائع أن يبيع قبل بدو الصلاح، ونهى المشتري أن يشتري قبل بدو الصلاح، وفي رواية: وكان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إذا سئل -راوي الحديث- عن صلاحها، قال: "حتى تذهب عاهتها" لأنها معرضة للآفة وللتلف قبل بدو صلاحها، وقبل خروج النجم الذي هو الثريا؛ لأن الله جعله علامة على ارتفاع العاهة، وإلا فلا أثر له في الحقيقة، لكن خروجه علامة على أنه وصل إلى الوقت الذي فيه الآمان من العاهة.(82/18)
"عن. . . . . . . . . الثمار حتى يبدو صلاحها" والصلاح يكون باللون، نهى بيع الثمار حتى تزهي، قيل: وما زهوها قال: تحمار أو تصفار، هذا بالنسبة للتمر، وبالنسبة للعنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد، هذا صلاحها، التمر حتى يحمار أو يصفار، وبالنسبة للعنب حتى يسود، وهذا في العنب الأسود، وفي الأحمر حتى يحمر، وفي غيره مما لا يختلف لونه سواء كان بدا صلاحه أو لم يبدو في أول أمره أو في أخره، مثل هذا حتى يتموه حلواً، وعن بيع الحب حتى يشتد يصلب هذا علامة بدو الصلاح، فإذا طلع النجم وهو الثريا أمنت العاهة بأذن الله، إذا تموه العنب حلواً أمنت عاهته، إذا اشتد الحب أمنت عاهته، إذا احمار أو اصفار التمر أمنت عاهته، والبيع قبل ذلك لا يجوز، لا البيع ولا الشراء؛ لأنه تعريض للمال للتلف، وقد جاء النهي عن إضاعة المال، وتكثر بسببه الخصومات والنزاع؛ لأنه إذا لم يحمار أو يصفار أو يشتد أو يسود تكثر الخصومة، يصير عرضة للتلف، ثم يحصل الشقاق والنزاع، البائع يقول: بعتك ولا. . . . . . . . . وتفرقنا، ولزم العقد، والمشتري يقول: فرطت بالسقي، نقصت الماء، زدت الماء؛ لأنه في هذه المرحلة قبل بدو الصلاح عرضة للتلف، وعرضة للآفة، وما كان سبيله أن يؤدي إلى شقاق أو نزاع يمنع شرعاً، أما إذا بدا صلاحه فإنه حينئذٍ يؤمن العاهة، ولذا إذا بيع قبل بدو الصلاح بشرط القطع يجوز وإلا ما يجوز؟ لأنه. . . . . . . . . في حجة للمشتري أن يقول: أغرقته بالماء، أو شححت عليه بالماء بشرط القطع، إذا اشتراه المشتري قبل بدو صلاحه بشرط القطع يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، لماذا؟ لأنه ما في شقاق ولا نزاع، لن تتركه مدة بحيث تدعي على البائع أنه قصر في سقيه أو زاد فيه حتى تلف، بشرط القطع اشتر واقطع، كونك تستفيد أو لا تستفيد أنت ما أنت مشتريه إلا من أجل فائدة، للبهائم أو لأي أمر آخر، تدخله في صناعة، في شيء هذا شأنك، لكن مثل هذا لا يؤدي إلى شقاق ولا نزاع، ولذا أجازوه بشرط القطع، أما الذي لا يجوز حتى يبدو صلاحه بشرط البقاء.(82/19)
الصلاح في الثمرة هل يكفي بدو الصلاح في نخلة واحدة؟ أو في جنس واحد من النخل؟ أو في البستان كله في كل نخلة نخلة؟ بدو الصلاح وهو ظهوره لا يلزم أن يكون في كل تمرة تمرة، صح وإلا لا؟ لأن معنى بدوه ظهوره يعني أوله، لا يلزم أن يكون في كل تمرة تمرة، لكن هل يلزم أن يكون في كل نخلة نخلة، هذه بدا صلاحها يجوز بيعها، وهذه لم يبدو صلاحها فلا يجوز بيعها، هذا الجنس بدا صلاحه يجوز بيعه، وذاك الجنس لم يبدو صلاحه، هذا النوع ما بدا صلاحه لا يجوز بيعه، تعلمون أن النخل بعضه يسبق بعضاً بالصلاح، والصلاح هي للأكل، بعضه يتقدم وبعضه يتأخر، فإذا كان من النوع الذي يتقدم بدا صلاحه، وأما النوع الذي يتأخر لم يبدو صلاحه يجوز بيعه وإلا ما يجوز بيعه؟ يعني هل يكفي بدو صلاح نخلة واحدة في البستان للحكم على البقية؛ لأن اللفظ يبدو يحتمل صلاح البستان كله، ويحتمل صلاح النخلة بمفردها، ويحتمل صلاح النوع بجملته، يعني ما في تفاوت في صلاح النخل؟ بعضها ينزل إلى السوق قبل بعض بشهر وشهرين، بعضها يبادر وبعضها يتأخر؟ يعني هل صلاح المبادر يكفي لبيع الذي يتأخر أو لا يكفي؟ يعني طلوع النجم مثلاً طلوع الثريا الذي معه تؤمن العاهة، ويحصل معه بدو الصلاح هل مع طلوع النجم يبدو صلاح جميع الأنواع؟ المسألة يا الإخوان دقيقة، علق بطلوع النجم الذي هو الثريا، وعلق ببدو الصلاح، ومعلوم أن بعض النخل يتقدم وبعضه يتأخر، نوع يتقدم ونوع يتأخر، بدا صلاح المتقدم وطلع النجم نبيع المتأخر وإلا ما نبيعه؟ يُباع وإلا ما يُباع؟ طلع النجم الذي معه تؤمن العاهة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(82/20)
إيه لكنها وضعت سبب وعلامة، وضعت علامة على أمن العاهة، بمعنى أن طلوع النجم هل هو سبب مستقل يمكن أن يعلق عليه الحكم أو الأصل بدو الصلاح؟ وطلوع النجم وقت له في الغالب، يعني التعليق على بدو الصلاح، وبدو الصلاح هل يلزم في كل نخلة نخلة؟ عندنا مائة نخلة سكري ومائة نخلة خضري، مائة نخلة صفري، مائة نخلة برحي، هذه المئات بعضها يتقدم صلاحه على بعض، بعضه يتقدم وبعضه يتأخر، هل وجود الصلاح في نخلة من أي نوع من الأنواع يجيز بيع البستان كامل؟ أو نقول: بدو نخلة شيء من ثمر نخلة ما هو بكل النخلة بعد، بدا فيها الصلاح يعني ظهر فيها لأول الأمر الصلاح في نخلة، يجيز بيع هذه النخلة أو يجيز بيع النوع من جنسها؟ أو يبيح بيع جميع البستان، شوف "عن بيع الثمار حتى يبدو وصلاحها" على كل حال المسألة فيها ثلاثة أقوال: على حسب الاحتمالات التي ذكرناها، منهم من يقول: بدو الصلاح يكفي في نخلة وحدة؛ لأنه بدا صلاح نخل هذا البستان، ومنهم من يقول: لا بد أن يكون في جنس تلك الثمرة المبيعة، يعني بدا الصلاح بالبرحي ما نبيع السكري، بدا الصلاح في الخضري ما نبيع الصفري حتى يبدو صلاحه؛ لأنه في الغالب أن يكون صلاح النوع الواحد متقارب جداً، وبعضه من الأنواع الأخرى قد يتقدم وقد يتأخر، ومنهم من يرى أنه لا بد يبدو الصلاح في كل شجرة، ولا يجوز بيع شجرة لم يبدو صلاح ثمرها، واللفظ: "يبدو صلاحها" محتمل، نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، اللفظ محتمل للنخلة الواحدة وللنوع الواحد وللبستان بكامله، ولا شك أنه إذا جرت العادة بأنه إن كان الصلاح متلاحقاً يعني بدأ صلاح هذه النخلة اليوم، وغداً هذه، وبعده هذه، إذا كان متلاحق لا إشكال، لكن إذا كان يتأخر، وبعض النخل يتأخر شهرين، فمثل هذا لا بد أن يبدو صلاح نفس النوع، وأما بيع الثمار قبل بدو صلاحها بشرط القطع عرفنا أنه أجازه جمع من أهل العلم؛ لأن المفسدة المترتبة على بيع الثمار قبل بدو صلاحها غير موجودة.(82/21)
حديث: "أنس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى تزهي" تزهي من أزهى الرباعي، ومضارعه يزهي، حتى تزهي، ومنهم من يقول: من زهى الثلاثي، ومضارعه يزهو، ولكن الخطابي يقول: الصواب الرباعي.
"قيل: وما زهوها؟ قال: تحمار وتصفار" تحمار وتصفار، تحمار، وفيه: تحمر، قالوا: إن هذه الصيغة (تفاعل) هي البداية، بداية الحمرة، بداية الصفرة، وهي حمرة أو صفرة بكمودة، وهو الموافق لتبدو، فلا يلزم أن تكون الحمرة خالصة أو الصفرة خالصة، يعني مجرد ما يبدأ بها تغير اللون إلى الاحمرار أو الاصفرار يكفي، وفي حديث أنس الذي يليه، وهو صحيح أيضاً:
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع العنب حتى يسود" وعرفنا أنه إذا كان نهايته إلى السواد، والعنب منه الأسود، ومنه الأحمر، ومنه الأبيض، فالأسود حتى يسود، والأحمر حتى يحمر، والذي لا يختلف لونه في بداية أمره ولا نهايته أن يتموه حلواً.
"وعن بيع الحب حتى يشتد" يصلب ويصلح للاستعمال، وأما قبل ذلك فلا يجوز؛ لأن الآفة غير مأمونة، ويخشى عليه من التلف فيحصل الشجار والنزاع والخصام، نعم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو بعت من أخيك تمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق?)) رواه مسلم.
وفي رواية له: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الذي باعها إلا أن يشترط المبتاع)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو بعت من أخيك تمراً فأصابته جائحة, فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق?)) وفي رواية والحديث مخرج في مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح.(82/22)
الجائحة، وجمعها الجوائح مشتقة من الجوح، وهي الاستئصال، وفي الحديث: "أن أبي يجتاح مالي" تأتي المصيبة وتأتي الكارثة فتجتاح ما أمامها من مال وولد وغيره، فالذي يأتي على الاستئصال يقال له: جائحة، لو بعت من أخيك تمراً فأصابته جائحة، بعت منه تمراً وتركه عندك حتى أصابته الجائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ الآن البيع هذا قبل بدو الصلاح أو بعده؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((بم تأخذ مال أخيك؟ )) يعني إذا بعت بعد بدو الصلاح بعد الإذن بالبيع، وقبض التمر بالتخلية؛ لأن هذا قبضه المعتبر، وأخذت قيمته بعد تلفه أنت أخذت قيمة مالك وإلا مال أخيك؟ الحديث يحتاج إلى إمعان في النظر؛ لأنه يقول: ((بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ )) إذا بعت على الوجه المشروع، انتظرت حتى بدا الصلاح، فبعت، وقبضت، والقبض حينئذٍ بالتخلية، صار الدراهم الذي عنده في مقابل هذا الثمر مالك وإلا مال أخيك؟ مالك أنت، وفي الحديث يقول: ((بم تأخذ مال أخيك؟ )).
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، البائع، البائع كيف يأخذ مال أخيه؟ أنا بعت عليك نخل بدا صلاحه، بعت عليك تمر بمائة ألف ريال بدا صلاحه، وقلت لك: استلم، تعال استلم تمرك، ودرت فيها وقلت: خلاص اشتريت، وهذه القيمة مائة ألف، بعد مدة وقبل أن تستوفيه استفاء الفعل بأن تجذه أصابته جائحة وانتهى، ونعرف جميعاً أن الماء يفسد الرطب، نزل المطر ففسد، المال الذي أخذته منك المائة ألف مالي وإلا مالك؟ مالك أنت، أنا البائع، إذاً صار المال لي، وأنت قبضت تمرك، والرسول يقول: ((بم تأخذ مال أخيك؟ )) أنا في هذه الصورة ما هو بمال أخي هو مالي.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . لو قال: ابتعت من أخيك، يقلب المعنى اللي بتقوله أنت، هذا فيه قلب للمعنى، أنا بعت عليك تمر بسر ما هو بتمر، ملون، بدا صلاحه، وقبضته بالتخلية قبضاً شرعياً معتبراً، وأعطيتني القيمة، وتصرفت في هذه القيمة، دخلت فيها مساهمة وخسرت مائة ألف كاملة، فأصابت التمر جائحة، أرد عليك المائة وإلا ما أردها عليك؟
طالب:. . . . . . . . .(82/23)
لا افترض أنه ما أهمل، افترض أن شخص ما أهمل، أرد عليك المائة ألف باعتباره مالك، بالنسبة لي مال أخي كيف استحله؟ أو أن المال مالي لأنه في مقابل ثمرتي التي بعتها بعد ما أذن لي ببيعها، وقبضها صاحبها؟ نريد أن نتوصل بهذا إلى أن من أهل العلم من قال: إن البيع، والأمر بوضع الجوائح بالنسبة لمن باع قبل بدو الصلاح، خالف وباع قبل بدو الصلاح، يعني أنا ما أذن لي أن أبيع، ما بدا صلاحه، فالبيع ليس بصحيح، فالمال مال أخي كيف أستغله؟ ظاهر الفرق بين الصورتين وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه في الحالة الأولى وهو بعد بدو الصلاح أنا أذن لي أن أبيع ببدو الصلاح، وبعت على الوجه المشروع، وقبضت الدراهم وصرفتهن، انتهت، المال مالي وإلا مال أخي؟ نعم، مال البائع؛ لأنه باع مالاً مأذون له في بيعه، وحينئذٍ يكون ماله والمشتري قبض المبيع قبضاً شرعياً معتبراً بالتخلية، كونه يتلف من ضمان البائع وإلا من ضمان المشتري؟ من ضمان المشتري؛ لأن البيعة تمت على الوجه الشرعي المأذون فيه، والمال صار مال البائع ما هو بمال المشتري، وفي الحديث يقول: بما تأخذ مال أخيك، بهذا يقول: من يرى أن الصورة منزلة على البيع الذي حصلت فيه المخالفة، وصار البيع قبل بدو الصلاح؛ لأن المال ما هو بمال البائع، ما أذن له بالبيع، فالمال لا يحل له، فليس له، وحينئذٍ يلزمه أن يعيده إليه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما عنده مانع، يقطفها الآن.
طالب:. . . . . . . . .
ليش ما يأذن؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، يأذن له بقطف الثمار، ما عنده أدنى إشكال البائع، لكن المشتري لن يقطف حتى يتم الصلاح، منهم من يقول: ينزل على جميع الصور، حتى في الصورة المأذون فيها توضع الجوائح، فيحمل البيع على عمومه قبل بدو الصلاح، وبعد بدو الصلاح، وبما يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق، يعني باعتبار ما كان لأنك استوفيت الثمن، ولا وفيت السلعة، فحملوه على عمومه، فيما بدا صلاحه، وفيما لم يبدو صلاحه، وجاء الأمر بوضع الجوائح.
طالب:. . . . . . . . .(82/24)
إذا كانت أمانة كيف يضمن؟ إذا قلنا: أنه أمين كيف يضمن؟ أما إذا فرط وتعدى، وزاد في الماء أو نقص من الماء كونه يضمن ظاهر، كون البائع يضمن لأنه قطع الماء، قال: والله هذا النخل إن أراده صاحبه يسقيه وإلا بكيفه، فمثل هذه الحالة يضمن، أو زاد عليه الماء من أجل أن يتلف في هذه الحالة يضمن؛ لأنه متعدي، لكن المسألة طبيعية آفة ما حسب لها حساب، فالأمر بوضع الجوائح، منهم من يقول: على سبيل الإلزام، وحينئذٍ تذهب الثمرة على صاحبها على البائع، ولا شيء على المشتري، ومنهم من يقول: هذا على سبيل الاستحباب، وينبغي أن يسود مثل هذا بين المسلمين، لكن إذا قلنا على سبيل الاستحباب، وقلنا: لصاحب البستان اضمن القيمة كاملة استحباباً وحثثناه على ذلك، لاحظنا مصلحة المشتري على حساب البائع، والأصل في الأحكام الشرعية أنها متوازنة وعادلة بين الأطراف كلها.
جاء في الحديث -حديث أبي سعيد- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر الناس أن يتصدقوا على الذي أصيب في ثماره، يعني يتعاونون معه، الذي أصيب في ثماره هل هو البائع وإلا المشتري؟ يعني العقد الذي حصل بعد الإذن ببدو الصلاح، وبعد القبض بالتخلية وهو قبض شرعي معتبر، وانتقل المال من ضمان البائع إلى ضمان المشتري؛ لأنه انتقل إليه الملك، وقد أمر البائع بوضع الجوائح، وأمر الناس أن يتصدقوا على من أصيب بالجائحة، أمر البائع بوضع الجائحة لا شك أنه على سبيل الاستحباب، وهذا الذي يجري على قواعد الشرع؛ لأن البيع صحيح مأذون فيه، مكتمل الشروط والأركان، فالأمر بوضع الجائحة هنا على سبيل الاستحباب إن لم يحمل البيع على غير المأذون به، كما قال بعض أهل العلم، بدليل أنه قال: ((بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ )) وأنت إذا بعته بعد الإذن لك شرعاً صار ملك بحق، وأنت تأخذه بحق، وكون الناس يتصدقون على من أصيب بجائحة هذا أمر شرعي مقرر، فرفع الضرر عن المتضرر من المسلمين أمر لا بد منه، وجاء في حديث قبيصة بن المخارق لما تحمل الحمالة ذكر فيمن يتصدق عليه، وأن المسألة تحل له.(82/25)
في الحديث الأخير حديث "ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ابتاع)) يعني من اشترى ((نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع الذي باعها إلا أن يشترط المبتاع)) من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر يعني: تلقح، واللقاح يكون بذر شيء من طلع الذكر على شيء من طلع النخلة الأنثى، هذا التأبير، وهذا هو التلقيح ((من ابتاع نخلاً)) يعني من اشترى نخلاً ((بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع)) يعني قبل بدو الصلاح أو بعده؟ كيف يجوز بيعه قبل بدو الصلاح؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه الثمر ما زال، مؤبر، نعم؟ لا هو باع قبل بدو الصلاح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم البيع للنخل ما هو للتمر، البيع للنخل وليس للتمر، والتمر يكون تبعاً لا استقلالاً، وإلا لو بيع استقلالاً ما جاز؛ لأنه قبل بدو الصلاح، فإذا باع النخل بعد أن تعب البائع وأبرها ولقحها، فالثمرة للبائع إلا إذا اشترطها المشتري وقال: اشتريت النخل بثمرته، وحينئذٍ يكون له، هذا قول الجمهور عملاً بالحديث بمنطوقه ومفهومه، يعني مفهومه أنه إذا ابتاع النخل قبل أن تؤبر الآن بعد أن تؤبر الثمرة لمن؟ للبائع، وقبل التأبير قبل التلقيح مفهومه؟ للمشتري، مفهومه للمشتري، لكن أبو حنيفة، وهو لا يعمل بمثل هذا المفهوم، مفهوم المخالفة، قال: الثمرة للبائع، قبل التأبير وبعده، لماذا؟ بناء على أصله على عدم العمل بمفهوم المخالفة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(82/26)
الحديث منطوقه أن الثمرة بعد التأبير لمن تعب عليها وهو البائع إلا أن يشترطها المبتاع، فيقول: المشتري ترى بالثمر، النخل بالثمر، ومفهوم الحديث أنها قبل التأبير الثمرة لمن؟ للمشتري، الحديث له منطوق ومفهوم، مفهومه ومنطوقه معمول به عند الجمهور، عند الحنفية عملوا بمنطوقه دون مفهومه، وجعلوا ما تضمنه المفهوم مثل ما تضمنه المنطوق الكل للبائع، ولا شك أن اعتبار المفهوم مقرر في النصوص الشرعية، إلا إذا عورض المفهوم بمنطوق أقوى منه فإنه حينئذٍ يلغى إذا عورض بمنطوق أقوى منه، فإنه يلغى، ففي قوله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنه لو استغفر لهم واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم، لكن هذا المفهوم معارض بقوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] وحينئذٍ يلغى المفهوم، {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [(31) سورة الإسراء] هذا له مفهوم، لكن مفهومه ملغى؛ لأنه معارض بمنطوق أقوى منه، وإلا فالأصل أن المفهوم معتبر، ندخل في الباب الذي يليه.
سم.
أحسن الله إليك.
أبواب السلم والقرض والرهن
عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين, فقال: ((من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم)) متفق عليه.
وللبخاري: ((من أسلف في شيء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
أبواب السلم والقرض والرهن:(82/27)
السلم تقديم الثمن في مجلس العقد، مع تأخير المثمن إلى أجل مسمى، ولا بد من الأجل عند الجمهور، وأجازهم بعضهم في الحال، ولا بد أن يسلم الثمن في مجلس العقد، ولا يجوز أن يكون ديناً؛ لأنه يكون بيع دين بدين، فصورة السلم أن يأتي صاحب السلعة التي لا يمكن تسليمها إلا بعد مدة، مدة يكون لها وقع في الثمن كالثمر، كالتمر مثلاً، أو البر، يأتي المزارع المحتاج إلى المال إلى التاجر فيقول: الصاع من البر عندي بعشرة، لكن الثمرة لا يمكن الحصول عليها إلا بعد ستة أشهر، أنا أريد منك ألف ريال، أنا محتاج إلى ألف ريال، وأعطيك بعد ستة أشهر مأتي صاع بدل مائة، هذا سلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قدم المدينة وهم يسلفون، والسلم هو السلف بمعنى واحد، والسلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق، القرض دفع المال لمن يحتاج إليه على أن يرده من غير زيادة ولا نقصان، وأما الرهن فهو توثقة دين بعين يمكن الاستيفاء منها، أو من قيمتها عند الحاجة.(82/28)
"عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين" السنةَ يقولون: منصوب على نزع الخافض "قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين" يقول: تعطيني ألف على أن أعطيك مائتي صاع بعد سنة، أو ثلاثمائة صاع بعد سنتين، نعم "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم)) " كيل معلوم مائة صاع، مائتي صاع، ثلاثمائة صاع، خمسين صاع، لا بد أن يكون الكيل معلوماً، ((ووزن معلوم)) إذا كان المبيع المسلم فيه مما يوزن، مائة كيلو، مأتي كيلو، ثلاثمائة كيلو .. إلى آخره، ((إلى أجل معلوم)) إلى يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، لا بد من هذا لقطع دابر الشقاق والنزاع، إذ لو لم يعلم الكيل والوزن لادعى باذل النقود والدراهم أكبر قدر من السلعة المباعة، وادعى صاحب السلعة أقل قدر يقول: أسلفتك على مائتين، ويقول: لا أنا ما أسلفتك إلا على مائة، فلا بد من تحديد الكيل والوزن، والأجل أيضاً، هنا أسلفتك إلى ثمرة هذه السنة، ويقول: لا أنا استلفت منك إلى ثمرة السنة بعد القادمة، فيحصل الشقاق والنزاع، فلا بد من الوضوح، أن يكون الكيل والوزن معلوم، والأجل معلوم أيضاً، ومكان التسليم إذا كان له أثر لا بد من التنصيص عليه، إذا كان له أثر.
"وللبخاري: ((من أسلف في شيء)) " لأنه في الحديث: ((من أسلف في ثمر فليسلف)) وللبخاري .. ، وفي بعض الروايات: ((من أسلف في تمر)) والثمر أعم من التمر، التمر خاص بالنخل، والثمر عام للنخل وغيره، وأعم منه من أسلف في شيء، ولذا من أهل العلم من يرى اختصاص السلم بالثمار، ومنهم من يطرده في كل شيء حتى في المصنوعات.(82/29)
اشترطوا أن يكون المال مدفوع في مجلس العقد، وتجاوزا عن يوم أو يومين، وأيضاً اشترطوا أن يكون المسند فيه مؤجل أجلاً له وقع في الثمن، إذا كان المسلم فيه لا يكال ولا يوزن فإن كان مما يعد فبعدده، وإن كان من المصنوعات فبوصفه الدقيق الذي لا يختلف، هل يمكن ضبط .. ؟ هل يشترط في السلم أن يكون الطرف الثاني مالك لأصل السلعة أو لا يشترط؟ يعني هل لواحد منكم أن يذهب إلى تاجر ويقول: أنا محتاج إلى خمسين ألف سلمها الآن، وبعد شهرين أنا أسلمك سيارة هيلكس (2006) وهذه مواصفاتها، أنت عندك مصنع تصنع له بحيث تفي بجميع ما اشترط له؟ أو ليس عندك مصنع؟ ما عندك مصنع، هل يشترط أن تكون مالك لأصل السلعة أو لا يتشرط؟ من أهل العلم من يشترط، ومنهم من لا يشترط، والحديث الثاني الذي يليه فيه إشارة إلى شيء من هذا، نعم؟
وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنهما- قالا: "كنا نصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام, فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب، وفي رواية: والزيت إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع? قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك" رواه البخاري.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنهما- قالا: "كنا نصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني يتوفر لدينا مال بسبب المغانم التي هي أطيب المكاسب، ولكننا نحتاج إلى الطعام "كنا نصيب المغانم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يأتينا أنباط" وهؤلاء أقوام من العرب دخلوا في غيرهم من الأمم من العجم من الفرس والروم، فاختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، وسموا بذلك لخبرتهم باستنباط الماء وإنباطه من جوف الأرض، وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام,(82/30)
"فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب" يعني نعطيهم الأموال التي نغنمها ونقول لهم في يوم كذا تحضرون لنا كذا من الحنطة والشعير والزبيب وغيرها من الثمار "والزيت إلى أجل مسمى، قيل: أكان لهم زرع?" يعني هذا الشخص الذي أسلمته وأسلفته وأعطيته المال مقدماً له زرع وإلا ما له زرع؟ بيعطيك من مزرعته أو بيشتري لك ويجيب لك؟ "قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك" على هذا يجوز أن يكون المسلم معه غير مالك لأصل السلعة، على هذا لو أسلم في سيارة وهو لا يملك مصنع، في كتب وهو لا يملك مطبعة يجوز؛ لأنهم ما كانوا يسألونهم هل عندهم زرع وإلا ما عندهم زرع؟ هل هو من مزارعهم أو ليشتروا بها فيما بعد؟ طيب شخص مؤلف عالم يؤلف كتب يأتي صاحب المطبعة ويقول: هذه مائة ألف الآن، وتأمل لي تفسير مكون من خمسة مجلدات، وهذه صفته تعطيني في كل سنة مجلد أطبعه، خلال الخمسة السنوات يكون الكتاب جاهز في الأسواق يباع، مطبوع وجاهز، سلم وإلا ما هو بسلم؟ نعم؟ الآن الثمن مدفوع في مجلس العقد، والمثمن يسلم على التدريج أخره بعد خمس سنوات، يجوز وإلا ما يجوز؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا مالك لأصل السلعة عنده كتب ومراجع وعنده قدرة وعنده أهلية، والذي يغلب على الظن أنه خلال السنوات المعدودة المدة كافية للتأليف إلا إذا حصل هناك عارض ومانع، مثل ما يحصل للسلع من الجوائح والثمار.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو العالم قد يموت والثمرة قد ينزل عليها آفة وتجتاحها والغيب غيب، لكن الأصل مبني على أنه هذا عنده قدرة، ويغالب على الظن أنه يوفي بما التزم في المدة المعلومة.(82/31)
مقتضى قوله: ((بم تأخذ مال أخيك؟ )) أنه بيع غير مأذون فيه، والأمر بوضع الجوائح على سبيل الاستحباب هذا يتجه إلى كل بيع، لكن دعونا في مسألتنا الآن، وهي مسألة عملية العلم الآن قد يكون محتاج إلى مبلغ من المال يعينه على مسيرته العلمية، ويعينه على أمور ديناه، محتاج إلى مائة ألف فقال له صاحب دار نشر: هذه مائة ألف الآن شيك، الآن استلمها على أن تسلمني تفسير في خمسة مجلدات، كل مجلد فيه أربعين أو خمسين ملزمة مثلاً، يحدد، وفي كل صفحة كذا سطر، يحدد بحيث يكون معلوم تمام العلم للجميع، وأما جودة المؤلف وعدم جودته فهي تابعة لجودة المؤلف، هو ما جاء إلا وهو يعرف مستوى التأليف بالنسبة لهذا الشخص، فلا جهل ولا غرر ولا جهالة ولا شيء، فهل مثل هذا يلحق بالسلم أو لا يلحق؟ وهل يختلف الأمر فيما إذا كان العلم مما يبتغى به وجه الله من العلوم الشرعية أو غيرها من العلوم؟ قال: أنا بحاجة قاموس مثلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو يرد عليه إذا كان مما يبتغى به وجه الله وهذا ما ألفه إلا من أجل مائة ألف يصير وإلا ما يصير؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ هذا المؤلف ما ألف إلا من أجل المائة ألف، صار تأليفه من أجل الدنيا، وهذا لا يجوز بحال، أما إذا قال: افترض أنه ألف تفسير من غير دافع للنفع العام، ثم جاء من يشتريه منه، إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله، يعني ما ألفه ما الدافع لتألفيه الدنيا، إنما ألفه يبتغي به وجه الله، ثم جاءته الدنيا تبعاً هذا لا يضر، لكن كونه يؤلفه من أجل الدنيا هذا الذي يضر.
لكن افترض المسألة فيما لا يبتغى به وجه الله، أنا أريد كتاب تاريخ في مجلد أنا بعطيك عشرين ألف خلال سنة تحضره لي، يصح وإلا ما يصح؟ ما في ما يمنع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(82/32)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (10)
تابع: باب الربا
الشيخ: عبد الكريم الخضير
يقول: ما المقصود بكلمة العرايا؟
العرايا: هي ما استثني من المزابنة، من بيع التمر الرطب باليابس، وجاء الاستثناء: إلا العرايا، والمقصود بذلك النخلة والنخلات يعريها صاحبها أو من احتاج إليها، ثم يتضرر بذلك، فيشتريها بخرصها، بقدر ما تصل إليه من صاع، من مكاييل، بخرصها، يعني تخرص وهي على رؤوس النخل، يقدر ما فيها وهي على رؤوس النخل، هذه النخلة، أو هذه النخلات، فيها أربعة أوسق، يعطى من التمر الجاف أربعة أوسق، بقدرها، وهنا لا تتحقق المماثلة، ولذا استثنيت من المزابنة المحرمة.
يقول: ذكرت بالأمس أن المقصود بالنهي عن أخذ المال فيما لو باع أحد من أخيه تمراً فأصابته جائحة، لو كان هذا التمر لم يبدو صلاحه، ولكن ألا يدل قوله –عليه الصلاة والسلام-: ((لو بعت)) على صحة البيع والانعقاد؛ لأنه لو لم ينعقد البيع ويصح لم يقل: ((بعت))؟
البيوع منها المحرمة ومنها الجائزة، فالمحرم بيع، باعتبار أنه مبادلة مال بمال، فهو بيع، فيطلق على العقد الصحيح، ويطلق على المحرم أنه بيع، لكن قوله في الحديث: ((بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ )) يدل على أنه ليس مالاً له، ولو كان البيع صحيحاً لكان المال ماله، هذه وجهة نظر من يقول: إنه محمول على البيع قبل بدو الصلاح، وأما بعد بدو الصلاح فلا إلزام بوضع الجائحة، ومنهم من يحمله على البيع الصحيح بعد بدو الصلاح، وأنه ما دام القبض ليس بتام، وإنما هو بمجرد التخلية، فهو قبض شرعي معتبر، لكنه لم يحزه صاحبه إلى رحله، ما زال من ضمان البائع عند بعضهم.
يقول: إذا قلت في حديثك: قُرئ، فهل يعني أنها متواترة وربما تكون شاذة؟
نعم قد تكون هذا وقد تكون هذا.
مع أن القراءة المتواترة تنسب إلى قارئها، لكن إذا جُهل قارئها تقول: قرأ؟ الآن الحديث إذا ثبت ما تقول: يروى، أو يذكر، أو قيل، إذا ثبت تقول: قال فلان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو مباشرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لم تعرف الراوي، لكن القراءة إذا ثبتت ولم تعرف طالب، لا مانع أن تقول: قرئ.(83/1)
وهل عدم النهي عن البر والصلة {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ} [(8) سورة الممتحنة] والمكافأة بالمعروف، والقسط بالمشركين أمر بمولاتهم لها، فرق بين هذا وهذا، والأب والأم إذا أمراك بالشرك فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفاً، وهما يأمران بالشرك، لكن مع ذلك لا تجوز طاعتهما، والعقوق أيضاً لا يجوز.
يقول: ما رأيكم في كتاب الفتح الرباني، وشرحه للساعاتي؟
الفتح الرباني ترتيب للمسند، واختصار في الوقت نفسه، بحذف المكرر والأسانيد، وشرحه بلوغ الأماني لنفس الساعاتي المختصر، مختصر طيب وجيد في الجملة، إلا أن طالب العلم بحاجة إلى المكرر، بحاجة إلى الأسانيد ليتقوى ببعضها بعض، بحاجة ماسة إلى هذا، الاختصار يناسب غير المتخصصين، ويناسب من ظروفه لا تساعده على مطالعة المطولات، هو ترتيب للمسند على الأبواب، ومن هذه الحيثية نافع، والشرح في أوله أيضاً شرح طيب موسع، ثم بعد ذلك صار حاشية، اختصار شديد.
ما أفضل طبعات تحفة الأشراف؟
الطبعة الهندية عبد الصمد شرف الدين طيبة بالجملة، ما فيها إشكال، ثم بعد ذلك خرجت طبعة بشار، وهي أيضاً ممتازة.
مجمع الزوائد للهيثمي؟
فيه الطبعة الأولى طبعة القدسي، في عشرة أجزاء، لكنها لا تخلو من سقط وتحريف كثير، والكتاب لا أعرفه طبع محققاً كامل التحقيق يستحق أن يسمى تحقيق.
طالب: طرح التثريب رعاك الله؟
طرح التثريب فيه طبعة اللجنة، لجنة التأليف والنشر الأولى القديمة، فيها أخطاء يسيرة جداً، لكنها جيدة.
يقول: طلب مني والدي تحويل مبلغ ثمانمائة ريال سعودي إلى يمني عن طريق الصراف، وذلك بتحويلها إلى جدي في اليمن، فكيف تتم العملية، مع العلم بأني أخبرت والدي بعدم شرعية الصراف، ولكن لم يقتنع؟
ذكرنا أمس في قرار المجمع الفقهي أنك تصرفها حالاً، تحولها إلى ريال يمني، ولو لم تقبضه، بأن يثبت في ورقة الحوالة مبلغ كذا بالريالات اليمنية، وتحول هذه الريالات اليمنية، لكن لا شك أن الأكمل أن تقبض يداً بيد، ثم بعد ذلك تحول ما شئت.(83/2)
يقول: من المعلوم أن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب هو الملهم -رضي الله عنه- فهل حكم من اكتشف أنه خائن ضرب العنق؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أقره.
ما هي كفارة الريا؟
الريا: الشرك الأصغر، والكفارة من الشرك أن يدعو الإنسان بهذا الدعاء، ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)) مع أن مدافعة الريا واجبة.
لقد اشتريت سيارة ثم بعتها وقبضت الثمن، ولم يتبق منها شيء، فهل يلزم في ذلك زكاة؟
إذا حال الحول على هذا الثمن وجبت زكاته.
ما حكم بيع العربون؟ وما صحة الحديث الوارد في النهي عنه؟ وهل يشترط أن تكون السلعة موجودة في هذا البيع؟
بيع العربون يتفق البائع والمشتري بعد الإيجاب والقبول على دفع شيء من الثمن من قبل المشتري إلى البائع، ويتفقان على أنه إن تمت البيعة يكمل الثمن، وإن لم تتم فالعربون من نصيب البائع، نظير ما حبس من السلعة، وما فوته من زبائن، وجاء النهي عن بيع العربان والعربون، ولكن الحديث فيه ضعف، وعلى هذا من قال بجوازه بناء على أن المشتري فوت على البائع الزبائن، ضاع عليه بعض الوقت، وبعض الفرص، له وجه، ومن القضاة من يحكم به، ومن قال: بأنه أكل مال الأخ المسلم من غير مقابل فهذا صحيح أيضاً، فالمسألة اجتهادية ما دام الحديث ضعيفاً.
يقول: إنني اشتري بضاعة من بعض المحلات وأعطيه بطاقة الصراف لأخذ المبلغ، فما حكم ذلك؟
تشتري بضاعة غير ربوية، يعني مما يباع به نسيئة، لا مانع.
يقول: زكاة ذهب زوجتي يكون في الشهر السادس من هذه السنة، وقد بعته في الشهر الرابع، واشتريت بالمبلغ ذهباً جديداً، فإذا جاء الشهر السادس هل تلزمها زكاة الذهب القديم، أم انتظر العام القادم؟
تلزمك زكاة ما بيدك، إما أن يكون دراهم قيمة الذهب، أو ذهب جديد، ما بيدك تزكيه في وقته.
يقول: إذا اشتريت سيارة من وكالة تويوتا لغرض بيعها فهل يشترط إخراج السيارة إلى أحد المعارض، أم أنه يكفي تشغيلها وتحريكها قليلاً؟(83/3)
عليك أن تحوزها وتقبضها القبض الشرعي المعتبر، بأن تشغلها وتخرجها من الوكالة، فإن أعدتها إلى الوكالة بناء على أن هذه تم قبضها، فإذا تم قبضها القبض الشرعي المعتبر فكونك تبيعها وهي في الوكالة بعد أن قبضتها، أو تذهب بها إلى المعرض أو إلى مكانك، رحلك، فلا فرق -إن شاء الله تعالى-.
إذا قمت بتوكيل شركة تويوتا ببيع السيارة على طرف ثالث فما حكم الوكالة؟ وهل يلزم شركة تويوتا إخراجها إلى أحد المعارض؟
إذا وكلتهم وهم ثقات على أن يبيعوها إلى طرف ثالث، وكلت ثقة في بيعها على طرف ثالث، لاحتمال أن يشتريها هو الطرف الأول، وحينئذٍ تكون هي مسألة العينة، فإذا كانوا ثقات وتأكدت من بيعها على طرف ثالث، فالبيع صحيح -إن شاء الله تعالى-.
يعاني كثير من طلبة العلم خاصة المبتدئين من ضبط كتاب البيوع، سواء كان ذلك في الحديث والفقه، أو الفقه، فما هي الطريقة المثلى لضبط مثل هذه الأبواب؟(83/4)
باب البيوع مثل غيره من الأبواب، إلا أنها معاملات قد لا يحتاجها كثير من طلاب العلم، يمضي عليه السنون، يمضي عشر سنوات ما استعمل هذه الأبواب أو أكثر، ومنهم من لا يستعملها البتة، ولا يحتاج إليها فيصعب ضبطها؛ لأن العلم إنما يثبت بالعمل، الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، مسائل عملية تثبت بالمعاناة، فالعمل بالعلم هو الذي يثبته، الأمر الثاني: أن طريقتنا في التعليم والتعلم كثير منها جار على غير أساس ولا قاعدة، كثير من طلاب العلم نظراً لكيفية الدروس والجداول المرتبة الآن بعض طلاب العلم يتخبط، ما هناك ترتيب ومنهجية في الطلب، تجده مثلاً يحضر درس البلوغ، وهو ما يعرف شيئاً من عمدة الأحكام، ولا حفظ الأربعين، ما مشى على السلم، وما مشى على الجادة، لو ضربنا مثال في الفقه، يحضر الزاد، وهو ما يعرف العمدة، يحضر الزاد وهو ما قرأ قبله كتاب، ويحضر البيوع قبل أن يحضر الصلاة، معلومات مرتب بعضها على بعض، لذا بعض الناس يطالب بتجريد الكتب من الزوائد، الموفق لما ألف العمدة، ثم المقنع، ثم الكافي، ثم المغني، يقول: ما يصلح هذا كله تكرار، الذي في العمدة كله مكرر في المقنع، والذي في المقنع كله مكرر في الكافي، والذي في الكافي مكرر في المغني، إذاً لماذا لا نكتفي بالمغني الذي فيه جميع .. ، نقول: ليس بصحيح، تقرأ العمدة، تدرس العمدة، تحفظ العمدة، تحضر الشروح، تقرأ الشروح، تسمع المسجل عليها من الشروح، فتضبطها وتتقنها، وأنت بهذا أدركت ربع الفقه مثلاً بضبط مسائل العمدة، ثم تبني عليها ما يزيد من أحكام المقنع، مع تكرار ما مر في العمدة، أما تأتي إلى زوائد المقنع على العمدة فتقول: أنا لا أريد التكرار؟! العلم كله تكرار، المسائل التي تبحث في الفقه تبحث في الحديث، تبحث في التفسير، وإذا لم تتضح من هذا الوجه اتضحت من هذا الوجه، إذا لم تتضح بهذه الصورة صورت على وجه آخر في كتاب أخر، فيثبت العلم، أما الذي لا يريد التكرار لا يحصل علم، فإذا ضبط مسائل العمدة، ثم بعد ذلك قرأ في المقنع، وفي المقنع روايات زائدة، ومسائل زائدة على ما في العمدة، وعنده الأرضية من خلال دراسة العمدة، يتأهل لأخذ الزوائد من المقنع مع الأصل، مع ما في العمدة(83/5)
من أحكام؛ لأنه قد يمر عليك مسألة في العمدة تأخذ وقتاً طويلاً ما فهمتها، تطلب تصويرها وتصور لك ما تفهم، لكن تعرض بأسلوب آخر في كتاب أخر فتتضح لك، مر عليك مسائل العمدة الآن مرتين، مرة في العمدة، ومرة في المقنع ضبطت، تطلع إلى الكافي الذي ألف للمنتهين ممن يبحث في دائرة المذهب، وعلى روايات متعددة، تمر عليك مسائل العمدة وزوائد المقنع، مسائل العمدة تمر عليك مرة ثالثة، وزوائد المقنع للمرة الثانية تمر، ويمر عليك مسائل في الكافي، الآن مسائل العمدة ضبطتها وأتقنتها لأنها مرت عليك ثلاث مرات، مسائل المقنع مرت عليك مرتين، التي مما ليس في العمدة، تضبطها، المسائل الزائدة في الكافي تحرص عليها وتضبطها وتتقنها ثم تمر عليك في الكتب المطولة، بأبسط وأكثر استدلال، وأكثر تعليل مقارنة بالمذاهب الأخرى مع أدلة الأئمة، بهذه الطريقة يثبت العلم، أما تقول: والله أنا ما أريد تكرار، أذكر شخصاً قبل ثلاثين سنة اشترى مجموع القصائد المفيدة، وفيه منظومة الآداب لابن عبد القوي، ثم بعد أن اشتراه طبع شرحه غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، فقلت له: هذا الكتاب طيب، إذا اشتريت نسخة تنتفع به، قال: أنا لا أريد التكرار، أنا عندي المنظومة، وشون اشتريها مرة ثانية؟! يعني لو المسألة العكس، عنده الشرح، ولا يريد أن يشتري النظم ممكن، مع أنه ما يضيره أن يشتري المنظومة للحفظ والتكرار والترديد؛ لأنه في الشرح يمر عليك صفحتين ثلاث بيت، تريد تتابع الأبيات ويلتبس عليك الشرح، الأبيات الواردة في الشرح مع الأبيات الواردة في النظم، فتشري المتن وتشتري الشرح، فإذا كان تصور طالب العلم بهذه المثابة لا يريد تكرار فيكف يحصل مثل هذا؟! أعرف ناس يشترون من الكتاب عشر طبعات، عله يصحح كلمة واحدة من طبعة لا توجد في الطبعات الأخرى، هذا اشترى المتن ويقول: ما في حاجة للشرح لئلا يتكرر المتن عندي، فما يدرك العلم بهذه الطريقة، لا بد من التكرار، إذا مرت المسألة في الفقه قد يكون التصور فيه شيء من الصعوبة، تمر في الحديث يبسطها معلم الحديث بتصوير أوضح، إذا مرت عند الشيخ الفلاني هذه المسألة، سمعتها من فلان قد تسمعها من غيره بأوضح، وهكذا.(83/6)
يقول: ما موقف المسلم من اختلاف العلماء وزلاتهم؟
أولاً: العلماء ليسوا بمعصومين، والحق ليس في قول واحد منهم على التعيين، وإنما كل منهم له نصيبه، بقدر إخلاصه ودينه وورعه، بقدر ما يقذفه الله -جل وعلا- في قلبه من هذا النور، ويحرص على العلماء الذين هم بالفعل على الجادة، ليست لهم شواذ، وليست لهم اجتهادات مخالفة، وإنما هم على الجادة، إذا وجد شذ أو زل عالم يناقش إن أمكنت مناقشته، وإلا يبحث مع غيره من نظرائه، تبحث المسألة، ويطلب من هذا النظير أن يستثبت في الأمر، ويناقش الشيخ بأسلوب مناسب، والله المستعان، أما تتبع الزلات، والتشهير بالمشايخ والعلماء في المجالس هذا له آثار سيئة.
ما حكم شراء مزرعة فيها زرع مثمر للمتاجرة بها؟
إذا كان المقصود بالمزرعة شرائها بأرضها وأشجارها فما في إشكال، هذا نوع من التجارة، أما إذا كان المقصود شراء الثمرة فقط، فلا بد أن يبدو صلاحها، فإذا بدا صلاحها جاز بيعها، على ما تقدم.
يقول: هذه الدورة هي الأولى لي في طلب العلم الشرعي وأجد صعوبة فيها، فبماذا تنصحني؟
مثلما ذكرنا سابقاً العلم يؤتى من أبوابه، وتدرس الكتب حسب الأولوية، فالمبتدئون لهم كتب، والمتوسطون لهم كتب، والمنتهون لهم كتب.
يقول: أنا طالب في كلية الطب، وأتدرب في المستشفى ومعلوم ما في المستشفيات من الاختلاط، وكشف لما يجب ستره، وقدمت بعض ما يثبت ذلك لبعض العلماء هنا إلا أنه الواقع السيئ، وهذه المنكرات لم تتغير، فما واجبي حيال ذلك؟
اصبر واحتسب، وأنكر بقدر قدرتك واستطاعتك بالرفق واللين، ولا يترتب على إنكارك مفسدة أعظم، وأنت على خير -إن شاء الله تعالى-.
يقول: إذا أراد البائع أن يبيع الثمار قبل بدو صلاحها لمن يريد قطعها وإطعامها البهائم ... ؟
نعم بشرط القطع يجوز، يجوز بيعها قبل بدو صلاحها بشرط القطع، ما لم يكن في ذلك إضاعة للمال.(83/7)
يقول: كما تعلمون أنه في هذه الأيام كثر المتساهلون في الفتوى، وأصبحنا نسمع بفتاوى غريبة لا تطمئن إليها النفوس، وقد كنا ندافع فيما مضى عن هؤلاء المفتين إذا تعرض لهم عامة الناس في المجالس والمناسبات، ونقول: بأن العالم قد يخطئ ويصيب، ويجب أن لا نقع على الأخطاء، كنا نقول ذلك لأن لا تنتهك أعراض العلماء، لكن مع الأسف في الآونة الأخيرة اتسع الخرق على الراقع، فلم نعلم ماذا نرقع وماذا ندع؟ فبعضهم قال: بجواز الطبول، وبعضهم ... ، ويقول ...
المقصود أنه يذكر أن التساهل في الفتوى وجد، ووجد ممن يفتي من ليسوا بكفؤ ولا أهل، وهذا مصداق لحديث النبي –عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) يوجد من هذا النوع من تصدر للفتوى وليس بأهل، تصدر للفتوى وهو في الأصل أهل لكنه حاد عن الطريق، ومال عنه، وعوقب بشيء بسبب ما قدمت يداه، المقصود أن مثل هذا يوجد في القديم والحديث، لكنه كثر في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد قبض بعض العلماء الراسخين الذين لهم حظوة وقبول في الناس، ولهم سلطة أيضاً يمنعون بها أمثال هؤلاء، كثر مثل هؤلاء، وكثرت الوسائل التي بسببها وصلت مثل هذه الفتوى إلى جميع الطبقات، وجميع الفئات، وصار الناس في حيرة من أمرهم، المقصود أن مثل هذا ينصح ويخوف بالله -جل وعلا-، إن ارتدع وإلا فلا بد من منعه من قبل ولي الأمر بالاتفاق مع أهل العلم.
يقول: في درس الأحد قررت بتضعيف قبول الهدية على الشفاعة, والألباني يصحح الحديث في أكثر من موضع، ويقول: رجاله رجال مسلم؟
على كل حال الحديث مضعف عند أهل العلم، وتصحيح الشيخ على العين والرأس، لكن لا يعني أنه مصيب في كل ما قال.
يقول -سائل من المغرب-: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته- هل يجوز دفع الزكاة لبناء المساجد؟
لا يجوز دفع الزكاة لبناء المساجد، ولا للمصالح العامة، وإنما مصرفها المصارف الثمانية المذكورة في القرآن.(83/8)
يقول: حيث تحدث القرآن عن فريضة الصدقات الواجبة، تحدث القرآن بقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [(60) سورة التوبة] فهل يمكن اعتبار دفع الزكاة في بناء مسجد في سبيل الله؟
لا، جماهير أهل العلم على أن سبيل الله المراد به الجهاد.
يقول: كم مقدار زكاة الأسهم للاستثمار وليس أسهم المضاربة؟
أسهم الاستثمار التي تودع في أماكن تستثمرها أماكن موثوقة، لا تتعامل بمعاملات محرمة زكاتها تقوم إذا حال الحول كم تستحق بسعر يومها، ثم بعد ذلك يخرج منها النسبة المقدرة شرعاً (2. 5 %).
يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته -وعليكم السلام ورحمة الله- أريد أن أسال فضيلتكم عن رأيكم في الشيخ ابن باز، وسلمان العوضي، والشيخ الألباني، أما سلمان العوضي فلا أعرفه، وأما الشيخ ابن باز والألباني فمثلي لا يسأل عنهما.
يقول -سائل من السعودية-: بسم الله الرحمن الرحيم، أريد أن أسأل سؤالاً خاصاً لا يطلع عليه أحد ... كيف لا يطلع عليه أحد؟ الطنطاوي -رحمه الله- سئل سؤال وأقسم السائل أن لا يخبر عن اسمه، وحرج عليه بأنواع من التحريجات والأيمان المغلظة والعهود والمواثيق، ثم قال الشيخ: أتدرون ما اسمه؟ هو لم يكتب اسمه! ما كتب اسمه.
يقول: إذا طلبت مني أمي أن أوصلها إلى عرس يغلب على ظني وجود منكرات فيه، علماً بأني إن لم أوصلها فسوف يوصلها السواق، وربما تكون متعطرة؟(83/9)
أولاً: عليك أن تناصح أمك وتناشدها أن تترك هذا الطيب والعطر مع إرادة الخروج؛ لأن المرأة إذا خرجت متطيبة فهي زانية -نسأل الله السلامة والعافية-، أما وجود منكرات في الأعراس وأماكن الأفراح هذه أمور عمت وطمت، ولذا لو أن الإنسان منع أهله منعاً باتاً من الحضور هذه الأفراح ما بعد، ولصار مصيباً، وهذا التحري يقتضيه، لا سيما مع وجود أناس لا خلاق لهم، فالعورات تبدى بما في ذلك المغلطة، هذا كلام مؤكد بين النساء، والسبب في ذلك التساهل في حد عورة المرأة عند المرأة، جرهم إلى أن أظهروا العورات، ولبسوا عليها شيئاً لا يسترها، إضافة إلى ما يوجد فيها من تصوير وكاميرات، وآثار سيئة جداً ترتبت على ذلك.
يقول: هل من الصرف الذي لا يجوز فيه النسأ أن يبقى لك شيء من المال عند التاجر ولا يملك صرفاً فتأخذ بعض مالك، ويبقى لك في ذمته بعض آخر؟
لا هذا ليس من الربا؛ لأنك اشتريت بضاعة من البقالة، اشتريت لبن بخمسة وقال لك: والله ما عندي صرف، أنت أعطيته عشرة، قال: ما عندي شيء، اترك الخمسة الثانية إلى العصر، تتركها إلى العصر ما في شيء -إن شاء الله تعالى-، لكن لو أتيت إلى صاحب هذه البقالة وقلت له: أريد صرف هذه العشرة، تعطيني اثنتين من فئة الخمسة، قال: والله ما عندي الآن إلا خمسة، خذ الخمسة وتقضي لازمك، ويبقى خمسة، هذا لا يجوز، هذا هو الصرف الذي لا يجوز فيه النسأ.
يقول: لم يتضح لي مثال أمس عن صاحب المطبعة والمؤلف وما هو الحكم؟
ذكرنا أن من صور السلم أن يأتي صاحب دار نشر إلى عالم ويقول: أريد أن تؤلف كتاباً في التفسير، أو في الحديث أو في الفقه، أو في العقيدة، حجمه كذا، ومجلداته كذا، في كل مجلد كذا ملزمة، نوعيته كذا، ثم بعد ذلك يتفقان على القيمة، وأن يسلم بعد كذا سنة، سنة سنتين ثلاث، تحدد المدة، ويعلم المقدار بدقة، وقلنا: إن مثل هذا لو ساغ في العلوم التي لا يبتغى به وجه الله تعالى من أمور الدنيا، لكن ما يبتغى به وجه الله -جل وعلا- مثل هذا لا يسوغ.
ما صحة حديث: ((يدخل عليكم رجل من أهل الجنة))؟
إن كان المراد به الرجل الذي عرف بسلامة الصدر فهو حديث صحيح، حديث عبد الله بن عمرو.(83/10)
يقول: أزيل ليلة أمس الخط الأسود المحاذي للحجر الأسود عند بيت الله الحرام، فهل من تعليق حفظكم الله؟ أنا ما أدري هل أزيل بالفعل وإلا ما أزيل؟ أزيل هو؟ أزالوه؟ بالأمس؟ أنا حديث العهد يعني من أسبوع ما أزيل، لكن إذا كان في الفعل أزيل فوجوده له وجه، والفتوى لها وجه، وإزالته أيضاً له وجه؛ لأن المسألة مسألة مصلحة ومفسدة، أفتى بجوازه ووجوده لمصلحة، وهي تحديد محل بداية الطواف ونهايته بدقة، وهذا نافع، يصحح العبادة لكثير من الجهال، أنا سألني سأل يقول: بدأت الطواف من رجل إسماعيل؟
مثل هذا بيطوف طواف صحيح؟! مهما قيل له، مهما علم، مثل هذا يصلح له الخط، لكن أيضاً الخط وإن ترتب عليه مصلحة إلا أنه ترتب عليه مفاسد وزحام شديد، ووجد من يصلي على هذا الخط يتعبد بذلك، فإزالته لها وجه.
يقول: ما رأيكم في مخطوطة موطأ الإمام مالك التي صورت مؤخراً في الكويت ونشرت، وهل أطلعتم عليها؟
مخطوطة جميلة، وخطها واضح وبين، والعناية بها لأنها من مخطوطات الكويت، لا أكثر ولا أقل، ويوجد أنفس منها من مخطوطات الموطأ، المقصود أنها صورة جميلة، والخط واضح جداً، يعني يضاهي المطبوعات، فتصويرها نافع -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما حكم اللبس الباكستاني والبنجابي للمرأة؟
الأصل أنه لباس مسلمين وساتر وسابغ، هذا الأصل، فلا يظهر فيه شيء، لكن بعض النساء اتخذته ذريعة لبسته في أول الأمر، وانتهى آخر الأمر إلى البنطلون، أخذت ترفع الساتر الأعلى شيئاً فشيئاً إلى أن صار بنطلون، بدون ما يستره فوقه.
يقول: ما الراجح في قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية؟
الراجح أن الفاتحة واجبة بالنسبة لكل مصلٍ إلا المسبوق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)) رواه البخاري.(83/11)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(83/12)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)) " أخذ أموال الناس بالاقتراض، بالاستدانة، بالإعارة، يريد أداءها وإعادتها إلى أصحابها أدى الله عنه، أعانه الله على ما أراد، ووفقه لذلك، ويسر له ذلك، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أخذ من زيد مالاً على سبيل القرض، أو بالاستدانة بالأقساط، بالدين، أو بالعارية يستفيد منها ثم يرجعها، وهو يريد بذلك الأداء أدى الله عنه في الدنيا بأن ييسر له الرد، بأن ييسر له ردها، وفي الآخرة أيضاً النص شامل في الآخرة يؤدي عنه تبعة هذه العارية، أو هذا القرض أو هذا الدين، ومن الأمثلة على ذلك الظاهرة المذكورة في الصحيح، قصة الرجل من بني إسرائيل الذي اقترض من آخر ألف دينار، ذهب، مال كبير، مبالغ طائلة، فجاء إلى أخيه في الله فقال له: أريد مبلغ كذا، قال: هل من شاهد؟ قال: كفى بالله شهيداً، قال: هل من كفيل؟ قال: كفى بالله وكيلاً، فأعطاه إياه، رضي بذلك وأعطاه إياه، وذهب وقضى حاجته فلما جاء موعد الرد خرج إلى البحر يريد أحداً يذهب إلى الجزيرة أو البلد الذي فيه المقرض، فلم يجد، فوجد خشبة فنشرها، فأودع فيها هذا المال، وربطها وأتقنها فوضعها في البحر، خرج صاحب القرض؛ لأنه جاء الموعد، وقد استشهد الله، واكتفى به وكيلاً، في الوقت المحدد ينتظر صاحبه فلم يحضر، ووجد الخشبة تطفو وترسب في الماء، فأخذها ليوقد بها ناراً، فنشرها فوجد المال، ووجد معها ما يدل على أن صاحبه أرسلها، غاية في الثقة بالله -جل وعلا-، والأمانة، وأدى الأمانة، {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [(75) سورة آل عمران] هذا أخذ المال وأراد أداءه، ووثق بالله كل من الطرفين، فأدى الله عنه، ووصلت الدراهم، وصلت الدنانير إلى صاحبه، ومع ذلك وفر المبلغ مرة ثانية؛ لأن الذي يغلب على الظن أنه يصل أو ما يصل؟ أنه ما يصل، وفرها مرة ثانية وذهب بها إلى صاحبه، هذا صادق في أدى ما أخذ أو متردد؟ صادق، فلما ذكر ذاك قال:(83/13)
المال الذي في الخشبة وصل، يعني غاية في الثقة بالله -جل وعلا-.
فلو أن شخصاً أراد أن يصنع مثل هذا الصنيع في شرعنا، هذا في شرعهم وسيقت قصته مساق المدح، فهل له أن يصنع مثل هذا؟ يثق بالله -جل وعلا-، ويبعث المال، أو يحضر صندوق متقن ومضبوط، ويبعث فيه حيوان أو طفل أو ما أشبه ذلك، ثقة بالله -جل وعلا-، أو نقول: هذا من باب إلقاء اليد إلى التهلكة، وتعريض المال للتلف، يعني اقترضت مبلغاً كبيراً من شخص وبعثته بخشبة يجوز وإلا ما يجوز؟ في شرعنا لا يجوز، نهى عن إضاعة المال، وهذا الذي يغلب على الظن هلاكه، لكن لما أخذ المال مريداً أداءه أدى الله عنه، وهذا من أوضح الصور، أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، أتلفه يعني المال أو صاحب المال؟ أتلف المال أو صاحب المال؟ نعم الظاهر إتلاف الشخص نفسه، جزاء وفاقاً، يريد الإتلاف فأتلفه الله، ومن باب أولى أن يتلف المال، فلا يستفاد منه، وقد يكون وبالاً على صاحبه، فعلى الإنسان أن يصلح نيته ويعالجها من أجل أن يؤدي الله عنه.(83/14)
وجاء الترهيب من أخذ أموال الناس للتكثر والديون، والشهيد يغفر له كل ذنب إلا الدين، ورفض النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يصلي على المدين، حتى تحمل عنه دينه، فالدين أمره عظيم في الشرع، فإذا كانت الشهادة تكفر الذنوب ويغفر للشهيد كل شيء إلا الدين، والناس يتتابعون ويتتايعون على الدين، بعد أن سهلت أسبابه ويسرت ثم في النهاية يعجز عن السداد، الموظف راتبه ثلاثة ألاف يأخذ أقساط بألف وفواتير ألف، والألف الثالث ما يكفي نفقة، ثم تتراكم عليه الديون، وبعد ذلك لا يستطيع أن يسدد، وإن كان عنده إيجار بعد ألف تكفف الناس، لماذا؟ يريد أن يشتري سيارة، سيارة جديدة بمائة ألف، يأخذها أقساط بمائة وعشرين، بمائة وثلاثين، من أجل إيش؟ من أجل المباهاة، وإلا مثل هذا يكفيه سيارة بعشرة آلاف، وبدل ما هو بالقسط كذا يكون عشر القسط، في أمر يطيقه، المقصود أن الناس تساهلوا في أمر الدين وشأنه مثل ما ذكرنا عظيم، إذا كان الإمام لا يصلي على المدين، ولا تكفر ذنوبه، الشهادة التي تكفر الذنوب لا تكفر الدين، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، وبعض الصحابة أخلى من هذا الحديث ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه)) وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله مع الدائن حتى يقضى دينه)) وجاء أيضاً من حديث عائشة: ((ما من عبد كانت له نية في وفاء دينه إلا كان له من الله عون)) فبعضهم يستدين يطلب من الله العون، ويطلب من الله الوفاء، لكن مع ما جاء من النصوص المرفوعة، وفي الحديث ما ذُكر يريد أداءه أدى الله عنه، لكن لماذا تعرض نفسك لمثل هذا؟ أنت في ساعة فلماذا تضيق نفسك؟ الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، هو يؤدي عنك، لكن لماذا تعرض نفسك لمثل هذا؟ ومثل هذا وعد كالوعد بإجابة الدعاء، قد يحصل هناك مانع من الأداء؛ لأنك أخذته من غير حاجة تكثر مثلاً، فلا يؤدى عنك، قد أخذته لتشتري به محرماً أو مكروهاً أو ما لا حاجة لك به، مما يدخل في حيز الإسراف، فمثل هذا يمنع من هذا الوعد، وإن كان الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، لكن يبقى أن مثل هذا حكمه أدى الله عنه حكمه حكم الدعاء قد يحصل له ما يمنع من الأداء، ولا شك أن الدين كما يقول أهل العلم ذل بالنهار(83/15)
وهم بالليل، حتى قال بعضهم: أنه ما دخل الدين في قلب رجل إلا خرج من عقله بقدره ما لا يعود إليه، الدين ذل بلا شك، والدائن صاحب معروف عليك، ولو رفع صوته عليك، لو آذاك ما أحد يلومه، تعرض نفسك للإهانة، تعرض نفسك أحياناً للحجر، وتعرض نفسك أحياناً للسجن والتأديب، فمثل هذا الإنسان في غنية عنه، والله المستعان.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قلت: يا رسول الله إن فلاناً قدم له بز من الشام فلو بعثت إليه فأخذت منه ثوبين بنسيئة إلى ميسرة، فأرسل إليه فامتنع" أخرجه الحاكم والبيهقي، ورجاله ثقات.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(83/16)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله إن فلاناً" ولم يسمّ في الطرق كلها ستراً عليه، لأنه حصل منه ما يمكن أن يذم به، فتسميته لا داعي لها "إن فلاناً قدم له بز من الشام" البز: خرق "فلو بعثت إليه فأخذت منه نسيئة إلى ميسرة" فالنبي –عليه الصلاة والسلام- ما يملك قيمة ثوبين، ومات -عليه الصلاة والسلام- ودرعه مرهون بأمداد من شعير، يأكله هو وأهل بيته، فهذه حالته -عليه الصلاة والسلام-، وهذا عيشه، وهو أفضل الخلق وأكرم الخلق على الله، ما يملك قيمة ثوبين، أراد أن يشتري نسيئة، دين بالآجل من هذا الرجل الذي لم يسم، لكن ما الذي حصل؟ بعث إليه -عليه الصلاة والسلام إلى الرجل فامتنع، رفض، إلى ميسرة، بعض الناس يحسب إذا قيل له: تقرض فلان، الشيخ الفلاني عنده ضائقة لو أقرضته؟ قال: لا يا أخي بدل ما أقرضه أدينه لكي استفيد، أو أدين غيره، بعد يمكن يصير فيه إحراج وإلا شيء، أبحث عن غيره، عن شخص ما فيه إحراج، هذا امتنع إلى ميسرة يبيع بالنقد من أجل أن يستفيد، وهذا الرجل احتمال أن يكون مسلماً أو غير مسلم؛ لأنه ما سمي، احتمال أن يكون مؤمناً، واحتمال أن يكون منافقاً، لكن إذا امتنع المؤمن من إقراض النبي -عليه الصلاة والسلام- يأثم وإلا ما يأثم؟ هذا ليس فيه أمر شرعي بأن يفعل، أراد القرض فامتنع، ويوجد من يتسابقون ويتقاتلون على خدمته -عليه الصلاة والسلام-، والناس منهم المعطى، ومنهم المحروم، هذا امتنع، والحديث أخرجه الحاكم والبيهقي، ورجاله ثقات، ومصحح أيضاً من قبل جمع من أهل العلم، فهذا الامتناع من هذا الرجل لا شك أنه حرمان، لكن يبقى هل هو آثم أو ليس بآثم؟ هذا ليس من المسائل التي .. ، وإن كان فيها خدمة للنبي -عليه الصلاة والسلام- لكن لا يُأثم فيها؛ لأنها ليس فيها أمر شرعي، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)) رواه البخاري.(83/17)
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يُغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه)) رواه الدارقطني والحاكم، ورجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً)) " وهذا داخل في الترجمة؛ لأن الترجمة في أبواب السلم والقرض والرهن، الترجمة تشمل الأبواب الثلاثة، السلم تقدم، والرهن هذان الحديثان يدخلان فيه، والرهن في الأصل: الحبس والاحتباس، الارتهان: الاحتباس، والرهن الحبس {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر] والمال المرهون، المرتهن محبوس عند المرتهن، وهو في اصطلاح أهل العلم توثقة دين بعين، يمكن الاستيفاء من قيمتها، وجاء ذكره وتشريعه في آخر سورة البقرة، {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [(283) سورة البقرة] فالرهن مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، على خلاف بينهم في الرهن بالحضر، والرهن إذا لم يمكن قبضه، وعلى كل حال أصله مشروع بالإجماع.
يقول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الظهر يركب بنفقته)) " الظهر ظهر الدابة مما جرت العادة بركوبه، كالحمار والبعير والخيل والبغل، وما أشبه ذلك، هذا يركب بنفقته، وعرفنا أنه إذا كان مما جرت العادة بركوبه، لكن لو كان شخص عنده خروف، قال: والله أنا انفق عليه ولا فيه لبن ولا شيء، أركب، نقول: لا يا أخي هذا ما يركب، وجاء في الحديث الصحيح في البخاري لما ركب بقرة التفتت عليه وقالت: إنا لم نخلق لهذا، التفتت وتكلمت وقالت: إنا لم نخلق لهذا، يعني ما خلقنا للركوب، فعلى هذا الذي لم يخلق للركوب لا يجوز ركوبه، لو عندك خروف قوي يتحمل تركب وإلا ما تركب؟ ما تركب، ما خلق لهذا، فالظهر يركب إذا كان مما جرت العادة بركوبه، بنفقته في مقابل النفقة، والغرم مع الغنم، إذا كان مرهوناً.(83/18)
((ولبن الدر يشرب بنفقته)) الدر هو اللبن، فيكون من إضافة الشيء إلى نفسه، أو يكون الدر وصف للبن فيكون من إضافة الشيء إلى صفته ((يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)) أولاً نفقة الدابة على صاحبها، هذا الأصل، فِإن أنفق عليها غيره فلا بد من نية الرجوع، ليرجع إليه، ولا بد من تخويل من قبل الحاكم، إلا إذا خشي عليها التلف قبل إبلاغ الحاكم فهو ينفق ويرجع، فإذا أنفق المرتهن له أن يركب، إذا أنفق المرتهن له أن يحلب ويشرب، لكن إذا كانت النفقة من قبل الراهن، صاحب العين الذي رهنها عند الدائن فليس للدائن أن يركب، وليس له أن يشرب ((وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)) الغرم مع الغنم، والعمل بهذا الحديث وهو الإنفاق على الدابة من قبل المرتهن، والإفادة منها بقدر ما أنفق هو مذهب الإمام أحمد وإسحاق، وخصوه بالركوب وباللبن، يعني بما جاء في هذا الحديث، والحديث في البخاري، قالوا: يركب ويشرب فقط، طيب رهنه خروف هل يجز من صوفه بقدر نفقته؟ نعم؟ على هذا القول؟ لا، خصوه بما جاء في الحديث، بالركوب وشرب اللبن فقط، والسبب أن الحديث جاء على خلاف القياس فلا يُتعدى موضع النص، وجمهور الفقهاء ردوا مفاد الحديث وقالوا: المرتهن لا يركب ولا يشرب، الحديث صحيح وصريح، قالوا: لا الذي يركب ويشرب وينفق هو صاحب الدابة لا المرتهن، وأما إنفاق غير صاحب الدابة عليها أو استعماله لها هذا على خلاف الأصل، وترده على ما قالوا: أصول مجمع عليها ((ولا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه)) لكن لو حصل الإذن وقت الرهن، قال المرتهن: عليّ النفقة ولي شرب اللبن، أو الركوب إذا كانت الدابة مما يركب، يعارض هذا الحديث (إلا بإذنه) أذن، فلا خلاف في مثل هذا، لكن المسألة وضع عنده الدابة ومشى، أنا باقترض منك واستدين منك وأضع عندك هذا تأمين، يسمونه تأمين الآن، فمثل هذا يقولون: ترده أصول مجمع عليها ومنها: ((لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه)) وقالوا: إن الحديث حديث الباب منسوخ، نسخه حديث ابن عمر ((لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه)) والنسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال، بل لا بد من معرفة التاريخ، والأمر الثاني: أن النسخ إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع، والجمع ممكن(83/19)
هنا بحمل العام على الخاص، فلا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه بحال من الأحوال إلا في حال الرهن، هناك قول لبعض العلماء، وهو أن المراد من الحديث إذا امتنع صاحب الدابة من الإنفاق عليها ينفق عليها المرتهن، ويستفيد منها بقدر نفقته، وما الذي يقدر مساواة النفقة لما استفادة، أنفق عليها علف بخمسة أريل يومياً، وفيها من اللبن لتر مثلاً، واللتر يباع في الأسواق بخمسة، افترضنا أن فيها لترين، ماذا يصنع؟ يترك الزائد في ضرعها؟ أم ماذا يفعل؟ لو افترضنا العكس تأكل بعشرة ولا فيها إلا لتر، واللتر في البقالة بخمسة مثلاً، أقول: لا بد من تقدير النفقة، وأنها بقدر ما يأخذ منها، فلا يأخذ منها أكثر ولا أقل، فعلى هذا القول، القول الأخير أن المرتهن لا ينفق، وإذا أنفق لا يرجع إلا إذا امتنع الراهن، فإذا امتنع الراهن وخُشي على الدابة من الموت، اتجه القول بأن المرتهن ينفق، ويستفيد منها بقدرها، وعلى كل حال مفاد الحديث ظاهر، والقول الأول هو الراجح المطابق للحديث، لكن أنت افترضنا بأنه يمكن الإفادة من الرهن وهو لا يحتاج إلى نفقة، اقترض منك مبلغ من المال وارتهن عندك كتاباً، رهن عندك كتاباً، تقول: استفيد منه كما يستفيد من مالي أستفيد منه، لكن أنت تنفق على الكتاب وإلا ما تنفق؟ ما تنفق عليه، لكن قد يخرج بحجة أخرى، يقول: أنا باستعمل الكتاب وإن احتاج إلى تجليد جلدته، يكفي مثل هذا وإلا ما يكفي؟ يقول: الكتاب جالس ولن يتضرر بالقراءة، لكن إن تضرر وانفك الجلد وإلا شيء جلدته، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا أذن ما في إشكال، الأمر لا يعدوه، لكن هذا سلمه الكتاب ومشى، رهن، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(83/20)
يعني يجوز؟، ترى بعض الناس ما يريد أن يفتح كتابه، وبعض الناس ما يعرف كيف يفتح الكتاب؟ وبعض الكتب حساسة، يعني كتب مطبوعة من مائة سنة أو أكثر أو أقل، يعني حساسة، مثل هذا هو الذي يستحق أن يرهن ويجعل صاحبه يفي، أما الكتب المطبوعة الجديدة يرهنه ويمشي ويخليك، الآن المكتبات تعاني من الرهن، اللي يسمونه تأمين، تضع تأمين لهذا الكتاب يأتي الطالب ويستعير كتاب، وتضع تأمين لهذا الكتاب، والآن في بعض المكتبات من خمسين سنة التأمين موجود في الأدراج ألغيت العملات والكتب ضاعت، وقد يضع عندك الطالب خمسين ريال تأمين لهذا الكتاب، وأمين المكتبة لا يقدر الكتاب قدره، ثم يقول: ضاع الكتاب، وأحياناً يأخذون العهود والمواثيق والأرقام والدنيا ذي كلها؛ لأنه طالب مسجل في الجامعة مثلاً، ما يحتاج إلى رهن، متى ما بغوه جابوه، وبأيديهم شهادة، وبأيديهم نتيجته ولا يعطونه إخلاء طرف حتى يرجع ما أخذه، فيتحايل عليهم الطالب ويأتي إلى كتاب عنده منه نقص منه مجلد، وهو كتاب نفيس يستعير هذا المجلد، ثم يأتي المكتبة يقول: ضاع، أو يأتي إلى كتاب طبعة نادرة، طبعة أوربية أو هندية قديمة، من المطبوعات النفيسة، أو من مطبوعات مكة القديمة، المجلد بألفين ثلاثة، وطريقة المكتبات تأخذ خمسة أضعاف القيمة، فمثلاً يأتي يستعير لب اللباب للسيوطي طبعة أوروبا قيمته ثلاثة آلاف مثلاً، ثم يأتي إلى المكتبة يقول: ضاع، أمين المكتبة يتصل رأساً على المكتبات عندكم لب اللباب، نعم، كم؟ بخمسة عشر ريال، طبعة دار الكتب العلمية مجلدين، خمسة عشر في خمسة، كم؟ خمسة وسبعين، هات خمسة وسبعين وتوكل على الله، فمثل هذه الأمور تدخل في مثل هذا الباب، فلا بد من العناية بها، والاحتياط لها، وهذه الأملاك العامة التي للناس كلهم أمرها شديد، ليست بالسهل أن يفرط فيها الإنسان أو لا يحتاط، وبعض الناس يحتاط لنفسه، ولا يحتاط لأموال بيت المال، أو ما يعم المسلمين نفعه، فالمكتبات تحتاج إلى خبراء يقدرون الكتب قدرها.(83/21)
في الحديث الذي يليه يقول: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه)) " أولاً: الحديث ضعيف؛ لأن الراجح أنه مرسل، الراجح إرساله كما قرر ذلك أبو داود في المراسيل، فالمحفوظ إرساله، وحينئذٍ وصله شاذ والشاذ ضعيف عند أهل العلم، والمرسل ليس بحجة، كما يقول الإمام مسلم: "والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالآثار ليس بحجة"
ورده جماهر النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ
وصاحب التمهيد عنهم نقله ... ومسلم صدر الصحيح أصله
فهو ضعيف، ولا (يغلق) بفتح حرف المضارعة الياء، يعني لا يخرج عن ملكه بغير رضاه، مع أن الحديث ضعيف، لا يخرج عن ملكه بغير رضاه، رهنه داراً، استدان منه ديناً خمسمائة ألف ورهنه داراً بستمائة ألف، فبحلول الأجل يبيع الدار مباشرة ويستوفي؟ لا، هذا إغلاق: إخراج للملك من صاحبه بغير رضاه، لكن إذا أذن، ويقول: والله أنا رهنتك البيت ولا عندي سداد تصرف بع البيت واستوف منه، يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز ذلك؛ يعني وكله ببيعه والوكالة صحيحة سائغة.
((لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه)) هذه قاعدة: الخراج بالضمان، فالذي يستفيد هو الذي يغرم، والذي لا يستفيد من الشيء لا يلزمه شيء حياله "رواه الدارقطني والحاكم، ورجاله ثقات، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله".
وقوله: ((له غنمه، وعليه غرمه)) اختلف فيه هل هو من المرفوع أم هو من قول سعيد بن المسيب مدرجاً؟ والخلاف معروف، كثير من الرواة يروون الحديث بغير هذه الجملة، مما جعل بعضهم يرى أن هذه الجملة مدرجة من قول سعيد.
وعن أبي رافع -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "استسلف من رجل بكراً، فقدمت عليه إبل من الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فقال: لا أجد إلا خياراً رباعياً، قال: أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء" رواه مسلم.(83/22)
وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل قرض جر منفعة فهو ربا)) رواه الحارث بن أبي أسامة، وإسناده ساقط، وله شاهد ضعيف عن فضالة بن عبيد -رضي الله تعالى عنه- عند البيهقي، وآخر موقوف عند عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- عند البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
فيما يخص القرض من الترجمة الشاملة للسلم والرهن والقرض: "عن أبي رافع -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استسلف من رجل بكراً" والحديث مضت الإشارة إليه في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وجاء فيه المنع من حديث سمرة، وجاء فيه الترخيص والتجويز من حديث عبد الله بن عمرو، وقلنا: إن حديث الباب: "استسلف" لا يدخل في البيع، بيع الحيوان، لا في جوازه، ولا في منعه، إنما هو في القرض، استسلف يعني اقترض، وقرض الحيوان مثل قرض الدراهم والدنانير.(83/23)
"استسلف من رجل بكراً" البكر: الصغير من أولاد الإبل، فوق الفصيل وليس بالكبير، "فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره" يعني أعطوه مقابل البكر الذي استسلفناه بسنه، "فقال: لا أجد إلا خياراً رباعياً" خيار جيد نفيس رباعي كبير، "لا أجد إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء" الحديث في مسلم، فدل هذا على جواز الاقتراض والقرض، بل جاء الحث عليه في نصوص كثيرة، ودل على جواز الزيادة في الأداء من غير اشتراط، مثل ما ذكرنا سابقاً تقترض ألف فتضيف إليه شيء من غير اشتراط يجوز، لكن بالاشتراط لا يجوز، وهل يحرص الإنسان على أن يرد ما اقترض؟ فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، يعني نظير بكره، وإنما لجأ إلى الخيار الرباعي لما لم يجد، أو نقول: ابتداء يعمد إلى الأفضل، فيؤدي ويكون هذا من حسن القضاء، نعم يعمد إلى الأفضل فيقضي الأفضل، والعلة قائمة "فقال: أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء" وينبغي أن يكون المسلم سمحاً إذا قضى وإذا اقتضى، لا يضيق على الناس ويحرجهم ويحوجهم، وإذا استدان لا يحرجهم، ولا يحوجهم إلى الترديد أو الشكاوى، أو ما أشبه ذلك، على ما سيأتي في حديث: ((لي الواجد ظلم)) هل يدخل في هذا القرض الذي يجر نفعاً؟ الذي يأتي في حديث علي -رضي الله تعالى عنه- حيث قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل قرض جر منفعة فهو ربا)) " هذا جر نفع، فهل يتعارض الحديث الأول مع الثاني؟ انتفع المقرض فهل نقول: إنه ربا، أو نقول: إذا جر نفعاً بالاتفاق أما من غير اتفاق وجود نفس من المقترض فهذا من حسن القضاء؟ أما إذا كان من غير طيب نفس منه، بل بما يشترط عليه فإنه هذا الذي يجر النفع، على كل حال الحديث ضعيف.(83/24)
يقول: " ((كل قرض جر منفعة فهو ربا)) رواه الحارث ابن أبي أسامة، وإسناده ساقط" يعني شديد الضعف، إسناده ساقط، وهو أقرب إلى أساليب الفقهاء، الحديث أقرب إلى أساليب الفقهاء من الأحاديث النبوية، إسناده ساقط يقولون: فيه سوار بن مصعب متروك، يعني شديد الضعف متهم بالكذب، متروك، ولهذا قال الحافظ: "وإسناده ساقط" وله شاهد ضعيف عن فضالة بن عبيد عند البيهقي، لكنه موقوف، عند البيهقي عن فضالة بن عبيد موقوف عليه، ومع ذلكم هو ضعيف، وله أيضاً شاهد عند البخاري عن عبد الله بن سلام، لكنه موقوف عليه، عندنا الأصل حديث علي المرفوع ساقط، وجوده مثل عدمه، لا يُعتد به، له شاهد عن فضالة بن عبيد موقوفاً عليه عند البيهقي، لكنه ضعيف، له شاهد موقوف عند البخاري عن عبد الله بن سلام، شاهد صحيح، لكنه موقوف عليه، فهل نقول: إن الحديث الضعيف يتقوى بالموقوف، أو لا بد من مرفوع يقويه؟ يعني إذا كان موقوف على عبد الله بن سلام فهو من قوله، ومن فتواه، فهل يتقوى المرفوع بمثل هذا الموقوف؟ قلنا: إن المرفوع ساقط وجوده مثل عدمه، وضعفه شديد لا يقبل الانجبار، فلا يتقوى بالموقوف، ويبقى أن المعول في هذا الباب على قول عبد الله بن سلام الموقوف عليه، والشارح الصنعاني يقول: إنه لم يجده عند البخاري، لم يجد خبر عبد الله بن سلام عند البخاري، في باب الاستقراض، ولا نسبه المصنف إليه في التلخيص، بل عزاه إلى البيهقي في السنن الكبرى، فيبعد أن يكون في البخاري ولا يجده الصنعاني، ولا يقف عليه، ويعزوه ابن حجر إلى البيهقي في السنن الكبرى، والحديث أو الخبر في البخاري في موضعين، السبب في ذلك أن الإمام البخاري أحياناً يغرب في الاستنباط، فيضع الخبر تحت ترجمة لا تخطر على البال، كم من شخص حكم على حديث ضباعة بنت الزبير أن الإمام البخاري لم يخرجه، ما خرجه البخاري، لماذا؟ في الاشتراط ((حجي واشترطي، فإن لك على ربك ما استثنيت)) في كتاب الحج، في الإحصار، في الفوات، ما في، لا يوجد في كتاب المناسك عند البخاري، ولا في الفوات والإحصار، وين يبحث هذا؟ ولذا قالوا: وهم من عزاه إلى الصحيحين، والحق أنه في البخاري، لكن البخاري لحظ ملحظ، لا يدركه كثير من الناس، وضعه(83/25)
الإمام البخاري في كتاب النكاح في باب الأكفاء في الدين، وذلكم أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- القرشية الهاشمية تحت المقداد، والمقداد مولى، وترجم: باب الأكفاء في الدين، فاستنبط البخاري هذا الحكم، وأعرض عن الدلالة الأصلية التي لا تخفى على أحد، قد يترك الحكم الظاهر من الخبر ويعمد إلى الخفي نوعاً ما، لكن ماذا على البخاري -رحمه الله- لو كرره في موضعين مرة بالحج ومرة بالنكاح؟ وقد كرر بعض أحاديث في عشرين موضع، لكن يكفيه أنه جمع واحتاط وهذب ونقح، وحرص، ودقق ومحص واستنبط، يكفيه هذا -رحمة الله عليه-، وعلى كل حال الحديث ضعيف، ومفاده كالمتفق عليه، فإذا اقترض شخص من آخر شيئاً واشترط عليه المقرض أن يزيده في الوفاء عين الربا، أن يهدي له، أن يخدمه، هذا باب من أبواب الربا.
ندخل في الباب الذي يليه أو في أسئلة؟ وإلا ماذا نصنع؟ نعم؟ نأخذ الحديث الذي يليه، وإلا دب الملل؟
طالب:. . . . . . . . .
الأصل إلا بإذن صاحبه؛ لأنه لا ينفق عليه، مثل ما قلنا في الخروف، كبش من الضأن نفس الشيء.
طالب:. . . . . . . . .
ينفق عليه صاحبه، إذا امتنع ينفق عليه المرتهن ليحفظ بذلك ماليته، وهذه النفس المحترمة شرعاً بنية الرجوع، ويلزم به الراهن، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث علي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو عند البخاري برقم (3814) وأظن هناك وضع له رقم ثاني، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نسخ إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا تخصيص، نسخ جزئي، ما هو بنسخ كلي، نسخ تخصيص، فلا تحلب ماشية أحد إلا بإذنه إلا في الرهن، الرهن ما يحتاج إلى إذن إذا أنفق عليه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا ما أنفق بأي حق؟
طالب:. . . . . . . . .
بالاتفاق، إلا إذا تضرر المرهون، أحياناً يتضرر المرهون، إذا كان الراهن متبرع ويومياً يحضر العلف، يعني هل للمرتهن وجه أن يستفيد؟ أن يركب؟ لا، ليس له وجه.
يقول: ما رأيكم في كتاب التسهيل في الفقه للبعلي؟ وماذا لو حفظه طالب العلم بدل العمدة أو زاد المستقنع مع قراءة عمدة الفقه وضبط مسائله؟(83/26)
مسألة ينبغي انتباه طلاب العلم لها، وهو كل ما كانت إمامة المؤلف في الدين أرسخ فكتابه أولى، فتقرأ للموفق إمام من أئمة المسلمين أفضل من أن تقرأ لغيره، فهذا العلم دين، ينظر عمن يؤخذ هذا الدين، ولا يمنع من الإفادة من الكتب الأخرى، لكن يبقى أن يكون المعول والعمدة والمدار ومحط النظر هو كتاب إمام من أئمة المسلمين، وينطلق منه، والعمدة متن متين، اعتمد المؤلف -رحمه الله تعالى- في مسائل الكتاب على الأحاديث الصحيحة، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هو الأصل، ما دام له الغنم وعليه الغرم بالمقدار، فإن ركب أكثر مما أنفق، يعني أنفق عليه بعشرة، وراح عليه مشاوير بعشرين أو بثلاثين، نقول: لا يا أخي أنت زدت ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يغرم، يلزم بالغرامة، ومثله لو أخذ من اللبن أكثر، ولو أخذ من اللبن أو ركب أقل يرجع على صاحبه، المسألة عدل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الرهن، المرهون، يبيع عليه المرهون، انتهينا من البيع ومما فيه، خمسين ألف وثبت في ذمته خمسين، فقال: أشتري منك البيت بمائة ألف، الخمسين التي بذمتك والزود هذا هو، وش يصير؟ ما في ما يمنع، لا أبد، لكن لا يلزم بذلك.
يقول: إذا صام الرجل صيام نافلة، ونوى من الليل أن يصوم يوم الاثنين، وأثناء النهار أحس بجوع أو عطش شديد، فهل عليه إثم؟
لا، ما دام الصيام نفل فالمتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر، على أنه لو تابع الصيام كان أفضل من باب قوله -جل وعلا-: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد].
يقول: ماذا تنصح عند أخذ علم الفرائض؟ كيف أستطيع كسب هذا العلم؟ وما هي الكتب التي ينصح بها؟ ينصح بحفظ الرحبية مع شروحها، تحفظ الرحبية، وتدرس شروحها، وكتاب الفوائد الجلية للشيخ ابن باز من أنفع الكتب في هذا الباب.
هل الرهن خاص بالسفر؟
لا عامة أهل العلم أنه في الحضر والسفر، والتنصيص على السفر لمسيس الحاجة إليه، لأنه في الغالب لا يوجد فيه كاتب.
هل لا بد من قبض الرهن حتى يستوفى منه؟
الرهن الأصل أن يكون مقبوضاً، لكن إذا كان مما لا يمكن قبضه كالأراضي مثلاً إلا بالتخلية كفى.
هل يلجأ للرهن إن وجدت الكتابة؟(83/27)
نعم قد يلجأ إليه مع وجود الكتابة، زيادة التوثقة.
يقول: الزواج من الصغيرة غير البالغة هل أجمع الفقهاء على الزواج من الصغيرة غير البالغة؟
الرسول -عليه الصلاة والسلام- تزوج عائشة وعمرها ست سنوات، وبان بها وعمرها تسع.
هل يجوز تسليم الصغيرة لزوجها؟
هذا الأصل، ما دام عقد عليها فهو أولى بها، وقد سلمت عائشة للنبي -عليه الصلاة والسلام- وبينهما من العمر خمسة وخمسين سنة.
هل يجوز التمتع بالصغيرة دون الجماع؟
يجوز ذلك.
هل يجوز المنع من الزواج من الصغيرة، والقول بأنه من خصوصيات الرسول، وأن آية سورة الطلاق تعني البالغة التي لا تحيض ... ؟
على كل حال قصة عائشة دليل صريح صحيح على الجواز.
هذا يقول: تفسير ابن كثير أين نجد طبعة أولاد الشيخ؟
هي توجد، لكنها على قلة، في بعض المكتبات غير المطروقة، وقد توجد في المعارض.
إن لم توجد هذه الطبعة ففي أي طبعة تنصح؟
تقرن بين طبعة البناء التي كان أصلها طبعة الشعب مع طبعة السلامة.
إن كنت أريد شراء نسختين واحدة على العرضة القديمة، وأخرى ...
إن كنت تريد طبعتين على العرضة القديمة طبعة الشعب الأولى، وتضيف إليها أخرى.
حكم صلاة تحية المسجد؟
جماهير أهل العلم على أنها سنة.
طالب: أفضل الطبعات -رعاك الله- طبعة الشعب لتفسير ابن كثير؟
تفسير ابن كثير أفضل الطبعات الآن طبعة أولاد الشيخ، خمسة عشر جزء، الذي لا يجدها يحرص على طبعة البناء مع طبعة السلامة.
والجديدة التي في طيبة، السلامة. . . . . . . . .
طبعته الثانية أفضل من الأولى ولا تسلم، لكن إذا ضمت إلى طبعة البناء طيب.
يقول: ما حكم قراءة الإمام في الجهرية بعد سورة الفاتحة سورة الفاتحة مرة أخرى باعتبار أنها مما تيسر من القرآن؟
أهل العلم ينصون على كراهية تكرار الفاتحة.
يقول: بالنسبة لدورتكم المباركة في الرياض هل سينتهي من المتون المعلن عنها؟
ألفية العراقي لن تنتهي، والموطأ نحرص على إنهاء كتاب البيوع، وأما المتون الثلاثة الصغيرة فالذي يغلب على الظن الانتهاء منها.
معلم في مدرسة يدرس حلقة صباحية لبعض الطلاب المتفوقين، ويدرسهم مادة وبعضهم لا يدرسهم، فأعطوه جائزة على جهوده قبل نهاية العام هل يجوز أن يقبلها؟
نعم، إذا كانت الجائزة ليست من الطلاب، ولو كانت من الطلاب من باب أخذ الأجرة على تعليم القرآن ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(83/28)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (11)
باب: التفليس والحجر
الشيخ: عبد الكريم الخضير
هذا سائل يقول -مو بسائل طلب-: هلا تكرمتم بحث طلاب العلم على العناية بكتاب الله، وحضور دروس التفسير.
على كل حال كتاب الله لا يختلف اثنان من المسلمين في فضله وشرفه، والثواب المرتب على قراءته وتدبره وحفظه والعمل به، وما يعين على حفظه وفهمه وتدبره، كل هذا يكون مطلوباً تبعاً لطلب الأصل؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا نستطيع أن نعرف معاني كتاب الله إلا من خلال ما جاءنا عن سلف هذه الأمة المدون في كتب التفسير، ففهم المعاني يعين على الحفظ، ويعين على التدبر، فلا غنى لطالب العلم عن كتب التفسير، لا سيما المؤلفة من قبل الأئمة الموثوقين، المعروفين بسلامة المعتقد، وتكلمنا في مناسبات كثيرة فيما يبدأ به طالب العلم من كتب التفسير، ويتدرج في تعلم هذا العلم.
يقول: إذا اشترى رجل من أخر سلعة ليست عنده، ولكن البائع ذهب إلى السوق واشتراها له، هل هذه الصورة تعتبر من السلم أو من بيع ما لا يملك؟
هذه من بيع ما لا يملك ((لا تبع ما ليس عندك)) إلا إذا اشتراها لصاحبها بالوكالة، وحينئذٍ لا يجوز أن يزيد عليه شيئاً في قيمتها، وله أن يأخذ أجرة المثل.
هذا مثله يقول: كثير من أصحاب المحلات التجارية خاصة ما يتعلق بالأجهزة ونحوها قد لا يكون عندهم السلع المطلوبة، فإذا جاءهم المشتري باعوا له بعض تلك السلع، ومن ثم يقومون باستجلابها، وتوريدها من موزعيها؟
هذا بيع ما لا يملك، ((لا تبع ما ليس عندك)).
وهل تدخل فيما يسمى بالسلم الحال؟ وما الراجح؟ علماً بأن المجيزين له يقولون: إنه إذا جاز السلم مع الأجل فجوازه بدونه من باب أولى؟
حديث حكيم بن حزام نص صحيح صريح في منع هذه الصورة.
يقول: جاءني رجل فأعطاني سبعة آلاف ريال، يقول: هي من كسب ربوي، مال ربا، وقد تاب إلى الله تعالى فهل يجوز أن أطعمها لأسرة فقيرة بلغت بها الفاقة والعوز ما يفوق الوصف؟ أم أن هذا المال سحت فلا يجوز لهم أكله؟(84/1)
على كل حال إن الله طيب لا يقبل إلا طيب، فلا يتصدق بها على هذه الأسرة بنية الصدقة، وإنما بنية التخلص، وإن وجدت المصارف المناسبة لهذا المال الخبيث من مصرف خبيث فهو أولى.
يقول: ما رأيكم في كتاب (منهاج السالكين) للشيخ عبد الرحمن بن سعدي؟ ومتى نقرأه بين كتب ابن قدامة؟
يقرأ قبل كتب ابن قدامة؛ لأنه ألف بأسلوب سهل ميسر يفهمه كل طالب، ليس فيه ما يشكل.
يقول: إذا باع قبل بدو الصلاح ثم صلحت هل البيع صحيح؟
البيع ليس بصحيح، يجدد العقد.
هل يجوز تقديم نصف مبلغ تجهيز مطبخ مثلاً، ثم يعطى باقي المبلغ بعد صناعة الأرض وتركبيها؟
القيمة الأصل أن تكون بعد أو مع استلام السلعة، وإذا قدم بعضها وأخر بعضها حسب الاتفاق بينهم، فالأمر لا يعدوهم.
يقول: من كان عنده خادمة غير مسلمة، ويريد العمرة هل يجوز له أن يدخلها مكة؟
لا يجوز له ذلك.
يقول: ورد في بعض الشروح للبلوغ أن الرجل الذي طلب منه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثوبين قرض أنه يهودي؟
هو اللائق بأخلاق اليهود، وإن لم يكن فالذي يغلب على الظن أنه من المنافقين.
ما حكم الجمعيات التي تكون بين الموظفين؟ هل تدخل في حديث: ((كل قرض جر نفعاً فهو ربا))؟
لا يظهر لي وجه المنع فيها.
هذا يسأل: ما أفضل الشروح لبلوغ المرام؟
سبل السلام هو من أفضل الشروح الموجودة، وتوضيح الأحكام للشيخ البسام أيضاً شرح طيب ومرتب وسهل.
المسائل مكررة.
يقول: ما الدليل على طلوع النجم؟ ولماذا يصرف عن لفظ الشارع: ((حتى يبدو صلاحها)) إلى طلوع النجم؟
ورد به بعض الأحاديث، التحديد بطلوع النجم، وقد جرت العادة بأنه إذا طلع النجم أمن العاهة.
يقول: يطلب توضيح حديث: ((لا يغلق الرهن من صاحبه))؟
المعروف أن الرهن إنما يجعل توثقة للدين، لهذه العين المرهونة، فإذا لم يوفِ المدين يمكن الاستيفاء من هذه العين برضا المدين، أما بغير رضاه هذا غلق الرهن، والحديث فيه كلام تقدم.
يقول: ما حكم السلام حال شربه الدخان؟(84/2)
يعني حال التلبس بالمعصية، حال تلبسه بالمعصية، يعني شخص واقف في الشارع أو جالس والناس يصلون، أو يزاول معصية في حال مزاولته للمعصية هل يسلم عليه أو لا يسلم عليه؟ إن كان ما زال في دائرة الإسلام، فالمسألة مسألة مصلحة بين الهجر والتأليف، فإن كان الهجر أنفع لا يسلم عليه، وإن كان التأليف والسلام عليه ثم دعوته بالرفق واللين يستجيب لذلك، فالمسألة مسألة علاج.
يقول: كيف يوفق طالب العلم المجتهد الحريص بين الطلب لا سيما في علم الفقه؟ كيف يوفق بينه وبين مرققات القلب؛ لأنه قد يحصل بسبب كثرة التأمل ومطالعة كتب الفقه خاصة والنظر في الخلافات بين العلماء شيء من عدم الرقة في القلب فكيف يجمع بين ذلك طالب العلم؟
يجمع طالب العلم بين هذه الأمور بين الفقه والرقائق والزهد والفتن والاعتصام والتفسير والحديث والعقيدة، يجمع بين هذه الأمور؛ لأنها هي أبواب الدين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) وكلها من أبواب الدين، ويكون عنده من الخلل بقدر ما يهمل من هذه الأبواب، فلا بد من العناية بهذه كلها.
يقول: رجل استخدم جوالاً حتى بلغ الذي عليه من المال خمسمائة ريال، ثم فصل عليه فلم يسدد، ثم أخذ جوالاً أخر بغير اسمه، فماذا يفعل؟ وما حكم عمله هذا؟
عليه أن يسدد أجرة المكالمات.
وهل يعتبر ما يجري بين المشتري وأصحاب شركة الاتصال عقوداً يجب الوفاء بها؟
نعم، هم الآن يبيعون عليك المنفعة، فلا بد من إيفائهم الثمن.
يقول: ما رأيك في طريقة وضع المسائل على أبواب الفقه، فمثلاً كتاب الطهارة، توضع له مسائل تلم بجميع الكتاب ليكون أسهل في الاستيعاب والفهم؟ وما هي الطريقة المثلى لاستيعاب مسائل الفقه؟(84/3)
أولاً: كتب الفقه مرتبة على المسائل، الأبواب مرتبة على حسب أهميتها عند أهل العلم، وطريقتهم في الترتيب متقاربة حسب حاجة المسلم إلى هذه الأبواب، والمسائل ضمن هذه الأبواب مرتبة أيضاً، فالفقهاء يعنون بالترتيب، ويحاسبون أنفسهم على الكلمة، بل على الحرف، فهم من أدق الناس في هذا الباب، فكتبهم مرتبة، لكن الطريقة المثلى لاستيعاب مسائل الفقه تعتمد على كتاب واحد في مذهب معين، وتجعل هذا الكتاب محور بحث تسير عليه، تفهم هذه المسائل، مسائل الكتاب، وتستدل لهذه المسائل المجردة عن الدليل، وتعلل من الشروح، تذكر التعليل، وتنظر من وافق من أهل العلم على الحكم الذي افترضه صاحب الكتاب، ومن خالف، ودليل المخالف، توازن بين الأدلة، ثم ترجح، إذا انتهيت من كتاب على هذه الطريقة تكون ضبطت الفقه.
يقول: قلتم في الأمس فيما يتعلق بالمنهجية في طلب العلم يبدأ بكتاب العمدة في الفقه ثم المقنع ثم الكافي ثم المغنى، فهل الأفضل حفظ متون هذه الكتب، أم يكتفي بقراءتها وتكراراها؟ وإذا قلتم: بالحفظ فلماذا لا يبدأ أولاً بحفظ الأحاديث المتعلقة بالأحكام كعمدة الأحكام وبلوغ المرام لأنها من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو مقدم على غيره؟
بعض الناس يسمع الكلام في فن من الفنون ويفهم منه إلغاء غير هذا الفن، يعني لما نتكلم عن الفقه هل يعني هذا أننا نلغي التفسير أو العقيدة أو الحديث؟ ليس هذا معناه، نحن بصدد الكلام عن الفقه، فتطلب الفقه على هذه الطريقة، وتطلب العلوم الأخرى على طرق مماثلة.
يقول: لماذا لا نعتمد أولاً بحفظ أحاديث ... ؟
أحفظ أحاديث الأحكام، تحفظ الأربعين ثم عمدة الأحكام ثم البلوغ، ثم المحرر، ثم بعد ذلك تقرأ ما شئت، مثل العلوم الأخرى.
ما هو أفضل شروح عمدة الأحكام؟ وأفضل طبعة؟ وبأيها يُبدأ؟
أفضل شروح عمدة الأحكام ابن دقيق العيد، أحكام الأحكام لابن دقيق العيد، لكنه كتاب متين، يحتاج إلى معاناة، ويحتاج إلى شرح، وعليه حاشية للصنعاني نافعة، هذا من حيث الأفضل، هناك كتب سهلة خدمت عمدة الأحكام تعين على فهم ابن دقيق العيد، مثل شرح الشيخ فيصل بن مبارك مختصر وميسر، ومثل تيسير العلام للشيخ البسام، وغيرها من الشروح.(84/4)
طالب:. . . . . . . . .
مطول هذا، مطول وإلا فيه فوائد كثيرة.
هل تنصحون بالتعمق في علم أصول الفقه؛ لأنه علم متين لا يدرك دقائقه إلا فحول الرجال على قول أحد السلف، وخاصة المطولات منه؟
أما علم الأصول، وعلوم العربية، وعلوم القرآن، ومصطلح الحديث هذه وسائل لفهم غايات، فيؤخذ منها ما يعين على فهم الغاية، فمثلاً النحو، إذا قرأت الآجرومية، وقرأت شروحها، وسمعت عليها الشروح المسجلة، ثم بعد ذلك القطر، وإن استفدت من الألفية في المواطن التي لم تمر عليك في الكتابين يكفيك، ما يلزم أن تقرأ مطولات النحو، لا كتاب سيبويه ولا شروحه، ولا المفصل، ولا شروحه، تقتصر منه على هذا القدر، وقل مثل هذا في أصول الفقه، إذا قرأت الورقات مع شروحها، وسمعت ما سجل عليها، وحضرت درس فيها، ثم مختصر التحرير، أو البلبل مع شرحه، ثم بعد ذلك تراجع المطولات عند الحاجة.
يقول: هل لكم شرح لبلوغ المرام مكتوب سينزل قريباً في الأسواق كما سمعنا من أحد الإخوة؟
يحتاج إلى وقت -إن شاء الله تعالى-.
هذه ورقة فيها عشرة أسئلة تحتاج إلى وقت طويل.
يقول: ما الفرق بين بيع ما لا تملك الوارد في حديث حكيم بن حزام، والسلم الذي هو عقد على موصوف بالذمة بثمن مؤجل، مقبوض في مجلس العقد؟
الفرق أن هذا جاء النهي عنه، وهذا جاء إباحته، هذا الفرق الأصلي الذي عليه المعول، أن بيع ما لا يملك ممنوع، بحديث حكيم بن حزام، والسلم جائز، والسلم وإن كان خلاف الأصل لأنه بيع ما لا يبدو صلاحه، بل بيع المعدوم لكنه دعت إليه الحاجة، فجاء النص الصحيح الصريح بجوازه.
هل يجوز تحول النية في الصلاة مثل أن يصلي العصر ثم يحول النية لصلاة الظهر؟
أثناء الصلاة الفريضة لا تحول، الفريضة لا تحول إلى فريضة، لكن لو أن إنساناً دخل ووجد الناس قد صلوا الظهر أو صلوا العصر، ثم شرع في الصلاة منفرداً والوقت متسع، يجوز له أهل العلم أن يقلبها نفلاً، وإن نوى منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز، ليحصل أجر الجماعة.
هل تركب السيارة بنفقتها إذا كانت مرهونة؟
لا تركب؛ لأن هذه النفقة مرتبة على الركوب فلا داعي لركوبها؛ لأنه إذا لم تركب لا داعي لنفقتها.(84/5)
يقول: هل بالإمكان إعادة حديثكم في حكم القرض من قبل الدولة فلم يكن الصوت واضحاً؟
الجمهور على أن القرض لا يقبل التأجيل، فإذا أخذت قرضاً طويل الأمد مدته عشرون أو ثلاثون سنة، يقسط كل سنة كذا، من الدولة أو من غيرها، ثم احتاجه صاحبه على هذا القول له أن يأخذه في أي وقت شاء، وعلى القول الثاني، والمسلمون على شروطهم، ورأي الإمام مالك ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ليس له ذلك؛ لأن المسلمين على شروطهم.
ما حكم قبول الهدية من مريض لطبيب في المستشفى، أو طالب لمدرس في المدرسة، وإن كانت مادية أو شفاعة في بعض الأحيان فبعض المرضى إذا وجد مثلاً من الطبيب الخير وكان له مكانة عند مدير المستشفى مثلاً يشفع في ترقيته مثلاً، وأما المادية في بعض الأحيان يأتينا كبار السن بهدية ... ؟
العامل في مرفق من المرافق لا يجوز له أن يقبل شيء في مقابل عمله الأصلي؛ لأن هذا له أثر ووجد الآن، وظهرت بوادره، وكان هذا في غير هذه البلاد، لكنه ظهرت بوادره الآن من إهمال كثير من الموظفين لعملهم، وترديد الناس وإتعاب الناس حتى يبذلوا؛ لأنه وجد من يبذل، والرشوة حرام، ملعون صاحبها نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: لو قال قائل: إن الربا يجري في الحيوان إلا الإبل فهل هذا صحيح؟
هذا ليس بصحيح؛ لأن الحكم واحد.
يقول: إذا سعى أحد لي بأمر لم أطلبه منه، ثم بعد أن أتاني هذا الأمر أهديته هدية هل يجوز هذا الأمر؟
المكافأة لا بأس بها، لكن يبقى أنه إن كان شفاعة، وأراد أن يأخذ على شفاعته وجاهه مالاً معاوضة فلا يجوز، لكن المكافأة ولو بالدعاء أمر مطلوب.
يقول: ما رأيكم في طبعة دار السلام للكتب الستة، سواء كانت الكتب الستة في مجلد واحد، أو في ستة مجلدات؟
هذه يريدونها من أجل خفة الحمل، كل كتاب في مجلد واحد، ييسرون على طالب العلم، لكن هي بحاجة إلى مزيد عناية الضبط والإتقان.
ما أفضل الطبعات الأم للإمام الشافعي؟
أفضلها طبعة بولاق، الطبعة الأولى.
ما أفضل طبعات المجموع للنووي؟
أفضله الطبعة الأولى التي معها فتح العزيز والتلخيص الحبير.
ما أفضل طبعة لروضة الناظر مع نزهة الخاطر؟
أفضلها الطبعة السلفية التي طبعت على نفقة الملك عبد العزيز.(84/6)
يقول: أرجو منكم توضيح رأيكم في بنك البلاد؟ وهل يجوز المساهمة فيه والتعامل معه؟
هذا مر بنا مراراً، وكتب وسجل وأعلن, المساهمة الأصلية لا بأس بها -إن شاء الله تعالى-، وأما بيع الأسهم قبل أن يقوم البنك فهذا بيع دراهم بدراهم.
يقول: قلتم: إن الأصل أن المرأة لا تملك المال، ولكن المرأة ترث، وفي بعض الأحيان لها راتب فكيف نجمع، فلم أفهم هذه النقطة؟
من قال: إن المرأة لا تملك؟! المرأة تملك ملكاً تاماً مستقلاً، وسيأتي في حديث هل لها أن تتصدق بغير إذن زوجها أو لا تتصدق؟ يأتي بسطه -إن شاء الله تعالى-.
يقول: الاشتراك المقدم في أول السنة للمجلات وغيرها هل هي من باب السلم؟
أولاً: ينتبه لهذه المجلات وهذه الجرائد التي اشتمل كثير منها على الغث فضلاً عن المحرم، فيربى طالب العلم من الاشتراك فيها أو قراءتها إلا عن قصد التنبيه على ما فيها من مخالفات، وأما الجرائد والمجلات السالمة النظيفة النزيهة فينبغي دعمها ويشترك فيها، وأقرب ما تكون إلى صور السلم المقدم هذا.
بعض الشباب يضعون في جوالاتهم القرآن الكريم بدل النغمات -نغمات المكالمات- فما رأيك؟
القرآن ما أنزل لهذا، وهذا أقرب ما يكون إلى الامتهان.
هذه مسألة شراء السلعة وبقاء شيء من الدراهم عند صاحب السلعة؛ لأنه لم يجد الرد.
يعني اشترى بخمسة وأعطاه عشرة، وليس عنده الخمسة، قال: تأتيني في وقت أخر، ما يظهر فيها شيء.
يقول: في بعض الأحيان يبدر بعض المزاح منا فيستدين أحدهم من أحد ألف، فيقول له: أرجعه لي ألفين فقط، من باب المزاح فقط، فهل يجوز ذلك؟
العبرة بحقيقة الحال، فإن أرجعه ألفين فهو عين الربا.
يقول: ما حكم الشراء عن طريق الانترنت؟
الشراء بالوسائل الحديثة بالهاتف والانترنت والفاكس وغيرها أجازها أهل العلم.
يقول: ما أنسب وقت للحفظ والذي يعاني من ضعف الحفظ فماذا عليه؟(84/7)
أنسب وقت للحفظ وقت الهدوء، والفراغ من المشاغل، وبعد الراحة التامة؛ لأن الذهن يحتاج إلى راحة كالجسم، وليكن في أخر الليل، أو أول الصباح الباكر، وإذا أراد أن يحفظ يجهر؛ يرفع صوته، بخلاف ما إذا أراد أن يفهم يخفض صوته، والمكان المناسب للحفظ المكان المحصور الضيق، بخلاف المكان المطلوب للفهم يحتاج إلى شيء واسع، والتجربة تدل على هذا، والذي يعاني من ضعف الحفظ عليه بكثرة الترديد.
هل يكفي في طلب العلم قراءة الكتب والسؤال عما يشكل إذا رفض الوالدان حضور الدروس؟ وهل يجب طاعتهما في ذلك؟
الحمد لله، الأمور متيسرة، إذا رفض الوالدان حضور الدروس فعليك بالوسائل المعينة على ذلك، فاحضر الدروس وأنت في البيت بواسطة الأشرطة.
يقول: انتشرت قصة الفتاة التي استهانت بكتاب الله ثم مسخ الله صورتها صورة حيوان هل هذه القصة حقيقية؟
أنا لا أعرف حقيقة هذه القصة، لكن الاستهزاء بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- وقع من الحوادث ما يبلغ بمجموعه حد القطع أنه يعاقب في الدنيا قبل الآخرة، نسأل الله السلامة والعافية0
ما حكم الاحتفاظ بالصور التي توضع في الجواز بعد انتهاء مدته؟
الصورة في الجواز والبطاقة وغيرها إنما أفتى العلماء بجوازها للحاجة، والحاجة لا تتعدى موضعها.
ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو للأطفال؟ وما الحكم إذا صور شخص بكاميرا فورية ثم أخذت منه الصورة واحتفظنا بها فهل علينا أثم؟
على كل حال التصوير بجميع آلاته وأشكاله إذا كان لذوات الأرواح فهو داخل في التحريم.
ما حكم استعمال السبحة المكتوب على جميع حباتها أسماء الله الحسنى؟
هذا أمر مبتدع مخترع، والسبحة في أصلها في استعمالها يحتاج إلى أصل يدل عليه، وكون أم المؤمنين سبحت بالحصى أو بالنوى وأرشدها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الأصابع، لا شك أن الأصابع أفضل، وإذا اقترن بهذه السبحة على ضعف أصلها، وأفتى بعضهم بأنها ومبتدعة مخترعة، إذا اخترع بها مثل هذا الأمر يكتب عليها أسماء الله الحسنى تزداد سوء.
طالب:. . . . . . . . .
هذا أسوأ، إذا استعمل المنكر في بيت من بيوت الله هذا أشد، الأمر أشد، فإذا حصل التصوير في المساجد فالأمر أسوأ.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم(84/8)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: التفليس والحجر
عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من غيره)) متفق عليه، ورواه أبو داود ومالك من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلاً بلفظ: ((أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء)) ووصله البيهقي وضعفه تبعاً لأبي داود.
وروى أبو داود وابن ماجه من رواية عمر بن خلدة قال: أتينا أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- في صاحب لنا قد أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به)) وصححه الحاكم، وضعف أبو داود هذه الزيادة في ذكر الموت.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: التفليس والحجر
التفليس: مصدر فلس يفلس تفليساً، وفلس يعني نسب غيره إلى الإفلاس، الذي هو مصدر أفلس، فلس يفلس تفليساً، وأفلس يفلس إفلاساً، أي صار إلى حال لا يملك فيها فلساً واحداً، فهو مفلس، فالمفلس على هذا من لا يملك، من لا يملك الفلس، فضلاً عن الدراهم والدنانير، فضلاً عن الأمتعة، فالذي لا يملك الفلس يقال له: مفلس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سأل الصحابة: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: نعم المفلس من لا درهم له ولا متاع، جواب صحيح وإلا غير صحيح؟ كيف؟(84/9)
الآن يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((أتدرون من المفلس؟ )) قلنا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال)) في بعض الروايات: ((أمثال الجبال من صلاة وصيام وصدقة)) وغيرها من أنواع الأعمال البر، ((ثم يأتي وقد ضرب هذا، وظلم هذا، وأكل مال هذا، وانتهك عرض هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته ... )) إلى آخر الحديث، هذه حقيقة المفلس، وهذا الفلس الحقيقي، فالحقيقة الشرعية للمفلس ما جاء في الحديث الصحيح: ((المفلس من يأتي بأعمال ... )) إلى آخره، هذه حقيقة شرعية، هل يستطيع الإنسان أن يقول: ليست بحقيقة شرعية؟ هل هي حقيقة لغوية؟ لا ليست حقيقة لغوية، هل هي حقيقة عرفية؟ لا ليست بحقيقة عرفية، لو كانت حقيقة عرفية لعرفها الصحابة، لكنها حقيقة شرعية.(84/10)
المفلس في الباب الذي ندرسه الآن، وهو مطابق لجوابهم: "من لا درهم له ولا متاع" حقيقة شرعية وإلا عرفية وإلا عرفية؟ لغوية عرفية، لكن شرعية وإلا ليست شرعية؟ شرعية أيضاً بدليل: ((من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس)) هذه حقيقة شرعية، هل نقول: إن من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس؟ من جاء بأعمال أمثال الجبال، وجاء وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، هذا هو المفلس في هذا الباب؟ في قوله: ((عند رجل قد أفلس)) الآن هذا الفلس والإفلاس المذكور في هذا الحديث هل هو مطابق لجواب الصحابة أو لاستدراك النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم؟ مطابق لجواب الصحابة، وجاء به نص شرعي، إذاً حقيقة شرعية، فالإفلاس له حقيقتان شرعيتان، منها ما ذُكر في هذا الباب، ومنها ما جاء في الحديث الصحيح، الذي يأتي بالأعمال الصالحة، إلا أنه يفرقها على من يكرهه، لا على أحبابه غالباً، فالإفلاس له حقيقتان شرعيتان، كون الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول لهم: لا، هل يعني هذا أنه ليس المفلس حقيقته الشرعية مثل ما ذكروه، أو أن المراد المفلس الحقيقي الذي ينبغي أن يسمى مفلساً؟ {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(15) سورة الزمر] هذا الخسران الحقيقي، شخص معه سيارة تستحق مائة ألف، أو اشتراها بمائة ألف وباعها بخمسين ألف، هذا خسران أو لا؟ خسران، لكن هل هذا خسران حقيقي بالنسبة لخسران الآخرة؟ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(15) سورة الزمر] هذا الخسران الحقيقي، والفلس الذي ذهبت أمواله بحيث لا يجد فلساً واحداً هذا مفلس، لكن الإفلاس الحقيقي الإفلاس يوم القيامة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((من نفس عن مسلم كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) ما قال: من كرب الدنيا والآخرة؛ لأن الدنيا لو كانت كلها كرب ما عدلت كربة واحدة من كرب يوم القيامة، فالإفلاس هنا حقيقي، وإذا أفلس الإنسان أو زادت ديونه على ممتلكاته صار بحاجة إلى حجر، إذا أفلس ثم اشترى واشترى واشترى من يسدد عنه؟ مثل هذا يحجر عليه، ويمنع من التصرف في ما بيده من مال،(84/11)
سواء كان ذهب ماله بالكلية، أو ذهب إلى حد لا تفي موجوداته بديونه، مثل هذا يحجر عليه، ولذا يقال: التفليس والحجر، وأكثر الكتب تقول: باب: الحجر والتفليس، يقدمون الحجر، والأصل أن الحجر مرتب على التفليس والإفلاس، مرتب عليه يكون الحجر بعد الإفلاس، أو يقال: إن الأصل الحجر، ثم الفك، ثم الحجر إن احتيج إليه؟ الأصل الفك أو الحجر إلى أن يبين الرشد ثم يفك عنه؟ الأصل أن الإنسان ليس بكفء إما لصغير أو لغيره، والأصل الصغر {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ} [(5) سورة النساء] إلى أن قال: {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ} [(6) سورة النساء] الأصل أنه محجور عليه، ثم بعد ذلك يفك، تدفع إليه الأموال، ثم إذا بان منه ما يقتضي للحجر حجر عليه، والمسألة صحيحة، سواء قلنا: باب الحجر والتفليس، أو التفليس والحجر، والمراد بالحجر منع المالك من التصرف في ماله لحظ نفسه أو لحظ غيره، إما لحظ نفسه لئلا يبذر أمواله، ويفرق أمواله فيما لا ينفعه في دينه ولا في دنياه، أو لحظ غيره من أرباب الديون.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن أبي بكر بن عبد الرحمن" بن الحارث بن هشام التابعي الجليل، أحد الفقهاء السبعة.
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة
هذا أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الفقيه التابعي الجليل "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس)) " بعينه يعني ما زاد ولا نقص، أدرك ماله، بعت على رجل سيارة ثم أفلس الرجل، السيارة باقية كما هي، ما تغيرت لا بزيادة ولا نقص، هذا مقتضى قوله: ((بعينه)) إنه لم يتغير لا بزيادة ولا بنقص.(84/12)
((عند رجل قد أفلس فهو أحق به)) افترض أنك بعت سيارة على زيد من الناس بمائة ألف وهو مدين بمليون لعشرة أشخاص، ولا يوجد عنده غير هذه السيارة، أنت أولى الناس بها، ما دام ما تغيرت، ((من أدرك ماله بعينه)) يعني غير متغيرة لا بزيادة ولا بنقص ((عند رجل قد أفلس فهو أحق به)) إذا اختلفت بزيادة، بعت عليه كتاب بخمسين ريال، ثم ذهب وجلده بثلاثين، ثم أفلس، وجدت هذا الكتاب أنت أحق به وإلا ما أنت بأحق به؟ تغير بزيادة، أعكس المسألة بعت عليه كتاب بخمسين ريال ثم وجدت الكتاب، قيل لك: فلان أفلس، ذهبت لتأخذ الكتاب فإذا هو منزوع التجليد، تغير بنقص، أنت أحق به وإلا غيرك أحق به؟ إذا تغير بزيادة يكون الرجل المفلس له جزء من هذه العين، التجليد له ليس لك، فلست أحق به من غيرك، لكن إذا تغير بنقص، وقال صاحب الكتاب: أنا أرضى ولو كان بدون تجليد، رضي بالنقص من غير أرش يختلف أهل العلم في هذا، منهم من يقول: مقتضى قوله: ((بعينه)) أنه ما وجده بعينه وجده متغيراً، والتغير بالنقص مثل التغير بالزيادة، وهذا وقوف عند حرفية قوله: ((بعينه)) ومنهم من يقول: إذا قبله بدون أرش فهو أولى به من غيره، يعني هل تختلف هذه العين أنها عين ما بعت عليه؟ نعم؟ لا تختلف، هذه عين ما بعت عليه، لكن كونها نقصت وأنت راضي بالنقص لا يغير من الحكم شيء، إذا قبلها من دون أرش، أنا بعت عليك الكتاب بخمسين مجلد، أنا بآخذه الآن بأربعين، يا الله يجيب أربعين، وتدفع لي عشرة يقال: لا؛ لأنك أخذته بدون أرش كما لو كان بعينه، فلا بأس، أنت أحق به من غيرك، وإن افترضت إلا مع الارش نقول: لا، أنت أسوة الغرماء، ولا شك أن التغير حاصل.
لكن يبقى أنه عين ماله، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(84/13)
مؤجل أو عاجل المقصود أنه ما قبض الثمن، ما قبض الثمن، لكن لو باعه هذا الكتاب، أو هذه السيارة أقساط شهرية لمدة ثلاث سنوات، ثم أفلس، هل لصاحب العين أن يأخذ هذه العين ويقول: أنا أحق بها من غيري؟ يعني هو ما استحقها أصلاً، ولا استحق قيمتها فهل له أن يأخذها؟ أو يقول: أنا أخذها بقيمتها ولا أحتاج أقساط؟ يعني إن كان وفى من القيمة شيء له حكم، إذا كان ما وفى من القيمة شيء وأراد أن يبطل العقد شيء آخر، فأهل العلم يقولون: إن كان قد وفى من القيمة شيئاً فليس بأحق بها، وإذا كانت القيمة لم يوف منها شيء وخاف على ماله فهو أحق به، وعلى كل حال ما دام مؤجل ومقسط ومنجم لا يستحق شيئاً إلا إذا حل الأجل.
يقول: ((فهو أحق به من غيره)) يعني من الغرماء، والحديث متفق عليه.
"ورواه أبو داود ومالك من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن -المذكور- مرسلاً بلفظ: ((أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه)) " يعني المشتري ((ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً فوجد متاعه بعينه فهو أحق به)) الآن إذا قبض من الثمن شيء هل هذا متاعه وإلا هو شريك لصاحبه المشتري؟ لأن جزء من الثمن مدفوع، وجزء من الثمن لم يدفع، المشتري ملك بعض السلعة بما دفعه من القيمة، إذاً ليس هذا متاعه، هذا متاعه ومتاع غيره، فليس أحق به من غيره، ولذا يقول: ((أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً فهو أحق به)) مفهومه أنه إذا قبض أنه لا يكون أحق به، ((فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء)) الحديث مرسل وضعيف، لكن إذا مات هل يختلف الحكم فيما إذا أفلس أو مات؟ الآن هل يُلزم الوارث بسداد دين مورثه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا أنت افترض أنه مات وهو مفلس ما يملك شيء ومدين، هل يُلزم أولاده أن يدفعوا عنه؟ هو لم يترك شيئاً، ما يُلزمون، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أي غنم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم ما ورثوا، ما عنده شيء، يعني حكمه حكم النفقة؟ هذا أولاً: إذا ترك وفاء أو ترك تركة فسداد الديون قبل الإرث، تسدد الديون قبل أن تقسم التركة، هذا أمر مفروغ منه، لكن المسألة مفترضة في شخص لم يترك وفاء هل يُلزم أولاده أن يسددوا عنه؟ نعم؟(84/14)
طالب:. . . . . . . . .
نعم من باب البر ما في إشكال، لكن إلزام ما في إلزام؛ لأن المدين انتهت ذمته، ولذا يقول: ((فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء)) خلاص انتقل المال بالموت من الميت إلى ورثته، فما وجد المال عند الرجل الذي قد أفلس، وجد المال عند ورثة الميت، فهو حينئذٍ أسوة الغرماء.
وعلى كل حال الحديث ضعيف؛ لأنه مرسل.(84/15)
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "ووصله البيهقي، وضعفه تبعاً لأبي داود" وعلى كل حال الحديث صححه ابن حجر في فتح الباري، وصححه الألباني في الإرواء، وهو مصحح من قبل بعض العلماء، وضعفه أبو داود والبيهقي، الآن وجوه الاتفاق والاختلاف بين الرواية الموصولة المتفق عليها، وبين الرواية المرسلة، الرواية الموصولة خاصة بمن وجد ماله عند رجل قد أفلس وهو على قيد الحياة، ولم يدفع من الثمن شيئاً، الرواية التي تليها: ((أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً فوجد متاعه بعينه فهو أحق به)) لكن لو كان قبض بعض الثمن، باعه السيارة بمائة ألف وأفلس وسدد عشرة أقساط، صاحبه سدد عشرة أقساط، يقول: أنا أعيد له هذه الأقساط التي دفعها ليكون في حكم من لم يدفع، ولم أقبض شيء، فهل له ذلك أو ليس له ذلك؟ الحديث يقول: ((ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً فوجد متاعه بعينه فهو أحق به)) مفهومه أنه إذا كان قد قبض شيئاً ولو التزم برد ما قبضه أنه كغيره، فإن مات المشتري -هذا في الموت وذاك في الإفلاس- فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء؛ لأن المتاع انتقل من ملك المورث إلى ملك الوارث، "وصله البيهقي، وضعفه تبعاً لأبي داود، ورواه أبو داود وابن ماجه من رواية عمر بن خلدة قال: أتينا أبي هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أفلس أو مات)) " وهذه تقوي الرواية السابقة المرسلة التي فيها .. ، تقوي أو خلاف؟ أو تخالف؟ الأولى: ((فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء)) والثانية: ((فإن أفلس أو مات)) ((من أفلس)) موافقة للرواية الأولى، لكن ((أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به)) تخالف الرواية الأخيرة، لكن ما الفرق بين الفلس والموت؟ يعني مال الدائن في خطر في الحالين، في حال الفلس وفي حال الموت، فمقتضى الرواية الأخيرة: ((أن من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به)) والحكم لا يختلف، والأثر على المال وعلى صاحب المال واحد، فالخطر محدق به وبماله.(84/16)
" ((من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به)) وصححه الحاكم، وضعفه أبو داود، وضعف هذه الزيادة في ذكر الموت" أما ((من أفلس)) فهي محفوظة، زيادة في ذكر الموت عند أبي داود وابن ماجه والحاكم، لكن في إسنادها راوٍ مجهول.
هذا المال الذي وجد عند المفلس سواء كان ببيع أو قرض، وجاء الراوية بلفظ: ((من ابتاع سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينه فهو أحق بها من الغرماء)) ((إذا ابتاع الرجل سلعة وأفلس وهي عنده بعينها فصاحبها أحق بها من الغرماء)) ابتاع هذا تنصيص على البيع، لكن من وجد متاعه، من أدرك ماله أعم من كونه بيع فيشمل القرض، وإذا كان أحق بها في حال البيع ففي حال القرض من باب أولى، لكن في حال العارية أحق بها أو ليس بأحق بها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا لا يختلف فيه في العارية لأنها ماله، يعني ما انتقلت إلى ملك الطرف الثاني، ما زالت باقية في ملك الطرف الأول في العارية فهي أولى وأحق، يعني عارية استعار كتاب وجلده، هو كتابه، والثاني متصرف به من غير إذنه لا يستحق شيئاً، نعم.
وعن عمرو بن الشريد عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)) رواه أبو داود والنسائي، وعلقه البخاري، وصححه ابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(84/17)
"وعن عمرو بن الشريد" تابعي يروي "عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لي الواجد)) " لي يعني: مطل، وجاء بهذا اللفظ: ((مطل الغني ظلم)) وهنا يقول: ((لي الواجد)) ليه: مطله، والواجد من الوجد، وهو القدرة على الوفاء والسداد، من الوجد والجدة فهو واجد يعني قادر على الوفاء، فمطله معصية، والخلاف في كونها صغيرة أو كبيرة معروف، فعلى كل حال هو معصية ارتكب أمراً محرماً، وهذا الأمر المحرم ترتب عليه حل العرض والعقوبة، فإذا جئت لصاحب المحل الذي بعت عليه بضاعة فقلت له: أعطني ثمن البضاعة، قال: غداً، جئت غداً قال: تجيني يوم الجمعة، جئت يوم الجمعة، قال: .... الاثنين، جئت .. وهكذا، وهذا موجود في أسواق المسلمين، والدراهم موجودة، متوفرة، وموجود بكثرة مع الأسف المطل واللي، هذه معصية يترتب عليها حل العرض والعقوبة، لكن ما معنى حل العرض؟ علق البخاري عن سفيان أن ما يحل من عرضه أن يقول: مطلني فلان، ما تقول: فرصة الآن مكنا الشرع من عرضه، وأنا في حل، وفي كل مجلس المجرم الأثيم المعتدي الفاعل التارك، ويتعرض لأمور دينه ودنياه، وأسرته ومن حوله وقبيلته، هذه فرصة، أباح له الشارع أن يتفكه في عرضه! لا، يباح من عرضه ما علقه البخاري عن سفيان بأن يقول: مطلني فلان، بقدر الحاجة {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] يعني إلا بقدر المظلمة، فإذا زاد فتعدى وتجاوز وظلم أثم بلا شك، فيحل عرضه وعقوبته يعاقبه الإمام، ويعزره إما بكلام شديد، أو بحبس أو بضرب إن لم يمتثل حتى يسدد، أو يؤخذ المال قهراً منه ويدفع إلى صاحبه، المقصود أنه مستحق للعقوبة.
"رواه أبو داود والنسائي، وعلقه البخاري، وصححه ابن حبان" علقه البخاري المعلق: هو ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر.
وإن يكن أول الإسناد حذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عرف
ولو إلى آخره. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
ولو حذف الإسناد إلى آخره يسمى معلق.(84/18)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: أصيب رجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا عليه)) فتصدق الناس عليه ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لغرمائه: ((خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك)) رواه مسلم.
وعن ابن كعب بن مالك عن أبيه -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه، رواه الدارقطني، وصححه الحاكم، وأخرجه أبو داود مرسلاً، ورجح إرساله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(84/19)
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: أصيب رجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا عليه)) " هناك في الحديث السابق، في حديث جابر الذي تقدم: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو بعت من أخيك تمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ )) وهنا يقول: "أصيب رجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها فكثر دينه" ثمار اشتراها "فكثر دينه بسبب ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا عليه)) فتصدق الناس عليه ولم يبلغ ذلك وفاء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لغرمائه: ((خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك)) " الآن المخالفة ظاهرة بين الحديثين وإلا غير ظاهرة؟ ظاهرة المخالفة، في الحديث الأول في حديث جابر أبرئ المشتري من التبعة ((لو بعت من أخيك تمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ )) فالمشتري أبرئ من التبعة، وهذا محمول عند بعض العلماء على ما إذا باع أو اشترى قبل بدو الصلاح، فالبيع ليس بصحيح، والمال مال البائع، وكيف يأخذ مال أخيه بغير حق؟ وهنا في حديث أبي سعيد باع بعد بدو الصلاح بيعاً صحيحاً ولزم البيع، فهل يؤمر بوضع الجائحة حينئذٍ؟ يؤمر البائع بوضع الجائحة في هذه الصورة؟ هنا قال: "أصيب رجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا عليه)) فتصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لغرمائه: ((خذوا ما وجدتم، فليس لكم إلا ذلك)) الآن في هذين النصين شيء من التعارض، فلا بد من توجيه النص الأول مع الثاني، والجمع بينهما بطريقة تدفع هذا التعارض، فإذا حمل الأمر بوضع الجوائح على حال الشراء قبل بدو الصلاح يستقيم وإلا ما يستقيم؟ طيب لو قال قائل: إنه ما ثبت بيع من أجل أن توضع جائحة، ما بعد ثبت بيع من أجل أن توضع الجائحة، ما ثبت في ذمته شيء، فكيف نقول: ضع عنه؟ يضع شيء عنه لم يلزمه؟! أو(84/20)
نقول: إن الأمر في البابين، وفي الحديثين كله على جهة الإرشاد لا على جهة اللزوم، الآن لما قال: ((تصدقوا عليه)) فتصدق الناس عليه ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال لغرمائه: ((خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك)) يعني الأصل أنه إذا أصابه ما أصابه وكثرت ديونه وأعسر أن يقال: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] انتظروا عل الله أن يرزقه، أما يقول: ((خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك)) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
خذوا ما وجدتم من هذا الذي اجتمع من الصدقة، ما هو أصيب، كثر دينه، فأمر الناس أن يتصدقوا عليه، في الحديث الأول في حديث جابر خاطب البائع، وهنا أمر المشتري بأن يعرض نفسه للصدقة، وأمر الناس أن يتصدقوا عليه، فأتجه الخطاب في حديث جابر إلى البائع، وأتجه الخطاب في حديث أبي سعيد إلى المشتري مع غرمائه، يعني ما برّأ المشتري، يعني في حديث جابر ترك المشتري، برأه براءة تامة، واتجه الكلام إلى البائع، وقال: ((بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ )) وفي الحديث الثاني قال: ((تصدقوا عليه)) جعله مديناً بالفعل، ملتزم بهذا الدين، ولذلك أمرهم بالصدقة عليه.(84/21)
" ((تصدقوا عليه)) فتصدق الناس عليه ولم يبلغ ذلك وفاء دينه" أو نقول: إن هذا يختلف اختلاف الأشخاص؟ يختلف باختلاف الأشخاص؟ يمكن أن يكون بائع الثمرة غني عنده بساتين أخرى، والمشتري فقير وأصابته جائحة يتجه إلى الغني ويقال: كيف تأخذ مال هذا الفقير وقد تلف؟ لكن لو افترضنا أن البائع فقير وليس عنده إلا هذا البستان، وإذا أعفينا المشتري من القيمة ومن التبعة تضرر صاحب البستان، نقول للمشتري: يا أخي تسبب، صاحبك فقير، خذ ولو من الصدقة أنت أصابتك جائحة، تعرض للصدقة، واقبل الصدقة من الناس، وسدد لصاحبك، ثم بعد ذلك إن وفى بها ونعمت، ما وفي خذ المتيسر ويكفي، يعني لعل هذا مما يختلف باختلاف الأشخاص، يعني إذا لم نحمل حديث جابر على البيع قبل بدو الصلاح، وحديث أبي سعيد على البيع بعد بدو الصلاح ولزوم البيع، إذا لم نحمله على هذا فلا بد أن نقول: إن هذا يختلف اختلاف الأشخاص، شخص عنده عشر مزارع، وباع على واحد مزرعة مثلاً، ثمرة مزرعة، ثم هذه المزرعة أصيب ثمرها بجائحة ألا يقال لصاحب المزارع الباقية: يا أخي بما تأخذ مال ها المسكين الذي ما استفاد وإن كان مشترياً؟ يعني من باب المشورة لا من باب الإلزام، وفي الحال الأخرى هذا شخص ما عنده إلا مزرعة، وتعب عليها سنة كاملة، وكد واستدان بسببها، ثم باع الثمرة على هذا فأصابته جائحة، فيقال للمشتري مراعاة لحال البائع المحتاج المتضرر: يا أخي أنت تسبب، تعرض للصدقة، أنت أصابتك جائحة اطلب الزكاة والصدقة من الناس، والذي يجتمع عندك أدفعه لصاحبك، ثم بعد ذلك يشار على صاحبه أنه يكفيك اللي جاك، أحسن من لا شيء، كأن الموضوع في الحديثين من باب المشورة، ومثل هذا يختلف باختلاف الأشخاص، ألا يشم مثل هذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(84/22)
يعني المشتري الأول في حديث جابر ما زال في رؤوس النخل، لكن افترض أنه في رؤوس النخل، واشتراه بعد بدو صلاحه، وقبضه بالتخلية، بيع شرعي كامل، وأصابته جائحة، هو من ضمان المشتري أو من ضمان البائع؟ ما دام قلنا: البيع صحيح، وانتقلت العين من ملك فلان إلى ملك فلان، فهي من ضمان المشتري، كيف يؤمر البائع بوضع الجائحة؟ في الصورة الثانية ابتاع، في الصورة الثانية في حديث أبي سعيد أصيب رجل في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمار ابتاعها فكثر دينه، أفي ما يدل على أن ذاك قطع وحاز وهذا ما قطع؟
لكن قد يرتكب مثل هذا للتوفيق ودفع الاختلاف والتعارض، قد يرتكب مثل هذا، لكن هل نقول: إنه لا يلزم البيع إلا بالقطع؟ نقول هذا؟ وإلا نقول: إذا باع على ضوء التوجيه الشرعي بعد بدو الصلاح انتهى الإشكال؟ يلزمه الضمان، فالذي يظهر من فحوى الحديثين أن هذه مشورة، بدليل أنه قال: ((خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك)) رجل متضرر، تعرض للزكاة، وأهان نفسه بتكفف الناس، وما حصل له إلا هذا، فانتم إيش تدورون؟ وليس هذا من باب الإلزام، وإلا فالأصل {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] أما كونه يقال: "وليس لكم إلا ذلك" هذا من باب المشورة.
يقول: "وعن ابن كعب بن مالك" واسمه ... نعم؟
يقول: الأخ ألا يمكن حمل حديث جابر على أنها جائحة من السماء لا يد له فيها، ولا يستطيع ردها، ولا دفعها، فأتت عليه، وعلى حديث أبي سعيد أنه فرط إما في حفظها حتى اجتاحها ما يجتاحها، أو بعدم معرفة الأسعار وتتابع وشراء بقيم عالية، وكثرت ديونه بسببها؟ هذا يمكن ارتكابه للجمع، لكن ليس في طرق الحديث ما يدل على ذلك، ويبقى الإشكال في قوله: ((خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك)) وإلا فالأصل أن المعسر ينظر، يعني لو اشترى شخص مال وفرط في حفظه وتلف، هذا مصاب وغارم ويأخذ من الزكاة، لكن إذا ما وفت الزكاة هل نقول لصاحب الحق: ما لك غير هذا؟ إلا إذا كان من باب المشورة، وهذا الذي يظهر من الحديث.(84/23)
"وعن ابن كعب بن مالك عن أبيه" ابن كعب اسمه عبد الرحمن، كما في رواية عبد الرزاق، وكعب بن مالك أحد الثلاثة الذين خلفوا، وتاب الله عليهم "رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه" رواه الدارقطني، وصححه الحاكم، وأخرجه أبو داود مرسلاً، ورجح إرساله".(84/24)
وعلى كل حال الحديث ضعيف؛ لأنه مرسل، "حجر على معاذ" معاذ بن جبل الصحابي الجليل "ماله وباعه في دين كان عليه" الحجر عند أهل العلم إذا لم تفِ الموجودات بالديون بأن كانت أقل من الديون يحجر عليه لئلا تزداد هذه الديون، والعادة والسنة جرت أن مثل هذا المديون في الغالب أن التفريط يصاحبه في كثير من أموره، يعني شخص باع واشترى بالعقار ما نجح، كثرت ديونه، وزادت وصارت بالملايين، لكن مع ذلك هل تغيرت حاله ووضعه في إنفاقه على نفسه وعلى من تحت يده من الإسراف؟ ما تغير، يركب أفخم السيارات، يلبس أفضل، يسكن أعظم القصور، واستعماله للأمور الكمالية على أتم وجه، فمثل هذا يترك تزداد ديونه أو يحجر عليه؟ مثل هذا يحجر عليه، ولذا إن صح الخبر فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حجر على معاذ، والحجر معروف في قصة حصلت في عهد عثمان -رضي الله تعالى عنه-، أراد أن يحجر على عبد الله بن جعفر حتى شاركه الزبير، أراد علي وعثمان أن يحجرا على عبد الله بن جعفر؛ لأنه اشترى أرضاً بستمائة ألف درهم، فالحجر معروف عندهم، فلما علم الزبير شاركه في هذه الأرض، فقال عثمان -رضي الله عنه-: كيف يحجر على شخص شريكه الزبير؟ فالحجر معروف عندهم، ولا شك أنه من مصلحة الجميع، وبالمناسبة شخص من النوع الذي ذكرنا اشتغل، زاول مهنة البيع والشراء بالعقار ولحقته عشرات الملايين، بل المئات، وشخص غني ما حصل له شيء من الضرر، وهما يصليان في مسجد واحد، وأنتم تعرفون في رمضان يؤتى بالطيب، فمدخنة فيها نوع رديء، ومدخنة فيها أفخر أنواع الطيب وأجودها، هذا كيلو بخمسمائة ريال، وهذا بخمسين ألف، فقال واحد لصاحبه: لمن هذا؟ ولمن هذا؟ فقال: هذا أكيد أنه لفلان -من غير ما يدرون- هذا أكيد لفلان الخمسمائة هذا اللي ما جاب شيء، وهذا الفاخر جداً لهذا المنكسر، وبالفعل طلع على ما توقعوا، بعض الناس ما يأخذ درس مما أصابه، يستمر على طريقته، وعلى نفقته، وعلى بذخه وإسرافه؛ لأنه عود نفسه على ذلك، يفترض أن الإنسان يتكيف إذا وسع الله عليك وسع على نفسك، لكن إذا ضيق عليك تتلاعب بأموال الناس؟! إذا توفر عندك شيء سدد، قد يقول قائل: إن التسديد ما ينفع، يعني افترض أنه يصرف في السنة مليون على(84/25)
نفسه وعلى أسرته وهو مدين بمائة مليون، هذا المليون لو وفره إيش يسوي؟ ماذا يصنع به؟ الغرماء لن يقبلوا، تعطي كل واحد ألف ألفين ثلاثة، كيف يصير؟ فهم من هذه الحيثية يتتابعون على مثل هذا الإسراف، وهذا أيضاً ليس بمبرر، نعم بعض الديون قد يحصل معها شيء من التنفيس، ولذا أهل العلم يمنعون المدين من الصدقة، المدين لا يتصدق، وإن كان شيخ الإسلام يقول: الشيء اليسير الذي تعارف الناس على بذله، يعني يأخذ زكوات مثلاً ألوف لينفق على نفسه، يجد فقير يعطيه عشرة عشرين، أشياء ما تضره، شيخ الإسلام يتسامح في مثل هذا، وغيره لا، يقول: ما دام يأخذ من الزكاة لا يتصدق، اللي يتصدق به يتركه عند أهله، شخص مدين خمسة عشر مليون، وسجن بسبب هذا، فلما دخل السجن وجد شيخ كبير مسجون قال: يا عمي ما الذي أتى بك إلى هذا؟ قال: أنا مديون، قال: كم دينك؟ قال: عشرة آلاف، قال: هذا شيك بعشرة آلاف واطلع، مثل هذا ما يضر يعني عشرة آلاف وش هي بالنسبة لخمسة عشر مليون؟ ويفرج الله عنه بسبب هذا، لكن الإسراف في أمور الدنيا، مع أن الناس ينتظرون الوفاء، مثل هذا لا بد أن يحجر عليه، ولمصلحته أن يحجر عليه، ومصلحة غرمائه أن يحجر عليه، نعم.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربعة عشر سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني" متفق عليه، وفي رواية للبيهقي: "فلم يجزني، ولم يرني بلغت" وصححها ابن خزيمة.
وعن عطية القرظي -رضي الله تعالى عنه- قال: "عُرضنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قريظة فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خُلي سبيله، فكنت في من لم ينبت فخُلي سبيلي" رواه الأربعة، وصححه ابن حبان والحاكم.
الأربعة وإلا الخمسة؟
طالب: عندي رواه الأربعة.
ما هو موجود في المسند؟
طالب: كيف؟
ليس في المسند؟
التخريج؟ شوف تخريجه.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال في بعض النسخ الأربعة، وفي بعضها الخمسة, وهو موجود في المسند، والأولى أن يقال: الخمسة, وبعض النسخ الصحيحة عن الحافظ رواه الأربعة، والشارح شرحه على هذا على أنه الأربعة، على كل حال هو في المسند.(84/26)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربعة عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني" ويوم أحد، غزوة أحد في السنة الثالثة اتفاقاً، وعلى هذا تكون الخندق في السنة الرابعة، يعني عرض وهو ابن أربعة عشرة سنة يوم أحد، وعرض يوم الخندق وهو ابن خمسة عشرة سنة، إذاً أحد في الثالثة، والخندق في الرابعة، يعني هل يلزم من هذا الحديث أن تكون الخندق في الرابعة؟ للاتفاق على أن أحد في الثالثة، يلزم أو ما يلزم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في أول الخامسة، يعني سنة وشهرين، سنة وثلاثة أشهر يجاز بمثلها، على كل حال المرجح عند الإمام البخاري وابن القيم أن الخندق في السنة الرابعة، وأنها قبل غزوة ذات الرقاع، من أجل إيش يرجحون هذا؟ ما هي الفائدة من الخلاف في كونها في الرابعة أو الخامسة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صلاة الخوف هل تفعل في الحضر أو لا تفعل في الحضر؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخندق ما صلى صلاة الخوف، أخر الصلوات عن وقتها، فالذي يقول: إن غزوة الخندق بعد ذات الرقاع يقول: صلاة الخوف لا تصلى في الحضر، تؤخر الصلوات، والذي يقول: إن غزوة الخندق قبل ذات الرقاع يقول: ما حدث في غزوة الخندق منسوخ، بل تصلى الصلاة في وقتها على الصورة الواردة على الوجوه الستة أو السبعة الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.(84/27)
"عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد وأنا ابن أربعة عشرة سنة فلم يجزني" في رواية: "ولم يرني بلغت"، "وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني" وجعلني صالحاً للحرب، صالحاً للجهاد؛ لأنه قد رآني بلغت، فالمسألة مردها إلى التكليف، والتكليف يكون بتمام خمسة عشرة سنة على ما في هذا الحديث، وهو عمدة أهل العلم الذين حددوا البلوغ في سن الخامسة عشرة، عندنا بالنسبة للرجال بتمام الخامسة عشرة كما في هذا الحديث، ويحصل بالإنبات كما في حديث عطية الآتي، ويحصل بالإنزال، هذا ما يبلغ به الذكر، وأما بالنسبة للأنثى فتزيد على ذلك: الحيض، إذا حاضت كلفت، وأورده المؤلف هنا لبيان أنه يبلغ سن التكليف بهذا العمر، بتمام الخامسة عشرة، وعلى هذا ينظر في حاله، فإن أونس منه الرشد دفع إليه ماله وإلا استمر حجره إذا لم يؤنس منه الرشد، وقبل التكليف لا يدفع إليه المال ولو آنسنا منه الرشد، فالذي دخل هذا الحديث في الحجر والتفليس أن الأصل في مال الصبي الحجر حتى يبلغ هذه السن، ويؤنس منه الرشد، فكونه يؤنس منه الرشد قدر زائد على التكليف {فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [(6) سورة النساء] يعني بعد بلوغ التكليف في الخامسة عشرة على هذا الحديث، والحديث الذي يليه في العلامة الثانية من علامات بلوغ التكليف.(84/28)
"عن عطية القرظي -رضي الله عنه- قال: عرضنا –يعني من بني قريظة- عرضنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قريظة فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خُلي سبيله" لأنه ثبت النهي عن قتل النساء والذرية، والذي لم ينبت ولم يبلغ التكليف هذا من الذرية، والذي بلغ التكليف مثل هذا يعامل معاملة الرجال، والأصل أن الأسرى موكول أمرهم إلى الإمام، لكن إذا رأى في مثل هذه الصورة أن تقتل المقاتلة، ورأى الإمام أن يثخن في العدو فالأمر إليه، وإن رأى المن أو الفدى فالأمر موكول إليه، وفي قريظة رأى القتل -عليه الصلاة والسلام-، وما الحد الفاصل فيمن يقتل ومن لا يقتل؟ التكليف، وليس هناك بطاقات أحوال متى ولدت؟ وأين ولدت؟ ومكان الولادة، والساعة، في المستشفيات، إلى عهد قريب مثل هذا الأمر يخفى، وقد يزاد في عمر الإنسان عشر سنين وقد ينقص تبعاً للمصلحة، فإن كانت مصلحته في الزيادة زاد، إن قيل: ما يوظف إلا لعشرين جاء أبو خمسة عشر سنة وقال: عمري عشرين، والعكس، لكن الآن الأمور مضبوطة، لكن الشرع إذا لم يمكن ضبط السنين كما في حديث ابن عمر، ضبط بالعلامات التي يشترك فيها الناس كلهم، كالإنبات مثلاً، وقد يعلق على أمر يمكن الإطلاع عليه، وقد يعلق على أمر لا يمكن الإطلاع عليه، كالإنزال مثلاً، فكون العلامات تتعدد؛ لأنه بالإمكان أن يحضر شهادة الميلاد ويقول: أنا ولدت في يوم كذا، يدرأ بذلك ما لا يمكن الإطلاع عليه كالإنزال، وما يمكن أن يطلع عليه لكنه يستحيا منه، فإن أمكن هذا وإلا عدل إلى ما يمكن الإطلاع عليه وما لا يمكن الإطلاع عليه، فوضعت العلامات متفاوتة من أجل أن التكليف يحصل بأحدها فمنها ما يطلع عليه، ومنها ما لا يمكن الإطلاع عليه.(84/29)
"عُرضنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قريظة فكان من أنبت قتل" لأنه مكلف "ومن لم ينبت خُلي سبيله" يعني في حكم الذراري "فخُلي سبيلي" ومن الله عليه بالإسلام، وأسلم وحسن إسلامه، المقصود أن هذا مما كتب الله له من السعادة، وهذا الحديث مخرج عند الخمسة: أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه, وصححه ابن حبان والحاكم، وقال: على شرط الشيخين، لكن الشيخين لم يخرجا لعطية، فهل يكون على شرطهما؟ لا ليس على شرطهما؛ لأن شرطهما رجالهما، وهما لم يخرجا لعطية إذاً الحديث وإن كان صحيحاً إلا أنه ليس على شرط الشيخين، قد يقول قائل: إن الصحابي لا يحتاج أن يخرج له في الصحيحين وفي غيره بل هو ثقة مطلقاً، فإذا خرج لمن دونه في الصحيحين فالصحابة كلهم عدول وثقات، فالشرط ثابت، ولعل هذا هو ملحظ الحاكم حينما قال: على شرط الشيخين، يعني سواء قلنا: خرج البخاري ومسلم لعطية أو لم يخرجا فهو صحابي، يعني شرطهما إخراج حديث الصحابي من دون تردد، وهذا من الصحابة، ولو لم يخرجا له حقيقة فقد خرجا له حكماً، خرجا لنظرائه من الصحابة، وأما من دونهم فيشترط أن يخرجا لهم في الصحيح، وهذا شرط الشيخين على ما يفهم من تصرف الحاكم، وكأن كلام الحاكم في الغريب، ونصه على تفرد من دون الصحابي؛ لأن الصحابي سواء تعدد أو لم يتعدد الحكم واحد، وكل واحد من الصحابة بمثابة الجمع.
بلوغ التكليف بالإنبات هذا محل اتفاق بين أهل العلم، يقرب من الإجماع ومثله الإنزال، أما بالنسبة للسن فالخلاف معروف، فالأكثر على الخمسة عشرة، ومنهم من خالف ووصل به إلى الثامنة عشرة، نعم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)) وفي لفظ: ((لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها)) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي، وصححه الحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(84/30)
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" الكلام في هذه السلسلة تقدم مراراً، والقول الوسط فيها بعد أن عرفنا الخلاف، ومنشأ الخلاف، أنه إذا صح السند إلى عمرو فلا يقل عن درجة الحسن، وله يعني هذا الحديث شواهد يرتقي بها إلى الصحيح لغيره.(84/31)
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)) " يعني لا تتصدق المرأة إلا بإذن زوجها، ولا تهدي إلا بإذن زوجها، ولا تشتري متاعاً إلا بإذن زوجها "وفي لفظ: ((لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها)) " يعني إذا ملك عصمتها فلئن يملك مالها من باب أولى، وهذا الحديث يصحح عند أهل العلم، لكن هل هذا على سبيل الإلزام؟ أو هو من باب حسن العشرة؟ قوله: ((لا يجوز)) هل معنى هذا أنه يحرم؟ أولاً: جاء في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم العيد وعظ النساء، وذكّر النساء، وحثهن على الصدقة فجعلن يتصدقن، تلقي المرأة بسخابها، تلقي بقرطها، تلقي بشيء من حليها، بدون استئذان للأزواج، يستدل به أهل العلم على أن المرأة تملك، وتتصرف التصرف التام من غير إذن أحد، لا أب ولا أخ ولا زوج ولا أي شخص، إذا كانت مكلفة رشيدة حرة، تتصرف كالرجال، وعلى هذا الجمهور، وتظاهرت عليه مفهومات النصوص، وأما هذا الحديث فهو محمول على حسن العشرة، وقالوا: ولم يذهب على معنى الحديث إلا طاوس، فقال: إن المرأة محجورة عن مالها إذا كانت متزوجة إلا بإذن زوجها، وذهب مالك إلى أنها تتصرف في الثلث فما دون، وأما ما زاد على ذلك فلا بد من الإذن، مثل ما أشرنا سابقاً أن المرأة تملك كالرجل، وتبيع وتشتري، وتتعامل مع غيرها، لكن من غير تعريض نفسها للاختلاط بالرجال، أو تعريض نفسها لافتتان الرجال بها، أو افتتانها بهم، فلا بد من هذه الاحتياطات، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى المحرمات، وإلا فهي حرة مكلفة رشيدة، تتصرف، ويوجد في هذه الأزمان التي زاول النساء ما يزاوله الرجال، واستحق النساء من الأجور ما يستحقه الرجال، بل كثير من النساء أفضل بكثير من كثير من الرجال، وإن كان مثل هذا يحتاج إلى إعادة نظر، ففيه قلب للفطر، وفيه أيضاً خلط فيما جعل الله -جل وعلا- من القوامة للرجال، فالمرأة مهما بلغت لها خصوصياتها، ولها ظروفها والرجل كذلك، والذين ينادون بأن المرأة تدخل في جميع ما يدخله الرجال من المصانع وغيرها، هذه جريمة في حق المرأة، وفي حق زوجها، يعني المرأة بصدد أن تتهيأ لزوجها، وتربي أولادها، وتقوم على مصلحة(84/32)
بيتها، وتتجمل لزوجها، فإذا زاولت الصناعة هل هذه امرأة، إذا جاء زوجها، إذا كان الرجال يؤثر فيهم العمل، وينهكهم العمل، ويتعبهم العمل، ويؤثر على بشرتهم العمل، فيكف بالمرأة التي لا تتحمل مثل هذه الأمور، نحن نعيش اضطرابات وتناقضات، نقول للمرأة: عليها أن تتجمل وأن تتبعل لزوجها، ونقول: تدخل المصنع! أثر هذه الأعمال عليها في أخص أحوالها وهي أن تنشأ في الحلية والنعومة والتبعل للزوج والتزين له، ثم تدخل فيما يزاوله الرجال كيف يكون مصيرها؟! على كل حال للنساء ما يخصهن، ولا يوجد ما يمنع المرأة من العمل المناسب لها مع الاحتياطات اللازمة في عدم اختلاطها بالرجال، وعدم تعرضها للفتن، وفي كثير من البيوت مع الأسف صار الرجل لا شيء بمثابة السائق في الأسرة؛ لأن القوامة للمرأة، والراتب بيد المرأة، والضغط من جهة المرأة.
في قصة طريفة واحد من المشايخ الكبار تأتيه الصدقات فجاءه شخص ممن يقرأ عليه القرآن في المسجد، وقال له: يا شيخ أنت يأتيك صدقات وإحنا ناس فقراء ومساكين ونحتاج، قال له: أنتم لستم بحاجة أم فلان تعمل، تعمل الخوص، تشتغل بيدها في بيتها وتبيع ما تيسر، فلما جاء هذا إلى الدرس شايب كبير، وزوجته عجوز هذه التي ... ، لما جاء يقرأ قرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "النساء قوامات على الرجال" قال: يا خبيث تحرف في كلام الله، قال: أنت الذي تقوله، ما دام أم فلان تعمل هي التي تقوم علي، وفهم الشيخ ولم يحوجه إلى مثل هذا، المقصود أن مثل هذا قلب للسنن الإلهية، نعم.
وعن قبيصة بن مخارق -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(84/33)
"وعن قبيصة بن مخارق –الهلالي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة لا تحل)) " يعني لأحد كائناً من كان إلا ما استثني، فالاستثناء من عموم الأحوال، وهذا الحديث مخرج في صحيح مسلم، وسبق تخريجه في باب: قسم الصدقات، وهناك محله وموضعه، لكن هنا في الرجل الذي تحمل الحمالة، والذي أصابته الفاقة والجائحة، هؤلاء ممن يستحقون الحجر لمصلحتهم، ولمصلحة غيرهم، ولذا كرره المؤلف في هذا الباب للمناسبة.
((إن المسألة لا تحل)) يعني لأحد كائناً من كان ((إلا لأحد ثلاثة)) أولهم ((رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك)) الحمالة هي المال الذي يتحمله الإنسان عن غيره، فإذا غرم الإنسان لمصلحة غيره حلت له الزكاة، وقد جاء التنصيص عليه في آية مصارف الزكاة ((تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها)) فقط بقدر ما تحمل، ((ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله)) استأصلت جميع ما عنده ((فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش)) أو سداداً عيش، يعني يصيب ما يكفيه من النفقة والقوت والسكنى من الأمور الأصلية الضرورية ((ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه)) ثلاثة من ذوي الحجى، ثلاثة من الثقات العدول الأثبات، أصحاب العقول، الذين يقبل قولهم في مثل هذا ((لقد أصابت فلاناً فاقة)) شدة وعوز وفقر شديد ((فحلت له المسألة)) ثلاثة! نعرف أن الشهادة في الزنا أربعة، وفي القتل كم؟ اثنين، وفي البيوع اثنين، وفي الأموال كلها اثنين، أو رجل وامرأتان، فشهادة اثنين كافية، هنا قال: "ثلاثة" وحمله أهل العلم على من كان ظاهره الغنى، يعني لو جاء فقير ظاهره الفقر هذا يحتاج إلى شهادة؟ ما يحتاج إلى شهادة، لكن لو جاءنا شخص ظاهره الغنى وتصرفاته تصرفات الأغنياء هذا ما يعطى؛ لأن الظاهر يدل على أنه لا يستحق الزكاة، لكن إذا شهد له ثلاثة على خلاف ظاهره أنه محتاج، وأنه أهل للزكاة حينئذٍ يعطى من الزكاة، وتحل له المسألة.(84/34)
المسألة وأحكامها، أولاً: جاء النهي عن السؤال، وجاء النهي عن كثرة السؤال، وجاء ذم منع وهات، هذا مذموم، والسائل يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، ويأتي وهي كدوح أو خدوش في وجهه -نسأل الله السلامة والعافية-، فجاء ذمه الذم الشديد، بل تحرم المسألة من غير حاجة، إلا ما يأتي من السلطان أو من بيت المال من غير طلب ولا استشراف ما لم يكن ثمناً للدين، أما إذا كان ثمناً للدين فلا، كما جاء في الصحيح.
مثل هذا الذي يسأل من غير حاجة عرفنا أنه يحرم، وإذا كان يسأل لحاجة وترتب على سؤاله محظور مثلاً، كالذي يؤذي الناس في أماكن العبادة، مجرد ما يسلم الإمام يقوم يخطب خطبة كاملة، ويشغل الناس عن أذكارهم، وإذا منع الإنسان عن طلب ونشدان ضالته التي هي في الأصل له فلئن يمنع أن ينشد ويطلب شيئاً ليس له من باب أولى، لكن يبقى أنه ما دام هذا سائل وعلامات الحاجة ظاهرة عليه لا يجوز نهره {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] فيوفق بين هذا وهذا، لا يترك له فرصة بحيث يؤذي الناس ويتخطى رقاب الناس، ويعوق بين إتمام الصلاة، أو إتمام الأذكار، وتحصيل الأجور المرتبة على هذه الأذكار، مثل هذا يشار إليه إشارة من غير نهر بأن يترك مثل هذا، أو يوصى بأن يجلس في مكان يعرف الناس بأنه محتاج فيتصدق عليه كالأبواب مثلاً، يقف عند باب المسجد، ومن مر به يتصدق عليه، من غير أن يعرض لنهر منهي عنه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(84/35)
شرح بلوغ المرام - كتاب البيوع (12)
باب: الصلح - باب: الحوالة والضمان
الشيخ: عبد الكريم الخضير
هذا يقول: له أخ في الصف الأول المتوسط ولا يحافظ على الصلاة فما تنصحني تجاهه؟
هذا الأخ تبذل له النصيحة بالرفق واللين، وإن كان والده موجود إن رأى أن الضرب أنفع له؛ لأنه تجاوز العاشرة، وجاء الأمر به فليضربه؛ لأن الأمر أمر إرشاد؛ لأنه غير مكلف، ومع ذلك يؤطر على الصلاة، ويؤمر بها، ويؤكد عليها، إن كان ولي أمره غير موجود، وله أخ يخشى عليه إن ضغط عليه أن ينفر فليعامله بالحسنى، ويحسن إليه، ويرفق به، ويتابع نصحه وتوجيهه وإرشاده، وهذه الطريقة مجربة تجدي في تربية الشباب، لا سيما المراهقين، وعلى كل حال لا ييأس، عليه أن يتابع، أما إذا بلغه التكليف ولا يصلي مثل هذا لا يُجالس ولا يُساكن.
يقول: يوجد اختلاف بين أهل اللغة وكتب الفقه في معنى الدائن والمدين فكتب اللغة تقول: الدائن من عليه دين، والمدين ما له دين ...
على كل حال الدائن هو صاحب الدين، والمدين اسم مفعول، يعني مديون أصلها، أصل مدين مديون اسم مفعول، فهو الذي عليه الدين هذا هو الأصل, ومن ناحية أخرى لو نظرنا إلى الأصل اللغوي فيجوز هذا وهذا؛ لأن الدائن اسم الفاعل يصلح أن يكون من له الدين باعتبار أنه هو الذي قام به، هو الذي دين المدين، ويصلح أن يكون الدائن هو المدين باعتبار أنه هو الذي أخذ الدين، فعلى كل حال إذا وضح الاصطلاح من غير اشتباه فالأمر سهل -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل يجوز مكالمة الخطيبة بالهاتف بعد الخطبة وقبل كتابة الكتاب لمعرفتها جيداً قبل الزواج؟
أقول: مثل هذا التساهل الذي جر إليه سهولة الاتصال بالنساء جر إلى كوارث وويلات، وحصلت اتصال محرم، ثم بعد ذلك فشل الزواج، فإذا تمت الخطبة والنظر واقتنع بها واقتنعت به، يترك الأمر إلى العقد.
هل يجوز التقديم إلى العسكرية لطلب الوظيفة مع أنهم يشترطون الفحص الطبي كشف العورة؟
كشف العورة محرم إلا لحاجة ((احفظ عورتك إلا عن زوجتك وما ملكت يمينك)) لكن إذا كانت هناك مصلحة راجحة تدعو إليها فالمصالح تقدر بقدرها.(85/1)
يقول: رجل أخذ مني مبلغ ليشتري به حديد ليورده إلى شركة على أن يرد إلي المبلغ بزيادة مع ضمان المبلغ الذي أعطيته له، علماً بأنه هناك عقد بينه وبين الشركة على الشراء مع ضمان الربح لأن السعر محدد.
إذا كان أخذه منك على سبيل الاقتراض فلا يجوز أن تأخذ منه أكثر مما بذلت؛ لأنه عين الربا، مال بمال مع التفاضل، وإن كان أخذه ليشتري به وكيلاً عنك أو شريكاً لك، منك المال ومنه العمل والربح بينكما فلا بأس, وأما الربح المضمون فأهل العلم على أنه لا يجوز.
يقول: لو تتكرم بإعادة الكلام حول قول الله تعالى: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] ما المقصود برؤوس الأموال، مع بيان ما يترجح؟
الراجح أنه رأس المال وقت التوبة، وهذه الفتوى مفصلة وموجودة في المواقع، وموجودة أيضاً في مجلة الدعوة بالتفصيل.
أيضاً يقول: ما رأيك في كتاب إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش؟ وهل هناك كتاب معاصر أفضل منه؟
في نظري لا يوجد كتاب أفضل منه بالنسبة للمعاصرين، أما كتب المتقدمين ففي كتب إعراب قرآن لكنها تطوي الأمور التي لا تخفى على آحاد المتعلمين، أما هذا فيعرب كل شيء.
يقول: من صلى الفريضة الرباعية ودخل مسجد تصلى نفس الصلاة، وأدرك مع الإمام ركعة، هل يجب عليه قضاء ثلاث ركعات أم تكفي واحدة؟
يقضي ثلاث ركعات، فليصنع كما يصنع الإمام.
هل يجب على من ينوي الذهاب إلى الحج أن يسدد جميع الديون التي كانت عليه؟ وهل يجب عليه قبل الذهاب تسديد فواتير الكهرباء والماء والهاتف مثلاً؟
هذه من ضمن الديون، والمدين لا يجوز له أن يسافر سفراً يضر بدائنه إلا بإذنه.
يقول: حديث في مسند الإمام أحمد أريد أن أبحث في درجة الحديث، وحكم العلماء عليه، وأريد أن أقرأ شروح العلماء عليه، ما هي الكتب التي استطيع الرجوع إليها؟(85/2)
أولاً: الحديث إذا كان مما يتفق فيه الإمام أحمد مع غيره، فبالنسبة لشرحه ترجع إلى شروح الكتب الأخرى المشروحة التي اتفقت مع الإمام أحمد في تخريج الحديث، وكتب غريب الحديث أيضاً تشرح ما جاء في المسند وما جاء في غيره، كتب اللغة أيضاً يستفاد منها، كتب الأحكام الذين يستدلون بالأحاديث على إثبات هذه الأحكام يستفاد منها، المغني والمجموع والمحلى، يستفاد منها في شروح الأحاديث التي لا يوجد لها شرح مستقل، وبيان الدليل، ووجه الاستدلال ينفع في فهم الحديث، وأما بالنسبة لرجاله فما يتفق فيه مع الكتب الستة، رجال الكتب الستة خدموا بكتب مطولة ومختصرة، وأيضاً رجال المسند، وزوائد رجال الأئمة الأربعة، كلهم لهم ما يخصهم إلا أن الخدمة في غير الكتب الستة أقل.
يقول: ذكرتم في عدة دروس استمعت إليها عن طريق الشبكة إلى طريقة ترون أنها مفيدة جداً لقراءة الكتب الستة هلا تفضلتم بإعادتها ولو باختصار؛ ليستفيد منها الإخوة؟
هذه كررت مراراً، وملت من كثرة التكرار، ولعله يتيسر كتابة فيها، مع ذكر بعض الأمثلة.
هل يجوز اتخاذ صوت الآذان بدلاً من النغمات؟
أما الآذان الكامل في غير وقته فلا، إذا كان آذاناً كاملاً على الصفة الشرعية الواردة للتنبيه على دخول وقت الصلاة فلا في غير وقته، وأما بعض جمل الآذان إذا اتخذت فهي لا بأس بها -إن شاء الله تعالى-.
ما نصيحتكم لمن يتحمس في حفظ القرآن ثم يتكاسل بعد ذلك؟
غالباً الذي يتكاسل بعد ذلك الذي يأخذ قدراً أكبر من طاقته، أما إذا حدد قدراً يطيقه ويحفظه ويراجع عليه التفاسير وكتب الغريب مثل هذا -بإذن الله- يستمر؛ لأنه لا يكلفه مثل هذا، وعلى كل حال الذي يتكاسل بعد ذلك ينظر مرة أخرى في الأثر عليه من حفظ القرآن، وما فائدته من حفظ القرآن، والنصوص الواردة في الحث على ذلك.
ما معنى: "أحرورية؟ " في حديث المرأة التي جاءت تسأل عائشة؟
أحرورية يعني هل أنت من أهل حروراء، من الخوارج الذين يرون قضاء الصلاة بالنسبة على الحائض.
ما هي أفضل طبعات دار السلام؟
كيف أفضل طبعات دار السلام؟ يعني أفضل الكتب التي طبعوها؟ أو هل هي أفضل من غيرها؟
طالب:. . . . . . . . .(85/3)
يقول: دار السلام، ولعله يقصد سبل السلام، أما بالنسبة لسبل السلام طبع طبعات متعددة، من أول الطبعات المعتنى بها طبعة الجامعة -جامعة الإمام- وفيها بعض الأخطاء، وبحاجة إلى شيء من التعليق الذي يحتاج إليه طالب العلم، والتعليق في طبعات ابن الجوزي الحلاق أكثر من غيره من الطبعات، فيه خدمة وتعليق وتخريج، ولا تسلم من بعض الأخطاء، وطبعة طارق عوض الله لا بأس بها، فهذه الطبعات أفضل الطبعات عندي.
يقول: شخص دخل وهم في التشهد الأخير في صلاة، فصلى سنة الظهر القبيلة قبل سلامهم، فما الحكم؟
إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة.
يقول: أنا طالب في الجامعة في الإحساء وأنا من أهل الدمام هل يجوز لي أن أجمع الظهر والعصر وأنا أحضر إلى الدمام في الساعة الثالثة عصراً في نفس اليوم؟
إذا كنت تدرك الجماعة في بلدك فلا، وإذا خشيت أن تفوتك الجماعة في بلدك فلا مانع من الجمع.
يقول: ما معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فكوا العاني))؟ وهل الأمر للوجوب؟ وما صحته؟
نعم الحديث صحيح، ومعنى العاني: هو الأسير، الأسير لا بد من فكه، يقول ابن العربي في أحكام القرآن: "وفك العاني واجب في بيت المال ولو لم يبقَ فيه درهم".
ما حكم شراء بيت بالتقسيط المنتهي بالتمليك؟
هذا مثل شراء السيارة الذي أجبنا عنه سابقاً، يشتمل على عقدين متضادين، مقتضى أحدهما أن يكون المبيع من ضمان البائع، والثاني: أن يكون من ضمان المستأجر، وهذا تضاد يفضي إلى النزاع والشقاق.
هذا يسأل عن الدين على الميت؟
سيأتي -إن شاء الله- في هذا الدرس.
يقول: هل من الممكن أن تشرح لنا الفرق بين القرض والدين؟(85/4)
القرض ما يرجى فيه الثواب من الله -جل وعلا-، فيدفع المال للمحتاج على أن يدفعه من غير زيادة ولا نقصان، هذا أصله، يقرض ألف ريال على أن يرده ألف، يقضي به حاجته ويعيده، هذا الأصل في القرض، وإن رد أكثر منه من باب حسن القضاء من غير اشتراط فلا بأس، وأما الدين فهو ما يقع فيه التفاضل مع التأجيل، دين بفائدة مع الأجل {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] والغالب أنه لا يكون مؤجل إلا إذا كان بفائدة، في مقابل الأجل، كيف يمكن أن يقع الربا في كل منهما، القرض ظاهر يعني تعطيه ألف ويعطيك ألف ومائة هذا ربا، وفي الدين إن كان المقصود به ربا الجاهلية إذا حل الدين ألف مثلاً سلعة قيمتها ألف تباع بألف ومائة، ثم إذا حل الدين قال: إما أن تقضي ألف ومائة أو تكون ألف ومائتين في السنة القادمة، هذا ربا الجاهلية.
هل يجوز الدفع مقدماً لمحل من المحلات دون شراء بضاعة، ثم يشتري بضاعة من المحل، ويسدده من الحساب المدفوع مسبقاً؟
بعض الناس يخشى إذا كان المال بحوزته أن يذهب من غير فائدة، بعض الناس لا يحسن التصرف في الأموال، ولا يستطيع المحافظة عليها، فيعطي صاحب البقالة مقدماً ألف ريال، ألفين ريال، ويقول له: هذه على الحساب، مقدماً كلما جيت احسم، فلا بأس به -إن شاء الله تعالى-، يكون المال أمانة عنده.
هل لإمام المسجد أن يمنع السائل من السؤال في المسجد لوجود تعميم من ولي الأمر؟
على كل حال إذا ترتب على سؤال هذا السائل ما يؤثر على عبادات الناس فلا بد من منعه دون نهر له، يمنع بأسلوب مناسب؛ لئلا يقع في المخالفة {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى].
يقول: ما رأيكم في طبعة دار الفضيلة للاستقامة ومنهاج السنة بتحقيق محمد رشاد سالم؟
أما طبعة الجامعة للكتابين فهي طبعة جيدة، وعلى الأصول المحققة، وإذا كان هذا صف جديد، فدار الفضيلة أيضاً هم أهل عناية، وهذا دار السلام معروف، أجبنا عنه مراراً الكتب الستة.
يقول: هل تعدد الروايات يلزم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قالها كلها؟(85/5)
لا يلزم، تعدد الروايات واختلافها واختلاف ألفاظها مرده إلى اختلاف الرواة، وعامة أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى.
بعض العوام يقول: لا بد أن هناك رواية محددة فقط والبقية كذب.
قد يقال الخبر في مناسبتين فأكثر، لكن الغالب أن هذه الاختلافات في الروايات إنما هي من اختلاف الرواة، وفيها الراجح وفيها المرجوح.
يقول: هل طريقة طلب العلم على الأشرطة طريقة معتبرة عند أهل العلم؟ ثم هل تنصح من أكمل المرحلة الثانوية في دارسته مثلاً أن يبحث عن عمل، ويدرس على المشايخ، ولا يلزم الالتحاق بالجامعة إذا كان ذلك أفضل وأنسب له في الطريقة، وأدعى إلى الإخلاص فضلاً عن احتمال عدم قبوله أصلاً، ثم أرجو ...
بالنسبة لخريج المرحلة الثانوية لا شك أنه تأهل للقراءة والكتابة، يعني يقرأ ويكتب، وبإمكانه أن يحضر الدروس المناسبة له، ولا مانع أن يجمع بين الدراسة النظامية إذا كانت في كلية شرعية، وبين دروس المساجد، على أن الدراسة النظامية يمكن خمسين بالمائة من الوقت يضيع هدراً، ولا شك أن الدراسة في المساجد والمتابعة في البيوت أحفظ للوقت، لكن ما الذي يحدو الطالب على مراجعة الكتب وتكرار النظر فيها إلا هذه الاختبارات الموجودة في الدارسة النظامية، وعلى كل حال الجمع بينها طيب، أفضل.
ثم بعد ذلك يقول: ثم أرجو منك يا شيخ ذكر كتاب يكفي للطالب دراسته في العلوم العربية الاثني عشر كتاب لكل فن -كما ذكرت مسبقاً- أنه يكفي كتاب لكل فن، ثم بالأمس ذكرت أن كتاب منهج السالكين يقرأ قراءة وليس فيه ما يشكل إذاً لماذا يشرحه بعض العلماء في دروسهم؟ وتتبناه بعض الدورات كمتن يشرح لطلبة العلم المبتدئين؟(85/6)
أولاً: أنا لي كلام كررته مراراً وهو أن الكتب السهلة لا سيما كتب المعاصرين لا تقرر لا في دروس ولا في دورات، ما يمكن فهمه من قبل القارئ من غير شيخ فهذا لا يشرح لا في دروس ولا في دورات، إنما يعتمد في الدروس والدورات الكتب التي ألفها العلماء على طريقتهم، وعلى أساليبهم ليتخرج الطالب قد عرف أساليب أهل العلم وطرائقهم، بحيث لو بحث في كتاب أخر لم يشرح ما أشكل عليه شيء، ولو تفرد في بلدة أو في قرية استطاع أن يتعامل مع كتب أهل العلم من خلال ما شرح له، أما شروح كتب المعاصرين التي كتبت بلهجة العصر بحيث يقرأها ويفهمها الطالب بنفسه مثل هذه أتصور أن تربية طالب العلم عليها خطأ، ولكلٍ اجتهاده.
يقول: البعض يتعامل بالإيجار المنتهي التمليك فإذا انتهت المدة لم يأخذ السيارة ويستفيد من هذا أن قيمة الأجرة أقل مما لو كان سيستأجر فقط.
على كل حال إذا كانوا يخيرونه فيما بعد فهذه مجرد أجرة، والأجرة لا بأس بها.
ما هي أفضل طبعات الكتب الآتية: تحفة الأشراف؟
ذكرنا أن الطبعة الهندية الأولى عبد الصمد شرف الدين طبعة طيبة ومتقنة ومخدومة، وكذلك طبعة بشار.
إحكام الأحكام لابن دقيق العيد؟
أفضل طبعاته طبعة الشيخ أحمد شاكر مع الشيخ حامد الفقيه، في مجلدين، والطبعة أيضاً التي عليها حواشي الصنعاني المطبوعة في المطبعة السلفية طيبة، أما الطبعة المنيرية ففيها أخطاء.
فتح الباري؟
ذكرنا مراراً في مناسبات كثيرة أن طبعة بولاق هي أتقن الطبعات فإن لم تتيسر فالطبعة السلفية الأولى.
شرح مسلم للنووي؟
قلنا: إن ما طبع على هامش الطبعة السادسة من إرشاد الساري، طبعة بولاق لمن يتقن ويحسن التعامل مع الكتب المطبوعة في الهوامش، هذه طبعة متقنة، الطبعة الخامسة أو السادسة من إرشاد الساري، والذي لا يستطيع ذلك فعليه بالطبعة الأولى البهية في ثمانية عشر جزء.
تقريب التهذيب؟
طبع مراراً في الهند وفي مصر وفي غيرها من البلدان، لكن طبعة أبي الأشبال جيدة إلى حد ما، يمكن تكون من أفضل الطبعات، ومعها أيضاً طبعة الشيخ عوامة، طبعة عوامة فيها إتقان، وإن وجد عليها بعض الملاحظات لكن أفضل من طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف.(85/7)
يقول: رجل وجد عين ماله عند شخص مفلس لكنه نقص منه مائة ريال هل يحق له أن يطالب بالمائة ريال ليكمل النقص أو يصلح الضرر الذي في ماله؟
يعني باع عليه سلعة بألف ريال، ثم أفلس المشتري وله غرماء آخرون، ثم وجد هذه السلعة بعينها موجودة، لكن ما تسوى إلا تسعمائة إذا قبلها دون أرش له ذلك.
هذا نفس السؤال، يقول: دخلت والناس يصلون وهم في آخر ركعة فهل لي أن أبدأ بصلاة السنة القبلية وهم لم ينتهوا من الصلاة بعد حتى أدرك الجماعة؟
ليس لك ذلك، إذا أتيت والإمام على حال فاصنع كما يصنع الإمام، فادخل معه.
ما قولكم في الجمعيات؟
المقصود جمعيات الموظفين التي تدور عليهم ويستحقها كل واحد منهم في شهر، القصد منها توفير للأموال وعدم التفريط فيها، فلا يظهر لي وجه المنع.
يلاحظ من بعض عبارات الصنعاني في سبل السلام القسوة على بعض الصحابة، وقلة الأدب مع بعضهم -رضي الله عنهم أجمعين-، وعندما يذكر علي بن أبي طالب أحياناً يقول: كرم الله وجهه.
أنا وجدت في بعض المواضع يقول: صلوات الله عليه، ولعلها من النساخ.
وأحياناً يقول: عليه السلام، فلماذا يصنع ... ؟
الصنعاني عاش في بيئة أكثرهم هادوية، والإنسان ابن بيئته لا بد أن يتأثر شاء أم أبى، لا بد من التأثر شاء الشخص أم أبى بالبيئة، ومع ذلك قد يقال: إن صنيعه هذا من باب ترويج الكتاب؛ لأنه لو لم يفعل هذا وعاش في بيئة هذه صفتها أكثرهم من الشيعة لا يروج الكتاب ولا يُقرأ، وإذا صنع مثل هذا قرئ الكتاب واستفيد منه، وهذه مفسدة مغمورة، لكن الوقوع في الصحابة لا يقبل، مهما كان مبرره "والبدعة بدعة ولو كانت من عمر؟ هذه ما يقولها منصف، وعلى كل حال تأثره بالمذهب -مذهب البلد- واضح، وإن لم يكن شيعياً، لكنه متأثر.
طالب: المقصود أن هذه العبارة: "البدعة بدعة ولو كانت من عمر" هذه مقولة صاحب السبل يعني؟
هذا صاحب السبل يقول هذا الكلام، وقال غير هذا، قال في حق معاوية كلام ما هو بطيب، لكن لا شك أن البيئة مؤثرة.
ظهر في الآونة الأخيرة نساء يقفن عند إشارات المرور يسألون الناس، وقد تكون الواحدة منهن حاملة معها أطفالها فما توجيهكم لهن؟ وهل يدخلن في حديث قبيصة؟(85/8)
هؤلاء منعهن متعين؛ لأن عليهن خطر، وعلى أطفالهن خطر، خطر من جهتين، خطر من جهة السيارات، وكم من طفل راح ضحية عند الإشارات، وكان الأطفال يبيعون جرائد عند الإشارات، يبيعون مناديل، يبيعون ماء، وكم واحد ذهب ضحية من هذا العمل، مثل هؤلاء يمنعون خوفاً عليهم، النوع الثاني خطر على بعض النساء من بعض الأشرار أن يستدرجهن فيقعن في حبائله.
يقول: ما حكم المأموم الذي ترك ركناً سهواً كقراءة الفاتحة أثناء متابعة الإمام أرجو التفصيل ماذا عليه؟
المأموم إذا كان يرى أن الفاتحة ركن فإذا تركها في ركعة بطلت الركعة التي تركها منها ويأتي بغيرها.
يقول: ما حكم لبس الخطيب يوم الجمعة للبشت، وإذا خطب بدون بشت فما حكمه؟
البشت في عرف الناس من الزينة الذي ينبغي أن تتخذ عند كل مسجد، يعني عند كل صلاة، لكن بعض الناس إذا لبس البشت خيلت له نفسه أنه صار شيئاً بعد أن لم يكن شيئاً، فمثل هذا لا يلبس البشت، إذا كان يؤثر في نفسيته لا يلبسه، وإذا كان مجرد زينة من غير أثر عليه فلا بأس، وأما كونه حكم الخطبة بوجوده أو عدمه واحد، يعني لبس بشت أو ما لبس بشت الخطبة خطبة صحيحة إذا اشتملت على أركانها وشروطها.
رجل يقول: إنه في فترة سابقة لم يطمئن في صلاته هل يعيد صلواته تلك؟
لا يعيد، النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر المسيء أن يعيد الصلاة الحاضرة، ولم يأمره بإعادة الصلوات الماضية.
يقول: ما الراجع في تفسير قوله تعالى: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [(32 - 33) سورة ص].
السياق يدل وإن كان بعضهم يستنكر هذا أنه قتلها؛ لأنها شغلته عن طاعة الله -عز وجل-، الظاهر من السياق وهو قول أكثر المفسرين أنه قتلها؛ لأنها شغلته حتى غابت الشمس، وأما مجرد المسح السياق لا يدل عليه، أنه مجرد المسح هل هذا لائق بمن فاتته الصلاة إلى أن خرج وقتها، لا يليق به هذا.
ما القول الحق في شخصية جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده حيث هناك غموض وخلاف في حقيقة دعوتهم؟(85/9)
أما بالنسبة للأفغاني فهذا أمره أشد، منهم من يقول: إنه رافضي، ومنهم من يقول: ماسوني، ومنهم من يقول .. ، على كل حال الأمر فيه شيء من الخفاء، والذي يغلب على الظن عدم سلامته، وأما محمد عبده فالعقيدة معروفة أنها أشعرية من خلال رسالة التوحيد، وله أيضاً تصرفات مع النصوص كثير منها عقلانية، ومع ذلك فهو من أهل العلم على ما عنده من أخطاء.
فهل في كتاب التوحيد أحاديث ضعيفة كما قيل؟
نعم، لكن الإمام المجدد -رحمه الله تعالى- لا يعتمد على هذه الأحاديث، وإنما يسوقها أحياناً من باب حشد الأدلة، فتجده أحياناً يصدر الباب بآية، ثم بحديث صحيح، ثم يورد ما يدعم هذا من الأحاديث التي في بعضها مقال، وهذا لا يمنع من الاستدلال بها إذا كانت داخلة في الأصول السابقة.
يقول: ما رأيك في هذين الكتابين: منهاج طلب العلم للشيخ صالح الأسمري؟
ما عرفته، ولا قرأته.
خلاصة الكلام في تخريج أحاديث بلوغ المرام لخالد الشلاحي؟
تخريج طيب وموسع يستفيد منه طالب العلم إلا أنه لم يكمل.
ما هي أفضل طبعة لكشاف القناع؟
طبعات كشاف القناع هو طبع أولاً في المطبعة الشرفية على نفقة مجبل الذكير، وأفاد منه العلماء في وقته، وعلى هامشه شرح المنتهى، وهي طبعة في الجملة لا بأس بها، فيها بعض الأخطاء التي قد يكون مردها إلى النسخ، ثم طبع في مطبعة السنة المحمدية، تصحيح محمد حامد الفقيه على نفقة السويلم، طبعة جميلة وجيدة، ومع ذلك كرر طبعه مراراً، طبع بمطبعة الحكومة على نفقة الملك فيصل، وطبع أيضاً .. ، طبعته مطابع النصر في الرياض بتحقيق شخص يدعى فلان .. هلال مصيلحي أو ما أدري ... ، لكن هذه الطبعة وسط، ثم طبع أخيراً أجزاء منه خمسة أو ستة بعناية وزارة العدل، شكلت له لجنة منذ عشرين عاماً، خرج منه مقدار الربع، أو ما بين الربع والثلث خمسة أجزاء، طبعة مخدومة، ومخرجة الأحاديث، وعليها خدمة.
هذا يقول: ما هي أفضل طبعات كشاف القناع، عمدة الأحكام؟
عمدة الأحكام طبعة الشيخ أحمد شاكر، طبعة طيبة ومتقنة إلا أنها ما عليها تخريج وعزو للأحاديث، يستفاد من طبعة نظر الفريابي في العزو، مع ضم طبعة الشيخ أحمد شاكر إليها.
الإتقان؟(85/10)
الإتقان طبعة محمد أبو الفضل إبراهيم لا بأس بها.
تذكرة السامع والمتكلم؟
هذه الطبعة الهندية التي عليها الحواشي متقنة ومحررة، وعليها حواشي نافعة جداً، وأما طبعة أم القرى فهي طبعة صحيحة لكنها مجردة من الحواشي.
طالب: رعاك الله المؤلف اسمه ابن جَماعة؟
ابن جماعة إيه.
طالب: ومن ضبطه بضم الجيم جُماعة غلط؟
جَماعة، جَماعة.
يقول: هل أحفظ عمدة الفقه أو زاد المستقنع أو دليل الطالب؟ أيها توصيني؟
عمدة الفقه عرفنا أنها لبنة أولى في الباب، ألفه الإمام الموفق ليكون عمدة للمبتدئين، وبناه على الأدلة الصحيحة، يصدر الباب بحديث صحيح ويبني عليه الأحكام، هذه طريقة تعود طالب العلم على الاستدلال والاستنباط، وهو نافع من هذه الحيثية، لكن مسائل الزاد أضعاف ما في العمدة، فالعناية به من هذه الحيثية مهمة؛ لأن فيه أضعاف ما في العمدة، فلو حفظت العمدة، أو الدليل لأنه مرتب ترتيب منطقي، الدليل ترتيبه أفضل من ترتيب الزاد وأوضح، لكنه أقل مسائل، والعمدة ميزته ما ذكرنا، والزاد ميزته كثرة المسائل على صغر حجمه، فلو حفظ العمدة الطالب وقرأ شروحها وما سجل عليها هذا حفظ، وأما بالنسبة للزاد فيدرسه دراسة، يدرس مسائله على الطريقة التي شرحت مراراً بأن يجعل الكتاب محور بحث، يقرأ المسألة من الزاد ويتصور هذه المسألة من خلال الشروح، ومن حضور الدروس، يستدل لهذه المسائل، ينظر من وافق، ومن خالف ودليله، ويوازن بين الأدلة، وبهذا يتفقه.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: الصلح
عن عمرو بن عوف المزني -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى عليه وسلم- قال: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)) رواه الترمذي وصححه، وأنكروا عليه لأنه من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ضعيف، وكأنه اعتبره بكثرة طرقه، وقد صححه ابن حبان من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-.(85/11)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الصلح
الصلح حسنة من الحسنات، وعمل فاضل رتبت عليه الأجور، الصلح بين الناس، تصلح بين اثنين صدقة، والصلح بين الزوجين من أفضل الأعمال، والصلح بين المتخاصمين والمتنازعين كذلك، وجاءت النصوص الصحيحة الصريحة في مدحه {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] كما قال الله -جل وعلا-، وجاء بذلك أيضاً الأحاديث وهو أنواع، منه ما يكون بين المتنازعين، ومنه ما يكون بين الوالد وولده، وبين الأم وبنتها، وبين الزوج وزوجته، وبين الموظف ومديره، المقصود أن أنواع الشقاق والنزاع كثيرة، ولا يسلم مجتمع منها، بل لا يسلم بيت منه، لا بد من النزاع والشقاق، لكن يعالج بالطرق الشرعية، ويتدخل الأخيار بحله وفصله، لينالوا بذلك الأجر، والثواب من الله -جل وعلا-، الله -جل وعلا- يقول: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [(128) سورة النساء] خير هذه صيغة تفضيل، الأصل فيها أخير، كما أن شر يراد به أشر، فهو أفضل من غيره، وهل في غيره فضل؟ الصلح خير، هو أفضل بلا شك، لكن إذا لم يتم الصلح فالقضاء أيضاً فصل للنزاع بالحق خير، لكن إذا تم الصلح بينهما مع رضاء كل واحد من الطرفين هذا أفضل، وذهب كل واحد سليم الصدر على صاحبه هذا خير.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(85/12)
"عن عمرو بن عوف المزني -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً، والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)) " رواه الترمذي وصححه" وأنكروا عليه، بل الحديث بإسناد الترمذي ضعيف جداً؛ لأنه من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، وهو ضعيف جداً، كذبه الشافعي، وتركه أحمد، وقال ابن حبان: إن له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة، حتى قال أبو داود: إنه ركن من أركان الكذب، على كل حال تصحيح الترمذي تساهل شديد، سعة في الخطو، وانتقد بسبب ذلك، ولذا قال الذهبي: لا يعتد العلماء بتصحيح الترمذي؛ لأنه صحح مثل هذا، وله نظائر، يعني وإن كانت دونه في المرتبة، وأحاديث ضعيفة صححها، لكن مثل هذا نادر أن يصحح بمثل هذا، تساهل من الترمذي، ولذا لا يعتد العلماء بتصحيحه، كما قال الذهبي وغيره، ومثل هذا لا يقدح في إمامة الترمذي، الترمذي إمام، وأما الوقوع في مثل هذه الزلات لا بد منها، فليس بمعصوم، نعم مقل منها ومستكثر، والإمام ليس بمعصوم، ويكفي في إمامته ما سطره في هذا الكتاب العظيم، جامعه الذي هو من أنفع الكتب لطالب العلم في الرواية والدراية، لطالب العلم الذي يريد أن يتخرج على كتاب من كتب السنة بجميع فنونها، فليعمد إلى جامع الترمذي ويدرسه دراسة واعية دراية ورواية بالأسانيد والمتون، بالشواهد والإشارات والاستنباط، هذا ما فيه مثل جامع الترمذي، ويكفي في إثبات فضله مثل هذا العمل، لكنه ليس بمعصوم، وتساهله ظاهر في التصحيح، ويبقى أنه إمام من أئمة المسلمين، وكتابه لا يمكن أن يستغنى عنه، ومثل هذا الكلام إنما يوجه لمن أراد أن يقلد الترمذي، أما من توفرت لديه الأهلية والنظر في الأسانيد والمتون، وبحث عن كل حديث حديث في كتاب الترمذي، وحكم على كل حديث بما يليق به، مثل هذا لا يوجه إليه الكلام، سواء كان الترمذي متساهل أو متشدد سيان؛ لأنه لن يعتمد على تصحيح الترمذي، فإذا كانت الأهلية موجودة لا يعتمد على هذا، وإن كانت الأهلية غير موجودة للباحث فليقال: إن قول الترمذي في أقوال غيره من الأئمة، ويبقى أن الترمذي مهما قيل إمام من أئمة(85/13)
المسلمين، وكتابه كتاب معتبر معول عليه، أصل من أصول السنة بالاتفاق، ما اختلف أحد في أن جامع الترمذي من دواوين الإسلام المعتبرة، بل من الأصول الخمسة التي لا خلاف فيها، منهم من ينازع الذهبي في هذه الدعوى، الواقع يشهد بكلام الذهبي، الشيخ أحمد شاكر يقول: الصواب أن تصحيح الترمذي معتبر، وتصحيحه توثيق لرجاله، هذه سعة وتساهل شديد من الشيخ أحمد شاكر، وقد عرف بذلك، وقد وثق في جامع الترمذي أكثر من عشرين راوي، يعني أحمد شاكر وهي مسطرة ومدونة ومعروفة، أكثر من عشرين راوي عامة الأئمة على تضعيفهم، فهو متساهل الشيخ أحمد وتساهله أيضاً زاد على تساهل الترمذي، الترمذي قد يصحح الخبر لما يحتف به من شواهد، ويعتذر عنه بهذا، لكن إذا قال أحمد شاكر: إن تصحيحه للحديث توثيق لرواته كيف يمكن أن يوثق الترمذي كثير بن عبد الله؟ يمكن؟ ما يمكن، وقد كذبه أكثر من واحد من الأئمة، واتهموه، وضعفوه، ورموه بالضعف الشديد، لكن الترمذي قد يصححه، وقد يثبته لما له من شواهد، ولذا قال: "رواه الترمذي وصححه، وأنكروا عليه؛ لأنه من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وهو ضعيف" ولو قال: ضعيف جداً كان أولى "وكأنه اعتبره بكثرة طرقه" هذا اعتذار من الحافظ ابن حجر للترمذي، الترمذي حينما يقول: هذا الحديث حسن صحيح؛ لأنه يخرج الحديث من الطريق الموصولة بسنده، ثم يقول: حسن صحيح، وفي الباب من حديث فلان وفلان وفلان، هذه شواهد لهذا الحديث، فتصحيحه بمجموع الشواهد، وقد لا يثبت بذاته، وعلى كل حال الحديث له طرق تدل على أن له أصلاً.
((الصلح جائز بين المسلمين)) جائز إيش معنى جائز؟ يعني مباح أو صحيح؟ صحيح، ((بين المسلمين)) يخرج غير المسلمين؟ يعني ما في صلح بين كفار إذا تحاكموا إلينا أو بين مسلم وكافر؟ في صلح، صلح بين مسلم وكافر، وبين كفار تخاصموا إلينا، واحتكموا إلينا، ورأينا الحكم بينهم، فإذا أمكن الصلح بينهم فهو الأولى، وأما التنصيص على المسلمين فهم الذين يتدينون بالنصوص، وهم الذين يعملون بمفادها.(85/14)
((إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً)) هذا الصلح وإن رضي به الطرفان لا يجوز البتة، فلو تشاجر اثنان، حصل صدام بين زيد وعمرو في سيارتيهما، وحصل نزاع وشقاق وجاء وأصلح بينهم، وقال واحد: يصطلحان على مقدار من المحرمات، إما من خمر أو من غيره، تدفع له كذا مقابل، نقول: لا؛ لأن هذا فيه جعل الصلح عوضه محرم، أو مثلاً يصطلحان على أن يقرضه مبلغ كذا ويرد عليه مبلغ كذا أكثر منه، الصلح يتضمن صفقة ربا فلا يجوز، هذا أحل حراماً، وإذا حرم حلالاً، يصلح بينهما على أن يمنعه من الاستفادة من سيارته أو يبيعه يحصل بينهما بيع، صفقة بيع سيارة، ثم يحصل شقاق ونزاع في شرط من الشروط، أو في مسألة متعلقة بها، ثم يقول: على أن لا تستفيد من سيارتك مدة سنة، فمثل هذا يمعنه من الحلال، الذي هو مقتضى العقد، فهذا الشرط منافي لمقتضى العقد وإن كان صلحاً، ولو رضي به الطرفان، فهو شرط ليس بصحيح.
((والمسلمون على شروطهم)) هذا الأصل، وفي رواية: ((المؤمنون على شروطهم)) ولا يخرج المسلمين وإن كانوا دونهم في المنزلة، على كل حال هذا اللفظ ثبت من طرق ((المسلمون على شروطهم)) يعني شروطهم لازمة بينهم ومن أوفى ومن أوجب ما يجب الوفاء به من الشروط ما استحلت به الفروج بين الرجل وامرأته، فإذا اشترطت الزوجة على زوجها، واشترط على زوجته لا بد من الوفاء، ((المسلمون على شروطهم)) اشترطت الزوجة على الزوج أن تكمل الدراسة وأن تتوظف بعدها، أو اشترط عليها العكس أن تترك الدراسة أو تترك العمل، يجب الوفاء أو لا يجب؟ المسلمون على شروطهم، يجب الوفاء بذلك، لكن إذا خيرها بين ترك الشرط أو بين أمر يملكه، اشترطت عليه أن تدرس، ثم لما دخل بها ورزقوا بمولود ورأى أنها انشغلت عنه وعن بيته، قال: إما أن تتركي التدريس أو ورقة الطلاق، له ذلك وإلا لا بد أن يفي بشرطه؟ إذا خير بين أمر يملكه، من أهل العلم من يقول: إن له ذلك؛ لأنه يملك طلاقها، فإذا رضيت يكون من باب التنازل عن هذا الشرط بمقابل البقاء، فتكون هي التي تنازلت، ولا شك أن هذا التخيير شبيه بالإكراه والإلجاء؛ لأنها بعد أن أتت بمولود ومعروف أنها لن تتزوج إلا بمثله أو أقل منه، فترضى بهذا الشرط وتترك.(85/15)
المقصود أن مثل هذا ينظر فيه إلى أن الرجل يملك الطلاق، فإذا هددها به وتنازلت هي عن شرطها فالأمر لا يعدوهم، بالمقابل لو أن شخصاً تزوج امرأة واشترط عليها ألا تدرس ثم افتقر، هذا الرجل افتقر، وقالت: أريد أن أدرس وإلا الفسخ لأنك فقير، يعني لا يظن أن الضغط من قبل الرجال باستمرار، يعني النساء عندهن وسائل للضغط على الرجال، والمسألة مسألة عرض وطلب كسائر أمور الدنيا وشؤونها، إذا ارتفعت أسهم الرجل لا شك أنه يستطيع أن يضغط على المرأة والعكس، يعني لو أن رجلاً من أغنى الناس ثم افتقر لا شك أنه ينزل في عين المرأة، تزوجته على هذا الأساس واشترط عليها شروط من علو، وفرض عليها فروض، ثم بعد ذلك فقد ما يستطيع أن يضغط به، ثم بعد ذلك قالت: إما أن أدرس وإما أن تفسخ لأنك عاجز، هل نقول بهذا أنها أخلت بالشرط؟ هي تملك الفسخ؛ لأن الذي لا يستطيع النفقة تفسخ منه زوجته، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) فالمسألة كما يوجد من الرجال وسائل الضغط هذه التي ذكرناها يوجد أيضاً من النساء، وإذا ضغط الإنسان بأمر مخير بينه وبين ما يملكه فالذي يظهر أن له ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
تضرر، بيته تضرر، إذا جاء من العمل وإذا ما فيه، المرأة ما بعد جاءت من العمل، والبزر بحاجة شديدة إلى أمه وإلى تربيتها، لكن عنده خيار آخر، لكن هل تقبل به الزوجة؟ يقول: إما أن تتركي العمل أو أتزوج، يمكن أن يخيرها بين أن تترك العمل وأن يتزوج تترك العمل؛ لأن الزواج بالنسبة لها أشد، فالمقصود بأن هذه الدنيا وأمورها وشؤونها كلها ماشية على هذا، وإذا خير الإنسان بين ما يملك مع نظيره فله ذلك.
((إلا شرطاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً)) باعه جارية على أن لا يطأها، هذا حرم حلالاً، أو باعه جارية على أن لا يطأها هو ويطأها ولده مثلاً، هذا أحل حراماً، نسأل الله السلامة والعافية.(85/16)
"رواه الترمذي وصححه، وأنكروا عليه؛ لأنه من رواية كثير بن عبد الله عمرو بن عوف، وهو ضعيف، وكأنه اعتبره بكثرة طرقه" وهذا اعتذار من الحافظ للإمام الترمذي، وقد صححه ابن حبان من حديث أبي هريرة، فله شاهد من حديث أبي هريرة، ولذا يثبته أهل العلم بهذا الشاهد.
الصلح على الإنكار، منهم من يجيزه وهو مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة، ويمنعه الشافعي، لا يصح الصلح على الإنكار، معنى هذا أنه لو أدعى زيد على عمرو قال: عنده لي مبلغ من المال ألف ريال مثلاً، وقال عمرو: أبداً ليس بصحيح، ثم قال الشيخ .. ، توسط بينهما القاضي وقال: لعلك تدفع خمسمائة ويترك خمسمائة وتصلحون، هذا صلح، فقبل الطرفان، يجوز وإلا ما يجوز؟ أجازه الأئمة الثلاثة، ونفاه وأنكره الإمام الشافعي، يقول: لا يجوز؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون له ألف بالفعل فلا يجوز نقصه، أو لا يكون له شيء فلا يجوز له أن يأخذ شيئاً، والمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل، إن كان المدعي يجزم بأن له حقاً عند خصمه هذا مبلغه يجوز له أن يأخذه ويصالح، ويترك بعض حقه لتحصيل الباقي، هذا بالنسبة للمدعي إذا كان يجزم بأن له حق يأخذ ما تيسر له، وما صُولح عليه، لكن الطرف الثاني إن كان يجزم بأنه مدين لزيد بألف ريال لا يجوز له أن يترك ريالاً واحداً، وإذا كان لا يجزم أو يجزم بأنه سدده، سدد هذا المبلغ، فله أن يدفع ما يفدي به نفسه شر النزاع والخصام والتعب، فلكل من الخصمين ما يخصه، أما شخص يعلم أنه ليس له دين على فلان، ويدعي ديناً ثم يطلب المصالحة لا يجوز له أن يأخذ ولا ريال واحد، وكذلك الطرف الثاني إذا كان يجزم أنه مدين له بألف ريال لزيد، لا يجوز له أن يترك ولا ريال واحد، ويكون هذا قبل بيان الحكم، أما إذا تبين الحكم وحكم القاضي بأن له أو ليس له فحينئذٍ جمع من أهل العلم يرون أنه بعد بيان الحكم لا صلح، ومنهم من قال: إنه يمكن الصلح، يعني إذا حكم لزيد على عمرو بالألف ببينة ليست كالشمس مثلاً، يعتريها ما يعتريها، أو حكم بعدم ثبوت الدين مع احتمال أنه ثابت لعدم البينة عند المدعي، بعد صدور الحكم، واقتنعوا في الصلح لا يوجد ما يمنع من ذلك، نعم.(85/17)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره)) ثم يقول أبو هريرة: "ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم" متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة)) " وفي رواية: ((خشبه)) أو خُُشُبه ((في جداره)) بالإفراد والجمع "ثم يقول أبو هريرة" مؤكداً ما رواه وهو يومئذ أمير على المدينة من قبل مروان أمير عليها، ويملك الضغط على السامعين "يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين" يعني عن هذه السنة الثابتة "والله لأرمين بها بين أكتافكم" يعني الخشبة يضربهم بها، أو بالسنة فيحملهم تبعة روايتها، ويكون بذلك قد أدى ما عليه، ويأثمون هم.(85/18)
فلا يجوز منع الجار أن يضع خشبة على جداره؛ لأن هذا مما لا يضره، لكن إذا كان الحائط أو الجدار لا يتحمل، ما يتحمل خشب البيت مع خشب الجار، مثل هذا لا ضرر ولا ضرار، فيلزم الجار ببناء جدار آخر، أو يسند هذا الجدار الذي لا يتحمل، وأقول: مثل هذا في ما يشترك فيه الجيران من تصريف للماء أو نحوه، وأيضاً ما يشتركون فيه من عدادات، مثل هذه الأمور ينبغي أن تسود فيها روح التفاهم والرحمة والشفقة، والتحمل من الجيران؛ لأن الجار له شأن، الجار قد يحتاج إلى جدار جاره من غير أن يضع عليه خشب، بنى الجار الأول فوضع السور كامل من الأربع الجهات، ثم جاء الجار الثاني هل يلزم ببناء جدار ثاني؟ لا يلزم، والثالث هل يلزم ببناء جدار ثاني؟ لا يلزم، فعلى كل حال مثل هذه الأمور ينبغي أن يسود فيها ما ذكر من التفاهم، والمودة والمحبة، والتنازل أيضاً على أن يقر لكل شخص ما يخصه، يعني لو افترضنا أن زيداً من الناس مع مجموعة من الشركاء اشتروا أرض كبيرة، وأرادوا عمارتها فزيد بادر بالعمارة وسور البيت من الأربع الجهات، ثم جاء الذي يليه فسور البيت من ثلاث جهات، لا يلزمه أن يسور من أربع جهات؛ لأن السور قائم بالنسبة للجار، والثالث والرابع والخامس وهكذا لا يلزم أن تسور، قد يحتاج بعض الناس إلى جهة واحدة فقط؛ بأن يكون جيرانه من الجهات الثلاث كلهم عمروا وسوروا، وبقيت هذه البقعة محفوفة بثلاثة جيران ما يلزمه إلا جدار واحد، ما يقال له: أن تضع أربعة جدران، وعلى كل حال لا بد من معرفة أصحاب الجدران، يعني هذا زيد عمر أول الناس يكتب له أن هذه الجدران له وقعت في أرضه وما أشبه ذلك؛ لأن عرض الجدار عشرين أو خمسة وعشرين سانتي، مثل هذه لها وقع في الأرض عندهم، لها وقع بطول الأرض وعرضها، تأخذ مساحة فيقال: إن هذا الجدار وهذا الحائط لفلان، وليس لنا فيه نصيب؛ لئلا يقع نزاع فيما بعد بين الجيران أو بين ورثتهم، أو بين من يشتري منهم، فإذا عرفت هذه الأمور ولم تضفِ إلى نزاع أو شقاق فلا بأس، من أهل العلم من يرى أن مثل هذا لا يلزم، وليس على سبيل اللزوم لا يمنع؛ لأنه ماله، ولا يجوز استعماله إلا بطيبة نفس منه، لكن أهل العلم يقررون أن ما لا يضر لا يجوز(85/19)
منعه، والناس شركاء في الأمور الثلاثة التي لا يتضرر الآخرون بها، ولو جاء شخص يريد أن يستظل بجداره، أو يستضيء بناره يمنعه وإلا ما يمنعه؟ هو لا يتضرر بحال، لا يمنعه، إذا كان الظل تحت جدار زيد من الناس، لكن إن تضرر بذلك يمنع، إن تضرر الاقتباس بناره يمنع، أما ما عدا الضرر لا يجوز له أن يمنعه، نعم.
وعن أبي حميد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه)) رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(85/20)
"وعن أبي حميد الساعدي -رضي الله تعلى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل)) " يعني لا يجوز، بل يحرم " ((لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه)) رواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما" والحديث صحيح، وله ما يشهد له ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) ((لا يحلب أحدكم ماشية أخيه إلا بإذنه)) فلا يجوز استعمال متاع الغير إلا بعد الإذن، لكن إذا جرت العادة أن الناس يستفيدون من بعضهم من غير إذن في بعض الأشياء التي لا يتضرر أصحابها بها، مثلاً أنت وجدت كتاب في المسجد، وتعرف أنه لزميلك، فتقول: بدل ما يضيع عليّ الوقت أنا جالس انتظر فلان، أو استغل فترة ما بين الصلاتين واستفيد من هذا الكتاب بما لا يتضرر به صاحبه، وصاحبه تعرف أنه لا يكره ذلك، لك ذلك إذا دلت القرائن على ذلك، أما إذا كان يمنع، أو فيه أسرار وأمور كتبها لنفسه، بعض الناس يكتب في الكتب في أجوافها أشياء لا يريد من الناس أن يطلعوا عليها، وكم على كتب العلم من الأمور التي لا تمت إلى العلم بصلة من أصحابها، تجده مثلاً بعض الأسرار يخشى أن ينساها فيكتبها، وقد يكتب مثلاً: ولد له في يوم كذا مولود أسماه كذا، ولدت له كذا، طلق امرأته في يوم كذا طلقة رجعية وراجعها، يكتبها لئلا ينساها، فيطلق بعدها ثلاثاً، .... موجود في كتب العلم بعض هذه التصرفات، فمثل هذا الذي يكتب هذه الكتابات في كتابه لا يريد من أحد أن يطلع عليها، مثل هذا لا بد من إذنه، فمجرد ما يوجد في الكتاب تعليقات أو أشياء يترك، فالأصل أن مال المسلم يحترم، ماله حرام، لا يجوز انتهاكه إلا بإذنه ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)) فالأموال لها حرمتها، ولا يجوز الاعتداء عليها بحال، لا سيما إذا كانت تتضرر بالاستعمال، أما إذا كانت لا تتضرر بالاستعمال بحال من الأحوال فإن هذا يرجع إلى طيب النفس، طيب نفس الشخص، فإذا كانت تطيب نفسه باستعماله من غير إذنه، وجرت العادة على ذلك، وعرف ذلك من خلال القرائن فلا بأس وإلا فلا، وهذا أمر مجمع عليه، وجعله بعد حديث أبي هريرة: ((لا يمنع جار جاره)) ((لا يحل لامرئ أخذ عصا أخيه بغير طيب نفس(85/21)
منه)) ليبين أن هذا لا يعارض هذا، وأن حديث غرز الخشبة هذا مخصوص من العمومات التي تدل على عدم استعمال متاع الغير إلا بإذنه، هذا مستثنى.
((إلا بطيب نفسٍ منه)) طيب النفس قدر زائد على مجرد الإذن؛ لأنه قد يأذن مجاملة، اعطني مفتاح السيارة والله أبغى لي مشوار، تعرف من حالة الشخص أنه لا يثق على سيارته أحد، ثم قال: والله ... مجاملة، تعرف من الأمارات أنه مجامل، فهل نقول: إن هذا طابت نفسه؟ هذا ما طابت نفسه، فلا يستعمل ماله، إذا عرفت وظهر لك ولاح لك من الأمارات والعلامات أنك أخذته وهو كاره ولو جامل، ومنهم من يقول: أبداً ما دام صرح لك بالاستعمال فلك ما سمعت، وما عدا ذلك وما في نفسه هذا لا يعلمه إلا الله، وعلى كل حال الورع أن مثل هذا لا يستعمل، نعم.
باب: الحوالة والضمان
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مطل الغني ظلم، وإذا اُتبع أحدكم على ملئ فليتبع)) متفق عليه، وفي رواية لأحمد: ((فليحتل)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الحوالة والضمان(85/22)
الحوالة وقد تكسر فيقال: حِِوالة: تحويل الدين ونقله من ذمة إلى ذمة، هذه هي الحوالة، وهل هي عقد من العقود التي تراعى فيها شروط البيع أو أنها عقد إرفاق لحل بعض المشاكل التي تكون بين الدائنين والمدينين؟ وذكرنا مثال أن زيد من الناس له دين على ملئ وهو مدين، فأحال الدائن على مدينه، هذه صورة الحوالة، لكن لو أحال دين بدين هل هذه الصورة تدخل في بيع الدين بالدين؟ يعني هل إحالة زيد دائنه عمراً على بكر بدين له مثل إحالة دين زيد على ثاني بدين عمرو على رابع؟ هذاك دين بدين، وهذاك عرفنا أن العلماء كافة على تحريمه، لكن هذا هل الحوالة دين بدين؟ زيد مدين لعمرو فأحاله على بكر لأنه مدين له، هل هذه من صور الدين بالدين؟ بعض العلماء يقول: هي من صور بيع الدين بالدين، وهي مستثناة بالنص، لكن ما يظهر فيها أنها دين، عقد دين بعقد دين؛ لأن الأطراف فيها ثلاثة، لو كانوا أربعة قلنا: دين بدين كما تصورناه فيما سبق، والمتجه أنها عقد إرفاق، يراد منها التخفيف على المدينين، فإذا كان زيد من الناس مدين لعمرو، وعمرو هذا الدائن مدين لبكر، لكن عمرو لا يستطيع استخراج حقه من الطرف الثاني من مدينه، فأحال عليه من يستطيع، مثل هذا لا شك أن فيها فك لنزاع وخصام وشجار، فهي نافعة من هذه الحيثية، ولذا جاء في الحديث: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مطل الغني ظلم)) " وتقدم لنا حديث: ((لي الواجد ظلم)) و ((مطل الغني ظلم)) وهما بمعنى ((يبيح عرضه وعقوبته)) وقد تقدم الكلام في هذا، وهذا من إضافة المصدر إلى فاعله أو إلى مفعوله؟ ((مطل الغني ظلم)) إلى الفاعل أو المفعول؟ إلى الفاعل، يعني المماطل غني، المدين غني، يأتيه الدائن فيقول: غداً، بعد غدٍ، في الأسبوع القادم، في نهاية الشهر، في الشهر القادم، هذا مطل من شخص غني، هذا إذا قلنا: إنه من باب إضافة المصدر إلى فاعله, وإذا قلنا: إنه من باب إضافة المصدر إلى مفعوله قلنا: إن مطل الدائن الغني ظلم فكيف بمطل الدائن الفقير؟ يعني من باب أولى، إذا كان الدائن المُماطل غني ظلم حرام، ويبيح العرض والعقوبة، فكيف إذا كان الدائن فقير؟ نعم؟ هذا من باب أولى، إذا قلنا:(85/23)
من باب إضافة المصدر إلى مفعوله قلنا: من باب أولى، إذا كان المُماطل الدائن غني ويحرم مماطلته وليه، فلئن يحرم مماطلة الفقير المحتاج من باب أولى، يعني شخص مدين لزيد بألف ريال، وزيد يملك المليارات أو الملايين، ومدين لبكر بألف ريال ولا يجد غيره، أيهم أشد مماطلة، يعني كونه يماطل صاحب الملايين، أو يماطل من لا يملك شيء؟ نعم الذي لا يملك شيء أشق، وأصعب عليه.
((مطل الغني ظلم، وإذا أتبع)) وفي لفظ: ((إذا أحيل)) والإتباع والحوالة بمعنى واحد ((اتبع أحدكم على مليء)) من الملاءة وهي الغنى والجدة، ((على مليء)) إذا أحيل على المليء بحيث إذا طولب دفع بخلاف المعسر الذي إذا طولب لم يدفع، فإذا أتبع على مليء فليتبع، يعني ما له عذر، مجرد أن تطلب مالك يحصل لك، لكن إذا كان مليء، يكفي في الملاءة الغنى أو لا بد من الغنى مع البذل؟ لا بد من البذل؛ لأن بعض الأغنياء أشد من كثير من الفقراء، الفقير إذا كان في يده شيء بيدفعه، لكن بعض الأغنياء كيف يستخرج منه المال؟ فالملاءة هي الاستعداد للدفع بمجرد الطلب.(85/24)
((وإذا اُتبع أحدكم على مليء فليتبع)) و ((إذا حيل على مليء فليحتل)) يعني يقبل الحوالة، وعلى هذا يشترط في الحوالة كما يقول أهل العلم لفظها، أحلتك على فلان، أو أتبعتك فلاناً، يشترط فيها لفظها، ورضا المحيل، يعني أنت تطلب زيد من الناس ما تستطيع أن تفرض عليه أن يحليك على كذا، لا تستطيع أن تفرض عليه، فلا بد من رضا المحيل، وهذا بلا خلاف، ورضا المحال عند الأكثر، وإن خالف بعضهم في رضاه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فليتبع)) وفي رواية: ((فليحتل)) إذا أُمر شرعاً هل يشترط رضاه؟ لا يشترط رضاه، وبعضهم يقول: لا بد من رضاه؛ لأن مثل هذا قد يحصل له به ضرر، قد يكون مليء وباذل لكن يحصل له ضرر، يحال على شخص يجامله، ويخجل منه أن يطالبه مثل هذا يتضرر، ولو كان مليئاً، على كل حال مثل هذه الأمور لا بد من مراعاتها، يحيله على أبيه أو على عمه، أو علي أخيه، أو على قريبه أو على صهره، يخجل أن يطالبه بالمال، ولو كان مليئاً، ولذا يشترط أكثر العلماء رضا المحال، وأما المحال عليه فلا يشترط رضاه عند الجمهور، واشترطه بعضهم، على كل حال هذه الأمور لا بد من مراعاتها، والأمر كما عرفنا ((إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع)) أن الأصل فيه الوجوب، وعلى هذا أهل الظاهر، والجمهور على أنه للاستحباب.
الشق الثاني من الترجمة يقول المؤلف:
باب: الحوالة والضمان
الضمان تحمل الدين عن صاحبه مع بقاء ذمة الصاحب الأول مشغولة، يعني يأتي زيد ليستدين من عمرو فيطلب منه إما كفيل أو ضامن غارم، كفيل هذا الذي يحضر المدين متى ما أراد الدائن، يعني مجرد إحضار، مجرد كفالة شخص لا ضمان مال، والضمان التعهد بالوفاء إن لم يسدد المدين الأصلي.
سم.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: توفي رجل منا فغسلنا وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلنا: تصلي عليه، فخطا خطىً ثم قال: ((أعليه دين؟ )) فقلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حق الغريم، وبرئ منهما الميت؟ )) قال: نعم، فصلى عليه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم.(85/25)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: ((هل ترك لدينه من قضاء؟ )) فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال: ((صلوا على صاحبكم)) فلما فتح الله عليه الفتوح قال: ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه)) متفق عليه، وفي رواية للبخاري: ((فمن مات ولم يترك وفاء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
فيما يخص الشق الثاني من الترجمة وهو الضمان، يقول: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: توفي رجل منا" جابر أنصاري، يعني توفي رجل من الأنصار، أنصاري سلمي، ولعله من بني سلمة "توفي رجل منا فغسلنا وحنطناه وكفناه" يعني جهزناه للصلاة عليه "ثم أتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" من أجل أن يصلي عليه "ثم أتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: تصلي عليه" يعني عرض بدلاً من الأمر: صل عليه، أو استفهام، يعني هل تصلي عليه؟ الأصل أن مثل هذا لا يستفهم عنه، فإذا قدم الميت صلى عليه الناس من غير استفهام، لكن هذا من باب الأدب في الخطاب، تعرض المسألة عرض من غير أمر أو استفهام، وإلا من يتأخر عن الصلاة على الجنازة، وفيها من الأجر ما ثبت؟! "تصلي عليه، فخطا خطى" من أجل أن يصلي عليه، وكأن هذا الاستفهام توطئة لما حصل من التشريع في هذا الحديث، وإلا يقدم الميت ويصلى عليه من غير سؤال عن دينه ولا عن شيء، هذا الأصل، إذا عرف أن عليه دين يتصرف معه، أما إذا جهل حاله فيصلى عليه من غير سؤال.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا تشريع، لا، لا تسأل، الحكم هذا يأتي ما فيه "فقلنا: تصلي عليه" هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
سؤال؟ لجميع الناس وإلا الإمام فقط؟
طالب:. . . . . . . . .
الإمام عاد بيجينا ما فيه.(85/26)
قال: "توفي رجل منا فغسلناه وحنطناه وكفناه، ثم أتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقلنا: تصلي عليه، فخطا خطى" يعني على العادة يصلي من غير سؤال "ثم قال: ((أعليه دين؟ )) قلنا: ديناران، فأنصرف" ما صلى عليه، هذا يدل على أن الإمام لا يصلي على المدين من عليه دين، وهذا مما يعظم شأن الدين في نظر المسلم، لا يجعله يتساهل في أمر الدين "قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة" الأنصاري، الحارث بن ربعي، تحملهما، قال: علي الديناران، ضمنهما لصاحبهما "فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حق الغريم)) " يعني حق عليك الحق كما يحق على الغريم فكنت غريماً ((حق الغريم، وبرئ منهما الميت؟ )) يستفهم؛ لأن بعض الناس إذا استثبت منه قال: حسب التيسير، إن تيسرت، لكنه قال: نعم، فأحسن على صاحبه، صلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم"
وعلى كل حال الحديث صحيح، وأخرجه الإمام البخاري من حديث سلمة بن الأكوع، إلا أن في حديثه ثلاثة دنانير بدل دينارين، هذا الحديث فيه ديناران، وهو صحيح من حديث جابر، والآخر من حديث سلمة بن الأكوع وهو في البخاري وفيه: ثلاثة دنانير، فلعلها ديناران وشيء، فمن قال: ثلاثة جبر الكسر، ومن قال: ديناران حذف الكسر، أو كان الأصل الدين ثلاثة دنانير فوفى المدين ديناراً قبل موته فصارت ديناران، الحديث يدل على أنه لا بد من التثبت وأخذ الإجابة الصريحة؛ لأن بعض الناس قد يتصرف، وقد يتفوه بشيء لا يدرك حقيقته، ثم بعد ذلك يعتذر، ولذلك قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حق الغريم، وبرئ منهما الميت؟ )) قال: نعم، يعني مو مجرد أن تقول: والله أنا با أتسبب إن تيسرت وإلا أنا برئ، لا، تحملتهما تحملاً تاماً، وانتقلت من ذمته إلى ذمتك، نعم نصلي عليه، فلا بد من التثبت في مثل هذه الإقرارات.(85/27)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل: ((هل ترك لدينه من قضاء؟ )) فإن حدث أنه ترك وفاءً صلى عليه" لأنه في حكم من لا دين عليه، إذا ترك وفاء يؤخذ من هذا الوفاء ويسدد عنه، وإذا صلي على من ضمن عليه أو تحول عنه الدين فلئن يصلى على من في تركته ما يسدد عنه من باب أولى.
"صلى عليه وإلا قال: ((صلوا على صاحبكم)) " عرفنا أن الدين شأنه عظيم والناس يتساهلون فيه، كل هذا بسبب تيسير النسب، وتسهيل الدين، كثير من الناس لا يجد من يدينه في أول الأمر، بل قد لا يوجد من يدين الناس، يوجد واحد في البلد ويتنقل يشوف الأملياء الذين يدفعون أكثر ويترك الباقي، لكن الآن كل شيء متيسر، كل يجد بغيته، ولا شك أن هذا التيسير صار سبباً في أسر كثير من الناس، وقعوا في حبائل لا يستطيعون الخروج منها، وتساهلوا في أمر الدين حتى تراكمت على الناس.(85/28)
"وإلا قال: ((صلوا على صاحبكم)) فلما فتح الله عليه الفتوح قال: ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)) " فدل على أن عدم الصلاة عليه بعد الفتوح منسوخة، وعلى هذا يصلي الإمام على المدين وغير المدين، ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه)) يسدده من مال المسلمين، من مال المصالح العامة، من بيت المال " ((فعلي قضاؤه)) متفق عليه، وفي رواية للبخاري: ((فمن مات ولم يترك وفاء)) " فعلي قضاؤه، وهل هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أو على الولاة من بعده أيضاً؟ جاء ما يدل على أنه عليه وعلى الولاة من بعده، لكنه لا يسلم من ضعف، إذا كان في بيت المال سعة فلا شك أن تسديد الديون على المسلمين من مصارف بيت المال، على أن لا يكون سبباً التساهل بالديون؛ لأن بعض الناس إذا عرف أن الدين يسدد عنه تساهل في أمر الدين, يتدين وإن توسع الله المستعان بيسدد عنك، لكن من يضمن أن بيت المال يستمر فيه ما يسدد عنك؟ وبعض الناس وهذه من حبائل البنوك التي جعلت الناس يتتابعون في الديون تقول من الشروط المذكورة عندهم: أنه إذا توفي الغريم يعفى عنه، هذه يذكره بعض البنوك، وعلى هذا يتتابع الناس في الاستدانة من هذا البنك، ويقعون في حبائله، ويقعون في الضائقات، ثم بعد ذلك يلزمون بالسداد، وما يدريك أنك إذا مت يعفى عنك أو لا يعفى؟(85/29)
وعلى كل حال من أخذ أموال الناس تكثراً جاء الوعد الشديد عليه، فعلى الإنسان أن لا يستدين إلا إذا اضطر إلى ذلك حاجة لا مندوحة له عنها، ويأخذ بقدر الحاجة، ويسارع بالسداد، والديون لبيت المال حكمها حكم ديون الناس، وبعض الناس يتساهل في التسديد لبيت المال، يقول: لنا نصيب في بيت المال ما وصل إلينا، هذا نصيبنا، هذا ليس نصيبك، أنت اتفقت واشترطت وتعاقدت مع من يمثل بيت المال على السداد في مدة كذا، في يوم كذا، في شهر كذا، مبلغ كذا، والمسلمون على شروطهم، وهذا إحسان، فالإحسان ينبغي أن يجازى بالإحسان، ويقابل بالإحسان، يقابل بمثله، وقل مثل هذا في الفواتير بعض الناس يتحايل على إسقاطها، مسائل العقوبات بالمال مثلاً أسرعت سرعة زائدة فأعطيت قسيمة بمائة ريال، قطعت إشارة أعطيت قسيمة بمبلغ كذا، بعض الناس يتحايل على إسقاطها، ويدبر من يتصل له قبل أن تدخل الحاسب وتمسح عنه، لكن مثل هذه التصرفات لا تجوز، وقد وجد بعض القضايا التي حملت بعض الناس، يعني دخلت الحاسب ما استطاعوا يمسحونها حولت على شخص آخر، هذا ظلم وتعدي، أنت احرص على أن تلتزم بالأنظمة المبنية على المصالح المرعية على كل حال إذا حصل ما يحصل من بعض الظروف التي تستدعي بعض الخروج عن هذه الأنظمة لحاجة ماسة أو شي من هذا هذا له حكمه ويقدر بقدره، لكن على الإنسان أن يلتزم بما حد له؛ لأن هذه مصالح محضة ومدروسة والباعث عليها النظر في المصلحة العامة، نعم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا كفالة في حد)) رواه البيهقي بإسناد ضعيف.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا كفالة في حد)) رواه البيهقي بإسناد ضعيف.(85/30)
تقدم مراراً الكلام على في هذه السلسلة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأنه إذا صح السند إلى عمرو أن أقل الأحوال أن تكون من قبيل الحسن، لكن السند لم يصح إلى عمرو؛ لأنه تفرد به بقية بن الوليد عن شيخه أبو محمد عمر بن أبي عمر الكلاعي، وهو من شيوخ بقية المجاهيل، لا يعرف، رواياته منكرة، كما قال أهل العلم، فالسند لم يصح إلى عمرو، ولذا قال الحافظ: بإسناد ضعيف، وقال البيهقي: منكر، الخبر منكر، ضعفه شديد، وهو في هذا الحديث، لو صح ينفي الكفالة في الحد، أما الضمان في الحد فلا يمكن أن يرد، لماذا؟ لأن الحد لا يمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام] يقول: يضمن الحد على زيد الذي وقع في السرقة أو في الشرب أو في الزنا أو ما أشبه ذلك، بحيث إذا لم يمكن وجوده والاستيفاء منه يستوفي من الضامن، يمكن هذا؟ لا يمكن، مثل هذا لا يقبل النيابة، الكفالة التي هي مجرد إحضاره بدلاً من أن يسجن هذا الشارب أو هذا الزاني أو هذا .. ، في وقت صدور الحكم، في وقت محاكمته، يقول شخص: أنا أحضره متى شئتم، إذا حكم عليه عند التنفيذ أنا أحضره متى شئتم، هنا يقول الحديث: ((لا كفالة في حد)) لكنه حديث ضعيف لا يثبت، فإذا وجد من يلتزم بهذا، والسجن موجود في عصر الصحابة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ربط ثمامة بن أثال، وهو في حكم السجن، أصل من أصول السجن، والصحابة اتخذوا سجون للمخالفين، لكن لو افترضنا أن مثل هذا الشخص لو سجن ضاع أولاده، تفرقت من وراءه تضرر، ومصالحهم تضيع، مثل هذا لو كفل، وجاء شخص يستطيع إحضاره عند الحاجة إلى الحكم عليه، أو عند الحاجة إلى إقامة الحد عليه، لا سيما مع ضعف الحديث يتجه القول به، والإخراج من السجن بالكفالة أمر معروف، موجود، لكن لا بد أن يتيقن أن هذا الشخص يحضر متى احتيج إليه، أما إذا كفله ولم يحضره لا شك أن مثل هذا لا يمكن الاستيفاء منه، ليس مثل المال، لكن لو سجن مكانه، الآن يسجن هذا الكفيل إذا لم يحضره في الوقت المناسب، وقد يسجن والد هذا الشخص المطلوب بحد أو بغيره، وقد يسجن ولده من أجل الضغط عليه ليحضر، المقصود أن مثل هذه الأمور {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ(85/31)
وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام] الولد لا يتحمل ذنب أبيه، والوالد لا يتحمل ذنب ابنه، فيقتصر في الجناية على الجاني، ولا يتعدى ذلك إلى غيره، نعم من التزم بإحضاره يلزم بذلك، ومع عداه فلا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب: بكره في درس يا شيخ؟
لا ما في، هذا آخر شيء.
شوف بعض الأسئلة التي جاءتك.
يقول: هل لو وجد أكثر من نسخة من الكتب في مكتبة مسجدنا، ولا أحد يقرأ في الكتب فهل يجوز أخذ نسخة زائدة وأنا طالب علم وبحاجة إلى نسخة فما الحكم؟
هذه النسخة وقفت على هذه الجهة، فلا يجوز أخذ النسخة منها.
وكيف الحكم إذا كان بعض الكتب يكتب عليها وقف على طلبة العلم؟
كذلك طلبة العلم ما لم تحدد الجهة، فإذا حددت الجهة فلا يجوز إخراجها منها.
ما الضابط في فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؟ فهل أكتفي بفهمهم فقط -رضوان الله عليهم- أم يجوز لي فهم ما قد لم يكن ذُكر، مثلاً أفهم من قوله تعالى في سورة الأعراف: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [(47) سورة الأعراف] أفهم منه أهمية الدعاء، وأن العبادات انقطعت يوم القيامة فلا صلاة ولا حج ولا زكاة، ولكن يبقى الدعاء، مما يدل على أهميته، وقد يكون ذكر هذا بعض العلماء، ولكن لم أطلع عليه.
النصوص نصوص الكتاب والسنة لا بد من أن تفهم على فهم سلف هذه الأمة، فالفهوم التي يستقل بها المتأخرون دون اعتماد على ما أثر عن سلف هذه الأمة يوقع في إشكالات كبيرة لا سيما مع بعد الشقة بين اهتمامات المتأخرين، وفهم سلف هذه الأمة، وما تلوثت به الأفكار والمفاهيم من الثقافات الدخلية أثر على فهوم الناس تجاه نصوص الكتاب والسنة.(85/32)
وعلى كل حال لا بد من التقيد بفهم سلف هذه الأمة، لكن الشخص الذي اطلع على فهوم السلف، وقرأ في تفاسير الأئمة، وفي شروحهم للأحاديث، ثم تولدت لديه ملكة يفهم بها السنة كفهمهم، أو يفهم بها القرآن نظير فهمهم، لا أرى ما يمنع من ذلك، ولذلك تجد في التفاسير المتأخرة من أصحاب العناية والاهتمام بمراجعة كتب أهل العلم كلام جديد ما تجده للمتقدمين، وهو مقبول في الجملة؛ لأن مثل هؤلاء عاشوا مع كتب السلف، وقل مثل هذا في جميع الفنون، يعني شخص هضم كتب المتقدمين، وصارت لديه ملكة وأهلية لأن يشرح هذا الحديث الذي لا يوجد له شرح، حديث في الطبراني ما سبق أن شُرح، وأنت على خبرة ودربة في معالجة شروح السنة تستطيع أن تشرح هذا الحديث، أما شخص لا علاقة له بكتب العلم، ثم يأتي يقول: يفهم، هذا لا يفهم، ولن يفهم.
رجل أراد أن يصلي صلاة المغرب، ودخل مع جماعة يصلون العشاء في الركعة الثانية فصلى معهم ثلاث ركعات إلا أنه لم يأتِ بالتشهد الأول في الركعة الثانية له الثالثة لإمامه، فما حكمه؟
مثل هذا لا يتابعهم في الركعة الرابعة؛ لأنها زائدة في حقه، باطلة في حقه، فيجلس بعد الثالثة، ثم يسلم، ثم يأتي إذا سلم بركعة ثالثة.
ما هي الطريقة المثلى لجرد المطولات؟ وهل تنصحون بقراءة الكتاب أكثر من مرة حيث أعاني من نسيان ما قرأت خصوصاً إذا كان مجلد أكثر من أربعمائة صفحة، ونسيان بعض المباحث فيه، وكذلك في شروح المتون العلمية؟
جرد المطولات أمر لا بد منه، وهذه طريقة معروفة ومأثورة عن أهل العلم، وتكون قراءة سريعة، ما يكون مثل قراءة المتون، وتكتب العنوانين تدون العناوين، أما في المذكرات، أو على طرة الكتاب، تدون العناوين ويذكر المسائل المهمة، والطرائف والغرائب تجرد، ويرجع إليها عند الحاجة.
ما الفرق بين كتاب توضيح الأحكام وكتاب الصنعاني سبل السلام؟
الفرق واضح، كتاب توضيح الأحكام كتاب سهل ميسر مرتب كتب بلهجة العصر ولغتهم، يفهمه كل أحد، أما سبل السلام فقد كتب وصيغ بصياغة العلماء المتقدمين على طريقتهم في التأليف، ولا شك أن هذا مفيد، وذاك مفيد، ولا بد من الجمع بينهما.(85/33)
رجل دخل إلى المسجد والإمام في الركعة الثانية من صلاة الفجر في التشهد الأخير -يعني انتهت الركعة الثانية- ولم يكن جازماً بوجود جماعة أخرى فدخل معهم في الصلاة، وبعد انصرافه من الصلاة وجد أن هناك جماعة أخرى فهل يدخل معهم ليدرك الجماعة وكي لا يخرج من ذمة الله؟
هو صلى مع الإمام، وامتثل ما أمر به، فليصنع كما يصنع الإمام، وصنع كما صنع الإمام، ولا يتأخر حتى ينتظر جماعة أخرى، إلا إذا غلب على ظنه ذلك، لكن إن دخل معهم بنية النافلة لأنها فاتته راتبة الصبح فلا بأس، وإلا ففريضته الأولى.
هل تغني دراسة أحاديث الأحكام: عمدة الأحكام، وبلوغ المرام عن دراسة كتب الفقه؟
لا تغني؛ لأن في كتب الفقه من الفروع ما لا يذكر في هذه الكتب، وما لا يوجد له دليل في هذه الكتب، وبأيها يبدأ؟ يبدأ بها جميعاً، يطالع الباب من كتاب الحديث فقه الأحكام، ثم يطالعه من كتب الفقهاء.
يقول: أرجو إعادة أفضل طبعة لأحكام الأحكام؟ وما رأيكم بحاشية الصنعاني؟
أفضل طبعة هي طبعة الشيخ أحمد شاكر، والطبعة أيضاً التي طبعت بإشراف الشيخ علي الهندي مع حاشة الصنعاني جيدة.
من كانت عليه مخالفة مرورية ومسحها من الحاسب عن طريق شخص يعرفه، فماذا عليه أن يفعل الآن بعد أن عرف أن ذلك لا يجوز؟
عليه أن يستغفر ولا يعود مرة ثانية.
يقول: رجل كان في ورشة لإصلاح السيارة، وحان وقت انصراف العامل من الورشة، وبذلك سوف يتأخر إصلاح السيارة، فأعطاه صاحب السيارة ما يسمى بالبغشيش لكي ينجز عمله، علماً أنه خارج الأجر التي تعطى للكفيل، وليس على حساب شخص آخر، بل على حساب وقت العامل؟
يعني إذا كان في وقت لا يملكه المستأجر، يعني في وقت إجازته، ووقت راحته، وأعطي أجراً مقابل هذا الوقت مع أنه لا يؤثر على العمل الأصلي؛ لأنه قد يكون له أثر على العمل الأصلي فيؤخر الأعمال الأصلية إلى مثل هذا الوقت، فإن خشي من ذلك فلا، وإلا فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
يقول: قلنا: إن الحديث الضعيف شديد الضعف لا ينجبر فيكف أنجبر هذا الحديث بحديث أبي هريرة الذي هو شاهد له؟
نعم على ضوء القواعد ما يمكن جبره، لكن حديث أبي هريرة بمفرده صحيح.(85/34)
يقول: شخص ذهب إلى جدة في مهمة عمل من الشرقية في يوم الأربعاء، وأراد أن يعتمر في نفس الوقت يجب عليه أن ينتهي عمله يوم الأربعاء، فهل يجوز أن يتجاوز الميقات دون أن ينوي؛ لأنه إذا نوى وجب أن يعتمر أولاً، وسينتهي دوامه الأربعاء إذا اعتمر ويضيع عمله؟
هذا بين أمرين: إما أن ينوي العمرة إذا حاذ الميقات أو وصل إلى الميقات، ويلبس لباس الإحرام، ويذهب إلى عمله، ويزاول عمله وهو محرم، لا مانع من ذلك، أو يقدم العمل إذا خشي فواته غير محرم، ثم يعود إلى الميقات فيحرم منه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(85/35)
شرح بلوغ المرام - كتاب البيوع (13)
باب: الشركة والوكالة - باب: الإقرار
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه: (بلوغ المرام من أدلة الأحكام):
باب: الشركة والوكالة
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجتُ من بينهما)) رواه أبو داود وصححه الحاكم.
وعن السائب المخزومي -رضي الله تعالى عنه- أنه كان شريك النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، فجاء يوم الفتح فقال: ((مرحباً بأخي وشريكي)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: "اشتركت أنا وعمار وسعد في ما نصيب يوم بدر" الحديث رواه النسائي وغيره.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الحافظ ابن حجر في كتابه: بلوغ المرام من أدلة الأحكام:
باب: الشركة والوكالة(86/1)
الشركة: بفتح الشين المعجمة، وكسر الراء على زنة سرقة، وقد تقال بإسكان الراء مع كسر الأول شِركة على وزن نعمة، وقد تقال بفتح أوله وثانيه، شَرَكة على وزن ثمرة، وهي في الأصل: الخلطة والاختلاط، اشتراك بين شيئين الخلط بينهما {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ} [ص: 24] المراد بهم: الشركاء {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] كثير من هؤلاء الذين تحصل بينهم الشركة والخلطة بسبب ما جبلت عليه النفوس من البغي والظلم والعدوان وحب الدنيا، وإيثار النفس يحصل البغي بينهم، وقوله: "كثير" يدل على أن هناك من يوفق للعدل والإنصاف من النفس؛ لأن الكثرة أو ذكر الكثير يدل على أن هناك ما يقابل الكثير وهو القليل، من ينصف من نفسه، ويبرأ من العهدة بيقين، وحقيق وخليق بالمسلم أن يكون كذلك، يكون منصفاً من نفسه، فيبرأ من عهدة ما أوجب الله عليه من حقوقه، وحقوق عباده بيقين، ليلقى الله -جل وعلا- وليست لديه مظلمة، والمظالم شأنها عظيم، البغي والعدوان على حقوق العباد، حقوق الله -جل وعلا- مبنية على المسامحة، لكن حقوق العباد مبنية على المشاحة، فعلى الإنسان أن يحرص على براءة ذمته، ولذا قال الله –جل-: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24] فاحرص أيها المسلم وأنت طالب علم تقضي وقتك بهذا المندوب، تقضي جل وقتك بصدد تحصيل هذا المندوب، فلئن تبرأ من عهدة ما أوجب الله عليك، وأن تتنصل عن ما حرم الله عليك من باب أولى، ويوجد من طلاب العلم، بل ممن ينتسب إلى العلم من هو صاحب تحري وتثبت، لكنه بالنسبة للنوافل مقل، ومنهم العكس تجده في باب الواجبات يلاحظ عليه ما يُلاحظ، وإن لم يكن شيئاً مخل خللاً بيناً، لكن تجد عنده شيء من التقصير، ويجبره بكثير من النوافل، فأيهما أولى وأحرى وأجدر؟ ((وما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه)) يبرأ من عهدة الفريضة والواجب بيقين، ثم بعد ذلك يلتفت إلى النوافل، والله المستعان.(86/2)
الشركة تكون أحياناً عن اختيار، وأحياناً تكون لا عن اختيار، فالشركة عن الاختيار التي تُبدأ من قبل الطرفين بعد أن لم تكن، اختياراً منهما، يشترك زيد وعمرو بأن يدفع كل واحد من ماله جزءً فيخلطانه ويزاولان به التجارة، على أن تكون الأرباح بينهما، وأحياناً تكون لا عن اختيار بأن يرث زيد وعمرو بكراً، من تركته ما قدر له شرعاً فهذا شريك له في التركة، لكن هل هو باختياره أو لا عن اختياره؟ ليس عن اختيار.
باب: الشركة، الشركة لها أقسام عند أهل العلم وأنواع مما يتعلق بالأموال، ومنها ما يتعلق بالأبدان، والوكالة بفتح الواو وقد تكسر، مصدر وكّل يوكل توكيلاً ووكالة، والأصل فيها التفويض، تفويض الأمر، ومنها التوكل على الله -جل وعلا-، تفويض جميع الأمور إليه، كثيراً ما يقول الناس: الأصل أن يقال: توكلت على الله، {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [(23) سورة المائدة] والتوكل من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله -جل وعلا-، التوكل الذي يتعبد به، لا يجوز صرفه، تفويض الأمور كلها لله -جل وعلا-، هذا نوع من أنواع العبادة، لكن التوكيل والاعتماد على المخلوق فيما يقدر عليه، فيما يقبل النيابة مثل هذا جاءت النصوص فيه، وعليه عمل المسلمين، وينوب بعضهم عن بعض حتى في بعض العبادات التي تقبل النيابة؛ لأن من العبادات ما يقبل النيابة، ومنها ما لا يقبل النيابة، وعرفوها في الاصطلاح: أنها إقامة شخص غيره مقام نفسه، إما مطلقاً وإما مقيداً، فهناك الوكالات العامة المطلقة، وهناك الوكالات الخاصة المقيدة، فإذا وكل على أمر من الأمور الخاصة وكله يبيع له هذه الأرض بعينها لا يتعدى ما وكل فيه، أما إذا وكله مطلقاً، تصرف عنه تصرفاً عاماً مطلقاً فمثل هذا إذا لم تدل القرائن على منعه من بعض الأمور، فالأصل العمل باللفظ، فيتزوج له، ويطلق عنه، لكن هناك أشياء لا تقبل النيابة، ما يقول: احلف عني، فضلاً عن كونه يصلي عنه، أو يصوم عنه في غير النذر، إذا مات وعليه صوم.
يقول في الحديث الأول:(86/3)
"عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله تعالى: أنا ثالث الشريكين)) " هذا الحديث يسمونه إيش؟ قدسي؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أضافه إلى الله -جل وعلا-، وهذه حقيقة الحديث القدسي، وهي ما تكون إضافته إلى الله -جل وعلا-، وأما لفظه ومعناه فحكمه حكم الحديث النبوي، تجوز روايته بالمعنى، واللفظ لا يجزم بأنه اللفظ الإلهي، وإن كان المعنى من الله -جل وعلا-، هذا الحديث يقول الحافظ: "رواه أبو داود، وصححه الحاكم" لكنه ضعيف، معل بعلتين، أولاهما: الجهالة بحال راويه سعيد بن حيان، وأعله الدارقطني بالإرسال، فهو ضعيف لهاتين العلتين.(86/4)
ننظر في معناه، يقول الله تعالى فيما يروى عنه: ((أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه)) يعني هو معهما، الله -جل وعلا- مع الشريكين بالحفظ والرعاية والعناية، وتيسير الأمور؛ لأن هذه معية خاصة ((ما لم يخن أحدهما صاحبه)) فالخيانة شأنها عظيم تمحق البركة، وترفع هذه المعية الخاصة وتنافيها، والخيانة من صفة المنافقين، ومن علامات النفاق، إذا اؤتمن خان، والشريك لا شك أنه مؤتمن على أموال صاحبه، ويتمكن منها بحيث يستطيع أن يخون صاحبه، ولا يستطيع صاحبه إقامة البينة عليه، ولذا جاء التشديد في شأنه، ((أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجت من بينهما)) يعني وكلهما إلى نفسيهما وإلى جهدهم، ومحقت البركة من بينهم، هذا معنى الحديث يعني لو ثبت، وأهل العلم يتكلمون على الأحاديث ويشرحونها ويبينون معانيها ولو لم تثبت، إذا كانت هذه المعاني صحيحة، أولاً: يبينون ضعفها ولا يبنى عليها حكم من الأحكام، لكن الخيانة -مدلول الحديث- دلت عليها الأدلة الكثيرة، يعني الحديث لم يتفرد بذم الخيانة لنقول: إننا نبني عليها حكم من الأحكام، فالخيانة من خصال المنافقين -نسأل الله السلامة والعافية-، وتحرم مطلقاً، وإذا كانت بين شريكين لا يستطيع أحدهما إقامة البينة على صاحبه فإن أمرها يكون أشد؛ لأنه ما تستطاع إقامة البينة عليه أمره أسهل يقيم عليه البينة، ويؤخذ نصيبه، ويردع الخائن، لكن الذي لا يستطاع إقامة البينة عليه، ولذا صارت الخيانات بين من تكثر معاملته له من قريب من زوج أو زوجة أو والد أو ولد أو ما أشبه ذلك، أمرها شديد، والرجل مؤتمن على زوجته، ومؤتمن على ولده، وقد استرعاه الله -جل وعلا- على هذه الرعية، فإذا خانها استحق الوعيد الشديد الذي ورد في ذلك، المدرس مؤتمن فإذا خان هذه الأمانة استحق الوعيد وهكذا، فالخيانة ولو لم يرد هذا الحديث جاءت النصوص المتكاثرة المتظافرة بتحريمها، وجاء أيضاً النهي عنها ولو بدأ الطرف الآخر بالخيانة، فجاء في الحديث: ((ولا تخن من خانك)).(86/5)
ثم بعد هذا في الحديث الذي يليه حديث السائب بن أبي السائب المخزومي -رضي الله عنه- أنه كان شريك النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة في الجاهلية، فجاء يوم الفتح كي يسلم النبي -عليه الصلاة والسلام- مع مسلمة الفتح، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مرحباً بأخي وشريكي)) فالترحيب بالضيف أمر مطلوب، وهو من إكرامه، ولا سيما إذا كانت بينك وبينه صلة ودالة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رحب بجمع من صحابته، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) و ((مرحباً بابنتي)) لكن هل هذا اللفظ مما اكتفى به من رد السلام أو لا؟ في حديث أم هانئ جاءت والنبي -عليه الصلاة والسلام- يغتسل فقالت: السلام عليك يا رسول الله، يوم الفتح فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولم ينقل عنه أنه قال: وعليك السلام، حتى أن بعضهم قال: إن الترحيب يكفي عن رد السلام، وهو رد للتحية؛ لأنه لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد السلام على أم هانئ، وقال: ((مرحباً بابنتي)) يعني فاطمة، وما نقل عنه أنه رد السلام، ومنهم من يقول: إنه لا بد من رد السلام بلفظه، والزيادة عليه مطلوبة {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] فأقل الأحوال أن ترد، وكون رد السلام لم ينقل لا يعني أنه لم يحصل؛ لأن هذا مما علم، فلا يحتاج إلى نقله، ونقل في نصوص أخرى يكتفى بها، يعني لا يلزم أن ينقل ما يتضمن الحكم الشرعي في كل مناسبة، إذا عرف الحكم وأن رد السلام لا بد منه يرد السلام، ويكتفى بما ثبت فيه، ولا يلزم أن يثبت في كل قضية.(86/6)
((مرحباً بأخي وشريكي)) السائب بن أبي السائب المخزومي هذا من المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامه بعد ذلك، وعمّر طويلاً، كان شريكاً للنبي -عليه الصلاة والسلام- قبل البعثة، وعاش بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- دهراً إلى زمن معاوية -رضي الله عنه-، جاز المائة قطعاً، النبي -عليه الصلاة والسلام- شاركه قبل البعثة، وعاش النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد البعثة ثلاث وعشرون سنة، وعاش هو بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- دهراً طويلاً، وهم ممن ذكر ممن عاش فوق المائة، ممن عمّر، جاء في مدحه: ((مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يماري ولا يداري)) المماراة هي المجادلة والمخاصمة، فتكون أموره مبنية على المسامحة، الذي لا يماري ولا يخاصم ولا يجادل هذا من كانت أموره مبنية على المسامحة, ولا يداري هل هو من المداراة أو من المدارأة؟ هل هذا اللفظ من المداراة أو من المدارأة؟ لأنه إذا كان من المداراة يكون من المراعاة، مراعاة الأحوال وهذه مطلوبة، وإذا كان من المدارأة وهي المدافعة، إذا أراد شريكه شيئاً دفعه عنه فالمدارأة مذمومة، وأما المداراة وهي استعمال الأساليب المناسبة في الأوقات المناسبة من أجل تمشية الأمور فهذه لا بأس بها، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((بئس أخو العشيرة)) ولما دخل عنده، استأذن عليه ودخل انبسط معه، هذه يقال لها: مداراة، وهي مطلوبة في بعض الأحوال، بخلاف المداهنة، المداهنة التنازل عن شيء مما أوجب الله -جل وعلا- بحيث لا يفعل، أو ارتكاب محظور من أجل فلان أو علان، هذه مداهنة، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم] ودوا لو تتنازل عن شيء من دينك، فالمداهنة لا تجوز بحال، والحديث فيه دليل على أن الشركة كانت موجودة قبل الإسلام، وأن الإسلام أبقاها؛ لأن هناك أعمال يعملها العرب في جاهليتهم، منها الحسن، وأبقاه الإسلام وأقره، ومنها السيئ والقبيح الذي نهى عنه وحذر منه، وعلى كل حال الحديث صحيح لغيره، يعني يحتج به، وجزم بعضهم بأنه حسن، وعلى كل حال هو في دائرة القبول والاحتجاج.
الحديث الذي يليه حديث عبد الله بن مسعود:(86/7)
حديث "عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر" الحديث رواه النسائي وغيره، النسائي وأبو داود وابن ماجه، لكنه ضعيف، لماذا؟ لأنه من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وصرح أنه لم يسمع من أبيه شيئاً، فهو منقطع، مضعف بالانقطاع بين ابن مسعود وبين ولده أبي عبيدة، هذه علته، والحديث دليل على ما يسمى بشركة الأبدان، يتفق اثنان على أن يعملا بأبدانهما ثم بعد ذلك يجتمعان في اليوم في نهايته، أو في آخر الشهر، أو في آخر السنة، ثم يقتسمان ما تحصل لهما، شركة أبدان، والحديث دليل عليها لو صح، لكنه ضعيف.(86/8)
يقول: زيد لعمرو نخرج في الوقت المحدد في السابعة صباحاً إلى السوق، أنت تشتغل كهربائي، وأنا سباك مثلاً، فما اجتمع لي يضاف إلى ما اجتمع لديك، ثم يقسم على اثنين، نصير شركاء، هذا النوع من الشركة صححه الحنفية، وحكم جمع من أهل العلم ببطلانه، أما الاعتماد على الحديث فلا يصح، ابن حزم إضافة إلى ضعف إسناده أبطل متنه، كيف يبطل متنه؟ المتن يقول: "اشتركت أنا وعمار وسعد في ما نصيب يوم بدر" يعني من الغنيمة، هل متن هذا الخبر مستقيم؟ فجاء سعد بغلامين، ولم أجيء أنا وعمار بشيء، ما جاءوا بشيء، وهذا جاء بأسيرين، هل متنه مما يثبت؟ وهل لكل واحد من الغزاة أن يتملك ما غنم؟ أو أن هذا غلول إذا أخذ من الغنيمة قبل أن تقسم شيئاً؟ مما حرمه الله -جل وعلا- لأنه غلول، والأصل أن مثل هذه الغنيمة قسمتها بيد ولي الأمر، يجمعها ثم يقسمها القسمة الشرعية {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [(41) سورة الأنفال] .. الخ، فأبطل متنه، إضافة إلى ضعف إسناده بالانقطاع، هل نقول: إن هذا اشتراط بينهم والمسلمون شروطهم، واتفاق والأمر لا يعدوهم، وتنازل من أحدهما للأخر؟ هل نستطيع أن نقول مثل هذا؟ هذا سباك وهذا كهربائي في نهاية الوقت جاء السباك بألف، وجاء الكهربائي بمائة، أضيفت المائة إلى الألف صارت ألف ومائة، وقسمت على اثنين، صار لكل واحد خمسمائة وخمسين، فكأن هذا تنازل عن أربعمائة وخمسين لصاحبه، يمكن أن يكون مثل هذا العقد جاري على القواعد؟ يشهد له شيء من أصول الشرع؟ يعني هذا مجرد تنازل، أو نقول: هذا مجرد غرر؟ لأن كل واحد يرجو أن يكون مكسب صاحبه أكثر، وأن هذا شرط لكنه ليس في كتاب الله، وليس في كتاب الله ما يشهد له، لو لم يحصل اتفاق في أول الأمر، خرج السباك وخرج الكهربائي ثم في المساء قال لصاحبه: كم حصلت؟ قال: حصلت ألف، وقال الثاني: أنا حصلت مائة، قال: وش رأيك نقتسم يمنع أو ما يمنع؟ ما يمنع هذا؛ لأن ما فيه غرر، هذا تنازل، هذه هبة من شخص لأخيه يمدح بها، لكن ما في غرر، لكن في أول الأمر كل واحد يرجو أن يكون صاحبه كسب أكثر، وأيضاً مثل هذا الاشتراك وهذا الاتفاق قد يدعو إلى الكسل(86/9)
والخمول، يقول: ما دام صاحبي يأخذ نصف كسبي لماذا أتعب؟ وعلى كل حال المعول على هذا الحديث وهو ضعيف جداً، والأصل في الشركات الخلطة، وليس في مثل هذا الصنيع ما يمكن خلطه؛ لأنها شركة أبدان، نعم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال: "أردت الخروج إلى خيبر فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا أتيت وكيلي بخيبر فخذ منه خمسة عشر وسقاً)) رواه أبو داود وصححه.
وعن عروة البارقي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث معه بدينار يشتري له أضحية، الحديث، رواه البخاري في أثناء حديث، وقد تقدم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر على الصدقة، الحديث، متفق عليه.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر ثلاثاً وستين، وأمر علياً -رضي الله تعالى عنه- أن ينحر الباقي، الحديث رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في قصة العسيف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وأغدو يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) الحديث، متفق عليه.
في الأحاديث الثلاثة السابقة شواهد لشق الترجمة الأول: الشركة، وبقية أحاديث الباب للشق الثاني: التي هي الوكالة، يقول في الحديث الرابع:
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا أتيت وكيلي في خيبر فخذ منه خمسة عشر وسقاً)) رواه أبو داود وصححه" وحسنه ابن حجر في التلخيص، وفيه عنعنة محمد بن إسحاق، وهو مدلس لا يقبل إلا ما صرح به، وقد عنعن، ولذا ضعفه جمع من أهل العلم.(86/10)
يقول جابر -رضي الله تعالى عنه-: "أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا أتيت وكيلي في خيبر فخذ منه خمسة عشر وسقاً)) " وفيه: ((إذا ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته)) علامة، يعني مثل: الشفرة، أو الكلمة التي يتفق عليها، كلمة سر ونحوها، هذا عمل متفق عليه بينهما، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا الحديث مضعف بعنعنة ابن إسحاق، محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، اختلف أهل العلم فيه اختلافاً كبيراً حتى قيل: أوثق الناس، وقيل: ركن للكذب، قيل: دجال من الدجالين، لكن التوسط في أمره هو المطلوب، وأنه إذا صح السند إليه، وصرح بالتحديث حديثه حسن، هذا هو المرجح عند أهل العلم، وهو إمام في المغازي، هذا الحديث يرويه جابر بن عبد الله، والقصة حصلت له، قال: "أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا أتيت وكليلي في خيبر فخذ منه)) " هذا المقدار، الوكيل يحتاج إلى تعميد، ما هو هذا الوصل يحتاج إلى تعميد، أو إقامة بينة، يعني مثل هذا ما تصدق فيه الدعوة، ما تصدق فيه مجرد الدعوة، يعني لو أن إنساناً ذهب إلى المالية وقال: إن ولي الأمر أمر لي بكذا، يعطى بمجرد دعواه؟ لا يعطى بمجرد دعواه، بل لا بد من البينة، لا بد من كتابة لا يتطرق إليها الاحتمال، أو لا بد من الشهادة التي تدل على أنه صادق، أمارة وعلامة قد يضعها المسئول، وهذا كثير بين المسئولين هذه العلامات، وهذه الشفرات، وهذه التصرفات التي يتفق عليها بينهم ما زالت مستعلمة إلى الآن، فتجد شخصين كل واحد معه خطاب لجهة من الجهات، أو معهما خطاب، كل واحد معه خطاب إلى جهة واحدة، هذا طلب وظيفة فشرح له ولي الأمر لا مانع بأسلوب متفق عليه، وشرح للثاني كذلك، الثاني المسئول الذي ترد عليه المسئول الأصغر الذي وجه إليه يعرف الأسلوب الذي يلزمه بتوظيفه، والأسلوب الذي فيه شيء من السعة، وبعضهم يستعمل الألوان، ألوان الحبر إذا أراد الأمر الجازم النافذ وضع لون من ألوان الحبر أو وقع توقيع معين، وإذا أراد أن يكله إلى اجتهاد من أحيل إليه وضع اللون الثاني أو التوقيع الثاني، هذه علامات متفق عليها، لكن إذا اخترقت مثلاً، وعرف من خلال عمل هذا المطرد(86/11)
أن هذه العبارة تمشي وهذه العبارة ما تمشي، وتصرف في العبارة، ودخلها التزوير أو دخلها شيء من هذا اختل الأمر، التواقيع لا بد أن تكون منضبطة من أجل أن لا تزور، ولذا ينبغي أن يحتاط ويعتنى بها، والأختام كذلك ينبغي أن تحفظ ولا يتلاعب بها.
هذه القرينة التي -إن صح الخبر- بين النبي -عليه الصلاة والسلام وبين وكيله ((ضع يدك على ترقوته)) هذه قرينة أو شفرة يمكن كشفها، راح الأول وقال له: ((ضع يدك على ترقوته)) ثم أخبر غيره ((ضع يدك على ترقوته)) انكشفت، انتهت، بخلاف الأمور والدقائق الخفية التي لا تظهر لأحد، بإمكانه أن يأتي بعلامة لا يمكن اختراقها، هذه سهلة يعني كل يطلع عليها، ومكشوفة، وإذا أخبر بها الثاني واستعملها انتهى مفعولها، اللهم إلا إذا كانت لم تستعمل إلا هذا الرجل فقط، هذا يقول: ((ضع يدك على ترقوته)) وهذا اذهب بكذا ليراه، على كل حال مثل هذا التصرف مستعمل قديماً وحديثاً، لكن لا يلزم منه أن يكون الخبر صحيحاً، العبرة بإسناده.(86/12)
((فإذا أتيت وكيلي في خيبر)) وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة، ففيه إثبات الوكالة، ودليل على شرعيتها، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع، قام الإجماع على صحتها، ولكن هل تكفي القرينة لتصديق المدعي أو لا تكفي؟ وهل القرائن مما يحكم به أو لا؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، فمنهم من لا يرى إلا البينة بالشهادة أو اليمين عند عدمها، ومنهم من يقول: إن القرائن قد تقوى فتقوم مقام البينة؛ لأن البينة هي ما أبان الحق، والقرينة أحياناً قد تكون أقوى من مجرد الشهادة، بعض القرائن أقوى، ابن القيم -رحمه الله- ذكر في الطرق الحكمية الحكم بالقرائن، وذكر قصص، القرائن في بعضها أقوى من مجرد الشهادة، ذكر أن جزاراً وكل إليه ذبح شاة، فذبحها في خربة، فلما ذبحها خرج من الخربة والمدية تقطر دماً، السكين متلطخة بالدم، وثيابه كذلك، وفي طريقه إلى الخروج من هذه الخربة في داخل الخربة وجد رجل يتشحط بدمائه، فمسك هذا الجزار، فقيل له: أنت القاتل، هل يستطيع أن يقول: لا أنا لست القاتل؟ السكين في يده مشهورة تقطر دم، والرجل يتشحط بدمه، أخذ به، فلما لم يبقَ سوى القصاص خرج رجل من الحضور وقال: أنا الذي قتلته، فخلي سبيله. شخص يجري وبيده عمامة وعلى رأسه عمامة، وخلفه رجل يجري وراءه حاسر الرأس، ويقول: إنه أخذ عمامتي، يصدق أو ما يصدق؟ لأنه ما جرت عادة الناس بأن يمشي الرجل حاسر الرأس، يعني أنت لو تشوف اثنين من زملائك في المسجد يوم الجمعة وهم زملاءك تعرفهم، ما رأيتهم أبداً، ولا رأيت واحداً منهم يمشي حاسر الرأس، أحدهما على رأسه شماغ وطاقية، وبيده شماغ وطاقية، والثاني أصلع ما عليه شيء، ماذا تقول؟ ما تقول: الشماغ والطاقية، هذه قرينة، لكن لو كان في بلد مختلط فيه الحاسر، وفيه الذي عليه الطربوش، والذي عليه الشماغ، والذي عليه العمامة، مثل هذا يمكن يصير يمشي أصلع، ما في إشكال، فالقرائن منها ما يقوى على إثبات الحق، ومنها ما لا يقوى.(86/13)
ابن القيم أطال في تقرير الحكم بالقرائن، وهنا فيه الحكم بهذه القرينة، ومنهم من يقول: يحكم بهذه القرائن إذا غلب على الظن الصدق، فيدفع له ما أدعاه وإلا فلا، مثل هذه القرائن أحياناً توقع في حرج عظيم، الاسترسال في القرائن، أو استعمال القرائن مع عدم غلبة الظن -ظن الصدق- شخص مع مجموعة خرجوا في رحلة خارج البلد، ثم قال لزميله: لو تكرمت أبي مفتاح السيارة با اصل مشوار، أخذ السيارة وذهب إلى بيته، فطرق الباب على أهله وقال: افتحوا الباب معي سيارة، يقول: لبقها في البيت، ما عندهم شك هذه سيارتهم، والقرينة دلت على صدقه، فتحوا البيت فصار فرصة أن ولج البيت وسكر الباب، وحصل منه ما حصل من سرقة وغيرها، فهم استدلوا بهذه القرينة على صدقه، فمثل هذه الأمور يحتاط فيها أشد الاحتياط، بعضهم يأخذ سبحة زميله، أو قلم زميله أو شيء مما يتعلق به ويعرف به، ويذهب إلى فلان ويقول: هذه سبحة فلان أو كذا، يقول: لو تكرمت أعطينا كذا، فمثل هذه القرائن لا شك أنه إذا غلب على الظن الصدق، ولم يكن الأثر المترتب على العمل بالقرينة فيما لو كذبت؛ يعني صارت في أمور يسيرة، الأمر يسير، لكن في الأمور الكبيرة وما يتعلق بالأموال العظيمة، أو يتعلق بالأعراض مثل هذه لا يصدق فيها، والله هذه سيارته أنت أجنبي ما تدخل البيت، ولو كانت سيارته، إيش يصير؟ لبقها عند الباب، والمفتاح من السور، ارمي علينا المفتاح من السور، فالتساهل في مثل هذه الأمور، واستغفال الناس، وغفلة بعض الناس قد يوقع في الحرج.
الحديث الذي يليه من أحاديث الوكالة يقول -رحمه الله تعالى-:(86/14)
"وعن عروة البارقي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث معه بدينار يشتري له أضحية، الحديث رواه البخاري في أثناء حديث وقد تقدم" تقدم نصه فيما تقدم، يقول: عن عروة البارقي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطاه ديناراً يشتري به أضحية أو شاة فاشترى شاتين، (أو) هذه للشك، هل هي أضحية أو شاة؟ والأضحية شاة، وقد تكون كبش، المقصود يقول: فاشترى شاتين بدلاً من الشاة، اشترى بالدينار الواحد بدلاً من شاة واحدة اشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار، بالمبلغ كامل، فأتاه بشاة ودينار، فدعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى تراباً لربح فيه، يقول: رواه الخمسة إلا النسائي، وقد أخرجه البخاري ضمن حديث ولم يسق لفظه، والواقع أن البخاري -رحمه الله تعالى- ساق لفظه بهذا اللفظ، أعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- دينار واحد يشتري به شاة، فاشترى بالدينار شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءه بشاة ودينار، الربح ظاهر، يعني من تُصرف له مثل هذا التصرف هل يتصور أن يغضب على هذا التصرف أو لا يرضى مثل هذا التصرف؟ هو كسبان على كل حال، أقل الأحوال ديناره رجع، ولو لم تكن الشاة التي يريدها، الأوصاف التي في نفسه، فمثل هذا التصرف هو فضولي بلا شك، تصرف تصرف على خلاف ما أمر به، لكنه يحقق ما أمر به وزيادة، الأصل أن يشتري شاة واحدة ما يشتري شاتين، فباع واحدة بدينار، ورجع بالدينار وشاة هذا التصرف وإن كان فضولياً إلا أنه الذي يغلب على ظن المتصرف الإجازة، لكن لو اشترى بالدينار شاتين، وجاء بهما إلى موكلة، وقال: أنا لا أريد هاتين الشاتين، أنا أريد شاة واحدة بدينار أطيب من الشاتين، لكن لما جاء بالدينار ومكسب شاة، ليس للموكل أن يقول: والله أنت تصرفت تصرف لا أرتضيه، أقل الأحوال أن يقول له: أرجع واشتر بهذا الدينار الشاة التي أريد، فهو كسبان على كل حال، أما لو اقتصر على شراء الشاتين قد لا يرتضى هذا التصرف من قبل الموكل، فمثل هذا يوقف على إجازة الموكل، أما في مثل هذه الصورة هل يوقف على إجازة الموكل؟ لا يوقف على إجازة الموكل لماذا؟ لأنه جاء بما وكل عليه وزيادة، أقل الأحوال أن الدينار(86/15)
رجع إليه ما خسر شيء، وهو كسبان من كل وجه، بخلاف ما لو جاء بشاتين أو ثلاث شياة بدينار بدلاً من واحدة، لو قال لك: خذ ريال وهات لنا خبزة واحدة، فأخذ الريال وأتى بثلاث خبز، الخبزة الواحدة المعروفة ذات الريال تعادل ست خبز من اللي هو جاب، يعني مثل هذا ما يطرد؛ لأنه إذا قال له: جيب خبز تميز بريال، فراح جاب له ثلاث خبز صامولة، يرضى وإلا ما يرضى؟ يقول: الرسول -صلى الله عليه وسلم- أرسل -عليه الصلاة والسلام- من يشتري له شاة فأتى بشاتين، وأنا جبت لك ثلاث، نقول: لا هذا يوقف إجازته؛ لأن الواحدة أكثر من الثلاث، بينما لو اشترى شاتين والموكل يحتاج إلى شاة ذات أوصاف معينة، فله أن يرد الشاتين، وأما الصورة التي في حديثنا فليس للموكل أن يرد؛ لأنه جاءه ماله وزيادة، فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة، هل يمكن أن يستدل بهذا الحديث على عدم تحديد الربح، ولو كان الضعف، تقول: أنا حر تشتر السلعة بمائة وتبيع بمائتين، المأخذ من الحديث واضح وإلا ما هو واضح؟ تقول: هذا أعطي دينار واشترى شاتين باع واحدة بدينار وجاب الشاة الثانية، دليل على أنه كسب الضعف، لماذا لا أكسب الضعف؟ هل له ذلك أو ليس له ذلك؟ الغبن عند من يقول بخيار الغبن يحده بالثلث، وهذا النصف، الضعف، فهل يمكن أن يستدل بهذا الحديث على جواز ربح الضعف؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أنكر عليه وإلا أقره؟ أقره، ما أنكر عليه، فإما أن يكون صاحب الشاتين مغبون، باعهما بنصف القيمة، أو يكون الذي اشترى الشاة بدينار مغبون، اشتراها بضعف القيمة بدينار، ها يا الإخوان؟
طالب:. . . . . . . . .(86/16)
في الثلثين، وبقيت التي في الثلث، فيكون كأنه كسب ثلث دينار، أو ثلاثة أرباع وربع إيش المانع؟ اشترى شاتين إحداهما رديئة والثانية طيبة، باع الطيبة بالدينار ورجع بالرديئة فلا يلزم أن يكون المكسب الضعف، وعلى كل حال على المسلم أن يكون سمحاً، فمثل هذا الحديث المحتمل لا يقضي على أحاديث واضحة وبينة ومحكمة ومفسرة جاءت تأمر بالرفق بالناس والمسامحة والتيسير عليهم، فمثل هذا لا يفتح باب على أهل الجشع أن يقولوا: والله إيش المانع؟ هذا مالي وأنا حر أبيع كيفما شئت، يعني نظير ما هو موجود في أسواق المسلمين من بيع بعض السلع بأضعاف مضعفة مما تستحقه، أحياناً يأتي بعض الفرص مثلاً، فيصير بالسلعة من حيث الشراء نزول أصل مشتراها فيها نزول، نزول ما فيه ضرر، ولا فيه غبن، ثم بيعها يصير فيه زيادة ليس فيها غبن ولا ضرر، فيحصل من الفارق بين هذا وهذا يحصل ربح كبير، يعني مثل لو اشترى سلعة بمائة ريال، وكسدت عنده هذه السلعة ثم ارتفع سعرها، فهو من الأصل اشتراها بقيمة نازلة، ثم احتاجها الناس وارتفع سعرها وصارت تباع بقيمة عالية، مثل هذا ما يقال: إنه استغل أو احتكر أو سوى، يعني مثل البيوت من أول قبل ثلاثين وأربعين سنة بقيم زهيدة، ثم ارتفعت أقيامها وهي بيد أربابها، مائة ضعف ارتفعت، فمثل هذا ما يقال: إنه استغلال، فلا شك أن الظروف والأحوال لها ما يحتف بها، وعلى كل حال المطلوب من المسلم أن ييسر على إخوانه المسلمين.(86/17)
"فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى تراباً لربح فيه" وهذا ملاحظ، بعض الناس ما يدخل في شيء إلا ويربح فيه، ما يدخل في تجارة إلا والربح حليفه، بعض التجار أقام مشروع سكني احتاج إلى حفر الأرض فاجتمع لديه تراب كثير، تأذى منه أهل الحي من نتيجة حفر الأرض، فذهب إلى شركة لنقله، لنقل هذا التراب ليرمى خارج البلد، فطلبت منه الشركة مبلغ كبير جداً، فقال: لا نبحث عن شركة تكون أرخص، وفي أثناء بحثه جاءته شركة تشتري منه التراب بمبالغ طائلة، بدلاً من أن يدفع للشركة التي تريد حمل هذا التراب، جاءت شركة تشتري منه هذا التراب، فبعض الناس لا شك أنه تحل فيه أو في تصرفاته البركة بحيث يكون كما وصف عروة البارقي، أنه لو اشترى تراباً لربح فيه، هذه البركة، دعونا من هذا الصحابي والدعوة النبوية، أنس دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبركة في ماله وولده، ورأى ذلك، لكن مثل هذا التاجر الذي لا يدخل في تجارة إلا ويربح، هل هذه علامة خير أو علامة شر؟ أو لا هذا ولا هذا؟ بل ينظر في تصرفه في هذه الأموال التي يكسبها سواء كانت أرباح أو خسائر؟ قد يربح أرباح طائلة من باب الاستدراج، يستدرج ويختبر ويمتحن في هذا المال، كيف يتصرف؟ لأنه ليس على كل حال كثرة الأموال دلالة على أن الله يحب هذا الشخص الذي أعطاه هذه الأموال ويسر له أمر حصولها، فالعبرة في تصرفه في هذه الأموال، إن كانت تصرفها على ضوء ما يرضي الله -جل وعلا- فهي لا شك أنها خير له في دينه ودنياه، أما إذا كانت العكس فهي وبال عليه.
بعد هذا يقول:(86/18)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر على الصدقة" فالإمام يبعث السعاة والجباة لجباية الزكاة، فيأخذها ممن وجبت عليه "فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس" منعوا ورفضوا أن يدفعوا الصدقة إلى عمر -رضي الله تعالى عنه- "فلما بلغ ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ما ينقم ابن جميل إلا إن كان فقيراً فأغناه الله)) " يعني ليس له عذر إلا هذا، وهذا تأكيد للذم بما يشبه المدح، ليس له عذر إلا أن كان فقيراً فأغناه لله! هذا شكر النعمة؟! لما أغناه الله -جل وعلا- يمنع ما أوجب الله عليه! هذا ذم له، ((وأما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل الله)) منهم من يقول: إنه جعل هذه الأدراع بمثابة الزكاة، أخرجها عن الزكاة في سبيل الله وفي سبيل الله مصرف من مصارف الزكاة، وأخرج الزكاة عرض، ليست مال، والذي يظهر أن مثل خالد الذي حبس أدراعه في سبيل الله وأدراعه تعادل أكثر مما أوجب الله عليه لا يظن به أن يبخل بما أوجب الله عليه، يعني لو أن شخصاً عنده عمارة يؤجرها أو عرضها للبيع، فزكاتها كم تسوى؟ قالوا: قيمتها مليون، كم زكاتها؟ خمسة وعشرين ألفاً، وقبل أن تجب عليه الزكاة قال: هذه العمارة وقف لجمعية تحفيظ القرآن، هل نقول: مثل هذا يمنع الزكاة؟ هذا هروب من الزكاة؟ مثل هذا الذي تصدق بهذه الصدقة الكبيرة أكثر مما أوجب الله عليه لا يظن به أنه يمنع ما أوجب الله عليه، والأسلوب والسياق يدل على هذا.
((وأما العباس فهي عليّ ومثلها معها)) فتحملها النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه، ومثلها معها، ومنهم من يقول: إن العباس قد قدم زكاة سنتين، دفعها مقدمة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فقوله: ((هي علي)) يعني عندي، عندي زكاة هذه السنة من زكاة العباس والتي تليها، فقد قدم زكاة سنتين، والشاهد من الحديث للوكالة أن الزكاة تقبل التوكيل، وتقبل النيابة، ولذا تحملها النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عمه، وفيه أيضاً توكيل النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمر بن الخطاب في قبض الزكاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- وكّل عمر في قبض الزكاة من أصحابها.(86/19)
ثم بعد ذلك في حديث جابر -رضي الله عنه- وهو قطعة من حديثه في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم-، المخرج في صحيح مسلم، يقول: عن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحر ثلاثاً وستين من البدن التي أهداها النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجته، وقد بلغت مائة، فنحر -عليه الصلاة والسلام- بيده عدد سني عمره ثلاث وستين، وأمر علياً أن يذبح الباقي، وكله في ذبح الباقي، فدل على أن نحر الهدي وهو عبادة يصح التوكيل فيه، دل على أن من العبادات ما يقبل النيابة، فالذي يحسن الذبح ينبغي أن يتولى هذه العبادة بيده، والذي لا يحسن الذبح يوكل غيره، وقد فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- الأمرين، ذبح بيده -عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً وستين, وأمر علياً، ووكله بذبح الباقي، الوكيل هل يشترط أن يكون مسلماً؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
الكتابي تصح ذبيحته، لكن الهدي الذي محله ومكانه مكة مثلاً والمشاعر، وقد منع الكافر من قربانها {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة] مثل هذا لا يوكل، لكن لو افترضنا هنا أنها أضحية مثلاً في بلد من بلدان المسلمين، وجاء الكتابي وقد أبيح لنا طعامهم وذبحهم، فذبيحته صحيحة، لكن النية لا ينوب فيها الكافر، لا بد أن ينوي المسلم أن هذه أضحية، القربة كونه يتولاها الكافر، لا شك أن النفس فيها شيء من هذا، لكن إذا لم يوجد غيره فلا إشكال، أما إذا وجد غيره فالأولى أن الذي يتولى القرب المسلمون، وقل مثل هذا في عمارة مسجد مثلاً مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، ينبغي أن يتولاه المسلمون بدء من تخطيطه إلى تنفيذه، لكن إذا لم يوجد غيره فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.(86/20)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة العسيف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أغدو يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) الحديث متفق عليه" في قصة العسيف الذي زنى بامرأة مؤجرة والقصة معروفة في الصحيحين بطولها، لكن فيها: ((وأغدو يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فأرجمها)) فدل على أن الحدود تقبل النيابة والوكالة، ويمكن أن يوكل الإمام في إقامة الحدود وفي مقدماتها، وما تثبت به؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أنيساً أن ينوب عنه في هذا، فيما يثبت به الحد، وفي إقامة الحد، والحدود هي للإمام أو لمن ينيبه وليست لغيره، لا يُفتات على الإمام في إقامة الحدود، بل هي له، فلا يتولى الحدود إلا الإمام أو من ينوبه، ولذا قال: ((واغدوا يا أنيس)) وأيضاً الحدود من أعمال الرجال لا النساء، وإلا ما قال: أذهبي يا فلانة إلى امرأة هذا، والمرأة بالنسبة للمرأة، يعني لو كان الأمر يقبل نيابة المرأة في مثل هذا لقال: اذهبي يا فلانة، يعني للتحقيق مع هذه المرأة، فدل على أن هذا من عمل الرجال لا النساء، البخاري -رحمه الله تعالى- بوب على الحديث: باب الوكالة في الحدود.
اقرأ الحديث.
أحسن الله إليك.
باب: الإقرار، فيه الذي قبله وهذا شبهه.
عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل الحق ولو كان مراً)) صححه ابن حبان في حديث طويل.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الإقرار
والإقرار والاعتراف والإثبات بمعنى واحد، فالإقرار هو الاعتراف على النفس، أن يقر ويعترف على نفسه وفيه ما قبله من اعتراف المرأة في الحديث السابق ((فإن اعترفت فارجمها)) يعني إن قرت بما نسب إليها واعترفت به فارجمها، فهذا دليل على أن الإقرار يؤاخذ به إذا كان مكلفاً رشيداً فإنه يؤاخذ به، فإخبار الإنسان بما عليه يسمى إقرار، ويقابله الإنكار والجحود.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(86/21)
"وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قل الحق ولو كان مراً)) صححه ابن حبان" يعني رواه ابن حبان في صحيحه، وأخرجه أحمد والبيهقي، وهو حديث صحيح، وفيه جمل اقتصر المؤلف منه على موضع الشاهد، ((قل الحق ولو كان مراً)) يعني قل الحق على نفسك وعلى غيرك ولو ترتب عليه ما ترتب، فالحق لا بد من بيانه، ولذا يعترف الإنسان على نفسه، ويشهد على غيره، لا يجوز له أن يكتم الشهادة، فعليه أن يقول الحق ولو ناله ما ناله، اللهم إلا إذا كان يتضرر بقوله ضرراً بالغاً فمثل هذا فيه مندوحة، في الحديث: "أوصاني خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي" يعني في أمور الدنيا، وجاء الأمر بذلك في الصحيح -في صحيح البخاري-: ((انظروا إلى من هو دونكم فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)) إذا نظر الإنسان إلى من دونه شكر الله -جل وعلا- على نعمه، أما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو فوقه مثل هذا لا يشكر نعمة الله عليه، يقال: والله أحمد ربك أنت عندك بيت، قال: وش بيت خمسمائة متر، شوف زميلي عنده ألف متر، لكن هو ما ينظر إلى من يسكن تحت جدار هو وأسرته، موجود الآن، أسرة مكونة من عشرين شخص تسكن تحت جدار، ما عندهم ولا معشاش، ما ينظر إلى مثل هؤلاء ليشكر نعمة الله عليه، تقول له: انظر يا أخي عافاك الله ما فيك مرض ولا فيك كذا ولا فيك كذا، يقول: بس شوف زميلي يسحب السيارة، مثل هذا يشكر نعمة الله عليه! هذا يزدري نعمة الله عليه, تقول: شوف يا أخي أنت يسر الله لك وظيفة ومعاش طيب، وعندك أسرة وكذا، يقول لك: شوف زميلي الآن يملك الأرصدة في الملوك، هذا لا يشكر نعمة الله عليه، بل يزدري نعمة الله عليه، لكن بالعكس لو قيل له مثلاً: وراك ما تطلع من هذا البيت، بيت حسرة أربعمائة متر، الناس طلعوا للقصور والاستراحات، قال: يا أخي شوف الناس الذين يعيشون بالعشش، مثل هذا يشكر نعمة الله عليه، وهذا مطرد في أمور الدنيا، لكن أمور الآخرة العكس، العكس ينظر إلى من فوقه لا من دونه، إذا قيل له: يا أخي ما شاء الله عليك أنت تجي قبل الإقامة، لكن يقول: شوف زملائي يجون قبل الآذان،(86/22)
قبل الآذان يحضرون، وإذا قيل: ما شاء الله أنت تحفظ كذا، قال: ما شاء الله شوف زملائي وش يسوون ويفعلون؟ ويقومون الليل، ويصومون النهار وأنا مسكين، مثل هذا إذا نظر إلى من فوقه بعثه ذلك على العمل بخلاف ما لو نظر إلى من دونه، إذا قيل له: وراك ما تجي إلا مع الإقامة؟ قال: أنت ما التفت يوم سلمنا صفين كلهم يقضون، مثل هذا يعاقب، المرة الثانية بيقضي، هذا ما يتشجع ويزداد من العمل الصالح، فهذا أمر مطرد في أمور الدنيا انظر إلى من دونك لتشكر نعمة الله عليك، ولا تزدري وبأمور الآخرة العكس، من أجل إيش؟ أن تتشجع، وحقيقة ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من الانحطاط الذي نعيشه إلا بسبب نظرتنا العكسية لما طلب منا، فإذا قيل: يا أخي البلد قبل عشرين سنة وضعه غير هذا، البلد ما زال ينحدر، قال لك: شوف اللي جنبا، النار تبي تمتلئ من غيرنا، في ناس ما يصلون ولا يعرفون الله، وإحنا بنعمة نصلي ونصوم والحمد لله، وندحدر إلى أن نصل إلى حد لا نهاية له ونحن نقول .. ، ما يقول: انظر إلى البلد قبل عشرين قبل ثلاثين سنة، انظر إلى الصحابة، انظر إلى السلف، انظر إلى كذا، فمثل هذا لا شك أنه يوقع على كافة المستويات الأفراد والجماعات في هوة سحيقة، إذا نظر الإنسان تقول مثلاً لواحد: والله يا أخي أنت ما عندك إلا درسين بالأسبوع، قال: احمد ربك الزملاء كلهم ما عندهم دروس، هذا في النهاية يترك، لكن لما تضرب له مثال، شوف اللي عندهم أدركنا ناس عندهم خمسة دروس في اليوم من المشايخ، حينئذٍ يتشجع ويعمل، والله المستعان.
"أوصاني خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من فوقي، وأن أحب المساكين" حبك للمساكين يدل على أنه لله -جل وعلا-؛ لأنك لا ترجو من هذا المسكين شيء، تحب المساكين لهذا الوصف، لكن لو كان هذا المسكين عنده بنت وأنت طامع فيها، أنت تحب هذا المسكين لأنه مسكين؟ لا لأن وجود الوصف المناسب وهو المسكنة يحال عليه الحكم، يعني ما جاء الحث على حبهم إلا لأنهم مساكين، لا لأمر آخر.(86/23)
"وأن أحب المساكين، وأن أدنو منهم" لأنهم بهم تعرف نعمة الله عليك، ولا تفتن بدنياهم، بينما إذا قربت من العلية تزدري نعمة الله عليك من جهة، وتفتن بدنياهم، وتنشغل بها.
"وأن أصل رحمي وإن قطعوني وجفوني" ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها، وجاء من يشكو قراباته وقال: إن له قرابة يصلهم ويقطعونه، ويحسن إليهم ويسيئون إليه، فذكر له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن كان الأمر كما تقول فكأنما تسفهم الماء)) وصلة الرحم شأنها عظيم، وفي ذروتها بر الوالدين، ثم صلة الأقارب الأقرب فالأقرب.
"وأن أقول الحق ولو كان مراً" وهنا في الحديث قال: ((قل الحق ولو كان مراً)) أوصاني أن أقول، يعني قل المعنى واحد "وأن أقول الحق ولو كان مراً" يعني ولو ترتب عليه المرارة، والمراد بالمرارة هنا المرارة المعنوية، وهي ما تكرهه النفس وتأباه.
"وأن لا أخاف في الله لومة لائم" إذا كان أمره لله، مخلصاً لله في ذلك لا يهمه كلام الناس، لا يعبأ بكلام الناس، ولو لاموه على ما يقربه إلى الله -جل وعلا-.
"وأن لا أسال أحداً شيئاً" (شيئاً) نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء صغير وكبير، والمراد بذلك من أمور الدنيا، أما أمور الآخرة فقد جاء الأمر بالسؤال {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] العلم وما يتعلق به يُسأل.
"وأن استكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة" الكنز في الأصل ما يطمر ويدفن تحت الأرض لأهميته ونفاسته، يخشى عليه، فلأهميته ونفاسته يكنز ويدخر ويطمر ويدفن تحت الأرض، فإذا كانت الجنة ترابها الظاهر الذي يداس المسك الأذفر، فيكف بكنزها؟! فليحرص الإنسان وطالب العلم على وجه الخصوص بها، يحرص على هذه الوصايا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(86/24)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (14)
باب: العارية
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكرتم بالأمس أن حديث عروة البارقي لم يسق البخاري لفظه، فما معنى هذا؟
قلنا: إن ابن حجر -رحمه الله- قال: إن البخاري لم يسق لفظه، والحقيقة والواقع أنه ساق لفظه -رحمه الله تعالى-.
يقول: ما معنى هذا؟
معنى هذا أن البخاري ذكر القصة ولم يسق اللفظ الذي يراد منه استنباط الحكم المناسب للباب.
وهل لكم أن تعطونا نبذة عن كتاب البخاري؟
كتاب البخاري تكلمنا فيه كثيراً، وتكلم فيه غيرنا، وصنفت المصنفات في بيان منهجه ومنزلته في الدين، وأنه أصح كتاب بعد كتاب الله -جل وعلا-، والكلام فيه يطول.
يقول: ذكرتم أن حديث جابر ضعيف بسبب عنعنة ابن إسحاق، فهل هناك فرق في قوة الحديث وضعفه إذا قال الراوي: عن فلان عن فلان، وقوله: حدثنا فلان أو أخبرنا؟
هذا إذا كان الراوي لم يوصف بالتدليس فلا فرق بين أن يقول: حدثنا وأخبرنا، أما إذا وصف بالتدليس وصار من المدلسين في الطبقة الثالثة فما دون، فمثل هذا لا بد أن يصرح بالتدليس، لا يكفي أن يقول: عن فلان، وإنما لا بد أن يقول: حدثنا فلان أو أخبرنا فلان.
هذا يقول: نرجو بيان أوثق الكتب في التاريخ الإسلامي؟
أولاً: نعلم جميعاً أن التواريخ عمدة مؤلفيها على ما ينقلونه عن الرواة، وباعتبار أن التواريخ لا يترتب عليها أحكام شرعية، وإن كان تمحيصها وتحقيقها مهم بالنسبة لطالب العلم، الاعتماد على الإشاعات، وما لا يثبت من الأخبار تترتب عليه عواقب ليست طيبة وخيمة من اتهام بعض الناس، أو القدح فيهم، أو رفع إنسان فوق منزلته، أو إعطائه فوق ما يستحقه، لا بد من التنقيح، ولا بد من التأكد فيما ينقله الرواة، ولذا يقول القحطاني -رحمه الله-:
لا تقبلن من التوارخ كلما ... جمع الرواة وخط كل بنانِ(87/1)
تواريخ تكتب في حياة مؤلفيها، ومؤلفوها يعيشون في ظل دول، الدول هذه إن كانت مكرمة لهذا المؤرخ أشاد بها، وإن تضرر أو لم يكرم نال منها، والناس معروف تصرفاتهم في هذا الباب، لكن في الجملة التواريخ لا يقال: إنها مثل كتب الحديث ممحصة ومنقحة، لا، فيها الأخبار الضعيفة بكثرة، وفيها الأخبار المقبولة، وفيها ما يثبت وفيها ما لا يثبت، لكن باعتبار أنها لا يبنى عليها أحكام يتساهلون في رواتها، فينقلون الأخبار والأحداث عن كل أحد، وطالب العلم لو اعتنى بتاريخ الحافظ ابن كثير -رحمه الله- باعتباره إمام مفسر محدث يمحص، لو اعتنى به طالب العلم كفاه، يكفيه؛ لأنه منذ بدء الخلق إلى منتصف القرن الثامن، فيه كفاية، تكلم على الأنبياء وعن قصصهم، وأفاض في هذا معتمداً في ذلك على الكتاب والسنة، ومن تقدمه ومن سبقه من المؤرخين، ثم بعد ذلك بدأت السيرة، وأطال فيها النفس جداً إلى نهاية السادس، ثم بدأ بتاريخ الخلفاء الراشدين، ثم الدولة الأموية والعباسية، وترجم لأهل العلم وأهل الفضل، وذكر من عنده مخالفة في معتقد ونحوه، وانتقد بعض المؤرخين الذين أشادوا ببعض المبتدعة، كتاب نافع جداً، ولذا لما ترجم لابن الراوندي، وهو ملحد زنديق -نسأل الله السلامة والعافية- ذكر أن ابن خلكان في وفيات الأعيان ترجم له، ابن كثير لما ترجم له ذكر ما نُقل عنه من طوام قدح في الشرع، وقدح في النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورد على الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولذا رمي بالزندقة، قال الحافظ ابن كثير: إن ابن خلكان ترجم له على عادته في إفاضته في تراجم الأدباء، والشعراء، واختصاره الشديد في تراجم أهل العلم، ولم يذكر مما حصل منه مما هو قدح في الشريعة وصاحب الشريعة، قال: "وكأن الكلب لم يأكل له عجيناً" يعني ما كأن الأمر يعنيه من قريب ولا من بعيد، فهذا يدل على أن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- له عناية بهذا الشأن، فتاريخه من أفضل التواريخ، قبله تاريخ الإمام محمد بن جرير الطبري، تاريخ نافع يستفاد منه إلى نهاية القرن الثالث، يعني بداية القرن الرابع، وفيه قصص وأخبار تحتاج إلى تنقيح، وابن جرير -رحمه الله- يكتفي بذكر الإسناد، وعند المتقدمين أن العهدة تبرأ بذكر(87/2)
الإسناد، يعني في عصور الرواية في القرون الأولى يبرؤون بذكر الإسناد، ولا ينتقدون في مثل هذه الأمور، وعلى كل حال كتابه نافع، وهو عمدة ابن كثير ومن جاء بعد ابن كثير في التاريخ.
هناك تواريخ تهتم بتحليل الأحداث والأخبار، مثل تاريخ ابن خلدون، تاريخ نافع نفيس، وأما بالنسبة لسياق الحواجز فأجود التواريخ تاريخ ابن الأثير، يعني استيفاء الحوادث، وسياقها سياقاً متقناً مضبوطاً فابن الأثير كامل، وابن كثير عرفنا منزلته، وابن جرير إمامهم، وابن خلدون يمحص ويحقق ويعمل رأيه في الأحداث، وإن كان لا يوافق في بعض ما توصل إليه من نتائج، وعلى كل حال هذه التواريخ الأربعة نافعة لطالب العلم يعتني بها، بعض المؤرخين والأدباء يعنون بمروج الذهب للمسعودي، والرجل ليس بثقة، ولا مأمون، ومع ذلك في مقدمته وفي خاتمته ذكر ما يجعل طالب العلم لا ينظر في كتابه، في بداية الكتاب قال: هذا الكتاب من تأليفنا فمن نسبه إليه، أو حذف منه شيئاً، أو اقتبس منه شيئاً، أو فعل أو ترك أو كذا أو كذا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، هذا يجعل الكتاب ما يستفيد منه أحد، تعرض نفسك لهذا، ما له داعي يا أخي، على أن الكتاب ما فيه جديد، فيه بعض غرائب الأخبار التي لا يوثق هو في نقلها.
هناك تواريخ بلدان مهمة جداً لطالب العلم، كتاريخ بغداد، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ نيسابور، تاريخ قزوين، تاريخ أصفهان، تورايخ البلدان هذه مهمة لطالب العلم، يجد فيها من تراجم الرواة لا سيما حملة الأخبار والآثار ما لا يجده في كتب تراجم الرجال، يستفاد منه فائدة كبيرة هذه ويعنى بها طالب العلم، والكلام في كتب التاريخ يطول، يحتاج إلى درس كامل، ولعلنا نكتفي بهذا.
هذا يقول: لو قال لي: رجل اشتر لي كذا وأعطيك إذا أتيت به هل هذه وكالة أم ماذا؟
نعم هذه وكالة.
ما حكم اقتناء جوالات الكاميرا لمن لا يريد استعمالها في التصوير، وإنما يريد الاستفادة من ميزاته الأخرى التي لا توجد في الجوالات التي تخلو من الكاميرا؟ فهل فيها خدش للمروءة؟(87/3)
على كل حال استعمال الآلات المحرمة حرام؛ لأن التصوير وإن لم يستعمله الإنسان إلا أنه يهون من شأنه، وجدنا بعض الأخيار الذين لا يرون جواز التصوير لا بكاميرا ولا بغيرها تجد نفسه تنازعه منازعة شديدة، يرى طفله في أبهى حلة، وفي تصرفات تحتاج .. ، يعني تنازعه نفسه لحفظ مثل هذه التصرفات ليراها بعد مدة، وتجده في حبوته الأولى أو في خطواته الأولى، يعني في صراع نفسي، ثم بعد ذلك يتصور الخلاف، وأن من أهل العلم من سمح وسهل بهذا، يقول: هذه صورة نتوب منها ونستغفر، ثم بعد ذلك صورة ثانية وثالثة، ثم بعد ذلك يقع في المحظور.
يقول: توجد فيه ميزات أخرى؟
هذه الميزات إذا كان مضطراً إليها وأبطل الآلة التي تصور ذوات الأرواح لا مانع من استعماله، على أن في الأصل في شراء مثل هذه الآلة التي تستعمل فيما حرم الله -جل وعلا- تعاون وإعانة على ترويجها وإشاعتها، وإن تركت عند أهلها ما وردت مرة ثانية، والله المستعان.
يقول: ما حكم الإتصال على من أعلم أنه قد وضع نغمة موسيقية على هاتفه بحيث لو اتصلت عليه صدر صوت هذه الموسيقى؟
أنا الآن من الذي استعمل الموسيقى؟ هل هو المتصل أو صاحب الجوال؟ كلاهما، هذا متسبب وهذا مباشر، وعلى كل حال إذا كنت تعرف وتجزم بأن جواله على موسيقى، لا يجوز أن تتصل عليه ليصدر هذه النغمة المحرمة.
هل يصلي المصلي النافلة بعد الفريضة في مكانه أم يغير مكانه؟
ورد بالنسبة للإمام أنه لا يتطوع في مكانه لكنه لم يصح، وبعض أهل العلم يستحب أن ينتقل من مكانه من أجل أن تكثر البقع التي تشهد له {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [(12) سورة يس] وهذا من آثارهم.
يقول: ما نصيحتكم للمبتدئ في علم التفسير خصوصاً؟ وهل يقدم تفسير الجلالين على تفسير السعدي -رحمه الله-؟(87/4)
التفاسير لها مناحي متعددة، فهناك ما يستفاد منه في الفهم عموماً، في فهم إجمالي القرآن، وهذا ينفع تفسير الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-، وهناك ما ينفع في تحليل الألفاظ القرآنية وهذا ينفع فيه تفسير الجلالين على ما فيه من مخالفات، ويحتاج مع ذلك إلى حاشية، يحتاج مع ذلك إلى الرجوع إلى حواشي تحل بعض الإشكالات، وتوضح بعض الغوامض، لكنه أيضاً بحاجة إلى بيان المخالفات، والمسألة مفترضة في مبتدئ، طالب علم مبتدئ يحتاج إلى أن يُعلَق له على هذه المخالفات، وحينئذٍ يكون من أنفع الكتب تفسير الجلالين، تفسير متين يستفيد منه طالب العلم، وذكرنا مراراً في مناسبات أن تفسير الشيخ فيصل بن المبارك من أنفع ما ينفع المبتدئين.
يقول: عندنا في الآونة الأخيرة قضية تجصيص القبور بالحصى في مقبرة الدمام، وتغطية القبر بمادة شبيهة بالجص في مدينة الخبر، ثم سكب الماء فوقه فيجف وييبس كالشيد، وهو أمر تقوم به وتتبناه المقبرة؟
على كل حال البناء على القبور لا يجوز بحال، وتجصيصها والنقش عليها أو الكتابة عليها هذا كله من البدع ومن المحرم، والأصل أن يحفر للميت حفرة، إن أمكن اللحد فهو الأفضل، وإن لم يمكن فالشق، ثم يوارى التراب، يدفن في ترابه، ويرفع القبر قدر شبر, وإذا كانت الأرض لا تتماسك عند الحفر، أو تتهدم على الميت أو ما أشبه ذلك ووضع مادة تمنع ذلك بما لا يعتبر بناء، ولا يعد تشييداً للقبر لمجرد إمساك التراب؛ لئلا ينهال على القبر مثل هذا قد يتسامح فيه للحاجة، لكن بقدر الحاجة.
ما أفضل طبعة لكتاب الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر؟
الإصابة طبعت مراراً مفردة، وطبع معها الاستيعاب لابن عبد البر، ومن أفضل الطبعات التي تناسب طلاب العلم اليوم إذا كان يريد معها الاستيعاب فطبعة الاستقامة، وإن كان يريدها مفردة فطبعة البجاوي مخدومة بالفهارس، وهي طبعة في الجملة طيبة، لكن يحتاج إلى اقتناء الاستيعاب معها.
هذا أيضاً يسأل عن كتب.
هذا يقول: عندي طبعة -كأنه يريد أن يسوق- عندي طبعة لكتاب البخاري عمرها ثمانون سنة، مع حاشية السندي عليه، فهل هناك جهات تعنى بذلك؟ وهل يباع بمبلغ كبير؟(87/5)
لا، لا يباع بمبلغ كبير، هذه الطبعة على كل حال لا تباع بمبلغ كبير، فليهنأ صاحبها باقتنائها وقراءتها.
رجل وجد شاة في فلاة، ولم يرَ لها صاحباً فهل له أن يأخذها ويأكلها؟ ثم إن وجد صاحبها بعد ذلك وطالبه بقيمة الشاة في هذه المسألة؟
على كل إذا وجد شاة ضالة عن صاحبها وغلب على ظنه أنها تتعرض للذئب فيأكلها فلا يستفيد منها أحد، حينئذٍ هي له أو لأخيه أو للذئب، هذا إذا غلب على ظنه أنها تفوت على صاحبها أو على غيره ممن يستفيدون منها، جاء في الحديث الصحيح: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) لكن إذا غلب على ظنه أن صاحبها قريب منها، أو أنها لا تتعرض لسباع ونحوها ويجدها صاحبها فمثل هذا لا يتعرض لها.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: العارية
عن سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)) رواه أحمد والأربعة، وصححه الحاكم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه الحاكم، واستنكره أبو حاتم الرازي.
وعن يعلى بن أمية -رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعاً)) قلت: يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: ((بل عارية مؤداة)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان.
وعن صفوان بن أمية -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعار منه دروعاً يوم حنين فقال: أغصب يا محمد؟ قال: ((بل عارية مضمونة)) رواه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم، وأخرج له شاهداً ضعيفاً عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العارية(87/6)
العارية بتشديد الياء، وقد تخفف فيقال: عارية، وقد تحذف الياء، وهي مأخوذة من عار الفرس إذا ذهب؛ لأن المادة التي تعار تذهب من صاحبها، ومنهم من يقول: إن أصلها مأخوذة من عرو هذه السلعة من القيمة والثمن، يعني من عروها وخلوها عن المقابل، المقابل يعني من متاع الدنيا وحطامها وإلا فأجرها عظيم، وأوجب بعضهم بذل ما لا يضر بذله لمن يطلبه، فقد جاء ذم من يمنع الماعون {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [(6 - 7) سورة الماعون] فإذا جاء المسلم يطلب من أخيه شيئاً يحتاجه بحيث لا يضره دفعه إليه لا يجوز له أن يمنع؛ لأنه جاء ذمه، ومنهم من يقول: إن هذا يدل على الاستحباب لا على اللزوم والتأثيم، ولا شك أن هذه الأمور ينبغي أن تسود بين المسلمين، وتنتشر بين المسلمين، فيتعاونون على ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [(2) سورة المائدة] فمثل هذا التعاون مطلوب، كما جاء في الأمور التي ينتفع بها المسلم ولا يتضرر بها من يبذلها له كالحجامة مثلاً، جاء في الحديث الصحيح: ((كسب الحجام خبيث)) مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحتجم، وأعطى الحجام، أعطاه كسباً، فالخبث هنا من أجل أن تسود هذه المنافع بين الناس من غير مقابل، فينتفع الناس بعضهم ببعض من غير أن يتشاحوا في مثل هذه الأمور، ويتحاسبوا على هذه الدقائق، فتبنى أمورهم على المسامحة، فتسود بينهم المودة والمحبة، التي هي من الأسباب التي يدخل بها الناس الجنة ((لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا)) ومن أسبابها بذل المعروف من عارية وشبهها، عرفوها في الاصطلاح بأنها إباحة المنفعة دون ملك العين، جاء ليستعير منك كتاباً، يستعير منك إناء ماعون، يستعير منك كأس، يستعير منك كذا، تبذل له، تبيح له الانتفاع بهذه المادة دون ملك عينها.(87/7)
قال -رحمه الله-: "عن سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((على اليد ما أخذت حتى تؤديها)) رواه الإمام أحمد والأربعة، وصححه الحاكم" هذا الحديث المخرج في المسند والسنن، وصححه الحاكم في مستدركه، وتصحيحه من تساهله -رحمه الله-، وقد عُرف بذلك وإلا فهو من رواية الحسن عن سمرة، وقد اختلف أهل العلم فيما يرويه الحسن عن سمرة، هل له حكم الاتصال أو أن الحسن لم يسمع من سمرة مطلقاً؟ يعني هل سمع منه مطلقاً أو لم يسمع منه مطلقاً؟ أو سمع منه حديث العقيقة دون غيره؟ على كل حال سماعه لحديث العقيقة مؤكد، في صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فقال: من سمرة، هذا في البخاري، فسماعه لحديث العقيقة لا إشكال فيه، ومن أهل العلم من ينفي السماع مطلقاً سماع الحسن، ويقول: إن هذا السماع مثل قول الحسن: حدثنا أبو هريرة، وهو لم يسمع منه، وإنما حدث أهل المدينة وهو فيها، ومنهم من يقول: الحسن إمام من أئمة المسلمين، وثقة من ثقاتهم، وثبت أنه سمع حديث العقيقة، فما المانع من سماعه غيره من الأحاديث؟ فيثبت سماع الحسن من سمرة مطلقاً، وإثبات سماع الحسن من سمرة، وهو قول علي بن المديني والبخاري والترمذي، والنفي مطلقاً هو قول يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين وابن حبان، واختار النسائي وابن عساكر وجمع من أهل العلم أنه لا يثبت سماعه من سمرة إلا في حديث العقيقة الذي أورده البخاري -رحمه الله تعالى-، أورد قصته، في مثل هذه الحالة إذا ثبت السماع ثبت من باب أولى اللقاء، ثبت اللقاء، فالحسن لقي سمرة فإذا روى عمن لقيه، إذا روى الراوي عمن لقيه بصيغة صرح فيها بالتحديث هذا ما فيه إشكال؛ لأنه إن كان قد سمع منه فهو الأصل، وإن لم يسمع منه فهو كاذب، والمسألة مفترضة في ثقة كالحسن، يعني إذا صرح بالتحديث فلا إشكال، لكن إذا روى عمن سمعه، يعني سمع منه أحاديث أو حديث ثم روى عنه بالعنعنة كما هنا، يعني الحسن عن سمرة، فهل يحمل على الإتصال أو لا يحمل على الاتصال؟ ينظر في الراوي إن كان موصوفاً بالتدليس فلا حتى يصرح، وإن برئ من وصمة التدليس قبلت عنعنته، والحسن(87/8)
مدلس، بل شديد التدليس، فلا يقبل مثل هذا إلا إذا صرح، فقد عنعن هنا، فالمرجح عند أهل الصناعة تضعيف هذا الخبر؛ لأنه من رواية الحسن عن سمرة ولم يصرح بالتحديث، والجمهور على أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة.
((على اليد ما أخذت)) التنصيص على اليد بناء على أن الأخذ والإعطاء بها، إنما يكون باليد، لو قُدر أن أقطع اليدين أخذ شيئاً إما عارية أو غير عارية مما يجب رده، غصب أو سرقة وما أشبه ذلك، هو أقطع ليست له يد، بل ليس له يدان، عليه أن يرد أو ليس عليه أن يرد؟ والتنصيص على اليد لأنها هي الأصل في الأخذ والإعطاء، على اليد ما أخذت على أي وجه كان، سواء كانت عارية أو سرقة أو غصب أو ما أشبه ذلك، عليه أن يرد.(87/9)
((حتى تؤديه)) الحديث وإن كان من حيث الصناعة ضعيف إلا أن معناه صحيح أو ليس بصحيح؟ معناه صحيح، كل من أخذ شيئاً لغيره عليه أن يعيده، سواء كان لشخص أو لجهة، أخذ من متاع المسجد، عليه أن يعيده، يجب عليه أن يرده، أخذ من متاع المدرسة عليه أن يرد، أخذ من متاع شخص، أو أياً كان عليه أن يؤدي، عليه أن يرد وإلا صار سارقاً خائناً ضالاً، ((من استأمناه على شيء فليأتنا بقليله وكثيره)) بعض الناس يتسامح فيما يتعلق ببيت المال، تجده في العمل يتساهل في أخذ قلم، جايب للمدرسة كراتين أقلام، أو كراتين دفاتر، أو ما أشبه ذلك، يقول: ما يضرهم، أنا با استعمله للعمل، نقول: لا يا أخي، لا تأخذ شيء، أنا أحتاج هذه الورقة أكتب بعض ما أحتاجه فيها من أموري الخاصة، نقول: لا ولا ورقة، أحتاج مكالمة! ولا مكالمة؛ لأن المكالمة بفلوس يقول: يا أخي فلوس من جهة لجهة ما راحت بعيد، أنا ما علي إلا كلام وش نسوي؟ كلمت فلوس أخذت من وزارة التعليم إلى المواصلات، ويش صار؟ ما راحت بعيد، أنا ما أخذت لجيبي شيء، نقول: لا يا أخي، لا سيما المكالمات التي أجورها لها وقع، أما شيء يضطر إليه الإنسان، نسي شيئاً فأراد أن يكلم أهله، أو أراد أن يتأكد من شيء في المكالمات التي لا يؤبه لها، يسيرة الثمن فهذه بقدر الحاجة إليها، وتعارف الناس على التسامح فيها، على أن يكون عن علم من قبل المسئول والجهة، فالتسامح في القليل يجر إلى التسامح في الكثير، التسامح في الشيء اليسير، يجر، بعض الموظفين في المستشفيات يومياً ما يطلع إلا وهو محمل جيبه ببعض الأدوية، وبعض الأمور التي يحتاج إليها في الجراحات ونحوها من شاش وشبه، في أمور أنت عودت نفسك على هذا الأمر، هذه لن تدفع عنك شيء، يعني افترض أن قيمته عشرة أو عشرون ريال وبعدين؟ قد تبتلى باستعمالها، يكون أخذك لها سبباً لاستعمالها تعاقب بسببها، فتضطر إلى استعمالها، ولو تركتها يمكن يعافيك الله بدونها، على كل حال الورع هو الأصل، والذي يتسامح في الشيء اليسير يجره هذا إلى الشيء الذي فوقه، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، الحديث أدخله المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب العارية باعتبار أن دخول العارية في هذا الحديث دخول ظاهر،(87/10)
وعلى أساس أنها مضمونة، حتى تؤديها، والخلاف في ضمان العارية في الأحاديث الذي يليه والذي بعده.
يقول في الحديث الذي يليه:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) " هذا الحديث يدخل فيه العارية السابقة؛ لأنها أمانة في يد المستعير، وهو مؤتمن عليها، ولولا أنه أمين ومحل للثقة لما أعير، ويدخل في ذلك أيضاً الوديعة ونحوهما، وأداء الأمانات واجب، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] وفي الحديث: ((أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) يعني ولو كان هذا الشخص سبق أن خانك، أعرته فجحد، أودعته فجحد، ثم أودعك مقتضى الحديث أن تؤدي أمانته إليه، والخيانة من خصال المنافين.(87/11)
((أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)) رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه الحاكم، واستنكره أبو حاتم الرازي" وفي العلل لأبنه قال: هو حديث منكر، وهذا الحديث يستدل به من يرى منع أخذ الحق خفية، وهي ما يعرف بمسألة الظفر، أخذ الحق خفية، يكون لك مبلغ من المال عند شخص وليس لديك بينة تثبت هذا الحق، أقرضته ألف ريال، وما عندكم أحد، وثقت بالرجل، وقال: إلى أن يأتي الراتب تقرضني ألف ريال أنا محتاج، ثم بعد ذلك جاء الراتب قال: والله ما عندي له شيء، إن كان عندك بينة وإن كنت تبيني أحلف حلفت، ومستعد يحلف، ثم ظفر له بما يعادل الألف أو أكثر أو أقل، هل يأخذ أو لا يأخذ؟ زاره فوجد في المجلس شيء إذا أخذه لا يشعر به، وهو يعادل الألف أو أقل أو أكثر، إذا كان يعادل الألف وأخذه ولا يشعر به، قال جمع من أهل العلم: يجوز له ذلك، ومنعه آخرون استدلالاً بالحديث؛ لأن هذه خيانة، وقال بعضهم: إن كان الحق مما يمكن إقامة الدعوى عليه فلا، وإذا كان لا يمكن إقامة الدعوى عليه كالواجبات من النفقات ونحوها فلا بأس، استدلالاً بقصة هند امرأة أبي سفيان لما جاءت النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي في الصحيح، قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي ولدي، فقال: ((خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)) فأذن لها أن تأخذ، استدل بهذه القصة من يقول: بجواز الأخذ مطلقاً، واستدل بها من يفرق بين ما يمكن إقامة الدعوى والبينة عليه وبين ما لا يمكن، وأما الذي يمنع مطلقاً فعمدته هذا الحديث ((أدِ الأمانة إلى ائتمنك، ولا تخن من خانك)) تؤدي الذي عليك وتسأل الله -جل وعلا- الذي لك، لو افترضنا أن شخصاً له في عمله مبالغ مستحقة، له خارج دوامه، عند العمل وما جاءت، ضاعت عليه، ثم تهيأ له فرصة أن يثبت اسمه إما خطأ أو عن تساهل بعض المسئولين يُثبت اسمه في انتداب مثلاً، وهو ما راح، فقال: فرصة، أنا لي خارج دوام ثلاثة آلاف، وهذا الانتداب يعادل خارج الدوام، ويش اللي يمنع أني آخذه؟ يأخذ أو لا يأخذ؟ الآن هذا المبلغ المستحق الذي في المسير مشروط بذهابك إلى الجهة التي انتدبت إليها، شرط، يعني فيه انتداب من دون سفر، يتصور انتداب إلى(87/12)
جهة من الجهات وأنت ما تسافر؟ الانتداب من مقتضياته ومن متطلباته السفر، فهل له أن يأخذ مقابل ما يستحقه لدى هذه الجهة من خارج الدوام؟ على الخلاف، من يقول: بجواز مثل هذه الصورة في مسألة الظفر يقول: يأخذ، العبرة في المقابل أنا مستحق لهذا المبلغ بغض النظر عن سببه، ومنهم من يمنع مسألة الظفر مطلقاً يمنع مثل هذه الصورة، يقول: أنا أدرج اسمي بشرط أنا أسافر ولا سافرت، لا شك أن الورع ألا يأخذ، لكن كونه يأخذ بناء على القول الثاني، وحديث هند كالصريح في الجواز، لا سيما في مثل هذه الصورة الأمر فيها أوسع، فيأخذ، لكن إذا علم المسئول وقال: أنا والله يمكن ما أسافر أو ما سافرت؛ لأنه افترض أن المسألة انتهت، جاء الانتداب بعد ما انتهى الانتداب، قال: أنا والله ما رحت، لكن أنا لي عندكم فلوس مقابل خارج الدوام العام الماضي ولا جاءت، كونه يتفق مع المسئول ومع المدير هذا ما فيه إشكال، لكن كونه يأخذ ويسكت هذا محل الخلاف، يعني ظفر بماله الذي يستحقه، لكن مثل هذه الصورة عند من يفرق بين ما يمكن إقامة الدعوى عليه وما لا يمكن، لا يجيز مثل هذه الصورة، لأنه يستطيع إقامة الدعوى.(87/13)
فالمسألة فيها أقوال: الجواز مطلقاً، المنع مطلقاً، التفريق بين ما يمكن إقامة الدعوى عليه وما لا يمكن، وابن حزم يوجب الأخذ، يعني عند زيد من الناس لك ألف ريال يجب عليك أن تأخذ من ماله بأي وسيلة، وبأي طريقة هذا الألف، يجب وجوب يعني تأثم إذا ما أخذت، ولا يبرئك من الإثم إلا أن تحلله، تعفيه من هذا المبلغ؛ لأن الرجل الذي في ذمته هذا المبلغ آثم، وأنت تقره على الإثم، وتتعاون معه على الإثم والعدوان إذا ما أخذت، إلا أن تبرئه من الإثم، تحلله هذا شيء ثاني، هذا الأمر إليك، يعني فقه غريب وإلا ما هو بغريب؟ يقول ابن حزم: إذا كان لك مبلغ عند شخص أو جهة أو أي كان، يعني افترض أن لك مبلغ عند بيت المال مثلاً، ثم تيسر لك أن تأخذ من بيت المال بقدر هذا المبلغ يجب عليك تأخذ، عند زيد من الناس وتيسر لك أن تأخذ مقابله بأي وسيلة كانت، استعير منه، وإلا تحايل عليه، وإلا ادخل مكتبته وخذ، ما عليك، المهم أنه يبرأ من عهدة هذا المبلغ، لكن إذا أخذ من غير علمه هل يبرأ وإلا ما يبرأ؟ أقرضته ألف ريال وقلت له: هات الألف قال: ما عندي لك شيء، جحد المبلغ، ثم تحايلت وأخذت من ماله من غير علمه يأثم وإلا ما يأثم؟ هو آثم بالجحود ولو أخذت، فالمسألة ما أنحلت، ما أنحلت الآن، أصل تصور المسألة عند ابن حزم -رحمه الله- وإن كان له حظ من النظر لكن يبقى أنه في مسألة الجحود لا يبرأ، إذا نزل اسم شخص في مسير خارج دوامه، أو .. ، خلونا في خارج الدوام، لمدة شهر الاثنين يعملان في جهة بين صلاتي المغرب والعشاء، فقال واحد منهم: أنا بأجيء أسبوعين بين المغرب والعشاء وساعة بعد العشاء، وأنت كذلك بعدي، نتناوب، لماذا نتردد شهر كامل؟ وقل مثل هذا في الانتداب وشبهه بحيث لا يتضرر العمل، في مثل هذه الصورة لا بد من رضا المرجع، أن يرضى المرجع؛ لأنه قد يتأثر العمل وهو لا يشعر؛ لأن عمل زيد لا يطابق عمل عبيد من كل وجه، لا بد من وجود الاختلاف.
من معه طبعة الحلاق في سبل السلام؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ معك؟(87/14)
يقول في كلام ابن حزم: فإن استحلف حلف، يحلف أنه ما أخذ شيء، في كلام ابن حزم يقول: يأخذ خفية وإن استحلف حلف، وهو مأجور في ذلك، قال .. ، من أبو سليمان هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
الحاشية إيه.
طالب:. . . . . . . . .
يشير إليها الخطابي، ارجع إلى معالم السنن له، هذا الكلام ليس بصحيح، فالخطابي ليس له أصحاب، وأصحابه هم أصحاب الإمام الشافعي، وهو واحد من الشافعية، والمراد بأبي سليمان داود بن علي الأصفهاني إمام الظاهرية، أطال ابن حزم في تقرير هذه المسألة لكن -عفا الله عنا وعنه- والصنعاني كأنه مال إلى قوله، ونقل كلامه الطويل، ثم قال: ويؤيد ما ذهب إليه حديث: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) فإن الأمر ظاهر بالإيجاب، ونصر الظالم بإخراجه عن الظلم وذلك بأخذ ما في يده لغير ظلماً، على كل حال المسألة كما سمعتم الخلاف فيها لأهل العلم، وأما إيجاب الأخ والمال له إن شاء أخذه وإن شاء لم يأخذ فكيف يؤثم إذا لم يؤخذ؟ وكيف يحلف إذا استحلف؟ المسألة فيها نظر، يعني كونه يستحلف أنه ما أخذ شيء من مال هذا، ثم يحلف! وماذا لو وقف على الحقيقة فيما بعد بمحضر من الزملاء؟ عنده له ألف ريال مثلاً، قال: إلى الراتب وأعطيك إياه، ثم بعد ذلك زاره وجلس في مكتبته وأخذ كتاب قيمته ألف وهو لا يشعر، والزملاء كلهم يعرفون أن هذه نسخة فلان، وهذا خط فلان، وهذا تعليق فلان، ثم استحلف أنه أخذ فقال: والله ما أخذت، ويطلع عليه الجمع، لا شك أن مثل هذا يعرض الآخذ للتهمة، ولو قال بعد ذلك: إني أطلبه ألف ريال، أو عنده لي ألف ريال، ما يصدق، فكلام ابن حزم لا يسلم منه نظر، لا سيما مجازفته بأنه يحلف لو استحلف، وإيجابه وتأثيمه فيما لو لم يأخذ.(87/15)
بعد هذا يقول: "عن يعلى بن أمية -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعاً)) قلت: يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: ((بل عارية مؤداة)) " هذا الحديث له طرق صحح بمجموعها، يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان" ((إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعاً)) من الدروع التي تقي السهام، قلت: يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ يعني هي في الحالين عارية، فهل يختلف حكم العارية أحياناً تكون مضمونة وأحياناً تكون مؤداة؟ لأنه قال في هذا الحديث: ((بل عارية مؤداة)) هو سماها عارية سواء كانت مضمونة أو مؤداة، وهو عربي، وكان الجواب في هذا الحديث: ((بل عارية مؤداة)) وفي الحديث الذي يليه: ((بل عارية مضمونة)) الفرق بينهما، الفرق بين العارية المضمونة والعارية المؤداة؟ ما الفرق بينهما؟ إذا تلفت تضمن بمثلها أو بقيمتها؟ الضمان بالمثل أو بالقيمة؟ أو يفرق بين المثلي والقيمي؟ فالمكيل والموزون مثلي، وبعضهم يلحق به المعدود والمذروع الذي يمكن ضبطه، يضمن بمثله، وما لا يضمن بقيمته، هذا في حالة الضمان، أعارية مضمونة؟ وقال في الحديث الثاني: ((بل عارية مضمونة)) بمعنى أنها لو تلفت تضمن، وهي قّيمية وليست مثلية، تضمن بقيمتها، الجملة الثانية: عارية مؤداة، كيف اختلف جوابه -عليه الصلاة والسلام-؟ قال في الأول: ((بل عارية مؤداة)) وقال في الثاني: ((بل عارية مضمونة))؟ في الحديث الثاني: "عن صفوان بن أمية -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعار منه دروعاً يوم حنين، فقال: أغصب يا محمد؟ قال: ((بل عارية مضمونة)) رواه أبو داود وأحمد والنسائي، وصححه الحاكم" وأخرج له شاهداً ضعيفاً عن ابن عباس فهو كسابقه.(87/16)
مفرداته لا تخلو من مقال، لكن بمجموع طرقه يثبت، أجاب الأول بقوله: ((بل عارية مؤداة)) والثاني: ((بل عارية مضمونة)) هل نقول: إن الأحوال تختلف بمعنى أنه إذا استعار وغلب على الظن التلف تكون مضمونة، وإذا استعار وغلب على الظن السلامة تكون مؤداة؟ يمكن أن يقال بهذا؟ وإلا اختلاف الجوابين لا شك أنه لا بد له من جواب، عارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: ((بل عارية مؤداة)) يعني الآن لو جاء شخص يستعير منك كتاب، وقال لك: هذا الكتاب أنا أحتاجه، وقلت له: ترجعه؟ قال: أرجعه، والثاني قلت له: ترجع الكتاب؟ قال: والله أرجع قيمته احتمال يضيع احتمال يتلف، أنا أضمنه لك، وليس مؤدى؛ لأن هذاك الأول يغلب على ظنه أنه يحفظه في دار غالبها السلامة، والثاني احتمال يتلف، واحتمال يتأثر برطوبة أو مطر أو شيء أو يسرق، قال: عارية مضمونة، فهل نقول: إن اختلاف الأحوال والظروف يختلف معها الجواب؟ فإذا كان يغلب على ظن المستعير أن الكتاب محفوظ، وليس عنده ما يعرضه للتلف يقول: عارية مؤداة؟ والثاني إذا كان بحيث احتمال أن يسلم فيؤدى واحتمال أن يتلف فيضمن، نقول: اختلاف الأجوبة، الآن الجواب مختلف أو متفق؟ مختلف، الأول قال: ((عارية مؤداة)) والثاني قال: ((عارية مضمونة)) فلعله في الغزوة الأولى التي احتيج فيها إلى الدروع يغلب على الظن سلامة هذه الدروع، وفي الغزوة الثانية وهي حنين، حنين معروف أنها يوم شدة، وحصل فيها ما حصل، ويواجهون عدو كثير العدد، كثير العُدد، فيغلب على الظن أنها لا تسلم، أو بعضها لا يسلم، فتكون حينئذٍ مضمونة، الآن بالتصوير بالكتاب، تصوير المسألة بالكتاب واضح وإلا مو واضح؟ يعني شخص عنده مكتبة محكمة، وكتبه في مكتبته، ويحرص على الكتب، ومعلوم الناس يتفاوتون، بعض الناس ينبغي أن لا يعار، تعيره الكتب فتأتي تالفة ولو في يوم واحد، بعض الناس استعماله للكتب سيء، وبعضهم يعرضها للرطوبة، وبعضهم يعرضها للشمس، وبعضهم إذا أعرته الكتب وهو طالب علم لا تستطيع تخليص هذه الكتب قد لصق بعضها في بعض، تركها في مكان ما هو مناسب، وهذا حاصل، وبعض الناس يجيب لك الكتاب كما هو إن لم تتغير صفته إلى أحسن؛ لأن بعض الناس يستعير الكتاب ثم يلاحظ(87/17)
عليه ضعف في تجليده أو كذا، ثم يذهب إلى مُجلِد ويقول: رمم الكتاب، هذا أفضل ذا، فالناس يتفاوتون، فإن كان من النوع الذي يجزم بأنه يعيد الكتاب كما هو يقول: عارية مؤداة، وهذا الأصل في العارية؛ لأنها ما. . . . . . . . . يجب أداؤه، والجواب الثاني ينزل على حالة يغلب على الظن أنها لا تبقى بل تتعرض للتلف، وحينئذٍ تكون مضمونة.(87/18)
مسألة ضمان العارية هل العارية في حكم القرض أو في حكم الأمانة والوديعة؟ إيش معنى هذا؟ معناه أنه إذا أعارك الكتاب ثم تلف بغير تعدٍ ولا تفريط تضمن وإلا ما تضمن؟ يعني الأمانة حينما قيل: لا تضمن من المستفيد منها؟ المستفيد صاحبها، الأمانة أنا أريد سفر مثلاً، وعندي أموال أخشى عليها، أضعها عندك أنت مستفيد؟ لست بمستفيد المستفيد صاحبها، ولذلك لو تلفت من غير تعدٍ ولا تفريط قواعد الشرع تقتضي أنك ما تضمن يا أخي أنت ما أنت مستفيد، لكن لما تأتي تقترض مني مال ويتلف هذا المال من غير تعدٍ ولا تفريط تضمن وإلا ما تضمن؟ تضمن، وقل مثل هذا في العارية أنت مستفيد، ما هو بأنا المستفيد، لو جيتك وقلت: والله با أسافر وهذا الكتاب أخاف عليه خله عندك ما تضمن، بخلاف لو جيت أنت تطلب الكتاب لتستفيد منه، ويختلفون في ضمانة العارية، وهل تلحق بالقرض فيضمن أو تلحق بالأمانات والودائع فلا تضمن؟ لكن الأقيس أن إلحاقها بالقرض، الآن لو الودائع في البنوك مثلاً، أنت تجعل راتبك في البنك أنت مستفيد أنها ما تتعرض للتلف، فهي في الأصل وديعة عندهم، لكن لو كانت وديعة بالفعل بالمعنى الشرعي للوديعة التي لا تضمن لكانت هي بعينها باقية، أعطيتهم الراتب ربطوه بحبل وكتبوا عليه اسمك ووضعوه في البنك، في هذه الحالة ما يضمنون إذا لم يفرطوا في حفظه، لكن أعطيتهم المبلغ وتصرفوا فيه وباعوا وشروا، ووصل أقصى الدنيا شرقاً وغرباً، هذا لا، استفادوا منه، فالخراج بالضمان، شوف لما كان القرض، القرض المستفيد المقترض ضمن، والأمانات والودائع المستفيد صاحب الأمانة الأصلي لا الأمين، ولا المودع، وحينئذٍ لا يضمن، ما يجتمع عليه أنك تضيق عليه بكتابك، وتخليه يحفظه ويحرسه لك ثم بعد ذلك يضمنه، قواعد الشريعة لا تأتي بمثل هذا، فالذي يظهر من حيث الجملة أن العارية مضمونة، وإلا كان الناس يعيشون على أمتعة غيرهم، كل يوم يأخذ له حاجة من واحد وتتلف وتضيع، إذا كان تلفها أو تلف جزء منها أو شيء منها من مقتضيات الإعارة، شريت إناء جديد، وقال: والله إحنا نحتاج هذا الإناء نطبخ فيه طعامنا اليوم، فقلت: تفضل، وطبخ الغداء طبخ عادي، يعني ما رفع عليه الغاز حتى تخرق وتلف وتأثر، لا(87/19)
طبخ عادي مثل ما يطبخ الناس، ثم جاء به إليك مغسول ونظيف هل لك أن تقول: والله تعطيني أرش؛ لأني أنا اشتريته بخمسين والآن ما يجيب ولا أربعين، تدفع لي العشرة، أنت الآن لماذا أعرته؟ يعني التلف الذي حصل له والنقص الذي حصل له من مقتضيات الإعارة، لكن لو استعار منك كتاب اشتريته بمائة ريال، ثم جابوه لك ما يسوى عشرة، متنثر، متقطع، مثل هذا يضمن، لكن لو كان استعماله بقدر ما استعير له؛ لأنه أباح له الانتفاع به، ومن مقتضيات هذه الإباحة أن تنقص قيمته، لكن ما تنقص قيمته نقص ظاهر.
في الحديث حديث صفوان من خلال السياق، حديث يعلى بن أمية -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعاً)) قلت: يا رسول الله أعارية مضمونة ... ؟ إلى آخر الحديث، السياق يدل على أن يعلى مسلم أو غير مسلم؟ مسلم، قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتتك رسلي فأعطهم)) قلت: يا رسول الله ... إلى آخره، السياق يدل على أنه مسلم.
عن صفوان بن أمية -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعار منه دروعاً يوم حنين فقال: أغصب يا محمد؟ قال: ((لا بل عارية مضمونة)) مسلم أو غير مسلم؟ ليس بمسلم، قبل أن يسلم، أسلم فيما بعد، وهل الوصف بالإسلام وعدمه له أثر في الحكم من حيث الضمان وغيره؟ هل نقول: ضمن لصفوان لأنه كافر ولم يضمن ليعلى لأنه مسلم؟ فيه فرق؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني عارية مؤداة أنت مسلم إن سلمت أديناها لك وإن ما سلمت راحت علينا وعليك، أنت مسلم، يعني هل لوصفه بكونه مسلم والثاني كافر مضمونه ما يستفيد من جهات، بل تضمن له كما هي، هل الاحتمال الأول الذي أبديناه غلبت السلامة وغلبت الهلاك، فقلنا: إذا غلبت السلامة تضمن التأدية، وإذا غلب الهلاك تضمن القيمة، تضمن بقيمتها، الاحتمال الثاني أن نقول: يعلى مسلم وصفوان كافر، والمسلم يستفيد من الجهاد التي تستعمل له هذه الدروع، فيكون له نصيبه، هذه مساهمته في هذا الجهاد، جاهد بماله، فإذا تلف منها شيء لن يعدم الأجر من الله -جل وعلا-، وأما الثاني باعتباره كافر تضمن له لأنه لا يستفيد منها في استعمالها في الجهاد، احتمال هذا.(87/20)
طالب:. . . . . . . . .
نحن أمام نصين فيهما اختلاف ظاهر، لا بد من التوجيه، فإما أن نوجه بالاحتمال الأول، أو نوجه بالاحتمال الثاني، والاحتمال الأول ظاهر، والاحتمال الثاني ظاهر، وعلى كل حال اجتماع الأمرين قوة.
الأمر الثاني: الاستعانة بالكافر في الجهاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قال: ((أنا لا أستعين بمشرك)) وهنا استعانة به، بالدروع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لا يستعان ببدنه الذي يخشى منه الخيانة في وقت الحاجة، وأما الدروع كونها لمسلم أو مشرك في فرق؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لأن الذي يستعملها مسلم، فمثل هذا لا يرد عليه ما جاء في الحديث الآخر.
هذا يقول: من الانترنت أنا لقيت فلوس طايحة قريبة من بيتنا بمبلغ وقدره ستون ريالاً، ما أدري إيش أسوي فيها؟ والآن صار لها عندي يمكن شهر وشوي؟
ستين ريال هذه ودها إلى قسم الأمانات في المحكمة، ويتصرفون فيها، إن أمكن تعريفها في موضعها ومن ضاع له فلوس في مكانها، حتى يغلب على الظن أن صاحبها لن يطلبها فهو أفضل.
يقول: أنا لي أقارب لا يصلون ونصحتهم مرات ومرات، وأرى منهم استجواب في الكلام، وإذا سألت عنهم وجدتهم لا يصلون، وأنا متأكد من كلامي هذا، أنهم لا يصلون، فماذا أفعل بهم؟ هل أهجرهم ... إلى آخره؟
على كل حال الهجر علاج إذا كان أنفع من الصلة، ويغلب على الظن أنك إذا هجرتهم امتثلوا فيتعين الهجر حينئذٍ، وإذا كان هجرهم يعني بدلاً من أن تسمع الكلام اللين والاستجابة والقبول فيحتاجون إلى مزيد من الصلة؛ لأن هؤلاء قريبين ما داموا يجيبونك بكلام طيب، ويعدونك أنهم يصلون، واصل معهم.
يقول: هل يجوز المتاجرة بالسلع المباحة التي تحمل على أغلفتها صور مختلفة لأجل الدعاية والإشهار؟
على كل حال صور ذوات الأرواح محرمة والمتاجرة بها لا يجوز.
هذا يقول: بنك قدم إنذاراً لمشتركيه أنه في حالة عدم وجود ألف ريال في الحساب فإنه سيأخذ مبلغ ريالين ونصف فهل من حقهم؟
ما أدري إيش المقابل؟ ومتى يأخذ هذا المبلغ؟ يعني إذا انكشف الحساب يأخذ؟ علشان إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
اشلون أقل من ألف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب انكشف الحساب ما عنده شيء.(87/21)
طالب: حتى لو ما انكشف الحساب يكون أقل من ألف يعني.
أقول: الاثنين والنصف مقابل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا بد من التأكد من سببها، لا بد أن ينظر في مقابلها.
طالب: فإن كان بلا سبب رعاك الله؟
يعني أجور موظفيه وإلا شيء؟ يدعي هذا؟
يقول: ألا يفرق في مسألة الظفر بين الظفر بعين الحق أو الظفر بجنس الحق؟
أما إذا ظفر بعين حقه استعار منه كتاباً ثم جحده ثم ظفر به يأخذ كتابه، هذا ما فيه إشكال؛ لأنه ما أخذ من ماله شيئاً.
العارية المضمونة هل هي دائماً بمعنى القرض أم يجوز إضافة الضمان إليها من غير أن تكون قرضاً حتى يخرج بذلك الفائدة التي تزيد عن العارية فلا تدخل في كل قرض جر نفعاً فهو ربا؟
كون العارية تشبه القرض من وجه، لا يعني أنها تشبهه من جميع الوجوه، يعني كونه أعاره إناء ثم بعد ذلك احتاج منه شيئاً، يعني مبادلة منافع، هل نقول: إن هذا قرض جر نفع؟ لا يلزم؛ لأن الإناء ليس من الربويات أصلاً.
طالب:. . . . . . . . .
ويضمنه.
طالب:. . . . . . . . .
وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يمكن، الأمانات ما يمكن تضمن إلا إذا فرط، لكن لا يأخذها على جهة الأمانة.
هذا يقول: ما المقصود بقوله: حسن صحيح؟
كلام أهل العلم طويل، وأكثر من يقول مثل هذا الكلام الترمذي، واختلف العلماء في مراده بذلك على أقوال بلغت بضعة عشر قولاً، وإذا كان الحديث أكثر من طريق فيتجه القول بأنه حسن من طريق، صحيح من طريق آخر، وإن لم يكن له إلا طريق واحد فلتردد في حكمه، هل بلغ الصحة أو قصر دونها؟
يقول: دخلت جمعية بأربعين ألف تكون لي، أي أدفع ألفين شهرياً، ونحن عشرون شخصاً، فلما جاء دوري لم يعطني المسئول المبلغ، بل قال: أنا مدين وعلي أموال كثيرة فماذا أفعل؟ والمسئول شخص مستقيم؟
المسلمون على شروطهم، إذا اشترطت عليه أن تؤدى لك في هذا الوقت، أو رتبتم ترتيب اتفقتم عليه، أو بالقرعة فلا يجوز له أن يأخذ دورك إلا برضاك.
يقول: ما هي صفة الآذان الرجعية؟
لعله يقصد الترجيع في الآذان، الترجيع في الآذان يذكر الشهادتين بلفظ منخفض ثم يرفع الصوت بهما.
هل الكلام اليسير في الآذان يبطله؟
إذا دعت الحاجة إليه لا يبطله.(87/22)
يقول: ما حكم التورق في البنوك؟ وما رأيك في بنك الراجحي لمن أراد الزواج والسيارة وهو يملك راتب، ولكن لا يملك قيمة الزواج ويريد أن يستعجل لكي يعف نفسه، ويكون لديه مركب جيد؟
على كل حال الذي لا يريد السلعة التي يشتريها إنما يريد قيمتها ليتزوج بها، أو يشتري بها سيارة فالتورق عند جمهور أهل العلم جائز، ما فيه إشكال، إذا اكتملت شروطه، وصار على الوضع الشرعي، بأن يكون صاحب السلعة مالكاً لها ملكاً تاماً مستقراً، ثم يأتيه مريد المال فيبيع عليه هذه السلعة، زيد يملك سيارة قيمتها خمسون ألفاً، ثم يأتي عمرو محتاج لخمسين ألف، فيقول: بعني هذه السيارة بستين ألف لمدة سنة كل شهر خمسة آلاف مثلاً، ويتفقان على ذلك، وزيد يملك السيارة، ثم بعد ذلك يتفقان على المبلغ، ويقبض عمرو السيارة، ويبيعها على طرف ثالث، مسألة التورق لا شيء فيها عند الجمهور، وهي تحل الكثير من الإشكالات، فالمرجح جوازها، لكن يتأكد من أن البائع الأول مالك للسلعة، ثم بعد ذلك يبرم العقد، ولا يلزم الطرف الثاني بأي شيء قبل الإيجاب والقبول، وقبل قبض السلعة، ثم بعد ذلك يقبضها قبضاً شرعياً معتبراً، ثم يبيعها على طرف ثالث، وحينئذٍ تكون الصورة صحيحة، وتكون السلعة مما يقبض، ليست من الحيل التي يتحايل بها على تحليل ما حرم الله -جل وعلا-، أحياناً يقول لك: السلعة حديد في اليابان، أو أخشاب في البرازيل، أو كذا أو كذا، كل هذه حيل، الذي يظهر أنها ليس لها حقائق، فمثل هذه المسألة مسألة التورق والخلاف فيها معلوم، وفيها ضعف من حيث النظر، إلا أن الحاجة داعية إليها تزداد ضعفاً بهذا التوسع الموجود في الأسواق، فلا أخشاب في اليابان، ولا أسهم ولا شيء، تأخذ سلعة تقبضها أنت، تحوزها إلى رحلك، ثم تبيعها على نظرك، ما تقول للبنك وكلنا ولا نوكلك، لا بد أن تتولاها بنفسك وتبيعها على طرف ثالث؛ لتكون على بينة من أمرك؛ لأنه قد توكل بنك، توكل شخص ليس بثقة، ثم لا سلعة ولا بيع ولا مبيع، يفتح لك الصندوق ويعطيك دراهم، في النهاية يقول: بعنا لك أسهمك, هذا. . . . . . . . . إيش الكلام هذا؟ مسألة التورق أصلها فيه ضعف، وتزداد ضعف بهذا التوسل.
لعلنا نكتفي بهذا.(87/23)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب: السلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله.
طالب: صلاة النافلة على الراحلة. . . . . . . . .
لا بما يستطيع، بما يقرب من الحقيقة.
طالب:. . . . . . . . .
قد لا يستطيع أكثر من هذا، لكن إذا كان يستطيع الركوع وكذا، وسجوده أخفض منه، ولا يتأثر بحيث لا يقع في حفرة أو يصدم له شيء هذا الأصل.
طالب: .... الانتعال واقفاً هل فيه حديث صحيح؟
إيه خبر صحيح.
طالب: يعم كل شيء ...
هو محمول عند الجمهور على الكراهة، والأمر الثاني فيمن يتضرر به، يعني يخشى أنه يسقط وإلا شيء، يعني الكراهة تزول بالحاجة.
طالب: أحسن الله إليك.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما أرى فيها شيئاً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، كيف يرشيه؟ اللي عليه الدور؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي عليه الدور بيدفع زيادة ماله؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا الربا، يصير ربا.
طالب:. . . . . . . . .
ما يخالف لكن ما يصير في مقابل، الآن المستحق له خصم كالتأمين، هذا الرجل أمن وخصم كالتأمين.
طالب:. . . . . . . . .
هذه حوالة ما لها علاقة ...(87/24)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (15)
باب: الغصب
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يذكر أنه مدرس في مدرسة أهلية وينتهي دوامه في الساعة الواحدة ظهراً، فهل لصاحب المدارس أن يمنعه من الاستفادة بذلك الوقت الطويل بعد الدوام بعمل فيه فائدة لي ولغيري كحلقة تحفيظ القرآن، وإذا كان قد اشترط هذا في العقد وقبلته لحاجتي في العمل أو لقصوري في الرؤيا، ولكن اتضح لي بعد ذلك أنه لا بد من العمل في وقت الفراغ نظراً لحاجتي المادية، خاصة وأني مسئول عن أسرة بما لا يضر عملي الأصلي، فهل لي أن أخالف ذلك العقد أو ذلك الشرط؟
أما بالنسبة لوقت الدوام من السابعة إلى الواحدة فهذا ليس له أن تعمل به أي عمل إلا ما استثني شرعاً من صلاة الظهر براتبتها القبلية والبعدية، وما عدا ذلك فالوقت ليس لك، هناك أمور يمكن أن تعملها في هذا الوقت وتؤجر عليها ولا تضر بحال بصاحب العمل ومنعه لك منها لا يملكه كالذكر مثلاً، أو تلاوة القرآن حفظ مثلاً، بما لا يضر بالعمل بين الحصص، هذا لا يملكه، أما ما بعد الدوام فإن كان ما تعمله بعد الدوام يتعدى ضرره إلى ما تعاقدت عليه معه، كأن تدرس نفس المواد التي تدرس في مدرسته في بيتك مثلاً، ما يسمى بدروس خصوصية، ويتأثر بهذا التدريس أداء المدرسة وعطاء المدرسة فمثل هذا يملك المنع منه، أما ما لا يتأثر به عملك الأصلي وتدريسك في مدرسته لا يترتب عليه ما يؤثر عليه كسهر مثلاً، فهذا لا يملكه، ولي الأمر حينما منع من العمل للموظف خارج الدوام، منع من مزاولة العمل التجاري خارج الدوام رأى في ذلك مصلحة متعدية لغيرك، لا للإضرار بالعمل، وإنما أراد أن يستفيد الناس كلهم من فرص العمل، هذه وجهة نظرهم، وأما بالنسبة لمدير المدرسة فما يملك مثل هذا الأمر العام، هو يملك ما هو بصدده من مصلحة مدرسته فقط، فإذا كان مصلحته تتأثر وإلا فلا يملك المنع خارج الدوام.(88/1)
هذا سائل من المغرب يقول: قلت لعمي قبل وفاته: اشتر لي قرأناً بمالك الخاص، وأعطني إياه كي أقرأه ويكون لك صدقة جارية في حياتك وبعد مماتك فرفض، والآن بعد موته أهدى إلي أولاده قرآنه -يعني مصحفه الذي يقرأ فيه- فهل قراءتي في هذا القرآن تكون له صدقة جارية أم لا؟
نعم باعتباره هو الذي اشتراه بماله وورثه من بعده فمن ورث مصحفاً جاء الخبر في أنه يستمر عمله بعد وفاته، ويرجى ذلك -إن شاء الله تعالى-.
يقول: قد أفتيتني في الشهادة المحصل عليها من الغش، وكذا الأموال المتحصل عليها من قاعة الألعاب علماً أنني الشخص نفسه .. الأسئلة: هل بإمكاني أن أطلب من الشخص المسئول أن لا يتخذ هذه الشهادة بعين الاعتبار، أو يغير لي المهمة أو نوع العمل الذي ليس له علاقة مع الشهادة ولا يترتب عليه الراتب، والخبرة المكتسبة من هذا العمل هل بإمكاني أن استعملها في الأعمال أو في وظيفة جديدة إن أمكن من حصولي على عمل آخر حيث تصبح هذه الخبرة المكتسبة منه لا علاقة لها مع الشهادة والأموال الحلال، هل أستطيع أن أعمل في المحل الذي جهزته بأموال قاعة الألعاب من طلاء أو جبس وأجهزة تجارة مباحة دون نزع تلك الأمور أم لا بد من نزعها والتخلص منها؟ هل المتاجرة بالسلع المباحة ... إلى آخره؟(88/2)
هذا الذي عمل بشهادة مزورة مبنية على غش، هذه الشهادة يجب أن يتوب مما ارتكبه من هذا الغش؛ لأنه اقترف معصية فعليه التوبة والاستغفار والندم، ثم إذا تاب التوبة النصوح والتوبة تهدم ما كان قبلها، فما ترتب على هذه الشهادة الباطلة كله باطل هذا الأصل، والورع أن يتخلص من جميع ما اكتسبه بسببها، لكن إذا صعب عليه ذلك وشق عليه مشقة تجعله يعدل عن توبته فالله -جل وعلا- يفرح بتوبة عبده، ولا يمكن أن يقال: إن الله -جل وعلا- يضع من الحواجز ما يجعل التائب ينصرف عن توبته، وهو يفرح بها، فعلى هذا لو تخلص من شيء بقدر ما يظن أنه ترتب على هذه الشهادة ويكتفي، أو يمسك ما كان بسبب جهده البدني فلا مانع، ولو تخلص من النصف فقال بعض أهل العلم: إن الأموال المختلطة إذا تخلص من نصفها كفت، يكفي أن يتخلص من النصف كما قرر ذلك جمع من أهل العلم، ويفهم من تصرف عمر في بعض المواقف -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وعلى كل حال إذا كان تخلصه من المال كله يكون سبباً لصده عن توبته فالتوبة تهدم ما كان قبلها.
يقول: هل المتاجرة بالسلع المباحة التي تحمل على أغلفتها صور النساء أو الأطفال لغرض الدعاية جائز؟ هذا أجبنا عليه بالأمس، وقلنا: إن تصوير ذوات الأرواح محرم، واستعمال المحرم حرام.
يقول: ما الضابط في إطالة القراءة في الصلاة وخاصة الفجر، وهل قراءة نصف وجه أو وجه ونصف أو وجهين تعتبر من الإطالة؟
هذه ليست من الإطالة؛ لأن صلاة الفجر، قرآن الفجر مشهود، وجاء النص على أن صلاة الفجر تطول فيها القراءة، القراءة بالخمسين والستين آية مناسبة جداً لصلاة الفجر، لكن الناس ما يتحملون، فينبغي تخولهم بهذا، لا يملون، ولا يكون الإمام سبباً لفتنة الناس عن صلاتهم وكراهيتهم لها، فعليه أن يسدد ويقارب، ويقرأ ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في مواضعه، لو قرأ يوم الجمعة بألف لام ميم السجدة، وسورة الإنسان طبق السنة، وإذا قرأ بغيرها، قرأ بقاف واقتربت والطور، وقرأ بالصافات، كل هذه سور جاءت النصوص بها، وعليه أن ينظر إلى حال الجماعة، والظرف الذي يعيشه، فإن كان في الصيف والليل قصير والحر شديد مثل هذا ينبغي أن يلاحظه.(88/3)
يقول: إذا كان الأطباء المتخصصون قد قرروا أن المشروبات الغازية مثل البيبسي تضر بالجسم سواء كان عاجلاً أو مستقبلاً على جسم الإنسان فهل يجوز لها شربها؛ لأننا لا نشعر بضررها علينا، أم نتبع كلام أهل العلم والاختصاص من الأطباء الذين يقولون بضررها فهل المشروبات حلال أم حرام أم شبهة ينبغي تجنبها؟
أقل أحوالها الشبهة.
يقول: الحديث الذي يأتي قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((أتاني جبريل الساعة)) هل يعد حديثاً قدسياً؟
لا هذا حديث نبوي نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
شخص أتى له بخادمة من غير محرم أتى بها له أحد أقاربه فما الحكم؟ هل يجوز استخدامها أم لا؟
إذا وصلت البلد لأن المطلوب المحرم للسفر، وأما داخل البلد التي تمنع الخلوة، والمحرم ليس بمطلوب إلا إذا خشي عليها الفتنة، والمحرم الخلوة داخل البلد فيجوز له استخدامها إذا أمنت الفتنة.
يقول: يوجد حذاء تلبسه النساء فيها شبه كبير لحذاء الرجال فما الحكم في لبسها؟
إذا كانت من حذاء الرجال فهذا هو التشبه، وإذا كانت تختلف ولو كان الاختلاف يسيراً ويعرف أنها من لبس النساء فلا بأس.
يقول: هل لي أن أجمع في صلاة النفل تحية المسجد مع سنة الوضوء مع السنة الراتبة؟
نعم هذه السنن تتداخل.
هذا يقول لدي خادمة نصرانية وهي ثقة -الفاسق من المسلمين ليس بثقة عند أهل العلم- يقول: هي ثقة ما أدري ما معنى الثقة؟ فمنذ سنين أعرفها اتفقت معها على أن أتاجر في بلدها بفتح محل للمأكولات السريعة، وليس فيها محرم من المأكولات، وأن أعطيها مبلغ تفتح به المحل، وتشتري البضاعة، وأن يعمل رجل قريب لها في المحل أعطيه أجرته، لكنني قد لا أسافر من بلدي ولن أرى هذا المحل فهل في عملي هذا شيء يخالف الشرع؟(88/4)
نعم، أنت إذا أردت أن تتاجر فعليك بما أحل الله لك، وما أباحه لك، مما تجزم بحله، إما أن تباشره بنفسك أو توكل من يباشره ممن تثق به، كونها ثقة بمعنى أنها لا تسرق غير كونها ثقة في بيع المحرمات التي تتدين بها كالخمر والخنزير وما أشبه ذلك، فأنت تختلف معها في أمور كثيرة، الأمر الثاني: المسألة فيها سعة -ولله الحمد- من المسلمين من يقوم بهذا العمل من الرجال الثقات، يمكن أن تشترك أنت وإياه، منك المال ومنه العمل، والربح بينكما.
يقول: الاختلاف في جواب الرسول -صلى الله عليه وسلم- لصفوان بن أمية وليعلى بن أمية ألا يمكن أن يكون سبب ذلك بسبب غلبة الظن على أن الثاني لن يعيد إلا بالضمان؟
إيش لن يعيد إلا بالضمان؟ كأنه لن يعير إلا بالضمان، وعلى كل حال هما احتمالان، وأبديناهما بالأمس، وصفوان معروف أنه لم يسلم بعد، فلن يعير إلا بالضمان، ويعلى مسلم، إذا قيل له: عارية مؤداة يعني إن سلمت وهو يتدين بالجهاد، ويأمل أن يضرب له بسهم وافر من الأجر بسبب هذه الدروع، هذا الفرق ظاهر بينهما، وهذا يمكن إحالة فرق الجوابين عليه.
يقول: استعرت سيارة من زميلي وبعد قيادتها وسيري فيها عشرة كيلو مترات وإذا بها قد خبطت وتحتاج إلى إصلاح بقيمة خمسة آلاف ريال فما حكم ذلك؟
يسأل صاحب السيارة إن كانت أمارات التلف والخراب فيها قد ظهرت قبل ذلك فليس من ضمانك، أما إذا كانت سليمة وليس فيها أمارات ولا علامات، واستعمالك لها هو الذي أدى إلى خرابها فهي من ضمانك.
أسئلة كثيرة جداً، بعض الأسئلة تكون غير واضحة، إما في خطها، أو في أسلوبها، وكثير من الأسئلة مكرر.
يقول: ما حكم تسوية الصفوف والتراص فيها وإلصاق المنكب بالمنكب، وإلصاق القدم بالقدم فإننا نرى كثيراً من الناس خاصة طلاب العلم لا يفعلون ذلك، ويتسامحون فيه؟(88/5)
جاء الأمر بتسوية الصفوف، ورتب على الاختلاف وعدم التسوية اختلاف القلوب، وهذا وعيد يدل على أن العدم محرم، عدم تسوية الصفوف، تسويتها واجب، للوعيد المرتب على ذلك، وجاء عن الصحابة أنهم يبالغون في ذلك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يؤكد على هذا، يسوي الصفوف كما يسوي القداح، كما تسوى القداح، وجاء أيضاً تسويتها بالمحاذاة القدم والمنكب، لكن لا بد أن نفهم معنى المحاذاة؛ لأن بعض الناس إما أن يرص جاره رصاً يذهب عنه لب صلاته، ولا يجعله يفقه صلاته، هذا ليس مطلوب أبداً، أو يرى أن الإلصاق هو الأصل وهو المطلوب ويكفي، فيجعل بينه وبين جاره ذراع فيسد هذا الذراع بتوسيع ما بين القدمين، وهذا أيضاً ليس بشرعي، وليس هذا هو الحل، إنما المطلوب المحاذاة بالقدم والمنكب؛ لأنه إذا حاذى بالقدم بتوسيع ما بين القدمين ما حاذى بالمنكب، وجد الخلل وجدت الفرج فليس الحل أن يوسع ما بين القدمين، إنما الأصل والمطلوب ألا يأخذ الإنسان من الصف أكثر من حجمه، بمعنى أنه لو ألصق قدميه وأبعد قدمه عن قدم جاره، وحاذى بمنكبه ولم يوجد فرجة بينهم كفى، ومثل هذا لو ألصق قدمه بقدم جاره ومنكبه بمنكبه هذا هو الأصل، والتطبيق الحرفي لفعلهم -رضي الله عنهم-، وامتثالاً لما أمروا به ((حاذوا بين المناكب والأقدام)) فالمحاذاة المراد منها أن لا يوجد فرج في البدن كله، وبعض الناس تجد بدنه غير مستوي، عريض ما بين المنكبين ومن أسفل أقل أو العكس مثلاً، فمثل هذا يلاحظ، لا يضيق على الناس، وبعض الناس يجهل هذه الأمور ويضيق على من بجواره، وإذا جلس أو تورك جاره يتمنى النفس فلا يدركه، وبعض الناس تحتاج إلى سحب رجلك من تحت رجله، صحيح بعض الناس عنده حرص على تطبيق السنة، لكن ما يفقه السنة أولاً ولا يفقه كيف يطبق السنة؟ بعض الناس رجله مثل المبرد، بعض الناس رجله حساسة، مثل هذا يتعرض لبطلان صلاة جاره، فالمسألة مسألة تسديد ومقاربة وألا توجد الفرج، المقصود سد هذه الفرج، وليس المقصود سدها بإبعاد ما بين القدمين، ولا بالتراص الذي يذهب الخشوع، بعضهم الأصبع بالأصبع، وتكون أظافره كالحديد حتى وجد من يربي ظفر الأصبع الصغير الخنصر للدفاع عن نفسه، فصارت المسألة .. ، ما(88/6)
صارت عبادة وخشوع وتأله ومثول بين يدي الله -جل وعلا-؛ لأن بعض الناس صحيح والله يصعب عليك أن تسحب رجلك من تحت رجله، فهذا إساءة، هذا تعريض لصلاة جارك للبطلان وأنت لا تشعر، المقصود أن تكون المحاذاة بقدر جسمك، تأخذ مكان من الصف بقدر جسمك، بعض الناس يجعل مكانه أكثر من متر ونصف، يمد رجليه بحيث إذا سجد أو جلس صار فيه فرج، ما انحلت المسألة، وهو واقف فيه فرج؛ لأن المطلوب المحاذاة بالبدن كله، بالقدم، بالركبة، بالمنكب.
يقول: هل كفالة الأيتام عن طريق المؤسسات الخيرية يثبت فيه أجر الكفالة الثابت في الحديث؟
الكفالة تشمل كفالته من جميع النواحي، ككفالة الولد، بالمال والتربية والرعاية والعطف، هذه الكفالة التامة وما نقص من ذلك بحسبه، إذا كانت الكفالة في المال فقط لها نصيبها من الأجر، وإذا كانت الكفالة بالتربية والمال من غيره له نصيبه من الأجر -إن شاء الله تعالى-، ولن يحرم الأجر على كل حال.
يقول: ما هي الإشارة بالأصبع في التشهد؟
الأصل أن الأصبع تبقى مرفوعة منحنية لا ممدودة وتحرك عند الشهادة، عند لفظ الشهادة؛ لأنها علامة على التوحيد، وتحرك أيضاً عند الدعاء.
وهنا يقول: ما الصفات الواردة لذكر ما بعد الرفع من الركوع وكلها ثابتة؟
يعني الصيغ الواردة حينما يرفع من الركوع فيقول: اللهم ربنا ولك الحمد، هذه ثابتة في الصحيح، وإن قال ابن القيم: إنها لا تثبت، الجمع بين الواو واللهم، وربنا ولك الحمد، بالواو دون اللهم، والعكس، اللهم ربنا لك الحمد، وربنا لك الحمد، أربع صيغ.
سم.
ب سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: الغصب
عن سعيد بن زيد -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين)) متفق عليه.(88/7)
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام، فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: ((كلوا)) ودفع القصعة الصحيحة للرسول، وحبس المكسورة. رواه البخاري والترمذي، وسمى الضاربة عائشة -رضي الله تعالى عنها وأرضاها-. وزاد: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((طعام بطعام، وإناء بإناء)) وصححه.
وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته)) رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وحسنه الترمذي، ويقال: إن البخاري ضعفه.
وعن عروة بن الزبير -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أرض غرس أحدهما فيها نخلاً، والأرض للآخر، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل يخرج نخله، وقال: ((ليس لعرق ظالم حق)) رواه أبو داود، وإسناده حسن، وآخره عند أصحاب السنن من رواية عروة عن سعيد بن زيد، واختلف في وصله وإرساله، وفي تعيين صحابيه.
وعن أبي بكرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته يوم النحر بمنى: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الغصب
الغصب: مصدر غصب يغصب غصباً، ويطلق المصدر ويراد به اسم المفعول، يطلق على الغصب الذي هو فعل الغاصب، كما يطلق على المفعول الذي هو المغصوب، والغصب أخذ الشيء من صاحبه قهراً بغير حق وإلا فقد يؤخذ الشيء من صاحبه قهراً لكن بحق، والوعيد الثابت إذا كان بغير حق، وأما إذا كان بحق فلا يثبت فيه الوعيد.(88/8)
يقول: "عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل" أحد العشرة المبشرين بالجنة "-رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً)) " بهذا القيد ((طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين)) متفق عليه.(88/9)
اقتطع يعني قطع وأخذ من ملك غيره شيئاً ولو يسيراً كالشبر فما فوقه، ومفهوم الموافقة الشيء الكثير يطوقه يوم القيامة، ومفهوم الموافقة ما قل على الشبر، الخبر له مفهوم أو لا مفهوم له؟ يعني من اقتطع أقل من شبر، يعني الشبر ما بين طرف أصبع الإبهام والخنصر، في الغالب يقارب ربع متر، لو قال: أنا ما اقتطعت شبر اقتطعت أقل من ذلك، ويتصور هذا في الدخول على الجار، وبعض الناس لا يحتاط لهذا الأمر، إذا أراد أن يعمر الأرض، ويبدأ بها، ويضرب الحاجز بينه وبين جاره يزيد ولو يسيراً، ويدخل في هذا الحديث نسأل الله السلامة والعافية، فيحتاط لهذا الأمر، ولذا جاء لعن من غير منار الأرض، ولو بشيء يسير، ما يلزم أن يغير منار الأرض بكيلو أو أكثر أو أقل، ولو شبر يدخل في هذا الوعيد الشديد، من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً؛ لأنه قد يقتطع أكثر من شبر لكن بحق، يعني لو أن شخصاً له دين على زيد من الناس ورفض أن يسدد الدين، وحلف بأن المدعي لا بينة عنده، ثم بعد ذلك هو جار له في أرض دخل عليه يسيراً فيما يقابل ما عنده من مال، هذا مبني على الخلاف في المسألة السابقة، مسألة الظفر، وعلى القول بعدم الجواز يدخل في هذا الوعيد أو لا يدخل؟ أما على القول بالجواز وأن له أن يأخذ من ماله ولو خفية بقدر ما عنده على هذا القول لا إشكال، وعلى قول ابن حزم إذا لم يأخذ يأثم، لكن على القول بعدم الجواز يدخل في الحديث أو لا يدخل؟ يعني هذا الوعيد الشديد من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً، يعني هو بادل الظالم بظلم، يعني هل يتساوى مثل هذا مع الذي يقتطعه ظلماً بدون تأويل ولا وجه له البتة؟ ما يتساوى حتى على القول بعدم الجواز؛ لأن المسائل المختلف فيها والتي هي الترجيح فيها اجتهاد تختلف عن المسائل المتفق عليها، مثل هذا لا يجوز له أن يأخذ، يحرم عليه أن يدخل عليه على القول بعدم الجواز, لكن لا يعني أنه مثل من لا وجه له البتة، ولذا جاء القيد هنا ظلماً.(88/10)
((من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طُوقه أو طَوقه الله)) أكثر الروايات: طُوقه، ويحذف الفاعل للعلم به، وهنا الفاعل مذكور؛ طوقه الله: أي جعله طوقاً في عنقه، وقد اختلف في المراد بهذا التطويق؟ منهم من يجعله كالطوق يحيط بعنقه يوم القيامة من سبع أراضين، ليست أرض واحدة, وإنما من سبع أراضين، ومنهم من يقول: إنه يكلف أن ينقل هذه الأرض بجميع محتوياتها بترابها بصخورها من سبع أراضين يوم القيامة، ((طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين)) وهذا فيه الوعيد الشديد والتنفير من مثل هذا الصنيع، من الذين يهجمون على أملاك الناس، ويستولون عليها، ولهم وجود، شيء منه بتأويل، وشيء بغير تأويل صريح، نسأل الله السلامة والعافية، والمحق ظاهر في الدنيا قبل الآخرة، وقصة شخص حصلت قبل ثلاثين سنة، له أرض أو بيت احتيج لهذا البيت للمصلحة العامة، فقدرت قيمته بملايين، فأراد أن يجعل هذه الملايين في بضاعة تحفظها فقيل له: ما في أفضل من العملة الفلانية، اجعل هذه الملايين في العملة الفلانية؛ لأنها ثابتة، ما يوجد أثبت منها على وجه الأرض، فجعلها، ثم بعد ذلك حصل في هذه البلاد التي هذه عملتها ما حصل من حرب فنزلت ولا تسوى واحد من ألف من قيمتها، والخمسة عشر مليون صارت ما تساوي خمسة عشر ألف، فلما بحث عن السبب إذا به قد اعتدى على جارة له عجوز، ودخل على بيتها، فالظلم لا يدوم، الظلم عاقبته وخيمة في الدنيا قبل الآخرة نسأل الله السلام والعافية، والله -جل وعلا- حرم الظلم على نفسه، وجعله بين العباد محرماً فهذا المسكين الذي يعتدي على أملاك الآخرين، ويعتدي عليها، ويأخذ منها، ويغير المراسيم والمنار والعلامات والحدود مثل هذا المسكين مثل هذا التصرف يمحق بركة ماله في الدنيا قبل الآخرة، وفي الآخرة الوعيد المذكور ((طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أراضين)) في الحديث دليل على أن الأراضين سبع كالسماوات، وهذا من أصرح الأدلة على ذلك، وفيها في المسألة حديث: ((والأراضين السبع وعامرهن)) وفيه مما ليس بصريح: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] فالأراضين السبع كالسماوات، وكونه يطوق من سبع أراضين يدل على أن الأراضين ملتصقة بعضها(88/11)
ببعض، هكذا قال بعض أهل العلم، ملتصق بعضها ببعض، إذ لو كانت مثل السماوات بينها فضاء اكتفي بتطويقه ما غصب، وهي الأرض الدنيا، لكن إذا كانت رتقاً ألا يمكن أن تكون واحدة كثيفة أو يقال: سبع؟ إذا كان ما بينها فراغ؟ يعني العلم بما تحت الأرض وبما لا تبلغه العقول ولم ترد به النصوص هذا ما يؤخذ إلا ما يفهم من النصوص فقط، يعني لو قالوا بهذا القول مثلاً أنها رتقاً، يعني ما بينها فضاء، ما بين الأراضين السبع فضاء، السموات معروف أن بينها فضاء، ولكل سماء عمارها، لو كانت ما بينها فضاء يقال: سبع وإلا واحدة؟ واحدة، والاستدلال بهذا الحديث أنها متلاصقة ما بينها فضاء لا يتم، وش المانع أن تكون سبع طبقات بعضها فوق بعض؟ يطوقها، ويعظم عنقه ليتسع لها، والقدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، ضرس الكافر مثل أحد نسأل الله السلامة والعافية، وجلده ما بين منكبه وعاتقه، شيء جاءت به النصوص الصحيحة، فالقدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، يقول أهل العلم: في الحديث أيضاً أن من ملك الأرض ملك ما تحتها، فليس لأحد أن يتصرف فيها، لا يحفر خندق ولا سرب ولا شيء، ويملك جميع ما تحتويه هذه الأرض إلى الأسفل، ما لم يضر بغيره، فله أن يحفر فيها ما شاء، ولا يمنع من ذلك، وله ما تشتمل عليه من جواهر وكنوز يملكها، وله أيضاً الهواء هواء هذه الأرض، فلا يأتي شخص يقول: أنت لك الأرض، صحيح لك الأرض، لكن أبى أحط جسر، جسر بين بيتي الذي هو بجوارك من يمين وبيتي الثاني الذي هو بجوارك من يسار .. ، ولا تملك السماء تملك الأرض، نقول: لا، يملك الهواء، وأهل العلم يقولون: إن الهواء له حكم القرار، لكن هل لمثل هذا إذا ملك أرض أن يقول: أنا أملك الهواء، نعم تملك الهواء، يقول: أنا لا أريد ولا الطائرات تمر من فوق أرضي، ما دام أملك الهواء، يجاب بمثل هذا أو ما يجاب؟ يملك أو لا يملك؟ أهل العلم يقررون أن الهواء له حكم القرار، وما دام ملك الأرض يملك الهواء ويملك إلى التخوم من الأسفل؛ لأنه إلى الأرض السابعة هنا ما دام اغتصب له شبر يطوق المغتصب والظالم إلى سبع أراضين، فهل له أن يمنع من يمر فوق هذه الأرض؟ ما يمنع، لو افترضنا مثلاً أنه في بيته وفي سطحه هو وأولاده، وشخص عنده(88/12)
طائرة خاصة من الطائرات الصغيرة رايح جاي يتفرج عليهم، يملك وإلا ما يملك؟ شو الضابط أجل فيمن يملك ومن لا يملك؟ الضرر إذا كان يتضرر بمثل هذا يملك، إذا كان لا يتضرر فلا، يعني لو مثلاً سلك جاء من فوق بيته، والسلك فيه ذبذبات وفيه أشياء يتضرر بها، يملك المنع، أو يأخذ بدل، كما هو المعمول به، المقصود أن الضابط الضرر كمن يستظل بجداره، الجدار له ظل يقي من حر الشمس، فجاء شخص وجلس يستظل به من حر الشمس، نقول: إذا كان لا يتضرر به لا يجوز له منعه، لكن إذا كان يتضرر هذا الجالس تحين الفرص بس متى يفتح الباب يلتفت، فقال له: قم، يملك، الضابط في مثل هذا الضرر، جاء في بعض الألفاظ بدل شبراً شيئاً، وهذه الرواية هي التي تجعل الرواية التي معنا لا مفهوم لها، بحيث لا يقول شخص: أنا والله ما اغتصبت شبر، والحديث نص على الشبر، إذاً فما دونه لا يدخل في الوعيد، نقول: يدخل في الوعيد في الرواية الأخرى، وعرفنا أن التطويق إما أن يكون طوقاً في عنقه، تكون هذه الأراضين السبع طوق في عنقه أو أنه يكلف نقل ترابها يوم القيامة، أو أنه يخسف به في هذه الأراضين السبع.(88/13)
الحديث فيه دليل على أن غير المنقول يمكن غصبه، يتصور غصبه، والاستيلاء بالنسبة لكل شيء بحسبه، كما أن القبض الشرعي قبض كل شيء بحسبه، فيتصور غصب الأراضين والحديث صريح في الدلالة على ذلك، منهم من يقول: لا يتصور غصب إلا المنقول، كما أنه لا يتصور سرقة إلا المنقول، نعم السرقة لا تتصور، لكن الغصب يتصور، الغصب محرم، وبعضهم يجعل هناك قيد أن يكون المغصوب له قيمة، وش معنى له قيمة؟ يعني لو غصب شيئاً أو أخذ شيئاً من مال غيره لا يسمى غصب؛ لأنه لا قيمة له، شيئاً يسيراً، فالذي يدخل محل المكسرات مثلاً، كثير من الناس ما يتورع من هذا، وما عنده نية يشتري لكن يتذوق، هذه حبة من هذا، وهذه حبة من هذا، الحبة بمفردها ليست ذات قيمة وليست ذات بال، لكن لو تصور أن إنسان يتعيش عيشته كلها من هذا، يمر هذا المحل ثم الذي يليه ثم الثالث ثم الرابع إلى أن يشبع، يأخذ حبه من هذا، وحبه من الصنف الفلاني، وثالثة ورابعة وعاشرة، ثم ينتقل إلى المحل الثاني ومثله والثالث، مثل هذا لا شك أنه آثم، المحلات لا تمنع من ذوق المعروض للبيع، لكن بالنسبة لمن يريد الشراء.
يقول في الحديث الثاني: "وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند بعض نسائه، فأرسلت أحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: ((كلوا)) ودفع القصعة الصحيحة للرسول، وحبس المكسورة" رواه البخاري والترمذي، وسمى الضاربة: عائشة، وزاد: فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((طعام بطعام، وإناء بإناء)) ".(88/14)
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان عند بعض نسائه وهي عائشة -رضي الله عنها-، جاءت تسميتها في كثير من الطرق، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين، جاء ما يدل على أنها زينب بنت جحش، وجاء ما يدل على أنها حفصة بنت عمر، وجاء ما يدل على أنها صفية بنت حيي، والهدايا كانت للنبي -عليه الصلاة والسلام- تتخول أن تكون في بيت عائشة، فعائشة لما أهدي للنبي -عليه الصلاة والسلام- في بيت عائشة جاءت عائشة بفهر يعني حجر محدد أو نحوه مثل الفأس فضربت القصعة، وهنا يقول: "فضربت بيدها" وفي بعض الروايات ما يدل على أنها بآلة فهر أو نحوه، "فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها -عليه الصلاة والسلام-" احتراماً لما فيها من طعام، ضم هذه القصعة، القصعة إناء من خشب معلوم المقدار، يكفي الخمسة أو ما بين الخمسة والعشرة، هذه القصعة ملك للمرسلة، اعتدت عليها عائشة -رضي الله عنها- وهذا من باب الغيرة، ويحصل بين الضرات مثل هذا، ويغتفر مثل هذا في باب الغضب، ولذا ما عزرها النبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما ضمنها.
"فكسرت القصعة فضمها" ضم القصعة لتحفظ ما فيها ما من طعام احتراماً للطعام؛ ولكونه مال لئلا يهدر، "فضهما وجعل فيها الطعام، وقال: ((كلوا)) " من هذا الطعام، عائشة عندها قصعة مثل هذه، دفع القصعة الصحيحة للرسول، الخادم أعطاه القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة، يعني أعطاه القصعة الصحيحة عوضاً عن القصعة التي كسرتها، فضمنها بمثلها، هل القصعة مثلية أو متقومة؟ مثلية أو قيمية؟ من أهل العلم أن المثلي خاص بالمكيل والموزون هو الذي ينضبط، أما القصعة ما تنضبط من كل وجه، قد تزيد وقد تنقص، وقد تكون أسمك، وقد تكون أنحف، ما تنضبط من كل وجه، فلا تتحقق المماثلة، وهنا دفع القصعة الصحيحة، وحسب المكسورة، في هذا تضمين المتلف بمثله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل المتاع له أو لهن؟
طالب:. . . . . . . . .
وما يدريك؟ بيته، لكن وش يدريك أنت؟
طالب:. . . . . . . . .(88/15)
لا ما يلزم، هو قد يقال بهذا، قد يقول بهذا: إن الكل له، الجميع له، ودفع السليمة للمرسلة من باب تعزير التي اعتدت على قصعة جارتها، لكن الأصل أن مثل هذه الأمور التي لا تنضبط تضمن بالقيمة عند جمهور أهل العلم، ويجيبون عن مثل هذا بأن الجميع له -عليه الصلاة والسلام-، هذا عند من يقول: إنه لا مثلي إلا المكيل والموزون، وما عداه يضمن بالقيمة؛ لأنه لا ينضبط، يقولون: إن الكل له -عليه الصلاة والسلام-، والذين يقولون: إن كل شيء يضمن بمثله، ويمكن أن تتحقق المساواة في مثل هذا، أما تحقق المساواة فيما تنتجه المصانع هذا ظاهر، ما تنتجه المصانع مساواته ظاهرة أو ليست ظاهرة؟ ظاهر، يعني لو جمعت ألف من مثل هذا تجد فروق؟ لا تجد فروق، لكن لو كانت يدوية؟ كل واحدة تختلف عن الثانية، على كل حال ما تنتجه المصانع المماثلة واضحة فيها، لكن ما تنتجه اليد لا بد من وجود الاختلاف، تجد الإنسان يعمل الشيئين، يصنع كرسيين بيده وتجد أن هذا غير هذا، لا سيما وأن الآلات كانت ما هي بدقيقة، وعلى كل حال أدخل الحديث من أجل ضمان المغصوب، والمعتدى عليه في حكم المغصوب، يعني المتلف في حكم المغصوب إذا تلف.(88/16)
"فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: ((كلوا)) ودفع القصعة الصحيحة للرسول وحبس المكسورة" هذا الحديث في البخاري "ورواه الترمذي، وسمى الضاربة عائشة" التي كسرت القصعة عائشة، والأمر كذلك في جميع الطرق، وأما بالنسبة للمرسلة فجاء ما يدل على أنها زينب بنت جحش، وجاء ما يدل على أنها حفصة، وجاء ما يدل على أنها صفية "وزاد: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((طعام بطعام، وإناء بإناء)) " يعني تمت المعاقبة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] فالطعام بالطعام، والإناء بالإناء، كأن القصعة التي كانت عند عائشة قبل أن يهدى إليها ما يهدي كان فيها طعام، عائشة أعدت طعام للنبي -صلى الله عليه وسلم- في قصعتها، ثم جاءت إحدى نسائه -عليه الصلاة والسلام-، إحدى الثلاث المذكورات فأرسلت طعاماً من عندها تنفح به النبي -عليه الصلاة والسلام- فمن باب الغيرة -وهذا واضح- لأن احتمال أنه يكون الطعام أجود، يعني عموم النساء هذا طبعهن، يعني لما تقدم طعام تعبت عليه وقدمته لزوجها ثم يأتي طعام من أحد، تخشى أن يقال: والله هذا أفضل، أو هذا أقل، مع أنه -صلى الله عليه وسلم- ما عاب طعاماً قط، وتظن أن هذا فيه تدخل في شؤونها وفي نوبتها، فحملتها الغيرة على ما حصل، مع أنه جاء الأمر بالإهداء، بإهداء الطعام، وتكثير المرق، ((ولا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)) يعني ولو كان شيئاً يسيراً تهدي إليها، المقصود أن هذا الحاصل، وهذا مما جبل عليه النساء، بغيرتهن على الأزواج، ومن الضرات، ولم يكلفها النبي -عليه الصلاة والسلام- غير ذلك، لكن لو لم يكن عندها قصعة فما الذي يحصل؟ تضمن بالقيمة، القصعة التي ضربتها عائشة فانكسرت، أمسكها النبي -عليه الصلاة والسلام- في يبت عائشة، يعني التصرف في مال الغير بما ينقص قيمته هل هو مبرر لإمساكه وإعطائه بدله؟ يعني من هذا الحديث نعم، إذا تصرف الإنسان بمال غيره بما ينقصه يضمنه كاملاً، ويمسك ما طرأ عليه النقص، ابن حزم يقول مثل هذا يجعل أو يفتح باب للظلمة، من أراد شيئاً من مال أخيه اعتدى عليه بما ينقصه، فقيل له: تضمنه، أنت محتاج إلى كتاب مثلاً بحثت عنه في المكتبات ما(88/17)
وجدته، فمسكت كتاب زميلك وشلت الجلد ورميته، اعتديت عليه، ونقصت قيمته، يعني كوننا نحكم بأن الكتاب لك وتضمن قيمته، أو تأتي ببدله قد يكون لك نظر أنت في هذا الكتاب، فهمنا وجهة نظر ابن حزم؟ يقول ابن حزم فيما نقل عنه يقول: إنه ليس في تعليم الظلمة أكل أموال الناس أكثر من هذا، فيقال لكل فاسق: إذا أردت أخذ قمح يتيم أو غيره أو أكل غنمه، أو استحلال ثيابه، فقطعها ثياباً على رغمه، وأذبح غنمه واطبخها، وخذ الحنطة واطحنها، وكل ذلك حلالاً طيباً وليس عليك إلا قيمة ما أخذت، وهذا خلاف القرآن في نهيه على أن تؤكل أموال اليتامى بالباطل، وخلاف المتواتر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أموالكم عليكم حرام)) شوف ابن حزم من قوة حجته يعمد إلى أبشع الصور، فيرد بها ما يريد رده، ما قال ابن حزم: إن الإنسان إذا أراد كتاب أو شيء وما معه فلوس راح المكتبة ومزق أوراق وإلا نزع جلده وقالوا: خلاص عليك الكتاب بقيمته، قال: أنا والله ما عندي فلوس. . . . . . . . . صار حيلة لئن يخرج بالكتاب، هذا سهل، هذا المثال متصور وسهل، يعني صاحب المكتبة لن يتضرر ضرر كبير، لكن جاء إلى مال يتيم، وفيه من الوعيد ما فيه، فيقول: ليس في تعليم الظلمة أكل أموال الناس أكثر من هذا، فيقال لكل فاسق: إذا أردت أخذ قمح يتيم أو غيره أو أكل غنمه أو استحلال ثيابه بس غير معالمه، القمح اجعله دقيقاً، ثم قال: يا الله أكله أعطنا قيمته، هو هذا الذي يبي، هو ما تصرف هذا التصرف إلا ليأكل مال اليتيم والقيمة سهل، أو يريد هذا النوع من الثياب عند هذا اليتيم فيتصرف فيها فيقطعها، ثم يقال له: خذ هذه الثياب واضمنها، وقل مثل هذا في الغنم، التصوير بهذه الصور التي ذكرها ابن حزم تجعل الإنسان يقتنع بما يقوله ابن حزم بغض النظر عن كونه راجح أو مرجوح، وهذه طريقته -رحمه الله-، يعني يلزم الخصم، ويجعل طالب العلم متوسط التحصيل يقتنع بكل ما يقول، يقول: يقول: في الأصل استدل الحنفية بالحديث الذين قالوا: بأن العين المغصوبة إذا زال بفعل الغاصب اسمها، ومعظم نفعها تصير ملكاً للغاصب ثم يضمنها، تصير ملكاً له، الآن القصعة التي تكسرت ما أمسكها في يبت عائشة؟ استدلوا بهذا الحديث(88/18)
على أن التي تغيرت معالمها تصير ملكاً للغاصب، غصب كتاب ونزع جلده قال: خلاص. . . . . . . . . تضمن قيمته، ويأتي بعض الطلاب -وهذه موجودة بعض الحيل عند بعض الطلاب وهي موجودة في غير بلادنا أكثر-، يصير عنده كتاب ناقص مجلد، الكتاب ما دام كامل يستحق ألف، وإذا نقص مجلد خمسمائة ريال، ثم يذهب إلى مكتبة عامة فيستعير منها هذا المجلد، ويكمل نسخته ويبيعها، ثم يذهب إلى المكتبة ويقول: ضاع، تلف، كم يستحق هذا المجلد؟ تجتمع اللجنة وتقرره بمائة ريال مثلاً، هو استفاد أربعمائة ريال مكسب، فمثل هذه الحيل لا تجوز بحال، وليس بمبرر أنهم يأخذون تأمين عليك، أو يسألون كم يستحق هذا الكتاب؟ وأحياناً يكون هذا الكتاب طبعة نادرة مثلاً، يأتي إلى المكتبة العامة ويستعير كتاب طبعة نفيسة أوروبية أو شبهها من الطبعات المنقرضة مجلد واحد، ثم نظام المكتبة يتصلون بالمكتبات ويقولون: كم يستحق هذا الكتاب بغض النظر عن طبعته؟ عندكم كتاب كذا؟ نعم عندنا، كم قيمته؟ عشرة، يضربونها في خمسة تطلع خمسين، وهذه الطبعة التي أخذها هذا الطالب تستحق ألف ولو كان مجلد واحد، ويظن أن عهدته وذمته برأت، لم تبرأ ذمته، بل عليه أن يبرأ مما أخذ، وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه، الحنفية قالوا: العين المغصوبة إذا تغيرت معالمها للغاصب، ويضمن قيمتها، يقول ابن حزم ويرد عليهم ويقول: ليس في تعليم الظلمة أكثر من هذا، نعلم الظلمة أن يأكلوا أموال الأيتام، طيب وأموال غيرهم؟ مثلهم، لكن هو يصور بصورة تجعل القارئ يقتنع، ليس في تعليم الظلمة أكل أموال الناس أكثر من هذا، فيقال لكل فاسق: إذا أردت أخذ قمح يتيم أو أكل غنمه أو استحلال ثيابه تصرف بس، غير معالمها، اطحن القمح، اذبح الغنم، قطع الثياب وتصير لك، ثم بعد ذلك تضمن له القيمة، وفي هذا تعليم للظلمة. . . . . . . . .، وعلى كل حال تقوم بما تستحق، يضمن قيمتها إذا أتلفها، وإذا كان تصرفه مما يزيدها؛ لأنه أحياناً التصرف يزيدها، هذا القمح إذا طحنه هو مآله إلى الطحن يزيده، ومع ذلك يؤخذ منه ويدفع الأرش، يدفع أرش جنايته، ما بين السليم والصحيح، وينظر في مقصده ويعامل بنقيض قصده.(88/19)
الحديث الذي يليه: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته)) ".
الطالب. . . . . . . . .
وش هذا؟ وش يصير؟
الطالب. . . . . . . . .
طيب ولي الأمر ليس له أن يصنع هذا؟ لمن قام مقامه في الولاية ليس له أن يصنع مثل هذا أن يغرم الجاني ويدفع للمجني عليه؟ ليس له ذلك؟ يعني أليس لولي الأمر ما هو أعظم من ذلك؟ أقل الأحوال أن يكون تعزير، هاه؟
الطالب. . . . . . . . .
لا لو قال المدعي: ما أريده، وأخذت هذه القصعة وأودعت بيت المال؛ لأن بعض الناس بغض النظر عن كون القصة لعائشة أو لغير عائشة، بعض الناس إذا تسومح معه يزيد، يتكرر منه هذا الأمر، يعزر، ولعل عائشة في القصة الثالثة هذه، ما يدرى عن قصتها مع حفصة ومع صفية.
يقول: "وعن رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته)) رواه أحمد والأربعة، وحسنه الترمذي".
ويقال: إن البخاري ضعفه، البخاري نقل عنه الخطابي في معالم السنن أنه ضعف الحديث، ونقل عنه الترمذي في سننه أنه قال: حديث حسن، حسنه، وعلى كل حال أبو زرعة يرى أن فيه انقطاعاً، لم يسمعه عطاء من رافع بن خديج، ففيه انقطاع، وتضعيفه بسبب هذا، لكن له شواهد تقويه، فأقل أحواله أن يكون حسناً.(88/20)
((من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته)) هل يستوي الزارع قصداً والزارع جهلاً؟ هذا زرع بأرض قوم ويعرف بأن الأرض ليست له، وأنها لهؤلاء القوم، والآخر زرع في الأرض حرثها وزرعها يظنها أرضه، يظن هذه الأرض أرضه، وقل في مثل هذا في عمارة الأرض، جاء ليطبق الأرض فأخطاء فطبق الصك على أرض جاره، وعمرها وجاره ما يدري، يظنها لجاره، فلما انتهت العمارة وجاء التطبيق الحقيقي وجدت أرض الجار وأرضه بياض، ماذا نقول؟ يهدم الأرض أو يأخذ جاره أرضه بما بينهما من فرق؟ وإذا رفض الجار قال: لا أريد إلا أرضي ماذا يصنع؟ تقوم عليه العمارة أو تكون هدر أو تهدم؟ وهذا حاصل، حصلت، فما الصنيع؟ هنا يقول: ((من زرع في أرض قوم من غير إذنهم فليس له من الزرع شيء)) يعني من عمر ليس له من العمارة شيء ((وله نفقته)) أنفق على هذا الزرع والحب والماء والعمل يقوم هذا، افترضنا أن هذا الزرع مغله مائة ألف، ونفقته على هذا الزرع خمسين ألف، يستحق النفقة خمسين، وهذا ماشي في الزرع؛ لأن الربح يكون فيه ظاهر، في الغالب أن قيمة الزرع أكثر مما يتعب عليه في الغالب، لكن إذا عمر في هذه الأرض كلفته العمارة خمسمائة ألف، ثم صاحب الأرض الحقيقي لما دخل التخطيط ما يناسبه، هل نقول: ادفع الخمسمائة والعمارة لك، يقول: التخطيط ما يناسبني البتة، فهل يقال: مثل الزرع له نفقته ما أنفق على هذه العمارة وليس له غير ذلك؟ والعمارة لصاحب الأرض أو يختلف الأمر؟ وقد يكون المبلغ أقل لو تولاها صاحب الأرض، يقول: أنا لو عمرتها ما كانت ولا ثلاثمائة ألف، كيف أدفع خمسمائة والتخطيط لا يناسبني؟ فهل يقال: له ما أنفق ولك العمارة مثل ما لصاحب الزرع أم ماذا نقول؟
الطالب. . . . . . . . .(88/21)
يبيع عليه الأرض، طيب وهذا الجار من هنا أخي، وهذا خالي وهذا عمي، ما أنا مدور غيرهم، أنا أبي أرضي، القضاء له نظر في مثل هذه المسائل، يعني إذا كان موجود ويراه يومياً، وهو يزاول العمارة ولا ينكر عليه هذا له حكم، وإن كان غائب عن البلد ولا عرف ولا علم إلا بعد أن حضر هذا له حكم، فمثل هذه الأمور اجتهادية؛ لأن الضرر فيها كبير، وإذا ظهرت علامات الصدق على هذا الذي تصرف في أرض غيره له حكم، وإذا لم تظهر عليه علامات الصدق صار غاصب غصباً واضحاً له حكم، فمثل هذه الأمور تقدر بقدرها.
((من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، وله نفقته)) يعني إذا قدرنا أن الغلة تباع بمائة ألف، وأنفق عليها خمسين ألف، فلا يستحق إلا الخمسين والبقية لصاحب الأرض، لكن إذا زرع الأرض وغرسها، هو يحتاج إلى أن ينتظر الأرض لمدة سنة كي تنتج، وصاحب الأرض قد أدخل هذه الأرض إلى مكتب هندسي.
طالب:. . . . . . . . .
عندك.
أقول: زرعها هذا قلنا له: انتظر يصير لك الزرع، وللعامل عمله، قال: أنا الآن أوراق الأرض هذه في مكتب هندسي، تخطط الأرض بنبيع، نسوي مخطط ونبيع، ماني منتظرها سنة، ماذا يقال للغاصب، الزارع بغير إذنه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا دخل الأرض مكتب هندسي وتخطط علشان تباع مخططات، أراضي سكنية، من يعوض؟
طالب:. . . . . . . . .
الغاصب؟ كيف يعوضه؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تترك؟ يترك حتى يتم الزرع؟ البلدية يشترطون عليه يخطط ويزفلت ويشتغل، كيف يبي يشتغل بالأرض وذا زارعها هذا؟ ليس لعرق ظالم حق، مثل هذه الصورة يقال مثل هذا، يعني كونه أخطأ يتحمل خطأه، كونه غصب يزاد عليه، يمكن يعزر إضافة إلى كونه يهدر صنيعه.
ولذا في الحديث الذي يليه:
"عن عروة بن الزبير -رضي الله عنه- قال: قال رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أرض غرس أحدهما فيها نخلاً والأرض للآخر، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله".(88/22)
. . . يعني الحديث الأول ينزل على صورة، والحديث الثاني ينزل على صورة "وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله، وقال: ((ليس لعرق ظالم حق)) " يقول: أنا تعبت، خسرت على الزرع، يقال: ما لك شيء، أنت الآن زرعت في أرض غيرك، يقول: والله ما دريت أن أحسبها لي، لا تحمل خطأك، تأكد تثبت، لكن إن كان يعرف أنه غاصب ومعتدي على غيره إضافة إلى ذلك يعزر.
"رواه أبو داود، وإسناده حسن، وآخره عند أصحاب السنن من رواية عروة عن سعيد بن زيد، واختلف في وصله وإرساله، وفي تعيين صحابيه" وعلى كل حال أقل أحواله الحسن؛ لأن له طرق.
عرفنا الفرق بين الحديثين، وأن الحديث الأول ينزل على صورة، والثاني ينزل على صورة، يعني الصورة الأولى: إذا كان صاحب الأرض لا يتضرر بالزرع، فحينئذٍ ينتظر ثمرة الزرع ويأخذ قيمة الثمرة، ويعطى ذاك ما تعب عليه، وفي الصورة الثانية: إذا كان صاحب الأرض يتضرر بالبقاء، فيقال لصاحب الزرع: شل زرعك، وأخرج زرعك.
في الحديث الأخير في الباب: "وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته يوم النحر في منى: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) " الحديث في الصحيحين، ولو صدر به الباب لكان أولى لعمومه وشموله جميع أنواع الاعتداء على الأموال والأعراض والدماء.(88/23)
عن أبي بكرة وهو نفيع بن الحارث -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته يوم النحر، يوم العيد في منى في خطبته الشهيرة: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم)) فلا تحل الدماء بحال إلا بحقها، ((وأعراضكم)) وكذلك الأعراض فلا يجوز انتهاكها بحال ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)) وعطف هذه الأمور الثلاثة على بعض لأنها تشترك في التحريم، بل التحريم الشديد كل هذه من كبائر الذنوب ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)) ثم شبهه هذا التحريم ((كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)) اجتمع التحريم من ثلاثة وجوه، فهل يقال: إن المحرمات الثلاثة اليوم والشهر والبلد في مقابل المحرمات الثلاثة الدماء والأموال والأعراض؟ أو يقال: إن كل واحد من الثلاثة محرم كحرمة هذه الثلاثة؛ ليكون الأمر أشد؟ الذي يظهر أن كل واحد من هذه الأمور الثلاثة محرم كحرمة الأمور الثلاثة مجتمعة؛ لأن شأن الدماء عظيم ((ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً)) وجاء في آية النساء ما جاء من تعظيم شأن القتل، والأموال ((من قتل دون ماله فهو شهيد)) وكذلك العرض، فهذه من الضرورات التي جاءت الشرائع بحفظها، وتواطأت عليها، فلا يجوز لإنسان كائناً من كان أن يعتدي على أحد لا في دمه، ولا في ماله، ولا في عرضه، نسأل الله السلامة والعافية.
طالب:. . . . . . . . .
الزراعة في المسجد؟ يعنى يزرع شيئاً خاصاً به؟ بمعنى أنه يغرس نخل في المسجد فإذا أنتج هذا النخل أخذه له خاصاً به؟ نشوف بعض المساجد في رحابتها شيء من الزراعة، وفيها شيء من النخل، لكن الذي يظهر أن هذا مشاع لا يزرعه أحد لنفسه.
الطالب. . . . . . . . .
لا لا لنفسه لا يجوز؛ لأن المسجد لا يملكه.
هذا السؤال من فرنسا يقول: أختي سوف تحتفل بعيد ميلادها في منزل أمي، وأنا أسكن عندها وطلبت أختي مني أن أساعدها في تحضير الطعام معها هل لي أن أساعدها أفيدوني -بارك الله فيكم- مع العلم إن لم أحضر ستحدث مشاكل.
عيد الميلاد هذا متلقى من النصارى وغيرهم، فهو تشبه بهم، فلا يجوز بحال، وحينئذٍ لا يجوز التعاون عليه، ولا المشاركة فيه، بل ولا حضوره.(88/24)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (16)
باب: الشفعة - باب: القراض
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقرأ ما كتبه بعض الإخوة بحروفه ثم نحكم.
يقول: ألا ترى أنك تحبسنا بتقديم الفتوى والإجابات على الدرس ألا تعلم أننا منذ الفجر ونحن في شغل، والذي يحصل على راحة ساعة بين الظهرين قد فاز فوزاً عظيماً، فإن رأيت أن تعتقنا وتتصدق علينا بتقديم الدرس فإن الله يجزي المتصدقين؟
أقول: إذا كان مثل هذا الأسلوب هو نتيجة تربية ونتيجة جثو بين يدي مشايخ ونهل وعلم من كبار، إذا كان هذا الأسلوب هو نتيجة هذه التربية فالحقيقة مرة يعني، ألا ترى أنك تحبسنا؟! من الذي أوصد الأبواب؟ إذا كنت تعبان أو ما تستطيع لا تحضر يا أخي، والبدائل كثيرة، كثير من الإخوان يرجح الأسئلة على الدرس، وأنا أقصد أن أؤخر الدرس حتى يحضر من يحضر من الإخوان، والعدد يزيد الضعف إذا أخرنا الدرس، فإذا كان أحد عنده ظرف لا يستطيع المواصلة الحمد لله طلب العلم في مثل هذه الظروف نفل، بإمكانك أن تعوض في درس أخر، فهذا الأسلوب يعني لو قبلته أنا يمكن ما يقبله غيري، لكن من باب أدب طالب العلم، أين أدب الطلب؟ ألا ترى أنك تحبسنا؟! ألا تعتقنا؟! وش الكلام هذا؟ يعني هل أوصدت الأبواب دونك أن تخرج؟ أخرج يا أخي إذا كنت لا تتحمل الجلوس، ورغبة كثير من الإخوان تقديم الأسئلة حتى يتم العدد.
يقول: من يحصل على راحة ساعة بين الظهرين فقد فاز فوزاً عظيماً، فإن رأيت أن تعتقنا وتتصدق علينا بتقديم الدرس فإن الله يجزي المتصدقين.
لا شك أن مثل هذا الأسلوب يعني أسلوب وإن كان الباعث عليه الحرص على الدرس في الأصل الذي جاء من أجله لكن بغير هذا الأسلوب، بإمكانه أن يلتمس، ألا ترى من الأفضل أم كذا، المسألة مسألة عرض ما هي بمسألة .. ، بهذا الأسلوب ما يمشي بهذه الطريقة، ولن يجاب له طلب بهذه الطريقة.(89/1)
هذا يقول: سألتكم عن البنك الذي أنذر مشتركيه بأخذ مبلغ اثنين ونصف إذا لم يجد في الحساب مبلغ ألف ريال، وهذا وصل بهذا الكلام، وجاء من البنك يقول: عزيزي العميل ابتداء من أغسطس (2005م) قد يخصم مبلغ ريالين ونصف سعودي أو ما يقابلها بالعملات الأجنبية لو قل معدل رصيدك الشهري عن مبلغ ألف ريال، أو ما يقابله بالعملات الأجنبية.
لا بد من سؤالهم عن السبب، لا بد من الاستفصال والسؤال عن السبب.
يقول: شخص أفطر في رمضان الماضي متعمداً، وقد من الله عليه بالتوبة الآن فماذا يجب عليه الآن؟
أفطر متعمداً أثم أثماً عظيماً؛ لأنه جاء في الحديث: ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) فالمسألة ليست بالسهل، تهاون بركن من أركان الإسلام ليس بالشيء الهين، وعلى كل حال عليه التوبة والاستغفار والقضاء.
يقول: هل تجوز الفلاتر والإيقاعات البشرية بصوت شخص ثم تعدل بالجهاز أو تكرر وتوضع مع الأناشيد؟
فما حكمها؟
المحسنات الصوتية هذه إذا أدت ما تؤديه الآلات أخذت نفس الحكم.
يقول: يستدل من يرى بعدم كفر تارك الصلاة من الشافعية والمالكية والحنفية بقول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] والصلاة من دون الشرك، وقد يستدلون بحديث الشفاعة حيث يخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- كل من قال: لا إله إلا الله، وحديث البطاقة ... إلى آخره.
على كل حال هذه نصوص عامة، وجاء في الصلاة ما يخصها ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
يقول: ما رأيكم في تقديم الترحيب على السلام؟ وهل هناك فرق بين القادم على مجلس والجالس فيه؟ يعني هل يقول: مرحباً وعليكم السلام، أو يقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته مرحباً؟(89/2)
على كل حال رد السلام لا بد منه، وهو واجب، رده واجب {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] يعني أقل الأحوال ردها، وردها يحصل بما جاءت به النصوص، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فإن اقتصر على مرحباً فجاء ما يدل على ذلك، على أن من أهل العلم من يقول: لا يجزئ الترحيب عن رد السلام؛ لأن عدم نقل رد السلام لا يعني عدم رده.
يقول: حصل أن طلبت زوجتي مني الطلاق، فقلت لها: أطلقك على ألا تطالبيني بشيء، أي أن تسامحيني، فقالت: أسامحك، وكتبت ورقة بذلك وطلقتها، ثم عدت وراجعتها في وقت العدة، فهل هذا يعتبر طلاق أم خلع؟ مع العلم بأنني وهي في وقتها لم نكن نعلم بموضوع الخلع، واعتبرنا أن هذا طلاق.
على كل حال إذا كانت تطلبه بمال في ذمته لها مال فهو خلع، إذا كان في ذمته لها مال يصح أن يكون صداقاً فهو خلع، وإن لم يكن مال فلا.
هذا كأنه في مقابل ما ذُكر في أول الأمر يقول: إني أنا وكثير ممن أعرف من زملائي وطلابي نفرح كثيراً بمجلسكم ونرى أن أيامه عندنا أيام فرح ومجالس ذكر، والله يعلم أننا نتفرغ من كثير من المشاغل المهمة حرصاً على حضور الدرس إلى أن قال: ونستفيد من الأسئلة ومن الدرس، وعدد من الموجودين لو جلست لهم خمس ساعات في اليوم أو أكثر لفرحوا وما تبرموا ... إلى آخر كلام طيب ومناسب، يكون في مقابل ما ذُكر، هذا الكلام بمفرده لا يذكر، لكن في مقابل الأول ليعلم أن في الطلاب أدب، وفيهم -ولله الحمد- تقدير.
يقول: ذهب بعض أهل العلم إلى تصحيح سماع أبي عبيدة من عبد الله بن مسعود لأنه أدرك كثيراً من أصحاب أبيه، فهذه قرائن تدل على سماعه فما صحة ذلك؟ وهل للقرائن أثر في إثبات سماع الراوي إن لم يكن هناك نص؟
نعم القرائن لها أثر، ويعمل بها أهل العلم لكن إذا لم تعارض النص، ونص على أنه لم يسمع من أبيه شيئاً.
هذه يبي لهن درس كامل.
طالب: هذه تؤكد خلاف رغبة الأخ، كثرة الأسئلة تؤكد. . . . . . . . .
إيه ما في شك، معروف، لكن قراءة مثل هذه الأمور على الطلاب فيها فائدة.
بعض الإخوان يكتب السؤال ثم يسأل شفوياً ويجاب وتكون المسألة خاصة فلا داعي لعرضها.(89/3)
يقول: يرجو توجيه بعض النساء الحاضرات حيث يلاحظ عليهن تقصير في الحجاب.
لا شك أن الحجاب مما افترضه الله -جل وعلا- على النساء {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} [(59) سورة الأحزاب] ثم الآية التي تليها {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [(60) سورة الأحزاب] فالحجاب أمر مفروض على المرأة المسلمة، والذي يطالب بنزعه يخشى أن يدخل في الآية التي تليها {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [(60) سورة الأحزاب] ولا مصلحة لأحد في نزع الحجاب، اللهم إلا إرضاء الشهوة التي يريد -نسأل الله السلامة والعافية- التلذذ بمحارم المسلمين بواسطة ما يدعو إليه، فهؤلاء الذين يدعون إلى نزع الحجاب، أو يناقشون في الحجاب وليسوا من أهل العلم، والمسألة شرعية لا يتكلم فيها إلا أهل العلم، والذي يتكلم في مسائل لهوى في نفسه -نسأل الله العافية- هذا يخشى عليه أن يكون من أهل النفاق، فعلى المرأة المسلمة أن تلتزم بهذا الواجب الشرعي، وإذا كانت تحضر لعبادة، لطلب علم أو لصلاة مع أنه قد لوحظ على بعض من يحضر لصلاة التهجد، تحضر ولديها تقصير في هذا الواجب، ومع سائق أجنبي بدون محرم، هذا خلل في التصور، ويدل وإن كانت النوايا وما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب، لكن مع ذلك لا بد من مراجعة النفس، وأن هناك واجبات وهناك مندوبات، تقديم الواجب أهم، إذا لم تجد من يوصلها إلى المسجد أو إلى الدرس إلا شخص لا يجوز أن تركب معه منفردة حينئذٍ تقدم الواجب وهو القرار في البيت {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [(33) سورة الأحزاب] من تأتي لأمر مستحب وترتكب في سبيل هذا الأمر المستحب محظوراً هذا خلل في التصور، وضعف في التحصيل، فعلى المرأة أن تتقي الله -جل وعلا- لتكتب لها الأجور، وتكتب ممن تلتمس الطريق لتحصيل العلم ليسهل لها به الطريق إلى الجنة، والله المستعان.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم(89/4)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: الشفعة
عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة" متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي رواية مسلم: ((الشفعة في كل شرك أرض أو ربع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى يعرض على شريكه)) وفي رواية الطحاوي: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شيء" ورجاله ثقات.
وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((جار الدار أحق بالدار)) رواه النسائي، وصححه ابن حبان، وله علة.
وعن أبي رافع -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الجار أحق بصقبه)) أخرجه البخاري، وفيه قصة.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائباً، إذا كان طريقهما واحداً)) رواه أحمد والأربعة، ورجاله ثقات.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشفعة كحل العقال)) رواه ابن ماجه والبزار، وزاد: ((ولا شفعة لغائب)) وإسناده ضعيف.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الشفعة(89/5)
والشفعة مأخوذة من الشفع ضد الفرد؛ لأن صاحب الشفعة يضم نصيب شريكه إلى نصيبه ليكون بذلك شفعاً، بعد أن كان نصيباً واحداً يكون له نصيبان، فنصيبه فرد، فإذا انضم إليه نصيب شريكه بالشفعة صار له شفع من الأنصبة، ويعرفونها في الاصطلاح: أنها انتقال حصة الشريك إلى شريكه بعد أن انتقلت إلى غيره، يشترك زيد وعمرو في أرض، أو في دار، ثم يبيع زيد على بكر نظراً لأن عمراً مظنه لئن يتضرر بشراكة بكر، أو هو بحاجة إلى هذا النصيب ليتوسع به فهو أولى به من غيره، أولى من الأجنبي، ولذا جاء تشريع هذا الحكم وهو أن لعمرو أن ينتزع حصة شريكه من بكر بقيمتها، بعضهم يقول: إن الشفعة جاءت على خلاف القياس؛ لأن القياس أن الإنسان حر يبيع نصيبه ممن شاء، فكونه يمنع من بيع نصيبه فهذا فيه تدخل في ماله الذي من مقتضى تمام ملكه أن يتصرف به التصرف التام، فجاءت الشفعة على خلاف القياس، لكن إذا نظر إليها من جهة أخرى، وهي أن صاحب النصيب الذي يريد البيع لا يتضرر بحال، لا يقال لزيد: أنت بعت نصيبك على بكر بمائة ألف، وصاحبك عمرو لا يملك مائة ألف، إنما يملك خمسين، وهو يستحق هذا النصيب بالخمسين نقول: نعم يتضرر، لكن إذا كان بنفس المبلغ يتضرر وإلا ما يتضرر؟ لا يتضرر، فالمائة إذا أخذها من عمرو أو من بكر لا تفرق، وفيها دفع لضرر الشريك، فهي جارية على القياس، إلا أن الضرر يزال من غير ضرر، لو كانت إزالة ضرر عمرو يترتب عليها ضرر على زيد قلنا: الضرر لا يزال بالضرر، وإنما تجب إزالته بغير ضرر.
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قضى بمعنى حكم -عليه الصلاة والسلام- "بالشفعة في كل ما لم يقسم" في كل شيء لم يقسم، يعني من الأراضي والدور والرباع، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة.(89/6)
قضى: حكم وألزم -عليه الصلاة والسلام-، وحكمه من حكم الله -جل وعلا-؛ لأنه مبلغ عنه -عز وجل-، "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم" يعني في كل شيء لم يقسم، ويؤيد هذا العموم رواية الطحاوي: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شيء" هذا اللفظ العام يدخل فيه العقار وغير العقار، اشترك اثنان في سيارة وأراد أحدهما أن يبيع نصيبه على ثالث فهل تثبت الشفعة للشريك أو لا تثبت؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يرى إجراء هذا اللفظ على عمومه، (كل) من صيغ العموم، و (ما) أيضاً كذلك، ورواية للطحاوي صريحة: "قضى بالشفعة في كل شيء" يعني من العقار والمنقول، لو اشترك اثنان في ثوب، وأراد أحد الشريكين أن يبيع على ثالث فالشريك الأولى أولى به من هذا الثالث، تبعاً أو أخذاً من عموم "في كل شيء" فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، فإذا وقعت الحدود هل يمكن أن تقع الحدود في المنقول؟ حدود في ثوب؟ حدود في سيارة؟ حدود في دابة؟ لا، إذاً العموم الموجود يراد به الخصوص، بدليل قوله: ((إذا وقعت الحدود)) يعني مما يمكن أن تقع فيه الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، اللفظ الأول يدخل فيه كل شيء، سواء كان مما يحد ومما لا يحد، لكن ما يليه مما رتب عليه بالفاء، وفرع عليه؛ لأن الفاء تربط الجملة الثانية بالأولى، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة، إذاً قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم مما يصح أن تقع فيه الحدود، وتصرف فيه الطرق.(89/7)
"متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي رواية مسلم: ((الشفعة في كل شرك)) " وهذا أيضاً عام، يعني لو قال: في كل شرك وسكت لقلنا: إنها تشمل المنقول ولا تختص بالعقار، ((الشفعة في كل شرك)) ثم بين المراد بالشرك ((في أرض أو ربع أو حائط)) الأرض معروفة، وهي الأرض البيضاء التي لم تعمر ولم تزرع، ((أو ربع)) المراد بهذا الدار، وقد تطلق على الأرض، ((أو حائط)) وهو البستان الذي سور عليه بحائط ((لا يصلح)) وفي لفظ: "لا يحل" يعني إحداهما اللفظ النبوي، والثانية رواية بالمعنى ((لا يصلح)) وفي رواية: "لا يحل" وهذه مسألة ننتبه لها، إحداهما اللفظ النبوي، والثانية رواية بالمعنى، ويمكن أن يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حدث بالحديث مرتين، مرة قال: ((لا يصلح)) ومرة قال: ((لا يحل)) وعلى الاحتمالين: معنى لا يصلح إيش؟ لا يحل، وهذا لفظ مستعمل كثيراً، من أهل العلم من يتورع لأن معنى "لا يحل" يحرم، يعني قولنا: لا يحل هذا الأمر، أو ليس بحلال، أو غير حلال يعني حرام؛ لأن الذي يقابل الحلال هو الحرام، هو المقابل للحلال، فهل قولنا: لا يصلح كقولنا: لا يحل يعني حرام، بعض أهل العلم يتورع من إطلاق الحرام، فيخفف، بدلاً من أن يقول: حرام يقول: لا يجوز، وقد لا يبين له الحكم بياناً قاطعاً، فيقول: لا يصلح، هذا ما يصلح يا أخي، يُسأل عن مسألة ليس مرتاحاً للفتوى بها، أو يرى أن فيها نوع شبهة، ويريد أن يصرف السائل عنها من غير أن يتحمل مسئولية التحريم، فيقول: لا يصلح، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ فهل نقول: إن من هذا الحديث أن مثل هذا الورع غير وارد، وأنه إذا عدل عن لا يحل أو يحرم إلى لا يصلح هل نقول: إنه ما تورع، وقع في نفس ما فر منه؟ أو على حسب فهمه هو وفهم السامع؟ يعني ما تلاحظون بعض من يفتي إذا لم يجزم بالتحريم يقول: هذا ما يصلح، أو هذا ما هو بزين؟ أو اترك هذا الأمر؟ أو ابحث عن أفضل منه؟ يتورعون عن إطلاق التحريم إذا لم يجزموا به، وكثيراً ما يقولون: هذا الأمر لا يصلح من باب الورع عن الجزم بالتحريم، وهنا في الحديث: لا يصلح، وفي لفظ: لا يحل، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال إحداهما إن لم يكن قال الكلمتين، مرة هذه ومرة هذه، أو يكون قال(89/8)
إحداهما والثانية تصرف فيها بعض الرواة فرووها بالمعنى، وهم أهل لغة يعرفون أن هذه معناها هذا، فإذا قال المفتي: "لا يصلح" يعني الإمام أحمد أثر عنه كلمات تدل على ورعه، يطلق بإزاء التحريم: لا يعجبني، لا يعجبني كذا، أو أكره كذا، كل هذا من باب التحري.
هذا يقول: نرجو التنبيه على درس الخميس.
نعم من باب ضع وتعجل، وغداً الشيخ انتهى ما عنده درس، والمغرب ما عندكم شيء، فيعجل درس الخميس إلى مغرب الغد، ونجمع جمع تقديم فيكون غداً -إن شاء الله تعالى- درس بالمغرب ودرس بعد العشاء، أما ضع وتعجل وتضعون لنا من الوقت نصف ساعة لننتهي في التاسعة -إن شاء الله تعالى-.(89/9)
استعمال مثل هذه النصوص في مواطنها هذه ألفاظ شرعية ينبغي أن يكون الاصطلاح مطابق للألفاظ الشرعية، فكون المفتي يقول: هذا ما يصلح، وجاءت بإزاء ما يحل في لفظ شرعي في حديث نبوي، عليه أن يحتاط، وإن كان في قرارة نفسه أن كلمة: لا يصلح أقل وأخف من "لا يحل"، فضلاً عن "يحرم"، والسائل قد يفهم هذا، لكن ينبغي أن تقيد الاصطلاحات بالألفاظ الشرعية، "لا يصلح" وفي لفظ: "لا يحل" وإذا كان الأمر لا يحل فهو حرام؛ لأن الذي يقابل الحلال هو الحرام {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فالذي يقابل الحلال هو الحرام، لا يحل أن يبيع حتى يعرض على شريكه، يقول لشريكه: أنا أريد البيع، فهل لك رغبة أو لا؟ فإن كانت له رغبة باع عليه وهو أولى الناس بهذه الحصة، لكن إذا قال: ما لي رغبة، عرض عليه أولاً فقال: لا رغبة لي بهذه الحصة، ثم وضع عند مكتب عقاري .. ، قال: لا رغبة لي لأنه توقع أن تباع أو يطلب فيها مبلغ كبير، أو بالفعل يطلب، تريد أن تشتري نصيبي قال: نعم، بكم؟ قال: بمائة ألف، فلما وضعه بالمكتب العقاري ما جاب إلا خمسين، وقال للمكتب: بع على طرف ثالث، حينئذٍ يعرض عليه بالخمسين؛ لأن له رغبة، له رغبة يعرض عليه بالخمسين إن أعجبه وإلا باعها لغيره، يكون حينئذٍ في حل، لكن إذا قال: والله ما دام ما له رغبة في الأول أنا ما لي رغبة في الثاني، ما دام ما هو بشارٍ بحدي أبيع على غيره، يسقط حق الشريك في قوله: لا رغبة لي، يعني لا رغبة لي مشروطة بهذه القيمة المطلوبة، ما هو بهذا مراده؟ لا رغبة لي يعني بهذه القيمة المطلوبة، فيعرض عليه بالقيمة الأخرى، فإن كانت له رغبة فهو أولى الناس، لا يحل أن يبيعها حتى يعرض على شريكه.(89/10)
"وفي رواية الطحاوي في شرح معاني الآثار: "قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل شيء" وعرفنا أن هذا العموم يراد به الخصوص، بدليل ما جاء من قوله: ((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق)) ((في كل شرك أو أرض أو ربع أو حائط)) لكن هل ما أشير إليه من الأمثلة أرض أو ربع أو حائط أمثلة حاصرة بمعنى أن الشرك لا يتعدى إلى غيرها أو أن هذا مجرد تمثيل؟ هذا مجرد تمثيل أو نقول: هذه قسمة حاصرة وما في شيء في الشرك غير الثلاثة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو في هذا قد يفهم من التمثيل، لكن ((فإذا وقعت الحدود، صرفت الطرق فلا شفعة)) يدل على أن في كل ما لم يقسم يراد به ما يمكن أن يحد، وتصرف طرقه، واللفظ الذي رواه الطحاوي: ((في كل شيء)) يحمله بعض أهل العلم على عمومه، فيجعل الشفعة في كل شيء، حتى في المكيل والموزون، الذي لا ضرر في قسمته، بينك وبين شخص أخر مائة صاع من البر أو من التمر كل واحد له خمسين، فإذا أراد أن يبيع قلت له: أنا أحق به، أنت والأجنبي واحد ما تتضرر إذا قسمت، الشفعة لا شك أنها من باب الرفق بالشريك، فهل تختص بالمسلم؟ إذا كان له شريك ذمي وأراد أن يبيع على مسلم وقال: المسلم أحق بنصيبي من هذا الذمي، ولا يمكن أن يعطى الذمي مثلما للمسلم، وأن يساويه في كل شيء؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فإذا كان الطرف الآخر مسلم قدم عليه، من أهل العلم من يرى أن مثل هذه الحقوق خاصة بالمسلمين، ومنهم من يرى أنه إذا جاز أن يملك الذمي جاز أن يشفع، يعني في البلاد التي يملك فيها الذمي تجوز له الشفعة، إذا أراد الشريك أن يبيع على أخيه الأكبر، يبيع نصيبه على أخيه الأكبر، وله عليه حق، يعني لو كان مريد الشراء الأب، الأب له أن يتملك من مال ولده، ومال ولده ماله، فإذا أراد أن يبيع على أخيه، يقول: والله أنا نصيبي يبيه أخي، هل هو أحق من الشريك أو ليس بأحق؟ يعني هل النص يشمل جميع من يريد الشراء حتى الأخ والعم والخال؟ لأن لو قلنا: الأب الأب له أن يتملك نصيب ولده من دون مقابل، هذا حق شرعي للشريك، فيقدم على كل أحد.
يقول في الحديث الذي يليه:(89/11)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((جار الدار أحق بالدار)) رواه النسائي، وصححه ابن حبان، وله علة" عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((جار الدر أحق بالدار)) رواه النسائي، وصححه ابن حبان، وله علة، رواه النسائي في السنن الكبرى، وخرجه ابن حبان مصححاً له، وله علة، وهي أنه اختلف فيه هل هو من حديث أنس أو من حديث سمرة؟ هل هو عن قتادة عن أنس أو عن الحسن عن سمرة؟ ولا شك أن مثل هذا اختلاف مؤثر، وقالوا: المحفوظ أنه من حديث الحسن عن سمرة، ومعروف الكلام في حديث الحسن عن سمرة، وإن كان من الحفاظ من قال: إنه صحيح من الطريقين، يعني هو مروي عن قتادة عن أنس، ومروي أيضاً عن الحسن عن سمرة، وعلى كل حال الحديث لا بأس به، وله ما يشهد له.(89/12)
حديث أبي رافع -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الجار أحق بصقبه)) ومخرج في البخاري ((الجار أحق بصقبه)) جار الدار أحق بالدار، والجار أحق بصقبه، والصقب سئل عنه الأصمعي، فقيل له: ما الصقب؟ فقال: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإنما العرب تزعم أن الصقب هو اللصيق، يعني الجار الملاصق، لماذا يقول الأصمعي: أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإنما العرب تزعم كذا؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي يتكلم العربية، لماذا؟ لأن هناك حقائق شرعية، وحقائق لغوية، فإذا أدرك الأصمعي الحقيقة اللغوية قد لا يدرك الحقيقة الشرعية، ولذا يؤكد أهل العلم على أنه يجب على طالب العلم أن يتحرى في تفسير الكتاب والسنة؛ لأنه في تفسير الكتاب والسنة إذا جزم بذلك يكون جزماً بأن هذا مراد الله -جل وعلا-، وهذا مراد رسوله، وإذا لم يكن لديه علم يكون قد قال على الله بغير علم، وقال على رسوله -عليه الصلاة والسلام- بغير علم، لكن إذا أورد ذلك على سبيل الترجي، وقال: لعل المراد كذا بغير جزم فالأمر فيه سعة، لكن يبقى أن تفسير النصوص من الكتاب والسنة هو لأهل العلم الذين يجمعون بين العناية بالكتاب والسنة مع العلم باللغة، فيقولون: غريب الحديث لا يتكلم فيه كل أحد، ولو كان محدث ما يتكلم فيه، ولو كان لغوياً ما يتكلم في غريب الحديث إلا إذا كان جامعاً بين الأمرين، لا بد أن يجمع بين الحديث واللغة، لماذا؟ أنت تأتي إلى الصقب مثلاً وتذهب إلى لسان العرب فتجد أن العرب أطلقت الصقب بإزاء كذا وكذا وكذا، عشرة معاني، فإذا كان ما لك عناية بالحديث لتعرف تنزيل هذه الكلمة في هذا السياق على هذا المعنى من هذه المعاني، يمكن تضل تختار معنى ليس هو المراد من المعاني التي ذكرت في كتب اللغة، فلا بد أن يكون الذي يتكلم في غريب الحديث أن يكون جامعاً بين علم السنة وعلم اللغة، وأهل العلم يؤكدون على هذا، ولذا الأصمعي من ورعه قال: أنا لا أتكلم أو أنا لا أفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن العرب تزعم أن الصقب اللصيق، يعني الملاصق.(89/13)
((الجار أحق بصقبه)) والحديث لا كلام فيه، وفيه قصة، القصة قال أبو رافع للمسور بن مخرمة: ألا تأمر هذا -يشير إلى سعد- أن يشتري مني بيتي اللذين في داره، فقال له سعد: والله لا أزيدك على أربعمائة دينار مقطعة أو منجمة، فقال أبو رافع: سبحان الله، والله لقد منعتهما من خمسمائة نقداً، فلولا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((الجار أحق بصقبه)) ما بعتك، الآن نازل بمائة، مائة دينار ذهب، ومنجمة ليست نقداً، خمسمائة نقد أو أربعمائة مقسطة، يعني العكس مقبول، لكن كل هذا من باب إتباع الصحابة -رضوان الله عليهم- لما جاء عن الأسوة والقدوة -عليه الصلاة والسلام-، ليس لأحد خيرة من أمره، ونحن نقدم على الشيء الذي لا ضرر فيه علينا، ولا نقول: فيه شبهة، أحياناً يكون فيه محرم واضح، ويقدم عليه المسلم ويقول: الله غفور رحيم، ويتذرع ويعتذر بأعذار وأن فلان قال، وفلان سهل بكذا، فلان يسر بكذا، لا يا أخي، أمر الدنيا أهون من أمر الآخرة، فأبو رافع قال للمسور بن مخرمة ليتوسط له عند سعد أن يشتري منه بيتين اللذين في داره، البيت ما هو؟ والدار ما هي؟ هل نقول: إن البيتين يعني غرفتين في دار واسعة فيها غرف كثيرة؟ أو نقول: البيتين منزلين في حي؟ يعني جاء في الحديث الصحيح: ((خير دور الأنصار)) يعني أحياء الأنصار، وأمر بالمساجد في الدور أن تبنى وتطيب، يعني في الأحياء، فهل هما بيتان؟ يعني مسكنان في حي لسعد؟ أو هما جزاءن من بيته وإن كان له نوع استقلال إلا أنه يشملهما الاسم الأعم وهي دار سعد؟ ماذا نستفيد من هذا الكلام؟ لأنه إذا قلنا: الدار الحي قلنا: إنها بيوت منفصلة منها هاتان الداران في حي لسعد، يعني مشروع سكني فيه لأبي رافع داران، إذاً فهم الحديث، أولاً قصة الحديث وسبب الحديث؛ لأن عندنا سبب ورود وسبب إيراد، الذي عندنا في قصة أبي رافع مع سعد سبب لإيراد الحديث، سبب لإيراد الحديث يعني سبق أن أشرنا إليه، وأما سبب ورود الحديث وهو السبب الباعث للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول الحديث، هذا سبب الورود، وهذا سبب إيراد، فهل نقول: إن أبا رافع له بيتان مستقلان في حي سعد؟ أو نقول: له داران يعني غرفتان بمنافعها في دار سعد(89/14)
الكبيرة المشتملة على أجنحة مثلاً، في حكم الأجنحة، ومثل هذا يحدد لنا الأحقية هنا، يعني لو مشروع سكني بعض الناس يعمر مشروع سكني فيه عشرين مسكن، ويجعل سور وبوابة ثم يرى أن العشرين ليس بحاجة إليها كلها، فيبيع منها على فلان وعلى فلان خمس عشر ويترك ما يحتاجه لأولاده بعد ذلك يكبر الأولاد الصغار ويحتاجون إلى هذه الدور، ثم يريد البيع واحد من هؤلاء، فيأتي صاحب المشروع لمن يريد البيع فيقول: أنا أحق به من غيري، وهي أمور منفصلة، الطرق منفصلة، ومصرفة، ولا فيها أدنى اشتراك بينها، هل نقول: إنك أحق من غيرك؟ صاحب المشروع المسور الذي فيه بوابة وباع على فلان وعلان ناس ليسوا من أقاربه ولا من معارفه، واحتاج هذا البيت لواحد من أولاده، كبر وتزوج وأراد أن يخرج عن بيت والده هل نقول: له أن يشفع أو ليس له ذلك؟ كل هذا مبني على فهم معنى البيت والدار، ولا شك أن الدار تطلق على الغرفة، كما أنها تطلق على ما هو أعم من ذلك، أو نحتاج إلى النصوص الأخرى؟ مثل ما تقدم، ((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)) الآن الجار الذي لا يشترك مع جاره في شيء إلا مجرد الجوار، وعندك جار يشترك مع جاره الممر واحد، يعني الشارع، الممر كان أحياناً يقل عن متر بين البيتين، فمثل هذا يتأذى صاحب الدار بوجود جار أجنبي له، ألا يتأذى؟ إذا خرجت المرأة لا بد أن يرجع الرجال حتى تنتهي من هذا الممر، أو تدخل في بيتها حتى يدخل في بيته، هذا فيه اشتراك في ممر، هنا أنواع من الاشتراك حدثت الآن، اشتراك في عداد كهرباء، اشتراك في بيارة مثلاً، أنواع الاشتراك كثرت، فمثل هذا يوجد الضرر بين الجيران، فهذا مبرر لإثبات الشفعة، أما إذا لا يوجد مبرر لإثبات الشفعة، يعني وجود هذا الجار أو زيد أو عبيد أو أخر صرفت الطرق، وعرفت الحدود، ولا ارتباط لأحدهما بالآخر فيطبق الحديث الأول ((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)) وإذا وجد الاشتراك في الممر أو أي شيء يمكن أن يحصل فيه إشكال يتضرر به الجار مع جاره فمثل هذا ينزل الحديث ((الجار أحق بصقبه)) ولذا جاء في الحديث الذي يليه يقول: وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجار أحق بشفعة(89/15)
جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)) رواه أحمد والأربعة، ورجاله ثقات، صحيح الحديث، والقيد مفيد إذا كان طريقهما واحداً؛ لأن ((الجار أحق بصقبه)) عمومه يقتضي كل جار أولى من غيره، والحديث الأول ((فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)) يقتضي أن لا شفعة للجار، والثاني: يقتضي الشفعة لعموم الجيران، والثالث: إذا كان طريقهما واحد، يعني إذا وجد الاشتراك يتضرر به أحد الجارين، فإذا وجد هذا الاشتراك لا سيما الممر والذي أدرك المنازل قبل هذا التوسع العمراني، وقبل التخطيط يعرف مثل هذه الأمور، الأزقة قد لا تزيد على متر واحد، فمثل هذا إذا كان هذا الممر فيه دار وجار واحد يمين وواحد يسار لا شك أن كل واحد يتضرر، يعني إذا فتح الباب أمام هذا الباب وليس بينهما إلا متر واحد بإمكان الجار ينظر إلى أقصى الدار فيتضرر، وهو مار يريد الدخول إلى بيته إذا التفت يمين أو شمال كشف البيوت؛ لأنه ما في مسافة، والبيوت ما فيها فرصة لئن تصرف تصريف يحجب البصر، يعني أدركنا البيوت إلى الآن موجودة قائمة بيوت مساحة البيت خمسين متر، وكان فيه أسرة عائلة، وموجود هذا، ما أدري الأحياء القديمة هنا فيها من هذا النوع أو لا؟ وإلا في نجد موجود بكثرة، وفي الحجاز أيضاً بيوت من خمسين متر، وبعض القرى التي تهدمت من السيول البيوت القديمة يعني تجزم بأنها ما .. ، يعني بعض الناس الآن البيت هذا كله ما يكفيه غرفة نوم؛ لأن بعض القرى شوف ما في شيء قائم من السيول سوتها بالأرض ما يقوم إلا مكان كنز التمر، الذي يسمونه الجصة، نعم هذه بمقدار متر ارتفاع بنصف متر عرض من الجهات تجد بين هذه الجصة والتي تليها خمسة أمتار، هذه في بيت وهذه في بيت، الدنيا ما كانت تستولي على قلوب الناس، المسألة مسألة ممر ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) كان إلى وقت قريب وهذا معمول به وبالإمكان أن يقف عند باب المسجد ويقول: أعان الله من يعين ويجتمعون ويبنون البيت بثلاثة أيام، أربعة، أو في أسبوع ويسكن، ولا يكلفه شيء، ابن عمر في أسبوع بنى بيته بنفسه، فمثل هذه البيوت التي تتضرر بالجيران بالفعل، يعني السطح يحتاجونه في الصيف، وما بين السطح والسطح إلا(89/16)
شيء يسير، فيتضرر هذا الجار فيستحق شفعة، وهو أولى من غيره إذا أراد شراءه، فهو أولى به من غيره، ولذا قال في الحديث: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)) طيب هذا غائب ولا اتصالات ولا يمكن ما يدرى متى يجي، وهذا محتاج إلى قيمة البيت، يريد أن يبيع ينتظر جاره كم شهر؟ إلى متى ينتظر جاره؟ الضرر لا يزال بضرر، إذا كان مضطراً إلى قيمته فالضرر لا يزال بالضرر، وإن كان الحديث فيه النص على الانتظار لكن لا بد أن يكون إلى أمد لا يتضرر به صاحب البيت، وإن انتظره إلى أن يحضر امتثالاً لتطبيق هذا الحديث فلا شك أنه أولى، يعني كما يضرب مدة للخصم، يضرب مدة للزوج للغائب، يضرب مدة لكذا، الحاكم يضرب مدة لهذا الجار الغائب؛ لئلا يتضرر جاره، وعلى كل حال الإشكالات في الأحاديث المتداخلة بعضها يحل بعض.
الحديث الذي يليه وهو "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشفعة كحل العقال)) رواه ابن ماجه والبزار وزاد: ((ولا شفعة لغائب)) " وإسناده ضعيف، بل ضعيف جداً ((الشفعة كحل العقال)) يعني أنها يبادر بها، العقال الذي يربط به يد البعير لئلا يشرد، والغالب أنه يجعل أنشوطة، إيش معنى أنشوطة؟ يعني بمعنى أنه يربط بطريقة -وكلكم تعرفونها- بحيث إذا نشطت إذا جرت انحلت، فمجرد حل هذا العقال الشفعة تشبه به، بمعنى أنه مجرد ما يسمع أن فلان باع لا بد أن يشفع هذا، وإلا يضيع حقه، لكن هذا الحديث ضعيف جداً، والشفعة حق من الحقوق لا تسقط إلا بما يدل على عدول الشافع عنها، من أهل العلم أنها على الفور أخذاً بهذا الحديث، ولهم تقادير في المدة التي يسقط بها، لكن إذا ضعف الحديث فلا داعي للارتباط به.(89/17)
هناك ألفاظ منكرة يذكرها بعض الفقهاء، ذكرها البيهقي وعقد لها باباً في السنن الكبرى، فقال .. عد منها: ((الشفعة كحل العقال)) يعني لفظ منكر، ((ولا شفعة لصبي ولا لغائب)) والحديث السابق يرد، و ((الشفعة لا ترث ولا تورث)) و ((الصبي على شفعته حتى يدرك)) يعني حتى يبلغ، ينتظر بها حتى يبلغ، و ((لا شفعة لنصراني)) و ((ليس لليهودي ولا للنصراني شفعة)) المقصود أن هذه ألفاظ ذكرها البيهقي في سننه، وهي ألفاظ منكرة، نعم.
وقال الحافظ أيضاً:
باب: القراض
عن صهيب -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: ((ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقراضة، وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع)) رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف.
وعن حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة: أن لا تجعل مالي في كبد رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي. رواه الدارقطني، ورجاله ثقات.
وقال مالك في الموطأ: عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده أنه عمل في مال لعثمان على أن الربح بينهما، وهو موقوف صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: القراض(89/18)
القراض أن يتفق اثنان يكون المال من أحدهما والعمل من الآخر، وتسمى مضاربة، يعني في لغة أهل الحجاز قراض، وفي لغة غيرهم مضاربة، مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر؛ لأن هذه المعاملة في الغالب تحتاج إلى سفر، من الضرب في الأرض، فالمضاربة والقراض بمعنى واحد، يتفق اثنان على أن يكون من أحدهما المال، والثاني عليه العمل، هذه مضاربة وقراض، هذا النوع من المعاملة موجود قديماً وحديثاً، وتشريع مثل هذا النوع وهو نوع من الشركة لا شك أن فيه مصلحة لجميع الأطراف، فقد يكون صاحب المال لا يحسن التجارة، وقد يكون مشغولاً بغيرها، منشغلاً عنها بتعلم أو بتعليم أو ما أشبه ذلك، وقد يكون مؤثراً للراحة، فماله يخدمه، والآخر قد يحسن التجارة، وعنده وقت، ولديه جلد، ومحب للعمل لكنه لا مال له، فإذا اشترك هذا مع هذا على أن يكون الربح بينهما هذا عين المصلحة، لكن لا بد أن يكون من أحدهما شيء، والثاني منه شيء أخر، أما أن يشترك على لا شيء، ويتفق على لا شيء، هذا لا يجوز، يعني لو جاء شخص واشترك مع شخص قال: أنا أكفلك وتشتغل باسمي، مني الاسم ومنك العمل، هذه شركة وإلا لا؟ هذه ليست بشركة، هذا أكل أموال الناس بالباطل وليست بشركة، والعلماء يفتون بتحريمها من وجوه، والأنظمة تمنعها، وعلى كل حال لا بد أن يوجد في مقابل المال الذي يأخذه جهد إما بدني أو مالي، هذا النوع من الشركة فيه قضاء على البطالة التي يتذمر منها ويشكو كثير من المجتمعات، فإذا تعاون الناس بمثل هذه الطريقة استفاد الكل، استفاد صاحب المال نمو المال، واستفاد صاحب العمل عمل وربح يتقوت منه، فلا يكون عالة يتكفف الناس.
يقول -رحمه الله تعالى-:(89/19)
"عن صهيب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع)) رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف جداً" وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، لكنه ضعيف، لا يصل إلى حد الوضع لكنه ضعيف لا يبنى عليه حكم، لكن الأمور المذكورة البيع إلى أجل من حيث الحكم الشرعي حلال أو ليس بحلال؟ {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] حلال بالإجماع، البيع إلى أجل، المقارضة أيضاً أجمع العلماء على جوازها التي هي المضاربة، وخلط البر بالشعير يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز، اتفاقاً يجوز، للبيت لا للبيع، نأتي إلى بركة البيع إلى أجل، انتهينا من كون الحديث يعول عليه في إثبات هذا الحكم، لكن هل فيه بركة البيع إلى أجل؟ البيع إلى أجل فيه تيسير على المشتري، وفيه أيضاً إن زيد في قيمة السلعة ربح للبائع، فالبركة من هذه الحيثية صحيحة، ولو لم يثبت الخبر، المقارضة يعني كون الناس يتشاركون على هذا النوع من الشركة، يجتمعون على هذا النوع هذا عنده مال وهذا عنده جهد وعنده فراغ، وعنده خبرة يتعاونان فيسخر هذا المال ويعمل بهذا المال ما يدر على الطرفين، فلا شك أن فيها شيء من البركة؛ لأن صاحب المال يستفيد الربح إن وجد، والعاطل الذي لا مال له يستفيد من كده ويربح بسببه.(89/20)
((وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع)) من أجل إيش؟ يعني البر غالي الثمن والشعير رخيص، فإذا خلط هذا بهذا فبدلاً من أن يشتري طعام من البر لمدة سنة بألف يشتري بخمسمائة بر أو بمائة شعير، ويكفيه ستمائة بدل من الألف، وأيضاً البركة من جهة أخرى، الطعام الجيد في الغالب ينفذ بسرعة، صح وإلا لا؟ لماذا؟ يؤكل، لكن إذا خلط بغيره ونزلت جودته عن مائة بالمائة إلى ثمانين بالمائة، بدل من أن يؤكل الطعام بشهر يؤكل بشهرين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أكل الشعير، وخبز الشعير، والله المستعان، يعني هذا ما يضير الإنسان أن يأخذ نوع من غير الجيد، لكن ما يقال له: تأكل شيء لا تسيغه، لا، لا يلزم بأكل شيء لا يسيغه، لكن لو تواضع وأكل من الأقل مما يسيغه كان طيب، وتحصل البركة حينئذٍ من جهات، وكان في البادية يفضلون بعض الأنواع من التمر الأقل على النوع الأجود، بحيث كانوا يغشون بالجيد، يغشون بالسكري الجيد، ليش؟ لأن السكري ينتهي بسرعة، فيأخذون من النوع الأقل ليمتد مدة طويلة، ومنه هذا النوع، للبيت لا للبيع، نعم تأكل أنت الأقل، تستعمله لنفسك لا بأس، ما لم يكن بخل أو شح أو تقتير على النفس، هذا شيء أخر، لكن من باب التواضع، ومن باب الصدقة بالقدر الزائد مثلاً، أو التوسع به في أمور أخرى لمقاصد حسنة مطلوب هذا، نظير هذا خلط اللبن بالماء، يعني للشرب يكثر وبحيث يشرب الجميع من أهل البيت لكن للبيع؟ لا، خلط البر بالشعير للبيع غش، خلط اللبن بالماء للبيع أيضاً غش فلا يجوز، وعلى كل حال هذه الأمور بالتجربة ثبتت بركتها، لكن لا يعني أن الخبر والحديث صحيح ولا ثابت.
والحديث الذي يليه:(89/21)
عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة أن لا تجعل مالي في كبد رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي. هذا المضارب الذي دفع المال، ومن باب الاحتياط له أن يشترط على صاحبه أن لا يعرض المال للتلف، فيشترط عليه، كونه يشترط عليه أن لا يبيع سلع محرمة هذا أمر مفروغ منه، لا بد إذا غلب على ظنه، أو خطر على باله أن هذا الشخص يمكن أن يتساهل ويبيع أشياء محرمة لا بد أن يشترط عليه، وقل مثل هذا في المستأجر، إذا جاء شخص يستأجر محل، أو يستأجر بيت وخشيت يعني دلت القرائن على أنه يمكن أن يستعمل البيت هذا في أمور لا تجوز عليك أن تشترط، لا بد أن تشترط لئلا تكون متعاوناً مع هذا الشخص على الإثم والعدوان، حكيم بن حزام وهو على اسمه في باب التجارة حكيم، كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يعني يدفع مالاً لمن يضارب به، ويكون الربح بينهما مقارضة، يعني مضاربة أن لا تجعل مالي في كبد رطبة، عرضة لأن تموت، تقول: أشتري بهذا المليون الذي أعطيتني أبل، قد تموت، اشتري غنم تموت، بقر تموت، وإلا الشواهد كثيرة، يعني إذا جاءت الباخرة فيها نسبة كبيرة ميتة، فمن هذا الباب يشترط عليه، فضلاً عن أن تكون هذه السلعة من السلع الغالية، يعني يعطيه مثلاً مليون يشتري له اثنين من الإبل على خمسمائة ألف، واحد قرصته حية ومات، وواحد كثر الأكل ومات وانتهى المليون، لكن لو اشترى بهذا المليون عشرة آلاف نسخة من فتح الباري مثلاً، ما تموت، تبقى يعني، يعني لو جاءها رطوبة جاءها شيء لكن يبقى شيء كثير، لكن هذا البعير الذي اشتري بنصف مليون قرصته حية ومات وانتهى الإشكال، من أجل هذا كانوا يتخوفون مما يتعرض للموت.
"ولا تحمله في بحر" جاءت الباخرة وهي محملة بالبضائع لفلان غرقت وانتهى خلاص، غرقت الباخرة، لكن في تريلات في سيارات انقلبت التريلة وانقلب القطار تبقى المواد موجودة، ما هو مثل الغرق، يعني شيء دون شيء، يعني تلف دون تلف.(89/22)
"ولا تنزل به بطن مسيل" يعني مجرى السيل في الوادي، وهذا خطر، فلا تجعل فيه لا الأرواح، لا ينام الإنسان في بطن مسيل، ولا مجرى وادي، ولا يعمر مسكن في بطن مسيل ولا وادي، ولا يجعل بضاعته في هذا المكان؛ لأن السيل يأتيه بغتة، ثم بعد ذلك يقضي عليه، وبعض الناس ما عندهم خبرة، يريد أن يؤمن مسكن، وعمر كثير من الناس في أودية فلما جاءت السيول غرقوا، وطمرت السيول بيوتهم، لكن المسئولية على من؟ على أهل الخبرة من البلدية وغيرهم، ما تعطي تراخيص في مثل هذه الأماكن، وإلا الناس كثير منهم ما يحسب حساب، ومُثل خصمان أمام قاضٍ فقال المدعي: إن هذا اعتدى على شيء من أرضي، وأخذ من الوادي أيضاً، قال: أنت طالب بأرضك والوادي يأخذ حقه، أنت ما لك إلا تطالب أرضك، وبالفعل لما جاء الوادي ضف وشال كل ما أمامه، فمثل هذا لا شك أنه خطر، وجعل الأموال في هذا المكان مخاطرة وتعريض للمال للتهلكة.
"فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي" يعني عليك أن تضمن، أنا الآن أشترط عليك أن لا تضع المال في هذه الأشياء التي تتلفها جملة، أما التلف الجزئي يوجد، وفي جميع البضائع، وفي جميع الظروف والأحوال يوجد التلف الجزئي، لكن شيء دون شيء، التلف الجزئي أسهل من أن تتلف البضاعة بكاملها.
"رواه الدارقطني، ورجاله ثقات" بل سنده في غاية الصحة.
"وقال مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده أنه عمل في مال لعثمان على أن الربح بينهما، وهو موقوف صحيح" وهذا دليل على أنه المضاربة موجودة في عصر الصحابة من غير نكير، وفعلها الخليفة الراشد، فهي جائزة لا إشكال فيها، وهي مجمع عليها، ونقل الإجماع عليها.
الطالب:. . . . . . . . .
لا لا، هذه ما هي مضاربة، هذا نصب واحتيال.
الطالب:. . . . . . . . .
هذا احتيال أن يأخذ اسم غيره ويقدمه على صندوق التنمية، أو على بنك يساهم به، سواء كان بأجرة أو قيمة أو بدون أجرة كل هذا لا يجوز، وهذا يوقع في كثير من الحرج والإشكالات، فإذا ساهم باسم فلان ثم ارتفعت الأسهم أضعاف ثم جحده فلان، والله الأسهم باسمي أنا أروح أبيعها، والمحاكم فيها كثير من هذه المشاكل، يعني العقود التي لها ظاهر وباطن مثل هذه توقع في إشكالات، وفي خصومات ونزاع، والشرع لا يأتي بمثل هذا.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك ...(89/23)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (17)
باب: المساقاة والإجارة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: إنه يعمل ممرض في مستشفى، ويومياً يسجل العلامات من الضغط والحرارة والنبض في ملفات المرضى دون أن نقيسها، علماً بأن المريض بصحة جيدة ولا يضر عليه هذا، وللعلم بأن رئيس القسم يدري بذلك، ويأمرني بذلك، ما حكم هذا العمل؟
هذا كذب، وقد يضر المريض وأنت لا تدري، وقد يكون القياس له أثر في مقدار العلاج الذي يعطاه.
يقول: هناك رجل عقار يريد أن أشاركه في عمله وهو موظف وأنا موظف، حيث أنه فتح مكتبه باسم زوجته أو أبيه فهل أدخل معه شريكاً للعمل في هذا المجال؟
عمل الموظف ممنوع من قبل ولاة الأمر، والتحايل عليه بمثل هذا لا يجعله سائغاً، على كل حال إذا وجدت الضرورة لمثل هذا العمل بأن كان الموظف عنده أسرة كبيرة وراتبه لا يكفيه، ووجدت مثل هذه الحيلة قد تقبل؛ لأنها أفضل من أن يتكفف الناس ويسأل الناس، لكن إذا كان راتبه يكفيه، وولاة الأمر يمنعون مثل هذا هذا لا يجوز، هذا مجرد حيلة.
يقول: ما حكم فتح صالون الحلاقة، وتأجير الكراسي التي في داخل الصالون على عمال على غير كفالتي؟
هذا التأجير ما فيه إشكال -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا كانوا يزاولون المحرم في المحل الذي أجرت عليهم فلا يجوز بحال، مثل من يؤجر بيته ليجعل حانة خمر أو ما أشبه ذلك، أو تزاول فيه المحرمات.
يقول: كتب أحد الإعلاميين رداً على تعدد الزوجات قال فيه: بالنسبة لتعدد الزوجات للرجل فهذا أمر أجازه الشرع لأسباب وجيه، وليس لإشباع الرغبات.
يعني من الأسباب الوجيه إشباع الرغبات؛ لأن بعض الناس لا تكفيه واحدة ولا تكفيه ثنتين ولا ثلاث، ويتطلع إلى ما عدا ذلك فهذه من الأسباب.
فأعتقد أن الرجل إذا وصل إلى درجة أن زوجتين أو ثلاث أو واحدة لا تكفي شبقه الجنسي فيعني أن هذا الرجل يتصف بصفة الشهواني، ويندرج في خانة الحيوان.(90/1)
هذا الكلام ليس بصحيح، هذه قوة، والعرب تتمدح بالقوة الجنسية، لكن لا يعني أن هذه القوة الجنسية تصرف فيما حرمه الله -جل وعلا-، يعني في حدود ما أباح الله -جل وعلا- {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [(29 - 30) سورة المعارج] وجد من الصحابة ومن خيار الأئمة من الأئمة من يتزوج الأربع، ويتخذ السراري، ومع ذلك هم على إمامتهم.
يقول: دخلت فوجدت الإمام في التشهد الأخير، ولغلبة الظن علي قدوم من تقوم بهم جماعة ثانية لم أدخل مع الإمام، وانتظرت حتى تأتي وأطلب من القادمين الانتظار معي حتى يسلم الإمام ونقيم جماعة ثانية، فهل هذا الفعل صحيح أم أن الدخول مع الجماعة الأولى أفضل وأولى ولو في آخر الصلاة مثل التشهد الأخير؟
على كل حال التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم تدرك به الجماعة، عند الحنابلة إذا كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة، ولو لم يجلس، وهذا قول جمع غفير من أهل العلم، ومنهم من يرى أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك الركعة، ومع هذا الخلاف نعود إلى حديث: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)).
يقول: ما التفريق بين الدين والقرض؟
القرض هو بذل المال لمن يحتاجه من غير فائدة، والأصل فيه أنه بدون أجل، والدين لا بد أن يكون بأجل، والغالب أنه تبعاً لهذا الأجل يكون فيه فائدة للبائع زائد على قدر الثمن، فالقرض يختلف عن الدين؛ لأن الدين لا بد أن يكون مؤجلاً، كما قال الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [(282) سورة البقرة] والقرض لا أجل له، وعند الجمهور لا يقبل التأجيل، يعني لو قال: أقرضك هذا الألف إلى مدة سنة، لا يقبل التأجيل عند الأكثر، المالكية يرون قبوله التأجيل، ويرجحه شيخ الإسلام، والمسلمون على شروطهم، وعلى كل حال الفرق ظاهر بينهما، في الدين ينتفع صاحب الدين، وفي القرض لا ينتفع نفعاً في الدنيا وإن كان له الأجر والثواب من الله -جل وعلا-.(90/2)
يقول: أنا يضع الناس عندي مالاً أصرفه في الصدقات حسب ما أرى، سؤالي هل يجوز لي الأخذ من هذا المال قدر حاجتي ثم أرده عند استلامي لراتبي مباشرة؟
الأصل أنك مؤتمن، ولا تتصرف فيه إلا إذا كان مضموناً ضماناً في حكم الموجود متى ما وجد مصرفه يكون موجوداً، ومع ذلك مع الحاجة الشديدة، والأصل والورع والأحوط أن لا تتصرف فيه.
يقول: في بلادنا بعض الألفاظ مثل قولهم للآخر: أخذتك جنية يا فلان.
هذا لا يخلو إما أن يكون خبر أو دعاء، فإن كان خبراً فهو كذب، وإن كان دعاء فلا يجوز الدعاء على المسلم.
ومن ضمن ذلك قولهم: استعنت عليك بعبلة.
الاستعانة لا تجوز إلا بالله -جل وعلا-، الاستعانة بالمخلوق لا تجوز إلا بما يقدر عليه.
يقول: انتشرت رسالة عبر البريد الالكتروني توصي بالتواد بين الزوجين، وفيها هذا الحديث، فما صحة هذا الحديث: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة، فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما)) يقول: هذا الحديث موجود في صحيح الجامع صفحة ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين.
هو صحيح أو حسن عند الشيخ، وأنا ما بحثت الحديث بنفسي.
هذا أيضاً يقول: قال النووي -رحمه الله- في شرحه لمسلم: الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين أنه إذا روي الحديث مرفوعاً وموقوفاً أو موصولاً ومرسلاً حكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة، وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد، والله أعلم. انتهى.
فهل الحال كما ذكره -رحمه الله-؟ وهل خالف في ذلك أحد من الحفاظ؟ وما الصواب في مسألة زيادة الثقة على من هو أوثق منه في المتن؟(90/3)
معروف الكلام في زيادة الثقة والوصل، ومنها الوصل والإرسال، وتعارض الوقف والرفع، كلام كثير لأهل العلم، وفيها أربعة أقوال بل خمسة، القول الذي حكاه النووي، وأن الحكم لمن وصل ولمن رفع ولمن زاد؛ لأن كلاً من الرافع والواصل والزائد معه زيادة خفيت على غيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والقول الثاني: العكس، وهو أن الحكم لمن وقف، والحكم لمن أرسل، الحكم لمن نقص؛ لأن القدر الزائد على ذلك مشكوك فيه، فيقتصر على المتيقن، والقول الثالث: الحكم للأكثر، فإن كان الزائد أكثر حكم له، والقول الرابع: الحكم للأحفظ، والخامس: وهو الذي عليه صنيع الأئمة أنه لا يحكم بحكم عام مطرد، بل ينظر في كل حديث بعينه، فإذا دلت القرائن على أن الرفع هو المحفوظ حكم به أو العكس، الوصل هو المحفوظ حكم به أو بالعكس، قد يحكم للأكثر، وقد يحكم للأقل، قد يحكم للأحفظ، وقد يحكم لمن دونه إذا دلت القرائن على أنه ضبط وأتقن، هذا هو الذي عليه صنيع الأئمة.
يقول: إذا صرح بالتحديث من عرف بالتدليس عن شيخ ما في رواية معينة فهل يعمم سماعه هذا على باقي رواياته عن هذا الشيخ التي من خلالها .... ؟
لا لا يعمم، إنما يطلب تصريحه في كل حديث.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-:
باب: المساقاة والإجارة
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع. متفق عليه.
وفي رواية لهما: فسألوه أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف التمر، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) فقروا بها حتى أجلاهم عمر -رضي الله تعالى عنه-.
ولمسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم، ولهم شطر تمرها.(90/4)
وعن حنظلة بن قيس -رضي الله تعالى عنه- قال: سألت رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- عن كراء الأرض بالذهب والفضة، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، ولم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به، رواه مسلم.
وفيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض.
وعن ثابت بن الضحاك -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة، رواه مسلم أيضاً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: المساقاة والإجارة
المساقاة مفاعلة من السقي، وهي دفع الشجر لمن يقوم بسقيه، وعمل سائر ما يحتاج إليه، والمزارعة دفع الأرض لمن يزرعها، وجاء في المزارعة والمساقاة ما جاء من المنع، حدث رافع بن خديج بالمنع عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان ابن عمر يفعلها، ثم امتنع لما سمع رافعاً ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- المنع منها.
وهنا في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامل أهل خيبر، أهل خيبر لما فتحها النبي -صلى الله عليه وسلم- عنوة، وصارت ملكاً له، واليهود هم أهلها، هم سكانها، هم الذين يعملون فيها، عاملهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنها انتقلت إلى ملكه -صلى الله عليه وسلم-، بشطر ما يخرج منها، الشطر النصف، نصف ما يخرج منها من غلة من تمر أو زرع، متفق عليه.(90/5)
فهذا دليل على جواز المزارعة والمساقاة، فعاملهم على شطر ما يخرج منها، العلماء يختلفون في حكمها، يختلفون في حكم المزارعة نظراً لما جاء فيها من الأحاديث المتعارضة، فمنعها جمع من أهل العلم، وأباحها آخرون، ولكل دليله، فأحاديث المنع تمسك بها من قال بعدم الجواز، وأجابوا عن مثل هذا الحديث الذي هو من أدلة القائلين بالجواز، أجابوا عن هذا بقولهم: إن أهل خيبر لما فتحها النبي -عليه الصلاة والسلام- عنوة صاروا ملكاً له كأرضهم، فيعطيهم من ثمرتها ما شاء، ويأخذ ما شاء، وليس هذا عقد لازم بين طرفين، لا، وإنما هؤلاء ملك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فيعطيهم منها ما شاء، ويأخذ ما شاء، لكن الأصل أن مثل هذا عامل أهل خيبر، يعني عاقدهم على العمل بها بشطر ما يخرج منها، أجرة لهم، بشطر ما يخرج منها من ثمرة أو زرع، متفق عليه.
فكون الأرض تدفع لمن يزرعها على أن يتفق الطرفان على جزء معلوم مشاع مما يخرج هذه الصورة لا إشكال فيها، وهي من أقرب الصور إن لم تكن أقرب من المضاربة، بحيث يأخذ العامل المال، ويعمل فيه الثاني ببدنه ويكون الربح بينهما، وقد تقدم الكلام فيها، هذا يدفع الأرض والثاني يعمل في هذه الأرض، وتكون الثمرة بينهما، أو على ما يتفقان عليه، على أن يكون الشطر المتفق عليه، أو الأجرة المتفق عليها جزء مشاع من الثمرة، جزء معلوم مشاع، إيش معنى معلوم؟ يعني يقال للعامل: لك النصف، لك الربع، لك الثلث، ويرضى بذلك، ويكون مشاعاً من جميع ما تنتجه المزرعة لا من جهة بعينها، ما يقال للعامل: لك النصف، النصف الذي ينتجه النصف الشمالي، ولصاحب الأرض ما ينتجه النصف الجنوبي، مثل هذا قد يكون فيه ضرر على الطرفين، قد يسلم هذا ويهلك هذا، فيتضرر هذا ويربح هذا، وقد يسلم هذا ويهلك هذا ويكون العكس، هذا هو الذي نزل عليه أهل العلم ما جاء من النصوص التي تمنع من المزارعة والمساقاة، أما إذا قيل للعامل خذ هذه الأرض وازرعها على أن يكون لك النصف أو الثلث أو الربع مما تخرجه من الثمرة، فيكون معلوم بالنصف بالربع بالثلث، ويكون أيضاً مشاع، ليس بنتاج جزء معين من الأرض، فعلى هذا تحمل النصوص.(90/6)
"وفي رواية لهما سألوه أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها" يريحوه من عملها، يقوموا بعملها، "ولهم نصف الثمر" والنصف هو الشطر الذي تقدم ذكره "فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) " فهل تجوز المزارعة إلى أجل مجهول؟ لأن ما شئنا مجهول ((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) لأنه -عليه الصلاة والسلام- يريد إجلائهم عن جزيرة العرب، قد أمر بذلك وفعله عمر -رضي الله تعالى عنه-، فالمشيئة هذه مردها إلى تقرير الحكم الذي أراده -عليه الصلاة والسلام- وهو إجلائهم، وليس في هذا دليل على أن المزارعة تصح مع الجهالة، قد تصح مع العلم من وجه، والجهل من وجه، إيش معنى هذا الكلام؟ تصح على أن تكون إلى نتاج الزرع، يعني لمدة سنة، حتى ينتج هذا الزرع الذي اتفق عليه، وأما بالنسبة لأعداد السنوات القادمة، قد يجدد العقد وقد لا يجدد، ولذا يقول: ((نقركم بها على ذلك ما شئنا)) يعني إلى أن تنتج الثمرة، وتستحقوا ما اتفقنا عليه، وبعد ذلك ننظر إلى ما شئنا.
"فقروا بها" قروا يعني استقروا وثبتوا ومكثوا بها في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وفي عهد أبي بكر إلى أن جاء عمر فأجلاهم إلى تيما وأريحا، "فقروا بها حتى أجلاهم عمر"، "ولمسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر، وأرضها على أن يعتملوها" يعني على أن يعملوا فيها من أموالهم، ويكون البذر والسقي، وكل ما يتطلبه الحرث والزرع عليهم "على أن يعتملوها من أموالهم ولهم شطر ثمرها" في بعض النسخ: "وله -عليه الصلاة والسلام- شطر ثمرها" والخلاف غير مؤثر؛ لأنه إذا كان لهم الشطر فالباقي لمن؟ له -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان له -عليه الصلاة والسلام- الشطر فالباقي لهم.
في الحديث الذي يليه، يقول:(90/7)
"وعن حنظلة بن قيس -رضي الله تعالى عنها- قال: سألت رافع بن خديج" رافع هو الذي يحفظ أحاديث المزارعة، وهو المرجع في هذا، يقول حنظلة بن قيس: "سألت رافع بن خديج -رضي الله عنه- عن كراء الأرض بالذهب والفضة، فقال: لا بأس به" لا بأس بكراء الأرض؛ لأنه لما كثرت رواية الحديث في هذا الباب عند رافع بن خديج بالمنع ظن بعض الناس أنها لا تجوز ولا إجارة في الأرض، فسئل عن كراء الأرض بالذهب والفضة، يعني شخص عنده أرض، فقال له شخص: أنا أريد أن استأجر منك هذه الأرض لأزرعها بعشرة آلاف سنوي، بمائة ألف سنوي، بالذهب والفضة لا بأس.
"فقال: لا بأس، إنما كان الناس" شوف على هذا تنزل أحاديث المنع "إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات" مسايل المياه، يؤاجرون على الماذيانات فيكون الذي على مسيل الماء، القريب من الماء الذي تكثر ثمرته، وتضمن ثمرته يكون لصاحب الأرض "وأقبال الجداول" أوائل الجداول والسواقي والأنهار الصغيرة، يعني أوائلها يكون أكثر ثمراً، فصاحب الأرض يشترط هذه المواقع الإستراتيجية له، ويترك للعامل بقية الأرض.
"إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع" المعينة، محددة المكان "فيهلك هذا" يهلك ما اشترط، ويسلم غيره، وقد يسلم غيره أو يهلك المشترَط ويسلم غيره، المقصود أنه قد يهلك المشترط، ويسلم غيره أو العكس، فيكون الضرر على واحد، فيكون عمل العامل هدراً، والشرع إنما جاء بالعدل والإنصاف والمساواة والرحمة لجميع الأطراف، فإذا اشتركوا في الغنم والغرم لا بأس، أما إذا كان الغنم لأحدهم والغرم على واحد فقط فمثل هذا لا يأتي به الشرع.(90/8)
"فيسلم هذا ويهلك هذا –والعكس- ولم يكن للناس كراء إلا هذا" ما كان الناس يعملون في الأراضي إلا على هذه الطريقة، بهذا الشرط "فلذلك زجر عنه" نهى عنه لهذه العلة "فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" شيء معلوم مضمون من أجر بالذهب والفضة، أو من جزء معلوم مشاع من جميع الأرض، يكون لطرف والباقي للطرف الثاني، بأن يكون مشاعاً، جزء معلوم مشاع، يعني جزء معلوم قدره ربع ثلث نصف، ومشاع لا يتعلق بجهة معينة من الأرض، فهذا لا باس به "رواه مسلم" يقول المؤلف: "وفيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض" هذا الحديث مبين ومفسر للأحاديث التي فيها النهي عن كراء الأرض، والنهي عن المزارعة، والنهي على هذا يتنزل، إذا اشترط صاحب الأرض جهة معينة يغلب على ظنه أن غلتها تكون أكثر تمنع، وإذا قال: على النصف على الربع وأطلق وقبل العامل انتهى الإشكال، ليشتركا في الغنم والغرم، من أهل العلم من حمل النهي على أول الأمر، لما هاجر الصحابة من مكة إلى المدينة صاروا بحاجة إلى عمل، وليس لديهم ما يعملون به، تركوا أهلهم وأموالهم لله -جل وعلا-، تركوا وطنهم وأموالهم لله -جل وعلا-، فجاءوا إلى المدينة وهم بحاجة إلى عمل يعملونه يتقوتون منه، فنهى عن كراء الأرض، وأمر بأن يزرع صاحب الأرض أرضه بنفسه أو يدفعها لمن يزرعها بدون مقابل، يعني يحسن بها الأنصاري على أخيه المهاجر ليستفيد منها، فنظراً لحاجتهم نهى عن كراء المزارع سواء كان بالنسبة أو بالذهب والفضة، نهى عنها مطلقاً ليستفيد المهاجر الذي ترك ماله لله -جل وعلا-، فمراده بالنهي الإحسان على المهاجرين من قبل الأنصار.
ولمثل هذه الظروف تصدر بعض الأحكام، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ادخار لحوم الأضاحي، ثم أباح ذلك، وبين أنه إنما نهى من أجل الدافة، قوم قدموا إلى المدينة لحاجة شديدة، فلو ادخر الناس لحوم الأضاحي ما صار لهؤلاء شيء يأكلونه، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يدخر الناس بل يعطوا هؤلاء المحتاجين.(90/9)
هذا ما يتعلق بالشق الأول من الترجمة، باب المساقاة، والشق الثاني الإجارة، وعطفها من باب عطف العام على الخاص؛ لأن حقيقة المساقاة والمزارعة إجارة؛ لأن حقيقتها إجارة.
سم.
وعن ثابت بن الضحاك -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة. رواه مسلم أيضاً.
الحديث تابع وقد قرئ، تابع للشق الأول من الترجمة، حديث ثابت بن الضحاك -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزارعة، والنهي عن المزارعة إنما كان سببه ما ذُكر، إما الإحسان إلى المهاجرين، أو المزارعة التي كانت موجودة في أول عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم كانوا يؤاجرون على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من زرع، فنهوا عن ذلك، يحمل النهي على ما ذكرنا سابقاً على هذه الصورة، وأمر بالمؤاجرة بالدراهم والدنانير أو بالجزء المشاع، وهذه كلها مؤاجرة.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حراماً لم يعطه. رواه البخاري.
وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كسب الحجام خبيث)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(90/10)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حراماً لم يعطه" وهذا دليل على أن مزاولة هذه المهنة حلال وليست حراماً، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم، والناس بحاجة إلى الحجام، ولو حرمت الحجامة لما وجد من يحجم الناس، فهذه المهنة مباحة للحاجة إليها؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام أجره، ويقول الراوي: ولو كان حراماً لم يعطه، وكأن ابن عباس ساق الحديث مستدلاً به على من يحرم الحجامة، أو يحرم كسب الحجام، مستدلاً بالحديث الذي يليه حديث رافع بن خديج -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كسب الحجام خبيث)) رواه مسلم، وإذا جاء النص بهذا اللفظ فقد جاء قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فإذا كان كسبه خبيث فالحجامة محرمة، وما يترتب عليها من كسب محرم؛ لأنه خبيث، لكن لا يلزم من وصف الشيء بكونه خبيثاً أن يكون حراماً؛ لأن الخبيث كما يطلق على الحرام يطلق أيضاً على المهن الوضيعة، وعلى الأعيان الدنيئة {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] يعني لو كان عندك نوع جيد من الطعام، ونوع أقل رديء، قلنا: إن هذا الرديء خبيث، لكن هل نقول: إن أكله حرام؟ اشتريت كيس من الرز مثلاً، فلما جربه الأهل وطبخوه وجدوه ما يناسبهم، فقالوا: تصدق به، واشترِ لنا أفضل منه، يعني وجد رز يباع معروض بسبعين بثمانين قال: فرصة هذا رخيص نجربه، فلما اشتراه وطبخوا منه قالوا: هذا ما يناسبنا، هذا تصدق به، واشترِ لنا من أبو مائة وخمسين، مائة وأربعين الذي تعودنا عليه {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ} [(267) سورة البقرة] لو لك رز سلم عند شخص فيأتي لك بمثل هذا الرز وأنت اشترطت عليه من النوع الطيب تقبل وإلا ما تقبل؟ {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] تتسامح وتتنازل إما طلباً لما عند الله -جل وعلا-، أو بعد خشية(90/11)
على مالك، تقول: إن ما أخذت هذا ما هو بجايب غيره، {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] فهذا خبيث لأنه رديء لا لأنه محرم، فالخبيث مشترك بين المحرم {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وبين الأدنى، فلا شك أن مهنة الحجامة دناءة، والكسب المترتب على الدنيء دنيء فكسبه خبيث، وجاء ما يدل على حله أنه جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أطعمه ناضحك)) أو ((أطعمه غلامك)) يعني لا تأكله أنت، من هذا الطعام الدنيء، أبحث عن طعام جيد تقيم به نفسك ومن تحت يدك، لكن هذا المال الدنيء ابحث له عما يناسبه من الأدنياء، وعلى هذا الأموال التي فيها الشبهات، أو ما يراد التخلص منه من الأموال الخبيثة يُبحث لها عن المصارف المناسبة، شخص تاب من ربا وعنده ملايين، هل نقول: إن مثل هذا المال يصرف في مصارف البر وأعمال البر؟ نقول: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) ومثل هذا لا تجوز الصدقة به، وإنما يتخلص منه، ويبحث له عن المصارف المناسبة، فلو وضع في دورات المياه أو في المجاري وما أشبه ذلك مناسب، وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أطعمه ناضحك)) ولو كان حراماً لأمره بإتلافه، ولم يأمر بإعلافه النواضح، فالحجامة جائزة لا إشكال فيها، وما ترتب عليها من أجرة جائز إلا أنه ليس بطعام مناسب للأحرار، لعلية القوم، يناسب لسفلة الناس وأرذالهم وأدنيائهم، ويطعم النواضح ويطعم الرقيق لا بأس، وليس بحرام، وعلى هذا على الإنسان أن يترفع عن مثل هذه الأعمال، وإن وجدت بين الناس فالأدلة تدل على أن هذا مما ينبغي أن يتعاون فيه الناس بعضهم مع بعض من دون أخذ أجرة، ولذا وصف الكسب المرتب عليها بالخبث؛ لكي تسود بين الناس روح التعاون، وأن مثل هذا يتداوله الناس فيما يبنهم من غير مشاحنة ولا مشاحة، ولا أخذ أجرة.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فأستوفى منه ولم يعطه أجره)) رواه مسلم.(90/12)
الكتاب مخرج اللي معك؟ مخرج؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
قال: ليس عنده، وإنما أخرجه البخاري، وانظر التعليق من حاشية المخطوط.
يعني هذا وهم من الحافظ -رحمه الله- في عزوه الحديث لمسلم، بل هو في البخاري، وكأن الحافظ -رحمه الله- يملي الكتاب من حفظه، أو يكتبه من حفظه.
يقول: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله -عز وجل-)) " هذا حديث قدسي، يضيفه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ربه -عز وجل-، ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة)) يقولون: العدد لا مفهوم له، بل الذين يخاصمهم فيخصمهم -عز وجل- أكثر من ثلاثة، لكن ينص على هؤلاء الثلاثة لعظم جرمهم، وللتنفير من صنيعهم، فمثل هذا العدد لا مفهوم له، أو يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر بهذا ثم زيد عليه فيما بعد.(90/13)
((قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة)) من هم؟ ((رجل أعطى بي ثم غدر)) أعطى العهد والأمان بالله -جل وعلا-، أعطى ذمة الله وعهده وميثاقه ثم غدر به، لما استأمن وأعطاه ذمة الله وأمنه خصمه غدر به، وهذا جاء الأمر بالوفاء بالعهود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [(1) سورة المائدة] الغدر ينافي هذا، ومن صفات المنافقين وخصال النفاق ((وإذا عاهد غدر)) والغدر: هو نقض العهد، ((أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه)) اغتصبه من أهله أو من بلده وذهب به إلى بلد أخر فباعه، وهذا حصل كثير على مر العصور، وبعضهم يبيعه بشرط العتق، فإذا اشترط العتق فالذي يغلب على الظن أنه حر، يتفقان على أن أحدهما السيد والثاني المملوك فيبعه على من يشتريه على أنه رقيق، فيشترط عليه العتق، بشرط العتق لا للخدمة، فإذا وجد مثل هذا الشرط عرفنا أن المسألة لا تسلم من تلاعب واحتيال، لكن هل مثل هذا الشرط لازم أو لا يلزم؟ هذا الشرط منافٍ لمقتضى العقد فلا يلزم؛ لأنه ماذا يتضرر مثلاً لو اتفقا .. ، اتفق اثنان من المحتالين والنصابين وجدوا وفي كتب الأدب وجد مثل هذا، وجد من المحتالين والنصابين من قال أحدهما للآخر: نتفق على أني أنا السيد وأنت العبد أو العكس وأبيعك ويعتقك وترجع لحالك، إيش يصير؟ وبعضهم من عظمه حيلته يبيع ولده ويشترط هذا، فمثل هذا الشرط ليس بلازم، لكن المسألة فيما إذا أغتصب حراً فباعه وأكل ثمنه، إذا كان الاتفاق بين الطرفين بين البائع والمبيع مثل الصورة التي ذكرناها فالوعيد على من؟ على الاثنين، كلهم بائع لأنهم اشتركوا في القيمة، يقول: أبيعك واشترط العتق ولي النصف ولك النصف، مثل هذا الإثم على الاثنين، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، أما إذا باع حراً على أنه عبد، واشتراه المشتري على أنه عبد واستعمله في الخدمة، هذا نسأل الله جرم عظيم وقهر.(90/14)
فبقدر هذا الجرم تكون العقوبة، ولذا قال الله -عز وجل-: ((أنا خصمهم يوم القيامة)) فماذا عن هذا الذي بيع وامتهن؟ وماذا عن والديه؟ ماذا عن ما في قلب أمه وأبيه من الحسرة والحرقة؟ يسرق الولد ويباع في بلد آخر! جرم قد لا يتصوره العقل، يعني لو أن إنسان تصور مثل هذا في ولده، فزع وقلق قلقاً شديداً وهو مجرد تخيل، فضلاً عن كونه واقع، وقد وقع، ولا يكون هذا كما يقال في بعض المجتمعات أن هذا مبرر لإلغاء الرق، هذا ليس بمبرر لإلغاء الرق، يعني وجد مثل هذا النوع، ووجدت سرقة الأحرار وبيعهم في بلدان أخرى، لكن مثل هذا لا يقضي على حكم شرعي، يقضي على هذه الظاهرة نعم، أما على الحكم الشرعي فلا.
((ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) هذا الأجير المستضعف لماذا عمل؟ لماذا امتهن نفسه بخدمة غيره وتعب في هذا العمل؟ وقد يكون العمل شاقاً، وما عمل فيه إلا لحاجته، استأجر الأجير فاستوفي منه العمل، استوفي منه العمل ولم يعطه أجره، وهذا في سائر الأعمال، في البناء، في غيرها من الأعمال الكتابية وغيرها، إذا استأجرت أجيراً على أي عمل كان مجرد ما يستحق الأجرة باستيفاء العمل تدفع له أجرته؛ لأن تأخير الأجرة مطل، والمطل ظلم يبيح العرض والعقوبة، ((ولم يعطه أجره)) رواه مسلم، كذا يقول الحافظ، وهو في البخاري، نعم.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) أخرجه البخاري.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) رواه ابن ماجه.
وفي الباب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عند أبي يعلى والبيهقي وجابر -رضي الله تعالى عنه- عند الطبراني، وكلها ضعاف.
وعن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من استأجر أجيراً فليسمِ له أجرته)) رواه عبد الرزاق، وفيه انقطاع، ووصله البيهقي من طريق أبي حنيفة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(90/15)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) " تعليم القرآن، أخذ الأجر على تعليم القرآن، جاء فيه هذا الحديث الصحيح، وجاء فيه أيضاً ما في قصة أبي سعيد من رقيته على اللديغ، وأنه قرأ عليه الفاتحة في مقابل قطيع من الغنم، ثلاثين رأس من الغنم، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((اضربوا لي بسهم)) فدل على جواز مثل ذلك.(90/16)
((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) فأخذ الأجرة على مثل هذه القربة التي هي من أعظم القرب جائز، عملاً بهذا الحديث، وبهذا قال مالك والشافعي، ويرى الإمام أبو حنيفة أنه لا يجوز الأخذ على القرب، لا على تعليم القرآن ولا علي غيره، وهو رواية عن أحمد، ويستدلون بحديث عبادة بن الصامت عند أبي داود أنه علم أناساً من أهل الصفة الكتاب فأهدى له رجل منهم قوساً، فقال عبادة: القوس ليست بمال، وإنما أرمي بها في سبيل الله -عز وجل-، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: ((إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها)) هذا حديث عبادة يدل على تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، عبادة -رضي الله عنه- من البداية أراد أن يعلم هؤلاء الفقراء من أهل الصفة القرآن مجاناً بدون ذكر أجرة، ثم بعد ذلك قبل الهدية، والهدية بمثابة الأجرة، فحذره النبي -عليه الصلاة والسلام- منها، فاستدل به أبو حنيفة على المنع من أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ولا شك أن الورع عدم الأخذ، الورع عدم الأخذ على تعليم القرآن، ولا على تعليم العلم الشرعي، ولا على الإمامة، ولا على المئذنة، هذه الأجرة التي تتبع المشارطة، لا أعلمك القرآن إلا كل آية بكذا، والحديث بكذا، والفصل من كتاب كذا بكذا، الورع معروف، العبادات البدنية الخاصة التي لا تعوق الإنسان عن مصالحه، مثل هذه إذا شارط عليها حُرم اتفاقاً، إذا قال: لا أصلي بكم إلا بكذا؛ لأن مثل هذا لا يعوقه عن تحصيل دينه ولا دنياه، بخلاف التعليم التعليم يحتاج إلى وقت، وجلوس للطلاب فمثل هذا يبيحه جمع من أهل العلم أخذاً بحديث الباب ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) أخذ الأجرة على التحديث مسألة يختلف فيها أهل العلم، فيمنعها أهل التحري والورع، يمنعونها، وينبغي أن يعلم ابن آدم كما جاء في الخبر: ((يا ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً)) ويستدل جمع من أهل العلم بمثل هذا الحديث فيجيز أخذ الأجرة على التحديث؛ لأنه إذا جاء أخذ الأجرة على تعليم القرآن فالحديث من باب أولى، وبعضهم يفرق بين العلوم الشرعية فيمنع، وما عداها فيجيز، حتى أنه وجد من يعلم ألفية بن مالك كل بيت بدرهم، هذا التعليم، الكتابة مثلاً(90/17)
هل يدخل في التعليم إذا قال: أنا أكتب لك المصحف بكذا، أكتب لك البخاري بكذا، يدخل وإلا ما يدخل؟ قال: والله أنا أحتاج مصحف، قال: أنا مستعد أكتب لك مصحف، لكن أكتب لك المصحف بكذا، بمبلغ كذا، يعني وجد من ينسخ يسمون الوراقين في العصور المتعاقبة قبل الطباعة، فيأتي طالب العلم إلى هذا الوراق فيقول له: أنا أريد نسخة من بلوغ المرام، فيقول: هات عشرة دراهم وأنسخ لك نسخة، فهل نقول: بأن هذا الكتابة مثل التعليم لا يجوز أخذ الأجرة عليها أو نجري عليها الخلاف المذكور؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وهذا فيه جهد، التعليم فيه جهد، فيه عمل، يعني من يمنع التعليم، تعليم القرآن بأجرة هل يمنع كتابة القرآن بأجرة، أو هذه لها حكم بيع المصحف؟ على خلاف بين العلماء فيه، وليس من خلاف من هذه الحيثية إنما قالوا: بيعه امتهان ورغبة عنه، يعني هل في فرق بين شخص تقول له: أنا أريد أن أقرأ عليك صحيح البخاري وأرويه عنك، وتشرح لي الألفاظ المشكلة، ثم يقول لك: بألف، ما أنا بجالس لك ليل نهار حتى تنتهي من صحيح البخاري ومنقطع عن أشغالي وأولادي وأسرتي إلا بأجرة، أنا أنحبس من أجلك، واترك الارتزاق من أجلك، لا بد من أن تدفع لي مبلغ كذا، ووجد من يشارط على هذا، وجد من يأخذ الأجرة على التحديث من كبار المحدثين؛ لأنه يلزم على التحديث الانقطاع عن الارتزاق، فرق بين الأجرة ومشارطة المتعلم وبين ما يعطى المعلم من بيت المال.
هذا رجل يريد الاعتمار، يعني يريد العمرة، ولكنه وعد أهله القادمين من اليمن أن يلقاهم في جدة ثم ينطلقون إلى مكة، فمن أين يحرم؟ وأهله الآن موجودون في جدة ولا يدري عنهم، هل أحرموا أم ماذا فعلوا؟ فكيف يكون حالهم إن أحرموا أو أخروا الإحرام.(90/18)
بالنسبة له هو يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر به، فإن ذهب إلى مكة عن طريق الرياض الطائف فعليه أن يحرم من قرن، من السيل، وإن ذهب عن طريق الرياض القصيم المدينة فعليه أن يحرم من ذي الحليفة، ولا يجوز له أن يؤخر الإحرام إلى جدة، فإن أخر الإحرام إلى جدة عليه أن يعود إلى الميقات الذي مر به ثم يحرم منه، وإن أحرم دونه ألزمه الجمهور بدم، والإمام مالك يقول: إن عاد إلى أقرب المواقيت له لا سيما إذا كان هذا الأقرب هو ميقاته الأصلي الذي حدد في الحديث فيكفيه، والجمهور يلزمونه بأن يعود إلى الميقات الذي مر به، هذا بالنسبة له هو، وأما بالنسبة لأهله فعليهم أن يحرموا من يلملم، ميقات أهل اليمن، فإن تجاوزوه إلى جدة فحكمهم حكمه، عليهم أن يعودوا إلى يلملم ويحرموا منه، فإن عادوا إلى ميقات هو أقرب منه فالأمر فيه شيء من السعة عند الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، وإن أحرموا من جدة لزمهم دم.
يقول: هل تحسب صلاة من لا يصلي الجمعة في المسجد، أي أنه محافظ على الصلوات جميعها -والحمد لله- ولكنه لا يصلي صلاة الجمعة في المسجد وإنما في البيت؟
هذا عكس ما يصنعه كثير من المسلمين، كثير من المسلمين يعتني بصلاة الجمعة، ويفرط في غيرها، وشأن الجمعة أعظم، كل الفرائض والصلوات الخمس شأنها عظيم، لكن الجمعة شأنها أعظم لا تصح في البيوت، إن صلاها جمعة في بيته باطلة، وإن صلاها ظهر وترك الجمعة مع المسلمين ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)) أهل العلم يقولون: لا شك أن ترك الجمعة -وهذا مر بنا- من باب تيسير العسرى -نسأل الله السلامة والعافية-، فالجمعة لا تصح في البيت، وإذا صلاها ظهراً وترك الجمعة ارتكب أمراً عظيماً وعلى خطر عظيم -نسأل الله السلامة والعافية-.
يقول: هل من توجيه لطلبة العلم خاصة وللناس عامة حول مسألة رد السلام فإننا نرى تقصيراً واضحاً فيها، وكذا لو بين بعض أحكام السلام، كالسلام على المصلي وقارئ القرآن ومن يدعو؟(90/19)
السلام في الأصل سنة، ومن حق المسلم على أخيه أن يسلم عليه، ثم إذا سلم المسَلم وهو خيرهما الذي يبدأ بالسلام، فيجب على الثاني أن يرد السلام، يرد التحية بخير منها، بأحسن منها، وإن ردها بمثلها كفى، هذا على سبيل الوجوب ويأثم إن لم يرد السلام، هناك أشياء حقيقة منها ما أشير إليه، ومنها ما لم يشر إليه، السلام على من يزاول عبادة، والسلام على من يزاول معصية بالمقابل، يعني إذا دخلت وشخص يصلي النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسلمون عليه ويرد بالإشارة وهو يصلي، وإذا كان هذا بالنسبة للمصلي فقارئ القرآن أمره أيسر من المصلي يسلم عليه، ومن يدعو كذلك يسلم عليه ويرد السلام، هذا بالنسبة لمن يشتغل في عبادة، لكن من يزاول معصية، مررت على شخص يدخن مثلاً تسلم عليه أو لا تسلم عليه؟ هل نعتبر السلام عليه باعتباره مسلم له من الحقوق ما للمسلمين؟ أو نقول: إن ترك السلام أولى لكي يرتدع ويزدجر عما هو فيه ويكون هذا من باب الهجر؟ المسألة هذه تقدر بقدرها؛ لأن السلام بذله سنة، فإذا عارضه ما هو أقوى منه من مصلحة راجحة لا مانع من النظر إلى هذه المصلحة، وإذا كان عدم السلام عليه يجعله يصر ويعاند ويرتكب من المعاصي ما هو أكبر مما هو عليه مثل هذا يسلم عليه، وبعض الناس تجده في وقت الصلاة جالس، تمر عليه هل تقول: السلام عليك الآن الصلاة حان وقتها أو أقيمت الصلاة؟ وأنت تعرف أو يغلب على ظنك أنه لن يستجيب وإن قال: إن شاء الله، مثل هذه الأمور لا بد أن تدرس بعناية، وينظر إلى حال كل شخص بعينه؛ لأنه بعض الناس مشكلة أنت بتروح تصلي وترجع وهو في مكانه وتلقي عليه السلام، مثل هذا لا يستحق السلام، ولا يدعى له بالسلامة مثل هذا، لكن إذا كان من باب مصلحة الدعوة، وأنه يستجيب إذا سلمت عليه ويستحي ويقوم يصلي، وحصل منه شيء من هذا لا بأس، أو غلب على الظن أنه يحصل منه هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يرد بالإشارة وإذا سلم يصرح، إذا سلم من صلاته يصرح.
يقول: ما رأيك في ألفية العراقي التي حققها الشيخ عبد الله الحكمي وملحق بشريطين لها؟(90/20)
هذا الشيخ معروف أنه من أهل الاختصاص والعناية، ومعروف بالتحري والدقة، لكن الذي في نفسي أنهم عدلوا بعض الأبيات في المتن، وأنا اختلف معهم في هذا، الأصل أن يذكر المتن كما صنعه مؤلفه، يحرص من خلال مقابلة النسخ الأصلية الموثقة أن يثبت المتن كما هو، حتى لو فيه خطأ، ويعدل في الحاشية، وأحسنوا حينما ألحقوا بها شريطين، بصوت جيد ومتقن، تضبط منه الألفية؛ لأن طالب العلم يحتاج إلى أن يتلقى الشعر تلقي، يعني بعض طلاب العلم قد لا يحسن قراءة الشعر.
يقول: وما رأيك في شرح الروض المربع للشيخ عبد الكريم النملة؟
ما رأيته، يعني ما أطلعت عليه؛ لأن عنايتي بالطبعات القديمة.
يقول، وهل شرحكم على الروض وعلى سبل السلام مسجل؟
منه ما هو مسجل، ومنه ما هو مضيع.
يقول: هناك امرأة ترقد في المستشفى من أثر جلطة، وهي لا تستطيع الكلام، ويريد أهلها التصدق عنها من مالها، حيث أنها تملك عقارات وأموال من التجارة وأختها الكبرى هي المسئولة عن أموالها فهل يجوز لهم أن يتصدقوا لها من أموالها، وهي على هذه الحال؟
إذا كانت تعقل فلا بد من إذنها، فإن كانت تنطق فبالنطق، وإلا فبالإشارة، إذا أذنت وهي عاقلة لا بأس، أما إذا لم تأذن أو كانت لا تعقل فمثل هذه لا يتصرف بشيء من مالها البتة إلا في الواجب، تخرج منه الزكاة والديون والنفقات الواجبة، من أراد أن يتصدق عنها من ماله هو لا بأس، جزاه الله خير.
يقول: هل الحكم فيمن أراد أن يظفر بماله عند شخص جحد ماله وأنكره وذلك في الصورتين واحد: الصورة الأولى: وجد مبلغ من المال في منزل هذا الشخص وأراد أن يأخذ بالقدر الذي له فقط، الصورة الثانية: وجد قطعة ثمينة بقدر المبلغ الذي له على التقريب؟
على كل حال من يجيز مسألة الظفر، ويستدل بحديث هند امرأة أبي سفيان، يقول: أبداً إذا وجد في ماله ما يقابل ما عنده له وجده في بيته أو في أي مكان له يأخذ، سواء كان مال من النقد أو من العروض التي تقابل، لكن عليه أن يتحرى براءة ذمته.(90/21)
يقول: هل الموظف المقيم الذي يعمل في شركة إذا انتهت إقامته على كفالة الشركة هل يقوم بتجديدها ودفع رسوم الإقامة من جيبه الخاص أم تدفع له الشركة ذلك؟ وما الحكم إذا أجبرته الشركة أن يدفع قيمة التجديد؟
على ما اتفقا، إذا كان الاتفاق بينهما على أنه هو الذي يجدد فالأمر على ما اتفقا عليه، وإن كان الاتفاق على أن الشركة تجدد له فالأمر كذلك.
يقول: هل العلة في ثبوت الشفعة دفع الضرر عن الشريك أو دفع ضرر المقاسمة أو دفع أذى الجوار؟
على ما ذكرنا سابقاً الضرر اللاحق بالشريك أو المصلحة الراجحة المترتبة على ملكه لهذا القسم، قد تكون الأرض عشرة آلاف متر، وهذا يكفيه خمسة آلاف، ثم أراد الشريك أن يبيع نصيبه هل نقول: إن عليه ضرر إذا باع خمسة آلاف على غيره؟ هو منتفع إذا كانت له رغبة في شراء النصف الثاني، وتثبت له الشفعة.
دفع ضرر المقاسمة إذا كان المنزل لا يقبل القسمة.
لا شك أن مثل هذا ضرر ظاهر.
دفع أذى الجوار.
يعني إذا كان الجار بما يشترك مع جاره في منفعة من المنافع يحصل بسببها خصومة أو شجار أو نزاع أو يتضرر أحدهما بها تثبت الشفعة على ما تقدم.
يقول: ما رأيك في كتاب منحة الغفار على حاشية ضوء النهار؟
هذه الحاشية للصنعاني، وفيها بحوث ونقول طيبة، يستفاد منها.
يقول: هل ورد عن شيخ الإسلام -رحمه الله- أنه قال بأن المرابي إذا أراد التوبة فله ما عنده من المال تأليفاً له على التوبة وإعانة له؟ وهل قال به بعض أهل العلم؟
هذه المسألة من عشر سنوات سئلت عنها وأجبت بهذا، أن الآية محتملة {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] هل المراد به عند التوبة أو عند الدخول في التجارة، وإذا كان المراد بها عند الدخول في التجارة فقد يصد هذا عن التوبة، وما دامت الآية محتملة على حد سواء {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [(279) سورة البقرة] ورأس ماله عند التوبة بحيث لا يأخذ ربا بعد أن تاب {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] يعني الذي سلف بعد هذه الموعظة وهذه التوبة له بنص الآية، ثم وقفت على كلام لشيخ الإسلام -رحمه الله- يفهم منه هذا.(90/22)
يقول: لا يجوز استعمال وقت العمل في أداء بعض العبادات التي تعيق عن أداء العمل فإذا كان رئيسي في العمل يسمح لنا بنصف ساعة لتناول الفطور فهل نصلي فيها الضحى أم لا؟
هو أذن لكم في هذا، فيما أذن فيه وهو الفطور، فإذا طلبت منه أن تترك الفطور وتصلي في وقتها لا بأس.
يقول هذا: نرجو تبيين علة الحديث إن وجدت أو الاضطراب حتى نستطيع تطبيق ما تعلمناه في المصطلح على هذه الأحاديث.
هذا طلب جيد ووجيه، لكنه يتطلب وقت، يعني دراسة العلة كذا مجرد سرد ما تنفع، بل لا بد من بسطها، وإذا قصدنا بيان العلة من أصلها، ووجوه الاختلاف على الرواة هذا يحتاج إلى وقت طويل، والإخوان من بداية الدورات قالوا: إنهم يريدون إنهاء الكتاب في مدة لا تتجاوز أربع سنوات، نحن مشينا على هذا، ترون بسطنا بعض البسط في أول الكتاب ثم في النهاية أخذنا نستعجل، إنما يبين خلاصة الحكم، وأما العلل فتترك للمكتوب -إن شاء الله تعالى-.
حينما يطلق: رواه البيهقي ماذا يقصد السنن الكبرى أم الشعب؟
السنن الكبرى.
ما صحة ما ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه لم يكن يعد المعوذات من القرآن؟
ليس الأمر كذلك، وإنما الذين قالوا عن ابن مسعود ما قالوا، أنها لا توجد في مصحفه، المعوذتان ما توجد في مصحفه؛ لأنها معروفة عند كل أحد، ولا تحتاج إلى كتابة.
وإن ثبت ذلك فكيف نرد على الرافضة حين ننكر عليهم قولهم بنقص القرآن فيردون علينا أن من الصحابة من كان يرى بذلك؟(90/23)
ليس بصحيح، القرآن الذي أجمع عليه الصحابة هو ما بين الدفتين مصون محفوظ من الزيادة والنقصان، وأما ما في مصاحف الصحابة قبل الاتفاق، وقبل الإجماع على ما بين الدفتين لا شك أن منهم من يحفظ بعض القرآن دون بعض، وقليل منهم من يجمع القرآن كاملاً، منهم من كتب بعض السور، وترك البعض؛ لأنه لم يحفظها، المقصود أن القرآن بوفاته -عليه الصلاة والسلام- قد كمل، قد كمل في العرضة الأخيرة فيها القرآن كامل، إلا ما نزل بعدها ثم ألحق به، بعد العرضة الأخيرة، قبل وفاته -عليه الصلاة والسلام-، ثم جمعت هذه الصحف التي بأيدي الصحابة، وأجمع على ما بين الدفتين، والقرآن تكفل الله بحفظه، فلا يجوز لأحد أن يخطر بباله شيء من هذا الخلل أو هذا النقص، أو هذه الزيادة أو النقصان.
شخص صوته جميل تقوم إحدى التسجيلات بتسجيل قراءته ثم تبيع هذه الأشرطة ويأخذ منها نسبة من الربح، السؤال: هل يجوز هذا العمل؟ وهل يأثم هؤلاء؟
يأتي الخلاف الذي ذكرناه ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) والمسألة التي أريد أن توضح في مثل هذا المجال أن هناك غاية، وهي القرآن قراءة القرآن، العمل بالقرآن، تعليم القرآن، تعلم القرآن، هذه غايات، هناك وسائل لهذه الغايات، مسألة كتابة القرآن التي أشرنا إليها وسيلة لتعلمه وتعليمه وحفظه وقراءته وإقرائه، هذه مسألة أخف من الأولى بكثير، هناك الورق وصناعة الورق الذي يكتب به القرآن، يعني يلحق بكتابة القرآن طباعة القرآن، هذه وسيلة لقراءته، وحكمها أخف من مسألة قراءة القرآن، وتعليم القرآن، مسألة صناعة الورق الذي يطبع به القرآن، تجليد القرآن، المجلد الذي يجلد القرآن، يقال له: أنت تجلد كتاب الله لا يجوز لك أن تأخذ أجر؟ أو أنت تصنع ورق يكتب به أو يطبع عليه القرآن لا تأخذ عليه قيمة؟ لا، هذه وسائل، نعم إن احتسب الأجر، وجلد مصاحف مجاناً ليكون أحفظ لها له أجره، لكن هذا التجليد ليس غاية وإنما هو وسيلة، والوسيلة بمثل هذا أمرها أوسع، فلا مانع أن يسجل ويباع التسجيل، ويستفاد منه، والقارئ أيضاً يكون له نصيبه تبعاً للخلاف الذي ذكرناه.(90/24)
ما حكم التورق؟ وهل هناك فرق بين من يشتري سيارة أو أسهم بالأقساط من شركة الراجحي ثم يبيعها علماً أن الأسهم ستكون من الشركات النقية؟
أولاً: مسألة التورق شرحناها مراراً، والخلاف فيها بين أهل العلم معروف، وفي أصلها ضعف، وأجازها جمهور أهل العلم للحاجة الداعية إليها، تزداد ضعفاً بالتوسع الذي يزاوله الناس في الأسواق، السيارة لا شك أنها أسلم من الأسهم بكثير، لماذا؟ لأن السيارة بضاعة مستقلة يملكها صاحبها ملك تام مستقل ثم يبيعها على من أراد التورق، ثم يقوم بدوره بقبضها القبض الشرعي المعتبر، يحوزها إلى رحله، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فالسيارة تمتاز عن الأسهم بهذا، فإذا حازها وباعها على طرف ثالث هذه لا إشكال فيها، أما الأسهم لا يستطيع أن يحوزها، ولا يستطيع أن يبيعها بنفسه، الإشكالات كثيرة، والتساهل والتهاون فيها كثير، حتى اكتفى بعضهم بتوكيل البنك، يقول: اقبض لي، وبع لي، واشترِ لي، إذاً ما لك دور أبداً، مسألة التورق مثلما سمعنا فيها ضعف، والخلاف فيها قوي تزداد ضعفاً بالتوسع، حتى قال بعضهم بل صرح أن القبض أمر اعتباري، يمكن في يوم من الأيام أن يستغنى عنه، كيف يستغنى عنه والرسول -عليه الصلاة والسلام- نهى أن تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم؟ يعني بمجرد العد، مجرد النظر، مجرد القبض الاعتباري الذي يسمونه بالتخلية هذا كله الذي دعت إليه الحاجة، حاجة عدم القدرة على الحيازة، وإلا فالأصل الحيازة، اشتريت أسهم من شركة لا بد أن تنقل نصيبك هذا الأصل، اشتريت جزء مشاع، أو جزء من حديد أو من أسمنت لازم تحوزه إلى رحلك؛ لأن هذه سلعة، هذا الأصل، لكن قالوا: إن هذا مستحيل، يصعب مع الأموال الطائلة الكثيرة التي نقلها فيه مشقة، فأفتوا بجوازه، فهو على خلاف الأصل، فإذا وجد سلعة مثل السيارة على الأصل تحوزها إلى رحلك، فلا شك أنها أسلم.
يقول: نلاحظ أن الكثير من الفضلاء خريجي الكليات الشرعية يزهدون في إمامة الصلاة في المساجد، وفي تعليم الناس، فما توجيهكم؟(90/25)
هذا حرمان؛ لأن الإمامة فيها فضل، وفيها أجر، وكذلك التعليم فيه ما فيه من الأجور، وجاء فيه النصوص الكثيرة، فالتخلي عن مثل هذا حرمان.
علماً بأن بعضهم يقول: إنه لا يستطيع تعليم الناس حتى يرسخ في العلم.
وأقول له: لن يرسخ في العلم حتى يعلم الناس، وعلى هذا يلزم الدور، فعليه أن يعلم قبل أن يرسخ، يعلم ما تعلم، لا يلزم أن يقحم نفسه في كل مسألة يحسنها أو لا يحسنها، إنما يعلم ويبين للناس ما تعلمه.
رأى رجل قطعة أرض وهي ليست لأحد من الناس فذهب إلى شيخ قبيلته واشتراها منه وشيخ قبيلته لا يملكها أصلاً، وقاموا بزراعتها وكسب المال منها فهل يدخل تحت الوعيد؟
لا شك أن شيخ القبيلة آثم؛ لأنه باع ما لا يملك، والمشتري إن كان لديه علم بأن شيخ القبيلة لا يملكها فهو شريك له في الإثم، ومتعاون معه على الإثم والعدوان، وبيعه باطل، وزراعته باطلة.
علماً بأن شيخ القبيلة لا يملك الإقطاع، إنما الذي يملك الإقطاع هو ولي الأمر، ومن ينيبه في هذا الباب، علماً بأن المسألة خلافية، هل يملك بالإقطاع وهبة ولي الأمر؟ أو هو مجرد اختصاص لا بد من الإحياء؟ وعلى كل حال هذا التصرف باطل.
يقول: رجل أصابته جائحة وأخر أصلح بين رجلين وتحمل مبلغاً وكلا الرجلين ذهب ماله ولم يبقَ معهما إلا ما يقتاتان به فهل يجوز لهما أخذ ما خسراه من أموال الزكاة؟
إيش معنى جائحة؟ الجائحة التي تأتي على جميع المال فلا تبقي له ما يقوم به، فالذي تعرض للجائحة أو تحمل حمالة إذا أتى بالبينة يعطى من الزكاة؛ لحديث قبيصة بن المخارق.
يقول: إذا كفلت يد عاملة ...
كيف يد عاملة؟ عامل يعني؟ اليد هذه مقحمة، نعم العمل باليد في الأصل كما هو معروف.
اشترطت أن يشتغل خارج ملكي، وإذا أردت أن يشتغل عندي أن يأتي ويترك شغله خارجاً من دون مال.
يعني إذا جاء بعامل، كفل عامل، وأحضره إلى البلد، وتركه يشتغل لنفسه، جاء بسباك وإلا كهربائي قال: اشتغل، لكن بشرط إن احتجتك تجي، انكسر عنده ماسورة، أو تعطل عنده جهاز، اترك عملك فوراً وتعال، وأصلح لي ما فسد عندي من دون مقابل، هذا من أكل أموال الناس بالباطل.(90/26)
يقول: هل الصحيح في التشهد إثبات لفظة: أيها في قوله: السلام عليك أيها النبي، أم حذف اللفظة باعتبار قول من قال بأنها خاصة في حياته -صلى الله عليه وسلم-؟
على كل حال اللفظ توقيفي لا يتغير في حياته ولا بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: أبي يريد أن يتفق مع أحد العمالة الذين قد طلب من أبي أن يعمل في مزرعته في جزء منها وهو المرش على أن يكون الربح بينهما، وطلب من أبي أن يشتري له الكيماوي على أن يعطيه قيمته لاحقاً، هل هذا جائز؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
منهم من يشترط أن يكون البذر من صاحب الأرض، ومنهم من يجيز أن يكون من العامل، وعلى كل حال بالنسبة للقدر الزائد على الأرض والعمل، الأرض من جهة، والعمل من جهة أخرى القدر الزائد من ذلك على ما يتفقان عليه، فالمسلمون على شروطهم.
يقول: فهمنا الفرق بين القرض والدين ولكن ما الفرق بين الدين وبيع الأجل؟
لا فرق بينهما، الدين هو البيع إلى أجل.
يقول: إذا وصلت إلى مكة ثم أردت العمرة فهل أخرج إلى الحل ثم أحرم؟
نعم إذا أردت العمرة من داخل مكة، إذا أنشأت العمرة من داخل مكة فتخرج إلى الحل فتحرم من أدنى الحل، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته عائشة من التنعيم.
يقول: إذا اشتريت أرضاً أو أكثر ولم أعرضها للبيع حتى يرتفع سعرها وكان الغرض من شرائها هو حفظ مالي فهل عليها زكاة؟
إذا لم يكن أصل الشراء للتجارة فلا زكاة فيها حتى تباع.
الطالب: أخذ أكثر من عمرة في السفرة الواحدة؟(90/27)
عمومات الأحاديث ((العمرة إلى العمرة)) و ((تابعوا بين الحج والعمرة)) يدل على أنه لا بأس به على ألا يشغل عما هو أهم منه، وعائشة -رضي الله عنها- اعتمرت بعد عمرتها التي مع حجها، فلا يظهر في هذا وجه للمنع، كونه لم يفعله -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت النصوص التي تدل على جوازه، عرفنا أنه قد يترك الفعل -عليه الصلاة والسلام- خشية المشقة على أمته، قد يترك العمل الفاضل خشية أن يشق على أمته، وجاء التصريح بذلك، وجاء ما يدل على أن العمرة إلى العمرة كفارة، وتابعوا بين الحج والعمرة يدل على التكرار، فلا مانع من التكرار على أن لا يكون عائقاً عن عمل الأفضل، ما يترك الأعمال الفاضلة ويكرر العمرة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف المقابل؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني جئت بعامل كفتله وقلت: اشتغل لك، يعني من باب التعاون معه، ثم احتجته في أن يعمل لك وأعطيته المقابل كما يعمل للناس ما في إشكال، الإشكال فيمن يأتي بالعمال ويبثهم في الأسواق، ويتشرط عليهم، ويكلفهم من أموالهم التي لا يستحقها مع مخالفته لما ورد في الأنظمة التي سنت لمصالح الناس، وليس فيها ضرر، وليس فيها مخالفة، وما دام ولي الأمر يمنع من هذا فهو ممنوع؛ لأنه ليس بمعصية، ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)).(90/28)
بعد هذا حديث: "ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) رواه ابن ماجه" وسند ابن ماجه ضعيف جداً، وفي الباب عن أبي هريرة يعني يشهد لحديث ابن عمر عند أبي يعلى والبيهقي، وفيه أيضاً عن جابر عند الطبراني، والأحاديث كلها ضعاف، لكن مجموعها، وكون الحديث يأتي من طرق، وعن جمع من الصحابة يدل على أن للأمر أصلاً، يدل على أن له أصلاً، ولذا حسنه بعضهم بشواهده، وهو جارٍ على الأصل في أن الأجير يبادر بإعطائه أجرته، وكونه قبل أن يجف عرقه هذه مبالغة في المبادرة؛ لأن التأخير مطل، والمطل حرام، المطل حرام لا سيما إذا طلب، فإذا كان المستأجر اتفق مع الأجير على مبلغ معين فبمجرد ما ينتهي يكون قد استحق، استحق هذا الأجر، فلا يجوز أن يماطل مع القدرة على الدفع، وإذا كان لا يستطيع الدفع بعد الفراغ من العمل لأنه لا يجد الأجرة فعليه أن يبين أن الأجرة قد تتأخر، أنا لا أملك الأجرة الآن انتظر علي أسبوع، شهر، فإذا رضي بذلك فالأمر لا يعدوه.
((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) قلنا: إن هذه مبالغة في عدم التأخير، وعدم المطل للأجير، والأجير الذي تعب في إنجاز هذا العمل، وعرق بسببه، والعرق لا يأتي إلا بسبب التعب، أو بسبب الحر الشديد، وقد يكون مضطراً إلى هذا العمل، فمثل هذا يجب أن يراعى، وأن لا يماطل، وأن لا يشق عليه، وأن لا يردد، وأن لا يضاع وقته، وعلى كل حال الحديث بجميع طرقه فيها ضعف، وبمجموعها يدل على أن للأمر أصلاً، وهو جارٍ على القواعد، وأن من استحق شيئاً لا يجوز تأخيره إلا بإذنه.(90/29)
يليه حديث أبي سعيد وهو ضعيف "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من استأجر أجيراً فليسم له أجرته)) " حديث ضعيف، لكن الاتفاق على الأجرة، أن تكون الأجرة معلومة هذا شرط من شروط صحة الإجارة، أن تكون الأجرة معلومة، إذا لم تكن الأجرة معلومة، وقال: تعال أصلح لي كذا، وقال له: بكم؟ قال: ما نختلف، هذه يفعلونها، يفعلها كثير من الناس، ثم إذا انتهى حصل الجدال والنزاع والخصام، أصلح السيارة بكم؟ إن شاء الله ما يحصل بيننا خلاف، خلص -إن شاء الله-، ما نختلف، أنا بأرضيك، ثم إذا انتهت السيارة قال: أخذ عشرة، قال: لا أريد مائة، يحصل الشقاق والنزاع، ولا شك أن تسمية الأجرة يحسم مثل هذه الخصومة، لكن إذا حصل مثل ذلك فالقول قول من؟ من الذي يقبل قوله؟ يقبل قول العامل باعتبار أنه .. ؟ أو يقبل قول الذي لم يفرط؟ لأنه عندنا طرف مفرط وطرف غير مفرط؛ لأنه أحياناً يأتي بسيارته ويقول له العامل: بكم؟ فيقول صاحب السيارة: ما نختلف، حينئذٍ يكون القول قول العامل، لكن لو قال صاحب السيارة: بكم؟ وقال العامل: ما نختلف، فالمفرط العامل، يأخذ ما يعطى، ولو رجع إلى أهل الصنف وأعطي أجرة المثل هذا أبرأ للذمة بلا شك، وإلا على كل حال الذي يفرط يتحمل تبعة تفريطه.
طالب:. . . . . . . . .(90/30)
إيه لكن ما يبدأ بإصلاحها حتى يعرف، يقول: دعني أكشف وأحدد، دعني أتأكد ماذا تطلب؛ لأن بعض أصحاب الورش يحتال على صاحب السيارة، يقول صاحب السيارة: أنا مستعجل، يقول: لا يا أخي سيارتك تحتاج إلى ثلاثة أيام، علشان يزيد في الأجرة، اذهب وبعد ثلاثة أيام تجي، وهي ما تحتاج إلا إلى سلك يربط بسلك آخر وتنتهي، ولا دقيقة، من أجل إيش؟ أن تكثر الأجرة؛ لأنه لو رآه يعقد سلك بسلك ما سمحت نفسه يعطيه ولا خمسة ريال، وهو يريد مبلغ جامد من الرجل، فمثل هذه الحيل موجودة سواء كانت من أصحاب المحلات، أو من أصحاب الحاجات ممن يحتاج إلى هؤلاء، فالحيل لا تجوز على أكل أموال الناس بالباطل، لا يجوز له، وإنما يأخذ بقدر عمله، وإذا أخذ بقدر عمله يبارك له فيه، فإذا قرر ما تحتاجه السيارة من العمل، والجهد الذي يبذل في تركيب هذه القطع، وحسب عليه قيمة القطع، وأجرة تركيبها هذا ما يستحقه، فإذا اتفقوا عليه من الأصل قال: أنا أشتري القطع وأعطيك الفواتير، وأحسب أجرة يدي كالمعتاد، مثل هذا -ووثق به- يدفع له ما يطلب إذا وثق به، وعلى كل حال التلاعب في أسواق المسلمين موجود بكثرة، فعلى مثل هؤلاء أن يتقوا الله -جل وعلا-، وأن يرفقوا بالناس ليبارك لهم، ومن صفة المسلم في بيعه وشرائه، في أجرته في تأجيره كله أن يكون سمح، سمح إذا باع، سمح إذا اشترى، سمح إذا قضى، سمح إذا اقتضى، يعطي بطيب نفس، يأخذ بطيب نفس، لا تكون المشاحة هي عادته وهي ديدنه، حينئذٍ تنزع البركات.(90/31)
"رواه عبد الرزاق، وفيه انقطاع" يعني في إسناده انقطاع، وهذا الانقطاع وصله البيهقي لكن من طريق الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، وهو إمام عند جمهور المسلمين، الإمام الأعظم، وإمام مقتدى به، وإمام متبوع، لا إشكال في كونه إماماً معظماً عند جمع غفير من المسلمين، لكنه في هذا الباب، في باب الرواية، يعني في باب الفقه إمام، جبل، إمام عظيم، بل يقولون: الأعظم، لكن في باب الرواية تكلم فيه أهل العلم من جهة حفظه، لا من جهة ديانته إنما من جهة حفظه، ورموه بسوء الحفظ، وهذا لا ينافي هذا، يوجد من الفقهاء الكبار من ضعف حفظه؛ لأن الحديث يصعب ضبطه وحفظه وإتقانه، وجمع أطرافه، لا سيما بالنسبة لمن يلتفت إليه مؤخراً، الذي يعتني بالحديث من أول الأمر بالتدريج يدرك، لكن الذي لا يلتفت إليه إلا بعد أن يكبر في السن، ويطعن في السن، مثل هذا يصعب عليه أن يجمع الحديث، ولذا وجد في كبار الأئمة في سائر العلوم من يوصف بسوء الحفظ، يوجد، القرآن يمكن ضبطه، وقد يكون أتقن القراء، أو من أتقن القراء، ومع ذلك إذا جاءت روايته للحديث ضُعف؛ لأن ضبط القرآن ممكن، وقد تكون عناية هذا الشخص بالقرآن من الصغر، فيضبطه ويتقنه، وإذا التفت إلى الحديث ضعف، قد تكون عنايته بالفقه من أبوابه ومن أصوله وعلى قواعده وضوابطه، ويتقن الفقه والنظر، يكون لديه النظر التام في المسائل العلمية، لكنه الحفظ عنده أقل، وهذا مشاهد، تجد بعض طلاب العلم، بل بعض أهل العلم إذا بحث مسألة أمامه هذه المسألة ذكر كل ما يتعلق بها مما يدور في فلكها، لكن إذا أراد أن يستدل لها بدليل نقلي صعب عليه؛ لأنه ما اعتنى بالحفظ من أول الأمر، وهذه عادة أهل الرأي، تجدهم في مسائلهم الفقيه فيها شيء من البسط، وفيها شيء من الاستطراد والتوضيح، وذكر الأشباه والنظائر، مسائل كثيرة يفرعونها على قواعد، لكن عند الاستدلال قد يضعف الواحد منهم، ولا يقال: إن أهل الرأي، ويقصد بذلك من مدرسة الكوفة كأبي حنيفة وغيره من أهل العلم أنهم لا يعتمدون على النصوص، عمدتهم النصوص، ولا فقه إلا بنص، لكن قد يكون الغالب على هذا الفقيه الرأي فينسب إليه، وقد يكون الغالب على هذا الفقيه الأثر فينسب إليه، وعلى كل حال(90/32)
العناية بالحديث ينبغي أن تكون هم طالب العلم بعد العناية بالقرآن، ولا مانع أن يضبط علم من العلوم ويكون فيه خلل في علوم أخرى، هذا موجود، ولا يوصم بأنه ضعيف في كل العلوم لأنه ضعف في علم من العلوم، فأبو حنيفة إمام في الفقه لكنه في الرواية أقل، عاصم بن أبي النجود إمام من أئمة القراء، قراءته من أجود القراءات، قراءته متواترة ومع ذلك هو في حفظه بالنسبة للسنة أقل، مغموز في حفظه، ومثل هذا لا يطعن في هذا، لماذا؟ لأن الاهتمام بباب أو بفن من الفنون يجعل الإنسان يتقنه، ولا يلزم منه أن يتقن جميع العلوم، لا يلزم في إنسان ولا يفترض في شخص أنه يتقن العلم كله بجميع فروعه وأبوابه، قد يكون الإنسان معروف مرجع في العربية، لكن إذا سألته عن العلوم الشرعية أقل، قد يكون في باب الفرائض مثلاً إمام، لكن تسأله في أبواب أخرى من أبواب الفقه أقل، وهذا لا يقدح فيه، ولا يعني أنه لا يستفاد منه في هذا الباب، أو يقال: إن في تحصيله لهذا الفن أو لهذا العلم خلل، فعاصم بن أبي النجود إمام من أئمة القراء، وضعفه في الحديث الذي ذكر عنه لا يؤثر على إمامته وقراءته أبداً في وجه من الوجوه، وكون الإمام أبي حنيفة ضعيف من ناحية الحفظ، لا يعني أنه ضعيف في مسألة النظر الصائب في المسائل الفقهية، لكن باعتبار ارتباط الفقه بالأثر الذي يجمع بينهما لا شك أنه أولى بالإتباع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(90/33)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (18)
باب: إحياء الموات
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: إحياء الموات
عن عروة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من عمّر أرضاً ليست لأحدٍ فهو أحق بها)) قال عروة: وقضى به عمر في خلافته. رواه البخاري.
وعن سعيد بن زيد -رضي الله تعالى عنه- عن البني -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحيا أرضاً ميتاً فهي له)) رواه الثلاثة، وحسنه الترمذي، وقال: روي مرسلاً.
وهو كما قال، واختلف فيه صحابيه، فقيل: جابر، وقيل: عائشة، وقيل: عبد الله بن عمر، وقيل: عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عن الجميع- والراجح الأول.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: إحياء الموات(91/1)
الموات: بالتخفيف من الموت ضد الحياة، وموت كل شيءٍ وحياته بحسبه، والموت حقيقته فيما له روح تفارقه، هذا حقيقة الموت، وهذا موت الحيوان، وأما موت الجماد فهو ضد حياته التي هي عمارته بحيث يستفاد منه كالاستفادة من الحيوان الحي، وأما الأرض الميّتة أو الميتة والموات التي لا حياة فيها، وحياتها تتمثل بالإفادة منها، كما أن النبات له حياة وله موت، فحياته بنمائه، وموته بتوقف نمائه، ولذا يقولون: إن الشعر والظفر تحله الحياة التي هي بمنزلة حياة النبات، ولا تحله الحياة التي هي بمنزلة حياة الحيوان، ولذا يعامل معاملة من جهة، ومعاملة من جهةٍ أخرى، فباعتبار الحياة التي تشبه حياة النبات يجوز قصه حال حياة الحيوان، ويكون حينئذٍ طاهراً؛ لأنه لو كانت حياته مثل حياة الحيوان لقلنا: إنه لا يجوز قصه، وحينئذٍ يكون نجساً؛ لأنه ميتة؛ لأن ما أبين من حيٍ فهو كميتته، لكن تحله الحياة، وأيضاً حياته كالنبات لا كالحيوان، وفائدة هذا الكلام أنه يجوز قصه وجزّه حال حياة الحيوان الذي هو في الأصل ملتصق به، فباعتبار حياته لا يقال: إنه إذا قصّ وجزّ وتوقف نماؤه مات بعد أن كان حياً كحياة الحيوان فيكون نجساً، ولا يقال: إنه كجزء الحيوان وإن كان حياً، وتحله الحياة المناسبة له؛ لأنه لو قيل كذلك لقلنا: إنه لا يجوز قصّه كجزء الحيوان ويحكم بنجاسته؛ لأن حكمه حكم ميتته، فحياته كحياة النبات، هذا هو المقرر، وليس بميتٍ في الأصل؛ لأنه مشاهد، نموه مشاهد؛ لأن نموّه مشاهد، فيزيد مع الوقت.
الأرض الموات هي التي لا عمارة فيها، والتي لا ملك لأحدٍ عليها ولا اختصاص، هذه هي الأرض الموات، التي لا عمارة فيها ولا حياة تناسبها ولا ملكة فيها لأحد ولا اختصاص.
يقول -رحمه الله تعالى-:(91/2)
"عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من عمّر)) " عمّر ويمكن ضبطه بالتخفيف، وجاء في بعض الروايات: ((من أعمر أرضاً ليست لأحدٍ فهو أحقّ بها)) من عمّر وبالتخفيف أيضاً يضبط من عَمَر، وعمّر من التعمير، وعَمَر من العمارة {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [(61) سورة هود] يعني طلب عمارتكم لها؛ لأن السين والتاء للطلب، فطلب العمارة يناسب التخفيف؛ لأن التشديد عمّر مصدره تعمير، وأما رواية: ((أعمر)) فحكم بعضهم بضعفها من حيث الرواية، ومن حيث المعنى؛ لأن أعمر –الهمزة همزة التعدية هنا- تجعل الذي عمر هذه الأرض غير من أعمر، تجعل الذي يعمر الأرض ويتولى عمارة الأرض غير (من) التي هي في الأصل .. ، لا يعود على (من) التي هي الشرطية، إيش معنى هذا الكلام؟ يعني من (عمرّ) يعني بنفسه، من (أعمر) من طلب من أحدٍ أن يعمر هذه الأرض ((فهي له)) الضمير لمن؟ لو افترضنا أن هذه أرض ميتة بيضاء لا ملك فيها لأحد ولا عمارة ولا اختصاص، جاء زيد من الناس وسبق إليها، وقال لعمرٍ: أعمر هذه الأرض، لو أن زيداً هذا السابق لها والمتقدم إليها دون أن يسبق لأحدٍ له يد عليها لو أنه عمرها قلنا: عمّرها أو عَمَرها ماشي، لكن إذا كلّف أحداً يعمرها قيل: أعمر، وهذه يسمونها همزة التعدية، والفعل من الأصل متعدي، وبدلاً من أن يتعدى لواحد يتعدى لاثنين، إذا قلت: ذهب زيد، هل هو مثل قولك: أذهبت زيداً؟ لا، يختلف، فقولنا أو في الرواية: ((من أعمر)) يعني من كلّف أحد أن يعمرها ((فهي له)) على رواية: عمّر أو عَمَر ظاهر، الضمير يعود إلى هذا الذي سبق إلى هذا المباح الموات، وتكون له، واللام هذه لام ملك أو اختصاص؟ شبه ملك؟ "اللام للملك وشبهه" هل هذه اللام لام ملك أو لام شبه الملك الذي هو الاختصاص؟ إذا قلنا: الدار لزيد، والفرس لزيد، هذه اللام ملك ما فيها إشكال، لكن إذا قلنا: الجل للفرس، والقفل للباب، هذه لام شبه ملك، يعني أن هذا القفل مخصص لهذا الباب وهو اختصاص؛ لأن عندنا في هذا الباب في باب إحياء الموات ما يسمى بالملك وما يسمى بالاختصاص، ولكلٍ منهما أحكامه المترتبة عليه، فهي له إذا قلنا: عمّر أو عَمَر سبق إليها وهي مباحة لا(91/3)
عمارة فيها لأحد ولا ملك ولا اختصاص تكون له إذا عمّرها وأحياها بالحد المذكور عند أهل العلم بأن يكون أحاطها بسور لا يقل عن ثلاثة أذرع بحيث يمنع من الوصول إليها، ويمنع من الخروج منها، إذا أحاطها بجدار طوله ثلاثة أذرع هذا المحدد عند أهل العلم؛ لأن ما دونه يمكن التسلق عليه، ويمكن القفز منه من الداخل، فلا يمنع الجدار الأقل من ثلاثة أذرع لا يمنع، فإذا وجد هذا السور فإنه عمارة، ثم بعد ذلك يتصرف فيها إما بزراعة أو بما يشاء، هذا نوع من العمارة، لكن لو كانت أقل، لو أحاطها بكثيبٍ من الرمل الذي يسمونه إيش؟ عقم، نعم، هذا لا يكفي، هذا لا يسمى عمارة، فمثل هذا يسمى اختصاص، تضرب له مدة فإن أحياها بالعمارة المعتبرة بأن زرعها أو أحاطها بجدارٍ لتكون مأوىً لدوابّه أو لماشيته أو تكون مستودعاً لبضائعه، إن أحاطها بالجدار المذكور وإلا فلا، فلا يكفي مثل الجدار القصير أو ما يسمى بالعطن بكثيبٍ من الرمل والبلدان تختلف؛ لأن هذه العمارة جاءت مطلقة بنصوص الشرع فيرد تفسيرها إلى العرف.(91/4)
((من عمّر أرضاً ليست لأحدٍ)) لأن الأرض المملوكة لأحد لا يجوز التعدي عليها، والتعدي على الأرض المملوكة لأحد هذا يسمى غصب ((ومن اقتطع شبراً من أرض طوقه يوم القيامة من سبع أراضين)) فالاعتداء على الأراضي المملوكة المعروف أصحابها، التي لها أصحاب مثل هذه غصب وتعدي وظلم، طيب هناك أراضي لا يعرف أربابها، وهي أوقاف مندرسة قديمة أو لها أرباب ضيّعوا الإثباتات التي تدل على أنها لهم، هذه أيضاً لا يجوز التعدي عليها حتى تثبت لأصحابها أو يحكم حاكم بأنها ليست لهم فتعود مواتاً، فهذا الموضوع أمره وشأنه عظيم؛ لأن من اقتطع شبراً من أرض إيش أقل من شبر؟ الذي لا يسع قدم ((شبراً من أرض طوقه من سبع أراضين)) فهذا الأمر في غاية الأهمية لا بد أن ينتبه له المسلم، صحيح الشرع أطلق في مثل هذا ((من عمّر أرضاً)) بهذا القيد ((ليست لأحد فهي له)) أو فهو أحق بها، أو فهو أحق دون بها، النص والذي يليه ليس فيه ذكر للإمام، فهل لكل أحدٍ أن يذهب إلى شيء لا يملك ويقيم عليه سور ويقول: أحييت هذه الأرض فهي لي؟ نعم الجمهور على أنه لا يشترط في هذا إذن الإمام، لكن شريطة أن لا يحتاج إليها، هذه الأرض لا يحتاج إليها في المصالح العامة، فلا تكون في وادٍ، أو في مسيل يجري معه الماء فمثل هذا لا يمكن أن يملك، اللهم إلا إذا استغني عنه، يعني كان هذا المسيل يصب في مزارع، ثم هذه المزارع خططت وجعلت دور ومساكن، الدور والمساكن ليست بحاجة إلى مجرى للسيل؛ لأن هذا المسيل يصب في هذه الدور، فالذي يمنع من ورود هذا الماء إلى هذه الدور محسن بخلاف ما لو كانت هذه الأراضي كلها مزارع فإن هذا المجرى وهذا المسيل هذا يحتاجه أهل المزارع؛ لأنهم بحاجة إلى الماء، بحاجة إلى هذا المجرى لو حيل بينهم وبينه لتعطلت مزارعهم، ولماتت زروعهم، فمثل هذا لا يملك، اللهم إلا إذا عدمت منفعته، بل صارت المصلحة فيه الحيلولة دونه ودون هذه البيوت، علماً بأن البناء في مجاري السيول ولو وضعت جميع الاحتياطات لا شك أنه ضار، والسيل له مجاري يأتي من حيث لا يحتسب الإنسان، يضع الاحتياطات التي تدور في باله وقت العمارة ثم بعد ذلك يؤتى من حيث لا يحتسب، ولذا ينهى عن البناء في هذه المواطن،(91/5)
على كل حال إذا احتيج إلى هذه الأرض مصلحة عامة، مرفق عام يحتاجه الناس فإنه لا يجوز حينئذٍ إحياؤه ولا يملك بالإحياء، أما إذا خلا من الملك والاختصاص والعمارة لأحد ولا يحتاجه الناس فإنه حينئذٍ ينطبق عليه الحديث: ((من عمّر أرضاً ليست لأحدٍ فهو أحق بها)) أحقّ بها، أحقّ: أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل تقتضي أن هناك شيئين فأكثر يشتركان في وصف هو الحقّ، لكن يفوق أحدهما الآخر في هذا الوصف، فمعنى هذا أن الناس كلهم لهم حق في هذه الأرض؛ لأنها ليست لأحد، فالناس يتساوون فيها والحق لهم مشاع فيها، لكن من سبق إليها وتقدّم إلى ما لم يسبق إليه في هذه الأرض وحقّق الشرط في الحديث: ((عمّر)) فهو أحق بها من غيره، وحينئذٍ يبقى فيها حق لأحد أو لا يبقى؟ إذا عمّرها فهي له كما في الحديث، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، ينقطع حق الغير عنها، وتصير ملكاً له إذا أحياها الإحياء المعتبر، ويبقى أنها إذا عادت مواتاً، أحياها مدة، زرعها مدة، ثم بعد ذلك رأى أنه ليس من المصلحة أن يتابع في زراعة هذه البقعة فأهملها وعادت مواتاً كما هي، نعم تعود موات وإلا تستمر حق له يبيعها؟ يعني فهي له ملك دائم مستمر أو ملك معلّق بوصف متى وجد هذا الوصف وتحقق هذا الوصف فهي له أو فهو أحقّ بها؟ يعني علقت بوصف، يعني كانت الأراضي ليست على هذه الصفة، أو مثل هذا الوقت الذي نعيشه، يعني بالإمكان أن يزرع اليوم في هذا المكان ويصير له وبعدين يرحل يشوف مكان ثاني، يعني ما تعلق الناس بالدنيا مثل تعلقهم الآن، لم يتعلقوا بالدنيا كتعلقهم الآن، الآن البيت جزء من الحياة عند الناس، لكن قبل؟ بإمكانه يزرع في هذا المكان إذا ما ناسب يشوف مكان ثاني ولا أحد يقول له: وين أنت رايح؟ ولا يستأذن إمام ولا شيء، هذا قول الجمهور أنه لا إذن للإمام في مثل هذا، لكن عند الحنفية لا بد من إذن الإمام، متى يتجه القول بقول الحنفية؟ أولاً: النصوص خالية عن إذن الإمام، لكن قد يتجه القول بقول الحنفية متى؟ إذا وجد مثل الظرف الذي نعيشه من المنافسة على هذه الأمور والشحناء، ولو قيل في مثل هذا الوقت: إنه لا إذن لإمام في مثل هذا لا شك أن الناس يقتتلون على هذه الأراضي، فلا بد من تنظيم في(91/6)
مثل هذا الوقت؛ لأن صار لها شأن، والأمور حينما كان الناس يتسامحون فيها، ويتعافون فيها أمرها سهل، لكن إذا وجد مثل هذه المشاحّة الشديدة في الأراضي لا بد من تنظيم، والأصل في الأشياء والأعيان الإباحة، لكن إذا دخل هذه الأمور المباحات ما يقتضي التنظيم لا شك أنه لا بد منه، يعني مسألة تقبيل الحجر مثلاً، وش الأصل فيه؟ أنه مشروع ومستحب، وبدون إذن إمام ولا شيء، لكن إذا رأى الإمام الناس يقتتلون عليه ما يضع حارس عليه من الشرط أو غيرهم ينظم الناس، حفاظاً على مصالح الناس؟ فاشتراطهم للإمام في مثل هذه الأمور من هذه الحيثية، لا لأنه تغيير حكم شرعي، يعني حينما يقول العلماء في صلاة الجمعة: ولها شروط ليس منها إذن الإمام، إذا كانت الأمور ماشية عادية في كل حيّ أو في كل بلد مسجد جامع، ولا يزيدون على الحاجة هذا الأصل، ولا يستأذن الإمام في هذا لأنها عبادة، والعبادات الخاصة لا تحتاج إلى إذن، لكن إذا تنافس الناس، وتباهى الناس، وصار في كل حيّ خمسة جوامع، ستة جوامع، وصار .. ، بل جعلوا كل مسجد جعلوه جامع؟ ألا يتدخل الإمام في مثل هذا؟ لا، له أن يتدخل، وحينئذٍ يشترط إذنه كما هو الواقع الآن، ليس كل أحد أراد أن يعمر مسجد يجعله جامع، ولو كان بجواره جامع آخر؛ لأن الأصل في مشروعية صلاة الجمعة وخطبة الجمعة الاجتماع، وما سميت جمعة إلا لأن الناس يجتمعون فيها، أكبر قدر ممكن يجتمع، ولذا العلماء يحرمون إقامة جمعة ثانية، يمنعون، وإذا أقيمت جمعة ثانية فالأولى صحيحة والثانية باطلة، فإذا وجد مثل هذا الأمر الذي يختل فيه الهدف الشرعي، ولا يتحقق الهدف الذي من أجله شرع هذا الأمر فلا بد أن يتدخل الإمام، ما نسمع مثل هذا الكلام، وكونه ما يحتاج إذن إمام في مثل هذا، في إحياء الموات، ونتسابق ونتصارع والإمام يتفرج ما هو صحيح! وقل مثل هذا فيما ذكرنا في تقبيل الحجر الأسود مثلاً، الإمام يرى الدماء تسيل حول الحجر الأسود والمضاربة والزحام الشديد ويتركهم؟ إيش معنى إمام إلا ليدبر أمورهم وشؤونهم؟ فلا نفهم مثل هذه الأمور على غير وجهها؛ لأن بعض الناس قد يقول: إن اشتراط إذن الإمام زيادة على ما شرعه الله، والأصل أن الأمور مباحة، وكل واحدٍ(91/7)
يسبق، وتجد هذه السيارات تجوب هذه الصحاري والقفار وتخطط وبعدين .. ؟ فلا بد من إذن الإمام حينئذٍ، أما إذا مشت الأمور بدون الشحناء والبغضاء والمنافسة التي قد تستدعي القتال أحياناً، الأراضي حصل من جرائها قتال، يعني ألا يسمع في بعض القضايا أنه اقتتل اثنان من أجل أرض؟ يمكن، فلا بد من تدخل الإمام في مثل هذه الحالة.
((من عمّر)) هذه (مَن) مِن صيغ العموم تشمل الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والمسلم والكافر، هذا الأصل في هذه الصيغة، لكن جاء في بعض الأحاديث ما يدل على التقييد بالمسلم، وأن هذه الأمور المباحة المتاحة للجميع إنما هي للمسلمين، فمن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عادي الأرض لله ولرسوله، ثم هي لكم)) يعني المسلمين، وسيأتي في حديث: ((المسلمون شركاء في ثلاثة)) وهذا سيأتي، مما يدل على أن غير المسلم لا يشارك المسلمين، هذا إذا أتيح وأبيح له البقاء بشرطه الشرعي.
في الحديث الذي يليه، أما بالنسبة للموات التي تقدم ذكره، وذكرنا أنه ليس فيها عمارة، ليست معمورة، وليس فيها ملك لأحد، ويدخل في هذا الأحد الذي اشترط نفي ملكه المسلم والكافر المأذون ببقائه، فإنه حينئذٍ يملك، إذا أذن ببقائه ملك، فلا يجوز التعدي على حقه ولو كان كافراً، ما دام ذمياً، أو مستأمناً، أو دخل بإذن المسلمين.
الحديث الذي يليه يقول:
"عن سعيد بن زيد" هناك في الحديث الأول: "رواه البخاري، قال عروة: وقضى به عمر في خلافته" أحياناً يأتون بالموقوفات بعد الأحاديث المرفوعة، يعني ما الداعي لقول عروة: قضى به عمر في خلافته بعد قوله -عليه الصلاة والسلام- والحجة في قوله -عليه الصلاة والسلام-؟ ليبيّنوا أن الحكم محكم غير منسوخ، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- توفي والأمر على ذلك وقضى به من بعده.
"وعن سعيد بن زيد" سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، أحد العشرة المبشرة بالجنة.
سعيد وسعد وابن عوفٍ وطلحة ... وعامر فهرٍ والزبير الممدح
هذا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل معروف وأبوه أيضاً مشهور "-رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أحيا أرضاً ميتةً فهي له)) " يعني (من) شرطية، وأحيا فعل الشرط، وجوابها فهي له.(91/8)
رواه الثلاثة، وقال ابن حجر: رواه الثلاثة فمراده أبو داود والترمذي والنسائي، يعني الأربعة سوى ابن ماجه، وحسّنه الترمذي، وقال: روي مرسلاً، وهو كما قال، يعني الإرسال فيه ظاهر، كيف يحسّنه وهو مرسل؟ كيف يحسنه الترمذي وهو مرسل؟ نعم قد يحسّن ما فيه انقطاع الترمذي -رحمه الله-، والحديث محكوم عليه بأنه حسن من غير الترمذي -رحمه الله-.(91/9)
يقول الحافظ في فتح الباري بعد أن ساق شواهد الحديث، وذكر أن في أسانيدها مقالاً لأهل العلم كناية عن تضعيفها إلا أنها يتقوى بعضها ببعض فتصل إلى درجة الحسن لغيره، ومن أقوى الشواهد الحديث الذي قبله، هذا الحديث: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)) والثاني: ((من عمر أرضاً ليست لأحدٍ فهو أحق بها)) إلا أن الصيغة في الحديثين فيها نوع اختلاف، يعني هل نقول: إن حديث عائشة شاهد لحديث سعيد بن زيد؟ أولاً: حديث عائشة لا يحتاج إلى شاهد في البخاري، لا يحتاج إلى شاهد أصل برأسه، لكن إذا أردنا أن ندرس حديث سعيد بن زيد وذكرنا شواهده نذكر حديث عائشة شاهداً له؟ وهنا تأتي مسألة في غاية الأهمية في مصطلح الحديث ننتبه لها، حديث سعيد بن زيد فيه كلام لأهل العلم، ومضعّف، وشواهده أفرادها ضعيفة، وجدنا له شاهد في الصحيح من حديث عائشة، هل نصحح حديث سعيد بن زيد باعتبار أن له شاهد في الصحيح أو نكتفي بقولنا: حسن؟ بمعنى أن الحديث الضعيف الذي له شواهد بعضها ضعيف، وبعضها حسن، وبعضها صحيح، هل يترقى درجة واحدة أو يترقى درجتين؟ يعني عندنا حديث ضعيف له شاهد أو شواهد ضعيفة، ثم وجدنا ما يشهد له من الأحاديث الصحيحة؟ بالأحاديث الضعيفة التي ضعفها قريب، مثل ضعفه يترقّى إلى الحسن لغيره، هذا ما فيه إشكال وجدنا له شاهد صحيح، هل نقول: إن هذا الضعيف يرتقي إلى الصحيح؟ بمعنى أننا نرقيه درجتين؟ أو نقول: يرتقي إلى الحسن لغيره فلا نرقيه إلا درجة واحدة؟ وهذه مسألة معروفة عند أهل العلم وفيها كلام الأكثر على أنه لا يرتقي أكثر من درجة، فغاية ما يقال في حديث سعيد بن زيد أنه حسن لغيره، ومنهم -وأشار إليه الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث- أنه لا مانع من أن يرقى إلى درجتين؛ لأن المقصود إيش؟ المتن، المقصود المتن والمتن صح، بل صح في البخاري، فلا مانع من أن نقول: حديث سعيد بن زيد صحيح؛ لأن له شاهداً في الصحيح على كلام من يرقي درجتين، وهذه المسألة يحتاجها كل من يخرج الأحاديث، والإشارة إليها خفية في كتب أهل العلم، إنما قد توجد في كتب التخريج، فينتبه لها، إذا درسنا حديث عائشة قلنا: صحيح ما تردنا فيه، لماذا؟ لأنه في البخاري إذا كانت الدراسة لحديث(91/10)
عائشة، لكن افترض أنك تدرس الحديث من جامع الترمذي، ووجدت حديث سعيد بن زيد؟ إذا جمعت طرقه وألفاظه جزمت بأنه بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى الحسن لغيره، فإذا أضفت إليه ما في الصحيح هل ترقيه إلى الصحيح أو يستمر حسب الشواهد التي ذكرت له حسن لغيره؟ ففرق بين أن ندرس حديث عائشة أو أن ندرس حديث سعيد بن زيد، مثل هذا لا بد من الانتباه له؛ لأن بعض الناس يغفل عن الحديث المشروح، الحديث المدروس هو الأصل ولو كان ضعيفاً، ثم بعد ذلك تحشد له بما يرقيه، تأتي له بما يرقيه، أما بعض الناس وهو يدرس حديث في ابن ماجه وفيه كلام وكذا، وفي ذهنه حديث صحيح يحكم بمجرده .. ، على طول يحكم للحديث بالصحة، فهذا يختلف مع ما سار عليه أهل العلم في هذا الباب، نعم قد يكون مثل شيخ الإسلام -رحمه الله- قد يورد حديث: ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)) وهو حديث صحيح وفيه وفيه ليش؟ لأن شيخ الإسلام عنده تصور تام للنصوص، فهو يحكم عليها بموجب هذا التصور، ولذلك ينتقد في بعض الأحاديث؛ لأنه يحكم عليها بهذا التصور العام -رحمه الله-، ومثل ذلك حينما يحكم على مسألة في مسألة شرعية، أنت يعوزك الدليل، لكن هو من خلال نظرته الشاملة للشريعة والقواعد العامة والكلية يعطيك الحكم وهو ماشي -رحمه الله-، بينما أنت قد لا تجد له مستند، وهو من هذه الحيثية جاري على القواعد الشرعية.
نعود إلى الحديثين، هل يصلح حديث عائشة لئن يكون شاهد لحديث سعيد بن زيد؟ أولاً: ليس بمتابع لأنه صحابي يختلف، فهل يصلح أن يكون شاهداً؟ هل المعنى واحد في حديث عائشة وفي حديث سعيد بن زيد؟ ((من عمّر أرضاً ليست لأحد فهو أحقّ بها)) و ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له))؟.(91/11)
ما هم من هذه الحيثية، التعمير والإحياء كلاهما يثبت الملك هنا، يثبت بلا شك، لكن في الحديث الأول يثبت الأحقية، وفي الثاني يثبت الملك، فإذا قلنا: "فهي له" لام ملك، وهناك أحقّ، كونه أحق بها لا يعني أن حقوق الغير المتعلقة بها انقطعت، لكن هو أحق بها، هذا في الأصل، في استعمال اللغوي لهذا اللفظ، كونه أحق بها لا يقطع حقوق الآخرين منه، بمعنى أنها لو عادت بواراً مرة ثانية ما صار أحق بها فتعود، وإذا قلنا: له لا تخلو هذه اللام إما أن تكون لام ملك أو لام اختصاص، فإن قلنا: هي لام اختصاص صار المعنى واحد، يختص بها ما دام محيياً لها، أما إذا عادت فليس بأحق بها، وليست له، وإذا قلنا: إن اللام للملك لا تعود أبداً، خلاص صارت ملكه، ولو عادت بوار له أن يبيعها، مسألة الأحقية المذكورة في الحديث الأول إذا قلنا: هذا الكتاب عندنا وضعنا كتاب هنا، ووضعنا عليه مسابقة وقلنا: من يفوز بهذه المسابقة له هذا الكتاب، أو هذا الكتاب من يجيب على هذه الأسئلة فهو له، أو فهو أحق به، فأجاب عشرة طلاب، واحد من الطلاب أخذ مائة بالمائة في الجواب، والثاني أخذ تسعين، والثالث تسعة وثمانين، إلى سبعين، ودرجة النجاح من ستين كلهم نجحوا، لكن من الأحق به؟ الأول الذي أخذ مائة بالمائة فهو أحق به، وهذا الحق وإن اشتركوا فيه بالجملة إلا أنه لا يتعدد، لا يحتمل إلا شخص واحد لا يمكن قسمته، فيملكه الأحق، انتبهوا يا الإخوان، إحنا عندنا كتاب وضعنا عليه مسابقة، وقلنا: من أجاب على هذه المسابقة فهو أحق به، أجاب عشرة على هذه المسابقة، وكلهم تجاوزوا درجة النجاح، فصار لكل واحد منهم حق متعلق بهذا الكتاب، إلا أن أحقّهم به الذي أخذ الدرجة كاملة، هذا الكتاب يملكه لأنه أخذ الدرجة الكاملة، هل معنى هذا أنهم لهم نظر فيها أو لهم حق فيه من خلال الصيغة؟. . . . . . . . . من أجاب على المسابقة فهو أحق به؟ أو نقول: إن استعمال هذه الصيغة على خلاف الأصل، ويأتي أفعل التفضيل مستعملاً في غير أصله {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] فهل أهل النار عندهم خير من خلال الصيغة؟ الأصل في استعمال هذه الصيغة نعم،(91/12)
يشتركون في الخير، لكن استعمل هذا اللفظ في غير موضعه، وفي غير معناه الأصلي ولا اشتراك بينهم، ونقول مثل هذا في الحديث، فإذا قلنا: إن أفعل ليست على بابها فيكون حينئذٍ ملكها وانتهت، فلا تعود بواراً ولا تعود مواتاً مرةً ثانية، ويؤيده رواية: ((فهي له)) قد يتحايل بعض الناس ويسبق إلى أرض ثم يسورها ويضع فيها مواد تجارية أخشاب وحديد واسمنت ويسميه مستودع، ثم بعد ذلك يسحب هذه المواد ويبيعها، نقول: في ظروفنا التي نعيشها يوجد مثل هذه التصرفات، أما قبل ما توجد مثل هذه الأمور، فلا بد من أن يضرب له الإمام مدة، يعني في باب الاختصاص مثلاً، وضع على الأرض عقوم، يعني ما هي جدران، وضع عليها كثبان من الرمل هذا يسمى اختصاص وليس إحياء ولا تمليك، في مثل هذه الصورة يضرب له الإمام مدة، إما أن تعمر هذه الأرض، وتحيي هذه الأرض وإلا تسحب منك، وقل مثل هذا في الإقطاع، وأعطيات الإمام من الأراضي، من أهل العلم من يقول: إن الإمام يملك أن يعطي من الأراضي ما يعطي، ومنهم من يقول: إن أعطيات الإمام إنما هي مجرد اختصاص، والملك لا يتم إلا بالشراء أو بالهبة أو بالإذن أو بالإحياء، فالإمام لا يملك يعطي عند جمع من أهل العلم، وإنما يفيد اختصاص، يكون أحق بها، وعلى هذا تضرب له مدة، فإن حقق الشرط الشرعي عمّر وأحيا وإلا تنزع منه.
والمسائل المتعلقة بالإحياء كثيرة لا تنتهي من خلال المشاكل التي وجدت في المحاكم لا سيما مع وجود هذا التشاحن والتنافس على أمور الدنيا، وإلا فالأصل أن المسلم ينظر إلى هذه الدنيا أنها معبر وليست مقر، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، هذا الأصل، لكن هم يتحايلون بطرق ووسائل، والله المستعان، فالمسائل في هذا الباب كثيرة جداً، ومردّها إلى القضاء، والمحاكم فيها من المشاكل الشيء الكثير المتعلقة بهذا، صدر لوائح تنظيمية للإحياء والإقطاع هي معمول بها في المحاكم، والله يعينهم ويسددهم.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن الصعب بن جثامة -رضي الله تعالى عنه- أخبره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا حمى إلا لله ولرسوله)) رواه البخاري.(91/13)
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه أحمد وابن ماجه.
وله من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- مثله، وهو في الموطأ مرسل.
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن الصعب بن جثامة -رضي الله تعالى عنه- أخبره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا حمى إلا لله ولرسوله)) رواه البخاري".
لا حمى الحمى في الأصل تحديد موقع مناسب، وقد يكون أفضل المواقع للرعي بحيث يحتجره ويحميه الإمام لترعى فيه إبل الصدقة أو مواشي بيت المال، أو الخيل التي تعدّ للغزو في سبيل الله، وأما الأملاك الخاصة فإنه لا يحمى لها، ولا يمنع الناس من أجلها، من الرعي في هذه الأرض التي يقع نظر الإمام عليها ((لا حمى إلا لله ولرسوله)) ولا هذه نافية، والنفي هنا يراد به النهي، وهو أبلغ من النهي الصريح، أبلغ مما لو قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يحمي أحد إلا ما كان لله ورسوله" يعني من إبل الصدقة، المواشي الزكوية التي تجبى من بهيمة الأنعام، والخيل التي تعد في سبيل الله، فالنفي هنا أبلغ من النهي، ومفاده النهي فلا يجوز لأحدٍ أن يحمي، ولا يجوز له أن يمنع الناس من الرعي في أي بقعةٍ كانت من الموات، ما لم تكن ملكاً له إلا إذا كان يحميها لله ولرسوله، في الحديث: في حديث النعمان بن بشير: ((ألا وإن لكل ملكٍ حمى)) وهذا أمر معتاد قبل الإسلام، كل ملك تقع عينه أو يقع نظره على بقعةٍ هي أنفع من غيرها لماشيته لكثرة النبات فيها يتخذونه، وبعد ذلك يمنع الناس من قربانها، ولذا جاء في الحديث: ((ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه)) ثم قال: ((كالراعي يرعى حول الحمى)) وبعض الناس يحمي أرض ليست له، ثم بعد ذلك يمنع من دخولها، وإذا دخل فيها من غير قصد لأن المواشي من يملكها؟ طرد هذه المواشي، بل تعدى على صاحبها، وهذا ظلم نسأل الله السلامة والعافية، فلا يجوز له أن يحمي إلا إذا كان الحمى لله ولرسوله، أما لأمواله الخاصة فلا يجوز له أن يحمي.(91/14)
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الصعب بن جثامة أخبره أن النبي -عليه الصلاة والسلام-" الحديث هذا من مسند ابن عباس أو من مسند الصعب؟ نعم؟ نعم لأن الإخبار والتحديث إنما هو من الصعب، لكن أحياناً عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة فعل كذا مثلاً أو قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا، فيكون من مسند ابن عباس؛ لأنه هو صاحب الخبر والقصة.(91/15)
((لا حمى إلا لله ولرسوله)) النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه حمى النقيع، وهو في الجهة الغربية التي تميل إلى الجنوب من المدينة على بعد سبعين أو ثمانين كيلاً على مسافة قصر، ومساحته تقرب من مئة كيلو مربع، اثنا عشر في ثمانية في ستة من جهة، المقصود أنها تنقص عن المائة، هذه محمية لإبل الصدقة، النبي -عليه الصلاة والسلام- حمى النقيع، وثبت عن عمر أنه حمى، لكن لا يحمون لأموالهم الخاصة، يعني مثلما تقتطع أرض وتجعل مستودع مثلاً لسيارات الحكومة مثلاً، لا يجوز لأحدٍ أن يقربها هذا حق، ولا أحد يمنعه؛ لأن هذه السيارات أو هذا المتاع العائد إلى بيت المال يحتاج إلى حماية، فمثل هذا لا إشكال فيه يحمى له ويقتطع له من الأرض، ويمنع الناس من دخولها بلا إشكال؛ لأن الحمى في هذه الحالة إنما هو لبيت المال، مع أن بعضهم يأخذ بمنطوق الحديث، ويعمل مفهومه، فيقول: لا حمى إلا لله ولرسوله فقط، يعني ليست لأبي بكرٍ أن يحمي، وليس لعمر أن يحمي وليس لولي الأمر كائناً من كان في أي وقتٍ، كان أن يحمي ولو كان للمصالح العامة، ولو كان لإبل الصدقة، نعم لإبل الصدقة يجعلها ترعى مع إبل الناس، فلا يضيق على الناس من أجل إبل الصدقة، أسلوب الحديث أسلوب حصر ((لا حمى إلا لله ولرسوله)) فهل هذا الحصر حصر حقيقي أو إضافي؟ إذا قلنا: حصر حقيقي فمعناه أنه ليس لأحدٍ أن يحمي كائناً من كان، ولا أبو بكر ولا عمر، بل هذا الحكم خاص بالله ورسوله، لكن أبا بكرٍ حمى، وعمر -رضي الله تعالى عن الجميع- حمى، عمر حمى الربدة، لكن حماها لمن؟ لإبل الصدقة، فدل على أن القول أو أن الحصر في الحديث حصر إضافي، وهل هو قصر موصوفٍ على صفته أو صفة على موصوف؟ يعني إذا قلنا: لله ولرسوله، يعني ما كان ملكاً لله ورسوله كإبل الصدقة مثلاً أو الخمس من الغنيمة قصرنا على هذا الوصف، فعلى هذا كل من كان عنده ما يتصف بهذا الوصف له أن يحمي، وليس المقصود به الموصوف هو الذي يحمي، إنما ما يحمى من أجله، ولذا حمى أبو بكر وحمى عمر، حمى الربذة لإبل الصدقة، لكن هل ضيّق على الناس؟ ومنع الناس من الرعي فيها؟ عمر -رضي الله تعالى عنه- كما جاء في الخبر الصحيح يقول .. ، عمر بن الخطاب -رضي(91/16)
الله تعالى عنه- استعمل مولىً له يقال له هني على الحمى فقال له: يا هني، اضمم جناحك عن المسلمين، يعني مفهوم حديث النعمان بن بشير أن الملك ((ألا وإن لكل ملكٍ حمى)) معناه أنه لا تقرب من هذا الحمى لأن الملك سوف يؤذيك، لكن عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل –يعني في هذا الحمى- رب الصريمة، ورب الغنيمة، يعني الفقراء والمساكين الذي عندهم أشياء يسيرة خلهم يرعون، أدخلهم، وغض الطرف عنهم، وأدخل رب الصريمة، ورب الغنيمة، وإياك ونَعَم ابن عوف وابن عفان، هذولا من الأغنياء، يعني رب الصريمة، ورب الغنيمة الأشياء اليسيرة الفقير الذي ما عنده إلا رؤوس من الماشية يسيرة هؤلاء أدخلهم، لكن نعم ابن عوف وابن عفان لا تدخلهم، والسبب؟ السبب أنه إن تهلك هذه الصريمة وهذه الغنيمة وين بيروح؟ بيجي لعمر يطلبه من بيت المال، والعشب الذي في هذه الأراضي المحمية أسهل على عمر وعلى غير عمر من الذهب والفضة، لكن إذا هلك نعم ابن عوف أو ابن عفان يأوون إلى أموال، وإلى زروع، وإلى ضياع، يأوون إلى شيءٍ ما يجعلهم يأتون إلى عمر يطلبون منه ما يقتاتون به، وما يعيشون منه، ولذلك قال: وإياك ونعم ابن عوفٍ ونعم ابن عفان فإنه إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخلٍ وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببينة يقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، وأيم الله أنهم يرون أني ظلمتهم، وإنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمي عليه في سبيل الله ما حميت على الناس في بلادهم، فدل هذا على أن الإمام له أن يحمي لإبل بيت المال، الإبل التي تعود على المسلمين بالعامة، لا الإبل التي تعود عليه في خاصته.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ضرر ولا ضرار)) رواه أحمد وابن ماجه".(91/17)
وله من حديث أبي سعيد مثله، وهو في الموطأ مرسل، المراسيل في الموطأ كثيرة جداً؛ لأن الإمام مالك يعمل بالمراسيل، وكثيراً ما تجد الحديث مروي في الصحيح من طريق مالك موصول، وتجده في الموطأ مرسل، فالإمام مالك لا يكترث لمثل هذا؛ لأن المراسيل عنده حجة، وعلى كل حال فالحديث بطرقه العديدة يصل إلى درجة الصحيح، ومع هذا فمفاده قاعدة من قواعد الشريعة (لا ضرر ولا ضرار) فالضرر الابتداء بما يضر الغير، والضرار المجازاة على هذا الضرر بأكثر منه، بما يترتب عليه ضرر أكثر من الضرر الأول، فالضرر لا يجوز ابتداؤه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ضرر)) وهذا نفي يراد به النهي كما تقدم في الحديث الذي قبله، وهو أبلغ، فلا يجوز أن يصدر الضرر من أحدٍ لأحد، لا يجوز {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} [(233) سورة البقرة] فيمنع الضرر من أي جهةٍ كانت، ومن أي شخصٍ كان؛ ولأي شخصٍ كان، لا يجوز الضرر، فلا تضارر المرأة والدة بولدها، لا تضارر الأب، ولا المولود له، يعني الأب لا يضارر الأم، كما أنه لا يضارَر؛ لأن اللفظ مشترك بين الفاعل والمفعول، فإذا قلنا: لا يضارِر ويحتمل بعد الفك أن يكون لا يضارَر أيضاً، لا تضارِر ولا تضارَر، فهو من الطرفين، فلا ضرر ولا ضرار.
قد يقول قائل: إن هذا الذي بدأ بالضرر لغيره لا يختلف أحد في أنه آثم؛ لأنه مخالف ومتعدي وظالم لغيره، لكن الذي يعاقب هذا المضارر وهذا المتعدي، هل هو منهي عن هذا الفعل؟ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] فمعاقبة الجاني ليست بمضارة، ولا تدخل في الحديث ولا في المنع، معاقبة الجاني لا تدخل في هذا الخبر بقدر جنايته، فإن زادت المعاقبة على قدر الجناية صار ضرار، فالضرر الصادر من المبتدئ حرام، الضرر الصادر من المعاقب بقدر الجريمة التي صدرت منه هذه معاقبة بالمثل {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] لا يأثم فيها، لكن إذا زاد دخل في الضرار، فيحرم عليه المعاقبة بأكثر مما أوذي به، فلا ضرر ولا ضرار.(91/18)
طيب عندنا مسجد يقال له: مسجد الضرار، هل هو من هذا الباب أو من غيره؟ هل له علاقة بهذا الباب؟ كيف سميّ مسجد ضرار؟ والضرار في الخبر الذي معنا هو معاقبة الجاني بأكثر من جنايته، وقد يقول قائل: ونحن نقول: الضرر إيصال الأذى إلى الغير، والضرار معاقبته بأكثر من هذا الضرر، قد يقول قائل: إن القاعدة هذه منتقضة، بأي شيء؟ شخص يسرق ثلاثة دراهم فتقطع يده؟ هل كانت العقوبة بقدر الجريمة؟ نعم يا إخوان؟ يعني إذا قلنا: الضرر الابتداء بما يضر، والضرار العقوبة بأكثر مما يستحقه الجاني فإذا سرق ربع دينار أو ثلاثة دراهم قطعت يده، هل نقول: هذا ضرار؛ لأنه أعظم من الجناية؟ لا، أبداً، لماذا؟ لأن هذه الدراهم ليست مقصودة لذاتها؛ لأن الذي يسرق ثلاثة دراهم يسرق ما وراءها، يسرق ما هو أعظم منها، لكن لو سرق ثلاثة دراهم أو ربع دينار وقطعنا يديه كلتيهما قلنا: ضرار بلا شك، لو قلنا: هذا هو الضرار، طيب مسجد الضرار وش علاقته بالحديث؟ يعني منصوص عليه في سورة التوبة؟ هل له ارتباط له بالحديث أو لا ارتباط له به؟ الفعل ضارّ يضارّ مضارةً وضراراً، فهي مفاعلة بين شيئين، فالذين عمروا المسجد ماذا كان هدفهم؟ تفريق المسلمين، فهل هذه المضارة حصلت من طرفٍ واحد أو من طرفين؟ من طرف واحد، إذاً المفاعلة ليست على بابها، وإلا فالأصل أن المفاعلة تكون بين طرفين، وهؤلاء حصل الإضرار والضرار منهم فقط، فوقعوا في الإضرار بالأمة حيث أرادوا وقصدوا تفريق الصحابة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، طيب لو شخص مثل عامر هذا المسجد عمر هذا المسجد ويريد بذلك أن يجتمع فيه المسلمين لأداء الصلوات والدروس العلمية، ثم جاء آخر فعمر مسجداً قريباً منه ليسحب هؤلاء الحضور عنه، وإمام المسجد هذا وإمام المسجد الثاني ما في تميّز لأحدهما عن الآخر، كما كان في عهده -عليه الصلاة والسلام-، هل نقول: المسجد الثاني مسجد ضرار؟ أراد أن يسحب المصلين عن هذا المسجد، والطلاب والحلق عن هذا المسجد؟ أراد الضرار بعامر المسجد؟ عامر المسجد عمر المسجد، وأنفق عليه، وأجره على الله، لكن يبقى أنه إذا صار مأوىً للمتعبدين، ومأوى لطلاب العلم، لا شك أن أجره يعظم، لا سيما إذا كان لعامر المسجد(91/19)
يد في كثرة هؤلاء الناس، فإذا أراد أحد أن يضار في هذا الأمر لا شك أنه ضرار، إذا أراد أن يفرق هؤلاء الجمع، ويفتت هذا التلاحم لا شك أن هذا ضرار، والله المستعان، لكن ما يحكم عليه بمثل ما حكم على المسجد الذي في عهده -عليه الصلاة والسلام- من الهدم والحكم بالنفاق وما أشبه ذلك، الأمور المقاصد خفية عن الناس، على كل حال إذا وجد مثل هذا، على من عرف حقيقة الأمر قبل وقوعه عليه أن يبذل النصيحة لمن أراد أن يضارّ، وولي الأمر يحكم في هذا، له أن يتصرف، له أن يمنع، له أن يهدم، الأمر له ...(91/20)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (19)
تابع: باب: إحياء الموات
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
وعن سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له)) رواه أبو داود، وصححه ابن الجارود.
وعن عبد الله بن مغفل -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) رواه بن ماجه بإسنادٍ ضعيف.
وعن علقمة بن وائلٍ عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطعه أرضاً بحضرموت، رواه أبو داود والترمذي، وصححه ابن حبّان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن سمرة بن جندب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له)) " وهو بمعنى ما تقدم من أحيا أرضاً ميتة عمّر أرضاً فهي له ((من أحيا أرضاً ميتة فهي له)) و ((من عمّر أرضاً فهو أحقّ بها)) من العمارة، ومن الإحياء ضرب السور على هذه الأرض، وعرفنا أنه ليس كل سورٍ يكفي، بل لا بد أن يكون سوراً يمنع من أراد الدخول فيها، كما أنه يمنع من أراد الخروج منها، وقدر ذلك بثلاثة أذرع، يعني متر ونصف.(92/1)
((من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له)) يقول: "رواه أبو داود، وصحّحه ابن الجارود" لكن سنده عند ابن الجارود فيه ضعف، سنده فيه ضعف، وهو من رواية الحسن عن سمرة وهي مختلف في وصلها؛ لأن العلماء يختلفون في رواية الحسن عن سمرة، فمنهم من يحمله على الاتصال؛ لأنه ثبت أنه روى عنه حديث العقيقة، ومنهم من يحمله على الانقطاع، ومنهم من يفصل فيثبت الاتصال بحديث العقيقة دون غيره، على كل حال الحديث إسناده ضعيف، لكن له شواهد، وهو داخل في القاعدة العامة ((من أحيا أرضاً ميتةً فهي له)) وهذا نوع من الإحياء عند أهل العلم، فيكون حينئذٍ مندرجاً، هذا مندرج في الحديث السابق العام، قد يقول قائل: إن الناس في هذا الوقت، أن الناس كلهم لديهم استعداد أن يضعوا أحواش واستراحات ويستبقوا إليها، فهل هذا التمليك الشرعي على أطلاقه، أو أنه لا بد من أن يحال دون الناس وبين الجشع الذي يعيشونه؟(92/2)
أولاً: الحق الشرعي الذي يثبت بالأدلة الصحيحة ليس لأحدٍ أن يلغيه كائناً من كان، يعني ليس لولي الأمر أن يمنع الإحياء، لكن له أن ينظم وينظر في ما يحقق العدالة بين الناس، أما أن يلغي لا، ليس من حقه أن يلغي حكماً شرعياً، لكن له أن يسنّ أنظمة من أجل تحقيق العدالة بين الناس؛ لأن هذا موضوع يلتبس على كثير من الناس في الأمور المباحة في الأصل ((من سبق إلى مباح فهو أحق به)) يقولون: نحن نمنع مما أعطانا الشرع، فكيف نمنع؟ هل ولي الأمر يملك منع الناس مما أباحه لهم الشرع؟ لا يملك، هل له أن يلغي حكماً شرعياً؟ ليس له ذلك، لكن لولي الأمر أن ينظم ما يحقق العدالة، وتجدون في فروع كتب الفقه ما يظن أنه اعتراض على هذا الحق الذي أعطاه إياه الشرع، لكن الأمور بواسطتها تتحقق العدالة وإلا لو لم توجد مثل هذه الأمور لوجدنا النزاع والشقاق والقتال، بل القتل من أجل التراب، وعلى كل حال فهذا الأمر من أحاط حائطاً على أرضٍ فهي له مندرج تحت ما تقدم، وهذا نوع من الإحياء والحياة قد تكون جزئية، وقد تكون كلية، قد يكون الإحياء بزراعتها وزراعتها بما يثمر، ويستفيد منه الزارع وغير الزارع هذه حياة بلا شك وهي الأكمل، قد تكون ببناء مسكن يسكنه هو وأولاده، ويواريهم، ويقيهم الحر والبرد، وقد تكون بمثل هذا وهذا أقلها، أقلها أن تحاط بجدران تحدها من الجهات.
يقول: "وعن عبد الله بن مغفل" قلنا: إن الحديث بسنده المذكور عند بن الجارود الذي يقول: صححه ابن الجارود فيه ضعف، لا يسلم من ضعف، لكنه بشواهده يصل إلى درجة الحسن لغيره، وهو مندرج في القاعدة العامة المؤيدة بالحديث.
"وعن عبد الله بن مغفل -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) رواه ابن ماجه بإسنادٍ ضعيف".(92/3)
جاء سؤال من الأسئلة يقول: لماذا ابن حجر ضمن البلوغ بعض الأحاديث الضعيفة التي لا يحتج بها، يعني في الأحكام على قول الجمهور، أو مطلقاً على قول بعضهم؟ لماذا؟ ابن حجر نفسه يقول: بإسنادٍ ضعيف ليش تدخله في البلوغ؟ البلوغ أحاديث أحكام، وعامة أهل العلم لا يحتجون بالضعيف في الأحكام، لماذا يدخل مثل هذا في الأحكام؟ نعم، نقول: إذا كان إسناده ضعيف الذي يشير إليه الحافظ، وخلا مما يقويه، وخلا ممن عمل به من أهل العلم فلا يدخل؛ لأن وجوده مثل عدمه، لكن بعض الأحاديث هي من جهة نظر ابن حجر ضعيفة، لكن عمل بها بعض أهل العلم فهو يدخلها في كتابه من هذه الحيثية ليجد المستدل من جميع المذاهب ما يفيده في هذا الكتاب، وعلى كل حال الحديث له شاهد عند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة، وبه يرتقي إلى الحسن.(92/4)
قال: ((من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) حفر بئر في أرضه أو في أرضٍ موات ويكون هذا نوع من الإحياء؟ وحينئذٍ يقدر ما يحتاجه هذا الذي حفر هذه البئر، يعني إذا حفر البئر في أرض موات هل نقول له: إن حدودك في هذه الأرض هي شفير البئر فقط؟ كيف يصل إلى هذه الأرض ليسقي ماشيته؟ كيف تبرك هذه الماشية حول هذه البئر التي يراد الاستقاء منها؟ إذا قلنا: أنت تصور أرض مخططة ليس فيها شوارع ولا منافذ ولا مرافق هل يمكن العيش فيها؟ ما يمكن، هذه البئر التي حفرها صاحب الإبل أو صاحب الزرع هل نقول له: إن مالك إلا ما أحييت هذه البقعة فقط، أو نقول: هذه مثل الجبيرة لك مقدار الجرح وما يحتاج إليه أيضاً؟ لو قلنا: إن لك مثل مقدار الجرح وقدرنا الجرح بسانتيمتر واحد مربع، وأتينا بلصق فيه علاج أو شيء بقدره سنتيمتر مربع يمسك وإلا ما يمسك؟ ما يمسك، ما يمسك إذا كان بمقدار الجرح إلا إذا وضعنا له حريم، يعني شيء يحتاج إليه من يمينه وعن شماله .. الخ، البئر هكذا، لو قلنا: لك تحفر بئر قطرها خمسة أمتار، وليس لك إلا هذه المساحة، مترين ونصف في مترين ونصف في النسبة التقريبية، يعني مالك إلا هذه المساحة يستفيد منها وإلا ما يستفيد؟ كيف ينزل عليها من الجو؟ أو نقول: لا بد لهذه البئر من حريم؟ يسمونها حريم، تكون عطناً لماشيته، موطن مبارك لهذه الماشية لكي ترد على هذه البئر؟ لا شك أن حفر البئر حتى يصل إلى الماء ويستفاد منه هذا إحياء، هذا لا يختلف فيه أنه إحياء، بل هو أولى من الحائط، لكن إذا حفر هذه البئر وعجز عن أن يصل إلى الماء، انقطعت به النفقة، الماء يحتاج إلى مائة متر، وصل إلى ثمانين متر وانقطعت به النفقة، هل لكل أحد أن يأتي ليحيي هذه البئر ويحفرها؟ أو نقول: تفيده اختصاص لا ملك؟ إن وصل إلى الماء أفادت الملك، إن لم يصل إلى الماء أفادته اختصاص وهو أحق بها إن استطاع ولو بعد حين أن يصل إلى الماء وإلا فتعود موات، هذا من جهة، من جهةٍ أخرى هذه البئر عرفنا أنه ليس له لا يمكّن من مساحتها فقط، بل له ما يستفيد منه مما حواليها، وقدّر ذلك بأربعين ذراعاً عطناً لماشيته، يعني مبارك لأبله، والمكان التي تبرك فيه أو تستوطنه لترد من(92/5)
هذا الماء.
((فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته)) وجاء التحديد أيضاً بالتفريق بين البئر البديء يعني الجديدة، وبين البئر العادية يعني القديمة فتعطى الجديدة خمسة وعشرون ذراعاً، وتعطى البئر القديمة خمسون ذراعاً عند أحمد، هذا حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد، وهذا ينهض أيضاً للعمل به، ولماذا فرق بين البئر العادية القديمة وبين البئر البديئة التي الآن استحدثت؟ هل من فرق؟ هل يلتمس من فرق بين القديمة والجديدة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، وأيضاً القديمة في الغالب تكون أعمق من البديئة التي هي الجديدة، فتحتاج من الأرشية ما هو أطول مما يحتاجه البئر الجديدة، أيضاً إذا كانت محياة من قبل أشخاص انقرضوا وتوارثها أناس من بعدهم يكون أربابها أكثر تشعب، ومن ثم تكون مواشيهم أكثر من البئر العادية البديئة التي استحدثت فإنه يملكها من أحدثها وأسرته ممن يحتاجون إليها، فالتفريق بين البديئة والعادية لا شك أنه له وجه، ظاهر وإلا مو ظاهر؟ الآن لو أن شخصاً أراد أن يستثمر أرض موات سواء كانت لزراعة أو غيرها هل نقول له: ليس لك من هذه الأرض إلا ما يمكن أن يكون أخضر مزروع فقط؟ أو مثل هذه الأرض تحتاج إلى مرافق؟ فيحتوي أو يستحوذ على هذه الأرض بمرافقها التي يحتاج إليها في الزرع؟ مثل حريم البئر؟ الآن البئر أعطيناه مساحة كبيرة من أجل أن يستفيد منها حق الاستفادة، لو ضيقنا عليه ما استفاد، لو قلنا: هذه بئر وابتعدنا عنها متر، وعمرنا مسجد، ومتر من الجهة الثانية وعمرنا مدرسة، ومن الجهة الثالثة وضعنا حديقة، مرافق، هذه يحتاجها الناس، لكن هل يستفاد من هذه البئر بين هذه الأشياء؟ هل يستفيد منها الإنسان لماشيته؟ ما يستفيد، فلا بد من أن تتاح له مساحة بحيث يستفيد منها، وإلا صار عمله عبثاً، إذا زرع مزرعة فيحتاج إلى مرافق تعينه على هذه المزرعة، يحتاج إلى مكان للإبل، والمزارع تحتاج إلى إبل، وتحتاج إلى بقر، وتحتاج إلى معدات، مواقف للسيارات، وتحتاج إلى .. ، المقصود أن ما يحتاجه ويقدر ذلك أهل الخبرة يتاح له، مثل حريم البئر.(92/6)
يقول: "وعن علقمة بن وائل عن أبيه -وائل بن حجر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطعه أرضاً بحضرموت" رواه أبو داود والترمذي، وصححه ابن حبان" على كل حال الحديث صحيح ثابت، أقطعه أرضاً بحضرموت، لماذا أقطعه أرضاً بحضرموت؟ لأنها جهته التي يتمكن من الإفادة منها؛ لأن الأصل في الإقطاع العمارة، ليس الأصل في الإقطاع أن يقطع فلان من الناس يقطع أرض ليبيعها ويستفيد من قيمتها وتستمر موات؟ ليس هذا هو الأصل في الإقطاع، بل الأصل في الإقطاع أن يستفيد منها؛ ليعمرها؛ ليحييها، بزراعة، بأي عمل من الأعمال التي ينتفع به، وينتفع منه الناس، أما أن يقطع أرض ليبيعها ويستفيد من قيمتها هذا ما عرف، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أقطع وائل بن حجر أرضاً بحضرموت لأنها بلده، فعلى هذا لا ينبغي لا يحجر على الإمام، وأهل العلم منهم من يرى أن له أن يقطع، وأن إقطاعه تمليك بدون إحياء، ومنهم من يوقف التمليك على الإحياء، وأنه مجرد إقطاع الإمام هو مجرد اختصاص، عند جمع من أهل العلم أنه مجرد اختصاص لا يملكها إلا بالإحياء، ومنهم من يقول: إن الإمام يملك العطاء كما يملكه من بيت المال، يملكه من الأراضي البور، فأقطعه أرضاً بحضرموت من أجل أن يتمكن من عمارتها لأنها بلده.(92/7)
الهبة من ولي الأمر إذا جاءت لشخص من غير استشراف فليقبلها، من غير استشراف، وجاء في ذلك الحديث الصحيح، أن يقبلها ما لم يكن من وراء هذه الهبة وهذه العطية شيء يراد من هذا الشخص، ولذا في الصحيح -في صحيح مسلم-: "أما إذا كانت ثمناً لدينك فلا" فسواءً أقطعه الإمام أرض أو أعطاه هبة من غير استشراف هذا لا بأس يقبل، وجاءت النصوص الصحيحة الصريحة بهذا، لكن شريطة أن لا تكون ثمناً للدين، أما إذا كانت ثمناً لدينك فلا، قد تكون ثمناً للدين والإنسان ما يشعر، وولي الأمر ما يطلب منه المقابل، لكن بعض الناس مجرد ما يحسن إليه يتنازل، فإذا عرف من نفسه هذا الأمر فلا يقبل، ولو لم يطلب منه، ولي الأمر رأى أن هذا الشخص نافع للناس، وباذل جاهه للناس، وفاتح بابه للناس، يستحق أن يعطى من بيت المال ما يعينه على الاستمرار، لكن هذا الشخص يقبل لأنه من غير استشراف، يبقى أنه إن كان يعرف من نفسه ولو لم يطلب منه أنه يتنازل عن شيء ولو لم يطلب منه ولي الأمر يتنازل بدون طلب فمثل هذا لا يقبل "أما إذا كانت ثمناً لدينك فلا" سواء كانت معاوضة أو أنت تعرف من نفسك أنك لا تحتمل مثل هذه الأمور فتتنازل عن بعض الأشياء، أو تعرف من نفسك أنك إذا وسّع عليك مجرد التوسعة عليك، بعض الناس إذا توسعت عليه أمور دنياه ضاع دينه، ولو لم يطلب منه شيء، هو بنفسه يبادر، وجاء في الخبر: ((من الناس أو من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، ومن الناس من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك)) فمثل هذا يحتاط له.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقطع الزبير حضر فرسه، فأجرى الفرس حتى قام، ثم رمى سوطه فقال: أعطوه حيث بلغ السوط. رواه أبو داود، وفيه ضعف.(92/8)
تبعاً للحديث السابق الذي هو الإقطاع، وأيضاً هذا الحديث اللاحق السلطان يعني هبات السلطان مثلما ذكرنا أنها إذا جاءت من غير استشراف يقبل الإنسان، ولا فيها إشكال، وهي من بيت المال، لا منة فيها لأحد، وبعض الناس يتوسع في هذا الباب، وتجده يستشرف، ويزاحم الولاة ويؤذيهم، ويستكثر بذلك، هذا طرف، والطرف الثاني -وهو حاصل يا إخوان- تأتيه الهبة وهو بأمس الحاجة إليها، وهو مضطر إليها، ولا يخشى من شيء، وقد يسلك لقضاء حوائجه بعض المسالك التي فيها منة عليه، وقد يكون فيها ضرر في دينه أو على ولده ما فيه، فمثل هذا لا شك أنه الدافع إليه الورع، لكن ينبغي المسألة تكون فيها شيء من التوازن، أشد من ذلك شاب من طلاب العلم طلب أبوه هبات من بيت المال، فأقطع أرض تحتمله وتحتمل أولاده ويمكن يوزعها على أولاده تأتي لهم مساكن بالراحة، فواحد من أولاده طالب علم قال: أنا لا آخذ هذه الهبات ولا أستشرف! قلت: يا أخي ما استشرفت، كون أبوك استشرف وطلب وجاء بها لك من غير استشرافٍ منك لا يمنعك من قبولها، والأمر الثاني في هذا كسر خاطر للأب، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب ما يقول: لا أبداً يرفض من أبيه ما يأتيه، بعض الناس الأب يكون من حرصه وشفقته على أولاده يطلب لهم شيء من بيت المال، وهذا شيء مشاهد، نعم الاستشراف والمزاحمة وكذا خلاف الأولى ومكروهة، لكن لا يعني أن الإنسان يقع من أجلها في محذور، يعني أب يأتي يشكو ولده بأنه طلب لهم أراضٍ تعينهم على أمور دنياهم وهذا بحاجة إلى زواج ما وجد مهر، فقال: أنا لا أقبلها، لا شك أن الورع مطلوب، والعزوف عن الدنيا مطلوب، والاكتفاء والقناعة مطلوبة، لكن يبقى أن هناك موازنة، أبوك، هذا أبوك، برّه واجب عليك، وجبر خاطره مطلوب منك، تكلّف وتعنّى وأنت جاءتك هذه الأرض من غير استشراف، ما هو أنت الذي استشرفت، وبعض الناس يسعى له من غير طلبه ولا استشرافه ثم بعد ذلك يرفض! نعم نقول: إن الأصل الورع، وطالب العلم ينبغي أن يعيش على كفاف، فلا إفراط ولا تفريط، طلاب العلم رأينا من بعضهم لما انفتحت الدنيا وانشغل الناس بها في الأيام الأخيرة في الأسهم وما الأسهم انصرفوا انصرافاً كلياً، وجاءني سؤال في درسٍ من الدروس(92/9)
يقول: كنت حافظاً للقرآن، وأحضر يومياً دروس، ولي الآن من سبعة أشهر ما فتحت المصحف، لا شك أن الدنيا ضرة؟ يعني إذا حلت في القلب القلب ما يحتمل، فعلى كل حال على الإنسان أن ينظر بعين البصيرة، ويسدد ويقارب ويوازن بين المصالح والمفاسد، وماذا فعل؟ وماذا ترك؟ يحاسب نفسه في هذا المجال أما أن ينكر على الأب بفضاضة وغلطة لأنه طلب، يا أخي طلب كغيره ممن يطلب، والأب يعني ما هو من أهل التحري، أو من أهل المعروفين بورع أو علم زائد، شخص عادي، ومثل عادي الناس وش المانع أن يطلب؟ كونه ينتظر من غير استشراف هذا إرشاد، أمر إرشاد، وهو الأكمل، لكن إذا طلب من بيت المال مما له فيه نوع استحقاق كغيره ممن ينتسب إلى هذا الولي -ولي الأمر- ما في ما يمنع، لا سيما إذا كان يدرأ بذلك مفسدة أعظم، عليه ديون مثلاً، أو يريد أن يتزوج ولم يجد، مثل هذا هبة السلطان وقبوله بل الطلب منه أولى من أن يجلس أعزب، يعني بعض الشباب يأتينا باستمرار يقول: أنا والله لا استطعت لا مهر ولا انكففت لا بصيام ولا غير صيام، يعني مثل هذا وش يقال له؟ يقال له: لا تستشرف ولا تطلب من السلطان؟ يقال له: يا أخي اطلب من السلطان وعفّ نفسك؛ لأن الأمور تحتاج إلى توازن، يعني مثل الذي ينهى عن الكي، أو ينهى عن الرقية يعني ينتهي بنفسه ليدخل في حديث السبعين ألف، لا يكتوي ولا يسترقي، لكنه في أبوابٍ أخرى من أبواب الدين مفرط، بل في أبواب التوكل فيه خلل عظيم، فالمسألة مسألة توازن، لا يدعي شيء منزلة لنفسه لا يستطيعها، وليس معنى هذا أن طالب العلم يذل نفسه، لكن وصلت هذه إليك من غير طلب ولا استشراف ولو كانت بواسطة أبيك هذه يتعيّن عليك قبولها، لو لم يكن فيها إلا إلزام الأب لك، والله المستعان.
لأن هذه القضية حاصلة من بعض الشباب يحصل منهم مثل هذا، يحصل منهم، وهذا عدم فقه من هذا الشباب يسمع نص ويهدر نصوص، فلا بد من الانتباه لهذا، ومراعاة لحقوق الوالدين تكون بالدرجة الأولى بعد حقوق الله -جل وعلا-، تجد طالب علم ملازم للدروس، وإذا أمر أو نهي من قبل أحد الوالدين ضرب بالأمر والنهي عرض الحائط! لا شك أن هذا خلل يحتاج إلى إعادة نظر.(92/10)
يقول: "وعن بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقطع الزبير" بن العوام، وهو من العشرة أقطعه "حضر فرسه فأجرى الفرس حتى قام" يعني حتى قام إيش معنى قام؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
وقف، وقف الفرس "حتى قام ثم رمى بسوطه فقال: أعطوه حيث بلغ السوط" يعني مع الحضر مع المسافة مع العدو عدو الفرس هذا، وعلى كل حال الحديث رواه أبو داود يقول: "وفيه ضعف" بل ضعيف، الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده عبد الله بن عمر العمري المكبّر، وهو معروف بسوء الحفظ عند أهل العلم، فالخبر ضعيف، وعلى كل حال يغني عنه الحديث السابق في أن لولي الأمر أن يقطع ما شاء.
وعن رجلٍ من الصحابة -رضي الله تعالى عنه- قال: غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول: ((الناس شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار)) رواه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن رجلٍ من الصحابة -رضي الله تعالى عنه- قال: غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" إثبات الغزو له مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يثبت له الصحبة، وإذا ثبتت له الصحبة فإنه حينئذٍ يكون مقبولاً ولو أبهم كما هنا، عن رجلٍ من الصحابة، قد يقول قائل: هذا مبهم، ومثل هذا يسميه البيهقي مرسل، لكن هو متصل، ولا يضر إبهام الصحابي، جهالة الصحابة لا تضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فمجرد ما يثبت أن هذا صحابي تكون روايته مقبولة، ولو لم يسم.
"قال: غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول" لو لم يقول: غزوت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ عن رجلٍ من الصحابة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الناس شركاء في ثلاثة)) يتغير الحكم وإلا ما يتغير؟ لا يتغير، ما دام ثبت أنه صحابي، لكن قوله: "غزوت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-" تكون الدعوة مقرونة بدليلها، لماذا وصف بكونه من الصحابة؟ لأنه غزا مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو صحابي لا إشكال في ذلك، ولا تردد في صحبته.(92/11)
"غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول: ((الناس -والصواب المسلمون- شركاء في ثلاثة)) " الناس وقد تصحح هذه اللفظة بناءً على أنه من العام الذي أريد به الخصوص، كما في قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [(173) سورة آل عمران] الذين قال لهم الناس واحد، نعيم بن مسعود، إن الناس قد جمعوا لكم أبو سفيان ومن معه، في الأحزاب، فيكون إذا قبلنا هذا اللفظ من العام الذي أريد به الخصوص، وإذا قلنا: المسلمون كما هو اللفظ الصحيح شركاء في ثلاثة، المسلمون يخرج الكفار، فلو أن كافراً في بلد من بلدان المسلمين إقامته شرعية، مأذون بإقامته شرعاً، إقامته شرعية هل يشترك معهم في هذه الأمور الثلاثة؟ يعني احتاج إلى كلأ وهو العشب، احتاجت دابته إلى عشب يمنع وإلا ما يمنع؟ إقامته شرعية؟! احتاج إلى ماء ليشرب مثلاً، أو احتاج إلى نار، إذا احتاج إلى هذه الأمور الثلاثة وإقامته في بلاد المسلمين شرعية، أما إذا كانت إقامته بين ظهراني المسلمين غير شرعية وهو حربي فإنه حينئذٍ لا يمكّن لأنه مباح الدم والمال ليس بمعصوم، المسألة في كافرٍ معصوم الدم والمال احتاج إلى هذه الأمور على رواية: ((المسلمون شركاء في ثلاثة)) هل نقول: لا؟ لا يمكن من الكلأ ولو ماتت دابته إلا بالشراء؟ لا يمكن من الماء ولو مات عطشاً إلا بالشراء؟ لا يمكّن من النار ولو مات من البرد؟ أو احتاج إلى طعامه ما يوقد به! ولو مات من الجوع إلا بالشراء؟ يمكّن وإلا ما يمكّن؟ في كل كبدٍ رطبةٍ أجر، فالتي سقت، البغي التي سقت الكلب دخلت الجنة، وهذه كبد رطبة فيها أجر، والإحسان إليه لا سيما إذا كان صاحب هذا الإحسان حسن نية، وتأليف من أجل أن يقبل الدعوة إلى الإسلام لا شك أن من يمكّنه مأجور، لكن المسألة مسألة استحقاق، يعني هل يستحق وإلا ما يستحق؟ على لفظ: ((المسلمون)) يستحق وإلا ما يستحق؟ لا يستحق، وإلا فعلى اللفظ الأول: ((الناس شركاء)) هو من أهل الاستحقاق؛ لأنه من الناس.(92/12)
((شركاء في ثلاثة: في الكلأ والماء والنار)) يعني هذه الأمور أما بالنسبة للكلأ في موضعه في البراري والقفار فلا يجوز لأحد أن يمنع الناس منه، وفيه الحمى الذي تقدّم الكلام فيه، لكن إذا هذا الكلأ احتشّه شخص وحازه إلى بيته، أو في مستودعه هل نقول: إن الناس شركاء في هذا الحشيش؟ لا، هذا تعب عليه، وكذلك الماء إذا كان في الأماكن العامة الناس شركاء فيه، أما إذا حازه الإنسان، ودخل في بيته، ووضع العداد، وحسب عليه باللتر مثل هذا لا يشترك معه أحد، وقل مثل هذا في النار إذا اشترى الحطب بدراهم، وأوقد النار فإنه يختص بها، لا يشترك معه أحد، ومن أهل العلم من يجري الحديث على عمومه، أنت عندك مستودع مملوء بالحشيش، وجارك دابته تكاد تموت من الجوع وليس عنده ما يشتري به هل يلزمك أن تعطي جارك من هذا الحشيش الذي عندك أو لا يلزمك؟ من أهل العلم من يرى أنه يلزمك؛ لأنه من الكلأ المشاع بين الناس، كونك تعبت عليه نعم تعبت عليه أنت أخصّ الناس به، لكن لا يعني أنك ملكته؛ لأنه في الأصل مشاع، من أهل العلم من يرى هذا، لكن لا شك أن التعب على الشيء يجعل الإنسان يملكه، في الماء مثلاً جاء في الماء ما هو أكثر من هذا، يعني المنع من فضل الماء لا يجوز، أنت اشتريت قارورة ماء بقدر هذه وأنت عطشان، وأنت يكفيك نصف هذه القارورة، وبجوارك شخص عطشان، وما وجد ما يشرب، وليس معه ما يشتري به، هل يلزمك أن تدفع له أو لا تدفع له؟ لأن هذا حزته وملكته بمالك، على القول الأول الذي صدرنا به الكلام لا يلزمك، لكن على القول الثاني والمسألة مسألة عموم، والشرع في الجملة يطلب من المسلمين أن يكونوا في مثل هذه الأمور على التعاون، ولذلك جاء ((كسب الحجّام خبيث)) إيش معنى خبيث والنبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجّام أجرة؟ هل الرسول يمكّن من أكل الخبيث، أو يريد أن يتعافى الناس مثل هذه الأمور ويتسامحون فيها، ويخدم الإنسان أخاه المسلم دون مقابل؟ هذا هو المقصود، فعل هذا تعطيه ما بقي عندك من الماء، ولو حبسته عنه أثمت، لكن يوجد بعض الناس فيه شحّ، واعتاد الدناءة، فتجده في كل مجال من المجالات الموسع فيها يضيق على الناس، ومثلهم وأحاديهم على ما قال: شيء(92/13)
ببلاش ربحه هين، واحد محتاج إلى الماء في حاجة شديدة في حرٍ شديد، وما سمحت نفسه يشتري ماء بريال، جاء شخص آخر اشترى قارورتين من الحجم الكبير الذي يكفيه عشرة بالمائة مما يحويهما من الماء فشرب من واحدة وصب بقية الماء على رجليه، وعلى رأسه، وكب الباقي، وذاك ينظر {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] فلا هذا ولا هذا، المسألة مسألة توسّط واعتدال ((خير الأمور أوساطها)) {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] وأهل السنة وسط بين .. ، وقل مثل هذا في جميع التصرفات، ينبغي أن يكون الأمر على الوسط، فلا إسراف ولا تقتير، ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط، فعلى المسلم أن يكون متوسطاً في جميع أموره، وبعض الناس يريد أن يعاقب مثل هذا، يعني معه الدراهم والدنانير وجيوبه مملوءة، وقد يكون يعرفه من الأغنياء الأثرياء ثم بعد ذلك يأتي يشحت، إن كان معك شيء من الماء؟ هل هذا يحرم منع الماء عنه؟ مثل هذا يحرم منع الماء منه؟ لا شك أن النصوص عامة، يعني منع فضل الماء مذموم على كل حال، لكن يبقى أن مثل هذا، يعني إذا وجد من يستحقه بالفعل لا يجوز منعه، وبعض الناس يسأل الناس ما يحتاجون إليه، اشترى ماء وشرب منه الآن، ويحتاجه بعد قليل، يحتاج البقية، والآخر عنده الدراهم والدنانير، ويكون موصوف بالغنى ومع ذلك يسأل؟! إذا أمرنا صاحب الماء ببذله لغيره نمنع أيضاً من يسأل الناس؛ لأن كل شخص ممن ينتسب إلى هذا الدين له من خطابات الشرع ما يخصه، يعني ما نأمر هذا بمنع فضل الماء، ونقول للإنسان: اسأل الناس وتكفف الناس؟ نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، يعني سؤال الناس، سؤالهم الأموال تكثراً هذا جاء الشرع بمنعه، فإذا أمرنا الإنسان أن يبذل فضل الماء، أو يبذل فضل النار، أو يبذل الكلأ الذي عنده، فإننا أيضاً نمنع الطرف الآخر إذا كان قادراً أن يتكفف الناس ويسأل الناس؛ لأن السؤال مذموم، ولكل فرد من أفراد المسلمين ما يخصه من النصوص.(92/14)
طيب الأمور التي لا مضرة فيها على أحدٍ البتة، شخص ينتظر آخر، وفي القائلة، يعني بعد صلاة الظهر مثلاً، واستظل بجدارك فيه ظل، ووقف عند الجدار يستظل به، أو على السور لمبات ومعه ورقة يريد قراءتها فقال بها هكذا يريد أن يقرأ، هل لك أن تمنع أو ليس لك؟ ليس لك أن تمنعه إلا إذا لحقك ضرر، يعني لو وجد مجموعة من طلاب العلم معهم مثلاً كتاب يريدون القراءة فيه، وما وجدوا نور قريب منهم إلا هذا النور الذي فوق الباب فجلسوا عند الباب، أنت متضرر من جلوسهم عند بابك، يعني مجرد ما يفتح يطلعون على عوراتك، مثل هذا لك أن تمنعهم، لكن في جهة ليس عندها باب ولا يزعجونك بأصواتهم ليس لك أن تمنعهم، فمثل هذه الأمور تنزل على هذا الحديث، فالناس شركاء فيما أصله الإباحة والإشاعة هذا مطلقاً، أما إذا حيز وتعب عليه وصرفت فيه الأموال فإن هذا عند جمع من أهل العلم لا يدخل في الحديث، ومنهم من يدخله، وينبغي أن يكون النظر شامل، في مثل هذه الأمور الأشياء التي لا تتضرر بها، ولا يلحقك بها أدنى ضرر، ويحتاجها الناس عليك أن تبذلها بطوعك واختيارك، ولك الأجر من الله -جل وعلا-.
النار التي يشترك فيها جميع الناس الأصل فيها النار المعروفة ذات اللهب، فإذا جاء أحد يريد أن يقدح منها فإنه لا يمنع، قد يقول قائل: ألا يدخل الحطب في النار لأنه يؤول إلى النار؟ هذا ما عنده نار، وأنت عندك حطب زائد، هل نقول: إن هذا من النار باعتباره يؤول إلى النار؟ أو نقول: هذا لك أن تمنعه؟ منهم من يقول: إن المراد به الحطب، ومنهم من يقول: المراد به الحجارة التي تورى منها النار، وعلى هذا لو جاء شخص يسألك عود كبريت ليوقد ناره، هل لك أن تمنع أو ليس لك ذلك؟ باعتبار أن المراد بالنار في الحديث الحجارة التي توقد منها النار؟ فإذا جاء شخص يسألك عود كبريت يضرك؟ لكن أنت افترض أن هذه الأعواد ثلاثة الذي بقي في العلبة ثلاثة، الآن توقد بواحد، وبعد قليل أو بعد منتصف الليل تحتاج إلى واحد، وبعد صلاة الصبح تحتاج إلى ثالث توقد به من أجل أن تستنفع بهذه النار، يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم المسألة مردها إلى بذل النفع من غير لحوق ضرر، فإن كان يتضرر بذلك فله أن يمنع.(92/15)
الأسئلة كثيرة نأخذ منها ما تيسر.
يقول: إن عندي أسهم في بنك البلاد واتحاد الاتصالات، وأريد أن أبيعها للورع، وذلك بعد أن استمعت، ولكن أبي يرفض رفض ذلك وقال: لا تبع هذه الأسهم، فماذا أعمل؟
أولاً: إذا كانت الأسهم مما أفتيت بجواز المساهمة فيها، وأفتاك من تثق بعلمه ودينه وورعه، وجزمت أن الذمة تبرأ بتقليده، فالورع لا يعارض رفض الوالد، مثل ما ذكرنا قريباً، الورع لا يعارض رفض الوالد فعليك أن تلزم رفض الوالد، والورع مرتبة فوق ذلك، لكن لا يعارض بها الواجب، أما إذا كانت هذه الأسهم التي أقدمت عليها قيل بتحريمها، أو اجتهدت أنت ثم تبيّن لك أنها محرمة فلا التفات لقول والدٍ ولا غيره.
يقول: بعض طلاب المدارس عندما تنتهي الدراسة والنتائج يقوم بعض الطلاب بجمع بعض المال وشراء الهدايا، وإعطاء المدرس، فما حكم هذا أفيدونا؟
المدرس الذي يأخذ أجراً من بيت المال لا يجوز له أن يأخذ قدراً زائداً عليه، ولو أمن المحظور، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هلّا جلس في بيت أمه –أو جلس في داره- لينظر أيهدى إليه؟ )) هل هذه الهدايا تتجه إليه بنفس المستوى الذي تتجه إلى أخيه غير المدرس؟ لا، الذي يتقاضى أجراً لا يجوز له أن يأخذ أي هدية من طالب، أما إذا كان لا يتقاضى أجر فأخذ الأجرة على التعليم معروف عند أهل العلم حكمه.
يقول: هل حديث سمرة بن جندب ضعيف ارتقى إلى الحسن لغيره، أم كما قال الصنعاني في سبل السلام: هو صحيح بشواهده؟
على كل حال هو يصل إلى درجة القبول والعمل لكونه حسن لغيره.
هذه أسئلة كثيرة عن الأسهم، والله المستعان.
هذا يسأل عن حديث: ((نية المؤمن خير من عمله))؟
المقرر ضعفه، حديث ضعيف، ولو افترضت صحته فتوجيهه كما قال أهل العلم: إن النية المجردة عن العمل أفضل من العمل المجرد عن النية؛ لأن النية يؤجر عليها، أما العمل المجرد عن النية لا يؤجر عليه.
هذا يسأل عن كتب ثمانية يشوف أفضل الطبعات، وهذه لها مجال آخر، وتحدث عن الطبعات في مناسبات كثيرة.
يقول: أنا متوقف لحفظ القرآن، ومنقطع عن العلم، فهل تنفع هذه الطريقة أم لا؟(92/16)
إذا كنت لا تستوعب، يعني ذهنك لا يستوعب الحفظ مع المشاركة في العلوم الأخرى فنقطع لحفظ القرآن حتى يتم، ثم بعد ذلك تتجه إلى العلوم الأخرى، أما إذا كنت ممن يستوعب فيخصص للقرآن وقت، ويجعل للعلوم الأخرى وقتاً آخر، فهذا أكمل إن لم تخش فوات الأوان؛ لأن الحفظ له مدة.
يقول: أنا أحفظ القرآن، وعند مراجعته لا تكون مراجعته واستذكاره أو استذكار الحفظ جيداً، فتضيق نفسي وتصاب باليأس أحياناً، فما تنصحوني؟
عليك بالمتابعة، أن تستمر في المراجعة، وتركز أثناء المراجعة، ولا يكون بحضرتك من يشوش عليك، ومع ذلك جاهد في الحفظ وتثبيته.
يقول: ما هي الطريقة المثلى لتثبيت العلم عند قراءة المطولات؟
فيه شريط، محاضرة في شريط سميت: المنهجية في قراءة الكتب، وهي موجودة.
هل يصح المرفوع بالموقوف؟ أي يستشهد له به؟
ليس هناك قاعدة مطردة، يعني قواعد المتأخرين يقولون: الحكم للمرفوع، ومنهم أحياناً يحكمون بأن هذا الموقوف يعل المرفوع، يعل به المرفوع، ويكون قدح فيه، ولذلك أحياناً يقولون: الموقوف أصح، فعلى هذا المرفوع يكون معلاً، وأحياناً يجعلون الموقوف مقوي للمرفوع، ويقولون: ذكره الصحابي رواية عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم أفتى بموجبه من تلقاء نفسه.
يقول: إذا اختلف في رفع حديث أو وقفه فهل نجعله مرفوعاً أو موقوفاً؟
عرفنا أنه ليست هناك قاعدة مطردة عند أهل العلم بل الحكم متروك للقرائن.
يقول: ذكرت أن أهل العلم قد أجمعوا على تحريم إقامة صلاة الجمعة مرتين، فما حكم إقامتها؟
يعني من غير حاجة؛ لأنهم قالوا: إذا أقيمت جمعة ثانية لغير حاجة فهي باطلة، والصحيحة الأولى.
يقول: فما حكم إقامتها مرتين في بلاد الكفر مع العلم أنه لا يوجد إلا مسجد واحد، ويضيق المكان على المصلين؟
هذه حاجة.
يقول: اقترض شخص مالاً من رجل ليعمل به في تجارة، ثم طلب المقرض من المقترض أن يعطيه إذا ربح في تجارته، ورضي المقترض، فما الحكم؟(92/17)
هذا القرض الذي يجر نفعاً، وهو ربا عند أهل العلم، لكن إن كان العقد على هذا قال: أعطيك هذا المبلغ على أن يكون لي من الربح نسبة كذا هذه هي شركة المضاربة التي هي القراض عند أهل العلم، أما إذا أقرضه بنية القرض ثم طلب منه هذا هو القرض الذي يجر نفعاً.
يقول: بعض أهل البدع يثير شبهة في عدالة الصحابة، ويقول: لعلّ بعض المنافقين رووا أحاديث، فكيف يرد على افتراءاتهم؟
أبداً، لا يوجد منافق روى حديثاً؛ لأنهم لا يفقهون، وإذا خرج الواحد منهم يسأل، ماذا قال آنفاً؟ فلا يوجد منافق يروي الحديث.
يقول: هناك من يقول: كيف نقول: كل الصحابة عدول، ونعلم أن منهم من سرق وزنى وشرب الخمر، وهناك من المنافقين من ظاهره الصحبة فيبطن النفاق، ولا نعلمه، ومنهم من الأعراب الذين قد لا يتقن نقل نص الرواية وغيره من الشبه فيقول: لا بد أن نميّز بينهم ولا نقبل منهم على الإطلاق؟
يبقى أن كل من يعتد به أو بقوله من أهل العلم كلهم أجمعوا على أن الصحابة عدول، وقد جاءت في نصوص الكتاب والسنة تقضي بذلك، فلا كلام لأحد مع هذا.
هذا يسأل عن امرأة مفقود.
وبحثها في الفرائض -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل أقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلقمة بن وائل أو لأبيه؟
الإقطاع للأب.
يقول: اليوم نشهد افتتاح عدة مساجد وجوامع بجوار بعضها البعض، وللدعاية لهذه المساجد توضع بعض المحاضرات والدروس وهذا مثالها؟
الملاحظ على هذه الجوامع زخرفتها وتزيينها، وهذا مصداق لحديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والسؤال: هل يكون هذا الفعل بسبب الغلو في تزيين المسجد، وبذلك يقع في المحظور؟
على كل حال زخرفة المساجد من علامات الساعة، ووقع ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس الإشكال في مساجد التي يبنيها العامة متفردين في تخططيها وبنايتها وتنفيذها، الإشكال في المساجد التي يشرف عليها بعض طلاب العلم، وتخرج بهذه المظاهر المزخرفة.
يقول: ما رأيكم في طبعة فتح الباري تحقيق: نظر الفريابي؟(92/18)
هذه الطبعة في الجملة جيدة، ووقع على أخطاء في الطبعات السابقة وصححها، وانتقي منها مسائل، وعرضت على الشيخ عبد الرحمن البراك وعلق عليها، فهذه من هذه الحيثية طيبة وجيدة، لكن يبقى أن الكتاب عظيم، وكبير، ومطالبه متعددة، لا ينوء به من كل الجوانب شخص واحد، لا سيما في مثل هذه المدة سنتين أو قريب منها، المسألة تحتاج إلى جهود متضافرة، نكتفي بهذا.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(92/19)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (20)
باب: الوقف - باب: الهبة
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا سؤال: يقول: ما مدى أهمية وفائدة الأجزاء الذي قام بإكمالها السبكي والمطيعي من كتاب المجموع للنووي؟
المجموع للنووي شرح لكتاب المهذب للشيرازي، المهذب متن متين، وأصل عند الشافعية يعولون عليه في تربية طلاب العلم، كثير منهم في التراجم يقول: حفظ المهذب، فهو متن معتمد عندهم، وله شروح، من أهمها وأنفسها المجموع للنووي -رحمه الله تعالى-، لكن الكتاب لم يكمل، شرح النووي يقع في تسعة مجلدات إلى باب الخيار من كتاب البيوع، وهو كتاب نفيس، يعني لو كمل الكتاب لصح أن يتصدر القائمة في كتب الفقه؛ لكنه ناقص لكن العبادات يعني من خير ما يقرأ في الفقه المقارن في كتاب المجموع للنووي -رحمه الله-، وهو كتاب في الأصل فقهي، لكنه في الوقت نفسه حديثي، فيه الأحاديث والاستدلال، ووجوه الاستنباط والتعليل، وكلام على الرواة، وهو كتاب نفيس، لكن أكمل منه تسعة أجزاء فقط، ثم كمّل من قبل جمعٍ من الشافعية، طبع منها تكملة السبكي في ثلاثة مجلدات العاشر والحادي عشر والثاني عشر، والسبكي من فقهاء الشافعية كلامه في الجملة جيد وقوي، يستفاد منه، لكنه دون كلام النووي بكثير، يعني النسبة بين كلام النووي وكلام السبكي فرق بينهما كبير، وأما التكملات الأخيرة للمطيعي وللعقبي فهي تكملات ضعيفة لا تنمّ عن فقه نفس، وإنما هي نُقول، وعلى كل حال فهي أنها كملت الكتاب بدلاً من أن يكون الكتاب ناقصاً صار كاملاً، فهي من هذه الحيثية مقبولة في الجملة هذه تكملة المطيعي، أما تكملة العقبي فضعيفة جداً، ضعيفة يعني تعليقات يسيرة على المتن، أما تكملة المطيعي ففيها شيء من البسط، لكنها مجرد نُقول، واعتماده في الغالب على المغني، فالكتاب كمل بهذه الطريقة، لكن يجد الإنسان البون الشاسع بين كلام النووي والسبكي، ثم بعد ذلك يجد الهوة السحيقة بين كلام النووي وكلام المطيعي، والله المستعان.
هذا يقول: ما هي أفضل نسخة لمتن عمدة الأحكام؟(93/1)
أنا معولي على النسخة التي بتحقيق أحمد شاكر وأخيه علي شاكر، وظهر مجموعة مجاميع ثلاثة وأربعة مجاميع تحمل اسم الشيخ أحمد شاكر وعلي محمد شاكر أخوه، والعمل فيها كله على علي، ولا تجد لمسات للشيخ أحمد -رحمه الله- من تعليق أو تصويب أو تصحيح إلا في جودة الطباعة وعلامات الترقيم، على أن طبعة مختصر المقنع الذي هو الزاد في ضمن هذه المجاميع طبعة ليست جيدة، فيها أغلاط كثيرة، أما العمدة فهي نفيسة طبعة جيدة، تخلو من التخريج والعزو، لكنها صحيحة في الجملة.
يقول: النسخة التي بتحقيق شعيب الأرناؤوط؟
أنا ما رأيتها، نسخة من عمدة الأحكام بتحقيق شعيب الأرناؤوط ما رأيتها.
يقصد محمود الأرناؤوط لعله الشيخ عبد القادر.
أما محمود بن الشيخ عبد القادر ممكن.
سائل يسأل عن شخصٍ ترقّى في وظيفته ويباشر هذه الوظيفة بعد الترقية خارج مدينته، والنظام المعمول به هو أن الشخص المرقّى له راتبان بشرط أن يقيم، ويزاول عمل الوظيفة عليها في نفس البلد، وهو سيذهب -بإذن الله- لتلك المدينة، وسيباشر عمله فيها لمدة قليلة فقط، قد لا تتجاوز اليومين، ثم سيعود لمدينته الأولى، ومقر عمله الأول، السؤال ما حكم أخذ هذين الراتبين الإضافيين بدل ترحيل؟
هو إذا كانت هذه المكافئة مربوطة بمجرد الترقية فهو يستحقها، وإن كانت من أجل إعانته على حمل أثاثه ومتاعه إلى البلد المنقول إليه، وهذه نيته فلا يستحقها.
يقول: لماذا أورد المؤلف حديث: ((لا ضرر ولا ضرار)) في باب: إحياء الموات؟ وما تعلقه بهذا الباب؟
هذا يتعلق بجميع أبواب الدين ((لا ضرر ولا ضرار)) متعلق بجميع أبواب الدين، وتعلقه بإحياء الموات ظاهر؛ لأن من يحيي بصدد أن يضر غيره في دخوله على أملاكهم أو استيلائه على أملاكهم التي قد لا يستطيعون إثباتها، فهذا ضرر، وقد يضر هو بعقوبةٍ أكثر مما ضر بها غيره، وهو الضرار.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: الوقف(93/2)
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) رواه مسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوقف(93/3)
الوقف: هو الحبس؛ لأن العين الموقوفة تكون محبوسة عن التصرف يحبس عنها صاحبها، ويمنع من التصرف بها، وهو في الاصطلاح: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، بمعنى أن الأصل لا يتصرف فيه بعد إجراء هذا العقد وهو إيقافه، فعدم التصرف فيه من لوازمه، وسيأتي في حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- أن هذا مقتضى الوقف أنه لا يباع ولا يوهب، ولا يتصرف في أصله إلا بما يصلحه، وأما المنفعة والغلة فمصرفها محدد أيضاً في حديث وقف عمر الذي سيأتي الحديث فيه بعد الحديث الأول، والوقف إسلامي يعني مما جاء في الإسلام مما لا يعرف قبل الإسلام، وأول وقف عرف بالإسلام هو وقف عمر، وهو أصل أصيل في هذا الباب، والوقف له هدف شرعي ومصرف لا بد أن يتحقق فيه، وإلا انتفى عنه الاسم، وعلى هذا الوقف إذا لم يحقق الهدف الشرعي فإنه ليس بوقف حقيقةً، وإن حبس ومنع صاحبه من التصرف فيه، فتحقيق الهدف الشرعي من الوقف أمر لا بد منه؛ ليكون الوقف شرعياً، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنه لا يستحق أن يسمى وقف إذا كان لا يحقق الهدف، أو كان فيه مخالفة للشرع بوجهٍ من الوجوه، فسواء كان في بدايته أو في نهايته، في أصله أو في غلته، فالأموال التي تجتمع من غير الوجوه الشرعية لا يصح الإيقاف منها؛ لأن الله -جل وعلا- طيب لا يقبل إلا طيباً، وإذا جمعت الأموال من وجوهها الشرعية ثم اشتري به وقف بعقدٍ فيه خلل أيضاً لا يتحقق الهدف الشرعي من الوقف؛ لأنه قربة فكيف يتقرب بمثل هذا؟ إذا عقد عليه عقد صحيح بمالٍ طيب، ثم بعد ذلك استغل الوقف فيما فيه مخالفة شرعية مثلاً، بيت أوقف أو دكان محل تجاري أوقف، ثم صار يزاول في هذا المحال ما لا يرضي الله -جل وعلا-، هذا لا يحقق الهدف الشرعي منه، وإذا كان بيت مثلاً وأجر على من يستعمله في المعاصي مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي، فلا بد أن يكون الوقف طيباً في جميع ما يتعلق به، تكون قيمته طيبة، ويكون استعماله في الوجوه الشرعية ومصاريفه شرعية، وإلا فماذا يستفيد الواقف من بيتٍ يستعمل في المعصية؟ أو في محلٍ تباع فيه مواد محرمة شرعاً، أو يزاول فيه عقود محرمة، أو بيت يؤجر على من يزاول فيه محرمات كالبدع ويعرف صاحبه أنه يؤجره على مبتدع(93/4)
يفعل فيه ما لا يرضي الله -جل وعلا-، ويتقرب فيه بما يغضب الرب -سبحانه وتعالى-، مثل هذا وإن كان ممنوعاً بالإطلاق لكنه يتأكد إذا قصد به وجه الله؛ لأن هذه مضادة لأمر الله -جل وعلا-، وبعض الناس لا يهتم من هذا الأمر، توجد أوقاف كبيرة، وغلاتها كثيرة في محلات تجارية، وفي مواقع إستراتيجية على ما يقولون ومع ذلك تباع فيها المحرمات وغلتها وقف، هذا واقع كثير لا سيما إذا كانت الأوقاف كبيرة وكثيرة، يعني تصعب على حد قولهم: السيطرة عليها، مجمع تجاري فيه عشرات المحلات لا بد من التحري في مثل هذه الأمور، أن كونك تتقرب إلى الله -جل وعلا- بما لا يرضيه هذه محادّة، ومع الأسف أنه يوجد في أوقاف بعض الأثرياء من هذا النوع، ووقف مؤجر على بنك ممن يزاول الأعمال المحرمة، والأدوار العليا منه تؤجر على طوائف مبتدعة في أوقات المواسم، هل هذا يحقق الهدف الشرعي من الوقف؟ إذا كان الهدف جمع الأموال ثم صرفها هذا ما حققنا شيء؛ لأن المال النافع هو الطيب؛ لأن الله -جل وعلا- طيب لا يقبل إلا طيباً، فكوني أجمع الأموال من حلها ومن غير حلها ثم بعد ذلك أتقرب إلى الله -جل وعلا- لا يمكن أن يكون هذا، ولذا يفتي أهل العلم إذا ورد على الإنسان مال فيه دخل إما شبهة، أو محرم من غير قصد فإنه حينئذٍ يتخلص منه في المصارف المناسبة له، ولا يكون في المصارف الطيبة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كسب الحجام خبيث، أطعمه ناضحك)) يعني لا تأكل منه أنت، ولا تتصدق به، فمثل هذه المكاسب الرديئة الخبيثة تصرف في المصارف غير الطيبة، لا مانع أن تجعل في مصارف صحية، في دورات مياه، وما أشبه ذلك مصارف تكون لائقة بها على سبيل التخلص، هذا في التصرفات العادية بالنسبة للناس، أما ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- فشرطه أن يكون طيباً؛ ليتم قبوله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(93/5)
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا مات ابن آدم)) " بعض الروايات: ((إذا مات الإنسان)) كما سمعتم من القارئ ((إذا مات ابن آدم)) وهو الإنسان، فالرواية بالمعنى بالنسبة لمثل هذا سائغة؛ لأن الإنسان مساوي تماماً لابن آدم ((انقطع عمله إلا من ثلاث)) ابن آدم والإنسان يشمل جميع ما يطلق عليه اللفظ، فيدخل فيه الذكر والأنثى، وإن كان الإناث بنات آدم ((فهذا شيء كتبه الله على بنات آدم)) لكن إذا وجه الخطاب للذكور دخل فيه النساء، ما لم يمنع من ذلك مانع ((إذا مات ابن آدم)) الذكر والأنثى، والمقصود به من ينتفع، الجهة القابلة للانتفاع، وهو المسلم أما غير المسلم فإنه لا ينتفع بما عمله قبل موته؛ لأن شرط القبول منتفي ((إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله)) عمله الصالح، وكذلك غير الصالح، ما لم يكن قد سنّ فيه سنة إما حسنة وإما سيئة ((فمن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) لا ينقطع أجرها، وبالمقابل ((من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)) فلنتصور أن هناك أناس ماتوا من مئات السنين وأعمالهم الصالحة تكتب لهم قرون؛ لأنهم سنوا هذه السنة، وبالمقابل أناس ماتوا من قرون تكتب عليهم الأوزار كرؤوس المبتدعة الذين ابتدعوا في الدين، وسنوا فيه ما لم يسبق له شرعية من كتابٍ أو سنة، وما زال الناس يعملون بها، هؤلاء عليهم أوزار وأوزار من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد تموت هذه السنن في وقت سواء كانت صالحة أو طالحة فاسدة ثم يحييها من يحييها، وحينئذٍ يكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فإذا مات ابن آدم انقطع علمه، انتهى التكليف، وجف القلم إلا ما استثني من الخصال الثلاث المذكورة في الحديث وبقية العشر التي ذكرت في أحاديث أخرى.(93/6)
((إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله)) إذا جنّ ابن آدم أو خرف واختلط قبل موته بعشر سنين، توقف عن العمل، فماذا عن هذه المدة من خرفه إلى وفاته؟ هل ينقطع عمله أو يستمر؟ لأن الانقطاع معلّق بالموت، فهذا شخص خرف لا يعي ما يقول، ولا يدري من حوله، وتسمع من بعضهم التسبيح والذكر وهو لا يعي ما حوله، وتسمع من بعضهم السب والشتم واللعن، وسمع هذا وسمع هذا، في المستشفيات في العناية المركزة التي لا يعي فيها الإنسان شيء ويعيش على الأجهزة تسمع هذا يكثر من التسبيح والتحميد والتهليل، وذاك يكثر من السب والشتم، وسمع من يقرأ القرآن وهو لا يسمع، ولا يرى، ولا يبصر، ولا يتحرك، وهذا سمعنا وسمع غيرنا، سب وشتم ولعن صريح وقذف وهو لا يعي، في هذه المدة التي بين انقطاع التكليف؛ لأن مناط التكليف العقل وقد فقد إلى الوفاة؛ لأنه في الحديث عندنا: ((إذا مات انقطع)) فالانقطاع معلق بالموت، فهل يؤاخذ بما يفعله في هذه المدة؟ يقرأ القرآن ليل نهار، وهو في غيبوبة، ومنهم من كان مؤذناً مدةً طويلة في صحته فحصل له ما حصل من المرض والإغماء ثم إذا جاء وقت الأذان أذن هذا موجود، شخص معلق قلبه بالصلاة إذا حان وقت الصلاة كبّر، يعجب الحاضر المشاهد ويعجب الأطباء كيف يتحرك في هذا الوقت وهو محكوم عليه أحياناً بالموت الدماغي؟ هذه الوقائع موجودة، ولا يماري فيها أحد ترى استفاضت يعني عرفت سمعناها وسمعها غيرنا، لكن المسألة في انقطاع العمل، فالحديث معلق على الموت، وهذه المدة التي ارتفع فيها التكليف لأن مناط التكليف العقل، هذه المدة التي قد تكون عشر سنوات أو أكثر أو أقل يؤاخذ عليها بما يصنعه ويؤجر على ما يفعله أو لا؟
طالب:. . . . . . . . .
يؤجر ولا يؤاخذ! كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(93/7)
لكن أهل العلم يتفقون على أن غير العاقل مرفوع عنه القلم، وهذا عقله قد زال، هذه المدة مدة ما بين ارتفاع التكليف بزوال العقل إلى الموت مقتضى الحديث أنه العمل جاري، العمل يجري له، لا سيما وأنه امتداد لعمله وقت التكليف، فمن لزم القرآن صار ديدنه ليل نهار، أو الذكر ثم بعد ذلك زال عنه التكليف فصار يسمع منه القرآن والذكر على ما كان يعمله في حال الصحة، مثل هذا واضح في كونه يثاب على هذا؛ لأنه امتداد لعمله، كمن سنّ سنة حسنة أو سيئة يؤجر على الحسنة ويوزر على السيئة وإن مات، وإن انقطع عمله فهذا من آثار عمله، لكن المؤاخذة -مؤاخذة الإنسان- وقد زال عقله، يعني أقرب ما يقال في مثل هذا مثل الصغير غير المكلف الذي رفع عنه قلم التكليف منهم من يرى أنه مرفوع رفع تام، بمعنى أنه لا له ولا عليه قبل التكليف، ومنهم من يرى أنه يكتب له الحسنات، ولا تكتب عليه السيئات، على كل حال هذه محل نظر وتحتاج إلى تحرير في هذه المدة.
((انقطع عنه عمله)) والمراد بعمله الصالح الذي يكتب له ((إلا من ثلاث)) لأن الاستثناء هنا إن قلنا: إنه متصل قلنا: انقطع عمله الصالح، وإذا قلنا: إنه أعم من أن يكون متصلاً أو منقطعاً قلنا: يشمل العمل الصالح وغير الصالح، كله ينقطع ((إلا من ثلاث: صدقة جارية)) وهذا هو الشاهد من الحديث للباب؛ لأن أهل العلم حملوه على الوقف الذي يستمر؛ لأن الصدقة التي يدفعها الإنسان إلى فقير فيأكلها هذا الفقير وتنتهي هي ليست جارية هي صدقة، لكن ليست جارية، أما الجارية هي التي تستمر ويدوم نفعها كالوقف.(93/8)
((صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به)) بأن يكون معلماً لغيره، معلماً لطلاب ينشرون عنه العلم، ويؤخذ عنهم العلم، ويتسلسل هذا العلم لطلابهم وطلاب طلابهم .. الخ، هذا لا شك أنه علم ينتفع به، ويستمر نفعه، مثل هذا التأليف وهو أضمن في الاستمرار بإذن الله، وإن كان الطلاب فيهم خير، وفيهم نفع ينتفع بهم شيخهم الذي اقتدوا به، وأخذوا عنه، وينتفعون بمن يعلمونهم، ومن دل على خير كان له مثل أجر فاعله، التأليف لا شك أنه يستمر إذا كتب الله له الاستمرار، وإلا هناك مؤلفات كثيرة جداً تذكر بالتراجم، لكن لا أثر لها ولا وجود لها، هذه ما استمرت، والتأليف شأنه ونفعه عظيم، ولذلك تجدون في تراجم أهل العلم من يشاد به، ويوصف بأعظم الأوصاف لكنه لم يؤلف، ينتهي خبره، ولا يذكر، ومن لازم الذكر الترحّم عليه، فبعض الكتب تكون مباركة، تقرأ في كل درس، وفي كل مسجد، وفي كل مناسبة، وفي كل يوم يقال ألوف المرات: قال فلان -رحمه الله تعالى-، هذا لا شك أنه علم ينتفع به، وهو باقٍ والبركة كما تكون في الأشخاص تكون في آثارهم من مؤلفاتهم، فتجد هذا الشخص في علمه بركة بحيث يؤخذ عنه العلم من قبل عددٍ كبير، وينتشر هذا العلم في الأقطار والأمصار هذه بركة، وكذلك يكون له مؤلف يرزق القبول من الله -جل وعلا-، بينما يوجد من هو أعلم منه فيما يبدو للناس، لكن لا تجد هذا الأثر الذي لغيره ممن هو دونه في الظاهر، فالله -جل وعلا- إذا رضي بارك، يعني ما بركة كتب شيخ الإسلام وابن القيم وأئمة الدعوة وكتب أهل العلم المعروفين بالتحقيق الذي سار في مؤلفاتهم الركبان، وانتشر طلابهم والآخذون عنهم في الأمصار، وما زال التسلسل إلى الآن، فلان عن فلان، وفلان قرأ عن فلان، وأخذ عن فلان .. الخ، هذا لا شك أنها أبواب من أبواب الخير، المقصود أن العلم أشمل من أن يكون بالتعليم أو بالتأليف، المقصود أن الإنسان يبذل هذا العلم لينتفع به(93/9)
فيجرى عليه أجره بعد وفاته، كذلك طبع الكتب لا يجب أن يكون الشخص عالماً لو كان ليس من أهل العلم وإنما ساهم في طبع الكتاب أو أشار على من يطبع كتاب لو كانت ليست لديه القدرة في التعليم والتأليف ولا الطبع من ماله فإذا أشار على شخص يستطيع طبع الكتاب النافع لا شك أن الله -جل وعلا- يدخله في السهم الواحد ثلاثة، فمنهم هذا، فلا يحقر الإنسان نفسه في مثل هذه الأمور له من الأجر قريب مما للمؤلف أو للطابع أو للناشر أو ما أشبه ذلك؛ لأنه على يديه انتشر الكتاب.
((أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) فعلى هذا يحرص الإنسان على تربية أولاده على الصلاح بأن يكون صالحاً في نفسه مصلحاً لأولاده ولغيره؛ لأن الولد الصالح حريّ بإجابة الدعوة، وهذا الصلاح يدعوه إلى الدعاء لوالديه بحيث يستشعر النصوص الشرعية الواردة في حقوق الوالدين، فيدعو لهما، والدعاء ينفع بلا شك، ونفعه للمتسبب ظاهر في التربية على الخير والصلاح، ولذا يقول الرب -جل وعلا-: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] فالتربية لها شأنها، فإذا فرّط الوالد في تربية الولد يحرم من هذا الدعاء؛ لأنه مربوط بالتربية – كما ربياني- يعني من أجل تربيتهما لي، فإذا رباه على الصلاح، ودعا له صار حرياً بالإجابة، استفاد من دعائه، والله المستعان.
هناك أمور جاءت بها النصوص، خصال أوصلها السيوطي إلى عشر خصال، ونضمها في قوله:
إذا مات ابن آدم ليس يجري ... عليه من فعالٍ غير عشرِ
علوم بثّها ودعاء نجلٍ ... . . . . . . . . .
هذا الوارد في الحديث.
. . . . . . . . . ... وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحفٍ. . . . . . . . . ... . . . . . . . . .
الإنسان إذا ورث مصحف وصار يقرأ فيه لا شك أن له من الأجر مثل أجر من يقرأ فيه، وقل مثل هذا لو اشترى مصاحف ووزع، لا سيما في البلدان التي لا يتيسر فيها الحصول على المصاحف، أجر وخير عظيم أن يسر القراءة لمثل هؤلاء.
وراثة مصحف ورباط ثغرٍ ... وحفر البئر أو إجراء نهرِ
وبيت للغريب بناه يأوي ... إليه أو بناء محل ذكر(93/10)
وبيت للغريب، بيوت للغرباء، فنادق يسكّن فيها الغرباء من غير مقابل، هذه أجرها عظيم، ويستمر نفعها، وهي داخلة في الوقف، إذا بنى بيتاً أوقفه على الغرباء الذين لا سكن لهم، فهذا لا شك أنه داخل في الوقف، بعد هذا حديث ابن عمر.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: أصاب عمر -رضي الله تعالى عنه- أرضاً بخيبر، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، قال: ((إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)) قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع أصلها، ولا يورث، ولا يوهب، فتصدق بها في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقاً غير متوّل مالاً. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي رواية للبخاري: تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب، ولكن ينفق ثمره.(93/11)
حديث ابن عمر في وقف عمر وهو أصل في هذا الباب، ونقل الإجماع على مشروعية الوقف، ولم يخالف في ذلك إلا ما يذكر عن شريح القاضي أنه منع الحبس الذي هو الوقف، منعه؛ لأنه يحرم صاحبه من التصرف فيه، وأجاز أبو حنيفة -رحمه الله- البيع –بيع الوقف- ومنعه مطلقاً مالك والشافعي، انتهى، لزم، خرج من يده لا يتصرف فيه البتة، والمذهب عند الحنابلة أنه لا يجوز بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، مزرعة اندثرت ولا تصلح لئن تكون سكن، أو كانت مصارفها من غلتها بالتعيين بأن قال: هذه المزرعة وقف مائة صاع منها من غلتها للإمام، وخمسون صاعاً للمؤذن، ومائة صاع للمدرس في المسجد، وزعها من غلتها؛ لأنهم الآن إذا تعطلت منافعها باعتبارها مزرعة أحياناً غلتها لا تفي بإصلاحها، يعني يصرف عليها من الأموال أكثر من غلتها، فيتفق الناظر مع الورثة فبدلاً من أن تكون مزرعة تكون مخطط سكني، أو محلات تجارية، أو ورش صناعية، أو ما أشبه ذلك، وتؤجر بمبالغ طائلة، فالحنابلة يقولون: إذا تعطلت المنافع تنقل، تباع وينقل، والمالكية والشافعية يقولون: لا لزمت، في حكم التعطّل ضعف الدخل الشديد، يعني بهذه الصورة مزرعة غلتها بعشرة آلاف وخمسة آلاف ريال، وإذا أجرت مستودع أو محل تجاري أو شيء من هذا بمائة ألف، هل نقول: خلاص هي كما تركها صاحبها؟ أو نقول: إنها تعطلت المنافع، وهجرت هجر الحي فلا مانع من بيعها، والانتقال إلى حيٍ يستفاد منها، معروف إن الأحياء تتفاوت في الدخل، فبدلاً من أن تكون غلتها خمسة آلاف وعشرة آلاف تنقل إلى حيٍ تكون غلتها مائة ألف، هي ما تعطلت منافعها، لكنها في حكم المتعطل؛ لأن الغلة بالنسبة لما هو أعظم منها كلا شيء، الضعف شديد، فالذي يقول بالتصرف فيها في مثل هذه الحالة هو مخرج على قول الحنابلة في التعطل؛ لأن هذا شبه تعطل، وأما بالنسبة للمالكية والشافعية لا يرون أنها تنقل لزمت ولو تعطلت منافعها، والحنفية يجيزون بيع الوقف.(93/12)
يقول: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر" يعني المنقول عن شريح أنه لا يرى الحبس، هل يتصور أن شريحاً يرى يريد في كلامه هنا بالحبس هنا السجن ولا يرى سجن الجاني؟ لأنه قاضي؟ لأن أحياناً بعض الألفاظ على حسب ما يفهمه القارئ، فإذا قيل: إن عمر -رضي الله عنه- منع المتعة مثلاً، هل يريد بها متعة الحج أو متعة النساء؟ متعة الحج، لكن لو قيل: بالنسبة لشخصٍ يرى متعة الحج ومنع المتعة لا شك أنه يوجه على أن المراد متعة النساء؛ ليتحد قوله، فشريح قاضي، وكان لا يرى الحبس، هل المراد به أنه لا يرى الوقف أو لا يرى سجن الجاني؟ إنما يحكم عليه مباشرة وينفذ ولا يحبس؛ لأنه نقل عنه هذا أنه لا يرى الحبس، وفي هذا الموضع يعني في كتاب الوقف، من نقل عنه فهم من أنه يريد الوقف، وأنه لا يرى مشروعية الوقف، واللفظ محتمل، يحتمل وإلا ما يحتمل؟ فالذي يحدد هو السياق الذي جاء فيه هذا الكلام، وأيضاً مقارنة أقواله بعضها ببعض، وإلا ما عرف عن أحدٍ من علماء المسلمين أنه لا يرى مشروعية الوقف.(93/13)
"عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أصاب عمر -رضي الله تعالى عنه- أرضاً بخيبر" نعم، كان عنده مائة رأس فاشترى بها مائة سهم من خيبر، هذه خيبر لما فتحت هل وزعت على الغانمين؟ أو بقيت وعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر عليها بالشطر؟ وكان عبد الله بن رواحة يخلص عليهم، وأعطوه من الرشوة ما أعطوه؛ ليخفف عنهم، في قصص وأحاديث معروفة مشهورة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قسم خيبر بين الغانمين، وإنما عامل عليها أهلها بشطر ما يخرج منها، فعمر حينما أصاب هذه الأرض بخيبر يعني اشتراها بمائة رأس، اشترى مائة سهم بمائة رأس "فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستأمره فيها" يطلب أمره فيها، ويستشيره فيها "فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه" الأرض مؤنثة "أصبت أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه" يعني منها من الأرض، أنفس من هذه الأرض، والأصل أن يعود الضمير عليها بالتأنيث، لكن لما نزلت منزلة المال عاد الضمير عليها بالتذكير "فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" من باب المشورة ((إن شئت -ترك الأمر إليه- حبست أصلها وتصدقت بها)) حبست أصلها يعني أوقفتها، وتصدقت بها يعني بغلتها، والمعنى العام للصدقة يشمل الوقف "قال: فتصدق بها عمر، وأنه لا يباع أصلها" يعني مقتضى اللفظ أنه تصدق بها أنه أخرجها من يده، ووزعها على الفقراء والمساكين وابن السبيل وفي سبيل الله على ما سيأتي، لكنها صدقة مقيّدة بكونها لا يباع أصلها، وهذه حقيقة الوقف "ولا يورث" يعني خرجت عن ملكة بالتوقيف، فلا يستطيع بيعها ولا تورث منه إذا مات، ولا يستطيع أن يهبها إلى أحد، لا هو ولا أحد من ورثته "لا يباع أصلها، ولا يورث، ولا يوهب فتصدق بها في الفقراء" تكون غلتها مصروفة في هذا المصرف، لا أنها توزع الأرض على الفقراء، وإلا كان المراد بذلك فتصدق بها على أو للفقراء التي تقتضي التمليك، إنما تصدق بها بمعنى أنه أوقفها، وجعل غلتها مصروفةً في الفقراء وفي القربى، الفقراء ويشمل المساكين، وإن كان الفقر أشد عند الجمهور، والمسكنة أشد عند الحنفية، وهذا معروف في باب الزكاة.(93/14)
"في الفقراء، وفي القربى" من باب الصلة يقدم ذوو القربى، لا سيما من انطبق عليه الوصف وهو الفقر، فهو أحق من غيره ممن بعد عنه في النسب "وفي القربى" جمع قريب "وفي الرقاب" بأن يعتق منها الأرقاء، ويؤدى منها عن المكاتبين، ويفك منها الأسرى "وفي سبيل الله" والمراد به في قول الجمهور الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، المراد في سبيل الله الجهاد عند الجمهور، ومنهم من يتوسع في مفهوم سبيل الله، سواء كان في هذا الحديث، أو في آية مصارف الزكاة، فيجعلها في كل ما ينفع، يعني في الجهاد، وفي الحج، وجاء ما يدل على كونه من سبيل الله، وفي الدعوة، وفي التعليم، فيتوسع في مفهوم في سبيل الله بحيث يشمل أبواب الخير من جهادٍ وحجٍ ودعوة وتعليم، وأيضاً يدخل في التعليم دخولاً أولياً تعليم القرآن، فيتوسعون في هذا ويجعلون من مصارف الزكاة هذا بهذا المفهوم، والأكثر على أن المراد في سبيل الله الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وهو المتجه؛ لأنه قول عامة أهل العلم.
"وفي سبيل الله وابن السبيل" من انقطعت به الأسباب، انتقل من بلده إلى بلدٍ آخر مسافراً، فنفذت نفقته أو ضاعت يعطى من الزكاة، ويعطى من الأوقاف حتى يرجع إلى بلده، ولو كان غنياً في بلده، وهذا الحاجة ماسّة إليه في أوقاتٍ مضت، أما الآن فتكاد تكون معدومة، أعني مسألة الانقطاع ابن السبيل، ففي كل بلد مصرف وصراف، وإن كان غنياً في بلده فبطاقته معه، يسحب من أي بلد يحل فيه كأنه في بلده، فخفت هذه المسألة، يبقى أنه شخص ما له حساب في البنوك وفي المصارف ولا بطاقته عنده، أو بطاقة الصرف منتهية، هذا منقطع يعطى حتى يعود إلى بلده وإن اقترض بنية الوفاء لا شك أنه أفضل من السؤال والتكفف، وإن كان يجوز له أن يسأل حتى يعود إلى بلده، وليس معنى هذا أن الإنسان يقصد هذا الأمر يقصد الانقطاع فلا يأخذ من النفقة ما يكفيه ليكون ابن سبيل!(93/15)
"وابن السبيل والضيف" الضيف ولو كان غنياً، ولو كان واجداً، إذا حل بالمسلم ضيف فعليه إكرامه، أقل الأحوال يومه وليلته، وما عدا ذلك ففضل إلى الثلاث ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) فمن مصارف الوقف الضيف، لو أن شخصاً أوقف بيتاً وجعل غلته فيما جاء في حديث عمر، وصار كل من جاءه من ضيف أكرمه وبالغ في إكرامه، حتى ضاق الصرف عن المصارف، أو ضاق المصروف عن المصارف، صار يا الله يكفيه ها الوقت الضيوف الذي يحلون عليه، هل نقول: إن هذا يقي ماله بهذا الوقف؟ أو نقول: إن الضيف داخل في المصارف المنصوص عليها ولا تثريب عليه؟ ماذا نقول؟ يعني أوقف داراً تؤجر بعشرين ألف مثلاً، هذه الدار أجرتها عشرون ألفاً، وهو رجل مضياف في كل أسبوع يحل به ضيف، ويكلّفه خمسمائة ستمائة إلى ألف أحياناً، فما تنتهي السنة إلا والعشرون ألف منتهية للضيوف، يكون هذا وقف وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو الضيف منصوص عليه، يعني شرط الواقف كنص الشارع.
طالب:. . . . . . . . .(93/16)
إيه هذا يطلقه الفقهاء، لكن عندنا الضيف منصوص عليه أنه من المصارف، لكن لا يعني هذا أنه يأتي على جميع المصرف، وإن كانت مصارف الزكاة يجوز صرفها في وجهٍ واحد، يعني لو شخص عنده مليون زكاة وصرفها كلها في الفقراء، وترك السبعة من المصارف يلام وإلا ما يلام؟ ما يلام، لكن هذا عنده المصارف الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، ستة، فخصص الغلة للضيوف، ولا شك أنه إذا كان إكرامه للضيوف من باب امتثال قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) هذا لا شك أنه مأجور على هذا، لكن يبقى أنه إن كان ليقال: كريم أو يدفع بذلك عن ماله، لا يود أن يخرج من ماله شيء للضيوف، ولا يخسر عليهم شيء، وقال: فرصة الضيف مصرف من مصارف الأوقاف، وعندنا هذا الوقف، لماذا لا نكرم الضيوف؟ وهل يلزم إخبار الضيف أن هذه الوليمة من الوقف أو لا يلزم؟ الضيف حينما حل به الأصل أن يكرمه من ماله، فهل يلزم أن يقول للضيف: هذا الإكرام من الوقف؟ ترى لها نظائر يا إخوان، بعض الناس لا يعق عن ولده إلا إن حل به ضيف، يستغل هذا الضيف ويذبح هذه الشاة، أو هذا الكبش وينويه عقيقة لولده، والثانية إذا جاء ثاني، والبنت إذا جاء ثالث وهكذا، هل تجزئ عقيقة وقد قدمت على أنها إكرام لضيف أو لا بد أن يقول لضيفه: هذه عقيقة فلان؟ يعني إذا قال: هذه عقيقة فلان انتهى الإشكال صحت ما في إشكال عقيقة، لكن إذا قدمها على أنها إكرام لهذا الضيف؟ وقل مثل هذا في الوقف إذا قدمه على أنه إكرام لهذا الضيف، وتناقل الناس أنه يكرم الضيوف، وهو في الحقيقة من الأوقاف ومن العقائق، لا بد من البيان، لا بد أن يقول: هذه عقيقة فلان، حياكم الله على عقيقة فلان وهكذا، وإن كان في الأصل يجوز له أن يأكل ويهدي ويتصدق، ويعزم عليها الأقارب، يعزم عليها الجيران، لكن لا يظهر نفسه بخلاف الواقع، لا يظهر بخلاف الواقع، فإذا توقّع منه خلاف الواقع لا بد من البيان، وإذا جاء ذم من يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، هاجر شخص من الدمام إلى مكة، والذي يظهر للناس إنما ترك هذه المنطقة إلى مكة من أجل المضاعفات، ومن أجل البلد الحرام، من أجل(93/17)
البيت، للطواف، للتعبد هناك، مجاورة، وهو في الحقيقة إنما بحث عن زوجةٍ مناسبة في بلده فما وجد، فانتقل إلى بلد آخر ليجد زوجة أو غلب على ظنه وجود زوجة، أو وعد، أو حدث عنها، فانتقل وهاجر، وظهر للناس أو أظهر للناس أنه إنما هاجر لله ورسوله، فمثل هذا يذم، وقل مثل هذا إذا هاجر لدنيا يصيبها، يسأل لماذا سكنت في مكة؟ والله سكنت في مكة ما يخفى فضل مكة، والصلاة بمائة ألف صلاة، الكلام صحيح، لكن هل هذه نيته؟ فإذا ظهر للناس على خلاف الواقع لا بد من البيان، فإذا كان يظهر للناس أنه كريم من جاء إلى البلد من غريب أقام له وليمة، ودعا إليها أعيان الناس، واستفاض بين الناس أنه كريم، لا بد أنه يقول: هذه عقيقة أو هذا وقف لبيان الواقع، وإلا فالأصل أن الهجرة للدنيا أو الهجرة لامرأة يتزوجها لا إشكال فيها، ما فيه شيء إلا إذا ظهر على خلاف واقعه، أو أظهر للناس بقوله أو بفعله إنه إنما هاجر من أجل كذا، وسواء كان ذلك بلسان المقال أو بلسان الحال.(93/18)
"لا جناح على من وليها" لا إثم ولا تثريب على من وليها من ناظرٍ ذكراً كان أو أنثى "أن يأكل منها بالمعروف" النص هنا على الأكل يحتاج نفقة، يأخذ نفقة "أو يطعم صديقاً غير متمولٍ مالاً" يأكل بالمعروف، لكن لو قال الناظر: أنا ما عند استعداد أقبل النضارة، وهي تأخذ علي وقت إلا بأجرة المثل، ما يكفيني آكل نعم الأوقات تتفاوت، قد يكون في عهده -صلى الله عليه وسلم- أن الأكل في مقابل العمل الدائم مناسب، وإلى وقتٍ قريب والأجير يستأجر بطعامه، يعمل في الأعمال الشاقة من طلوع الشمس إلى غروبها، بوجبتي الغداء والعشاء فقط، وهذا مناسب لوقت من الأوقات؟ لكن الآن؟! لو تبي تقول لواحد من طلاب العلم: عندي عمل ليس بشاق تكون في المكتبة، وتحضر لي بعض المسائل، وترتب الكتب، عمل مريح، وفي مكان بارد، وفي محل تهواه، لكن ما عندي لك إلا الغداء والعشاء في أحد بيقبل؟ فكيف إذا كان مثل هذا الوقف أرض وبعيدة عن المدينة، وتحتاج إلى رعاية، وتحتاج إلى متابعة، وتحتاج إلى نظر، وفي عمال، وفي غلة، وفي بيع وشراء، ويكفي أن يأكل؟ إذا لم يوجد من يتبرع بحث عمن يأكل، إذا لم يوجد من يكفيه الأكل بحث عن من يعمل فيه بأجرة المثل، وامرأة تسأل قالت: إنها أوقفت محلات تجارية، وعيّنت عليها ناظر، وكان الناظر منصوص عليه في ورقة الوقف أن له خمسة بالمائة، قالت: إنها لم تجد أحد يمسك الخمسة، فتريد أن ترفع النسبة إلى عشرة في المائة، لها ذلك أو ليس لها ذلك؟ نعم، إذا لم تجد يترتب على عدم وجوده ضياع الوقف ترفع النسبة؛ لأنه من مصلحة الوقف، ومثل هذا يقال في الأكل بالمعروف، يعني قد لا نجد من يعمل في مثل هذه الأعمال بمجرد أن يأكل منه، أو يطعم صديقاً، ولو كان غنياً يطعمه غير متمولٍ مالاً، يعني يطعمه الشيء الذي لا يضر بالمصرف.(93/19)
"غير متمول مالاً" متفق عليه واللفظ لمسلم، وفي رواية للبخاري: تصدق بأصلها لا يباع ولا يوهب" الضبط إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر، وهنا في رواية البخاري: تصدق يعني بدل قوله: فتصدق بها عمر، يعني تصدق عمر بأصلها لا يباع ولا يوهب، ولكن ينفق ثمره الغلة المنفعة تنفق في المصارف المذكورة في الفقراء، وفي القربى، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف.
وكان الناظر عمر -رضي الله تعالى عنه- في وقته، ثم بعد ذلك بعده آلت النظارة إلى حفصة أم المؤمنين، فدل على أن المرأة تلي مثل هذه الأعمال، بما لا يقتضي مخالطةً منها للرجال.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر على الصدقة الحديث، وفيه: ((فأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) متفق عليه.
حديث أبي هريرة تقدم ذكره، وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث عمر -رضي الله تعالى عنه- على الصدقة يجبي الصدقة، بعثه جابياً للصدقة، عاملاً عليها، والحديث فيه أنه منع ابن جميل وخالد والعباس، امتنعوا من دفع الصدقة، فقال: ((أما العباس فهي عليّ ومثلها، وأما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)) وهذا هو الشاهد ((وأما ابن جميل فما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله)) يعني بدلاً من أن يشكر النعمة يمنع حق الله في المال، فدل على أن الناس ينزلون منازلهم، هذا شخص فقير أغناه الله وليست له ما لغيره من هؤلاء من عطاء، ومن إفادة للإسلام والمسلمين، فمثل هذا يقال في حقه مثل هذا الكلام، يعني أقل الأحوال أن يدفع إليه يؤدي الواجب، كان فقير فأغناه الله فعليه أن يؤدي هذه الصدقة، وأما العباس فهي علي ومثلها، ومنهم من يقول: إنه دفع زكاة سنتين، وعلي عندي معناها عندي أنها مدفوعة، ويستدلون بذلك على جواز تعجيل الزكاة، ومنهم من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ضمن عنه أو أدى عنه ما وجب عليه.(93/20)
((وأما خالد -وهو الشاهد هنا- فقد احتبس)) يعني أوقف أدراعه جمع درع، وهو الذي يقي البدن من السهام، يلبس على البدن ليقيه من السهام، وهو في الغالب من الحديد، ((وأعتاده)) جمع عتد، وهو أيضاً مما يعتد به ويستعان به في القتال من سلاحٍ وخيلٍ ومركوب أياً كان، فهو يعتد به، ويستعان به في القتال، منهم من فسره بالخيل، ويستدل بالحديث على جواز وقف المنقول، وأنه لا يختص بالعقار والأراضي، المنقول يوقف، أما المنقول الذي يدوم أصله كالدرع مثلاً والسيف الأمور التي يستمر نفعها، فهذا لا إشكال في إيقافها، لكن ما تتلف عينه هل ينطبق عليه أنه وقف؟ ما تتلف عينه؟ يعني يستهلك، المستهلك يصح إيقافه وإلا ما يصح؟ يعني إيقاف النخل الأصل إيقاف الأصل والمنفعة توزع على المصارف هذا ما فيه إشكال، لكن لو أقف الثمرة التي على رؤوس النخل دون النخل يسمى وقف وإلا لا؟ ما يسمى وقف؛ لأنه مستهلك، والوقف من شأنه أن يثبت ويدوم؛ لأن هذا معنى الوقف، وهذا معنى التحبيس، فكونه أوقف الأدراع هذا ما فيه إشكال لأنها تدوم من حديد وتنتقل من شخص إلى شخص في سبيل الله، يعني كما توقف مصحف، المصحف في الغالب يدوم، ومن يد فلان إلى فلان، وإذا استغنى عنه فلان دفعه إلى فلان، وقل مثل هذا في كتب العلم وإن كانت منقولة، خلافاً لمن يقول: إنه لا يصح وقف المنقول، فالصحيح صحة وقف المنقول كالكتب والمصاحف والأدراع وما أشبه ذلك، أما بالنسبة للفرس الذي يموت مثلاً فتوقيفه محل خلاف بين أهل العلم، والحديث حجة على صحة وقف الحيوان لمن يستفيد منه، شخص ربط خيل في بيته أو عند بابه من احتاجه يركبه ويعيده إلى مكانه، شخص وقف سيارة وجعل المفتاح عليها قال للمحتاج من المسلمين له مشوار يركب ويمشي، فإيقاف مثل هذا صحيح بناءً على تفسير العتاد بالخيل، نعم.
باب: الهبة(93/21)
عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- أن أباه أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ )) فقال لا: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فأرجعه)) وفي لفظٍ: فانطلق أبي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليشهده على صدقتي، فقال: ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟ )) قال: لا، قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) فرجع أبي فرد تلك الصدقة. متفق عليه.
وفي رواية مسلم: قال: ((فأشهد على هذا غيري)) ثم قال: ((أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ )) قال: بلى، قال: ((فلا إذاً)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الهبة(93/22)
الهبة والعطية والنحلة بمعنى واحد إلا أن الهبة تطلق على ما كان في حال الصحة وكذلك الهدية، وأما العطية فهي مختصة في العرف عند أهل العلم أنها ما كانت في حال المرض، والهبة عبارة عن تمليك عين دون مقابل، يقول -رحمه الله تعالى-: "عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- قال: إن أباه أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً" يعني وهبه له، بشير بن سعد وهب ابنه النعمان ونحله غلام كان له "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكل ولدك نحلتهم مثل هذا؟ )) " يعني جميع الأولاد أعطيتهم مثل هذا الغلام؟ "فقال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فأرجعه)) " وعلى هذا إذا استوت المطالب -مطالب الأولاد- لا بد من التعديل بينهم، فعنده خمسة من الأولاد كلهم يحتاج إلى سيارة، فأعطى واحد سيارة، أعطاه إياه، وهبها له، وترك الباقي وقال له: لا تنس إخوانك إن كان لهم مشاوير وإلا شيء توصلهم، ما يكفي، لا بد أن يهب لكل واحد سيارة، وإلا تكون السيارة باسمه هو، ثم يخوّل واحداً منهم لقيادتها لكونه أجدر بهذه القيادة من غيره، ومع ذلك لا يختص بها في مشاويره الخاصة، ومن احتاجها من إخوانه ينتفع بها؛ لأنها ليست له، وإنما هي لأبيه، وتعلقهم بها كتعلقه هو، أما إذا اختلفت المطالب، هذا يحتاج سيارة، والبنت تحتاج إلى ذهب، والصغير يحتاج إلى مصروف مدرسة ودروس وطعام يناسبه، ورابع أو خامس يحتاج إلى زواج، اختلفت هذه المطالب، هل نقول: إذا زوجت زيد الذي يبلغ من العمر خمسة وعشرين سنة لا بد أن تدفع لعمر الذي يبلغ من العمر خمس سنين مقدار المهر؟ يلزم وإلا ما يلزم؟ ما يلزم؛ لأن هذه حاجات أصلية تقدر بقدرها، وكل يعطى ما يحتاج، فإذا أعطى الولد سيارة ينتفع بها وينفع بها والده وأهله، وتعطى البنت من الذهب ما تحتاجه من الحلي، وما يناسب المرأة، ويعطى الصغير ما يناسبه هذا لا يلزمه فيه التعديل، الحوائج الأصلية لا يلزم فيها التعديل، لكن إذا وصل إلى ما وصل إليه أخوه الذي به أعطي ما أعطي لزم الأب التعديل، تزوج الولد الأول لما بلغ العشرين، يلزمه إذا كانت ظروفه تمسح له أن يزوج الثاني إلى وصل إلى العشرين ولا يجوز(93/23)
له تأخيره إذا طلب ذلك وهذا تعديل، نعم قد ينظر في مصلحة الأول ومصلحة الثاني، الأول من مصلحته أن يزوج مبكر، والثاني ليس من مصلحته أن يتزوج مبكراً، فهذه النظر إليه، لكن يبقى أن التعديل لا بد منه والتسوية، وإذا زوج الولد الأول هل يلزمه أن يوصي بتزويج الثاني والثالث من رأس ماله أو لا؟ ((لا وصية لوارث)) هل من التسوية والتعديل بين الأولاد أن يزوج الثاني والثالث كما زوج الأول ولو بعد وفاة الأب؟ بالوفاة انتقل المال منه إلى ورثته فصار لا يملك إلا الوصية بالثلث فأقل، والنص المتلقى بالقبول ((لا وصية لوارث)) فعلى هذا يزوج من إرثه لا من رأس المال "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فأرجعه)) وفي لفظ: فانطلق أبي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليشهده على صدقتي، فقال: ((أفعلت هذا بولدك كلهم؟ )) قال: لا، قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) " فعدم التسوية وإيثار بعض الأولاد دون بعض محرم، والتصرف باطل، فلا بد من إرجاع هذه العطية سواء قبضت أو لم تقبض في حياة المعطي وبعد وفاته، منهم من يقول: إنه إذا أعطى بعض أولاده وزاد بعضهم على بعض ثم مات عليه الإثم والعطية ثابتة، ولا ترد، وهذا قول كثير من أهل العلم، لكن المرجح أنه ما دام أمر بإرجاعها أنها لم تثبت ملكاً للولد، فعلى هذا ترد ولو بعد وفاة الأب، ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) الأولاد يشمل الذكور والإناث {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] فالتعديل واجب بين الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً، وأهل العلم يختلفون في مثل هذا هل مقتضى الحديث التسوية والتعديل بأن يكون ما يعطى للذكر والأنثى على حدٍ سواء؟ أو تكون القسمة على قسمة الله -جل وعلا- في المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ فلنتفرض أن شخصاً ثرياً عنده عشرة أولاد وخمس بنات، عشرة ذكور وخمس إناث، فأعطى العشرة من الذكور كل واحد مائة ألف، مليون، فماذا يعطي البنات؟ هل يعطي كل واحدة من البنات مائة ألف أو يعطيها خمسين ألف؟ هل نقول: مقتضى قوله: ((اتقوا الله واعدلوا)) مقتضى هذا أن يكون العدل بالتسوية، سووا بين أولادهم، فالتسوية تقتضي أن يعطى(93/24)
البنات مثلما يعطى الذكور، لا على قسمة الميراث، ومن أهل العلم من يرى أن القسمة في العطية لا في النفقة والحوائج الأصلية تكون على قسمة الله بالميراث، فأعطى الذكور على مائة ألف يعطي الإناث على خمسين ألف، وهذا لا شك أنه قول له حظ من النظر، أما بالنسبة للحوائج الأصلية؛ لأن هذه مسائل عملية يحتاجها الناس باستمرار، يعني شخص عنده عشرين بين ذكر وأنثى، وفي نهاية كل شهر يعطيهم المصاريف التي يحتاجونها، ويحدد لهم، يجب عليه أن يعدل بين زوجاته، فإذا حدد لهن مبلغاً من المال لا يجوز أن يزيد واحدة على الأخرى، الزوجات نفترض أنه يعطي كل زوجة خمسمائة وكل واحد من الأولاد الذكور مائتين، فهل معنى هذا أنه يعطي الإناث مائة مصروف؟ أو نقول: إن المائة لا تكفي، أحياناً تكون البنات أشد مصروف من الأولاد؟ لأن الحاجة الأصلية لا بد من تأمينها، فهذه ليست العطية هذه من باب النفقة، إلا أنه من أجل تنضبط أموره يعطيهم دراهم، فإذا قلنا: إنه على الميراث لا بد أن يعطي البنت النصف، وحينئذٍ تتضرر، البنات يحتجن من المصاريف أكثر مما يحتاجه الأولاد؛ لأننا لو نظرنا إلى الثياب مثلاً، الولد يخاط ثوبه بمائة ريال، والبنت ما يخاط إلا بمائتين ثلاثمائة، وقل مثل ذلك في أمور أخرى مما يحتاجه الناس فكونه يقنن لهم مصاريف لا يعني أنهم يقسم بينهم هذه المصاريف على الميراث، مثاله: الأكل والشرب، يعني لو قدم طعام فهل يستطيع أن يقول للبنت: للذكر مثل حظ الأنثيين لا تأكلين إلا نصف ما يأكل الولد؟ يمكن أن يقال هذا؟ لا، فالحوائج الأصلية تؤمن من دون نظر إلى الميراث، وهذه مسألة عملية ويحتاجها الناس، هذا إذا أراد أن يعطيهم دراهم في مقابل المصروف ينفقون على أنفسهم، لكن لو تولى الشراء لهم، يكون هذا العمل فيه على حسب الحاجة، الكبير يحتاج إلى ثوب أربعة أمتار قيمته مائة وعشرين، الذي دونه إلى ثلاثة أمتار قيمته مائة، الذي دونه يحتاج إلى مترين بستين مثلاً، أو سبعين، البنت تحتاج إلى ثوب مائتين، الزوجة الكبرى تحتاج إلى ثوب مناسب بخمسمائة، الثانية تحتاج إلى ثوب مناسب بألف، فالناس لا شك أنهم منازل، فإذا كان الصرف بالحوائج نفسها فهي تتفاوت من شخص إلى آخر، فكل(93/25)
إنسان يعطى ما يناسبه وما يعطاه مما يناسبه تعديل، لو اشترى للزوجتين وبينهما من العمر عشرين سنة مثلاً، الأولى عمرها أربعين والثانية عشرين، اشترى لهم من قماش واحد، وتفصيل واحد، يصلح وإلا ما يصلح؟ الكبيرة تقول: هذا لا يناسبني، هذا ثوب شهرة يصلح للصغار، والصغيرة تقول: لا يناسبني هذا دون مما أحتاجه، ولذلك في مثل هذه الأمور أفضل ما يكون أن يعطوا دراهم يتصرفون فيها كل على حسب حاجته، وبهذا يتم التعديل وينضبط، أما تأتي للكبرى وبينهما .. التي قد تكون بنت من بنات هذه الكبرى أكبر من هذه الزوجة، وتأتي لها بثوب مثل ثوب الصغرى ما هو مناسب، والعكس كذلك ليس بمناسب، فمثل هذه الأمور لا يحلها إلا الدراهم، هي التي يمكن فيها التعديل، فإذا أعطيت هذه خمسمائة وهذه خمسمائة انتهى الإشكال ولا كلام لأحد، وكل واحد منهما تشتري ما يناسبها يعني في حدود ما أباح الله -جل وعلا-، أما لو أرادات إحداهما أن تشتري شيئاً محرماً لذاته أو وصفه فإنها لا تمكّن من ذلك، قد يقول قائل: إن مثل هذا يسهّل لها الخروج لقضاء حوائجها، ولو تولى الأب أو الزوج تأمين هذه الأمور بنفسه وامتثل جعل النسوة يمتثلن القرار في البيوت، لا شك أن هذا أولى وأكمل لكن لا ينضبط، لا يمكن ضبطه، فالتعديل في مثل هذا يكون بالفلوس تبرأ الذمة بمثل هذا، يعني يحدد للزوجات مثلاً مصروف، وهذا تبعاً ليسار الزوج وعسره فيزيد إذا كانت أموره متيسرة، ويقل إذا كانت أموره أقل وهكذا، فالمتوسط لو أعطى الزوجات كل واحدة خمسمائة وأعطى كل واحد من الأولاد والبنات مائتين أو ثلاثمائة ماشي ما يكون ظلم أحد منهم.
" ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) فرجع فرد تلك الصدقة" امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فأرجعه)) فرد تلك الصدقة فدل على أن الجور والميل وعدم التسوية وعدم التعديل أمر ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو رد، أي مردود، فلا بد من رده في حياة الواهب، وبعد مماته، خلافاً لمن يقول: إنه إذا مات ثبت الإثم في حقه، وثبتت العطية والهبة لمن وهبت له.(93/26)
"وفي رواية لمسلم: قال: ((فأشهد على هذا غيري)) " هل معنى هذا أنه يأذن له في أن يستمر في هبته لكن يشهد على هذا غير النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن منزلته أعظم على مثل هذا؟ فيكون فيه إذن وإباحة؟ أو أن السياق سياق تهديد: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت]؟ لأن منهم من يرى أن التسوية غير واجبة، التعديل بين الأولاد غير واجب، بل التفاضل مكروه، بدليل أنه قال: ((أشهد عليه غيري)) ولو كان محرماً لما أمر بإشهاد غيره، لأنه لا يجوز لغيره أن يشهد على محرم، نقول: ليس الأمر هنا للإذن بل هو للتهديد، كقوله -جل وعلا-: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] "ثم قال: ((أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ )) قال: بلى قال: ((فلا إذاً)) " يعني فلا تفضل بعضهم على بعض ليتم البر منهم على حدٍ سواء، وما وجد العقوق والتمرد على الآباء إلا بعد أن وجد التفضيل لبعض الأولاد على بعض، فالتفضيل سبب للعقوق، كثير من الأولاد خله ينفعه فلان، هو الغالي عنده وهو اللي .. ، موجود هذا، إذا وجد التفضيل من بعضهم على بعض لا شك أن البشر كثير منهم لا يحتمل مثل هذا، وإلا فالأصل أن على الابن أن يؤدي ما عليه، وأن يسأل الله -جل وعلا- الذي له، ويطالب أباه بما له، ويخوفه بالله ويأمره بالعدل، ويضرب له مثل هذا النص، نعم.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)) متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: ((ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه)).(93/27)
يقول: "ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)) متفق عليه" هذا دليل على تحريم الرجوع في الهبة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- شبهه في أمر شنيع، قبيح، وفي الرواية الأخرى: ((ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه)) وأسلوب السياق دليل ظاهر على التحريم؛ لأن المكلف لا يجوز له أن يفعل هذا الفعل، لا يجوز له أن يعود في قيئه فلا يجوز له أن يعود في هبته كما مثلت الغيبة بأكل لحم أخيه ميتاً، كما أنه لا يجوز له أن يأكل لحم أخيه ميتاً كذلك لا يجوز له أن يأكل لحم أخيه حياً بالغيبة، وكذلك إذا كان لا يجوز له أن يعود في قيئه لا يجوز له أن يعود في هبته، هذا قول الجمهور، ومنهم من يقول: يجوز له أن يعود في هبته، طيب والمثل الذي ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مثل السوء؟ قال: إن الكلب غير مكلف ولا إثم عليه إذا عاد في قيئه وحينئذٍ يكون المشبه مثل المشبه به، فلا إثم على من عاد في هبته! ظاهر وإلا مو ظاهر؟ الجمهور أخذوا منه تحريم العود في الهبة وهو ظاهر، السياق يدل دلالة صريحة على التنفير من هذا العمل، ومنهم من يقول: يكره العود في الهبة ولا يحرم لماذا؟ لأن المشبه ينزل منزلة المشبهة به، فالعائد في هبته لا يأثم كما أن الكلب إذا عاد في قيئه لا إثم عليه؛ لأنه غير مكلف، ومثله المشبه به، لكن نهينا عن مشابهة الحيوانات، أقعاء الكلب، افتراش السبع، بروك البعير، هذا ليس للمسلم، وكذلك من أشنع التشبيه في السنة النبوية ما جاء معنا هنا، يقيء .. أولاً كلب، وهو من أخبث الحيوانات وأنجسها، ومع ذلك فعله شنيع، يقيء ثم يعود في قيئه، نعم منها ما يأكل الجيف، ومنها ما هو أخبث من ذلك، لكن هنا التمثيل والتنظير مطابق منه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا في غاية البلاغة، وظاهر من الذي يعطي ثم يأخذ هذا لا شك أنه عمل سيء مشابه لعود الكلب في قيئه، وفي رواية للبخاري: ((ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه)) يستثنى من ذلك ... نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(93/28)
نعم ... لا، المهدي بالكلب، المهدي الذي يعود في هديته كالكلب، العائد في هبته كالكلب، نعم والهدية كالقيء، يعني لو كان المنظور إليه مثلما يقول من يبيح الرجوع ويفسر الحديث على هذا الفهم قلنا: إن الهدية هذه لا يجوز قبولها؛ لأنها كالقيء! صحيح، ما دام يشبه العائد في هبته كالكلب في عدم التكليف وعدم المؤاخذة؛ لأن الكلب غير مكلف، المقصود التشبيه إجمالاً لا تفصيلاً، وإلا لو قلنا: بالتفصيل لاتجه قولهم، لكن الصورة الإجمالية لا شك أنها تدل على منع الرجوع في الهبة، يستثنى من ذلك هبة الوالد لولده، وأيضاً الهبة مع عدم التعديل على ما سيأتي وما تقدم، والحديث الذي يليه حديث ابن عمر في المغرب -إن شاء الله تعالى- ...(93/29)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (21)
شرح: باب الهبة
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن ابن عمر وابن عباس -رضي الله تعالى عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لرجلٍ مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)) رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فتقدم في الحديث الذي قبله تحريم العود في الهبة، وأن العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود على قيئه، وعرفنا أن الجمهور على تحريم هذا الفعل الشنيع وهو العود في الهبة، والسياق يقتضي ذلك، وأن من أهل العلم من فهم منه أنه يجوز العود في الهبة، وأنه لا إثم فيه بدليل أن الكلب غير مكلف فعوده في قيئه غير محرم عليه، وكذلك العود في الهبة غير محرم؛ لأن التشبيه يقتضي المشاركة بين المشبه والمشبه به، لكن السياق صريح في ذمّ العود في الهبة، والتمثيل إنما هو للتنفير والتحذير، وقد نهينا من مشابهة الحيوانات فيما هو أقل من ذلك، نهينا من افتراش السبع، وانبساط الكلب، وتدبيح الحمار، وبروك البعير، والتفات الثعلب، والشموس كشموس الخيل، المقصود أننا نهينا عن مشابهة الحيوانات فيما هو دون ذلك، فكيف نشابههم فيما هو أشنع أعمالهم، وهو العود في القيء، فدل ذلك على تحريم العود في الهبة، يستثنى من ذلك ما يهبه الرجل لولده، يعود عليه بلا إشكال، وهذا مستثنى في الحديث الذي معنا، حديث ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال، عندك قالا؟
طالب: نعم.(94/1)
غلط، القائل هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، "قال: ((لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها)) " يعني يعود في هبته، وإن كانت العطية في العرف عند أهل العلم هي ما يعطى دون مقابل في مرض الموت، في مرض الموت يسمى عطية، وفي حال الصحة يسمى هبة ويسمى هدية ((لا يحل لرجل مسلم أن يعطي العطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)) وذلكم أن المال مال الوالد ومال الولد كالشيء الواحد، فيجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده الذي تعب عليه ((أنت ومالك لأبيك)) فكيف فيما لم يتعب عليه ومصدره هو؟ يعني من باب أولى، كما أن الولد له شبهة في مال أبيه كما هو معلوم عند أهل العلم ومقرر، فاستثني الوالد فيما يعطي ولده، الحديث صحيح، مروي عند أحمد والأربعة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومصحح عند الترمذي وابن حبان والحاكم، فالوالد له أن يعود فيما يهبه لولده، ويكون حينئذٍ مستثنى، مخصص للحديث السابق.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية، ويثيب عليها. رواه البخاري.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: وهب رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناقة فأثابه عليها، فقال: ((رضيت؟ )) قال: لا فزاده، قال: ((رضيت؟ )) قال: لا، فزاده، فقال: ((رضيت؟ )) قال: نعم. رواه أحمد وصححه ابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(94/2)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل الهدية" قبول الهدية لا شك أنه من مكارم الأخلاق، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل الهدية، لكن ليس معنى هذا أن يستشرف الإنسان لكل يدٍ تمد ليرى ما فيها هل فيها شيء يهدى إليه، فالاستشراف ليس من شأن المسلم، ولا من شأن الكرام، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أهدي إليه يقبل من غير استشراف بهذه الهدية، ومن غير أن تؤثر في نفسه الضعة، والنظر إلى أيدي الناس، ولذلكم كان -عليه الصلاة والسلام- يثيب عليها، فيثيب عليها أكثر منها، والهدية بنية الثواب هذه عند أهل العلم حكمها حكم البيع، وليست معنى الهدية التي تسل السخيمة، وتورث المحبة والمودة بين المتهادين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه من عادته، ومن شمائله -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يرد الهدية؛ لأن مرد الهدية يورث في قلب المهدي شيئاً من الضيق؛ لأنه تذهب به الأوهام كل مذهب إذا ردت هديته بيده، ولذلكم لما جاء أبو جهيم بكسائه الذي أهداه للنبي -عليه الصلاة والسلام- قبله ما رده، ومع ذلكم هذا الكساء كان مخططاً ومعلماً فصلى فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- فشغله عن صلاته، نظر إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة فلما سلم قال: ((أعطوا أبا جهيم هذا الكساء، وأتوني بأمبجانيته)) من أجل إيش؟ ألا ينكس قلبه، فيعرف أن الرد لسبب معين لا يرجع إلى ذاته، وإنما يرجع إلى المهدى، وكونه لا يليق به، فلو أهدي إلى الإنسان لا يليق به ولو كان ثميناً، أهدي إليه قلم ذهب مثلاً أو ساعة ذهب، فردها وقال: أعطني غيرها مما لا يحرم لبسه على الرجال، هذا لا شك أن فيه جبراً لخاطر المهدي، فرد الأعلى لا يقتضي رد الأدنى، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يثيب عليها أكثر منها، يثيب عليها ما هو خير منها كما جاء عند ابن أبي شيبة، وفي الحديث الذي يليه، وهذه معروفة عند أهل العلم بالهبة التي يرجى من ورائها الثواب في الدنيا لا في الآخرة، ولها أصل شرعي، الإنسان يقدم لمن هو أكبر منه قدراً، فيرجو ما عنده من ثواب، وهذه لا أجر فيها؛ لأن الأعمال بالنيات، فإذا قدم لأمير أو لكبير أو لوزير، أو لغني هدية، ويقصد(94/3)
من ذلك أن يثيبه عليها أعظم منها، وهذا معروف على مر التاريخ يهدى إلى الخلفاء والمهدي يتوقع أنهم يعطونه أكثر مما أعطاهم، والشعراء يهدون القصائد وأصحاب الأموال يهدون من أموالهم، كل هذا يرجون ثوابه، وعلى هذا الأجر على قدر النية.
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وهب رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ناقة فأثابه عليها فقال: ((رضيت؟ )) قال: لا" لأنه توقع أنها أعظم، يعني إذا أهدى إلى الخليفة قصيدة، ثم رد عليه بقصيدة ما استفاد، لكن إذا أهدى له القصيدة وأعطاه مبلغاً مجزياً من المال كالمعتاد هذا ما توقعه، وهو المرجو من مثل هذه الهدية "فأثابه عليها فقال: ((رضيت؟ )) قال: لا، فزاده فقال: ((رضيت؟ )) قال: لا، فزاده فقال: ((رضيت؟ )) قال: نعم. رواه أحمد وصححه ابن حبان" وفي الترمذي بيّن في روايته أن العوض كان ست بكرات في مقابل ناقة، فأعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر مما أهداه، وهذا من كرمه -عليه الصلاة والسلام-، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فمثل هذا له أصل شرعي، لكن الأجر على قدر النية، ما يقر في قلب المهدي.
في هذا الحديث في بعض الروايات: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشيٍ أو ثقفي)) لأن هؤلاء الأعراب لا يرضون بالشيء اليسير إذا أعطوا، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول له: ((رضيت؟ )) يقول: لا، لا شك أن في هذا شيء من الجفاء، وهذا من شأن الأعراب لا من شأن أهل البلدان والمدن، ولذلك يذكر عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((لقد هممت –بعد هذه القصة- أن لا أقبل إلا من قرشيٍ أو ثقفي)) يعني ممن يقدره حق قدره -عليه الصلاة والسلام-، أما بعض الناس الذين يأتون من أجل الدنيا، وإن كانوا في الأصل مسلمين، لكن المسلمين يتفاوتون، منهم من جبل على الطمع، ومنهم من جبل على الكرم والسخاء سخاء النفس، المقصود أن مثل هذا هديته لا يثاب عليها.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العمرى لمن وهبت له)) متفق عليه.(94/4)
ولمسلم: ((أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه)) وفي لفظ: إنما العمرى التي أجازه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي ولك ولعقبك، فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها.
ولأبي داود والنسائي: ((لا ترقبوا ولا تعمروا، فمن أرقب شيئاً أو أعمر شيئاً فهو لورثته)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العمرى لمن وهبت له)) ".
العُمرى بضم العين المهملة هي العطية مدة العمر بأن يقول المعطي: هي لك مدة عمرك، يعني شبه عارية عند المعمر من أعمرها مدة عمره، ومراد المعمر المعطي أن تعود إليه بعد وفاته، والرقبى كذلك، لكن الرقبى معلقة بموت أحدهما، إن مات المعمر رجعت إلى ورثته، وإن مات المعمر عادت إلى المعمر، فسميت رقبى لأن كل واحد منهم يترقب موت صاحبه، والعمرى الهدية مدة العمر فقط، يقول: ((العمرى لمن وهبت له)) هذا إذا قال: هي عمرى أو لك مدة عمرك، ولم يصرح برجوعها إليه بعد وفاته، فإذا قال: العمرى هي لك مدة عمرك فالعمرى لمن وهبت له، وإن كان اللفظ يفهم منه أنه علق هذه العطية بمدة عمره، لكنه لم يصرح برجوعها إليه، فهي لمن وهبت له، ولمسلمٍ: ((أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه من بعده)).
هذا إذا لم يصرح بعودها إليه، وإن كان اللفظ يفهم منه إرادة الرجوع، لكنه لم يصرح بالرجوع، "وفي لفظ: إنما العمرى التي أجازها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك ولعقبك" يعني إذا قال: هي لك ولعقبك من غير تحديد فمعناها أنها غير مؤقتة، وأنه لا ينوي الرجوع فيها، لكن إذا قال: هي لك مدة عمرك يفهم من اللفظ أنها تعود بعد وفاته، وهي لمن أعمرها كالمطلقة، أما إذا قال: هي لك ما عشت فقط فإنها ترجع إلى صاحبها.(94/5)
"ولأبي داود والنسائي: ((لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئاً أو أعمر شيئاً فهو لورثته)) " وذلكم لأن العطية المؤقتة المحددة بوقت لا شك أن هذا التحديد فيه نوع من الرجوع في الهبة، وهو إن كان لم يهب هبةً مطلقة إلا أنه إذا قال: هي لك مدة عمرك فهي لمن أعمرها، وإذا قال: هي رقبى لك بمعنى أنها متعلقة برقبتي أو رقبتك مدة وجودي أو وجودك، وكل منهما يترقب موت الآخر فهذه أيضاً لمن أرقبها، لكن إذا قال له وصرح له بأنك إذا مت تعود إليّ فهو على ما اشترط، والمسلمون على شروطهم، كما قال: فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها، نعم.
وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: حملت على فرسٍ في سبيل الله فأضاعه صاحبه فظننت أنه بائعه برخص، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: ((لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم)) الحديث متفق عليه.
في هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: حملت على فرسٍ في سبيل الله" يعني في الجهاد، شخص يريد الجهاد وليس عنده ما يحمل عليه، ليس عنده ما يركب، ليس عنده فرس فأعطاه عمر فرس فحمله على فرس بمعنى أنه أعطاه إياه ليجاهد عليه فأضاعه صاحبه بعد أن رجع من الجهاد، أو قبل أن يذهب إلى الجهاد أضاعه صاحبه، وأهمله الذي حمل عليه، فرأى عمر -رضي الله عنه- زهده في هذا الفرس فظن أنه بائعه برخص، والقرينة تدل على ذلك، لو كان في نظره أثيراً غالياً لاهتم به واعتنى به، لكنه أضاعه وأهمله فظن عمر فالقرينة التي تدل على ذلك أنه بائعه برخص، فبدلاً من أن يكون بخمسمائة درهم ظن عمر أنه يبيعه ولو بمائة درهم، لكن عمر -رضي الله تعالى عنه- قبل أن يتصرف وقبل أن يشتري وقبل أن يكلم هذا الشخص سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم لا يقدم على تصرف يشك فيه إلا بعد أن يسأل أهل العلم "فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك فقال: ((لا تبتعه -يعني لا تشتره- ولو أعطاكه بدرهم)) الحديثَ" منصوب على إرادة أكمل الحديث "متفق عليه" بين الشيخين، فرواه البخاري ومسلم.(94/6)
هذا الحديث يدل على أن من أخرج شيئاً لله لا يجوز له الرجوع فيه، فشخص أعطى زميله كتاب يستفيد منه ثم بعد ذلك هذا المهدى لم يستعمل الكتاب حق الاستعمال وأضاعه، وجعله في مكانٍ يدل على عدم اكتراثه به معرض للشمس، معرض للأمطار والسيول، وكل ما دخل زميله رأى هذا الكتاب في هذا المكان الذي هو مظنة لتلفه، فقال: بعنيه، فبدلاً من أن تكون قيمته مائة ريال يمكن يبيعه بعشرة، احتمال يبيعه برخص؛ لأنه لو كان أثيراً عنده معظماً لديه لجعله في مكانه اللائق به، واستفاد منه حق الإفادة، لكن لما كان ما يستفيد منه وضعه في هذا المكان الذي يدل على أنه زاهد فيه، لا شك أنه يبيعه برخص، مثل هذه الصورة التي معنا فمن ترك شيئاً لله، وبذله لله لا يجوز الرجوع فيه ولا بالشراء، فهذا الفرس لو أعطاه إياه بدرهم لا يجوز له أن يشتريه، لكن لو كان عمر -رضي الله تعالى عنه- أراد أن يشتري هذا الفرس ليعطيه آخر يجاهد عليه في سبيل الله، أو أراد المهدي للكتاب أن يخلص هذا الكتاب من الشخص الذي لا يستفيد منه، ويدفعه إلى آخر يستفيد منه يلام وإلا ما يلام؟ هل مثل هذا رجوع في الهبة فيما أخرجه لله؟ لا، هذه هبة ثانية، وإخراج لله مرة ثانية، فمثل هذا لا يدخل في المنع، وإن كان من أهل التحري من يرى أنه لا يبيعه ولو .. ، لا يبتاعه ولو تلف، ولو أدى ذلك إلى تلفه لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم)) لكن من عرف المقاصد الشرعية وعمومات الشريعة يدل على أن المراد أنه لا تبتعه لتفيد منه بنفسك، أما إذا تدفعه إلى شخص يستفيد منه أكثر مما يستفيد منه المعطى الأول، وتشتريه بقيمته فإنك مثاب مرة أخرى على ثوابك الأول، وكذلك لو اشتراه بأكثر من قيمته، وجده يحرج عليه في السوق من يشتري الفرس؟ الفرس يستحق خمسمائة فسامه بعضهم بمائة، مائتين، ثلاثمائة، فقال: أنا أشتريه بستمائة، هل هذا من الرجوع والعود فيما وهبه لله -جل وعلا-؟ لأن العلة المنصوصة الرخص، وهذا الرخص الذي هو القدر بين قيمته الحقيقية، وبين ما يباع به من رخص هذا رجوع، يعني إذا كان يستحق خمسمائة فاشتراه بثلاثمائة نقول: إنه رجع من الفرس بمقدار مائتين، لكن إذا اشتراه بستمائة رجع في(94/7)
شيء؟ يعني مفهوم المخالفة في هذا الحديث أنه لو اشتراه بأكثر مما يستحق فإنه ليس برجوع.
"فأضاعه صاحبه، فظننت أنه بائعه برخص" فمفهومه أنه إذا باعه بزيادة على ما يستحقه أنه لا يدخل في النص "فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: ((لا تبتعه -يعني لا تشتريه- وإن أعطاكه بدرهم)) الحديث، متفق عليه" وهذا يحصل كثير بين الإخوان، يهدي أحدهما للآخر هدية كتاب أو شيء يستفيد منه، ويستعين به على طلب العلم، ثم بعد ذلك يرى أنه ليس بحاجة له، ويستدل بذلك بقرائن، إما لإهماله أو لكونه عنده تبين أن عنده نسخة أخرى، قيل له: وراك ما تحضر درس البلوغ قال: والله ما عندي كتاب، ثم بعد ذلك أهداه كتاب فصار يحضر، ثم بعد ذلك وقف أو أهدي نسخة أخرى، أو أعطي من جهةٍ خيرية نسخة أخرى هي أفضل من هذه النسخة فاستغنى عن هذه النسخة، هذه النسخة لا بد أن يستفاد منها، ولا تعطل ولا تهمل، فتدفع إلى من يستفيد منها، وإذا لم يرض ببذلها فما الحكم؟ إن الكتاب أعطيه على سبيل الهدية أو على سبيل الوقف، إن كان على جهة الوقف فحينئذٍ تعطلت منافعه فينقل إلى جهة أخرى، وإن كان على سبيل الهدية يشار إليه أن يدفعه إلى جهةٍ أخرى، أو يبيعه إلى من يستفيد منه.
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تهادوا تحابوا)) رواه البخاري في الأدب المفرد، وأبو يعلى بإسنادٍ حسن.
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة)) رواه البزار بإسنادٍ ضعيف.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(94/8)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تهادوا تحابوا)) " هذه مفاعلة في الفعلين مقتضاها أن تكون بين طرفين، فمقتضى اللفظ في الأصل أن تكون الهدية من الطرفين، كل واحد منهما يهدي للآخر لتحصل النتيجة، يحصل، يترتب على ذلك جواب الطلب، الطلب: تهادوا، فإذا حصلت الهدية من واحد إلى آخر حصلت المحبة من المهدى إليه للمهدي، وإذا حصل العكس ترتب عليه ذلك أيضاً، فمقتضى الصيغة أن كل واحدٍ منهما يهدي للآخر، يهدي زيد لعمرو وعمرو لزيد، فيحصل النتيجة أن عمراً يحب زيداً، وزيد يحب عمراً، هذا الأصل في الصيغة، لكن لو لم يحصل من الطرفين، حصل من طرف واحد، يتم الامتثال وإلا ما يتم؟ قلنا: إن الأصل مهاداة، محابة في الله، يعني مفاعلة تكون بين طرفين، فإذا لم توجد إلا من طرفٍ واحد زيد أهدى لعمرو وعمرو لم يهدِ لزيد! يعني زيد بذل السبب في إيجاد الجواب، جواب الطلب الذي هو المحبة، وقصر عمر في المهاداة فلم يحصل منه ذلك وكل إنسانٍ مطالب بمثل هذا، الأمر يتجه إلى كل مسلم، وكل على حسب قدرته واستطاعته، فإذا فعله شخص امتثل الأمر، وأجر عليه وإذا تركه آخر فإنه لا علاقة له به يثبت الأجر لمن فعل، والأمر عند أهل العلم للاستحباب، الأمر للاستحباب.(94/9)
هذه الهدية التي تقدم للمهدى لا شك أنها سبب في تقوية الصلة، وفي حصول المودة، ولن تدخلوا الجنة حتى تحابوا ((ألا أخبركم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)) فهذه أقل الأحوال أن تبذل السلام على من لقيت سواءً عرفته أو لم تعرفه، فتكون محبوباً بين العباد، إذا زاد الأمر وبذلت مع السلام هدية لزيد من الناس فإن مودتك تقر في قلبه، والحديث الذي سيأتي أن هذه الهدية ولو كانت يسيرة فإنها تنفع، ولا يجوز ازدراؤها ولا احتقارها، فلو أهدى شخص لآخر مسواك فتقبل هذه الهدية، كما كان هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه يقبل الهدية ويشكره عليها، ولا منّة له عليه سواء كان قريباً أو بعيداً، وواحد من الكبار من أهل العلم الكبار قابله شخص فأهدى إليه مسواك، لكنه مائل، وقد قدّم لهذه الهدية بمقدمات عدة مرات كل ما لقيه عندي لك هدية، لقيه من الغد عندي لك هدية، عندي لك هدية، كم مرة يقول له عندي لك هدية! فلما لقيه في يوم من الأيام أعطاه المسواك، فإذا به مائل، فجعل في نفسه وش هذه الهدية التي وعدني بها مراراً؟ وذكرني بها مراراً، عندي لك هدية، يا فلان عندي لك هدية، فلما قال في نفسه، زور في نفسه هذا الكلام عاد إلى نفسه مرةً أخرى فقال: على كل حال هو محسن، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ دعا له، ثم عاد إلى نفسه مرةً ثانية يقرعها ويلومها، الله -جل وعلا- أحسن علينا، وأنعم علينا بنعم عظيمة، ووهبنا المنح الجزيلة، ونعم لا تعد ولا تحصى، ومع ذلك نعبده على وجهٍ قد يرضيه أحياناً، وقد لا يرضيه أحياناً، فعباداتنا مثل هذا المسواك فيها عوج، بعض المواقف تؤثر في الإنسان وهي يسيرة، لكن مع التفكر مع التأمل مع التدبر، وإلا إيش المانع أنه لما أعطاه المسواك الأعوج الذي وعده به مراراً أنه يرميه عليه! ويقول له: ما تستحي تقدم هذا المسواك المائل الأعوج بعد وعود، وبالفعل المهدى إليه شخص كبير ما هو بإنسان عادي يعني من أهل العلم الكبار، لكنه عادت عليه هذه الهدية بالنفع العظيم، يعني حاسب نفسه بالفعل، يقول: هذا محسن، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ جزاك الله خيراً انتهى الإشكال، ثم عاد إلى نفسه يلومها وأي إحسانٍ وأي منةٍ أعظم من مال الله في(94/10)
عنق المسلم من منة أن خلقه، وأوجده، ورزقه، وهداه للإسلام التي هي أعظم النعم، ثم بعد ذلك يعبد على طريقةٍ أحياناً لا ترضيه، فيها ميل، فيها عوج، فلو أن كل إنسانٍ حاسب نفسه بهذه الطريقة ما وقع منا كثير من التصرفات التي نتصرفها، نكبر تكبيرة الإحرام فلا نشعر إلا والإمام يسلم، ونقرأ القرآن ونبدأ بسورة ولا نشعر إلا ونحن في السورة التي بعد التي تليها، وشخص وهو من الأخيار قال: أجلس اليوم بعد صلاة الصبح، في المسجد بعد الصلاة إلى أن تنتشر الشمس وعزم على هذا، يقول: لما صليت الصبح يعني بعد ربع ساعة ما شعرت إلا وأنا في بيتي جالس مسوي القهوة ويتقهوى، شاب على الدلة ويتقهوى، هذا الذي عزم على الجلوس بعد صلاة الصبح، سببه إيش؟ القلوب شاردة، فلو أن الإنسان وقف مع نفسه وقفة محاسبة ما صارت الأعمال بهذه الطريقة تؤدى على وجه لا يرضي الله -جل وعلا-، القلوب لا شك أنها تحتاج إلى تعاهد، والنيات شرود، لا بد أن تتعاهد؛ ليكون العمل نافعاً عند الله -جل وعلا-، فبقدر ما تستحضر من صلاتك يكون ثوابك، فمن الناس من يخرج من صلاته بنصفها، يعني بنصف أجرها، ومنهم من يخرج منها بربع الأجر، ومنهم بالثلث، ومنهم بالعشر، ومنهم من يخرج بلا أجر؛ لأنه ما عقل من صلاته شيء وليس له من صلاته إلا ما عقل، وهذا حال كثير من الناس، يعني إذا وجد من هو ساجد يقول: آمين، يرفع صوته بها هذا قرأ الفاتحة وانتهى، ما بقي إلا آمين، وهو ساجد، هل هذا يعقل من صلاته شيء لا سيما في حال السجود الذي هو أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد؟ والله المستعان.
لا شك أن الهدية تورث المحبة؛ لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.(94/11)
" ((تهادوا تحابوا)) رواه البخاري في الأدب المفرد" كتاب للإمام البخاري معروف ومشهور ومطبوع ومتداول، والوصف بكونه مفرد لئلا يتلبس بالأدب الموجود في الصحيح؛ لأن صحيح البخاري فيه كتاب الأدب، فقولهم: الأدب المفرد؛ ليخرج الأدب الموجود في صحيحه، وبينهما تشابه كبير بين الأدب المفرد والأدب الذي في صحيحه إلا أن شرطه في الأدب المفرد أخف بكثير من شرطه في الصحيح، فيدخل فيه بعض الأحاديث الحسنة التي تقصر عن شرطه، وبعض الأحاديث الضعيفة، وهذا الحديث قال الحافظ عنه: "وأبو يعلى بإسنادٍ حسن" إسناده حسن، وقد ينزل عن الحسن قليلاً إلا أنه له شواهد ترقيه إلى مرتبة الحسن، ومن شواهده: حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تهادوا)) يعني كل واحد يهدي للثاني ((تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة)) السخيمة: هي الحقد والبغضاء التي في القلوب، وهذه داء من أدواء القلوب تعالج بمثل هذا، تعالج بالإحسان إلى من في قلبه مثل هذا الحقد، فقد يكون بين الإنسان وبين أخيه وبين قريبه وبين جاره وبين زميله في العمل، بين صديقه يكون بينهم شيء سوء التفاهم يورث شيء من الحقد والبغضاء والتنافر، مثل هذا يزال بالهدية، ((تهادوا فإن الهدية تسل)) يعني تسحب السخيمة التي هي الحقد في القلوب "رواه البزار بإسنادٍ ضعيف" لكنه يشهد له الحديث الذي قبله فيرتقيان معاً إلى درجة الحسن لغيره، نعم.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(94/12)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا نساء المسلمات)) " ما نوع الإضافة هنا؟ نساء المسلمات؟ من إضافة؟ الموصوف إلى صفته، يا نساء المسلمات، وما دام المنادى مضاف فهو إيش؟ منصوب، ونساء مضاف والمسلمات مضاف إليه ((لا تحقرن)) يعني لا تزدري الجارة لجارتها الهدية اليسيرة ((لا تحقرن جارة لجارتها -الهدية اليسيرة ولو بلغت إلى- فرسن شاة)) الفرسن بالنسبة للبعير بمنزلة الحافر للفرس، وقد يستعار الفرسن للشاة كما هنا، وإلا فالأصل في إطلاقه أنه للبعير، لكنه ربما استعير للشاة كما قال أهل اللغة.(94/13)
لو أن امرأة أهدت لجارتها هذا الفرسن ثم قبلته هذه الجارة، وأفادت منه إن كانت بحاجته أو دفعته إلى غيرها، وانتفع به من يدفع إليه، وهذا لا شك أنه يسير، لكن مع ذلك هو بدون مقابل، وفي هذا الحديث الحث على الهدية، ولو كانت يسيرة، بعض الناس يأنف ويستنكف أن يهدي الشيء اليسير، وجاء ذمّ من يقصد الشيء الرديء ويبقي الطيب له {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] لكن في الحديث الحث على الهدية، وليس معنى هذا أن الإنسان يذبح البعير الذي هو زنته خمسمائة كيلو، ويدخره بكامله، ويهدي إلى جاره، هذا يهدي له خف، وهذا يهدي له خف، وهذا رئة وهذا مدري إيش!؟ لا، ليس معنى هذا إنما هو في حال القلة، يعني في حال كون المهدي قليل ذات اليد، فيهدي ما يناسبه، لا يتكلف أمر لا يطيقه، ويقبل من مثل الفقير يقبل منه الشيء اليسير، لكن لو أن شخصاً عرف بالغنى والثراء، وصار يوزع على الفقراء والمساكين مثل هذا، لا شك أن هذا داخل في قوله: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] يعني تأخذونه على شيءٍ من الإغماض والمجاملة، لكن إذا كان المهدي قليل ذات اليد فقير يقبل منه مثل هذا، وهذا فيه مبالغة وإلا فكثير من الناس لا يستعمل هذا الفرسن، في حديث التخلف عن صلاة الجماعة قال: ((والذي نفسي بيده لو أن أحدهم -يعني المتخلفين عن صلاة العشاء- لو أن أحدهم يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) يعني لو أنه إذا جاء لصلاة العشاء وجد شيئاً يأكله ما تأخر، لو وجد عرقاً سميناً، عظم عليه لحم، أو مرماتين حسنتين يقول العلماء -وهذا موجود في أكثر الشروح-: هو ما بين ظلفي الشاة، يعني وصفه بكونه حسن، وهو ما بين الظلفين مناسب وإلا غير مناسب؟ على كلامهم؟ هو لا شك أن هذا غير مناسب، لا سيما أن كثير من الناس ما يأكل الكوارع، وإن كان عاد إذا طبخ بطريقة معينة يوجد من يأكلها، فالظاهر أن هذا تصحيف، وأن المراد بالمرماتين الحسنتين ما بين ضلعي الشاة، هذا لا شك أنه حسن، يعني ما بين الأضلاع من(94/14)
اللحم جيد، ويمكن أن يوصف بالحسن، أما بين الظلفين وش يوصف بالحسن؟ فلا شك أن مثل هذا شيء يسير وقليل، ويقبل من بعض الناس دون بعض، وعلى هذا المهدى إليه لا يستنكف من مثل هذا الأمر، في قصة شخص أصيب بجائحة وخسر خسائر مرهقة، ملايين، فكلم واحد من التجار فقال له: صل العصر معي وأرضيك -إن شاء الله-، صلى معه العصر بعد أن شرح له القصة، ودعاه إلى تناول القهوة عنده، وبعد ذلك أحضر له كيساً مملوءاً ومربوطاً، يعني كيس كبير جداً، ومربوط مملوء بالدراهم، فقال له: استعن به على قضاء دينك، هذا توقع أنه يكفي للدين، فلما ذهب إلى بيته وجده من فئة الريال، وعدها فإذا هي ثلاثة آلاف، هو توقع المسألة يعني بيكفيه -إن شاء الله-، يعني مثل هذا التصرف ثلاثة آلاف ريال لو مباشرة أطلع ثلاثة آلاف وأعطاه إياه مقبولة، لكن صل معي العصر وأرضيك ويجيب هالكيس الكبير المربوط من فوق، يعني تصرف فيه ما فيه، حقيقة منتقد، وإن كان المبلغ لا بأس يعني، لكن لو هو من الأصل أخبره بالخبر وقال: يا ولدي هذه ثلاثة آلاف وانتهى الإشكال، فعلام يدل هذا التصرف؟ هذا الشخص المدين ذهب يتحدث به في كل مكان، هل هو مخالف للحديث: ((لا تحقرن جارة لجارتها))؟ هذا الحديث ما هو مرده إلى أن المبلغ ثلاثة آلاف يسيرة، أو ما تصلح أن تدفع من مثل هذا الرجل، لكن التصرف، ولا شك أن مثل هذا التصرف والنتيجة هذه ينبئ وينم عن شيء في النفس، وقد يتأول لهذا الشخص أنه وضع في هذا الكيس مبلغ كبير جداً ورآه أحد في البيت وغير الفئات من خمسمائة أو من مائة إلى ريالات ممكن هذا، هذا محتمل، لكن يبقى أن مثل هذا التصرف من فئة ريال وتربط بكيس، ومبلغ طيب، والله المستعان.(94/15)
فهل مثل الحديث عن هذا الشخص يدخل في الحديث الذي معنا ((لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة))؟ نقول: ليس مرد الكلام في هذا الرجل أن المبلغ ثلاثة آلاف، إنما الطريقة التي قدّم بها هذا المبلغ تقتضي الكلام فيه، ولا شك أن المسألة يعتريها ما يعتريها من الشكوك والظنون والأوهام والنفس تسرح في مثل هذا كل مسرح، لكن الكلام فيه وتعيينه باسمه لا شك أنها غيبة محرمة، لكن يطرح مثل هذا التصرف في مثل هذا الموضع، فهل هذا من احتقار الهدية أو العطية؟ إنما التصرف الذي احتف بهذه الهدية يجر إلى مثل هذا الكلام، لو أن طالب علم طلب من آخر قال: أنا أريد أحضر الدروس، وليس عندي كتب فذهب إلى المستعمل واشترى له كتب، كتب ممزقة، كتب تحتاج إلى ترميم، تحتاج إلى تجليد فهل يعاب بهذا؟ هنا لا يعاب، لا سيما إذا كان ليس عنده من المال ما يشتري به شيء جديد أو يشق عليه شراء الجديد ولا شك أن هذا من التعاون، لكن أحياناً يكون الترميم والتجليد أكثر من قيمة الكتاب، فلو أعطاه القيمة، وقال: اشتر به الكتب، استعن بها على شراء بعض الكتب، أما أن يشتري له كتاب بعشرة ويهديه إليه ويحتاج إلى تجليد بثلاثين، وهو يباع جديد نظيف بمثل هذه القيمة، لا شك أن مثل هذا يعدل عنه، نعم.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من وهب هبةً فهو أحقّ بها ما لم يثب عليها)) رواه الحاكم وصححه والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر قوله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(94/16)
"وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من وهب هبةً فهو أحقّ بها)) " يعني له أن يعود فيها ما لم يثب عليها، يعني ما لم يدفع له مقابل، وهذا الحديث لا يصح رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه مخالف لما تقدم العائد في هبته كالكلب، يقول: من وهب هبة فهو أحق بها، يعني أنه له أن يعود فيها، ما لم يثب عليها، يعني ما لم يعط عوضاً عنها، وهذا إذا حمل على نيّة الهبة التي يقصد منها الثواب فقد يتجه، لكنه لا يصح رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو محفوظ من قول ابن عمر من قوله موقوفاً عليه، وعلى هذا فرفعه يقابل المحفوظ، ما الذي يقابل المحفوظ؟ الشاذ، فيكون رفعه شاذ، وعلى هذا فلا يصح رفعه، وإن ثبت عن ابن عمر قوله اجتهاداً منه -رضي الله عنه وأرضاه-، ويحمل على الهبة بنية الثواب، جاء شخص إلى أمير وأهداه هدية، وأخذها وقبلها ووضعها في المجلس، ثم انصرف، ما أعطاه شيء؟ على كلام ابن عمر هذا المهدي له أن يأخذها ويخرج بها؛ لأنه جاء بنية الثواب، وما أعطي شيء، لكن لا شك أن حديث العود في الهبة يشمل مثل هذه الصورة، فلا يجوز الرجوع فيها، وما دام أخرجها على سبيل الهبة والعائد في هبته كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كالكلب يعود في قيئه)).
هذا يقول: هل جلسة الاستراحة واردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة الانفرادية ومع الإمام؟(94/17)
جلسة الاستراحة هذه يسميها الفقهاء جلسة استراحة، وهي جلسة خفيفة بين الركعة الأولى والثانية وبين الثالثة والرابعة، وقد ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام- في حديث مالك ابن الحويرث من فعله -عليه الصلاة والسلام- في البخاري، ووردت أيضاً في بعض طرق حديث المسيء، وهي أيضاً في البخاري، في البخاري في كتاب الاستئذان، ووردت أيضاً في بعض طرق حديث أبي حميد، كما ذكر ذلك ابن القيم وابن حجر، المقصود أنها ثابتة من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قوله، فتفعل مطلقاً، أما ما يقوله بعض أهل العلم أنها لا تفعل إلا عند الحاجة إليها، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعلها حتى كبر، وبدّن يعني ثقل بدنه فالذي عندي أنها لا يحتاج إليها مع كبر السن، إنما يحتاج إلى تركها، الحاجة تدعو إلى تركها لا إلى فعلها، كبير السن إذا كان ساجداً هل الأسهل عليه أن يقوم مباشرة أو يجلس يثني ركبته ثم يقوم؟ أيهما أسهل عليه؟ من حيث المشاهدة، لا شك أنه يقوم مباشرة إلى الركعة التي تليها أسهل عليه من أن يثني رجليه ويجلس ثم يقوم، فقولهم: إن الحاجة تدعو إليها، لا أنا أقول: الحاجة قد تدعو إلى تركها لا إلى فعلها، وعلى هذا هي مشروعة مطلقاً للإمام والمأموم والمنفرد وللمأموم سواء فعلها الإمام أو لم يفعلها، وليست هذه من المخالفة والاختلاف على الإمام كما لو ترك الإمام رفع يديه مع الركوع أو مع القيام أو مع تكبيرة الإحرام كما لو تركها لا يوافق على ذلك.
يقول: أوقف والدي عمارة للمحتاج حاجة ضرورية من ذريته، فإن لم يوجد فللمساكين، فما مقدار الحاجة الضرورية؟ وهل يدخل فيها دفع إيجار البيت أو فواتير الجوال وغيرها؟(94/18)
على كل حال البيت والمسكن والأكل والشرب والزواج أيضاً هذه حاجات ضرورية أصلية، يؤخذ من مثل هذا الوقف، وما عدا ذلك من الكماليات فلا، والكماليات في وقت قد تكون ضرورية في وقتٍ آخر، بمعنى أنها إذا صارت من عادة الناس واستمروها، ولم يستطيعوا العيش بدونها فإنها حينئذٍ تكون أصلية فمثلاً قبل ثلاثين سنة هل يمكن أن يعطى الإنسان زكاة من أجل أن يشتري مكيف أو ثلاجة؟ ما يعطى، لكن الآن؟ هل يستطيع أن ينام بدون مكيف؟ أو يشرب ماء بدون ثلاجة؟ صارت حاجة أصلية ضرورية، بعض الفقراء الذين يعيشون على الزكاة تجد معه جوال ومع زوجته جوال، ومع ولده جوال، ومع بنته جوال، مثل هذا عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، فلا يأخذ أموال المسلمين لمثل هذه الأمور؛ لأنه يمكن أن يعيش بدون جوال، نعم يلحقه مشقة، لكن ليس من الحاجات الأصلية التي قد تدفع من أجلها الزكاة.
يقول: قال الصنعاني -رحمه الله-: ذهبت الهادوية وأبو حنيفة إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة، سؤالي: من هم الهادوية؟
الهادوية فرقة طائفة من الزيدية هم في وقت الصنعاني غالب سكان اليمن، فيعتني الصنعاني -رحمه الله- بذكر أقوالهم ليروج الكتاب وإلا هم طائفة مبتدعة، فرقة من الزيدية لا يعتد بقولهم.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
يقول في قوله: ((كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه)) هل نستطيع القول بأنه شبه العائد في هديته بالكلب وأنه شبه هنا الهدية المعاد فيها والمرجوع فيها فقط بالقيء دون تشبيه ذلك بالهدية التي يعاد فيها؟
نقول: التشبيه لا يلزم فيه المطابقة من كل وجه، فإذا وجدت المطابقة من وجهٍ صح التشبيه، ولذا جاء تشبيه الوحي وهو محمود بصلصلة الجرس وهو مذموم، فصلصلة الجرس لها أكثر من وصف، ولها أكثر من جهة، جهة فيها تدارك الصوت وتتابعه، وفيها أيضاً جهة الإطراب التي من أجلها ذمّ التشبيه في التدارك لا في الإطراب، وحينئذٍ يتم التشبيه، تشبيه رؤية الباري -جل وعلا- برؤية القمر ليلة البدر ليس من كل وجه، وإنما تشبيه رؤية برؤية لا مرئي بمرئي وهكذا، فإذا شبهنا العائد في هبته بالكلب انطبق، ووجه الشبه بينهما أن هذا يعود في هبته وهذا يعود في قيئه، فصح التشبيه من هذه الحيثية.(94/19)
يقول: ما رأيك في طالب علم طلبته يبجلونه، ولا يكاد يأمرهم بشيءٍ إلا فعلوا، ولا ينهاهم عن شيءٍ إلا انتهوا، فهم كالأموات بين يدي مغسل، يقلبهم كيف يشاء، هل هذا ثمرة؟ هل هذا له ثمرة؟ وما قول أهل العلم في هذا؟
هذا المعروف عند غلاة المتصوفة أنهم يجعلون المريدين بهذه الكيفية، كالميت بين يدي الغاسل، وأما أهل العلم أهل الكتاب والسنة، أهل العلم والعمل أهل الاقتداء فإنهم ينهون عن الغلو، ويأمرون بالأدب، ويربون عليه، لكنهم يحذرون من الغلو، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) ومثل هذا لا شك أنه غلو.
يقول: إذا أهديت لأحدٍ هدية وأرجعها إليّ رافضاً لها فهل لي أن آخذها؟
نعم؛ لأنها ما ثبتت إلى الآن حتى يقبلها ويقبضها، لك أن تأخذها، وإن دفعتها إلى غيره فهو أولى.
يقول: صليت الفرض منفرداً، فلما انتهيت جاء جماعة وصلوا جماعة لنفس الفرض، وصليت معهم هل يجوز ذلك؟
إذا كان الوقت غير وقت نهي فلا مانع من ذلك، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين صليا في رحالهما أنهما إذا أتيا المسجد يصلون مع الناس فهي لهم نافلة، وفريضتك الأولى التي صليتها بمفردك، وأما الثانية فهي نافلة إذا كان في وقت التطوع.
يقول: عندي مكتبة علمية في بلدي لا أحتاج إليها الآن، فهل لي أن أوقفها داخل مسجد إلى أن أنتهي من سفري؟ يعني يوقفها ويعود إليها؟
لا، إذا أوقفها خرجت من يده، لا يجوز له الرجوع إليها، ولا يجوز له الرجوع فيها، يستفيد منها كغيره، لكن لا يمنع أن يجعلها أو يضعها في مسجد ويستفاد منها وهي باقية في ملكه، فإذا رجع إلى بلده يعيدها إلى بيته، أما أن يوقفها فلا يعود فيها.
هل لمعلم قبول هدية الطلاب أثناء العام الدراسي أو في نهايته؟
ليس له القبول؛ لأن هذه من هدايا العمال وهي غلول، ما دام يأخذ أجراً على التعليم.
يقول: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [(31) سورة النبأ] ما إعراب كلمة مفازاً؟
اسم إنّ مؤخر.
يقول: أنا زُوجت من رأس المال لا من ميراثي، فهل يجب عليّ رد المال لأخواني وأخواتي؟(94/20)
إذا زوجت من رأس المال في حياة أبيك ولا يوجد من إخوانك من يحتاج الزواج ويرفض الوالد أن يزوجه فلا ترد عليهم شيئاً؛ لأن الزواج حاجة أصلية يدفعه الأب لولده، لكن إن كان زواجك من رأس المال بعد وفاة أبيك فهو من إرثك تحاسب عليه إلا إذا رضي بقية الورثة أن يكون من بينهم، ومن رأس المال فالأمر لا يعدوهم.
يقول: هل يتم الوقف بمجرد نيته أو تلفظه أو كتابته؟
النية هذه لا يحاسب عليها حديث النفس ما لم يتكلم أو يعمل. بأن يقول: أوقفت هذه الأرض مسجد، أو هذه الأرض مقبرة، أو يسور الأرض بالفعل يسورها، ويأذن للناس بالدفن فيها، ولو لم يصرح بأنها مقبرة، أو يبني الأرض على هيئة مسجد، ويأذن للناس بالصلاة فيه تثبت الوقفية بمثل هذا، بالقول والفعل، أما بمجرد النية فلا.
يقول: ما يقدم في المساجد من مشروبات ماء مثلاً ومأكولات وأشرطة وكتيبات وغيرها، لا نعرف كنهها هل هي هدية أم صدقة؟ فما حكم أخذها علماً بأني لست من أهل الصدقة، وأخاف أن تكون صدقة؟
أولاً: بالنسبة للزكاة لا يجوز أن تصرف في مثل هذه الأمور، ولا تصرف إلا في مصارفها الثمانية التي بيّنت في كتاب الله -جل وعلا-، أما بالنسبة للصدقة في مثل هذه الأمور يعني شخص يتبرع بها سواء كانت ماء عند الحاجة إليه، أو طعام خفيف أو كتب وأشرطة ومطويات وكذا لا مانع من الإفادة منها، ولو كان غير أهلٍ للصدقة.
يقول: كيف يجمع بين اختلاف المقدار في حرم البئر، ففي حديث ابن مغفل أربعون، وفي المسند خمسة وعشرون للجديد وخمسون للقديم؟
على كل حال هذه أمور متفاوتة، فمن الآبار ما يحتاج إلى أربعين ذراعاً، ومنهما ما يحتاج إلى خمسين، ومنها ما يحتاج إلى خمسةٍ وعشرين بحسب ما يتوقع من كثرة الواردين عليها وقلتهم.
يقول: الذي في غيبوبة أو فقد عقله لكبر سنه ألا يعتبر مريضاً ويدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً))؟(94/21)
المريض والمسافر ما زال في دائرة التكليف، ما زال مكلفاً؛ لأن العقل موجود وثابت، أما من أصيب بخرفٍ أو جنون أو غيبوبة فإنه ارتفع عنه قلم التكليف، فإذا وجد منهم بعض التصرفات التي هي من آثار عمله السابق مثلما قلنا في درس العصر، مثلما قلنا سابقاً: إنه إن كانت هذه التصرفات من آثارٍ عملٍ له سابق فهو يثاب عليها، كمن يقرأ في حال الغيبوبة، ومن يذكر الله ومن يؤذن لا شك أنه يؤجر عليه، لا سيما على القول بأن الصبي يثاب على الحسنات، ولا يعاقب على السيئات.
يقول: أنا رجل مقيم في الشرقية وسافرت إلى جدة للعمل، ثم أتيت هنا للزيارة وسأعود إلى جدة، فهل صلاتي هنا صلاة مقيم أم مسافر؟ علماً بأن بقائي هنا لمدة يومٍ واحد فقط، وإذا صليت صلاة المسافر كأن جمعت الظهر والعصر اليوم .. فما حكم صلاتي؟
أنت إذا كانت هذه بلدك وموطنك ولك فيها بيت ولك فيها أهل فهي بلدك لا يجوز أن تترخص فيها؛ لأنك مقيم ولست بمسافر، ولو كانت إقامتك يوم أو أقل من يوم أو أكثر دون مدة القصر، فأنت مقيم، وإذا سافرت إلى جدة فأنت مسافر، فإذا أقمت الإقامة المعتبرة عند الجمهور أربعة أيام فحكمك حكم المقيم وإلا فلك أن تجمع وتقصر هناك لأنك مسافر.
يقول: قامت زوجتي بإرضاع أختها الصغيرة أكثر من عشر رضعات مشبعات فهل أصير أباً لها من الرضاعة، وتحرم عليّ؟ وهل تصير زوجي أماً لها من الرضاعة إذا كان ذلك في الحولين؟
نعم أنت أبوها وزوجتك أمها من الرضاعة، وتحرم عليك حينئذٍ، وتحرم على أولادك.
يقول: هل تجوز غيبة من عرف بظلمه أو عرف بفسقه؟
المظلوم له أن يدعو على ظالمه بقدر مظلمته، ومن عرف بفسقه لا شك أنه يحذر من العمل الذي يرتكبه، ولا داعي لكتمه، اللهم إلا إذا خيف من الاغترار به كالمبتدع الذي في السؤال الذي يليه، فإذا خيف من تأثيره على الناس فإنه حينئذٍ يحذر منه باسمه، أما إذا لم يخف منه ضرر متعدي على غيره فلا داعي لذكر اسمه؛ لأنه ما زال في دائرة الإسلام.
وهل تجوز غيبة صغار السن؟
لا تجوز غيبة صغار السن؛ لأنهم مسلمون.
يقول: ما أفضل شروح بلوغ المرام غير سبل السلام؟(94/22)
أصله (البدر التمام) للقاضي حسين بن محمد المغربي جيد، وفيه فضول حذفت في المختصر الذي هو سبل السلام، وهناك أيضاً شرح للشيخ عبد الله البسام طيب اسمه (توضيح الأحكام).
يقول: ما ذكرته عن العقيقة وإكرام الضيف قد حصل مع والدي فقد أتاه ضيف وأكرمه بالعقيقة ولم يذكرها له، وقد أوهمها أن هذه الذبيحة إكراماً له؟ الطفلة المولودة الآن لم تكمل ستة أشهر، فهل أجزأتها تلك العقيقة أم هو مطالب بعقيقة أخرى؟
على كل حال الأصل أن يبيّن، ولا يوهم أنه إنما ذبحها إكراماً لضيفه، وهي في الحقيقة عقيقة، كما أنه لا يوهم أنها إكرام للضيف وهي في الحقيقة من الوقف، ونظّرنا ذلك بالحديث: ((ومن كانت هجرته لدينا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) وقلنا: إن هذا سيق مساق الذم؛ لأن هذا المهاجر من أجل الدنيا أو من أجل الزوجة، وإن كان في الأصل أن الهجرة لمثل هذا مباحة ما فيها إشكال، لكن لما أوهم الناس بفعله سواء كان ذلك بلسان الحال أو بلسان المقال أنه إنما هاجر لله ورسوله جاء الذم من هذه الحيثية، أما كونها تجزئ فيرجى أن تجزئ -إن شاء الله تعالى-.
رجل مات وترك ولداً يعني ذكر وخمس بنات متزوجات، وكان الولد يعمل مع أبيه في تجارته، وقد كتب في حال حياته بيت منزل باسم ابنه دون بناته، فهل هذا جائز أم لا؟
لا يجوز له ذلك، اللهم إلا إذا قرر له أجرة المثل بسبب عمله، ورئي أنها أجرة المثل التي يستحقها خلال عمله تساوي قيمة البيت.
يقول: ما رأيكم بمن يقول: إن سبل السلام ليس بشرح للصنعاني، إنما سرقه من غيره بهذا اللفظ؟
لا يجوز أن يظن بأهل العلم مثل هذا الكلام، الصنعاني اختصر البدر التمام، وبيّنه، وكثيراً ما يقول: قال الشارح، وفي الشرح الذي هو أصل الكتاب، الاختصار لا يسمى سرقة، وإنما هو طريقة من طرق التأليف والتصنيف عند أهل العلم، ونوصي بها أكثر طلاب العلم الذين يقرؤون في الكتب المطولة ولا يستوعبون، نوصيهم باختصارها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(94/23)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (22)
باب: اللقطة - باب: الفرائض
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
هذا يقول: ما رأيكم في تحليل بعض العلماء الأغاني؟ وتحليل زواج المسلمة من كتابي، وزواج الخلط بين الرجال والنساء في الصلاة بشرط عدم الاحتكاك، وإمامة المرأة للرجل إذا كانت أكثر منه علماً؟
أما بالنسبة للأغاني فيتشبثون ويتمسكون بقضايا محتملة، وأنه يوجد في صدر هذه الأمة من كان يسمع الغناء، ومنهم من يشتري جارية مغنية، ولا يعلمون أن الغناء المراد به الشعر مع تحسين الصوت، وحاشا سلف هذه الأمة أن يقترن غناؤهم بالآلات التي جاء التنصيص عليها، والتشديد في أمرها، ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) حاشا سلف هذه الأمة أن يستحلوا ما حرم الله، فالمعازف محرمة، ولو لم تكن محرمة لما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: يستحلونها؛ لأن الذي يستحل المحرم، فإذا خلا الكلام من الآلة التي هي المعازف بجميع أنواعها، وخلا من قبح الكلام بأن كان الكلام مباحاً، وأُدي على لحون العرب فهذا وإن سموه غناء إلا أنه نشيد، وأنشد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- بلحون العرب مع الخلو من الآلة المحرمة، وأيضاً يكون الكلام في أصله مباحاً.
واعتمدوا في تحليلهم أو استباحتهم الغناء على ما جاء من بعض القضايا من بعض السلف أنهم كانوا .. ، أن بعضهم يشتري الجارية المغنية، لكن ليست قينة، وليست ذات آلات، وأيضاً لا تغني للرجال الأجانب، إنما تغني لسيدها بلحون العرب مع الخلو من الآلة، مع كون الكلام مباحاً، فإذا توفرت هذه الأمور فهو مباح سواء سميناه غناء أو نشيد أو سميناه ما شئنا، والإنشاد حصل بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد.(95/1)
أما جواز الخلط بين الرجال والنساء فهذا محرم لا سيما إذا أدى ذلك إلى الفتنة، أما وجوده في مواطن العبادة كالمطاف وغيره فالمسألة مسألة عبادة، وعلى كل مسلم أن ينشغل في عبادته؛ لأنه لو انشغل الرجل بالمرأة والمرأة انشغلت بالرجل في هذه الأماكن لبطلت العبادة من وجه لا سيما إذا صاحب ذلك ما يبطلها من خروج شيء من أحدهما فهم يستدلون على كون الاختلاط موجود في أماكن العبادة كالمطاف مثلاً، فأماكن العبادة لا شك أنها بطبيعة الحال من المسلم أنه لا يمكن أن يوجد فيها ما يخالف، يعني الرجل في جهة والمرأة في جهة
وقد كان السلف يعزلون الرجال عن النساء في المطاف، فيجعلون الرجال بقرب الكعبة، والنساء من ورائهم، نعم قد يحصل مع الزحام الشديد شيء من التقارب، لكن كل هذا يشفع له أنه في هذه العبادة وفي هذا الموطن كل منشغل بنفسه وبعبادته، والقلوب اختلفت ليست كالسابق، يعني كان الإيمان قوياً، بمعنى أنه ينظر إلى هذه المرأة التي تطوف معه على أنها امرأة محرمة عليه، وهو في صدد عبادة، فلا يجمع بين معصية وطاعة في آن واحد، فيسعى إلى إبطال عبادته، هذه شبه يتشبثون بها، ويستحلون بها ما حرم الله، ولا يريدون هذا فقط، وإنما يريدون ما ورائه من استحلال الفواحش نسأل الله السلامة والعافية.
وأما إمامة المرأة للرجل قد نقل الإجماع على أنها لا تؤم الرجل، والإمامة ولاية والمرأة ليست من أهلها، ولن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة.
يقول: أنا في معهد سياحة وفنادق في قسم إرشاد، هل إذا عملت في هذا الأمر أي الإرشاد السياحي المصري بعد الانتهاء من الدراسة حرام؟(95/2)
الإرشاد السياحي أولاً: لا بد من شرط السلامة من المحرمات، فإن كانت هذه السياحة مشتملة على أمر محرم كاختلاط الرجال بالنساء، أو ما هو أعظم من ذلك من تبرج وسفور، بل ما هو أعظم من ذلك من اقتراف للفواحش مع شرب الخمور وغير ذلك، هذا لا إشكال في تحريمه، وأما الدلالة على المواضع التي يتنزه فيها لا المواضع التي يتعبد فيها، التي كانت مواضع عبادة ثم تحصل الفتنة بها مما يؤدي إلى الشرك هذا غلو هذا حرام على أي حال، ولو لم يقترن به منكر آخر، لكن إذا كان المراد من السياحة الدلالة على المواضع الذي يتنزه فيها الخالية من المنكرات فهذا لا بأس به، لكن اقترن بذلك أمور محرمة مما يتعلق بالنساء، أو شرب الخمور، أو غير ذلك، أو ما يؤدي إلى الشرك من زيارة للمشاهد والبقاع المقدسة على حد زعمهم فإن هذا لا يجوز بحال.
يقول: حصلت مناقشة بيني وبين أخواتي عن حكم كشف الكفين أو سترهما في الصلاة، وأحد الأخوات أصرت بأدلة لم أقتنع بها بوجوب كشف الكفين في الصلاة، وبطلان الصلاة بحالة الستر، والنقطة الأخرى التي كانت تصر عليها عدم تغطية منطقة الذقن في الصلاة؛ لأنها من حدود الوجه التي حددها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-، كذلك تغطية الوجه أو الإسدال في حالة صلاة المرأة ومرور الرجال ... إلى آخر كلامها، هذا كلام طويل.
لكن المرأة الحرة كلها عورة إلا الوجه فقط، فعلى هذا يلزمها أن تغطي الكفين والقدمين، وفي رواية عند الحنابلة أن الكفين مثل الوجه يكشفان حال الصلاة، إذا لم تكن المرأة بحضرة رجال أجانب في مكان عام في مسجد يغشاه الرجال والنساء كالمسجد الحرام مثلاً فإنها يلزمها أن تغطي وجهها وكفيها، أما إذا كانت خالية في مكان لا يرتاده الرجال، ولا يمكن أن يطلع عليها غير محارمها فكشف الوجه هو الأصل، وكشف الكفين رواية عند الحنابلة وقول الحنفية، والحنفية عندهم كشف القدمين أيضاً، وكان شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إلى قول الحنفية.
يقول: النقطة الأخرى التي كانت تصر عليها عدم تغطية منطقة الذقن في الصلاة؛ لأنها من حدود الوجه التي حددها الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-.(95/3)
أولاً: حديث أسماء الذي فيه أنه ((إذا بلغت المرأة المحيض لم يحل منها إلا هذا وهذا)) هذا حديث ضعيف معروف عند أهل العلم ضعفه، فلا يحتكم إليه، وأما تحديد الوجه هو الذي يجب غسله في الوضوء، من منابت شعر الرأس إلى الذقن، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً.
هذا السؤال أجيب عنه سابقاً: هل التيمم ضربة واحده أم ضربتين؟
ضربة واحدة.
هذا يسأل يقول: ما هو زواج المسيار؟ وهل هو حرام أو حلال؟
زواج المسيار هو الزواج الذي تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها، يتفقان على عدم القسم بينها وبين زوجته الأولى مثلاً، أو أنه رجل مشغول، لا يتيسر له المبيت عندها فلا قسم لها، إنما يتفقان على وقت محدد في الأسبوع مرة مرتين، أو ما أشبه ذلك، أو مرة في الشهر، المقصود أنهم يتفقون على وقت محدد بينهما ويتفقان عليه، ومع ذلك مع التنازل على القسم قد تتنازل على السكن أن تسكن عند أهلها عند أمها، قد تتنازل عن النفقة والمسألة عرض وطلب، مثل هذا الزواج إذا توافرت شروطه وأركانه أفضل من بقاء المرأة بدون زوج، فالمتجه جوازه إذا توافرت شروطه، ولم يحصل فيه خداع ولا ضرر على أحد الطرفين.
يقول: هل يجوز بيع فضل الماء للزراعة؟ لأن صاحبها قد أنفق عليها، والآخر يستطيع أن يبذل المال؟
على كل حال الماء إذا حازاه الإنسان إلى رحله، وتعب عليه، وأنفق عليه لا مانع من بيعه، اللهم إلا إذا احتاجه مضطراً للشرب ونحوه فمثل هذا يسقى بدون مقابل، ولا يجوز منع فضل الماء عنه.(95/4)
يقول: أبي وأمي وافقوا على إقامة مؤقتة لابن خالي في منزلنا على أن ينهي علمه ثم يذهب، وإقامته ليست في غرفة منفصلة، وإنما في نفس البيت المبني، نحن ولله الحمد نحتجب منه؛ لأننا لا ننكر أننا يصادف أننا نتواجه إما في الممر أو يدخل وهو لا يعلم إلى مكان نحن فيه أو العكس، نحن ثلاث بنات في المنزل، وأهلنا لا يرون الضرر، وربما لا يشعرون بذلك، ونتضايق كثيراً؛ لأننا نتحجب منه، ونريد أن نشعر بفرق بين البيت والشارع، أو مكان العمل، أو غير ذلك، حديثنا معهم يرون أن ذلك من قلة الأدب وقلة الإكرام، وكثيراً ما نذكره في حديثنا، ونذكر الضيق الذي نشعر فيه، لا نعلم إذا كانت تلك غيبة، لكن طالت إقامته إلى سنة تقريباً، فأفتنا هل من قلة الأدب وعدم إكرام الضيف أن نفعل ذلك؟
لا من حقكن أن تبدين ذلك لوالديكن من أجل القضاء على هذه المضايقات، ولا بد أن يحصل ما يحصل من المضايقة لكن، إن كنتن على درجة من الالتزام بحيث تحرصن الحرص الشديد على عدم رؤيته إياكن، لا شك أنه يوجد حرج في مثل هذا، لكن المفاهمة مع الوالدين، وليست معه؛ ليُبحث له عن مكان آخر، ولا شك أن وجود رجل أجنبي على الأسرة ليس المراد أجنبي أنه بعيد عن العائلة، أو ليس من البلد، لا، الأجنبي من يلزم منه الحجاب، بمعنى أنه لا يجوز الكشف له، هذا أجنبي، ولا شك أن وجود مثل هذا في الأسرة مضايق، ومتعب تعباً شديداً، فمن حقكن أن تتكلمن في الموضوع لا سيما مع الوالدين، عله يبحث له عن مكان آخر.
يقول: ما هي الصيغة الصحيحة بالإشارة بالأصبع في الصلاة؟ هل هي التحريك أم السكون؟
الأصل السكون هذا هو الأصل، لكن حال التشهد يرفع الأصبع، وأيضاً تحرك عند الدعاء يحركها يدعو بها.
هذا من الجزائر يقول: ألاحظ أن نسخة البلوغ التي عندكم تختلف بعض الشيء عن النسخة التي عندي للشيخ حامد الفقي، فما رأيكم؟
طبعة الشيخ حامد الفقي بالجملة طيبة، يعني قد تختلف مع التي معنا وهي طبعة الجامعة جامعة للإمام مع شرح سبل السلام، قد يوجد اختلاف يسير في كلمة أو شيء من ذلك، وهذا لا يؤثر.
يقول: للحاكم تصرف مطلق في بيت المال بحيث يعطي من يشاء ويمنع من يشاء؟(95/5)
على كل حال له شيء من التصرف، لكن التصرف محدود، وإلا فالأصل وجوب العدل بين الرعية، لكن قد يعلم بحاجة فلان ولا يعلم بحاجة فلان، فيعطي فلان ويحرم فلان؛ لأنه لا يعرف حاجته، وقد يعطي فلان لأنه طلب ولم يعط فلان لأنه متعفف، فالمقصود أن الأصل في هذه المسألة العدل بين الرعية، فإذا تقدم إليه اثنان متساويان في الظروف والحاجة لا بد أن يعدل بينهما.
هل يجوز للرجل أن يختلي بامرأة ابنه في حياة الولد وكذلك بعد موته؟ وهل يجوز له الزواج بها بعد وفاته؟
أما كونه يخلو بها نعم؛ لأنها من محارمه في حياته وبعد موته، ولا يجوز له الزواج بها {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} [(23) سورة النساء] لا يجوز له أن يتزوج بها البتة، فهي محرمة تحريماً مؤبداً.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: اللقطة
عن إنس -رضي الله عنه- قال: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة في الطريق فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: اللُّقَطة(95/6)
بضم اللام وفتح القاف، كهمزة ولمزة، والمراد بها ما يلتقط، وهي بهذا الضابط قيل: لا يجوز غيره، والأصل في ذلك إسكان القاف لقْطة، وأما لقَطة كهمزة ولمزة فالأصل في هذه الصيغة أنها للاقط كهمزة ولمزة للهامز واللامز اللقطة اللاقط هذا الأصل، والذي يكثر من الالتقاط كهمزة ولمزة الذي يكثر من الهمز واللمز، وأيضاً الرُحَلَة إذا قيل: فلان رُحَلَة أن يكثر الرِحْلَة، وإذا قيل: رُحْلَة يُرحل إليه ممن يستحق أن يرحل إليه، وعلى كل حال الفقهاء في الاستعمال الاصطلاحي لم يستعملوها إلا بفتح القاف لُقَطَة، قالوا: لا يجوز غيره، والمراد بها ما يلتقط ويوجد، ولا يعرف صاحبه، واللقطة تختلف عما يذكر في كتب الفقه أيضاً والحديث اللقيط، وهو المنبوذ، الولد الذي ينتج من الفاحشة من الزنا نسأل الله السلامة والعافية، فتتخلص منه أمه بنبذه، فيكون لقيطاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-.
"عن أنس -رضي الله عنه- قال: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمرة في الطريق فقال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) متفق عليه"(95/7)
تمرة وجدت في الطريق فتركها النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا؟ لأن الصدقة لا تحل له، ولا لآله -عليه الصلاة والسلام- فتركها ورعاً من هذه الحيثية خشية أن تكون من الصدقة، أما لو كانت من الصدقة على وجه التحقيق لا يجوز له أكلها؛ لأن الصدقة حرام عليه وعلى آله، لكنه خشي وخاف أن تكون من الصدقة فتركها فدل على أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة يأكل وإلا ما يأكل؟ يأكل ليش لا؟ لأنه تركها خاف أن تكون من الصدقة، مفهومه أنه لو جزم أنها ليست من الصدقة لأكلها، ولهذا أدخل المؤلف هذا الحديث في هذا الباب، يستدل به على أن الشيء اليسير التافه الذي لا تلتفت إليه همة أوساط الناس لا بأس بالتقاطه، ولا بأس بأكله، ولا بأس بتملكه، هذا إذا كان مما لا تلتفت إليه همة أوساط الناس، منطوق الحديث أنه تركها خشية أن تكون من الصدقة فمفهومه أنه لو جزم بأنها ليست من الصدقة فإنه حينئذٍ يلتقطها ويأكلها، لا سيما أنه في تركها في الطريق امتهان لها، ولا يمنع أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخذها وجعلها في مكان بحيث لا تتعرض للإهانة بالدوس ونحوه، لا يمنع، إلا أنه الصريح في الحديث أنه لم يأكلها؛ لأنه قال: ((لولا)) ولولا حرف امتناع لوجود، امتنع من أكلها لوجود الخشية أن تكون من الصدقة، وهذا لا يمنع أن يكون التقطها وأعطاها مسكيناً ممن تحل له الصدقة، أو أزاحها عن طريق الناس بحيث لا تمتهن ولا تداس، نعم.
وعن زيد ابن خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة فقال: ((اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)) قال: فضالة الغنم؟ قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) قال: فضالة الإبل؟ ((مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) متفق عليه.(95/8)
"وعن زيد ابن خالد الجهني -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن اللقطة" يعني مما يمكن التقاطه مما يوجد في مكان لا يعرف صاحبه فيه، لكن لو وجدت كتاباً عليه اسم صاحبه، نسخة فلان ابن فلان ابن فلان، هذه لقطة وإلا ليست لقطة؟ ما دام صاحبه معروف هذه ليست لقطة، بل يجب أن يؤدى إلى صاحبه، أن يسلم إلى صاحبه، فلا يدخل هذا في أحكام اللقطة.(95/9)
"فقال: ((اعرف عفاصها)) " قبل أن تتصرف فيها أدنى تصرف ((اعرف عفاصها)) وهو الوعاء الذي وضعت فيه، الكيس الذي وضعت فيه، الظرف الذي يشتمل عليها ((ووكاءها)) الرباط الذي يربط به هذا العفاص الوكاء الحبل الذي يشد به فم هذا العفاص هذا الوعاء لا بد أن يعرف هذا؛ لكي يسدل بهذا على صدق مدعيها؛ لأنه لو لم يعرف هذا العفاص ولا الوكاء فإنه لا يمكن ردها إلى أحد يدعيها، كيف ترد؟ وإذا كان الوعاء لا يمكن الاستدلال به عليها بأن توحد الأوعية في بلد ما مثلاً، توزع البلدية أكياس تحفظ فيها الأمتعة الآن البلدية توزع أكياس للقمامة مثلاً موحد لكن لو قدر أنها وعاء موحد للأمتعة قالت: من اشترى شيئاً أو حمل شيئاً يحطه في هذا الوعاء فصار الناس يتداولونه بكثرة بحث .. ، نعم وهذا الوعاء فيه رباطه منه، العفاص والوكاء يغلب على الظن أنه في مثل هذا الموزع على جميع الناس، هذا ما يستدل به على هذه اللقطة، الإنسان بيقول في ما يغلب على الظن أنه في الوعاء الموحد، ويصف هذا الوعاء؛ لأنه يعرفه، فمثل هذا يطلب منه قدر زائد على ذلك، بوصف ما في جوفه بدقة، لو كان المستورد من الأبواك التي تحفظ فيها النقود من ماركة واحدة، شكل واحد، كله لونه واحد، وما عرف أنه دخل البلد إلا كذا، وأتى واحد عند باب المسجد وقال: من ضاع له كذا، أو من فقد شيئاً؟ قال: نعم أنا فقدت فلوس في البوك الذي لونه كذا، وحجمه كذا، وهو يعرف أنه ما ورد البلد إلا مثل هذا، هذا لا كفي في الاستدلال بها على صاحبها، بل لا بد أن يطلب منه ما هو أدق من ذلك، وإلا لو كانت الأوعية متفاوتة، وكل واحد يحمل متاعه في وعاء خاص به، فإذا عرفنا العفاص الذي هو الوعاء، إذا عرفه المدعي قال: لونه كذا، وحجمه كذا، ووكاؤه حبل من بلاستيك لونه كذا، أو من صوف وما أشبه ذلك، فإنه يستدل بذلك على صدقه، وتدفع إليه، مع أنه يسأل عما في جوفه، هل هو مال؟ أو متاع أو ما أشبه ذلك؟ فإذا أجاب تدفع إليه، وهل يحتاج مع ذلك إلى إقامة بينة بأن يحظر بينة أن هذا له هذا قد ضاع منه؟ الحديث يدل على أنه لا يحتاج إلى بينة، يعني إذا عرف العفاص والوكاء وعرف ما في داخل هذا الوعاء من نقود أو متاع لا يحتاج أن يقيم على ذلك(95/10)
بينة، وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه هذا الحديث، فليس فيه قدر زائد على ذلك، من أهل العلم من يرى أنه لا بد أن يقيم البينة على دعواه؛ لأنه مدعي، وحديث: ((البينة على المدعي)) يشمل اللقطة وغير اللقطة، لكن البينة أعم من أن تكون بالشاهد، بل البينة ما أبان الحق، والوصف الدقيق لا شك أنه يبين الحق، فمثل هذا لا يحتاج إلى بينة في القول الراجح، وهو الذي يدل عليه هذا الحديث.
((فإن جاء صاحبها)) بعد تعريفها سنة، يقول: ((ثم عرفها سنة)) سنة قمرية اثنا عشر شهراً، بالأشهر القمرية، يعرفها في مكان وجودها، وفي مجامع الناس ومحافلهم عند باب المسجد، وعند باب الجامع، وفي المناسبات، والأسبوع الأول من التقاطها يعرفها كل يوم، في الأسبوع الثاني يخل ببعض الأيام، في الأسبوع الثالث ثم بعد ذلك يعرفها كل جمعة بأن ينادي على باب الجامع: من فقد شيئاً فليأتني، وهكذا، فإن جاء صاحبها خلال العام الاثنا عشر شهراً ((وإلا فشأنك بها)) أي تصرف بها، ويقول: شأنك منصوب على الإغراء، وبعضهم يرفعه ويجعله مبتدأ، أو اسم كان المحذوفة وإلا فيكون شأنك بها، المقصود أن التقدير سهل، إذا جاز الأمران وإلا فالنصب على الإغراء.
"قال: فضالة الغنم؟ " شأنك بها يعني كناية عن جواز تصرفه فيها ببيعها، بأكلها، باستعمالها "قال: فضالة الغنم؟ " الضالة: هي اللقطة إلا أنها خاصة ببهيمة الأنعام، ضالة الغنم، الشاة، أو العنز، أو الكبش، أو التيس وما أشبه ذلك يضل عن صاحبه، يخرج من بيته، أو في القفار أو البراري يكون بعيداً عن صاحبه، وعن غنم صاحبه "قال: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) " يعني التقطها وكلها، هل يلزم أن يعرفها سنة؟ هي تحتاج إلى مؤنة ومؤنتها لمدة سنة أكثر من قيمتها، وأيضاً هي معرضة للتلف، فعلى هذا يلتقطها، فهي إما له أو لأخيه لصاحبها إن وجدها، أو لشخص ثالث يقف عليها فيلتقطها بدلاً منك، أو للذئب، و (أو) هنا للتقسيم (أو) هنا للتنويع، فدل على أن ضالة الغنم تلتقط، "قال: فضالة الإبل؟ قال: ((مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها)) " ما ذكر ضالة البقر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما يمكن أن تضل البقرة؟(95/11)
طالب:. . . . . . . . .
لا هو في الغالب ما يضل من بهيمة الأنعام ما يكون في البراري، والعادة ما جرت برعي البقر في البراري، إنما الذي يرعى في البراري هو الغنم والإبل فقط، وهي التي تضل عن صاحبها، أما بالنسبة للبقرة فهي توصد عليها الأبواب، إما في البيوت، أو في المزارع، أو ما أشبه ذلك، فيندر أن تضل البقرة، ولذا الحكم للغالب، وإلا فلو ضلت مثلاً فلها حكمها الشرعي "قال: فضالة الإبل؟ " ما حكمها؟ "قال: ((مالك ولها، معها سقاؤها)) " أي جوفها الكبير الذي هو بمنزلة السقاء بحيث إذا امتلأ من الماء لا خوف عليها من العطش، يعني لا يخشى عليها أن تموت من العطش ((وحذاؤها)) يعني خفها الذي يحتمل المشي الطويل في الحر والبرد، في السهول في الوعر، المقصود أن معها حذاء يقيها من الانقطاع، ويعينها على متابعة المشي حتى يجدها صاحبها ((ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)) فلا خوف عليها، ولا خطر عليها كما هو شأن الغنم، وحينئذٍ لا يجوز التقاط الإبل، وأما الغنم فكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هي لك أو لأخيك أو للذئب)) هل الأفضل للإنسان أن إذا وجد لقطة أن يلتقط أو يترك؟ إنسان وهو في طريقه إلى المسجد وجد بوك مملوء بالدراهم هل الأفضل أن يترك أو يلتقط ويعرف؟ المسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل، فإن كان هذا الإنسان لديه القدرة على التعريف لمدة سنة، وأيضاً يأمن من نفسه أن تطمع فيها؛ لأن الإنسان مع طول الوقت يعني قد يرفضها في أول يوم ثاني يوم ثالث يوم تنازعه نفسه، ويعينها شيطانه، ثم بعد ذلك يقول: خلاص لو كان لها كان حاء ما جاي أحد، ثم يستعملها قبل أن يتم الحول، فمثل هذا الذي تنازعه نفسه ولا يأمن من نفسه مثل هذا اتركها في مكانها، أو ليست لديه قدرة على التعريف لمدة سنة، أما إذا كانت لديه القدرة على التعريف، ويأمن من نفسه أنها لا تنازعه في تملكها قبل الحول فإن هذا الأفضل له أن يلتقطها.
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله-:(95/12)
"وعنه" أي عن زيد بن خالد "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) " هذا فيه أن عدم الالتقاط أولى؛ لأنه وصف بالضلال نسأل الله السلامة والعافية؛ لكنه محمول على من لا يستطيع التعريف، والصبر عليها لمدة سنة، أو من تنازعه نفسه في تملكها قبل تمام الحول، أما من التقطها بنية التعريف لمدة حول مع كونه يأمن من نفسه أن تطمع فيها فمثل هذا التقاطه لها أفضل؛ لأنه يحفظها، واحتمال أن يأتي من يلتقطها ممن لا يؤمن عليها.
((من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها)) دل على أنه إذا عرفها وقام بما كلف به من هذا التعريف فإنه ليس بضال، بل هو محسن، معرفة اللقطة معرفة تامة اعرف عفاصها ووكاءها عرفنا أنه ليتم امتحان من يدعيها بذلك، وأيضاً ليعرفها من بين ماله، قد يكون عنده أموال في أكياس فإذا عرف هذا الكيس، وهذا الوعاء، وعرف هذا الوكاء تميزت عن أمواله، فعلى هذا إذا عرفها بعد أن عرَفَها حولاً كاملاً ساغ له أن يستعملها، إذا عرفها سنة ثم بعد ذلك لم تعرف فإنه حينئذٍ يستنفقها ويستعملها، وحينئذٍ تكون عنده في حكم المضمون بأنه لو أنفقها بعد سنة ثم جاءه بعد سنتين صاحبها فإنه يضمنها له ((فإذا جاء طالبها يوم من الدهر فأدها إليه)) كما جاء في بعض الروايات.
وعن عياض بن حمار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل؛ وليحفظ عفاصها ووكاءها ثم لا يكتم ولا يغيب، فإن جاء ربها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء)) رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(95/13)
"عن عياض بن حمار" بلفظ الحيوان المعروف "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل)) " لماذا؟ لئلا ينسى أنها لقطة؛ لأن المسألة تحتاج إلى حول إلى سنة كاملة فقد ينساها، فهذا الشاهد أو هذان الشاهدان يذكرانه إذا نسي، ويشهدان عليه إذا جاء من يدعيها؛ لأن الإنسان قد يلتقط شيئاً يجد ساعة من الماركات الغالية، أو قلم من الأقلام الغالية، ثم يضعها مع متاعه يعرف أنها لقطة لمدة معينة، ثم بعد ذلك ينساها، فكونه يشهد عليها هذا لا شك أنه من باب الاحتياط لبراءة الذمة، يشهد عليها، ويسجل عنده في مذكرته أنه في يوم كذا في مكان كذا وجد كذا في وعاء كذا ووكائه كذا، يكتب بالتفصيل ما يتعلق بها، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم كيساً غير مفرط حازم، لا يفرط في أموره التي هي عرضة للنسيان؛ لأن الضبط ممكن، وغداً الحساب، وبعض الناس يتزوج، وبعد مضي مدة قصيرة يحصل منه طلقة، وبناءً على أنه لن ينسى هذه الطلقة لا يقيدها، ما يكتب أنه طلق زوجته في يوم كذا ثم راجعها، لا يكتب يراجعها ويستمر معها وبعد عشر سنين تحصل منه طلقة ثانية مثلاً، وقد نسي الأولى لأنه لم يقيدها، ثم بعد عشرين سنة تحصل طلقة ثالثة، وقد نسي إحدى هذه الطلقات، ثم بعد ذلك يعاشرها على غير الوجه الشرعي، فمثل هذه الأمور يحتاط لها الإنسان، فإذا حصل لديه شيء من ذلك لا سيما من يسهل عليه الطلاق، بعض الناس سهل عليه أنه يتلفظ به لأدنى سبب، فمثل هذا لا بد أن يقيد، وبعض الناس لا بد أن يتحرى ويتشدد في مثل هذه الأمور فتنحفر في قلبه، فمثل هذا يذكرها طول عمره، لو حصلت منه مرة يذكرها لن ينساها، أما بعض الناس عادي عنده أنه في بكل مناسبة، وفي كل تصرف يرمي هذا الطلاق مرسلاً أو مقيداً، المقصود أن في مثل هذا الذي له أثر في حياته سواء كان في ما يتعلق بزوجته كالطلاق لا بد من تقييده، وكذلك هذه اللقطة لا بد من تقييدها لئلا ينساها وحينئذٍ يتصرف بها قبل الإذن بالتصرف.(95/14)
((فليشهد ذوي عدل)) لأنهما يعينانه عليها إذا نسي ويذكرانه ((وليحفظ عفاصها)) الذي هو الوعاء، والظرف الذي توضع فيه ((ووكاءها)) والوكاء وهو الرباط الذي يربط به الوعاء ((ثم لا يكتم ولا يغيب)) لا يكتم هذه اللقطة، بل عليه أن يعرفها ويشهر أمرها؛ لكنه مع ذلك لا يبين من حالها ما يبين لبعض من يدعيها وهي ليست له؛ لأن بعض الناس قد يستجر ويستدرج، فإذا قال عند باب المسجد: من فقد مالاً فليأتني، ثم جاءه شخص من أهل الحيل وأهل الاستدراج، وأخذ المعلومات من حيث لا يشعر الإنسان، بعض الناس يستدرج حتى يأخذ جميع ما عندك من معلومات، وأنت ما تشعر، يصير لديه معرفة وخبرة بهذا الأمر، ثم أنت تقر له بأمور يستدل بها على بعض أوصاف هذه اللقطة، ثم يصفها لك وقد استنبط هذه الأوصاف من تصرفاتك، مثل هذا لا يجوز أن تبوح له بما يستدل بها عليها، وأنت أيضاً لا يجوز لك أن تكتم، يقول لك: الوكاء كذا الوعاء كذا، وأنت تقول: لا هذا ما هو صحيح لتفوت الفرصة عليه حتى تتم السنة ثم تضيع عليك الاستفادة منها ((ولا يغيب)) يعني يترك التعريف بها حتى يغلب على ظنه أن صاحبها أيس منها فلا يبحث عنها ((فإن جاء ربها)) يعني صاحبها، والرب يطلق مع الإضافة على غير الله -جل وعلا-، أما من غير إضافة فلا يطلق إلا على الله -جل وعلا-، الرب هو الله -جل وعلا-، وأما رب الدابة، ورب الدار، ورب ما أضيف إليه فإنه يجوز ذلك، ورب الأسرة، لكن ما يقال له: الرب، ((فإن جاء ربها فهو أحق بها)) من غيره يعني خلال السنة، وإن لم يأت إلا بعد مضي السنة أو لم يأت أصلاً ((فهو مال الله يؤتيه من يشاء)) يعني لك أن تستعمله، يعني لك أن تستعمل هذه اللقطة، وتستفيد منها بنية ضمانها، إذا جاء صاحبها يوم من الدهر.
"يقول: رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان" هذا الحديث لا سيما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مال الله يؤتيه من يشاء)) يستدل به من يقول: إن اللقطة تملك ولا تضمن بعد الحول، وهذا القول معروف عند الظاهرية، وأما الجمهور فعلى الضمان، نعم.(95/15)
وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج. رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله-:
"وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج. رواه مسلم".
سبق في خصائص مكة أن لقطتها لا تحل إلا لمنشد، إلا لمن يعرفها فقط، لا على نية أنه بعد تعريفها مدة سنة يستنفقها، ويستفيد منها؛ لأن لقطة الحرم -وهذا من خصائص مكة- لا تحل لآخذيها مطلقاً، وهنا في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج الحاج إذا ضاع منه شيء في مكة، أو في حدود الحرم دخل في الحديث الأول، يعني بين هذا الحديث والحديث السابق عموم وخصوص من وجه، فهذا أعم، لقطة الحاج أعم من لقطة مكة؛ لأن لقطة الحاج قد تكون بمكة وقد تكون خارج مكة، قبل أن يصل إلى مكة، أو بعد أن يرجع من مكة، فلا تلتقط، ما يلتقط ما سقط وضاع وضل من الحاج، لا في ذهابه ولا في إيابه، ما دام يطلق عليه حاج، في هذه الرحلة المباركة، هو حاج فلا تحل لقطته، فقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لقطة الحاج ولو كانت خارج الحرم، فالحاج خاص لمن تلبس بالحج، أو أراده، لكنه عام في المكان، خرج من بغداد يريد الحج، وفي طريقه فقد شيئاً هذا يسمى لقطة هذه اللقطة لا تحل لملتقطها البتة، بل نهي عن التقاطها، وإذا وصل إلى مكة حاجاً صارت اللقطة أشد النهي عن التقاطها إلا لمنشد أشد، لا بنية التمليك بعد سنة؛ لأنه اجتمع فيها الأمران، كونها لقطة مكة، وكونها لقطة حاج، اللقطة في مكة تشمل لقطة الحاج وغير الحاج، لكن خاصة في هذا المكان، فبين الحديثين عموم وخصوص وجهي، فهذا أعم من وجه، وأخص من وجه، وذاك كذلك أعم من وجه، وأخص من وجه، فالحاج الذي يريد أن يؤدي هذه الفريضة التي هي ركن من أركان الإسلام، وتكلف وتجشم، وقد يكون قد اقترض للحج، ونفقة الحج، فمثل هذا لا يفوت عليه ماله كغيره ممن هو في السعة، ومنهم من حمل هذا الحديث على الحديث السابق، فالمراد بلقطة الحاج إذا كانت بمكة، فيكون مفاد الحديثين واحداً، نعم.(95/16)
وعن المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا لا يحل ذو ناب من السباع, ولا الحمار الأهلي, ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها)) رواه أبو داود.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(95/17)
"وعن المقدام بن معدي كرب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا لا يحل)) " فإذا نفي الحل (ألا) حرف تنبيه و (لا) نافية، ويحل يباح، فإذا نفي الحل والإباحة ثبت الضد وهو الحرمة، يعني يحرم ذو ناب من السباع والحمار الأهلي، سيأتي في الأطعمة تحريم ما له ناب من السباع، أو مخلب من الطير، وتحريم الحمار الأهلي سيأتي هذا كله في كتاب الأطعمة ((فلا يحل)) أي يحرم كل ذي ناب من السباع، والحمار الأهلي، وقد كان مباحاً ثم حرم في خيبر ((ولا اللقطة من مال معاهد)) المعاهد الذي أعطي العهد والميثاق، وأقر في بلاد المسلمين، فإن هذا لا يحل ماله؛ لأنه معصوم الدم والمال، وقد ضمن له العيش والقرار في بلاد المسلمين على ما يشترط عليه من مال أو غيره ((ولا اللقطة من مال معاهد)) فمال المعاهد مثل مال المسلم له حرمته، ولا يجوز الاعتداء عليه ((إلا أن يستغني عنها)) ما الذي يدري الملتقط أنها لقطة معاهد؟ القرائن التي تدل على ذلك، ومن ذلك كون الحي الذي وجد فيها هذه اللقطة لا يدخلها إلا هذا النوع من الناس، يعني خاص بهذه الفئة من غير المسلمين، مثل هذا يستدل به على أنها لقطة معاهد، أو وجد من العلامات التي تدل على أنها ليست لمسلم ((إلا أن يستغني عنها)) فدلت القرائن على أنه ليس بحاجة عنها؛ لكونها شيئاً لا يلتفت إليه فإنه حينئذٍ يلتقطها واجدها، أحياناً يستغنى عن بعض المتاع فيترك، أنت تريد أن تنتقل من بيت إلى بيت، أو من بلد إلى بلد، أو كنت مسافر، ثم بعد ذلك السيارة ما تحتمل جميع العفش، ثم بعد ذلك فاضلت وتركت بعض العفش؛ لأن السيارة ما تحتمل، وليس في نيتك أن تعود إليه، هذا استغنيت عنه، لكن كيف يستدل الواجد له أنك استغنيت عنه، يعني تركت على الرصيف عندك متاع كثير، وتركت ربع هذا المتاع على الرصيف؛ لأن السيارة لا تستطيع حمله، ولو استأجرت سيارة أخرى تحمل معك لاحتاج من الأجرة أكثر من قيمته، ومثل هذا تلتفت إليه همة أوساط الناس، يعني يستحق قيمة معتبرة، لكن المسألة موازنة بين أرباح وخسائر، الآن لو عندك اشتريت ثلاجة جديدة، وعندك ثلاجة قديمة، استغنيت عن هذه الثلاجة، وهي شغالة تشتغل، لكن أنت اشتريت ثلاجة أنظف(95/18)
وأجد وأوسع، ثم هذه الثلاجة لما جئت بالسيارة لتحملها إلى أماكن البيع وجدت الأجرة أكثر مما تستحقه من قيمة، أحياناً تأتي بسيارة لتحمل هذه الثلاجة يقول لك: أوديها الحراج بمائة، ثم تطلع بها إلى الحراج ما تجيب لك مائة، فتقول: بدل أن نتْعَب ونُتعِب خلها عند الباب، والذي يمر بالباب ما يدري هل أنت استغنيت أو ما استغنيت؟ هذا إذا كان الإنسان ما وفق لتصرفاته وإلا لو دفعها إلى من يستفيد منها من الجيران، أو من الأقارب، أو من الجمعيات الخيرية لما ضاعت عليه، لكن هو يقول: أنا إن ذهبت بها إلى الحراج لاحتاجت السيارة التي تحملها أكثر من قيمتها، وهذا حاصل، أحياناً يحمل المتاع بأكثر من قيمته، فبعض الناس من أول الأمر ينتبه لهذا، ويجعلها على الرصيف ما يحتاج يوديها ولا يجيبها، يقول: بدل ما نخسر خلها مكانها، هذه استغنى عنها صاحبها، لكن ما الدليل على أنه تركها؟ يحصل مثل هذا كثير، يوجد عند الأبواب من الأثاث والمتاع أحياناً إنسان يجدد أثاثه ثم يرمي الباقي في الشارع، فأنت ما تدري هل رماه مستغنياً عنه، أو رماه ريثما يأتي بسيارة تحمله إلى مكان آخر؟ وإذا نظرت وجدت فيه أشياء يغلب على الظن أنها تأتي بقيمة، فهل مثل هذا يلتقط وإلا ما يلتقط؟ يعني ما يوجد إنسان يغير المتاع وهو نضيف؟ بعض البيوت بيوت الأثرياء سنوياً يغير الأثاث في كل سنة، فيرمى الأول ولو كان جديداً، فأنت إذا مررت وأنت في طريقك على الرصيف دالوب يصلح للكتب من أحسن ما يكون، هل أنت تلبق السيارة وتشيله من غير إذن صاحبه التي ظهر أنه يغلب على الظن أنه استغنى عنه أو تنتظر وتقرع الباب وتقول: هل لكم نظر في هذا الدالوب أو لا؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أفترض أنك قرعت الباب ما وجدت أحد، مسافرين ما هم موجودين، وهذا الدالوب إذا ما أخذته أنت أخذه غيرك.
طالب:. . . . . . . . .
ما تدري أنت، أنت مار في الشارع وجدت هـ الدالوب النظيف، اللي لو تبي تشتريه من السوق أخذ عليك مبلغ.
طالب:. . . . . . . . .
طيب يجي واحد يأخذه ثاني.
طالب:. . . . . . . . .
هو لك أو لأخيك أو للبلدية.
طالب:. . . . . . . . .(95/19)
الذي دعانا في مثل هذا الكلام في قوله في الحديث: ((ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها)) يعني هل يقال: يستغني عنها بصريح قوله، هذا ما نحتاج إلى هذه الجملة في الحديث، هل نسدل على استغنائه عنها بالقرائن، وما جرت عادته أن في مثل هذه الأمور يرميها دون تردد، ولا شك أن القرائن القوية تفيد في مثل هذا الباب، فإذا عرف من حال هذا الشخص أنه يغير باستمرار، ويرمي بعض الأمتعة وإن كانت نظيفة فمثل هذا إذا دلت القرائن على مثل هذا التصرف عمل به، وهنا دليل على أن الشرع يحترم أموال المعاهدين، كما يحترم أموال المسلمين، فإنه لا يجوز الاعتداء عليها ما دام أعطوا العهد والميثاق، ودفعوا الجزية، فمثل هذا لا يجوز الاعتداء على أنفسهم، ولا على أموالهم؛ لأن إقامتهم شرعية، نعم.
باب: الفرائض
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الفرائض(95/20)
والفرائض: جمع فريضة كقبائل جمع قبيلة، والمراد بها اسم المفعول المفروضة، مأخوذ من الفرض، وهو التقدير والقطع، فالفرائض مقدرة في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي أيضاً مقتطعة لكل وارث جزء من المال، من مال المورِث، والفرائض إذا كان المراد به ما افترضه الله -جل وعلا- في أموال الأموات لورثتهم فهو شامل للفرض والتعصيب؛ لأن العلم كله أو الباب كله في الفرائض، والفرائض الوارثون ينقسمون إلى أصحاب الفروض وإلى عصبات، وإلى ذوي أرحام، عند من يقول بتوريثهم، على ما سيأتي، فهل الفرائض المراد به هنا ما يقابل العصبة؟ الفرائض من الفرض، وهو ما يقابل التعصيب أو الفرائض أعم من الفرض الاصطلاحي بحيث تشمل التعصيب؟ لا سيما وأن أول حديث في الباب في حق العصبة، ((فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) نعم ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) هؤلاء أصحاب الفروض المقدرة والفروض ستة: النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما، النصف، الربع، الثمن، الثلثان، الثلث، السدس، هذه الفرائض المقدرة ((ألحقوا الفرائض المقدرة بأهلها)) أي أعطوها أهلها ((فما بقي فهو لأولى رجل ذكر)) وهذا هو التعصيب، الإرث بالتعصيب بعد ما تبقيه الفرائض، فالحديث شامل للأمرين فدل على أن الترجمة شاملة للأمرين؛ لدخول الشقين تحتها.
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألحقوا الفرائض بأهلها)) " والمراد بالفرائض الست المنصوص عليها، والمراد من أهلها من يستحقها بنص كتاب الله تعالى، فالفرائض تلحق بأهلها، فالنص يلحق بأهله الزوج والبنت وبنت الابن والأخت الشقيقة والأخت لأب، هؤلاء هم أصحاب ..
والنصف فرض، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الرحبية، نسيتوها؟
نعم الفرائض سهل النسيان.
والنصف فرض خمسة أفرادِ ... الزوج والأنثى من الأولادِ
والأنثى من الأولاد هي البنت، فالمقصود أنه فرض خمسة من الورثة: الزوج إذا لم يكن للزوجة ولد، فإنه يستحق النصف، والبنت بشروطها، وبنت الابن بشروطها، والأخت .. إلى آخره، والتفصيل معروف في كتب الفرائض.(95/21)
والربع: هو فرض الزوج إذا كان للزوجة ولد، أو للزوجات إن لم يكن للزوج ولد، وكذلك بقية أصحاب النصف، والربع لمن ذكرنا، والثمن للزوجة أو الزوجات إذا كان للزوج ولد، هذه الفرائض المقدرة، بعد ذلك الثلثان والثلث، الثلثان معروف أنه للبنتين، بنتي الابن، والأختين الشقيقتين، والأختين لأب، والثلث لمن؟ للأم فقط؟ وللجمع من الأخوة لأم، والسدس فرض سبعة من الوارثين، والمقصود أن مثل هذا التفصيل يرجع فيه إلى كتب الفرائض، إذا بقي شيء من المال بعد استيفاء أصحاب الفروض فإنه للعصبة، لأولى رجل ذكر، لكنه يشمل الذكر المفرد، والجمع من الذكور، ويشمل أيضاً من يعصبه هذا الذكر، لو افترضنا أنه مات أو هلك هالك عن زوجة وأخ وأخت، فالزوجة لها الربع، والباقي للأخ والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين، فهو عصبها، ما فائدة قوله: ذكر بعد قوله: رجل؟ هل يمكن أن يولد رجل أنثى لنحتاج أن يقال: ذكر؟ ((فهو لأولى رجل ذكر)) ما الذي يدل اللفظ الأول؟ وما الذي يدل عليه اللفظ الثاني؟ هل هما متطابقان؟ في الفرائض قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] وفي القوامة قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [(34) سورة النساء] يعني في الإرث لا يلحظ أي ملحظ عن الذكورة {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [(11) سورة النساء] يعني سواء كان شريفاً أو وضيعاً، ذكياً أو غبياً، حازماً أو هازلاً، المقصود أنه ذكر محكوم أنه من جنس الذكور، وأما رجل ففيه أوصاف زائدة على مجرد الذكورة، ومنهم من يقول: إنه من باب الوصف الكاشف الذي لا مفهوم له، وعلى كل حال هذا الحكم الشرعي، فالذي يبقى بعد الفرائض يعطى إلى العصبة، والأصل في التعصيب الرجال، والنساء ليس فيهن عصبة إلا بالغير أو مع الغير، نعم.
وعن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(95/22)
"وعن أسامة بن زيد" حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وابن حبه "-رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)) " لأن من موانع الإرث اختلاف الدين فمع اختلاف الدين لا توارث.
ويمنع الشخص من الميراثِ ... واحدة من علل ثلاثِ
رق وقتل واختلاف دينِ ... فافهم فليس الشك كاليقينِ
فالمسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، ذهب إلى ما أفاد هذا الحديث جماهير العلماء، وأنه لا توارث مع اختلاف الدين، ومنهم من يرى أن المسلم يرث الكافر من غير عكس، يعني لو وجد شخص كافر، وعنده عشرة من الأولاد الذكور مثلاً تسعة منهم كفار، والعاشر مسلم، وهو صاحب ثروة وأموال طائلة هذا الميت، فاقتسم المال، بل قسم على التسعة، وبقي المسلم المسكين ما عنده شيء، ولا يرث شيء، بعضهم يقول في مثل هذه الصورة: المسلم يرث الكافر ولا عكس، كل هذا نظراً إلى الشفقة على هذا المسلم الذي حُرم من هذا المال بسبب إسلامه، لكن إذا صح الخبر فلا كلام لأحد، وأنه إذا فاتته الدنيا بقي معه رأس المال الذي هو الدين.
وكل كسر فإن الدين جابره ... وما لكسر قناة الدين جبرانِ
فإذا ضمن هذا الأصل الذي هو رأس المال فالباقي سهل، أمره يسير، لا شك أن من الناس من يتأثر بمثل هذا الموقف، ولذا من أهل العلم من يرى أن المسلم يرث الكافر، وهذا معروف عن معاذ ومعاوية ومسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وإسحاق بن راهويه، كلهم نظروا من هذه الزاوية، قالوا: شخص ثري كافر مات عن أولاد واحد منهم مسلم والبقية كفار يتوارثون، يرثه أولاده الكفار، وأما المسلم فيحرم والمعول في هذا على هذا الخبر، وبالمقابل أنه لو مات رجل مسلم وأولاده مسلمون سوى واحد كافر فإنه يرثه أولاده المسلمون دون الكافر؛ لأنه لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر، نعم.
وعن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- في بنت وبنت ابن وأخت: قضى النبي-صلى الله عليه وسلم- للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. رواه البخاري.(95/23)
نعم في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ابن مسعود سئل عن هذه المسألة في شخص توفي عن بنت وبنت ابن وأخت، فقال: قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- للابنة النصف؛ لأن الشرط متحقق، وهو عدم المشارك، وعدم المعصب فتستحق النصف حينئذٍ ابنة الابن باعتبارها تدلي بالابن الذي هو أخو هذه البنت الوارثة للنصف فوقع تكملة الثلثين؛ لأن المسألة لو كان فيها بنتان لأعطيتا الثلث، فما دام البنت أعطيت النصف تعطى بنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت؛ لأن الأخوات مع البنات عصبات فتأخذ ما بقي، نعم.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتوارث أهل ملتين)) رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي، وأخرجه الحاكم بلفظ أسامة -رضي الله تعالى عنه-، وروى النسائي حديث أسامة بهذا اللفظ.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتوارث أهل ملتين)) " وذلكم إذا تحاكموا إلينا، بأن كان الأب يهودي والابن نصراني أو العكس فإنهما لا يتوارثان للاختلاف في الدين، وهذه المسألة لا شك أنها خلافية، والحديث يصل إلى درجة القبول، لكنه معارض بما عرف أن الكفر ملة واحدة، وأن حكم الكفار واحد، وحينئذٍ يتوارثون؛ لكنهم لا يتوارثون مع مسلمين، وهذا محمول على أن المراد بالملتين، لا يتوارث أهل الملتين يعني الإسلام وغير الإسلام، فيكون بمعنى حديث أسامة: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)) أما الكفار على خلاف مللهم فهم ملة واحدة، وهذا قول الأكثر، يعني لو قال: إن أهل الكتاب ملة؛ لأن أحكامهم فيها نوع اختلاف عن أحكام غيرهم صار له وجه، لكن المعروف إما أن يقال: بأن كل ملة من ملل الكفر يهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية وغيرهم من الكفار ملة واحدة، والمسلون ملة واحدة، فيرجع الخبر إلى حديث أسامة، أو يقال: إن هذه الملل ملل كفر على اختلافها كل ديانة ملة مستقلة، فعلى هذا لا يتوارثون، لو تحاكموا إلينا لا يتوارثون، لو وجد أب مجوسي وابنه يهودي أو العكس فإنهم لا يتوارثون.(95/24)
الآن باقي ساعة إلا ربع إن كان الإخوان يرغبون في ترك هذه المدة لتحري ساعة الإجابة في هذا اليوم، هم يرغبون وإلا .. ؟ يتأهبون للورد والدعاء والصلاة، وإلا فبقي على الوقت المقرر عشر دقائق، ونستأنف نكمل أحاديث الفرائض بعد الصلاة -إن شاء الله تعالى- ...(95/25)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (23)
تابع: شرح باب الفرائض
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: نحن طلبة علم من ليبيا ويدرس في بلدنا الفقه المالكي، ولكن يأخذونه من غير أدلة، ويخالفون السنة إن خالفت المذهب، فهل تنصحوننا بطريقة معينة لدراسة الفقه؟
هذا موجود في سائر الأقطار التي تعتني بالمذاهب، فالحنفية يدرسون متون الحنفية من غير استدلال، والشافعية كذلك والحنابلة، لكن ينبغي أن يدرس الفقه على هذه الطريقة كمرحلة أولى، يكتفى فيها بتصوير المسائل، وتوضيحها على الطلاب، ثم بعد ذلك مرحلة ثانية ودراسة ثانية، أو عرضة ثانية للكتاب يستدل لهذه المسائل، يبحث عن أدلة لهذه المسائل، وبعد ذلك عرضة ثالثة ينظر من خالف ومن وافق المؤلف، ويوازن بين أدلة الجميع، ويرجح، هذه الطريقة المنهجية لدراسة الفقه.
وهذا يسأل عن المنهجية في دراسة النحو؟ يقول: حفظت الأجرومية وأدرس الآن شرحها لمحيي الدين عبد الحميد، ماذا أدرس بعدها؟
نقول: ما دام حفظت الأجرومية فتدرس شرعها للكفراوي والعشماوي، ولكل واحدٍ منهما طريقة وميزة على الآخر، فيمتاز الكفراوي بإعراب كل شيء يرد في الكتاب، إعراب كل حرفٍ يرد في الكتاب، وما يتمه طالب العلم إلا وقد تولدت لديه ملكة إعراب تفيده، أما بالنسبة لشرح العشماوي ففيه قواعد وضوابط نافعة جداً في هذا الفن، قد لا توجد عند غيره، أما ما يدرس بعدها فالجادة عند أهل العلم أن الذي يلي الأجرومية القطر، قطر الندى في بلداننا، في بلادنا وما جاورها القطر، وهناك من يعنى بالملحة كبلاد اليمن، أو الكافية لابن الحاجب كما هي العناية في البلدان الأخرى، على كل حال الجادة أن يقرأ بعد الأجرومية قطر الندى مع شرحه لمؤلفه، ثم بعد ذلك الألفية لابن مالك.
يقول: في الأذكار وقراءة القرآن سواء في الصلاة أو في غيرها؟ يقول: هل يجب تحريك اللسان والنطق معاً، أو تحريك اللسان بدون نطق، أو بدون نطق أو لسان يعني في القلب؟(96/1)
لا بد من تحريك اللسان؛ لأنه إذا لم يتحرك اللسان لا يسمى كلام، ولا نطق، ولا قراءة، إنما هو تفكر، فعلى القارئ أن يحرك لسانه وشفتيه بما يقرأ، وإن أسمع نفسه، ولم يشوش على غيره فهو أكمل، على كل حال لا تسمى قراءة حتى يتحرك الفم واللسان.
يقول: أنا رجل منّ الله عليّ بحضور حلق العلم منذ صغري، وقد نشأت على خير، وفتح الله عليّ من فضله بمجالسة أهل العلم والفضل، ولكن أجد أني لا أعمل بما أتعلم، وأعصي الله كل ما سنحت المعصية، وأخشى أن أكون من أول من تسعر بهم النار -نسأل الله السلامة والعافية- فهل خير لي أن أترك طلب العلم حتى لا أهلك نفسي؟ مع أني -والله يشهد- أحب العلم والعلماء والصالحين، وآتاني الله القدرة العقلية، لكن لم أرزق قلباً يخش الله تعالى، مع أني كثير البكاء على ذنوبي، رغم ذلك أعود إليها دائماً في كل خلوة؟
ترك العلم في مثل هذه الحالة ليس هو الحل الصحيح، وإنما الحل أن تجاهد نفسك بترك هذه المعاصي، تحرص أتم الحرص على أن لا تقارف معصية، وتعرف قدر من عصيت، وقدر العقوبة المرتبة على معصيتك، وحينئذٍ بالمجاهدة تتركها -إن شاء الله تعالى-.
يقول: رجل عنده من الذكور أربع ومن الإناث خمس، بنى أربع شقق للذكور مساعدة في زواجهم، ويريد أن يبني شقتين على أساس أن تقسم بين بناته الأربع، والخامسة تعطى أموال من أخواتها أو إخوانها بعد الممات -يعني ممات الرجل- وذلك لحديث: ((اعدلوا بين أولادكم)) أراد أن يكون لكل ولدٍ وبنت نصيب ميراثي في هذا البيت، فهل لو اكتفى بالذكور دون الإناث مساعدة لزواجهم عليه إثم؟(96/2)
مثل البنات إذا كنّ في رعايته فإسكانهن لازم له، لا بد أن يسكنهن، سواء كان عنده وهذا هو الأصل، أو في بيتٍ مستقل مع أمهن إذا لم تكن تحت عصمته مع مراقبته لهن وحياطتهن، والحرص عليهن، وأما من تزوج من الأولاد واحتاج إلى بيت يؤمن له سكن مع القدرة، على كل حال مثل هذا الولد إذا تزوج يحتاج إلى بيت وإلى سكن وحاجة أصلية، والبنت إذا لم تتزوج وسكنت مع والديها كفى ذلك، وإن تزوجت وسكنت مع زوجها فالأمر كذلك، وإن طالب البنات بأنك أسكنت الأولاد ولم تسكن فمؤونة البنات بعد الزواج انتقلت إلى أزواجهن، فسكناهن على الزوج {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ} [(6) سورة الطلاق] فالسكن على الزوج وليس على الأب بعد الزواج.
يقول: أليس زواج المسيار كزواج المتعة من حيث توقيت الزواج وعدم الاستقرار الأسري كما أنه يعطي انطباعاً في البلدان التي يحدث فيها مثل البلاد الأوروبية طباعاً سيئاً نحو المسلمين، حيث أن هذا الزواج لا يرضاه أحد لابنته في الواقع، حتى لو رضيت الفتاة، فهل رضاها لأنها مضطرة للمال يبيح ذلك؟ فالحرام حرام حتى إن رضيه الناس؟(96/3)
أولاً: زواج المسيار لا علاقة له بزواج المتعة، الأقرب إلى زواج المتعة الزواج بنية الطلاق، لعلّ السائل اختلط عليه الأمر بين زواج المسيار الذي ينوى به الاستمرار، ولا يحدد واحد من الزوجين في نفسه مدةً تنتهي عنده، الذي يشبه نكاح المتعة هو الزواج بنية الطلاق، مع العلم بأنه إذا لم تكن المدة محددة معلومة بين الطرفين متفقاً عليها معقوداً عليها فإنه جائز عند جماهير أهل العلم، إذا كان في نفس الزوج فقط والزوجة ووليها لا يعلمان بذلك، لا يعلمان به لا قولاً ولا فعلاً، أما إذا علمت الزوجة بأنه يتزوجها لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة، أو مدة دراسته علمت بلسان مقاله، أو بلسان حاله بأن كانت هذه عادته أو عادة أمثاله ممن يأتي إلى هذا العمل، أو استفاض في هذا البلد أن أهل هذه الجهة إنما يتزوجون مدةً معينة ويطلقون، إذا عرفت ذلك فهو متعة، وأما إذا خفي عليها الأمر فهو جائز عند جماهير أهل العلم، أما بالنسبة لمثل هذا الزواج أعني زواج المسيار، وتنازل المرأة عن بعض حقوقها هذا أمر جبلي طبيعي، والمسألة مسألة عرض وطلب، وكوني لا أرضاه لابنتي لا يعني أن امرأة فاتها القطار -على ما يقولون- وتقدمت بها السن، وأرادت أن تغتنم الفرصة في بقية عمرها لإنجاب الأولاد أنه لا يرضى لها، يرضى لها، خير من جلوسها بدون زوج، مثل هذا خير لها من جلوسها بدون زوج، وإذا كان الرجل في حال ضغطه على المرأة لأنها تقدمت بها السن فالمرأة مثله، لو وجدت منه أدنى نقص ضغطت عليه، يعني لا يظن بأن هذا خاص بالرجل، المرأة لو تجد أدنى نقص عند الزوج ضغطت عليه، والمسألة مثلما قلنا: عرض وطلب، فالزوجان يتفقان على شروط معينة، ثم بعد ذلك يرى الزوج، تشترط الزوجة أنها تكمل الدراسة وتدرس بعد ذلك، فإذا دخل بها وأنجبت ولد قال لها: اتركي الدراسة والتدريس، قالت: هذا شرط، قال: تريدين الدراسة اذهبي لأهلك، والحل بيدك، ثم تنازلت عن الدراسة؛ لأنه متضرر بدراستها وتدريسها، المسألة مثلما قلنا: عرض وطلب، قبل أن تأتي بالولد يعني يمكن تضغط عليه، لكن إذا جاءت بالولد وانشغلت به عن الدراسة والتدريس فإذا تنازلت عن حقها لا أحد يلزمها ولا يجبرها عليه.(96/4)
بعضهم يقول: إن هذا تنازل قبل العقد، وهي لا تملك التنازل قبل العقد، نقول: التنازلات إنما تكون قبل اللزوم، قبل العقد، يعني أنت لو ذهبت بسيارة في تقديرك أن قيمتها خمسون ألفاً، فلما ذهبت إلى سوق السيارات ما سيمت إلا أربعين، وتنازلت عن العشرة أحد يلومك؟ لأنك ما وجدت من يشتري، ولو كانت الحقيقة أنها تستحق خمسين ألف، وأنت محتاج إلى الأربعين، هل يقال: إنك في ظرف لا يصلح أن يضغط عليك وتتنازل؟ لا، المسألة مسألة عرض وطلب، وزيادة السلع ونقصها كله يتبع ذلك، وأمور الدنيا كلها مبنية على هذا التقدير، فكون من تجاوز بها السن تتنازل عن كثير من حقوقها هي لا تلام من جهة لتستدرك بقية عمرها، وهو أيضاً لا يلام إذا قال لها: أنا لا أريد إلا على هذا الأساس؛ لأنه بالشروط التامة، والحقوق الكاملة يجد خيراً منها.
يقول: في إحدى القرى مسجد قديم وصغير، مبني من حجر، ثم بني في القرية مسجد جديد كبير بحيث يستوعب القرية كلها، فهل يجوز هدم المسجد القديم؟
المسجد كسائر الأوقاف إذا تعطلت منافعه ينقل إلى مكان بحيث يستفاد منه.
يقول: وماذا عن أحجاره؟
أحجاره تنقل إلى مسجدٍ آخر يستفاد منه.
التي بني بها هل يمكن إعطاؤها لاستعمالها في غير الوقف؟
إنما تستعمل في أقرب مصرف مشبه له.
يقول: هل يكفي تعريف اللقطة بكتابة ورقة مطبوعة في المكان الذي وجدت فيه، أو على أبواب البقالات ويكتب عليها رقم الجوال؟
هذا نوع من أنواع التعريف، ولو أعلن أيضاً في وسائل الإعلام أن عنده لقطة وجدها، فمن فقدها فليأته، أو ليتصل عليه، فلا شك أن هذا من أنواع التعريف.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن ابني مات، فما لي من ميراثه؟ فقال: ((لك السدس)) فلما ولى دعاه فقال: ((لك سدس آخر)) فلما ولى دعاه فقال: ((إن السدس الآخر طعمة)) رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي، وهو من رواية الحسن البصري عن عمران، وقيل: إنه لم يسمع منه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(96/5)
"وعن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنهما-" عندك -رضي الله عنهما-؟
طالب: لا.
عنه؟
طالب: نعم.
إيه حصين ما أدري هل هو مسلم وإلا لا؟ على كل حال عمران بن حصين أبو نجيد صحابي معروف مشهور، مرض في آخر عمره، وفي أثناء مرضه كانت الملائكة تسلم عليه عياناً، فاكتوى فانقطع التسليم، ثم ندم وعاد التسليم، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة فقال: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) المقصود أنه صحابي مشهور معروف.
"قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن ابني مات" أولاً: هذا الحديث من رواية الحسن عن عمران، والمرجح عند أبي حاتم أن الحسن لم يسمع من عمران، فهل هذا الخبر منقطع؟ وهو مضعف عند جمع من أهل العلم، لكن لو قدر ثبوته، هذا الرجل جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إن صح الخبر "فقال: إن ابني مات، فما لي من ميراثه؟ فقال: ((لك السدس)) فلما ولى دعاه قال: ((لك سدس آخر)) فلما ولى دعاه فقال: ((إن السدس الآخر طعمة)) " يعني السدس الأول فرض، والثاني طعمه تعصيب، والمسألة مفترضة في رجل توفي عن بنتين، وهذا الأب، فالبنتان لهما الثلثان، والأب له السدس بالفرض، والسدس الثاني تعصيب، ولم يجمعهما، يجمع السدين ليكون ثلثاً؛ لئلا يظن أن نصيب الأب مع البنات الثلث، وفرق بينهما، فإذا صح الخبر وإلا فالخبر فيه كلام لأهل العلم، ومضعف بالانقطاع.
"رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي" ومعلوم أن الترمذي يصحح مع مثل هذا الانقطاع؛ لتساهله في مثل هذا الأمر، وعلى كل حال إن صح الخبر هذا مفاده، ومعناه صحيح، يعني ما يخالف حديثاً آخر، ولو وجد قضية بهذه الصورة أنه توفي أو هلك هالك عن بنتين وأب هذه قسمته، الوالد -الأب والأم- مع الفرع الوارث له السدس، وإذا بقي من البقية بعد، أو بقي من التركة بعد استيفاء الفروض يأخذ الباقي تعصيباً، فله الثلث بالفرض والتعصيب.
وعن ابن بريدة عن أبيه -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم. رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقواه ابن عدي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(96/6)
"وعن ابن بريدة عن أبيه -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم" لأن الجدة إنما تدلي بالأم، وإرثها مشروط بعدم وجود الأم، سواء كانت من قبلها، أو من قبل الأب، فالجدة لا ترث مع وجود الأم، فإذا عدمت الأم كان للجدة السدس.
يقول: "رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقواه ابن عدي" لكن في إسناده عبيد الله العتكي، مختلف فيه، ووثقه أبو حاتم، وقال ابن عدي: لا بأس به، قواه ابن عدي أي قال في راويه: لا بأس به، والراوي الذي يقال فيه: لا بأس به لا يصل إلى درجة الصحيح؛ لأن هذه وإن كانت من ألفاظ التعديل إلا أنها متوسطة، فالحديث على هذا حسن، وأبو حاتم إذا وثق الراوي وقد وثق هذا لا شك أنه يعظ على توثيقه بالنواجذ؛ لأنه متشدد فأئمة الحديث كثير منهم قال: صدوق، ما قال: ثقة؛ لأنه متشدد -رحمه الله-، ومع ذلك وثق هذا الراوي، والمرجح في أمره أنه متوسط الحال؛ لأنه مقدوح فيه من قبل أهل العلم، وقيل فيه: ثقة، وقيل فيه: لا بأس به، فالتوثيق في مقابل القدح، إن توسطنا في أمره أعطيناه المرتبة الوسطى، قلنا: أن الحديث حسن، فإذا توسطنا في الراوي توسطنا في المروي، وإذا كان ما يستحقه الراوي المرتبة الوسطى من مراتب التعديل فإنه يستحق المرتبة الوسطى من درجات الحديث، وحينئذٍ فالمتجه أنه حسن، فعلى هذا الجدة لها السدس، فإذا توفي عن بنت وجدة وأخ للبنت النصف، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
بنت وجدة وأخ.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟ من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في ابن، بنت وجدة وأخ.
طالب:. . . . . . . . .
من هم؟
طالب:. . . . . . . . .
أخ أخ، إيش معنى أخ؟ إذا قالوا: أخ فهو للميت، ما هو للوارثة، ما هو أخ للبنت أخو لأبيها، البنت النصف والجدة السدس، والباقي للأخ، نعم.
وعن المقدام بن يعد يكرب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخال وارث من لا وارث له)) أخرجه أحمد والأربعة سوى الترمذي، وحسنه أبو زرعة الرازي، وصححه الحاكم وابن حبان.(96/7)
وعن أبي أمامة بن سهل -رضي الله تعالى عنه- قال: كتب معي عمر إلى أبي عبيدة -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له)) رواه أحمد والأربعة سوى أبي داود، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن المقدام بن يعد يكرب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الخال وارث من لا وارث له)) " فإذا هلك هالك وليس له من يرثه من أصحاب الفروض المقدرة ولا التعصيب إذا انتفى أصحاب الفروض والعصبة، ووجد ذوو الأرحام الذين منهم الخال، حينئذٍ يرث الخال، وقد قال بهذا جمع من أهل العلم {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ} [(75) سورة الأنفال] وهذا الحديث جيد، وفيه توريث الخال عند عدم من يرث الميت من أصحاب الفروض المقدرة والعصبة، وعند الشافعية أن الإرث في مثل هذه الحالة لبيت المال، ولا يرث ذوو الأرحام، وإنما الإرث لبيت المال، ويشترطون في إرث بيت المال أن يكون منتظماً، إيش معنى منتظماً؟ يعني منتظم على مقتضى الشرع، تكون موارده شرعية ومصارفه شرعية، مع أن كثيراً منهم من أزمانٍ متباعدة يقول: وقد أيسنا من انتظامه، بمعنى أنه لا يرد إليه إلا مالاً حلال، ولا يصرف المال الذي فيه إلا في وجهته الشرعية، فمثل هذا إذا توفي شخص وليس له وارث من أصحاب الفروض ولا العصبة على القول بتوريث ذوو الأرحام إذا وجد منهم ورث، يورّث، وكيفية توريثهم أنهم يرثون بقدر ما يرث من يدلون به، وأما على القول الثاني: وأن ذوو الأرحام لا يرثون، وأن الإرث لا يكون إلا بنصٍ ملزم، فإن المال يودع حينئذٍ في بيت المال.(96/8)
والإرث إنما يكون بعد تصفية المال وتخليصه من الواجبات الأخرى، من مؤونة تجهيز الميت، وهذا أول ما يبدأ به، مؤونة التجهيز، وبعد ذلك الديون المتعلقة بعين التركة، كالدين الذي برهن، والديون المرسلة المطلقة التي لا رهن فيها بعد ذلك، ثم بعد ذلك الوصايا، وأخيراً الإرث، إذا أخرجنا من هذا المال مؤونة التجهيز، وغسل وكفن من ماله، وأخرجنا دينه المتعلق بعين التركة؛ لأن به رهن، وسددنا ديونه المرسلة المطلقة التي لا رهن فيها، ونفذنا الوصية فما بقي فعند من يقول: بتوريث ذوي الأرحام لا شك أنه يصرف المال له، والذي لا يرى ذلك وأنه لا يوجد دليل ملزم، والإرث حكم شرعي يحتاج إلى نص ملزم الذين يقولون بعدم توريثهم يودع لبيت المال، ويصرف في المصارف العامة تحت نظر ولي الأمر، لكن من الأولى بمال الميت؟ هل أقاربه كخاله وعمته وولد بنته أولى به أو بيت المال؟ أقاربه لا شك أنهم أولى به من بيت المال، ولا سيما أن حديث الباب صحيح ((الخال وارث من لا وارث له)) أخرجه أحمد والأربعة سوى الترمذي، وحسنه أبو زرعة الرازي، أبو زرعة حسنه، فجعله في المرتبة المتوسطة بين الصحيح والضعيف، وصححه ابن حبان والحاكم، وأقل أحواله أن يكون حسناً، مع أن تصحيحه متجه.(96/9)
بعد هذا حديث "أبي إمامة بن سهل -رضي الله تعالى عنه- قال: كتب معي عمر إلى أبي عبيدة -رضي الله تعالى عنهم أو عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له)) رواه أحمد والأربعة سوى أبي داود، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان". وهذا الحديث شاهد للذي قبله في توريث الخال، وتوريث ذوي الأرحام، فكونه -عليه الصلاة والسلام- مولى من لا مولى له هل يقتضي ذلك أن يرث الرسول -عليه الصلاة والسلام- من لا وارث له، ويقوم مقامه ولي الأمر ممن يقوم بأمور المسلمين، ويصرف شؤونهم؟ وهذا يعبر فيه عن بيت المال، وقد أخرج أبو داود وصحح ابن حبان حديث: ((أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه)) وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي على من في ذمته دين، لما فتح الله عليه صار يسدد الديون ((فمن ترك من مالٍ فلورثته، وما كان من دينٍ فعليّ)) والغنم مع الغرم، وما دام ولي الأمر ملزم بتسديد ديون من يموت وعليه دين فكذلك هذا الغرم فالغنم أن يكون الإرث له، يعني لبيت المال، ما دام التسديد من بيت المال فالإرث لبيت المال، هذا ما يدل عليه الحديث، لكن ((والخال وارث من لا وارث له)) فتحمل الجملة الأولى على أن بيت المال ((الله ورسوله مولى من لا مولى له))، ((أنا وارث من لا وارث له))، تحمل على حالة ما إذا عدم أصحاب الفروض والعصبة وذوو الأرحام، أما إذا وجد منهم أحد فإنه يرث من مات من أقربائه، ولذلك قال بعد ذلك: ((والخال وارث من لا وارث له)) لأنه قد يقول قائل: كيف يكون هذا التعارض؟ يفهم منه أن هذا التعارض ما دام أن المال يودع في بيت المال والخال وارث من لا وارث له يكون جمعنا بين القولين المتنافيين، القول بأن ذوو الأرحام يرثون، والقول بأنهم لا يرثون، نقول: بيت المال يرث في حال ما إذا عدم الورثة من أصحاب الفروض والعصبات وذوي الأرحام، أما مع وجود أي نوع من هؤلاء فإنه لا يرث ولا يودع فيه أموال هذا الميت؛ لأنه وجد من يستحقه شرعاً من أصحاب الفروض أو العصبات أو ذوي الأرحام، ولذلك جمع بين الأمرين معاً في هذا الحديث ((الله ورسوله مولى من لا مولى له)) مقتضى هذه أنه يرثه، ويعقل(96/10)
عنه، ويؤدي عنه ديونه، ومع ذلك تكون أمواله إذا مات ولا يوجد من ورثته أحد تكون له، والحديث شاهد للحديث الذي قبله في إرث الخال، نعم.
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استهل المولود ورث)) رواه أبو داود، وصححه ابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(96/11)
"وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استهل المولود ورث)) " أو ورّث، إذا استهل الاستهلال معروف أنه رفع الصوت عند رؤية الهلال، ولذلك سمي الهلال هلالاً لأن الناس يرفعون أصواتهم عند رؤيته من الاستهلال، والاستهلال هنا المراد به البكاء، سواء كان برفع صوتٍ أو دونه، والغالب أنه مع رفع الصوت، البكاء بعد الولادة مباشرة، أو ما يقوم مقامه مما يدل على حياة المولود حياةً مستقرة، لا بد من أن يكون حياً مولوداً حياةً مستقرة، أما إذا تحرك بحركةٍ كحركة الميت أو حركة المذبوح، أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا يكفي، فلو صرخ استهل أو بكى أو عطس أو كح أو فعل فعلاً يفعله الأحياء فإنه حينئذٍ يرث؛ لأنه ولد حياً له الحقوق كاملة تترتب عليه جميع الأحكام المترتبة على حياة المسلم، فإذا استهل ومباشرة اعتدي عليه تلزمه الدية وإلا ما تلزم؟ استهل صارخاً، واستقرت حياته ثم بعد ذلك اعتدي عليه؟ استهل صارخاً، ووضع في العناية تحت الأجهزة، ثم تصرف متصرف وشال الأجهزة ومات، ما الحكم؟ يعني اجتهد وقال: هذا طفل ما يسوى من يرعاه ساعة أو ساعتين، وصحته رديئة بعد، وفيه عاهات، وهذه الأجهزة تحتاج إلى طفل سوي، يحتاج إليها طفل سوي، فرفع الأجهزة بهذه الصورة، الصورة الثانية أن يذهب في طريقه وهذا الطفل على الأجهزة ثم ينفصل الكهرباء بسببه، يضرب السلك برجله وإلا بيده وإلا بشيء وينفصل، يضمن وإلا ما يضمن؟ الأول عمد؟ يقاد به؟ أما الثاني كونه خطأ خطأ ما فيه إشكال، والثاني عمد وإلا شبه عمد؟ شبه عمد؛ لأن مثل هذا يقتل أو لا يقتل؟ إذا كان الاحتمال قائم في كونه يقتل أو لا يقتل ما يدخل في العمد، إنما في شبه العمد، على كل حال مثل هذا تترتب عليه الآثار والأحكام، والشرع حينما أوجب القصاص والدية والكفارة والقتل إنما هو تشريع عام للكبار والصغار، العلماء والعامة الحكام والمحكومين الحكم واحد، فإن الشرع متساوي الأقدام بالنسبة للمسلمين، ولذلك ما تجد شخص عليه من الصلوات خمس ركعات وعلى غيره أربع أو العكس، ولا تجد شخص فطرته صاع ونصف أو صاعين وغيره صاع، لا، نعم يوجد من الناس من هو كالألف.(96/12)
والناس ألف منهم كواحدِ ... وواحد كالألف إن أمر عنا(96/13)
يوجد هذا، لكن هل معنى هذا أن الأحكام تغير من أجله؟ يقال: هذا ما دام عالم والناس بحاجته يدفع عنه أكثر من دية، أو تكون ديته بدل ما الدية مائة وعشرين تصير مائة وخمسين مثلاً؟ لا أبداً، الأحكام الشرعية عامة للناس كلهم ومطردة، ويستوي في ذلك الصغير والكبير، العالم وغيره، هذا المولود قبل أن يولد له أطوار، وله أحكام ولأمه أحكام، أمه تثبت أحكامها بتبين خلق الإنسان، إذا تبين فيه خلق الإنسان وسقط فإن أحكام الأم تثبت فتكون نفساء، وأما أحكامه لا تثبت حتى ينفخ فيه الروح، إذا نفخت فيه الروح وسقط فإنه يغسل ويكفن، ويصلى عليه، لكن لو اعتدي عليه قبل الولادة وهو حمل فإنه لا تثبت له أحكام من هو خارج الرحم، سواء كان كبيراً أو صغيراً، وإنما ديته غرة عبد أو أمة، وتقدر بعشر دية أمه، هذا قبل أن ينفصل عنها حياً مستقراً، حياته مستقرة، فإن انفصل عنها حياً حياة مستقرة ثبتت أحكام غيره له من كبارٍ وصغار، والناس يتساهلون في الصغار لا سيما إذا تقدم ذلك مخالفة شرعية، يتساهلون بالإجهاض، وقتل وهو وأد لنفسٍ كتبها الله -جل وعلا-، امرأة تسأل ماذا عليها تقول: إن جيرانهم عندهم بنت وهي تزورهم فقدت هذه البنت سألت أمها عنها قالت: إنها مريضة، جاءت مرة ثانية قالت: كذلك، مريضة، مرة ثالثة قالت: زائرة، خرجت من البيت، أخيراً ما عاد تستطيع أن تعتذر أكثر من هذا، فقالت لها: المسألة كذا وكذا وكذا، وقعت منها هفوة وحملت، والآن ولدت طفل، ولا نستطيع .. ، عار علينا ولا نستطيع أن نتصرف، قالت هذه المرأة الزائرة: الأمر سهل، ودخلت على البنت وبجانبها الولد فوضعت يدها على فمه فمات، انتهى الإشكال، هذا عندها، لكن أينها من نصوص قتل النفس؟ هذا قتل نفس، هذا مؤمن {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [(93) سورة النساء] نسأل الله السلامة والعافية، فيتساهلون في مثل هؤلاء الأطفال وأحكامهم كأحكام الكبار، فالمسألة في غاية الشناعة، وباعت دينها من أجل غيرها، يعني لو أن الأمر يهمها مثلاً، هي أم البنت مثلاً مع أن الحكم واحد، التحريم ثابت، والأمر شديد، لكن قد يلتمس لها عذر؛ لأن بعض الأعمال وهي محرمة يصير للفاعل وجه، وإن لم(96/14)
يعذر به شرعاً، لكن بعض الناس ما له وجه أن يتدخل في مثل هذه الأمور، يعني كبيرة من كبائر الذنوب، وموبقة من الموبقات، ومع ذلك لا علاقة لها بالموضوع، ويبقى أنها لو فعلته الأم الأمر كذلك، لكن عند الناس وإن كان الحكم الشرعي واحد، يعني العار يلحقها، فإذا استهل المولود ثبتت أحكامه، ومن قتله متعمداً يقتل به، فصارت الأحكام تامة، فطرته مثل فطرة الخمسين والستين لا فرق، فطرته كفطرة أعلم الناس وهكذا.
فالأحكام الشرعية إذا جاءت جاءت عامة تعم الناس كلهم، ولو كان لكل واحد ولكل فرد ما يناسبه من هذه الأحكام وهي متفاوتة لما أمكن ضبطها؛ لأننا تتشعب وتتفرع إلى صور لا يمكن حصرها، إذا قلنا: إن كل إنسان يقدر بقدره، يعني الأموال يمكن تقديرها، أتلف مال يقدر سهل، أتلف مال ثاني يقدر بقدره ما يقال: إن قيمة هذا مثل قيمة هذا، لكن بالنسبة للأحكام المتعلقة، الأحكام العامة المتعلقة ببني آدم لا شك أنها تحتاج إلى ضابطٍ يضبطها، والتفاصيل بالنسبة لما حدد شرعاً لا مجال للاجتهاد فيه، قد يقول قائل: إنه يسمع أحياناً أنه يطلب دية خمس ديات عشر ديات من أجل قتل واحد، الدية معروفة أن الأصل فيها القتل الخطأ وشبه العمد، وأما بالنسبة لقتل العمد فإن ولي الدم مخير بين القود وهو أن يقتل القاتل، أو الدية، لكن إذا أصر إلا على القود ما أرد الدية، وحاولوا أن يغروه بالمال من أجل أن يتنازل إلى الدية فهذا لا يدخل في التشريع العام لأنواع القتل، هذا لا يدخل في هذا، بل هذه مساومة من أجل التنازل عن الأعظم إلى الأخف.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس للقاتل من الميراث شيء)) رواه النسائي والدارقطني، وقواه ابن عبد البر، وأعله النسائي، والصواب وقفه على عمرو.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس للقاتل من الميراث شيء)) " والقتل من موانع الإرث.
ويمنع الشخص من الميراثِ ... واحدة من علل ثلاثِ
رق وقتل واختلاف دينِ ... . . . . . . . . .(96/15)
وضابط القتل: ما أوجب قوداً أو ديةً أو كفارة يسمى قتل، سواء كان عن عمد أو شبه عمد أو خطأ، كل هذا يدخل في القتل المانع من التوارث، من الميراث، العمد واضح يعني إذا قتل أباه يعاقب بأن يحرم من ميراثه، لكن إذا أحسن إلى على أبيه وحمله بسيارته وذهب به إلى حجٍ أو عمرة أو ما أشبه ذلك ثم حصل حادث أو شيء فمات الأب، هذا قتل خطأ، ومثلما قلنا في ميراث المخالف في الدين، ميراث المسلم من الكافر، قلنا: إن شخص كافر توفي عن عشرة من الذكور تسعة كفار وواحد مسلم، نورث الكفار، ولا نورث المسلم للاختلاف في الدين، ولا شك أن هذا قد يقع في نفس المسلم ما يقع بسببه، لكن يقال للمسلم: أنت بيدك رأس المال، رأس المال كله وهو الدين، الدين رأس المال، فلا يضيرك ما ذهب عليك من أمور الدنيا، وعليك أن ترضى وتسلم؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم)) وهنا إذا تصور أنه لهذا الرجل عشرة أولاد، وأراد عمرة فعرض على الأول قال له: والله عندي مشغول، وعندي وظيفتي، ولا عندي إجازة، ولا عندي شيء، عرض للثاني قال: والله أنا أولادي يحتاجون إلى مستشفى، يحتاجون إلى رعاية، وعرض على الثالث قال: لا والله ما أنا رايح، أنا ما أنا فاضي، والرابع والخامس والتاسع ثم العاشر قال: أبشر؛ لأنه متدين، والباقي مسلمون، لكنهم أقل في التدين، متدين وبار هذا العاشر، مشوا إلى مكة وحصل حادث في الطريق فمات الأب، قرر أهل العلم أن هذا قتل خطأ وحينئذٍ لا يرث كل التسعة الذين رفضوا أن يذهبوا به إلى العمرة هؤلاء يرثون، والعاشر هذا البار لا يرث، والأئمة كلهم على هذا إلا مالك، مالك يقول: لا يرث من ديته ويرث من تلاد ماله، في مثل هذه الصورة، في قتل الخطأ، وقول مالك لا شك أنه من الناحية النظرية له وجه، لا سيما في الصورة التي صورناها، يعني من ناحية النظر له وجه، لكن هنا: ((ليس للقاتل من الميراث شيء)) والقتل الخطأ قتل {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا} [(92) سورة النساء] فهو قتل على كل حال، فهو داخل في القاتل هنا، وليس له من الإرث شيء، ولا شك أنه يرد على المحاكم من هذه القضايا نظائر لهذه المسألة، ويتحرج(96/16)
القضاة إذا رأوا هذا الشاب الصالح الذي أراد البر بوالده، ثم بعد ذلك يرث جميع إخوته، وقد تكون الأموال طائلة وكثيرة، ويحرم منه هذا الرجل الصالح كما حرم المسلم من بين إخوته الكفار، لكن على المسلم أن يرضى ويسلم، وليس له خيرة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [(36) سورة الأحزاب] ما دام هذا حكم الشرع ليس لأحدٍ أن يعترض، نعم القاضي إذا كان أهل للاجتهاد، ونظر في أقوال أهل العلم، وترجح له قول منها يعمل باجتهاده. يقول: " ((ليس للقاتل من الميراث شيء)) رواه النسائي والدارقطني" وقواه ابن عبد البر، وصححه الألباني -رحم الله الجميع- "وقواه ابن عبد البر، وأعله النسائي، والصواب وقفه على عمرو" كذا؟
طالب: نعم رعاك الله.
يجي وقفه على عمرو؟! حتى عمر وش عمر؟ وين عمر؟
يمكن أن يوقف الخبر على عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؟ نقول: موقوف على عمرو؟ أو على ابن عمرو؟ والصواب وقفه على ابن عمرو؟ لأنه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص هو الجد، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبيه عن جده، وجاء التصريح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو، فيكون الوقف على عبد الله بن عمرو، وهذا محمول على اجتهاده، عند من نقول: الصواب وقفه، وعلى كل حال عامة أهل العلم على حرمان القاتل من الإرث سواء كان القتل عمداً أو خطأً، وعرفنا أن مالك -رحمه الله- لا يورثه من الدية، ويورثه من بقية المال، في قتل الخطأ، نعم.
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان)) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن المديني وابن عبد البر.
يقول المؤلف -رحمه الله-:(96/17)
"وعن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان)) " يعني استحقه ما استحقه الوالد أو الولد فهو كسائر أمواله، ما يستحقه فهو كسائر أمواله لعصبته، بل لورثته كسائر أمواله، فإذا استحق مالاً ولم يستوفَ هذا المال حتى مات فإنه يضم إلى التركة، وهناك مستحقات استحقها هذا الولد أو الوالد ثم مات وقسمتها هل تقسم على أنها ميراث فتقسم على الطريقة الشرعية لقسمة المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين، وأصحاب الفروض يعني كماله الأصلي؟ وهذا مثل التقاعد مثلاً، أو العادة التي تصرف لبعض الناس من بيت المال في حياته وبعد مماته، في حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول: ((ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان)) وهذا الحديث مختلف في تصحيحه، وهل يبلغ درجة الصحة؟ لكن صححه علي بن المديني وابن عبد البر فيما نقله ابن القيم في تهذيب السنن، وعلى كل حال هو لا ينزل عن درجة القبول، والمراد بالإحراز إحراز الولد أو الوالد الاستحقاق، وكونه لعصبته هل ينفي أن يكون لورثته أصحاب الفروض؟ لا ينفي ذلك؛ لأن كونه للعصبة يدل من باب الأولى على إرث أصحاب الفروض؛ لأنهم يقدمون على العصبة، ولا نصب للعصبة في الميراث إلا بعد أن تستغرق الفروض، فنصيب العصبة إنما هو فيما تبقيه الفروض، فعلى هذا لو كان استحقاق هذا الميت ابناً كان أو أباً تسبب فيه في حياته، شخص صُرف له من بيت المال مبلغ يستمر في حياته وبعد وفاته، استحق هذا المبلغ بسببه، بسببٍ منه، وليكن هذا المبلغ مقتطعاً من رواتبه كالتقاعد مثلاً، فهل يقتسم مثل هذا على قسمة الميراث؟ أو أنه يقسم على نظر ولي الأمر الذي لا يجعله كالميراث، ويخص به بعض الورثة دون بعض؟ فإن كان هذا المال الذي يصرف هو بقدر ما يؤخذ من رواتبه أثناء عمله فلا شك أنه ميراث، إذا كان بقدره، وإن كان أكثر والزائد من بيت المال من ولي الأمر فما أخذ من رواتبه لا شك أنه حكمه حكم الميراث، والقدر الزائد على ذلك لولي الأمر أن يتصرف فيه فيعطيه من شاء، لكن هناك أنظمة تجعل هذا التقاعد لبعض الورثة دون بعض، فمن كان(96/18)
موظفاً أو بنت متزوجة أو تزوجت الزوجة كل هؤلاء يحرمون من هذا، على كل حال هذا ليس محل البحث، هذه المسألة التي هي لا شك أنها مسألة تحتاج إلى إعادة نظر من أهل العلم، بحاجة إلى تحرير، وأن يحكمون فيها باجتهادهم لا بالأنظمة، ومنهم من يرى أن هذا النظام شرعي، وأنه لو كان مقاصة بين ولي الأمر وبين الموظف لصار ربا؛ لأن ولي الأمر يأخذ ويعطي، قد يكون أقل أو أكثر، وهذا أيضاً ربا، لكنه إرفاق بين ولي الأمر وبين الموظف، يقتطع بنسبة 9% وفي النهاية يعاد إلى الموظف بنسبةٍ قد تكون أكثر مما أخذ منه، قد تكون الغالب أنها أكثر، المقصود أنه هذه تحتاج إلى عناية، وبعض الناس حينما يتقاعد يصرف له مبلغ كبير جداً يسمى معاش التقاعد، قد يكون عشرين ألف، ثلاثين ألف، ثم بعد ذلك يكبر الأولاد كلما كبر واحد سقط نصيبه، كلما تزوجت بنت سقط نصيبها، إلى أن يصل الأمر إلى ألف وخمسمائة ريال، فلا بد من دراسة هذا الأمر دراسة جادة على وقف النصوص والقواعد الشرعية، وعلى كل حال يشمله مثل هذا الحديث: ((ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان)).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)).
الولاء: لحمة كلحمة يعني لا يمكن الانفكاك منه، ملتحم وملتصق بالشخص نفسه، بحيث لا يستطيع أن يتصرف فيه ((لا يباع ولا يوهب)) رواه الحاكم من طريق الشافعي عن محمد بن حسن عن أبي يوسف، وصححه ابن حبان، وأعله البيهقي.
وعلى كل حال هذا الخبر ضعيف، وللعلماء كلام طويل في طرقه وصحته وعدمها، فلا يباع ولا يوهب، ولا يورث.
سم.
وعن أبي قلابة عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفرضكم زيد بن ثابت)) أخرجه أحمد والأربعة سوى أبي داود، وصحه الترمذي وابن حبان والحاكم، وأعله بالإرسال.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(96/19)
"وعن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجرمي "عن أنس" وقد ثبت سماعه من أنس -رضي الله تعالى عنه- أحاديث مع أن من أهل العلم من يقول: إنه لم يسمع منه هذا الحديث بخصوصه، ولذا أعل بالإرسال، وضعفه جمع من أهل العلم، ومقتضاه في قول الرسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفرضكم زيد)) وهذه الجملة قطعة من حديث تضمّن سبع جمل، كل جملة مزيّة لواحدٍ من الصحابة، فأقرؤكم أبي، وأفرضكم زيد، وأعلمكم بالحلال والحرام وكذا وكذا .. إلى آخر السبعة، والحديث مضعف عند أهل العلم، وفي مقدمة الرحبية يقول الناظم:
أفرضكم زيد وناهيك بها ... . . . . . . . . .
اعتماداً على هذا الخبر، والمؤلف أدخل هذا الخبر في هذا الباب وإن كان ليس فيه بيان لمسألة أو حكم شرعي يتعلق بالفرائض، وإنما فيه منقبة لزيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-، يستفاد من مثل هذا الترجيح عند التعارض، فلو أن ابن مسعود حكم في مسألة فرضية، وحكم فيها زيد بن ثابت في حكم مخالف لما قاله ابن مسعود قلنا: المقدم زيد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- شهد له بأنه أعلم الصحابة بالفرائض، هذا لو صح الخبر، وعلى كل حال إدخاله في هذا الباب من هذه الحيثية، وقد اعتمد الشافعي على أقواله تبعاً لهذا الخبر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(96/20)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (24)
باب: الوصايا
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد أشار الشيخ -حفظه الله- إلى أننا متأخرون في شرح الكتاب، وأن المدة المقررة لإكماله قد قربت، وعلى هذا سوف يجمل الشرح إجمالاً لا يخل بمقاصد الفوائد -إن شاء الله تعالى-، ومع ذلك سوف تكون سمة الدروس الحزم -إن شاء الله تعالى-، يعني مسألة المداخلات ومسألة استشارة الطلاب في بعض المسائل يعني سوف تقل -إن شاء الله تعالى- من أجل أن ننهي الكتاب، والكتاب الآن يقرب من إكمال السنة الرابعة، الطول هذا ممل لجميع الأطراف، وهو أيضاً يعوق عن تحصيل بعض الكتب الأخرى الثانية التي تلي هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى- إن كان في العمر بقية، والله المستعان، وعلى هذا سوف يكون الشرح فيه شيء من الاختصار مع الحزم -إن شاء الله تعالى-، وإن كان بعض الإخوان من المشايخ يقولون: إنك لن تستطيع أن تحزم لأنك عودت الطلاب على هذا، وأنت عودت نفسك على هذا، لكن المقصود أن التسديد والمقاربة سيحصل -إن شاء الله تعالى-.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
باب: الوصايا
عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) متفق عليه.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: ((لا)) قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: ((الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) متفق عليه.(97/1)
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توصِ، وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: ((نعم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث)) رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وحسنه أحمد والترمذي، وقواه ابن خزيمة وابن الجارود، ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، وزاد في آخره: ((إلا أن يشاء الورثة)) وإسناده حسن.
وعن معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم)) رواه الدارقطني، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء -رضي الله تعالى عنه-، وابن ماجه من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، وكلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضاً، والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوصايا(97/2)
الوصايا: جمع وصية كهدايا وعطايا وضحايا وبرايا جمع عطية وهدية وضحية وبرية، وهي ما يعهد به الإنسان من ماله بعد موته، وإن كانت الوصية في الأصل تشمل جميع ما يوصى به، سواء كان مالاً أو يؤول إلى مال، أو غير ذلك بأن يعهد ويوصي بأولاده من بعده مثلاً في تربيتهم، وقد كان العلماء في السابق يعهدون بأولادهم ويوصون بهم إلى من يثقون بعلمه ودينه وأمانته لتربيتهم من بعده، فتجدون في كثير من التراجم لكثير من أهل العلم أنه ربّاه فلان، وهو غير قريب له، وإنما هو من أهل العلم أوصاه أبوه به، ولا شك أن مثل هذا يسمى وصية، لكن ليست لها الأحكام التي ذكرها أهل العلم في هذا الباب، فالوصية أعم إلا أن ما يدرس في كتب أهل العلم إنما هو الوصية بالمال، أو ما يؤول إليه، وتختلف الوصايا عن الأوقاف بأن الأوقاف يسري حكمها من التلفظ بها، بإبرام عقدها في حياة الموقف، وأما الوصايا فلا يسري حكمها إلا بعد وفاة الموصي، ولذا يفترقان في كون الموقف لا يتصرف، ليس له حق التصرف في الوقف، بينما الوصية له أن يزيد فيها وينقص ما لم تلزم بوفاته.
في الحديث الأول يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(97/3)
"عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما حق امرئٍ مسلم)) " و (ما) هذه نافية، يعني ليس من حقه أن يبيت دون وصية إذا كان له شيء يمكن أن يوصي به، والوصية منها ما هو واجب، ومنها ما هو مندوب، فالوصية الواجبة إذا كان عليه ديون، في ذمته التزامات للناس لا بد أن ينبه عليها، لا بد أن يكتبها، سواء كانت الديون للخالق أو المخلوق، في ذمته دين لله -جل وعلا- كفارة لا بد أن يكتب لئلا ينسى، فإن فرط ولم يكتب ونسي ومات فلا يسلم من التبعة، وإذا كان في ذمته حق لآدمي مبلغ من المال لآدمي أو مظلمة يكتبها لئلا ينساها، يكتب إذا كان قد أمضى شيئاً يؤثر في حياته الزوجية، إذا كان طلق مرة مثلاً، يكتب أنه طلق مرة، لماذا؟ لئلا يطول به العهد بعد عشرين سنة يطلق ثانية، ويكون قد نسي الأولى، ثم بعد ذلك يطلق ثالثة، فإذا قيّد هذه الطلقات وتقييدها لا سيما ممن يخشى على نفسه النسيان، وأن يقع فيما حرم الله عليه من وطء المرأة بعد بينونتها هذا يجب عليه أن يكتب.
((ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه)) سواء كان له أو عليه من باب أولى، إذا كان عليه يلزمه أن يكتب، وإذا كان له ديون على الناس إن كتبها فالأمر إليه، وإن تركها فالأمر إليه؛ لأنها إذا نسيها هو أو وارثه لا يلحقه شيء، بينما تلزم كتابتها من المدين الذي شغلت ذمته بهذا الدين ولا تبرأ إلا بسداده، فإذا لم يكتب كان عرضةً للنسيان، مثل هذا لا بد أن يوصي، له شيء يريد أن يوصي فيه، يعني له مال يريد أن يخرج منه شيئاً لله -جل وعلا- فإنه عليه أن يبادر ولا يتأخر.(97/4)
((يبيت ليلتين)) دون أن يكتب هذه الوصية ((إلا ووصيته مكتوبة عنده)) والليلتين على سبيل التقريب والمبادرة وإلا جاء ثلاث، وجاء ليلة، فليس المراد تحديد الوقت؛ لأنه قد يقول قائل: إذا كنا لا نضمن شهراً أو سنةً لماذا لم يقل: شهر أو سنة؟ فكيف نضمن ليلة أو ليلتين؟ المقصود بذلك المبادرة إلى كتابة الوصية وليس التحديد بالعدد على ظاهره، وإلا فالإنسان يمكن أن يموت وهو في مكانه، لكن المقصود بذلك المبادرة، وتعجيل كتابة الوصية، ومثلما ذكرنا الوصية عند عامة أهل العلم مستحبة إذا لم تكن في واجب، في سداد دين أو شبهه، وأوجبها أهل الظاهر، وأصل الصدقة بالقدر الزائد على ما أوجب الله تعالى من زكاة وكفارات وغير ذلك من أنواع الواجبات له ندب، فكيف توجب عليه بعد وفاته، فالمرجح قول الجمهور، ما لم تكن في أمرٍ واجب كالدين مثلاً، سواء كان لله -جل وعلا- من كفارات وشبهها، أو كان للآدمي فمثل هذا لا بد أن يكتب، فإذا كتبت هذه الوصية سواء كانت واجبة أو مندوبة، فعند جمع من أهل العلم أنه لا بد من الإشهاد عليها؛ لأن الحقوق لا تثبت إلا بالشهادات، وجمع من أهل التحقيق يرون أنه لا تلزمه الشهادة، بل إذا كتبها بيده، إذا كتبها بقلمه، وعرف قلمه كفى، يعني عرف الوارث قلم المورّث، وأنه كتب هذه الوصية بثلث ماله فأقل لجهةٍ غير وارثة لزم العمل بها، وكتابة الوصية، ومعرفة الخط نوع من المجادة، فإذا وجد الوارث بخط مورثه كتابة ملزمة للوارث بشيء عليه أن يعمل به، وإذا وجد بقلمه ديناً له على فلان يدعيه فيقوم مقامه حينئذٍ، إذا عرف خطه الذي لا يتردد فيه حتى قال بعض أهل العلم: إن له أن يحلف عليه؛ لأن هذه قرينة تغلب على الظن ثبوت الدعوى بغض النظر عن ثبوت المدعى به، الوجادة في علوم الحديث هي أن يجد الطالب أو يجد الراوي بخط شيخه الذي لا يشك فيه حديثاً فيرويه عنه على سبيل الوجادة، فيقول: وجدت بخط فلان، ولها شوب اتصال كما يقول أهل العلم، لها شوب اتصال، يعني لا يحكم باتصالها؛ لأن الواجد قد يكون ممن تأخر وجوده لهذه الوجادة بعد وفاة الكاتب، بل قد يكون وجوده في هذه الحياة -أعني الواجد- بعد موت الكاتب بمفاوز بحيث لا تمكن معاصرته له، ولذا قالوا:(97/5)
إن فيها شوب اتصال، ولا نحكم عليها بالاتصال المطلق، فقد نجد في كلام بخط شيخ الإسلام ابن تيمية فهل نقول: إن هذا الإسناد متصل بيننا وبينه؟ هي وجادة على كل حال، إذا كنا لا نشك أن هذا خط شيخ الإسلام، ومن عانى الخطوط، واهتم بها يعرف هذه الخطوط ولو لم يلق صاحب الخط، نحن نعرف جزماً خط شيخ الإسلام، وخط كثير من الأئمة بالمعاناة، فإذا وجدنا بخط شيخ الإسلام نقول: وجدنا بخط شيخ الإسلام، وننقل عنه بهذه الصيغة، وقل مثل هذا ما يوجد في حواشي الكتب، إذا وجدت بخط ابن حجر على نسخته من البخاري أو من الترمذي وأنت تعرف خط ابن حجر تنسب إليه القول إذا كنت لا تشك في معرفة خطه، ولا يلتبس عليك أمره، فمثل هذه الأمور يعمل بها عند أهل العلم، ولها شروط عندهم مستوفاة في كتب المصطلح، لكنها لا تفيد الاتصال كالسماع من لفظه، أو العرض عليه، أو الإجازة منه، إنما فيها شوب اتصال كما يقول أهل العلم.
لهم صيغ في الوصايا، لهم في الوصايا صيغ، ثبت عن أنس -رضي الله عنه- بسند صحيح مما أخرجه عبد الرزاق موقوفاً قال: كانوا -يعني الصحابة -رضوان الله عليهم- يكتبون في صدور وصاياهم:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، أو أن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك وراءه من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصاهم به إبراهيم بنيه ويعقوب أن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ثم يذكر ما يحتاج إلى ذكره في هذه الوصية.(97/6)
النبي -عليه الصلاة والسلام- اختلفوا هل أوصى أو لم يوصِ؟ هو في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- دعا بالكاتب، وأراد أن يكتب لكنه تلاحى عنده فلان وفلان ثم كثر اللغط عنده فامتنع -عليه الصلاة والسلام- من الكتابة، ولعمر -رضي الله تعالى عنه- دور في ذلك، أما بالنسبة لوصيته في بعض الأمور بالصلاة، وما ملكت أيمانكم استوصوا بالنساء خيراً فهذا مستفيض في السنة، لكن ليست هي الوصية التي يكتبها الإنسان قرب وفاته، إنما الذي في الصحيح أنه لم يكتب -عليه الصلاة والسلام-، الأموال التي يمكن أن يوصى بها مما يدخل في هذا الباب، فالأنبياء لا يورثون، وإنما يتركون ما يتركون صدقة، وليس مما يورث، فيفرز بعضه يتصدق به، ويوصى به، وبعضه للورثة، هذا ليس بوارث في حق الأنبياء، ومنهم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
في الحديث الأول راوي الحديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، وهو الصحابي المقتدي المؤتسي لما سمع هذا الحديث كتب وصيته فوراً، وثبت عنه أنه سئل بم أوصى؟ وقد ذكر أنه ليس له مالاً يوصي به؟ ولا يمنع من أن ينفذ هذا التوجيه النبوي، ثم في النهاية لا يكون له شيء يوصي به ولا تعارض؛ لأنه عرف بالبذل، وعرف بعدم التمسك وإمساك شيء من أمور الدنيا، وعرف بسرعة المبادرة والامتثال، وامتثل قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) فكان لا يدخر شيئاً -رضي الله عنه وأرضاه-، فيتفق له امتثال هذا الأمر في كتابة الوصية، ويتفق له أنه بادر بإخراج ما يمكن إخراجه في حياته، فلم يحصل له شيء يمكن أن يوصي به.
الحديث الثاني: يقول -رحمه الله تعالى-:(97/7)
"وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله أنا ذو مال" يعني أنا صاحب مال، و (ذو) من الأسماء الستة التي ترفع بالواو، وهنا مرفوعة لأنها خبر (أنا) "قلت: يا رسول الله أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة" سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- مرض بمكة كما في الصحيح، مرض في مكة وأشرف على الموت، فأراد أن يوصي والخلاف بين أهل العلم مما جاءت به الروايات أنه كان في حجة الوداع، أو في غزوة الفتح، لكن في حجة الوداع أكثر وأصح وأشهر، في حجة الوداع مرض سعد -رضي الله تعالى عنه- وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، فزاره النبي -صلى الله عليه وسلم- وطمأنه أنه سوف يعيش، ويولد له ولد، ورثى سعد بن خولة حينما مات في مهاجره الذي تركه لله ورسوله، يعني مات بمكة يرثي له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما سعد فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- بما ليس بصريح، وإنما فهم منه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يطمئنه، وأنه يعيش حتى يولد له الولد حتى قالوا: إنه ولد له بعد ذلك عشرة من الأولاد واثنتا عشرة من البنات، وهو يقول في خبره: "قلت: يا رسول الله أنا ذوو مال" يعني ذو مالٍ كثير، ولا يرثني إلا ابنة واحدة، وهذا المال كثير على هذه البنت مع أنها لها جميع المال أو نصفه؟ يعني أليس له أصل من بني زهرة يرثون الباقي؟ الأصل لها النصف وهم الباقي "ولا يرثني إلا ابنة واحدة أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) " لأن الثلثين أكثر من الكثير "قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: ((لا)) " والصدقة هنا المراد بها المنجزة في حياته بأن يخرج ثلثي ماله، أو نصف ماله في وقته، أو الثلث أو المراد بذلك الوصية بعد وفاته كما فسر ذلك الرواية الأخرى؛ لأنه لو كان قوله: "أفأتصدق؟ " على ظاهره بالصدقة في حياته لما كان الحديث داخلاً في هذه الترجمة، كان داخلاً في كتاب الزكاة، لكنه جاء في بعض الروايات: أفأوصي بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) فالمراد بالصدقة هنا هي الوصية، الصدقة بالمال بعد الموت "أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) قال: أفأتصدق بشطره؟ " يعني بنصفه؟ "قال: ((لا)) قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: ((الثلث والثلث كثير)) " يعني تصدق بالثلث، والثلث مع(97/8)
ذلك كثير، وهل الأفضل من هذا السياق أن يوصي الإنسان بثلث ماله أو بأقل؟ ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث إلا إذا أجازه الورثة على ما سيأتي، لكن صدقته بالثلث أفضل أم بالربع أو الخمس؟ أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- تصدق أو أوصى بالخمس، فقوله: ((كثير)) سياق الخبر يدل على أن الثلث فاضل وإلا مفضول؟ يعني كثير بالنسبة لهذه الصدقة، فيكون أعلى ما يتصدق به وما دونه أفضل منه بدليل العلة ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) بعضهم فهم أنه كثير، وأن ما دونه أفضل منه، وفي ذلك حيازة حظ الورثة، ومنهم من فهم أن الثلث كثير يعني أجره كثير أكثر مما دونه، وفيه حيازة الحظ للموصى له، وأبو بكر -رضي الله تعالى عنه- أوصى بالخمس فدل على أنه فهم أن الثلث كثير فما دونه أفضل منه، والسياق في مثل هذه الصورة في حال المقاولة والمحاولة، يعني شخص مندفع يبي يتصدق بجميع ماله يقال له: خفف يكفيك العشر، لكن مالي كثير، يقاول على الخمس، على الربع، على الثلث، فيكون الأقل أفضل أو أكثر؟ يعني مثل ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بلغه أنه يريد أن يقوم الليل، ويصوم النهار، ويقرأ القرآن في كل يوم، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) هل نقول: إن أول ما بدأ به النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل من غيره؟ قال: إنه يطيق أكثر من ذلك، فقال: ((اقرأ القرآن في الشهر مرتين)) في الشهر ثلاث إلى أن قال له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) يعني في سبيل المقاولة، يعني الناس يتفاوتون، يعني بعض الناس يلقى عليه الأقل، وبعضهم يلقى عليه الأكثر، إذا جاء شخص مندفع مثل عبد الله بن عمرو في مثل هذه الصورة يبدأ بالأقل، ثم يترقى معه، ومن الناس من أهل التراخي والتفريط والتساهل يبدأ بالأعلى، ثم يتدلى منه إلى ما دونه حيث يطيق، فمثل هذا السياق: ((الثلث والثلث كثير)) الرجل يريد أن يتصدق بثلثي ماله، ثم قال: الشطر، قال: ((لا)) قال: ((الثلث والثلث كثير)) مفهوم السياق أن ما دونه أفضل منه، ولا شك أن الناس في هذا الباب يتفاوتون، منهم من تجود نفسه بجميع ماله ولا يتأثر ولا يتضرر ولا يتأفف،(97/9)
ولا يمن بصدقته، وقد فعل ذلك أبو بكر -رضي الله تعالى عنه-، تصدق بجميع ماله ولا نهي ولا ثرّب عليه، ومنهم من إذا تصدق بشيءٍ من ماله وأتبعه المن فإن مثل هذا يقال له: لا تتصدق إلا بالشيء اليسير يا أخي، وهذا عام في جميع الأبواب، تجد الإنسان يتورع عن الكي وعن الرقية، ولا يذهب إلى المستشفيات، لكن إذا جالسته وجدته يكرر هذا الأمر أنا لا أتعالج، أنا لا أكتوي، أنا متوكل على الله، أنا أفعل، أنا أكثر .. ، نقول: العلاج أفضل لك أنت، عالج يا أخي أحسن من هذا الكلام، وبعض الناس يصبر ويحتسب ولا يتكلم، مثل هذا يتجه في حقه أن يترك مثل هذه الأمور؛ ليكون من السبعين الألف، فعلى كل حال الثلث كثير يختلف أهل العلم في فهم هذه الكثرة، هل هو كثير والأفضل ما هو أقل منه؟ أو أجره كثير لعظم نفعه للمتصدق عليهم؟ ((الثلث والثلث كثير)) ثم ذكر العلة ((أنك)) يعني جاء به مضبوطاً بالهمزة المفتوحة، وجاء بكسرها: ((إنك)) فأنك على أنها جملة تعليلية، وإنك على أنها جملة شرطية ((أنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) يسألون الناس بأكفهم، يعني بعض أهل العلم تكون مكتبته جميع ما يملك في هذه الدنيا، جميع ما يملك هذه المكتبة، ثم يكتب عليها وقف لله تعالى، ثم بعد ذلك يضطر الورثة إلى أن يسألون الناس، لكنه لو باع هذه الكتب، أو أوقف ثلثها وباع الثلثين، وصار الورثة عندهم شيء يقتاتون منه، وإن كان الورثة في الجملة لا يقدرون هذه الكتب قدرها، فكثير من أهل العلم تذهب كتبهم لا وقف، ولا يستفيد منها الورثة؛ لأنهم لا يقدرون قدرها، ووجد من ذلك قصص ومآسي بالنسبة للكتب، وهي لو وقعت بيد خبير لاستفاد منها الورثة فائدة عظيمة، فعلى هذا لا يشرع في حق هذا العالم أن يوقف هذه المكتبة، ويترك الورثة عالة يتكففون الناس؛ لأنها هي ما يملك، هي ماله، وتدخل في هذا الحديث؛ لأنها مال مما يباع ويشترى ويقتنى ويفاد منه، لكن إذا كانت له أموال وهذه المكتبة أقل من الثلث أو الثلث فأقل فأوقفها، وترك الناس يستفيدون منها هذا طيّب، هذا أفضل من أن يوقف الأموال، وإن كانت الظروف والأحوال تختلف باختلاف أحوال الناس، منهم قد تكون الحاجة إلى المال أشد من(97/10)
الحاجة إلى الكتب، وقد تكون الحاجة إلى الكتب واستمرار نفعها أفضل، فهذا العالم الذي ترك أولاده وورثته عالةً يتكففون الناس لا شك أنه داخل في النهي في هذا الحديث، وحينئذٍ يوقف الثلث، ويباع الثلثان، وينفق منه على الورثة.(97/11)
وتجد بعض الورثة يأتون بهذه الكتب كتاباً كتاباً، كل ما احتاجوا إلى شيء باعوا كتاب، فيباع بأبخس الأثمان، فلا بد أن يجعل عندهم خبر أن هذه الكتب قيمتها مرتفعة، ومن يتردد على المكتبات يجد شيء من هذا، ومع الأسف وجد من ورثة العلماء من ورثتهم من رمى الكتب في الشارع بعد موت أبيه، رماها في الشارع؛ لأنه لا يقدرها قدرها، فذهبنا إلى ورثة قاضٍ من القضاة القدامى، وعنده مكتبة نفيسة لنشتريها منهم، فلما وصلنا قالوا: والله انتقلنا من البيت القديم إلى البيت الجديد فأصر النساء على ألا تنتقل الكتب معنا؛ لأنها كتب قديمة تجتمع عليها الفئران والصراصير، فلا نريد أن تدخل بيتنا الجديد، ورموها في الشارع، ونقلوا أمتعتهم إلى البيت الجديد، فعلى كل حال هو مطالب بشيء ألا يوصي بها، أو أن لا يوقفها كاملة؛ لأنها تستغرق جميع المال، وكثير من أهل العلم ترى هذه حالهم، أموالهم كتبهم فقط، يعني ما عرف الثراء عند أهل العلم إلا في العصور المتأخرة عند بعض أهل العلم، فيدخل في هذا مثلما ذكرنا، العلة ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) الوصية بأكثر من الثلث لا تجوز ولا تنفذ إلا بإجازة الورثة، بحيث لو أوصى بجميع ماله والورثة أجازوا ذلك فالعلة المنصوصة تدل على الجواز ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم)) وقد يكون الورثة أغنياء، بل أغنى من المورّث، رجل عنده من الأولاد خمسة، وكل واحدٍ منهم يملك أكثر مما يملكه المورّث، وقالوا: تركة أبينا له كلها نتصدق بها عنه، أو أذنوا لها أن يوصي بها كلها، العلة المنصوصة ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء)) تدل على جواز مثل ذلك، لكن لو جادت أنفسهم وليس عندهم شيء؟ جادت أنفسهم بالتبرع بجميع مال أبيهم، وليس عندهم غيره يجوز وإلا ما يجوز؟ لماذا؟ هم جادت أنفسهم، قالوا: جميع ما تركه أبونا صدقة لله، أو في آخر حياته قالوا: تصدق بجميع مالك مسجد مثلاً ونحن اللي أغناك يغنينا؟ يعني كون العلة مربوطة بالورثة: إنك إن تذرهم أغنياء خير، وأفعل التفضيل هنا (خير) على بابها أو ليست على بابها؟ نعم؟ يعني هذه العلة ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) هل هذه العلة(97/12)
راجعة إلى جميع الجمل؟ أتصدق بثلثي مالي؟ قال: ((إنك إن تذر ورثتك)) أتصدق بشطر مالي؟ ((إنك إن تذر ورثتك)) أتصدق بثلث مالي؟ قال: ((نعم))، ((الثلث والثلث كثير)) ((إنك إن تذر ورثتك)) هذه العلة هل هي للجمل الثلاث أو للجملة الأخيرة فقط؟ للجملة الأخيرة فقط؛ لأن الجمل الثلاث، الجملة الأولى والثانية جوابهما: لا، الجملة الأخيرة قال: ((الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير)) هنا أفعل تفضيل، خير، فخير هذه أفعل تفضيل هل هي على بابها؟ بمعنى أن الخير موجود في الورثة سواء كانوا أغنياء أو فقراء؟ لكن كونهم أغنياء أفضل من كونهم فقراء؟ أو أن نقول: الفقر لا خير فيه فتكون أفعل التفضيل هنا ليست على بابها؟ يعني الخير يقابل الشر، إذاً كلاهما خير، يعني سواء كانوا فقراء أو أغنياء والفقر؟ لا، لا بد إما أن نقول: خير هذه على بابها ففي كل خير سواء كانوا فقراء أو أغنياء إلا أن كونهم أغنياء أفضل؟ أو نقول: خير هذه ليست على بابها، فالذي يقابل الخير هو الشر، فأغنياء خير وفقراء شر؟ يعني في قول الله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] هذه على بابها أو ليست على بابها؟ ليست على بابها؛ لأن أهل النار ليسو على خير بحال من الأحوال، ولا يشتركون بجزء ولو قليل ولو يسير من الخير، وهنا الورثة على خير ما داموا مسلمين فهم على خير، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، لكن كونهم أغنياء أفضل من كونهم فقراء، وإذا قلنا: إنهم وإن كانوا فقراء فهم على خير فإنه حينئذٍ يجوز لهم التصدق بمال أبيهم، ويجوز لأبيهم أن يتصدق بجميع ماله إذا أجازوا ذلك؛ لأنهم على خير سواء كانوا فقراء أو أغنياء إلا أن كونهم أغنياء أفضل، وإذا قلنا: أفعل التفضيل يقابل الخير الشر قلنا: لا يجوز لهم أن يتصدقوا ببقية المال، مما زاد على الثلث ليس له ذلك ولو أجازوا، والمسألة خلافية بين أهل العلم، لكن العلة المنصوص عليها في الخبر، وربط هذا الأمر بالورثة يدل على أن الأمر يعود إليه، فلو تصدق بما زاد على الثلث، وأجازوا ذلك فإن الأمر لا يعدوهم.
طالب:. . . . . . . . .
الوارث أو المورث؟(97/13)
طالب:. . . . . . . . .
المورث أوصى ولم يستأذنهم، لكنه في حال التنفيذ أجازوا، تنازلوا، على حسب ما يظهر من حاله، إن كان جاهلاً فهو معذور، وإن كان قصده حرمان الورثة فهو آثم بلا شك، ولا ينفذ هذا، ما ينفذ إلا الثلث.
يقول في الحديث الثالث -رحمه الله تعالى-:(97/14)
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها" يعني ذهبت نفسها فلتة، يعني بغتة "ولم توصِ" يعني ما أمهلت حتى توصي، لم تمهل حتى توصي "وأظنها لو تكلمت" يعني لو صار لها فرصة أن تتكلم قبل وفاتها "أظنها لو تكلمت تصدقت" يعني يعرف من حالها أنها كريمة تجود بالمال، وليست بخيلة تظن به وتشح به، أظنها يعني يغلب على ظنه ذلك "لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: ((نعم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم" هل هذا الحديث يدلنا على أنه يريد أن يتصدق عن أمه من مالها أو من ماله هو؟ هل يتصدق من مالها؟ يعني افترض أن هذا الشخص لو أخوة وأخوات، والأم افتلتت نفسها، فوجئت، بغتت بالموت، ويعرف من حالها أنها لو أمهلت تصدقت، هل يتصدق من أصل المال أو يتصدق من نصيبه؟ يعني لو كان الأمر من نصيبه يعني السياق، السياق يريد أن يتصدق عنها؛ لأن كلمة "لم توصِ وأظنها لو تكلمت تصدقت" يعني إذا كان من نصيبه هو فلا داعي لهذا الكلام، يقول: أمه ماتت ولم تتصدق أفأتصدق عنها؟ أينفع أن أتصدق عنها؟ قال: ((نعم)) لكن أظنها لو تكلمت تصدقت! يعني هل هذا الكلام مؤثر في الحكم أو غير مؤثر؟ بمعنى أنه ينفذ ما يغلب على الظن أن الميت يريده؟ يعني بعض العوام يعرف أن أباه أو أمه يحب نوع من الطعام، فتجده في بعض المناسبات يشتري هذا النوع ويتصدق به على الناس، ويجعل ثوابه لوالده أو والدته ممن يحب هذا الطعام، هذا لا شك تصور تصرف من هؤلاء العوام يعني كونه هو يحب هذا الطعام هل يعني أن غيره يحب هذا الطعام؟ هل المنظور إليه المتصدق عنه أو المتصدق عليه؟ المتصدق عليه ينظر الأنفع له؛ لأن هذا يعظم الأجر، افترض أن المتصدق عنه يحب طعام لا يحبه الناس هل يتصدق به عنه؟ لا، هنا يغلب على الظن أنها لو تكلمت تصدقت فهل يتصدق عنها من مالها من أصل المال بناءً على غلبة الظن؟ أو أن نقول: المال انتقل لا علاقة لها به؟! وحينئذٍ من أراد أن يتصدق يتصدق من نصيبه، والصدقة هنا واصلة، يصل ثوابها، من العبادات التي يصل ثوابها إلى الميت، وتقدم في الوقف: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)) وذكر العلماء(97/15)
الخصال التي يجري عملها بعد وفاة صاحبها، وأوصلوها إلى عشر.(97/16)
يكثر بين الناس أنه إذا مرض الوالد أو الوالدة أو القريب أو العزيز، ووصل إلى حدٍ لا يصح تصرفه فيه، إغماء، في العناية، والصدقة تدفع ميتة السوء و ((داووا مرضاكم بالصدقة)) فيأتي الأولاد أو بعض الأولاد يجتهد ويتصدق عن هذا المريض من ماله أعني المريض، يعني شخص له أولاد ومرض وارتفع عنه قلم التكليف بالغيبوبة، وأدخل العناية، والولد يعرف أن الصدقة لها أثر في الشفاء بإذن الله -جل وعلا- والدواء، فيقول: نريد أن نشتري مائة كيس من الرز مثلاً ونتصدق بها عن الوالد، هل يجوز أن يتصدق به من مال الوالد؟ من أصل المال أو من ماله هو؟ يعني لا يجوز أن يتصرف بشيءٍ من مال الوالد، إن أراد أن يتصدق بشيءٍ من ماله هو فلا أحد يمنعه وجزاه الله خيراً، ويتصدق عن والده ويصل الأجر -إن شاء الله تعالى-، وتترتب الآثار على ذلك إن لم يكن ثم مانع، المقصود أن هذا في قوله: إن أمي افتلتت نفسها ولم توصِ وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ يعني من مالي أو من مالها؟ احتمالان، وإن كان السياق يشم منه أنه يريد أن يتصدق عنها من مالها، يعني السياق يشمّ منه أنه يريد الصدقة عنها من مالها؛ لأن قوله: "أظنها لو تكلمت" فبناءً على غلبة الظن أنه ينفذ ما تريد، لكن القواعد الشرعية والنصوص تدل على أنه لا يتصرف أحد بمال غيره، وهذا الذي يرجح الاحتمال الثاني أنه يتصدق عنها من ماله هو، وهنا يتعارض الأصل مع الظاهر، وفي مثل هذه المسألة إذا تعارض الأصل مع الظاهر، الظاهر أنه يريد أن يتصدق عنها من مالها، بناءً على غلبة ظنه أنها تريد الصدقة، هذا الظاهر، هذا ظاهر اللفظ، والأصل أنه ليس لأحدٍ أن يتصرف في مال غيره، وهنا تعارض الأصل والظاهر، فيقدم هنا الأصل لضعف هذا الظاهر، يعني ليس من الظهور بحيث يقدم على الأصل؛ لأن من الظواهر ما يكون ظهوره أقوى من الأصل، ومن الظواهر ما يكون ظهوره أضعف من الأصل، وذكرنا مثال سابق قلنا: لو أن واحد من الإخوان من طلاب العلم دخل مكتبة زميله من طلاب العلم فوجد أعجبه كتاب فسحبه من الدرج فإذا به مكتوب عليه ملك فلان بن فلان بن فلان، والتاريخ والتوقيع نفسه أو غيره مثلاً، شخص ثالث من زملائه، فالأصل أن هذا الكتاب لمن(97/17)
كتب عليه الاسم، والظاهر أنه لصاحب المكتبة، فهل يقدم صاحب الاسم؟ نقول: خذ كتابك وانتهى الإشكال؟ أو نقول: ما دام موجود بحوزة فلان وفي مكتبته والذي يظهر أنه له؟ أحياناً نقدم الأصل وأحياناً نقدم الظاهر، تحتاج المسألة إلى مرجّح، كيف المرجح؟ المرجح إن كان الأصل الذي عليه الاسم اسم هذا الشخص إن كان هذا الشخص الذي اسمه مكتوب على الكتاب جرت عادته أنه يبيع، يشتري كتاب ويكتب عليه اسم ويتصفحه ويقرأه يوم يومين شهر ثم يبيعه، إذا جرت عادته بذلك قدمنا الظاهر على الأصل، وإن كان عرف من عادته أنه لا يبيع أبداً، وعرف من عادته أنه يعير، قدمنا الأصل على الظاهر، وهنا الظاهر عندنا فيه ضعف بالنسبة للأصل، وحينئذٍ يقدم الأصل فلا يتصدق أحد عن أحد إلا من ماله هو الذي يملكه، وذكرنا أن مما يقع للناس أن الأب يكون غنياً ويدخل العناية في غيبوبة والصدقة لها أثرها في مثل هذه الحالة فيتصرف بعض الورثة، ويشتري سيارة تريلا أو ثنيتن أو ثلاث من الأطعمة ويتصدق بها، نقول: لا تصدق من مالك، لا من ماله هو، أنت لا تملك شيء من ماله.
يقول -رحمه الله-: "وعن أبي أمامة الباهلي" واسمه صدي بن عجلان، نعم، هنا، نقول: بيّن أن الإنسان لا يجوز له أن يتصرف بمال غيره إلا بطيبة نفسٍ منه، يعني ظاهر السياق، لكن الأصول العامة تدل على غير هذا الظاهر، وقدمنا الأصل على الظاهر لضعف الظاهر بالنسبة لهذا الأصل، هذه المسائل الخفيفة تحتاج إلى معرفة ما يعين على فهم هذه النصوص، كثير من طلاب العلم تجد ليست له عناية بالعربية ولا بعلوم الآلة لا بأصول الفقه، ولا بقواعد التفسير، ولا بعلوم الحديث، ولا يستطيع أن يتعامل مع النصوص إلا بواسطتها، فإما أن يقتصر على النصوص فيكون ظاهرياً؛ لأنه ليس عنده ما يعين على فهم هذه النصوص، أو يعرف ما وراء هذه النصوص بالقواعد والضوابط التي يذكرها أهل العلم، فتنحل عنده الإشكالات؛ لأن عندنا ظاهر صحيح ظاهر لكنه ضعيف بالنسبة للأصل، وإذا تعارض الأصل مع الظاهر عند أهل العلم لهم طرق في تقديم أحدهما على الآخر.
في الحديث الذي يليه يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(97/18)
"وعن أبي أمامة الباهلي" واسمه صدي بن عجلان -رضي الله تعالى عنه- "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث)) رواه الإمام أحمد والأربعة إلا النسائي، وحسنه أحمد والترمذي، وقواه ابن خزيمة وابن الجارود، ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس" سنده بمفرده، وإن كان له شواهد يرتقي بها إلى الصحيح، فالحديث صحيح على كل حال، لكن أقوى من إسناده تلقيه بالقبول، وأهل العلم يقررون أن تلقي العلماء بالقبول للخبر أقوى من مجرد كثرة الطرق، فصححوا هذا الحديث، وعملوا به، والإجماع -إجماع من يعتد به- على أنه لا وصية لوارث، ويكون هذا الحديث في مقابل قول الله -جل وعلا-: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] لمن؟ {لِلْوَالِدَيْنِ} وهما من الورثة، هذا الحديث مع الآية، الآية تثبت الوصية للوارث، والحديث يقول: ((لا وصية لوارث)) فالحديث تلقاه العلماء بالقبول، وإن كان لم يخرج في الصحيحين، ولا في واحدٍ منهما، وله شواهد عن عمرو بن خارجة وعن أنس -رضي الله تعالى عنه-، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وعن جابر وغيرهم، له شواهد، فماذا نقول في تعارض الخبر مع الآية؟ هل نقول: إن الحديث ناسخ للآية؟ وهل يسوغ نسخ الآية بمثل هذا الحديث؟ أما من لا يرى نسخ الكتاب بالسنة فيقول: إن الحديث لا يقوى، وإن تلقّاه العلماء بالقبول النسخ القطعي، الذي هو الآية، بنسخ الآية؛ لأن السنة لا تنسخ القرآن، ومن يقول: بأن السنة تنسخ القرآن لا إشكال عنده، لكن الذي يقول: بأن السنة لا تنسخ القرآن قالوا: إن الذي نسخ الآية آيات المواريث، ويشير إلى ذلك قوله في الحديث: ((إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه)) فالوالدان في آية الوصية قد أعطي حقهما من الميراث، فلا وصية لهما كغيرهما من الورثة ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)) يعني هل نقول: إن هذا بيان أو نسخ؟ بيان للناسخ وهو الآيات آيات المواريث، أو نقول: إنه نسخ؟ يعني نظير ما قيل في حديث عبادة: ((خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة(97/19)
والرجم)) هل نقول: إن هذا بيان لقول الله -جل وعلا-: {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [(15) سورة النساء] قد جعل الله لهن سبيلاً، أو نقول: إن الحديث ناسخ للآية؟ الذي يرى نسخ الآية بالحديث هذا ما عنده إشكال في هذا وفي هذا، يقول: الآية نسخت بالحديث وكلها شرع، والحديث وحي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، والذي لا يقول بنسخ الكتاب بالسنة يقول: بيان، وهنا بيان للناسخ والناسخ آيات المواريث، والناسخ في حديث عبادة {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [(2) سورة النور] بدلاً من الحبس، فالناسخ القرآن، والحديث مبين للناسخ، وعلى كل حال المسألة معروفة عند أهل العلم، والآية متروكة العمل سواء قلنا: بالبيان أو بالنسخ، يعني سواء قلنا: بالبيان في هذا الحديث أو بالنسخ، فلا وصية لوارث، عرفنا المأخذ والمدرك يا إخوان؟ لأن بعض الناس قد يشوش يقول: هذا حديث وآية الوصية آية، والحديث لا ينسخ عند الجمهور .. ، الحديث لا ينسخ القرآن، فنقول: الحديث ليس بناسخ، وإنما الحديث مبين، مبين للنسخ بحيث أنه أحال على الناسخ ((أن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) في آيات المواريث ((فلا وصية لوارث)) وحينئذٍ يكون من باب البيان.(97/20)
"رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وحسنه أحمد والترمذي، وقواه ابن خزيمة وابن الجارود، ورواه الد ارقطني من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-، وزاد في آخره: ((إلا أن يشاء الورثة)) وإسناده حسن" إلا أن يشاء الورثة: هذا الاستثناء قد تعقّب قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا وصية لوارث)) إلا أن يشاء الورثة فهل لنا أن نقول: لا وصية بأكثر من الثلث إلا أن يشاء الورثة؟ فنجعل هذا الاستثناء متعقب لما تقدم لأن الأمر لا يعدوهم؟ كونه يتعقّب لا وصية لوارث، يعني عنده من الأولاد خمسة فأوصى لواحدٍ منهم بشيء يخصه به من ماله زيادة على إرثه وأجاز إخوته ذلك، يملكون وإلا ما يملكون؟ إلا أن يشاء الورثة هذا الاستثناء يتعقب هذه الجملة بلا إشكال، لكن هل يصلح أن نركب هذه الجملة بالحديث السابق؟ الثلث والثلث كثير إلا أن يشاء الورثة، لماذا؟ هي جاءت هنا في هذا السياق، في هذا الحديث إلا أن يشاء الورثة، فكونها -كون الاستثناء- هنا يرجع إلى ((لا وصية لوارث)) هذا ما فيه إشكال، فإذا شاء الورثة أن يوصى لوارث أوصي له، أما كونه يرجع إلى الزيادة على الثلث فليس مأخذه من هذا الاستثناء، وإنما مأخذه من العلة ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء)) فالأمر إلى الورثة، والمسألة لا تسلم من خلاف على ما سبقت الإشارة إليه، الوصية للوارث بالتنصيص يعني يذكر في وصيته أن لولده فلان لابنه فلان أو لبنته فلانة المحل الفلاني أو الدكان الفلاني، أو المزرعة الفلانية، أو المبلغ المذكور من المال أو غلة كذا ليس له ذلك، بالتنصيص عليه باسمه، لكن لو نص عليه بوصفه، قال: هذه المزرعة وصية وتلزم بموته، وغلتها في السنة مائة ألف، وقال: يصرف من غلتها على طلاب حلقات التحفيظ، وعلى طلاب العلم، وواحد من أولاده من طلاب العلم، وآخر في حلقات التحفيظ، وعشرة لا يتصفون بهذا الوصف، يستحقان وإلا ما يستحقان؟ نقول: هما ورثة ما يستحقون وإلا بالوصف يستحقون؟ يعني لا شك أن المنع في هذا الحديث لئلا يؤثر بعض الأولاد دون بعض، كما منع من العطية لبعضهم دون بعض حال حياته، فيتهم بأنه يقدم بعضهم على بعض، لكن بالوصف؟ وإذا كان القصد من كلامه في وصيته الحث على حفظ القرآن، وطلب العلم فأولى(97/21)
من يحث على ذلك الورثة، فدخولهم بالوصف لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه لا يتهم، إلا إذا فهم من قصده التخصيص بالوصف، التنفيل والزيادة لبعض الورثة دون بعض، بأن يكون الوصف لا أثر له في تحقيق الهدف الشرعي من الوصية والوقف، لا أثر له في تحقيق الهدف الشرعي من الوصية، يعني كونه يصرف على طلاب العلم، يصرف على .. ، هذا لا شك أنه يحقق الهدف الشرعي من الوصية والوقف، لكن إذا وصف بوصفٍ لا يحقق الهدف الشرعي، إذا وصفه بوصفٍ قهري جبلي، قال: للطويل منهم، أو للأعرج، وهو يعرف أن في ولده من هو أعرج، ولا يقصد بذلك أن هذه العلة تعوقه عن تحصيل ما يستفيد منه، المقصود أنه إذا عُرف من تنصيصه على وصفٍ لا يحقق الهدف الشرعي إنما يحقق شيئاً في نفسه يريد به زيادة بعض الورثة على بعض فإن هذا لا ينفذ، أما إذا نص على وصف يحقق الهدف الشرعي من الوقف والوصية فإنه حينئذٍ لا مانع من دخوله فيه -إن شاء الله تعالى-، ولا يدخل في المحظور.(97/22)
هذا الحديث جزم الإمام الشافعي في الأم بأنه متواتر، ولا يلفظه بهذا اللفظ، لا يقول: متواتر، وإنما يقول: إنه نقله الكافة عن الكافة، وهذا هو المتواتر، وإن نفى ونازع الرازي في كونه متواتراً، الرازي ينازع في تواتره، في تواتر هذا الحديث، والشافعي يثبت، ومعروف أن الرازي شافعي المذهب، لكن هل لمثل الرازي أن يثبت التواتر وعدم المتواتر لا سيما في الحديث، وهو ليست له أدنى عناية في الحديث؟ أو نقول: إن التواتر مبحث أصولي، وليس بمبحثٍ حديثي فيكون له مدخل في الباب؟ يعني التواتر ليس من مباحث علوم الحديث كما يقرر أهل العلم إنما من مباحث الأصوليين، ولذا ظهر في الآونة الأخيرة من ينازع في وجود المتواتر والآحاد، وينفي ذلك، ويغلظ القول على من يقول بذلك، ويقول: إنه ليس من مباحث أهل الحديث؛ هو ليس من مباحث أهل الحديث؛ لأنه لا يحتاج إلى دراسة، إذا ثبت أنه متواتر ما يحتاج أن تعرض رواة هذا الحديث بجميع طرقه على كتب الرجال، خلاص، متواتر يعني أنت ملزم بتصديقه، مفيد للعلم بلا تردد، فليس من مباحث هذا العلم -علم الحديث- من هذه الحيثية، بمعنى أنه لا يبحث عن رجاله، هو من مباحث الأصوليين، معروف مباحث الأصوليين، لكن هل للرازي أن يدخل في مثل هذا التواتر فينفيه وليس له علاقة بالحديث؟ نقول: هذه المسألة تثار في هذه الأيام، وأنه كيف تذكر أقوال الرازي في علوم الحديث؟ تذكر أقوال الغزالي في علوم الحديث؟ تذكر أقوال الآمدي في علوم الحديث؟ وهؤلاء من المتكلمين لا علاقة لهم بالسنة، يعني الغزالي بضاعته كما يقول عن نفسه في الحديث مزجاة، ضعيفة جداً؛ ولذا في كتبه الموضوعات، الأحاديث الموضوعة، فهل لمثل هذا أن يدخل نفسه في هذه الموضوعات أو ليس له ذلك؟ الرازي ذكر في تفسير سورة العصر حديثاً أن امرأةً في سوق المدينة تبحث أين رسول الله؟ فدل عليه فقالت له: إنها شربت الخمر، وزنت، وولدت من الزنا، فقتلت الولد، وفعلت وفعلت؟ قال: أما القتل فجزاؤه جهنم كما في آية النساء، وأما الشرب فحده ثمانون جلدة، وأما الزنا فلعلك لم تصلِ صلاة العصر؟ هذا الكلام نقله الرازي في تفسيره مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم نقله عنه الألوسي، وهذا(97/23)
الذي يهمّنا، نقله عنه الألوسي قال: تفرد بذكره الإمام، كانوا يلقبون الرازي بالإمام، تفرد بذكره الإمام، ولعمري أنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث هذا مدح وإلا ذم؟ ذم بلا شك، فمثل هذا هل يعارض قول الشافعي بقوله؟ الشافعي يقول: نقله الكافة عن الكافة، يعني متواتر، وينازع الرازي في تواتره؟ أما نقل أقوالهم في كتب علوم الحديث أنا ليس فيها عندي أدنى إشكال؛ لأن علوم الحديث منها ما يستند إلى الرواية، ومنها ما يعتمد على الدراية والفهم والاستنباط، هم لهم مدخل في مسألة الفهم، وبعض طلاب العلم ينازع ويشارك في علوم الحديث، أقول: إذا نازعت في دخول مثل هؤلاء أنت هل أنت تدخل في الرواية أو في الدراية؟ يعني مثل هذا المنازع يعني مثلنا لو نازعنا إحنا لا عندنا حفظ يوازي ما عند أئمة الحديث الذين هم أهل الشأن، عندنا شيء من الفهم نستطيع أن نفهم به كلام أهل العلم مثلما يفهم الرازي والغزالي وفلان وفلان، فمدخلهم في هذا الباب من باب الدراية والفهم، ولا شك أن من مباحث علوم الحديث مما يدرك بالرأي، مباحث علوم الحديث، ومنها ما يعتمد على النقل والرواية، وهذا لا ندخل فيه لا نحن ولا رازي ولا غزالي ولا طلاب العلم المتعلمين الآن الذين يشنون الحملات ما لهم مدخل؛ لأنهم ليسوا بحفاظ، وليسوا من أهل النقل، فالأمور -ولله الحمد- ماشية ما فيها إشكال، ويظنون أن على علوم الحديث خطر من ذكر أسماء هؤلاء، أبداً ليس فيها خطر، الرواية معولها على أهلها، والفهم والاستنباط أيضاً كل له أن يدلي برأيه، ويعرض على النقل، وعلى كل حال منازعة الرازي في هذا وإن كان خبير ودقيق في تطبيق شروط التواتر عنده خبرة ودقة، لكن هل يعني أن قوله ينفى به قول الإمام الشافعي؟ أبداً، ولا شك أن الحديث قد تلقي بالقبول فهو صحيح لا إشكال في ثبوته، وأما الاستثناء ((إلا أن يشاء الورثة)) في حديث ابن عباس فسنده أقل من السند الأول، ولم يتلق بالقبول كتلقيه فهو حسن.(97/24)
من التحايل على الوصية للوارث، من التحايل عليه، الوصية للوارث ممنوعة، لكن من التحايل على ذلك أن يقر لوارثه، أولاده عشرة ولما قرب موته قال: ولدي فلان عندي له مبلغ كذا، فإن كان عرف من تصرفاته في حال حياته أنه يحبه أكثر من غيره، ويؤثره أكثر من غيره فلا تنفذ هذه الوصية؛ لأنه متهم، وأما إذا عرف أنه هو وإخوانه على حدٍ سواء فإقراره على نفسه معتبر، ما لم تدل القرائن على خلاف ذلك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(97/25)
شرح: بلوغ المرام - كتاب البيوع (25)
باب: الوديعة
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادةً في حسناتكم)) يقول: رواه الدارقطني، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، رواه الدارقطني يعني من حديث معاذ بن جبل، وأخرجه أحمد والبزار من حديث أبي الدرداء، فهو شاهد لحديث معاذ وابن ماجه، يعني ورواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة شاهد ثاني لحديث معاذ، يقول الحافظ: وكلها ضعيفة، لكن قد يقوي بعضها بعضاً، والله أعلم.
هذه الأحاديث الثلاثة أو حديث معاذ وشاهديه لا شك أنها بالنظر إلى مفرداتها، لا تخلو من ضعف، لكنها باعتبار المجموع، فمن يحسن بالطرق، وهو المعروف عند أهل العلم إلا من ندر، يحكمون على هذا النوع من الحديث الذي مفرداته ضعيفة وبمجموعها تتقوى، يقولون: هو الحديث الحسن لغيره.
يقول الحافظ: "وكلها ضعيفة، ولكن قد يقوي بعضها بعضاً" لأن قد هذه للتقليل وليست للتحقيق؛ لأنها دخلت على المضارع، فالأصل فيها إذا دخلت على المضارع صارت للتقليل، فهل هذه قاعدة مطردة؟ يعني الأحاديث الضعيفة إذا كانت الأحاديث كلها بمفرداتها ضعيفة قد يتقوى بعضها ببعض؟ أو يتقوى بعضها ببعض؟ أما إذا كان الضعف ليس بشديد، وتعددت الطرق يتقوى بعضها ببعض، لكن إذا كان الضعف شديداً فإنها لا تتقوى وقد تتقوى، كما قرر ذلك بعض العلماء كالسيوطي ونحوه؛ لأنه لما ذكر شديد الضعف ومجيئه من طرق متعددة قال:
. . . . . . . . . ... وربما يكون كالذي بُدِيْ
يعني أنه يكون كالحسن لغيره، المجتمع من أحاديث ضعيفة ضعفها ليس بشديد.(98/1)
وهنا الضعف قابل للتقوية، فالحديث هنا حسن لغيره؛ لأنه له شواهد وله طرق يقوي بعضها بعضاً، أما قول الحافظ يفيد أنه يشك في وصوله إلى مرتبة الحسن لغيره؛ لأنه قال: قد يقوي بعضها بعضاً، والعادة أنه يحكم بمثل هذا، ويجزم به، لكن إذا كان الضعف غير شديد، أما إذا كان الضعف شديداً فإن الأكثر من أهل العلم أن وجود الطرق لمثله في الضعف في شدة الضعف فإنه لا يستفيد منها، وتبقى ضعيفة.
على كل حال الحديث هذا المتجه كونه حسناً لغيره ((إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم)) إن الله تصدق عليكم، الأصل في المال أنه لله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] وإنما المتصدق إنما هو سبب ووسيلة لوصول مال الله إلى هذا السائل أو هذا المعطى.
فأنت مجرد سبب ووسيط في هذا المال، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسمٌ والله المعطي)) فهذا الغني الذي بيده الأموال هي مال الله، وليست من ماله، وتصدق الله على هذا الذي بيده المال بثلث ماله عند وفاته يوصي به، يوصي به زيادة في حسناته، مما ينفق من هذا المال من وجوه البر، أما الوصية والوقف الذي لا يتحقق منه الهدف الشرعي فإنه لا يكون فيه زيادة في الحسنات، بل قد يكون وبالاً على صاحبه، فبعض الناس يوقف، وتكون غلة الوقف على جهةٍ لا يتحقق فيها الهدف الشرعي، إما جهة مباحة، أو تزاول بعض المنكرات، كثيرٌ من الأثرياء يوقفون الأموال الطائلة، ومع ذلك لا يجنون من ورائها حسنات كما في هذا الحديث، بل يجنون من ورائها الآثام، نسأل الله السلامة والعافية.(98/2)
فمن وقف سوقاً تجارياً، وجعل غلته في مصارف الخير، وهذا السوق يباع فيه ما حرم الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنا وجدنا من هذا النوع شيء كثير؛ لأنه لما يكون المال كثيراً تكون الإحاطة به ومراقبته عسيرة، وإذا أراد الإنسان كما يقولون ويبررون ويعللون أن تكون التجارات صافية خالية مائة بالمائة فمعناه ينزوي في بيته ولا يعمل شيء، وهذا تيئيس من الأعمال المباحة، نعم وقف غلته ثلاثون مليون ريال في السنة وقف، هذه الثلاثون المليون تصرف في وجوه البر، لكن هي مجموعة من أسواق تجارية يباع فيها ما يباح وما يحرم، مثل هذا لا يحقق الهدف الشرعي، أو يكون وقف يبنى –يشيد- والعمال يشتغلون وقت الصلاة، الناس يصلون والعمال يشتغلون، هذا تناقض هذا، يعني هذا وقف يراد منه الثواب من الله -جل وعلا-، زيادة في الحسنات كما في الحديث، ومع ذلك تترك الصلاة، وتؤخر الصلاة من أجله.(98/3)
فشيخ الإسلام -رحمة الله عليه- يقول: إذا كان الوقف لا يحقق الهدف الشرعي فإنه لا يصح أن يسمى وقف، فضلاً عن كونه يضاد ويناقض ويعارض الهدف الشرعي من الوقف، هناك أوقاف ووصايا تكون سبباً لقطيعة الرحم فهل من المصلحة أن تستمر مع استمرار هذا الوصف؟ أو من المصلحة أن تباع ويقطع دابرها، ويلتئم الناس حولها، وتقسم وتوزع وينتهي إشكالاتها، بعض القضاة يستروح لمثل هذا، لا سيما إذا عجز عن الإصلاح بين هؤلاء الورثة، فلا شك أن نية الواقف الخير -إن شاء الله تعالى-، لكن ما يدري ما وراء هذا الخير؟ فمن وقف وقفاً داراً أو عمارة تؤجر عليه أن يتحرى في المستأجرين، وأن لا يمكنهم من أن يزاولوا ما حرم الله -جل وعلا- في هذه الدار التي يرجو ثوابها، وثواب غلتها، أو الأسواق أو الدكاكين أو غير ذلك مما ينتفع به، لا بد أن تكون المنفعة مباحة؛ لأنه في الحديث يقول: ((زيادةً في حسناتكم)) فالهدف الشرعي من الوقف والوصية التقرب إلى الله -جل وعلا-، وبهذا يستدل من يبطل الوقف الذري على الذرية، يوقف بيته على أولاده، ما الذي يحققه الوقف من الهدف؟ يحققه ألا يبيع الأولاد البيت، يضمن لهم بقاء البيت، أما كونه يأثم أو يؤجر هذا ليس قصداً له، لا يريد بذلك الثواب من الله -جل وعلا-، وإنما يريد أن يبقى أولاده في هذا البيت، لا يخرجون ولا يُخرجون، فمنهم من يصحح مثل هذا الوقف، ومنهم من يقول: هذا ليس بوقف، ولا يثبت الوقف بمثل هذا القصد.(98/4)
في الوقف هناك وفي الفرائض ذكرنا أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: أولها: مؤونة التجهيز، تغسيل الميت وتكفينه، وحمله ودفنه إذا كانت هذه تحتاج إلى أموال فإنها تكون من أصل التركة قبل كل شيء، يلي ذلك الديون المتعلقة بالتركة، الديون على الميت المتعلقة بالتركة، كالدين الذي فيه رهن، يلي ذلك الديون التي لا تتعلق بعين التركة، وإنما تتعلق بذمة الميت، سواءً كانت الديون للخلق أو للخالق، الرابع من الحقوق: الوصايا، الخامس: الإرث، فالحقوق ترتيبها هكذا: مؤونة التركة، مؤونة التجهيز، الحقوق المتعلقة بعين التركة، الديون التي لا تتعلق بعين التركة، ثم الوصايا رقم أربعة، فتقدم الديون على الوصايا، وهذا لا شك أنه هو الجاري على قواعد الشريعة؛ لأن الديون بالنسبة للوصايا نفل، فهي دون الديون في المرتبة والاهتمام، وفي قول الله -جل وعلا-: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [(11) سورة النساء] هنا في الآية تقدمت الوصية على الدين فهل لهذا التقديم حظ في الأولوية؟ إذا قلنا: نبدأ بما بدأ الله به فنقدم الوصية على الدين، أو نقرر ما قرره أهل العلم من تقديم الدين على الوصية؛ لأنه أهم وأحق في التنفيذ، وأبرئ للذمة، يعني لا بد أن تكون الذمة قد برئت من عهدة الواجب لتلتفت إلى المستحب، هل نقول في مثل هذا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رقي على الصفا قال: ((أبدأ بما بدأ الله به)) وفي رواية: ((ابدؤوا بما بدأ الله به)) وذكره أهل العلم في الوضوء، ذكروه دليلاً على الترتيب، فهل نقول: نرتب هنا كما رتبنا هناك؟ أو نقول: نقدم الدين على الوصية ولو تقدمت الوصية على الدين في هذا الباب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يقدم الدين على الوصية، وأما البداءة هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تقديم الصفا على المروة ما هو بسبب أن الله -جل وعلا- قدمه في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [(158) سورة البقرة] وتقديم غسل الوجه على اليدين؛ لأن الله قدم غسل الوجه على اليدين؟ لماذا لا نقدم الوصية على الدين هنا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقدم على هذا الوصية نبدأ بما بدء الله تعالى به، وإلا نقدم الدين على الوصية؟(98/5)
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، المسألة مفترضة في دين واجب في ذمة زيد من الناس فيريد أن يوصي، أما إذا كانت واجبة فهي دين، ما صارت وصية، المعتبر فيها الدين، نعم نصوص الشريعة تدل على أهمية الدين والبراءة من عهدته، وأن أمره شديد وعظيم، ونفس الميت مرتهنة بدينه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- رفض أن يصلي على المدين حتى ضمن ذلك عليه، والشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، فإبراء الذمة شيء في غاية الأهمية في الشرع، والوصية نفل، ولا شك أنه ما تقرب أحد إلى الله بمثل ما افترض عليه، فإعفاء الدين فرض واجب فيقدم، إذاً كيف قدمت الوصية في الآية مع أن الدين أهم؟ ليس هذا في موضع فقط في مواضع {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [(11) سورة النساء] {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ} [(12) سورة النساء] كلها على هذه الوتيرة.
طالب:. . . . . . . . .
أو دين؟ لكن تقديمها في اللفظ حتى إن الصفا والمروة بمطلق الجمع في الواو ما هي للترتيب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا قد تكون للتخير وقد تكون للتقسيم والتنويع، يعني لها معاني.
طالب:. . . . . . . . .
نعم الدين له من يطالب به، والوصية ليس لها من يطالب بها؛ لأن الوصية قبل ثبوتها ليس لها من يطالب بها، يعني شخص عنده الأموال ومدين ببعضها ويريد أن يوصي هل في أحد يلزمه بأن يوصي؟ لكن في من يلزمه بسداد الدين؛ فلكون الوصية بصدد أن تنسى لعدم المطالب بها قدمت على الدين؛ لأن له من يطالب به، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:
باب: الوديعة
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أودع وديعة فليس عليه ضمان)) أخرجه ابن ماجه، وإسناده ضعيف، وباب قسم الصدقات تقدم في آخر قسم الزكاة، وباب قسم الفيء والغنيمة يأتي عقب الجهاد -إن شاء الله تعالى-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوديعة(98/6)
الوديعة: فعيلة بمعنى مفعولة، أي مودعة، وهي العين التي توضع عند من تظن فيه الأمانة لحفظها، وجاء الأمر برد الأمانات إلى أهلها {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] سواء كانت هذه الوديعة مال أو عين ينتفع بها، أو ينتفع بها مادياً أو معنوياً، فلا بد من ردها، وقد تلا النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] حينما رد مفتاح الكعبة على بني شيبة، فالأمانة لا بد من ردها وعدم ردها خيانة، وجاء في خصال النفاق خيانة الأمانة ((وإذا اؤتمن خان)) وقبول الأمانة وحفظها والمحافظة عليها من التعاون على البر والتقوى، ومما ينبغي أن يسود بين المسلمين دون مقابل، فالله -جل وعلا- في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى مكان، وخشي على شيء من ماله، ووضعه عند من يتوسم فيه الأمانة، لكن هل يلزم قبوله أو لا يلزم؟ لا يلزم إلا إذا تعين عليه بحيث لا يوجد غيره، وإن أخذه صاحبه وسافر به معه تعرض للخطر هو وإياه، فإنه حينئذٍ يلزمه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(98/7)
"عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله تعالى عنهم-" تقدم الكلام في هذه السلسلة مراراً، وأن العلماء اختلفوا في حكم المروي بها، فمنهم المصحح، ومنهم المضعف، ومنهم من توسط، وقال: إذا صح السند إلى عمرو فلا أقل من أن يقال: بحسن الخبر، وسبب الخلاف ومنشأه الخلاف فيما يعود إليه الضمير في قوله: "عن جده" هل يعود إلى عمرو فيكون جد عمرو محمد وعلى هذا يكون الخبر مرسلاً؟ أو يعود إلى شعيب فيكون الجد عبد الله بن عمرو بن العاص؟ والخلاف في رواية شعيب بن عبد الله بن عمرو في سماعه منه معروف، وإن صرح بالسماع في بعض المواضع، وعين مرجع الضمير في روايات عند أحمد والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، وعلى كل حال التوسط في مثل هذه السلسلة هو الأقوى والأظهر أنه يكون حسن؛ لكن يشترطون أن يصح الخبر، يصح السند إلى عمرو، وهنا فيه ضعف قبل عمرو بن شعيب، فيه المثنى بن الصباح وهو متروك، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف، وله طرق وآثار تدل عليه، وقد عمل به الصحابة، فهو مروي عن أبي بكر وعلي وابن مسعود وجابر، فكلهم روي عنهم أن الوديعة أمانة، والمودع مؤتمن، والمؤتمن ليس عليه ضمان إلا إذا فرط، المؤتمن ليس عليه ضمان إلا إذا فرط، فإذا فرط فإنه يضمن، إذا تعدى أو فرط فإنه يضمن، والإجماع واقع على أن الوديع ليس عليه ضمان، يعني المؤتمن ليس عليه ضمان إلا عند التفريط، إذا فرط فلا إشكال في كونه يضمن، وعلى هذا ما يودع من الأموال عند من يحفظها من أفراد أو مؤسسات أو بنوك تأتي بمبلغ من المال تودعه عند هذه الجهة، إذا أودعت عند البنك مبلغ من المال يضمن وإلا يضمن؟ نعم؟ يضمن؟
طالب:. . . . . . . . .(98/8)
إيش لون فرط؟ إيش لون يفرط، وهو عنده حصون وأغلاق وحرس؟ هل الأموال التي توضع في البنوك ويسمونها ودائع أو أمانات هل هي بالفعل أمانات أو قروض؟ إذا كنت قد جئت بالمال ووضعته في كيس فأخذه منك الوديع أو المؤتمن من بنك أو غيره فوضعه في كيسه، وكتب عليه اسمك، ولا يعرف كم عدده، ما فتح الكيس وعده وقال كذا ورماه مع أمواله، فإذا وضعه كما هو ولم يتصرف فيه فهو أمانة، لو تلف ما يضمن، لكن إذا كان أخذه منك وعده وقال: المبلغ كذا، وسجله ووضعه ورماه في صندوقه، يشتغل به، ويتاجر به، يرابح به، ويستعمله لخاصته مثل هذا يضمن؛ لأن هذه ليست سبيل الأمانة ولا طريقها، الأمانة لا يتصرف فيها، فإذا تصرف فيها واستفاد منها فإنه حينئذٍ يضمن؛ لأن الغنم مع الغرم، أما إذا وضعها كما هي في مكان آمن لا يخشى عليها من أحد فإنه حينئذٍ أمين، ولا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، فهل البنوك تأخذ الأموال على أساس أنها أمانات؟ هم يسمونها ودائع، لكن هل هي بالفعل وديعة وأمانة بحيث لا تضمن؟ أو هم يتصرفون فيها؟ يتصرفون إذاً يضمنون، يتصرفون فيها بنية الضمان، لكن لو جاء شخص بمال وقال: هذه عشرة آلاف أنا لست بحاجة لها، وإن تركتها عندي صرفتها في غير لازم، فلعلك تحفظها، ويقول: أنا أحفظها أمانة عندي، لكن أريد أن استعملها، قد أحتاج منها للنفقة فينفق منها، ويرد ما أنفقه، ينفق منها خلال الشهر فإذا استلم الراتب رد ما أنفقه، وكملت الأمانة ثم بعد ذلك جاء لص فسرقها، هل نقول: إن هذا تصرف؟ هذا متصرف أو غير متصرف؟ يعني قبل رد ما أخذه يضمن بلا شك، اقترض منها خمسة آلاف لينفق منها خلال الشهر فلما استلم راتبه رجع الخمسة آلاف، فلما رجعها ووضعها بالمكان الأمين سرقت، هل نقول: إن هذا متصرف أو غير متصرف؟ نقول: هل هذا التصرف مؤثر في الأمانة أو غير مؤثر؟ أما قبل إعادة المبلغ لا شك أنه يضمن، لو أخذ المبلغ هذا واشترى به سلعة، ثم بعد ذلك خسرت السلعة يضمن بلا شك، أو أنفق منه ما أنفق يضمن، لكنه أنفق منه وقد استأذن صاحبه أن ينفق منه، ويعيد إليه ما أنفقه في نهاية الشهر، بعد إعادته وربطه وكتابة اسمه عليه، وضعه في مكان آمن فسرق، فهل يضمن باعتباره تصرف أو لا يضمن(98/9)
باعتباره أنه أعاده كما كان وقد استأذن صاحبه؟ فالتصرف مأذون فيه، وهذا يحصل ممن يتولى الصدقات والنفقات في سبيل الله، بعض الناس يجمع إما للفقراء وإما لتفطير صائم مثلاً، أو لتحفيظ أو ما أشبه ذلك، أو لمشاريع لبناء مسجد، المسجد يحتاج إلى سنة عمارة، وعنده المبلغ ينفق منه ويصرف ويبيع ويشتري، ثم في النهاية يعيد، هل يجوز له أن يتصرف أو لا؟ وإذا استلم المبلغ ووضعه في مكان آمن لم يتعدَ فيه ولم يفرط لا يضمن لو تلف، لكن إذا كان ينفق منه ويتصرف ويبيع ويشتري ويتاجر ويضمن، لا بد أن يضمن مع هذا التصرف؛ لأن الخراج بالضمان، لكن هل يجوز له أن يستعمل هذه الأموال في مصالحه الخاصة مع غلبة الظن في إعادتها عند الحاجة إليها؟ يقول: المسجد يحتاج خمسمائة ألف مثلاً أو مليون، والمسجد يحتاج إلى سنة عمارة، ويقول: المليون جالس في البنك ليش يجلس؟ أنا أستفيد منه، ويغلب على ظنه أنه كلما طلب شيء للمسجد وفره، لا شك أن الأحوط والأبرء للذمة ألا يتصرف بشيء لا قليل ولا كثير، ولذا لا يجوز أن يخاطر بهذه الأموال؛ لأن بعض الناس في وقت الأسهم عنده أموال لتفطير صائم في رمضان مثلاً، ورمضان باقي عليه ستة أشهر عشرة أشهر مثلاً، يقول: لماذا لا ندخل هذه الأموال في المساهمات إذا جاء رمضان إلى أضعاف، ثم بعد ذلك حصل ما حصل، لا شك أن الضمان عليه، وأنه يغرم ما فات بسبب تصرفه، وعلى هذا الورع والأحوط بألا يتصرف بهذه الأموال بشيء، وإن تصرف فيها أو تلف شيء منها، أو فقد شيء منها لا بد من ضمانه، ولا بد من إحضاره في وقته، لا يتسبب في تأخيره، في النهاية قال المؤلف -رحمه الله-:(98/10)
"وباب قسم الصدقات في آخر الزكاة" يعني تقدم باب قسم الصدقات بين الأصناف الثمانية التي جاءت التنصيص عليها في كتاب الله -عز وجل- في آخر باب الزكاة؛ لأنه به أليق، وباب قسم الفيء والغنيمة يأتي عقب الجهاد -إن شاء الله تعالى-؛ لأن قسم الغنيمة من توابع الجهاد، ويقول الشارح: "وإنما ذكر المصنف هذا لأن العادة جرت في كتب الفروع عند الشافعية جعل هذين البابين باب قسم الصدقات، وباب قسم الفيء والغنيمة قبل كتاب النكاح، يعني من جهة أنها مناسبة لقسم الوصايا، ومناسبة لقسم التركات؛ لأن الاجتماع هو القسم، لكن لا شك أن قسم الصدقات الأليق به في كتاب الزكاة، وقسم الفيء والغنيمة اللائق به كتاب الجهاد.
يقول: ((يأتي أناس من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) كثيراً ممن يضعفونه يجيزون الأغاني، وهذا الحديث عمدة في التحريم؟
أولاً: الحديث مخرج في صحيح البخاري، قال -رحمه الله-: "وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة" هاه؟
صدقة بن خالد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا.
المقصود أنه يرويه عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري، قال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) الحديث متصل وليس بمعلق؛ لأن البخاري -رحمه الله تعالى- قد لقي هشام بن عمار وأخذ عنه بدون واسطة، وفي الصحيح خمسة أحاديث يقول فيها البخاري: حدثنا هشام بن عمار، غاية ما يقال في (قال) عند أهل العلم أنها مثل (عن)، فإذا كان الراوي بهذه الصيغة قد لقي من روى عنه وبرئ ومن وصمة التدليس فإنها محمولة على الاتصال، والبخاري قد برئ من وصمة التدليس، وأخذ عن هشام بن عمار ولقيه وسمع منه مباشرة، فالخبر متصل في القول المحرر المحقق، وعلى هذا ابن صلاح والحافظ العراقي وجمع غفير من أهل العلم.
. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بقال فكذي
عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ(98/11)
المزي والحافظ ابن حجر كأنهم يميلون إلا أن هذا معلق، وليس بمتصل، وهو معلق بصيغة الجزم، فهو صحيح حتى على القول بأنه معلق، وعلى هذا فهو صحيح على القولين كليهما، قد يقول قائل: إذا كان الحديث سمعه البخاري من هشام بن عمار دون واسطة فلماذا قال: قال هشام بن عمار ولم يقل: حدثنا هشام بن عمار كالمعتاد؟ نقول: إن البخاري يعدل عن صريح التحديث لأدنى سبب، والسبب في هذا التردد في الصحابي، عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري، التردد في الصحابي جعله لم يجزم بالتحديث، وعلى كل حال فالحديث صحيح عند كل من يعتد بقوله من أهل العلم، وأما بالنسبة لابن حزم فإنه ضعفه، بل حكم على جميع ما ورد في الباب بأنه موضوع، وقد ورد في باب تحريم الغناء والمعازف أحاديث كثيرة، استوفاها ابن القيم في كتاب له أسماه: السماع، وذكر جملة منها في إغاثة اللهفان، وغيره أيضاً استوعب الأحاديث، وعلى كل حال فالمعازف محرمة؛ لأن مفهوم قوله: ((يستحلون)) يعني يجعلون الحرام حلالاً، وسياقه مع هذه الأمور العظيمة الخمر، يستحلون الحر والحرير الزنا، ولبس الحرير، والخمر، يجعله محرماً بلا إشكال مع قوله: ((يستحلون)) أي يجعلونها حلالاً، والوعيد بالخسف والمسخ الذي ذكر في الخبر يدل على أنها من عظائم الأمور، نسأل الله السلامة والعافية.
إذا كان لدى شخص تبرعات فقام بالمتاجرة بها على أن ريعها سيكون معها تبرعاً فخسر فهل يضمن؟
نعم يضمن، ولو غلب على ظنه أنه يربح.
يقول: لماذا جعلنا حديث: ((لا وصية لوارث)) مع الآية من باب الناسخ والمنسوخ ولم نجعله من باب الخاص والعام؟
يريد أن نجعل الآية خاصة، والحديث عام، الحديث عام في جميع الورثة، والآية خاصة بالوالدين، نقول: لا يا أخي، حديث: ((لا وصية لوارث)) اتفق العلماء على قبوله، والعمل به، ولا يوجد من أهل العلم من يجعل الوصية للوالدين، وعلى هذا فالحديث مبين للناسخ، إن لم نقل أنه ناسخ، فالناسخ ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)) في المواريث.
يقول: ما القاعدة في تقديم الأصل على الظاهر والظاهر على الأصل؟(98/12)
قوة الظهور وعدمه، فإن كان ظهور الظاهر بحيث يغلب على الأصل فإنه يقدم، وإن كان الأصل يقابله ظاهر أضعف منه فإن الأصل هو الذي يقدم، وإن احتيج إلى مرجح خارجي بحث عنه.
ما تقول: في كتاب إحياء علوم الدين؟
إحياء علوم الدين لمؤلفه الغزالي، يسمونه حجة الإسلام، ولا شك أن الرجل معروف ببدعته في التصوف والأشعرية وغيرها، وتصوفه ممزوج بنوع من الفلسفة، فعنده أمور عظائم، وبدع، والكتاب مشتمل على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وفيه فوائد، فطالب العلم المتأهل الذي يستطيع أن يستفيد من هذا الكتاب ولا يتأثر بما فيه من بدع فمثل هذا لو قرأه، والذي لا يستطيع أن يأخذ منه ما يفيده إلا بشيء من التأثر، أو يخشى يعلق في ذهنه شبه لا يستطيع ردها، فإن مثل هذا ينصح بأن لا يقرأ في الكتاب.
يقول: ما رأيكم في من يسميه بـ (إماتة علوم الدين)؟
سموه إماتة علوم الدين باعتبار ما فيه من بدعة، وما فيه من أحاديث ضعيفة وموضوعة، لا شك السلامة لا يعدلها شيء، وما فيه من معالجة لبعض أمراض القلوب ورقائق فإنه يستفاد من كتب ابن القيم من غير هذه المفسدة.
يقول: هل يشترط في صيام الثلاثة الأيام من كل شهر أن تكون في أيام البيض؟
لا يشترط، بل تتأدى السنة ولو لم يصم الأيام البيض، والأيام البيض جاء فيها حديث في السنن لا بأس به -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما رأيكم في كتاب شرح: كتاب بلوغ المرام للشيخ سلمان العودة؟
أنا والله ما قرأت في الكتاب، ولذا لا أستطيع أن أحكم عليه.
يقول: الهدية هل يجوز للأب أن يهدي أحد أبنائه عقاراً ولو مات الأب ما الحكم في العقار؟
تقدم حديث النعمان بن بشير وأن أباه نحله غلاماً، وفي بعض الروايات: أرضاً، فأراد أن يشهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل ولدك أعطيته، أو فعلت به هكذا?)) قال: لا، قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) لا يجوز للأب أن يعطي بعض الأولاد دون بعض، فإذا أعطاه فإن هذه العطية ترد.
يقول: ما حكم الذهاب إلى السحرة إذا كان للعلاج لا للإضرار بالناس؟(98/13)
على كل حال فك السحر بسحر مثله جريمة، وتمكين الساحر من مزاولة السحر، مواطئة له، واتفاق معه على الشرك، وتمكين له من الشرك الأكبر؛ لأن السحر لا يتم إلا به، فلا يجوز بحال أن يذهب إلى السحرة، وفي تشريع مثل هذا إقرار للسحر والسحرة، فبدلاً من أن يكونوا مجرمين يكونوا محسنين، وإذا أقر مثل هذا فلا بد أن نقرهم على سحرهم؛ لأنهم محسنون، على ضوء ما يفتى به من مثل هذا الكلام، وبدلاً من أن يكون حده ضربةً بالسيف، يكون الإقرار؛ لأنه محسن، يفك السحر، ويحل المعضلات والمشكلات والضرورات، هذا لا يجوز بحال، والسحر إن رفعه الله -جل وعلا- بالعلاج المشروع من الرقى والأدوية والعلاجات الشرعية وإلا فيبقى مصيبة كغيره من المصائب، عليه أن يصبر ويحتسب وأجره على الله.
يقول: لو أن إنساناً أوصى بتسعة أعشار ماله، والباقي بعد الوصية يكون ورثته به أغنياء؟
نقول: لا يجوز لماذا؟ لأن سعد بن أبي وقاص قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصي بثلثي مالي؟ قال: ((لا)) أوصي بالشطر؟ قال: ((لا)) والعلة التي ذكرت بعد ذكر الثلث، وما زاد على الثلث لا يجوز بحال، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(98/14)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: بلوغ المرام - كتاب الأطعمة (1)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه بلوغ المرام:
كتاب: الأطعمة
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام)) رواه مسلم.
وأخرجه من حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- بلفظ: نهى، وزاد: ((وكل ذي مخلب من الطير)).
وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه، وفي لفظ البخاري: "ورخص".
وعن ابن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" متفق عليه.
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- في قصة الأرنب- قال: "فذبحها، فبعث بوركها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقبله" متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد" رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان.
وعن ابن أبي عمار قال: قلت لجابر -رضي الله تعالى عنه-: الضبع صيد هي؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: نعم" رواه أحمد والأربعة، وصححه البخاري وابن حبان.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه سئل عن القنفذ، فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [(145) سورة الأنعام] ... الآية" فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبثة من الخبائث)) أخرجه أحمد وأبو داود، وإسناده ضعيف.
فقال: ((خبيثة))
أحسن الله إليك.
عندي خبثة
قد يكون من خبثت وفعلت وإلا خبيثة.
أحسن الله إليك.(99/1)
سمعت أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: "ذكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبيثة من الخبائث)) أخرجه أحمد وأبو داود، وإسناده ضعيف.
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة وألبانها" أخرجه الأربعة إلا النسائي، وحسنه الترمذي.
وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- في قصة الحمار الوحشي، فأكل منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، متفق عليه.
وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما- قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "أُكل الضب على مائدة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- –، متفق عليه.
وعن عبد الرحمن بن عثمان القرشي -رضي الله تعالى عنه- أن طبيباً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الضفدع يجعلها في دواء، فنهى عن قتلها. أخرجه أحمد، وصححه الحاكم.
وأخرجه أبو داود والنسائي ما في؟
ما هي بعندنا هذه، لا.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الأطعمة
الكتاب مر شرحه مراراً، .... حيث يتكرر في كتب العلم، وهو كتاب في ضمن كتاب، بل كتب في ضمن كتاب.
والأطعمة: جمع طعام، جمع قلة، أفعلة، إلا أن اقترانه بـ (أل) التي هي للجنس أكسبته العموم، فيبحث في هذا الباب جميع ما يؤكل، وقد يطلق على ما يشرب باعتبار أنه يطعم، فيذاق ليتبين طعمه أمستساغ هو أم لا؟ وهذا يدخل فيه ما يؤكل وما يشرب، لكن أهل العلم يذكرون في الأطعمة ما يؤكل فقط، ويخصصون كتاباً للأشربة.
يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كل ذي ناب)) " (كل) لفظ عموم، و (ذي) بمعنى صاحب، و (ناب) هو السن الذي خلف الرباعية ((كل ذي ناب من السباع)) من السباع: فلا بد من اجتماع الوصفين ليترتب عليه حكم، أن يكون سبعاً له ناب، فلو كان سبعاً لا ناب له لا يدخل في الحديث، وإذا كان له ناب وليس بسبع فإنه لا يدخل في الحديث.(99/2)
((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)) ((فأكله حرام)) هذا الحكم الذي يشمل ذوات الأنياب أصحاب الأنياب من السباع، ومن سباع البهائم التي تعدو وتصول على الفريسة إذا كانت من ذوات الأنياب فإن أكلها حرام.
وهذا الحكم مما زيد في السنة على القرآن، مما جاءت به السنة مما ليس في كتاب الله، والسنة أصل، وهي وحي كالقرآن سواءً بسواء، ففي قوله -جل وعلا-: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [(145) سورة الأنعام] حصرت الآية في هذه المحرمات، ولا يوجد فيها ما يدل على تحريم ما له ناب من السباع، وما له مخلب من الطير، والأنواع التي جاءت السنة بتحريمها كلها لا تدل عليها الآية، والآية لا شك أنها متقدمة، فالذي يرى نسخ الكتاب بالسنة يقول: الآية منسوخة بما جاء في السنة، والذي لا يرى نسخ الكتاب بالسنة يقول: إن هذا الحكم مزيد على ما جاء في الكتاب؛ لأن مفهوم الحصر {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} [(145) سورة الأنعام] هذا حصر، مفهومه أن ما عدا ذلك أنه حلال، هذا المفهوم عمومه مخصوص بما جاء في السنة، فيكون من باب التخصيص، والتخصيص يجوز تخصيص الكتاب بالسنة، ويجوز بما هو أقل مرتبة من السنة، فالتخصيص وإن كان رفع لبعض الحكم إلا أنه يختلف عن النسخ الذي هو رفع كلي للحكم، فالجمهور يرون أنه لا بد من الاتحاد في المرتبة في النسخ الذي هو الرفع الكلي، وإن ذهب جمع من أهل التحقيق إلى أن السنة كالقرآن تنسخ وتنسخ به، وعلى كل حال سواءً قلنا: إنه نسخ أو قلنا: إنه تخصيص هو رفع، فإن كان نسخ فهو رفع كلي، ولا يتصور هنا؛ لأن الحكم المستفاد من الآية لم يرفع رفعاً كلياً، فهو تخصيص، رفع جزئي للحكم.(99/3)
((كل ذي ناب من السباع)) لا بد من تحقق الوصفين، فعلة التحريم مركبة من أمرين: أن يكون سبعاً، وأن يكون له ناب، فإذا كان سبعاً ولم يكن له ناب فإنه لا يدخل في الحديث، وإن كان له ناب، ولم يكن سبعاً لم يدخل في الحديث، ويأتي هذا في الكلام على الضبع؛ لأنها من ذوات الأنياب، وسيأتي ما يدل على حلها، وأنها صيد، وأنها تفدى بكبش إذا صيدت في الحرم، أو صادها المحرم.
((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام)) يذكر عن ابن عباس وعائشة وابن عمر إن صح عنهم؛ لأنها تروى عنهم بأسانيد فيها مقال، أن ما عدا ما نص عليه في الآية أنه حلال، ومذهب ابن عباس في هذا الباب فيه شيء من السعة، لكن الحق أحق أن يتبع، فما جاءنا عن نبي الله -عليه الصلاة والسلام- وهو المبلغ عنه وجب علينا قبوله، سواءً كان مما يدل عليه الكتاب، أو مما زيد في السنة على ما في الكتاب؛ لأن السنة وحي {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] فهنا: ((كل ذي ناب من السباع أكله حرام)) وجاء في حديث ابن عباس، الأول عن أبي هريرة ثم قال: "وأخرجه من حديث ابن عباس" يعني مسلم "بلفظ: نهى" الأول حديث أبي هريرة، والثاني حديث ابن عباس، فحديث ابن عباس غير حديث أبي هريرة؛ لأن طريقة العد عند أهل العلم تتبع الصحابي اتحاداً واختلافاً.(99/4)
مقتضى قوله: "وأخرجه" يعني الحديث السابق، والحديث السابق حديث أبي هريرة، وكونه من حديث ابن عباس لا يمشي على قاعدة أهل الحديث في اعتبار الصحابي اتحاداً واختلافاً، فالضمير في قوله: "أخرجه" يعود على ما تضمنه الحديث السابق من معنى؛ لأن حديث أبي هريرة يختلف عن حديث ابن عباس، ولو اتحد اللفظ عند أهل العلم، هذا حديث وهذا حديث، بينما لو اتحد الصحابي صار حديثاً واحداً ولو اختلف اللفظ مع اتحاد المعنى، فقوله: "وأخرجه" يعني المعنى الذي دل عليه حديث أبي هريرة، لكنه من حديث ابن عباس وهو حديث آخر بلفظ: "نهى" هناك ((فأكله حرام)) وهنا بلفظ: "نهى" وهذا يذكرنا بما ذكرناه مراراً من أن الصحابي إذا قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يدل على التحريم كما لو قال -عليه الصلاة والسلام-، أو قال الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تفعلوا كذا أو لا تأكلوا كذا، ومثله التنصيص على الحكم بلفظ التحريم ((فأكله حرام)) فقول الصحابي: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بمنزلة: "لا تفعلوا" سواءً بسواء، وهذا فيه رد باعتبار أنه جاء بهذا اللفظ وبهذا اللفظ، رد على من يقول: إن قوله: "نهى" قول الصحابي: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لا يدل على المنع حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي، هذا اللفظ متداول بين الصحابة، ومن تلقاه عنهم من التابعين ينقلونه أحياناً بلفظ: "لا تفعلوا" المضارع المصدر بلا الناهية، أو يعبر عنه بصريح لفظ التحريم ((فأكله حرام)) أو بلفظ: "نهى" من غير فرق، وهذا يدل على ضعف قول من يقول: إننا لا نقبل من الصحابي قوله: أمرنا، أو أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، وحجتهم في ذلك أن الصحابي قد يسمع كلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- يفهم منه الأمر، ويعبر عنه بأمرنا رسول الله، أو يفهم منه النهي فيعبر عنه بقوله: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحقيقة أن هذا اللفظ لا يحمل معنى النهي ولا الأمر، لكن هذا الكلام مرفوض، يعني إذا كان الصحابة لا يعرفون مدلولات الألفاظ الشرعية فمن يعرفها بعدهم؟! فأبو هريرة قال نقلاً عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((فأكله حرام))(99/5)
وابن عباس قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكل كل ذي ناب من السباع، وزاد: "وكل ذي مخلب من الطير" الجملة الأولى كل ذي ناب يدخل فيه ما لا يحصى، مما نص عليه أهل العلم وذكروه في كتبهم، ومما لم يذكروه، إذا تحقق فيه الوصفان، وكذلك الجملة الثانية "وكل ذي مخلب من الطير" يدخل فيها كل ما انطبق عليه الوصف، ووجد له المخلب من الطيور.
هناك قلنا: إنه لا بد من تحقق الوصفين: وجود الناب، ووجود السبعية من السباع، وهل نقول: هنا أنه لا بد من تحقق الوصفين أن يوجد المخلب، وأن يكون طيراً؟ بمعنى أننا لو وجدنا حيوان له ناب، وليس سبعاً لا يعدو، ولا يصول كما قيل في الضبع، جاء الدليل على حلها، ما يدل على حلها، وهل نقول هنا مثل ذلك؟ وجدنا حيوان ليس بطائر، لكن له مخلب يحرم وإلا ما يحرم؟ نعم؟ إذاً لا بد من تحقق العلة بجزأيها، بركنيها؛ لأن العلة إذا كانت مركبة من شيئين فأكثر لا بد من تحقق ما تركبت منه، ولا يكفي للحكم وجود جزء العلة.
"وكل ذي مخلب" يقول في القاموس: المخلب ظفر كل سبع من الماشي والطائر، على هذا إذا وجدنا من الماشي له مخلب العلة لم تكتمل؛ لأنه منصوص على قوله: "من الطير" و (من) هذه بيانية، فلا بد أن يكون طائراً له مخلب.(99/6)
ينازع بعض أهل العلم في مدلول الحديث، وهو المنع من كل ذي مخلب، بل ينازعون في مقتضى النهي، فمنهم من يقول: إن النهي للتحريم، ومنهم من يقول: إن النهي للكراهة، وهنا ينقل النووي -رحمه الله تعالى- أن تحريم كل ذي مخلب من الطير هو قول الجمهور، وخالف في هذا من خالف، لكن قول جماهير أهل العلم على المنع، وعليه يدل الحديث، بينما ابن رشد في بداية المجتهد يعكس، يرى أن القول بالحل هو قول الجمهور، وقال: وحرمها قوم، هل نقول: إن للمذهب تأثيراً في سياق الأقوال، وفي الانتصار لهذه الأقوال؟ معروف أن النووي شافعي المذهب، والشافعية يقولون بمقتضى الحديث، يحرمون ما كان له مخلب، وابن رشد مالكي المذهب، والمالكية في باب الأطعمة يتوسعون أكثر من غيرهم، فهل نقول: إن للمذهب تأثير في سياق الأقوال والانتصار لها؟ لأن سياق الأقوال لا شك أن الإنسان يتأثر بما يترجح عنده فقد يعبر عن القول بما يدل على قوته، وإن لم يصرح بذلك، لكن قد يفهم منه من مضمون أو من مقتضى السياق أنه يرجح هذا القول، فإذا قال مثلاً: قال المحققون، قال جماهير أهل العلم كذا وقال المحققون كذا، طيب أليس في .. ، من ضمن هؤلاء الجماهير الذين قالوا بالقول الأول جمع من أهل التحقيق؟ ما معنى التحقيق في مثل هذا السياق؟ إن كان مقتضاه -مقتضى الوصف بالتحقيق- أنهم رجحوا ما دل عليه الدليل هذا هو التحقيق صحيح، هذا هو التحقيق، لكن هل يُسلّم أن المخالف ليس عنده دليل؟ إذا بحثنا في المسألة ووجدنا أن الجمهور قالوا بقول، والدليل الصحيح الصريح يدل على خلاف ما ذهبوا إليه، وقال بمقتضى الدليل الصحيح الصريح قوم من أهل العلم قلنا: إنهم أهل تحقيق، لكن أحياناً تستغل مثل هذه العبارة للهجوم على قلب القارئ أو السامع، فكون النووي يقول: قال الجمهور بتحريم أكل كل ذي مخلب من الطير، وقال بعضهم: كذا، وعكس صاحب بداية المجتهد، ولا شك أن المذاهب لها تأثير، لكن النووي في هذا الباب أمكن، وبالسنة أعرف من ابن رشد، أعرف من ابن رشد، نعم ابن رشد له اطلاع على المذاهب، لكن لا يمنع أن يكون المذهب أثر عليه، هو مالكي المذهب -رحمه الله الجميع-، وعلى كل حال إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، إذا قال(99/7)
النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أكل كل ذي مخلب من الطير سمعنا وأطعنا، ولو قال من قال بخلاف ذلك، لماذا؟ لأن هذا حديث صحيح وصريح وخاص، قد تدل العمومات على خلاف مقتضاه، لكن الخاص عند أهل العلم بما في ذلك المالكية مقدم على العام، فالنفي في قوله: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام] مخصوص بمثل هذا الحديث.
قال -رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه، وفي لفظ البخاري: "ورخص".
"عن جابر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر" سنة سبع من الهجرة، وجاء من جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقول: أكلت الحمر، فنيت الحمر، فنهى عن أكلها، فمنهم من يرى أن هذه هي العلة؛ لأنها مركوب الناس، فلو فنيت بقوا بدون مركوب، لكن يرد عليه هذا أن الإبل أيضاً مركوب الناس، فإذا أكلت فنيت، ولكن العلة الحقيقية ما جاء التنصيص عليها من كونها رجس.
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية" مفهوم الحديث منطوقه يدل على تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية، وبهذا قال جماهير أهل العلم، وخالف من خالف، ومفهومه يدل على جواز أكل لحوم الحمر الوحشية؛ لأن الوصف الأهلية مخرج للوحشية.
"وأذن في لحوم الخيل" وسيأتي حديث "نحرنا فرساً على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلناه" حديث أسماء، وهو في الصحيحين، ولو ضم إلى الحديث الثالث لكان أولى بالترتيب.
"وأذن في لحوم الخيل" وحديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "نحرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرساً فأكلناه" متفق عليه.
حل الخيل قال به جمع من أهل العلم، ويعضده هذه الأحاديث المخرجة في الصحيحين وغيرهما.(99/8)
من أهل العلم من يرى أن الخيل كالحمر وكالبغال لا يجوز أكلها؛ لأن الله -جل وعلا- امتن بركوبها، ولم يمتن بأكلها {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [(8) سورة النحل] ولو كانت مأكولة لامتن بأكلها كما امتن بأكل بهيمة الأنعام، وأيضاً هي عطف عليها البغال والحمير، وهذه غير مأكولة بالاتفاق على ما تقرر بعد النهي عن أكل لحوم الحمر، والامتنان يكون بأعلى وجوه الانتفاع فلو كان الأكل جائزا ًلكان الامتنان به أعظم من الامتنان بالركوب، وعطف المفردات التي منها المحرم ومنها المباح قالوا: هذا لا يكون في كلام البلغاء، يعني يعطف أشياء بعضها مباح وبعضها محرم هذا لا يكون في كلام البلغاء، لكن كما هو معلوم عند أهل العلم أن دلالة الاقتران ضعيفة، وعطف بعضها على بعض لاشتراكها فيما دل عليه السياق من الامتنان وهو الركوب، الركوب وهي كلها مركوبة، فهي تشترك في كونها مركوبة، ولا تشترك في كونها مأكولة أو غير مأكولة، فالامتنان إنما هو بالركوب، وهذا شيء ملاحظ من يشتري الخيل من أجل الأكل، يعني اقتناء الخيل هل المقصود منه عند عموم الناس في القديم والحديث هو الأكل أو الركوب؟ الركوب، ولا يعني أن كون أظهر وجوه الانتفاع بالخيل أنها لا تؤكل، بينما بهيمة الأنعام أظهر وجوه الانتفاع بها هو الأكل وإن كانت مركوبة.
بعض ما يباع الآن من بهيمة الأنعام لا يشترى من أجل الأكل، وإنما يشترى لوجوه أخرى من وجوه الانتفاع إما للنسل أو لغيره، فهل يعمد عاقل أن يشتري جملاً بمائة ضعف، أو بألف ضعف كما هو موجود الآن، أو تيس أو ما أشبه ذلك يشتريه بهذه الأضعاف المضاعفة من أجل أن يأكل؟ لا، ولذلك لا يعمد إنسان أن يشتري فرساً وبإمكانه أن يشتري جملاً أوفر منه لحماً بأضعاف قيمة الجمل من أجل أن يأكل، وإنما يشترى من أجل أن يركب مما يدل على أن أظهر وجوه الانتفاع بالنسبة للخيل هي الركوب وإن جاز أكلها، وكذلك الأنواع من بهيمة الأنعام يستفاد منها فوائد كثيرة، وينتفع بها من وجوه متعددة، للدر والنسل والصوف، وما أشبه ذلك، ومع ذلك أعظم وجوه الانتفاع بها الأكل، فالإجابة عن الآية بالنسبة لمن قال بحل أكل الخيل من وجهين:(99/9)
الأول: أن دلالة الاقتران واقترانها مع البغال والحمير استدلال بهذه الدلالة التي هي مضعفة عند أهل العلم.
الأمر الثاني: أن الامتنان بركوبها واتخاذها زينة لا ينفي أن تكون مأكولة؛ لأن الامتنان إنما يكون بأعظم وجوه الانتفاع، وأعظم وجوه الانتفاع بالنسبة للخيل هو الركوب وإن جاز أكلها.
أخرج أبو داود عن غالب بن أبجر قال: "أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم إلا سمان حمر" وفي رواية: "إلا سمان حمري"، "فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، وقد أصابتنا سنة" يعني مجاعة جدب وقحط، فقال: ((أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية)) يعني الجلالة التي تأكل النجاسات من عذرة وغيرها ((أطعم أهلك من سمين حمرك)) الحديث مضعف عند أهل العلم، وأيضاً لفظه فيه نكارة، سنة وجدب وقحط ولا يجد غيرها، وتكون سمينة؟! يتصور هذا؟! لا يوجد إلا سمان حمري، ما عنده إلا سمان حمر، يعني حمر سمينة، الحمر سمينة والإبل والغنم والبقر هزيلة؟! كيف يكون هذا؟! هذه نكارة في اللفظ، إضافة إلى ضعف الإسناد.
بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" في الحديث السابق "في لفظ البخاري: "رخص" نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لحوم الحمر يوم خيبر الأهلية، وأذن في الخيل، وفي وراية للبخاري: "رخص" قال بعضهم: إنه يؤخذ من هذا اللفظ أن الترخيص على خلاف الأصل، الأصل في الخيل التحريم، لكنه رخص.(99/10)
الرخصة في اصطلاح أهل العلم وهو اصطلاح حادث: ما جاء على خلاف الدليل الشرعي، ما دامت الرخصة جاءت على خلاف الدليل الشرعي، والرسول -عليه الصلاة والسلام- رخص في لحوم الخيل دليل على أن الترخيص هذا جاء على خلاف الدليل الشرعي، فالدليل الشرعي يدل على التحريم، والرخصة جاءت على خلاف الدليل الشرعي، كما رخص في أكل الميتة عند الاضطرار، هذا يقوله من يرى تحريم لحوم الخيل، يستدل بقوله: "رخص في لحوم الخيل" ويطبق اللفظ لفظ الحديث على الاصطلاح الحادث، ويستدل به على المنع من أكل لحوم الخيل؛ لأن الرخصة على خلاف الدليل الشرعي، يعني مع قيام الأصل لا عدولاً عنه، ولا نسخاً له، فكونه يرخص للمضطر الأكل من الميتة لا يعني أن الميتة نسخ حكمها وصارت حلالاً، وإنما تؤكل عند الاضطرار، وفي يوم خيبر لما حرم لحوم الحمر الأهلية وكانت تؤكل جعل في مقابل ذلك أن رخص في لحوم الخيل وإن كانت محرمة، يعني ننتبه لهذا الاستدلال وهو دقيق، ويحتاج إلى شيء من الانتباه.
يقول: مما يدل على تحريم لحوم الخيل قوله: "رخص" لماذا؟ لأن الرخصة ما جاءت على خلاف الدليل الشرعي، مع قيام مقتضى الدليل الشرعي، الحكم الشرعي الأصلي قائم، فالميتة يحرم أكلها، تجوز للمضطر، ويبقى أن الميتة حرام، فالأكل من الميتة على خلاف الدليل الشرعي، ويقابلها العزيمة التي هي ما جاء على مقتضى ووفق الدليل الشرعي.
قال: ما دام يقول: رخص، فأكل لحوم الخيل رخصة، يقابله العزيمة وهو التحريم، والداعي لهذه الرخصة شدة الاحتياج إليها لمنع أكل لحوم الحمر، فإذا توفر غيرها لا يجوز أكلها، وهذا تنزيل للنص الشرعي على الاصطلاحات الحادثة، والذي يغفل عن مخالفة كثير من المصطلحات لما تدل عليه النصوص لا شك أنه يقع في مثل هذا، يعني ننزل لفظ القرآن أو السنة أو استعمالات المتقدمين على الاصطلاحات الحادثة نقع في مخالفات كبيرة.(99/11)
في سورة الإسراء ذكر الله -جل وعلا- عدداً من المحرمات، بل من الكبائر والموبقات، ثم قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] يعني لو طبقنا الكراهة على مقتضى الاصطلاح الحادث، قلنا: إن جميع ما ذكر مكروه، يعني لا إثم فيه، إنما اجتنابه يترتب عليه الأجر، هل هذا الكلام مقبول؟ نعم؟ لا ليس بصحيح.
ذكرنا مراراً أن عدم معرفة الاصطلاحات وعدم ملائمتها للنصوص هذا يوقع في حرج كبير، يعني حتى الاصطلاحات العرفية وتطبيق النصوص عليها يوقع في حرج كبير، وذكرنا من الأمثلة على ذلك:
أن العامة يقولون للغني البخيل يسمونه محروم، المحروم يعطى من الزكاة وإلا ما يعطى؟ بالنص يعطى بالقرآن، بصريح القرآن يعطى {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] ثم يأتي من يستعمل الحقيقة العرفية والاصطلاح العرفي فيعطي زكاته لغني أرصدته في البنوك أضعاف أضعاف أموال هذا المزكي، يقول: هذا محروم مسكين، ومنصوص عليه في القرآن، فطالب العلم عليه أن يتنبه لهذه الاصطلاحات مع موافقتها ومخالفتها للنصوص.
وذكرنا مراراً أن لو أن إنساناً عاش في البادية وهو صاحب إبل وأقسم الأيمان المغلظة أنه ما رأى جمل أصفر، هل نستطيع أن نقول: إنه مكذب للقرآن؟ الحقيقة العرفية لهذا اللون عنده تختلف عن الحقيقة التي جاء ذكرها في كتاب الله -جل وعلا-، فكونهم يأخذون من هذا الحديث: "رخص" أنه في مقابل العزيمة، العزيمة التحريم والرخصة جاءت على خلاف الدليل، فيبقى أن لحوم الخيل حرام؛ لأنه رخصة والرخصة بقدرها تستعمل يعني عند الاحتياج إليها.(99/12)
يعني لو عكس الدليل على هذا القائل، وقال: إن الله يحب أن تؤتى رخصه، ما دام رخص في لحوم الخيل يحب أن تؤكل الخيل، وهذا بخلاف الرخصة التي في أكل الميتة للمضطر، هل يقول قائل: إن الله يحب أن تؤتى رخصه ينزلها على الميتة بالنسبة للمضطر؟ إذا كان مضطر قلنا: نعم لا بد من تحقق وصف الاضطرار، وعلى هذا لو أن مضطراً شارف على الهلاك، ووجد ميتة فلم يأكل منها فمات يأثم وإلا ما يأثم؟ يأثم؛ لأن هذه التهلكة التي نهي عنها، لكن إذا قال: أنا أجد نفسي أعافه، الموت أسهل عليه من الأكل من الميتة، هل يكره على الأكل من الميتة أو لا؟ لأن بعض الناس لو يكره على أكل طعام مباح ونفسه تعافه لا يطيق ذلك فضلاً عن كونه محرم، وفيه أمراض، وفيه أشياء، وفيه رائحة منتنة، ميتة.
على كل حال هذا بحث آخر، يختلف عما نحن فيه، لكنه من باب الاستطراد.
الحمر الأهلية قبل خيبر كانت مباحة، وكانت داخلة في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] ثم في يوم خيبر لما حرمت صارت ممنوعة، أكلها حرام، وصارت من الخبائث {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وقل مثل هذا في الخمر لما كانت مباحة ثم حرمت، فهل الطيب والخبث وصف حسي أو معنوي؟ إذا قلنا معنوي قلنا: يتبع النص، وتكون لحوم الحمر قبل التحريم وبعد التحريم على حد سواء فائدتها ما تغيرت، ضررها موجود قبل وبعد، إذا كان فيها نفع قبل التحريم فهو موجود بعد التحريم، وإذا كان فيها ضرر بعد التحريم ففيها ضرر قبل التحريم، هذا إذا قلنا: إن الخبث والطيب معنوي، ويتبع النص، وإذا قلنا: حسي، والله -جل وعلا- قادر على أن يجعلها طيبة نافعة قبل التحريم، ويجعلها ضارة خبيثة بعد التحريم، قلنا: إنه حسي، ما المانع؟ وقد جاء في الأثر: "إن الله لما حرم الخمر سلبها المنافع" هذا يذكر عن بعض السلف "سلبها المنافع" وإذا قلنا: إن المنافع منافع دنيوية في الترويج والتجارة وكذا هذا عاد موجود، لكن يبقى أن الإثم أعظم والضرر أكبر.
يقول -رحمه الله تعالى- في الحديث الرابع: "وعن ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" متفق عليه".(99/13)
تقدم في أول الكتاب حديث: ((أحلت لنا ميتتان ودمان، الحوت والجراد)) ميتتان، وهو يؤكل، ولو مات حتف أنفه، وهذا هو الأصل فيه، إذ لا يتصور تذكيته، لا تتصور تذكيته فهو حلال، وإن كان ميتاً، وهنا حديث ابن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد، متفق عليه".
هذا فيه إشارة إلى ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- مع أصحابه أشرف الخلق، وأكمل الخلق، وأفضل جيل سبع سنوات يأكلون الجراد، يعني هل الجراد شيء فاضل أو مفضول؟ مفضول، إنما يؤكل لعدم غيره.
فضيق العيش على النبي -عليه الصلاة والسلام- بحيث يمر الهلال والهلالان والثلاثة -ثلاثة أهلة- في شهرين ما أوقد في بيته نار، ما كان طعامهم إلا الأسودان التمر والماء، وكان يربط الحجر على بطنه -عليه الصلاة والسلام-.
كل هذا يدل على أن انفتاح الدنيا وتوسيعها على بعض الناس وبعض العصور لا يعني أن هذا لمزيد فضل لهؤلاء عند الله -جل وعلا-، أو ما يقابله بالنسبة لمن زويت عنهم الدنيا كصدر هذه الأمة، النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما خشي على أمته أن تفتح عليهم الدنيا، وإذا نظرنا إلى ما سبق قبل نصف قرن مثلاً وجدنا أن الأمة عاشت عيشة ضيق وظنك في بعض البلدان، ومع ذلكم ما تنازلوا عن شيء من دين ولا عرض ثم لما فتحت الدنيا وتوسع الناس فيها صارت على حساب الدين، فالذي خشيه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته وقع، لما فتحت الدنيا وتوسعوا وقليل من عبادي الشكور، نعم من شكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن هذا قليل، وأكثر الناس إذا وسع عليهم يكفرون النعم كما هو حاصل بالنسبة لكثير من المسلمين.
سبع سنوات أو سبع غزوات يأكلون الجراد، هذا فيه أولاً ما يدل على ضيق عيشه -عليه الصلاة والسلام- وليس ذلك لهوانه على ربه، وإنما ليدخر أجره كامل، يجده موفوراً يوم القيامة، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم-، ولما طعم ما طعم من اللحم وغيره، قال: ((لتسئلن عن هذا النعيم)).(99/14)
النعيم المباح لا يستطيع أن يقول أحد بأنه محرم، سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من مناسبة فقال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ} [(32) سورة الأعراف] لا يستطيع أحد أن يحرم، لكن له تبعات، يحتاج إلى شكر {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فتبعاته قد لا يتخلص منها الإنسان، والغالب أن الإنسان يصبر على الشدة؛ لأن الإنسان معرض للابتلاء والامتحان، إما بسراء أو بضراء، وكثير من الناس يمكن أن يصبر على الضراء، لكنه لا يستطيع أن يتجاوز محنة السراء هذا بالنسبة لكثير من الناس، ويدل عليه قوله -جل وعلا-: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] قليل من يصبر على محنة السراء، ويؤدي حقها.
سبع غزوات يأكلون الجراد هذا فيه دليل على أن الجراد حلال الأكل، وإن كان ميتاً، كما دل عليه الحديث الأول إلا إذا كان مشتملاً على ضرر كما قيل في جراد الأندلس، يقولون: إنه ضار، وأفتى أهل العلم بتحريم أكله، لماذا؟ لأنه جراد؟ لا، لأنه ضار، فالضار محرم، لا يجوز لإنسان أن يتناول ما يضره؛ لأن بدنه ليس ملكاً له، فيحرم من هذه الحيثية، وإلا فالجراد حلال.
"غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل الجراد" المعية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقتضي الاشتراك في الغزو، يعني مع رسول الله هذه المعية في الغزو، لكن هل تقتضي أنهم أكلوا معه الجراد؟ يعني "غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات نأكل معه الجراد" أيضاً، فتكون المعية للغزو وللأكل؟ أو أنهم غزوا معه وهم يأكلون الجراد بغض النظر عنه -عليه الصلاة والسلام- هل أكل أو ما أكل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لا تقتضي الصيغة أن يكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكل الجراد، وإنما غزوا معه ويأكلون الجراد، فيكون إباحة أكل الجراد بدليل تقريره -عليه الصلاة والسلام- لهم وهم يأكلونه وهم معه، والتقرير وجه من وجوه السنة.
جاء في بعض الروايات "نأكل الجراد معه" المعية هنا للغزو أو للأكل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(99/15)
هذه واضحة أنها للأكل، وأحياناً يكون المتعلق معقب أو متعقب لفعلين، ويختلف الحكم باختلاف المتعلق مثل إرادة الإلحاد في الحرم {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ} [(25) سورة الحج] (فيه) هل الجار والمجرور متعلق بالإرادة أو بالإلحاد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أنا أريد أن أقرب ما معنا الآن (فيه) الجار والمجرور متعلق بالإرادة أو بالإلحاد؟ وهل يختلف الحكم باختلاف المتعلق أو لا يختلف؟ إذا قلنا: متعلق بالإرادة قلنا: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ} [(25) سورة الحج] تكون الإرادة في الحرم ولو كان الإلحاد خارج الحرم، وإذا قلنا: (فيه) الجار والمجرور متعلق (بإلحاد) قلنا: إن الإلحاد في الحرم حرام، إرادة الإلحاد في الحرم حرام ولو كانت هذه الإرادة خارج الحرم، وعندنا معه هنا رواية الباب صريحة في أنهم غزوا معه، وهم لا يغزون إلا معه -عليه الصلاة والسلام-، سبع غزوات مع النبي -عليه الصلاة والسلام- "نأكل الجراد" هذه إذا قلنا: إن المعية متعلقة بالغزو والأكل صارت الدلالة بفعله -عليه الصلاة والسلام- بأكله من الجراد، وإذا قلنا: إنهم يغزون معه ويأكلون الجراد ما فيها دليل على أنه أكل، لكن جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه أكل -عليه الصلاة والسلام- "نأكل معه" في رواية للبخاري: "نأكل الجراد معه" هذه الجملة وهذه الرواية تدل على أن المعية في الأكل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل الجراد، وهم يأكلون معه، ولا شك أنه إذا أكل كان أبلغ من مجرد التقرير، على ما سيأتي بالنسبة لأكل الضب.
أخرج أبو داود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن الجراد، فقال: ((لا آكله ولا أحرمه)) قالوا: هذا الحديث معل بالإرسال، ولا يقاوم حديث الباب، فجماهير أهل العلم على حل الجراد.
وسبق في كتاب المناسك بالنسبة للجراد هل فيه فداء أو لا فداء فيه تبعاً لكونه برياً أو بحرياً؟ جاء عن بعض الصحابة أنه نثرة حوت، يعني بحري، وحينئذٍ فيه فداء وإلا ما فيه فداء؟
طالب:. . . . . . . . .(99/16)
لا فداء فيه؛ لأنه بحري، وجاء هذا عن بعض الصحابة، لكن هل ثبت من حيث الواقع أنه يخرج من البحر، أو يأتي من البر؟ نعم؟ نعم بالمشاهدة، المشاهدة تدل على أنه بري؛ لأنه يتكاثر في البر لا في البحر، وعلى هذا فيه الفداء، طيب ما ثبت عن بعض الصحابة، قد يثبت عن الصحابي من قوله ما لا أصل له، بمعنى أنه قد يكون تلقاه عن أهل الكتاب، أو يكون اجتهاد منه؛ لأن مثل هذا لا ينتظر فيه نص، نعم إذا وجد النص كان هو الحاسم، لكن مثل هذا إذا يعني هو من مما يتناسل ويتكاثر على وجه الأرض فهو بري.
كونه يذكر أو يثبت عن بعض الصحابة أنه قال: نثرة حوت أو بحري، وأنه لا فداء فيه، هذا اجتهاد من هذا الصحابي، وقد يخطئ في اجتهاده؛ لأنه ليس بمعصوم، يخطئ في اجتهاده، لكن الصحابي في نقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الصحابة كلهم عدول، ثقات، يعني إذا صرح بإضافته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قلنا: سمعنا وأطعنا، لكن ما صرح بنقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، إما أن يكون تلقاه عن أحد من أهل الكتاب، وهذا موجود من بعض الصحابة، عرف بالأخذ عن أهل الكتاب، وجاء الأمر بالتحديث عن أهل الكتاب ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) وفي رواية: ((فإن فيهم الأعاجيب)).
على كل حال هذه المسألة تقدمت في كتاب المناسك، والمتجه أنه بري، أنه بري يفدى.
قال -رحمه الله-: "وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- في قصة الأرنب- قال: "فذبحها" في حديث أنس وهو في الصحيحين: "أنفجنا" يعني أثرنا أرنباً بمر الظهران، فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة، فذبحها، وبعث بوركها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقبله" وفي بعض الروايات أنه أكل منه، مما يدل على حل أكل الأرنب، وهو محل إجماع ممن يعتد بقوله من أهل العلم، إجماع، هناك قول شاذ أنها لا تؤكل، وأنها تحيض وما أشبه ذلك من الأقوال التي لا مستند لها.
على كل حال عامة أهل العلم على أنها مباحة، ويذكر عن بعض طوائف المبتدعة مما يشابهون فيه اليهود أنهم يقولون بتحريم أكل الأرنب، واليهود يقولون بتحريمه، وهذه من الأوجه الكثيرة التي يشابهون فيها اليهود.(99/17)
وفي رحلة ابن بطوطة لما قدم إلى بعض بلدان المشرق لاحظوا عليه أنه لا يقبض يديه في الصلاة، فاتهموه بالتشيع؛ لأن الشيعة لا يقبضون، فامتحنوه بالأرنب، قدموا له أرنب فأكل، فاستغربوا يأكل الأرنب فسألوه، فذكر أن الإرسال معروف عند المالكية، يعني لا يلزم من كونه يرسل أن يكون من الشيعة، فامتحنوه بالأرنب لأنهم لا يأكلونها، وعامة أهل العلم بل إجماع واقع على حل أكله، منهم من كره، أطلق القول بكراهتها، ولعلهم استندوا في ذلك إلى ما ذكر عن ابن عمر أنها تحيض، ولكن هذا ولو ثبت أنها تحيض لا يقتضي المنع من أكلها؛ لأن الدليل الصحيح الصريح جاء به، بالحل.
قال: "وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم– عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد" رواه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان".
على كل حال الحديث صحيح، والمؤلف ساق هذا الحديث ليبين كغيره من أهل العلم من يرى أن النهي عن قتل الحيوان دليل على تحريمه، إذ لو كان مباحاً لما نهي عن قتله، وبالمقابل الأمر بقتله دليل على تحريمه أيضاً، النهي عن قتله قالوا: دليل على تحريم أكله، والأمر بقتله دليل على تحريم أكله، طيب ما الذي يباح؟ الذي يقتل عند الحاجة؛ لأنه جاء النهي عن قتل الحيوان إلا لمأكلة، يعني للأكل، فلا يقتل الحيوان عبث، فإذا نهي عن قتله مطلقاً دل على أنه لا يجوز أكله، وإذا أمر بقتله مطلقاً دل على أنه لا يجوز أكله.
"وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل أربع من الدواب: النملة" النملة لا تقتل، لكن إذا آذت فإنها تقتل، ونبي من الأنبياء آذته نملة فلسعته فأمر ما حوله من النمل أن يتلف، وعوتب على ذلك، مما يدل على أن الأصل أنه لا يقتل، لكن ما يؤذي كما يقرر أهل العلم أن ما آذى طبعاً قتل شرعاً.
النملة التي تؤذيك تقتلها، وجاء النهي عنها في هذا الحديث.(99/18)
"والنحلة" النحلة لا شك أنها مؤذية؛ ولسعها مختلف فيه هل هو أشد من لسع العقرب كما في المسألة الزمبورية أو أقل؟ على كل حال لسعها شديد، وهي مؤذية، فإذا لم يحصل منها الأذى فإنها لا تقتل، لماذا؟ لأن الله -جل وعلا- امتن على عباده بما يخرج من بطونها من العسل {شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] يخرج من بطونها هذا العسل الطيب الذي هو شفاء بمنطوق القرآن، وإن كان بعض المتزلفة والمرتزقة في مجلس المنصور قال: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} [(69) سورة النحل] قال: من بطون آل البيت، لأن المنصور عباسي من ولد العباس بن عبد المطلب، فكان بحضرتهم شخص قال: جعل الله رزقك مما يخرج من بطونهم، إذا كان فيه شفاء استشفي يا الله.
فالنهي عن قتل النحلة لهذا؛ لأن الله -جل وعلا- امتن على عباده بما يخرج من بطونها، وهي سبب في وجود هذا العسل الذي هو شفاء للناس.
"الهدهد" وهو طائر معروف "والصرد" قالوا: إنه طائر فوق العصفور كبير الرأس، يأكل الحشرات، نهي عن قتله.
استدل أهل العلم على تحريم أكلها بالنهي عن قتلها، وتحريم أكلها قول جماهير أهل العلم، هناك خلافات وأقوال شاذة في حل بعضها إلا أن النمل مجمع على تحريمه.
قال -رحمه الله-: "وعن ابن أبي عمار" قال: هو عبد الرحمن بن أبي عمار المكي، تابعي "قال: قلت لجابر" بن عبد الله الصحابي الجليل الشهير: "الضبع صيد هو؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ " يعني هذا تنقله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو تقوله باجتهادك؟ "قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم" رواه أحمد والأربعة، وصححه البخاري وابن حبان".
في حديث تحريم كل ذي ناب أشرنا إلى هذا الحديث، مما يدل على حله، وتخصيص الحديث السابق بهذا الحديث، ولما فيه من فداء، حديث جابر: "الضبع صيد فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن" يقول الشافعي: "وما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير".
فيها فداء وتباع بين الصفا والمروة؟ يبيعونها لحم وإلا حية؟ لأن الشافعي يقول: "وما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير"
طالب:. . . . . . . . .(99/19)
نعم؟ الحديث ويش يستفيد منها؟ ولا يجوز قتلها في الحرم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب إذا صاد المحرم أو صاد في الحل، ثم أدخله الحرم الصيد يجوز إمساكه وإلا يجب إرساله؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن باعوها بين الصفا والمروة، وهي صيد تفدى بكبش مسن، الشافعي يريد أن يستدل لذلك على أنها يجوز أكلها، وأنها تباع، والناس لا ينكرون بيعها بين الصفا والمروة، يعني في الحرم، فإذا صاد إنسان حلال في الحل صيداً ثم أدخله الحرام هل يلزمه إرساله أو يجوز له إمساكه؟
طيب إذا اشتراه داخل الحرم يمسكه وإلا يرسله؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
النهي عن الصيد، طيب إذا اشتراه يأكله وإلا ما يأكله؟
طالب:. . . . . . . . .
يذبحه في الحرم وهو صيد؟ يمكن تذكرون ما تكلمنا فيه من موضوع هل المراد بالصيد المصيد أو الاصطياد؟ يصح أن نقول: هذا الطائر صيد، صيد والاصطياد يقال له: صيد، فالنهي عن الصيد في الحرم أو في الإحرام هل ينصب إلى المصيد، وهذا قول أكثر أهل العلم، أو ينصب إلى الاصطياد؟ بمعنى أنك إذا ما اصطدته اشتريته شراء، أو كان الاصطياد في وقت يجوز فيه الاصطياد حلال، وفي الحل، ثم أدخلته في الحرم، أكثر أهل العلم على أنه لا يجوز لك أن تذبحه، بعضهم يقول: تخرج به عن الحرم، وبعضهم يقول: يلزمك أن ترسله، تطلقه، فإذا دخل الحرم كان آمناً.
ومنهم من يقول: إن المراد بتحريم الصيد تحريم الاصطياد، فإذا ملك بغير اصطياد كان الحرم وغيره سواء.(99/20)
الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول عن الضبع: "وما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير" هو يريد أن يقرر أنها مأكولة اللحم، والمعول في ذلك على حديث الباب، المعول في ذلك على حديث الباب "قلت لجابر: الضبع صيد هو؟ قال: نعم، قلت: قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم" وأيضاً كونها تفدى، غير المأكول لا يفدى، وإنما يفدى مأكول اللحم، وبهذا قال الشافعية والحنابلة، قالوا: بأنها مأكولة اللحم، والحنفية يرون أنها لا تؤكل استدلالاً بالحديث السابق، وأن لها ناب، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن أكل كل ذي ناب من السباع، ولا شك أن هذا الحديث مخصص، مخصص لحديث "نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع" فإما أن نقول: مخصص؛ لأنه له ناب، فيخرج بحديث الباب، أو نقول: بأن العلة ما اكتملت؟ نعم؟ لأنه ليس بسبع، له ناب لكنه ليس بسبع، ووجود جزء العلة لا يستقل بالتحريم حتى تكتمل أجزاؤها.
"وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه سئل عن القنفذ" سئل ابن عمر -رضي الله عنهما- عن القنفذ "فقال" مستدلاً بالآية: " {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام] " والآية ليس فيها تنصيص على القنفذ، فليست بمحرمة، استدل بالآية، وأن القنفذ لم يستثن من ضمن ما استثني في الآية "فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: "ذُكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبيثة من الخبائث)) " فقال ابن عمر: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال هذا فهو كما قال".
قال: "أخرجه أحمد وأبو داود، وإسناده ضعيف" ضعيف لماذا؟ "فقال شيخ عنده" مجهول، لو افترضنا أن الإسناد: مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن القنفذ، فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام] فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول ... إلى آخره، يكون الحديث صحيح وإلا ليس بصحيح؟ مالك نافع عن ابن عمر؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(99/21)
مالك عن نافع، أنت افترض أنه هكذا: مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سئل عن القنفذ فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [(145) سورة الأنعام] ... إلى آخره، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة ... إلى آخره، نعم صحيح إلى ابن عمر، يعني الموقوف صحيح، والمرفوع ضعيف، نظيره حديث أبي برزة في الحوض عند أبي داود الحديث إلى أبي برزة والقصة صحيحة، وثلاثية في سنن أبي داود، لكن المرفوع حديث الحوض المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه ضعف، فخرج رجل فقال: إن أبا برزة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني وجد واسطة مجهولة بين أبي برزة وبين من دونه، وهذه من الغرائب في حديث أبي برزة في الحوض من أهل العلم من يقول: إنه ثلاثي، ومنهم من يقول: إنه رباعي، ويثبت أن في سنن أبي داود حديثاً ثلاثياً وهو هذا الحديث، منهم من يقول: ثلاثي، ومنهم من .. ، هل مثل هذا مما ينبغي أن يختلف فيه أو لا يختلف فيه؟ يعني كون الحديث رباعي الإسناد أو ثلاثي هذا يتصور الاختلاف فيه؟ لكن من قال: ثلاثي نظر إلى أصل القصة عن أبي برزة يرويها أبو داود بواسطة اثنين عن أبي برزة ثلاثي، القصة مع أبي برزة ثلاثية، لكنها بالنسبة للحديث المرفوع الذي هو المقصود من إيراد الخبر فيه واسطة شخص مجهول.
وهنا لو قلنا: إن أصل الخبر مالك عن نافع عن ابن عمر أنه سئل عن القنفذ، فقال: {قُل لاَّ أَجِدُ} [(145) سورة الأنعام] ... إلى آخره، فقال شيخ عنده، نظير حديث أبي برزة الموقوف ثلاثي وصحيح، لكن المرفوع رباعي وضعيف؛ لما فيه من الجهالة.
"سمعت أبا هريرة يقول: "ذُكر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((خبيثة من الخبائث)) " القنفذ معروف دويبة جلدها مكسو بالشوك، إذا خشيت على نفسها تلفلفت بهذا الجلد المكسو بالشوك، فلا يستطيع أحد أن يقربها، وإذا أرادت المشي أو الأكل أخرجت ما تريد من هذا الجلد ومشت وأكلت.(99/22)
على كل حال الحديث ضعيف، فلا يستدل به على الحل ولا التحريم، وفي مثل هذه الحالة إذا أردنا الحكم، لو سئل إنسان عن حكم القنفذ جاء شخص وقال: وجدت قنفذ آكل وإلا ما آكل؟ يعني ابن عمر حينما استدل بالآية رأى أن الأصل الإباحة، وأنه لا يمنع إلا ما دل الدليل على إيش؟ على منعه، لكن لو قيل -وهو قول آخر في المسألة-: إن الأصل المنع، وأنه لا يؤكل إلا ما دل الدليل على حله، وفي هذا يقول الشافعية: "الحرام ما حرمه الله" ويقول الحنفية: "الحلال ما أحله الله" يعني بين القولين اختلاف وإلا ما بينهم اختلاف؟ الآن جاء واحد يسأل عن القنفذ آكل وإلا ما آكل؟ كل على أصله من يقول الأصل الحل يقول: كل حتى تجد دليل يمنع، والذي يقول الأصل المنع يقول: لا تأكل حتى تجد دليل يبيحه لك.
"الحرام ما حرمه الله" هذا ما يقوله الشافعية، وجمع من أهل العلم، الحنفية عكس كلامهم: "الحلال ما أحله الله" وقول الحنفية في الأطعمة أشد من غيرهم بخلاف الأشربة عكس المالكية.
مقتضى قول الحنفية "الحلال ما أحله الله" أن الكل ممنوع، الأصل المنع، ويبقى أن الحلال ما أحله الله فقط، يعني ما نص على حله هو الحلال، وما عدا ذلك يبقى محرماً، ومقتضى قول الشافعية "الحرام ما حرمه الله" أن الأصل الحل والإباحة، وأنه لا يحرم من المأكولات إلا ما نص على تحريمه، فبين القولين بون شاسع.
ذهبت إلى نزهة فوجدت في البر نبات أعجبك شكله ولونه ورائحته وطعمه هل تأكل وإلا ما تأكل؟ نعم الشافعية تأكل ما في تردد، ويبقى أن مسألة النبات ما تخرجه الأرض أوسع من اللحوم، دائرته أوسع، يعني الأمر فيه أسهل، يعني إذا سلم من الضرر فالأمر فيه أخف، واللحم أضيق مما تنبته الأرض.(99/23)
الآن عندنا هذا الشخص المجهول سمعت أبا هريرة يقول: إنها خبيثة، يعني تقرير الخبث من عدمه هل يشترط فيه ثقة المقرر؟ يعني لو جاءك شخص وقال: هذا خبيث، وقال آخر: لا، طيب؛ لأن من أهل العلم وهو قول معتبر عند جمع من أهل العلم أن ما تستخبثه العرب لا يجوز أكله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرم الخبائث، كما في قول الله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] وقالوا: الاستخباث مرده إلى استخباث العرب وقت التنزيل، إلى استخباث العرب وقت التنزيل، ولو ترك المجال لأفراد الناس بعد وقت التنزيل ما انضبطت المسألة، كل على مزاجه يقول: هذا حلال، وهذا حرام، يختلفون في العين الواحدة هل هي خبيثة وإلا طيبة؟ لكن وقت التنزيل وقت استواء الفطرة، وعدم تغير الفطر، بعد ذلك توسع الناس، وتساهلوا، فكثير منهم رأى الخبيث طيب، والطيب خبيث تبعاً للمزاج وللفطرة المتغيرة.
الآن عندنا شيخ مجهول ينقل عن أبي هريرة، أنت افترض أن قول: "خبيث" من هذا الشخص من قوله، وهو مجهول لا يعرف، هل نعتمد قوله بأنها خبيثة فتندرج في {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] لأن تقرير الخبث للشيء هل يلزم أن يكون مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني عندنا قاعدة عامة نص عليها القرآن: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] هل ننتظر في الحل والحرمة الطيب والخبث نص مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ الحديث الذي معنا قال: ((خبيثة من الخبائث)) فقال ابن عمر: إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاله فهو كما قال.
عرفنا أن الحديث ضعيف لا يثبت به حكم، لكن هل يثبت به أو بمثله تقرير الخبث والطيب؛ لأن المرد في مثل هذا عند أهل العلم قالوا: ما تستخبثه العرب؟ نعم؟ وهذا عربي؟ المطلوب واضح وإلا غير واضح؟
طالب: واضح.(99/24)
حكم شرعي، لا نأخذ من هذا الحديث حكم شرعي، حل وحرمة ما نأخذ، أكل وعدم أكل ما نأخذ؛ لأن الحديث ضعيف، لكن تقرير الطيب والخبث يؤخذ بقول مثل هذا الرجل أو لا يؤخذ وإن كان مجهولاً؟ يعني هل هذا الرجل في الوقت الذي قرر أهل العلم أن مرد الطيب والخبث إلى معرفتهم وخبرتهم واستخباثهم واستطابتهم؟ الظاهر أن المسألة ما هي بواضحة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هذا العربي قرر أنها خبيثة، كونه يرفعه إلى أبي هريرة، أو يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا أمر ثاني، نقول: هذا مجهول ولا نأخذ بقوله، افترض أنه من تلقاء نفسه قال: خبيثة.
يعني بالمناسبة وسيأتي يعني كون نقدمه وإلا في الأصل أنه يذكر عند حديث الجلالة قصة، أو تصرف رؤبة بن العجاج الراجز المعروف، صاحب الرجز، يذكر عنه، ذكر في ترجمته أنه يأكل الفأر، ولا يأكل الدجاج، سئل عن ذلك فقال: الفأر طعامه البر والسمن، والدجاج طعامه ما تعلمون، فهو استطاب الفأر وهو محرم بالاتفاق، واستقذر الدجاج الذي هو حلال بالاتفاق، فهل مثل هذا يرجع إليه في بيان الطيب من الخبيث؟ هذا لا يرجع إليه، لكن هذا العربي المتقدم يعني أقل أحواله أن يكون تابعي، ذكر أنها خبيثة من الخبائث، ويعزوه إلى أبي هريرة، ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يعني هل من المناسب أن يمر الحديث ويقال: ضعيف، فلا يستفاد منه ألبتة لا في الحكم ولا في العلة؟ أو يمكن أن نستدل به في العلة دون الحكم؟ لأن العلة لا يشترط فيها ثقة القائل، لا ثقة الناقل، فرق بين أن يكون القول من الشخص أو فيما ينقله عن غيره، إذا كان مما ينقله عن غيره لا بد أن يكون ثقة، وإن كان مما يقوله من تلقاء نفسه لا يلزم أن يكون ثقة، لكن النقل عنه لا بد أن يكون عن طريق ثقة.(99/25)
يعني بعض علماء العربية الكبار لهم مصنفات معتمدة عند أهل العلم من قديم الزمان إلى يومنا هذا، يعني عرف عنه أنه يشرب الخمر، نقول: لا يعول على كتابه؛ لأنه يشرب الخمر؟ إمام من أئمة اللغة، ودون لنا مصنف من مطولات كتب اللغة، يعني هل نشترط في ذلك ثقة هذا الرجل؟ نعم فيما ينقله عن غيره لا بد أن يكون ثقة، لكن فيما يقرره من تلقاء نفسه، يعني ابن دريد مثلاً ذُكر في ترجمته أنه يشرب، هل نقول: كتب ابن دريد هذه تحرق وتلغى لأنه ليس بثقة؟ سؤال.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
فرق بينما يقوله الشخص من تلقاء نفسه وبين ما ينقله الشخص عن غيره، أنت وجدت كتاب لمؤلف عرف بالفسق، وهذا الكتاب فيه فوائد استنبطها هذا الشخص، تقول: لا نقبل هذا الكلام لأنه غير ثقة؟ لكن إن نقل عن غيره نقول: يرد كلامه لأنه ليس بثقة، فالنقل شيء، والاستنباط شيء آخر، وهذا الذي أريد أن أقرره أن الاستخباث يمكن أن يقوله هذا المجهول ويقبل كلامه، وكونه ينقله عن غيره لا، نقول: مردود، فكونه ينقل عن أبي هريرة وأبو هريرة يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: مردود؛ لأنه مجهول، ولا بد من تحقق العدالة، والثقة في النقل، لكن فيما يقوله الإنسان من تلقاء نفسه نشترط الثبوت عن هذا الشخص.(99/26)
بالمقابل إذا نقل لنا ابن عباس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسند صحيح في البخاري مثلاً نقول: هذا الخبر ثابت عن ابن عباس، ولا يمنع أن يهم ابن عباس في نسبة هذا القول للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فالخبر صحيح على شرط الصحيح باعتبار الإسناد، يعني كما قال ابن عباس: "تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- ميمونة وهو محرم" الخبر صحيح إلى ابن عباس، لكن ما يمنع أن يكون ابن عباس وهم في هذا الخبر، وهل يقال لوجود مثل هذا الخبر في الصحيح أن الصحيح فيه أحاديث ضعيفة؟ لا، نقول: الحديث صحيح، وفي أعلى درجات الصحيح، وسنده صحيح، لكن وهم، والوهم ما يعصم منه أحد إلا المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، فالخبر من حيث الإسناد لا إشكال فيه، وهو ثابت إلى ابن عباس، لكن ابن عباس وهم، بدليل أن صاحبة الشأن قالت خلاف ما قاله ابن عباس، فننتبه لمثل هذا، هذه الأمور لا بد من الانتباه لها إثباتاً ونفياً.
على كل حال الحنفية والحنابلة يرون أن القنفذ محرم، وأنه خبيث من الخبائث، وذهب غيرهم إلى أنه حلال لعدم وجود ما يدل على المنع منه، وبعضهم قال: من باب اتقاء الشبهة، وأن الإنسان لا يبني جسده إلا على ما تبين حله أطلق الكراهة.
قال -رحمه الله-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة وألبانها" أخرجه الأربعة إلا النسائي" الجلالة: هي مأكولة اللحم من بهيمة الأنعام، أو من الطيور أو غيرها كالدجاج مثلاً التي تأكل النجاسات، هذه تسمى جلالة؛ لأنها تأكل الجلة، والجلة العذرة.
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الجلالة" يعني عن أكلها، عن أكل لحمها، وعن شرب لبنها، وجاء ما يدل على النهي عن ركوبها، لماذا؟ لأن النجاسة أثرت في هذه الجلالة، أثرت في لحمها، أثرت في لبنها، أثرت في عرقها الذي يلابسه الراكب؛ لأنه قد يقول قائل: كيف ينهى عن ركوبها؟ الأكل واضح والشرب شرب اللبن واضح؛ لأن اللحم صار نتيجة لهذا المأكول، اللبن نتيجة لهذا المأكول، لكن الركوب؟ نعم العرق لأنه يلابسها، ولا بد أن تعرق، والعرق نجس؛ لأنها جلالة، وأثر فيها أكل الجلة.(99/27)