شرح الشيخ -رحمه الله- على بلوغ المرام وغيره من الكتب يستفيد منه كل أحد المبتدأ يستفيد، يسمع علم سهل ميسر مبسط، ليس فيه غموض، ولا استعمال للاصطلاحات البعيدة، ويستفيد منه العالم من اختيار الشيخ وتوجيهات الشيخ، وليس فيه أيضاً ما يحتاج إلى وقت طويل؛ لأنه مختصر جداً؛ لأنه يحكي علم الشيخ فقط، ما في استطراد، في قال: فلان ولا علان، ولا نقول، ولا خلافات ولا استطرادات، بينما هذه الأمور توجد عند الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-، ويسوقها بأسلوب سهل، فالشيخ عليه رحمة الله- الشيخ ابن باز له خصائصه، ويستفيد منه كل أحد، الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- ذلل العلم ويسيره وسهل لطلابه، يعني تقرأ كتب الشيخ كأنك تسمع سواليف الشيخ -رحمه الله-، وهذا يدل على أن الشيخ فهم هذا العلم وتصرف في أدائه، بينما بعض الناس الذي يقرأ له مسألة أو يبحث مسألة لكن لا يستوعبها استيعاباً كاملاً لا يستطيع أن يتصرف في كيفية أدائها.
أيضاً الشيوخ الآخرون الشيخ ابن جبرين، الشيخ ابن فوزان، شيوخنا كلها عندهم -ولله الحمد- العلم والخير وفيهم الإفادة، وهذا يدل على إخلاص -إن شاء الله تعالى-، على ما نحسب، والله حسب الجميع، فعلينا أن نعنى بكتب المتقدمين وهي الأصل، والمتون التي قررت لكل طبقة، وما كتب عليها من شروح، وشروح المعاصرين أيضاً باعتبارها كتبت وألفت بلغة العصر، ولهجة العصر، يستفيد منها كل أحد، ولا ننسى فتاوى العلماء المعاصرين؛ لأنها تعالج قضايا ونوزل وجدت في هذا العصر، ولا توجد في كتب المتقدمين.
ففتاوى الشيخ -رحمه الله- الشيخ محمد بن إبراهيم، والدرر السنية، وفتاوى الشيخ ابن باز، وفتاوى اللجنة الدائمة، فتاوى العلماء في غاية الأهمية لطالب العلم؛ لأنها أولاً: لا تحتاج إلى شيخ تقرأ عليه، سهلة صيغت بلهجة ولغة يفهمها أهل العصر، طريقة سهلة ميسرة، وفيها أيضاً نوازل ووقائع لم توجد عند المتقدمين فيستفاد منها، يكفي هذا السؤال؟ نعم؟(50/6)
هنا ثلاثة أسئلة إن بقي وقت تترك الأسئلة إلى آخر الدرس -إن شاء الله-، إحنا قررنا أن نأخذ كتاب اللباس كاملاً ونقف على الجنائز -إن شاء الله تعالى-، وهذا خلاف ما خططنا له سابقاً على الطريقة السابقة، لكن أشرنا مراراً إلى أن الإخوان ودهم إلى أننا نمشي حتى بعض الطلاب كأنه دب إليه الملل، والكتاب طويل فيحتاج إلى ما لا يقل عن خمس سنوات لاحقة، فنختصر كثيراً باعتبار هذا مطلب الجميع، وأرجو ألا يكون الاختصار مخلاً.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيقول الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر في بلوغ المرام:
"وعن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا" فرفع يديه ثم قال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) فذكر الحديث، وفيه الدعاء بإمساكها" متفق عليه"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
ولا يزال الحديث في أحاديث الاستسقاء، هذا الحديث حديث: "أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب" وهذا نوع من أنواع استسقائه -صلى الله عليه وسلم-، وتقدم ذكر الأنواع نقلاً عن ابن القيم أنه استسقى في الصلاة ثم الدعاء، واستسقى بالدعاء فقط دون صلاة، واستسقى بالخطبة على المنبر دون جمعة، واستسقى في خطبة الجمعة، واستسقى وهو جالس في المسجد، واستسقى عند أحجار الزيت، واستسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، وأجيب -عليه الصلاة والسلام- في جميع استسقاءاته، استسقى-عليه الصلاة والسلام- يوم الجمعة على المنبر بطلب من هذا الداخل، الذي لا يعرف اسمه كما قال الحافظ ابن حجر، لم يقف في شيء من الطرق على اسمه.(50/7)
"عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً" هذا مبهم لم يتم تعيينه في الروايات الأخرى "دخل المسجد يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال" دخل هذا الرجل والحال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب "فقال: يا رسول الله هلكت الأموال -هلكت من القحط والجدب وما يقيتها وما تقوم به حياتها- وانقطعت السبل" انقطعت السبل الطرق، لماذا؟ لأن الدواب التي تسلك هذه السبل هلكت، أو لأنه لا يوجد في هذه السبل شيء تأكله الدواب فيخشى عليها من التلف، فلا يسافر عليها، ولا ينتقل عليها من مكان إلى مكان، أو أنه لا يوجد من البضائع بسبب الشدة في هذه السنة ما تنقله الدواب "هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله" فادع الله يلتمس من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يدعو الله -عز وجل- "فادع الله أن يغيثنا" فادع الله يغيثنا كذا بالياء إعرابها؟ إذا قلت: ذاكر تنجح، ذاكر تنجح، تنجح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مجزوم لأنه جواب الطلب، أو جواب شرط مقدر، وهنا "فادع الله -عز وجل- يغيثنا" {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(5 - 6) سورة مريم] لو قلنا: جواب الطلب لقنا يرثْني، وهنا لو قلنا: جواب الطلب لقال: يغثْنا، ها ما يكون إعرابها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
وين المجزوم؟
طالب:. . . . . . . . .
(ادع) فعل أمر مبني على الجزم معروف هذا ما في إشكال، يغيثنا الكلام.
طالب:. . . . . . . . .
على إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يجي جواب الطلب، إذا بغينا جواب الطلب لا بد أن نقول: يغثنا إذا قلنا: جواب الطلب، {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا -إيش؟ - * يَرِثُنِي} [(5 - 6) سورة مريم] يرثُ: فعل مضارع مرفوع، لو قلنا: جواب الطلب قلنا: يرثْني وهنا: يغيثنا، لو قلنا: جواب الطلب قلنا: يغثنا، نعم.
طالب: يا شيخ أولاً: جاء في رواية: "يغثنا" في بعض الروايات.
طيب.
وفي هذه: خبر لمبتدأ محذوف: "هو يغيثنا".
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(50/8)
لا ما يلزم ما نبي ننصبه، نعم لو أردنا نصبه بأن المضمرة بعد واو المعية وفاء السببية قلنا هذا الكلام، لكن نريد جزمه إحنا، نعم الجواب: أنه جاء في رواية على أنه مجزوم جواب الطلب، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
منفصلة بإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مالها ارتباط بالأمر (ادع)؟ ليس لها ارتباط بالطلب المتقدم (ادع)؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟. . . . . . . . . ما تجي يا أخي، ما تجي، يعني لو مشت على القاعدة المعروفة قال: يغثنا وانتهى الإشكال، نعم؟ ووجه التأدب إيش؟ كيف؟ يعني الصواب فيها الراوية على القاعدة، نعم؟ ويغيثنا؟ يعني هذه مروية بالمعنى؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم عادي تخريجها سهل، نعم هذه نعم ترد عليك الآية، ترد عليك الآية، يغيثنا هذه هي جواب لـ (ادع) جاءت في بعض الروايات على أنها مجزومة جواب الطلب، وهذا الرواية بالمعنى، الرواية بالمعنى جائزة، وحتى من رواها بالمعنى على هذا يمكن تخريجها على القواعد بأن يقال: خبر لمبتدأ محذوف هو يغيثنا، أو تقول: الياء هذه للإشباع {إنه من يتقي ويصبر} يتقي ويصبر بقراءة إشباعها.
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... . . . . . . . . .
إشباع، فالتخريج من حيث العربية أمره سهل، يعني ما لم يكن عاد خطأ واضح ما له .. ، لا يمكن تصويبه.
"يغيثنا" يعني يرسل علينا الغيث الذي هو المطر الذي بسببه والله -جل وعلا- هو المسبب، وهو النافع الضار، يحصل لنا الغوث والغيث من الشدة واللهف الذي نعيشه، "فرفع النبي -عليه الصلاة والسلام- يديه" رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه داعياً الله -جل وعلا-، ورفع اليدين في الدعاء ثابت، وفيه أكثر من مائة حديث، بل فيه المصنفات ألفت في أحاديث رفع اليدين في الدعاء.
"فرفع يديه ثم قال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) استجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- لطلب هذا الرجل "فذكر الحديث" بتمامه "وفيه الدعاء بإمساكها" بإمساك السحاب عن الإمطار "متفق عليه".(50/9)
وتمامه كما في صحيح مسلم: "قال أنس: "فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من روائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً" سبتاً يعني أسبوعاً كاملاً، يعبرون باليوم على الأسبوع، لأنه نزل المطر يوم؟ يوم إيش؟ الجمعة، إلى الجمعة القادمة لما دخل الأعرابي مرة ثانية، أسبوع كامل "فو الله ما رأينا الشمس سبتاً" ثم دخل رجل ولا يدرى، أنس لا يدري هل هو ذلك الرجل أو غيره لما سئل؟ أو رجل أخر احتمال أو هو نفسه؟ ثم دخل رجل؛ لأنه لو كان الرجل لقال: "ثم دخل الرجل" لأن مقتضى التعبير أن النكرة إذا أعيدت نكرة صار غيره، وإذا أريد نفس الرجل السابق أعيد معرفة {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [(16) سورة المزمل] هو الرسول السابق الذي ذكر، فإذا أريد عينه أعيد معرفة، ومع ذلكم قال شريك: فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري، ثم دخل رجل من ذلك الباب نفس الباب الذي دخل منه الرجل الأول في الجمعة المقبلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، هلاكها الأول بسبب تأخر المطر، الهلاك الأول بسبب المطر، وهلاكها الثاني بسبب كثرة المطر، وبنو أدم مسكين ضعيف لا يحتمل هذا ولا هذا، ليس لديه حول ولا قوة، لكن إذا كانت الأمور ماشية على ما يريد ظلوم جهول، جبار عنيد، ثم بعد ذلك إذا اعتراه أدنى ما يعتريه ضعف وانكسر خنع وخضع، فعلى الإنسان أن يعرف قدر نفسه، ولا يرفعها ولا يعطيها أكثر من حجمها، فالإنسان إذا عرف قدر نفسه ارتاح وأراح الناس من شره، والله المستعان.(50/10)
"ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب فستقبله قائلاً: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكْها" أو يمسكُها كسابقه، وفيه ما فيه، ما قيل في الأول "يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا)) " يعني أبعدها عن الأماكن الآهلة، تعرفون ما يحصل بسبب كثرة الأمطار وهو الغيث الذي يخرج الناس لطلبه، ما يخرج من الأضرار، ولذا الدنيا مجبولة على كدر، هذا الناس يخرجون لطلبه، ومع ذلكم يتضررون به، والخير المحض الذي لا يشركه أدنى شر وأدنى ضرر إنما هو في الجنة، فليكن سعينا وجدنا واجتهادنا إلى تحصيل هذا الخير الذي لا يشركه ضر، وأما خير الدنيا الذي يشوبه الشر والضر مثل هذا يطلب منه الإنسان بقدر ما يعينه على بلوغ غايته، ولا تنسى نصيبك من الدنيا، مع كون الإنسان جهده كله للدنيا، وينسى الآخرة بحيث يحتاج إلى التذكير بها كما هو حال كثير من الناس، جل الناس على هذا، والله المستعان.
((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام)) جمع: أكمة ((والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)) تعرفون الكوارث التي تحصل بسبب كثرة السيول والفيضانات لا يطيقها الناس، الماء الذي هو عنصر من عناصر الحياة لا يستغني أحد {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [(30) سورة الأنبياء] ومع ذلكم يحصل منه ما يحصل فكيف بغيره؟(50/11)
"قال: فنقلعت فخرجنا نمشي في الشمس" انقلعت يعني توقفت وانجابت عن السماء السحب والغيوم المتراكمة فخرجوا يمشون في الشمس، وانظر كيف يتلذذ الناس بالشمس بعد هذا الأسبوع؟ الله المستعان، وبالمقابل كيف يتأذى بها الناس إذا زاد حرها؟ وهكذا أمور الدنيا كلها بهذه الطريقة، يوم كذا ويوم كذا، وليست هذا الدنيا بدار قرار، ولذا جبلت على هذه الأكدار، فلنعرف قدرها، فالمطر إذا تأخر يشرع الاستسقاء، وإذا زاد يطلب كشفه لما يترتب عليه من ضرر كما في هذا الحديث، لكن إذا وجه ولي الأمر بالاستسقاء، وضرب يوماً يخرجون فيه كما يحصل الآن في هذه البلاد، وبعض البلدان نزل عليه مطر كثير، نزل عليه مطر كثير، وبعضها بحاجة إلى مطر، فهل يشرع الاستسقاء للجميع أو الذين أغيثوا لا يحتاجون إلى استسقاء؟ فالاستسقاء طلب السقيا وهؤلاء كيف يطلبون السقيا وعندهم المطر كثير جداً، لا شك أن الإقليم والقطر كالبلد الواحد كالبلد الواحد، وولي الأمر إذا أكد على الجميع الخروج إلى الاستسقاء يخرجون، ويطلبون السقيا لإخوانهم، والذي لا يشعر بحاجة إخوانه ولم يهتم بأمور المسلمين على خطر، على خطر، فلا يقول قائل: إن مادامت الأمطار عندنا كثيرة لماذا نستسقي؟ لا تستسقي يا أخي، تطلب السقيا وأن تكون هذه السقيا سقيا رحمة، لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، على ما سيأتي في بعض الروايات، المقصود أن هذا يتردد كثيراً حينما يؤمر بصلاة الاستسقاء ثم يقول: كثرت علينا السيول فلسنا بحاجة إذاً ما نستسقي، تستسقي يا أخي، وقد تكون الفوائد ظاهرة وقد تكون باطنة، أنت لا تقدر حاجتك من الماء، نعم أنت لا تقدر الحاجة، اسأل ربك أن يسقيك، ويسقي إخوانك في جميع الأقطار، وما يحتاج إليه من المياه التي تسلك في الأرض وتسمونها المياه الجوفية، وبعض الناس جبلة لا يريد المطر، ووجد من يخاف وقت المطر فهو يكره المطر، فضلاً عن أهل الترف الذين لا يريدون المطر من أجل توسيخ ثيابهم وسياراتهم، ويكره المطر لأنه مغسل السيارة مدري بكم؟ ومغسل الثوب والشماغ، يعني هذه توافه يعني لو يتصور يوم من الأيام أنه بيموت عطش يلتفت إلى مثل هذا الأمور؟! وبعض التجار الذين يدخرون الأقوات أهل الادخار والاحتكار(50/12)
بعضهم يكره المطر؛ لأنه إذا نزل المطر تبعه الخير، فرخصت الأسعار، وما استفاد من الاحتكار، بل قد يتضرر لأنه يأتي أشياء جديدة عنده سمن قديم وإقط قديم فإذا نزل المطر وضرب الناس بعطن عنده مشكلة، في حساباته التجارية خسران، لكن أولاً: عليه أن يتهم بشأن المسلمين كلهم، ولا ينظر إلى مصلحته الخاصة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) وإذا كان بلدك ليس بحاجة إلى مطر لكثرة السيول فإخوانك بأمس الحاجة، وقد تكون أنت بحاجة وأنت لا تشعر، والله المستعان، سم.
"وعن أنس -رضي الله عنه- أن عمر -رضي الله عنه- كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وقال: "اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون" رواه البخاري"
الجادة "وعنه" في بعض النسخ "وعنه" يعني أنس صحابي الحديث السابق -رضي الله عنه- أن عمر -رضي الله تعالى عنه- في خلافته كان إذا قُحِطوا بضم القاف وكسر الحاء أي أصابهم القحط والجدب، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، استسقى به، استسقى بذاته؟ توسل بذاته؟ لا إنما يستسقي ويتوسل بدعائه، والدعاء عمل صالح، والدعاء عمل صالح يتوسل به، كما توسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار بأعمالهم الصالحة، ففرج عنهم، فهذا الاستسقاء والتوسل إنما هو بدعاء العباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لقربه منه -عليه الصلاة والسلام- ومكانته؛ لأنه عمه، وعم الرجل صنو أبيه، مثل أبيه.(50/13)
مما ذكر من دعاء العباس في مثل هذا الاستسقاء أنه كان يقول: "اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب أنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب، ولم ينكشف إلا بتوبة، ولم ينكشف إلا بتوبة، لا شك أن ما يصيب العباد فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [(45) سورة فاطر] ولم ينكشف إلا بتوبة، لا شك أن ما يصيب الناس في جميع أمورهم الخاصة والعامة إنما هي عقوبات بسبب الذنوب، فإذا أصيب الإنسان بأي مصيبة سواء كانت المصيبة عامة أو خاصة عليه أن يبادر بالتوبة {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [(11) سورة الرعد] فالتغيير إلى الأصلح لا شك أنه يتطلب تغييراً إلى الأصلح، والتغيير إلى الأسوأ لا شك أن سببه تغيير من قبل الخلق إلى الأسوأ، {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [(11) سورة الرعد] يقول العباس: ولم ينكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك -هو عم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا أيدينا إليك بالذنوب، هذا أيدينا إليك، يعني مرفوعة إليك، وقد تلطخت بالذنوب، ونواصينا إليك، يعني اتجهت إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، مثل هذا الانكسار هو الذي ينبغي أن يقدم في مثل هذه الخطبة، ونسمع بعض الخطباء في مثل هذا الظرف من الحاجة الشديدة إلى الله -جل وعلا- يأتي بخطبة الاستسقاء كأنها مقامة، يستعمل فيها كل ما يستطيع من بيان وبلاغة، وكلمات مترادفة، وأسجاع، الله -جل وعلا- يريد منك الخضوع والانكسار بين يديه، ومثل هذه الظروف في مثل خطبة الاستسقاء يطلب أتقى الناس وأورع الناس، وأخشى الناس للطلب لأنه مظنة الإجابة، والمسألة مسألة دعاء، والله المستعان.(50/14)
يقول: "فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض" فهذا الحديث الخبر الثابت عن عمر -رضي الله عنه- يدل على جواز التوسل بدعاء الصالحين، والتماس الدعاء منهم، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بطلب الدعاء من أويس، فلتمسه عمر وبحث عنه في أمداد اليمن حتى وجده، ثم طلب منه أن يستغفر له، فإذا رأيت رجلاً صالحاً تظنه مجاب الدعوة لا مانع من أن تسأله أن يدعو لك، وأن لا ينساك من دعائه.
فيه أيضاً الاعتراف بحق ذوي القربى من النبي -عليه الصلاة والسلام-، بالاعتراف بحق ذوي القربي، وهم وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا شك أن لهم حقاً على الأمة {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [(23) سورة الشورى] فلهم حق على الأمة بالدعاء لهم، والترضي عنهم، والترحم عليهم، والاعتراف بفضلهم، والإشادة بمناقبهم، لهم هذا الحق.
وفيه أيضاً تواضع عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، ما قال: أنا الخليفة، أنا ثاني الخلفاء الراشدين، أنا ثاني رجل في الفضل من هذه الأمة بعد أبي بكر، خير هذه الأمة بعد نبيها وصديقها، ما قال: أنا مشهود لي بالجنة، لا أحتاج إلى أحد، لا، وكل ما يعرف الإنسان قدر نفسه، ويهضم نفسه يرتفع عند الله -جل وعلا-، نعم.
"وعنه -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر، وقال: ((إنه حديث عهد بربه)) رواه مسلم"(50/15)
"وعنه" يعني عن أنس صحابي الحديثين السابقين -رضي الله تعالى عنه- "قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحسر ثوبه" حسر عن جسده، وذلك يكون برفع الثوب عن الساق وبكشف الرأس، وإظهار اليد والساعد ليصيب الأطراف "فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر" وهذه سنة والسبب في ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنه حديث عهد بربه)) حديث عهد بربه، ما معنى كونه حديث عهد بربه؟ الآن المقرر عند الناس حسب ما تلقوه من علوم الدنيا أن المطر سببه؟ نعم؟ تأثير الشمس في مياه البحار، فيتبخر الماء ويتصاعد إلى الجو ويتكثف ثم يتكون منه السحاب ثم ينزل المطر، وكثير من البلدان نزول المطر فيها في فصل الشتاء، ما أدري كيف يتبخر الماء في فصل الشتاء ولا يتبخر في فصل الصيف؟ هم في علومهم يدركون أشياء لا ندركها، لكن هذا مما يدركه جميع الناس، فهل عندهم جواب؟ نعم؟
اطلعتم جميعكم على كلامهم، مر عليكم في الدروس في دراستكم النظامية يمر مثل هذا، نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ينتقل من الصيف إلى الشتاء وإلا من بلد إلى بلد؟ الدنيا كلها باردة، في الشتاء كلها باردة من وين يجي؟ ينتقل من وين؟ كل الدنيا باردة ينتقل إلينا من البلدان الأكثر تجمد منا، فتبخر الشمس مياه البحار؟ إيش معنى ((حديث عهد بربه))؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
غير الشمس؟
طالب:. . . . . . . . .
هم يقولون: بسبب الشمس، بسبب أشعة الشمس، ونحن نرى المياه في البحار في الشتاء يعلوها طبقات من الثلج، وهذه من الحكم والمصلح للحيوانات التي داخل البحار، ما أدري أنا هذه مشكلة عندي، لكن إن وجد لها حل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب حارة هذه الحارة ما هي بحارة في الصيف أشد؟ أليست حرارتها في الصيف أشد؟ لماذا لا تتبخر في الصيف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(50/16)
التكوين من الله -جل وعلا-، هذا ما أحد يشك فيه، الذي يشك في هذا هو على خطر، هذا التكوين حتى التبخير على قولهم المسبب هو الله -جل وعلا-، يبقى المسألة مرتبطة بالله -جل وعلا-، لكن أنا لا أدري كيف تكون هذا المطر؟ أنا ما أنا من أهل الاختصاص، لكن يبقى أن هنا قدر مشترك مدرك بين الناس كلهم يقول: تبخير بسبب أشعة الشمس على الماء يتبخر ثم يرتفع ويتكاثف ثم ينزل.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هو يتبخر في؟ الصيف، أيوه، واللي يجي بالصيف متى يتبخر هذا؟ نعم؟ لأن بعض المناطق المطر عليها في الصيف، نعم، لا، لا ما يلزم نبرر يا أخي إذا أخطئوا نقول: أخطئوا يا أخي، هذه أمور ترى لعبوا بعقولنا سنين في قضايا أثبوتها ثم نفوها، ونحن عدلنا النصوص عندنا على ضوء مرادهم، إحنا ليش نصير تبع إحنا؟ جاءوا بشيء .. ، المسألة عقلية جاءوا بشيء تقبله العقول من غير أدنى .. ، عندنا نصوص، عندنا نصوص، فماذا نفعل بحديث صحيح يقول: ((إن الشمس تسجد تحت العرش كل ليلة)) وهم يقولون: في فلكها أربعة وعشرون ساعة؟ نوافقهم؟ ما نوافقهم، ما نوافقهم، أبداً، ولا يلزم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
متى تبخرت؟ بدعاء النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لما دخل الرجل وما في السماء لا سحابة ولا قزعة، ولا شيء فنجابت مثل الترس؟ هذه مسألة يعني كوننا نتبعهم في كل ما يقولون، لا شك أن هذا من باب اقتداء المغلوب بالغالب، إحنا ذهلنا في تقدمهم وصناعاتهم وصرنا نسلم لهم كل شيء مو بصحيح، والله المستعان.
نعم لا شك أنه حديث عهد بربه الآن نزل من جهة السماء، من جهة العلو، وهو من أخر المكونات، من أخر المخلوقات وأقربها بالله -جل وعلا-، ففيه بركة.
طالب:. . . . . . . . .
أشعة الشمس الباردة وإلا الحارة؟
الطالب: أشعة الشمس الحارة.
ومتى؟ في الصيف وإلا في الشتاء؟
الطالب: في أي وقت.
في الشتاء؟ حتى بالشتاء؟
طالب:. . . . . . . . .
إحنا ما عندنا شك أن الماء يتبخر مع الحرارة، لكن حرارة الشمس ما تبخر في الشتاء.
طالب:. . . . . . . . .(50/17)
طيب أنت الآن تقرر أن الذي يأتينا في الشتاء هذا جاء من نصف الكرة الجنوبي صح؟ أكثر ما يجينا من الشمال من جهة الباردة.
الطالب: يأتي من الشمال.
ويش. . . . . . . . . يأتي من الشماء؟ هذا أبرد منه. . . . . . . . .
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر أننا ما حنا مدركين معهم شيء، علينا أن نلتزم بديننا، ونعتز بإسلامنا ولا نصير تبعاً لهم، نعم ما عندهم مما ينفعنا في ديننا ودنيانا نستعمله ونستفيد منه، أما أن نكون تبع لهم ما هو بصحيح أبداً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يمكن.
طالب:. . . . . . . . .
الذي ذكروه لا يزال مشكلاً، لكنني أعجب من أناس يتلقفون كل ما يصدر عنهم، قالوا: الشمس ثابتة والأرض حولها تدور، قلنا: تمام، قالوا: ثابتة والله -جل وعلا- يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي} [(38) سورة يس] المسألة ليست سهلة، ليست سهلة، الحديث السابق حديث الرجل الذي دخل –الأعرابي- هذا يبطل كل ما قالوه، هذا يبطل كل ما قالوه، وعلى كل حال على المسلم أن يعتز بدينه، نعم يذكر ويؤثر في هذا الباب من الإسرائيليات أيضاً ما لا تقبله العقول، ما لا تقبله العقول، أيضاً هذا إذا لم يثبت بدليل صحيح لسنا بملزمين بقبوله أبداً، فلا نسترسل مع الإسرائيليات ونتمسك بها، ولا نقلد الأعداء ونتلقف كل ما أتوا به، وإخضاع النصوص للنظريات تعريض لها .. ، لا شك أنه تعريض لها للإنكار، طيب قال كذا هذا الآية مفادها كذا، ثم بعد تبين أن النظرية خاطئة، ثم جاءت نظرية ثانية وأخضعوا لها آية ثانية، وهكذا، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ وين تروح؟ وين تروح؟ هذا الذي يستعمله الناس يرجع إلى الأرض وين راح؟ تريد هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه.
طالب:. . . . . . . . .
وما يصير في جفاف؟ فنقول: هذه الأمور لا شك أن لها أناس مختصين بها، ويدركون منها ما لا ندرك، نعم وهي فن، لكن يبقى أننا لا نعرض عقولنا للتلاعب، ولا نصوصنا للاستخفاف بقدر الإمكان، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
من يخاطب؟ الإمام ما يدخل، نعم الذي يخاطب الإمام أو الذي يخاطبه الإمام ما يدخل في النهي، نعم.(50/18)
"وعن عائشة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: ((اللهم صيباً نافعاً)) أخرجاه"
نعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث عائشة كان إذا رأى المطر قال: ((اللهم صيباً نافعاً)) يعني أجعله صيباً نافعاً، صيباً نازلاً حال كونه نافعاً، صيباً: من صاب المطر إذا وقع، والتصويب: النزول، والتشخيص: الارتفاع، فجاء في وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، يعني لم يجعله نازلاً ولم يجعله مرتفعاً بل على مستوى ظهره -عليه الصلاة والسلام-، ومنه الصيب لأنه ينزل في الأرض، ينزل، ومنه إذا مات الميت شخص بصره، يعني ارتفع، ونافعاً صفة مقيدة لهذا المطر، احتراز عن المطر الذي يضر؛ لأنه تقدم أن منه ما يضر، وإن كان غيثاً، الأصل فيه أنه غيث نافع، لكن منه ما يضر على ما تقدم، نعم.
"وعن سعد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا في الاستسقاء: ((اللهم جللنا سحاباً كثيفاً قصيفاً دلوقاً ضحوكاً تمطرنا منه رذاذاً قطقطاً سجلاً يا ذا الجلال والإكرام)) رواه أبو عوانة في صحيحه"
أولاً: صحيح أبو عوانة هو المستخرج على صحيح مسلم، المستخرج على صحيح مسلم، والاستخراج كما تعرفون أن يعمد عالم من علماء الحديث إلى كتاب أصلي من كتب السنة تروى فيه الأحاديث بالأسانيد فيخرج أحديثه من طريقه هو بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب، هذا هو المستخرج على صحيح مسلم لأبي عوانة، ويتجوزن باعتباره مستخرج عن الصحيح فيقولون: صحيح أبي عوانة، وقد يقولون: هو مسند أبي عوانة؛ لأنه يروى بأسانيد، والحديث وإن كان مخرجاً في هذا المستخرج على الصحيح إلا أنه ضعيف، ضعيف جداً، يقول الحافظ ابن حجر في التلخيص: فيه ألفاظ غريبة كثيرة، أخرجه أبو عوانة بسند واهي، يعني شديد الضعف.(50/19)
هذا الحديث الذي يروى عن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا في الاستسقاء في خطبة الاستسقاء: ((اللهم جللنا)) يعني عمم الأرض بالمطر ((جللنا سحاباً كثيفاً)) يعني متكاثفاً كثيراً متراكماً ((قصيفاً)) يعني يصحبه رعد شديد ((دلوقاً)) مندفع اندفاعاً قوياً، كما جاء في وصف بعد الأمطار كأنه كأفواه القرب ((دلوقاً ضحوكاً)) يصحبه برق، ((تمطرنا منه رذاذاً)) رذاذاً: دون الطش، نعم لكن رذاذاً يعارض قول: ((دلوقاً)) لأن هذا يريده برفق ولين، وكونه دلوق يعني كونه مندفعاً بشدة، ((رذاذاً قطقطاً)) يعني أصغر من الرذاذ، أسهل من الرذاذ، فاجتمع فيه القطقط الذي هو أقل من الرذاذ، واجتمع فيه الرذاذ الذي هو فوق القطقط ودون الدلوق، وفيه أيضاً الشديد ((قطقطاً سجلاً)) يعني ينصب منه الماء صباً ((يا ذا الجلال والإكرام)).
على كل حال هذه ألفاظ غريبة اشتمل عليها هذا الخبر، وهو ضعيف جداً، وأما الدعاء بـ (يا ذا الجلال والإكرام) فإنه من أقوى الأدعية، ولذا جاء الأمر به: ((ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام)) وعلى كل حال الحديث ضعيف، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خرج سليمان -عليه السلام- يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها، رافعة قوائمها إلى السماء، تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنىً عن سقياك، فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم)) رواه أحمد، وصححه الحاكم"(50/20)
هذا الحديث حديث أبي هريرة ضعيف أيضاً، هذا الحديث أيضاً ضعيف، وله طرق حسنه بعضهم بسببها، لكن المرجح أنه ضعيف "رواه أحمد" ولا يوجد في المسند فلعله في غيره من كتبه، وروا الحاكم أيضاً، وصححه الدارقطني، المقصود أنه حديث ضعيف "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((خرج سليمان)) بن داود النبي -عليهما السلام- ((يستسقي)) يطلب السقيا والمطر من الله -جل وعلا- ((فرأى نملة)) النملة معروفة، النملة من أصغر المخلوقات، وهي بحاجة إلى السقيا كغيرها، فكل بحاجة إلى المطر وجعل الله منه كل شيء حي، لا يستغني عن المطر أحد، ولا يستغني عن الماء أحد ((فرأى نملة مستلقية على ظهرها)) تصور نملة ظهرها إلى الأرض وقوائمها إلى السماء، مظهرة هذه الحاجة وهذه الفاقة، مع أنه لا ذنب لها، لا ذنب لها ((رافعة قوائمها إلى السماء، تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن سقياك)) فهم مضطرون، ولا شك أن شؤم معاصي بني أدم يلحق من لا ذنب له، كهذه الحشرات وهذه المخلوقات الصغيرة فضلاً عن غيرها عما هو أكبر منها، فالعاصي المذنب لا يقتصر شرره على نفسه، بل يتعدى ضرره إلى غيره بالتسبب، يكون سبب لضرر الآخرين، فيكف بمن يباشر الضرر بالآخرين؟ والأمر فيه أشد وأعظم، نسأل الله السلامة والعافية.(50/21)
((تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بناء غنى عن سقياك، فقال: ارجعوا)) لستم بحاجة، ما في أبلغ من هذا، نملة تستسقي؟! وهذا على القول بثبوته؛ لأنه حسنه بعضهم بسبب الطرق، المقصود أن هذه النملة تستسقي لا ذنب لها، فهي أحرى بالإجابة من كثير من بني آدم، الذين هم سبب لمنع القطر من السماء، ارجعوا وهذا نبي من الأنبياء يقول: ((ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم)) النملة لها عجائب، يعني من أخبر النملة وأرشدها ووجهها إلى مثل هذا الفعل؟ ومن ألهمها أن تكسر الحبة نصفين لئلا تنبت؟ من الذي وجهها؟ من الذي ألهمها إلى أن تكسر الحبة نصفين لئلا تنبت؟ كثير من الآدميين الذين أتوا العقول قد لا يدرك هذه الفائدة، النملة مجرد ما تجعل الحبة في محلها، في جحرها تقسمها نصفين لئلا تنبت؛ لأنه إذا كانت كاملة وجاءها رطوبة نبتت وضاعت عليها خلاص راحت ما تستفيد منها، من الذي ألهمها لهذا؟ وهذه المخلوقات ليس لها عقول، إنما لها ملكات مدركة تدرك بها ما ينفعها وما يضرها، تدرك ما ينفعها فتسعى إليه، وتدرك ما يظهرها فتفر منه، فمن الذي أخبر الشاة بأن الطعام مطلوب وأن الذئب مهروب منه؟ ولا تريد الموت، وذكر أهل العلم قصص عجيبة لهذه الحشرات والحيوانات كبيرها وصغيرها.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مفتاح دار السعادة ذكر أشياء عجائب، وابن حجر ذكر في شرح حديث الذباب، لما قال بعض المعترضين على الحديث من أين له العقل -أي للذباب- من أين له العقل فيقدم الجناح الذي فيه الداء؟ لماذا لا يقدم الجناح الذي فيه الدواء؟ الذي يلهمه هو الله -جل وعلا-، وذكر الحافظ في شرح هذا الحديث قصة أن فرساً أكره على أن ينزو على أمه فرفض، بالجلد رفض، فجللت الأم بغطاء بحيث لم يعرفها، فنزا عليها فكشف الغطاء فلتفت إلى ذكره فقطعه بأسنانه، هذا حيوان غير مكلف ولا عقل له، وبعض الناس -نسأل الله السلامة والعافية- بسبب ما كسبت أيديهم وجنوا من إدخال الشر إلى أهليهم وذويهم في بيوتهم، يحصل لهم ما يحصل، نسأل الله السلامة والعافية.(50/22)
وهذا حيوان غير مكلف ولا عاقل يحصل منه مثل هذا، فوصل الحد بكثير من الناس إلى أن نزلوا عن مستوى الحيوانات، والله المستعان، فبعضهم يتأول مثل هذا الحديث أنها استسقت بلسان حالها كيف تنطق هذه النملة؟ أقول: القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [(44) سورة الإسراء] كل شيء يسبح بحمد الله -جل وعلا-، نعم.
"وعن أنس -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" أخرجه مسلم"
نعم الاستسقاء كما في حديث أنس كما تقدم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع يديه في دعاء الاستسقاء يرفع يديه بدعاء الاستسقاء، ويبالغ في الرفع حتى يرى بياض إبطيه.
هنا يقول: "استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" فأشار بظهر كفيه إلى السماء، والكيفية مختلف فيها، هل هو مباشرة يجعل ظهر الكف إلى السماء وبطنها إلى الأرض هكذا ويدعو؟ وقد رأينا من الشيوخ من يفعل هذا، من أهل العلم، ومنه من يقول: إنه يبالغ في الدعاء حتى يصل إلى أن يكون ظهر الكف إلى السماء هكذا مبالغة في الدعاء، نعم واللفظ محتمل نعم هكذا يدعو هكذا ظهرها إلى السماء، ولفظ الحديث لا يأبى لا هذا ولا هذا نعم الحديث محتمل، ورأينا من الشيوخ من يفعل هذا وهذا، والحديث محتمل، وقيل بهذا وقيل بهذا وعلى كل حال أهل العلم .. ، وقد جاء في الحديث المخرج في المسند بإسناد حسن وإن كان مرسلاً من حديث خلاد بن السائب عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا سأل جعل بطن كفيه إلى السماء، إذا سأل يعني طلب نعم، وإذا استعاذ جعل ظهرهما إليها، وقد فسر بعضهم قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [(90) سورة الأنبياء] فقال: إن الرغب يكون بالبطون، والرهب يكون بالظهور، وعلى كل حال الحديث محتمل للصورتين اللتين ذكرناهما.
طالب:. . . . . . . . .
تريد أن اللفظ يعطي هذا، الكف هذا كله البطن والظهر هذا الكف.
طالب:. . . . . . . . .
ومع ذلك قالوا: إنه يبالغ في الرفع إلى أن يرى بياض إبطيه في أحاديث أخر، على كل حال اللفظ محتمل للصورتين، محتمل للصورتين، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(50/23)
على كل حال المسألة مسألة حاجة، المسألة مسألة حاجة، فالذي يحتاج إلى استسقاء يستسقي، وإذا طلب من الناس الاستسقاء والإمام عينهم لطلبه يتعين عليهم إذا وعدهم يوماً يخرجون فيه يتأكد في حقهم ولو لم يكونوا بحاجة، لكن الأصل أن الاستسقاء طلب السقيا، والسقيا إنما تكون عند تأخر نزول المطر، لكن ليسوا بحاجة إليه مثلهم بإمكانهم أن يدعوا لإخوانهم دعاء من يحتاج، ولو من غير صلاة، وأنواع الاستسقاء تقدم، وعلى كل حال المسألة مقرونة بالحاجة، نعم.
قال الإمام الحافظ ابن حجر:
"باب: اللباس:
عن أبي عامر الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)) رواه أبو داود، وأصله في البخاري"
كذا عندك الخز مضبوط كذا؟
طالب: إيه يا شيخ.
أي طبعة؟
الطالب: طارق عوض الله.
"عن أبي عامر الأشعري" في الصحيح، أو أبي مالك بالتردد عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير)) بمهملتين، وضبط بالمعجمتين، لكن كونه بالمهملتين أرجح، وهذا ما رجحه شراح البخاري، ومنهم ابن حجر، وإن قال الصنعاني: إن إدخال الحديث في باب اللباس يرجح المعجمتين الخز؛ لأن ابن حجر أدخل الحديث في باب اللباس والخز من اللباس، الخز من اللباس، إذاً راوية الخز بالمعجمتين أرجح من رواية الإهمال، نقول: إنه وإن أدخله في باب اللباس فالراجح أنه بالمهملتين الحر والحرير، وإدخاله في باب اللباس من أجل ما عطف عليه وهو الحرير.
الصنعاني يرجح أن المراد بالحر هذا المراد به الخز؛ لأنه أدخل في باب اللباس وهذا أنسب، نقول: الذي رجحه ابن حجر الذي أدخله في باب اللباس رجحه في فتح الباري هو الحر بالمهملتين ويراد به الفرج، فهم يستحلون الزنا.(50/24)
((ليكونن من أمتي)) ومثل ما تقدم في: ((لينتهين أقوام)) بالفعل المضارع، اللام هذه لام موطئة لقسم محذوف والله ليكونن، ويكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاقترانه بنون التوكيد الثقيلة، ((من أمتي)) المراد بهم أمة الإجابة؛ لأن أمة الدعوة يستحلون كل شيء، يستحلون كل شيء، وهم باستحلالهم الزنا كفروا؛ لأن من يستحل أمر مجمع عليه، معلوم من الدين بالضرورة يكفر، يستحلون فهم من أمته باعتبار ما كان، ((أقوام)) جمع قوم، ويشمل الرجال والنساء هذا الأصل وإذا عطف عليه النساء اختص بالرجال على ما تقدم، ((يستحلون)) يجعلون الحرام حلالاً، يجعلون الحرام حلالاً، الحر بالمهملتين بكسر الحاء وتخفيف الراء، والمراد به الفرج، فهم يستحلون الزنا، والحرير وهو محرم بالنص على الرجال، محرم بالنص حيث أشار النبي على ما سيأتي إلى الذهب والحرير، فقال: ((حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)) ورخص النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحرير لأجل الحاجة على ما سيأتي، فالحرير حرام على الذكور، وفيه أيضاً كما في الصحيح ((والخمر والمعازف)) وفيه الإخبار عن أنهم يخسف بهم، ومنهم من يمسخ نسأل الله العافية، والمسخ والخسف يكثر في هذه الأمة في آخر الزمان، ومن أسبابه استحلال المحرمات، استحلال المحرمات.(50/25)
هذا الحديث يقول: "رواه أبو داود" وهو صحيح لا إشكال فيه، حديث صحيح لا إشكال فيه، وأصله في البخاري، كيف أصله في البخاري؟ يعني البخاري بلفظه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) هو في البخاري، لكن البخاري بدلاً من أن يقول: حدثنا هشام بن عمار قال: وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد .. إلى أخره، فلكونه قال: هشام بن عمار وهشام بن عمار من شيوخه الذين لقيهم وروى عنهم، من شيوخه، من شيوخ البخاري، والإضافة إليه بقوله: قال فلان بدلاً من حدثنا فلان أوجدت خلاف بين أهل العلم في مثل هذا الخبر هل هو متصل أو منقطع؟ يعني معلق؟ فمنهم من قال: معلق وكأن ابن حجر يميل إلى مثل هذا، والحافظ المزي علم عليه علامة التعليق، وأما ابن الصلاح والنووي والعراقي وجمع من أهل العلم يرونه متصلاً؛ لأن قال نعم قال فلان وهو من شيوخه الذين لقيهم وأخذ عنهم وحدثنهم عنهم بصيغة التحديث ما الذي يمنع أن يأخذ عنه هذا الحديث، وللتفنن في العبارة مرة يقول: حدثنا ومرة يقول: قال، وغاية ما في (قال) أنها مثل (عن) مثل (عن) محمولة على الاتصال بالشرطين المعروفين عند أهل العلم: أن يثبت اللقاء كما هو مقتضى شرط البخاري وما استفاض عنه، أو تثبت المعاصرة كما مقتضى اكتفاء مسلم، ومنهم من يقول: لو كان تلقاه عنه بدون واسطة لقال: حدثنا كبقية الأحاديث، حدثنا هشام عن عمار، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي
عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِِ(50/26)
يقصد هذا الحديث، يقول: غاية ما في (قال) أنها مثل السند المعنعن، إذا سلم الراوي من وصمة التدليس، وثبت اللقاء صح على شرطه، على شرط البخاري، وقد ثبت لقاء البخاري لشيخه هشام بن عمار، وأيضاً يقول ابن القيم: إن البخاري أبعد خلق الله عن التدليس، فتوافر الشرطان، لكن لو قال: من أبعد خلق الله لكان أحوط، على كل حال هذا يدل على تحريم ما ذكر الحر والحرير والخمر والمعازف كلها محرمة، واستحلالها خطر عظيم، خطر عظيم، مؤذن بشر مستطير من خسف وغيره، وكون بعضها يقرن ببعض لا يدل على أن حكمها واحد، هي كلها محرمة، لكن هي متفاوتة في التحريم، فتحريم الحرير ما هو مثل تحريم الزنا، تحريم الخمر ما هو مثل تحريم المعازف، المقصود أنها كلها محرمات، فالذي يستحلها على خطر عظيم من العقوبة العاجلة قبل الآجلة، ولا شك أن الذي يستحل الخمر ويستحل الزنا كافر؛ لأنه ثبت بالنصوص القطعية، لكن الذي يستحل الحرير أو يستحل المعازف لأن ثبوتها ليس قطعياً لا يصل إلى حد الكفر وإن كان على خطر، فالحديث فيه دليل على تحريم ما ذكر؛ لأن معنى الاستحلال جعل الحرام حلالاً.
الخز على الراوية الثانية ثياب، نوع من الحرير، نوع من الحرير وإن كان أخشن منه؛ لأنه يكون مخلوط بشيء من الصوف، نعم مخلوط بشيء من الصوف فعطف الحرير عليه من باب عطف العام على الخص، وعلى كل الحال المرجح بضبط الراوية الإهمال الحر والحرير، نعم.
"وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه" رواه البخاري"(50/27)
نعم هذا الحديث تقدم في باب الآنية حديث حذيفة -رضي الله عنه- تقدم في باب الآنية، يقول هنا: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة" وتقدم في الآنية بلفظ: ((لا تشربوا في آنية الذهب والفضة)) وهنا قال: "نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب" فدل على أن تعبير الصحابي عن الأمر والنهي بـ (أمر ونهى) بمثابة (أفعلوا) والنهي بمثابة (لا تفعلوا) فهنا في أول الكتاب قال: ((لا تشربوا)) وهنا قال: "نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب" والمعنى واحد "أن نشرب في آنية الذهب والفضة" وتقدم ما في هذا المسألة، وبيان حكمها، وشيء مما يتعلق بالأكل والشرب في آنية الذهب والفضة "وأن نأكل فيها" هذا تقدم، ونهى "عن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه".(50/28)
لبس الحرير والديباج حرام بالنسبة للرجال، حرام بالنسبة للرجال دون النساء، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء، وحكي عن ابن عليه أنه أباحه للرجال، لكنه قول شاذ، وانعقد الإجماع بعده على التحريم بالنسبة للرجال، ونقل عن ابن الزبير تحريمه بالنسبة للنساء، ثم انعقد الإجماع بعده على الحل .... فهو حرام على الرجال بالاتفاق، وحلال للنساء بالاتفاق "وأن نجلس عليه"، "عن لبس الحرير" الحرير نوع ناعم جداً من اللباس، والديباج نوع منه، بل هو من أنعم ما فيه "وأن نجلس عليه" فالجلوس على الديباج لبس، الجلوس لا شك أنه لبس، ولبس كل شيء بحسبه، هنا جاء التنصيص على الجلوس للحاجة إلى ذلك؛ لأنه قد يفرش الحرير فيجلس عليه، ولولا التنصيص عليه بمثل هذا لا ما أدرك كثير من الناس أن لبس كل شيء بحسبه، وقد جاء في حديث أنس: "فعمدت أو فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس" فلا شك أن الحرير بالنسبة للرجال حرام لبسه والجلوس عليه، وبالنسبة للنساء حلال، يبقى غير المكلفين مثلاً من الصبيان، يعني ما يحرم على الكبار يحرم على الصغار، والمخاطب بهذا الولي ولي الصبي، وأجازه بعضهم كمحمد بن الحسن مطلقاً؛ لأنهم غير مكلفين، ويجوز في وجه عند الشافعية إلباسهم إياه في أيام العيد، يلبسون الحرير والذهب في أيام العيد فقط، لكن الرجال الذكور من الصبيان يلزمون بما يلزم به الكبير، كما أن النساء الصغار تلزم بما يلزم النساء الكبير، وكل هذا على سبيل التعويد وإلا فالأصل أنهم غير مكلفين، وأمرهم أمر لأوليائهم، لا يتجه الأمر إليهم؛ لأن القلم مرفوع عنهم، وإنما المطالب بهذا هو الولي، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) هذا أمر للولي أن يأمر صبيه بالصلاة، وعلى الولي أن يأمره بما ينفعه ويحذره ويكفه عما يضره، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم الحرير؟ هذا للاستعمال لبس، لبس كل شيء بحسبه، وإذا نهي عن اللبس مع أن الحاجة قد تكون داعية إليه فمع عدم الحاجة من باب أولى.
طالب:. . . . . . . . .
نفس الشيء أن نجلس عليه منصوص عليه هذا جلوس.
طالب:. . . . . . . . .
ولا المشي، المشي مثل الجلوس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(50/29)
نعم هم يقولون: الفخر والخيلاء، وكونه لباس رفاهية لا يليق بالرجال، بل يليق بالنساء وقيل: لما فيه من التشبه بأهل الجنة، أو التشبه بالمشركين، المقصود أنه التمس علل كثيرة.
طالب:. . . . . . . . .
مثله نوع من الحرير.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم، أصل الديباج كانوا يسمون المخمل ديباج، كانوا يسمون المخمل ديباج، فالتسميات إذا لم تكن تشهد لها الحقائق لا قيمة لها، الآن تباع أثواب للرجال يمسونها حرير وهي ليست حرير فلا تأخذ نفس الحكم.
طالب:. . . . . . . . .
وهو حرير؟ حرير لا يجوز لبسه ولو لبسه الناس كلهم، والعبرة بالحقائق لا بالألفاظ، يعني لو تواطأ الناس كلهم على تسمية البترول الذهب الأسود نقول: تجب فيه الزكاة زكاة الذهب؟ ما يلزم يا أخي، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا أخذ جميع خواص الحرير الطبيعي يدخل؛ لأن العبرة بـ. . . . . . . . .، بغض النظر عن مصدره، نعم.
"وعن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع" متفق عليه، واللفظ لمسلم"
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير" هذا الأصل، الأصل المنع، ولا يستثنى من هذا الأصل إلا ما استثني هنا، موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة، أكثر شيء أربعة أصابع، (أو) هنا للتنويع أو للتخيير، وكأنه يوحي بأن العدم أفضل، ثم الأقل؛ لأنه بدأ بالأصبعين، يعني وإن كان ولا بد أو ثلاثة إن كان ولا بد أو أربعة على ألا يزيد على ذلك، والترخيص في هذا القدر هو مذهب الجمهور، وروي عن مالك منعه مطلقاً قل أو كثر؛ لأنه قد يحتاج إلى الشيء اليسير، قد يكون هناك شيء يحتاج إلى وصل، خرق الثوب مثلاً، ولا وجد إلا قطعة من حرير، أو ما أشبه ذلك يستثنى مثل هذا، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(50/30)
والله هو الأصل المقصود أربعة أصابع، لكن ما بيّن هذا، يقولون: في كل كم يكون مثلاً أصبعين مثلاً، أو في طرفه يكون أصبعين، لكن الأحوط أن يكون بقدر الأصابع الأربعة، لا يكون بطول الثوب، يعني رقعة بقدر الأصابع الأربعة، رقعة بقدر الأصابع الأربعة، وإن كان لهم تفاصيل في هذا، لكن لا شك أن التنصيص على الأربعة يدل على أنها لو كانت بطول الثوب صارت نعم كثيرة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، رقعة؛ لأنه قد يحتاج إليه فاستثني مثل هذا القدر، نعم.
"وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في سفر من حكة كانت بهما" متفق عليه"
عرفنا أن الأصل في الحرير المنع والتحريم بالنسبة للرجال، وهو مجمع عليه كما تقدم، فهذه هي العزيمة، يقابلها الترخيص للمضطر، فالمضطر يرخص له كما رخص للمضطر إلى أكل الميتة رخص له إلى أن يقول كلمة من باب التقية إذا خاف على نفسه يرخص له، ويبقى أن الأصل هو العزيمة، وهنا التحريم هو العزيمة، فإذا احتيج إلى هذا المحرم من حكة لا تزول إلا بالحرير فلا بأس؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- "رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص الحرير في سفر" منهم من قال: إن السفر وصف مؤثر لا بد أن يكون في سفر، أما إذا كان في حضر فلا يرخص ولو كان به حكة؛ لأن الحضر قد يجد البدائل إذا كان مقيم يجد بدائل، يجد علاج، يجد شيء، لكن إذا كان مسافر لا يجد بديل.
"من حكة كانت بهما" والحكة تكون بسبب القمل كما جاء في بعض الروايات، فالقمل يسبب حكة، وأيضاً الجروح والقروح إذا كانت تتأثر باللباس الخشن يرخص في الحرير، ولا تبرأ بل يزيد أمرها يرخص، المقصود أن الحاجة تبيح مثل هذا.
منهم من قال: إن الترخيص خاص، الترخيص خاص بمن ذكر بـ (عبد الرحمن بن عوف والزبير) فلا يجوز لغيرهما أن يلبسا الحرير بحال، وهو قول مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز مطلقاً، لا من حكة ولا من غيرها، وهذا خاص بمن رخص له النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن التخصيص يحتاج إلى دليل، ولذا يجوز للضرورة عند الحنابلة والشافعية أن يلبس ما يدفع به الضرر بقدر الحاجة، نعم.(50/31)
"وعن علي -رضي الله عنه- قال: "كساني النبي -صلى الله عليه وسلم- حلة سيراء، فخرجت فيها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم"
وهذا لفظ؟
طالب: مسلم.
نعم هكذا في الكتاب، لكن هو في البخاري هكذا أيضاً.
طالب: يا شيخ أنا راجعتها يا شيخ هذا لفظ البخاري وليس لفظ مسلم.
نعم هذا الصواب أن هذا لفظ البخاري.
طالب: في كتاب اللباس.(50/32)
يقول: "علي -رضي الله عنه-: كساني النبي -صلى الله عليه وسلم- حلة سيراء" الحلة لا تكون إلا من ثوبين إزار ورداء، وسيراء فعلاء، يقول الخليل: ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله مع المد سوى سيراء، وهو حولاء وعنباء، والحلة لا تكون إلا من ثوبين إزار ورداء "كساني حلة سيراء" وصف، وجاء بالإضافة من غير تنوين حلةَ سيراء، وهذا ذكر النووي في شرحه أنه أجود، حلةَ سيراء "فخرجت فيها" في هذه الحلة الإزار والرداء "فرأيت الغضب في وجهه" وهي حرير خالص، حرير خالص، أو برود مقطعة مخلوطة من حرير وخز، المقصود أن الحرير فيها ظاهر "فرأيت الغضب في وجهه -عليه الصلاة والسلام- فشققتها بين نسائي" هو يعرف أن الحرير للنساء جائز، وفي أول الأمر تصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما كساه إياها ليلبسها، إنما كساه إياها ليلبسها فلبسها، لكن لما رأى الغضب في وجهه -عليه الصلاة والسلام- قطعها بين نسائه، شققها بين نسائه، وفي رواية: "بين الفواطم" بين الفواطم، والفواطم: زوجته فاطمة بنت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمه فاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة، وفاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب، المهم المقصود الجمع فواطم، لكن تقطيع هذه الحلة التي تكفي شخص واحد بين الفواطم بين النساء إتلاف لها أو بإمكان النساء أن تستعمل هذه القطع ولو لم تكن كاسية لجميع البدن؟ إما خمر نعم تكون خمر على الرؤوس فقط، وإلا لو جاءك ثلاثة من الفقراء بحاجة إلى ثياب أو بحاجة إلى ما يغطون به الرؤوس تشق الثوب بين الثلاثة والشماغ بين الثلاثة وإلا .. ؟ نعم هذا إتلاف لأنه لا يمكن أن ينتفع به، ولذا جاء في حديث الواهبة ليس عنده إلا رداء، من أردها من النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس عنده إلا الرداء، يقول: إن كساها إياه جلس بدون رداء، وإن لبسه ما صار عنده شيء، وإن شقه بينهما ما استفيد منه، على كل حال مثل هذا الصنيع إتلاف، لكن مثلما صنعه علي -رضي الله عنه- شقه كأنه خمر بين هؤلاء الفواطم، استدل بعضهم بالحديث على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، عن وقت الخطاب، وقت الخطاب لما دفعه إليه، ما قال: هذه حلة سيراء يحرم عليك لبسها إنما أخر هذا إلى وقت الحاجة، وقت الحاجة وهو لما رأى(50/33)
المنكر بادر بتغييره، رأى الغضب غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى المنكر، فهذا وقت الحاجة، أما أول الأمر وقت الخطاب وهو واضح، نعم.
"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورهم)) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه"(50/34)
نعم، هذا الحديث حديث أبي موسى فيه كلام لأهل العلم أعل بالانقطاع، وأعل بغيره، وفي رواته بعض الضعفاء، لكن له طرق، يروى من طريق بضعة عشر من الصحابة -رضوان الله عليهم-، فله طرق كثيرة يصل بها إلى درجة الصحيح لغيره "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي)) " على ما تقدم؛ لأن المرأة بحاجة إلى الزينة لتكميل نفسها، والتجمل لبعلها، لما اشتملت عليه من النقص، المرأة خلقت ناقصة تحتاج إلى زينة {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [(18) سورة الزخرف] فهي بحاجة إلى التكميل تكميل هذا الناقص بخلاف الرجل الذي خلق على جهة الكمال البشري اللائق به، فهو أكمل من المرأة فلا يحتاج إلى تكميل، ولذا جاء في قوله -جل وعلا- {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] لأنه بحاجة إلى تكميل {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [(18) سورة الزخرف] الرجال لا شك أنهم أهل خصام وأهل بلاغة والحجاج والخصومات بخلاف النساء، فالنساء طبعهن الحياء والانكسار، وعدم رفع الصوت، وعدم المخاصمة، وعدم .. ، وقد يوجد في النساء من تفوق بعض الرجال، لكن المقصود به الجنس مقابلة الجنس بالجنس، فلا شك أن الرجال أكمل من النساء، وقد كمل من الرجال كثير،، ولم يكمل من النساء إلا عدد قليل، عدد قليل، ولا شك أنه من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الله -جل وعلا- فضل الرجال على النساء، فضل الرجال على النساء {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} [(34) سورة النساء] معلوم من الدين بالضرورة، والمرأة على النصف من الرجل في خمسة أبواب، لكن قد .. ، وهذا تفضيل جنس على جنس، لا يعني أن كل رجل من الرجال أفضل من كل امرأة من النساء، لا، قد يوجد من النساء من تعدل ألوفاً من الرجال، لكن الكمال في الرجال أكثر منه في النساء، وهذا تفضيل جنس على جنس، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، وهو عليه الأمة منذ بعثة نبيها -عليه الصلاة والسلام-، بعد أن شرف الله وكرم المرأة، ورفعها من الحضيض الذي كانت تعامل به في الجاهلية إلى يومنا هذا.(50/35)
النساء لهن خصائص، والرجال لهم خصائص، الرجال لهم ما يليق بهم من أعمال، وللنساء ما يليق بهن من أعمال، والله -سبحانه وتعالى- الذي خلق الجنسين العالم بمصالح الجميع، العارف بما يليق بالرجال وما يليق بالنساء، وجا في الحديث الصحيح: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) هذا عموم النساء، ولا يمنع أن يوجد في الرجال من لا يصلح للتولي، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا أبا ذر إني أراك رجلاً ضعيفاً)) فنهاه عن التولي في الأمور العامة، وألا يتولى ولا مال يتيم، يعني ضعيف في التدبير، ومع ذلك يشاد بأبي ذر، وهو الصحابي الجليل، يشاد به في مسائل المال والاقتصاد؛ لأن له رأي في الاقتصاد، يعني أن ما زاد عن الحاجة لا يجوز ادخاره، ولذا نُفي إلى الربذة من قبل الصحابة، على كل حال المسألة تطول لو أردنا أن نستعرض كل ما في الباب، لكن مناداة الأعداء بالمساواة بين الرجل والمرأة لا شك أنه لنقض عرى الإسلام، وما جاء به الدين، واتهام الإسلام والمسلمين، وتبقى أن المرأة مكرمة معززة هي أم غالية، ولها من الحقوق ثلاثة إضعاف ما للأب، لها ما يخصها، البنت أيضاً من أغلى ما يملكه الرجل في الدنيا، وقد أمر بالإحسان إليها، فمن ولد له أو ابتلي بشيء من البنات، وأحسن تربيتهن له الوعد العظيم من الله -جل وعلا-، فالأمر بالإحسان إلى النساء مطلوب شرعاً، والمعاشرة بالمعروف هو الواجب في الشريعة، لكن يبقى أن لكل مخلوق ما يخصه، والشرع كرم هذا وهذا، لكن باعتبار أن الله -جل وعلا- وهو العليم الخبير الذي خلق الرجل وركب فيه ما يليق به اسند إليه ما يناسبه من أعمال، والذي خلق المرأة وعلم ما يصلحها ويصلح لها أسند إليها من المهمات والأعمال ما لا يطيقه الرجال، ما لا يطيقه الرجال لكن يناسب النساء، نعم.
"وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) رواه البيهقي"(50/36)
هذا الحديث حديث لا بأس به، عند البيهقي وهو أيضاً عند أحمد، ورجاله لا بأس بهم، فالحديث حسن، "عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) " يظهر بالمظهر اللائق المناسب، يظهر بالمظهر اللائق المناسب، الذي به يشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة، ولا يظهر بمظهر مع أن الله أغناه عن التكفف والحاجة يظهر بمظهر بحيث يزدريه الناس، أو يعطفون عليه ويتصدقون، هذا وإن لم يكن كفر للنعمة باللسان هو بالفعل يظهر بالمظهر غير اللائق بحيث يزدريه الناس، ويحسنون إليه، بل على من أغناه الله وقدره على أن يظهر بالمظهر اللائق المناسب من غير إسراف، فالله -جل وعلا- يحب أن يرى أثر النعمة من غير إسراف ولا تكبر، ولا ترفع على الناس، ومن غير مبالغة، بعض الناس كل يوم يلبس ثوب بحيث لا يعود إليه أبداً، هذا إسراف -نسأل الله العافية-، لكن يتوسط في أموره كلها، يتنظف ويتطيب ويخرج بالمظهر اللائق بين الناس، يركب المركوب المناسب، يسكن المسكن المناسب من غير أن يلفت أنظار الناس إليه، لا بالزيادة ولا بالنقص، من أهل العلم من يرى أنه إذا أظهر النعمة عليه من أجل أن يقصده المحتاج فيسأله، من أجل أن يقصده المحتاج فيسأله، وبعض الناس إذا سافر إلى البلدان في الخارج يخلع لباسه؛ لأن أهل هذه البلاد عرفوا -ولله الحمد- بالنعمة، وقد وسع الله عليهم، فإذا استمروا في ثيابهم ابتلوا بالشحاذين وأوذوا، بل قد يبتلوا بالسراق، فيضطر إلى أن يغير لباسه إلى لباس بلد لم تظهر فيه النعم، هذا إذا خشي على نفسه أو خشي على ماله من السراق يغير، لكن يغير بلباس شرعي، لا يتجاوز ما شرعه الله -جل وعلا-، فمثل هذا لا بأس به إذا خشي على نفسه أو خشي على ماله يغير، ولا يلزمه أن يلبس لباس بلده، شريطة ألا يتجاوز ما أباحه الله -جل وعلا-، فإذا خير بين أن يلبس اللبس الأجنبي الذي أصله من الكفار، إفرنجي أو لباس بعض المسلمين بعض الجهات من بلاد المسلمين الفقيرة يختار لباس المسلمين، نعم بحيث لا يؤذى ولا يضيق عليه ولا يبتلى بالسراق والمؤذين، على كل حال هذا المسألة تقدر بقدرها، والأصل إذا(50/37)
لم يخش على نفسه شيئاً أن يرى أثر النعمة عليه، نعم.
"وعن علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القسي والمعصفر"، رواه مسلم"
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس القسي" بفتح القاف وتشديد السين المهملة، بعدها ياء النسب، وياء النسب مشددة.
ياء كيا الكرسي زيدت للنسب ... . . . . . . . . .
نعم، يذكر عن أهل الحديث أنهم يكسرنها يقولون: قِسي، وأهل مصر يفتحونها، وهي نسبة إلى بلد في مصر يقال لها: القَس، مدري يعرفها المصريون وإلا .. ؟ معروفة وإلا .. ؟ قس، احتمال أن تكون من البلاد المندرسة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ طيب كم في مصر من بلد من مدينة من قرية من عزبة من مدري إيش تسمونها عاد .. ؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
القاموس، القاموس الجغرافي للبلاد المصرية الحالية والمندرسة مطبوع في خمسة مجلدات، مجرد أسماء تعداد أسماء، في خمسة مجلدات كبار، ما هو بعندك أنت؟ كيف تنتسب لبلد ما تعرف عنها شيء؟ لا مثل هذه الأمور ينبغي أن يعنى بها،. . . . . . . . . تمر مثل هذه لازم تعرفها، فالبلدان التي يشار إليها في النصوص لا بد من معرفتها؛ لأنها تحدد بعض .. ، تعين على فهم النص، تعين على فهم النص، فالقاموس الجغرافي مطبوع قديم قديم مطبوع في بولاق في مجلد ضخم قبل مائة سنة للبلاد الحالية والمندرسة، وطبع بعد ذلك في ستة مجلدات في دار الكتب المصرية، وكل بلد له قواميس، وله معاجم، وله .. ، فالعناية بها بقدر الحاجة، ما هو الإنسان ينهمك بقراءة هذه الأمور، ويغفل عما هو أهم منها، يقول: إن القس هذه بلد في مصر تجلب منها هذه الثياب.
طالب: يا شيخ -أحسن الله إليك- فيها بلد الآن اسمها: قوس ما تكون تغيرت مع .... ؟(50/38)
قوس موجودة، نعم ومشهورة أيضاً، والله ما أدري؟ لا بد من مراجعة هذا المعجم، المعجم ذكر فيها عزب يسكنها أنفار، مائة نفر، مائتين نفر يعني أشياء قليلة جداً مثل المراكز عندنا والهجر وغيرها، يقول: وأهل مصر يفتحونها قَس، وهي نسبة إلى بلد يقال لها: القس، القسي، في البخاري هذه الثياب التي هي القسي، فيها حرير أمثال الأترج، الحرير بقع من الحرير كبيرة أمثال الأترج، تزيد عن الأربعة الأصابع يمكن بقدر الكفين معاً، فيها حرير أمثال الأترج ولذا منعت لما فيها من الحرير.
"والمعصفر" وهو المصبوغ بالأصفر، يعني الأصفر الخالص نعم، ولا شك أن ما اشتمل على الحرير الزايد على الأربعة أصابع محرم، وأيضاً المعصفر ثبت النهي عنه، ثبت النهي عنه، وجواز لبس المعصفر وحمل النهي على الكراهة قال به الجمهور، وإن كان الأصل في النهي التحريم، وجاء في الحديث الصحيح أن النبي –عليه الصلاة والسلام- لبس الحلة الحمراء، لبس الحلة الحمراء، وابن القيم -رحمه الله تعالى- يجزم بأنها ليست حمراء بحتة، وإنما فيها خطوط حمر، وبقع غير حمراء، وإن كان الغالب الحمرة، لكن الأحمر الخالص جاء النهي، وجاء إنكاره على ابن عمر وغيره من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- المياثر الحمر، نهى عن المياثر الحمر، وأما كونه -عليه الصلاة والسلام- لبس الحلة الحمراء فهي ليست بحمراء خالصة، والمنهي عنه الخالص، يعني كما يقال للشماغ أحمر وإلا أبيض؟ أحمر وإن كان البياض بقدر الحمرة، لكن باعتبار أن الأحمر لا شك أنه يجذب أكثر من الأبيض، فالنظر يتجه إليه والوصف ينصرف إليه، فهو أحمر وإن كان فيه من اللون الأبيض بقدر ما فيه من الأحمر، نعم.
"وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "رأى علي النبي -صلى الله عليه وسلم- ثوبين معصفرين، فقال: ((أمك أمرتك بهذا؟ )) رواه مسلم"(50/39)
نعم في حديث عبد الله بن عمرو النبي -عليه الصلاة والسلام- أنكر عليه لبس الثوبين المعصفرين، فقال: ((أمك أمرتك بهذا؟ )) لأنه لباس النساء؛ لأنه لباس النساء، وعلى كل حال لبس المعصفر منهي عنه، وأقل أحواله الكراهة الشديدة، وذهب بعض العلماء إلى تحريمه، وأما الأحمر الخالص فهو أشد من الأصفر، فلا يجوز لبسه، الأحمر الخالص بالنسبة للرجال فقد ثبت النهي الشديد عنه، وأما المعصفر فهو لباس النساء، ومعروف أن التشبيه بالنساء لا يجوز، لكن الأمر فيه أخف عند أكثر العلماء حيث حملوا النهي عن الكراهة في سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى عليه ريطة مضرجة بالأصفر، فقال: ((ما هذه الريطة التي عليك؟ )) قال: فعرفت ما كره، فأتيت أهلي وهم يسجرون تنوراً لهم، فقذفتها فيه، ثم أتيته من الغد فقال: ((يا عبد الله ما فعلت الريطة؟ )) فأخبرته، فقال: ((ألا كسوتها بعض أهلك، فإنه لا بأس به للسناء)) وهذا حديث جيد لا بأس به حسن؛ لأن من تمام الحديث الحديث الأول تمام الحديث عند مسلم لما قال له: ((أمك أمرتك بهذا؟ )) قال عبد الله بن عمرو: أغسلهما يا رسول الله؟ قال: ((بل أحرقهما)) هذا تأكيد، تأكيد، وهنا لما أحرقهما قال: ((هلا كسوتهما بعض نسائك أو بعض أهلك)) فدل على أن الأمر بالإحراق مبالغة في الإنكار، لكن لو قسم للنساء يجوز أن تلبسه النساء؛ لأنه من لباسهن، والأمر بالإحراق لا شك أنه من باب التغليظ في الأمر والتشديد فيه، نعم.
"وعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنها أخرجت جبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج" رواه أبو داود، وأصله في مسلم، وزاد: "كانت عند عائشة حتى قبضت فقبضتها" وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها" وزاد البخاري في الأدب المفرد: "وكان يلبسها للوفد والجمعة".(50/40)
نعم حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين أم عبد الله بن الزبير، أخت عائشة -رضي الله عنها- وهي أكبر منها، وعمرت بعدها، وماتت عن مائة سنة، ولم يسقط لها سن، ولم يتغير لها عقل، ماتت بعد ابنها عبد الله بشيء يسير، قيل: بعشر ليالي، المقصود أنها أخرجت جبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أخرجت هذا عند الحاجة؛ لتستدل بها على ابن عمر؛ لأنه بلغها أنه كان يحرم العَلَم في الثوب، يعني الشيء اليسير، يحرمه لعموم قوله: ((إنما يلبس الحرير من لا خلاق له)) فأرادت أن تستدل بدليل عملي، هذه جبة النبي -عليه الصلاة والسلام- أخرجت جبة النبي -عليه الصلاة والسلام- مكفوفة الجيب عندك طيالسة؟
طالب: لا.
عندكم وإلا .. ؟
طالب: مخرج يا شيخ من السنن.
نعم؟
طالب: عزاه إلى السنن في الهامش.(50/41)
لكن هو يقول: "أخرجت جبة رسول -صلى الله عليه وسلم- طيالسة مكفوفة" نعم الطبعات الأخرى" طبعة الزهيري فيها شيء؟ نعم؟ الطبعات القديمة إذا كان في صورة وإلا شيء؟ طبعة حامد الفقيه وإلا غيره؟ طيب "مكفوفة الجيب" الجيب الذي يخرج منه الرأس "والكمين والفرجين" أين الفرجين؟ "مكفوفة الجيب" الجيب الذي يخرج منه الرأس، والكمين الكمان معروفان، طيب والفرجين الجيب؟ نعم؟ مشروحة الفرجين عندكم وإلا لا؟ شرحها؟ نعم؟ الجيب هو هذا "مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج" رواه أبو داود، وأصله في مسلم" مكفوفة، الكف: هو ثني الطرف، الكف ثني الطرف، طرف الشيء إذا ثني صار مكفوف، ما هو بأعمى لا مكفوف، وهذا يقال لها إيش؟ كِفة وإلا كُفة؟ لأنهم، يقولون: كل مستدير كِفة، وكل مستطيل كُفة، نعم "وأصله في مسلم، وزاد -أي مسلم- من رواية أسماء: "كانت عند عائشة حتى قبضت" احتفظت بها هذا الجبة عائشة حتى قبضت في سنة سبعة وخمسين، "وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يلبسها" استعملها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فصار فيها من البركة ما نالها من مُماسة جسده الطاهر -عليه الصلاة والسلام-، المبارك "وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها" نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه من البركة بحيث يستشفى بما باشر جسده الطاهر، "وزاد البخاري في الأدب المفرد: "وكان يلبسها للوفد" يعني ممن يفد إليه من علية الناس من البلدان من القبائل يتجمل بها ويلبسها للجمعة، كما أنه يلبس أحسن ثيابه للجمعة والعيدين، ولهذا يشرع للمسلم أن يستقبل الناس باللباس الطيب، ويستقبل أيضاً الوفود ومن يفد إليه من ضيوف بالأكمل، ولا يليق بالشخص إذا جاءه الآتي أن يخرج إليه بقميص نوم وإلا بسروال وإلا شيء، لا، لا، يتجمل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتجمل للوفود، ويلبس الثياب الجميلة للوفود، وكذلك للجمعة والعيدين، واللباس له آداب وله أمور تتعلق به تطلب من المطولات، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.(50/42)
مما ينبه عليه في باب اللباس: مسألة الإسبال، مسألة الإسبال ما دون الكعب حرام ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) ولو لم يصحبه خيلاء، أما إذا صحبه خيلاء فالأمر أشد لا ينظر الله إليه -نسال الله السلامة والعافية-، أيضاً الكم ينبغي أن يكون إلى الرسغ، كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن بعض الناس يطول الأكمام وهذا إسبال، لكنه ليس مثل إسبال أسفل الثوب، أسفل الثوب إسباله حرام، وتطويل الكم خلاف السنة، وأقل أحواله الكراهة، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.(50/43)
بلوغ المرام - كتاب الجنائز (1)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
يقول الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -يرحمه الله-:
كتاب الجنائز:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكثروا ذكر هادم الذات الموت)) رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"كتاب الجنائز" الكتاب مر التعريف به مراراً، والجنائز جمع جَنازة وجِنازة بفتح الجيم وكسرها، واللفظان للميت أو للسرير وعليه الميت، ومنهم من يجعل الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل، جَنازة للميت وجِنازة للسرير، نعم؟ أقول: منهم من يجعل الأعلى للأعلى ويطردون هذا في كثير من الألفاظ الأعلى الفتحة والأسفل الكسرة الأعلى للأعلى الأعلى الميت إذا وضع على سريره، والأسفل الجِنازة للسرير نفسه، يطردون هذا في بعض الألفاظ، فمثلاً يقولون: دَجاجة بالفتح للذكر وبالكسر للأنثى، والمايح والماتح الماتح بالتاء المثناة من فوق الذي يكون في أعلى البئر والمائح الذي في أسفله عند استقاء الماء من البئر، وعلى كل حال مثل هذه الألفاظ المعروفة الجنازة والجنائز أمر لا يختلف فيه اثنان في حقيقته والمراد به، ولذا لا تجدون في كتب المتقدمين تعريف مثل هذه الألفاظ المعروفة، إنما احتاج إليها المتأخرون لاحتمال أن يوجد من لا يعرف هذا اللفظ وما المراد به لكثرة الاختلاط بين من يحسن ويعرف هذه الاصطلاحات مع غيرها، ويرون أن الأحكام المترتبة على هذا اللفظ لا تكون إلا بعد تصوره، وهذا هو الترتيب العلمي في اصطلاح العلماء أن يعرف الشيء ثم بعد ذلك تذكر الأحكام المتعلقة به، ولذا تجدونه في مطلع كل كتاب وكل باب يعرفون، يبدؤون بالتعاريف والحدود ثم يرتبون عليها ما يريدون.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الأول:(51/1)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أكثروا ذكر هادم اللذات الموت)) الحديث مخرج في سنن الترمذي والنسائي، ومصحح عند ابن حبان والحاكم وابن السكن، وجمع من أهل العلم صححوه، وله طرق وشواهد تجعل لتصحيحهم وجهاً، وهادم اللذات وجاء في بعض الألفاظ بالدال المهملة "هادم" وجاء في بعضها "هازم" والفرق بين هذه الألفاظ أن الهاذم هو القاطع، والهادم هو المزيل كالذي يهدم البناء، والهازم هو الغالب، وإذا نظرنا إلى الموت وجدنا فيه هذه الألفاظ كلها، فهو يقطع اللذات، والمراد باللذات المحسوسة من استمتاع بمتع هذه الحياة فيحول بين المرء وبينها فيقطعه من الاستمتاع بالأكل والشرب ومعاشرة الأقران والنساء وما أشبه ذلك من متع هذه الحياة الدنيا على أنه قد ينقل الإنسان إلى ما هو أشد متعة ولذة منها، لكن هذا بالنسبة لمستوى الناس كلهم الذين يشتركون فيه في متعال الحياة الدنيا، لكن من الناس من ينتقل إلى ما هو أفضل من حاله وعيشه، ومنهم من ينتقل إلى حال سيء -نسأل الله السلامة والعافية- فهو قاطع وحائل بينه وبين لذاته، وهو أيضاً هادم مثل ما يهدم البناء ويتحطم فهو مزيل لهذه النعم سواء أكانت حقيقته أو ذكره عند من أحياء الله قلبه، مزيل للتلذذ بهذه النعم واللذات، وهو أيضاً غالب لها، ولذا يتقزز كثير من الناس من ذكر الموت أثناء الطعام، وينكر على من يذكر الموت في أوقات الفرح مثلاً في الأعياد وفي الأفراح وفي الأعراس وفي غيرها وأثناء الأكل والشرب ينكر يقول: الناس جاءوا ينبسطوا ويفرحوا ويتلذذوا بالحياة لكن أولى ما يذكر فيه الموت في هذه المواطن، مع أنه ينبغي أن يكون على لسان الإنسان على لسان المسلم امتثالاً لهذا الحديث، وللمصلحة المترتبة على ذكره؛ لأن الإنسان الذي يكثر من ذكر الموت، الموت لا يذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره، إذا كانت عندك الأموال الطائلة إذا ذكرت الموت أمنت من الطغيان؛ لأنك رأيت أنك استغنيت، فإذا عرفت أن وراءك موت تأمن من هذه الآفة، وإذا كنت فقيراً لا تجد ما يكفيك تكاد نفسك تتقطع حسرات إذا رأيت ما عند الناس من أموال ذكرت الموت فهان عليك كل شيء، فهذا الأمر على(51/2)
المسلم أن يتمثله، لماذا؟ لئلا يسترسل في إتباع شهواته وملذاته وينسى ما أمامه من أهوال، فإذا استحضر ذكر الموت ارتاح ضميره، وعمل لما بعد الموت، لا يذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره، وجاء في بعض الألفاظ لهذا الحديث بعد الأمر بذكره أن من أكثر ذكره أحيا الله قلبه، من أكثر ذكر الموت أحيا الله قلبه، ومعناه صحيح، معناه صحيح إذا تصورت ما أمامك عملت، وإذا نسيت ما أمامك أهملت وغلفت، فلا شك أن هذا الأمر على كل مسلم أن يتمثله لا سيما من ينتسب إلى العلم وطلبه تجد الناس ويوجد هذا في مجالس طلاب العلم أيضاً يكثر فيها الهزل، يكثر فيها الضحك، يكثر فيها القيل والقال، لكن لو ذكر الموت الموت شبح أمام الناس كلهم، مخيف يقفون عند حدهم، والله المستعان.
سم.
قال -رحمه الله-:
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/3)
وعن أنس بن مالك خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتمنين أحدكم الموت)) يكثر ذكر الموت ليعمل ليحدوه ذلك إلى العلم، لكن ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) فيتعجل، يتعجل الموت لما يقاسيه من آلام ومشاق، وبعض الناس عنده ضيق شديد في الخلق لأدنى شيء يتمنى الموت له أو لغيره، أنت تدري أن الموت الذي تمنيته يقطع عنك الزاد الموصل إلى مرضاة الله -جل وعلا- وإلى جناته، خلاص إذا مت طويت الصحف، انقطع عملك إلا ما استثني، والمسلم كلما طال عمره وحسن عمله كان خيراً له، قيل لشخص من السلف يعني رجل من السلف كبرت سنه قيل له: هل تتمنى الموت؟ قال: لا أتمنى طول العمر، لماذا؟ يقول: الآن كنت غافل لما كنت في الشباب، لكن الآن إذا جلست قلت: بسم الله، إذا قمت قلت: كذا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، يعني غراس هو يغرس في هذه الحياة الدنيا، لكن الإنسان الذي يتصور الهدف الحقيقي من وجوده على هذه الحياة ويتمنى أن تكون عاقبته حسنة لا يتمنى انقطاع وقت الزرع، بل ليزداد من حياته لموته ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) لهذا السبب لا يتمنى لضر نزل به في بدنه في ولده في ماله، لكن لغير ذلك لغير الضر في أمور الدنيا لأمر من أمور الآخرة، رأى أسباب الفتن قد انعقدت، وغلب على ظنه أنه لا يثبت أمام هذه الفتن، فإذا خشي فتنة في دينه لا بأس أن يتمنى الموت خشية أن يفتن في دينه؛ لأنه ما يدري، هو يتمنى طول الحياة لا لذات الحياة وإنما ليغرس فيها ويعمل لآخرته، لكن إذا كان الغالب على ظنه أن يتضرر من هذه الحياة لا مانع، ومريم بنت عمران تمنت ذلك {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [(23) سورة مريم] لأن هذه فتنة في الدين، امرأة تأتي بولد من غير زوج! هذه يخشى عليها من الفتنة، إذا تسلط الناس عليها يخشى عليها أن تفتن في دينها، والإنسان لا يصبر على مثل هذه الأمور، المقصود أنه إذا وجد مبرر شرعي ديني وخشي الإنسان على دينه لا على دنياه له أن يتمنى، ومن ذلك تمنى الشهادة، والشهادة موت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((وددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا فأقتل، ثم(51/4)
أحيا ثم فأقتل، ثم أحيا ثم فأقتل)) ... إلى أخره، فهذه تمني، فإذا وجد مبرر شرعي لهذا التمني جاز، ولذا قال: ((ليتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنياً)) يعني ما احتمل المصيبة التي يعيشها ((فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) هو لا يدري، ما يدري ماذا يحصل له؟ المستقبل غيب، لا يعرف المرء نتائجه، والله -جل وعلا- هو الذي يعلم الغيب، فيكل الأمر إلى الله -جل وعلا-، فيجعل الخيرة لله -جل وعلا- يختار له ما يصلحه في دينه وديناه، إن كانت الحياة خير له بمعنى أنه يزداد من الأعمال الصالحة الزاد الحقيقي الذي يوصله إلى الآخرة أحيني ما كانت الحياة خير لي بحيث أزداد فيها من الزاد الحقيقي، ((وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) لأن المسألة لا بد من المحاسبة، فإذا كانت نتيجة الحساب الحسنات غالبة على السيئات كانت الحياة خيراً للمرء، وإذا كان العكس فالوفاة خيراً له، يعني هذه الأيام والليالي التي ينتج عن مجموعها السنون، ومن مجموع السنين عمر الإنسان ظرف خزائن بحسب ما يودع فيها، فإن أودع الإنسان فيها الخير وسعى لفعل الخير، واجتهد لطلب الخير كانت خيراً له، وإذا كان الأمر بالعكس فرط في أعمال الخير، وارتكب بعض ما حرم الله عليه كانت الوفاة خيراً له، لكن الإنسان ما يدري عن المستقبل، هو ينوي الخير، لكن ما يدري ما يعرض له من شبهات وشهوات تحرفه عما تمناه، فالله –جل وعلا- يختار له وإذا نهينا عن تمنى الموت فمن باب أولى، هذا مجرد التمني، لا يجوز جاء النهي عنه هنا مجرد التمني فكيف بمباشرته؟! أما مباشرة الموت الذي هو إزهاق نفس هذا لا شك في تحريمه بغير حقه لا شك في تحريمه، وجاءت فيه النصوص المستفيضة من الكتاب والسنة، وكون الإنسان يباشر قتل نفسه إذا نهي عن مجرد التمني كونه أيضاً يباشر قتل نفسه أيضاً لا يوجد في النصوص ما يدل على جوازه، بل جاء في النصوص ما يدل على تحريمه والتشديد في أمره، ومن قتل نفسه بشيء جاء به يوم القيامة يكرر قتل نفسه هناك، من قتل نفسه بحديدة، من قتل نفسه بسم، يأتي به يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، فمباشرة(51/5)
المسلم لقتل نفسه حرام، ولا يوجد في النصوص ما يبيح للمسلم أن يقتل نفسه يباشر القتل نعم قد يوجد ما يجعل الإنسان يكون سبب في قتل نفسه دون مباشرة، سبب لقتل نفسه بأن يقتحم صفاً، أو ينزل في بكرة في حصن على الكفار ويغلب الظن أنه يقتل، أو يدل العدو على كيفية قتله، كما في قصة الغلام التي هي في شرع من قبلنا، لكنها سيقت مساق المدح في شرعنا، يكون المرء سبب في قتل نفسه إذا كانت المصلحة راجحة، أما أن يباشر قتل نفسه فلا أعلم في النصوص ما يدل على ذلك، مهما يكون المبرر، وفرق بين التسبب والمباشرة، على كل حال من أفتى في هذه المسائل وأن للإنسان له أن يقتل نفسه إذا ترجحت المصلحة ولا سيما المصلحة العامة إذا كانت لديه أسرار وخشي أن يفشيها للكفار اتجه القول بجواز ذلك عند بعض أهل العلم ومثل العمليات التي يختلفون فيها من رأى أن فيها نكاية للعدو، وأنه لا وسيلة لتحصيل الحقوق إلا بها أجازها بعض أهل العلم، أما أنا فلا أعرف نصاً يبيح ذلك، والمسألة اجتهادية، يعني وجد ما يبيح التسبب مما يقرب من المباشرة، يعني كونهم يعجزون عن قتله ويقول: خذوا سهماً من كنانتي وقولوا: كذا وكذا مصلحة راجحة، لكن ما باشر هو تسبب تسبُب قريب من المباشرة، ولنعرف الفرق بين التسبب والمباشرة، جاء في الحديث حديث الدعاء: ((إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)) نعم، وهذا من الخوف على الدين، وجاء في يوسف -عليه السلام-: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [(101) سورة يوسف] ظاهر في كونه يطلب الوفاة، لكن لا مطلقاً إنما على الإسلام، ولا يلزم من ذلك أن تكون الوفاة الآن أو قريباً من الآن، إنما يطلب أن يكون حال وفاته مسلماً فلا تعارض، وكل يتمنى بل يدعو أن يموت على الإسلام، كل يدعو ربه أن يموت على الإسلام ولو بعد حين.(51/6)
بالنسبة لطول الأمل ذم طول الأمل هل فيه مخالفة مع النهي عن تمنى الموت طول الأمل يعني النهي عن تمني الموت تمني الموت تعجيل الموت وطول الأمل المنهي عنه تأخير الموت، يعني هل الإنسان .. يعني دعاء الإنسان بطول العمر يقابل الدعاء بالموت، وتمنى الموت، هل مفهوم الحديث: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به)) أن يدعو بطول العمر أو يترك الأمر لله -جل وعلا- ويعمل بما أمر به؟ ولذا جاء النهي وذم طول الأمل ((يشب ابن آدم ويشب منه خصلتان حب الدنيا وطول الأمل)) بل جاء بما يدل على تقصير الأمل فرق أن يسعى في تقصير عمره وبين أن يعمل على مقتضى قصر العمر، وما يقتضيه قصر العمر ما يقتضيه قصر العمر اغتنام الوقت، وما يقتضيه طول الأمل تفريط في الأوقات فنظراً لما يقتضيه الأمران استحب هذا وذم هذا، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) وجاء ذم طول الأمل، حب الدنيا وطول الأمل؛ لأن تصور الإنسان أنه غريب يحدوه هذا إلى مضاعفة جهده، يجتهد في أن يكسب الحسنات، يبتعد عن السيئات، يحرص على أن يملأ هذه الخزائن بما يسره غداً يوم القيامة، هذا ما يقتضيه الأمل ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ولذا قال ابن عمر راوي الحديث: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" وكل له أثره في واقع المسلم، فالذي ينظر إلى هذه الدنيا وأنها قصيرة وأنه قد تخترمه المنية اليوم أو غداً أو الساعة أو التي تليها لا شك أنه يغتنم أنفاسه بخلاف من يمد في أمانيه الشخص الذي يدخل السلك الوظيفي، وأمامه من فسحة العمل أربعين سنة مثلاً، ويخطط ما يصنع بعد التقاعد؟ يعني بعد الستين ماذا يصنع؟ يعني هذا عنده قصر أمل أو طول أمل؟ نعم طول أمل، يعني واقع الناس حتى صرح به بعضهم أنه دعه يتنعم في هذه الدنيا فإذا وصل الستين والسبعين التفت، لكن ما الذي يضمن له أن يعيش إلى الستين أو السبعين، وقد أعذر الله لامرئ بلغه الستين، والناظم -رحمه الله- ابن عبد القوي يقول:
ومن سار نحو الدار ستين حجة ... فقد حان منه الملتقى وكأن قدِ(51/7)
يعني وصل خلاص، بلغه الستين ويش ينتظر بعد؟ ومن القصص الواقعية أن شخصاً بلغ الستين ولم يتزوج ولا يصلي، ذهب إليه قريب له لينصحه ويحثه على الصلاة وسائر الطاعات، وأن يتزوج عله أن يولد له ولد يذكره إذا مات ويدعو له، وكان هذا الكلام في يوم الجمعة قال له ذلك: يا فلان ألا تتزوج فتنجب ولداً يدعو لك بعد موتك، فيستمر عملك وتلتفت إلى ربك وتصلي وتزكي عنده أموال وعنده ضياع، لكنه محروم، نسأل الله السلامة والعافية، قال له: أنا الآن عمري ستين تدري كم عمر والدي يوم يموت؟ تدري كم عمره؟ قال: مائة وعشرون، قال: وعمي؟ قال: مائة وخمسة وعشر، قال: وخالي مائة وثلاثين، قال: أنا من قوم أعمارهم طويلة، فقلت له: يا أخي لا علاقة لك بأبيك ولا عمك، هذه منايا، وأنت تشوف الآن الحوادث حصادها في الشباب أكثر من حصادها في الشيوخ ... ، فأيس منه فرجع إلى بلده وبلغه خبر وفاته في الجمعة التي تليها، سبحان الله هذا الحاصل، هذا الحاصل في الجمعة التي تليها بلغه خبر وفاته، فعلى الإنسان أن يغتنم هذه الأنفاس، ويغتنم هذه الليالي والأيام، وأن تكون زاداً له، ومركباً توصله إلى ساحل النجاة، فالدنيا تموج بالفتن ويخشى على المسلم أن يفتن في دينه، وأنتم ترون الآن حتى من ينتسب إلى العلم ترون واقعهم وفتواهم وبعضهم ما ينطقون به ويتفوهون به وما يكتب -نسأل الله السلام والعافية-، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، والذي يضمن بإذن الله -جل وعلا- حسن العاقبة الحرص على العمل بإخلاص، فمن عمل لغير الله مكر به فعلى الإنسان أن يعمل، وأن يكون عمله خالصاً لوجه الله، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن بريدة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المؤمن يموت بعرق الجبين)) رواه الثلاثة وصححه ابن حبان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن بريدة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المؤمن يموت بعرق الجبين)) رواه الثلاثة، من المراد بالثلاثة؟ أيوه؟ نعم أبو داود والترمذي والنسائي، لكن التخريج عندكم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(51/8)
لم يخرجه أبو داود وإنما خرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، فهذا يرد على اصطلاحه، اصطلاحه في الثلاثة أبو داود والترمذي والنسائي وهذا خرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حبان، وله شاهد من حديث ابن مسعود وغيره، وهو قابل للتصحيح، قابل للتصحيح بشاهده.(51/9)
يقول: عن بريدة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المؤمن يموت بعرق الجبين)) وهذا عبارة عن ما يكابده المؤمن عند نزع روحه، فالمؤمن يكابد شدة عن نزع الروح، وذلك لما له من الأجر عند الله -جل وعلا- من عظم الأجر يكابد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال له ابن مسعود: إنك توعك وعك شديد، قال: ((أجل إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم)) قال: ذلك أن لك أجرين؟ قال: ((أجل)) فكلما زادت منزلة المرء عند الله -جل وعلا- زادت المشقة عليه ليعظم أجره، فالمؤمن يموت بعرق الجبين، فأثناء النزع يجد شدة والموت له سكرات، ومنهم من يرى أن تفسير الحديث أن المؤمن ينصب ويتعب في هذه الدنيا في طلب الحلال ليطعم الحلال ويشرب الحلال يلبس الحلال وينكح الحلال مع تعبه لدينه فهو يسعى جاهداً لما يرضي الله -جل وعلا- في أمر دينه ودنياه وأمر الدنيا إذا قترن بالنية الصالحة أجر عليه الإنسان، وصار من أمر الآخرة، يعني هذا الشخص الذي يلهث وراء الدنيا إما أن يكون عمله خالص للدنيا وهذا لا أجر له فيه إن سلم من وسائل الكسب المحرمة وسائل الصرف المحرمة لا له ولا عليه، لكن اقترن بذلك نية صالحة يريد بذلك إعفاف نفسه والإنفاق على من تحت يده والإنفاق في سبيل الله -جل وعلا- مثل هذا يؤجر ولو كد وتعب في تحصيل الدنيا لأنها انقلبت بالنية الصالحة إلى عبادة إضافة إلى ما يكابده لآخرته ويوجد من هذا النوع -ولله الحمد- جمع يوجد من يتعب في أمر الدنيا، وحصل منها من الأموال الطائلة، ومع ذلكم لم ينس الآخرة بل الآخرة هي عمله وهي همه، فديدنه مصحفه، وصيامه قيامه، مع ما فتح عليه من أمور الدنيا، فمثل هذا يكابد، لكن يكابد ليرضي الله -جل وعلا-، ومن الناس من يكابد ليل نهار ولم يحصل لا على خير الدنيا ولا على خير الآخرة، من الناس من يتعب لكسب الحرام وبإمكانه أن يصرف هذا الجهد لكسب الحلال فالذي يوفقه الله -جل وعلا- ويفتح له من أبواب الخير سواء كانت من أمور الدين أو الدنيا مع أن المسلم لا سيما من ينتسب إلى العلم ينبغي أن يكون همه الدين والدنيا تأتي تبع ووجه إلى ذلك ويفهم من قوله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة(51/10)
القصص] أن الأصل في المسلم أنه للآخرة يكون عمله محض للآخرة، ولذا وجه إلى ألا ينسى الدنيا ليستعين بها على تحقيق الهدف وهو العبودية، فالمؤمن يموت بعرق الجبين يعرق لأمور ديناه وأمور أخرته، يعرق جبينه في أمور دنياه وأمور آخرته، وإذا جاءه النزع ضوعف عليه الشدة ضوعفت عليه ليزداد أجره بذلك، وكأن الحديث فيه حث على متابعة السعي وعدم الكسل، وأن يكون المسلم عضواً فاعلاً -كما يقولون- نافعاً لنفسه ولولده ولمن تحت يده ولأمته يتابع العمل ما يقول: أنا والله وصلت إلى حد ارتاح، مالك راحة {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [(99) سورة الحجر] إلى الموت ليستمر عملك ونصبك وعرقك إلى أن يأتيك اليقين حتى تموت وأنت على هذه الحالة، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) رواه مسلم والأربعة.(51/11)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)) رواه مسلم والأربعة، وهذا من أجل أن يكون أخر ما ينطق به المسلم من هذه الدنيا لا إله إلا الله، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)) فالتلقين مستحب، يلقن الشهادة، موتاكم يعني المسلمين، فإذا حضر أحدهم الموت والمراد بالموتى هنا من قربت وفاته جمع ميت وهو من سيموت يعني من قربت وحضرت وفاته يلقن لا إله إلا الله لا أنه يلقن الشهادة بعد وفاته انتهى ((من كان أخر كلامه من الدنيا)) ما قال من الآخرة؛ لأنه انتقل من هذه الدنيا فلا تنفعه إنما يلقن وكيف يلقن وهو ميت والميت لا يقبل التلقين، إنما من يقبل التلقين ليقول لا إله إلا الله ويختم بها حياته، وهل يلقن ... الميت انتهينا منه لا يقبل التلقين ولا يسمع ولا يرد الجواب، لكن الذي يسمع أو في حكم من يسمع وهو من روحه في جسده وإن كان مغمى عليه وظهرت علامات الموت يلقن أو يترك؟ عموم الحديث يشمل ((لقنوا موتاكم)) وهذا من موتاكم، وما يدريك عله يسمع، ويقولها حسب استطاعته، حتى من قرر الأطباء أنه مات دماغياً يلقن لا إله إلا الله، وما يدريك، وكلامهم نعم يغلب على الظن ثبوته والواقع يشهد بذلك لكنه ليس بقطعي بدليل قصة واقعة شخص قرر ثلاثة من الأطباء أنه مات دماغياً، وأحضر أخوته الأربعة من أجل أن يتبرعوا بأعضائه طلب منهم هذا فوافق ثلاثة وامتنع الرابع، والله لا نستطيع هو لا أوصى ولا نملك ولا شيء وهم ماشين على الجواز، وإن كان المتجه المنع أي كان لا من الشخص نفسه ولا من غيره أن يتصرف فيه لأنه لا يملك، رفض الرابع، فما الذي حصل؟ حصل أن الرجل أفاق، وهو مقرر أنه ميت دماغياً، فصارت العداوة بينه وبين أخوته الثلاثة، وصار أخوه الرابع أحب شيء إليه حتى من نفسه وولده، يعني تصور شخص بين ثلاثة مجتمعين هم يتبرعون بأعضائه يقول: إنه ذكر أنه سمع كل ما دار، لكن لا يتحرك منه شعرة فمثل هذا إذا وصل إلى هذا الحد يدخل في عموم الحديث يلقن، وزيارة المريض وعيادته سنة، ولو كان لا يحس بمن حوله وقد(51/12)
ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب زيارة المغمى عليه، وزار النبي -عليه الصلاة والسلام- جابر بن عبد الله وهو مغمى عليه فمثل هذه الأمور الإنسان المسلم ما دامت روحه في جسده كامل الحقوق لا يجوز التعدي عليه بحال، ما لم تفارق روحه بدنه، كثير من يسأل الأطباء عندهم بعض المرضى مثلاً يجلس أشهر ستة أشهر حاجز سرير وحاجز أجهزة لو رفعت عنه الأجهزة مات هل يجوز رفع الأجهزة عنه وهو مسلم كامل الحقوق روحه في جسده؟ لا يجوز رفع الأجهزة عنه، لكن قد يقال فيما لو حضر مريض بحاجة إلى هذه الأجهزة وهو أرجى منه في الحياة بحيث لو ترك مات، ونسبة حياته ستين خمسين بالمائة، وهذا نسبة حياته واحد بالمائة مثلاً أو عشرة بالمائة هذا محل نظر يعني هل تعرف عنه الأجهزة أو نقول: إنها لمن سبق؟ لكن رفع الأجهزة دون حاجة لا يجوز، والله المستعان، فمثل هذا داخل في التلقين عله أن يسمع هذه اللفظة هذه الشهادة كلمة التوحيد ثم يقولها ولو بالطريقة التي يعلمها الله -جل وعلا- ولو لم يعلمها البشر، موتاكم المخاطب بذلك المسلمون، وموتاهم يعني المسلمين، وإن كان يتناول على بعد الميت القريب من المسلم، وإن كان غير مسلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عرض الشهادة على عمه أبي طالب، وعرضها على اليهودي الذي زاره، المقصود أنها تعرض حتى على غير المسلم، علّ الله -جل وعلا- أن ينفعه بها، وينقذه بها، لا سيما من ظهر نفعه في المسلمين، لا مانع، الدليل يدل على أنه تعرض عليه الشهادة، وإن كان قوله: ((موتاكم)) خاص بالمسلمين موت المسلمين؛ لأنه يخاطب المسلمين والكافر ليس بميت لمسلم بل هو بعيد عنه، والصلة منقطعة تماماً عنه، لكن لو عرضت على الكافر علّ الله أن ينفعه بها تنفعه عند الله كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)) و. . . . . . . . . اليهودي مع العرض والتلقين أولاً لا بد أن يكون التلقين برفق، ولا يكرر عليه إلا بقدر الحاجة، بالأسلوب المناسب؛ لأن الإنسان في هذا الظرف يضيق خلقه، ويسوء فيخشى أن ينطق بكلمة تضاد هذه الكلمة، الأمر الثاني مما ذكره أهل العلم في هذا الباب أن تذكر أن يذكر من أعماله(51/13)
الصالحة التي عرف بها ليحسن الظن بالله -جل وعلا-؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه)) وقال الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: ((إنا عند حسن ظن عبدي بي)) فإذا ذكرت له أعماله الصالحة أحسن الظن بربه، وانشرح صدره، وتمنى لقاء الله، بخلاف ما إذا ذكرت أعماله السيئة، اللهم إلا لو كانت هناك في فسحة من الأمر ليذكر بها فيتوب عنها، أما إذا ضاق الوقت بحيث لا يتمكن من هذا بل تخشى العواقب والآثار السيئة تترك وإنما يذكر بسعة رحمة الله -جل وعلا-، وأنه كان يعمل وكان يعمل وكان يعمل وكان يفعل على الإنسان أن يعمل في حياته من الأعمال الصالحة ما يجعله يحسن الظن بالله -جل وعلا-، وما يكون سبباً في حسن العاقبة وحسن الخاتمة، والشواهد من المحتضرين كثيرة جداً على هذا وعلى ضده فمن عاش على شيء مات عليه، وأهل العلم يقولون: الفواتح عنوان الخواتم، فمن عاش على شيء مات عليه مات على شيء بعث عليه من لزم الأعمال الصالحة ذكرها عند موته وكررها وقت اختلاطه وهرمه وشغف بها وأحبها وكم من شخص وشواهد الأحوال كثيرة على هذا، كم من شخص يحصل له من يحصل من إغماء وهو من أهل القرآن يردد القرآن، وهو لا يعرف أحداً، ولا يستطيع أن يتكلم بكلمة، ومع ذلك يسمع منه القرآن واضح، وكم من مؤذن إذا جاء وقت الصلاة سمع منه آذان وهو في حالة إغماء وبالمقابل من كان يزاول الأعمال السيئة والجرائم والمنكرات تجده يكررها، وذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الجواب الكافي بعض القصص المخيفة، فينتبه الإنسان لهذا، وإذا قيل لبعض الناس ممن شغف بالخمر قل: لا إله إلا الله أجاب بما عاش عليه، وإذا كان مشغوف بالغناء قيل له: قل: لا إله إلا الله ردد أغنية، وإذا كان مشغوف بالنساء إذا قيل له: قل لا إله إلا الله ذكر بعض النساء المومسات، نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يعمر حياته بطاعة الله -جل وعلا- ليستصحبها إلى وفاته، قد يكون في نفس الإنسان هواجس وخواطر يرددها وأماني تغلب على تفكيره ذكر ابن القيم في حلية الصابرين أن كثير من الناس ممن غلبت عليهم هذه الهموم والهواجس إذا صار في حالة من إغماء أو خرف أو تخليط صار يرددها عند(51/14)
الناس، وكل له همه فمن الناس من كان همه في الدين ونصر الدين يردد هذا، من كان همه في الدنيا رددها، من كان همه في الأكل ردد الأكل إذا خرف، أدركت شخصاً من كبار السن من المسلمين كف بصره وصار يجلس في الشارع وكل من مر قال -يعني بلهجته-: من يراهن على دجاجة، يبي أحد يجيب له دجاجة يأكلها كاملة، هذا أيام كان الدجاج قليل جداً لا يوجد، فاستصحب هذا الأمر إلى أن خرف وصار يردد هذه الكلمة، بعد أن وسع الله على المسلمين وصار الدجاج يعني أكثر من التراب؛ لأنه عاش على هذا الأمر ومن عاش على ذكر الله ردد الذكر، ومن عاش على التلاوة ردد التلاوة وهكذا، والجزاء من جنس العمل، وتجد بعض من خرف .. أقول: بعض من خرف يُحجب عن الزائرين حتى أقرب الناس إليه لأنه يتكلم بكلام حقيقة يخجل السامع فضلاً عن القريب لماذا؟ لأنه كان يردده في حياته، وفرق بين من تدخل العناية المركزة في المستشفى وتجد شخصاً يقرأ القرآن، وأخر يؤذن، وثالث يلعن ويشتم ويسب من لا شعور هو ما يدري عن شيء، شيء مشاهد يعني، ومن أراد أن يعتبر ويدكر كما قال القرطبي في تفسير {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [(1) سورة التكاثر] يقول: من أراد الاعتبار والادكار يزور المقابر، يقول: إن كان مع كثرة زيارته للمقابر قد قل أثرها في نفسه وتأثيرها عليه فليحضر المحتضرين، يعني حال حال سبحان الله العظيم من شاهدها لا شك أنها تؤثر من في قلبه أدنى حياة، لكن الميت! مال لجرح بميت إيلام، قلب الميت ما في فائدة، ويشارك في التغسيل، ويحضر الجنائز، ومع ذلكم بعض الناس يشهد هذه المشاهد ولا تؤثر فيه شيئاً، لا شك أن كثرة الإمساس وكثرة معاناة هذه الأمور قد تخففها على النفس، لكن يبقى أنها لا بد من استحضار حال الإنسان في هذا الظرف، فمن استحضر حاله في هذا الظرف لا بد أن يتأثر، وعثمان -رضي الله عنه وأرضاه- إذا رأى القبر بكى بكاءً شديداً يقول: هذا أول منازل الآخرة إذا نجينا من هذا المنزل خلاص عتقنا، ويوجد الآن رأي العين من يدخن على شفير القبر موجود، وليس بشاب لا كهل نصف لحيته أبيض ويدخن على شفير القبر فضلاً عن من يبيع ويشتري ومواعيد ونكت في المقبرة فكل حالة لها لبوسها، والله المستعان.(51/15)
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:
وعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اقرؤوا على موتاكم ياسين)) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان.
حديث معقل الذي ذكره الحافظ -رحمه الله تعالى- في قراءة سورة ياسين هذا ضعيف، مضعف عند أهل العلم، رواه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة، ورواه ابن حبان في صحيحه، لكنه حديث ضعيف والموتى هنا مثل ما في الحديث السابق من سيموت، وذكروا من فائدة قراءة سورة ياسين أنها تخفف وتهون وتسهل خروج الروح كما قالوا، والحديث ضعيف، كما قال الدارقطني مضطرب الإسناد، مجهول، لا يصح، على كل حال الحديث ضعيف فلا يتكلف اعتباره ولا شرحه، نعم.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: ((إن الروح إذا قبض اتبعه البصر)) فضج ناس من أهله، فقالوا: ((لا تدعو على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون)) ثم قال: ((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقبه))
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أبي سلمة وقد شق بصره" شخص ارتفع؛ لأن الروح إذا خرجت تبعها البصر، شخصه بصره ارتفع لينظر أين تذهب هذه الروح فأغمضه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا يستحب تغميض عين الميت؛ لأن منظره مخيف إذا كان بصره شاخصاً وهو في حال موت، لا شك أن إغماض بصره أكمل؛ لأن قيمة البصر في الإبصار وقد انتهى الإبصار فانتهت قيمة البصر فيغمض، ويخشى أن يدخل في عينيه شيء أو تتأثر عيناه مما في الجو، وتتعفن، المقصود أن إغماض البصر سنة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر.(51/16)
وشق بصره بفتح الشين وبصره فاعل وضبطه بعضهم بالنصب يعني شق المرء بصره، ((إن الروح إذا قبض تبعه البصر)) هل هذه التبعية حسية بمعنى أن الروح تمكن رؤيتها أو لا تمكن؟ بمعنى هل هي جسم أو عرض ليست بجسم؟ يتكلم العلماء في هذا كثيراً لكن الجواب الإلهي {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [(85) سورة الإسراء] ما لأحد كلام في هذا الباب {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] والبراهين على ذلك ما في الآية نفسها الروح بين جنبي الإنسان مائة سنة ولا يدري ما هي، فيغالط نفسه، ويكذب على نفسه من يريد أن يطلع على كل شيء، ويعرف كل شيء، فضلاً عن من يزعم أنه يعرف كل شيء روحه التي بين جنبيه لا يدري ما حقيقتها، فهذه التبعية الله أعلم بها، تبعاً للمتبوع، أما البصر في حال الحياة إتباعه للأمور مدرك، يتبع المرئيات يميناً وشمالاً، نعم مدرك لكن المتبوع هنا وهو الروح غير مدرك فهذه التبعية تبعاً لهذا المتبوع غير مدرك.(51/17)
يقول: فضج ناس من أهله لأنهم فهموا من كلامه -عليه الصلاة والسلام- أن الروح إذا قبض خلاص الرجل مات فهموا أن الرجل قد مات، كان قبل ذلك يرجى أن تعود له الروح، وأن تعود له الحياة، لكن قبضت الروح انتهى كل شيء، فضج ناس من أهله بالبكاء والأصوات، فقالوا: ((لا تدعو على أنفسكم)) لأنه في الغالب أن الإنسان في هذه الحال مع شدة الفزع يدعو على نفسه بالهلاك أو بالبوار أو بأي شيء من شدة الفزع يصاحب ذلك شيء من الدعاء ((لا تدعو على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)) أي من الدعاء، ثم قال: ((اللهم اغفر لأبي سلمة)) ضج ناس من أهله البكاء على الميت جاء الخبر أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه تأتي الإشارة إليه، والمراد به، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، دعا له -عليه الصلاة والسلام-، اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، في بعض الألفاظ: ((واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه)) وهنا اقتصر على قوله: ((اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، وافسح له في قبره، ونور له فيه، واخلفه في عقده)) وهذا الحديث في المسند وتعرض العلماء والشّراح والمفسرون لبيان حقيقة الروح لكن الأولى أن لا يتعرض لها، وكل من تكلم فيها فكلامه ضرب من الظن والتخمين؛ لأن الله -جل وعلا- قطع الطريق على من أراد أن يتلكم فيها ولم يجب من سأل عنها {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [(85) سورة الإسراء] وانتهى الإشكال، وما كل ما يسمع الإنسان يقف على حقيقته، وما كل ما يبلغه يجيد فهمه أو يصل إلى كنهه، بل من الأمور مما لا بد أن يقف المسلم فيه عند حده، ولا يجوز له أن يسترسل فيها، وقد جاء الكف عن الاسترسال في الأسئلة، يعني الأسئلة التي يترتب بضعها على بعض، والشيطان يلقي على لسان الإنسان أسئلة تكون فيها شبهات، فإذا وصل الإنسان إلى هذا الحد عليه بالتسليم، وهناك شبه لا يمكن الجواب عنها، بل يقف العقل البشري حائر تجاهها، ولذا يخطأ في حق عوام الناس، في حق عوام المسلمين من يطلب المناظرة أمامهم في مسائل كبرى أو في قضايا قد يوجد شبة لا يستطيع المدافع أن يجيب عنها، فما موقف(51/18)
العوام في مثل هذه الشبه موقف طلبة العلم فضلاً عن العوام؛ لأن الشبه إذا علقت بالأذهان يصعب اجتثاثها نعم هذه الأمور نسبية قد يكون الإنسان يستطيع أن يجيب عن هذه الشبة وغيره لا يستطيع والعكس، ومن الذي تتوافر فيه الأهلية للإجابة عن جميع ما يلقى من شبهة هذا ما يمكن، فلذا من الخطأ والإجرام في حق عوام المسلمين أن تتطلب المناظرات على المستوى العام لا شك أن هذه جريمة، لا بد من الوقوف عن حد معين، العقل البشري لا يدرك كل شيء، هناك أمور لا بد أن يقف عندها المسلم، كما قال أهل العلم: قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، هناك أمور ذكرت .. ، من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وهو يرد على شبه المبتدعة ما يقف عنده كبار أهل العلم حائراً يكون في حيرة لا يستطع أن يفهم الرد فضلاً عن الشبه، فمثل هذه القضايا تنزل منازلها، ولا يطلع عليها إلا من يدركها ويحتملها عقله، والله المستعان، نعم.
قال الإمام -رحمه لله-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سجي ببرد حبرة.
متفق عليه.
وعنها -رضي الله عنها- أن أبا بكر قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته. رواه البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين توفي سجي" التسجية: التغطية، يعني غطي ببرد حبرة، مخطط، وفيه أعلام، غطي بعد أن مات -عليه الصلاة والسلام-، وقبل تغسيله وتكفينه، غطي ببرد حبرة هذه التسجية مطلوبة لئلا ينكشف الميت، فيبدو منه شيء، وهذا الحديث في الصحيحين، وكما سمعنا التسجية التغطية، وحكمتها صيانة الميت عن الانكشاف؛ لأن الميت إذا مات وفارقت روحه بدونه تتغير صورته وشكله فيفزع رائيه، وعلى هذا المشروع التغطية. د(51/19)
يقول: "وعنها -رضي الله عنها- أي عائشة- أن أباها أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته" رواه البخاري، فتقبيل الميت لا سيما بالنسبة لذويه ومحبيه مشروعة، وقبل النبي -عليه الصلاة والسلام- عثمان بن مضعون وهو ميت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عيناه تذرفان رحمة وشفقة ومودة لهذا الصحابي الجليل فتقبيله سنة بالنسبة لمحبيه وذويه كالتوديع له.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)) رواه أحمد والترمذي وحسنه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/20)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)) فالميت لا يزال مشغولاً يهمه أمر الدين؛ لأنه سوف يطالب به ويحاسب عليه حتى يقضى، فإذا قضي عنه دينه بردت جلدته، وقد ورد التشديد في الدين، حتى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ترك الصلاة على المدين حتى ضمن الدين، والشهادة يغفر للشهيد عند أول دفعة من دمه إلا الدين، فالدين شأنه عظيم، وهو في الدنيا وفي حال الحياة ظل في النهار وهم في الليل، وقال بعضهم: إنه ما دخل الدين في قلب امرئ إلا ذهب من عقله بقدره ما لا يعود إليه، فالدين شأنه عظيم، ولا شك أنه ذل، يعني كل إنسان جرب الحاجة إلى الناس، فهو ذل، وشأنه في الآخرة أيضاً عظيم؛ لأنه لا بد من الوفاء وهذه حقوق الناس، فإذا كان يغفر للشهيد حتى ما اقترفه من الكبائر، يغفر له كل شيء إلا الدين، والناس في هذه الأزمان يلاحظ عليهم التتابع والاسترسال، وعدم الاكتراث من الدين، ووجد ما يسهل ذلك، وبعض الناس عنده أن أي شيء لا تدفع قيمته فوراً كأنه يأخذه مجاناً من أسهل الأمور عليه أن يأخذ شيء بالدين، ولا يحسب أي حساب للعواقب، ولذا تجد الآن النسب المدينة كبيرة جداً نسب بين الناس يعني قل أن تجد من ليس بمدين بسبب مسكن، بسبب سيارة، بسبب زواج لأي سبب من الأسباب، وهو داخل في هذا الحديث، وبعض الناس يتساهل في الدين إذا كان لبيت المال، بل بعضهم نسأل الله السلامة والعافية وهو يبرم العقد ويوقع على الشروط وفي نيته ألا يسدد هذا موجود، أقول: بعض الناس وهو يبرم العقد ويوقع عليه وعلى الشروط وفي نيته أنه لا يسدد، ومن أخذ أموال الناس وفي نيته الوفاء والسداد وفّى الله عنه وسدد عنه، لكن من في نيته عدم الوفاء هذا عكس من ذلك ووصل الدين إلى الكبار والصغار والرجال والنساء بشكل مخيف، امرأة تملك من المال تقول: مائتين وثلاثين ألف عندها الآن في رصيدها، وتريد أن تشتري بيت، بيت مناسب تجد بيت مناسب بمائتين وثلاثين ألف وليست بحاجة إلى دين، لكن تقول: إنها وجدت بيت مناسب تدفع المائتين والثلاثين مقدم، وبقية الثمن تقسط أقساط شهرية قيمة كل قسط أربعة ألاف وثمانمائة ريال لمدة ستة عشر سنة(51/21)
هذا سؤال امرأة، امرأة تقول هذا الكلام، والسجون مملوءة بالمدينين، وامرأة تقول هذا! من يضمن لها أن تستمر لها الوظيفة ألا يمكن أن تصاب بعاهة تمنعها من الوظيفة؟ كيف تسدد هذه؟ ألا يمكن أن تخترمها المنية اليوم أو غداً؟ وقل مثل هذا في كل من تساهل في الدين، كل من أراد شيء راح وقسط وأصحاب الأموال يضحكون على الناس النسبة خمسة بالمائة، خمسة بالمائة، لكن إذا أخذت لمدة ستة عشر سنة كم النسبة؟ النسبة ثمانين بالمائة، خمسة نضربها في عدد السنين، نعم، فالمسألة ليست سهلة، ليست هينة، يتساهل الناس ويتتابعون على الديون من غير نظر إلى العواقب، فنفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه، كثير من الناس يموت وعليه دين فيسعى أولاده جاهدين لسداد هذا الدين، وهذا من برهم به، لكن قد لا يستطيعون السداد، كل من ذهبوا إليه أعطاهم اللي يعطي مائة واللي يعطي مائتين والديون كبيرة، يعني وجد من بعض الناس قال: كم دينك يا فلان؟ يعني يتفاخرون بهذا، قال: مائة ألف، قال: دين حرمة هذا، ما هو بدين رجال، صحيح إلا ما هو بملايين ما هو بدين رجال، يعني انتكاس في الفطر، وفي المفاهيم، وين الدين؟ الدين مما يفتخر به؟! يعني هو في ذهنه ويسول له الشيطان أن الناس وثقوا به وأعطوه أموالهم أنت ما يثقون بك، ما أنت على مستوى يثق بك الناس على الملايين، وهو ما يدري المسكين أنه مضحوك عليه، وهذا الذي يقول: دين حرمة أنا أعرف أجزم أنه من الذين يأخذون التجار قبل البنوك عاد، الذين يأخذون النسب المرتفعة جداً، بعضهم من السنة الواحدة يأخذون خمسين بالمائة، وهذا موجود إلى وقت قريب، فعلى المسلم أن يهتم بهذا الأمر، ويبادر بإبراء ذمته، ويحتاط لنفسه بما في ذلك الديون التي لبيت المال؛ لأن بيت المال يتعلق به جميع الناس، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الذي سقط عن راحلته فمات ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(51/22)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الذي سقط عن راحلته فمات وهو واقف بعرفة سقط عن الراحلة وقصته دابته فمات: ((اغسلوه بماء سدر)) وفي رواية: ((لا تحنطوه وكفنوه في ثوبين)) وفي رواية: ((في ثوبيه)) يعني الإزار والرداء الذي عليه، متفق عليه.
اغسلوه بماء وسدر فالسدر يجعل في الماء فيغسل به لمزيد النظافة، وغسل الميت تعبدي لا لنجاسته، ولا لأن الموت حدث موجب للغسل، إنما هو تعبد ((اغسلوه)) أمر بالغسل، ولذا عامة أهل العلم على أن غسل الميت فرض كفاية، يعني لو ترك الميت المسلم دون غسل أثم من علم بحاله، وإن رجح بعضهم من المالكية أنه سنة، لكن الأمر صريح في ذلك ((اغسلوه))، وفي حديث أم عطية الأتي: ((اغسلنها)) أوامر ((اغسلوه بماء وسدر)) فالماء هو الأصل في الغسل، والسدر للتنظيف، ويكفن في ثوبيه، ولا يغطى رأسه، ولا وجهه، ولا يمس طيب ولا حنوط؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، وعلى هذا لا يكمل عليه الحج؛ لأن بعض الناس يتصور أنه مات في عرفة خلاص يكمل عنه حجه، يناب عنه لا خلاص تمت حجته فيبعث يوم القيامة ملبياً، هل يخلط الماء في السدر أو يكون السدر مستقل ويصب عليه الماء أو يكون السدر في غسله من الغسلات ويتابع عليه الماء بدون سدر؟ لأن أهل العلم في مسألة ما يخلط الماء من الطاهرات هل يسلبه الطهورية أم لا؟ مسألة تقدمت في كتاب الطهارة لكن يغسل بالماء والسدر ثم بعد ذلك يتبع بالماء.
وفي قوله: ((وكفنوه)) ما يدل على وجوب التكفين، وأنه لا يشترط أن يكون وتر، النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثلاثة أثواب، وهذا قال: ((كفنوه في ثوبيه)) لأنه ثوب زاول فيه هذه العبادة، وسوف يستمر في هذين الثوبين حتى يفرغ من هذه العبادة، ولن يفرغ منها حتى يبعث يوم القيامة، يلبي في حكم الحاج فيكفن في ثوبيه الذين مات فيهما، وفي قوله: ((يبعث ملبياًً)) التي لم يذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- لأنها لا تدخل في هذا الباب، ما يدل على أن من شرع في عمل طاعة ثم اخترمته المنية دون إتمامه أنه يحصل له ما يؤمله ويرجوه من الله -جل وعلا- كاملاً قياساً على هذا الذي يبعث يلبي، وأن الله يكتب له أجر ذلك العمل، نعم.(51/23)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: والله ما ندري نجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما نجرد موتانا .. الحديث، رواه أحمد وأبو داود.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما أرادوا غسل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته ترددوا، قالوا: والله ما ندري نجرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ثيابه كما نجرد موتانا، دل على أن الأموات يجردون من ثيابهم عند الغسل على أن تستر العورات، ولا تباشر باليد عند الغسل، فيجردون، قولها: كما نجرد موتانا دليل على أن الميت يجرد، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- وله من الوضع الخاص ما يميزه عن غيره، هل يفعل به كما يفعل بغيره فيجرد من ثيابه كغيره أم يغسل عليه ثيابه تمام الحديث عند أبي داود: "فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره" نوم، "ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن اغسلوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه ثيابه" فغسلوه وعليه قميصه، وتولى الغسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وعائشة -رضي الله عنها- قالت: لو استقبلنا من الأمر لما تولى غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا نسائه، وعلى كل حال الرجل يغسله الرجال، وللزوجة أن تغسل زوجها، على ما سيأتي، والمرأة يغسلها النساء، وللزوج أن يغسل زوجته على خلاف في ذلك سيأتي -إن شاء الله تعالى- والحديث مخرج في المسند وسنن أبي داود، وهو حديث حسن.
هنا يقول: يقترحون أن ينتهي الدرس في الخامسة والثلث، الآن خمس وثلث؟ طيب نشوف، هنا أسئلة:
هذا يقول: هل ينافي قصر الأمل التخطيط للمستقبل؟
التخطيط للمستقبل يعني يعرف أنه غداً سوف يذهب إلى المكان الفلاني، وإذا جاء وقت الحج سوف يحج ولو كان بعد أشهر ولو كان كذا سوف يفعل ينوي نية الخير ولو طال أمله هذا، وقصر الأمر المطلوب إنما هو في أمور الدنيا، والمذموم منه ما يبعث على ترك العمل، والتواني فيه والتراخي.(51/24)
يقول: كيف نوفق بين حديث: ((يموت المؤمن بعرق الجبين)) وبين حديث البراء الطويل، ولما وصل إلى قبض روح المؤمن قال: ((فتخرج منه كما تخرج القطرة من في السقاء)) ويا حبذا لو أجبتم على هذا السؤال فإنه أشكل عليّ؟
يعني إذا وصل إلى مرحلة خروج الروح هو قبل ذلك يموت بعرق الجبين، لكن إذا وصل إلى مرحلة خروج الروح تخرج روحه كما تخرج القطرة من في السقاء بخلاف روح الكافر.
هذا سائل من الإمارات يقول: في العمل لدينا شخص من مجموعة العمل يتهرب من أحد أعباء العمل والمفترض أن الهرب من أحد أعباء العمل بالاتفاق بيننا وقد أخذ هذا العبء جميع من في المجموعة، ومن المفترض أن يحمله هذا الشخص هذه السنة تبعاً للحق لكنه رفض حمله واضطر أحد أعضاء المجموعة أخذه فقمت بنصحه بأن من العدل أن يأخذ العبء ولا يتهرب من جميع المسؤوليات لكنه رفض متحججاً بأمور كثيرة أرشدونا؟
هذا إذا كان مما اشترط عليه في أصل العقد لزمه أن يقوم به، فإن قام به على الوجه الأكمل وإلا فما يأخذه من مقابل هذا العبء الذي تركه لا يحل له أخذه.
هذا يسأل عن حكم الصلاة على الميت بعد العصر على قبره ستأتي الصلاة على القبر، وأيضاً سؤال أخر حول ضوابط الصلاة على الميت الغائب أيضاً ستأتي عند الصلاة على النجاشي -إن شاء الله تعالى-؟
يطلبون التوقف من أجل يتسنى للطلاب الراحة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه عندنا درس ثاني بعد العشاء -إن شاء الله- وبعض الأسئلة ما لها علاقة بالجنائز، يعني أسئلة عامة ليس لها علاقة بالجنائز.
هذا يسأل يقول: هل تدخل السرقة في الدين؟
هذه أعظم من الدين هي دين بغير رضا صاحبها، وإذا كانت النصوص في الدين مع الاتفاق والرضا بين الطرفين فدخول السرقة والغصب والمظالم من باب أولى.
ونكتفي بهذا ...(51/25)
بلوغ المرام - كتاب الجنائز (2)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول: هل تغسيل الميت ينقض الوضوء؟
تقدم ما جاء فيه، وأنه حديث ضعيف، ((من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)).
وهل إذا غسلت المرأة تفك ضفائر الشعر أفيدونا؟
هذا في الحديث الأول من هذا الدرس -إن شاء الله تعالى-.
يقول السائل من الجزائر: هل العقل في القلب أم في الدماغ بنظرة الإسلام؟
لا شك أن العقل هو مناط التكليف، وفيه حديث: ((رفع القلم عن ثلاثة)) هو مناط التكليف، ((والمجنون حتى يفيق)) فغير العاقل لا يكلف، وخطابات الشرع كلها موجهة إلى القلب، خطابات الشرع في الكتاب والسنة وتعليق الصلاح والفساد كله معلق بالقلب، فدل على أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين القلب والعقل، فجُل أهل العلم يقولون: إن العقل محله القلب، ومعروف عند الأطباء أن العقل محله الدماغ، ويستدلون على ذلك بأمور حسية، يعني يمكن أن يغير القلب الذي هو المضغة في الجسد المحسوس، وما يتغير شيء من حال الشخص، وإذا تأثر دماغه تأثر عقله، وقول الإمام أحمد فيه جمع بين هذه الأقوال والنظر إلى ما جاء في النصوص وإلى ما يشهد به الواقع فيقول: العقل محله القلب وله اتصال بالدماغ، يعني مثل ما نقول: الكهرباء لا بد من وجود موجب وسالب، لا بد من ذلك، فالموجب في القلب، والسالب في الدماغ.
يقول: إذا مات الشخص وعليه دين، ثم قام أحد أبنائه وقال: ما كان له دين فهو في ذمتي حتى أقضي عنه فهل تبرأ ذمة الميت؟
نعم تبرأ براءة موقوفة حتى يقضى هذا الدين، ولذا استمر النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل ما فعل الديناران، ولما قضيت قيل: الآن بردت جلده، على كل حال تبرأ براءة مؤقتة إلى أن يقضى.
يقول: هل تجب عليه زكاة الفطر إذا كنت مقيماً مؤقتاً في بلد أخر مثل مصر وأبي مقيم في بلد آخر مثل السعودية مع أني لم أزل تحت نفقته لأنني ما زلت طالب؟
أهل العلم ينصون على أن زكاة الفطر تتبع البدن فيخرجها الإنسان عن نفسه في مكان إقامته التي فيه بدنه، وجمع من أهل التحقيق لا يرون مانعاً أن يخرجها الأب عن ولده المسافر، لا مانع إن يخرجها الأب عنك، لكن إن أخرجتها عن نفسك فهو أحوط.(52/1)
يقول: لو أن رجلاً لديه أبل وغنم سائمة ويقول: إنما اتخذتها لمجرد النزهة وإتباع الآباء، ولم أجعلها للتجارة، ولكن إن جاءنا مشتري وثمن طيب بعنا، فهل يجب عليه زكاة عروض التجارة؟
هو يقول: سائمة ولم يقصدها للتجارة زكاتها زكاة بهيمة الأنعام، وأما هذه النية المبيتة أنه لو جاء سعر مغري باع، لو أن إنساناً أغري بثمن كبير في ثوبه الذي على جسده باعه، أو في بيته الذي يسكنه باعه، هذه النية لا تكفي لتكون عرض تجارة.
يقول: ما حكم كشف وجه الرجل أو المرأة عند تنزيله في القبر أمام الناس بدون تغطية؟
لا يجوز إلا إذا كان محرماً.
يقول: في الحديث حديث أبي هريرة: ((أكثروا ذكر هادم اللذات الموت)) هل كلمة الموت هنا لفظة من الحديث أما أنها زيادة توضيح؟
الذي يظهر أنها من الحديث؛ لأن الهادم للذات والقاطع لها أعم من أن يكون الموت أو غيره، فليس دلالتها على الموت لغوية بحيث يعرفها الصحابة فيكتفى بقول: أكثروا ذكر هادم اللذات، فالذي يهدم اللذات ويقطعها لا يختص بالموت بل المرض يقطع اللذة، الهم يقطع اللذة، فجاء الحديث لتعيين القاطع الحقيقي.
يقول: إذا بلغت طائفة من المؤمنين على الأخرى وعلمنا أن مع الطائفة الباغية الحق أكثر من الطائفة الأخرى فهل ننصر الطائفة الباغية؟
الباغية {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] أنت وصفتها بأنها باغية، إيش معنى باغية ومعها الحق؟! {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [(9) سورة الحجرات] على كل حال إذا ترددت في الأمر فالعزلة، كما فعل بعض الصحابة.
يقول: هل القول بعرق الجبين كناية عما يكابده من النصب هو القول الراجح فقد سمعت أنه يقول الشيخ بن باز -رحمه ... - بدون لفظ الجلالة ولا كلام الشيخ أيضاً ... ؟
على كل حال هما قولان لأهل العلم.
يقول: ما رائكم فيمن يقول: إن التلقين يكون بعد الموت يعني في القبر، والدليل أن الميت يسمع قرع النعال؟
يعني كونه يسمع قرع النعال لا دلالة فيه أنه يسمع غيره.(52/2)
يقول: ذكر شيخ الإسلام في الفتوى أن ابن عمر -رضي الله عنه- أوصى بأن يقرأ عليه عند دفنه بفواتيح البقرة وخواتيمها، وكذلك أثر على بعض الصحابة فهل ينكر على من يوصي بذلك، وهو يقرأ فواتيح البقرة وخواتيمها عند دفن الموتى، والإمام أحمد -هذا قاعدة مستقلة ما لها علاقة بالكلام- يرى الأخذ بفعل الصحابي ما لم يخالف.
لكن هل فعله من هو أفضل من ابن عمر، أولاً: هل ثبت ذلك في المرفوع؟ ما ثبت إلا ما يفهم من قوله: ((اقرؤوا على موتاكم)) و ((لقنوا موتاكم)) مع إمكان تخريجه على وجه يصح دون معارضة للنصوص، فهل ينكر؟ نعم ينكر؛ لأنه لم يفعله من هو أفضل من ابن عمر وإلا لك أن تدخل الماء في عينيك حتى يكف بصرك، ولك أن تفعل ما فعله ابن عمر وتقتدي به وهو صحابي مؤتسي من خيار الأمة، لكن في الأمة من هو خير منه -رضي الله عن الجميع-.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -يرحمه الله تعالى-:
وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته فقال: ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، وجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور)) فلما فرغن آذنه فألقى إلينا حقوه فقال: ((أشعرنها إياه)) متفق عليه، وفي رواية: ((ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها)) وفي لفظ للبخاري: "فضفرنا شعرها ثلاثة قرون فألقيناه خلفها".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المصنف -رحمه الله تعالى-:
وعن أم عطية، أم عطية اسمها: نُسيبة أو نَسيبة بالضم أو بالفتح، والأكثر على الضم، بنت كعب أو بنت الحارث الأنصارية صحابية جليلة شهيرة روت عدة أحاديث، وهي من المراجع في غسل الميت، هي مرجع للصحابة والتابعين في تغسيل الميت؛ لأنها حضرت غسل بنت النبي –عليه الصلاة والسلام- على الخلاف في حضورها واحدة أو اثنتين.(52/3)
"قالت: دخل علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته" دخوله -عليه الصلاة والسلام- على هؤلاء الجمع من النسوة التي يغسلن البنت، إما أن يكون مع علمهن بذلك، وفعل ما يجب فعله تجاه الرجال، أو على القول المرجح عند جمع من أهل العلم أنه لا يجب الاحتجاب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، "ونحن نغسل ابنته" الجملة حالية، والبنت هذه هي زينب، هذا هو المشهور، وهو الذي جاء في بعض روايات الصحيح، زينب زوج أبي العاص، وهي أم أمامة التي حملها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يصلي، زوج أبي العاص بن الربيع، وكانت وفاتها في أول سنة ثمان من الهجرة، وقع في رواية عند ابن ماجه وغيره أنها أم كلثوم، وفي البخاري عن ابن سيرين: "لا أعلم أي بناته" على كل حال تعيين المبهم هنا بكونها زينب هذا أكثر وأشهر، وإن جاء ما يدل على أنها أم كلثوم، ولا مانع من أن تكون أم عطية شهدت غسل البنتين، ما في ما يمنع أن تكون شهدت غسل البنتين، فمن نقل أنها زينب فباعتبار، ومن نقل أنها أم كلثوم فالاعتبار الثاني، "ونحن نغسل ابنته فقال: ((اغسلنها ثلاثاً)) " هذا من الأدلة على وجوب تغسيل الميت، وأنه فرض كفاية، وتقدم الكلام في المسألة عند قوله: ((اغسلوه بماء)) وعند المالكية وجه أنه سنة وليس بواجب، والمعتمد عند عامة أهل العلم أنه على الوجوب الكفائي ((اغسلنها ثلاثاً)) هل العدد واجب وإلا ليس بواجب؟ هل المأمور به الغسل والعدد قدر زائد على الواجب كما في غسل الحي، منهم من يرى أن تعميمه بالماء كافي كالحي، ومنهم من قال: أول عدد بدء به الثلاث فهو أقل المجزي، فالأمر بالثلاث، الأمر بالغسل ثلاثاً أو خمساً أو أكثر، وهذا على التخيير الذي مرده الحاجة، وليس مرده التشهي، ((اغسلنا ثلاثاً)) إن كفى، كفت الثلاثة بها ونعمت، أو زدن على ذلك إن لم تكفِ خمساً، أو أكثر من ذلك، منهم قال: إن السبع لا يزاد عليها، بدليل أنه قال في بعض الروايات: ((أو سبعاً)) ومنهم من قال: يزاد عن السبع ما دامت الحاجة قائمة، مع أن ابن عبد البر قال: لا أعلم أحداً قال بمجاوزة السبع على أنه جاء في بعض الروايات: ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)) لكن ابن(52/4)
عبد البر -رحمه الله-، قال: لا أعلم قائلاً بمجاوزة السبع على أن الرواية التي أشرنا إليها، ورواية أبي داود: ((أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)) فهذا دليل على مشروعية الزيادة على السبع إن دعت إلى ذلك الحاجة، يعني إن لم يكفِ السبع ((إن رأيتن ذلك)) يعني إن رأيتن الحاجة داعية إلى ذلك، فمرد هذه الروية الحاجة، وليس مردها التشهي ((بماء وسدر)) كما جاء في تغسيل المحرم ((اغسلوه بماء وسدر)) وهنا قال: ((اغسلنها بماء وسدر)) فالسدر له خصوصيات، له خصوصيات، ينظف ويلين جسد الميت، فيه التنظيف، وفيه تلين جسد الميت، ويقوم مقامه ما توجد فيه هذه الخصوصيات ((واجعلن في الآخرة)) يعني في الغسلة الآخرة كافور، اجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً لأنه طيب الرائحة، ويساعد في طرد الهوام، وفي بقاء الجثة دون تغير ((واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور)) هذه شك من الراوي، هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: اجعلن في الآخرة كافوراً أو قال: أو شيئاً من كافور؟ شيئاً من كافور يدل على التكثير أو التقليل؟ التقليل، فهل ينافي ما جاء في الرواية الأخرى: ((اجعلن في الآخرة كافوراً))؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ينافي، لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(52/5)
لا ما يكفي هذا يعني نكرة في سياغ الإثبات فلا تعم فتنصرف إلى أدنى شيء، "فلما فرغن آذناه" أي أعلمناه "فألقى إلينا حقوه" بفتح الحاء وقد تكسر، وهو الإزار، والأصل في الحقو أنه معقد الإزار، المحل الذي يعقد فيه الإزار، وأطلق على الإزار من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، "فقال: ((أشعرنها إياه)) " يعني اجعلنه شعاراً لها، والشعار هو اللباس الذي يلي جسد الميت، ويلامس شعره، هذا هو الشعار، ولذا جاء في الحديث المذكور في مناقب الأنصار بعد غنائم حنين قال لهم: ((الأنصار شعار، والناس دثار)) فهم شعار بمنزلة الشعار الذي يلبس مما يلي الجسم فهم أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "فقال: ((أشعرنها إياه)) وتسمية ما يلي البدن شعار لأنه يلامس شعر البدن من غير فاصل بخلاف الدثار الذي يلبس فوقه، الآن الشعار أقرب ما يكون إلى الثوب وإلا الفنيلة؟ نعم الفنيلة التي تلي شعر البدن، والثوب يسمى: دثار، ((أشعرنها إياه)) متفق عليه، وفي رواية: ((ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها)) ابدأن بميامينها يعني بالجهة اليمنى منها، ومواضع الوضوء هاتان الجملتان بينهما اختلاف أو بينهما اتحاد؟ اختلاف وإلا اتحاد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(52/6)
ابدأن بميامينها مقتضى هذه الجملة أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى؛ لأن الرجل اليمنى من الميامن واليد اليسرى من المياسر والميامن تغسل قبل المياسر ((ابدأن بميامينها)) الجملة الثانية تدل على العكس أن اليد اليسر تغسل قبل الرجل اليمنى، ويش صار بينهما تضاد وإلا اتفاق؟ نعم ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الجملة الأولى: ((ابدأن بميامينها)) تقتضي أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، ومواضع الوضوء يعني وابدأن بمواضع الوضوء منها تقتضي العكس أن تغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى؛ لأنها كذلك في الوضوء، كيف نوجه؟ يعني في الغسلة التي فيها الوضوء يقدم مواضع الوضوء، وما عداها من الغسلات يقدم الشق الأيمن، يعني جاء في غسل الحي أنه يتوضأ وضوءه للصلاة، وعلى هذا يغسل اليد اليسرى قبل الرجل اليمنى يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثاً ثم يغسل شقه الأيمن بما فيه رجله اليمنى ثم شقه الأيسر بما فيه اليد اليمنى، فعلى هذا ما في تنافي، فيبدأ بالميامن في الغسلة التي فيها الوضوء، ويبدأ بالميامن في الغسلة التي لا وضوء فيها، وأما البدائية بمواضع الوضوء فيكون في الغسلة التي فيها الوضوء، "وفي لفظ للبخاري: "فضفرنا شعرها" يعني جعلناه ضفائر بعد نقضه وغسله يجعل ضفائر، ثلاثة قرون، ثلاثة ضفائر ويلقى خلف المرأة هذا ما يدل عليه الحديث، وبه قال الجمهور "فضفرنا شعرها ثلاثة قرون" ثلاثة ضفائر "فالقينها -هذه القرون وهذه الضفائر- خلفها" يعني مثلما يضفر الحبل معروف ضفر الشعر نُحيل بضفر الشعر "فليدعها ولو بضفير" يعني حبل مضفور مجدول مثلما يجدول الشعر، نعم أظن هذا واضح، "فألقينها خلفها" وبهذا قال الأكثر، وقال الحنفية بأنه يلقى الشعر مرسلاً من غير ضفر خلفها وعلى وجهها يفرق، وحديث الباب دليل على ما ذهب إليه الجمهور، وهو حديث متفق عليه، الحنفية ما أخذوا بهذا الحديث كأنهم رأوا أن هذا من تصرف أم عطية ومن معها دون أمره -عليه الصلاة والسلام-، "قالت: فضفرنا شعرها" ما في ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرها أمر النسوة أن يضفرنا شعرها، هذه حجة الحنفية، لكن جاء في بعض الروايات: ((أجعلن لها ثلاثة قرون)) فهذا نص قاطع(52/7)
حاسم للنزاع، مع أن تصرف هؤلاء النسوة في مثل هذا الموضع لا يكون إلا عن علمه -عليه الصلاة والسلام- وتوجيهه، والوضوء والغسل تعبدي بالنسبة للميت؛ لأن المؤمن طاهر حياً وميتاً ليس بمحدث هو طاهر، لكن يتجدد سيمته في ظهور أثر الغرة والتحجيل، هذا بالنسبة للوضوء، وأما بالنسبة للغسل فهو للتنظيف، وهو تعبدي يعني لو قدر أنه اغتسل غسلاً مبالغ في تنظيفه قبيل وفاته يكفي وإلا ما يكفي؟ لا يكفي لأنه تعبدي، نعم.
قال -رحمه الله-:
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة" متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(52/8)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كفن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثة أثواب" لا سبعة كما جاء في بعض الروايات الضعيفة، وجمع بعضهم بين هذه الرواية وراوية السبعة أن هذا ما اطلعت عليه عائشة، لكن الصواب أنه كفن في ثلاثة أثواب، وفي حديث المحرم: ((كفنوه في ثوبيه)) ذلك يدل على أن الثوبين يكفي، والثلاثة أكمل، والواحد الذي يغطي جميع البدن هو أقل القدر المجزئ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما فعل به الأكمل، ثلاثة أثواب جاء بيانها في طبقات ابن سعد عن الشعبي إزار ورداء ولفافة إزار ورداء ولفافة، أثواب بيض يعين يستحب أن يكون الكفن أبيض، وجاء في الحديث: ((ألبسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيها موتاكم)) فإنها أطيب وأطهر، ((البسوا من ثيابكم البياض فإن أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم)) قد يقول قائل: ما دام هذا هو المأمور به البسوا من ثيابكم البياض أولاً الأمر أمر استحباب لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس الألوان الأخرى، لبس الحلة الحمراء ولبس .. ، فدل على أن الأمر للاستحباب، نقول: ما دام الأمر هنا ((البسوا من ثيابكم البياض)) لماذا تتابع الناس لا سيما أهل العلم والفضل على عدم اعتماد الأبيض في جميع ما يلبس، يعني إن لبس شماغ إلى أحمر، إن لبست بشت إلى أسود وإلا غيره من هذه الألوان، يعني ما يلبسون البياض، على كل حال من أهل العلم من يعتني بهذا ويلبس البياض، إن لبس لبس أبيض ولبس غترة بيضاء ولبس بشت أبيض وهكذا، لكن ما دام ثبت أن النبي –عليه الصلاة والسلام- لبس الألوان الأخرى فلا ضيق في المسألة، فإذا لبس الثوب الأبيض ولبس معه غيره صدق عليه أنه لبس البياض مع أن العناية بالأبيض ينبغي أن تكون أوفر وأكثر، ثلاثة أثواب بيض، الحنفية يستحبون المخطط؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سجي ببرد حبرة، الخبرة المخطط، وسبق بيان معنى التسجية وهو أنها التغطية، غطي النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاته وقبل غسله بهذا البرد الحبرة، ولو غطي به بعد تكفينه لينزع عنه بعد ذلك كما يوضع البشت على الرجل إذا مات أو المرأة على الكفن، إنما الأكفان الأفضل أن تكون بيضاء ثلاثة أثواب بيض سحولية سحول قرية في اليمن ترد منها(52/9)
هذه الأثواب، ومنهم من يقول: إنها مأخوذة من السحل وهو الغسل، لكن المرجح أنها قرية باليمن سحولية، وسحول جمع سحل، والنسبة إلى الجمع إذا قلنا: إنها مأخوذة من السحل وهو الغسل، قلنا: سحول جمع سحل، والنسبة إلى الجمع شاذة، فالمرجح أنها نسبة إلى البلدة التي في اليمن، "من كرسف" من قطن، والقطن بارد على الجسد "ليس فيها قميص ولا عمامة" استحب بعض العلماء التكفين في القميص، النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن في ثلاثة أثواب التي ليس فيها القميص، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، فكيف يقال باستحباب القميص؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن عبد الله بن أبي في قميصه فكيف يفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- خلاف الأفضل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هنا ليس فيها قميص وهو كفن -عليه الصلاة والسلام- ابن أبي في قميصه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ابن أبي يفيده التبرك؟ يفيده منافق! أولاً: هي مكافئة لولده المؤمن المسلم الصادق وجبراً لخاطره، ومكافئة للأب الذي كساء العباس قميصاً، نعم هذه مكافئة لئلا تبقى له منة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجبراً لخاطر ولده، وعلى كل حال هم يجيبون على حديث الباب: "ليس فيها قميص ولا عمامة" بعض الناس يظن أن هذا نص قاطع في المسألة، نعم نص قاطع في .. ، هم يقولون: ليس فيها يعني ليس في الثلاثة، الثلاثة إزار ورداء ولفافة، وأيضاً قميص، فيكون القميص ليس في الثلاثة، قدر زائد على الثلاثة، لكن هذا ليس هو الظاهر من النص، الظاهر من النص الاقتصار على الثلاثة دون غيرها لأنه قال: كفن في ثلاثة أثواب يعني فقط ليس فيها قميص ولا عمامة، فلا يتسحب التكفين لا بالقميص ولا بالعمامة، اللهم إذا لا يوجد لفائف ولا يوجد إلا هذا القميص يكفن به، والمسألة مسألة إيش؟ استحباب، الواجب من الكفن كما أسلفنا ما يستر البدن ولو كان قطعة واحدة، فإن لم يوجد ما يستر جميع البدن سترت العورة، فإن زاد على ذلك فليجعل في أعالي البدن، ويجعل على الرجلين شيء من الحشيش، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمه حمزة ومصعب بن عمير الذين ماتوا قبل أن تبسط الدنيا وتتوسع، نعم.
قال -رحمه الله-:(52/10)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أعطني قميصك أكفنه فيه" فأعطاه إياه، متفق عليه.(52/11)
هذا الحديث الذي أشرنا إليه أنفاً، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما توفي عبد الله بن أُبي رأس المنافقين، الذي نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة عليه، أخباره كثيرة شهيرة في مضاداته ومحاداته للدعوة ولصحابها -عليه الصلاة والسلام-، ومات على نفاقه -نسأل الله السلامة والعافية- قال لما توفي عبد الله بن أُبي جاء ابنه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أعطني قميصك أكفنه فيه" "أعطني قميصك" هذه محبة جبلية من الابن تجاه أبيه وإلا فهو عدو، المنافق -نسأل الله السلامة والعافية- لا تجوز مودته ولا محبته، لكن هذه جبلة بحيث لو خالفت هذه المحبة والمودة الحكم الشرعي، هل يجرؤ عبد لله الابن أن يطلب مثل هذا لو جاء النهي عن ذلك؟ لا، المودة والمحبة الجبلية لو عارضت المحبة الشرعية صارت محرمة، ((أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)) فإذا قدم هذه المودة الجبلية على أوامر الله وأوامر رسوله ما صار الله ورسوله أحب إليه مما سواهم، لكن الولد مجبول على حب أبيه، والبحث عن شيء عله أن ينفعه، فطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- القميص ليكفنه فيه، فأعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- قميصه، وقلنا: إن هذه مكافئة، لما أسر العباس في بدر كساه ابن أبي قميصاً، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكافئه، جاء ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دفن ابن أبي .. ، وهل الدفن حقيقة أو يراد إرادة الدفن، أقول: لما دفن عبد الله بن أبي كساه النبي -عليه الصلاة والسلام- قميصه، فهل المراد أنه لما دفن نبشه النبي -عليه الصلاة والسلام- وألبسه قميصه ونفث فيه من ريقه، أو أنه لما أراد دفنه لما دلوه في قبره كساه النبي -عليه الصلاة والسلام- قميصه، الفعل الماضي يطلق ويراد به حقيقته، وهو حصول الفعل والفراغ منه، ويطلق ويراد به الشروع فيه، ويطلق ويراد به إرادته، والرواية الثانية صحيحة أنه لما دفن في البخاري وغيره، لكن هذه الرواية متفق عليها أنه أعطاه القميص قبل أن يكفن، والرواية الثانية أنه لما دفن ألبسه قميصه فاحتمال أنه نبشه بعد دفنه، واحتمال أنه قبل أن يدفن بعد أن دلي في قبره ألبسه القميص، وللتوفيق بين(52/12)
هاتين الروايتين .. ، الروايتين بمجموعهما تدلان على أنهما قميصان، صح وإلا لا؟ القميص الذي طلبه الابن وأعطاه إياه أعطني قميصك أكفنه فيه، فأعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام- قميصه، يعني هل هذا هو القميص الذي كفنه فيه بعد دفنه؟ الذي يظهر من السياق أنهما اثنان؛ لأن هذا طلبه الابن فأعطاه إياه ليكفنه، لما جاء يطلب القميص من النبي -عليه الصلاة والسلام- ليكفنه هل يكون كفن وإلا ما كفن؟ ما كفن إلى الآن، فيكفن في هذا القميص، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاء إليهم بعد دفنه، وأخرجه من قبره ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه يدل هذا على شيء ثاني، منهم من يقول: إن ما جاء في هذا الحديث حديث ابن عمر هو مجرد عدة، وعده أن يعطيه القميص "أعطني قميصك أكفينه فيه فأعطاه النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني بالعدة، قال: أبشر لك ما طلبت، فلما حصل ما حصل ذهب إليه وكفنه فيه، وألبسه إياه في قبره، منهم من يقول: هما قميصان، ويش المانع أن يكونا اثنين، لكن مجموع النصوص يدل على أنه قميص واحد، وهذه مكافئة له لما حصل منه مع عم النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أسر، مثل هذا التصرف من النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه يترتب عليه مصالح، هذا كبير قوم ومثل هذه التصرفات تأثر في قومه، وله ابن مصاب به فتخفيف المصيبة على الابن بهذا التصرف، لا شك أنه لائق بخلقه -عليه الصلاة والسلام-، وقلنا: إن هذا الحديث دليل لمن يستحب التكفين بالقميص؛ لأن هذا فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذاك ما فعل به، على أنه يمكن التوفيق بينهما بأن تكون الثلاثة غير القميص والعمامة، لكن الظاهر من النص أن القميص لا يوجد في أكفانه -عليه الصلاة والسلام- وإنما أكفانه ثلاثة فقط، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم)) رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي.(52/13)
هذا الحديث فيه الأمر بلبس الأبيض من الثياب، وهو خير الثياب وأطيب وأطهر؛ لأن القذر يظهر فيها أكثر من غيرها فيسارع إلى تنظيفها وتطهيرها؛ لأن الألوان الأخرى قد يقع عليها شيء من الوسخ أو شيء من النجاسة أيضاً فلا يشعر به بينما البياض يشعر به إذا وقع عليه شيء، ولذا جاء وصفها بأنها أطيب وأطهر يمكن تطهيرها، ويرى ما يقع عليها بخلاف الألوان الأخرى.
((البسوا من ثيابكم البياض)) وقلنا: إنه إذا كان غالب ما عليه البياض فلا يضره أن يلبس معه غيره، ولذا لبس النبي –عليه الصلاة والسلام- غير البياض؛ لبيان أن هذا الأمر أمر استحباب، والذي يعتني بهذا الأمر لا يلبس إلا البياض لا شك أنه أسعد بمثل هذا النص، الذي لا يلبس إلا البياض حتى الغترة البيضاء والبشت الأبيض هو أسعد بهذا النص، لكن من يعتني بثوبه وجعله أبيض وجعل ما زاد على ذلك بلون أخر لا يثرب عليه، ومنهم من يقول: إنه في وقت من الأوقات وهذا قبل ثلاثين سنة معروف يعني اشتهر بين الناس أن الغترة البيضاء لا يلبسها إلا الناس الأقل في الاستقامة والالتزام، وأما أهل الفضل والخير والصلاح يلبسون الشماغ الأحمر، حتى كان جواب بعض أهل العلم بهذا، سئل قيل له: يا شيخ لماذا لا تلبس غترة بيضاء والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((البسوا من ثيابكم البياض)) فكان جوابه: لما لبستها أنت وأمثالك تركناها، لكن يبقى أن من يعنى بالبياض أسعد بمثل هذا النص.
((البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم)) لأنها أطيب وأطهر ((وكفنوا فيها موتاكم)) وتقدم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كفن بثلاثة أثواب بيض، وعرفنا أنه لو لم يرد إلا هذا النص لقلنا: إن الأصل في الأمر الوجوب، لكن لبس النبي -عليه الصلاة والسلام- غير الأبيض بلا شك، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه)) رواه مسلم.(52/14)
هذا الحديث حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه)) وسيأتي حديث بعد هذا: ((لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً)) هذا الحديث صحيح في مسلم حديث جابر في مسلم صحيح ((إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه)) ليكون النوعية حسنة، وللون حسن، والكمية كافية ضافية، هذا إحسان الكفن من كل وجه، إحسان الكفن من كل وجه هو ما يقتضيه هذا الأمر، وفي حديث علي حديث ضعيف سيأتي: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ولا تغالوا في الكفن فإن يسلب سلباً سريعاً)) لأنه مآله إلى الذهاب والبلاء، لكن الأمر بإحسانه مطلوب لحديث جابر، والمغالاة ممنوعة سواء كانت في الكفن أو في غيره، النهي عن المغالاة لا تعارض الأمر بإحسان الكفن، يكون إحسانه بدون مغالاة وبدون إسراف، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعنه -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ )) فيقدمه في اللحد، ولم يغسلوا ولم يصلّ عليهم" رواه البخاري.(52/15)
هذا الحديث عنه أي عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الرجلين في قتلى أحد في ثوب واحد، هذا يتطرقه إحتملان: الاحتمال الأول أن الرجلين يدرجان في كفن واحد، بمعنى أنهما يلفان لفاً واحداً هذا إيش؟ الاحتمال الأول، والاحتمال الثاني: أن الرجلين يقسم بينهما الثوب الواحد، يقسم بين الرجلين ثوب واحد، استعمال الأول للضرورة ما وجد إلا ما يكفن به المجموع يعني الاثنين، يعني يدرجان أدارج واحد، إدراج واحد؛ لأنه لو قطع الكفن الثوب الصغير القطعة الصغيرة التي تكفي للفهما مرة واحدة معاً لو قطعت بين اثنين قد لا تكفي كما هو الاحتمال الثاني، فهذا للضرورة وهو الاحتمال الأول، أما الاحتمال الثاني، وهو الذي يراه بعضهم أنه هو المتعين أن الثوب الواحد يقسم بين الاثنين فإن كفت جميع البدن وإلا غطت العورة والرأس وما يليه أفضل من أن يدرج الاثنان إدراجاً واحداً بحيث تمس بشرتهما بشرة الأخر، يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد؛ لأن القتل كثر في غزوة أحد، ولا شك أن مثل هذا يوجد حاجة وضرورة إلى كثرة الثياب وكثرة القبور.
يقول: "يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: ((أيهما أكثر أخذاً للقرآن)) فيقدمه في اللحد" بمعنى أنه يجعل في القبر الواحد أكثر من واحد أيضاً، لكن الذي يظهر أنهم يجعلون بين كل اثنين شيء من التراب، أيهما أكثر قرآناً فيقدمه في اللحد، وهذا لا شك أنه فرع من فروع ما يكسبه القرآن صاحبه من الرفعة والتقديم والإجلال والإكرام في الدنيا والآخرة، إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً، ويضع به آخرين، فيقدم الأكثر قرآناً أكثر أخذ للقرآن فمعنى هذا أنه يقدم الأحفظ أو يقدم الأعرف في القراءة؛ لأنه قد يوجد أحفظ لكنه لا يحسن القراءة، قد يوجد أحفظ وأجود قراءة لكنه تعامله مع القرآن ومخالفته للقرآن وعدم عمله بالقرآن ظاهر، فما المراد؟ وهذا مثله يقال: ((يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)) يعني إذا وجدنا شخص حافظ مجود لكن عليه آثار المخالفات أنه يقدم على غيره نقول: لأنه أقرأ؟ أو نقول: بأن المراد بأهل القرآن كما قال ابن القيم هم العالمون به العاملون به ولو لم يحفظوه؟ نعم؟ كيف؟(52/16)
طالب:. . . . . . . . .
نعم المسألة مهمة جداً شخص حفظ القرآن ونائم عن القرآن، وغفل عن القرآن، وارتكب ما يخالف القرآن مثل هذا يقتضي التقديم؟ حمله للقرآن وبال عليه مثل هذا، حمله للقرآن وبال عليه، لكن ظاهر النص ((أيهم أكثر أخذاً للقرآن)) أنه يقدم في الدنيا والله -جل وعلا- يتولاه في الآخرة، إن كانت هناك مخالفات، كما هو ظاهر قوله: ((يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)) يعني تقدم الخلاف في ذلك، الحنابلة يقولون: الأحفظ للقرآن هو الأولى بالإمامة، والجمهور يقولون: الأفقه هو الأولى بالإمامة، هذا تقدم، يعني هل يقدم الأحفظ، وإن خفي عليه كثير من مسائل الفقه المتعلقة بالصلاة كما هو منطوق الحديث، وهو مدلول قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلموهم بالسنة)) دل على أن السنة التي فيها أحكام الصلاة مرتبة متأخرة عن القراءة وحفظ القرآن فيظهر شرف حامل القرآن في الدنيا، وأما في الآخرة يتولاه الله، إن كان مخالف يحاسب على مخالفاته، وهذا هو الذي يظهر، ينظر كم يحفظ هذا وكم يحفظ هذا ويقدم الأحفظ والأكثر حفظ، وأما الأوصاف الأخرى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [(13) سورة الحجرات] لو كان هذا اتقى وأفضل، وهذا أحفظ يقدم الأتقى أو يقدم الأكثر أخذاً للقرآن؟ يعني مقتضى الحديث الأكثر أخذاً للقرآن وأما التقوى تنفعه عند الله -جل وعلا- في الآخرة؛ لأن أيضاً حتى المفاضلة بالتقوى يعني تحتاج إلى شيء من الدقة قد يخفى أمر كثير من الناس إذا أردت المفاضلة بينهما؛ لأن عند هذا لما ليس عند هذا، عند هذا ما ليس عند الأخر، نعم؟ لكن هذا وصف فاصل هذا كم يحفظ؟ وهذا كمن يحفظ؟ وقدمه.(52/17)
"فيقدمه في اللحد" وعرفنا أن هذا من باب قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)) {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} [(18) سورة الحج] "فيقدمه في اللحد ولم يغسلوا" نعم الشهداء لا يغسلون "ولم يصل عليهم" الشهيد لا يحتاج إلى من يشفع له، بل هو يشفع لغيره، والصلاة على الميت شفاعة له ودعاء له بالمغفرة، وحط الذنوب والأوزار، والشهادة تجب هذه الذنوب من غير طلب، يغفر للشهيد كل شيء عند أول قطرة من دمه إلا الدين، فلا يصلى على الشهيد ولا يغسل، كما هو مدلول هذا الحديث، بعض السلف مثل سيعد والحسن يقول: يجب غسله كغيره، لكن الحديث الصحيح حديث الباب نص في المسالة، أنه لا يغسل، وجاء أنه يدفن بدمه، ويبعث يوم القيامة وجرح إيش؟
طالب: يثعب.(52/18)
نعم اللون لو الدم، والريح ريح المسك، فإذا غسلناه أذهبنا هذا الأثر، فتغسيله المعتمد أنه لا يغسل، وبهذا قال الجمهور، وذهب بعض السلف كالحسن وسيعد بن المسيب إلى أنه يغسل، ولكن الحديث حجة عليهم، ولا يصلى على الشهيد، كما هو مدلول الحديث، وقول الجمهور أن الشهيد لا يصلى عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصل على قتلى أحد، وذهب أبو حنيفة -الحنفية- وإسحاق إلى أنه يصلى عليه كغيره بعموم أدلة الصلاة على الميت؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على شهداء أحد بعد ثماني سنين كالمودع لهم، يعني هل في هذا دليل؟ يعني لم يصل عليهم في أول الأمر هنا، لم يغسلوا ولم يصل عليم دفنوا ولا صلي عليهم، يعني في أول الأمر، صلى عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- كالمودع لهم، هذا دليل من؟ دليل الحنفية، وعندهم الصلاة على القبر، لهم فيها شروط، ولا يدخل فيها طول المدة ثمان سنين، فماذا عن الصلاة على شهداء أحد بعد ثمان سنين كالمودع لهم؟ يعني كيف يجبون عنها الجمهور؟ الذين قالوا: إن الشهداء لا يصلى عليهم؟ يعني صلاة لغوية وهي الدعاء، بهذا قال جمع من أهل العلم، ومنهم من قال: مر عليهم وصلى عليهم صلاة الجنازة، وهذا من خصوصياتهم، ولذا لم يذكر أنه طلب من الصحابة أن يخرجوا معه للصلاة عليهم كما فعل بالنجاشي، فهذا من باب الخصوصية، وحملها على اللغوية ما في ما يمنع والصلاة في اللغة يعني الدعاء، يعني دعا لهم خرج إلى المقبرة خرج إليهم في قبورهم ودعا لهم، ويسلك مثل هذا من أجل التوفيق بين النصوص، يعني جاءت الأخبار المتواترة التي منها حديث الباب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل على شهداء أحد، كونه صلى الله عليهم بعد ثمان سنين كالمودع لهم لا يمنع أن تكون الصلاة لغوية وهي الدعاء، بدليل أنه لم يجمع الصحابة كما هي عادته في الصلاة على الجنازة، ما قال: اخرجوا نصلي على شهداء أحد، كما نعى النجاشي للصحابة وخرج وصلى عليه، فالمرجح أن الشهيد لا يصلى عليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
صلوا عليه أرسالاً، يعني ما صلوا عليه جميعاً بإمام لا.
طالب:. . . . . . . . .(52/19)
من الشهداء، لكن الشهداء معهم ما يشهد لهم من الدم، وهذه نصوص، أقول: هذه نصوص، وهذا فعل صحابته به -عليه الصلاة والسلام-، يعني صلوا عليه وودعوه ويش المانع؟ وهو كغيره، ويبقى أن الشهيد له أحكامه، ولو يوجد في الأمة من هو أتقى وأورع وأخدم للإسلام والمسلمين من الشهداء صلي عليه؛ لأنه تشمله النصوص، ويبقى أن عدم الصلاة على الشهيد بالنصوص، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:
وعن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً)) رواه أبو داود.
هذا الحديث المروي عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تغالوا في الكفن فإن يسلب سلباً سريعاً)) رواه أبو داود بإسناد ضعيف؛ لأنه من رواية الشعبي عن علي فهو منقطع؛ لأن الدارقطني وغيره نصوا على أنه لم يسمع من علي إلا حديث واحد وليس هذا، الأمر الثاني أن فيه علة أخرى وهي عمرو بن هشام الجنبي أيضاً ضعيف، وعلى كل حال المنع من المغالاة دلت عليه النصوص الأخرى المستفيضة من نصوص الكتاب والسنة التي تنهى عن الإسراف والتبذير، فالمغالاة نوع وضرب من الإسراف والتبذير، فلا يغالى في كفن ولا في غيره، ((فإنه يسلب سلباً سريعاً)) لأنه يبلى ويذهب وتأكله الأرض فلا داعي للمغالاة فيه، ولذا لما أوصى أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- أن يغسل ثوبه الذي عليه ويكفن فيه قيل له: إن هذا خلق، قال -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-: إن الحي أولى بالجديد من الميت، الحي أولى بالجديد من الميت، والكفن إنما هو للمهلة للصديد والقيح والهوام والحشرات، وأما بالنسبة إلى الحي فإنه يعبد الله فيه، ويستقبل فيه إخوانه، ويحضر به الجمع والجماعات، فهو أولى به، وعلى كل حال الحديث ضعيف، ومعناه صحيح، فالمغلاة والمبالغة ممنوعة لا بالنسبة إلى الحي ولا بالنسبة للميت.
قال -رحمه الله-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((لو متِ قبلي لغسلتك)) .. الحديث رواه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان.
يقول -رحمه الله تعالى-:(52/20)
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو متِ قبلي لغسلتك)) وسبق قول عائشة: "لو استقبلنا من الأمر ما استدبرنا ما غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا نساؤه" ففي هذا ما يدل على أن للزوج أن يغسل زوجته والعكس له أن يغسل الزوجة، وفاطمة -رضي الله عنها- كما في الحديث الآتي: أوصت أن يغسلها علي، فما زالت الرابطة والعلاقة موجودة بين الزوجين، بدليل أنه تستمر حتى في الجنة، المقصود أن الرابطة ما انقطعت فهو أولى الناس بالإطلاع عليها، وهي أولى الناس بالإطلاع عليه، ومن أهل العلم من يقول: انقطعت الرابطة بالموت، فالمرأة لا تغسل زوجها، والزوج لا يغسل زوجته، ومنهم من يفرق يقول: إيش؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
الزوجة تغسل والزوج لا يغسل، لماذا؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأن المرأة تعتد والزوج لا يعتد، يعني لو ماتت المرأة خلاص انتهى منها، ما انتهت جميع العلائق، لكن لو مات الزوج بقيت حبيسة من أجله حتى تخرج من عدته، والصواب ما يدل عليه الحديث أن للزوج أن يغسل زوجته وللزوجة أن تغسل زوجها، وأما بالنسبة للرجل بين النساء وللمرأة بين الرجال غير الأزواج نعم فقد جاء في المراسيل لأبي داود عن مكحول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس فيهم امرأة، والرجل مع النساء ليس فيهن رجل فإنهما يُيممان ويدفنان)) يعني إذا ماتت المرأة بين رجال تُيمم ولا تغسل، وإذا مات رجل بين نساء يُيمم ولا يغسل؛ لأن الرجال لا يجوز أن يطلعوا على النساء، والنساء لا يجوز لهن أن يطلعن على الرجال، وهذا في حال الموت ففي حال الحياة من باب أولى التي فيها الافتتان من الطرفين، وإذا كان هذا في حال الموت ففي حال الحياة من باب أولى، وقال بهذا جمع من أهل العلم أن التغسيل يسقط، لا يغسل الرجل إذا لم يجد رجل يغسله، ولا تغسل المرأة إذا لم تجد امرأة تغسلها، منهم من يرى إرسال الماء على الرجل أو على المرأة من بُعد، يسقط به الواجب، وتنتفي به المفسدة، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:(52/21)
وعن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- أن فاطمة -رضي الله عنها- أوصت أن يغسلها علي -رضي الله تعالى عنه-. رواه الدارقطني.
الدارقطني روى هذا الحديث بإسناد لا بأس به مقبول في الجملة، ويشهد له الحديث السابق، يشهد له الحديث السابق عن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- أن فاطمة -رضي الله عنها- أوصت أن يغسلها علي -رضي الله عنه-، أسماء بنت عميس كانت تحت من؟
طالب:. . . . . . . . .
قبله.
طالب: جعفر.
جعفر الطيار نعم وبعده تحت أبي بكر، وبعد تحت علي، فلها علاقة بالموضوع، قد يقول قال: إيش دخل امرأة أبي بكر في فاطمة وزوجها أوصت ما أوصت؟ لا لا هي تزوجت علي بعد فاطمة، فاطلعت على مثل هذا، فاطمة -رضي الله عنها- أوصت أن يغسلها علي، فدل على أن الرجل يغسل زوجته، ويشهد له ما تقدم من حديث عائشة: ((لو متِ قبلي لغسلتك)) وتقدم مراراً قول عائشة: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي -عليه الصلاة والسلام- غير نسائه" وأوصى أبو بكر امرأته أسماء أن تغسله، المقصود أن هذا بين الزوجين جائز، بل لو قيل: إن المرأة أولى الناس بتغسيل زوجها، وأن الزوج أولى الناس بتغسيل زوجته لاطلاعه على ما لم يطلع عليه غيره كان له وجه، على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- غسله علي -رضي الله عنه-، واستعان ببعض الصحابة فدل على أن الرجال يغسلهم الرجال، والنساء يغسلهن النساء، والرجل يغسل الرجل، والمرأة تغسل المرأة، وعند الفقهاء بالنسبة للجنسين يفرقون بين من بلغ السبع وبين من لم يبلغ السبع، فالذي بلغ السبع له عورة محترمة مأثرة في الناظر، فلا يغسله إلا جنسه، وأما ما دون السبع فللمرأة أن تغسل ما دون السبع، وللرجل أن يغسل ما دون السبع، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعن بريدة -رضي الله عنه- في قصة الغامدية التي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجمها في الزنا قال: "ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت" رواه مسلم.
يقول المؤلف –رحمة الله عليه-:(52/22)
وعن بريدة -رضي الله عنه- في قصة الغامدية التي زنت، وقصتها معروفة، وجاء وصفها أو نسبتها إلى جهينة، وهل هما اثنتان أو واحدة، الغامدية والجهنية أن امرأة من جهينة وهذه غامدية وبعض الشراح يذهب إلى أن غامد بطن من جهينة قصتان في الصحيح غامدية والجهنية فهل هما اثنتان أو واحدة؟ يعني سياق القصتين متقارب جداً حتى جعل بعض أهل العلم يقول: إن القصة واحدة، وغامد بطن من جهينة، فهل هذا الكلام مجته وإلا ما هو بمتجه؟ ما عندنا أحد من غامد ومن جهينة؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
ما جئنا بشيء.
طالب:. . . . . . . . .
ها؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه معروف إحنا نسمع بغامد ونسمع بجهينة، لكن هل بينهما اتصال في النسب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن لو قيل -أنت غامدي أنت- لو قيل لك: إن من جهينة فخذ يقال لهم: غامد غير غامد الذي تعرف الطائفة الكبيرة المعروفة، يعني هذا ممكن ألا يمكن هذا؟ ما يمكن أن يكون غامد غير الطائفة المعروفة غير القبيلة المعروفة نعن غيرهم في فخذ من جهينة يقال لهم: غامد ممكن؟
طالب:. . . . . . . . .
عجيب، يعني أنت مصر إلا أن تكون منكم هذه؟! عجيب! خليها من جهينة يا أخي.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هذا مرده إلى جهينة بحيث يُسألوا هل عندهم فخذ يقال له: غامد وإلا لا؟ نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني الشيباني النسبة .. ، الإمام أحمد بن حنبل الشيباني هل هم الشيابنة الذين هم فرع من عتيبة؟
طالب:. . . . . . . . .(52/23)
لا، .... ليسوا منهم، شيبان الشيابين هؤلاء فخذ من عتيبة غير الشيباني الذي ينسب إليهم أحمد، ألا يمكن أن يكون مثل هذا؟ لأن فحول الذين قالوا: غامد بطن من جهينة ما هو من فراغ، يعني شراح كبار ما هم يتخرصون، فاحتمال قائم، وأنت إيش يضرك أن تكون هذه المرأة ما هي من غامد؟ يعني المسألة متصور، ما هي متصورة؟ يعني ألا تتصور أن جهينة فيها بطن يقال لها: غامد ما تدري عنه، يمكن صغيرين، يمكن فخذ صغير انقرض وانتهى، شيء ما بلغك احتمال يعني؛ لأن الأسماء تتكرر في هذه القبيلة وفي تلك القبيلة، وإذا رجعت إلى الأنساب للسمعاني تجد النسبة متحدة الفلاني الفلاني وكل نسبة تتجه إلى قبيلة من قبائل العرب، هذا متصور يعني والتصوير بالشيباني تراه مطابق لما نحن فيه، نعم.(52/24)
هذه الغامدية التي حصل منها ما حصل، ورجمت وتابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وفي رواية: ((لو تابها صاحب مكس)) يعني توبة نصوح، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- برجمها؛ لأنها زنت وهي محصنة فأمر بها، ثم أمر بها، فصلي عليها ودفنت، دل على أن المحدود الميت بحد يصلى عليه، الميت بالحد يصلى عليه؛ لأنه مسلم والمسلم يصلى عليه، لكنه لم يصل عليها أمر بها فصلي عليها هو أمر بها فرجمت ما باشر الرجم -عليه الصلاة والسلام-، وأمر بها فصلي عليها ولم يباشر الصلاة عليها فدل على أن الإمام لا يباشر مثل هذه الأمور لا سيما الصلاة على من كانت سبب وفاته فيه شيء نعم لئلا يقال: إن فعلها صحيح، ولو لم يكن فعلها صحيح ما صلى عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، قد يظن بعض الناس المرأة تابت توبة نصوح وانتهينا منها، توبة نصوح ولا إشكال وماعز يسبح في أنهار الجنة وما عندنا مشكلة بالنسبة للأشخاص، لكن يبقى أن الفعل قبيح الذي من أجله رجمت، فلو صلى عليها الإمام مثلاً واعتنى بشأنها .... حد بعض الناس يقول: من أجل أن يصلي عليه الإمام، أو صلى عليها الإمام فدل على أن فعلها لا شيء فيه، فمثل هذا إذا مات بطريقة بالحد الذي أصله ارتكاب مخالفة لا يصلي عليه الإمام، العلماء بينهم خلاف في الصلاة على الفساق وعلى من قتل في حد، وعلى المحارب، وعلى ولد الزنا، على كل حال هم في دائرة الإسلام، ويصلى عليهم، لكن يبقى أن علية القوم وأشراف الناس والإمام على وجه الخصوص يتورع عن الصلاة عليها.
انتهى الوقت يا شيخ.
حديث جابر مثله.
قال -رحمه الله-:
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل نفسه بمشاقص فلم يصلى عليه. رواه مسلم.(52/25)
هذا الرجل الذي باشر قتل نفسه بمشاقص جمع مشقص وهو النصل العريض ترك النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة عليه عقوبة له، وردع وزجر لمن أراد أن يفعل مثل فعله، ومباشرة قتل النفس جريمة كبيرة من كبائر الذنوب، ويأتي يوم القيامة بمشاقصه، ومن قتل نفسه بحديدة أو قتل نفسه بسم أو ترد من جبل وما أشبه يكرر فعله يوم القيامة -نسأل الله السلامة والعافية-، فمباشرة قتل النفس حرام لا تجوز بحال، ولا يوجد في النصوص ما يدل عليها، وإن جاء في النصوص ما يدل على التسبب، لكن المباشرة لا يوجد في النصوص ما يدل عليها، فمثل هؤلاء لا يصلى عليهم من قبل الإمام وإلا فهم في دائرة الإسلام، والمسلمون مطالبون بالصلاة عليهم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(52/26)
بلوغ المرام - كتاب الجنائز (3)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
تدخر من أجل الدر والنسل لا يرجى منها نسل ولا در، ولحمها ليس بطيب، مثل هذه لا تأخذ الهرمة، وأما الرقة فهي الفضة، والتيس معروف.
يقول: اقتراح كتاب الزكاة يحتاج إلى فهم فعندما يكون أخر شيء قد يمل الإنسان بطبعة فأرجو أن يكون كتاب الجنائز هو الأخر حتى يأتي الإنسان العصر في تشوق وحب للعلم، يقول: وإن كان الحضور في العشاء أكثر فرب قلة خير من كثرة مع الفهم؟
على كل حال هذا تم إعلانه والاتفاق عليه.
هل يجوز للابن أن يغسل أمه إذا ماتت؟
لا يجوز له ذلك.
وكذلك هل يجوز للأب أن يغسل ابنته؟
لا يجوز له ذلك إذا كان لها أكثر من سبع.
وهل يجوز للأم أن تغسل ابنها؟
لا يجوز لها ذلك فالتفاوت بين الجنسين إنما هو بين الزوجين.
يقول: إذا أسلم الكافر فهل نلزمه بدفع الزكاة أم أنه يطالب بها إذا حال عليه الحول من أسلامه؟
إذا كان الإمام قد تمكن من قبله وإذا طلبت منه الزكاة فوراً لا يكون عنده تردد في الإسلام ولا يؤثر ذلك عليه فالأصل أنها وجبت عليه من قبل وحال عليها الحول نعم فتطلب فوراً، لكن إن كان في تأجيلها ترغيب له في الإسلام فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.
ما حكم تعليق الفضة على الجدران في لوحة كمنظر تراثي؟ وهل عليه زكاة؟
أولاً: هذا يدخل في باب الإسراف والتبذير، وعليه الزكاة إذا بلغ النصاب.
أثناء السجود إذا أردت الدعاء يستحب لي الإتيان بمقدامات الدعاء من المحامد لله والصلاة على رسول الله؟
لا ما يحتاج إلي هذه.
رجل طلق امرأة ثم تزوج أخرى فهل تكشف المرأة المطلقة على أولاد المرأة الأخرى؟
هم أولاد زوجها تكشف لهم.
هل لماعز بالغامدي علاقة؟
ليس له علاقة هذه قصة وهذه قصة.
وهل اعتراف أحد بالزنا يلزم الطرف الآخر بإقامة الحد عليه؟
لا يلزم، ولذلك لما اعترف ماعز ما سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المزني بها.
يقول: بمعنى أن الزنا لا بد من وجود طرفين فهل الاعتراف بطرف لا يؤثر على الأخر؟
نعم لا يؤثر.
يقول: يطلب إعادة تعريف العزيمة والرخصة؟(53/1)
العزيمة يقولون: ما ثبت على وفق دليل شرعي لعدم المعارض، والرخصة ما ثبت على خلاف الدليل الشرعي لوجود المعارض الراجح، فالأصل العزائم، الأصل في الأوامر والنواهي أنها كلها عزائم، لكن ما جاء على خلاف هذه العزائم كأكل الميتة مثلاً والجمع والقصر كلها رخص.
هل يجوز الاتفاق مع العمال بتأجير محال مثل ورشة عليهم بعد استئجارها وهم تحت كفالتي؟
إذا أمنت لهم ما تطلبه الورشة ثم أجرتها لهم فالأجرة جائزة وهم من أهلها، لكن إذا كانت الأنظمة لا تجيز ذلك، بل هذا تحايل على الاكتساب من غير جهد فهذا قد يمنع، إذا كان مجرد حيلة، بدلاً من أن تأتي بالعمال وتسرحهم في الأسواق، وتأخذ عليهم أموال بدون مقابل تأجر عليهم محل أجره، يعني المقصود منها الحيلة للوصول إلى المال، تستأجر محل بعشرة ألاف، وتقول: بدلاً من أن تدفعوا لي كل شهر ألف أجركم المحل بعشرين ألف هذه حيلة ظاهرة.
يقول: أنا شاب أريد أن أكون أماماً لمسجد، وقد رزقني الله صوتاً حسناً وتجويداً للقرآن، ولكني أخاف جداً أن يفتح علي باب للعجب بالنفس فما لحل؟
الترك ليس بعلاج، عالج مرض القلب، وماعدا ذلك الترك ليس بعلاج، وإلا هذا التخوف يعرض لجميع العبادات.
يوجد لدينا في العمل مصلى وأحياناً نرابط يوم الجمعة فهل نصليها جمعة أو ظهر؟
إذا كان المسجد مسجد جمعة ورخص له في ذلك، وجاءت الفتوى بإقامة الجمعة فيه وإلا فلا.
اقتناء جوال به كامرة والمشكلة أنه مع شاب ملتزم؟
على كل حال التصوير حرام واقتناء الآلة يعين على ارتكاب الحرام ويسهله، فالأولى تركه، لكن مجرد الاقتناء لا للتصوير أو لتصوير الوثائق أو أشياء ليست ذوات أرواح إذا كان يضمن أن هذا الجوال لا يقع في يد غيره فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-.
سائل من مصر يقول: ما هو العثري؟
يعني العثري هو الذي يعثر على الماء بجذوره بعروقه، ولا يحتاج إلى سقي.
وهذا سائل من الرياض يقول: أريد أن أعرف رأي الشيخ في كتاب مسائل أحمد وإسحاق؟(53/2)
الإمام أحمد له مسائل كثيرة مسائل أبي داود طبعت قديماً، ومسائل ابن هانئ ومسائل كثيرة جداً، فما يروى عن الإمام من مسائل ... معروف .... رأي الإمام أحمد سواء كان في الأحكام أو في الرجال أو في السؤال عن الأحاديث والعلل ومسائله كثيرة، وإسحاق إمام من أئمة المسلمين إن كان يريد مسائل برواية معينة وبطبعة معينة فليحدد السؤال.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
يقول الإمام الحافظ ابن حجر -يرحمه الله-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد فسأل عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ماتت، فقال: ((أفلا كنتم آذنتموني؟ )) فكأنهم صغروا أمرها، فقال: ((دلوني على قبرها)) فدلوه فصلى عليها، متفق عليه، وزاد مسلم، ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة المرأة والخلاف في كونها امرأة أو رجل موجود في الروايات الصحيحة، وبعضهم شك هل هي رجل أو امرأة، وبعضهم جزم على كل حال القصة أو الحكم المستنبط من القصة لا يتوقف على كونها ذكر أو أنثى، التي كانت تقم المسجد تخرج القمامة وهي الكناسة، يعني تنظف المسجد، وجاء في فضل تنظيف المساجد، والأمر ببناء المساجد وتنظيفها وتطيبها معروف؛ لأنها لإقامة شعائر الله مثل هذه الصلاة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والأذكار وقراءة القرآن وإلقاء العلم والدروس والتعليم وجميع ما يتعلق بالأمة، الأصل أن يصدر من المسجد، فتنظيف المساجد جاء الترغيب فيه، وكانت هذه المرأة تقم المسجد، ولا مانع من خدمة النساء للمساجد إذا أمنت الفتنة، لكن مع وجود الفتن لا يجوز بحال أن تدخل أماكن الرجال لها أن تنفض أماكن النساء ومصليتهن، أما أماكن الرجال فلا، كما أنه لا يجوز للرجل أن يدخل ويغشى أماكن النساء.(53/3)
كانت تقم المسجد قال: فسأل عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-، كأنه افتقدها، ما رآها، فقال: أين فلانة التي كانت تقم المسجد؟ فقالوا: ماتت، فقال: ((أفلا كنت آذنتموني؟ )) يعني أعلتموني بموتها؛ لأن مثل هذه التي تنظف ولا نتصور أنها تأخذ مقابل أو راتب أو تتبع شركة معينة أو شيء لا لا، كان العمل يصدر منهم ابتغاء وجه الله –جل وعلا- دون مقابل، لكن إذا صرف من بيت المال لمثل هؤلاء فهذا من خير المصارف بلا شك، لكن كون الإنسان يتبرع بمثل هذه الأعمال الصالحة أجره على الله –جل وعلا-، وثوابه عظيم -إن شاء الله تعالى-، فقال: ((أفلا كنتم آذنتموني؟ )) فكأنهم صغروا أمرها، قللوا من شأنها، امرأة سوداء تقم المسجد، تنظف في نظرة قديمة للخدم الذين يعانون المهن، ويخدمون الناس، لكن نظرة الشرع تختلف، النظرة الشرعية أنه إنسان كامل الحقوق، فكأنهم صغروا أمرها، فقال: ((دلوني على قبرها)) مثل هذه لها حق تبرعت بجهدها وعملها ووقتها لتنظيف المسجد، لا شك أن لها حق ((دلوني على قبرها)) فدلوه إيش؟ فدلوه فصلى عليها، ما الفرق بين قولنا: "فدَلُّوه" و"فدَلَّوه" لأن بعض الناس قد يقرأها هكذا، والمعنى يختلف، ومثله الإمام الذي يقول: تراصُوا وبعضهم تسمعه يقول: تراصَوا، نعم؟ فدلَوه من الدلالة، ودلُوه من التدلية نعم، وتراصُوا أمر بالتراص، تراصَوا ماضي انتهوا تراصوا وانتهوا، ((دلوني على قبرها)) فدلوه فصلى عليها، متفق عليه.(53/4)
وفيه الصلاة على القبر، وهذا مستثنى من النهي عن الصلاة إلى القبور في حديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) فدل على أن المنهي عنه الصلاة المعروفة المعتادة ذات الركوع والسجود، أما صلاة الجنازة مستثناة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على القبر، ولا يدخل هذا في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ولا يدخل في النهي عن الصلاة إلى القبور، الصحيح من حديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها)) وهنا صلى على قبرها، هذا مخصص لعموم النهي، ويبقى أنه لا يقاس على هذا الخاص غيره، يبقى الأصل النهي عن الصلاة إلى القبور، والصلاة في المقبرة والصلاة في المسجد الذي فيه قبر، كل هذا تتناوله النصوص، وأما صلاة الجنازة على القبر فثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، صلى عليها، وصلى على البراء بن معرور، المقصود صلى عليه بعد شهر من وفاته، فحد بعضهم الصلاة على القبر إلى شهر، ويختلفون في المدة التي تفوت فيها الصلاة على القبر، المقصود أن الصلاة على القبر مشروعة ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ويبقى ما عداها في حيز المنع، من صلاة وقراءة وغيرهما، فالنهي عن اتخاذ القبور مساجد يتناول جميع العبادات التي تزاول في المسجد، وعلى هذا لو حصل الدفن بعد صلاة الفجر، وأراد شخص وهو ينتظر الدفن أن يؤدي أذكار الصباح مثلاً في المقبرة أو يهلل المائة، أو يسبح أو ما أشبه ذلك، هل يمنع من هذا أو لا يمنع؟ ((اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) فهل نقول: إن أداء الأذكار في المقبرة اتخاذ لها مسجد؟ أو ينتظر في أذكاره حتى يخرج؟ هاه؟ أن يؤدي الأذكار في المقبرة بما في ذلك ما يمر من آيات
طالب:. . . . . . . . .(53/5)
الصلاة فيها، فيها الفاتحة وفيها .. ، لكن قراءة القرآن تجوز وإلا ما تجوز؟ قراءة القرآن بدعة في المقبرة، وجاء النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ولعن اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، فدل على أن العبادات لا تزاول في المقبرة، يخص من ذلك ما جاء الدليل بتخصيصه، وما عدا ذلك يبقى على المنع، وزاد مسلم: ثم قال: ((إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله -عز وجل- ينورها لهم بصلاتي عليهم)) هذا يستدل به .. ، أولاً: هذه الزيادة لم يخرجها البخاري، بل هي من أفراد مسلم، ويحتج بها من يرى أن الصلاة على القبر خاصة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، والمالكية والحنفية لا يرون الصلاة على القبر؛ لعموم النهي، والحنابلة والشافعية يرون جواز ذلك، لما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث وغيره، المدة التي تشرع فيها الصلاة على القبر منهم من قال: إلى شهر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على البراء بن معرور بعد مضي شهر، ومنهم من يقول: إلى أن يبلى الميت، ما دام الميت موجود في قبره يصلى عليه، إذا بلي وفني لا يصلى عليه، لكن تعليق الحكم بمثل هذا الذي لا يطلع عليه ولا على مدته وأمده تعليق على مشكوك فيه، وكونه صلى ووقع منه أتفاقاً المدة الشهر لا يقتضي التحديد، وأما دعوى الخصوصية بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فالخصوصية تحتاج إلى دليل للتخصيص، دليل يخصه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فالأصل أنه القدوة والأسوة، فإذا فعل شيئاً طلب من الأمة أن تفعله إقتداء به، لكم في رسول الله أسوة حسنة، قد يؤخذ التخصيص من التعليل ((إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم)) لكن الأصل الإقتداء، وهذه صلاة جنازة جاء الترغيب فيها، فلا يفوت المسلم أجره المترتب عليها، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:
وعن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى عن النعي، رواه أحمد والترمذي وحسنه.
اللي بعده.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم، وكبر عليه أربعاً، متفق عليه.(53/6)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(53/7)
وعن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينهى عن النعي، والحديث لا بأس به حسن، ينهى عن النعي، والحديث الذي يليه من حديث أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي، ينهى ونعى، لا شك أن الذي فعله غير الذي نهى عنه، النعي هو الإخبار بالموت، وأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بموت النجاشي، فمجرد الإخبار من أجل أن يجهز الميت ومن أجل أن يصلى عليه ومن أجل أن يبادر بقضاء ديونه واستفاء حقوقه، هذا مجرد إخبار لا بأس به، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نعى لهم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وأخبرهم ليجتمعوا فيصلوا عليه، هذا مجرد إخبار، لكن النعي الذي جاء النهي عنه ما كانت الجاهلية تفعله من رفع الصوت في أفواه السكك والطرقات ألا أن فلان بن فلان وبعث البعوث إلى القبائل، ألا أن فلان بن فلان قد مات، ثم بعد يحصل ما يحصل من بيان محاسنه والنياحة عليه، المقصود أن مثل هذا الذي لا يترتب عليه هدف شرعي هو الداخل في الذم، وهو ما كانت الجاهلية تفعله، وأما إذا كان الإخبار والنعي لمجرد الاجتماع للصلاة عليه وتوفية حقوقه، وقضاء ديونه، وتعزية أهله، لا بأس به، والذي يعلن في الصحف أحياناً ويصدر بما يدل على التركية {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [(27) سورة الفجر] هذه تزكية لا تجوز، هذا حكم له، لا يجوز مثل هذا، والإعلان عنه في الصحف والأمور بمقاصدها إن كان له علاقات طويلة، وأعمال مبعثرة، لا يمكن تبليغ من له به صلة إلا بهذه الطريقة، وكان هذا هو الهدف فيجوز منه ما يحقق هذا الهدف، أما حجز الصفحات الأولى من الجرائد أو الصفحات الكاملة بالألوف المؤلف لا شك أن هذا تبذير، لكن لو وضع خبر صغير بإعلان وفاته، وأن من له عليه حق فليتقدم على أو إلى كذا، هذا هو الصحيح، أما أن تعلن وفاته في الصفحات الكاملة، وتتقبل التعازي فيه في صفحات من أجل المباهاة هذا لا يجوز هذا هو المنهي عنه، فعرفنا أن الإخبار حكمه يتبع ما يحققه، فإن كان يحقق للمخبر المباهاة وليقال: إنه صلى عليه الجماهير الغفيرة، وأنه تناقل خبر وفاته الناس، مثل هذا لا شك أنه ينهى عنه، أما إذا كان لاجتماع أهله وذويه ومعارفه وأحبابه(53/8)
وأهل الخير والفضل والصلاح للصلاة عليه فهذا لا بأس به، مطلوب هذا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، منهم من يقول: إنه لا يجوز النعي إلا في اليوم الذي يموت فيه، وماعدا ذلك ينتهي، على كل حال الأمور بمقاصدها، وكل يجد من نفسه ما يجد، لكن الملاحظ في كثير من التصرفات أن المباهاة لها دور كبير في النعي الموجود الآن، تجد بعض الأخيار إذا سمع بوفاة شخص أو بجنازة ولو لم يعرف صاحبها يرسل رسائل بالجوال من أجل أن يحضر الناس للصلاة عليه، وهذا من دل على خير فله مثل أجر فاعله، هذا لا بأس به، هذا لا يقصد به المباهاة ولا المكاثرة وإنما يقصد به أن يحصل المبلغ على أجر الصلاة على هذا الميت، قل مثل هذا لو أن إمام المسجد قال: يصلون على فلان في الوقت الفلاني في المسجد الفلاني هذا ليس فيه فخر ولا مباهاة ولا شيء إنما ليحصل الناس أجر الصلاة على الجنازة وسيأتي، النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، علم من أعلام النبوة، ليس هناك وسائل اتصال، الخبر من الحبشة إلى المدينة يحتاج إلى وقت طويل، فهذا علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الذي مات فيه، الآن في اللحظة يبلغ الخبر الآفاق، الخبر يبلغ الآفاق بلحظة من خلال وسائل الاتصال، وجاء في الحديث: ((الرجل ليكذب الكذبة تبلغ الشرق والغرب)) ومصداقه ما بين أيدنا من آلات، وخبر الدجال ينتشر في وقت قصير، المقصود أن كل هذه من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم، وكبر عليه أربعاً، خرج به إلى المصلى، يستدل بهذا من يمنع الصلاة على الميت في المسجد، وأنه لا بد أن يخرج بها، وستأتي المسألة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على ابني بيضاء في المسجد إلى أخره، فالصلاة على الميت في المسجد يمنعها بعض أهل العلم خشية تلويث المسجد؛ ولأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج للصلاة على النجاشي ولم يصل عليه في المسجد، وخروجه أو صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- على النجاشي في المسجد العلة التي أوردوها وهي تلويث المسجد الصلاة على الغائب ما فيها تلويث، فما الذي جعله يصلي على النجاشي خارج(53/9)
المسجد في المصلى؟ نعم؟ ليكثر الجمع، ولذا تجدون الجنائز الكبيرة التي لا تستوعبها المساجد يصلى عليها في مصليات العيد، هذا حصل، فيصلى على الجنائز الحافلة في مصليات العيد، يخرج بها، مع أنه يصلى على غيرها في المساجد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما خرج بهم إلى المصلى أراد أن يكثر الجمع، خرج بهم إلى المصلى فصف بهم الصلاة على الغائب هذا دليلها، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الجنازة والميت غائب، وقال بشرعية الصلاة الغائب مطلقاً الشافعية والحنابلة، ونقل ابن حزم عن السلف أنه لم يأتِ عن أحد منهم خلاف هذا القول، وعند الحنفية والمالكية لا يصلى على الغائب لكثرة من مات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بغير حضرته فلم يصل عليهم، لكن فعله في الصلاة على النجاشي وهو غائب دليل الجواز، ولذا منهم من يقول: إذا كان الغائب لم يصل عليها في بلده فيصلي عليه الغائب، أما إذا عرفنا أنه صلي عليه في بلده لم يصل عليه، وإلى هذا ميل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، لكن نحتاج إلى دليل يثبت أنه لم يصل عليه في بلده، نعم لا يصلى على كل أحد إنما يصلى على من له أثر في الإسلام كالنجاشي كان ردء نافع للمسلمين، فمثل هذا يصلى عليه، ولو وجد من هل نفع عام في الأمة أو نفع خاص لبعض الناس يصلى عليه وفاء له، منهم من يقيد الصلاة على الغائب في اليوم الذي مات فيه، جمود على ما جاء في الخبر، ومنهم من قال: يصلى عليه إذا كان في جهة القبلة، إذا كان الميت في جهة القبلة يصلى عليه، لكن لو مات ميت في الهند أو باكستان أو الجهات الشرقية كيف تصلي عليه وأنت تستدبره توليه ظهرك، لكن لو كان الميت في مصر أو في المغرب ممكن أن تستقبله وتستقبل القبلة، والحديث الذي معنا النجاشي في جهة القبلة بالنسبة للمدينة، فالحبشة في قبلة المدينة، ومكة تقع بين المدينة والحبشة، وهذا أيضاً جمود على النص، ويقول به ابن حبان، على كل حال المرجح صحة وجواز الصلاة على الغائب لا سيما إذا كان له أثر في الإسلام أو أثر فيمن يصلي عليه في وجه الخصوص، توفي والد مثلاً والابن لا يستطيع الحضور عليه يصلي عليه ويدعو له، ما المانع؟ لأن له أثر في حياته، وفضل عليه، ومثله(53/10)
لو تفي شيخ له يصلي عليه.
قال -رحمه الله-:
وعن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله-:(53/11)
وعن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه)) ما من رجل مسلم يخرج المرأة وإلا ما يخرج المرأة؟ يعني هل هذا المفهوم معتبر لو امرأة مسلمة ماتت وقام على جنازتها أربعون رجلاً وقل مثل هذا في القائم لو قام على رجل أربعون امرأة، أو قام أربعون رجلاً على امرأة أو أربعون امرأة على امرأة قسمة إيش؟ رباعية؟ رباعية، رجل يموت يقوم عليه أربعون رجل، رجل يموت يقوم عليه أربعون امرأة، امرأة تموت يقوم عليها أربعون رجلاً، امرأة تموت يقوم عليها أربعون امرأة، فالقسمة رباعية، فهذا الحديث مخرج للصور الثلاث أو لا؟ نعم؟ نعم، ليس بمخرج لماذا؟ لما ثبت في النصوص القطعية أن النساء شقائق الرجال، وحكم الرجال حكم النساء إلا ما وردت الأدلة بتخصيص الرجل أو العكس، فمثل هذا القيد غير معتبر، ما من رجل مسلم ومثله المرأة، ((يموت فيقوم على جنازته)) يعني يصلون عليه، لا مجرد القيام يقومون عليه للصلاة ((أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً)) لو رجل مات بين نساء وصلى عليه أربعون امرأة، رجل مات بين نساء صلى عليه أربعون امرأة، أولاً: هل المرأة تصلي على الميت أو لا تصلي؟ نعم؟ تصلي هي ممنوعة من أتباع الجنازة، وممنوعة من زيارة القبور، لكن ما منعت من الصلاة، وهي مخاطبة بالنصوص التي تدل على أن من صلى على جنازة فله قيراط، هي مخاطبة كالرجل، لكن الصورة التي معنا يفترض المسألة رجل مات بين نساء وليس عنده رجال يصلون عليه يدفن من غير صلاة؟ يصلين عليه، فإذا قام عليه أربعين امرأة لا شك أنه يدخل في مثل هذا؛ لأن الوصف غير مؤثر، نعم الوصف دلت الأدلة على عدم تأثيره؛ لأن هذا مما يشترك فيه الرجال والنساء، ((لا يشركون بالله شيئاً)) فيحرص على أهل التحقيق تحقيق التوحيد وتجريد التوحيد هؤلاء هم الذين يدعون للصلاة على الميت، يحرص عليهم أكثر من غيرهم، يعني كونه يحضر غيرهم لا يمنع، وإن أراد أن يصلي يصلي، لكن يوجد من طوائف المبتدعة من إذا أراد أن يصلي على أهل السنة يمنع وإلا ما يمنع؟ ما يمنع، لكن الحرص يكون لمن لا يشرك بالله شيئاً؛(53/12)
ليحصل الوعد في الحديث ((إلا شفعهم الله فيه))، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
"شيئاً" عمومه يشمل، فليحرص في هذا المقام على أهل التحقيق للتوحيد والتجريد، وأهل الإخلاص، وأهل الصدق مع الله -جل وعلا-؛ لأن هذه دعوة فيرجى ويطلب من ترجى إجابة دعوته، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن سمرة ...
طوائف المبتدعة كغلاة الصوفية وغلاة ... الذين يعظمون البشر، أو مثل المعتزلة الذين جاء وصفهم بأنهم مجوس هذه الأمة أو غيرهم لا يدعون، لكن لو وجد من صلى مع الناس في المجتمعات العامة مثل الحرمين وغيرهما ما يقال .. ، ما يخرج أحد لأنه لم يثبت على مر التاريخ أن مثل هؤلاء يمنعون لا من الصلاة العامة ولا من الصلاة الخاصة، لكن إذا دعي شخص من أهل السنة ليصلي على مثل هؤلاء، الصلاة شفاعة والشفاعة لا تنال المشرك، فقيل لشخص من أهل السنة: صل على فلان المعتزلي، فقال: لا أصلي عليه، الرجل يقول بخلق القرآن، وينكر الرؤيا من يمكن أصلي عليه، ألزم، كأنه ألزم وأحرج فصلى عليه، وكان من دعائه: اللهم إن فلاناً ممن ينكر عذاب القبر، معروف عندهم إنكار عذاب القبر فأذقه إياه، هذا اعتداء في الدعاء، فمثل هذا لا يصلي، هذا اعتداء فلا .. ، مثل هذا لا يصلي، وإذا كان المسلم أقول: الرجل في دائرة الإسلام فالدعاء له مشروع، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:
وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: صليت وراء النبي -صلى الله عليه وسلم- على امرأة ماتت في نفاسها فقام وسطها، متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(53/13)
وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: "صليت وراء النبي -صلى الله عليه وسلم- على امرأة ماتت في نفاسها" يعني بعد الولادة أو أثناء الولادة "فقام وسطها" وسط المرأة، ولعل من الحكم الظاهرة في هذا أن يستر هذا الوسط عن المصلين، يعني إذا قام في وسطها استتر هذا الوسط عن رؤية المصلين، وعلى كل حال هذا حكم المرأة، وأما بالنسبة للرجل فعند رأسه، إزاء رأسه، ومن أهل العلم من يقول: عند صدره، صدر الرجل، هو النبي -عليه الصلاة والسلام- قام عند رأسه، مما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على رجل فقام عند رأسه، وصلى على المرأة فقام عند عجزتها، يعني عند وسطها، كما هو في هذا الحديث، فهذه هي السنة، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "والله لقد صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابني بيضاء في المسجد" رواه مسلم.
تقول عائشة -رضي الله عنها- رداً على من أنكر عليها الصلاة على الميت في المسجد: "والله لقد صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابني بيضاء في المسجد" سهل وسهيل، والبيضاء أمهما، وأبوهما وهب بن ربيعة صلى عليهما النبي -عليه الصلاة والسلام- في المسجد، وصُلي على أبي بكر في المسجد، وصلي على عمر في المسجد، وما زالت صلاة الجنازة تؤدى في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام- وبعده، ففي هذا رد على من يرى عدم إدخال الميت المسجد بشبهة التلويث، أو لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على النجاشي في المصلى، فالصلاة على الميت في المسجد جائزة من غير كراهة، وبهذا يقول الجمهور، وذهب بعضهم إلى أنها لا تجوز، بعضهم يطلق الكراهة، وبعضهم يتجاوز فيطلق عدم الصحة، لكن هذا كله قول مرجوح، فالراجح جواز الصلاة على الميت في المسجد، والاحتجاج عليه مما ذكر، عمر -رضي الله تعالى عنه- صلى على أبي بكر في المسجد، صهيب صلى على عمر في المسجد، وقبل ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على ابني بيضاء في المسجد، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:(53/14)
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعاً، وأنه كبر على جنازة خمساً، فسألته، فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبرها" رواه مسلم والأربعة.
وعن على -رضي الله عنه- أنه كبر على سهل بن حُنيف ست، وقال: إنه بدري، رواه سعيد بن منصور وأصله في البخاري.
بعده.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبر على جنائزنا أربعاً، ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى" رواه الشافعي بإسناد ضعيف.
وعن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: صليت خلف ابن عباس على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب فقال: لتعلموا أنها سنة" رواه البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(53/15)
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى -رضي الله عنه- قال: "كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعاً" عبد الرحمن بن أبي ليلى من التابعين، بل من خيارهم وثقاتهم، حديثه في الصحيحين وغيرهما، وابنه محمد الإمام الفقيه المشهور الذي يدور اسمه كثير في كتب الفقه، لكنه بالنسبة للرواية ضعيف، سيئ الحفظ، والأب من ثقات التابعين، قال: "كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعاً" وهذا هو الغالب في التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، "وأنه كبر على جنازة خمساً، فسألته فقال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبرها" رواه مسلم والأربعة" التكبير على الجنازة جاء عدده متفاوتاً في الروايات الصحيحة، من ثلاث إلى تسع، لكن الاتفاق في النهاية كما قال ابن عبد البر وغيره وقع على الأربع، وكان التكبيرات تزاد في حق من زاد فضله، وبان أثره، فمنهم من يقول: إن هذا الاتفاق يمنع من الزيادة فيما بعد، ومنهم من يقول: إن الزيادة منهم من يمنع الزيادة بعد الاتفاق، ومنهم من يقول: إن الزيادة ما زالت، ولذا يذكر عن بعض أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى وقتنا هذا من قد يزيد، لكن ينبغي أن يكون على قلة، هذا إذا سوغت الزيادة، لكن يبقى أن الاتفاق له هيبة، وإن كان الأصل الجواز، "يكبر على جنائزنا أربعاً، وأنه كبر على جنازة خمساً فسألته فقال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبرها"، النبي -عليه الصلاة والسلام- كبر على النجاشي أربعاً، كبر أربعاً، وهذا الحديث يدل على الخمس، وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم الأئمة الأربعة وكثير من أتباعهم إلى أن الأمر استقر على الأربع، فلا يزاد عليها، ومنهم من يرى أنه لا مانع من الزيادة على الأربع حسب قوة الأثر لهذا الشخص في الدين يزاد عليه، ما دام ثبتت الزيادة من فعله -عليه الصلاة والسلام- فيزاد على هذا، ولذا على لما كبر أو صلى على سهل بن حنيف كبر عليه ستاً وقال: إنه بدري، رواه سعيد بن المنصور، وأصله في البخاري، في البخاري أن علي كبر على سهل بن حنيف من دون عدد، من دون الست، وقال: إنه شهد بدراً، التعليل وقال: إنه شهد بدراً يدل على أنه هناك زيادة في الصلاة في العدد، والبرقاني في مستخرجه ذكر هذه(53/16)
الزيادة، يعني من الطريقة التي روى بها البخاري الحديث، فهذا يدل على الاستمرار، استمرار الزيادة لمن كان له أثر، وعند البيهقي من حديث وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً، بل ابن عبد البر أخبر بما هو ... إلى التسع، من الثلاث إلى التسع، فجمع عمر -رضي الله عنه- أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم- فأخبر كل بما رأى، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات، وهذا حجة من لا يرى الزيادة، يقول: أفتى به عمر، وجمع الناس عليه، ولم يخالفه أحد، لكن صنيع علي -رضي الله عنه- لما كبر على سهل بن حنيف، وإن كان هذا العدد ليس في الصحيح، لكن التعليل يشعر بأن هناك زيادة في العدد، يستدل بها بعضهم على أنه لم يحصل إجماع، والحجة في الاتفاق، وعن جابر -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكبر على جنائزنا أربعاً، ويقرأ بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى، فرواه الإمام الشافعي بإسناد ضعيف، بل ضعيف جداً؛ لأنه من طريق شيخه إبراهيم بن أبي يحيى، وهو متروك، الحفاظ على تضعيفه، بل ضعفه شديد، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يحسن الظن به، من حيث الصدق لا من حيث الديانة، فيقال: حدثنا المتهم في دينه، الثقة في روايته، وكثيراً ما يقول: حدثني الثقة، ويريد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى هذا الذي تركه أكثر الأئمة، فالحديث ضعيف جداً، والتكبير على الجنائز أربعاً تقدم ما يشهد له، صلى على النجاشي وكبر أربعاً، وأما القراءة بفاتحة الكتاب في التكبيرة الأولى فيدل لها من روى البخاري عن طلحة بن عبد الله بن عوف -رضي الله تعالى عنه- قال: "صليت خلف ابن عباس -رضي الله عنهما- على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سنة، وقول الصحابي: سنة أو من السنة له حكم الرفع؛ لأنه لا يريد بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا قال: سالم في الصحيح -في الحديث الصحيح- في صحيح البخاري في كتاب الحج لما قال ابن عمر للحجاج: إن كانت تريد السنة فهجر في الصلاة، قال سالم: وهل يريدون بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ فإذا قال الصحابي: من السنة فهو مرفوع.(53/17)
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ
فبعد التكبيرة الأولى يقرأ بفاتحة الكتاب بدلالة هذا الحديث؛ ولعموم حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) والجنازة صلاة، صلاة الجنازة صلاة، فيشملها هذا، فلا بد من قراءة الفاتحة، والمسألة خلافية، لكن هذا الذي يدل عليه الدليل.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فحفظت من دعائه: ((اللهم أغفر له وارحمه وعافية واعفُ عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر، وعذاب النار)) روه مسلم.
هذا الحديث في الدعاء للميت، والأصل في مشروعية الصلاة على الجنازة الدعاء للميت، ومن أجله شرعت لأنها شفاعة.(53/18)
وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جنازة فحفظت من دعائه" فدل على أن الدعاء أطول من هذا، ويحتمل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر بهذا الدعاء حتى سمع وحفظ، ويحتمل أنه سأله بعد أن سلم فحفظ عنه، كما سأل أبو هريرة النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ما يقوله في سكوته بين التكبير والقراءة فأخبره بدعاء الاستفتاح، والاحتمال قائم على أنه إما أن يكون جهر به جهراً خفيفاً وهذا لا يؤثر، ويكون حينئذٍ عوف قريب منه فحفظ منه، ولذا لم يحفظه كله، بل حفظ من دعائه: ((اللهم اغفر له وارحمه)) وبعضهم أخذ من هذا مشروعية الجهر بالدعاء، لكن لو شرع الجهر به لحفظ التأمين عليه، فدل على أنه مما يسر به، يسر به الإمام ويسر به المأموم، لكن كيف حفظه من دعاء النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يمنع أن يكون النبي جهر ببعض الدعاء فحفظ عنه، كما كان يجهر بالآية أحياناً في الصلاة السرية، فحفظ من دعائه هذا: ((اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله)) ضيافته ((ووسع مدخله)) قبره ((واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) الغسل قبل التنقية وإلا التنقية قبل؟ يعني في دعاء الاستفتاح التنقية قبل الغسل، ينقى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، ثم بعد ذلك يغسل، يعني هل الأفضل إذا جيء للغسال بثوب فيه بقع أن يغسله أولاً ثم يتتبع هذه البقع، أو يتتبع هذه البقع ثم يغسله كاملاً؟ يتتبع البقع ثم يغسله كاملاً، لماذا؟ لأن التخلية قبل التحلية، في دعاء الاستفتاح ماشي على هذا، نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، واغسلني بالماء والثلج والبرد، لكن هنا: اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، قد يقول قائل: إن هذه الواو لا تقتضي ترتيب، والمسألة معنوية سواءً غسل قبل أو نقي قبل فالمسألة معنوية، لكن ترتيب الكلام في المحسوسات ما جاء في دعاء الاستفتاح أظهر مما جاء هنا؛ لأن المسألة هنا معنوية، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة.(53/19)
يقول: هل قراءة سورة الفاتحة في صلاة الجنازة سنة؟ وإذا لم يقرأها المصلي في صلاة الجنازة ليس عليه شيء؟
لا بلى، ليست بسنة بل واجبة، بعضهم يقول بركنيتها كالصلاة؛ لعموم حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وأما قول الصحابي: إنها سنة، فالمراد أنها عمل مأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسنة هنا أعم من أن تكون واجبة أو سنة اصطلاحية.
((وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر وعذاب النار)) قال عوف: فتمنيت لو كنت أنا الميت لدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- لذلك الميت، لا شك أن كون النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو للإنسان بهذا الدعاء هذه منقبة له، والحديث في صحيح مسلم، نعم.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى على جنازة يقول: ((اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده)) رواه مسلم والأربعة.
هذا الحديث الذي عزاه الحافظ -رحمه الله- إلى صحيح مسلم لا يوجد في مسلم، وإنما هو موجود في السنن، وأعل الحديث، أعله بعضهم، لكن العلة لا تقدح، لا تقدح العلة التي ذكرت، فالحديث أقل أحواله الحسن فهو مقبول في الجملة يقول:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى على جنازة يقول: -يعني من ضمن ما يقول من الأدعية بعد التكبيرة الثالثة-: ((اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا -الحاضر والغائب- وصغيرنا وكبيرنا)) يعني تطلب المغفرة للصغير! الصغير لم يقترف ذنباً يؤاخذ عليه لأنه غير مكلف، فكيف تطلب المغفرة له أو تكون موقوفة فيما إذا كلف ورتكب ذنباً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(53/20)
إذا صار مكلفاً وارتكب ذنباً دعا له إنما يدعو له لأنه موجود، وتكون الدعوة موقوفة حتى يكلف ويرتكب الذنب وإلا فالأصل أنه لا ذنب له، ((وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا)) الآن الحي والميت آلا يشمل ما جاء بعده؟ الحي ما يشمل الشاهد والغائب؟ ويشمل الصغير الكبير وكذلك الميت ويشمل الذكر والأنثى؟ لكن هذا تفصيل لما قد يعزب عن الذهن أثناء الدعاء فيستحضر ((اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا)) وذكرنا وأنثنا ثم قال: ((اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام)) أحييه على الإسلام على أعماله الظاهرة المتطلبة للأعمال الباطنة، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان على الكمال؛ لأن الإيمان أكمل من الإسلام، فيطلب الكمال عند الخاتمة ((ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده)) هذا نوع من أدعيته -عليه الصلاة والسلام- إضافة إلى ما تقدم، وجاء في السنن سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما: ((اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، وأنت قبضت روحها، جئناك شفعاء فاغفر له، اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم فاغفر له واحمه إنك أنت الغفور الرحيم)) المقصود أنه حفظ أدعية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن أمكن أن تقال جميعها وإلا يقتصر على بعضها، ويخلص في الدعاء للميت كما في حديث لاحق، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)) رواه أبو داود، وصححه ابن حبان.(53/21)
وعنه -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)) لأن الصلاة على الميت شفاعة، والدعاء له الإنسان يدعو من أجل أن يستجاب، فإذا لم يخلص في دعائه ولا في شفاعاته فحري ألا يستجاب الدعاء ولا تقبل الشفاعة، وصلاته حينئذٍ تكون عبثاً، ولا يترتب عليها الأثر المنوط بها لا بالنسبة للمصلي ولا المصلى عليه، إذا لم يخلص في الدعاء تؤجر على الصلاة على الميت، لماذا؟ لأنك جئت في لنفع أخيك، وجاء الحث على ذلك من حديث لاحق ((من شهد الجنازة)) .. إلى أخره ((من صلى عليها فله قيراط)) تصلى عليها بقلب غافل لا تفقه منه شيء وتستحق القيراط والقيراط أجر كبير وثواب كبير على ما سيأتي! فإذا لم يخلص الإنسان في الدعاء بعض الناس يكون بينه وبين المصلى عليه مشاحة وإلا خصومة وإلا بنيه وبين أبيه وإلا بينه وبين قريبة ثم يتأثر بذلك وحينئذٍ لا يخلص في الدعاء، وقد يدعو عليه كما سمعنا قريباً مع الاختلاف في المعتقد قد يحملهم ذلك على الدعاء عليه، وهذا ضد الإخلاص في الدعاء، ((فإذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)) وهذا حديث حسن، فعلى الإنسان أن يخلص، وأن يستحضر قلبه؛ لأن الدعاء لا يقبل من قلب لاهٍ، فإذا أخلص وأحضر قلبه نفع أخاه بدعائه الذي أخلص فيه وانتفع هو بهذه الصلاة وترتب عليها أثرها من الأجر الآتي ذكره -إن شاء الله تعالى- فإذا حصل هناك خلاف في أمر من أمور الدنيا وجد خلاف في أمر من أمور الدنيا، وجد خلاف في أمر من أمور الدنيا، هل يقتضي مثل هذا أن يدعو عليه؟ نعم {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] فيدعى عليه في حياته بقدر مظلمته، وإن ترك الدعاء استوفى حقه كاملاً يوم القيامة، وإن أباحه وحلله ضُوعف له في الأجل، لا يظن الإنسان إنه إذا حلل أخاه وأبرأه مما عنده من مظلمة لا يظن أن أجره يذهب سداً {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [(40) سورة الشورى] {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [(134) سورة آل عمران] المقصود أن العفو مطلوب، لكن بعض النفوس قد لا تجود بمثل هذا، بل تتمنى أن يعاقب في دنياه قبل أخراه،(53/22)
وظلم شخص أخر فدعا عليه دعاء كثيراً، وكرر الدعاء ثم جيء له بالخبر أن فلان قد مات الذي دعا عليه، فقال بلهجته: وبس، يعني فقط، يعني ما جاءه غير الموت، نعم هذا موجود، النفوس البشرية لا شك أنها يحصل منها مثل هذه الأمور، لكن إذا لم تزم وتخطم بخطام الشرع تفلت على الإنسان، فعلى الإنسان أن يتأدب بآداب الشرع وأخلاقه؛ لأنه ما يضيرك لو عفوت، ما الذي تجنيه من هذا الدعاء؟ وهل تظن أن عفوك عنه ينزل من قيمتك لا في الدنيا بل يرفعك، فالعفو ما زاد الله أحد بعفو إلا عزاً، المقصود أن مثل هذا يزيده عزة ورفعة بين الناس وعند الله -جل وعلا- فيخلص له الدعاء هو يبيحه ويحلله عما له عليه، ويجد أجره موفوراً عند الله -جل وعلا- ويدعو له ليدعى له، وتجد بعض الناس محروم، تذكر له جنازة في مكان قريب فلا يكلف نفسه ليمشي خطوات، والأعظم من ذلك الذي يجلس في مسجد الذي تقام فيه الجنازة ولا يصلي، وقد كُلم بعضهم إن الصلاة على الجنازة قيراط يا أخي قم جالس في المسجد يقول: أنا صليت أمس على واحد، هذا حاصل ما هو بافتراء، صلى أمس على واحد يكفي، الحرمان يا الإخوان ما له نهاية، وبالمقابل أناس يصلون الأوقات الخمسة في المساجد التي يصلى فيها على الجنائز مع بعد منازلهم عنها، هذا زادك، وإذا صليت على الناس صلوا عليك فيما بعد، إذا حرمت حرمت نفسك، ولا يضيع عند الله شيء أنت إذا دعوت لمسلم دعوي لك، دعا لك الملك، والجزاء من جنس العمل، فتهتم بالشيء توفق إليه، ويحصل لك مثله، أما إذا تساهلت فلا شك أن الجزاء من جنس هذا، لن يصلي عليك أحد إلا النادر، وحرمت نفسك الأجر العظيم الوارد فيما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(53/23)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أسرعوا بالجنازة)) الأمر هذا يراد منه المبادرة، وتقليل الوقت بين خروج الروح وإدخاله القبر، فيبادر بتجهيزه وبالصلاة عليه، ويسرع في المشي أيضاً إلى المقبرة ((أسرعوا بالجنازة)) منهم من يفهم أن الإسراع هو مجرد الطريق من المسجد بعد الصلاة عليها إلى دفنها، لكن العلة تتناول جميع ما يحتاجه الميت من خروج روحه إلى إدخاله في قبر ((أسرعوا في الجنازة)) يقول أهل العلم: يسن الإسراع بها دون الخبب، يعني دون ما يؤثر على الحامل ولا على المشيع، ولا يعرض الميت للسقوط ولا ... وإلا يسن الإسراع بها، لكن ((أسرعوا بالجنازة)) هل مقتضاه أن نسرع بالصلاة؟ هل يقتضى أن نسرع بالصلاة؟ لا؛ لأن الصلاة إطالتها من مصلحة الميت ومن مصلحة المصلي، ((فإن تكن صالحة -هذه الجنازة- فخير تقدمونها إليه)) ما الذي ينتظره في قبره
طالب:. . . . . . . . .(53/24)
إذا كانت هذه الجنازة صالحة فخير تقدمونها إليه تقدمونها إلى روضة من رياض الجنة، روضة من رياض الجنة، ولذا جاء في الخبر أنه يقول: ((قدموني قدموني)) بخلاف إن كانت سوى ذلك ((فشر تضعونه عن رقابكم)) التخلص من الأشرار مطلوب أحياء وأمواتاً، والأموات مستريح ومستراح منه، فمثل هذا يستراح منه، يبادر بدفنه ويستراح منه، وجاء في الخبر أنها تقول: ((أخروني أخروني)) لأنها تقدم على جزاء عملها السيئ، ((وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم)) قوله: ((تضعونه عن رقابكم)) عنكم ولا يلزم من ذلك حقيقة الرقبة؛ لتستريحوا من هذا الشخص الذي غير صالح الذي ينبغي أن يكون مستراح منه، فذكر الرقاب لا يقتضي حقيقة الرقبة؛ لأن بعضهم يستدل بهذا على أن المراد به الإسراع في أثناء حملها، لكن هل هي تحمل على الرقاب أم على المناكب؟ على المناكب، ما تحمل على الرقاب، اللهم إذا وجد من الأربعة الحملة شخص قصير يريد أن يضعها على رأسه ممكن، لكن الأصل أنها توضع على المناكب، فالرقبة ليست مقصودة لذاتها، فلا يقال: إن هذا المراد به الإسراع به أثناء حملها، بدليل أنهم يقولون: فلان تحمل في رقبته ديناً، تحمل في رقبته ديناً، دين في رقبته، دين في عنقه، تبقى ديناً في ذمته، المقصود أن مثل هذه لا تراد الرقبة والعنق على وجه التخصيص، إنما لأن الأصل أن يوضع المدين أو المطلوب عموماً أن يوضع القيد في رقبته ويسلم لدائنة لطالبه فتعد هذا إلى التصرفات بقية التصرفات، ولا يراد حقيقة الرقبة، والأمر بالإسراع نقل جمع من أهل العلم الاتفاق على أنه للندب، فيسن الإسراع فنقل الاتفاق على أنه للندب لا للوجوب، وأوجبه ابن حزم، هناك أمور تتطلب عدم الإسراع والمبادرة، العام الماضي توفي شيخ من المشايخ بعد صلاة العشاء عنده درس وتوفي الساعة الواحدة، وصلي عليه صلاة الصبح في الصيف يعني بعد وفاته والصلاة عليه ساعتين أو ثلاث، لكن إذا كانت الوفاة فجأة مثلاً، وأريد التأكد من ذلك يعني احتمال، فلا شك أن التأخير واجب، واجب، ويذكر قصص في بعض المستشفيات أنه حصل أنه حكم عليه بموته وكتب تقرير الوفاة وأدخل الثلاجة ثم بعد ذلك ويش تبين؟ وجد جالس فدل على أنه لم يمت، يعني وجد جالس ميت،(53/25)
لكن عاد مات من البرد فيريزر، فمثل هذا لا يستعجل به، ولا يبادر بكتابة تقريره، حتى يجزم بأنه مات، خرجت روحه من جسده؛ لأنك بهذا قضيت على نفس مؤمن، احتمال أن تعيش، فكنت سبباً في وفاتها، فإذا وجد هذا الاحتمال أقول: إذا وجد هذا الاحتمال لا يجوز المبادرة والإسراع إلا بعد التأكد، فينبغي التثبت في مثل هذا، يجب التثبت في مثل هذا، وهناك قصص تدل على شيء من .. ، أقول: شيء من خلاف ما توقع، وكم من غريق استخرج من البائر كُفن وجهز للصلاة عليه ثم تحرك، هذا من القديم وهو موجود، فالتثبت في مثل هذا واجب، انتهى الوقت، أسئلة كثيرة جداً.
يقول: إذا علمنا أن التعبد عند القبور من البدع والشرك، فماذا يجب علينا فعله عندما نرى الرافضة يتعبدون عند القبور في البقيع خاصة إذا رأينا تخاذل من أهل الحسبة؟
المقصود أن مثل هذا يجب أن يعالج بالطرق المناسبة بالاتفاق مع أهل الحسبة المسئولين عن هذا الشأن.
يقول: حديث عائشة: ((لو مت قبلي لغسلتك)) قال الزهري: وفي نسخة (ألف) ((لغسلتك)) وهو تحريف؟
ويش أثبت هو؟ ها؟
ولا جود له في مصادر الحديث.
ويش أثبت هو ولا نعرف طبعته؟ قال الحافظ في التلخيص: لغسلتك باللام تحريف، والذي في الكتب المذكورة فغسلتك بالفاء وهو الصواب، والفرق بينهما أن الأول شرطية والثاني للتمني.
يقول: جاء في حديث ابن عطية: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليهن في أثناء تغسيل ابنته فما هو حكم كشف النساء بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟
ذكرنا هذا أنه لا يلزم الكشف، فإذا علمنا بدخوله احتجبنا على القول بأنه يحتجب عنه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقول المرجح عند ابن حجر وغيره أنه لا يلزم الحجاب منه -عليه الصلاة والسلام-. هذه أسئلة متعلقة بالزكاة لها نظائر -إن شاء الله-، تترك الأسئلة، تترك، كثيرة.(53/26)
بلوغ المرام - كتاب الجنائز (4)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: عرضت مسألة إتمام الأذكار في المقبرة هل يجوز أم لا ولم تذكر الراجح؟
مثل ما ذكرنا إن كان يتصور أن الذكر في هذه البقعة فضل لوجود الأخيار ولوجود الصالحين ولوجود الأولياء ولوجود المقربين فهذا لا يجوز بحال، وإن كان لا يتصور هذا وأراد إتمامه لئلا يفوت وقته فالأمر -إن شاء الله- أخف، لكن عندي الأعمال التي هي من خصائص المسجد من العبادات لا تفعل في المقبرة تشبيهاً لها بالمسجد.
يقول: اشتريت أرضاً منذ ثلاث سنين ولم يبن عليها شيء بعد هل عليها زكاة؟
إذا كنت اشتريتها بنية التجارة فلا زكاة عليها، وان كنت اشتريتها بنية السكن أو الاستثمار فلا زكاة فيها، إنما الزكاة في أجرتها.
يقول: لدي منزلين منزلان معروضان للإيجار تم الانتهاء من بنيانهما منذ وقت قريب، هل فيهما زكاة؟
الزكاة على الأجرة وليست على العمارة.
يقول: في المدرسة عندنا من هو قائم بالتوعية، ولكن من برامجهم التمثيل والمسرحية فهل ينكر عليهم أم لا؟ أفتونا مأجورين.
الأولى ألا تسلك هذه المسالك، هناك وسائل شرعية للدعوة جاءت فيها نصوص الكتاب والسنة، وفعلها سلف هذه الأمة وخيارها، والتمثيل والمسرحيات هذا كلها حادثة وطارئة، وتستعمل في عبادة، نعم هي من الوسائل لكن يبقى أنها تزاول في عبادة، فتتقى بقدر الإمكان، من أهل العلم من أجازها وأباحها، وإن كانت فيها شوب الكذب، لكن المصلحة راجحة عندهم، والذي عندي أنها لا تفعل، بل تسلك الوسائل الشرعية.
يقول: ما أفضل الكتب في مصطلح الحديث للمبتدئين والمتوسطين والمتقدمين؟
للمبتدئين ما في أفضل من النخبة، لا يوجد أفضل من النخبة مع شروحها المقروءة والمسموعة، وللمتوسطين اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، مع ما كتب عليه، وللمتقدمين ألفية العراقي مع شروحها، ثم العمل لأن هذا العلم عملي أكثر منه نظري.
ما أفضل شرح لكتاب سنن أبي داود؟(54/1)
سنن أبي داود له شروح كثيرة، منها شرح ابن رسلان هذا ما طبع إلى الآن، ومنها شرح للعيني طبع الموجود منه، ومنها شرح للخطابي معالم السنن وهو أقدم هذه الشروح، وهو شرح على اختصاره الشديد نفيس، لا يستغني عنه طالب علم، فإذا قرئ هذا الشرح مع تذهيب ابن القيم يستفيد الطالب فائدة كبيرة، وعون المعبود أيضاً كتاب قيم ويدور مع الدليل، بذل المجهود أيضاً كتاب فيه فائدة، لكنه على طريقة الحنفية.
يقول: ما الطريقة المثلى لحفظ كتاب الله؟
الطريقة المثلى للحفظ عموماً أن يعرف الإنسان قدر حافظته، ثم بعد ذلك يقرر القدر المحفوظ في كل يوم، إذا كانت حافظته تسعف لحفظ ورقة، عشرة أحاديث عشرين حديث أو عشرين ثلاثين أية فليجعل هذا حزبه اليومي، يكرر هذا النصيب حتى يتقنه، ثم من الغد يكرر خمس مرات مراجعة، ثم يبدأ بنصيب اليوم الثاني بالقدر الذي تقرر عنده من خلال نصيب الأمس، إن كان نصيب الأمس سهل عليه يمكن أن يزيد يزيد، إذا كان صعب عليه يمكن ينقص ينقص؛ لأن الذي يريد أن يأخذ العلم جميعه لا يستطيع يفوته جميعاً، فإذا تقرر عنده أن ما حفظه بالأمس صعب قلل، وإذا تقرر عنده أن ما حفظه بالأمس سهل يزيد أو يقتصر عليه، ثم بعد ذلك يكرره حتى يتقنه، في اليوم الثالث يكرر نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب اليوم الثاني خمس مرات، ثم يبدأ بحفظ النصيب الجديد لليوم الثالث على الطريقة السابقة، فإذا حفظه وأتقنه ثم جاء اليوم الرابع يكرر نصيب اليوم الأول ثلاث مرات والثاني أربع مرات والثالث خمس مرات ثم يحفظ نصيب اليوم الرابع وهكذا، في اليوم السادس ينتهي نصيب اليوم الأول ما يكرره ولا يرجع إليه، وهكذا وكل يوم يترك نصيب اليوم الذي يلي اليوم الأول ثم الثاني على هذا الترتيب وهذه طريقة مجربة.
ما الأفضل الصلاة على الميت في المسجد أم عند المقبرة؟
الصلاة على الميت في المسجد الصلاة الأولى أفضل.
هذا يسأل عن كتب كثيرة طبعات يسأل عن طبعات ومحققين وعن ... ؟
ذكرت كثيراً هذه الكتب.
يقول: شخص رأى رؤيا لشخص ميت في مسجد وقد سأله عن سبب دخوله الجنة، قال الميت: دخلت الجنة رحمة من الله؟ هل هذه الروي تدل -إن شاء الله- بأن هذا الميت من أهل الجنة؟(54/2)
هذه ليست قطعية إنما يرجى له.
يقول: إذا كان من السنة الصلاة على الرجل أن تقوم عند رأسه والمرأة عند وسطها فإذا كان رجل وامرأة فهل نصنع أو نضع رأس الرجل موازي لوسط المرأة ثم نصلي عليهما؟
نعم.
يقول: ذكرتم بالأمس أن أبا بكر قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقلت: قبل أن يغسل، فما رأيكم فيمن يريد أن يرى ميّته ويقبله قبل أن يضعه في القبر وبعد ما غسل وكفن؟
الأصل أن مثل هذا يكون التقبيل قبل التكفين، وأما بعد التكفين فلا يتعرض له بشيء، إن قبله من وراء الكفن لا بأس.
هل الصلاة على الميت مرة واحدة أو مرتين؟
من قبل الشخص الواحد مرة واحدة، لكن تعداد الصلوات لأشخاص لم يصلوا عليه لا بأس.
يقول: يوجد في المقابر بعض البلدان مجلس خاص بأهل الميت تؤدى التعازي فيه؟
هذا حادث، هذا أمر حادث، الأصل أنهم يدفنون الميت ثم ينصرفون.
يقول: هل لكم كتب تحت التأليف؟ وأين نجدها؟
موجود كتب لكن حال دونها المشاغل، وبعضها يخرج قريباً -إن شاء الله-.
يقول: ما أفضل تحقيق لشرح الألفية فتح المغيث؟
لها أكثر .. ، أما المتبوع الآن فأفضل تحقيق علي حسين علي، الطبع الهندية على حسين علي، وأما التحقيق الثاني يخرج قريباً -إن شاء الله-.
هذا صعب قراءته هل يجب على الابن أن ينزل والداه في القبر ويرى أن عدم تنزيل القبر نفسه من العقوق؟
ليس كل شخص يقدر على هذا، فإن كان ممن يقدر عليه فهو أولى الناس به، وإذا أناب غيره غير مستنكف من تنزيله، إذا كان .. ، هناك أمور نفسيه بعض الناس لا يستطيع، فلا يكلف ما لا يستطيع.
يقول: هل يجب قيام الأربعين في نفس المسجد أو المجموعة الذي في المقبرة أي الذين يشفعون له؟ الكتابة ما هي بواضحة أبداً. . . . . . . . .
على كل حال إذا صلى عليه أربعون ترجى شفاعتهم.
يقول: قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وأخلفه خيراً من أهله)) ألا يدل هذا على أن المؤمن لا يجتمع مع زوجته ولو كانت مؤمنة لقوله: ((أبدله أهلاً خيراً من أهله)) وجزآكم الله خير.
على كل حال ثبت أن المرأة تتبع زوجها في الجنة، إذا كانت من أهلها، لكن يبدل خيراً منها أيضاً من الحور العين، ومن النساء الصالحات معها.
يقول: ما هي خوارم المروءة؟(54/3)
خوارم المروءة أن يفعل المرء شيئاً لا يليق به، ولا يستعمل في بلده، مما ينكر عليه، وليس له حكم في الشرع، يعني ليس بمحرم.
حكم الصلاة على الجنائز في المقابر قبل الدفن؟
هل من السنة قراءة سورة بعد الفاتحة في صلاة الجنازة؟
نعم رآه بعض الصحابة، والأكثر على أنها الفاتحة فقط.
هل الإخبار عن الميت بقصد أن يكثر عدد المصلين عليه لكي يشمله شفاعة الأربعين؟
ما كتب أصل السؤال، لكن الإخبار عن الوفاة فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- فأخبر عن وفاة النجاشي في يومه الذي مات فيه ليكثر العدد.
يقول: لو مات شخص في الهند فكيف تكون صفة صلاة الغائب تستقبل القبلة ويستدبر الميت أفتونا مأجورين؟
الذين يجيزون وهم الأكثر الصلاة على الغائب لم يشترطوا أن يكون في جهة القبلة، ولا أعرف هذا الشرط إلا عن ابن حبان.
وردت نصوص في ذم الدين، لكن ما رأيكم فيمن يستدين ليعف نفسه بالزواج؟
هذا يرجى أن يسدد الله عنه، ويقضي دينه شريطة أن يكون ممن ينوي الوفاء، الدين للحاجة لا شيء فيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مات ودرعه مرهون عند يهودي، فللحاجة لا شيء فيه والزواج حاجة.
يقول: لماذا حدد بعض العلماء الصلاة على الميت عند القبر بشهر، ما الدليل على التحديد بشهر واحد فقط، مع أن مجرد الفعل لا يدل على التحديد إلا .... ؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على البراء بن معرور بعد موته وبعد دفنه بشهر ورأى بعضهم أن الاسترسال يعني كل من جاء إلى المقبرة صلى على الأموات، بمعنى هذا أنه كلما دخلت بلد تذهب إلى هذه المقبرة وتصلي على الأموات، هذا لم يفعل أبداً، فلا بد من ضابط، فرأوا أنه لا يوجد ضابط إلا هذا يعني ما في ما يدل على المدة إلا هذا الحديث، مع أن مجرد الفعل لا يدل على التحديد، رأوا هذا، والتحديد بشهر المقصود أنه إذا كان ممن له عليه حق أو له في الإسلام أثر كصلاة الغائب إذا حضر البلد يصلي عليه متى بلغه الأمر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمرأة التي كانت تقم المسجد.
يقول: ما أفضل طباعات صحيح مسلم؟(54/4)
أفضل الطباعات الطبعة العامرة، التركية الثمانية أجزاء، وطبعة فؤاد محمد عبد الباقي جيدة مخدومة ومرقمة وصحيحة في الجملة، هي مأخوذة من العامرة.
يقول: صلينا يوم الجمعة بخطبة واحدة سهواً من الإمام ولم يذكره أحد من المصلين فماذا علينا؟
يقول أهل العلم: يشترط لصحة الجمعة تقدم خطبتين، فإذا لم يتقدم إلا بخطبة واحدة تعاد الصلاة فإذا خرج وقتها ظهراً.
ما حكم التأمين على دعاء الإمام وقت الخطبة؟
يؤمن سراً بينه وبين نفسه.
هل هناك فرق لسجود السهو إن كان قبل السلام أو بعده؟
منهم من يرى أن السجود كله قبل السلام، ومنهم من يرى العكس، على أن الأمرين في حيز الجواز عند أهل العلم، والفرق في الأفضل، ومنهم من يرى أن كل سجود عن زيادة فهو بعد السلام، وعن نقص فهو قبل السلام، من أهل العلم من يرى أن السجود كله قبل السلام إلا في صورتين إذا سلم عن نقص، وإذا بنى على غالب ظنه.
الذي يطوف بالبيت الحرام وأحدث في الشوط السادس ماذا عليه؟
عليه أن يتوضأ ثم يكمل طوافه.
يقول: قد راجعت حديث الغامدية في صحيح مسلم ووجدته برواية عبد الله بن بريدة وليس من رواية بريدة، وقد جاءت الراوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عليها؟
وهناك رواية في صحيح مسلم بالتصريح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى عليها، حيث قال عمر بن الخطاب: وتصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟! فقال: ((لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم)) وهذا في سياق المرأة الجهنية، قد جاء في صحيح البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على ماعز وهي من رواية محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وخالفه جمع من الرواة فقالوا: ولم يصلي عليه، وبعضهم ساق الحديث ولم يذكر هل صلى أم لا؟
على كل حال مثل هذه الأمور وهي الصلاة على المقتول في حد ترجع إلى اجتهاد الإمام، فإذا رأى الإمام أن هذا قد تاب توبة محت أثر الذنب فلا مانع من أن يصلي عليه، لكن إذا رأى أن الناس يظنون به إذا صلى عليه الإمام لا سيما مثل النبي –عليه الصلاة والسلام- أو صلى عليه علية القوم أو أشرافهم، وقد قتل في حد وقد يكون مبرراً أو مسهلاً عند بعض الناس لما ارتكبه من ذنب، فالمسألة مسألة مصلحة شرعية.(54/5)
يقول: بعض الناس يسأل عن الميت هل جنازته كانت خفيفة الوزن أثناء حملها؟ هل حفر قبره كان سهلاً؟ ونحو ذلك يستدل به على حاله فما رأيكم؟
يعني إذا كان خفيف إيش يصير وضعه أفضل وإلا لو كان ثقيل؟ هذه أمور لا علاقة لها، فحمله خفة وثقلاً يتبع وزنه، من الناس من هو خفيف الوزن ومنهم من هو ثقيل الوزن، والموت والحياة واحد، وبالنسبة للقبر حفره سهل أو صعب هذا يتبع الأرض صلابة ورخاوة.
يقول: هل الشهيد يصلى عليه؟ وهل الشهيد لا يأكله الدود لأنه وجد .... إلى أخره؟
لا الشهيد لا يصلى عليه، والشهيد أيضاً حي في قبره، ومقتضى ذلك أنه لا تأكله الأرض.
ما حكم وضع النعي في لوحات المسجد الداخلية؟
ما الداعي لذلك؟ ما الداعي لهذا؟ يكتفى بالإخبار، ونكتفي بهذا لأن ...
سم.
ما جاء الشيخ؟
ما جاء؟
نعم؟
إيش هو؟
أقول: ما جاء؟ لا لا ما هو بهو، اللي أعطانا الأسئلة؟ أيه معروف بقيت أسئلة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الكراهية قد يقال: إنه خلاف الأولى لئلا يحرم الناس بقية الناس من هذا الفضل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال لا يشق على أهله، لكن إذا رأى أهله أن يصلى عليه في مسجد أبعد من مسجدهم من أجل كثرة الجمع لا بأس، واتخاذ مسجد من أجل أن يقصده الناس بهذه النية لا بأس، لكن على ألا يحرم الناس بقية المساجد لا يحرمون من هذا الفضل العظيم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما في شك أن كونه يصلى عليه في مسجده أيسر لأهل ولجيرانه، لكن إذا رأوا أن المصلحة أن يصلى عليه في مسجد أكبر مأهول معروف بكثرة المصلين هذا مقصد شرعي، ما في إشكال.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الحافظ الإمام ابن حجر -رحمه الله-:(54/6)
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين)) متفق عليه، ولمسلم: ((حتى توضع في اللحد)) وللبخاري: ((من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معه حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين كل قيراط مثل أحد)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وعنه -يعني أبا هريرة راوي الحديث السابق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط)) والمقصود بذلك الصلاة على الجنازة؛ لأن ما قبل الصلاة وسائل كون الإنسان يتبعها حتى يصلى عليها هذه وسيلة للصلاة عليها، بدليل أنه جاء في بعض النصوص ترتيب القيراط على الصلاة حتى يصلى عليها فله قيراط، من شهد الجنازة حضر الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، طيب حضر الجنازة وما صلى يكفي؟ له قيراط وإلا ما له قيراط؟ ليس له قيراط، تصريح بصلاته عليها في النصوص الأخرى، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان، يعني حضرها حتى تدفن صلى عليها شهد الصلاة عليها بمعنى صلى؛ لأنه ليس المراد مجرد الشروط، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة لا يكفي مجرد الشهود، وإنما المقصود فعل الصلاة لا يشهدون يعني لا يصلون، وهنا من شهد يعني صلى عليها، ((ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) بأن يتبعها من المصلى إلى المقبرة، ثم يشارك في الدفن صلى عليها ثم تبعها وشيعها؛ لأن الإتباع والتشييع له أقول: له أثره، وذكر في النصوص الأخرى، فمن صلى عليها وتبعها إلى المقبرة ثم شهد الدفن وشارك فيه له قيراطان، لكن إذا تبعها من المسجد وحال دونه ودونها ما هو خارج عن إرادته مسكته الإشارة وهم مشوا هذا تبع؛ لأن هذا ليس بيده، لكن لو قال: أنا أجلس في المسجد أقرأ جزء من القرآن حتى تنفك الزحمة وأصل معهم، لا سيما في الجنائز المشهودة، يقول: أصلي الراتبة وأقرأ جزء من القرآن وألحقهم، هذا ما تبعهم، هذا لم يتبع الجنازة.(54/7)
ومن شهدها حتى تدفن له قيراطان، والقيراطان للصلاة وللدفن، وإن كان اللفظ فهم منه بعضهم أنه إذا صلى قيراط يضاف إلى ذلك شهود الدفن قيراط تكون ثلاثة.
قيل: وما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبل العظيمين)) ولمسلم: ((حتى توضع في اللحد)) حتى تدفن، يعني توارى بالتراب، وجاء في رواية: ((حتى يفرغ من دفنها)) فعندنا مجرد وضعها بالحد ولو لم تدفن، كما دلت عليه رواية مسلم، وعندنا أيضاً حتى تدفن، يعني يشرع في دفنها، وتوارى بالتراب، ولو لم يتم الدفن، والرواية الثلاثة: ((حتى يفرغ من دفنها)) فالراوية الأولى: تقتضي أن القيراط مرتب على مجرد وضعها، والثانية: على مواراتها بالتراب ولو لم يفرغ منها، والثالثة: مرتب على الفراغ من دفنها، ولا شك أن الذي ينتظر حتى يفرغ من دفنها ينال القيراط بيقين، أما إذا انصرف قبل ذلك دلت بعض الروايات أن له قيراط لكن الرواية الأخرى تدل على أنه ليس له القيراط، فضلاً عن كونه ينصرف بمجرد وضعها، ولا يشارك في دفنها، وللبخاري: ((من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً)) إيمان بالله -جل وعلا-، وتصديق وإذعان واحتساب إخلاص لطلب الثواب من الله -جل وعلا-، والإحسان على أخيه بالدعاء له، وأداء حق لا مكافئة؛ لأن كثير من الناس يحرم الأجر وهو لا يشعر، يتكلف الحضور إلى الجنازة لكن يحرم الأجر بسبب قصده، آل فلان حضروا جنازتنا جنازة الوالد أو الوالدة، لكن آل فلان ما حاضروا، هذه مكافئة، لا يترتب عليها الأجر، هذا مكافئة أو مراءاة حضر جنازة ليقال: يحضر الجنائز، أو يقال: وجدنا فلان في جنازة فلان، أو لغير ذلك من المقاصد، إنما الأجر المرتب على الإيمان والاحتساب.(54/8)
((من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين)) هذا نص مفسر لما تقدم، حتى يفرغ من دفنها فإن يرجع بقيراطين، قيراط للصلاة وقيراط للإتباع والدفن، كل قيراط مثل أُحد، إذا وجد القيراط هذا مثل جبل أُحد في كفة الحسنات، لا شك أنه خير عظيم، فكيف بالقراريط؟! ولذا قال ابن عمر: "قد فرطنا في قراريط كثيرة" فكيف بالقراريط؟! وفضل الله واسع، والأمر سهل وميسور، يعني لا يكلف شيء يذكر، وكما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] من الناس من تقام صلاة الجنازة وهو في المسجد، ولا يصلي محروم، ومن الناس من يتكلف في حضور الجنائز في كل وقت، لا شك أن مثل هذا حريص على كسب الحسنات، والسعي لما يرضي الله -جل وعلا-، وبعض الناس على العكس لا يطلب هذا القيراط، بل يسعى في نقص أجره في كل يوم قيراط: ((من أقتنى كلباً)) إلا ما استثنى كلب الصيد والزرع والغنم هذه استثنيت وإلا من اقتنى كلباً لغير هذه المقاصد الثلاثة فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط، وفي رواية لمسلم: ((قيراطان)) فإن كان القيراط المذكور في اقتناء الكب هو المذكور في الصلاة على الجنازة واتباعها فالأمر عظيم، إذا وضع في كفة سيئاته عن كل يوم مثل جبل أحد هذا مسكين، والله المستعان، القيراط هو في عرف الناس جزء من أربعة وعشرين جزء، ولذا قال بعضهم: إن المراد بالقيراط الذي جاء تفسيره في الحديث الصحيح مثل جبل أُحد، وفي رواية أصغرهما مثل جبل أُحد بعضهم يقول: إن القيراط المراد به جزء من أربعة وعشرين جزءاً من عمل هذا المصلى عليه، هذا غريب، فإذاً نزل القيراط على القيراط العرفي، القيراط العرفي، القيراط جزء من أربعة وعشرين جزءاً، لكن يحتاج إلى منسوب، جزء من أربعة وعشرين جزء من أي شيء؟ فما وجد إلا أن يقول: من عمل هذا الشخص، وعلى هذا حث -بناء على ذلك- حث على الحرص على الصلاة على الأخيار؛ لأن الأخيار هم أصحاب الأعمال الصالحة الذين تكثر أجورهم، فيكون له بالصلاة عليه جزء من أربعة وعشرين جزءاً من أعماله، لكن هذا في مقابل ما عندنا من نص صحيح لا يعول عليه، تقدم الحث على الإسراع بالجنازة في تجهيزها(54/9)
والصلاة عليها، والمشي بها، في دفنها، تقدم هذا، وجاء الحث على الحمل -حمل الجنازة-، واستبق إليه الصحابة ومن بعدهم من خير الأمة، وحملوا الجنائز، ولذا ينص أهل العلم أنه يسن التربيع في حملها، يسن التربيع في حملها بأن يحملها أربعة ويتناوبون الأماكن، أو يتناوبون مع غيرهم، ومنهم من حملها بين العمودين، كل هذا على حسب ما تقتضيه الحاجة، بعض الأموات يكون ثقيل فيحتاج إلى أربعة، وبعضهم يكون خفيفاً فيحمل بين العمودين، من قبل اثنين، عثمان بن عفان -رضي الله عنه- حمل جنازة أمه بين عمودين، وغيره من الصحابة ثبت والتربيع معروف، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعن سالم عن أبيه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، رواه الخمسة، وصححه ابن حبان، وأعله النسائي وطائفة بالإرسال.(54/10)
عن سالم عن أبيه -رضي الله عنهما- أنه رأي النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، رواه الخمسة، وصححه ابن حبان، وأعله النسائي وطائفة بالإرسال، وممن أعله بالإرسال الإمام أحمد -رحمه الله-، قال الترمذي: أهل الحديث يرون المرسل أصح، فأعل بالإرسال، ومنهم من حكم بوصله، والحديث على كل حال مصحح عند جمع من أهل العلم، وهو دليل على أن المشاة أمام الجنازة، وجاء ما يدل على أن الركبان خلفها، والقول بأن المشاة يمشون أمامها هو قول الأكثر، والحنفية يرون أن المشي خلفها مطلقاً للمشاة والركبان، ومنهم من قال: يتفرقون خلفها وأمامها وعن يمينها وعن شمالها ليكون أيسر لهم وأسهل، تفرقهم أيسر، وعلى كل حال الحديث يستدل به من يرى أن المشاة يكونون أمام الجنازة، وهو قول أكثر العلماء، لكن إن كان ممن يتيسر له الإسراع بحيث يتمكن من أن يمشي أمامها لكن إذا كان لا يستطيع اللحوق بهم، ومشى خلفها، وتبعها مقتضى الإتباع أن يكون خلفها؛ لأن التابع يكون خلف المتبوع، لكن ينزل على أن من يستطيع السرعة ويمشي أمام الجنازة ليصل قبلها ويهيئ لها ما يحتاج إليها هذا أفضل، والذي لا يستطيع أن يمشي أمامها وتبعها حصل له الأجر الموعود -إن شاء الله تعالى- وهو مقتضى التبعية، نعم.
وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "نهينا عن إتباع الجنائز ولم يعزم علينا" متفق عليه.(54/11)
أم عطية هي التي سبق ذكرها في غسل ابنته -عليه الصلاة والسلام-، نسيبة بنت الحارث أو بنت كعب الأنصارية، قالت: نهينا عن إتباع الجنائز، ولم يعزم علينا، وهي التي روت .. ، أم عطية روت قالت: أمرنا أن نخرج العواتق والحيض، وذوات الخدور إلى صلاة العيد، فهي تروي بهذه الصيغة، أمرنا ونهينا، وهذه الصيغة لها حكم الرفع عند أهل العلم عند الجمهور؛ لأنه لا يتصور أن يقول الصحابي: أمرنا ونهينا في مسألة شرعية وهو لا يريد بذلك من له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أهل العلم -هم قلة- أبو بكر الإسماعيلي وبعض أهل العلم يرون أن الصحابي لا بد أن يصرح بالآمر، وإلا يحتمل أن يكون غير النبي –عليه الصلاة والسلام- ولذا لا يحكم له بالرفع.
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ(54/12)
فقولها: نهينا مرفوع على القول الصحيح، وصرحت بالناهي في بعض الروايات عند البخاري قالت: نهانا رسول -صلى الله عليه وسلم-، ومثل هذا إذا صُرح بالآمر يحتمل أن يكون موقوف أو مرفوع قطعاً؟ مرفوع قطعاً، لكن هل هو بمثابة قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تتبعوا الجنائز)) هذا النهي الصريح من لفظه -عليه الصلاة والسلام-، وقولها: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعبير منها، الجمهور أو الجماهير أنه لا فرق بين أن ينقل الصحابي اللفظ النبوي أو يعبر عنه فهما في دلالتهما على التحريم سيان، ينقل عن داود الظاهري وبعض المتكلمين أنه لا يدل على النهي، قول الصحابي: نهانا أو أمرنا لا يدل على النهي، يقول: لاحتمال أن يسمع كلاماً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، لكن هذا كلام باطل؛ لأننا إذا لم نعتقد في الصحابة أنهم فهموا النصوص، يعني نشكك في نقل الشرع إلينا، فإذا كان الصحابة الذين عايشوا النبي -عليه الصلاة والسلام- وعاصروه وعرفوا موارده ومصادره ومقاصده، وهم العرب الأقحاح الذين فهمهم سالم من الشوائب إذا لم يعرفوا مدلولات الألفاظ من يعرفها بعدهم؟! يعرفها من اختلطت ثقافتهم بثقافة الأمم الأخرى، يعرفها ما لم يهتم بالدين كاهتمامهم، يعرفها من اختلط بغير العرب، كيف نعرف النصوص إذا لم يعرفها الصحابة؟! هذا قول باطل.
نهينا عن أتباع الجنائز، الأصل في النهي التحريم، ولم يعزم علينا، وهذا صارف من التحريم إلى الكراهة، وبهذا قال جمع من أهل العلم، ولم يعزم علينا، لكن الإتباع غير الزيارة، الزيارة ثبت فيها اللعن كما هو معروف، أما مجرد الإتباع الصلاة عليها مطلوبة من النساء كما هي مطلوبة من الرجال، ولها من الأجر مثل ما رتب للرجال، لكن الإتباع النساء منهيات عنه، وليس فيها أجر، بل هو مكروه كراهة عند الجمهور، أما الزيارة فمحرمة، نعم.
وعن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع)) متفق عليه.
يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-:(54/13)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا)) يعني إذا مرت بكم كما جاء في بعض النصوص: ((فقوموا)) والأمر بالقيام للجنازة ثابت إذا مرت، وتشمل جنازة المسلم والكافر؛ لأن القيام من أجل الموت، والموت له رهبة، ويستوي فيه المسلم والكافر، ومن أجل الذي قبض روح هذا الميت، كما جاء تعليله في بعض النصوص، وجاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقم مرت به جنازة فلم يقم، فمن أهل العلم من يرى الترك للقيام ناسخ، فيكون القيام للجنازة منسوخاً، يعني كان هذا أول الأمر ثم نسخ، ومنهم من يرى أنه صارف، القعود وعدم القيام صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، يبقى أن المسلم إذا مرت به جنازة قام، وإذا رأى الجنازة قام، ولو لم تمر به؛ لأن النص بالمرور يحكي حالة أنها مرت فقاموا، والذي معنا ((إذا رأيتم الجنازة فقوموا)) فعلى هذا يعني بما يصنع في كثير من المساجد أنه يهيأ مكان للصلاة على الجنازة في المسجد ويكون دونها باب مغلق أثناء صلاة الفريضة ثم يفتتح هذا الباب وهي باقية مكانها، حديث الباب يدل على أن من رآها يقوم، ولو لم تمر به، إذا رأيتم الجنازة فقوموا، لكن ننظر في عدم القيام في آخر الأمر، هل هو ناسخ أو صارف، وهو محتمل، ناسخ أو صارف؟ يعني مجرد الترك هو ناسخ للأمر أو صارف له بمعنى أنه ملغي له بالكلية أو صارف له من الوجوب إلى الاستحباب، والأمر محتمل، وكثير من أهل العلم يرى أنه منسوخ، القيام منسوخ، ومنهم من يرى أنه صارف، فمن لم يقم لم يأثم، وعلى كل حال القولان قيل بهما، وكأن شيخ الإسلام يرى أنه صارف غير ناسخ، ومن تبعها فلا يجلس حتى توضع، يحتمل أن يكون الوضع هنا على الأرض، ويحتمل أن يكون الوضع في اللحد، ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه جلس، وجلس أصحابه من حوله انتظاراً للدفن، وكان ينكت في عود وحدثهم وهو جالس -عليه الصلاة والسلام-، فالمرجح أنها حتى توضع على الأرض لا في اللحد، وتنتظر من جلوس أثناء الدفن، مروان جلس قبل أن توضع ومعه أبو هريرة -رضي الله عنه-، فجاء أبو سعيد فأخذ بيديه إنكار بالفعل أخذ بيده وقال: نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- عن(54/14)
الجلوس حتى توضع، أخذ بيديه أبو هريرة -رضي الله عنه- أخذ بالرخصة، وأن هذا هو الأولى، وأنه لا يأثم من جلس قبل ذلك، لكن مقتضى فلا يجلس مخالفة هذا النهي ليست بالهينة، وأبو سعيد -رضي الله عنه وأرضاه- عرف بمواقفه في الإنكار، وأنكر على مروان وهو على المنبر، ولما أراد أن يصلي أو يخطب قبل الصلاة أنكر عليه، أراد أن يخطب قبل الصلاة فأنكر عليه، أبو هريرة -رضي الله عنه- ترخص ورأى أن هذا في مثل هذا الموضع يمكن أن يتجاوز عنه، يعني في معاملة الكبار، هل يسكت عن مثل هذا ويجامل فيه ويدارى فيه تحصيلاً لمصالح أعظم أو تتبع النصوص ويدار معها من غير نظر إلى غيرها؟ لا شك أن الإسلام جاء بالمصالح ودرء المفاسد، فإذا كان يترتب على مثل .. ، هذا الفعل هو الأصل ((من رأى منكم منكراً فليغره بيده فإن لم يستطع فبلسانه)) لكن إذا ترتب على مثل هذا الإنكار منكر أعظم منه، لا شك أن يكون حينئذٍ الإنكار الذي يترتب عليه منكر أعظم منه يكون مرجوح، وأهل العلم ينصون على هذا، وأبو سعيد له مواقف مشهودة ومعروفة في الصحاح وفي غيرها من هذا النوع.
وعن أبي إسحاق أن عبد الله ....
لحظة.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال ثبت الجلوس، وما دام ثبت الجلوس ... ، الإعظام أيضاً قد يكون واجب وقد يكون مندوب، فإذا كان مندوباً فيكون الجلوس صارف من الوجوب إلى الاستحباب، وهذا من شيخ الإسلام -رحمه الله-، نعم.
وعن أبي إسحاق أن عبد الله بن يزيد أدخل الميت من قبل رجل القبر، وقال: "هذا من السنة" أخرجه أبو داود.(54/15)
عن أبي إسحاق هو السبيعي عن عبد الله يزيد الخطمي صحابي شهد الحديبية، أدخل الميت من قبل رجلي القبر، رجلي القبر هل القبر له رجلان أو المكان من القبر التي توضع فيه الرجلان؟ فيكون من إطلاق الحال على المحل، رجلي القبر، القبر له رجلان؟ نعم؟ ليست له رجلان، إذاً الموضع الذي توضع فيه الرجلان، هما رجلا القبر، والموضع الذي يوضع فيه الرأس من القبر هو رأس القبر، من إطلاق الحال وإرادة المحل الحديث يدل ... ؛ لأن عبد الله بن يزيد صحابي، وقال: هذا من السنة، قول الصحابي من السنة له حكم الرفع، فيدل على أن أول ما ينزل في القبر ما يلي الرجلان، وما يليهما، وهذا الوضع مناسب جداً؛ لأن تدلية الرجل من قبل رأسه ليس هو الوضع الطبيعي، نعم تدلية الإنسان في حياته أول ما يضع رجليه قبل رأسه، ثم يضع رأسه وحرمة المؤمن بعد موته كحرمته حال حياته، على ما سيأتي فيصنع به كما يصنع بالحي، في أحد يبي يضع الرأس قبل الرجلين؟ نعم؟ افترض أن معك مريض تريد أن تضعه على سرير الأصل أن توضع الرجلان ثم يضجع، هذا ما يدل عليه الحديث، وبه قال الشافعية والحنابلة، ومنهم من قال: الرأس أفضل فيوضع في القبر قبل، وروي عن الشافعي -رحمه الله- عن الثقة مرفوعاً، والثقة عنده إبراهيم بن أبي يحيى كما نص على ذلك أهل العلم، وهو في غاية الضعف، جماهير العلماء على ضعفه، من حديث ابن عباس أنه -صلى الله عليه وسلم- سل ميتاً من قبل رأسه، وهو أحد قولي الشافعي، هذا القول الثاني، والقول الأول هو الذي يؤيده حديث الباب، هناك قول ثالث وهو لأبي حنيفة أنه يسل من قبل القبلة معترضاً هكذا، من قبل القبلة معترضاً بحيث يوضع رأسه ورجلاه في آن واحد، لا يقدم هذا ولا هذا معترض، والذي يدل عليه حديث الباب أن الذي يوضع في اللحد الرجلان قبل الرأس، هذه هي السنة كما قال عبد الله بن يزيد، لكن إذا خشي مثلاً من ثقل الميت أنه لو دليت الجهة التي فيها الرجلان قبل ما فيها الرأس أو العكس أنه يسقط من حامليه لثقله مثلاً يسل، يفعل الأرفق به وبحامله، لكن إذا تيسر أن يدلى من قبل رجليه هذه هي السنة، لكن إذا لم يتيسر يفعل الأرفق به وبحامله، مسألة ستر القبر عند إدخال الميت فيه جاء من حديث(54/16)
ابن عباس عند البيهقي وغيرها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جلل القبر في جنازة سعد، لكنه ضعيف، والصحابة يرون أن يبسط رداء إن كان الميت امرأة، بل نزع بعضهم الرداء لما وضع على جنازة رجل، ورأى أن هذا خاص بالنساء التي هن بحاجة إلى ستر، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا: بسم الله، وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان، وأعله الدارقطني بالوقف.
هذا الحديث حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا: بسم الله وعلى ملة رسول الله)) وهذا الحديث مصحح، مخرج في المسند والسنن، وصححه جمع من أهل العلم، وعله النسائي والدارقطني بالوقف، قالوا: هو موقوف من فعل ابن عمر، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه ما فيه، لكن له شواهد، حديث له شواهد، وإن كانت مفرداتها لا تثبت يعني ضعيفة، لكن هي بمجموعها تدل على أن له أصلاً، بسم الله وعلى ملة رسول الله، وجاء أيضاً قوله بعد وضعه في قبره: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [(55) سورة طه] هذا الحديث خرجه البيهقي مرفوعاً لكنه ضعيف، فيستحب أن يقال: بسم الله وعلى ملة رسول الله، والذي يعمل بالضعيف في مثل هذا الموطن؛ لأنه ترغيب، الذي يعمل بالضعيف وهو قول الجمهور، رأي الجمهور العمل بالضعيف في مثل هذا، فيقول {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [(55) سورة طه] إذا قال: بسم الله وعلى ملة رسول الله، {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [(55) سورة طه] نعم، والذي لا يعلم بالضعيف مطلقاً لا يعمل بمثل هذا، نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كسر عظم الميت ككسره حياً)) رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم، وزاد ابن ماجه من حديث أم سلمة: ((في الإثم)).(54/17)
يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كسر عظم الميت ككسره حياً)) يعني الاعتداء على الميت كالاعتداء على الحي، فالمسلم محترم حياً وميتاً، فالذي يعتدي عليه في حال موته حكمه حكم الذي يعتدي عليه في حياته، والذي يكسر العظم في حال الحياة نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يضمن بلا شك، الذي يكسر يقتص منه، تأخذ قيمة جنايته، لكن في رواية لابن ماجه هنا بينت وإن كانت ضعيفة رواية ابن ماجه ضعيفة، يعني من كسر رجل ميت تكسر رجله وإلا ما تكسر، مقتضى الراوية الأولى أنها تكسر، أو تأخذ قيمتها إن لم يمكن الاقتصاص، إن لم يمكن الاقتصاص تأخذ ديتها، لكن رواية ابن ماجه من حديث أم سلمة: ((في الإثم)) يعني لا في الاقتصاص في الدنيا، كما في الدنيا، فيختلف الحي عن الميت بأن الحي الجناية عليه إما توجب الاقتصاص أو الدية، لكن الجناية على الميت مقتضى الرواية الأولى أنه كالحي، ومقتضى الرواية الثانية أنه لا يقتص منه، لكن إذا عرف شخص أنه يعتدي على الأموات فضلاً عن كونه يتسبب في الموت يعتدي عليهم في نفسه شيء على هذا بعينه أو على هذه القبيلة بعينها، أو على هذا البلد بعينه مثل هذا يعزر تعزيراً بليغاً يردعه عن فعله؛ لأن المسلم محترم، إذا احتيج إلى الكسر، القبر صغير والمساحة ضيقة لا يمكن توسيعه أو القبر صلب لا يمكن الزيادة فيه، فماذا يصنع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في غير هذا، هذه مسألة مفترضة، وإلا معروف يشاف قبر ثاني شاف قبر ثاني، ذهب؟
طالب:. . . . . . . . .
بعضهم سهل لكن الذهب يخلع، دعونا في مسألتنا القبر ضيق، والمسألة مفترضة أن ما في إلا هذا القبر الصغير، وهذا طويل، يكسر وإلا يثنى؟ كيف؟ يثنى ولا يكسر، نعم.
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "ألحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً، كما صنع برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه مسلم.
وللبيهقي عن جابر نحوه وزاد: "ورفع قبره عن الأرض قدر شبر" وصححه ابن حبان، ولمسلم عنه: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(54/18)
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "ألحدوا لي لحداً" اللحد والإلحاد هو الميل، واللحد في القبر الميل به إلى جهة القبلة، بأن يحفر في داخل القبر إلى داخل القبلة، فيوضع فيه الميت هذا اللحد، وأما الشق فهو مجرد الحفر في الأرض دون ميل إلى جهة بعينها، وكان في المدينة رجل يلحد القبور، ورجل لا يلحدها، فلطلب أحدهما فجاء الذي يلحد فحفر للنبي -عليه الصلاة والسلام- لحداً، هكذا جاء عند أحمد وابن ماجه بإسناد لا بأس به، فدل على جواز الأمرين، وإن كان الحد أفضل؛ لأن الله -جل وعلا- ما كان ليختار لنبيه إلا الأفضل، وجاء في حديث: ((اللحد لنا، والشق لغيرنا)) على كل حال الشق إذا لم يمكن اللحد فالشق لا بأس به، إذا لم يمكن كانت الأرض رخوة إذا تعرض لها من أي جهة منها انهارت فمثل هذا لا بأس به، لكن إن أمكن اللحد فهو الأفضل من الشق "ألحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً" نصب بأن تجعل واقفة مائلة إلى جهة اللحد، كما صنع برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذه هي السنة، لكن إذا اعترى المسألة غير هذا بأن كانت الأرض رخوة لا يمكن أن يلحد فيها يكفي الشق، ويوضع الميت في هذه الحفرة على أي حال كان وضعها، والله المستعان.
وللبيهقي عن جابر –رضي الله عنه- نحوه، وزاد: "ورفع قبره عن الأرض قدر شبر" وصححه ابن حبان لكنه معلول، فيه ضعف، وعلى كل حال جاء النهي عن كون القبور مشرفة، يعني مرتفعة، وأوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- علي بن أبي طالب ألا يرى قبراً مشرفاً إلا سواه، فرفع القبور لا يجوز أكثر من شبر بحيث يتميز ويعرف أنه قبر، أما أكثر من ذلك فهو إشراف لهذا القبر تجب تسويته، وأوصى علي بن أبي طالب أبا الهياج الأسدي أن لا يرى قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها، فيرفع القبر بقدر ما يعرف أنه قبر، وذلك يتم بكونه شبر، ويكون أيضاً مسنماً أي محدباً؛ لأنه إذا كان مسطحاً لاستقرت عليه المياه وأثرت عليه، أما كونه مسنماً يجعل الماء لا يستقر عليه.(54/19)
يقول: ولمسلم عنه عن جابر -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، تجصيص القبور هو البناية بالأسمنت مثلاً أو بالرخام كما يفعل ببعض البلدان أو رفعها وتشيد الأبنية عليها كل هذه من البدع المنهي عنها، وهي من وسائل الغلو بالأشخاص والشرك، وما منيت الأمة ووقع الشرك الأكبر فيها إلا بهذه الوسيلة -نسأل الله السلامة والعافية-، وتتابع المسلمون في أقطار الأرض على هذا ونبوا على القبور ثم شيدوا وبالغوا، ورفعوا الأضرحة فوقع الشرك الأكبر في هذه الأمة، تسمعون ما يدور في هذه الأيام حول ما يدعى ويزعم أنه قبر علي -رضي الله عنه وأرضاه- أو قبر الحسين أو قبر زينب أو نفيسة أو غيرها أو عبد القادر الجيلاني قبور تعبد من دون الله يطاف بها كما يطاف بالكعبة ببيت الله، هناك قبر يعبد ويطلب منه المدد لأبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر -رضي الله عنه-، قاتل عمر قبر، في بعض البلاد الشرقية قبر يسمى وعليه بنائية عظيمة جداً من أعظم الأضرحة يقال له: ضريح الشعرة، شعرة مدفونة في هذا المكان ويطاف بها، ويباع الماء كما يباع الطيب، ويباع الغبار والتراب، وسدنة ومرتزقة، وهي شعرة، شعرة لمن؟ قد يقول قائل: للرسول -عليه الصلاة والسلام-، هذا هو المتبادر لكن هي لمن؟ للشيخ عبد القادر الجيلاني، شرك أكبر يدعى من دون الله ويزاول الشرك الأكبر حول هذه القبور، وسمع من يقول تحت الكعبة: يا فلان -سماه باسمه مخلوق من المخلوقين- جئنا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، يعني إذا كان هناك شبهة حول قبره، فما الشبهة في الكعبة؟! فالشرك الأكبر موجود في الأمة -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني إن لم يكن هذا شرك فما الشرك؟! يا فلان جئنا بيتك البيت له وهو بيت الله، الكعبة، وقصدنا حرمك نرجو مغفرتك، وليس هذا مبالغة، أو من باب التقول على الآخرين في موسم الحج سمعته بنفسي، وهو يطوف بالكعبة، وأما كونه يا فلان يا علي يا حسين يا جيلاني يا كذا يا كذا في الكعبة هذا موجود، لكن جئنا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، شيء لا يخطر على البال؛ لأن المسألة مسألة استدراج نبدأ بالوسائل بدؤوا بالوسائل، وتوارثوها ونشئوا(54/20)
عليها ثم بعد ذلك وصلوا إلى الغايات الكبرى -نسأل الله السلامة والعافية-، فهذه وسائل، ولذا سد النبي -صلى الله عليه وسلم- كل طريق توصل إلى الشرك، وحمى جناب التوحيد، وسد جميع الذرائع الموصلة إلى الشرك، ولذا قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه" لأن القعود عليه إهانة وأن يبنى عليه؛ لأنه وسيلة من وسائل الشرك، يقعد عليه في حديث أبي مرثد الغنوي عند مسلم: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) فالجلوس على القبور حرام، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يجوز الجلوس على القبر فيما يذكر عنه، ويحمل ما جاء من ذلك على الجلوس والقعود كما هنا لقضاء الحاجة، ويذكر عن بعض الصحابة أنه كان يتوسد القبر ويضطجع عليه، لكن ما بلغه مثل هذا النص قطعاً، وجاء في الحديث: ((لئن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه، وتخلص إلى جلده خير من أن يقعد على قبر)) نسأل الله السلامة والعافية، نعم.
وعن عامر بن ربيعة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على عثمان بن مضعون وأتى القبر فحثا عليه ثلاث حثيات وهو قائم" رواه الدارقطني.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن عامر بن ربيعة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على عثمان بن مضعون وأتى القبر فحثا عليه ثلاث حثيات وهو قائم" رواه الدارقطني، لكنه ضعيف جداً، فلا يثبت هذا الخبر، والمشاركة في الدفن مطلوبة، ورتب عليها الثوب العظيم، لكن بهذا الصيغة لا يثبت، بل هو ضعيف، ذكر بعضهم من حديث أبي هريرة: ((من حثا على مسلم احتساباً كتب له بكل ثراة حسنة)) لكنه أيضاً ضعيف جداً، فالمشاركة في الدفن مطلوبة، ودفن الميت فرض كفاية، دفن الميت فرض كفاية، فالمشاركة فيها فيها ثواب عظيم، لكن الحديث بهذا السياق لا يثبت، نعم.
وعن عثمان -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: ((استغفروا لأخيكم وسألوا له التثبيت فإن الآن يسأل)) رواه أبو داود، وصححه الحاكم.
هذا حديث مصحح عند أهل العلم، وهو لا بأس به، يقول:(54/21)
وعن عثمان -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: ((استغفروا لأخيكم)) يعني أنفعوه بالدعاء، بدعاء الله -جل وعلا- لا بدعاء غيره، بدعاء الله -جل وعلا- أن يغفر له ذنوبه ((استغفروا لأخيكم وسألوا له التثبيت)) والمسئول هو الله -جل وعلا- أن يثبته عند السؤال؛ لأنه إذا وضع الميت في قبره وتم دفنه انصرفوا وسمع قرع نعالهم يأتي ملكان فيسألانه أسئلة: من ربك؟ وما دينك؟ وما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ المقصود أنه يسأل، فيسأل للمسلم التثبيت بالإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة، في ذلك يقول الله -جل وعلا-: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [(27) سورة إبراهيم] فيسأل له التثبيت فإنه الآن يسأل من قبل الملكين، جاءت تسميتهما عند ابن حبان والترمذي أنهما منكر ونكير، والكلام في التسمية معروفة عند أهل العلم، لكن هما ملكان، جاء وصفهما بالغلظة والشدة، وأنهما يسألانه، يسألان الميت من ربك؟ أما المؤمن والموقن فيقول: ربي الله وديني الإسلام، وأما من هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو محمد، آمنا به واتبعناه، فيقول: صدقت، فيوسع له في قبره، ويفتح له باب إلى الجنة، يأتيه من روحها ونعيمها، ويكون قبره عليه روضة من رياض الجنة، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئاًَ فقلته، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بالمطرقة ويضيق عليه قبره، ويفتح له باب إلى النار، يأتيه من سمومها عذابها -نسأل الله السلامة والعافية-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ترد عليه روحه حتى يجيب، يجيب السؤال، يسمع السؤال ويسمع قرع النعال، ويجيب السؤال، ويقع العذاب عليه، لكن هل العذاب والنعيم للروح فقط أو للروح والبدن؟ نعم؟ نعم؟ النعيم والعقاب على الروح، في الدنيا على البدن، وفي البرزخ على الروح، وفي الآخرة عليهما معاً.
طالب:. . . . . . . . .
هذا على الروح.
طالب:. . . . . . . . .
الروح التي تجيب والعذاب يقع عليها.
طالب:. . . . . . . . .(54/22)
على كل حال الميت إذا دفن تعاد إليه الروح، وإذا أكلته السباع أو حرق وذري في الهواء أو غيره، الله -جل وعلا- قادر على إعادته على الكيفية التي يشاؤها، فمثل هذه الأمور الغيبية تفصيلها ترى يوقع في شيء من الارتياب، على كل حال مثل هذا لا بد من الإيمان به، وأن الله -جل وعلا- قدرته نافذة ومشيئته تامة.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك إيه الجميع، إيه، نعم.
وعن ضمرة بن حبيب أحد التابعين قال: كانوا يستحبون إذا سوي عن الميت قبره، وانصرف الناس عنه أن يقال عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا الله، ثلاث مرات، يا فلان قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد" رواه سعيد بن منصور موقوفاً، وللطبراني نحوه من حديث أبي أمامة مرفوعاً مطولاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن ضمرة بن حبيب -رضي الله عنه- أحد التابعين قال: كانوا، التابعي إذا قال: كانوا يعني الصحابة، كانوا يستحبون إذا سوي على الميت قبره، يعني إذا دفن وفرغ من دفنه، وانصرف الناس عنه أن يقال له عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا الله يعني يلقن في قبره ثلاث مرات يا فلان قل: ربي الله، هذا أشبه ما يكون في الامتحانات؟ نعم؟ بالتغشيش لكن هل ينتفع؟ هل ينتفع؟ لا ينتفع، والحديث ضعيف، الخبر ضعيف، لا يعمل به، قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات، يا فلان قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، رواه سعيد بن منصور موقوفاً والطبراني نحوه من حديث أبي أمامة مرفوعاً مطولاً، لكنه ضعيف لا يعمل به، وعرفنا أن التلقين، لقنوا موتاكم لا إله إلا الله يكون لمن حضرته الوفاة؛ ليكون أخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، فهذا الحديث لا يشك أهل المعرفة بالحديث في أنه لا أصل له، فلا يعمل به.
انتهينا، يكفي هذا.
اللهم صل وسلم على محمد.(54/23)
بلوغ المرام - كتاب الجنائز (5)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقال: يستخدم في هذه المنطقة بدلاً من اللبن لوح من البُلك فإذا كان اللبن لا يثبت لرخاوة الأرض؟
وهذا يحتاج إلى إطلاع عليه إذا كان لا يثبت فيوضع مكانه ما يثبت.
يقول: في مصر بعض الأراضي طينية والماء فيها قريب جداً فتبنى القبور من الأحجار والأسمنت مرتفعة ويوضع فيها الموتى، فما حكم هذا العمل؟
البناية لا تجوز، والأجر والأسمنت كلها لا تجوز، على كل حال إذا كانت طينية والماء قريب يوضع على سطح الأرض، ويوضع عليه من التراب ما يعادل قبره، بحيث إذا اكتملت المقبرة وهي على سطح الأرض نعم، يعني يوضع على سطح الأرض إذا كان حفر التراب يخرج معه الماء توضع على سطح الماء، ثم توضع عليه تراب، ولو ارتفع هذا التراب، بحيث إذا دفن بجانبه أخر وسوي ما بينهما مما يحتاج إليه القبر يكون الارتفاع بمقدار شبر، يعني بقدر الحاجة.
يقول: ما الراجح في حد الصلاة على القبر هل هو شهر أم أكثر من ذلك؟
هو لا يتقيد بزمان، لكن إذا طالت المدة صار كغيره.
لا بد من التقيد بالفرق بين دعاء الاستفتاح والدعاء للميت في الغسل والتنقية؟
تتبع النصوص الواردة في هذا.
يقول: قد لا يرفع الإمام يده عندما يستسقي في خطبة الجمعة فهل على المأموم متابعته في ذلك أو أن المأموم يرفع ولا يتبع الإمام؟
يتبع الإمام.
يقول: ذكرتم في درس سابق أن السنن الراتبة النهارية تكون في المسجد والليلية تكون في المنزل؟
يحرص على أن تكون في المنزل الليلية، وأما بقية الرواتب فصلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة.
يقول: هل الميت يرى مغسل الأموات وهو يغسل ويرى الذين يشيعونه إلى قبره؟
لا أبداً لا يراهم، روحه فارقت جسده.
يقول: مجموعة من الحجاج طافوا طواف الإفاضة بعد وقوفهم بعرفة أي لم يتجهوا إلى مزدلفة وبعد إنهاء الطواف توجهوا إلى مزدلفة وباتوا فيها فما حكم عملهم هذا؟(55/1)
الطواف ليس بصحيح، لكن إن كان طوافهم بعد دخول وقت الطواف يعني عند الجمهور بعد مضي أكثر الليل من ليلة النحر يكون مبيتهم في مزدلفة فاتهم، ويلزمهم بسببه دم، ورجوعهم إليه لا يجزئ؛ لأنهم تمكنوا من الوقوف ولم يقفوا، لم يبيتوا بمزدلفة مع تمكنهم عليه، فإذا كان وقوع الطواف بعد ذهاب أكثر الليل فالطواف صحيح، لكن يكون المبيت في مزدلفة فاتهم بتفريط منهم فعليهم بسببه دم.
يقول: عائلة أحرمت من جدة وهم من المنطقة الشرقية، وقد نووا العمرة منذ سفرهم من منطقتهم حيث أفتاهم رجل أن جدة ميقات لهم، وبعد رجوعهم تبين لهم الخطأ، وسألوا أحد العلماء هل عليهم شيء؟ فقال: ليس عليكم شيء لجهلكم؛ ولأن الفعل انتهى، وأكثر العلماء قالوا: إن عليهم دم، فما هو القول الفصل في هذا؟
العلماء يفتونهم بأنهم أفتوا بعد مجاوزة الميقات فعليهم دم، والقول بلزوم الدم لمن تجاوز الميقات غير محرم هو قول عامة أهل العلم، وهو قول وسط بين قولي سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير، يقول ابن المسيب: لا شيء عليه، وابن جبير يقول: لا حج له، فعامة أهل العلم على أن من تجاوز الميقات دون إحرام يلزمه دم.
يقول: ذهبت بأمي لأداء عمرة ولما كنت معها في المسعى ضاعت مني في بداية السعي لشدة الزحام، ولم أجدها إلا بعد مشقة وسألتها هل سعيت سبعة أشواط، فقالت: لا أدري لكني سعيت سعياً كثيراً يأتي على العدد وزيادة، فأخذ بيدها وخرج، فماذا عليه الآن والحال ما ذكرت؟
هي تقول: يأتي على العدد وزيادة، إذا كانت جاءت بالعدد فهو المطلوب، وإن زادت عن جهل فلا شيء عليها، أما إذا كانت مترددة هل يأتي على العدد أو لا، الآن التردد في كونه سبعة أشواط أو أكثر، فإن كان التردد بين كونه سبعة أو أقل هذا له حكم، فلا بد أن تأتي بالباقي حتى تكمل السبعة، أما إذا كان التردد بين سبعة أو أكثر فلا شيء عليها.
يقول: ثلاثة من الحجاج تعبوا من الطواف استراحوا لمدة ربع ساعة تقريباً، ثم أذن المؤذن للصلاة فصلوا ثم أكملوا من حيث وقفوا، فما حكم هذا الفاصل؟(55/2)
أذن المؤذن للصلاة فصلوا، يعني أقام وإلا أذن؟ أذن المؤذن يعني الأذان ما يقطع، ما يقطع من أجله تتابع الطواف، لكن لو قطعوا من أجل الإقامة وصلوا مع الناس وأتموا من حيث وقفوا يكفيهم -إن شاء الله تعالى-، وإن استأنفوا من أول الشوط فهو أحوط، والسعي نفس الشيء.
يقول: عسكري جاء كلب -أجلكم الله- وعدى على حذائه فلحق به ثم ألقاه الكلب بعد أن تلوث بلعابه فهل يكون له حكم الإناء يغسله سبعاً السابعة بالتراب؟
نعم الحكم واحد.
يقول: هناك جوال يوضع فيه القرآن الكريم فهل يجوز الدخول به إلى دورات المياه؟
لأنه إذا أغلق الجوال وأطفأ يعني أثناء بروز الحروف على الشاشة ما في شك أن هذا قرآن لا يجوز الدخول به الحمام، لكن إذا أطفأ الجوال مثلاً وشغل برنامج أخر، المقصود أنه إذا لم يكن القرآن على الشاشة فلا بأس نعم وإذا كان فيها قرآن متتابع برسم القرآن فهو قرآن، لكن إذا كان برسم أخر ولا يمسكه مع الشاشة يمسكه مع طرفه ما في شيء -إن شاء الله-.
يقول: هل له حكم المصحف من حيث المس؟ وما حكم وضع النغمة على الآذان؟
من حيث المس عرفنا أنه إذا امسك الجوال من أسلفه الذي فيه الأرقام ما في شيء -إن شاء الله تعالى-، والقرآن أحياناً يستشكل بعض الناس وجود القرآن كاملاً على هيئته وصورته في المصحف لكن معه تفسير هذا يختلف من تفسير إلى أخر، إذا كان المسألة مسألة قرآن وبهامشه تفسير له حكمه، وهذا إذا كان القرآن أكثر من القرآن التفسير مفردات وآيات، وأما إذا كان تفسير ومعه القرآن كما مثلاً طبع تفسير ابن السعدي أو تفسير ابن كثير التفسير أضعاف مضاعفة عن القرآن، فالحكم للتفسير، حكم وضع النغمة على الأذان هي إذا كانت المسألة مسألة تكبير أذان ليس بكامل ليس الأذان الشرعي الكامل فالأمر فيه سعة، أما وضعه على الأذان الكامل فلا.
طالب: نغمة موسيقى أشبه بالآذان؟
تجي؟
طالب: نعم.
هذا استهتار إذا كان موسيقى يشبه الأذان أو يشبه قراءة القرآن هذا استهزاء استخفاف هذا خطر جداً، خطر عظيم.
ما القول الراجح في لبس النعال في المقبرة أقصد: هل هو على الكراهة التنزيه أم التحريم؟(55/3)
الأصل فيه النهي والأمر بالخلع أنه لا يجوز لبسها اللهم إلا إذا كانت ضرورة حر شديد وشوك وما أشبه ذلك لا يتمكن من المشي إلا بها.
يقول: علمنا ميلكم ...
ما أدري كيف علم أخونا؟
باتجاه قول الحنفية والشافعية في مسألة الصلاة خلف إمام جالس، وأن القيام ركن من أركان الصلاة، لكن قد يقول قائل: إنه مما يقوي رأي الحنابلة أن أكبر ما يقيد قدرة المسلم النصوص الشرعية؟(55/4)
لا شك أن المسلم مطالب بإتباع النصوص، لا سيما العلماء وطلاب العلم، فالعبرة بالنصوص، وإلا ما يمنع المسلم أن يشرب قائماً، أو يبول قائماً إلا النصوص، نقول: لا يتمنع أن يشرب قائماً فقد شرب النبي -عليه الصلاة والسلام- قائماً، ويرى جمع من أهل العلم أن شربه قائماً ناسخ للنهي أو صارف من التحريم إلى الكراهة، وأما البول قائماً فقد ثبت عند السبعة من حديث حذيفة أنه انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فلا مانع منه، لا مانع منه اللهم إلا إذا لم يستتر أو لم يأمن الرشاش فإذا استتر وأمن الرشاش جاز له أن يبول قائماً كذلك هنا ما يمنعه القيام مع القدرة في النص ((فصلوا جلوس أجمعين)). . . . . . . . . على كل حال المسألة كما هو معروف النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سقط عن فرسه وجحش شقه جرح صلى جالس، وهذا قبل، صلى جالساً فقاموا خلفه، فأومأ إليهم: "أن اجلسوا" وذكر العلة: ((كدتم أن تشبهوا فارس والروم)) في الحديث: ((إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين أو أجمعون)) هذا يستدل به الحنابلة على أن إمام الحي إذا ابتدأ الصلاة جالساً لعلة يرجى برؤها فالمأموم يلزمه الجلوس، ابتدأ وهو إمام الحي والعلة يرجى برؤها، النبي -عليه الصلاة والسلام- في مرض موته، بل في أخر صلاة صلاها جاء إليهم وهم يصلون وإمامهم أبو بكر فجلس عن يساره، فأبو بكر يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهم يقتدون بأبي بكر، المقصود أنه صلى جالساً وهم من قيام، الحنابلة لا يرد عليهم مثل هذه الصورة باعتبار أن الصلاة افتتحت من قيام، والعلة لا يرجى برؤها فلا ترد عليهم، لكن ما المانع أن يقال: أن الحديث الأول منسوخ بفعله -عليه الصلاة والسلام- في أخر الأمر كما يقول الحنفية والشافعية؟ أقول: لا مانع من ترجيح هذا القول، والقول الثاني له قوة يعني قول الحنابلة؛ لأن العلة التي ذكرت في الحديث وهي منصوصة لا زالت قائمة، وهي مشابهة فارس والروم، فإذا قيلت بالقيود التي ذكرها الحنابلة صار لقولهم وجه، وإذا قيل بالنسخ فالنسخ باب معروف من أبواب الدين وهو رفع للحكم، وتبقى مع عدم المعارضة لحديث عمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع)) فقيد الحكم بعدم الاستطاعة، فقول(55/5)
الحنابلة له وجه بقيوده وشروطه، وقول الشافعية والحنفية له وجه، أما قول المالكية وهو أن إمامة القاعد لا تصح مطلقاً استدلالاً بحديث ضعيف جداً ((لا يؤمن أحد بعدي جالس قوم قياماً)) هذا ضعيف ولا يعتمد عليه، ولا يستند إليه، ولكل من القولين وجه، ولا شك أن القيام ركن من أركان الصلاة، والمحافظة عليه لا شك أنه أولى من المحافظة على بقاء العلة.
طالب:. . . . . . . . .
والله أنا كلاهما عندي له وجه قوي جداً، كل من القولين، لكن ميلي إلى قول الحنفية والشافعية.
يقول: ما الجمع بين قول ابن عباس في التعوذ من مضلات الفتن فإن من الفتن ما ينفع، وحديث: ((تعوذوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن))؟
هذا أجبنا عليه ما أدري هنا وإلا في دورة أخرى؟ نعم أجبنا عليه، لكن من الفتن ما ينفع، مما سماه الله فتنة {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] هل يتصور أن إنسان يستعيذ من ماله وولده؟ إنما يستعيذ من شر ماله وولده، وإلا فالفتن أصلها يطلق على المشغلة، ما يشغل، والأموال والأولاد والزوجات تشغل، فهي فتنة فإذا دعونا بإطلاق شمل هذا، لكن قد يطلق اللفظ العام ويراد به الخصوص، فأنت تستعيذ بالله من الفتن وتريد ما يضرك منها في دينك.
يقول: بالنسبة للدعاء على عموم الكفار بالهلاك غير الظالمين منهم هذا مخالف لأصول الاعتقاد إذ أن من مقتضى أسمائه وأفعاله أنه الرازق حتى الكفار يرزقون والدعاء عليهم بالهلاك مناقض لهذا، وأنه مخالف للسنن الكونية ... ؟(55/6)
أما مخلفته للسنة الكونية فلا إشكال، نعم الدعاء مخالف للسنة الكونية، لكن المسلم مأمور بأن يدور مع السنن الشرعية، مع الإرادة الشرعية لا مع الإرادة الكونية، لا بد أن يبقى من الكفار من يبقى، لا بد كوننا ندعو عليهم مخالف لهذا، لكن أنت مأمور بقتالهم، {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [(73) سورة التوبة] نعم أنت مأمور بقتالهم، والدعاء عليهم أسهل من قتالهم، فما دمت مأمور بقتالهم فالدعاء عليهم أيسر، وقد ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دعا على قبائل، ومن هذه القبائل من أسلم، وأنت مأمور بأن تدعو لنفسك وتدعو لولدك وتدعو لعموم المسلمين مع أن من عموم المسلمين من سيدخل النار، فلا معارضة بين هذا وهذا، ومر بنا في الموطأ من قول أحد التابعين –نسيته-: أدركنا الناس، والمقصود بذلك الصحابة، وهم يدعون على عموم اليهود والنصارى، فأما مخالفة الإرادة الكونية فلا ... ، فالمسلم غير مطالب بها، وقد جاء من النصوص ما يدل على أن هذا الأمر سيقع كوناً مع أنك مأمور بالأدلة الصحيحة الصريحة بمخالفة هذا الأمر، في أخر الزمان يفشو الزنا، ويكثر الجهل، ويكثر الهرج، الهرج: القتل، هذه إرادة كونية، لكن أنت مأمور بأن تحقق الإرادة الكونية، تساهم في كثرة الزنا، تساهم في قلة العلم، وكثر الجهل، لا لا أبداً، أنت مأمور شرعاً، أمر شرعي، إرادة شرعية بأن تحول دون وقوع هذه الأشياء، إذاً سيأتي يوم والضعينة تسير من عدن إلى صنعاء بمفردها لا تخشى إلا الله، نقول: إن هذه إرادة كونية أن المرأة تسافر بدون محرم؟ لا يا أخي، أنت مأمور بأن تدور مع الإرادة الشرعية لا مع الإرادة الكونية.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
يقول الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر -يرحمه الله تعالى-:
وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) رواه مسلم، وزاد الترمذي: ((فإنها تذكر الآخرة)) وزاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: ((وتزهد في الدنيا)).(55/7)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) جاء النهي رافع للإباحة الأصلية، ثم رفع هذا الرافع ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) النهي عن زيارة القبور منسوخة، والدليل على النسخ يؤخذ من لفظ الحديث: ((كنت -يعني في الماضي- نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) وهذا أمر وحكمه عند أهل العلم الاستحباب لوجود العلة والأثر المترتب على الزيارة ((فإنها تذكر الآخرة)) وفي اللفظ الآخر: ((تزهد في الدنيا)) العلة تدل على الاستحباب، وإن كان الأصل في الأمر الوجوب، قد يقول قائل: إن هذا أمر بعد حظر، بعد منع، وبعضهم يطلق في الأمر بعد الحظر الإباحة {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [(2) سورة المائدة] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] للإباحة، لكن المحقق أن الأمر يعود إلى ما كان عليه قبل الحظر، وهنا الأمر لا شك أنه للاستحباب، والعلة تدل على هذا، ((فإنها تذكر الآخرة)) في قوله -جل وعلا-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [(1 - 2) سورة التكاثر] فشغلكم التكاثر في الأموال والأولاد وأمور الدنيا حتى حصلت لكم هذه الزيارة إن كنتم أحياء، وإن كنت أموات يعني بالموت، فالميت إذا دفن في قبره فهو زائر، ولذا لما سمع الأعرابي قوله -جل وعلا-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [(1 - 2) سورة التكاثر] قال: بعث القوم ورب الكعبة، أخذ من هذه الآية دليل على البعث، لماذا؟ لأن الزائر لا بد أن يعود، لا يمكث في مكانه الزائر، فاستدل بالآية على البعث، ولا شك أن زيارة القبور فيها الأثر النافع سواء كان للزائر نفسه أو المزور للاعتبار، القبر أول منازل الآخرة، وكان عثمان -رضي الله تعالى عنه- يبكي عند القبر أكثر مما يتأثر بغيره؛ لأنه مرحلة حاسمة، يعني إذا كان القبر مريح فما بعده أريح، وإذا كان غير ذلك فما بعده أشد.(55/8)
تذكر الآخرة بعض الناس يزور القبور، لكن قد لا يحصل له الأثر، لما غشى القلوب من الران، وغطى عليها الشبهات والشهوات، هذا كل إنسان يجده في نفسه، ما كانت أحوالنا مثل الآن أبداً، كان الناس إذا مُر بالجنازة من الشارع الناس أسبوع يتأثرون، يتصورون هذه الجنازة، وليس المراد السبب الخوف من الموت، إنما السبب الخوف مما بعد الموت، وإلا بعض الناس جبلي يخاف، يخشى الموت، عنده خوف وهلع وجزع هذا ما هو بالمطلوب، لكن الإشكال فيما بعد الموت، والخوف النافع هو الذي يبعث على العمل وإلا ما فائدة الخوف؟ الخوف لا يفيد، بل هو صفة نقص إذا لم يبعث على العمل.(55/9)
تذكر الآخرة، الران غطى على القلوب، وأنت على شفير القبر تجد الناس يضربون في كل باب، تجد التاجر أحياناً يعرض المساهمات في المقبرة، وتجد صاحب المهنة يفكر في مهنته ويعرضها على من يتوسم فيه أنه يشاركه فيها، وتجد يعني تجد جميع الأصناف، شخص رأى شخصاً منذ مدة ما رآه تجده يتحدث معه في أمور ليس بحاجة إليها، وقد يعرض عليه الاستجابة لدعوته، المقصود أن هذه أمور وجدت بين المسلمين، تجد الكلام في وادي والوضع الراهن في وادي، بل وجد من يزاول المعصية على شفير القبر، ورجل خمسيني نصف لحيته أبيض يدخن على شفير القبر، وهو من أهل البلد يعني، المقصود أنه لا نفرق بين أهل البلد وغيرهم لكن قد يقول قائل: إن هذا جاهل ومن بلد بعيد ولا يفرق ولا كذا، كما يعلل بذلك في كثير من القضايا؛ لأنه إذا قلنا: إن النغمات الموسيقية حرام قالوا: هؤلاء عمال ويش يدريهم إيش الحلال من الحرام؟ نعم هذه قيلت، وتجد العامل من يدخل في الصلاة إلى أن ينتهي والجوال شغال على الموسيقى، وإذا تكلم عليه أو وُجه بعد ذلك قيل: هذا عامل مسكين ما يدري عن شيء، ليش ما يدري؟ مسلم ومكلف، إذا كان لا يفهم بالعربية يفهم بلغته، فالمقصود أنه وجد مثل هذا التصرفات، ولا شك أن هذا من موت القلوب، القلوب لا بد لها من حياة، والقلب الذي ليس بسليم لا ينفع {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] ومن أراد أن يستفيد في هذا الباب فليقرأ تفسير القرطبي في سورة: "ألهاكم" يقول: كثير من الناس يزور المقابر، لكن مدة ثم يجد الأمر عادي، هذا عليه بمشاهدة المحتضرين، مشاهدة المحتضر حتى مع طول المدة يبقى لها أثر؛ لأنها ليست على لون واحد، بل على ألوان، وكل إنسان من المحتضرين له ما يخصه من هذه الألوان، فلا بد أن يجد ما يؤثر فيه.(55/10)
((فإنها تذكر الآخرة)) تذكر الآخرة، تذكر الموت والإكثار من ذكره أمر مطلوب؛ لأنه لولا ذلك لاسترسل الناس في دنياهم، ونسوا العمل للآخرة، وزاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود: ((وتزهد في الدنيا)) يعني ذكر الموت، ورؤية الأموات، ورؤية مساكن الأموات لا شك أنه يقطع اللذة على صاحبها، فمثل ما تقدم ((أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت)) لا يكون ذكره فضلاً عن رؤيته في قليل ألا كثره، ولا في كثير إلا قلله، والله المستعان.
فزيارة القبور سنة عند عامة أهل العلم، وقال بعضهم بوجوبها إتباعاً للأمر، لكن العلة تدل على السنية، ((فزوروها)) هذا الأمر خطاب للرجال، والنساء يدخلن في عموم خطاب الرجال، وجاء في مريم -عليها السلام- أنها كانت من القانتين، فالمرأة تدخل في عموم خطاب الرجال، لكن جاء ما يخص المرأة من حديث أبي هريرة.
قرأته؟
لا.
اقرأ.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن زائرات القبور" أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان.(55/11)
هذا الحديث حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن زائرات القبور أخرجه الترمذي، وصححه ابن حبان، وهو صحيحه بشواهده، يدل على منع النساء من زيارة القبور، وإخراجهن من النص العام، أي جعل النص الأول خاص بالرجال، وذلك لما جبل عليه النساء من التأثر وعدم التحمل والصبر، فلا يجوز للمرأة أن تزور القبور في لفظ: "لعن رسول الله زوارات" بصيغة المبالغة، وهذا اللفظ جعل بعض العلماء يحمله على المكثرات من الزيارة، لكن إذا كان العمل بمفرده مباح فكيف يلعن من كرره؟ وهنا زائرات ولو مرة واحدة، يصدق عليها أنها زائرة، فمن تزور مرة واحدة يشملها، ومن تكرر الزيارة يشملها، والمبالغة في الزيارات يشملها، وعلى كل حال اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، وهو دليل على أنه كبيرة من كبائر الذنوب، اللعن يدل على أن الزيارة بالنسبة للمرأة كبيرة، منهم من يرى أن الزيارة لما حدث من فعل بعض الصحابيات كعائشة -رضي الله عنها- أنها زارت أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، وعائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله كيف أقول: إذا زرت القبور؟ قال: ((قولي: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين، يرحم الله المتقدمين منكم والمستأخرين، وإنا -إن شاء لله- بكم لاحقون)) فهي تسأل ماذا تقول إذا زارت؟ فأخبرها ما تقول، ولم يقل لها: إن الزيارة حرام، يمكن هذا تخريجه على أنه قبل اللعن، وأما ما حصل منها بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- من زيارة أخيها عبد الرحمن هذا اجتهاد منها لا يعارض به المرفوع اجتهاد منها، ولها اجتهادات لم توافق عليها، لا يعارض به حديث اللعن، أما إذا مرت بالمقبرة من غير زيارة، وهذه مسألة التنبيه عليها مطلوب، يعني لو مر إنسان بمقبرة خارج السور فهل يسلم أو لا يسلم؟ نعم؟ يسلم، بدليل؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .(55/12)
يعني يحمل قول عائشة على أنها مجرد مرور، وهي تقول إيش؟ كيف أقول: إذا زرت القبور؟ بعضهم يمنع يقول: أنت ما زرت، أنت مار بمقبرة ولم تدخل فكيف تسلم؟ قبل الدخول، نعم السلام قبل الدخول بالنسبة للحي مشروع ما فيه إشكال، السلام عليكم أأدخل مثلاً، فالسلام عليهم قبل الدخول لا مانع منه، الأمر الثاني: أنه إذا قلنا: إنه لا يسلم إلا بعد الدخول والمار لا يسلم قلنا: انقطع التسيلم على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يمكن الدخول عليه، يمكن الدخول على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وكان ابن عمر يمر بالقبور قبره -عليه الصلاة والسلام- وقبر صاحبيه من وراء الحجرة ويسلم، فإذا مر بجوار مقبرة قال: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين .. إلى أخره، كما يفعل إذا مر بقبره -عليه الصلاة والسلام- من وراء ثلاثة جدران ما هو بجدار واحد، ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، فيلزم من قولنا: إنه لا يسلم من خارج المقبرة ألا نسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام-، هم الآن الحاصل ليست زيارة للقبر، إنما الزيارة للروضة، والقبر لا تمكن زيارته، القبر دونه ثلاثة جدران، فالحاصل الآن أن الزيارة للروضة، يُفتح لهم للروضة، وأنا قيل لي: إنهم يضعون أيضاً رواق بين الروضة وبين الجدار السور، على كل حال القبور لا يمكن زيارتها، يعني كما لو وقف سيارة أو وقف .... عند. . . . . . . . . نعم، فخارج السور ما يأخذ حكم الزيارة التي تباشر القبور، على كل حال الأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، مع أنه لو أخذوا من الاحتياط أكثر مما هو واقع عليه الآن؛ لأن حتى شكل الناس حينما يُفتح لهن المجال مزري، جلبة وأصوات وركض وسعي شديد، المسألة يعني تحتاج إلى إعادة نظر وترتيب وإلا فالنساء شقائق الرجال؛ لأن الروضة الشريفة التي هي بين المنبر والبيت النبوي، ((بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) هذا خطاب يخاطب به الرجال والنساء، قد يقول قائل: ما الذي يخص هذه الروضة من العبادات؟ منهم من يقول: إن قوله: ((روضة من رياض الجنة)) كما يقال: ((النيل والفرات من أنهار الجنة)) يعني(55/13)
يستحب للناس يسبحون في النيل والفرات؟ لا ما يستحب، وعلى هذا لا يصلى في الروضة، ولا يقرأ في الروضة أكثر مما فيه غيره، نقول: هذه البقعة يشملها عموم الحديث: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) تفسير رياض الجنة بحلق الذكر هذا تفسير ببعض الأفراد، ولا يقتضي التخصيص، كتفسير الظلم بالشرك، وتفسير القوة بالرمي، وما أشبه ذلك، لا يقتضي تخصيص، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النائحة والمستمعة" أخرجه أبو داود.
وعن أم عطية -رضي الله تعالى عنها- قالت: "أخذ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا ننوح" متفق عليه.
في حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النائحة والمستمعة" أخرجه أبو داود، وهو حديث ضعيف، ويغني عنه حديث أم عطية، لا شك أن اللعن أشد من مجرد أخذ البيعة على شيء، وإن كانت في مقابل رأس المال، البيعة هذه البيعة على الإسلام، نعم، لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النائحة والمستمعة، المستمعة لأنها شريكة لها، لكنه حديث ضعيف، حديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: أخذ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند البيعة ألا ننوح، فدل على أن النياحة وهي رفع الصوت بذكر محاسن الميت، وإظهار الجزع عليه لا شك أنها حرام، فجاءت البراءة من النائحة، وفي الحديث المتفق عليه: ((ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)) وفيه: ((أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق)) من الحالقة والسالقة والشاقة التي تشق الثوب، المقصود أن مثل هذا حرام، بل من كبائر الذنوب، فيحرم رفع الصوت بذكر محاسن الميت، وإظهار الجزع والهلع عليه، والصبر عند الصدمة الأولى، من يتصبر يصبره الله، لكن لا مانع من أن يبكي الإنسان من غير إظهار صوت، فالعين تدمع، والقلب يحزن، ولا يجوز للإنسان أن يقول شيئاً لا يرضي الله -جل وعلا-، وأما البكاء من غير رفع صوت فإنه فعله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا رحمة، كما سيأتي، نعم.(55/14)
وعن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)) متفق عليه، ولهما نحوه عن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه-.
المقصود إذا صحب البكاء صوت فهو ممنوع، وهو الداخل في حديث عمر وإلا ابن عمر؟ ابن عمر، الشارح مشى على أنه ابن عمر، ما علق عليه المؤلف؟
طالب: لا يا شيخ.
على كل حال هو ثابت من حديث عمر ومن حديث ابن عمر، وعائشة -رضي الله عنها- استدركت على عمر وعلى ابنه، يقول: عن ابن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الميت يعذب في قبره بما نيح عليه)) يعني يعذب ببكاء أهله عليه، ولهما نحوه من حديث المغيرة بن شعبة، مثل هذا الخبر يعذب ببكاء أهله، وبما نيح عليه، مفاده أنه يعذب ويؤاخذ بعمل غيره، فيكون معارض بقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام] هذا وزر من ناح، وزر من بكى، فكيف يؤاخذ به الميت الذي لم ينح ولم يبكِ؟ ولذا عائشة أنكرت هذا الحديث على عمر، وكذلك أنكره أبو هريرة، فأهل العلم لهم أجوبة عن هذا، أجوبة منهم من يقول: إن هذا محمول على أنه إذا عرف من عادتهم البكاء والنياحة إذا عرف الميت أن من عادة أهله أنهم يبكون وينحون ولم ينههم عن هذا فيكون عذابه ضريبة سكوته على هذا المنكر، عذابه ووزره بما جنا نفسه، ولا شك أن السكوت عن قول الحق له وزره وعليه إثمه، حينما يجب الإنكار فيسكت الإنسان ألم يرتكب إثم؟ بلى، والأمة في كثير من ظروفها وأحوالها الآن تجني ضرائب سكوت سنين متطاولة، ما وصلت إلى هذا الحد إلى أن تواطأ الناس على السكوت على كثير من المنكرات، على كل حال الذي يرى المنكر ولا ينكره يأثم، وهذا الذي عرف من حال أهله أنهم ينوحون ويبكون ولم ينههم عن ذلك هذا أنه يأثم بهذا، ويعذب به، ومنهم من قال: إن الحديث فيمن أوصى بأن يبكى عليه ويناح عليه.
إذا مت فابكيني بما أنا أهله ... وشقي علي الجيب يا بنت معبدي
هذا معروف عند العرب.
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبكي حولاً كاملاً فقد اعتذر(55/15)
حول كامل يكفي، نعم، فهم يوصون بهذا، فمن وجد من يوصي فلا شك أنه آثم بوصيته، منهم من حمل الحديث على الكفار، وأن المؤمن لا يعذب بذنب غيره بخلاف الكافر، ونقول أيضاً: إنه من عدل الله -جل وعلا- أنه لا يعذب أحداً بذنب غيره لا مسلم ولا كافر، منهم من يقول: إن العذاب هنا توبيخ الملائكة، فإذا ذكر هذا الميت بحسنة من حسناته أو بفعل من أفعاله قيل له: هل أنت كذلك؟ ثم ذكر بحسنة أخرى هل أنت كذلك؟ يوبخ بهذا، لكن العذاب يدل على أن له أثر في المعذب، والجمهور حملوه على ما إذا أوصى فيكون إثمه ووزره على فعله، وعلى هذا يتحد الحديث مع الآية، فأثمه على وزره، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
منهم من قال: إنه يتألم، منهم من قال: إن المراد به أنه يتألم في قبره مما يسوؤهم فبكاؤهم ونياحتهم لا شك أنها تؤثر فيهم، أقول: لها أثر فيهم، فهو يتألم من أجل هذا الأثر فيهم، هذا قيل، يتألم بهذا، والألم عذاب، يعني لو قدر أن إنساناً رأى ولده يبكي لأمر من الأمور ألا يتأثر من بكاء ولده لا سيما إذا كان كبيراً؟ يتألم من بكاء ولده وإن كان كبيراً، ويحز في نفسه أن يرى زوجته وأبناءه وبناته يبكون، فيتألم من أجل هذا، على كل حال هناك تأويلات كثيرة في هذا الحديث من قبل الشراح، لكن منهم من يحمله على أنه يعذب حقيقة، وأن هذا من وزره هو لا من وزر غيره؛ لسكوته عليهم، وعدم إنكارهم لما يحصل منهم، أو لإصائه بذلك، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "شهدت بنتاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- تدفن، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس عند القبر، فرأيت عينيه تدمعان" رواه البخاري.
نعم يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(55/16)
وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "شهدت بنت للنبي -صلى الله عليه وسلم- تدفن" وجاء في بعض الروايات: أن البنت هي أم كلثوم، وقال بعضهم: إنها رقية، لكن رده البخاري بأن رقية ماتت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بدر، فلم يشهد دفنها -عليه الصلاة والسلام-، فالمتجه أنها أم كلثوم، وتسميتها لا يتعلق به حكم، إنما الحكم متعلق ببكائه -عليه الصلاة والسلام-، بمجرد دمع العين وحزن القلب ولا يقال في مثل هذا الظرف إلا ما يرضي الله -جل وعلا-، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما مات إبراهيم ابنه -عليه الصلاة والسلام-: ((إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الله -جل وعلا-، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون)) لا شك أن الإنسان يؤثر فيه موت قريبه أو موت عزيز عليه، لكن لله ما أخذ، وله ما أعطى، ومثل هذا الموقف من مضايق الأنظار، يعني الإنسان يصعب أن يتصرف التصرف الشرعي مثل تصرفه -عليه الصلاة والسلام-، بأن يحزن القلب، وتدمع العين، ولا يكون في القلب أدنى اعتراض على قدر الله -جل وعلا-، يعني كثير من الناس لا يتسنى له هذا، لأن حزن القلب ينشأ عنه الاعتراض سواء كان الملفوظ به أو غير الملفوظ به، نعم يعني هذه من المضايق، يعني نظير ما يباشر الإنسان السبب ولا يتلفت إلى السبب البتة، يعني يمرض يذهب إلى الطبيب يأخذ العلاج، مع أن نظره أولاً وأخراً إلى الله -جل وعلا-، ولا يلتفت إلى الطبيب أو إلى مهارة الطبيب أو إلى قوة العلاج وضعف العلاج هذا يا إخوان من المضايق، نعم، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في حديث السبعين الألف: ((لا يكتوون ولا يسترقون)) مع أن هذه أسباب والمسبب هو الله -جل وعلا-، لكن لا يمكن أن تباشر هذه الأسباب ولا يخدش هذه المباشرة بتوكلك نعم، بعض الناس يقرب ويبعد يعني بعض الناس اعتماده الكلي على الطبيب وعلى العلاج، ليس الكلام مع هذا، الكلام مع شخص يرى أن المسبب هو الله، والشافي هو الله، لكن ألا يقر في قلبه لا سيما إذا وجد النفع المباشر من العلاج، يعني جئت إلى طبيب وأنت في غاية من القلق وشدة الألم أعطاك علاج وخمد المرض، يعني لا بد أن تجد في نفسك شيء، نعم، في خضم هذا الظرف(55/17)
الذي تعيشه لا بد أن تجد .. ، هذا من المضايق، النبي -عليه الصلاة والسلام- باشر الأسباب، لكن لا يتصور بحال أنه التفت إلى شيء من هذه الأسباب، علاقته بالمسبب، وهنا قلب يحزن، وعين تدمع، وإنا على فراقك لمحزونون، ولا يتصور أنه -عليه الصلاة والسلام- اعترض على القدر بحال، لكن هل يتصور هذا من آحاد الناس؟ هل يتصور؟ بعض الناس يقول: إن الرضا بالقدر أن يكون رضاك بما قدر الله -جل وعلا- أفضل من رضاك بعدمه، يعني إذا مات لك ولدك يكون في قلبك ارتياح لموت هذا الولد أكثر من بقائه، نعم، ما يمكن، صعب صعب في حال كثير من الناس، ولذا الحريص على الرضا بالقدر لما صعُب عليه الأمر وضاق في نظره التوفيق لما مات ولده ضحك، ضحك، يقول: ما يمكن تدمع العين ولا أحزن ولا أعترض على القدر، ضحك ليحقق تمام الرضا بالقدر، لكن هذا خلاف السنة.
فرأيت عينيه تدمعان، فالبكاء بغير صوت فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، والإشكال هنا عند كثير من الناس أنه يستحضر الأمور النظرية، لكن إذا جاء التطبيق العملي تجده صفري، يعني كثير من الناس يحث الناس على الصبر، ويورد النصوص، وإذا حضر عزاء وإلا موت وإلا مصيبة صبّر الناس، ومن أبرع الناس في سياق الألفاظ والجمل والأحاديث التي تحث على الصبر، لكن لما تكون المصيبة عنده في بيته صفر، هذا موجود الكلام النظري سهل، لكن العبرة في إيش؟ ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) .... والمصائب مكفرات للذنوب، يشترط جل أهل العلم لتكفيرها الصبر والاحتساب، ومنهم من يقول: إن الأجر المرتب على المصيبة على المصيبة، ولو لم يصبر، وأجر الصبر قدر زائد على أجر المصيبة، وفضل الله واسع، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا)) أخرجه ابن ماجه، وأصله في مسلم، لكن قال: "زجر أن يقبض الرجل بالليل حتى يصلى عليه".
طالب:. . . . . . . . .
إيه في شيء؟
طالب:. . . . . . . . .(55/18)
لكن أنت انظر إلى هذه المحبة الفطرية مع الأمر الشرعي، نعم هناك أمور فطرية إذا قورنت مع الشرع المسألة فيها سعة يغلب الشرع عليها، لكن هناك أمور فطرية جبلية من المضايق يعني أن توفق بينها وبين الشرعية إلا إذا إنسان موفق، النبي -عليه الصلاة والسلام- حصل منه أكمل حال، فلا أحد يقول: لا تبكي على ولدك ولا تحزن عليه، لكن لا تعترض على القدر.(55/19)
يقول: وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تدفنوا موتاكم بالليل ألا أن تضطروا)) أخرجه ابن ماجه، وهو حديث صحيح -إن شاء الله تعالى-، وأصله في مسلم، لكن قال: "زجر أن يقبض الرجل بالليل حتى يصلى عليه"، ((لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا)) هذا النهي مفاده كما دل على ذلك النصوص الأخرى أن الليل في الغالب سبب للتقصير في حق الميت، الدفن بالليل سبب للتقصير في حق الميت؛ لأن الصلاة عليه بالليل تحول دون كثير من الناس من الصلاة عليه، فأكثر من الناس يأتي متعب فإذا كانت الصلاة عليه والدفن بالليل، يقل من يصلي عليه، ويقل من يشيعه، وقد لا يكفن في كفن مناسب وقد .. ، المقصود أنه قد يحصل التقصير في حق الميت، فلا يدفن بالليل، ولذا زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، يعني فالزجر سببه القبر بالليل أو عدم الصلاة عليه؟ زجر النبي -صلى الله عليه وسلم- والزجر النهي بشدة أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه؛ لأنه قد يذكر النهي عن الشيء في حال معينة، أو يطلب الشيء في حال معينة فلا يسري على بقية الأحوال، يعني هل قول يوسف -عليه السلام-: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [(101) سورة يوسف] هل مراده طلب الوفاة أو الوفاة على الإسلام؟ وهنا زجر أن يقبر الرجل بالليل فقط أو حتى يصلى عليه لهذه الغاية فإذا صلي عليه جاز الدفن بالليل؟ وجوازه يدل عليه أدلة كثيرة، فأبو بكر دفن ليلاً -رضي الله عنه وأرضاه- وعلي -رضي الله عنه- دفن فاطمة ليلاً، وفعل الصحابة يدل على هذا، وفي الترمذي من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل قبراً ليلاً فأسرج له سراج، فأخذ من قبل القبلة وقال .. إلى أخره، أما الدفن بالليل لا بأس به، وإن كان الدفن بالنهار أكمل وأفضل، لكن الدفن بالليل لا بأس به، والزجر إنما هو في حق من دفن بالليل مع التقصير في حقه، إما في كفنه أو في كثرة المصلين عليه، أو في كثرة مشيعيه وتابعيه، وكثرة من يحضر دفنه، المقصود أن الليل كان إلى وقت قريب عائق كبير عن تحصيل كثير من الأمور، يعني قل: إلى أن وجد الإنارة العامة والكهرباء، نعم الليل يعوق دون تحصيل كثير من(55/20)
الأمور، لكن بعد وجود الكهرباء واستواء الليل والنهار في كثير من الأمور، وكثير من الناس يفضل الليل على النهار، نعم يفضل الليل على النهار، ولذلك كثير من الناس إذا دعي إلى طعام الغداء بالنهار شق عليه جداً، بخلاف ما إذا دعي إلى وليمة بالليل سارع إليها، فالأمور اختلفت بعد وجود الكهرباء، وتيسرت الأمور -ولله الحمد-، لكن ينبغي أن السنة الإلهية أن الليل سكن، تقدم في أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب" هذه الأوقات المضيقة لا يصلى فيها، لا على جنازة ولا على غيرها، ولا يدفن فيها الميت، بل ينتظر حتى يخرج وقت النهي، فلو أعاده المؤلف أو أشار إليه هنا لكان الأولى ليذكر به، نعم.
أحسن الله إليك يا شيخ:
هنا نقل عن سماحة الشيخ أنه رجح ضبط: حتى يصلي بسكر اللام عليه.
زجر حديث مسلم؟
نعم يا شيخ.
زجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلِي عليه، كيف يصلي عليه المخاطب واحد أو جمع من الناس؟
ذكر الشيخ أن هذا ضبط ابن حجر، واستدل بحديث عند النسائي: ((لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه له رحمة))
يعني يصلي عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ حتى يصلي عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- متجه، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- قال: لما جاء نعي جعفر حين قتل قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم)) أخرجه الخمسة إلا النسائي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث:(55/21)
وعن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- قال: لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب، جعفر الطيار المعروف، حينما قتل بمؤتة مع صاحبيه، حين قتل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً)) أهل الميت شغلوا بميتهم، وبخبر وفاته، وذهلوا بهذا فلم يكن عندهم من الفراغ ما يمكنهم من صنع الطعام فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بصنع الطعام لهم ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم)) ويلهيهم عن صنع الطعام، فيعانون بهذا، وهذا الحديث حديث حسن، بل قال الترمذي: حسن صحيح، فصنع الطعام لأهل الميت سنة ((اصنعوا لآل جعفر طعاماً)) أقل أحوالهم السنية؛ لأنه جاءهم ما يشغلهم، لكن يصنع لهم بقد الحاجة، أما المباهاة بصنع الطعام؛ لأنه جاءهم ما يشغلهم فمثل هذا كان الاجتماع وصنع الطعام يعد من النياحة، هذا إذا كان أكثر من قدر الحاجة، ومعلوم أن الناس تعارفوا فيما بينهم سواء كان في الضيافات أو في غيرها أن الطعام لا بد أن يزاد فيه، ويحسب للنوائب حسابها، فلا يحسن أو يجمل لمن أراد أن يصنع لهم طعاماً فيقول: كم أنتم؟ فيأتي بعددهم، يقدر ما يكفيهم ويكفي أقاربهم الذين جاءوا لهم وضيوفهم لا بأس، وهذا أصل في الباب، فصنع الطعام لأهل الميت سنة، هذا أقل أحواله، أما المباهاة والمبالغة فقد تكون هذه الظروف مكان للمباهاة، ودعوة الناس واجتماعهم عليها بقصد، يعني وجد في مثل هذه المناسبات شيء ما يخطر على البال، يعني إذا كنت سمعتم بولائم الأعراس التي هي في غاية السرف التي ينفق فيها عشرات بل مئات الألوف وجد في مثل هذا الظرف، وجد، فهذا لا شك أنه لا يجوز بحال السعة فضلاً عن حال الضيق في مثل هذا، ولذا الشرع لا يأتي بما يخالف الفطر، يعني عزاء عزاء لكن بالحد الشرعي، ولذا يكره أهل العلم كثرة الكلام في أمور الدنيا والضحك وتبادل النكت والطرائف أثناء حزن بعض الناس، كما أنه يستحب أن يرى أن في الدين فسحة في أيام الأعياد والأعراس وما أشبهها، لكن بالتوسط في هذا وفي هذا، لا بد من التوسط، ولا بد من مراعاة الآداب الشرعية في البابين، فالمنع بالكلية من صنع الطعام مخالف لهذا الحديث، والتوسع فيه توسع غير مرضي وغير مقبول في الظروف العادية(55/22)
هو في هذا لا شك أنه في مثل هذا الظرف أولى بالمنع، نعم.
قال الحافظ -رحمه الله-:
وعن سليمان بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)) رواه مسلم.
هذا حديث سليمان بن بريدة -رحمه الله- عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر صيغة السلام، يعلمهم صيغة السلام على أهل القبور، السلام على أهل الديار، والسلام جاء في التعريف هذا بالنسبة للسلام على الميت، السلام، وأما بالنسبة للسلام على الحي فأنت مخير إن شئت فعرف، وإن شئت فنكر، ولذا يقول أهل العلم: ويخير في تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، مفاده أن الميت يعرف ولا ينكر؛ لأن النصوص كلها جاءت بالتعريف، أما بالنسبة على السلام على الحي فجاءت بهذا وهذا.
السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ولا شك أن المقبرة يقال لها: دار، دار قوم مؤمنين، فهي دار وهي مسكونة ومعمورة بأهلها، السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا -إن شاء الله- بكم للاحقون، إن شاء الله وهذه المشيئة هل فيها شك؟ تفيد شك في اللحاق بهم؟ يعني هل يشك أحد في الموت؟ يعني إذا شكت طوائف في البعث فإن الموت لا يشك فيه أحد، وإنما هذا المشيئة إنما هي للتبرك، وإنا -إن شاء الله- بكم للاحقون، أسال الله لنا ولكم العافية، دعاء ينفع بها الموتى، ينفع الله به الموتى، فهكذا ينبغي أن يقال، نسأل الله لنا ولكم العافية، فالعافية يطلبها .. ، وقد أمر بطلبها في حال الحياة، العفو والعافية في الدنيا والآخرة أمر مطلوب، وجاء الأمر به، فزيارة القبور جاء الحث عليها كما تقدم، ومن فوائدها أن ينتفع الميت بالسلام والدعاء له، نعم.
قال: وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه، فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر)) رواه الترمذي، وقال: حسن.(55/23)
هذا الحديث حسنه الترمذي وفيه ضعف، لكن لعله حسنه بشواهده له شواهد، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر)) معناه معنى ما تقدم، السلام عليكم أهل الديار هم أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، وهنا قال: أسأل الله لنا ولكم العافية، وهناك قال: وإنا -إن شاء الله- بكم لاحقون، وهنا قال: أنتم سلفنا ونحن بالأثر، فالمعنى واحد، فالميت ينتفع بالدعاء إجمالاً، الميت ينتفع بالدعاء اتفاقاً، وينتفع بالصدقة بلا خلاف، وينتفع بالحج والعمرة ((حج عن أبيك واعتمر)) هذه أمور تقبل النيابة، الدعاء والصدقة والحج والعمرة، والخلاف في وصول الثواب، وإهداء الثواب للأموات أو الأحياء مسألة معروفة عند العلماء، فمنهم من يقصر الوصول على هذه الأمور المذكورة، ويجعل ما عداها على خلاف الأصل، فتبقى هذه مستثناة، ومنهم من يقول: أي قربة فعلها المسلم أي قربة فعلها يدخل في ذلك الصلاة والصيام والصدقة والحج وغيرها، أنواع القرب أي قربة فعلها ثم أهدى ثوابها لحي أو ميت وصلت، كثير من الناس يقرأ القرآن ويقول: اللهم اجعل ثواب القراءة لفلان، من الطرائف شخص من عوام المسلمين مكثر لقراءة القرآن إذا ختم قال: اللهم اجعل ثوابها لوالدي، إذا ختم ثانية لوالدتي، إذا ختم ثالثة لجدي لجدتي، لعمي لعمتي، هذا ديدنه وهو ماشي يعني على قاعدة على المذهب، المذهب يقول بهذا، إمام المسجد وهو من الشيوخ الكبار ما يرى هذا، أن الثواب ما يصل إلى فيما ورد فيه النص، يقول له: يا فلان أنت تفعل شيء ما له أصل، وكان رد هذا العامي من عوام المسلمين وأصحاب العبادة معروفين، قال: يا أخي شوف هذا الكلام بيصل إلى من؟ إلى الله -جل وعلا-، فإن وصل إلى أمي أو إلى أبي وإلا رجع إليّ، لن يذهب سدى -إن شاء الله تعالى-، يقول: لن يذهب سدى، يعني إن وصل وإلا رجع يعني ما هو برايح، لكن المسألة مسألة إيش؟ أن الإنسان يتعبد بشيء غير مشروع فهو من هذه الحيثية من يرى أنه لا يصل إلا ما ذكر لا شك أنه يمنعه من هذه الحيثية، وإلا فالله -جل وعلا- لن يضيع أجر من(55/24)
أحسن عملاً، العمل لن يضيع، وعلى الإنسان أن يعمل وأما النتائج بيد الله -جل وعلا-، المقصود أن هذه المسألة خلافية، منهم من يرى أن الكل يصل، أي قربى يفعلها الإنسان تصل إلى من أهدى ثوابها إليه، ومنهم من يرى الاقتصار على ما ورد، فيحرص الإنسان أن يفعل لميته لا سيما من له حق عليه ما ذكر، وجاء من الأسئلة من يريد أن يضحي أو يفعل قربه ويهدي ثوابها إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والإمام أحمد وشيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب هذا لا شك أنه يؤجر على هذه النية بلا شك -إن شاء الله تعالى- لأنه ما الذي يربطه بهؤلاء؟ ما العلاقة التي تربطه بهؤلاء؟ نعم إلا الدين ونصر الدين، فهم من هذه الحيثية لا نشك أنه مأجور -إن شاء الله تعالى- أم الثواب المخصص لهذه العبادة فعلى الخلاف، نعم فعلى الخلاف، بعضهم يقول .. ، وقد سُئلت عن هذا في مناسبات، يريد أن يحج ويهدي ثواب الحجة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: يا أخي النبي -عليه الصلاة والسلام- له مثل أجرك، الذي دلك على هذا الفعل، فمن دل على هدى كان له مثل أجر فاعله، له مثل أجر الأمة كلها، فليس بحاجة إليك، قال: ومع ذلك محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- تدعوه، نقول: يا أخي ما فعله خيار الأمة، هذا كلام قلته في الإذاعة، سئلت عن هذا قلت: ما فعله خيار الأمة، قال: يمكن ما خطر ببالهم، قلت له: إذاً أنت لا يخطر ببالك، النبي -عليه الصلاة والسلام-. . . . . . . . .، شخص من الأثرياء يوصي في وصيته ألف حجة لآدم، وألف ضحية لحواء، وألف ما أدري إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هذه لم يرد بها شرع، فعلى الإنسان أن يقتفي الأثر ولا يبتدع.
هل نطلق عليه مبتدع.
لا هذه بدعة، لا شك، والله الاقتصار على الوارد هو الأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم على خير -إن شاء الله تعالى-، والله -جل وعلا- لن يضيع أجر من أحسن عملاً.
يعني برأيك يا شيخ.
والله رأي أنا الاقتصار على الوارد، وما في معناه، يعني أبواب الصدقات كلها، كل ما يتعلق بأمور الحج والعمرة، كلما يتعلق ... ، على كل حال فضل الله واسع، والخلاف موجود بين أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .(55/25)
على كل حال هذه القصص معروفة، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)) رواه البخاري، وروى الترمذي -رضي الله عنه- نحوه، لكن قال: ((فتأذوا الأحياء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(55/26)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تسبوا الأموات)) السب عند ما يكون بالشتم، وإظهار المساوي، وكشف الأسرار، الأموات: والأموات جنس عند بعض أهل العلم يشمل المسلمين والكفار، فلا يسب الميت؛ لأنه قد أفضى إلى ما قدم، سوف يواجه حكماً عدلاً لا يظلمه، فيجازيه على حسناته، ويعاقبه على سيئاته، فالسب لا نتيجة له، ولا فائدة منه، لكن إذا ترتب عليه مصلحة، ولم يقصد السب، وإنما قصد النصيحة، وهذا يظهر جلياً في جرح الرواة، حينما يقال: فلان كذاب سبيناه وإلا ما سبيناه؟ سبيناه لكن ويش يترتب على هذا؟ يترتب على هذا التصحيح والتضعيف، صيانة الدين مقدمة على حرمة الأشخاص، فكوننا ننهى عن سب الأموات لا يعني أننا نحذر من هذا الكذاب أو هذا الضعيف أو هذا المبتدع الذي يخشى من بدعته، ويش المانع من أن يقال: فلان معتزلي؟ كونك تصفه بالاعتزال أو جهمي أو رافضي هذا سب له، لكن لا يمنع تحذيراً من بدعته التي يخشى ضررها، فالنهي عن السب كسب الأحياء لا يجوز غيبة الأحياء بحال، إلا إذا ترتب عليها مصلحة أعظم منها، والله -جل وعلا- حكى ما حكى عن الأمم السابقة، وذكر كفرهم وجرائمهم وتكفيرهم للأنبياء وقتلهم لهم، وهم قد أفضوا إلى ما قدموا، لكن لما يترتب على ذلك من المصلحة الراجحة؛ لأنه كما يقول عمر وغيره: مضى القوم ولم يرد به سوانا {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف] ليست لمجرد التفكه بأعراضهم وأفعالهم، لا إنما لنعتبر ونتعظ ونزدجر لئلا تكون العاقبة واحدة، جاء في الجنازة التي مر بها على النبي -عليه الصلاة والسلام- فأثنوا عليها شراً فلم ينكر عليهم، بل أقرهم على ذلك، وقال: وجبت، يعني النار، وجاء في ذمه أنه كان فظاً غليظاً، جاء في ذكره أنه كان فظاً غليظاً، ولم ينكر عليهم ذمه، ولم ينكر عليهم، فإما أن يقال: إن هذا كان قبل النهي، أو يقال: إن مثل هذا شره ظاهر ولا يستتر به، ولا يخفيه، وما كان مما يظهره الإنسان ويخشى من تعديه إلى غيره، ويقتدى به فيه يحذر منه.(55/27)
يقول: وروى الترمذي عن المغيرة نحوه، لكن قال: ((فتأذوا الأحياء)) يعني إذا كان لهذا الميت الذي أرتكب ما ارتكب مما يبرر سبه هو يتأذى به، ويتأذى به قريبه الحي، لا شك أن الإنسان لا يرضى أن يذكر قريبه بما يسوؤه، فيتأذى بذلك، وأذية المؤمنين سواء كانوا أحياء أو أموات محرمة، {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [(58) سورة الأحزاب] المقصود أن مثل هذا المؤذي يمنع في حق الحي والميت، لا سيما المسلم، وأما الكافر فمحل خلاف ولا أعظم من وصفه بالكفر، نسأل الله السلامة والعافية، لا سيما إذا كان مما يستريح منه المسلمون، أقول: من الأذية للميت القعود على قبره، والمشي عليه، القعود على القبر والمشي عليه، وجاء في الحديث الصحيح: ((لأن يقعد أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر)) وجاء في حديث أبي مرثد: ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) فالجلوس على القبور محرم، وجاء عن ابن عمر وعن علي -رضي الله عنه- أنه كان يضطجع على القبر، ويجلس عليه، ولعل النهي لم يبلغهما، ولذا قال مالك: إن القعود على القبر بالنسبة للجلوس العادي لا شيء فيه، وحمل ما جاء من النهي عنه على القعود لقضاء الحاجة، لكنه تأويل مستكره بعيد، بعيد جداً يعني، يعني الإنسان .. ، أليس من الامتهان أن يوطأ القبر وقد نهي عن المشي في النعال بين القبور لا على القبور فكيف بالقعود؟ نعم هذا لا شك أن هذا التأويل بعيداً جداً من الإمام، والإمام معروف حد يبي يقدح في ذاته، إمام دار الهجرة، ونجم السنن، ولا أحد يتطاول عليه، لكن تأويله هذا ضعيف، ونكون بهذا انهينا كتاب الجنائز، وفي درس العشاء -إن شاء الله تعالى - ننهي كتاب الزكاة، وأما كتاب الصيام فسوف يعلن عنه لاحقاً في دورة مدتها ثلاثة أيام -إن شاء الله- الأربعاء والخميس والجمعة قبيل رمضان للمناسبة -إن شاء الله تعالى- وننهيه -إن شاء الله- ...(55/28)
بلوغ المرام - كتاب الزكاة (1)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يقول: هل لصلاة الجنازة دعاء استفتاح؟
صفة الصلاة تأتي -إن شاء الله تعالى-؛ لكن في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- مخرج في الصحيحين وغيرهما أنه سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن سكوته بين التكبير والقراءة في الصلاة فرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ عموم الخبر يشمل، إلا أن صلاة الجنازة سرية، فلا يدرى ما يقال، والصلاة المسؤول عنها سكوت بين التكبير والقراءة يدل على أنها جهرية، وألحق بها الصلاة السرية لكن هل المراد بالصلاة جنس الصلاة؟ فيدخل فيها كل صلاة؟ أو المراد الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود فتخرج صلاة الجنازة؟ العلماء لا يذكرون دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة؟ وإنما يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة؛ لكن من أدخلها في عموم حديث أبي هريرة بناءً على أن المراد بالصلاة الجنس -جنس الصلاة- له وجه؛ لكن يبقى أن الدلالة ليست قوية على هذا، كقوتها في الدلالة على الاستفتاح للصلوات الخمس، و (أل) هذه يحتمل أن تكون جنسية، فتشمل جميع الصلوات بما في ذلك صلاة الجنازة، والسكوت المسؤول عنه إنما هو في الصلاة الجهرية، وحكم الجهرية والسرية واحد بالنسبة للصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، فإذا ألحقنا صلاة الجنازة بالصلاة السرية بناءً على أن (أل) للجنس فيشملها السؤال؛ لأن السؤال وقع عن الصلاة وصلاة الجنازة صلاة اتفاقاً هي صلاة، وإن لم تكن كالصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود، على كل حال من تمسك بهذا الحديث بعمومه، ورأى أنه يشمل الجنازة له وجه، بينما الصلاة المعهودة تدخل دخولاً أولياً بما في ذلك السرية، وإن كان الظاهر من السؤال أنه في الجهرية.
يقول: ما حكم تقبيل النساء المحارم بعد وفاتهن؟
ثبت تقبيل الرجال للرجال، والمرأة إذا كانت من المحارم التقبيل بالنسبة لها في حال الحياة، التقبيل فيما يختص بين الزوجين من تقبيل للفم والخدين، وما أشبه ذلك مما يكون مثار فتنة، فلا يجوز لا في الحياة ولا بعد الممات؛ لكن لو كانت امرأة عليها حق أم وإلا خالة وإلا عمة وإلا أخت كبيرة وقبلها، قبل رأسها، أو ما أشبه ذلك، لا بأس.(56/1)
يقول: متى يسوغ لطالب العلم أن يقول عن أحد المشايخ أنه شيخه، وأنه درس عنه، ويروي عنه، ويقول: قال شيخنا عندما يقرأ كتاب له؟
يقرأ له كتاب، إذا لم يمثل بين يديه ويحضر دروسه، ويناقشه مما تدل له التلمذة عرفاً، وإلا لا يحق له ذلك، قد يقول قائل: إن سماع الأشرطة يغني عن الحضور، لا سيما من لا يتسنى له الحضور، نعم يغني عن الحضور إذا لم يتمكن الطالب من الحضور، وفيه خير -إن شاء الله-؛ لكن عليه أن يبيّن ولا يدلّس؛ لأنه إن قال: قال شيخنا من غير بيان فهذا تدليس يوهم بأنه رحل إليه، وطلب العلم بين يديه، يقول شيخه من خلال الأشرطة من خلال الانترنت، من خلال الكتب والمؤلفات فلا بأس إذا بيّن، يقول: لا يحضر له محاضرة أو أكثر، يحضر له عدداً من الدروس، يقرأ عليه متن أو أكثر؟ إذا قرأ عليه متن كامل أو أكثر من متن هذا ما فيه إشكال؛ لكن حضر له درس أو حضر له محاضرة، وأراد أن يتكثر بذلك، تنقل بين الشيوخ، من شيخ إلى شيخ، فيثبت في ثبته في النهاية أن له من الشيوخ المئات والألوف، هذا لا شك أنه تشبّع، والأمور بمقاصدها.
وهل يشترط أن يعرفه الشيخ باسمه أو بشكله؟
لا يشترط أن يعرفه الشيخ.
هل يشرع لمن فاتته صلاة الكسوف جماعةً أن يصليها فراداً؟
إذا كان السبب قائماً والكسوف ما زال، يصليها فراداً، أما إذا انجلى الكسوف انتهى وقتها.
هل يجوز للإنسان أن يوصي أن يكفّن في ثياب الإحرام التي يحج بها؟
ليس لها مزية عن غيرها.
يقول: عود الروح لبعض الموتى أصحيح هو أم ممتنع؟ وما وجه امتناعه أهو امتناع شرعي أم عادي؟
جاء قوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [(22) سورة فاطر] وجاء بالنسبة لندائه -عليه الصلاة والسلام- لأهل القليب أنهم سمعوا كلامه، وجاء في الحديث: إنه ليسمع قرع نعالهم، فالأصل أن الروح فارقت الجسد، وإذا فارقت الروح الجسد أنه لا يسمع ولا يحس؛ لكن يقتصر على ما ورد على الموضع الذي ورد فيه النص، يسمع قرع النعال، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أسمع من في القليب، والرسول -عليه الصلاة والسلام- أيضاً ترد إليه روحه فيرد السلام.
يقول: ما صحة ما يروى في خبر المرأة التي مات ابنها فدعت الله فأحياه لها؟(56/2)
ما أدري والله.
يقول: هل ينصح من هو شديد الخوف من سكرات الموت لعلمه بقلة صبره وتيقّن جزعه أن يسأل الله كثيراً أن يميته عند حضور أجله بدون سكرات؟ يعني بسكتة قلبية؟
إذا كان يخشى أن يقول كلمةً يزل فيها في آخر عمره بسبب شدائد الموت له ذلك، وإلا فالأصل أن ما يصيب المسلم يضاعف له في أجره، يعني ما يصيبه من تعب عند سكرات الموت، والمؤمن يموت بعرق الجبين، من أجل أن يضاعف له في أجره، فلا يحرم نفسه هذا الأجر، بل عليه أن يصبر ويوطّن نفسه ويحتسب؛ لكن إن كانت خشيته مبعثها أنه يخشى أنه إذا حصل له شيء من هذه الأمور المهولة إنه لا يصبر على ذلك وينطق بكلمةٍ أثناء جزعٍ تضره في دينه، بل تكون سبباً في سوء خاتمته، لا أعرف ما يمنع من ذلك.
يقول: أننا سمعنا عن مكتب، ونحن نستبشر بذلك كثيراً، ونسأل الله أن يجعل ذلك سبباً في معونة الشيخ في إبراز شروحه ودروسه مكتوبةً، ليعمّ النفع بها أكثر، وتبقى صدقةً جاريةً على شيخنا، فهل نطمع -حفظكم الله- أن يسدّ ذلك المكتب هذا المسد؟ وما هو تصوركم حوله؟
العلماء ألفوا ودرّسوا، درّسوا علموا وألفوا كل واحد بمفرده، دون مساعدة أحد، الذي العمل لا ينبعث من ذاته فلا يستفيد من الناس؛ لكن لما أرادوا وطُلب المكتب قلت: هل يعينني المكتب على تحضير دروسي، وعلى إلقاء دروسي؟ قالوا: هذا أمر يخصك، وش الفائدة من المكتب؟ قالوا: تفرغ الأشرطة، وتحرر، وتنقّح وتعرض عليك، قلت لهم: أن قناعتي أن ما في الأشرطة لا يصلح أن يكون مؤلفاً، قد تلجئ إليه الضرورة والحاجة فيما بعد، يعني لو عاجلت المنية قبل أن ينظر الإنسان في عمله بنفسه، وتحروا الدقة في التفريغ، نعم تكون المسألة مسألة حاجة، أحسن من لا شيء، وإلا عندي قناعة تامة أن ما يلقى ويستساغ سماعه غير ما تستساغ قراءته، والمكتب في بداياته، مع أنه ليس رغبةً لي أبداً.
يقول: ما هو رأيك في والدٍ يقول لولده: إن لم تقل للقاضي في مسألة طلاق التعليق أني طلقت والدتك طلاق تعليق، فإني سوف أذمك عند القاضي حتى يكرهك؟
يعني يريد أن يبلغ القاضي سؤاله، ما فهمت المقصود حقيقةً.(56/3)
يقول: انتشر بين الطالبات لباس مريول، كتفصيل لباس ثياب الرجال دون فارق في أغلب صفاته، دون ما يماثله تماماً؟
ما أدري والله، ركيك السؤال.
لكن مشابهة المرأة للرجال حرام، وجاء لعن المتشبهة من النساء بالرجال والعكس، فلا يجوز التشبه بالرجال لا في نوع القماش، ولا في كيفية تفصيله.
يقول: هل يجوز في صلاة الميت التكبير أكثر من أربع تكبيرات؟
هذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
والأسئلة كثيرة جداً، فنقتصر منها على هذا، أين القارئ؟ يعني بيختلف القارئ عن ...
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: كتاب الزكاة:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً -رضي الله عنه- إلى اليمن، فذكر الحديث، وفيه: ((إن الله قد افترض عليهم صدقةً في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقراءهم)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الزكاة:(56/4)
والزكاة: أصلها النماء والتطهير، فبها يزكو المال، ويكثر وينمو، وبها يزكو صاحب المال، ويبارك له، وهي طهرة للمال ولصاحبه {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [(103) سورة التوبة] يعني أصحاب الأموال، وزكاة الفطر طهرة للصائم، وزكاة المال طهرة لصاحب المال، وهي أيضاً نماء وزيادة في المال، وقد يقول قائل أن صاحب الألف إذا أدّى زكاته صار بعد أن كان ألفاً صار تسعمائة وخمسةً وسبعين، فأين الزيادة؟ وأين الزكاة؟ وأين النماء؟ هو نقص، وسيأتي الأمر بالاتجار في أموال الصبيان لئلا تأكلها الصدقة، أما من حيث الظاهر فالزكاة بحسم المقدار الواجب ينقص المجموع الكلي، هذا من حيث الظاهر؛ لكن في حقيقة الأمر وباطنه والواقع يشهد بذلك، الواقع يشهد بهذا أنها زيادة في المال، وترك الزكاة محق للمال، وذهاب لبركته، وكم من شخصٍ جمع الأموال، وشحّ بالواجب فذهبت أمواله سدى، ولم ينتفع بها، بل صارت وبالاً عليه والأمثلة على ذلك كثيرة، إذا عرفنا هذا، ومن المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، حتى لو كانت نقص، افترض أنها نقص، كما يدعيه بعضهم: "ما هي إلا جزية أو أخت الجزية" افترض أنها نقص هي قبل ذلك ركن من أركان الإسلام، في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في الصحيحين وغيرهما: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة)) ركن من أركان الإسلام، يرى جمع من أهل العلم كفر مانع الزكاة، وهو قول معروف يشمله القول بكفر تارك أحد الأركان الخمسة، أما بالنسبة للشهادة محل إجماع أنه لا يدخل في الإسلام إلا إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأما بالنسبة للصلاة فدلت النصوص الصحيحة الصريحة على كفر تاركها، والصحابة لا يرون من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، وأما بالنسبة للزكاة فقال بكفره، كفر مانعها بعض العلماء، ورواية في مذهب أحمد، انتصر لها بعض أصحابه ككفر تارك الصيام وترك الحج بل أولى؛ لأنها قرينة الصلاة، وقد قاتل أبو بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- بالاتفاق مع الصحابة من منع الزكاة، قاتلوهم وأقسم أبو بكر -رضي الله تعالى(56/5)
عنه- أن يقاتل من فرّق بين الصلاة والزكاة، فالأمر خطير ليس بالسهل، فالواجب على من بلغت أمواله النصاب، وحال عليها الحال أن يخرجها طيبةً بها نفسه، والمؤمل في المسلم أن يدفع أكثر من الزكاة، والخلاف في المال هل فيه حق غير الزكاة أو ليس فيه حق سوى الزكاة؟ وجاء من حديث عائشة -رضي الله عنها- النفي والإثبات: (ليس في المال حق سوى الزكاة) وجاء عنها (إن في المال حقاً سوى الزكاة) فلا شك أن في المال حقوق واجبة غير الزكاة، حقوق واجبة غير الزكاة مما يتعيّن عليهم من نفقات، ومن ضيافة ضيف، ومن إغاثة ملهوف، لا يجوز البتّة أن يجوع المسلم وله جيران من ذوي اليسار، يجب على المسلم أن يسدّ خلّة أخيه، هذا واجب في ماله، ففي المال من هذه الحيثية حق سوى الزكاة، وقد ذمّ الله -جل وعلا- الذين يمنعون الماعون، وأما بالنسبة للفرض المقدّر فليس في المال حق سوى الزكاة، فيصح حينئذٍ النفي والإثبات، وحمل النفي على صور، والإثبات على صور، والزكاة يقول أكثر العلماء: أنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة، قبل فرض الصيام.(56/6)
وفي الحديث الأول: يقول الحافظ -رحمه الله- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذاً إلى اليمن، بعث معاذاً -رضي الله تعالى عنه- إلى اليمن فذكر الحديث بطوله، وكان بعث معاذ في السنة العاشرة قبل أن يحج النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو في السنة التاسعة أو في السنة الثامنة على خلافٍ بين أهل العلم في ذلك، بعثه إلى اليمن معلماً وداعياً، وأخبره -عليه الصلاة والسلام- أنه يقدم على قومٍ أهل كتاب ليتأهب لدعوتهم ومجادلتهم ومحاجّتهم، فدعوة من عنده علم تختلف عن دعوة من لا علم عنده، دعوة العامي سهلة، العامي سهل القياد؛ لكن من عنده علم من أنصاف المتعلمين الذي حفظ بعض الشيء الذي يحاجّ ويجادل فيه، اطلع على بعض المتشابهات مثل هذا يصعب إقناعه؛ لكن مع ذلك دعوته منها، فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم أهل كتاب ليتأهب لدعوتهم، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) هذا أوجب الواجبات، وأول ما يجب على المكلف، بل يفرض عليه، خلافاً لمن قال إن أول الواجبات النظر أو القصد إلى النظر أو الشك كما يقول المتكلمون، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) هذا أول ما يجب، فإذا أذعنوا، وقالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، أقروا بالشهادتين، واعترفوا بهما، تدرّج في دعوتهم حسب الأهمية، ((فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة)) فلا يدعى إلى الصلاة من لا يشهد أن لا إله إلا الله، ولا يؤمر بها، وهذه حجة من يقول: أن الكافر غير مخاطب بالفروع؛ لأن الأصل شرط لصحة الفروع، وما دام لا يخاطب بها أثناء كفره، ولا يؤمر بها إذا أسلم بقضائها، فما الفائدة من خطابه بها، والجمهور على أن الكافر مخاطب بالفروع، وإن كان لا يؤمر بها حال كفره، ولا يؤمر بقضائها إذا أسلم، إلا أنه يعاقب عليها ويعذب على تركها إضافةً على عقوبته وعذابه بترك الأصل الذي هو الإيمان، ولا شك أن الإيمان شرط للصحة؛ لكن مقتضى قول من يقول بهذا الرأي، رأي أنه لا يأتي بالمشروط قبل أن يتحقق الشرط، ولا يؤمر به(56/7)
مقتضى هذا أنك إذا رأيت شخصاً وقد أقيمت الصلاة ما تقول له: صل، ما تأمره بالصلاة، تأمره بالوضوء، فإن توضأ تقول له: صل، يعني أنت مررت في طريقك إلى المسجد برجل مكلف عاقل مسلم واقف بقرب المسجد تقول له: صل وإلا تقول له: توضأ؟ لا بد أن يؤمر بالصلاة، وأمره بالصلاة أمر بجميع ما تطلبه الصلاة، مقتضى قول الحنفية، وأنه لا يؤمر وليس بمأمور ولا مكلف إلا إذا أسلم يقتضي هذا أننا إذا رأينا شخصاً لا نقول له: صل حتى نتأكد أنه متوضي، وليس معنى هذا أن الصلاة تصح منه إذا أداها قبل أن يسلم أو أن الصلاة تصح منه إذا أداها قبل أن يتوضأ، ((لا يقبل الله صلاةً بغير طهور)) ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)).(56/8)
((فإن أطاعوا لك في ذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)) وهذا هو الشاهد في الحديث، يعني استجابوا وأذعنوا بالشهادتين والصلاة، فأخبرهم بالركن الثالث، أن الله -جل وعلا- قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، لو قال قائل مثلاً دُعي هذا الكافر فاستجاب إلى الشهادتين ورفض أن يصلي، هل يؤمر بالزكاة؟ لا سيما إذا كان الداعية هذا الذي تولى دعوة هذا الكافر لا يرى كفر تارك الصلاة؟ يعني هذا الكافر المدعو شهد أن لا إله إلا الله، وغني عنده أموال، يقول: أنا مستعد أشهد أن لا إله إلا الله، وأؤدي زكاة مالي، لكن ما يصلي، رفض أن يصلي، هذا إن لم يعترف بوجوبها، هذا لم يدخل في الإسلام بالكلية، عند جميع العلماء، إذا لم يعترف بوجوبها، أما إذا أقرّ بوجوبها ورفض بل ترك فعلها تكاسلاً أو عجزاً تهاوناً، فهل تؤخذ منه الزكاة، أو نقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لمعاذ: ((فإن هم أطاعوا لك بذلك)) يعني صلوا، فأمرهم بالزكاة، يعني نفترض المسألة مع طلوع الشمس، وجد كافر، فدعاه إلى الشهادتين فتشهّد، ودعاه إلى الصلاة فأقر بوجوبها، والآن باقي على الصلاة خمس أو ست ساعات إذا اعترف بوجوبها يؤمر بالزكاة أو إذا صلى يؤمر بالزكاة؟ إيش معنى الطاعة؟ يعني هل ننتظر حتى يأتي وقت صلاة الظهر ويصلي ثم نخبره أن الله قد افترض عليه زكاة؟ نعم إذا اعترف بوجوبها، إذا تشهد دخل في الإسلام، ثم اعترف بوجوب الصلاة، يؤمر بالزكاة، وينتظر في أمره حتى ينظر هل يصلي أو لا يصلي؟ إذا صلى انتهت المشكلة، إذا لم يصلِ فيعامل معاملة غير المسلم، معاملة مرتد عند من يقول بكفره، بكفر تارك الصلاة، على الخلاف الطويل بين أهل العلم في مقدار الترك، وفي كيفيته، المقصود أن هذه الأمور مرتب بعضها على بعض، وهذا منهج نبوي للدعوة من جيران المسجد، افترض من جيران المسجد من لا يصلي، وهو مرتكب لبعض المحرمات، مسبل ويدخن وما أشبه ذلك، هل تكون دعوته بترك الدخان والإسبال أو بالصلاة؟ بالصلاة، ثم بعد ذلك إذا أذعن وصلى ينظر في الأمور الأخرى، ولذا يجب أن يكون الداعي حكيماً يعرف بما يأمر، وكيف يأمر؟ ويرتب الأمور(56/9)
وأولويات الأمور، نعم إن وجد هناك شيء يفوت فالذي يفوت يقدم، فلو افترضنا أن شخصاً لا يصلي، جار للمسجد، ولا يرى في المسجد، ومع ذلك عرفنا أنه يريد أن يرتكب الفاحشة، فيريد أن يزني بامرأة، أو يلوط بغلام، أو ما أشبه ذلك، وهذا أمر يفوت إن تركناه حتى يصلي، أيهما أعظم هذه الفاحشة أو ترك الصلاة؟ ترك الصلاة أعظم، لكن لو رتبنا هذه الأولويات، وقلنا: ما دام ما يصلي يسوي الذي يبي، المسألة أولويات وفرائض الدين مرتبة، هل نقول: أنه لا نحول بينه وبين هذه المرأة، أو بينه وبين هذا الصبي حتى يصلي؟ لا، لأن هذه أمور تفوت، فالأمور التي تفوت لا بد أن يحال بينها وبين من أراد ارتكابها.
((افترض عليهم صدقة)) في هذا جواز إطلاق الصدقة على المفروضة، على الزكاة، خلافاً لمن قال: إن لفظ الصدقة يختص بالنفل، والحديث فيه ما يدل على إطلاق الصدقة على المفروضة (صدقةً في أموالهم) الصدقة في المال أو في الذمة؟ الصدقة تجب بعين المال أو بذمة صاحب المال؟ أو بعين المال ولها تعلق بالذمة؟ بمعنى أنه لو قلنا: أنها في الذمة المال ما له علاقة، بحيث لو تلف قبل وإلا بعد هي في ذمة صاحب المال، وإذا قلنا: أنها في المال لو تلف المال تلفت تبعاً له، وإذا قلنا: أن لها تعلق بالذمة، ربطنا بين الأمرين، قلنا: الأصل أنها في أموالهم؛ لكن ارتباطها بالذمة من أجل الضمان؛ لئلا يضيع حق الفقير.(56/10)
((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) في الفقراء، وهذا مصرف من المصارف الثمانية، فيجوز أن تصرف الزكاة في واحد من المصارف الثمانية، ولا يلزم توزيعها على الثمانية؛ لأنه نص على الفقراء، نعم هم أشد حاجةً، ولا شك أن المسكين يشاركه في الحاجة، ولا يعني أننا لا نصرف على المساكين حتى نعدم الفقراء، ولا نصرف على غيرهم، إنما الصدقات على الفقراء والمساكين ولا نعطي العامل حتى نعدم المساكين وهكذا، لكن التنصيص على الفقراء لشدة حاجتهم في فقرائهم من أغنيائهم، يعني أغنياء هذا البلد، وفي فقرائهم فقراء البلد نفسه، وهذا دليل من يقول: لا يجوز نقل الزكاة من بلدٍ إلى آخر، والذي يقول: من أغنيائهم أغنياء المسلمين والفقراء، فقراء المسلمين، والمسلم الغني يجب عليه ما يجب في أي بلدٍ كان، والفقير يجب له ما يجب في أي بلدٍ كان، فيجوز على هذا نقل الزكاة من بلدٍ إلى بلد، لا سيما إذا اشتدت الحاجة، وإلا فالخلاف معروف في نقل الزكاة، فالخلاف معروف إذا وجدت الحاجة في هذا البلد فهم أحق به من غيره، وإذا كانت الحاجة أشد في بلدٍ آخر من بلدان المسلمين فالنقل قال به جمع من أهل العلم، والنص محتمل، جاء في تكملة الحديث: ((وتوقّ كرائم أموالهم)) ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) فهذه الزكاة التي شرعت لرفع حاجة المحتاج ليست على حساب حاجة الأغنياء، فالشرع حينما يلحظ مصلحة الفقير لا يهدر مصلحة الغني، ولذا جاء بالأخذ من أوساط المال، فلا تؤخذ من الكرائم التي هي النفائس، إنما تؤخذ من أوساط المال، فإذا أخذ الساعي أو الوالي الزكاة من كرائم الأموال فهو ظالم، ولذا أردف النبي -عليه الصلاة والسلام- ذلك بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) فعلى الساعي ومن يتولى جباية الزكاة أن يتقي الله -جل وعلا- في مصلحة الفقير بما لا يظلم فيه الغني.(56/11)
وعن أنسٍ أن أبا بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- كتب له: "هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله في كل أربع وعشرين من الإبل، فما دونها الغنم في كل خمسٍ شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاضٍ أنثى، فإن لم تكن فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدةً وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاةٍ شاةٌ؟
ومائةِ شاةٍ شاةٌ، ما هي مكررة شاة؟
طالب: لا يا شيخ.
لا، لا بد أن تكرر؛ لأن الأولى المجرورة تمييز، تمييز مجرورة بإضافة المائة، وشاةٌ مبتدأ مؤخر لقوله: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت".
وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائةِ شاةٍ شاةٌ، فإذا زادت على عشرين ومائةٍ إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلائمائة ففي كل مائةٍ شاةٌ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةٌ
شاةً تمييز منصوب.
فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ولا يجمع بين متفرقٍ ولا يفرّق بين مجتمعٍ خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسويّة، ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوارٍ إلا أن يشاء المصّدق، وفي الرقّة في مائتي درهم".
هرمة ولا ذات عوارٍ ولا تيس.
طالب: ما هو مذكور يا شيخ.
ما عندك؟
طالب: لا ما هي موجودة.
وش الطبعة اللي معك؟
طالب: الداعي.(56/12)
ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوارٍ ولا تيس إلا أن يشاء المصّدق، وفي الرقّة في مائتي درهمٍ ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها، ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه، ويجعل معها شاتين بما استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصّدق عشرين درهماً أو شاتين" رواه البخاري.(56/13)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الحديث الذي جمعه الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- من مواضع من صحيح البخاري، البخاري جرت عادته -رحمه الله- بتقطيع الحديث الواحد حسب ما يستنبط منه من فوائد وأحكام، ويترجم على جمله بتراجم، هي فقه الإمام البخاري من هذه التراجم، الحافظ ابن حجر جمّع هذه الروايات، وساقها مساقاً واحداً، فالجمع والتفريق يجوز بشرطه، تقطيع الحديث الواحد إلى جمل يجوز عند أهل العلم شريطة أن لا يتوقف فهم المذكور على ما حذف منه، وهذه طريقة البخاري -رحمه الله- العكس إذا كان الحديث الواحد مفرقاً مقطعاً يجمع إذا أريد سياقه بتمامه فعلى سبيل المثال صحيفة همام بن منبه مشتملة على مائة واثنين وثلاثين حديث، جمل قطعها البخاري، وكذلك مسلم وغيرهما من الأئمة قطعوها في مواضع متفرقة تبعاً لما يستنبط منها، وهي مجموعة في الكتب التي تسوق الأحاديث على أسماء الصحابة ومسانيدها، فلا يتصور من الإمام أحمد أنه يقطع مثل هذه الصحيفة؛ لأنه لا يترجم بأحكام تستنبط من هذه الأحاديث المجتمعة، فصنيع الحافظ -رحمه الله- الذي جمع هذا الحديث من مواضع لا يوجد كامل بهذه الصورة في موضعٍ واحد، هذا صنيعه جائز، جمع المتفرق إذا كان السند واحد، لا بأس به، كما أن تفريق المجتمع بالشرط الذي ذكرناه لا بأس به، وأما من يقول: أنه لا بد أن يساق النص بفصه، فهذا الكلام يتجه لمن لم يتأهل لفهم النصوص، إذا كان التفريق يجوز في القرآن، تقتصر من الآية على ما أردت، لا يلزمك أن تسوق الآية كاملة، إذا كان ما بعد المسوق لا يتوقف عليه فهم المسوق، إذا كان المحذوف لا يتوقف عليه فهم المذكور، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] يجوز لك ذلك إذا كنت تتحدث عن الأمانة، ولا يلزمك أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء] وإذا كنت تتحدث عن العدل تذكر الجملة الثانية ولك أن تترك الجملة الأولى، وهكذا.(56/14)
عن أنس -رضي الله عنه- أن أبا بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- كتب له، الكتابة له والمكاتبة طريق معتبر من طرق التحمل، روى بها الصحابة فمن دونهم، وما زال الأئمة يتداولونها فيما بينهم، فالصحابي يكتب للتابعي، الصحابي يكتب للصحابي كما هنا وللتابعي، والتابعي لمن دونه إلى شيوخ الأئمة يكتبون لهم، يقول الإمام البخاري -رحمه الله-: كتب إليّ محمد بن بشّار، فالمكاتبة طريق معتبر من طرق التحمل.
"كتب له هذه فريضة الصدقة" يعني هذا تقديرها التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني قدرها، وإلا فأصل الحكم الفرض والإيجاب من الله -جل وعلا-، ولذا قال: "والتي أمر الله بها رسوله" التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدّر الأنصبة، وما يؤخذ منها، وعيّن الأموال الزكوية التي تؤخذ منها الزكاة، التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين، والتنصيص على المسلمين لأنهم هم الذين يمتثلون ما فرض عليهم، وإلا فالكافر مخاطب بها على ما قرر في دخول الكفار في الخطاب بفروع الشريعة، وأشرنا إليه آنفاً.
"والتي أمر الله بها رسوله" نعم فرضها ثابت في القرآن، ودل على فرضيتها الكتاب والسنة والإجماع، وهي ركن من أركان الإسلام، وأمرها عظيم، وشأنها خطير، وإذا منع الناس زكاة أموالهم حرموا القطر من السماء، نسأل الله السلامة، عقوبة لهم، جزاءً وفاقاً، فتلفت أموالهم بسبب حرمانهم القطر من السماء، تلفت أموالهم وزروعهم ومواشيهم، تلفت أنفسهم، والله المستعان.
"في كل أربع وعشرين من الإبل، فما دونها الغنم" هناك زيادة في البخاري: "فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة"، وهذه الرواية تغني عنها.(56/15)
"في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم" يعني في الخمس شاة، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، ثم إذا بلغت خمساً وعشرين .. الخ، سيأتي، في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم، هذا دليل للإمام مالك -رحمه الله تعالى- ورواية عن أحمد: أن الإبل لا تجزئ فيما دون الخمسة والعشرين، بمعنى أنه لو أخرج بعير عن العشرين، في الخمسة والعشرين يجزئ، في العشرين؟ على قولهم ما يجزئ، طيب أخرج عن الخمسة عشر بعير؟ ما يجزئ، عن العشر، عن الشاتين بعير ما يجزئ، عن الشاة الواحدة ما يجزئ.
إذا نظرنا إلى القيمة ووجدنا أن الأربع الشياه أكثر قيمة من البعير هذا ما فيه إشكال؛ لأن هذا فيه ضرر على الفقير، قيمة البعير أقل من قيمة ثلاث شياه كذلك؛ لكن هذا اللفظ يفيد ويدل على ما ذهب إليه مالك، "في كل أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم"، وتأخير المبتدأ مع كونه معروفة يدل على الحصر، والجمهور يجزون الإبل؛ لأن الزكاة والأموال الزكوية وما يؤخذ منها أمور معللة معروفة معقولة الحكمة، القصد منها نفع الفقير، فإذا أخذنا من الخمس والعشرين كون يفرض فيها الغنم مراعاةً لحال الغني، والغني تبرع بهذا لا يمنع من ذلك، هذه حجة الجمهور، إنما نصّ على الغنم إرفاقاً بالغني، فإذا تبرع من تلقاء نفسه وقال: بدلاً من أن أخرج شاة أخرج بعير، وإذا كان عندي عشرين أفترض أن عندي خمس وعشرين شريطة أن لا تكون قيمة البعير أقل من قيمة الشياه، هذا عند الجمهور أجازوه.
"في كل خمسٍ شاة، فإذا بلغت" يعني زادت على الأربع والعشرين، "بلغت خمساً وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين فيها بنت مخاضٍ أنثى"، من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض أنثى، أكملت السنة، ودخلت في الثانية، والتنصيص على كونها أنثى تصريح بما هو مجرد زيادة في التوضيح، وإلا البنت أنثى معروفة.(56/16)
"فإن لم تكن فابن لبونٍ ذكر"، يعني أكمل السنتين، ودخل في الثالثة، وهذا يدل على أن الأنثى أفضل من الذكر مع التساوي في السن، أما إذا زاد السن، سن الذكر على سن الأنثى تساويا، "فإن لم تكن" يعني فإن لم تجد فكان هنا تامة وإلا ناقصة؟ تامة، "فإن لم تكن" مثل ما في قوله -جل وعلا-: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [(280) سورة البقرة] يعني وجد ذو عسرة.
"فإن لم تكن فابن لبونٍ ذكر" يعني إذا أكمل السنة الثانية، والتنصيص على كونه ذكراً كالتنصيص على الأنثى في بنت المخاض، تصريح بما هو مجرد زيادة في التوضيح، "فإذا بلغت ستاً وثلاثين، جاوز الخمسين والثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبونٍ أنثى"، قد يقول قائل: هذا عنده خمس وثلاثين، وهذا عنده ستة وثلاثين انتقلت الفريضة نقلة ليست بالسهلة من أجل رأس واحد انتقلت، وقد تكون قيمة الخمس والثلاثية أكثر من قيمة الستة والثلاثين، نقول: لأن الشرع يأتي بقواعد لا بد أن تكون دقيقة ومحددة، وإلا لو ترك التقدير للناس لكان كل واحد يدعي، فلا بد من ضبط الأمور، ولا يمكن ضبطها إلا بالعدد، أما الضبط بالأوصاف فيتفاوت، ويختلف الناس في تقديره، ويقع الناس في إشكالات، ما في أضبط من العدد، يعني في مقاييس الناس اليوم قد يقول قائل: وش الفرق بين تسعة وثمانين وتسعين؟ المسألة درجة واحدة؟ لو أعيد النظر في بعض الكراسات ارتفع إلى تسعين، ليش هذا جيد جداً وهذا ممتاز، لا بد من ضبط الأمور بمثل هذه، وإلا تكون ضياع، لو ترك الأمر إلى التقديرات الفردية صار ضياع، وإلا قد يقول: أنا والله عندي خمس وثلاثين وهذا عنده ستة وثلاثين أو العكس، وبعدين هذا عنده -ما شاء الله- إبل ثمينة، وأنا يجب عليّ بنت لبون، وهو يجب عليه بنت مخاض، نقول: نعم سمعنا وأطعنا، ولا بد من الحد الفاصل الذي ينتهى إليه، ولا يترك الأمر للتقديرات الفردية.
"فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبونٍ أنثى"، لأنه لو ترك الأمر لقال: طيب أنا عندي ست وثلاثين، وهذا عنده خمسة وأربعين ليش الواجب واحد علينا؟ نعم ليش الواجب علينا؟ فمثل هذه الأمور لا بد أن تحسم بهذه الطريقة.(56/17)
"إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنت لبونٍ أنثى" يعني أكملت السنتين ودخلت في الثالثة، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة، أكملت الثلاث سنين طروقة الجمل استحقت الضراب، ولذا قال: طروقة الجمل، استحقت أن يطرقها الجمل، "فإذا بلغت واحدةً وستين إلى خمساً وسبعين ففيها جذعة" أكملت أربع سنين، ففيها جذعة، "فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون"، بنتا لبون، "فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان، طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة"، الآن تستقر الفريضة والمسألة بالحساب، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، طيب مائة وخمسة وعشرين فيها إيش؟ حقتان طروقتا الجمل وشاة؟
طالب:. . . . . . . . .
مائة وعشرين حقتان، طروقتا الجمل، إذا زادت على مائة وعشرين زادت بالآحاد أو بالعشرات؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو زادت واحدة؟ فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، هل نقول: أنها زادت على مائة وعشرين في كل أربعين يعني ثلاث بنات لبون، أو نقول: أن الحساب بدأ الآن بالعقود بالعشرات، الحنفية يقولون: تعود الفريضة، ترجع الفريضة مائة وعشرين فيها حقتان طروقتا الجمل فإذا وصلت إلى خمس وعشرين ومائة ففيها حقتان وشاة، مائة وثلاثين شاتان، وهكذا، والجمهور يقولون: إذا زادت على مائة وعشرين إلى مائة وثلاثين ما فيه شيء؛ لكن مائة وثلاثين؟ فيها ...
طالب: ثلاث ....
على رأي الجمهور، انتهينا من رأي الحنفية، انتهت الشياه، ما في شياه بعد الأربعين والعشرين، مائة وثلاثين على القسمة، في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، بنتا لبون للثمانين، وحقة للخمسين، مائة وأربعين؟ بنت لبون وحقتان، مائة وخمسين؟
طالب: ثلاث حقاق.(56/18)
ثلاث حقاق، وهكذا، يقول: "ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" إذا أخرج فيها الزكاة لو يخرجها كلها في سبيل الله قبلت، فالأمر إليه، ولا يكلف من قل ماله إلى هذا الحد أن يخرج الزكاة، "وفي صدقة الغنم" وجاء تقييد الإبل بالسائمة في غير هذا الحديث، والغنم قيّدت بكونها سائمة في هذا الحديث، وألحق بهما البقر على سبيل القياس، الإبل نص على كونها سائمة، والبقر نص على كونها سائمة فاشترط السوم الجمهور، وقالوا: إذا كانت معلوفة فلا زكاة فيها، أما إذا كانت سائمة ففيها الزكاة.
شخص عنده إبل معلوفة، وآخر عنده سائمة، المعلوفة معدة للتجارة، والسائمة معدة للتجارة، فكيف تخرج زكاتها؟ قلنا: المعلوفة ليس فيها زكاة، عنده ألف رأس من الإبل للبيع والشراء، وهذا عنده ألف رأس من الإبل غير معدّة للتجارة، وهي سائمة، كيف تزكّى هذه؟ وكيف تزكى تلك؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا كانت للتجارة فزكاتها زكاة عروض تجارة، وإذا لم تكن للتجارة فلا يخلو إما أن تكون سائمة أو غير سائمة، إذا كانت معدة للتجارة لم ينظر إلى السوم، تزكى زكاة عروض تجارة، لماذا؟ لأنه أنفع للفقير، تزكيتها زكاة عروض تجارة أنفع للفقير، يعني في ألف رأس من الغنم في زكاة السائمة كم رأس؟ عشر، وفي زكاة عروض التجارة خمس وعشرين، اثنين ونصف بالمائة، فإذا أعدت للتجارة لم ينظر إلى الوصف الذي هو السوم، تزكى زكاة عروض تجارة، سواءً كانت معلوفة أو سائمة، وإذا كانت ليست للتجارة فإن كانت سائمة وجب فيها زكاة بهيمة الأنعام، وإن لم تكن سائمة فلا زكاة فيها للتنصيص على هذا القيد، ويرى الإمام مالك أن فيها الزكاة ولو لم تكن سائمة، وهذا القيد المنصوص عليه في سائمتها يقول: خرج مخرج الغالب وأن موالي العرب من بهيمة الأنعام كلها سائمة، فخرج مخرج الغالب، وأنه قيد لا مفهوم له، فتزكى زكاة بهيمة الأنعام سائمةً كانت أو معلوفة.(56/19)
"وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة شاة"، أربعين إلى عشرين ومائة فيها شاة واحدة، يعني خمسين فيها واحدة، ستين فيها واحدة، سبعين فيها واحدة، ثمانين مائة وعشرين واحدة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاثة شياه، الثلاثمائة فيها ثلاث شياه، وثلاثمائة وواحدة؟ فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة؛ لأن هذا نقلة من عدد إلى عدد؛ لأن هناك غاية وما بعد الغاية؛ لأنه قال: إلى ثلاثمائة فيها ثلاث شياه، طيب بعد ثلاثمائة ولو بواحدة كم شاة؟ لأن بعضهم يرى أن هناك فرق في نهاية الغاية وما بعدها، إيش معنى قوله هنا؟ فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ثلاث شياه، طيب ثلاثمائة وواحد؟ يعني هل ما بعد الغاية يأخذ حكم ما قبل الغاية؟ النص يدل على أن الثلاثمائة حد للثلاث شياه، وأن ما بعد الغاية يختلف حكمه، ولذا يرى بعضهم أنها إذا زادت على ثلاثمائة ولو واحدة تزيد زكاتها، لكن قوله في الحديث: "ففي كل مائة شاة" يقطع مثل هذا الاختيار لأنه يقول: فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فالزكاة في المئات لا في الآحاد، الزكاة في المائة، انتهت زكاة الآحاد، إذا زادت على ثلاثمائة لا ينظر إلى الأفراد، إنما في كل مائة شاة، ثلاثمائة وواحد، ثلاثمائة وتسع وتسعين كم؟ ثلاث شياه، أربعمائة أربع شياه.(56/20)
"فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها"، فوكل الأمر إليه، وإلا من حيث الإلزام ليس فيها شيء، وهذا من إرفاق الشارع بالأغنياء، "ولا يجمع بين متفرقٍ، ولا يفرق بين مجتمعٍ خشية الصدقة"، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، يعني ليس لرب المال ولا للشريك أن يفرقا أو يجمعا خشية الصدقة، وليس للساعي أيضاً أن يفعل ذلك، فليس لرب المال أن يجمع أو يفرق خشية أن تزيد الصدقة، وليس للساعي أن يجمع أو يفرق خشية أن تنقص الصدقة، فالخطاب يتجه إلى الجميع، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، ثلاثة كل واحد عنده أربعين يجب على كل واحد شاة واحدة، فإذا أقبل السائل قالوا: أن هذه المائة والعشرين شركة، نحن خلطاء مائة وعشرين من أجل أن لا يجب عليهم إلا واحدة، والأصل أن يجب على كل واحدٍ منهم واحدة، لا يجوز أن يفعل هذا فراراً من الزكاة، ولا يفرق بين مجتمع، مثاله: مثال التفريق؟
طالب:. . . . . . . . .
اثنين شراكة، طيب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا فرقوا صار على كل واحد واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
مثل ما يقول الأخ.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا العكس، هذا يزيد عليهم الزكاة لو فرقوا.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو الفقير، قل الساعي، الساعي نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم ستين أو خمسين أو أربعين يفرقون بينها لئلا تجب فيها الزكاة، "ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة"، وعرفنا أن هذا الخطاب يمكن أن يوجه لصاحب المال وللساعي، فهذا إذا خشي أن تزيد عليه الزكاة فرق أو جمع، والساعي إذا خشي أن تقل الزكاة فرق أو جمع، "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوّية" شخص عنده سبعين، وآخر عنده ستين من الغنم، والمجموع مائة وعشرين يجب عليهم شاة، هل معنى أن كل واحد عليه نصف الشاة بالسويّة؟ أو بالنسبة؟ يعني صاحب الخمسين يأخذ خمسة على اثنا عشر من قيمة الشاة، عليه خمسة على اثنا عشر، وصاحب السبعين عليه سبعة على اثنا عشر، إيش معنى السويّة هنا؟ بقدر الحصص بقدر الأموال؟ أو المناصفة؟
طالب:. . . . . . . . .(56/21)
يعني أنت تفترض أن هذا له مائة رأس، أو مائة وتسع عشر رأس، وهذا عنده رأس واحد؟ قال: نبي نضمهن خليطين، هل نقول: أن صاحب الرأس عليه نصف الرأس الذي أخذ؟ الذي أخذ والذي معه تسعة عشر عليه النصف، أو نقول: بالنسبة؟
الطلاب: بالنسبة.
"وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية" ظاهر اللفظ أنهما على النصف، كل واحد يدفع النصف، بغض النظر عن كثرة المال وقلته، والمثال الذي ذكروه، وذكره العلماء في هذه المسألة، هنا ذكروا المثال في زكاة البقر، التراجع بين الخليطين أن يكون لأحدهما مثلاً أربعون بقرة، وللآخر ثلاثون، الثلاثون فيها تبيع، وفي الأربعين مسنّة على ما سيأتي، ومالهما مشترك فيأخذ الساعي عن الأربعين مسنة، وعن الثلاثين تبيع فيرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعها على خليطه، وباذل التبيع بأربعة أسباعه على خليطه؛ لأن كل واحدٍ من السنين وجب على الشيوع، كأن المال ملك واحد، يعني عندنا أربعين من الإبل وخمسين المجموع تسعين، ما الذي في التسعين؟
طالب:. . . . . . . . .
أربعين وخمسين، وراه بنتين لبون؟
طالب:. . . . . . . . .
بنت لبون وإيش؟
طالب: بنتا لبون.
الثمانين بنتا لبون.
طالب: تسعين.
نعم، التسعين، لا هذا بعد ما يتجاوز المائة والعشرين، نفترض أن فيه مائة وثلاثين، من المجموع مائة وثلاثين، شخص عنده أربعين وواحد عنده تسعين.
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب: بنتا لبون وحقة.(56/22)
بنتا لبون وحقة، أخذت الحقة من مال واحدة، وبنتا اللبون من مال واحد، يرجع باذل بنتي اللبون بنسبة ما دفعه، يرجع على صاحبه بالنسبة، مثل باذل التبيع وباذل المسنة، لكن جاءوا بالمثال، كيف يرجع باذل التبيع؟ الآن أيهما الذي بذل التبيع وأيهما الذي بذل المسنة؟ في مثالهم شخص واحد عنده أربعين من البقر، والثاني عنده ثلاثين، وجب في المجموع في السبعين تبيع ومسنة، باذل التبيع يدفع لباذل المسنة، وباذل المسنة يدفع لباذل التبيع بالحصص، يعني على ما ذكروا، الذي يظهر أن المطلوب أن كل واحد يدفع بنسبة ماله، يدفع بنسبة ماله، وينتهي الإشكال؛ لأن الخلاف في هذه المسألة كبير، وليس تحته طائل، نعم بالسوية يقتضي أنهما يتناصفان؛ لكن الشرع حينما لاحظ مصلحة الغني ومصلحة الفقير لم يهدر مصالح الشركاء، ولن يحمل بعض الشركاء أكثر مما يجب عليه، فالتراجع بالسوية، جاء الساعي مثلاً إلى شريكين عندهما مائة وعشرين فأخذ ثنتين، ظلمهم بدل واحدة أخذ ثنتين من مال أحدهما، والواجب عليهم واحدة، أخذ من مال أحدهما ثنتين، هل يرجع على شريكه وخليطه بكاملة أو بنصف؟ "وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية".
طالب:. . . . . . . . .
ويبقى الظلم عليه وحده؟
طالب:. . . . . . . . .
الواجب عليهم واحدة وأخذ الساعي ثنتين، هل يتراجعان بالسوية؟ بمعنى أن كل واحد يدفع واحدة؟ أو نقول: هذا لا يدفع إلا ما وجب عليه شرعاً، والمظلوم له نصيبه في الآخرة؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، ومقتضى التساوي أنهما يتساويان في العدل والظلم، ولا يخرج في الصدقة هرمة، كبيرة، لا تؤخذ؛ لأن لحمها ليس بطيب، وليس فيها احتمال لنفع الفقير بحمل ولا لبن ولا ... ، الهرمة معيبة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني بحيث إذا عدها الناس هرمة، واستقذروا لحمها، وكرهوها ما تؤخذ، "ولا ذات عوارٍ" يعني عينها عوراء أو عوار: أي معيبة، ذات عَوار: يعني معيبة، وذا عُوار: يعني إحدى عينيها لا تبصر بها: يعني عوراء، وضبطت بالفتح، والضم وعلى ضبط الفتح تكون أشمل، بمعنى أنها لا تؤخذ المعيبة، "ولا تيس إلا أن يشاء المصدق" فالتيس لا يؤخذ إلا إذا شاء المصدق، المشيئة مردها إلى الساعي أو إلى رب المال؟(56/23)
طالب:. . . . . . . . .
يعني إن شاء المصدق، المصدق بالتشديد هو المتصدق، إن شاء أخرج هرمة؟ أولاً: هنا مسألة: وهي في غاية الأهمية، مسألة عود الاستثناء على جمل أو كلمات، هل يعود إلى الجميع أو إلى الأخيرة منها؟ بمعنى أن هذه المشيئة تتناول الهرمة وذات العوار أو خاصة بالتيس؟
طالب:. . . . . . . . .
الأخيرة فقط أو إلى الجميع؟
طالب:. . . . . . . . .
المشيئة مشيئة المصدق، فإن خففت قلت: المصدق فهو الساعي، وإن شددت فهو المتصدق، المشيئة لأحدهما لكن هل الاستثناء يعود إلى الجميع أو إلى الأخير فقط؟ يعني نظير قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * ِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور] يعني هل التوبة ترفع الفسق فقط؟ أو ترفع رد الشهادة مع الفسق؟ أو ترفع الجميع؟
طالب: ترفع الجميع يا شيخ.
ترفع الحد، يعني إذا تاب القاذف يعفى من الحد؟ إجماع هذا لا يعفى، وعودها على الأخير أيضاً إجماع، تعود إليه، والخلاف في الوسط، هنا عندنا الاستثناء "إلا أن يشاء المصدق" يرجع إلى الثلاثة؛ لكن هل للمصدق مشيئة في أن يبذل هرمة أو ذات عوار؟ التيس أحياناً في بعض الصور يكون أنفس من المطلوب، إذا كان فحل الغنم مثلاً، ورأى المصدق أنه يدفعه ولو كان فحل الغنم؛ لأنه أنفع للفقير، أما بالنسبة لذات العوار والهرمة فليس فيهما مشيئة، لما دلت عليه العمومات أن المعيب ما يؤخذ في الزكاة، التيس هو اللي محل كونه ذكر لا شك أنه أقل من الأنثى؛ لكن أحياناً يحف به ما يجعله أعلى منها، لو اجتمع مجموعة من الغنم فيها الذكور والإناث في الجملة المفضل الإناث؛ لكن لو كان هناك تيس له مميزات، يرفع قيمته عند الناس فجادت به نفس صاحبه، ورأى الساعي أن أخذه أنفع للفقير؟ ولذا جاء الاستثناء "إلا أن يشاء المصدق".(56/24)
"وفي الرقة ربع العشر" الرقة الفضة، ربع العشر ونصابها مائتا درهم، "فإن لم تكن إلا تسعين ومائة، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" لأنها لم تبلغ النصاب، والنصاب مائتا درهم، ويأتي تفصيل هذا.
"ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقة" يعني دون المفروض، عنده سن دون المفروض يجب عليه جذعة، قال: والله ما عندي إلا حقة، لا يكلف أن يذهب ليشتري الواجب، وإنما يدفع الحقة، ويجعل معها جبران، وهذا الجبران محدد شاتين إن استيسرتا، أو عشرين درهماً، شاتين أو عشرين درهماً، هذا يسمونه إيش؟ جبران، يقابله أنه إذا كان عنده سن أكبر من المطلوب فإنه يدفع السن، وجب عليه حقة وعنده جذعة، قال: ما عندي إلا هذه الجذعة، نقول: ادفع الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين جبران أيضاً.
لكن هل هذا التقدير توقيفي؟ بمعنى أنه لا يزاد عليه ولا ينقص؟ العشرين الدرهم أحياناً تعادل عشر شياه مثلاً، وأحياناً ما تعادل شاة واحدة؛ لأن القيم تزيد وتنقص، فهل نقول: أن هذا توقيف ما فيه إلا هذا؟ وماذا عما لو كان عنده شاة واحدة وعشرة دراهم، يمكن أن يلفق من خصلتي الجبران المخير بينهما؟ يدفع شاتين مع إيش؟ مع الحقة في مقابل الجذعة، أو يأخذ شاتين بدلاً من أن يدفع ما وجب عليه، بحيث لا يجد إلا ما هو فوقه، عكس الصورة الأولى، قد تكون في بعض الظروف والأحوال أن الشاتين أعلى من قيمتين الجذعة، هو يجب عليه جذعة ولا عنده إلا حقة، نقول له: ادفع .... انتبهوا يا الإخوان، نقول: يجب عليك أن تدفع الحقة لأن ما عندك جذعة وتدفع شاتين؟ نقول: يا إخوان الشاتين أكثر من قيمة الجذعة الواجبة أصلاً، يلزم بهذا أو لا يلزم؟ وقد تكون قيمة الجذعة عشرة دراهم أو خمس عشر درهم أكثر من الجبران؟ في مثل هذه الصورة إذا اختار أن يشتري الجذعة ويدفعها الأمر إليه، هو لا يكلف ابتداءً أن يشتري ما ليس عنده؛ لكن إذا اختار لأن هذا يرى أنه أنفع له، فلن يكلف أكثر من الواجب عليه شرعاً، وإذا وجد التفاوت الذي صورناه فإنه سوف يشتري، ويكون أرفق به شراء ما وجب الله عليه.(56/25)
هم يقترحون أن الدرس ينتهي في التاسعة والنصف، وعشر دقائق للأسئلة، التاسعة والنصف وش يمدينا نأخذ؟ الآن إلا ثلث؟ على كل حال هذا الحديث مهم وطويل، ويحتاج إلى وقت؛ لكن يكفي هذا، لعلنا نقتصر على هذا، وفيه طلب هنا من بعض الإخوان الطلب يقول: يأمل تأخير درس العصر لأننا نأتي من الجبيل على بعد ثمانين كيلو، وننطلق من هناك بعد صلاة العصر؟
هذا مرده إلى المشرف على الدورة، فإذا اقتنع بذلك، ورأى أن المصلحة في تأخير درس العصر إلى المغرب مثلاً، فالأمر إليهم، وأما الأصل على ما أعلن.
يقول: الاستثناء المتعقب لجمل أو كلمات هل يعود على العموم أو على الأخير؟
منهم من يطلق ويقول: يعود على الجميع ومنهم من يقول: يعود إلى الأخيرة، والحقيقة أن النصوص فيها ما يدل على هذا، وما يدل على هذا، والمرجِّح الأدلة الأخرى، وكل مسألةٍ لها حكمها.
يقول: هذا يوجد عندي جار يعد من المساكين حيث أن راتبه لا يسد الحاجة الرئيسية من طعام ولباس ولكنه يظهر يسر الحال؟ ويغضب إذا تصدق عليه أحد ويردها، وأنا وبعض الجيران نريد أن نساعده، ولكنه يرفض؟ ما هو السبيل في تقديم المساعدة له؟
على كل حال إذا تعفف ورفض، واكتفى بما قدر الله له فهو أفضل في حقه ولا يجوز التعدي عليه لأن هذه منّة عليه، وما دام يرفضها لا يقبلها لا يلزم بها.
يقول: يوجد عندي جار لا يصلي في المسجد، ولم أره في المسجد منذ ثلاث سنوات إلا مرتين أو ثلاث، وتم نصحه من قبل إمام المسجد، وبعض جماعة المسجد، ولكن دون جدوى، فيذهب للدوام الساعة السابعة وكذلك عندما نعود من المسجد من صلاة العصر نجده خارجاً لدوامه المسائي، مع أنه يغلظ على من نصحه بألفاظٍ سيئة، فما نفعل في مثل هذا؟
هذا يرفع إلى الجهات، يرفع إلى الهيئات، يرفع أمره إلى ولي الأمر.
هذا يقول: أهالي بيشة يتمنون الزيارة في أقرب وقت.
الله المستعان.
يقول: كيف تكون زكاة مال الراتب الشهري خصوصاً أنه لا يمر عليه الحول؟(56/26)
الذي لا يمر عليه الحول ليس فيه زكاة؛ لكن كل ما حال عليه الحول من المدخر من هذه الرواتب يزكى، ولو جعل الإنسان له شهر في السنة كرمضان مثلاً، ونظر في حسابه الذي حال عليه الحول، والذي لم يحل عليه الحول، وأخرج زكاته كان أيسر له، وهذه طريقة يفعلها كثير من الناس.
هذا يقول: في مقبرة الثقبة بعض الممثلين من أفراد بعض المسلسلات التي سوف تعرض في رمضان يمثلون في المقبرة، فأدخلوا الكاميرا وغيرها؟ ما حكمها؟
لا يجوز هذا البتة، لا يجوز مثل هذا البتة، يصورون؟! الله المستعان، يصورون ذوات أرواح وإلا يصورون القبور فقط وإلا ماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
تمثيل؟ المقصود أن تصوير ذوات الأرواح حرام.
تدخل السرقة في الدين؟
انتهى هذا، قد جاوبنا عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(56/27)
بلوغ المرام - كتاب الزكاة (2)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: ما أفضل طبعة لسبل السلام شرح بلوغ المرام؟
أما من حيث الخدمة والتعليق فطبعة ابن الجوزي هي أكثرها تعليقاً وتوثيقاً، وطبعة الجامعة طبعة طيبة وصحيحة في الجملة، ومعتنىً بها، وطبعة طارق عوض الله أيضاً صحيحة؛ لكنها أعني طبعة الجامعة وطبعة الشيخ طارق التعليق عليهما يسير قليل جداً.
القول بأنه لا يصلى على الفاسق والعاصي؟
أولاً: الإطلاق بأنه لا يصلى عليه، يصلى عليه؛ لكن هل الإمام يصلي عليه أو يترك الصلاة عليه زجراً له وردعاً لأمثاله وتحذيراً من الفسق والعصيان؟ هذا له وجه.
يقول: ألا يستثنى من ذلك من يترتب عليه حد القصاص، وقد تاب والتوبة تجب ما قبلها؟
على كل حال ما في أعظم من توبةٍ شهد لها النبي -عليه الصلاة والسلام-، في قصة الغامدية، ولم يصل عليها، وإنما أمر غيره أن يصلي عليها.
هذا يسأل عن الإجازات، وما الإجازات، ومن أشهر المشايخ الذين يجيزون؟ ومن أكبر المحدثين المعاصرين من الأحياء؟
يقول: قلت في الدرس السابق: أن هناك فرقاً بين السائمة وعروض التجارة، ما هي السائمة؟
السائمة التي ترعى أكثر الحول.
ولماذا هناك فرق؟ وكيف يتم إخراج زكاته إن كانت هناك فرق؟
زكاة السائمة التي لم تعد للتجارة إذا بلغت النصاب لها زكاة، وهي التي بينت في كتاب أبي بكر -رضي الله عنه- لأنس حينما وجهه إلى البحرين، زكاة سائمة غير معدة للتجارة، أما إذا أعدت للتجارة فزكاتها أشد، فعلى سبيل المثال من عنده مائة رأس من الغنم سائمة، ولا ينوي التجارة فيها يخرج منها واحدة؛ لكن إذا كان يعدها للتجارة سواء كانت سائمة أو معلوفة، ويعدها للتجارة فيها اثنين ونصف في المائة، ففيها شاتان ونصف.
يقول: في الحديث: ((ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوارٍ إلا أن يشاء المصدق)) هل المقصود الصدقة بالزكاة؟ فإن كان كذلك فكيف يكون إلا أن يشاء المصدق؟
كلام غير مفهوم، وعلى كل حال الاستثناء يعود إلى التيس؛ لأنه الأقرب.
ما معنى الآتي: بنت مخاض، بنت لبون، حقة جذعة؟
خذها على الترتيب: بنت مخاض لها سنة، بنت لبون سنتان، حقة ثلاث، جذعة أربع، يعني على الترتيب خذها.(57/1)
يقول: ما رأيكم في طبعات الكتب التالية: فتاوى ابن تيمية طبعة مكتبة العبيكان؟
هذه لم أطلع عليها.
فتح الباري طبعة العبيكان؟
هي تصوير للطبعة الثانية أو الثالثة؛ لأن الثالثة تصوير عن الثانية من الطبعة السلفية، وهي أسوأ الطبعات، يعني لو صور على السلفية الأولى أفادوا؛ لكن صوروا على الثانية أو الثالثة وهي صورة على الثانية، وهي طبعة سيئة.
المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير؟
هذا له أكثر من طبعة وإلا طبعة دار السلام فقط؟ أنا ما أعرف غيرها.
التدمرية في تحقيق السعوي طبعة مكتبة العبيكان؟
طيبة.
من أفضل المحققين المعاصرين من الأحياء والطبعات القديمة يصعب توفرها دائماً؟
جمع غفير يصعب حصرهم وعدهم.
يقول: هل يجوز شراء قرضٍ عقاري؟
هذا أسئلة الشيخ وإلا .... ؟ أجاب عليها الشيخ وإلا ما أجاب؟
الأسئلة هذي؟ وين ... ؟ يعني شيلت؟
هل يجوز شراء قرضٍ عقاري باسم شخصٍ آخر؟
قرض عقاري، القرض عبارة عن مال، والمال الدراهم ما تباع بالدراهم إلا يداً بيد مثلاً بمثل، فلا يجوز بيعه إلا بعروض، إذا خرج القرض لفلان ثلاثمائة ألف تشتريها بأربع سيارات، خمس سيارات، ثم تشتريها بدراهم فلا.
وهل يجوز شراء أرضٍ مع قرضٍ عقاري قد حل؟
هذه يستثنى القرض، ويكون البيع للأرض، والقرض يكون حوالة، بذمة المشتري.
هل يجوز الزيادة في القرض مثل الدين مقابل الأجل؟
الزيادة في القرض يعني يقرضه الدراهم ويزيد عليه في مقابل الأجل، وهذا عين الربا.
هذا منصوصاً على الشيخ، أنا أخشى أن هذه الأسئلة معدّة للشيخ، القرض والدين الظاهر أن كلها تبع الشيخ.
المقدم:. . . . . . . . . الشيخ عبد الله
إيه لكن الموجه للشيخ، السائل يريد أن يسأل الشيخ، المعاملات تحول على الشيخ، أما الطبعات والتحقيقات لا بأس.
أكثرها في المعاملات، وهذا أيضاً منصوص على الشيخ بعد، لا الذي يظهر أن كلها للشيخ -إن شاء الله-.
هذا ممكن:
ما رأيكم في كتاب المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح؟
كتاب نافع وجيد، من أمثال رياض الصالحين، ومن في حكمه.(57/2)
يقول: جاء في الصحيحين أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "مالنا وللرمل، إنما كنا رائينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال: "شيء صنعه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا نحب أن نتركه" أشكل عليّ هذا الحديث مع القاعدة الأصولية المعروفة، وهي الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإن العلة هنا زالت وهي مراءاة المشركين، ولكن لا يزل الحكم أفتونا؟
هناك من الأحكام ما ارتفعت علته وبقي حكمه، وهذا منها، ومنها أيضاً القصر، قصر الصلاة في السفر، العلة الأصلية فيه {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وارتفع الخوف، وبقي الحكم، فهناك من الأحكام ما يثبت لعلة ثم ترتفع العلة ويبقى الحكم.
يقول: أفضل التحقيق لكتاب التوحيد لابن خزيمة؟
الطبعة التي أعتمدها وهي ما زالت عندي هي المعتمدة، هي طبعة الملك عبد العزيز الطبعة الأولى القديمة الطبعة المنيرية، ونراجع أيضاً، وقرئ علينا في طبعة مكتبة الرشد الشيخ عبد العزيز الشهوان، أما الطبعة الثانية التي أظن في نظر الفريابي أو من؟ أو سمير الزهيري وإلا من؟ في طبعة ثانية للكتاب.
طالب: للهراس؟
خلي الهراس هذيك فرع عن المنيرية أقدم منها، لا رأيتها بتحقيقٍ آخر غير الشهوان.
السنة للإمام أحمد؟
يعني الطبعة الأولى طبعة الملك عبد العزيز المطبعة السلفية يقال: أن فيها أشياء محذوفة، وأنا ما قرأتها، إنما المتداول طبعة الدكتور محمد سعيد القحطاني.
يطلب كتب كثيرة البخاري ومسلم والنسائي أبو داود الترمذي؟
هذه لها وقتها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
يقول الإمام الحافظ شيخ الإسلام: أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله- في كتاب الزكاة:
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرةً تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنّة، ومن كل حالمٍ ديناراً أو عدله معافرياً، رواه الخمسة،
واللفظ لأحمد، وحسنه الترمذي، وأشار إلى اختلافٍ في وصله، وصححه ابن حبان والحاكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(57/3)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه إلى اليمن معلماً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، انتهينا منه، الحديث الطويل انتهينا منه.
أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثه إلى اليمن، فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرةً.
أولاً: هذا الحديث مختلف في وصله وإرساله؛ لأنه من رواية مسروق عن معاذ، بعضهم ينص على أن مسروق لم يسمع من معاذ، وأشار إلى ذلك الترمذي -رحمه الله تعالى- وكأنه يرجح الإرسال، ومسروق معاصر لمعاذ، وهو يماني أيضاً، واللقاء ممكن، فهذا على رأي الأكثر الذين يصححون بالمعاصرة، يثبتون السماع بمجرد المعاصرة مع إمكان اللقاء، وهو رأي الإمام مسلم، جارٍ عليهم، يحمل على الاتصال، محمول على الاتصال عند مسلم ومن يقول بقوله.
يقول الشارح: "وكأن الترمذي يرى رأي البخاري في أن الاتصال لا يثبت إلا باللقاء" وعلى كل حال المسألة خلافية بين أهل العلم، ورأي البخاري هو الأحوط؛ لكن يبقى أن العمل على رأي مسلم، وإذا اختلف في الوصل والإرسال فهذه مسألة كبرى بحثها أهل العلم، والمتقدمون لا يحكمون بحكمٍ مطرد، بل يرجحون ما ترجحه القرائن، والنفس تميل إلى أن مسروقاً مع معاصرته لمعاذ ومساكنته إياه أنه سمعه منه.
"بعثه إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة" هذا هو الحد الأدنى لنصاب البقر، ليس في البقر زكاة ما لم تبلغ الثلاثين، وما ذكر نقل عليه الإجماع، وأنه ليس فيما دون الثلاثين من البقر زكاة، مع أنه حفظ عن بعض السلف قياس البقر على الإبل، ففي الخمس من البقر شاة، والخلاف في العشر أيضاً ذكر، لكن المرجح هو ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول عامة أهل العلم.(57/4)
"فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعاً أو تبيعة" لا فرق بين الذكر والأنثى هنا، وإن فرّق بينهما بالنسبة للإبل، وبالنسبة للإبل فرق بين بنت مخاض وابن مخاض، إنما الذي يعادل بنت المخاض ابن اللبون، فدل على أن الإناث أفضل من الذكور، ولا تجزئ الذكور عن الإناث، وهنا تبيع أو تبيعة على التخيير، ومن كل أربعين مسنّة، والتبيع هو الذي بلغ الحول، والمسنة هي التي ذات الحولين، يعني بلغت سنتين، كملت سنتين، "ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالمٍ" حالم: يعني محتلم، بالغ الحلم مكلّف، "ومن كل حالمٍ ديناراً" هذا مما لم يسلم منهم، تؤخذ عليه الجزية دينار "أو عدله معافرياً" يعني يقوم عليه هذا الدينار فيؤخذ عرض ثوب معافري، ومعافر زنة مساجد، حيّ من اليمن، فالذي لا يجد الدينار يؤخذ منه هذا الثوب المعافري.
يقول: "رواه الخمسة، واللفظ لأحمد" الخمسة أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، كما مرّ بنا مراراً، واللفظ لأحمد وحسّنه الترمذي، وأشار إلى اختلافٍ في وصله، حسّنه يعني هل يحسن الترمذي ما فيه انقطاع؟ يحسن الترمذي ما فيه انقطاع؟ نعم، قد يحسن ما فيه انقطاع، الحسن عنده لا يبلغ الحسن عند غيره، ولذا اشترط له أن يروى من غير وجه، وحسنه الترمذي وأشار إلى اختلاف في وصله، وأشرنا إلى هذا الاختلاف، وصححه ابن حبان والحاكم، يعني خرجاه في صحيحيهما.
طالب:. . . . . . . . .
من المحقق؟ ارفع النسخة أشوفها؟
على كل حال المسألة خلافية، وأهل العلم ليست عندهم في هذا قاعدة مضطردة، ليست هنا قاعدة مضطردة، وإن كان المتأخرون يرجحون الوصل لأنه زيادة ثقة.
واحكم لوصل ثقةٍ في الأظهرِ ... وقيل: بل إرساله للأكثرِ
المقصود أن هذه المسألة من المسائل المختلف فيها، والأئمة الكبار لا يحكمون بأحكامٍ عامة مضطردة، بل يتركون هذا لما ترجحه القرائن، فقد حكم البخاري بوصل: ((لا نكاح إلا بولي)) مع أن من أرسله كالجبل شعبة وسفيان أرسلاه.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن عمر بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم)) رواه أحمد ولأبي داود: ((لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)).(57/5)
هذا الحديث يروى من طريق هذه السلسلة المشهورة، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والخلاف فيها معروف، وأشرنا إليه مراراً أنها مسألة مختلف فيها بين أهل العلم، هل يحكم باتصالها أو إرسالها؟ هل تقبل أو لا تقبل؟ وسبب الخلاف ومنشؤه في عود الضمير في جده، هل يعود إلى عمرو فجده محمد تابعي، فيكون الخبر مرسلاً، أو يعود إلى أبيه يكون جد الأب عبد الله بن عمرو بن العاص، وصرح به في مواضع، وهو المرجح، ولذا القول الوسط في هذه السلسلة أنه إذا صح السند إلى عمرو أنها لا تنزل عن درجة الحسن، فهذا الحديث حسن.
قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم)) رواه أحمد، ولأبي داود: ((ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) فائدة مثل هذا الحديث أن الغني صاحب المال لا يكلف إحضار زكاته، وإنما تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم، قوله: على المياه يدل على أن هذه زكاة إيش؟ بهيمة الأنعام، هي التي ترد المياه، وعلى هذا لو جاء الساعي إلى صاحب الإبل، وقال له: عليك جذعة، قال هذه الجذعة خذها، قال: تحتاج إلى نقل، تبي لها أقل شيء تنقل إلى البلد الذي فيه الإمام لتسلم إليه تحتاج إلى مال ثلاثمائة ريال، أقل شيء، النقل على من؟
طالب: بناءً على الحديث؟(57/6)
على صاحبها وإلا على .... ؟ على الساعي، المقصود أنه هو الذي ينقلها، عليه نقلها، وليس على صاحبها، فالصدقات إنما تؤخذ على المياه، يعني مهما كلفت عليه نقلها؛ لكن إذا رأى الساعي مثلاً أن هذه لو باعها في مكانها هذه الجذعة تبي تجيب ألفين في مكانها، وإذا نقلها تحتاج إلى نقل بخمسمائة، ثم تجيب ألفين هناك في محل قبضها؟ كيف يتصرف؟ يبيعها في مكانها ويفعل الأصلح للفقراء، والمسألة مفترضة في ساعٍ والسعاة ثقاة، هذا الأصل، لا يجوز للإمام أن يولي في هذه الأعمال إلا الثقاة الأمناء، فإذا رأى أن من مصلحة الفقير أن يتصرف فيها، كما لو اعترضها شيء يقتضي ذبحها، يعني يتركها تموت هدراً وإلا يذبحها؟ يذبحها، فعلى كل حال هذه مسألة؛ لكن ما يترك المجال على أوسع أبوابه بحيث إذا سئل الساعي أين زكاة آل فلان؟ قال: والله أشرفت على الموت وذبحتها، لا بد من التأكد، وإقامة البينات على ذلك، لا بد أن يقيم بينة على ذلك، وإذا قلنا: أن الأصل أنه ثقة، وهو مؤتمن، يكفي يمينه.
ولأبي داود: ((ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) قد يقول قائل: أننا نمر أحياناً على الصوامع، والصوامع تحسم الصدقة، والسراوات تبلغ كيلوات، وأهلها هم الذين ينقلونها، نقول: ما نقولها من أجل الزكاة، وإنما نقولها من أجل البيع، وإلا مؤونة الزكاة على بيت المال، عليها، على الزكاة نفسها.
قال -رحمه الله-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)) رواه البخاري، ولمسلم: ((ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)).(57/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس على المسلم في عبده)) المراد به العبد الذي يُتخذ للخدمة، ((ولا في فرسه)) مثله الذي يتخذه للركوب، ليس فيه صدقة، ((وليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)) فما يعد للقنية لا زكاة فيه، ما يعد للاستعمال لا زكاة فيه، على خلافٍ بين أهل العلم في الحلي؛ لكن العبد المتخذ للتجارة أو الفرس المتخذ للتجارة، الحنفية يرون أن هناك زكاة في الخيل المعدة للنتاج لا للتجارة، وعندهم حديث عند البيهقي والدارقطني لكنه ضعيف، فما يعد للقنية ليس فيه زكاة، والحنفية يرون أن في الفرس زكاة عليه دينار أو عشرة دراهم، ويستندون في هذا إلى خبرٍ ضعيف، لا يقام حديث الباب.
الظاهرية لا يرون في العبد ولا في الفرس زكاة، ولو أعد للتجارة، ولو كانت للتجارة، وهم ينازعون في زكاة العروض –عروض التجارة- ينازعون في زكاة عروض التجارة، ومن أهل العلم من أوجب زكاة التجارة، ونقل عليه الإجماع كابن المنذر، نقل الإجماع على أن زكاة عروض التجارة واجبة، والخلاف عن الظاهرية وقولهم معروف، فالذي يعتد بقول الظاهرية يخرق هذا الإجماع، والذي لا يعتد به يرى أن الإجماع قائم، والإجماع حجة، وعلى كل حال عروض التجارة مال يجب تطهيره، وتتعلق به نفوس الفقراء، فلا بد من زكاته، وهو مال نامٍ، القياس يقتضي الزكاة، فقول جماهير العلماء هو المرجح في هذه المسألة.
قال -رحمه الله-: وعن بهز بن حكيمٍٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((في كل سائمة إبلٍ في أربعين بنت لبون، لا يفرق إبلٍ عن حسابها، من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمدٍ منها شيء)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الحاكم، وعلق الشافعي القول به على ثبوته.(57/8)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهذه أيضاً من السلاسل المشهورة في رواية الحفيد عن أبيه عن جده، مثل شهرة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والخلاف فيها بين أهل العلم معروف، وإذا كان الخلاف في السلسلة السابقة سببه الخلاف في مرجع الضمير، فإن مثل ذلك الخلاف وهو السبب لا يرد هنا، فإن بهز وأبوه حكيم وجده معاوية بن حيدة صحابي معروف؛ لأن العدد بعدد الضمائر، بخلاف السلسلة الأولى، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهم ثلاثة الرواة، وأما هنا فالعدد ثلاثة، والضمائر ثلاثة، فلا خلاف في عود الضمير على معاوية في جده، جده معاوية بن حيدة، لا خلاف في هذا بين أهل العلم، وسبب الخلاف في هذه السلسلة قبولاً ورداً منشؤه الكلام في بهز نفسه، فمنهم من يقبله، ويحتج به، ومنهم من يرده ويضعفه، والخلاف فيه بين أهل العلم معروف، وعلى كل حال مثل هذا الخلاف المرجح عند كثيرٍ من أهل العلم أنه يجعل هذه السلسلة كسابقتها، ما يروى بها يكون من قبيل الحسن، فهذا الحديث حسن، إذا كانت السلسلة الأولى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يتوسط في أمرها، ويحكم على ما يروى بها بأنه حسن، وهذه السلسلة كذلك فما الراجح منهما فيما لو حصل تعارض بين حديث يروى بهذه وحديث يروى بتلك؟ من أهل العلم من يرجح أمر ابن شعيب عن أبيه عن جده؛ لأن الترمذي سأل البخاري عن حديث جاء بواسطتها فصححه، ومنهم من يرجح هذه السلسلة لأن البخاري علّق في صحيحه عن بهز، ولم يعلق عن عمرو، لكنه لم يصحح لبهز، فهل تصحيحه خارج الصحيح يقاوم تعليقه في الصحيح؟
أقول: من أهل العلم من يرجح عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لأن البخاري صحح له، وهو في ذاته أقوى من بهز، ومنهم من يرجح بهز لأن البخاري في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول علّق له على أن الرواية بالتعليق لا تقتضي التصحيح؛ لكن تلقي الأمة لهذا الكتاب بالقبول ترجحه على غيره، فأيهما أرجح؟ عمرو بن شعيب في ذاته مقبول، لكن بهز من أهل العلم من قال: ليس بشيء، لا يحتج به، فالكلام فيه، فعمرو بن شعيب أرجح من بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.(57/9)
قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: في كل سائمة إبل، نص على السائمة في الإبل، فالسوم شرط لوجوب الزكاة في الإبل، وفي حديث أنس الذي كتب به أبو بكر إليه، وفي الغنم في سائمتها نص على الغنم أن تكون سائمة، وهنا نص على الإبل أن تكون سائمة، وألحق العلماء البقر بالإبل والغنم، إذاً لا بد من السوم في البقر، والجمهور يعتبرون هذا الوصف، وأن له مفهوم فإذا لم تكن الإبل أو البقر أو الغنم سائمة فلا زكاة فيها خلافاً لمالك، وأشرنا إلى خلافه سابقاً، وأن هذا خرج مخرج الغالب من النعم الموجودة في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنها سائمة، في سائمة إبل في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، هل يختلف هذا مع الحديث السابق؟ هناك من إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، من ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، يختلف مع هذا وإلا ما يختلف؟ منطوق هذا ما يختلف مع منطوق ذاك، منطوق هذا لأن الأربعين داخلة في العدد السابق؛ لكن مفهوم هذا يخالف منطوق الحديث السابق، مفهوم هذا أن التسع والثلاثين ما فيها، المفهوم العدد المحدد زيادةً ونقصاً هنا يخالف حديث أنس، ولذا لا يعتبر، ما يقول قائل: رسول الله قال: أربعين إذاً تسع وثلاثين ما فيها بنت لبون؟ نقول: لا، يشملها الحديث السابق، فالمفهوم هنا ملغى؛ لأنه معارض بمنطوق، والمنطوق أقوى من المفهوم، بنت لبون لا تفرق إبل عن حسابها ومضى القول في الجمع والتفريق.(57/10)
((من أعطاها مؤتجراً بها فله أجرها)) يعني من أعطاها طيبةً بها نفسه يطلب الأجر والثواب من الله -جل وعلا- فله أجرها، ((ومن منعها)) رفض أن يدفعها يترك؟ لا، ((ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله)) الشطر منصوب معطوف على الضمير المنصوب آخذوها وشطر ماله، يعني معناه: آخذوها وآخذون شطر ماله، عقوبة له، تعزير له، تعزير بالمال، (عزمةٌ) عزمةٌ خبر لمبتدأ محذوف يقدر هي أو هذه عزمةٌ من عزمات ربنا، والنصب (عزمةً) على أنه مصدر مؤكد لنفسه، مصدر مؤكد عزمةً من عزمات ربنا، عزمة يعني جد ليست بالهزل، فلا يتراخى فيها، هل العزمة هنا بمعنى العزيمة التي تقابل الرخصة؟ الآن مسألة التعزير بالمال الذي دل عليه هذا الحديث، هل الحديث يدل على التعزير بالمال؟ نعم يدل على التعزير بالمال، وكالصريح في هذا، الذين لا يجيزون التعزير بالمال يؤولون يقولون: هو شُطِر ماله، بمعنى أنه المال يجعل نصفين، نصف خيار، ونصف أقل، يعني خيار المال في جهة وأرذاله في جهة، فتؤخذ الزكاة من خياره، وحينئذٍ لا يؤخذ منه أكثر مما وجب عليه شرعاً، ويقولون هذا الكلام من أجل إيش؟ أن يفروا من العقوبة بالمال، ليفروا من العقوبة بالمال؛ لكن حتى على هذا التأويل فيه عقوبة بالمال، كما قال النووي -رحمه الله تعالى- لأن خيار المال لا يجوز أخذه؛ لأن قيمته أعلى، ((وإياك وكرائم أموالهم)) نفائس الأموال لا يجوز أخذها، وإنما تؤخذ الزكاة من الأوساط، من أوساط المال، لكن إذا أخذت من الكرائم تعزيراً له، هذا فيه تعزير بالمال، يعني إذا وجب عليه جذعة مثلاً وعنده جذعة نفيسة وجذعة متوسطة وجذعة رديئة؟ لا تؤخذ الردئية مراعاةً لحظ الفقراء، ولا تؤخذ النفيسة الكريمة مراعاةً لحظ الغني، إنما يؤخذ الوسط، نفترض الكريمة هذه بألفين، والمتوسطة بألف وخمس، والرديئة بألف، إذا أخذنا الكريمة التي تسوى ألفين هذه الخمسمائة القدر الزائد على الواجب الأصلي الذي هو المتوسط تعزير بالمال، ففروا من التعزير بالمال بهذا التأويل، ووقعوا فيه، يلزمهم هذا وإلا ما يلزمهم؟ يلزم، إذاً من يصحح الحديث فيه جواز التعزير بالمال، عزمة، العزيمة تعريفها عند أهل العلم ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارضٍ راجح، هذه(57/11)
إيش؟ الرخصة، العزيمة ما ثبت على وفق الدليل الشرعي مع عدم المعارض، والرخصة ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارضٍ راجح، الآن الدليل الشرعي ما هو يقتضي احترام الأموال؟ أموال الناس وتحريم أخذها؟ وأن الله حرم الأموال كما حرم الدماء؟ وشدد ((لا يحل مال امرئٍ إلا بطيب نفسٍ منه)) ولا يجوز الاعتداء على مال المسلم، و ((من قتل دون ماله فهو شهيد)) كل هذه النصوص تحرم الاعتداء على أموال المسلمين، فهل هذا الحديث يجري على تعريف العزيمة، أو على تعريف الرخصة؟ ما هو بالأصل عندنا تحريم أموال المسلمين، وهذا فيه أخذ أموال المسلمين، إذا على الحد رخصة، فعزمة هل تخالف قولنا: رخصة فيما يقابل العزيمة؟ هل لنا بأن نقول: عزمة وليست بعزيمة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مثلما يقول الحنفية في زكاة الفطر: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، ويقولون: ليست بفريضة، ومثلما يقول جمهور العلماء في حديث: ((غسل الجمعة واجب)) يقولون: ليس بواجب، مثله يعني، الاصطلاح مختلف، على كل حال هذا دليل واضح عند من يقبله ويصححه على جواز التعزير بالمال، وإذا قلنا: أنه رخصة والأصل حرمة الأموال قلنا: لا يجوز طرده في كل مخالفة، بل يقتصر على النص في مورده، ولا يجوز أن يتوسع فيه، والشارح ذكر عن أهل عصره أنهم توسعوا ويفرضون الضرائب على كل شيء، ويصرفونها في مصالحهم الخاصة، وتوسع في هذا الكلام كلام طويل، حتى آل بهم الأمر أو ببعضهم إلى أن يجعل هذه العقوبات المالية في مقابل الحدود، وجب عليه جلد شرب ثمانين جلدة هات ثمانين وامشي، زنا مائة جلدة هات مائة وامشي، هذا تغيير، تغيير لشرع الله، هذا تبديل لشرع الله، نسأل الله السلامة والعافية، وعلى كل حال أموال المسلمين محترمة، وأعراضهم محترمة، ودماؤهم محترمة، ويبقى مثل هذا النص في مورده، وهو أصل لمن يعتمد عليه في التعزير بالمال.(57/12)
((عزمة -أو عزمةً- من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد)) يعني هل تحل لمحمد؟ دخول الشخص في آله دخولاً أولياً، فهي لا تحل لمحمد، يعني إنما حرمت على آل محمد من أجله -عليه الصلاة والسلام-، لشرفه فيدخل، كما جاء في الحديث: ((لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، فإنما هي أوساخ الناس)) فلا تحل لمحمد -عليه الصلاة والسلام- لأن أخذ الزكاة ضعة، فاليد العليا خير من اليد السفلى، اليد العليا هي المعطية، واليد السفلى هي الآخذة، بعض المتصوفة يعكس يقول: لا، اليد العليا هي الآخذة، يبررون تكاسلهم عن العمل ويجعلون اليد العليا وهي خير من اليد السفلى اليد الآخذة هي العليا، كيف اليد الآخذة؟ الآن يلاحظ واضح، اليد المعطية فوق، في أحد بيعطي هكذا؟ ما في أحد، اليد المعطية فوق واليد الآخذة أسفل، فاليد العليا خير من اليد السفلى؟ يقول: لا، اليد السفلى هذه نائبة عن الله، إن تقرضوا عن الله، هذه نائبة عن الله اليد السفلى فهي العليا، ظاهر وإلا ما هو ظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الصدقات والزكوات لا شك أنها أوساخ الناس؛ لكن من احتاج إليها الحمد لله، المسألة مسألة حلال وحرام، لا شيء في ذلك، ((لا يحل لآل محمد منها شيء)) وآل محمد بنو هاشم وبنو المطلب على خلافٍ في ذلك بين أهل العلم، منهم من يرى أنهم بنو هاشم فقط، وجاء في الحديث أن بني هاشم وبني المطلب لا يفترقون في جاهلية ولا إسلام، فحكمهم واحد.
رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الحاكم، وعلق الشافعي القول به على ثبوته.
وقال الشافعي في قاعدةٍ عامة: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ولكن هذا الحديث عنده وهو يضعف بهز بن حكيم لا يثبت عنه لأنه يضعف راويه.
يقول: فإن ثبت يعني ولو من طريقٍ آخر فأنا أقول به، وهكذا الأئمة كلهم يدورون مع النص حيثما دار، والاختلاف بينهم إنما هو في فهم النص، أو في بلوغ النص، أو في المعارض للنص، المعارض الأقوى.(57/13)
قال الإمام الحافظ: وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كانت لك مائتا درهم ٍوحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول)) رواه أبو داود، وهو حسن، وقد اختلف في رفعه.
وللترمذي: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: ((من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول)) والراجح وقفه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة درهم)) مائتا درهم، هذا نصاب الفضة، مائتا درهم، إذا كانت مائة وتسعين ليس فيها زكاة على ما تقدم، فهذا المنطوق يشهد له مفهوم الحديث الصحيح السابق، وأن نصاب الفضة مائتا درهم، خمس أواقي، ففيها خمسة دراهم، يعني كم؟ العشر كم؟ ربع العشر، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون ديناراً، يعني من الذهب، نصاب الذهب عشرون ديناراً، وحال عليها الحول، وهذا شرط في وجوب الزكاة أن يحول عليها الحول، ونازع بعضهم في الحول؛ لكن الحديث صريح في ذلك، ((ففيها نصف دينار)) وهو ربع العشر؛ لأن عشر ديناران، ربعها نصف دينار، ويمثلون للزيادة من العبادة غير المتميزة، يقولون: كمن أخرج ديناراً عن عشرين، كيف؟ يعني وجب عليه نصف دينار عنده عشرون ديناراً فوجب عليه نصف دينار فأخرج دينار، هذه زيادة غير متميزة، منهم من يقول: إذا كانت الزيادة غير متميزة فالكل واجب.(57/14)
((ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك)) فالنقدين ليس فيها وقص، يعني واحد وعشرين دينار زكاتها ربع العشر، ما يقال: نصف دينار يكفي؟ لا، حتى الدينار الواحد فيه زكاته ربع عشره، وإذا زادت الفضة مائتين وعشرة مثلاً ففيها ربع العشر، ((فما زاد فبحساب ذلك)) على خلافٍ في هذه الجملة، والخلاف فيها أشد من الخلاف في أصل الحديث، ((وليس في مالٍ زكاة حتى يحول عليه الحول)) ومضي الحول شرط في غير المعشرات، المعشرات إنما تجب زكاتها، {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] في وقت الحصاد، رواه أبو داود، وهو حديث حسن، اختلف في رفعه ووقفه على علي -رضي الله عنه-، لكنه صححه البخاري فيما نقل عنه، وهو صحيح، ولبعض جمله ما يشهد مما في الصحيح، نصاب الفضة مائتنا درهم ونصاب الذهب عشرون ديناراً، الفضة يعني حسابها بالريال السعودي، الفضة يعني المائتي درهم تعادل عند أهل العلم ست وخمسين ريال عربي سعودي فضة، فينظر في قيمته وقت الزكاة، عندك ست وخمسين ريال عربي، انظر، تسأل أهل المجوهرات كم يسوى الريال؟ يتراوح بين عشرة خمسة عشر اثنا عشر ثلاثة عشر، تضرب، تعرف النصاب عندك؟ والذهب العشرون الدينار تعادل أحد عشر جنيه وأربعة أسباع الجنيه، أحد عشر جنيه من المتعامل به الآن وأربعة أسباع الجنيه، وهذا قبل سنتين في تاريخ (25/ 8/23هـ) كنا نشرح كتاب الزكاة من زاد المستقنع أرسل هذا الخطاب يقول: أكتب لكم هذه الورقة بعد بحثٍ ومراجعة، وآمل منكم التصحيح والإفادة، وهي تحتوي على محاولةٍ متواضعة في بيان كيفية إخراج الزكاة بالعملات الورقية الرائجة في هذا البلد، أولاً: لا بد من معرفة ما تقوم به العملة من النقدين، وعندما نقوم بالفضة نحسب نصاب الفضة أو الذهب بالجرامات، وهي كالتالي: الجرام من الفضة يساوي 2 و97 بالمائة، كما بينه صاحب المقادير الشرعية لمؤلفه الكردي، وهي رسالة علمية من الأزهر قديمة، قبل أكثر من عشرين سنة، ويقول: أنها أفضل ما كتب في المقادير والمكاييل الشرعية، هذا سعر الدرهم، هذا سعر الدرهم بالنسبة لإيش؟ يعني الجرام الواحد -على كلامه- يقرب من ثلاثة دراهم؟ يقول: نضرب الجرام في النصاب وهو (200) يخرج مقدار نصاب(57/15)
الفضة، لا، لا، يريد أن الدرهم يقرب من ثلاث جرامات، فيقول: نصاب الفضة (594) جرام ثم نضرب النصاب في سعر الفضة اليوم، وقد سألت أهل الخبرة عن سعر الفضة يوم الأربعاء الماضي (25/ 8) فقالوا: أن السعر 50 بالمائة، يعني نصف ريال، خمسين هللة، وعليه فيكون المقدار (297) ريال، فمن كان عنده هذا المبلغ فتجب عليه الزكاة، (297) ريال، الجرام من الذهب كما قرره صاحب الكتاب أربعة فاصلة أربعة وعشرين (4. 24) يضرب في المقدار، وهو عشرون مثقالاً فيساوي أربعة وثمانين بالمائة من الجرام، يقول: وقد سألت عن سعره، عن سعر الذهب يوم الأربعاء فقالوا إنه (32) ونصف، فيكون مقدار النصاب يساوي (2756) ريال سعودي، شوف كم المضاعفات؟ قريب من عشرة أضعاف، يعني تسعة أضعاف، وعليه فمن كان عنده (297) ريال ورقي سعودي فتجب عليه الزكاة، لماذا حسب الزكاة بالفضة؟ وأهمل حساب الذهب؟ ألحظ للفقراء، وأيضاً الأصل أن الريال أول ما ضرب بالفضة، والزكاة سوف تكون بالريال، فالريال الموجود الورقي نائب عن الريال الفضة، فأصله الفضة، ما أدري هل تغيرت الأمور بعده والآن هذا له سنتين؟
طالب:. . . . . . . . .(57/16)
أربعين؟ إيه، قريب من كلامه هذا، يقول: (32) ونصف، يعني لو مشينا على تقدير أهل العلم أول ما خرجت العملة السعودية الخاصة بالبلد بالريال العربي السعودي الفضة بست وخمسين ريال، وقلنا: أن الريال الآن يساوي اثنا عشر ريال، يعني قريب من ستمائة ريال، هذا النصاب، وعلى كل حال سواء قلنا: مائتين أو ثلاثمائة ما تضر، فعلى المسلم أن يعمل بالأحوط، ويأخذ بالأقل ويخرج اثنين ونصف بالمائة، سبعة ونصف زكاة اللي ذكره هنا، سبعة ونصف، يخرج سبعة ونصف، وإذا احتاج شيئاً يأخذ بدله آلاف، ليكمل نفقته، يعني إذا كان يملك مائتين وسبع وتسعين ريال على هذا الكلام يلزمه أن يخرج زكاة هذا المبلغ الثلاثمائة سبعة ونصف؛ لكن إذا كان لا يكفيه إلا ألفين بالشهر مثلاً؟ يأخذ ألفين، وهذا على القول بأنه يصح أن يكون آخذاً دافعاً، وهذه مسألة لا بد من اعتبارها، يصح أن يكون المسلم آخذاً للزكاة، دافعاً لها في آنٍ واحد، يعني شخص يملك ألف يقال له: طلع خمس وعشرين ريال زكاة، صح وإلا لا؟ لكن يقول: ألف أنا ما يكفيني، أنا عندي عشرة أنفس في البيت، يقول: ثلاثة آلاف، يقال: خذ، خذ تكميل ألفين، فصح أن يكون آخذاً دافعاً في آنٍ واحد، لكن من أهل العلم من يمنع؛ لأن في حديث معاذ القسمة ثنائية، ما في إلا غني وإلا فقير؟ تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، الذي تؤخذ منه زكاة فهو غني، لا يجوز أن يأخذ الزكاة، واضح وإلا ما هو واضح؟ فعلى هذا ...
طالب:. . . . . . . . .
ما هو واضح، ما هو في حديث معاذ: ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) في قسم ثالث؟ إما مأخوذ منه أو معطى؟ ما في ثالث، ما في إلا واحد يؤخذ منه لأنه غني، والآخر يعطى لأنه فقير، ولا ثالث لهما، طيب هذا الذي ما يكفيه إلا ثلاثة آلاف وما عنده إلا ثلاثمائة ريال، نقول: ما يجوز يأخذ؟ نقول: يصرف الثلاثمائة وكلها أنت وأولادك ثم يصير ما عندك شيء خذ، لكن هذا يرد على تعريفهم الفقير والمسكين، المسكين عنده لكن ما يكفيه، الذي عنده ألف ولا يكفيه إلا ألفين هذا مسكين، وهو مصرف من مصارف الزكاة، وعلى كل حال الأمر فيه سعة ما دام ما يكفيه والزكاة إنما شرعت له ولأمثاله.(57/17)
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن علي -رضي الله عنه- قال: ((ليس في البقر العوامل صدقة)) رواه أبو داود والدارقطني، والراجح وقفه أيضاً.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وللترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "من استفاد مالاً فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول" والراجح وقفه، هذا شاهد للحديث السابق، وأنه لا زكاة حتى يتم الحول.
وعن علي -رضي الله عنه- قال: "ليس في البقر العوامل صدقة" وهذا أيضاً جارٍ على القاعدة، وأن ما يتخذ للاستعمال والقنية أنه لا زكاة فيه، رواه أبو داود والدارقطني، والراجح وقفه أيضاً، يعني يكون هذا من اجتهاد علي -رضي الله عنه-، وليس بمرفوع؛ لكنه اجتهاد يندرج تحت أصلٍ عام، يشهد له ما يدل على أن الفرس والعبد والأثاث والمتاع والبيت وكل ما يستعمله الإنسان ليس فيه زكاة، فالبقرة العاملة في الحرث وغيره، كما أن آلة الحرث قد يكون عند الإنسان آلات يستعملها في زراعته، في تجارته لم يعدها للبيع هذه ليس فيها زكاة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ هذه عاملة، العاملة للقنية إذا كانت سائمة يرد فيها ما تقدم.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمروٍ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ولي يتيماً له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة)) رواه الترمذي والدارقطني، وإسناده ضعيف، وله شاهد مرسل عند الشافعي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، وجاء التنصيص عليه في مواضيع مما يرفع الخلاف في الضمير، ويرجح القول بأن الجد عبد الله بن عمرو، عن جده عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ولي يتيماً له مال فليتّجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة)) رواه الترمذي والدارقطني، وإسناده ضعيف، وله شاهد، إسناد ضعيف؛ لأن فيه المثنى بن الصباح في رواية الترمذي: وهو ضعيف، ورواية الدارقطني فيها أيضاً راوٍ ضعيف، وهو مندل بن علي، وفيها أيضاً راوٍ ثالث العرزمي متروك، على كل حال الحديث بطرقه ضعيف.(57/18)
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها -كما أخرج مالك في الموطأ- أنها كانت تخرج زكاة أيتام، كانوا في حجرها، أبناء لأخيها، أيتام كانت تخرج زكاة مالهم، وعلى كل حال الزكاة عند الجمهور تجب في مال الصبي والمجنون خلافاً للحنفية، الحديث ضعيف، ورفع القلم عن ثلاثة، ومنهم الصبي والمجنون، والجمهور على أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون، كيف يرفع القلم عنه ونوجب الزكاة عليه؟ الآن هل الصبي والمجنون في دائرة التكليف وإلا لا؟ لا، وإلزامه بالزكاة تكليف وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لو قلنا: للولي ولا يلزم الصبي قلنا: تأديب مثل أمره بالصلاة؛ لكن الجمهور نظروا إلى هذا المال من جهةٍ أخرى، أولاً: أن من عنده المال فهو غني، وتجب في زكاة الغني، تؤخذ من أغنيائهم، بغض النظر عن التكليف وعدمه، فهو غني ما دام عنده مال يسمى غني، والزكاة تؤخذ من أغنيائهم، ما دام الصغير هذا الصبي عنده مال والمجنون عنده مال إذاً هو غني، فيدخل في حديث: ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) وأخذ الزكاة ليس من باب التكليف، فلا يقال: أن الصبي والمجنون غير مكلفين، وإنما هو من باب ربط الأسباب بالمسببات، فالسبب موجود وهو المال، إذاً المسبب له بد أن يوجد فيكون من باب الحكم الوضعي لا الحكم التكليفي، ما يترتب على العمل من إثم لا يلحقه؛ لأنه غير مكلف تكليفاً غير مخل في الأحكام التكليفية، جاء واعتدى على مال شخص، أو ضرب شخص يلزمه ما يترتب على اعتدائه؛ لكنه الإثم مرفوع عنه، ولذا يقول أهل العلم: من الخطأ أو مما يلحق بالخطأ عمد الصبي والمجنون، صبي قتل شخص تلزمه الدية وإلا ما تلزمه؟ تلزمه؛ لكن ما يقاد به؛ لأنه صبي غير مكلف، مجنون اعتدى على سيارة شخص وكسرها، تلزمه قيمتها؛ لكنه لا يأثم؛ لأنه مرفوع عنه التكليف، فإلزامه بهذا من باب ربط الأسباب بالمسببات، يعني شخص نايم في مكان فانقلب على شيء وكسره لشخص آخر، يضمن وهو نائم فهذا مثله، فهذا من باب الحكم الوضعي لا الحكم التكليفي، والحنفية يقولون: ما دام غير مكلف بالصلاة ولا مكلف بصيام إذاً لا يكلف بالزكاة.(57/19)
وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: ((اللهم صل عليهم)) متفق عليه.(57/20)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه قوم بصدقتهم دعا لهم قائلاً: ((اللهم صل على آل أبي أوفى)) كما جاء في الحديث: ((اللهم صل عليهم)) ومن أفرادها: آل أبي أوفى؛ لأن أبا أوفى لما جاء بصدقته قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم صل على آل أبي أوفى)) وهذا امتثال للأمر الإلهي: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [(103) سورة التوبة] فهو مأمور بالصلاة على المزكّين المتصدّقين، مأمور بهذا -عليه الصلاة والسلام-، ففعلها وامتثل الأمر، فمن جاءه بصدقته قال: اللهم صل على فلان، أو على آل فلان، ويدخل فيهم المتصدق دخولاً أولياً، كما أشرنا، يدخل فيهم دخولاً أولياً كما أشرنا إلى ذلك، لا تحل لآل محمد، وكما في قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] يعني هل ينجو فرعون من أشد العذاب وآله هم الذين يدخلون أشد العذاب؟ يدخل فيهم دخولاً أولياً، هنا إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: ((اللهم صل عليهم)) هذا أمر للنبي -عليه الصلاة والسلام-، امتثله -عليه الصلاة والسلام-، فهل لغيره أن يفعل هذا؟ من جاءه بصدقته قال: اللهم صل عليه؟ يعني كونه يدعو: جزاكم الله خيراً، الله يوفقكم، أخلف الله عليكم، لا بأس؛ لكن هل لمن بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي على الناس؟ أو هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- ولم يعلمه أحد، ولم يقله أحد بعده؛ لأن صلاته هي التي سكن، أما صلاة غيره فليست سكن؟ يعني كونه يدعى للباذل، يدعى للمتصدق، يدعى للمتبرع، هذا أمر مطلوب؛ لكن هذه الصلاة خاصة به -عليه الصلاة والسلام-، وأخذ منها الظاهرية يوجبون هذا على الإمام، لأن كل إمام في حكمه -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن الإيجاب يحتاج إلى أن ينقل هذا عن خلفائه -عليه الصلاة والسلام-، ما دام ما نقل عنهم أنهم يصلون ما يلزم، وإلا فالأصل الاقتداء والائتساء، والتعليل بقوله -جل وعلا-: {إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [(103) سورة التوبة] هذا يدل على أن من عداه ليس(57/21)
في حكمه.
الصلاة على غير الأنبياء جاء فيها مثل هذا، وجاء فيها الصلاة على التبع، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، المقصود أن الصلاة على جهة التبعية لا بأس بها، وكونها تصدر منه -عليه الصلاة والسلام- أيضاً لا بأس بذلك؛ لكن العرف عند أهل العلم خص الصلاة بالأنبياء، والمسألة خلافية بين أهل العلم، وخص العرف العلمي المصطلح عليه بين العلماء أن الترضي للصحابة والترحم على من بعدهم، وقولنا: عز وجل خاص بالله -جل وعلا- فلا نقول: قال رسول الله -عز وجل-، وإن كان عزيزاً جليلاً، يعني لما تسمع قال رسول الله -عز وجل- تستسيغ وإلا ما تستسيغ؟ ما تستسيغ، العرف العلمي جرى على خلاف هذا، وتواطأ الناس عليه، وتواردوا، ولا يوجد شخص يمكن أن يقول هذا الكلام، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عزيز جليل، ولذا ما تجد من يقول: أبو بكر -صلى الله عليه وسلم-.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن علي -رضي الله عنه- أن العباس -رضي الله عنه- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخّص له في ذلك. رواه الترمذي والحاكم.(57/22)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن علي -رضي الله تعالى عنه- أن العباس ابن عبد المطلب عم النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك، بعض الروايات يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسلف من العباس زكاة عامين، وهذا يدل على جواز تعجيل الزكاة، ويشهد لهذا الحديث المتفق عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث عمر على الصدقة، جاء عمر قال: منع ابن جميل وخالد والعباس الزكاة، شكاهم إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ما ينقم ابن جميل؟ إلا أن كان فقيراً فأغناه الله)) يعني ليس له عذر، ما ينقم ابن جميل؟ ما يعتذر به ابن جميل؟ لأنه كان فقير فأغناه الله! ((وأما خالد فإنكم تظلمون خالد، فقد احتبس عتاده وأدراعه في سبيل الله)) ما يتهم مثل هذا الذي أوقف أمواله لنصر دينه، هذا ما يتهم بمنع الزكاة، ولذا لو كان عند شخص عمارة معدّة للبيع ولمدة أحد عشر شهراً تسام بمليون ريال، بقي شهر ويحول عليها الحول، وهي معدة للبيع لما بقي شهر قال لجمعيات تحفيظ القرآن: خذوا العمارة ذي، هل يتهم مثل هذا أنه يهرب من الزكاة؟ ما يتهم أبداً، هذا تبرع بالمليون كامل والواجب عليه خمس وعشرين، مثل هذا لا يتهم ولا يلام، بل يدافع عنه مثل خالد، ((وأما العباس فهي عليّ ومثلها)) يعني عندي زكاتين للعباس، فأخذ من هذا أهل العلم جواز تعجيل الزكاة، وقد يستحب إذا قامت الحاجة إلى ذلك، إذا قامت الحاجة إلى ذلك لكونه أنفع، وحاجة الفقراء قائمة وشديدة، لا مانع أن يطلب الإمام من بعض الناس أن يعجل زكاته لا على سبيل الإلزام، فتعجيل الزكاة لا بأس به، وإليه ذهب الأكثر، كما قال الترمذي وغيره، بعضهم منع تعجيل الزكاة مستدلاً بقوله: أنه لا زكاة في مالٍ حتى يحول عليه الحول، مع أن هذه الجملة إنما سيقت لبيان عدم الوجوب، لا على التوقيت، التعجيل يقابله التأجيل، فإذا كان التعجيل جائزاً بدلالة ما سمعنا، فالتأجيل والتأخير لا يجوز بحال، يتسامح أهل العلم في اليوم واليومين، وما قرب منها؛ لكن تأخير الزكاة اعتداء على حق أصحابها، على حقوق الفقراء والمساكين، لا يملك تأجيلها، بل مجرد ما تجب عليه(57/23)
يبرأ من عهدتها.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن جابر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة، وليس فيما دون ذودٍ من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ من التمر صدقة)) رواه مسلم.
وله من حديث أبي سعيدٍ -رضي الله عنه-: ((ليس فيما دون خمسة أوسقٍ من تمرٍ ولا حبٍ صدقة)) وأصل حديث أبي سعيدٍ -رضي الله عنه- متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن جابر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقة)) والأواق جمع أوقية، والأوقية: أربعون درهماً، والخمس في أربعين مائتا درهم، وليس فيما دون خمسٍ ذودٍ، أو خمسِ ذودٍ؟
طالب: على الوجهين، يصح الوجهين.
وجهان، وهل يختلف المعنى أو ما يختلف؟ خمسٍ ذودٍ من إضافة الصفة إلى موصوفها، وإذا قلنا: خمسِ ذودٍ يعني خمسة أذواد، والذود يطلق على إيش؟ العدد كم؟ ما بين الثلاث إلى العشرة، إذا قلنا: خمس ذود يعني خمسة أذواد، فنحتاج أقل شيء إلى خمسة عشر، فكأن (خمسٍ ذود) أرجح من حيث المعنى.
((من الإبل صدقة)) وتقدم نصاب الإبل مفصلاً ((وليس فيما دون خمسة أوسقٍ من التمر صدقة)) والوسق وتكسر الواو ستون صاعاً، فيكون نصابها ثلاثمائة صاع، وله -أي لمسلمٍ- من حديث أبي سعيد: ((ليس فيما دونه خمسة أوساقٍ من تمرٍ ولا حبةٍ صدقة)) وأصل حديث أبي سعيد متفق عليه، والحديث دليل على أن هذه الأموال إذا لم تبلغ هذه المقادير المحددة في هذا الحديث وغيره أنه لا زكاة فيها، لا زكاة فيها، تيسيراً من الله -جل وعلا-، ورفقاً بعباده التجار، ولما ساق: ((وليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)) ساق بعده: ((فيما سقت السماء والعيون العشر)) اقرأه لأن له ارتباط فيما سبق.
وعن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) رواه البخاري.
ولأبي داود: ((أو كان بعلاً العشر، وفيما سقي بالسواني أو النضح نصف العشر)).(57/24)
وعن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً العشر)) (فيما) هذه من صيغ العموم، ترد على القليل والكثير، فيجب في كل ما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، يعني بلغ النصاب أو لم يبلغ، صاع أو صاعين أو عشرة أو مائة أو ألف (ما) من صيغ العموم، وهو معارض بحديث: ((ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)) والحنفية حملوا الحديث على عمومه، فقالوا: الخارج من الأرض فيه الزكاة في قليله وكثيره، عملاً بعموم هذا الحديث، والجمهور خصصوه بما سبق من النصاب المحدد بالخمسة الأوسق، وإذا اجتمع العام والخاص فالخاص مقدم على العام، الآن قول الحنفية يعتمد إلى عموم الحديث، وهناك ((ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة)) يعني لو كان النص: في كل خمسة أوسقٍ صدقة، وما في نفي (ليس) لقلنا: أن مفهوم الحديث يقتضي أن ما دون الخمس اللي فيها صدقة؛ لكن هل هذا المفهوم ثبت به منطوق؟ يعني افترضنا أنه قال في الحديث: في خمسة أوساقٍ صدقة، هذا منطوقة أن في الخمس صدقة، مفهومه أنه ليس فيما دون الخمسة صدقة، وإذا عارضنا هذا المفهوم بمنطوق حديث: ((فيما سقت السماء)) تكافأ الدليلان، هذا فيه ضعف، وهذا فيه ضعف، هذا فيه قوة من جهة، وهذا فيه قوة من جهة؛ لأنه يكون هذا مفهوم خاص، وهذا عموم أو منطوق عام، وتقابل المنطوق مع المفهوم، والخاص والعام فيه شيء من التكافؤ، المسألة يمكن بسطها يحتاج إلى ... ؛ لكن ورود النفي ((ليس فيما دون خمسة أوسق)) دلالة المفهوم المعارض دُلّ عليها بمنطوق، وهو قوله: ((ليس فيما دون خمس أوساق من تمرٍ ولا حبٍ صدقة)) يعني نفترض أن هذا النص ليس بموجود، إنما الموجود تحديد النصاب في خمسة أوساق صدقة، عندنا هذا النص وعندنا النص عن سالم عن أبيه ((فيما سقت السماء العشر)) مفهوم النص المفترض أنه ليس فيما دون الخمس صدقة، فدل بمفهومه أنه ليس في القليل صدقة، ودل منطوق الحديث الذي معنا أنه في القليل صدقة بعمومه، فالعموم أضعف من الخصوص؛ لكن المفهوم أضعف من المنطوق؛ لكن الذي قضى على هذا الكلام كله، النص عندنا ((ليس فيما دون خمسة أوساق صدقة)) فالمرجح في هذه المسألة(57/25)
قول الجمهور، وأن ما دون الخمسة أوساق ليس فيها صدقة؛ لأن الخاص مقدم على العام.
((فيما سقت السماء والعيون)) سقي بالأمطار، سقي بالأنهار، سقي بالعيون الجارية، عثرياً يحصل على الماء بعروقه من غير تعب هذا فيه العشر لماذا؟ لأن ما فيه كلفة ولا مؤونة على صاحبه، فيزاد في زكاته في مقابل التيسير الإلهي في حصول هذه المنفعة، ((وفيما سقي بالنضح)) يعني بالتعب بالنضح نصف العشر يخفف على التاجر في الزكاة لأنه تعب من وراء، رواه البخاري ولأبي داود: ((إذا كان بعلاً)) يعني يعثر على الماء، والبعل هو العثر، بعلاً الذي لا يحتاج إلى سقي العشر، وفيما سقي بالسواني والنضح نصف العشر، يعني ما يسقى بدون مؤونة زكاته العشر، والذي يسقى بالمؤونة زكاته نصف العشر، والذي يسقى بهما إحدى عشر شهر بمؤونة وشهر واحد بدون مؤونة، أو العكس، أو ستة أشهر وستة أشهر، إذا كان ستة أشهر نصف المدة ونصف المدة هذا ما فيه إشكال، ثلاثة أرباع العشر، والمسألة بحسابها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
هذا يقول للإخوان: نود تنبيه الإخوان والأخوات بأنه سيكون هناك إفطار صائم غداً الاثنين.
وهنا مسألة بحث بعض الأخوان -جزاه الله خيراً- يقول: تتميم الفوائد التي تشيرون إليها مجملاً.
ما ذكره الحافظ ابن رجب في قواعده في مسألة تعلق الزكاة بالذمة أم بالعين؟ وذكرنا الخلاف بالأمس، وقلنا: أن ارتباطها بالعين –بالمال- ولا تعلق بالذمة.
يقول: تقريب المسألة وذكر أطرافها وفائدة ذلك نسأل الله .... الخ.
هذا من قواعد ابن رجب يقول: الزكاة هل تجب في عين النصاب أم في ذمة مالكه؟ اختلف الأصحاب في ذلك على طرق، نخليها في أول الدرس القادم لأننا نشوف الإخوان ينصرفوا؟! نتركها للدرس القادم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(57/26)
بلوغ المرام - كتاب الزكاة (3)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذه أسئلة خمسة علاقتها بدرس العصر من كتاب الجنائز، هذه أعيدت مرة ثانية من الإنترنت.
هذا يقول: اشتركت بجريدة الوطن قبل سنة تقريباً، وفي هذه الأيام أجرت الجريدة مسابقة، ومن شروطها نزع الكوبون الموجود في الجريدة، فهل هذا الاشتراك في المسابقة يدخل في القمار، علماً بأني حال الاشتراك بالجريدة قبل سنة تقريباً لم يكن قصدي المسابقة، أفتوني مأجورين؟
أولاً: السبق جاء حصره فيما يعين على الجهاد فقط، السبق: وهو ما يأخذه الفائز، جاء حصره فيما يعين على الجهاد فقط، ((لا سبق إلا خف أو نصل أو حافر)) فيما يستعان به على الجهاد، وألحق بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم جواز أخذ السبق على مسائل العلم؛ لأن العلم باب من أبواب الجهاد، وما عدا ذلك يبقى على المنع.
المسألة التي أشير إليها في درس الأمس وهي الزكاة، وارتباطها بالمال، وعلاقتها بالذمة.
هذا نقل لنا كلام من قواعد ابن رجب، وكتاب القواعد لابن رجب كتاب عظيم، لا يستغني عنه طالب علم، وقد يقول قائل: أنه يطلِق في ذكر الروايات والوجوه ولا يرجح؛ لكنه يخرج طالب علم، يعرف كيف يتعامل مع أقوال العلماء؟ وكيف يفهم النصوص؟ وإن لم يشر المؤلف إلى النصوص، فيذكر مأخذ القول من التعليل.
يقول هنا: الزكاة تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟
الزكاة هل تجب في عين النصاب أو في ذمة مالكه؟ اختلف الأصحاب في ذلك على طرق إحداها: أنها تجب في العين، يعني في عين المال، رواية واحدة، وهي طريقة ابن أبي موسى والقاضي في المجرد، والثانية: أن الزكاة تجب في الذمة رواية واحدة، وهي طريقة أبي الخطاب في الانتصار، وصاحب التلخيص متابعة للخرقي.
والثالثة: أنها تجب بالذمة، وتتعلق بالنصاب، ووقع ذلك في كلام القاضي وأبي الخطاب وغيرهما، وهي طريقة الشيخ تقي الدين.
والرابعة: أن في المسألة روايتين إحداهما: تجب في العين والثانية: في الذمة، وهي طريقة كثير من لا أصحاب المتأخرين، وفي كلام أبي بكر في الشافي ما يدل على هذه الطريقة.(58/1)
تجب في العين رواية واحدة، تجب في الذمة رواية واحدة، تجب بالعين ولها تعلق بالذمة أو العكس، أو روايتان، يعني هل معنى أن الطريقة الأولى تلغي الثانية من الوجود؟ لأنه قد يشكل مثل هذا الكلام على بعض الناس، يعني ابن رجب اطلع على هذه الأقوال كلها، اطلع على هذه الأقوال، فكيف يقول: إحداها: تجب في العين رواية واحدة، طيب الرواية الثانية في القول الثاني الذي في الطريقة الثانية التي ذكرت، يعني هل معنى هذا أن الذي ذكر أو اختار الطريقة الثانية ما اطلع على الطريقة الثانية التي نص فيها على أنها رواية؟ تجب في الذمة رواية واحدة، الأول: تجب في العين رواية واحدة، والثاني: تجب في الذمة رواية واحدة، إيش معنى هذا الكلام؟ هل معنى هذا أن كل من اختار طريقة ألغى الطريقة الثانية، أو يظن به أنه لم يطلع عليها؟ أو نقول: أنه صاحب الطريقة الأولى لم يعتد بالقول الثاني رواية عن الإمام، وإنما لم يثبت عنده عن الإمام إلا الطريقة التي اختارها، وقل مثل هذا في الطريقة الثانية العكس، يمكن أن يقال هذا وإلا ما يمكن؟
هذا يسأل يقول: أفضل الطبعات لكتاب قواعد ابن رجب؟
الطبعة الأخيرة طبعة مشهور حسن سلمان، هذه طبعة طيبة، اعتمد فيها على بعض النسخ؛ لكن اعتمادي أنا على الطبعة الأولى، الطبعة المصرية، طبعة فوزان السابق، وهي طبعة نفيسة ممتازة، الثانية التي تليها طبعة طه عبد الرءوف سعد، ذكروا بعض معاني الكلمات التي تشكل، أذكر في قراءتنا قبل ثلاثين سنة على الشيخ ابن غديان، مر بنا كلمة في طبعة فوزان كلمة (التاوي) فبحثنا عنها، بحث قريب ما رجعنا إلى معاجم ولا رجعنا إلى شيء، فبينت هذه الكلمة في الطبعة التي تليها طبعة طه عبد الرءوف سعد أنه الهالك، فالطبعات التي تعنى بشرح الكلمات مع مقابلة النسخ يعتنى بها؛ لكن ما زلت أنا أقول: أن الطبعة الأولى طبعة فوزان السابق نفيسة.(58/2)
نعود إلى المسألة كيف يقول: رواية واحدة، وهو يعرف أن في المسألة رواية ثانية؟ أو معنى هذا أن الرواية الثانية لم تثبت عنده؟ أو لا تجري عنده على قواعد المذهب؟ الآن أدركتوا الإشكال؟ الطريقة الأولى: يجنح صاحبها إلى أن الزكاة تجب في العين رواية واحدة، والثانية: أنها تجب في الذمة رواية واحدة، والثالث، دعونا من الثالثة، الرابعة: أن في المسألة روايتين، يعني هل الرابع جاب جديد؟ أو نظر إلى الطريقة الأولى والثانية وأثبت كل منهما رواية؟ هل مقتضى هذا الكلام أن الأول ينفي الرواية الثانية، والثاني ينفي الرواية الأولى؟ وأثبتهما صاحب الطريقة الرابعة؟ رواية أنها تجب في العين، والرواية الثانية تجب في الذمة، وكل واحد من صاحبي القولين يجنح إلى أن الرواية الثانية وجودها مثل عدمها، كأنها لم توجد، ولذلك لا يثبت إلا رواية واحدة، والقول الرابع: يثبت الروايتين، والقول الثالث: يوفق، أو يلفق بين الروايتين.
في أحد يساهم يشارك في المسألة وإلا ما في أحد؟ يعني كأن أصحاب الطريقة الأولى يرون أن القول الثاني أو الطريقة الثانية لا تجري على قواعد المذهب فلا تذكر رواية والعكس، والطريقة الرابعة تجمع بين القولين وتجعلهما روايتين، والطريق الثالث أنها تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب.
هنا مسألة يقول: في ذلك اختلف الأصحاب في ذلك على طرق: إحداها: والثانية والثالثة والرابعة، الطريق مذكر وإلا مؤنث؟ نعم جل استعمال المحدثين على أنه مؤنث، مروي من عدة طرق: الأولى الثاني الثالثة، ومثله كلام المؤلف هنا؛ ولكن الذي جاء في القرآن {طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [(77) سورة طه] فعلى هذا مذكر وإلا مؤنث؟ مذكر، وعلى كل حال هو يذكر ويؤنث في الأصل، طيب ما الفائدة من هذا الخلاف؟ ما الفائدة التي تترتب على هذه الطرق وهذه الأقوال؟
أولاً: المؤلف ما خرج عن المذهب، كل الأقوال وفي روايات المذهب، وفي أقوال الأصحاب، لهذا الخلاف فوائد تظهر في عدد من المسائل:(58/3)
المسألة الأولى: إذا ملك نصاباً واحداً ولم يؤدِ زكاته أحوالاً، يزكي زكاة سنة واحدة وإلا سنوات؟ أو على ما تقدم كل على مذهبه؟ إذا قلنا: أنها تجب في العين سنة واحدة، وإذا قلنا: أنها تجب في الذمة سنوات، وإذا قلنا: تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب إيش الفرق بينها؟ يعني إذا كان لها تعلق بالنصاب وتلف النصاب، تبرأ الذمة وإلا ما تبرأ؟ إذاً ما الفرق بين الثانية والثالثة، الثانية يقول: تجب في الذمة، والثالثة تجب في الذمة وتتعلق بالنصاب، يعني الفرق بين القولين أن وجوبها في الذمة ثبتت ديناً في ذمته من غير ارتباط بالنصاب، نعم، لكن على الطريقة الثالثة أن تعلقها بالذمة ولها ارتباط بالنصاب فتخرج من عين النصاب، فإذا تلف النصاب المثلي يزكى مثله، والذي ليس بمثلي يزكى قيمته.
الفائدة الثانية: إذا تلف النصاب أو بعضه قبل التمكن من أداء الزكاة، وبعد تمام الحول، إذا تلف النصاب أو بعضه قبل التمكن من أداء الزكاة وبعد تمام الحول على الطرق تجب في العين خلاص ما في زكاة، تجب في الذمة استقرت في الذمة فتجب.
الفائدة الثالثة: إذا مات من عليه زكاة أو دين وضاقت التركة عنهما، إذا قلنا: أن ارتباطها بالذمة فالذمة الآن إيش فيها الذمة؟ انتهت، الذمة فارغة الآن انتهت لأنه مات، وإذا قلنا: وجوبها بالنصاب أنها تخرج منه قبل قسمة التركة.
الفائدة الرابعة: إذا كان النصاب مرهوناً وجبت في الزكاة فهل تؤدى زكاته منه؟ نعم إذا كان النصاب مرهوناً عند الدائن، فهل إذا حال عليه الحول يأتي الراهن إلى المرتهن فيأخذ منه مقدار الزكاة؟ قد يرفض المرتهن؛ لأنه ينقص التوثقة، تنقص التوثقة فإذا قلنا: لها تعلق بالذمة يخرج من غيره.
الفائدة الخامسة: التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ببيع أو غيره مثل ما لو تلف.
الفائدة السادسة: لو كان النصاب غائباً عن مالكه لا يقدر على الإخراج منه، فإذا كان تعلقها بالمال، بالعين ينتظر حتى يحضر المال، وإذا كانت بالذمة يخرج بدله.(58/4)
الفائدة السابعة: إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة، فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح أو من نصيبه من الربح خاصة؟ شخص عنده مائة ألف أعطاها لزيد من الناس، وقال: خذ هذه المائة ألف مضاربة على أن يكون الربح بيني وبينك نصفين، علي المال وعليك العمل، إذا حال الحول على هذا المال يجب أن يخرج منه ومن ربحه، افترضنا أن المائة صارت مائة وعشرين، فربع العشر ثلاثة آلاف، ثلاثة آلاف هل تؤخذ؟ فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح على كل واحد منهما الآن، الآن كم نصيب المضارب؟ عشرة آلاف، ونصيب صاحب المال مائة وعشرة، إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة منه فهل يحسب ما أخرجه من رأس المال ونصيبه من الربح؟ أم من نصيبه من الربح خاصة؟ فعلى هذا يكون على كل واحد منهما ألف وخمس إذا قلنا: من نصيبه من الربح خاصة، ومرد ذلك أنها إذا كانت في عين المال، أخرجت من مجموعه، وإذا كانت في الذمم معنى أنه لا يتبين وجهه، هنا الآن إذا أخرج رب المال زكاة حقه من مال المضاربة، أخرج زكاة حقه قلنا: مائة وعشرين فيها ثلاثة آلاف، ونصيب صاحب المال مائة وعشرة، ونصيب المضارب عشرة آلاف فتكون زكاة المضارب بمائتين وخمسين، وزكاة صاحب المال المائة في ألفين ونصف، ومائتين وخمسين ألفين وسبعمائة وخمسين، هذا على أي الروايتين؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا: أنه متعلق بالعين، أما إذا قلنا: أنه متعلق بالذمم لا ارتباط له بالعين، فالمضارب له النصف باعتبار عمله وربحه، والثاني له النصف باعتبار مئته مع الربح.
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
بالعين؟ ينتظر حتى يحضر.
طالب:. . . . . . . . .
والله الجمع بينهما بطريقة شيخ الإسلام طيب، على شان ما يهدر حق الفقير، ولا يكلف الغني أكثر مما يطيق لأنه لو تلف المال ولها ارتباط به من غير تفريط ولا تعدي ذهبت خلاص؛ لكن الذي يقول: تثبت في الذمة ولو تلفت من غير تعدي ولا تفريط يضمن.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول الإمام الحافظ شيخ الإسلام أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله تعالى-:(58/5)
وعن أبي موسى الأشعري ومعاذ -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهما: ((لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) رواه الطبراني والحاكم، وللدار قطني عن معاذ -رضي الله عنه-: "فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وإسناده ضعيف.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي موسى الأشعري ومعاذ -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهما حين بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم.
أبو موسى عاد والنبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع، وأحرم بما أحرم به النبي -عليه الصلاة والسلام- كما هو معروف، وأما معاذ فلم يعد إلا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف)) حصر، ((لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف: الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) هذا الحصر يقتضي أن الزكاة لا تجب إلا في هذه الأصناف فلا تجب في الذرة مثلاً، ولا الدخن، ولا غيرهما من الحبوب، إلا في الشعير والحنطة، ولا تجب من الثمار إلا في الزبيب والتمر؛ لأن هذا مقتضى الحصر وقال به جمع من أهل العلم، وأهل القياس يجعلون هذه أصول فما يجتمع معها في العلة يلحق به، فيلحقون الذرة، مع أنه جاء فيها نصوص ضعيفة، ومن أهل العلم وهو المعروف عند الحنابلة أن الزكاة تجب في الحبوب كلها، تجب في الحبوب كلها، وأما بالنسبة للثمار فتجب في كل ما يكال ويدخر، والحديث صريح في أنه لا تؤخذ -وهذا حصر- إلا -والنفي مع الاستثناء يقتضي الحصر- ((لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب ... )) والحديث مصحح، وأعله ابن دقيق العيد في شرح العمدة، لكن علته يقولون: غير قادحة.(58/6)
المقصود أن الأصل الأخذ وإلا عدم الأخذ؟ يعني هل الأصل شغل الذمة وإلا براءة الذمة؟ براءة الذمة، ولا تشغل الذمة إلا بما يرفع هذا الأصل؛ لأن هذا نفي وإثبات، لو كان السياق تؤخذ الزكاة من الشعير والحنطة والزبيب والتمر اتجه الإلحاق، كما في الأصناف الربوية ألحق بها أهل العلم ما يشاركها في العلل؛ لكن هنا حصر والأصل براءة الذمة فلا تؤخذ إلا من هذه الأصناف الأربعة، فالعمل بهذا النص هو المتعين، منهم من يرى أن الزكاة تؤخذ من كل ما أخرجت الأرض، كل ما يخرج من الأرض فيه الزكاة، لعموم ((فيما سقت السماء العشر)) لكن هذا الحصر أخص من هذا العموم، ولا نقول: أن الحصر دل بمفهومه، هل دلالة الحصر بمفهومه على عدم الأخذ وإلا النص أنها لا تؤخذ بمنطوقه؟ الدلالة على عدم الأخذ بالمنطوق، والأصل عدم الأخذ، ثم جاء الاستثناء من هذا الأصل فيقتصر عليه، طيب مزارع الفواكه يقول: وللدار قطني عن معاذ -رضي الله عنه- قال: "فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب قد عفا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حديث إسناده ضعيف جداً، حديث فيه أكثر من عله فهو ضعيف؛ لكن أنت افترض أن شخص عنده مزرعة كيلوات فيها الفواكه: بطيخ ورمان، وأنواع الفواكه كلها، التفاح والبرتقال والموز، تدر ملايين، هل نقول: هذه ليس فيها زكاة؟ نقول: ليس فها زكاة الخارج من الأرض، وإنما الزكاة في قيمتها إذا حال عليها الحول، والخبر هذا ضعيف.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-: وعن سهل بن أبي حثمة -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) رواه الخمسة إلا ابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن سهل بن أبي حثمة -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع))(58/7)
الخرص: هو الحرز والتخمين والتقدير، أولاً: الحديث فيه ضعف؛ لكن كيف تؤخذ الزكاة؟ هل تخرص قبل حصادها؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرسل عبد الرحمن، من الذي كان يخرص؟ عبد الله بن رواحة، كان يبعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- يخرص على أهل خيبر، هل نقول: يخرص على المسلم مادام الثمرة في الأشجار؟ التمر على رؤوس النخل، ثم بعد ذلك يحاسبون فيما بعد لاحتمال أنهم يجحدون بعض الأشياء، ولا يخرجون الكل، كونه -عليه الصلاة والسلام- يبعث إلى أهل خيبر من يخرص قبل أن يتصرف في النخل، هؤلاء يهود احتمال يجحدون؛ لكن غيرهم من المسلمين الذين يتدينون بطاعة الله ورسوله، هل يلزم أن تخرص أموالهم؟ أو يقال: إذا جذوا ينظر في أموالهم؟ لكن ماذا عن الأموال التي تباع قبل جذاذها؟ وهل يترك التقدير لصاحب المال أو يبعث الإمام من يخرص الزروع والثمار؟ حديث الباب ((إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) هذا مضعف؛ لكن الخرص ثابت ويقول به جمهور أهل العلم، ويرى الحنفية أنه إيش؟ رجم بالغيب، ولا يثبت به حكم؛ لكن ما دام ثابت، يبعث النبي -عليه الصلاة والسلام- من يخرص على أهل خيبر، كعبد الله بن رواحة فليس لأحد كلام، والواقع يشهد أن أرباب الخبرة عندهم دقة متناهية في هذا الباب، يعني الآن تتصور أن الشخص إذا خرص الذي يقول عنه الحنفية: أنه رجم بالغيب، إذا دخل البستان، الخبير، ما هو بأدنى شخص، تقول له: كم تسوى هذه السلعة؟ وهذه حاصلة، كم تجيب؟ يقول: ألف أربعمائة ألف وست، ويش من كلام هذا؟ هذا ما هو بخارص ولا حول الخرص؛ لكن شخص يقدر البستان الكبير بالكيلوات، ومع ذلك لا يزيد إلا شيء أو ينقص شيء يسير جداً، وهذا حاصل يعني، ما هي مبالغة، وكل مهنة، وكل صنعة لها أهلها، المسألة مسألة خبرة، العلم له أهله، الصناعة لها أهلها، الزراعة لها أهلها، كل مهنة لها أهلها، فالذي له صلة بالمزارعين يعرف أن الخرص من أدق الوسائل للتقدير؛ لكن ما يجاب شخص من الشارع ويقال له: اخرص، يخرص ثم يطلع أضعاف أو ينقص أضعاف، لا، لا، هناك من أهل الخبرة من يزيد إلا الشيء اليسير جداً الذي لا يكاد يذكر، أو ينقص الشيء اليسير الذي لا يكاد يذكر،(58/8)
مثل هذا يعتمد عليه، والمسألة مسألة غلبة ظن.
الحديث الذي معنا حديث سهل بن أبي حيثمة ((إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) عمل به بعض أهل العلم، وقال: ينبغي أن يترك لأهل المزارع شيء يأكلونه في أول الأمر هم وأولادهم، ويهدون منه، ويتصدقون على أقاربهم، ومعارفهم، لا يحاسبون بالمشاحة، بمعنى أنه يجب عليك كذا، أدفع كذا، يترك لهم شيء يتصرفون به.
وهذا الحديث قد عمل به بعض أهل العلم على ضعفه، والمقصود أن الخرص وسيلة للتقدير، وسيلة شرعية.
الحديث الذي يليه:
قال -رحمه الله-: عن عتاب بن أسيد قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً" رواه الخمسة، وفيه انقطاع.
وهذا أيضاً ضعيف؛ لكن هل الزكاة تؤخذ من التمر الرطب والعنب الرطب؟ أو تؤخذ منه إذا صار تمراً بالنسبة للتمر، أو صار زبيباً بالنسبة للعنب؛ لأنه هو الذي يمكن كيله، هو الذي يكال، الذي يكال الزبيب والذي يكال التمر، أما الرطب لا يكال، والعنب لا يكال، والزكاة إنما تؤخذ كيلاً، وهذا الحديث على ضعفه يقول فيه: وعن عتاب بن أسيد قال: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخرص العنب كما يخرص النخل" كم يقدر في هذا البستان من عنب رطب، ثم كم تكون حصيلته إذا جف وصار زبيباً، وقل مثل هذا في النخل، كم فيه من صاع رطب وكم يؤول إليه إذا كان جافاً؟(58/9)
"أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً" رواه الخمسة، وفيه انقطاع؛ لأنه رواه سعيد بن المسيب عن عتاب، قال أبو داود: "لم يسمع منه"، وقال أبو حاتم: "الصحيح عن سعيد بن المسيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عتاباً" فسعيد حينما يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عتاباً يحكي قصة لم يشهدها، فهي مرسلة، وإذا قال: عن عتاب قلنا: أنه لم يسمع منه كما نص على ذلك أبو داود؛ ولكن النووي يقول: أن هذا الحديث وإن كان مرسلاً فهو يعتضد بقول الأئمة" فالخرص لأن أصحاب الأموال إذا أرادوا أن يتصرفوا فيها قبل أن تصير زبيباً أو تمراً، لا بد أن يخرص عليهم، وتقدر ثمارهم، لتثبت في ذممهم الزكاة، فلا بد من الخرص، وإذا خيف من أرباب الأموال جحد شيء من أموالهم فعلى الإمام أن يبعث من يخرص عليهم، كما بعث ابن رواحة يخرص على اليهود في خيبر.
الخارص من شرطه أن يكون عدلاً، وأن يكون خبيراً، عارفاً، ويكفي واحد، ما يقال: هذه شهادة لا بد فيها من اثنين، إنما هي بمثابة الحكم، والحكم يكفي فيه واحد، ومثل ما ذكرنا فائدة الخرص أمن الخيانة إذا شك في أمر صاحب الزرع، أو ترك التصرف لصاحبه إذا أراد أن يتصرف فيه قبل أن يجذ، قبل حصاده، ففائدة الخرص الاحتياط لحق الفقراء؛ لأن صاحب المزرعة إذا كان رطب ويخرف منه كل يوم مائة سطل ويبيعها تزيد وتنقص، ثم بعد ذلك يصعب عليه ضبطها وحسابها، وكم تؤول إليه إذا جفت؟ فذلك يصعب عليه، لا بد أن يأتي خبير يخرص له.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال لها: ((أتعطين زكاة هذا؟ )) قالت: لا، قال: ((أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ )) فألقتهما" رواه الثلاثة، وإسناده قوي، وصححه الحاكم من حديث عائشة.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب، فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) رواه أبو داود والدارقطني، وصححه الحاكم.(58/10)
هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان، سوران غليظان، وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال لها: ((أتعطين زكاة هذا؟ )) قالت: لا، قال: ((أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ )) فألقتهما" رواه الثلاثة، حديث معروف، وهو أقوى ما يحتج به من يرى زكاة الحلي المستعمل، ((أتعطين زكاة هذا؟ )) نص على أنه تجب فيه الزكاة، ولذا قال: ((أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ )) فألقتهما، هذا أقوى الأدلة في وجوب زكاة الحلي، إضافة إلى قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} [(34) سورة التوبة] وحديث: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة ... )) إلى آخره فالعمومات مع هذا الحديث الذي يقبله جمع من أهل العلم بهذه الصيغة، بهذا الإسناد.(58/11)
"مسكتان من ذهب" ((أتعطين زكاة هذه؟ )) ذهب مستعمل في اليد، ولا يدرى هل بلغ النصاب أو لم يبلغ؟ والذي يغلب على الظن أنه لا يبلغ النصاب، ولذا قال بعضهم: تجب زكاة الحلي ولو لم يبلغ النصاب، وإذا قيل بهذا مع عدم اعتبار الشروط، شرط بلوغ النصاب، بلوغ النصاب شرط، والذي يغلب على الظن أن هذين المسكتين لا تبلغان النصاب، وأيضاً: مسألة الحول، ما استفصل النبي -عليه الصلاة والسلام- هل حال عليها الحول؟ فمع عدم اعتبار الشروط المعتبرة للزكاة المفروضة التي هي ركن من أركان الإسلام، هل يحمل لفظ الزكاة هنا على الزكاة المفروضة؟ التوعد بالنار يدل على وجوب إخراج الزكاة فيها؛ لكن هل هذه الزكاة مع عدم اعتبار الشروط، هل هذه الزكاة هي الزكاة الواجبة في الذهب؟ معنى أنها تخرج منها ربع العشر؟ أو تزكيها والتزكية تحصل بشيء منها، وتحصل بإعارتها كزكاة الماعون، الذي جاء ذم منعه {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [(7) سورة الماعون]؟ يعني الجادة والقاعدة الشرعية في الأموال أنها لها شروط معتبرة، وأنه لا زكاة في مال حتى يبلغ النصاب، الذهب نصابه أحد عشر جنيهاً وأربعة أسباع الجنيه، هل يتصور أن هاتين المسكتين إحدى عشرة جنيه؟ لا يتصور في يد بنت صغيرة، هذا بالنسبة للنصاب.(58/12)
الأمر الثاني: الحول ما استفهم عنه، ولا قالت: أنا الآن اشتريته، وإلا حال عليهم حول أو حولين أو أكثر، فالذي يظهر أن الزكاة هذه ليست من جنس زكاة الأموال؛ لأن زكاة الأموال لها شروط، وهذا لا تنطبق عليها شروط زكاة الأموال، وللعلم هذا أقوى ما في الباب، وإلا فالأصل أنه إذا جاءنا لفظ شرعي نحمله على الاصطلاح الشرعي؛ لأن الشرع ينطق باصطلاحاته؛ لكن إذا اختلت الشروط التي اشترطها الشارع للاصطلاح الخاص، اختلت الشروط، فهل مع اختلال هذه الشروط، لا حول، ولا نصاب، هل نطلب النتيجة المرتبة على المال الذي حال عليه الحول وبلغ النصاب؟ يعني الجادة معروفة في الشرع، بلغ النصاب وحال عليه الحول فيه ربع العشر مال انتهى؛ لكن هذا لا حال عليه حول، ولا بلغ النصاب، لأن هذا أقوى ما عندنا، لو افترضنا أن حلي المرأة يبلغ النصاب، وحال عليه الحول، هو تبعاً لثبوت هذا الحديث، وما يقرر فيه، المسألة مسألة شرعية، لا بد أن تنطبق عليها الشروط الشرعية، الملاحظة في بقية الأموال، والتي منها الذهب، لا بد من اكتمال النصاب، ولا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرون مثقالاً، كما تقدم، ولا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، المقصود أن اشتراط الحول معروف متقرر، وأيضاً بلوغ النصاب متقرر، وهنا لم يشترط حول ولا بلوغ نصاب، وقال: ((أتعطين زكاة هذه؟ )).
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لأن البنت ما يتجه لها خطاب غير مكلفة.
طالب:. . . . . . . . .
لكنها لا يتجه الخطاب للبنت لأنها غير مكلفة، ترون يا إخوان المسألة من عضل المسائل، لا نحسب المسألة سهلة؛ لأن إلزام الناس بغير لازم مشكل، وأيضاً ترك هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، وهو أداء الزكاة فيما تجب فيه الزكاة أيضاً مشكل، فالاحتياط صعب في هذا.
طالب:. . . . . . . . .
حلي، حلي لا للتجارة ولا ... ، هو للزينة.
طالب:. . . . . . . . .(58/13)
المقصود أنه حلي المرأة المعروف أنها تلبسه {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] الزينة يعني، هذا الأصل في الحلي، ولذا لو اتخذت المرأة أناء من ذهب وجبت فيه الزكاة؛ لأنه حرام ما يجوز أن تقتنيه، فالمسألة هل إجراء الذهب المستعمل حلي للمرأة، كما يستعمل في القنية ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه زكاة)) وأيضاً الأثاث ما فيه زكاة، كل ما يستعمل ما فيه زكاة، وأقوى ما في المسألة من الأدلة الخاصة حديث الباب هذا، والحديث الذي يليه ضعيف؛ لكن أقوى ما فيها هذا.
طالب:. . . . . . . . .(58/14)
لا، لا، الترمذي صحيح أنه يقول: لا يعرف إلا من طريق ابن لهيعة؛ لكن غير صحيح يروى من غير طريقه يروى عن حسين المعلم، وهو ثقة ما في إشكال، لا، الذي يقبل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يقبل هذا الحديث، الذي يقبل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما فيه إشكال الحديث من حيث الثبوت أقل أحواله أنه حسن؛ لكن هل الزكاة المطلوبة هي الزكاة المطلوبة فيما توافرت فيه الشروط؟ أو أن زكاته إعارته كما يقول جمع من أهل العلم؟ كما أن الماعون زكاته أيضاً بذله عند الحاجة إليه، فزكاة كل شيء بحسبه، فالمقصود أن إيجاب الزكاة فيما لا تجب فيه تكليف بما لا يجوز التكليف فيه، إلا بنص يقطع العذر، لأن الأصل براءة الذمة، والقاعدة الشرعية أن المقتنيات لا زكاة فيها، المستعملة، ومنها هذا، مثل الأثاث ومثل السيارة، ومثل الفرس، ومثل العبد، ومثل البيت، كلها ما فيها زكاة؛ لأنها مستعملة؛ لكن أيضاً التفريط بواجب من واجبات الإسلام والدليل فيه صحيح لا يمكن، ولذا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في تفسير آية التوبة عرض المسألة، وبسطها بسطاً لا نظير له، وبعضهم يرى أن مثل هذا الحديث كان في أول الأمر، لما كان الذهب محرماً على النساء؛ لكن كيف يقول: تؤدين زكاته ويسكت عن تحريمه؟ لأن الذهب المحلق فيه ما فيه، وجاء فيه كلام، لكن كيف ما أنكر اللبس فضلاً عن الزكاة؟ لو كان هذا الكلام له وجه؟ فإذا قارنا بين الأصل الذي هو براءة الذمة، وأن مثل هذا الخبر على ما فيه من خلاف بين أهل العلم، وليس في الباب ما هو أقوى منه، فتبقى المسألة مسألة احتياط، فلا يحمل الإنسان نفسه ما لا تحتمل، نعم إذا أراد أن ينقل الفتوى، يقول: والله الشيخ فلان يفتي بوجوب الزكاة، هذا ما عليه شيء، لا سيما وأن من يفتي به تبرأ الذمة بتقليده؛ لكن هو يتحمل مثل هذا وهو غير مقتنع مشكلة؛ لأن تكليف الناس بغير واجب لا يجوز، والاحتياط إذا أراد أن يحتاط يحتاط لنفسه، أما يحتاط لغيره لا، يقول لهم: الأحوط أن تدفعوا الزكاة، لا مانع، أما مسألة الإلزام والإيجاب يحتاج إلى نص قاطع للعذر.
طالب:. . . . . . . . .(58/15)
هو الأصل أن الزكاة إذا أطلقت في النصوص فالمراد بها المفروضة، المقدرة التي اشترط لها في الشرع شروط، بحيث إذا توافرت هذه الشروط وجبت هذه الزكاة؛ لكن هل توافرت الشروط للزكاة المقدرة شرعاً هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، كيف؟ المانع المسكتين بيد الطفلة الصغيرة إحدى عشر جنيه؟ يمكن ما تشيلهم إحدى عشرة جنيه، هذا واضح كونها ما بلغت النصاب هذا ما فيه إشكال؛ لكن الحول الذي هو احتمال، فالذي تجب فيه الزكاة المفروضة هو الذي تتوافر فيه الشروط للزكاة المفروضة، أنا ما أقول: أنها لا تزكي، النساء ما تزكي، لا، أنا أقول: أن إيجابها يحتاج إلى دليل قاطع، إيجاب الزكاة على النساء يحتاج إلى دليل قاطع، والذي يزكي من باب الاحتياط هو بينقل فتوى، من استفتاه من النساء، قال: والله الشيخ ابن باز يقول فيه الزكاة، تبرأ عهدته وذمته؛ لكن لا يتبنى شيء إلا إذا ترجح له دليله.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هو نص على زكاة، ما نص على لبس، هو نص على الزكاة.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ من باب الخروج من العهدة بقوة، ما يكفي أن تزكي لا ذهب ولا شيء، لا هذا يتصور هذا سهل؛ لأنه في مقابل نار، سوارين من النار في الآخرة، لأن الزينة كمال.
طالب:. . . . . . . . .
لا، تعطين، وتدفعين، وتؤدين، كلها بمعنى واحد ما فيه فرق، في شيء؟ في شيء يا شيخ؟ أنا ما زال في نفسي شيء من إيجاب زكاة الحلي، وأن الدليل لا ينهض بحيث يلزم الناس بها، أما باب الاحتياط لا بأس، الشيخ الشنقيطي -رحمه الله تعالى- لما أنهى الكلام وتكلم على المسألة بعجرها وبجرها، بأدلتها وخلافها، أشار إلى أن إخراج الزكاة احتياط، الاحتياط أمره سهل؛ لكن الإلزام بغير لازم هذا هو المشكل، ومعروف أن الأئمة جمهورهم لم يقولون بها، مالك والشافعي وأحمد: لا تجب الزكاة في الحلي عندهم، وجاء عن بعض الصحابة أيضاً آثار تدل على أنهم لا يرون زكاة الحلي.
الحديث الذي يليه:
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-: وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- ..
حديث أم سلمة، قرأته؟
نعم يا شيخ،
قرأت حديث أم سلمه؟
نعم.(58/16)
بعد هذا يقول الحافظ -رحمه الله تعالى- وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)).
الكنز: في الأصل الذي يدفن في الأرض، هذا الأصل فيه، وحقيقته العرفية واللغوية؛ لكن حقيقته الشرعية تدور وجوداً وعدماً مع الزكاة، فالمال الذي لا تؤدى زكاته هو كنز، ولو نشر في السطوح، والمال الذي تؤدى زكاته ليس بكنز، ولو أخفي في الآبار، ودفن وطمر تحت التراب، فحقيقته الشرعية تأدية الزكاة {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} [(34) سورة التوبة] ما أديت زكاته فليس بكنز، وأما ما لا تؤدى زكاته فهو كنز ولو كان على وجه الأرض.
هذا الحديث ضعيف الإسناد، وله شاهد، ذكر العلماء له شاهد، ولذا صححه الحاكم.
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: ((إذا أديت زكاته فليس بكنز)) رواه أبو داود والدارقطني، وصححه الحاكم، ويجعلونه شاهد لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ويتقوى به، وعلى كل حال المسألة في النفس من إيجاب الزكاة فيها شيء، والدليل لا يقطع العذر ولا يلزم، والأصل براءة الذمة، ومن أراد أن يخرج الزكاة باعتبار أن هذه الأحاديث تورث عنده شبهة، عليه أن يتقيها ليستبرئ لدينه وعرضه، هذا في خاصة نفسه، ومن تحت يده، أما أن يلزم به الناس فالأصل براءة الذمة.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع" رواه أبو داود، وإسناده لين.
نعم أيضاً هذا الحديث ضعيف، يقول: عن سمرة، وسبب ضعفه أنه من رواية سليمان بن سمرة عن أبيه، وسليمان مجهول، عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع".(58/17)
الحديث دليل على وجوب زكاة مال التجارة، والزكاة في عروض التجارة نقل الإجماع عليه، ابن المنذر قال: الإجماع قائم على وجوب الزكاة في مال التجارة، فعروض التجارة فيها الزكاة بالاتفاق، وإن قالت الظاهرية بعدم الوجوب فيها، والحديث فيه لين؛ لأنه من رواية سليمان، وهو مجهول، واللين عند الحافظ كما قرره في مقدمة التقريب: الراوي اللين عنده من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين" وإن كان هنا المراد الذي يظهر من لين الإسناد الكلام التضعيف الخفيف، استدل الجمهور بوجوب زكاة التجارة بقوله -جل وعلا-: {أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [(267) سورة البقرة] يقول مجاهد: نزلت في التجارة، وأخرج الحاكم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته)) وعلى كل حال عامة أهل العلم على وجوب الزكاة في التجارة.
قال -رحمه الله-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وفي الركاز الخمس)) متفق عليه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في كنز وجده رجل في خربه: ((إن وجدته في قرية مسكونة فعرفه، وإن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس)) أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن.(58/18)
حديث أبي هريرة المتفق عليه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وفي الركاز الخمس)) هذه جملة من حديث يشتمل على عدة جمل ((العجماء جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس)) والركاز: ما يوجد من دفن الأموال تحت الأرض، فيحصل عليه بحفرها، مال يدفن تحت الأرض، ومنهم من يشترط أن يكون من دفن الجاهلية، وليست عليه علامات تدل على أنه مال لمسلم، وإن كان مالاً لمسلم إن عرف دفع إليه وإلا فحكمه حكم اللقطة، يعرف، فالركاز: هو دفن الجاهلية، المال المدفون، وعليه آثار غير إسلامية، وفيه الخمس لأن الزكاة تتبع المشقة كثرةً وقلة، فالذي يتعب عليه فيه ربع العشر، فإن كان التعب أقل فنصف العشر، ثم إن قل التعب ففيه العشر، وإن قل التعب فيه الخمس، والشرع حينما أوجب الزكاة في أموال الأغنياء دفعاً لحاجة الفقراء نظر أيضاً إلى عدم إهدار جهد التجار، فجعل لجهدهم أثر في الزكاة، فالركاز الذي لا يحتاج إلى جمع، بساعة يحصل على هذا، اشترى أرض، وأحضر المقاول، وحفر القواعد، أو أراد أن يضع بدروم فوجد هذا الكنز، والقصص يتناقلها الناس في أنه يرى رؤي أن في المكان الفلاني من بيتك كنز، فيحفره، قد تصدق هذه الرؤيا، وقد لا تصدق؛ لكن الكلام كثير.(58/19)
طيب إذا اشترى أرض بمبلغ وجد فيها كنز، فهل هذا الكنز للواجد أو لصاحب الأرض؟ إذا كان فيه ما يدل على أن صاحب الأرض هو الذي دفنه فهو صاحبه، له، وإذا لم يدل الدليل على أن صاحب الأرض له يد في هذا الكنز، أو له، أو وجد علامات تدل على أن هذا المدفون قبل أن يملك صاحب الأرض الأصلي أرضه، فمثل هذا يورث وقفة، وأهل التحري لهم مواقف، فشخص اشترى أرضاً، فوجد فيها كنزاً، فذهب إلى صاحب الأرض فقال: خذ مالك، أنا ما اشتريت المال، أنا اشتريت الأرض، فرفض صاحب الأرض فقال: أنا بعت الأرض بما فيها، هذه المسألة في تصورنا هل تحتاج إلى خصومة؟ تحتاج إلى أن نذهب إلى القاضي؟ يعني من خلال واقعنا تحتاج إلى خصومة وإلا ما تحتاج؟ ذهب إلى القاضي، فادعى، قال: أنا اشتريت أرض ووجدت فيها كنز، وما هو لي، لصاحب الأرض، سأله قال: أنا بعت الأرض بما فيها، ما لي علاقة، استلمت قيمتها، أراد أن يصلح بينهما ويقسم المال بينهما رفضوا، كل واحد يقول: ما هو لي، أخيراً قال: هل لك من ابن -يقول للمدعي؟ - قال: نعم، وقال للمدعى عليه: هل لك من بنت؟ قال: نعم، فقال: يتزوج الابن بهذه البنت، وينفق عليهما من هذا الكنز، هكذا يكون أهل التحري، الله المستعان.
بعض الناس لما ارتفعت أقيام العقار، يذهب إلى بعض كبار السن ويقول: هل تعرف لآبائي وأجدادي أملاك وإلا شيء على شان إيش؟ على شان يذهب إلى هذه الأملاك، ويدعي على أصحابها، أقل الأحوال أن تكون بعض الوثائق ضاعت، يصطلح وإياهم، هذا أقل الأحوال، هذا وجد من يبحث ويسأل نقيض هذه القصة، الله المستعان.
على كل حال الكنز هذا أو الركاز فيه خمسه، وهل مصرفه مصرف الزكاة أو مصرف الفيء في مصالح المسلمين العامة؟ أو هو للزكاة يصرف في مصارف الزكاة؟ محل خلاف معروف بين أهل العلم.
ويقول أيضاً: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنهم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في كنز وجده رجل في خربة: ((إن وجدته في قرية مسكونة فعرفه)) الآن السؤال بعد وجوده أو قبل وجوده؟
طالب:. . . . . . . . .(58/20)
بعد وجوده، قال: في كنز وجده رجل في خربة، والجواب ((إن وجدته في قرية مسكونة)) يعني إن كنت وجدته في قرية مسكونة فعرفه، يعني لأنه لقطة، ((وإن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس)) لأنه إذا كان على وجه الأرض وقرية خربة متروكة، مهجورة، فحكمه حكم ما تحت الأرض، حكمه حكم الكنز لخفائه على الناس، هذه القرية المهجورة يعني لو دخل إنسان في قرية هجرها أهلها، وتهدمت بيوتها فدخل فيها من باب الاعتبار والاتعاظ والادكار، دخل المجلس فوجد صندوق فيه أموال، هذا كنز وإلا ليس بكنز؟ هو على وجه الأرض ما هو بمدفون ولا دفين ولا شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
ليس بكنز، الكنز: المدفون؛ لكن حكمه حكم الكنز؛ لأنه قال: ((وإن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس)) فدل على أنه ليس بكنز؛ لأنه على وجه الأرض؛ لكن حكمه من حيث إخراج الخمس حكم الكنز.
قال -رحمه الله-: وعن بلال بن الحارث -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ من المعادن القبلية الصدقة" رواه أبو داود.
نعم يقول: وعن بلال بن الحارث المزني -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ من المعادن القبلية، موضع بناحية الفرع، جهة المدينة، الصدقة، والخبر ضعيف؛ لأنه مرسل.
في الموطأ عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية، وأخذ منها الزكاة دون الخمس، يعني زكاة الأموال العادية، الزكاة دون الخمس.
عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم، المروي عنهم مجاهيل، غير واحد من علمائهم؛ لكن بعض أهل العلم يرى تصحيح مثل هذه الجهالة؛ لأن وصفهم بالعلم واجتماعهم أكثر من واحد، هم موصوفون بالعلم، وهم أيضاً عدد، فصفتهم بالعلم مع كثرتهم يجبر بعضها بعضاً، فترتفع الجهالة، فوصفهم بالعلم مع كونهم عدد يجبر بعضهم بعضاً، كما قيل: عن مشايخ من جهينة، وكما قيل: عن عدة من شيوخه، كما يقول ابن عدي، بعضهم يصحح بمثل هذا؛ لأن الواحد منهم مجهول؛ لكن مجموعة مجاهيل موصوفين بالعلم يجبر بعضهم بعضاً، فهو قابل للتحسين، وإن كان في الأصل ضعيفاً.
أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية، وأخذ منها الزكاة دون الخمس، يعني بعد تخليصها وتنقيتها يؤخذ منها نصيب الفقراء ...
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(58/21)
بلوغ المرام – كتاب الزكاة (4)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
هذا يقول: كيف نجمع بين حديث: ((ما نقص مال من صدقة)) وحديث: ((لا يترك حتى تأكله الصدقة))؟
الزكاة عرفنا أنها نماء للمال وطهر وتطهير لصاحبه، وهذا أمر مقطوع به وجاء النص من الكتاب والسنة عليه، والواقع يشهد له، لا يترك المال حتى تأكله الصدقة، لا شك أن المال ينقص بالصدقة، والنقص الحسي ظاهر، لكن هذا النقص يعوض بزيادات أخرى بحيث لو حرك صارت الصدقة والزكاة سبباً لكثرته وتضاعفه، وأيضاً: لو نقص حساً زاد بركة، فنفع المال القليل أكثر من الكثير الذي لا يزكى، والواقع يشهد بهذا، فلا إشكال إن شاء الله تعالى.
يقول: لو أن عندي حلي لزوجتي وبلغ النصاب وحال عليه الحول وليس عندي من المال ما أدفعه للزكاة هل يجوز لي تأجيل صرفها أم أبيع من الحلي وأدفعها لمن يستحقها؟
عند من يقول بوجوب الزكاة في الحلي كالزكاة في الأموال لا يجوز تأخيرها ولو اضطر أن يبيع منها.
يقول: نرجو تفصيل الحكم في زكاة الرواتب الشهرية للموظفين؟
الرواتب الزكاة فيما يبقى منها ويحول عليه الحول، فالإنسان بإمكانه الموظف أن يسجل الرواتب وما يتوفر منها، فإذا توفر من الراتب الأول افترض أن الراتب خمسة آلاف أنفق منه أربعة وبقي ألف هذا راتب شهر محرم، هذا الألف يزكى في محرم القادم من السنة القادمة، ثم من راتب صفر وفر ألفين يزكي ألفين من صفر القادم، وهكذا، وهذا لا شك أن فيه مشقة على بعض الناس لا سيما بعض الناس ليس عندهم تنظيم ولا ترتيب وماشية أمورهم على ما يقول العوام بالبركة، ما ينظمون ولا يرتبون ولا عندهم محاسب ولا يحسبون، إنما ماشين ما يدري إيش وفر وما يدري إيش أنفق، فمثل هذا يتخذ له شهر من السنة وليكن في المثال المذكور محرم، فينظر في رصيده في شهر محرم ويزكي جميع ما فيه فما حال عليه الحول هذا الواجب عليه، والذي لم يحول عليه الحول ينوي تعجيل الزكاة.
زكاة التمر هل يخرج كل نوع من نوعه؟ أو يخرج من أوسط الأنواع عن الجميع؟(59/1)
إذا كان الأوسط بماله الأوسط بالفعل ما تجيب لي واحد كيلو وهو بعشرين وواحد بخمسة وواحد بريالين، تقول با أزكي من أبو خمسة لأنه الأوسط، لا، إذا كان عندك بعشرين أو بعشرة أو بخمسة تزكي الأوسط بعشرة، نعم، أما أن تزكي تترك النفيس الغالي عندك جداً، وتقول: هذا كرائم الأموال، نعم كرائم الأموال ولكن الزكاة متعلقة بعينه والمسألة مسألة تقريبية، فينظر الإنسان في الأحظ للمسكين ويحرص على براءة ذمته بيقين.
المرأة التي تخرج زكاة الحلي في أقاربها سواءً عمتها أو خالتها أو أمها وغيرهم من الأقارب المتحاجون لهذه الأموال؟
زكاة الأموال عرفنا الحلي أن المسألة خلافية وعند من يقول بوجوب الزكاة فيه تخرج الزكاة في مصارفها التي هي مصارف الزكاة العمة والخالة فلا بأس، أما الأم فلا.
هل أستطيع أن أصلي سنة الظهر أربع ركعات بتسليمة واحدة وجلسة للتشهد؟
على كل حال حديث صلاة الليل والنهار مثنى، مثنى اللفظة بالنهار غير محفوظة، وعلى هذا يجوز ذلك لكن الأكمل أن تصليها بتسليمتين.
ما هي أحكام دعاء القنوت، هل يقنت إمام المسجد عند وقوع أي نازلة بالمسلمين؟
قنوت النوازل سنة، لكن يبقى تقدير هذه النازلة هل هي مما يستحق القنوت أو لا يستحق هذا لأهل العلم.
هل تجب الزكاة في صغار الإبل والغنم التي لم يحل عليها الحول؟
هي تبعاً لأصلها، نتاج السائمة وربح التجارة تبعاً لأصلها، تزكى مع أصلها.
هل يحسب فحل الإبل والناقة المعدة للركوب مع باقي قطيع الإبل وتخرج في الزكاة؟
إذا كانت سائمة فتحسب منها.
هل تحسب الناقة المشتراة مع القطيع أم ينتظر حتى يحول عليها الحول، ثم تخرج زكاتها؟
إذا كانت مستقلة ليست نتاج فهذه لا تحسب.
من أجل زكاته حوالي شهرين عن موعدها المحدد لها لإخراجها فماذا عليه الآن؟
عليه أن يخرج الزكاة ويبادر في إخراجها ويندم على ما فات ويتوب.
يقول: رجل زكاة ماله حقة وعنده حقتان الأولى جيدة والثانية رديئة، فبأيهما يزكي؟
يزكي الجيدة، {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة].
إن كانت الإبل سائمة وفي نفس الوقت من عروض التجارة فبأي زكاة تزكى؟
تزكى على أساس أنها عروض، لأنه أنفع للمساكين.(59/2)
ما حكم الصلاة مع السلام على غير النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأنبياء أو عامة الناس؟
أما بالنسبة للأنبياء فهم يصلى عليهم، أما عامة الناس فلا.
يقول: إذا كان الراتب ألف وخمسمائة ريال أو ألفين ريال فهل تجب عليه زكاة إذا كان أهله والذي يأخذون منه أغلبية الراتب أفيدونا؟
على كل حال ما يوفر منه ويحول عليه الحول فيه الزكاة إذا بلغ النصاب.
هل الذهب بجميع أنواعه حلال للنساء؟
نعم إذا كان حلياً، حلياً بالقدر المعتاد لا يصل إلى حد الإسراف.
ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها للنساء؟ وهل لي أن ألزم أهلي أن يؤدوها وقت صلاة الجماعة؟
ما يلزم، المقصود أنه وقتها لا يجوز لها إخراجها عن وقتها، لا يجوز لها أن تؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، لها أن تؤخر إلى أثناء الوقت أو إلى آخر الوقت، لكن لا يجوز لها أن تخرجها عن وقتها.
ذكرت في شرح حديث غسيل ابنة النبي -عليه الصلاة والسلام- أن النساء لا يحتجبن منه -عليه الصلاة والسلام-، ممكن التوضيح؟
المسألة خلافية، والذي رجحه ابن حجر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس عنه حجاب.
زكاة جمعية الموظفين، لو اشترك عشرين موظف في جمعية ما لمدة عشرين شهراً وكل موظف عليه ألف ريال فكيف تكون الزكاة؟
زكاة الجمعية إذا حال عليها الحول يزكي، ويعتبر هذه قرض، ما دفعه لزميله قرض عند ملي يزكيه إذا حال عليه الحول.
أفضل الشروحات على بلوغ المرام؟
أفضلها سبل السلام، وأيضاً توضيح الأحكام فيه فوائد وفيه أمور حادثة يحتاجها طالب العلم.
من لم يأتي إليه الساعي لأخذ زكاة ماشيته فهل تسقط عنه الزكاة، أم يتطلب الساعي أم يبذلها لأقرب مصرف؟
إذا لم يأتيه الساعي عليه أن يدفع الزكاة لأهلها ولا تسقط عنه.
إذا كانت بهيمة الأنعام تعلق أكثر الحول والبعض منها معد للتجارة والبعض للإنتاج، والبعض الآخر للقنية فهل يفرق بينها قبل إخراج الزكاة؟
نعم يفرق بينها فما كان للتجارة يزكى زكاة عروض تجارة، وما كان للقنية له حكمه، والسائمة تزكى ولو لم تكن للتجارة.
يقول: أنا أخرج زكاتي كنسبة من راتبي شهرياً وليس لي دخل آخر وأقساط وأحتاط فأخرج خمسة بالمائة وأكثر فهل يجزئ هذا وأنا أتبع في هذا فتوى واحد من المعروفين؟(59/3)
على كل حال إذا احتاط لنفسه وأخرج زكاة الشهر من حين يقبضه بنية تعجيل الزكاة وأخرج اثنين ونصف بالمائة هذا يكفي، لكن إذا زاد له الأجر إن شاء الله تعالى.
يقول: ما الحكم بين ما الفرق بين الحكم الوضعي، والحكم التكليفي وكيف نطبقه على الصدقة من مال الصبي والمجنون؟
الحكم التكليفي المعروف الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهة والتحريم هذه أحكام تكليفية، هذا خطاب الشرع المتلعق بأفعال المكلفين، لكن خطاب الشرع المتعلق بأمور تجعل وتوضع علامة على أمور أخرى هذه أحكام وضعية فمثلاً {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] دلوك الشمس الذي هو وقتها وهو شرط في وجوبها من شروطها من شروط صحتها، الشرط من الأحكام الوضعية، فالشرع وضع هذه العلامة على دخول الوقت، فهذا حكم وضعي، لكن أقم هذا حكم تكليفين.
زكاة الصبي، الزكاة في مال الصبي والمجنون وجود المال علامة وضعها الشارع على وجوب الزكاة، ملك النصاب، فإذا ملك الصبي هذا المقدار الذي وضعه الشارع علامة على وجوب الزكاة عليه وجبت عليه الزكاة، من باب ربط الأسباب بمسبباتها، فهذا من حيث الحكم الوضعي، والحكم التكليفي الوجوب، الوجوب لتوفر الحكم الوضعي.
يقول: أنا أجمع مبالغ لترميم مسجد وجمعت مبلغ ثمانية عشر ألف أو مائة وثمانية عشر ألف ريال وقد حال عليه الحول فهل فيها زكاة؟
لا ليس فيها زكاة لأنها ليس لها مالك.
يقول: ما حكم التأمين على الرخصة علماً بأن التأمين إلزامي؟
الإلزام، ملزم المكره لا حكم له.
هل من الضروري إعلام الفقير أن هذا المبلغ زكاة لصرفه على الفقراء؟
إذا عرف من عادته أنه لا يقبل الزكاة لا بد من إخباره.
يقول: ما الراجح في زكاة الحلي المعد للاستعمال والزينة؟
عرفنا، ذكرنا بالأمس أنه من باب الاحتياط.
يقول: وهل في الراتب الشهري زكاة مع العلم أنه في الغالب لا يبقى منه شيء في نهاية الشهر؟
إذا لم يبقى منه شيء ويحول عليه الحول فلا شيء فيه.
يقول: لو كان لدي مبلغ مائة ألف مثلاً في يوم غد تكون زكاته يعني حال عليه الحول، وفي هذه الليلة اشتريت به أرضاً وبعتها بمكسب عشرة آلاف، فهل أزكي المائة أو المائة وعشرة؟(59/4)
إذا اشتريت هذه الأرض بنية التجارة فتزكيها مع ربحها، وإذا اشتريتها للقنية لتسكنها ما فيها شيء، خلاص، ما لم يكن شرائك للأرض حيلة على ترك الزكاة.
يقول: هل عدد المواشي بالصغار والكبار؟
نعم بالصغار والكبار، والنتاج له حكم الأصل.
يقول: ما علاقة كراهته -عليه الصلاة والسلام- للقيام إليه والقيام للجنازة، وأيضاً حديثه -عليه الصلاة والسلام- ((من أحب أن يتمثل الناس له قياماً فليتبوأ مقعده من النار)) وما الضابط له في علاقتنا؟
أصل النهي عن القيام لما يؤثر في نفس من فعل معه هذا، لا شك أن من أحب أن يتمثل الناس له قياما لا بد أن يتأثر، لها أثر في نفسه ومنعت من أجل هذا الأثر، وفيه أيضاً مشابهة لفارس والروم كما جاء في الحديث الصحيح لكن من قام له الناس من غير أن يحب فلا شيء عليه، والميت معروف أنه هذه المحبة زالت عنه، فالمسألة المنع سببه ما يقر في قلب من يقوم له الناس ويحب ذلك.
يقول: أفضل الطبعات المحققة والمخدومة لكتب شيخ الإسلام بن تيمية وتلميذه ابن القيم الصراط المستقيم؟
الطبعة المحققة طبعة الشيخ ناصر العدل طيبة وطبعة حامد الفقي أيضاً جيدة.
الاستقامة: طبعة الجامعة طيبة.
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: هذا فيه طبعة مع مجموعة التوحيد، طبعة المكتب الإسلامي.
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: في طبعة محققة جديدة نسيت محققها.
زاد المعاد: الطبعة الأخيرة طبعة الرسالة.
مدارج السالكين: طبعة الشيخ حامد الفقي، ومع تحامله على المؤلف لكن ينتبه لهذا، هو مصيب في بعض تعليقاته لكنه تحامل.
شخص كان يؤخر الزكاة عن وقتها ما مقداره شهرين تقريباً وإن كان ذلك قبل سنتين فماذا عليه الآن؟
عليه التوبة والاستغفار وإخراج ما بقي في ذمته منها.
يقول: ما تعليقك على الذين يزاحمون على الصف الأول في الصلاة إلى درجة ذهاب الخشوع بزحام بعضهم البعض؟(59/5)
الأمر بالتراص في الصفوف يفهمه بعض الإخوان على المضايقة المؤذية، لا يا أخي، التراص في الصفوف أن لا يبقى فرج وأن يأخذ الإنسان بقدر ما يكفيه، لأن بعض الناس لا يفهم حقيقة المحاذاة يجعل الفرج موجودة ويتحايل على سد هذه الفرج بفتح وتوسيع ما بين الرجلين، هذا ليس التراص المطلوب، أبداً، إنما المحاذاة بالمناكب والأقدام، بمعنى أن الإنسان لا يأخذ أكثر مما يكفيه، ولا يترتب على ذلك أن يتراص الناس تراص يذهب عنهم الخشوع، ويخطئ في حق إخوانه من يرصهم رصاً بحيث لا يطمئنون في صلاتهم، فالمسألة مسألة اعتدال، لا تترك فرج ولا تسد بالطريقة التي بعض الناس يفعلها بأن يوسع ما بين الرجلين، هذه ليست ليس بحل شرعي، لأن المحاذاة إنما هي بجميع البدن، فالذي يؤذي الناس في التراص هذا الذي من زعم، على حد زعمه أنه ليدرك أجر الصف الأول قد يحصل له من الإثم أكثر من ذلك، إذا كنت تريد الصف الأول فهجر يا أخي بادر، أما تأتي متأخر وتؤذي الناس وتراصهم وتذهب الخشوع وتجعلهم لا يعقلون شيء من صلاتهم ما هو بصحيح.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال المطلوب في الصلاة ولبها الخشوع، فإذا تراص الناس تراص مؤذي، بعض أحيان مؤذي، فهذا لا يفقه من صلاته شيء، هذا يتسبب إلى إذهاب لب الصلاة الذي هو الخشوع، والمسألة مسألة توسط واعتدال، لا تؤذي الناس ولا تترك فرج، ((من وصل صفاً وصله الله)) نعم، ويبقى أن المسألة بقدرها، ما تأتي إلى مكان شبر وأنت عرضك متر، ما هو بصحيح أبداً، هذا مؤذي هذا، ويحصل لك من الإثم أعظم وإن حرصت على الصف بزعمك.
طالب:. . . . . . . . .
يعدل، يسوون ما في بأس أبداً، لا بس يبقى أنه بالطريقة المناسبة، بعض الناس يرص الناس غصب، لا، لا ما يمكن هذا يتعرض إلى بطلان صلاة بعضهم.
يقول: موضع السؤال حديث عمرو بن شعيب في الزكاة إذا كان مضي الحول والنصاب أمر ثابت ومتقرر في الشريعة فلماذا لا نحمل حديث عمرو بن شعيب على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- علم أن لديها ما يكمل النصاب؟
لكن المسألة وقعت لأمر معلوم مشاهد، مشاهد، مسكتان.(59/6)
لا يمكن أن نحمل لفظ الزكاة في الحديث الذي عليه الزكاة الشرعية المفروضة، إما قياسه على الماعون والفأس ونحوها بأن تكون تزكيته الإعارة وما أشبه ذلك فقياس مع الفارق لأن الذهب تتعلق به النفوس وتشح به، أما تلك فتتعلق به النفوس تعلقاً كبيراً؟
على كل حال لكنها تحتاجها أكثر من الذهب، لا تتعلق بها النفوس، لكن تصور شخص ما عنده ماعون، ولا عنده فأس، حاجته إليها أشد من حاجته إلى الذهب.
يدل على مضي الحول الذي عندها من الذهب أنها ألقتها؟
ما يلزم، ما يلزم إطلاقاً أنها لما هددت بالنار ألقتهما،؟؟؟ المسألة مسألة كمال في مقابل نار، ما يلزم.
يقول: هل هناك شرح لقواعد بن رجب، هل هناك شرح لكتاب الإلزامات والتتبع للدار قطني، ما أفضل الطبعات المحققة لحلية الأولياء؟
القواعد ليس لها شرح إلا ما سجل من دروس بعض المشايخ، الإلزامات والتتبع أيضاً ليس لها شرح إلا أنها طبعة محققة، والعلماء أجابوا عنها، فإذا قرأ الإنسان هذا الكتاب يرجع إلى أجوبة الحافظ ابن حجر والنووي وغيرهما، حلية الأولياء ما حققت إلى الآن.
يقول: قمت بدفع مبلغ للمساهمة في بناء مسجد بنية إيصال ثوابه للإمام أحمد ولشيخ الإسلام بن تيمية وكذلك ابن القيم فهل هذا أفضل أم هناك طريقة لي أفضل؟
على كل حال أنت استفدت من هؤلاء الأئمة ويصل إن شاء الله أجره وثوابه لهم، لكن إن كان أبواك بحاجة إلى مثل هذا فهم أحق.
شخص يجمع المال لتسديد الديون الذي على والده فهل في المال عليه زكاة علماً أنه يحول عليه الحول ربما أكثر من مدة؟
ليس فيه زكاة لأنه ليس ملك لشخص مطالب بالزكاة.
من يصرف راتبه كله خلال الشهر فهذا ليس فيه زكاة لأنه لم يحل على الباقي حول، إذا كان يصرف قبل أن يحول عليه الحول فليس فيه زكاة، لكن إذا تصدق بشيء منه فالصدقة معروف حكمها سيأتي.(59/7)
يقول: لقد بعت سيارة بألفين ريال وكتب ورقة بيني وبين من اشتراها وأخوه صاحب المعرض موجود وكانت المبايعة في بيت صاحب المعرض واتضح ما يلي: بعد ذلك أن المعرض موقوف من قبل المرور بست سنوات والختم مزور، وأنا لم أعلم بذلك إلا بعدما اتضح أن صاحب السيارة المشتري ترك السيارة على الطريق وانسرق منها ما أدري إيش يقول وسحبها المرور واستدعوني من قبل الشرطة وأجبروني بأخذها، أو بيعها لهم في الحراج فقبلت غصب عني، فباعوها وأخذوا ثمنها وصاحب السيارة المشتري لا أعرف مكانه وفصل جميع تلفوناته، ونقل من السكن وقد وعدني وماطلني في نقل الملكية سنة كاملة أو أكثر ولم ننقلها باسمه، فهل علي ذنب بالموافقة للمرور ببيعها علماً بأنهم هددوني بالسجن إذا لم آخذ السيارة وأبيعها، وصاحب السيارة المشتري عنده علم ولم يبلغ المرور أو الشرطة بالبحث عنها، أي تركها ولم يسأل عنها.
هذه المسألة قضائية لكن إذا كنت مجبراً فلا شيء عليك، لأن المكره لا شيء عليه.
يقول: شخص يقوم بعمل برامج محاسبية تعمل على الكمبيوتر ويقوم ببيعها في السوق ويقوم هذا البرنامج بعمل مراقبة مالية داخل المؤسسات أحياناً، بعض المؤسسات تسجل على هذا البرنامج معاملات ربوية، فهل على الذي قام بعمل البرنامج إثم؟
إذا كان هذا البرنامج يمكن استعماله فيما هو مباح وفيما هو حرام فلا شيء عليه، لأنه عمله بنية المباح، لكن إذا غلب على ظنه أو شهد الواقع بأن استعماله في الحرام أكثر لا يجوز له، لأنه إذا ترجحت المسألة منع.
ومع العلم أنه وقت بيع البرنامج قد لا يعلم أن المؤسسة تقترض ربوياً أو تودع مبالغ ربوية فما الحكم؟
على كل حال إذا وجد مثل هذا لا يبيع البرنامج إلا على من يثق باستعماله استعمالاً شرعياً.
يقول: وصلت الرياض قبل العصر بنصف ساعة، هل أصلي الظهر ركعتين عند الوصول أو أنتظر عند دخول وقت صلاة العصر، إذا صليتها ركعتين بعد أذان العصر فما حكمها؟
أنت الآن ما أدري هل أنت من أهل الرياض أو من غيره، السؤال يحتاج إلى توضيح.
سم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
يقول الإمام الحافظ ابن حجر ي-رحمه الله- تعالى: باب صدقة الفطر:(59/8)
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" متفق عليه، ولابن عدي والدارقطني بإسناد ضعيف أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب" متفق عليه، وفي رواية أو صاعاً من أقط، قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأبي داود لا أخرج أبداً إلا صاعاً.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فيقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب صدقة الفطر، وفي الحديث زكاة الفطر، والصدقة والزكاة بمعنى واحد، كما تطلق الصدقة على المندوبة تطلق أيضاً على الفريضة المفروضة.(59/9)
في حديث معاذ ((أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة -وهي الزكاة- تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم)) فكونها صدقة الفطر لا يعني أنها مستحبة، وإن قال بعضهم بهذا، لكن عامة أهل العلم على أنها واجبة، وإضافتها إلى الفطر من باب إضافة المسبب إلى سببه، سببها الفطر من رمضان، ولذا صار وجوبها وقت الفطر من رمضان، غروب الشمس ليلة العيد، هذا وقت الوجوب وسبب الوجوب دخول الشهر، فعندنا سبب وجوب ووقت وجوب، ونستفيد من هذا تطبيق القاعدة التي ذكرها ابن رجب وغيره أنه إذا كان للعبادة وقت وجوب وسبب وجوب جاز تأخيرها عنهما، إجماعاً ولا يجوز تقديمها عليهما إجماعاً والخلاف فيما بينهم، فهذه الزكاة وقت وجوبها غروب الشمس، يجوز تقديمها على الوقت بيوم أو يومين وقد فعله الصحابة وذكره البخاري عنهم، ولا يجوز تقديمها أكثر من ذلك وإن قيل به، وتقديمها بين الوقت والسبب محل خلاف بين أهل العلم نظيره هدي المتعة والقران، سببه الإحرام الأول، سواءً كان بالعمرة أو الإحرام بالقران، ووقته وقت الأضحية بعد صلاة العيد، وما بينهما محل خلاف بين أهل العلم أجازه الشافعية وجمع من أهل العلم والمسألة والقاعدة بذيولها وفروعها موجودة في قواد ابن رجب، فسببها الفطر، لكن على تقعيدهم سببها الشروع في الصيام بدخول الشهر، ووقتها الفطر، وهم يقولون سببها الفطر، وذكرها ابن رجب من فروع تلك القاعدة، مريداً بالسبب دخول الشهر وبالوقت الفراغ من الصيام بخروج الشهر بغروب الشمس ليلة العيد، زكاة الفطر من رمضان.
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، فرض عند الجمهور أوجب، وزعم بعضهم أن معنى فرض قدر، وعلى هذا لا يدل على الوجوب، والجمهور على أنه معنى فرض قدر، ولو جئنا إلى حديث ((فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقر في صلاة السفر وزيد في الحضر)) هل يحمل الجمهور فرضت على أوجبت أو على قدرت؟ قدرت والحنفية يقولون أوجبت، الألفاظ تنزل منازلها ويأتي الفرض ويراد به التقدير، ويأتي ويراد به الوجوب، وهو مرادف للوجوب عند الجمهور، والحنفية عندهم أن الفرض أقوى من الواجب، فالفرض عندهم ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني.(59/10)
نأتي إلى ما عندنا، الحنفية هل يقولون زكاة الفطر فرض وإلا واجب؟
طالب:. . . . . . . . .(59/11)
واجبة يقولون واجبة، نقول: الصحابي يقو: فرض رسول الله، وأنتم تقولون لا، ليست فريضة، هذا من اختلاف الحقيقة العرفية عندهم، -العرف الخاص- مع الحقيقة الشرعية، الصحابي عربي لكن هل يريد الفرض معناه اللغوي الذي يشمل الوجوب أو معناه الأخص عند الحنفية الذي هو أعظم من الوجوب، اختلاف الحقائق العرفية مع الحقائق الشرعية، هل يؤدي هذا إلى تضليل المخالف نقول أن الحنفية عاندوا الحديث وردوا الحديث قالوا ليست فرض؟ هذه مسألة مهمة يعني إذا جاءنا لفظ شرعي موافق للاصطلاح الفقهي ما فيه إشكال لكن إذا جاء على خلاف الاصطلاح الفقهي كما هنا وكما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) الأئمة قاطبة على عدم وجوبه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول واجب، وهم يقولون: ليس بواجب، هل هذه معاندة ومحادة أو أن الوجوب له معان في اللغة يحمل عليها، كما أن الحقيقة العرفية إذا نفي اللفظ بسببها لأن المسألة مع انفكاك الجهة ما تكون هناك معاندة، لو أقسم شخص أنه ما رأى جمل أصفر في عمره كله، وفي قوله -جل وعلا-: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يقسم شخص يقول: والله ما رأيت جمل أصفر، نقول يا أخي أنت مكذب للقرآن أو نقول لك وجه باعتبار انفكاك الجهة، أنت تريد الأصفر في الحقيقة العرفية عند الناس، في جمل أصفر على ما يتعارف عليه الناس، في اللون الذي تعارف ما في، الذي تعارف عليه عموم الناس ما في أصفر، لكن جاء النص في ذلك، فاختلاف هذه الحقائق، أولاً ينبغي أن تكون الاصطلاحات الشرعية العرفية عند أهل العلم متحدة مع الاصطلاحات الشرعية ومع الألفاظ النبوية، لكن قد يكون للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، يعني لو جاء شخص ما يملك درهم ومدين بالملايين، وجاء شخص وقال هذا مفلس وأقسم آخر أنه ليس بمفلس بناءً على حديث: ((أتدرون من المفلس؟ )) حقيقة شريعة المفلس الذي يأتي بأعمال أمثال الجبال صدقة وصيام وصلاة وغيرها من أنواع العبادات ويأتي بتعديه على الآخرين بالكلام بالضرب بأخذ المال بغيره، هذا مفلس، وهذا الشخص ليس هذا وصفه، فهو ينظر الذي قال أنه ليس بمفلس ينظر إلى هذا النص، وآخر أقسم أنه مفلس، هو مفلس وتأتي(59/12)
حقيقة شرعية في باب الحجر والتفليس أنه ينطبق عليه أنه مفلس من وجد متاعه عند رجل قد أفلس، لو بعت على شخص غني، عنده أموال لكنه يأتي بأعمال أمثال الجبال ويأتي وقد ضرب هذا وقذف هذا واعتدى على هذا، هو مفلس من جهة باعتبار، لكن عنده أموال فهو غير مفلس، فمثل هذه الأمور التي تختلف فيها الحقائق الشرعية تنزل منازلها، لكن هنا فرض وهؤلاء يقولون: ليس بفرض فالفرض والواجب يتفقان يجتمعان في ترتب الإثم على الترك، والثواب على الفعل، فهما من هذه الحيثية شيء واحد، وبهذا يقول الجمهور، لكن لا يختلف أحد في أن الفرض يوحي بأن هناك، لأن الفرض فيه حز وفيه قطع وفيه بخلاف الواجب الذي أصله السقوط، {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [(36) سورة الحج] يعني سقطت لكن لو لم تؤثر على الأرض، إذا أحدثت في الأرض شرح قيل افرضت الأرض، لكن إذا كان مجرد سقوط وهو أخف من هذا اللغة تدل على أن الفرض أقوى من الواجب، لكن ما الذي يمنع أن نقول هي فرض كما قال الصحابي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتتحد الحقيقة والاصطلاح العرفي عند أهل العلم مع الحقيقة الشرعية، وهذا قول الجمهور وعلى كل حال ليس هذه محادة ومعاندة للنص، لكن أهل العلم ينصون أنه كلما قربت الحقائق العرفية مع الحقائق الشرعية كان أولى.(59/13)
فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعاً من تمر، بدل من زكاة، أو منصوب على التمييز، صاع من تمر، أو صاع من شعير، الصاع معروف أربعة أمداد بكفي الرجل المعتدل، يعني تقرب من كيلوين ونصف، وبعضهم يجعلها ثلاثة من باب الاحتياط، صاع من تمر أو صاع من شعير، على العبد والحر، العبد لا يملك إذاً هي على سيده لأنه لا يملك ولا مال له، على العبد والحر والذكر والأنثى، المرأة إذا كانت ذات مال فمن مالها، أو على زوجها والصغير على من تلزمنه نفقته، والكبير من ماله من المسلمين، وجوب الزكاة على العبد هل يدخل فيها العبد الكافر؟ الجمهور لا، لقوله "من المسلمين" وأنه وصف يعود إلى جميع ما تقدم، والحنفية يقولون ما نحتاج إلى هذا الأصل تجب على العبد وإن كان كافراً، لحديث ((ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة إلا صدقة الفطر)) يستدل بعموم الحديث ويتركون خصوصه، كما أنهم لا يشترطون في العتق الإسلام عملاً بالإطلاق في آية الظهار، فلا يشترطون في العبد أن يكون مسلماً، والجمهور على اشتراطه لقوله من المسلمين، والحر والذكر والأنثى ويستوي في ذلك الذكر والأنثى والحر والعبد كلهم فطرتهم واحدة زكاتهم واحدة صاع كامل، ولا نقول أن للذكر مثل حظ الأنثيين إذاً صدقة المرأة نصف صاع، لا، والصغير تجب على الصغير عند بعض أهل العلم من ماله إن كان له مال، وإلا على من تلزمه نفقته، ومنهم من يقول على من تلزمه نفقته مطلقاً، لكن العلة التي ذكرت في الحديث الأخير، طهرة، فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم، قد يقول قائل الصغير ليس بصائم، وليس بمكلف فكيف يفرض عليه صدقة، منهم من قال بهذا، أنه لا تلزم في حق الصغير، لكن الحديث نص في الباب وأن صدقة الفطر تلزم الصغير، ولزومها له معروف يعني أنها تلزم من يمونه، ويكون الحكم للغالب، طهرة للصائم، الغالب أن الناس يصومون، أو من هو صائم بالقوة، هناك من هو صائم بالفعل، ومن هو صائم بالقوة، يعني أهل للصيام إذا كلف، عند أهل العلم شيء يقال له من تحقق فيه الوصف بالفعل ومنهم من يتحقق الوصف فيه بالقوة، إيش معنى بالقوة؟ إذا قلت فلان فقيه بالفعل، وزيد فقه بالفعل، وعمر فقيه بالقوة،(59/14)
يعني القريبة إلى الفعل، زيد يستحضر المسائل بأدلتها حفظ عنده في ظهر القلب، ويعرف كيف يتعامل مع النصوص، أما الثاني ما في ذهنه شيء أو في ذهنه شيء يسير لكن إذا بحث أنتج, ووصل إلى نتيجة الحكم بدقة، هذا فقيه بالقوة عند أهل العلم، فهذا إذا بلغ يصوم، فهو صائم بالقوة، والصغير والكبير من المسلمين هذه اللفظة يختلف في ثبوتها وهي في الصحيح فمن أثبتها قال: زيادة من ثقة، ومن نفاها قال: أنها لا توجد عند أكثر الرواة، لكن وجودها في الصحيح المتلقى بالقبول لا يجعل لأحد كلاماً، وأمر بها أن تخرج قبل خروج الناس إلى الصلاة: هذا أفضل الأوقات، يعني بعد طلوع الشمس وقبل الصلاة، هذا أفضل الأوقات، لكن إذا أخرجت ليلة العيد أيضاً بعد وجوبها بغروب الشمس أيضاً وقت فاضل، لو تقدم العيد بيوم أو يومين فقد فعله الصحابة، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة: وجوبها بغروب الشمس وهو الحد الفاصل ولا تجب إلا بغروب الشمس ليلة العيد، فمن مات قبل غروبها تخرج عنه صدقة الفطر؟ لا، من مات بعد غروبها تخرج عنه، من ولد قبل غروبها تلزمه، من ولد بعد غروبها لا تلزم صدقة الفطر عنه، هذا سر تقييدها بغروب الشمس وهو وقت الفطر.
هنا يقول: ولابن عدي من وجه آخر والدارقطني بإسناد ضعيف أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم، هذه علة حكمة بمشروعية صدقة الفطر طهرة للصائم وأيضاً طعمة للمساكين وإغناء لهم في هذا اليوم الذي هو يوم عيد ويوم فرح يغفل فيه الناس عن وينشغلون فيه عن الكسب لكنه ضعيف، في إسناده أبو معشر نجيح الصندي وهو ضعيف عند الأكثر.(59/15)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه كنا نعطيها في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب" تعطى من هذه الأنواع وقوله من طعام، من طعام يشمل ما يطعم ولذا الجمهور على أنها تجزئ من قوت البلد ولو لم ينص عليه لدخوله في الطعام، صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب" متفق عليه يعني عند البخاري، وفي رواية أو صاعاً من أقط، الأقط هو اللبن الذي يطبخ نعم ويجف وييبس ومعروف الأقط لطن قد يختلفون في تسميته من بلد إلى آخر، له أسماء، بعض الجهات يسمونه مضير، وبعضهم؟؟؟ على كل حال هو الأقط،
قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأبي داود لا أخرج أبداً إلا صاعاً.
سبب هذا الكلام أن معاوية -رضي الله عنه وأرضاه- خرج حاجاً أو معتمراً فقال: إنه يرى أن نصف الصاع المدين من سمراء الشام يعني الحنطة تعدل صاعاً من تمر، فعدل هذا بهذا وأخرجها وتبعه بعض الصحابة وخالفهم أبو سعيد وجمع من الصحابة.
يقول أبو سعيد أما أنا فلا أزال أخرجه يعني صاعاً كاملاً كما كنت أخرجه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا ينقص عن الصاع، والحنطة تدخل في الطعام، يقول أبو سعيد كنا نعطيها في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- صاعاً من طعام ويشمل ذلك الحنطة، ولأبي داود لا أخرجه أبداً إلا صاعاً.(59/16)
وأبو سعيد مثل ما نبهنا في درس العصر له مواقف من مثل هذا، يعني الإنكار ولزوم السنة على ألا يترتب على ذلك أثر تعظم مفسدته على مصلحة الإنكار، وله مواقف وذكرنا بعضها في درس العصر، فلزوم السنة هو الأصل، وما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المعتبر، ومعاوية -رضي الله عنه وأرضاه- صحابي جليل واجتهد ووافقه بعض الصحابة لكن يبقى أن هناك راجح ومرجوح، فالراجح في هذه المسألة هو قول أبي سعيد لأنه كان هو الموجود على عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورد أخبار ضعيفة منها مرفوعة منها ما يدل على أنهم كانوا يخرجون صاع من بر للتنصيص عليه على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا ضعيف، ومنها ما يدل على أنهم كانوا يخرجون مداً من بر، وهذا أيضاً ضعيف، ويبقى أن المسألة فيها صاع من طعام بحيث يشمل البر وغيره يشمله بعمومه لا بخصوصه ويبقى تصرف معاوية ومن وافقه على التنصيص على البر بخصوصه، ولا شك أن العمل بعموم النص المرفوع أولى من خصوص الموقوف.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة لماذا فرضها؟ طهرة مفعول لأجله نعم، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
مفعول لأجله(59/17)
طهرة للصائم من اللغو والرفث، يعني الذي يقع منه في صيامه في النهار يرقع هذا الخلل بزكاة الفطر يعني من كثرة الكلام والقيل والقال، أما من ارتكب محرماً بغيبة أو شهادة زور أو غيره من لم يدع قول الزور فليس لله حاجة في ترك طعامه وشرابه ليس لله حاجة في صيامه في ارتكابه المحرم وهذا لا شك أنه زجر وتهديد والصيام صحيح لا يؤمر بإعادته لكن لا تترتب عليه آثاره، لأن الصيام التي تترتب عليه آثاره هو المورث للتقوى، لأن الله -جل وعلا- يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] أما الذي لا يتقي الله -جل وعلا- ويرتكب المحرمات، هذا الصيام لا تترتب عليه آثاره، لكنه صحيح لا يؤمر بإعادته والله -جل وعلا- إنما يتقبل من المتقين وهذا لم يتقي الله -جل وعلا- بهذا، ولكن نفي القبول المراد به نفي الثواب المرتب على العبادة لا نفي الصحة، ولذا لا يقول أحد من أهل العلم أنه يلزم الفساق إعادة عباداتهم، عباداتهم صحيحة لكن الثواب مرتب عليها لا يحصل، طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، لا سيما في هذا اليوم الذي يغفلون عنه فيه عن التكسب فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، هذا وقتها، زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" يعني اختلف حكمها، بينما إذا أديت قبل الصلاة أو بعد الصلاة، فدل على أنه يأثم إذا أخرها ومنهم من نظر إلى العلة وهي إغنائهم في ذلك اليوم وقال لو أداها بعد الصلاة وأمكن أن يطبخوا منها ذلك اليوم واستغنوا بها حققت العلة، تحققت العلة، لكن التفريق موجود، بين كونها زكاة تسقط الواجب، وبين كونها قضاء صدقة من الصدقات، فيأثم بتأخيرها، إذا تعمد ذلك، وإلا وجد قضايا مثلاً كال للزكاة وضعها على جنب فسرقت، فاضطر بحث عنها والناس مقفلين ما لها إلا بعد الصلاة، طيب ربطها بحبل وأراد أن يحملها فانكبت في التراب نعم، بحث ما وجد أحداً يبيع إلا بعد الصلاة، المقصود أن هذه الأمور الخارجة عن إرادة الشخص هذه لا يحاسب عليها، مع أن الاحتياط للعبادات واجب.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-: باب صدقة التطوع:(59/18)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فذكر الحديث وفيه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعمل شماله ما تنفقه يمينه)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب صدقة التطوع:
يعني القدر الزائد على الواجب ما ينفه الإنسان من ماله قدراً زائداً على ما أوجب الله عليه، وجاء أن هذه الصدقة القدر الزائد على الواجب تكمل النقص الحاصل في الواجب كالنوافل بالنسبة للصلاة ((انظروا هل لعبدي من تطوع)) هذا في الصلاة وفي الصيام وفي الزكاة في جميع العبادات، فإذا كان له تطوع من الصدقة وعنده خلل في الواجب يكمل هذا من هذا.
والمراد بالتطوع النفل على ما تقدم في صلاة التطوع.(59/19)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) يعني لا شيء يستظل به الناس إلا ظل الله -جل وعلا-، جاء في بعض الروايات ((يظلهم في ظل عرشه)) وحمل بعضهم ما في حديث الباب على ذلك ورجحوه سبعة يظلهم الله في ظل عرشه وبهذا جزم جمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: يمكن، ما دام ثبت في الحديث الصحيح أن الله -جل وعلا- له ظل ما المانع من إثباته؟ وهذا ينحو إليه جمع من أهل العلم، ما دام ثابت في الصحيح، لا أحد، لا كلام لأحد في مثل هذا، فيثبت ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، فيثبت له الظل، والحديث صحيح وليس لأحد كلام، من هم من يقول: يحمل هذا على هذا فيقدر مضاف فيكون في ظله على تقدير مضاف، ويكون التقدير في ظل عرشه، في ظله أي في ظل عرشه، ويجعلون هذا من مثل قوله -جل وعلا- {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [(82) سورة يوسف] والمراد اسأل أهل القرية، وهذا عند من يثبت المجاز، مجاز الحذف ما فيه إشكال، لكن المحقق عند أهل التحقيق أنه لا مجاز لا في اللغة ولا في النصوص، والمجاز لسببه ولج المبتدعة إلى ما وقعوا فيه من نفي لما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، ومنهم من يخص هذا الباب بعدم دخول المجاز فيه لأنه أمر غيبي، فلا يقاس على ما جاء في لغة العرب في مخاطباتهم، المقصود أن هذه المسالة خلافية والحديث صحيح لا إشكال فيه ولا مانع إطلاقاً من إثبات الظل لله -جل وعلا-، وإثبات ظل العرش ثابت وكل له ظله، ومسألة يعني بسطها يحتاج إلى وقت، لكن الأمور الغيبية إجمالها أفضل، فذكر الحديث الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وافترقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعمل شماله ما تنفقه يمينه)) هذه رواية الصحيحين.(59/20)
وجاء في صحيح مسلم: ((حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) الإنفاق باليمين وإلا بالشمال؟ باليمين هي محل الأخذ والعطاء، حكم جمع من أهل العلم بل جل الشراح حكموا على رواية مسلم بأنها مقلوبة، ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) رواية الصحيحين: ((حتى لا تعلم شماله)) ماشي على الجادة، طيب كيف رواية في صحيح مسلم وعلى طالب العلم أن يسعى في صيانة الصحيحين بقدر الإمكان، لأنه إذا تطاول الناس على الصحيح ما بقي لنا شيء فبقدر الإمكان نسعى إلى صيانة الصحيح والجواب عنها ممكن ومتصور، كيف نجيب عن رواية مسلم لنجعلها صحيحة؟ قد يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لا تعلم يمينه، لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) هذا الأصل أن الإنسان ينفق باليمين، لكن ألا يمكن حمل الرواية الثانية بأنه لا مانع من أن يحتاج الإنسان أحياناً إلى الإنفاق بالشمال وذلك لشدة الإخفاء، أنت افترض أن هذا الشخص الذي عنده في معه دراهم ومعروف بالإنفاق وعن يمينه ثلة من الناس، مجموعة من الناس جاءه فقير من الجهة الأخرى فسحب من جيبه أو من كمه الدراهم وأعطاها للفقير بالشمال ليخفيها عن من في جهة اليمين، يتصور وإلا ما يتصور؟ يعني هل الفقير يبي يقول، والله ما أبي صدقتك ليش تمدها لي باليسار، ما يتصور هذا، الفقير محتاج لهذه الدراهم وأعطيها، نعم لا ينبغي أن يكون تعامل الإنسان بالشمال أبداً، لكن مثل هذه الصورة تغلب المصلحة الراجحة، ومسألة الإخفاء والحديث مداره على إخفاء الصدقة، أيضاً في حديث أبي هريرة المتفق عليه ((ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه درهم إلا دينار أرصده بدين، ألا أن أقول به هكذا وهكذا، وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله، ومن أمامه ومن خلفه)) فيتصدق عن يمنيه وعن شماله يكون مكثر من الصدقات، وعلى هذا تكون رواية مسلم ليست مقلوبة، ويمكن حملها على وجه يصح.
هؤلاء السبعة
إمام محب ناشئ متصدق مصل وباك من ... خشية الباس يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل للناس(59/21)
جمعت في أبيات كثيرة، جاء شعراء كثر وجمعوها، فالحديث فيه الحث على الصدقة وفيه أيضاً الحث على إخفاء الصدقة، وهو الأصل أن العمل السر أفضل، كما أن صلاة السر أفضل نصيحة السر أفضل إذا أدت الغرض، لكن إذا ترتب على الإعلان مصلحة راجحة {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [(271) سورة البقرة] والرجل الذي تصدق وجاء بصدقته وألقاها بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- والمسجد يغص بالمصلين، قال فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)) أجر الاقتداء، لأن الناس يقتدون بالقدوات الذين يسبقونهم بالفعل قبل القول فمثل هذا إذا ترتبت عليه مثل هذه المصلحة صار أفضل وإلا فالأصل الإخفاء.
هناك خصال موصلة إلى الظلال، للحافظ ابن حجر كتاب أسماه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هذا السيوطي،
الحافظ ابن حجر له كتاب اسمه (معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال) صحيح وذكر فيه ثمان وعشرين خصلة، والسيوطي له (بزوغ الهلال في الخصال المقتضية للظلال) أوصلها إلى سبعين، فيحرص عليها الإنسان لأن العرق والشمس تدنو والعرق يلجم بعض الناس وبعضهم على حسب أعمالهم.
يقول: ذكرت أن كل شيء له ظل والظل لا يأتي إلا بتأثير الشمس فلا يتصور أن الشمس تعلو الله عز وجل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
هذا كلامهم، هذا كلام من نفى، وقل المسألة، المسألة محتملة وقابلة للمسائل المتعلقة بالعقيدة، إذا اختلف فيها السلف للخلف مندوحة، لكن إذا اتفقوا على شيء لا يجوز للخلف مخالفتهم، وهذا مما اختلفوا فيه يسرع فيه الخلاف، لكن يبقى أن النص صحيح، وإيش المانع؟ على ما يليق بجلاله وعظمته مع اعتقاده للتنزيه، مع اعتقادنا عدم مشابهة المخلوق، فهو الذي أثبت لنفسه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، يعني هناك يفهم منها، صفات يفهم منها أنها شيء من النقص، وتوصل بعض المبتدعة إلى نفيها من أجل ما تصوروه من نقص، فما وصلوا إلى حد التعطيل إلا بعد أن مروا بقنطرة التشبيه، فإذا تصورنا أن الله -جل وعلا- ليس كمثله شيء وأنه منزه عن مشابهة المخلوق، لا يضيرنا أن نثبت له ما أثبته لنفسه وأثبته له نبيه -عليه الصلاة والسلام-.(59/22)
يقول هل المقصود يا شيخ ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) هل المعنى هنا أن أخرج من جيبي مال ولا أراه كم المبلغ؟
المقصود الإخفاء، المقصود إخفاء الصدقة.
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)) رواه ابن حبان والحاكم.
وعن وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((كل امرئ يعني كل امرئ مسلم في ظل صدقته فالصدقة تظله والمتصدق المخفي للصدقة في الظل، في الحديث السابق، وهنا في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)) هذه من فوائد الصدقة وجاء في فضل الإنفاق في سبيل الله، نصوص كثيرة جداً، ولو لم يكن منها إلا هذا، في ظل الصدقة، تظله صدقته أحوج ما يكون إلى الظل، وماله الحقيقي ما قدم، وما يتركه هو مال الوارث.
والنصوص الصحيحة الكثيرة المستفيضة في فضل الإنفاق في سبيل الله لا يمكن حصرها، لكن هذا منها، ولا مانع من إرادة الحقيقة، ويقول بعضهم أن المراد في كنفها وحمايتها، لكن لا مانع من إرادة الحقيقة، نعم.
قال الإمام الحافظ: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما مسلم كسا مسلم ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة، وأيما مسلم أطعم مسلم على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلم على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم)) رواه أبو داود وفي إسناده لين.(59/23)
هذا الحديث أولاً: ضعيف، الحديث ضعيف، فيه أبو خالد الدالاني تكلم فيه غير واحد من أهل العلم، ومقتضاه جاءت به النصوص، وهو أن الجزاء من جنس العمل، الجزاء من جنس العمل وفي هذا يقول في الحديث على افتراض ثبوته: ((أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري، يعني وهو بأمس الحاجة إليه، كساه الله من خضر الجنة، من لباس الجنة، ولباسهم أخضر، وأيما مسلم أطعم مسلماً على جوع، يعني مع الحاجة إلى الطعام، أطعمه الله من ثمار الجنة)) فعلى المتصدق بأي نوع من أنواع الصدقة أن ينظر الأحوج، ((وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم)) الرحيق هو الخالص من الشراب الذي لا غش فيه، والمختوم الذي تختم أوانيه عليه لأهميته وقيمته، إذا كانت المرأة البغي التي سقت كلب دخلت الجنة بسببه، وهي بغي، كلب يأكل الثرى من العطش فكيف بمن يسقي مسلماً محتاجاً؟ فالحديث حقيقة لمعانيه ما يشهد لها من النصوص الكثيرة، هذا فيه أن الجزاء من جنس العمل، وفيه أن المتصدق عليه أن يبحث عن الأحوج، يبحث عن الأحوج لأنه قال عن عري، عن جوع، عن ظمأ، وبعض الناس لا يكلف نفسه مثل هذا، لا شك أن الصدقة تقع موقعها إذا كانت على فقير محتاج لكن إذا كان هناك من هو أحوج منه، حرم نفسه زيادة الأجر.
قال -رحمه الله-: وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان على ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغني يغنه الله)) متفق عليه واللفظ للبخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول))(59/24)
اليد العليا جاء تفسيرها في المرفوع بأنها المنفقة، والسفلى الآخذة، العليا هي المعطية المنفقة، والسفلى هي السائلة الآخذة، هذا التفسير مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الواقع، وصورناه فيما مضى بأنه لا يتصور أن تكون الآخذة عليا من حيث الواقع يعني ما يمكن أن يقول: خذ ثم يأتي بيده ويأخذ ممكن لكن المتصوفة بعض المتصوفة الذين استمروا الكسل والخمول والذل والدناءة كسلاً منهم، أولوا الحديث على أن اليد العليا هي الآخذة واليد السفلى هي المعطية، كيف؟ يقولون الآخذة نائبة عن الله -جل وعلا- {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [(17) سورة التغابن] الفقير نائب عن الله -جل وعلا-، ولا يتصور الإقراض إلا على يد هذا الفقير، فباعتبارها نائبة عن الله -جل وعلا- فهي الآخذة، لكن إذا كان محمد -عليه الصلاة والسلام- وآله يتنزهون عنه لأنها أوساخ الناس فكيف تكون أو كيف يكون من يأخذها هو الأعلى، واليد التي تأخذها هي العليا؟ لا شك أن هذا كما قال ابن قتيبة: "ما أرى هؤلاء إلا قوماً استطابوا السؤال فهم يحتجون للدناءة، يحتجون للدناءة.
يقول: ((وابدأ بمن تعول)) لا شك أن الإنسان مطالب بالنفقات الواجبة وما أوجب الله عليه أولى من أن تنفق الأموال على غيرهم، اللهم إلا في حال الإيثار مع العلم بالصبر والجزم به بالنسبة لنفسه ولمن يعول، فالإيثار محمود في الشرع، وجاء مدح الأنصار به {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [(9) سورة الحشر] يعني حاجة شديدة، والصحابي الذي آثر ضيفه وترك أولاده، صنيعه لا يخالف هذه مع العلم بالقدرة على الصبر والاحتساب، ولا يكون هذا أيضاً ديدن لأنه فعله أحياناً ويكون الأصل الإنفاق على من أوجب الله النفقة عليه ((وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)) يعني ما يبقى بعد إخراجها صاحبها يبقي شيئاً يستغني به عن الناس بحيث لا يكون عالة يتكفف الناس لا هو ولا من تحت يده.(59/25)
وجاء في حديث سعد لما مرض ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) فيبقي الإنسان لنفسه ولمن يعول، هذا الحكم العام لكن إذا كان الإنسان لديه قدرة وتحمل وصبر واحتساب على ما إذا أخرج جميع ماله وليس له عيال، أو له عيال يضمنهم كذلك، أو له مهنة وتجارة يستطيع أن يتقوت منها هو ومن يمون، فقد فعل ذلك الصديق الأكبر -رضي الله عنه وأرضاه-، ومدح بهذا؛ لكن من كانت منزلته دون ذلك، فالأفضل له ألا يتصدق بجميع ماله.
((وخير الصدقة ما كان على ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله)) يعني يتخلق بالعفة، يتحلم يرزق الحلم، يتصبر يرزق الصبر، يتعلم يرزق العلم، وهكذا يتعبد إلى آخره، وهنا من يستعفف يطلب العفة يعفه الله -جل وعلا-، يعينه على نفسه، ((ومن يستغني يغنه الله)) ومن يستغني عما في أيدي الناس يغنه الله، يستغني عما في أيدي الناس ثقة بالله -جل وعلا- يغنيه الله؛ ولكن من سأل الناس وامتهن السؤال يأتي ذمه، ولا يزداد بذلك إلا حاجة وفاقة، على ما سيأتي.
قال -رحمه الله-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل، وابدأ بمن تعول)) أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
نعم هذا الحديث صحيح، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل، وابدأ بمن تعول))
جهد المقل، وهناك في الحديث الذي قبله ((ما كان عن ظهر غنى)) جهد المقل الذي لا يجد إلا القليل، يتصدق بشيء منه، وذاك عن ظهر غنى بحيث يبقى لنفسه ويبقى لمن تحت يده، وكل في موضعه، المقل يمدح إذا تصدق، الغني يمدح إذا تصدق، وينزل الناس منازلهم، رجل غني سأل أي الصدقة أفضل؟ نقول: ما كان عن ظهر غنى، ورجل فقير سأل أي الصدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقل)) ليفتح الباب أمام الجميع للصدقة.(59/26)
يعني لو جاء الجواب الأول للسؤال الثاني مثلاً لو قال الغني مثلاً أي الصدقة أفضل؟ قيل له: جهد المقل، يعني ما شجعناه على الصدقة، صح وإلا لا؟ ولو قال: هذا أي الصدقة أفضل؟ وعليه آثار الفقر، وقلة المال نقول له: ما كان عن ظهر غنى، معناه لا تتصدق، والحث على الصدقة على الجميع، جاء لجميع الناس، فمثل ما يسأل عن أفضل الأعمال يجيب هذا بالجهاد، يجيب هذا بالعلم، يجيب هذا بالصلاة، يجيب هذا بالحج، كل له ما يناسبه، وكل ينزل حسب منزلته، فالغني يقال له: ما كان عن ظهر غنى، ليدفع إلى الصدقة، ومثل ما قلنا: لو قيل: جهد المقل معناه الغني صدقته ما لها قيمة، ولو جاء الفقير ليتصدق قال: لا، قليل المال قيل له: ما كان عن ظهر غنى، معناه لا تتصدق، فحرمنا هذا وحرمنا هذا.
وعلى كل حال على كل مسلم أن يتصدق، وهذا من الترغيب في الصدقة، ترغيب الجميع، والجهد والجهد الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة، وقيل: بمعنى واحد.
((وابدأ بمن تعول)) كما تقدم الأقرب فالأقرب، والصدقة على القريب صدقة وصلة، وعلى البعيد صدقة؛ لكن هناك أيضاً مفاضلات، لو كان فيه قريب لكن حاجته أقل من البعيد، القريب يحتاج إلى سيارة، يحتاج إلى مكيف، يحتاج إلى فرش، والبعيد يحتاج إلى طعام وشراب، نقول: البعيد أفضل، فالمسألة مفاضلة بين هذه السنن.
قال -رحمه الله- وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا)) فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار، قال: ((تصدق به على نفسك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على زوجتك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على ولدك)) قال: عندي آخر، قال: ((تصدق به على خادمك)) قال: عندي آخر، قال: ((أنت أبصر به)) رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان والحاكم.
لكن عندك الجملة ((تصدق به على زوجك))؟
الطالب: إيه نعم في الحاشية يقول: ما بين المعكوفتين زيد من مصادر التخريج.
إيه لا يوجد في الأصل، لا توجد هذه الجملة في البلوغ، وهي موجودة في سنن أبي داود وغيره، على كل حال الحديث حسن يصلح للاحتجاج.(59/27)
يقول: وعنه، يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تصدقوا)) حث على الصدقة، وخص النساء بالحث على الصدقة بعد صلاة العيد ((تصدقن ولو من حليكن)) تصدقوا، فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار، قال: ((تصدق به على نفسك)) إذا كان ما تملك إلا دينار فأنت أولى به، عندي آخر: تصدق به على زوجك لأنها أولى الناس بذلك، ونفقتها واجبة عليك، عندي ثالث: تصدق به على ولدك؛ لأنه في ذمتك، عندي آخر قال: تصدق به على خادمك، الآن الأسرة انتهت، أراد أن يتصدق بغيره، عنده فائض، وأراد أن يتصدق بها قال: ((أنت به أبصر)) اجتهد في وضعه في الأنسب.
وهذا الحديث مخرج عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، وهو في الجملة لا بأس به، ولم يذكر الوالدين، في ذكر للوالدين؟ ومع الحاجة فنفقتهما واجبة، والحديث لم يستوعب كل من تجب نفقته؛ لكن هل المقدم في النفقة الزوجة والأولاد أو الوالدين؟
طالب:. . . . . . . . .
الوالدين، طيب.
طالب:. . . . . . . . .(59/28)
الزوجة، عند الجمهور الزوجة؛ لأنه يجب عليه الإنفاق عليها، وأخذها على هذا الأساس، ولها أن تطلب الفراق إذا لم يستطع، أو بخل عنها، فهي أقرب الناس إليه بعد زواجه بها، ومن أهل العلم من يرجح أن الوالدين أولى، وأحق، وحقهما أعظم، لا يختلف أحد في أن حقهما أعظم، وحديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا الخروج، وتوسلوا بأعمالهم الصالحة فكان من عمل أحدهم أنه كان بار بوالديه، يترك الأولاد ينامون جوعاً وينتظر حتى يشرب الوالد اللبن، أو نقول: أن هذا قدر زائد على الواجب؟ هذا من تمام البر، وقدر زائد على الواجب، نعم يعني هل الأفضل أن ينتظر الأب ويترك الصبية يتضاغون جوعاً وعطشاً إلى أن ينتبه الوالد من نومه؟ أو يقسم اللبن، ويعطي الأولاد، ويسد جوعهم، وينتظر آباه بالباقي، لو كان الدين بالرأي نقول: إيش المانع؟ لو مثلاً جاء الوالد من عمله وصلى الظهر ونام، وجاءوا الطلاب الأولاد من مدارسهم جوعى، وقالوا: يا الله نبي غداء، قال: لا إلى أن يقوم الوالد، ألا يمكن أن يطعم الأولاد من بعضه والوالد من بعضه؟ هذا ممكن، لكن صنيعه من تمام البر، على أن هذا في شرع من قبلنا، لكن يبقى أن إذا لم يلحق بالزوج أو الأولاد ضرر أن ملاحظة الوالدين هو الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
حتى الوالدين تجب إذا لم يوجد غيرهم، حتى الوالدين تجب، يعني حصل قصة في الحريق الذي حصل بمنى شخص حاج بأمه المقعدة وبأولاده حصل الحريق، فحمل الأطفال وفي نيته الرجوع إلى والدته، وأخرجهم عن مكان الحريق رجع إلى الوالدة إذا هي محترقة، يعني هل نقول: تترك الأطفال وتشيل الأم تنقذها أو تنقذ الأولاد قبل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(59/29)
عاجزة هي مقعدة، يعني هل يأتي في مثل هذا المفاضلة أن الوالدة مثلاً بلغت سبعين ثمانين أكلت العمر وهؤلاء مساكين ما بعد، ما تأتي مفاضلة هنا، المدح في مثل هذه التصرفات كون الإنسان غلب هواه وتصرف على مقتضى النظر الشرعي والمحبة الشرعية، لا شك أن الذي يترك أولاده يبكون من الجوع وينتظر أباه هذا تغلب على هواه، وتصرف على مقتضى النظر الشرعي المحبة الشرعية، فالذي أنقذ أولاده وترك أمه، عرضت المسألة على أحد المشايخ الكبار فبكى، كيف تترك أمك هذا شيء ما يخطر على البال؟! يعني هذا الشخص تصرف على مقتضى المحبة الغريزية، يعني عموم الناس في الجملة أنهم يجدون بأولادهم أكثر مما يجدون لوالديهم، ولذلك كثير من الناس ما يحس بفضل والديه حتى يولد له أولاد، وتجد كثير من الناس يمرض الوالد والوالدة وصحيح أنه يحز في النفس، لكن يبقى أنه إذا مرض الولد ما نام، هذا موجود هذه جبلة وفطرة في النفوس؛ لكن يبقى أن المكافأة على سبب الوجود الوالدين، الوالدان هما سبب الوجود فحقهما عظيم، وحقهما مقرون بحق الله -جل وعلا-، فالمدح حينما مدح الذي توسل بالبر إنما هو لمخالفة هوى نفسه، يمكن الذي في نفسه من الحرقة على هؤلاء الأولاد الجوعى أكثر مما في أنفسهم، ومع ذلك قدم الوالد، فهذا مناط المدح.
طالب:. . . . . . . . .
إذا جاء النص بأن هذا أولى يأثم.
طالب:. . . . . . . . .
إذا جاء النص على أن هذا أولى من هذا، نعم لكن جاء النص بالنسبة للنفقة هنا حتى الفقهاء، ترون يقدمون الخادم على الوالدين؛ لأنه ليست له حيلة، مربوط لخدمته، والوالدان بإمكانهما أن يتصدق عليهم، لهم أولاد غيرك، المقصود أن الحلول قد تكون موجودة؛ لكن الزوجة أين تروح؟ الولد أين يذهب؟ الخادم أين يذهب؟ لكن بالنسبة للوالدين هذه مقتضى نظر الفقهاء، ويستدلون بمثل هذا الحديث "عندي دينار، ((تصدق به على نفسك)) عندي آخر، ((تصدق به على زوجتك)) عندي ثالث، ((تصدق به على ولدك)) عندي آخر، ((تصدق به على خادمك)) عندي آخر، ((أنت به أبصر)) وعلى كل حال إذا قدم ما يتطلبه الشرع مقدماً إياه على هوى النفس لا شك أنه أولى.
طالب:. . . . . . . . .(59/30)
لا أصل الزوجة ما هي بمذكورة في النسخة أصلاً، في البلوغ ليس فيها ذكر للزوجة، نعم.
الطالب: هنا يا شيخ في الحاشية -حسن الله إليك-، يقول: في صحيح مسلم ذكر الزوجة مقدم على الولد.
لكن هذا حديث مخرج في مسلم؟
الطالب: ابن القاسم الذي ذكرها، حاشية ابن القاسم على شرح ابن باز.
الحديث مخرج في مسلم؟ الشرح أنا أعرف أنه ذكر الصنعاني أنه في مسلم مقدم؛ لكن هل الحديث مخرج في مسلم؟ رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم، عزاه لمسلم الجزء في الجزء والصفحة؟
الطالب: لا.
هذا نقل عن الصنعاني، لا ما فيه شرط مسلم، صححه الحاكم صحيح، صححه ابن حبان والحاكم؛ لكن هل هو موجود، عزي إلى مسلم بالجزء والصفحة؟ أو قلد الصنعاني؛ لأن الصنعاني قال: وورد في صحيح مسلم مقدم على الولد، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل هي بالفعل في مسلم؟ مسلم خرج الحديث؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا حديث آخر، حديث جابر حديث آخر غير حديث أبي هريرة، نريد من حديث أبي هريرة، حديث أبي هريرة هل هو مخرج في مسلم؟ ما خرج في مسلم، فالاستدراك ليس بمحله إلا أن ينص على أ، هـ في حديث جابر المخرج في صحيح مسلم الزوجة مقدمة أو الولد مقدم، هي مقدمة. تستمر وإلا نقف؟
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هو خلط الصنعاني، حقيقة محل كلامه محل نظر هي مقدمة في حديث جابر وهو غير حديث أبي هريرة المفترض أنه نص عليه.
نتابع وإلا يكفي؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، اقرأ
قال -رحمه الله-: وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً)) متفق عليه.
هذا من فضل الله -جل وعلا- أنه يدخل في السهم الواحد جمع كل من كان له دور في تحقق مثل هذه العبادة أجر على ذلك.(59/31)
يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب)) شريطة ألا تكون مفسدة مبذرة مبعثرة للأموال، مفرقة للأطعمة المحتاج إليها؛ لكن إذا كانت لا تسرف في إنفاقها تعطي المحتاج بقدر الحاجة لا مانع، وهل يشترط الإذن أو لا يشترط؟
الأصل أن الإذن لا بد منه لأنه هو المالك؛ لكن ما جرت به العادة أن المرأة تتصرف فيه، أو عرفت من طبيعة زوجها أنه لا يكره ذلك لا يحتاج إلى إذن، أما إذا عرفت أن زوجها شحيح بخيل يوجد إنفاقها بغير علمه مشاكل مثل هذه لا تتصرف إلا بإذنه، وهو حينئذ محروم، فإذا أنفقت غير مفسدة فلها الأجر بما أنفقت وساهمت ولزوجها بما اكتسب، بما أنفق، أنفقت يعني بذلت من مال زوجها، وهو بذل من حر ماله، وله أجره ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً، الخازن: الخازن الأمين إذا أنفق مما أؤتمن عليه بعد الإذن، أو معرفة أن صاحب الشأن لا يكره ذلك، ومع الأسف أنه يوجد في المستودعات، مستودعات التوزيع التي من بيت المال ما يؤمر بصرفه من قبل المسئول، ويعترض الخازن، يعني فضلاً عن كونه يبذل من غير أمر بما تعورف عليه، نعم أن منع وحددت صلاحيته، لا يجوز أن يتعداها؛ لكن إذا جاءه أمر (اصرف لفلان كذا وكذا) ثم يقول: لا، يمنع ويتحجج ينتهي، هذا يوجد أحياناً في المستودعات الخيرية والرسمية الحكومية، ومستودعات الكتب مثلاً، تجد بعض الناس يكون مفتاح يساعد طلاب العلم كل فيما ينفعه، وما أوجد إلا من أجلهم، على أن يكون تصرفه تبعاً لهواه هو، وبعض الناس مغلاق تأتي القائمة فيها عشرين كتاب مأمور بها من قبل المسئول، ومعه القلم هذا انتهى، هذا ما يوزع، هذا ما أدري إيش؟ حصل، ما أدري ما الداعي لهذا، يعني أن الإنسان جبل وفطر على شح؛ لكن يشح بماله، ما يشح ببيت المال، وفي هذا إنفاق الخازن، وله من الأجر مثل أجر من بذل الأموال.
فالشيء الذي لا يؤثر على المال لا يحتاج إلى إذن، أما الشيء المؤثر فلا بد من إذن، الناس بطبائعهم مختلفون، فمن عرفت أو عرف الخادم أن صاحب المال لا يبخل بمثل هذا لا يحتاج أن يستأذن، وإذا عرف أنه شحيح أو بخيل أو تصرفه يوجد شيء من المشاكل مثل هذا لا بد من إذنه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(59/32)
بلوغ المرام (كتاب الزكاة)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه أسئلة تمت الإجابة عليها، وكأنه حصل خلط بين ما أجيب عليه وما لم يتم الجواب عليه.
هذا السائل يقول: إذا أسبل الذي لم يبلغ الحلم هل على وليه إثم؟ لماذا؟
أولاً: الذي لم يبلغ الحلم لا تكليف عليه، غير مكلف وغير مؤاخذ، لكنه يمنع مما يمنع منه جنسه، من باب التمرين والتعويد على امتثال الأوامر والنواهي، ولذا جاء أمره بالصلاة، والصحابة كانوا يحملون صبيانهم على الصيام، فيمنع مما يمنع منه المكلف من باب التمرين ومن ذلك الإسبال، محمد بن الحسن وقول عند الشافعية أنهم لا مانع من لبس الصبيان الذين لم يكلفوا الذهب لبسهم الحرير، لكن الأكثر على منعهم من ذلك.
كيف يمكن أن يعلم المرء نفسه الصبر؟
يتصبر ويتحمل وينظر في النصوص، يجمع النصوص التي تحث على الصبر، وتكون دائماً على باله، ثم ينظر أيضاً في عاقبة الجزع، وأثره في الدنيا والآخرة، وهل له قيمة إن فرد أو عدم؛ فالصبر جاء فضله في نصوص الكتاب والسنة {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [(155) سورة البقرة] ويتمنى الناس كلهم يوم القيامة أنهم ممن أصيب لما يروا من جزاء الصابرين وعظيم ثوابهم، وأشد الناس بلاء الأنبياء.
يقول: هل العلة في النهي عن الدفن في الليل هو التقصير في حقه وإذا زالت العلة جاز الدفن في الليل؟
هذا ما فهمه الصحابة، أبو بكر دفن ليلاً، علي -رضي الله عنه- دفن فاطمة ليلاً، فإذا أمن التقصير فلا مانع من الدفن ليلاً.
يقول: ما حكم الاجتماع للعزاء؟
هذا بحث وإذا كان الهدف منه التيسير على المعزي ولم يكن هناك قصد آخر ولم يلحق أهل الميت عناء ولا تعب ولا نفقة أموال هذا (الأمور بمقاصدها)، أما إذا اجتمع مع الاجتماع للعزاء الطعام من قبل أهل الميت وحصل في العزاء ما حصل من شيء ممنوع كالنياحة وشبهها واجتمعت هذه الأمور منع، ولو لم يكن في ذلك إلا صنع الطعام من قبل أهل الميت، أما صنعه لهم فقد عرفنا أنه سنه.
هل يعزى فقط أو فقد يقول فقد أقربائه؟(60/1)
ما أدري والله، من أصيب به يعزى، من أصيب بالميت يعزى سواءً من قريب أو بعيد، إذا كانت بينه وبينه صله أو مودة ومحبة في الله يعزى لأن فقده مصيبة.
وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أليس هذا دعاء، وقد دخلت إن شاء الله أليس هذا تعليق في الدعاء؟
قلنا إن (إن شاء الله هنا) للتبرك وليست للتعليق والدعاء إذا كان بلفظ الأمر لا يجوز أن يقترن بالمشيئة ولا يجوز أن يقول الإنسان: اللهم اغفر لي إن شئت، أما إذا كان الدعاء بلفظ الخبر جاز تعليقه بالمشيئة، مع أنه ليس بتعليق، جاز ذكر المشيئة معه، طهور إن شاء الله، ثبت الأجر إن شاء الله، ففرق بين هذا وهذا.
يقول السائل من ليبيا: هل يجوز للإمام عندما يصلي على الجنازة أن يخبر المصلين أن هؤلاء رجال أو نساء؟
يعني قبل الصلاة عليهم يقول للمصلين الجنازة رجل أو امرأة من أجل التغيير في الضمير اللهم اغفر لها وراحمها وعافها واعف عنها، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، هذا مقصد لا بأس به ولا يترتب عليه شيء، يعني لو ترك ما ضر؛ لأن للمصلي أن يقول: اللهم اغفر له: أي الميت ويشمل الرجل والمرأة أو اغفر لها أي الجنازة، جنازة رجل أو امرأة.
السائل من فلسطين يقول: أنا شاب عمري ستة عشر عاماً وأحافظ على الصلوات وعلى فعل الخيرات وعلى دعوة الشباب في المدرسة ولكن أنا ومع الأسف أمارس العادة السرية بشكل مبسط؟
إيش معنى مبسط، المقصود أنه يمارس هذه العادة السيئة التي هي استخراج المني مع اللذة وهي محرمة عند أهل العلم، محرمة والأدلة تدل على التحريم {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(5 - 6) سورة المؤمنون] فقط، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أرشد الذي لا يستطيع الباءة أن يصوم ولو كانت جائزة لوجه الناس إليها، لكن قد يقول قائل أنا في بلد أو في مجتمع أتعرض فيه للفتن رغم أنفي من غير اختياري ولا قدرة لي على الصبر والتحمل وجربت الصيام وما أجدى وجربت كذا وكذا أقول: إذا خشي الإنسان بحيث يغلب على ظنه أنه يقع في الفاحشة فارتكاب أخف الضررين مقرر بالشرع ومنه هذا.
هذا يسأل عن كتب وطبعات شرح مسلم للقاضي عياض؟(60/2)
هذا الشرح شرح نفيس ولا يستغني عنه طالب علم وينقل عنه الشراح واعتمد عليه كل من جاء بعده، فلا يستغنى عنه شرح طيب ونفيس، وأفضل طبعاته الطبعات المتداولة مثل طبعة دار الفكر نسيت والله أي طبعة، لكن الكاملة هي الكاملة ما أظن في غيرها، طبع منه أجزاء في مصر لكنه لم يكمل.
أفضل الطبعات الجديدة لكتب الحديث؟
هذا ما يتسنى إلا بالتفصيل.
يقول: ما هي الشروح التي ينصح بها لطالب العلم المبتدئ بعد فتح الباري وشرح النووي وعون المعبود وتحفة الأحوذي؟
هذه الكتب لا ينصح بها المبتدئ فضلاً عمن بعده، يعني من أراد حفظ المتون على الطريقة المعروفة وقرأ شروحها وسمع وحضر الدروس وفرغ الأشرطة عليها له أن يقرأ في الكتب الأصلية بشروحها لكن الشروح منها ما لو بدئ منه لصد عن القراءة ومنها ما يعين على الاستمرار فيها؛ فالطالب حينما يبدأ بالقراءة يبدأ بفتح الباري هذا خطر يترك القراءة، أو يبدأ بالشروح الكبيرة التي حتى إخراجها ما أخرج على وجه يحبب طالب العلم للقراءة، فلو بدأ طالب العلم بشرح النووي، شرح الكرماني على البخاري، هذا يعينه على الاستمرار في القراءة؛ لأن مادة الكتابين في الشرح فيها شيء من الانتقاء والاختيار، فالجمل التي يختارها النووي في شرحه التي تحبب الطالب للقراءة وللعبادة وللإقبال على الله -جل وعلا- هذا يعينه على ما في الكتاب من أخطاء عقدية لا بد من التنبه لهذا، الكرماني أيضاً مثل النووي في أخطاءه كلهم أشاعرة، لكن الكرماني ميزته انتقاء الطرائف العلمية التي قد لا توجد عند غيره، فينتقي في تراجم الرواة أطرف ما وقف عليه في ترجمته، لا يهمه أن يكون الراوي في أعلى درجات التوثيق أو أدناها لا يهمه كثيراً، إنما يهمه أن ينقل للقارئ أطرف ما وقف عليه في ترجمته، النووي يهمه إن ينقل في ترجمة الراوي ما كان عليه هذا الراوي من عمل من عبادة من إقبال، أما فتح الباري وإرشاد الساري وعمدة القاري هذه كتب تأتي مرحلة ثانية.
عون المعبود كتاب سهل وسمح وميسر يستفاد منه، تحفة الأحوذي كذلك أيضاً مختصرة وتنفع طالب العلم.(60/3)
يقول: إن استطاع الطالب الموافقة بين حديثين مثل حديث: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) وحديث وائل بن حجر: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركتبيه قبل يديه". يقول: لم يجده عند أحد من الشراح، فهل له ذلك أم ليس له أن يتعدى أقوال العلماء وما الضابط في ذ لك؟
المسألة لغوية، يعني إذا فسرنا البروك وفهمنا معناه عرفنا أن الحديث ليس فيه قلب البتة، يعني كونه لا يوجد عند الشراح مثل هذا الفهم، لكن المسألة لغوية إيش معنى البروك في لغة العرب، متى يقال برك البعير؟ يقال برك البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، فمعناه أن البعير ينزل على الأرض بقوة، فإذا نزل الساجد على يديه المقدم يديه على الأرض بقوة قلنا برك مثلما يبرك البعير، لكن مجرد وضع اليدين على الأرض هذا ليس ببروك، وإن أشبه نزول البعير من وجه، لكن لا يلزم مطابقة الصورة من كل وجه، ولذا لا أعرف أحداً أعل الحديث بالقلب غير ابن القيم، ومن تبعه. فالمسألة مثل هذه لغوية.
يقول: ما أفضل شرح لجامع الترمذي؟
أفضل شرح يعني على حد علمي شرح ابن سيد الناس وتكملته للحافظ العراقي لكنه ما طبع كامل إلى الآن، وأفضل طبعات التمهيد الطبعة الهندية الأولى، الطبعة المغربية التي اعتمد فيها على النسخ، في طبعة يذكرها الإخوان أن صاحبها اعتنى بها وقارن بينها وبين بين الطبعة الهندية وبين نسخ خطية أخرى وقف عليها لا أعرفها.
الأسئلة كثيرة جداً تحتاج إلى دورة، ما هو بدرس، تحتاج إلى وقت طويل وهذا آخر الدروس وبقي فيه جمع من الأحاديث لعلنا إن بقي وقت نعود إلى الأسئلة.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -يرحمه الله تعالى-:
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت زينب امرأة ابن مسعود فقالت: يا رسول الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من أتصدق به عليهم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) رواه البخاري.(60/4)
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(60/5)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت زينب امرأة ابن مسعود عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي ابن أم عبد من جلة الصحابة وساداتهم فقه من فقهاء الأمة، من أهل القرآن ومن أهل الله وخاصته، ابن مسعود -رضي الله عنه- كان قليل ذات اليد وليس بعيب أن يوصف بهذا الوصف فحاله ميسورة يعني أقل من يقوم بحاجته ولذا احتاج إلى صدقة زوجته وليس بعيب أن يعيش المسلم دون المستوى المطلوب، كما أنه ليس من العيب أن يعيش طالب العلم بل العالم هذا ليس بعيب، فلا يحمل طالب العلم استبطاء الرزق أن يترك العلم ويتجه إلى الدنيا وينصرف عما حصله فيضيع نفسه، فالعلم خير مغنم وأولى ما يحرص عليه الإنسان، هذا ابن مسعود ابن أم عبد جاءت مناقبه في الأحاديث الصحيحة لا تكاد تحصر، يقول: فقالت: يا رسول الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصدقة بعد الخطبة في العيد وخص بها النساء لأنهن أكثر أهل النار فجاءت امرأة ابن مسعود وكان عندها حلي لها، تقول: وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به هل في هذا ما يدل على زكاة الحلي؟ ليس فيه ما يدل على زكاة الحلي وإنما تريد أن تتصدق بالحلي لا من الحلي ولذا لم يذكره أهل العلم في أدلة زكاة الحلي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، ظاهر السياق أنه في صدقة النفل؛ لأنها تريد أن تتصدق بجميع المال وإن حمله بعضهم ورأى أنه في الصدقة الواجبة ففي صحيح البخاري عن زينب امرأة ابن مسعود أنها قالت يا رسول الله أيجزي عني أن نجعل الصدقة، أو يجزي عنا أن نجعل الصدقة في زوج فقير؟ فقال: ((نعم، لك أجر الصدقة والصلة)) والإجزاء إنما يكون في الواجب، كما أن أيجزي عني؟ يأتي بمعنى أيغني عني؟ أيغني عني هذا؟ أو يقبل مني أن أجعلها في زوج وأولاد وأيتام فليس في الحديث ما يدل على أنها واجبة ولا على أنها ليست واجبة، والصدقة تطلق على هذا وهذا، فزعم ابن مسعود زعم يعني قال: تأتي زعم كما هو الأصل بمعنى قال، واستعمالها العرفي في القول المشكوك فيه أو القول الذي يغلب على الظن أنه خطأ، كثيراً ما يقول سيبويه في كتابه: زعم الكسائي، ويوافقه، فهو(60/6)
يستعمل زعم بمعنى القول، ولا يتهم القول ولا صاحب القول، بينما استعمالها العرفي يشم منه الشك في الكلام زعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، أحق به من تصدقت به عليه، فصدقة الزوجة على زوجها جائزة وعند الأكثر حتى الفرث لأنها لا تجب عليها نفقته، بخلاف العكس زكاة الزوج لا تصرف للزوجة لأنها تجب عليه نفقتها، نفقة الزوج لا تجب على الزوجة فتصرف له زكاتها.
يقول بعضهم، هذا رأي لبعض أهل العلم أنها لا تصح صدقة الزوجة أن تصرف للزوج لماذا؟ لأنه ينفق من هذه الزكاة عليها فترجع إليها، ولا يمنع أنه إذا ملك الفقير أن يأكل منها غني، كما أكل النبي -عليه الصلاة والسلام- من اللحم الذي تصدق به على بريرة، قال: ((هو عليها صدقة ولنا هدية)) لا يمنع إذا ملكه الفقير يتصرف به، فزعم ابن مسعود أنه وولده، الولد قال أهل العلم يحتمل أنه من غيرها، وإلا فالصدقة أو الزكاة على، لا تصرف لا إلى الأصل ولا إلى الفرع والولد فرع، فقالوا: إن الولد ليس منها، أو أن هذه الصدقة ليست هي الواجبة التي حددت مصارفها، أحق من تصدقت به عليهم فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) لا شك أنه إذا وجدت الحاجة لا سيما في الصدقات النفل، وأما في الفرض فيحتاط له؛ لأن الفرض ركن من أركان الإسلام ومصارفه محددة تولى الله -جل وعلا- بيانها ولم يكلها إلى أحد فيحتاط لها أما صدقة النفل فالأمر فيها سعة، وكلما كان من هدف هذه الصدقة المندوبة كل ما كان فيه صلة فهو أفضل ((زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) وهذا حديث في البخاري وعرفنا أن الصدقة مختلف فيها هل هي الواجبة أو مندوبة، وعلى كل حال لو كانت الواجبة ففيه دليل على جواز صرف زكاة المرأة لزوجها، وهذا جائز عند الجمهور؛ لأن نفقته ليست واجبة عليها، ومنعه بعضهم لأن هذا المال سوف يعود عليك عليها بالإنفاق، وقلنا أنه لا مانع من ذلك.
وأما الولد فحملوه على أنه من غيرها.
طالب. . . . . . . . .
ينزل منزلة الولد، ولد الزوجة ينزل على حسب التوسع منزلة الولد هكذا حمله جمع من أهل العلم وكثير منهم يقول أنها في الصدقة غير الواجبة نعم.
طالب. . . . . . . . .(60/7)
الزوجة المرأة تتصدق على زوجها نعم إيش المانع، هذا حديث نص في الباب.
طالب. . . . . . . . .
والزكاة الجمهور ما يمنع عندهم لأن الصدقة مرتبطة ارتباط بالنفقة، إذا كان يقي ماله بهذه الصدقة، نعم هو يقي ماله بهذه الصدقة إذا أعطاهم من زكاته ونفقته واجبة أحالها على هذا المعطى وهو زكاة.
قال -رحمه الله-: وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم)) متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر)) رواه مسلم.
وعن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) رواه البخاري.
وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطان أو في أمر لا بد منه)) رواه الترمذي وصححه.
الأحاديث المذكورة كلها تدل على تحريم المسألة من غير حاجة للتكثر.(60/8)
في الحديث الأول يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال الرجل يسأل الناس ... )) يعني من أموالهم، وقد جاء النهي عن كثرة السؤال نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال، وحمله أهل العلم على عمومه في أمور الدنيا وفي مسائل العلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] فهو محمول على عمومه، فالسؤال ممنوع لهذه النصوص لكن من نزلت به نازلة أو حصلت له مسألة يريد الحكم الشرعي فيها اتجه إليه الأمر، في قوله جل وعلا: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] فالسؤال المنهي عنه غير السؤال المأمور به، منهم من يحمل السؤال المنهي عنه على السؤال على سبيل التعنت، ولذا جاء النهي عن الأغلوطات على سبيل التكبر والترفع وبيان المنزلة، أو على سبيل تعنيت المسئول أو السؤال عن فضول المسائل وتشقيقها والمسائل التي لم تقع والحوادث التي يبعد وقوعها ويندر، كان السلف يتوقون مثل هذا، وكانوا يسألون السائل هل وقعت هذه المسالة أو لم تقع، في وقت التنزيل الذي يخشى منه التحريم بسبب السؤال وقد جاء الوعيد في حق من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجله، لكن بعد أن أمن هذا وانقطع الوحي واستقرت الشريعة وكمل الدين العلماء فرعوا المسائل وصوروا مسائل لم تقع ومرنوا الطلاب عليها، وخرجوا الطلاب على هذه الطريقة وتوسعوا في هذا فلا مانع من أن يمرن الطالب على مسائل لم تقع، لكن يبقى أنه لا يكثر السؤال إلا لشيء يرجو منه فائدة.(60/9)
السؤال الذي معنا في أمور الدنيا ما يزال الرجل يسأل الناس يعني من أموالهم وفي حكمه المرأة لأن خطاب الرجال يدخل فيه النساء، يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة السائل رجلاً كان أو امرأة وليس في وجهه مزعة، قطعة لحم، فمقتضاه أن النار في مقابل هذا السؤال تأكل لحم وجهه فلا يبقى إلا العظم، نسأل الله السلامة والعافية، فالحديث فيه دليل على تحريم السؤال؛ لأن مقتضاه أن النار تأكل والنار لا يتوعد بها إلا على محرم، والحديث محمول على من يسأل تكثراً لغير حاجة، أما من سأل من حاجة ففي النصوص اللاحقة ما يدل على جوازه، ولذا ترجم البخاري على الحديث باب من سأل الناس تكثراً، فحمله على هذه الصورة وجاءت في بعض الروايات.
الحديث الذي يليه حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً)) يعني بهذا القيد، من سأل الناس وفي رواية: ما هو أعم من ذلك ((من أخذ الناس تكثراً)) جاء ذمه ولو أخذه بطريق القرض أو بطريق الدين يتكثر بذلك فإنه لا يعان على سداده فكيف إذا أخذه بغير مقابل بالسؤال، فالأمر أشد ((فإنما يسأل جمراً)) يسأل جمراً يحرق وجهه ليتحد مع الحديث السابق: ((فليستقل أو ليكثر)) اللام لام الأمر ((فليستقل أو ليستكثر)) يعني إذا عرف أن هذه العاقبة يتصور نفسه يسأل الناس جمر، والجمر نسأل الله العافية هل لأحد طاقة في مقاومته، إذا تصور أنه يسأل الجمر فليستقل أو ليستكثر اجمع اجمع وقود لك وهذا سؤال تهديد نقول هذا أمر تهديد وليس بأمر تخيير إنما هو أمر تهديد {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] في الحديث: ((فليأخذها أو ليدعها فإنما أقضي له بقطعة من نار فليأخذها أو ليدعها)) ما هو بهذا تخيير إنما هو تهديد.(60/10)
في الحديث الذي يليه يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه يعني بقيمتها خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) هذا فيه حث على العمل فالدين ديننا ولله الحمد دين العمل، وليس بدين بطالة ولا كسل ولا خمول، إنما على الإنسان أن يعمل {وَقُلِ اعْمَلُواْ} [(105) سورة التوبة] لكن العمل لما خلق له الإنسان وهو تحقيق العبودية ومن العبودية أن يسعى في تحصيل ما يعينه على تحقيق الهدف {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لأن النصيب من الدنيا لا بد منه لتحقيق الهدف والوسائل لها أحكام المقاصد والأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، لا يمكن أن يتعبد الإنسان بدون ما يعينه على بقاء جسمه وبقاء حياته، فهذا لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب تصور هذه المهنة مهنة شاقة على كثير من الناس فكيف بما هو أهون منها وأسهل والناس الآن يستنكفون عن كثير من المهن؛ لأنهم عاشوا في رخاء وفي رغد فعلى الإنسان ألا يمتهن نفسه بسؤال الناس، فكونه يمتهن نفسه بالعمل أيسر له من أن يسأل الناس، فالناس يستثقلون من يسأل ولو كان المسئول شيئاً يسيراً.
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
لو تقول أعطيني كف من تراب استثقلوا، والصحابة -رضوان الله عليهم- يسقط سوط أحدهم من يده وهو على البعير لا يقول لفلان ناولني السوط، ينزل فيأخذه، وقد بايعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- على مثل هذا.(60/11)
((لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من الحطب)) يخرج إلى خارج البلد حيث يوجد حطب ((يأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكيف الله بها وجه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)) السؤال لا شك أنه ذل، والسؤال مع الحاجة لا بأس به لأن هذا أمر لا بد منه، لكن شريطة ألا يكون له حيلة يستطيع بواسطتها يعني له قدرة على التكسب على ما سيأتي، فمثل هذا لا يحل له أن يسأل الناس، هذا الذي أراد أن يحتطب لنفسه ويبيع ويستغني بذلك عن الناس يقول: أخذ الحبل وخرج ووجد الحطب ممنوع ماذا يصنع؟ نقول: إذا سد باب فتح الله أبواب ما يلزم الحطب، وإذا منع في هذا يمنع من جهة أخرى؛ لأن هناك أنواع من الحطب أو جهات يراعوا المصلحة في منعها، المقصود أنه قد يقول هذا الكلام، الرسول قال له احطب، قال والله الحطب ممنوع وأنا إيش أسوي نعم يفتح الله لك آفاق، فأنت عليك السعي والتوكل على الله -جل وعلا- لا تعتمد على جهدك وقدرتك فلو توكل الناس على الله حق التوكل لرزقهم كما ترزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً، لكن لا بد من السعي ما قال تجلس في أوكارها والسماء لا تمطر لا ذهب ولا فضة، بل على الإنسان أن يسعى ويبشر ويؤمل، وإذا سعى ولم يتيسر له الرزق فهناك باب المسألة إذا عجز وكثير من الناس الآن من الذين يسألون تجد هناك خلل في حياتهم يأتي يسأل شاب في العشرين من عمره، تقول له أنا أذكر لك عمل يكفيك ويعفك ولا يكلفك، يقول: أنا والله ما عندي إقامة، إقامتي غير نظامية ولا أمكن من العمل إلا بالإقامة، نقول ما الذي يمنعك من أن تحصل على إقامة نظامية؟ فهنا لا شك أن هناك وسائل تسلك غير شرعية فمثل هذه الأمور تحتاج إلى حل، وأما المنع من السؤال بالكلية وإخافة السُّؤال مع حاجتهم ومسيس الحاجة إليه، فهذا يحتاج إلى دراسة، نعم إذ تكفل بمصالحهم من بيت المال وأغنوا عن السؤال فليمنعوا، يبقى أن السائل عليه أن يتوخى الأوقات المناسبة والظروف المناسبة فلا يقطع على المصلين صلاتهم ولا أورادهم ولا أذكارهم؛ لأن بعض الناس مباشرة بعدما يقول الإمام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مباشرة يقوم، ويتكلم بكلام طويل منظم مرتب كأنه موعظة، وهذا صاحب دربة وخبرة الذي(60/12)
يظهر ويغلب على الظن أن له مدة طويلة يسأل الناس، المقصود أن مثل هذا إذا جلس في ناحية من المسجد وظهر عليه آثار الفاقة وأعطاه الناس من غير قطع لأورادهم وأذكارهم ولا خلل في صلاتهم مثل هذا نهي عن منعه ونهره، {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] وما يدريك لعله صادق أما بالنسبة لمن يقطع الأذكار ويشوش على المصلين مثل هذا يقال له اجلس أو شوف لك مكان مناسب وإن بعض الناس يتخذ هذه مهنة، وتنوعت الأساليب تنوعت الأساليب وصارت هذه المهنة في بعض الأحوال مدخل للفساد وبوابة إلى الشر وحصل فيها خطر على بعض السُّؤال من الصبية وكبار السن، تجدهم عند الإشارات مثلاً، وبعضهم يتحايل يا شيخ السلام عليكم؟ عليكم السلام، عندي سؤال لو تفضلت، تقول له والله الآن ما معي شيء، لا، لا سؤال علم وما أدري إيش، ويجيك والله أنا يا شيخ وأنا كذا وأنا حصل لي ويسأل، يتحايلون بهذه الطرق، المقصود أن السائل له نصيب ولا يجوز نهره ولا منعه منعاً باتاً لأن منهم من هو صادق ولا وسيلة له إلا هذه ومنهم من هو كاذب لكن تحتاج المسألة إلى دراسة متثبتة تفرق بين هذا وهذا ويقف هؤلاء الصبية عند الإشارات والأماكن الخطرة، أيضاً في أوقات الصلوات يسألون، طيب متى يصلون هؤلاء، يمنعون في مثل هذا، بنات يفتن الناس يسألن عند الإشارات أيضاً هذا خطر يجب منعهم المقصود أن مثل هذه لا بد من عناية المسئولين بها، وبعضهم يتحايل ببيع بعض الأشياء حتى وجد من الصبية من يجمع جرائد أمس وقبل أمس ويتحين الإشارة إذا بغت تفتح جريدة أعطاه ريالين ومشى إذا وصل البيت إذا هي جريدة أمس هذا موجود، المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد من حلها ولا بد من علاجها.(60/13)
وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((المسألة كد يكد بها الرجل وجهه خدش جروح يجرح وجهه بهذه المسألة، يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطان أو في أمر لا بد منه)) السلطان مستثنى لأن السلطان إنما يعطي من بيت المال ولا منة في هذا، لا منة في مثل هذا لأنه من بيت المال وبيت المال مستحق لجميع المسلمين فهو كالوكيل عن عامة المسلمين يوزعه عليهم، فإذا سأل السلطان لا يلام والتعفف والتورع بعد أفضل وأفضل أما إذا أعطاه السلطان من غير مسألة فسيأتي في حديث عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((خذوا فتمولوا)) وفي حديث أبي ذر في صحيح مسلم أن ما جاء من غير مسألة ولا استشراف أنه يؤخذ، وفي الحديث نفسه أما إذا كان ثمناً لدينك فلا لأن بعض الناس يعطي لكن يحتاج يبي مقابل مما يعطي، تاجر يعطي بعض طلاب العلم لا يظن بالتجار ولا يظن بطلاب العلم لكن قد يوجد مثل هذا، قد يعطيه لأنه يحتاجه في بعض المسائل، فيحرج أحياناً أن يفتيه بمنع بعض الصور أو يتساهل معه في تخفيف بعض الأمور، المقصود أن مثل هذا إذا خفت سواءً كان من تاجر أو من سلطان أو من أمير أو من وزير أو من كبير إذا كان ثمناً للدين فلا، إذا كان المقابل لهذه العطية سوف يكون من دينك قف، الدين رأس المال، فإذا تعرض رأس المال للخدش إيش يبقى منه عندك.
((المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطان أو في أمر لا بد منه)) حاجة ماسة فضلاً عن ضرورة إذا وجد مثل هذا، يسأل، ويكون سؤاله بقدر الحاجة سؤاله بقدر الحاجة ويوجد -ولله الحمد- في الأمة نماذج من يحتاج ويتعفف ويوجد ناس أيضاً تعرض عليهم الأموال والزكوات وهم بأمس الحاجة إليها فيردونها، الأمة ما زالت بخير -ولله الحمد-، ويوجد من أصحاب الأموال من يعطي بسخاء وبخفاء تام يرتب الأمور ترتيب ويوجد -ولله الحمد- من يسعى على حوائج المحتاجين من الجمعيات والمستودعات الخيرية، يعني موجود الخير -ولله الحمد- لكن لو أخرج الأغنياء جميع ما أوجب الله عليهم، لا يتصور أن يوجد محتاج، فلا شك أنه يوجد من يبخل ويوجد من يعطي، يوجد من يسأل وهو غني، يوجد من يتعفف.(60/14)
((أو في أمر لا بد منه)) فهذا لا مانع من السؤال والحديث رواه الترمذي وصححه.
طالب. . . . . . . . .
لكن ثبت أنه تصدق على المحتاج والفقير في المسجد ولذا يفرق بين من يؤذي الناس بسؤاله ويحلف عليهم وبين من يظهر في حالة تبين أنه محتاج فيعطى، فرق بين هذا وهذا، تريد أن تقول إذا منع من يسأل ماله الذي يملكه فلأن يمنع أن يسأل مال غيره من باب أولى.
طالب. . . . . . . . .
لا هنا أعرف أنت الذي يسأل عن الضالة يدعى عليه، لأن المساجد ما بنيت لهذا، والضالة ماله فكيف بمن يسأل مال غيره، وقد قيل هذا وخرج على هذا لكن يبقى أن المساجد هي مجتمعات للناس، قد يصعب على الإنسان أن يطرق البيوت ويدخل عليها يدخل على الناس في بيوتهم يصعب عليه فلا وسيلة إلا في المسجد لكن بالطرق المناسبة يجلس في المكان بحيث يشعر الناس أنه محتاج فيتصدقوا عليه، لكن أنت افترض أنه جلس ولا أعطاه أحد شيء وهو محتاج، جلس خارج المسجد وسألهم للحاجة، أمر لا بد منه فلا بأس.
قال -رحمه الله-: باب قسم الصدقات:
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم وأعل بالإرسال.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- باب قسم الصدقات أو قسمة الصدقات:(60/15)
وتولى الله -جل وعلا- بيان مصارف الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [(60) سورة التوبة] الثمانية لا غير لكن القياس على الثمانية معروف عند أهل العلم منهم من يقيس بعض الوجوه ويضمها إلى بعض الأصناف التي أشير إليها وجاءت الأصناف مختلفة الحروف فإنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين (اللام) هذه للتمليك فلا بد أن يملكها هؤلاء ولا يتصرف فيها قبل تمليكها إياهم، يملك الفقير هذه الزكاة فيفعل فيها ما شاء وبعض الناس يجتهد يقول الفقير غالباً لا يحسن التصرف أنا بانفق عليه، أقبض زكاة لمدة سنة وأنفق عليه، هذا ما هو بتمليك، أن تملكها إياه واطلب منه أن يوكلك على الإنفاق عليه، لا بأس، ولذا جاءت باللام التي هي للملك، بينما الأصناف الأخرى في سبيل الله، نعم فبعضها بفي التي تقتضي أنها توجد وتنفع في هذا المجال ولو لم يملكها شخص بعينه أما البعض التي اقتضت بلام الملك لا بد من التمليك، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة .. حصر الأغنياء ليس لهم مدخل وليس لهم نصيب من الصدقة إلا هؤلاء الخمسة ((لعامل عليها)) ولو كان غنياً لأنه يأخذ أجرة، ((أو رجل اشتراها بماله))، هذه زكاة حقه أعطيت فقير فجاء غني واشتراها منه، على ألا يكون هو المزكي فلا يشتريها المزكي، فحديث عمر لما حمل على فرس في سبيل الله وباعه صاحبه وأراد أن يشتريه منه سماه رجوع في الصدقة، سماه عود في صدقته ورجوع إليها، فمثل هذا لا يجوز له أن يشتريها ولغيره أن يشتريها، أو اشتراها أو رجل اشتراها من ماله لعامل أو رجل اشتراها بماله، ((أو غارم)) الغارم إما أن يكون غرمه لمصلحته أو لمصلحة غيره، فإن كان لمصلحته وهو غني يسدد الغرامة من ماله ولا تحل له الزكاة، مادام الوصف ثابتاً غني، نعم لو أتى هذا الغرم على جميع ماله صار فقيراً يستحقه اسم الفقر، لكن غارم مدين وسدد زكاة وسدد الديون من بعض ماله، هل نقول أن(60/16)
هذا الغارم الذي يملك الأموال وعليه ديون يملك مليون وغارم بمائة ألف يأخذ هذه المائة ألف من الزكاة؟ لا تحل له، إنما المقصود به الغارم الذي يأتي الغرم على جميع أمواله حتى يصير فقير فيأخذها باسم الفقر، أو يغرم لمصلحة غيره لحظ غيره، فمثل هذا يأخذ من الزكاة، وهو المنصوص عليه، ولو كان غنياً احتاج إلى الصلح بين فئتين أو بين شخصين فتحمل حمالة من أجل الإصلاح فيأخذ هذه الحمالة من الزكاة ولو كان من أغنى الناس.
((أو غارم أو غاز في سبل الله)) غاز في سبيل الله يأخذ الغزاة الزكاة فيما يعينهم على تحقيق الجهاد والانتصار على الأعداء ولو كانوا، ولو كانت لهم أموال.
((أو مسكين تصدق عليه منها لغني)) تصدق فأهدى منها لغني وحديث بريرة صريح في هذا اللحم تصدق به على بريرة ((ألم أرى البرمة وفيها لحم؟ )) قالوا: لحم تصدق به على بريرة، قال: ((هو عليها صدقة ولنا هدية)) فأكل منه -عليه الصلاة والسلام- والحديث في الصحيحين فلا مانع.
لك قريب فقير فأعطيته من الزكاة ودعاك لوليمة أقام وليمة ودعاك، تقول أنا آكل زكاتي؟ لا، الفقير ملك هذه الزكاة طيب، أصهارك فقراء يحتاجون إلى الزكاة فأعطيتهم من الزكاة وملكتهم إياها وأولادك يذهبون إليهم ويأكلون من هذه الزكاة، تقول ما أعطيهم من الزكاة؛ لأن أولادي يأكلون منها، هم ملكوا هذا الزكاة ويتصرفون فيها وهذه المسألة فيها سعة، لكن لا يقصد الإنسان هذا لا يقصد تفضيل الأصهار على غيرهم لأن أولاده يذهبون إلى المكان باستمرار ويأكلون عندهم، أما إذا حصل من غير اتفاق أنه تصدق عليهم أكلوا أو لم يأكلوا فالأمر فيه سعة والحديث دليل عليه، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم وأعل بالإرسال، أحمد وأبو داود وابن ماجه رووه موصولاً، وأرسله الإمام مالك في الموطأ، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يرسل كثيراً الأحاديث المخرجة في الصحيحين الموصولة كثير منها يرسلها؛ لأنه لا فرق عنده بين الموصول والمرسل، الإمام مالك يحتج بالمراسيل فليست بمشكلة عنده أن توجد في الموطأ مراسيل كثيرة والبلاغات لأنه يحتج بالمراسيل.
احتج مالك كذا النعمان ... به وتابعوهما ودانوا(60/17)
ولذا لا يحرص على الوصل، وصل أو لم يوصل سيان عنده.
قال -رحمه الله-: وعن عبد الله بن عدي بن الخيار عبيد الله، عبيد الله معروف، وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين حدثاه أنهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة فقلب فيهما النظر فرآهما جلدين فقال: ((إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) رواه أحمد وقواه أبو داود والنسائي.
عبيد الله بن عدي بن الخيار من كبار التابعين، طلب من شخص أن يريه وحشي بن حرب قال أريد أن أرى وحشي الذي قتل حمزة وقتل مسيلمة، وحشي كبير جداً في ذلك الوقت، في الشام يزيد عمره على التسعين، فلما وقف عليه عبيد الله ومن معه وكان عبيد الله متلثماً، قال له وحشي: أنت ابن عدي بن الخيار؟ قال: نعم، فأماط اللثام وما يدريك؟ ما يعرف اسمه لأنه يعرفه قبل أن يسمى، يقول: عرفت رجلك، ناولتك أمك على الدابة وأنت في المهد، عرفه برجله بعد كم؟ عبيد الله في ذلك الوقت يمكن عمره أكثر من خمسين سنة قال بعضهم أنه صحابي لكن المعتمد أنه من كبار التابعين.
أن رجلين حدثاه أهما أتيا، رجلين الرجلين أو الرجلان مبهمان، والمبهم لا بد من تعيينه، لكن هما صحابيان، والصحابة كلهم عدول أن رجلين حدثاه أنهما أتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما النظر فرآهما جلدين، ردد النظر مرة مرتين ثلاث شوف سبب مبرر للمسألة فما وجد، فرآهما جلدين يعني فيهما قوة وقدرة على العمل، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما -للوصف وهو الحاجة- ولا حظ فيها لغني)) يعني إن كنتما غنيين فلا حظ لكما فيها، والمسألة ديانة والخيار لكما، لكما النظر إن شئتما رد ذلك إلى مشيئتهما فيدل هذا على أن مرده إلى الديانة، وأن الإنسان لا يستحلف، إذا ظهرت عليه آثار الفقر لا يستحلف يعطى ولا يطالب ببينة إلا إذا عرف عنه خلاف ما يدعي على ما سيأتي في حديث قبيصة.
((إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) لقوي مكتسب هما جلدان لديهما القدرة والقوة على الاكتساب ولا حظ لهما فيها فكيف يقول إن شئتما أعطيتكم؟ هل لهما حظ في الصدقة جاء وصفهما بأنهما جلدان.
طالب. . . . . . . . .(60/18)
ولا لقوي مكتسب يعني احتمال أنهما جلدان وقويان ولديهما القدرة لكن هما لا يكتسبان لكن إذا قال شاب في العشرين من عمره قوي قادر أو افترض أنه في الخمسة والعشرين وعنده شهادة وقيل له توظف قال ما أنا متوظف، أنا ما عندي شيء أبا أطلب الزكاة، إذا رددناه إلى الوصف الأخير ترى يرد عليه مثل هذا يرد عليه مثل هذا عنده شهادة وبإمكانه يتوظف وينفع وينتفع قال لا ما أنا متوظف أنا قوي وجلد لكني ما أنا مكتسب، يعطى من الزكاة أو ما يعطى؟ الآن الإشكال وينه عندنا في الحديث؟ الوصف قائم هما جلدان ولا حظ لقوي مكتسب في الزكاة لا حظ له فهل الوصف يكتفى بالقدرة على الكسب أو لا بد من تحقق وصف الاكتساب، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رد ذلك إلى مشيئتهما إن شئتما أعطيتكما أو يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- مع رؤيته لهما وتحقق وصف القوة إلا أنه يشك في قدرتهم على الاكتساب فوكل الأمر إليهما، كما وكل أمر الغنى إليهما؛ لأن بعض الناس تشوف مثل ما شاء الله تظنه يعمل عمل عشرة ولا يستطيع أن يعمل عمل شيء ما عنده قدرة، وبعض الناس تجده من أذكى الناس ومن أحرص الناس ولا يوفق، وبعض الناس تنقصه الخبرة والحذق والحرص والنباهة ومع ذلك غني، شخص من البادية دخل إلى البلد فاشترى كيساً كبيراً من بر كبير جداً يقولون فيه مائة وزنه يعني مائة وخمسين كيلو في الكيس كبير جداً فقال لصاحب البر أعطني كيساً ثانياً فارغاً فملأه من الرمل وعدل الكيسين على البعير، البعير عليه ثلاثمائة كيلو الآن، أراد أن يركب البعير ما يتحمل فصار يمشي وراءه فتبعه رجل فقال: وراك تمشي قال: البعير والله ما يتحمل، قال: ويش هو هذا؟ قال: بر، قال: ويش هو هذا؟ قال: رمل، لماذا ليعدل هذا بهذا لأن الكيس بمفرده لا يثبت لا بد من عدله على البعير، قال يا أخي وين عقلك، كب الرمل واقسم البر بين الكيسين واركب، فعل ارتاح البعير ومشى مشياً حثيثاً ثم لما أدبر ناداه يا رجل تعال، ما عندك من الأموال قال: أبد والله ما عندي إلا ها العصا وها الثوب المتمزق، قال: لا، يكفينا العقل الذي عندنا، أنا عندي جيوش من الأموال أقول عقلي يكفيني وعقلك يكفيك فعاد الكرة إلى الرمل وعدل به، هذا لو عقله(60/19)
نافعه كان رازقه الله، قال هذا العقل لا دخل له، وهذه حكمة إلهيه، لئلا يقول كسبته بعقلي وحنكتي ودهائي وخبرتي لا، لكنه أيضاً مزلة قدم لمن لا يرضى ويسلم كم جاهل يقول المعري وهو متهم بالزندقة:
كم جاهل جاهل أعيت مذاهبه وعالم عالم يقول ..
كم عالم عالم أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
كم عالم يعترض بهذا على القدر،
هذا الذي صير الأفكار حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا
الواقع يدل على كثير من الأذكياء، أذكياء العالم فقراء، وكثير ممن هم دونهم في المستوى عندهم، وبعضهم يرد هذا إلى أن الذكي جداً يتردد ما يقدم على شيء إلا بعد دراسة وافية وتامة ويحسب وليش هذا ومتى هذا ثم تفوته الفرص، بخلاف غيره الذي يغامر والتجارة تحتاج إلى شيء من الجرأة، على كل حال قد ترى الإنسان وتقدر وضعه أنه قادر على الاكتساب وهو في الحقيقة لا يستطيع، فالمرد في الاكتساب لا على القوة ولذا رده النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى مشيئتهما.
قال الحافظ -رحمه الله-: وعن قبيصة بن مخارق الهلالي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه، لقد أصابت فلان فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكله صاحبه سحتاً)) رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان.(60/20)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن قبيصة بن مخارق الهلالي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة -هذا حصر رجل بدل من الثلاثة ويجوز رجل على تقدير مبتدأ- ((رجل تحمل حمالة)) يعني عن غيره تحمل حمالة عن غيره وهذا غارم فحلت له المسألة حتى يصبيها ثم يمسك، فالحمالة ما يتحمله الإنسان عن غيره ((ورجل أصابته جائحة)) أصابته جائحة أي آفة سواءً كانت سماوية أو أرضية فتلف ماله بسببها رياح سيول فيضانات حرائق أو غيرها، غرق في بحر، ((أصابته جائحة اجتاحت ماله)) يعني أتت عليه فأهلكته ((فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً)) بكسر القاف وهو ما يقوم بحاجته ويسد خلته، ((حتى يصيب قواماً من عيش))، أو قال: سداداً من عيش، ((ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة))، فاقة حاجة، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من ذوي العقول وإلا المغفل، من أهل الفطنة لا من أهل الغفلة، لأن أهل الغفلة سهل أن يلقنهم ولو كانوا من الصالحين، المغفل سهل تلقينه، المغفل سهل يعني قد يكون من أتقى الناس لله -جل وعلا- لكنه متصف بالغفلة، فيلقنه هذا الشخص الغني فيقول أنه جاءنا بضاعة من كذا فغرقت ويوم ثاني جاءنا من كذا ثم بعد ذلك يرسخ في ذهنه أن هذا الرجل بحاجة وأصابته فاقة ومع الوقت يوم ثم يوم ثم يوم، يقدر ثم يشهد له، ومثل هذا النوع لا يؤمن أن يؤخذ مع غرة، فيشهد شهادة زور، بالتلقين يأتي إليه شخص فيقول اشترينا الأرض الفلانية يقول ما شاء الله أرض طيبة وموقعها استراتيجي وما أدري إيش وينتهي الأمر على هذا، بعد أسبوع يجي يقول والله كنا كنت اشتريتها على أساس أني أشيد عليها سكن وأتوسع ثم يقول والله بعد ما أدرك قريبة من كل المرافق ثم يأتي بعد أسبوع يقول عدلنا عن كونه سكن لأن الموقع تجاري يريد أن يقيم عليها محلات تجارية ومكاتب وغيرها، ثم يأتيه أسبوع رابع المقصود أن هذا استقر في ذهنه أن الأرض له، ثم يأتيه بعد أسبوع خامس وقد مر واحد واثنين من بعد مثله ولقنهم بهذه الطريقة يقول والله إن البينة الآن فلان سافر وما أدري إيش إحنا محتاجين أن نفرق الأرض. . . . . . . . . أهل الغفلة يقبلون التلقين مع الأسف أن عامة(60/21)
المسلمين الآن منهم من أهل لخبرة والفطنة والنباهة صاروا يلقنون على أعلى مستوى، وسائل الإعلام الآن صارت تلقن الناس فجميع ما يقال فيها صحيح، هذه مشكلة، فقبول التلقين آفة، جرح عند أهل العلم، الراوي الذي يلقن لا يتلقن مردود الرواية وكثير من الناس يقول أبداً شفت بعيني شوف الصحف، وكونهم يلقنون من العلوم والأخبار والصور المدبلجة وقد الآن السفهاء والمفسدون يدبلجون صور عارية على أناس أهل خير وأهل فضل هذه مشكلة إذا كنا نبي نصدق من خلال ما يفعله هؤلاء أساس التلقين بعينه، وضرره محض حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا، الآن الشخص إذا كان فقير يحتاج إلى أن يقيم بينة وثلاثة؟ ما يحتاج إذا كان ظاهره الفقر ولا عرف بغنى يعطى بمجرد دعواه، لكن المسألة هنا فيمن عرف بخلاف دعواه، عرف بغناه فلا بد أن يأتي بثلاثة ما يكفي اثنين لان الثالث يقاوم ما عرف به، وإن قال بعضهم أنه يكفي الاثنين والثالث مجرد استحباب وزيادة تأكد ويكفي الاثنين كغيرها من الدعاوى.
من قومه: الذين هم أعرف الناس به ويشهدون فيقولون: لقد أصابت فلاناً فاقة، أصابته بدليل أنه قبل هذه الإصابة لا يستحق ما ادعاه، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش فما سوى هذه الأمور الثلاثة من المسألة ((يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً))، والسحت الحرام وإذا كان الحلال يذهب فما بالك بالحرام الذي يذهب نفسه ويذهب غيره من الحلال، يسحت ما عند الشخص وجاء وصف أهل الكتاب بأنهم أكالون للسحت، ((يأكلها صاحبها سحتاً)) رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة إلى آخره.
قال -رحمه الله-: وعن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس، وفي رواية: وأنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) رواه مسلم.(60/22)
هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم عن عبد المطلب صحابي لا يوج له رواية في الكتب الستة إلا هذا الحديث وقد اختلف في اسمه هل هو عبد المطلب أو المطلب، رجح كثير من أهل التحقيق أنه المطلب، وليس عبد المطلب، لأنه كونه عبد المطلب يرد عليه إشكال لماذا ما غيره النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وقد غير من نوعه كثير لأن التعبيد لغير الله -جل وعلا- لا يجوز، وغير النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا النوع عدد، عبد المطلب أجاز بعض أهل العلم التسمية بعبد المطلب لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)) كيف يفتخر بشخص معبد لغير الله -جل وعلا-؟ لكن هذا مجرد إخبار، وتغيير اسم جده لا أثر له، الذي مات مات، المسألة فيمن هو تحت التكليف، مات على كفر، لكن لو وجد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وأسلم غير اسمه، فالتغيير في شخص قد مات يعني لو كان للشخص ولد اختار له اسماً قبيحاً سماه به ثم مات الطفل هل يتعب عليه ويروح يقدم على الجهات يغير اسمه وإيش الفائدة من الاسم إلا أن ينادى به بين الأحياء، وما دام مات لا يحتاج إلى تغييره فهذا منه فكونه -عليه الصلاة والسلام- قال: أنا ابن عبد المطلب يحكي واقع.
هذا الراوي الذي معنا وهو عمدة من غير ابن حزم، ابن حزم يستدل بكون جد النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد المطلب، لكن هذا الراوي الذي معنا إذا كان اسمه عبد المطلب ففيه حجة لمن يقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يغيره فتجوز التسمية بعبد المطلب، لكن من ناحية النظر ما الفرق بين المطلب ومناف مثلاً إيش الفرق أن نقول عبد المطلب أو عبد مناف؟ من ناحية النظر.
طالب. . . . . . . . .
لا، لا كلها أسماء والتعبيد لغير الله لا يجوز البتة، ابن حزم يقول: حاشا عبد المطلب ويستدل بقوله، لكن هذا الراوي لا شك أنه لو كان اسمه عبد المطلب مشكل، ويستروح بعض أهل العلم إلى جواز عبد المطلب من خلال استدلوا بهذا الراوي، والخلاف فيه معروف، هل هو عبد المطلب أو المطلب وما دام وجد الخلاف في اسمه فلا يكون وجود مثل هذا الراوي مبرراً للتعبيد لغير الله -جل وعلا-، لأن العبودية خاصة.(60/23)
عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لأنه جاء يطلب العمالة على الصدقة، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ومن باب أولى النبي -عليه الصلاة والسلام- دخوله في آله دخولاً أولياً فلا تحل له كما في الرواية الأخرى ولا لآله، ((إنما هي أوساخ الناس))، هذه هي العلة إنما هي أوساخ الناس وفي رواية: ((أنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) رواه مسلم.
جاء تفسير الآل في النصوص على وجوه حديث التشهد جاء بدل من آل محمد اللهم صلي على محمد وعلى أزواجه وذريته، فهم من آله، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [(33) سورة الأحزاب] والنص في أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- فهن من آله، فهذا تفسير للآل.
ومنهم من يخص آل محمد بآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس ومنهم من يعمم، فيقول: آل محمد بنو هاشم، كلهم فيدخل فيهم من ينتسب إلى أبي لهب مثلاً ومنهم من يضيف إليهم بني المطلب وهو المعروف عند الحنابلة والشافعية وعند غيرهم أنه خاص ببني هاشم، والحديث الذي يلي هذا فيه الدلالة على ما يختاره الحنابلة والشافعية من دخول بني المطلب فيمن لا تحل لهم الزكاة.
قال -رحمه الله-: وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد)) رواه البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- قال: مشيت أنا وعثمان، الفصل بالضمير هنا واجب لئلا يعطف على الضمير المرفوع والمتصل دون فاصل وجاء في الشهر ما، الفصل بدون فاصل لكن المحقق عندهم أنه لا يجوز العطف على ضمير الرفع دون فاصل مشيت أنا وعثمان، أو قال مشيت وعثمان؟ ما جاز عندهم
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد(60/24)
مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقلنا يا رسول الله: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة، لأنه من بني عبد مناف جبير بن مطعم من بني عبد مناف، وعبد مناف وعبد المطلب والمطلب واحد بمنزلة واحدة لأنهم أبناء عم، فهم بمنزلة واحدة، فما المبرر لتخصيص بني المطلب وإلحاقهم ببني هاشم، هم ما يستدلون ببني هاشم لأنهم أصل بنو هاشم أصله -عليه الصلاة والسلام- لكن الإشكال في بني المطلب وهم بمنزلة عبد مناف فما الذي يخصص هؤلاء من هؤلاء أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: -جبير بن مطعم من أولاد نوفل بن عبد مناف وعثمان من أولاد عبد شمس بن عبد مناف ويستوون مع بني المطلب وبني هاشم لكن هم لا ينظرون إلى بني هاشم لأنهم أصل النبي -عليه الصلاة والسلام- فهم يحتجون ببني المطلب أعطاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- من خمس خيبر وترك هؤلاء وهم بمنزلة واحدة فكان الجواب النبوي منه -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد)) يعني هذا حكم شرعي لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام كما جاء في ذلك الخبر، كما جاء بذلك الخبر، فهذه العلة جعلت إلحاق بني المطلب ببني هاشم بهذه الخصيصة إعطائهم من الخمس مفهومه والغنم مع الغرم والخراج بالضمان أعطوا من الخمس إذاً يحرمون من الزكاة كبني هاشم لأن حكمهم حكم بني هاشم، فما دام أعطوا من الخمس يحرمون من الزكاة وهذا من أقوى ما يعتمد عليه الحنابلة والشافعية.
قال: وعن أبي رافع -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأربي رافع اصحبني فإنك تصيب منها، فقال: لا، حتى آتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسأله فأتاه فسأله فقال: ((مولى القوم من أنفسهم وأنها لا تحل لنا الصدقة)) رواه أحمد والثلاثة وابن خزيمة وابن حبان.(60/25)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعن أبي رافع وهو مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقال اسمه هرمز ويقال إبراهيم، وهذا شأنه شأن من يشتهر بغير اسم العلم فإنه يضيع، إذا اشتهر الإنسان بشيء ضاع غيره، من اشتهر باسمه ضاعت كنيته، من اشتهر بنسبه ضاع اسمه وكنيته، من اشتهر بكنتيه ضاع اسمه، وهكذا والأدلة كثيرة من الرواة، يعني في أحد يعرف كنية قتادة؟
طالب. . . . . . . . .
أبو سليمان، كيف؟
طالب. . . . . . . . .
قتادة بن دعامة معروف باسمه كنيته؟
طالب. . . . . . . . .
لا، لا.
طالب. . . . . . . . .
إيش؟ نعم
طالب أبو الحارث
لا، لا، كنيته أبو الخطاب.
فهذا شأن من يشتهر بشيء يضيع الباقي، وانظر في الناس كلهم من المتقدمين من أهل العلم من غيرهم إلى عصرنا هذا تجد كثير من المؤلفين والكتاب الذين يكتبون بالكنى ما يعرف الناس أسمائهم.
فالعبرة بأهل العلم وأهل الرواية الذين لا بد من تعيينهم فهذا اختلف فيه اختلف في اسمه، كان مولاً للنبي -عليه الصلاة والسلام- بشر النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسلام العباس فأعتقه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعث رجل على الصدقة عامل على الصدقة جاء تعيينه بأنه الأرقم بن أبي الأرقم في بعض الروايات، عامل على الصدقة من بني مخزوم فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها، تشاركني في العاملة وتأخذ نصيبك بصفتك عامل عليها، ولا يريد أن يعطيه من نصيبه، تكون له زكاة في العمالة وهذا تكون له هدية منه، لا يريد ذلك، إنما يريد أن يشاركه في العمالة ويشاركه فيما يترتب عليها، اصحبني فإنك تصيب منها، فقال: لا حتى آتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسأله فأتاه فسأله فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)) فلا تحل لمولاه، رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، طيب بريرة حلت لها الصدقة بريرة حلت لها الصدقة نعم،
طالب. . . . . . . . .
التطوع ليس من الزكاة.
مولاة لعائشة.(60/26)
كانت لعائشة مولاة لعائشة -رضي الله عنها- فألحق الموالي بأسيادهم مولى القوم منهم أو من أنفسهم فما دامت لا تحل لأسيادهم فلا تحل لهم تبعاً لهم ومولى القوم منهم، فهم في حكمهم في تحريم الصدقات، نعم.
طالب. . . . . . . . .
ما تحل لها الزكاة، من بني هاشم ومن بني المطلب هي؟
طالب. . . . . . . . .
لكن هي من بني هاشم ومن بني المطلب؟
ليست منهم.
طالب. . . . . . . . .
ولو كان، دليل يدل على منع الزكاة لبني هاشم وبني المطلب، لأنه ما هي بالمسألة انتهت تقول عائشة ترفع عن هذا لكن إخوانها، المسألة مسألة نسب.
والآل جاء في النصوص يختلف من نص إلى آخر المراد بهم؛ لأن معناه اللغوي أوسع ابن القيم ذكر خلاف ذكر في المسألة أربعة أقوال واختار منها ما اختار.
قال -رحمه الله-: وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء فيقول: "أعطه أفقر مني" فيقول: ((خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك)) رواه مسلم.(60/27)
وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر -رضي الله عن الجميع- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي عمر، عمر بن الخطاب فيقول عمر من باب التورع أعطه أفقر مني، فعمر يأتيه المال من غير استشراف ولا تتطلع فمثل هذا لا يرد يتوسع به الإنسان فيما يعينه على أمور دينه ودنياه وينفق منه ويتصدق فعمر -رضي الله عنه- يقول: أعطه أفقر مني يعني ليست بحاجة إليه فيقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خذه فتموله أو تصدق به)) انتفع به أنت أو انفع به غيرك، ((وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا -يعني ما يحتاج إلى استشراف وتطلع إليه وسؤال هذا- لا تتبعه نفسك .. ))، لا تلتفت إليه وإنما علق آمالك ورجاءك بالله -جل وعلا-، فالذي يأتي من غير طلب ولا تطلع ولا استشراف هذا يؤخذ ويبقى النظر في أمور هذا المال الذي يعطى من شخص كسبه حرام تورعاً مطلوب، إذا كان هذا المال المعطى مظلوم صاحبه مأخوذ غصباً عنه لا يؤخذ لأن هذا من باب التعاون على الإثم والعدوان، إذا كان الشخص فاسق فلا تقبل هديته ولا عطيته إلا إذا كان فيها تأليف لقلبه وإلا لا شك أن الهدية والعطية لها أثر على القلب فيكون لهذا الفاسق يد على هذا الشخص فيميل إليه القلب، وجاء في الخبر اللهم لا تجعل لفاسق عندي يداً فيوده قلبي إذا كان يريد من هذه الهدية أو هذا العطاء مقابل وتقدم في حديث أبي ذر: ((وإذا كان ثمناً لدينك)) فلا فالمسألة لا بد من التأكد من سلامة القصد.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(60/28)
بلوغ المرام - كتاب الصيام (1)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ, إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا, فَلْيَصُمْهُ)) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رضي الله الله عنه- قَالَ: ((مَنْ صَامَ اَلْيَوْمَ اَلَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا اَلْقَاسِمِ)) وَذَكَرَهُ اَلْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا, وَوَصَلَهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (كتاب الصيام).
الكتاب: سبق التعريف به مراراً، والصيام مصدر صام ومثله الصوم، صام صوماً، قال قولاً، والصيام مثل قام قياماً، فهما مصدر للفعل صام، ولذا تجدون التراجم أحياناً، كتاب الصيام، وأحياناً كتاب الصوم، ولا فرق بينهما إذ الكل كل منهما مصدر للفعل صام.(61/1)
الصيام عرفوه في اللغة بأنه: الإمساك عن أي شيء، بمجرد الإمساك يسمى صيام، فالإمساك عن الكلام صيام، الإمساك عن الحركة صيام، الإمساك عن الأكل والشرب صيام، فجاء في الإمساك عن الكلام في قوله -جل وعلا- لمريم -عليها السلام-: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [(26) سورة مريم]، فهي لم تنذر الصيام في الإمساك عن الأكل والشرب وإنما الكلام، بدليل قولها {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [(26) سورة مريم]، ويأتي الصيام بمعنى الإمساك عن الحركة، خيل صيام وخيل غير صائمة، يعني ممسكة، خيل تجري، وخيل ممسكة عن الجري والحركة، كما أن الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات التي هذه هي أصولها صيام، والحقيقة اللغوية التي هي الإمساك لا تختلف عن الحقائق الشرعية اختلافاً متبايناً، بل في الغالب أن الحقيقة اللغوية تبقى ويزاد عليها من القيود ما يميز الحقيقة الشرعية، فالصيام الشرعي إمساك، كما أن الصيام في اللغة إمساك، يزاد في الحقيقة الشرعية من القيود ما يميز به هذه الحقيقة عن الحقيقة الأصلية التي هي مجرد الإمساك، وقل مثل هذا في الصلاة في الزكاة في الإيمان في غيرها من الحقائق الشرعية، لو تأملت وجدت أن الحقائق اللغوية موجودة، ما هناك تباين بين الحقائق الشرعية والحقائق اللغوية، قد يكون هناك تباين وتفاوت في الحقائق العرفية، لكن الحقائق اللغوية لا تتابين مع الحقائق الشرعية وإنما يزاد في الحقائق الشرعية بعض القيود التي تميزها عن مجرد الإطلاق اللغوي، وهنا الصيام في اللغة الإمساك، وفي الشرع الإمساك، لكن الإمساك من نوع خاص، إمساك من نوع خاص، الإمساك عن الأكل والشرب والجماع، هذه هي أصول المفطرات في وقت مخصوص من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية، بعضهم يقول: إمساك المكلف، وبهذا يخرج صيام الصائم، لكنه صيام، صيام يعود عليه ويمرن عليه لا يؤاخذ بتركه لكن من باب التمرين فهو صيام شعبان، ولذا المحقق أنه يجزئ إذا وقع نصفه نفل ونصفه فرض، بمعنى أنه كله في أثناء النهار صوم، صيام شهر، هذا الصبي صام في أول النهار ثم أكل في أثنائه يكفيه هذا الصيام؛ لأن الحقيقة الشرعية موجودة، بعضهم يضيف في جميع العبادات(61/2)
قيد يدل على أنه عبادة، فيقول: الصيام مثلا: التعبد لله -جل وعلا- بالإمساك عن كذا وكذا وكذا لكن إذا قلنا بنية، النية من لازمها التعبد، بعضهم يضيف في القيد النية؛ لأنه بدون نية وإن وجدت صورته فلم توجد حقيقته الشرعية، فلا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل، كما أنه جاء في الحديث الصحيح الذي يشمل الصيام وغيره حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) وهذا يأتي دراسته في الموضوع -إن شاء الله تعالى-.
فالصيام الإمساك عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بالنية المصاحبة المتقدمة على أول جزء منه، والصيام المقصود به صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام ولكونه شاقاً على النفوس جاءه تشريعه تدريجياً كالمنع من الخمر، جاء التشريع تدريجي، والصيام جاء التشريع تدريجي، كان الواجب عاشوراء، ثم بعد ذلك نزل صيام رمضان مع التخيير، من أراد أن يصوم ومن أراد أن يطعم، والصيام أفضل، ثم بعد ذلك نسخ التخيير في حق القادر، وبقي الصيام لا خيرة فيه بالنسبة للمستطيع ويبقى أن الإطعام في حق من لا يستطيع.
صيام رمضان ركن من أركان الإسلام دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فلقول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة]. وأما السنة فالأدلة متضافرة على وجوبه وأنه من دعائم الإسلام وأركانه.
حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)) [الحديث متفق عليه].
وأجمع المسلمون على أنه ركن من أركان الإسلام.
في حديث ابن عمر الرواية المتفق عليها في تقديم الحج على الصيام، وعلى هذه الرواية بنى البخاري تأليف كتابه فقدم الحج على الصيام ولعل ذلك لما جاء في الحج بخصوصه من النصوص الشديدة مما لم يأت نظيره في الصيام.(61/3)
في آية آل عمران {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران]، ثم قال: {وَمَن كَفَرَ} هذا أمر عظيم {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وجاء عن عمر وغيره أنهم يرسلون إلى عمالهم في الأقاليم أن ينظروا من كانت له جِدَة ولم يخرج فليفرضوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين؟ ما هم بمسلمين، جاء مثل هذه النصوص التي تجعل بعض العلماء لا سيما الإمام البخاري يجعل الحج آكد من الصيام والرواية المتفق عليها بتقديم الحج على الصيام، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر بعض روايات الحديث عند مسلم قال: ((وصوم رمضان والحج)) فقدم الصيام على الحج، فقال رجل: الحج وصوم رمضان، فقال ابن عمر: لا، صوم رمضان والحج، إنكار ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- على هذا المستدرك لا شك أنه مشكل مع أنه ثبت عن ابن عمر أنه قدم الحج على الصيام، يشكل عليك، كيف ترد عليه وقد ثبت عنك أنك قدمت الحج على الصيام، والحديث في الصحيحين، فأهل العلم لهم كلام في السبب الذي من أجله رد ابن عمر على هذا المستدرك، ومن ذلك ما قاله النووي -رحمه الله-، قال: لعل ابن عمر روى الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين، مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم، فرواه كذلك على وجهين، ثم لما رد عليه هذا المستدرك أراد أن يؤدبه، فقال: لا تستدرك ولا تعترض بما لا علم لك به، وهذا أسلوب من أساليب تربية بعض الطلاب الذين يتعجلون بحضور الأكابر، فيردون عليهم ويستدركون عليهم، يعني من السهل جداً أن تجد طالب صغير والشيخ يتكلم يقول: لا يا شيخ، كذا، أمر سهل جداً أن أتقدم بسؤال فإذا أجيب قال: لا يا شيخ الشيخ فلان يقول كذا، مثل هذا يحتاج إلى تأديب مثل تأديب ابن عمر لهذا المستدرك، وإلا فالحديث ثابت على الوجهين.
جوز النووي -رحمه الله تعالى- أن يكون ابن عمر يروي الحديث على الوجهين، ثم لما رواه بتقديم الصيام على الحج نسي الوجه الأول، الذي فيه تقديم الحج على الصيام فلما استدرك عليه المستدرك قال: لا، صوم رمضان والحج.(61/4)
الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أن هذا الاختلاف من الرواة عن ابن عمر، أو من الراوي عن ابن عمر وحنظلة، يقول إن نسبة الرواية بالمعنى إذا قيل أن ابن عمر يروي الحديث على وجه واحد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لتقديم الصيام على الحج، بدليل أنه أنكره على الرجل الذي استدرك عليه، يقول ابن عمر يرويه هكذا جزماً ثم الراوي عنه رواه بالمعنى، فمرة قدم الحج ومرة قدم الصيام. ويقول: هذا التصرف ينسب إلى التابعي أولى من أن ينسب إلى الصحابي؟ افترضنا أن الراوي نسي فقدم وأخر، هل نسبة هذا النسيان للصحابي أولى من نسبته إلى التابعي أو العكس؟ يقول: إلى التابعي نسبته، نسبة هذا التقديم والتأخير إلى التابعي والرواية جائزة بالمعنى والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب سواء قدم أو أخر ما يضر؛ بدليل أنه جاء في بعض الروايات تقديم الحج على الزكاة، فهل يقال أن عمر رواه على ثلاثة أوجه؟ على كل حال المسألة سهلة يعني، الصيام والحج كلاهما ركن من أركان الإسلام. وسواء قدم الحج على الصوم، والصوم على الحج فالأمر سهل، لكن عامة أهل العلم على تقديم الصيام على الحج، والبخاري رحمه الله تعالى اعتماداً على الرواية المتفق عليها قدم الحج على الصيام.
بالنسبة للأركان الخمسة الركن الأول: الشهادتان، من لم يأت بهما لم يدخل الإسلام أصلاً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فلا إسلام دون التلفظ بالشهادتين، وأما بالنسبة للركن الثاني فجاء فيها النصوص الشديدة ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) أما من ترك أحد الأركان الخمسة جحوداً فهذا يكفر اتفاقاً، فالمسألة مفترضة من تركها تهاوناً وكسلاً لا جحوداً، وجاء في الصلاة ما يخصها من مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ولذا يفتي جمع من أهل التحقيق أن تارك الصلاة كافر، ولو اعترف بوجوبها وهذه رواية عند الإمام أحمد ينصرها شيخ الإسلام وابن القيم وجمع من أهل التحقيق، وهو المفتى به الآن.(61/5)
ونقل اتفاق الصحابة على أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وأما بالنسبة لبقية الأركان الزكاة والحج والصيام فقيل بكفر تاركها، وهي رواية عن الإمام أحمد نصرها جمع من أصحابه وهي قول عند المالكية، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، والجمهور على عدم كفر تارك هذه الأركان مع الاعتراف بوجوبها، لكنه على خطر عظيم. أي بناء تهدمت أركانه لا يقال له شيء والركن جانب الشيء الأقوى، فإذا هدم أي ركن من أركانه يكاد أن يزول.
الصيام شرع في السنة الثانية من الهجرة، فصام النبي -عليه الصلاة والسلام- صيام رمضان تسع سنوات، صام تسعة رمضانات -عليه الصلاة والسلام-.
من حِكَم الصيام:
شرعية الصيام لحكم ومصالح عظيمة دينية ودنيوية.
من أعظم مصالح الصيام وحكمه: التقوى التي أشير إليها في آيات فرض الصيام، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] لا شك أن الصيام يورث التقوى، وهذه فائدة عظمى بالنسبة للمرء، أعظم ما يستفيده الإنسان في هذه الدنيا التقوى.
وتقوى الله أفضل مستفادِ(61/6)
فإذا تحققت هذه الفائدة من الصيام عرفنا أن الصيام جيء به على الوجه المشروع؛ لأنه مع الأسف الشديد يلاحظ أن بعض الناس يصوم يمسك عن الطعام والشراب والجماع المدة المطلوبة ومع ذلك يزاول المنكرات، يترك الواجبات ويرتكب المحرمات فأين التقوى؟ هل هذا راجع إلى خلف في الوقت والرجاء، أو هذا راجع إلى خلل في الصيام الذي لم يترتب الأثر عليه؟ هذا راجع لا شك إلى خلل في الصيام، فالصيام الذي لا يورث التقوى معناه أنه لم تترتب آثاره عليه، وإن صح في عرف الفقهاء وأجزأ الطلب لكن يبقى أنه لا بد من وجود خلل، ما أتى به على الوجه المشروع؛ فالعبادات التي يرتب عليها آثار المقصود بها العبادات التامة التي تؤدى بإخلاص لله -جل وعلا-، وبمتابعة دقيقة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذ يورث التقوى، أما صيام شخص لم يلاحظ ولم يراعي الواجبات والآداب ولم يترك المحرمات أثناء صيامه ولا بعد صيامه مثل هذا لا تترتب عليه آثار، وقل مثل هذا في سائر العبادات، فالصلاة مثلاً، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] قد يقول قائل كثير من الناس يصلي ويسرق، يصلي ويزني، كيف نهته صلاته؟ نقول: نعم، هذه الصلاة لم يؤتى بها على الوجه المشروع وإن تحققت شروطها وأركانها وواجباتها وأسقطت الطلب ولم يؤمر بالإعادة لكن فيها خلل. لبها وروحها لم يوجد؛ فالشخص الذي لا ينصرف من صلاته إلا بربعها بخمسها بعشرها مثل هذا لا تترتب آثاره عليها وقل مثل هذا في الصيام، ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينها ما اجتنبت الكبائر)) يعني تصور العبادات التي يؤتى بها على الوجه الناقص الذي لا يكسب صاحبها من جرائها ولا عشر الأجر هذه تكفر الذنوب؟ هذه إن كفرت نفسها يكفي، فننتبه لهذا، فالتقوى يحرص الإنسان عليها، هي وصية الله للأولين والآخرين، وقد أمر بها في نصوص كثيرة، فإذا ترتبت التقوى على الصيام، فعلى الإنسان أن يحمد الله -جل وعلا- ويشكره على التوفيق لهذه النعمة العظيمة.(61/7)
والصيام أيضاً فيه فوائد للفرد الصائم وللمجتمع؛ فالصائم إذا أحس بالجوع والعطش عرف أن له أخوة جُل وقتهم على هذه الصفة، فيحمله ذلك على العطف عليهم والإحسان إليهم فيكسب بذلك الأجور العظيمة، وهو أيضاً وقد فرض على الصغير والكبير والأمير والحقير والملك والوزير، فرض على الجميع، كتب عليكم جميعكم، يتصور الصائم وهو يرى الأمير والوزير والكبير والصغير كلهم صيام يتصور عدل الله -جل وعلا-، فيعدل فيما ولي، بمن تحت يده، بدءاً من الإمام الأعظم إلى أصغر مسؤول، إلى الرجل وبين أولاده إلى الرجل مع نفسه ومع غيره، لا بد أن يتصور هذا أيضاً.
في الصيام فوائد صحية البدن طيلة العام تتراكم عليه المأكولات التي ترهقه وتتعبه فإذا جاء الصيام لا شك أنه يتخلص بالامتناع عن الأكل والشرب من كثير من الفضلات، لا سيما الدهون والشحوم التي تتراكم على الجسم وتؤثر على القلب فيتخلص منها في الصيام، ولهذا يؤمر كثير من الناس بالحمية، الأطباء يأمرون كثيراً من المرضى بالحمية ولا شك أن الحمية علاج لكثير من الأمراض، يعني الحركة معها الحمية تقليل الأكل يتفق الأطباء على أنهما علاج لكثير من الأمراض، كثير من الأمراض لا تحتاج إلى علاج أكثر من هذا، فإذا احتمى الإنسان هذه المدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تخلص الجسم من هذه الفضلات، لكن الملحوظ أولاً وآخراً، امتثالاً للأمر الإلهي {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [(183) سورة البقرة] وبعض الناس من يرغب الناس في العبادات، أول ما يبدأ في المنافع الدنيوية ولا شك أن تعليق الناس بهذه الأمور الدنيوية لا شك أنها على حساب الآخرة، احتساب امتثال الأمر الذي هو الأصل، لكن لا مانع أن يذكر هذا رافد، بل يربط الناس بالأمر والنهي، أنت عبد مخلوق لهدف عظيم هي العبودية، فعليك أن تحقق هذه العبودية، ولا مانع من أن يلحظ ملحظاً آخر لكن يبقى أن الأصل هو امتثال الأمر.(61/8)
قد يقول قائل: أن الإنسان إذا لحظ هذا وصام وأمسك عنه الطعام هذه المدة الطويلة؛ لأنه نصح من قبل الأطباء ألا يكثر الأكل، هل يعتبر صيامه شرعي؟ وقد بيت النية، وصام المدة كاملة، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس يؤجر أو ما يؤجر؟ نقول نعم يؤجر؛ لأنه لم يعدل من الحمية المجردة إلى الصيام الذي يتقرب به إلى الله -جل وعلا- إلا وفي قلبه شيء من ملاحظة هذه العبادة، ويبقى أن الذي يصوم لا ينهزه إلا الصيام، إلا طلب الثواب من الله -جل وعلا-، أعظم أجراً مما شرك في صيامه بين العبادة والأمر المباح.
في الحديث الأول الذي ذكره الحافظ -رحمه الله تعالى-، يقول -رحمه الله تعالى-، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ, إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا, فَلْيَصُمْهُ)).
الأصل لا تتقدموا رمضان يعني عليه بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه، لا تقدموا رمضان، فيه جواز إطلاق رمضان على الشهر دون إضافة، يعني ما يلزم أن تقول شهر رمضان، إنما يجوز أن تقول جاء رمضان، وجاءت النصوص الكثيرة رمضان دون إضافة.
وترجم الإمام البخاري في حكم اطلاق رمضان، هل يقال رمضان أو لا يقال رداً على من كره ذلك من بعض المتقدمين وثبت في النصوص الإطلاق من غير إضافة، وجاء هنا حديث لكنه ضعيف، جاء من طريقة معشر السندي وهو ضعيف ((لا تقولوا رمضان فإن رمضان من أسماء الله)) لكن الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ.
رمضان هذا الشهر العظيم، الشهر التاسع من شهور العام سبب تسميته على ما قيل أن العرب لما أرادوا النقل، نقل الأسماء القديمة إلى لغتهم وافق مجيء هذا الشهر في حر شديد، والرمضاء فيه محرقة، فسموه رمضان، ومنهم من قال: إنما قيل له رمضان؛ لأنه يمرض الذنوب ويحرقها، وعلى كل حال هذا اسمه الشرعي الذي جاءت به النصوص، وعرف عند العرب أيضاً بهذا الاسم قبل الإسلام.(61/9)
((لا تقدموا))، يعني لا تتقدموا عليه بصيام يوم أو يومين ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه))، ((لا تقدموا)) نهي والأصل في النهي التحريم، فإذا لم يبق على رمضان إلا يوم أو يومين لا يجوز أن يصوم المسلم إما مطلقاً أو احتياطاً لرمضان كما قال بعض أهل العلم، إلا من استثني، ((إلا رجل)) في بعض الروايات: ((إلا رجلاً))، ويجوز الوجهان في مثل هذه الحالة في الصورة، ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه))، شخص يصوم يوم ويفطر يوم، وافق الذي يصومه آخر يوم من شعبان أو يصوم الاثنين والخميس ووافق آخر يوم من رمضان خميس أو اثنين هذا يصوم ولا إشكال على أنه سيأتي مزيد بحث في هذه المسألة عند حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) على ما سيأتي وما قيل فيه من كلام، فجمهور العلماء حملوا النهي على الكراهة، ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين))، أما إن كان من باب الزيادة في رمضان على القدر المشروع يصوم قبل رمضان بيوم احتياطاً لرمضان من غير الرؤية فالتحريم متجه، وهو الأصل في النهي، ولذا جاء الحديث الذي يليه، حديث عمار بن ياسر -رضي الله تعالى عنهما- قال: ((من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-)) ذكره البخاري تعليقاً مجزوماً به. من طريق صلة بن زفر عن عمار وجزم به، فهو صحيح إلى صلة، وصلة ثقة، وعمار صحابي فالخبر صحيح، وهو موصول عند الخمسة كما يقول الحافظ، لكن لا يوجد في المسند، إنما هو في السنن الأربع، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.(61/10)
((من صام اليوم الذي يشك فيه)) اليوم أبلغ أن يقال اليوم الذي يشك فيه، أو من صام يوم الشك، الذي يشك فيه، من صام الشك، يعني يوجد الشك من جميع الناس، أما الذي يشك فيه ولو وقع الشك من بعض الناس، من بعض الناس، ولو وقع الشك فيه من بعض الناس من صامه فقد عصى أبا القاسم -عليه الصلاة والسلام-، ولو بأدنى شك، ونظير هذا الحديث ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين))، وفي الرواية الأخرى: ((من حديث عني بحديث يرى أنه كاذب .. )) وهذا أشد، لأنه لا يمتنع من التحديث إلا إذا رأى هو على الرواية الأولى وعلى الرواية الثانية يمتنع إذا كان إذا رأى أحد من الناس أو من أهل العلم أنه كاذب، عليه أن يمتنع لأنه يرى أنه كذب، فليمتنع من روايته، ولو لم يره أنه كذب.(61/11)
الذي يشك فيه وهو آخر يوم من شعبان، وحمله بعضهم على أنه يوم الثلاثين من شعبان مع الصحو، يعني تراءى الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان دون غيم ولا قتر، ولم يروا الهلال، منهم من يرى أن هذا هو يوم الشك، ومنهم من يرى أن يوم الشك هو في يوم الثلاثين من شعبان، مع ما يوجد مما يحول دون رؤية الهلال من غيم أو قتر، يوم الشك الآن يوم الثلاثين من شعبان هو المحك، هو يوم الشك لكن هل يكون هناك شك مع دون وجود لما يحول من رؤية الهلال؟ منهم من قال هذا يوم الشك، احتمال أن يكون من رمضان والناس ما رأوه ولو لم يكن هناك حائل، ومنهم من يقول أن يوم الشك هو الذي يكون فيه ما يحول دون رؤية الهلال، أما إذا كانت السماء صحوة وتراءى الناس الهلال ولم يروه فلا شك هو من شعبان قطعاً، لكنه يدخل في الحديث السابق، يدخل في الحديث السابق، يكون تقدم رمضان بيوم، فهو منهي عن صيامه على الوجهين، لكن على الوجه الثاني أن يوم الشك هو يوم الثلاثين إذا حال دون رؤية الهلال بغيم أو قتر وهو المرجح من يصومه قد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى القول الأول من يصومه دخل في الحديث الأول، لكن على القول الأول، وهو أنه يوم الثلاثين مع الصحو، يأتي رأي من يقول أن مثل هذا اليوم يوم الثلاثين إذا حال دون رؤية الهلال بغيم أو قتر أنه يصام كقول ابن عمر، وهو المعروف في مذهب الحنابلة، فإن حال دون رؤيته بغيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه، بناء على أن الشك فيما إذا كان صحواً، فيدخل في هذا الحديث أما إذا كان هناك ما يحول دون رؤيته فهذا ليس بشك على هذا القول، والجمهور على أن هذا هو يوم الشك، أما إذا لم يحول دون رؤيته غيم ولا قتر ولا غبار فلا شك من شعبان قطعاً، وسيأتي بحث هذه المسألة في الحديث الذي يليه.
((فقد عصى أبا القاسم)) هذا كلام عمار بن ياسر وهو وإن كان موقوف عليه لفظاً إلا أنه مرفوع حكماً، ولذا يقول ابن عبد البر: أن هذا مسند عندهم لا يختلفون فيه، يعني هذا مرفوع لا إشكال فيه؛ لأن تقرير المعصية لا يأتي بها الصحابي من تلقاء نفسه لا بد من توقيف.(61/12)
((فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-)) وأبو القاسم هي كنيته -عليه الصلاة والسلام- ولد له القاسم من خديجة قبل البعثة ومات، فهو يكنى به -عليه الصلاة والسلام-، ثم ولد له بعد ذلك إبراهيم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له)).
ولمسلم: ((فإن أغمي عليكم فاقدوا له ثلاثين)).
وللبخاري: ((فأكملوا العدة ثلاثين)).
وله في حديث أبي هريرة: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ...(61/13)
يقول المؤلف رحمه الله تعالى: يقول ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه .. )) والضمير يعود إلى الهلال، ولو لم يسبق له ذكر، للعلم به، حذف للعلم به، ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) فعلق النبي -عليه الصلاة والسلام- الأمر بالصيام على الرؤية، وكذلك الأمر بالفطر علق على الرؤية، ((إذا رأيتموه)) هذا خطاب للأمة، ((فصوموا)) أيضاً هو خطاب لها، والأصل أن يتجه الخطاب ((رأيتموه)) على كل من تتأتى منه الرؤية فهو خطاب للجميع، هذا الأصل، لكنه خطاب لمن يثبت الحكم برؤيته بالاتفاق، أن الخطاب لا يتجه إلى جميع الأمة إذا رأيتموه فصوموا لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي في القاعدة القسمة أفراد ((إذا رأيتموه فصوموا)) مقابلة جمع بجمع، يعني الأصل أن كل من رأى يصوم، ومفهوم ذلك أن من لم ير فإنه لا يصوم هذا مقتضى القاعدة مقابلة الجمع بالجمع، لكن هذا غير مراد بالاتفاق، فالخطاب للمجموع لا للجميع، ((إذا رأيتموه)) يعني رآه فيكم من تثبت الرؤية فيه، أو من يثبت الحكم برؤيته فصوموا، وإذا رأيتموه كذلك فأفطروا ((فإن غم عليكم فاقدوا له)) ليلة الثلاثين من شعبان، والسماء صحو تراءى الناس الهلال فلم يروه آخر يوم من شعبان قطعاً؛ لأننا عندنا مقدمات شرعية إذا لم تثبت هذه المقدمات لم تثبت نتائجها، يعني علق الصيام بالرؤية، ما وجدت الرؤية لا توجد النتيجة التي هي الصيام، ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا))، طيب ما رأيناه، ليلة واحد وثلاثين ترى ما رأيناه بعد أيش الحل؟ السماء صحو ما رأيناه؟ نستمر حتى نراه؟ لا زيادة على الثلاثين، إذا تراءى الناس الهلال ليلة الثلاثين كانت صحواً فلم يروه كانت من شعبان قطعاً إن رأوه فهو من رمضان، إن حال دون رؤيته ما يمنع من الرؤية من غيم أو غبار أو قتر أو دخان أو ما أشبه ذلك ((فإن غم عليكم فاقدروا له))، يفسر هذه الرواية، لأن القدر هنا يحتمل معاني، يحتمل اقدروا عليه، ضيقوا عليه، {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [(7) سورة الطلاق] يعني ضيق عليه رزقه، ضيقوا عليه، طيب، ضيقوا عليه، ضيق على شعبان ولا على رمضان؟ حتى على معنى ضيقوا(61/14)
عليه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
تضيق على شعبان معناه تجعله تسعة وعشرين. هذا قصدك.
طالب:. . . . . . . . .
وين أقرب شيء.
طالب:. . . . . . . . .
فيه شيء في رمضان ولا في شعبان ما فيه شيء.
((فإن غم عليكم))، الليلة محتملة على حد سواء أنها من شعبان أو من رمضان؛ لأن فيه حاجز، ((فاقدروا له ثلاثين))، هذه الرواية تفسر الرواية السابقة ولا تجعل هناك مجال للاجتهاد؛ لأن السنة يفسر بعضها بعضاً، إذا جاء اللفظ مجمل في السنة بين بالسنة، ((فاقدروا له))، ((فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين))، فعلى هذا إذا لم ير الهلال أكملنا شعبان ثلاثين يوماً.
لمسلم: ((فإن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين))، غم أو أغمي ومنه الإغماء الذي يغطي العقل والتغمية هنا والإغماء ما يحول دون الهلال ويغطي الأبصار فلا تستطيع رؤيته، فاقدروا له ثلاثين.
وللبخاري ما هو أصرح من ذلك: ((فأكملوا العدة ثلاثين))، أكملوا العدة ثلاثين، فاقدروا له، ابن عمر يرى أنه يضيق عليه، يضيق عليه، كيف يضيق عليه؟ يجعل شعبان تسعة وعشرين، ولذا كان ابن عمر يتراءى الهلال فإن لم يره لما يحول دونه أصبح صائماً، وهو عمدة المذهب؛ لأن ابن عمر هو راوي الحديث، عمدة المذهب عند الحنابلة في وجوب صوم يوم الثلاثين إذا حال دون الرؤية الغيم وما في حكمه.
قالوا ابن عمر يصبح صائم، وهو راوي الحديث والراوي أعرف ممن رواه، ولذا جاء في عبارتهم فإن حال دونه غيم أو غبار أو قتم فظاهر المذهب يجب صومه، والجمهور على أن هذا هو يوم الشك، هذا هو يوم الشك الذي من صامه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، وعامة أهل العلم وهو القول الصحيح الذي لا مرية في رجحانه أن هذا هو يوم الشك إن لم يكن هذا هو يوم الشك فأي يوم يكون يوم الشك؟ يعني إن لم يكن يوم الشك ليلة الثلاثين من شعبان مع عدم التمكن من الرؤية لما يحول من رؤيته، هذا هو يوم الشك إن لم يكن هذا هو يوم الشك فلا شك؛ لأنه إذا لم يجد ما يحول دون رؤيته ولم ير لا شك أن هذا اليوم من شعبان.
((إذا رأيتموه فصوموا))، وله من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) ومعناه ما تقدم.(61/15)
إذن دخول رمضان يثبت برؤية الهلال، إذا تمت، إذا لم تتم الرؤية فإكمال شعبان ثلاثين يوماً ولا ثالث لهما، منهم من نزع إلى أن معنى فاقدروا له بالحساب، يعني يرجع إلى أقوال الحُسَّاب، فاقدروا، التقدير بالحساب، وهذا مذكور عن أبي العباس بن سريج من الشافعي، ويروى عن مطرف بن عبد الله التابعي الجليل، ويذكر عن ابن قتيبة.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: أما مطرف بن عبد الله فلم يثبت عنه، وأما ابن قتيبة فليس ممن يعول عليه في هذا الباب، ويبقى أنه قول ابن سريج من الشافعية، والإجماع قائم على خلافه، وأنه لا عبرة بالحساب، وأنه ليس للأمة وسيلة لإثبات دخول الشهر إلا رؤية الهلال أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، ولا ثالث لهما، هذه المسائل الشرعية ولم نؤمر ولم نكلف بأكثر مما آتانا الله -جل وعلا- {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق]؛ فالأمة أمية لا تكتب ولا تحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين، وعلق الأمر بالصيام على الرؤية لا غير، أو بالإكمال، أما أن نتمحل ونتكلف أمور لم يكلفنا بها الشرع فلا حاجة لنا بذلك، الشرع كامل ولله الحمد والدين كمل قبيل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلسنا بحاجة إلى وسائل ولا حساب والأمة أمية.
قد يقول قائل: كانت الأمة أمية لا تحسب ولا تكتب، لكن الآن صارت تحسب وتكتب وانتفت العلة، فنرجع إلى الحساب؟
نقول: لا أبداً، هذا وصف الأمة وإن وجد فيها من يكتب ويحسب.
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} [(2) سورة الجمعة]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمي، وإن قرأت وإن كتبت فالأمة أمية بالخبر النبوي الصادق.
قد يقول قائل: لماذا لا نستعمل ما يعييننا على الرؤية من مراصد ودرابيل ومكبرات؟
نقول: لا يمنع من استعمالها، لكنها ليست بلازمة، لو أن الأمة ما وضعت هذه المكبرات، ولا هذه المراصد ولا هذه الدرابيل ما أزمت فوسائلها شرعية ونتائجها شرعية، ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.
قد يقول قائل: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما نستطيع الرؤية إلا بالمراصد والدرابيل؟(61/16)
نقول: لا أبداً، الرؤية ممكنة في كل وقت وفي كل مكان، في كل زمان وكل مكان، من غير استعمال لهذه المراصد، لكن إن استعملت ودورها التوضيح فقط، يعني ليس دورها أن توجد شيئاً لم يوجد، لا، دورها مجرد توضيح الموجود فلا مانع من استعماله كما تستعمل النظارة، تكبر لك الحروف، أو تستعمل مكبرات الصوت وغيرها أما أن تكون على سبيل الإلزام فلا، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ووسائل الشرع مبنية على ما يطيقه كل مسلم، ما يستطيعه كل مسلم؛ لأن المسألة مفترضة مع عدم وجود هذه الأمور، أنتم لا تضنون هذه الأمور ثابتة ومستقرة وموجودة مثل وجود الهواء والشمس لا، لا، هذه في يوم من الأيام تتعطل، نترك الصيام لأنها تعطلت؟ لا.
الرؤية بالعين المجردة، هذا الأصل، لكن إن استعمل ما يعين على التوضيح المرئي لا بأس من غير إلزام.
فشيخ الإسلام وغيره نقلوا الإجماع على أنه لا يعول على الحساب، على حساب المنجمين أبداً، وإنما المعول عليه ما جاءنا في النصوص الصحيحة من الوسائل الشرعية المعتبرة التي تترتب عليها نتائجها وإذا فعلنا ما أمرنا به تراءينا الهلال، رأيناه بها ونعمت، ما رأيناه لا نكلف أكثر من هذا، افترض أن الناس رأوا الهلال ليلة الثلاثين ما رأوه، ثم لما صار ليلة تسعة وعشرين من رمضان رؤي الهلال، نقول: ضلت الأمة أو أثمت الأمة؟
نقول: لا ضلت ولا أثمت بل فعلت ما أمرت به ولم يروه، يعني مثل ما يحكم القاضي بالمقدمات الشرعية البينات افترض أن هذه المقدمات الشرعية فيها خلل فخرجت النتيجة ليست صحيحة عند القاضي، يأثم القاضي، القاضي ليس له أكثر من أن ينظر في الوسائل ثم يكتب عليها النتائج، إن كانت الوسائل سليمة خرجت النتائج سليمة وليس له أكثر من هذا، وليس عليه أكثر من هذا، كما أننا مطالبون أن الوسائل الشرعية ذات الأهلة خرجت النتائج صحيحة أو غير صحيحة لسنا مطالبين بأكثر من هذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا بد من الرؤية وإكمال الشهر ما فيه غير هذا.
طالب: أو إكمال شعبان.
أو إكمال شعبان ما فيه غير هذا.
سؤال: يقول: هل يوجد للدروس الماضية في نفس الكتاب شرح مكتوب؟
إيش قلنا للأخوة، ما أدري والله.(61/17)
فيما يتعلق بالحديث من المسائل، مسألة المطالع وهل هي متفقة أو مختلفة متحدة أو مفترقة؟
الجمهور على ما يدل عليه حديث الباب وأن الأمر متجه لمجموع الأمة، فإذا رأى من يثبت الحكم برؤيته من مجموع الأمة، الهلال فإنه يلزم جميع الناس الصيام، وهذا قول الأكثر، فإذا رؤي الهلال في المشرق لزم أهل المغرب الصيام، أو العكس في أقصى الشمال يلزم من في أقصى الجنوب بناء على اتحاد المطالع والحديث محتمل.
والقول الثاني: هو القول بأن المطالع مختلفة وكل أهل إقليم لهم مطلع يخصهم، ويستدل لهذا القول بحديث ابن عباس في صحيح مسلم وهو بأن كريباً جاء من الشام وقد صام يوم الجمعة، لأن الهلال رؤي في الشام ليلة الجمعة فصام معاوية وصام معه الناس وصام كريب معهم، فلما جاء إلى المدينة بعد وأكمل الثلاثين قال لابن عباس: إن معاوية والناس صاموا يوم الجمعة فقال ابن عباس: لكننا لم نره إلا ليلة السبت، فإما أن نرى الهلال أو نكمل العدة ثلاثين، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. هذا عمدة من يقول باختلاف المطالع، وحديث الباب محتمل، وحديث ابن عباس كالنص على اختلاف المطالع؛ لأنه رأى أن رؤية معاوية في الشام لا تلزم أهل المدينة بالصيام، لا تلزمهم بالصيام، لاختلاف المطالع، ويتأكد ذلك بقوله هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن الذي يرد على هذا هل أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بنص خاص يدل على اختلاف المطالع؟، أو أمرهم -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) التي يستدل بها الجمهور؟، فيكون هذا من اجتهاد ابن عباس مستند إلى النص العام الذي يستدل به الجمهور؟ ما بين، قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن ظاهر استدلاله على كريب، وهو أنهم ليسوا بملزمين برؤية معاوية والناس أن هناك نص خاص لكنه لم يبين هذا النص والاحتمال قائم أنه استند إلى حديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) احتمال.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، بهذا، بهذا الذي ذكرت.
طالب:. . . . . . . . .(61/18)
أي حديث: ((صوموا لرؤيته)) لا، هي المسألة .. ، لو قلنا استدل بالحديث الأصلي قلنا هذا فهم لابن عباس للنص، معارض بقول غيره من جماهير الأمة فلا عبرة باختلاف المطالع. واضح ولا مو بواضح.
القول باختلاف المطالع مع وجود الحدود السياسية القائمة الآن لا شك أن يورث إشكال كبير، على كل حال الحدود هذه السياسية واختلاف السياسيات واختلاف أيضاً وسائل الإثبات بين هذه الدول، إثبات الدخول والخروج أيضاً، توجد إشكالات؛ فالبلد اللي في آخر أو في آخر دولة هل يصوم بالدولة التي هي أقرب له من عاصمة الدولة التي يتبعها؛ فمثلاً تبوك أو الجهات الشمالية هل الأقرب في المطلع -على القول باختلاف المطالع-، هل الأقرب لهم الشام أو الرياض؟
الأقرب الشام، بلا شك، يصومون تبع الشام، أو تبع الرياض والحجار؟ وقل مثل هذا في نجران، يصومون تبع اليمن ولا تبع الرياض؟
على كل حال هذه الحدود لا شك أن أوجدت بعض الإشكالات لأنها خلاف الأصل، أوجدت بعض الإشكالات، لكن يبقى أننا لو قلنا باتحاد المطالع ورؤي الهلال في المغرب مثلاً، وقلنا يلزم الأمة كلها الصوم وسائل الإثبات وتفاوت الناس في الثقة، من بلد إلى بلد، ومن عرف إلى عرف؛ لأن الثقة مبناها على التقوى والمروءة، قد تكون التقوى منضبطة إلى حد ما، لكن المروءات متفاوتة؛ فالمسألة لا شك أن فيها شيء من الإرباك وعلى كل حال الذي يراه الشيخ ابن باز أنه لا إشكال في أن يقال باتحاد المطالع أو باختلافها لا فرق، وهذه لم تحدث مشكلة على مر العصور بالنسبة للأمة، مع أنه وجد في بعض العصور من يفتي بالاتحاد، ووجد في بعض العصور من يفتي باختلاف المطالع لكن لما كانت الأمة تحت قيادة شخص واحد يستطيع أن يلزم الأمة في شرقها وغربها، لكن الآن هل لوالٍ من ولاة المسلمين على دولة أن يلزم الناس في دولة أخرى؟ لا. يعني كل أهل دولة يجتهدون وعلماؤهم ممن تبرأ الذمة بتقليده يجتهدون ولا يوجد -إن شاء الله- أدنى مشكلة في هذا.(61/19)
إذن الإشكال يحصل غالباً في الأقليات الذين لا يحكمهم، لا ينضوون تحت حكم ينتسب إلى الإسلام، هذا الذي يحصل لهم إشكالات وأسئلتهم كثيرة ومشاكلهم طويلة، الآن يحصل كثيراً مثلاً من أهل التحري، من أهل مصر أو الشام أو المغرب إذا صمنا نصوم تبعكم وجماعتنا ما صاموا، ولا ننتظر، وإذا أفطرنا يقولون: نفطر معكم ولا ننتظر، جماعتنا أفطروا ننتظر، يحصل شيء من التحري في بعض الأسئلة لكن عندما يصوم الناس صم أنت تبع بلدك صم مع أهل بلدك، وعلى ولاة الأمر في جميع بلدان المسلمين أن يتحروا ما يصحح عبادات شعوبهم، عليهم هذا، من أوجب الواجبات عليهم حفظ العبادات.
وَعَنِ اِبْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((تَرَاءَى اَلنَّاسُ اَلْهِلَالَ, فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اَللَّهِ أَنِّي رَأَيْتُهُ, فَصَامَ, وَأَمَرَ اَلنَّاسَ بِصِيَامِهِ)) [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ].
وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى اَلنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: ((إِنِّي رَأَيْتُ اَلْهِلَالَ, فَقَالَ: ((أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ?)) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ((أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اَللَّهِ?)) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ((فَأَذِّنْ فِي اَلنَّاسِ يَا بِلَالُ أَنْ يَصُومُوا غَدًا)) [رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ].
يقول المؤلف -رحمه الله- وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: ((تراءى الناس)) يعني تكلفوا رؤية الهلال وقصدوا رؤيته، والصيغة تدل على أن فيها أكثر من طرف، وفيها معالجة ومحاولة فالترائي لا يكون إلا لما في رؤيته مشقة، ((تراءى الناس الهلال)) وترائي الهلال أمر مطلوب؛ فعلى من عرف نفسه بقوة البصر وحدته أن يسعى لهذا، وعلى ولي الأمر أن يكلف من يقوم بذلك وتسمعون قبل رمضان بشهر أحياناً أو بشهرين الطلب من الجهات المسؤولة عن هذا الأمر وحث المسلمين على ذلك، وهذا أمر يحمدون عليه.(61/20)
((تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام، -عليه الصلاة والسلام- وأمر الناس بصيامه)) أثبت دخول الشهر برؤية ابن عمر والحديث صحيح مخرج في سنن أبي داود وابن حبان والحاكم وغيرهم، وهو صحيح.
((تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه)) ويشهد له حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن أعرابياً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إني رأيت الهلال قال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله؟ )) قال: نعم، قال: ((أتشهد أن محمداً رسول الله؟ )) قال: نعم، قال: ((فأذن في الناس يا بلال)).
أثبتوا رؤية الهلال بشهادة الأعرابي، واكتفى منه بإسلامه، اكتفى منه بإسلامه، ويستدل به من لا يشترط في العدالة على قدر زائد على مجرد الإسلام لكن هذا صحابي، والصحابة كلهم عدول ثقات، يختلف الأمر بالنسبة لهم عمن جاء بعدهم؛ فالصحابة كلهم عدول، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً بذلك معتقداً له صح، فتشمله النصوص التي جاءت بمدح الصحابة.(61/21)
هذا شاهد، مع أن الحديث فيه ضعف، لكنه يقبل في مثل هذا؛ لأنه ليس بأصل يعتمد عليه، وإنما هو شاهد لحديث ابن عمر، فعلى هذا ثبوت هلال رمضان يثبت بواحد بدلالة حديث ابن عمر وما يشابهه، وهل هذا الإخبار من قبيل الرواية أو هو ملحق بالشهادة؟ يعني الأشهر التي الملحظ فيها دنيوي هي بالأمور الدنيوية ألصق، وأمور الدنيا إنما يطلب لها أكثر من شاهد، وأمور الدين بما في ذلك رواية الحديث يكفي فيها واحد فتكون من قبيل الأخبار، ابن عمر أخبر ما شهد، أخبر وهو عالم ثقة يقبل خبره؛ لأن هذا من أمور الدين، فإذا ثبت الحكم برواية واحد فليثبت تنفيذه برواية واحد، يعني نظير ما يقال في التعديل والتجريح، يكفي تعديل واحد للراوي أو لا بد من تعديل اثنين، ومن زكاه عدلان فعدل مؤتمن وصحح اكتفاؤهم بالواحد جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد؛ لأن هذه أمور ديانات تعبدية، تختلف عن أمور الدنيا التي يدخلها ما يدخلها من المؤثرات، نعم وجد من بعض الجهال من يشهد بدخول الشهر وهو يكذب، هذا جهل وحجته في ذلك أنه فاعل خير؛ لأنه خلاَّ الناس يصومون زيادة يوم ويش يضر، هذا فعل خير، وهي نفس الحجة التي يستدل بها من يضع الخبر على النبي -عليه الصلاة والسلام-، من يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: أنه يكذب له ولا يكذب عليه، هذا يؤثر على ما عندنا؟ هذا لا يؤثر؛ لأن هذا مستبعد، مجروح هذا كذاب، المسألة مفترضة فيمن يخبر وهو ثقة، فرمضان الملحوظ فيه التعبد، فهو ملحق بالأخبار والروايات يكفي فيه واحد، بدلالة حديث ابن عمر، يعني بالنسبة لدخول شهر رمضان، هذا يتأثم المسلم أن يثبت دخول شهر عبادة وهو ليس بصادق، يعني إذا اتهم في خروج رمضان ليرتاح من الصيام فإنه لن يتهم في إدخاله والمسألة مفترضة في ثقة، لن يتهم في إدخاله، فيثبت بخبر الواحد كما يثبت الخبر بنقله المضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فالناس يتعاظمون الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فاكتفي بواحد، يتعاظمون أن يدخلوا شهر العبادة من غير مبرر، أو من غير رؤية، كما هنا، لكن بالإمكان أن يشهد شخص أنه رأى هلال ربيع مثلاً، شهر ربيع الأول، لماذا؟ لأن له دين يحل على هذا الشخص بدخول شهر ربيع، أو(61/22)
لأن امرأة يترقب خروجها من العدة ليتزوجها، يمكن يشهد هذه أمور دنيا، ولذلك يشدد في أمرها؛ لأن فيها مجال للتلاعب، فيطلب لها أكثر من شاهد، ولما كان شهر الصيام شهر العبادة يتعاظم الناس الشهادة للرؤية من غير رؤية حقيقية اكتفي بالواحد، وأيضاً هو احتياط للعبادة، لو أهدرنا شهادة الواحد يمكن يضيع علينا يوم من رمضان، فمن باب الاحتياط للعبادة قلنا يدخل الشهر بواحد ولا يخرج إلا باثنين كغيره من الشهور؛ فالحديث دليل على العمل بخبر الواحد، والنصوص القطعية متضافرة على وجوب العمل بخبر الواحد؛ لأننا ألحقناه بالأخبار هنا، لا بالشهادات، بقية الأشهر شهادات؛ لأنه يترتب عليها أمور دنيوية لا تثبت إلا باثنين، فكذلك وسائلها لا تثبت إلا باثنين، فهذا خبر يخبر بدخول الشهر فيكفي واحد.
جاء في حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، إلا أن يشهد شاهدان)) مفهومه أن الواحد لا يكفي، لكن حديث ابن عمر من حيث الصناعة أقوى منه، مع ما يشهد من حديث الأعرابي، هذا من جهة، الأمر الثاني: أن دلالة الحديث إلا أن يشهد شاهدان بمفهومه، مفهومه أنه لا يكفي الواحد، وهو معارض بمنطوق حديث ابن عمر، ولا شك أن المنطوق مقدم على المفهوم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- ((أن أعرابياً)) منسوب إلى الأعراب، نسبة إلى الجمع على خلاف الأصل لكنه جرى مجرى العَلَم فصحت النسبة إليه، ((جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم)) فعلى هذا هو مسلم ثبت إسلامه، ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- فثبتت صحبته فهو صحابي تشمله عموم النصوص التي تزكي الصحابة، فلا يقال أنه شخص مجهول لم يعرف منه إلا أنه نطق بالشهادة، جهالة الصحابي لا تضر، ((قال: فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً))، وقلنا أن هذا الحديث لا يسلم من ضعف إلا أنه يشهد له حديث ابن عمر، ويقبل مثله في باب الاستشهاد وإن لم يعتمد عليه بمفرده.(61/23)
وَعَنْ حَفْصَةَ أُمِّ اَلْمُؤْمِنِينَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا-, عَنِ اَلنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ اَلصِّيَامَ قَبْلَ اَلْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ)) [رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ, وَمَالَ النَّسَائِيُّ وَاَلتِّرْمِذِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ, وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ].
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ: ((لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اَللَّيْلِ)).
وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((دَخَلَ عَلَيَّ اَلنَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ. فَقَالَ: ((هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ?)) قُلْنَا: لَا. قَالَ: ((فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ)) ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ, فَقُلْنَا: أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ, فَقَالَ: ((أَرِينِيهِ, فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ)) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].(61/24)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن حفصة أم المؤمنين -رضي الله تعالى- عنها وعن أبيها عمر ابن الخطاب، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) هذا الحديث مما اختلف في رفعه ووقفه، وهو ثابت من قول ابن عمر موقوفاً عليه، وهو أيضاً ثابت من حديث حفصة وأم سلمة، بالرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وبالوقف عليه، اختلف في رفعه ووقفه، وعلى التنزل بأنه موقوف، له حكم الرفع؛ لأن مثل هذه نفي الصحة عن العبادة، ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) لا بد له من توقيف لا يدخله الاجتهاد، علماً بأنه يشمله الحديث المتفق عليه، حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) ومن شرط النية أن تتقدم العبادة؛ لأن الشرط قول المشروط، من شرطها أن تتقدم على العبادة، فالذي لا يبيت الصيام قبل طلوع الفجر والتبييت يكون بالليل، والليل ينتهي بطلوع الفجر، ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) فالنية السابقة للعبادة شرط لها، بدلالة حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- العام، والأحاديث الخاصة في الصيام، ((من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)) الصيام (ال) هذه احتمال أن تكون جنسية، فجنس الصيام جميع الصيام كل الصيام لا يصح إلا إذا نوي قبل طلوع الفجر من الليل، ويحتمل أن تكون عهدية، فالصيام المعهود وهو صيام رمضان ولا مانع من أن تكون اللام هذه أو أل هذه جنسية فيكون جنس الصيام يشترط له تقدم النية قبل طلوع الفجر، لكن عموم هذا الجنس مخصوص بالحديث الذي يليه بالنفل، فمن لم يبيت الصيام إما أن نقول أن (أل) عهدية، والمراد بالصيام الصيام المشترط صيام رمضان وما في حكمه، أو نقول أنها جنسية، الجنسية فيدخل فيها جميع أنواع الصيام سواء كانت لرمضان أو قضاء رمضان، أو نذر أو نفل مقيد أو مطلق، ((لا صيام لمن لم يبيت)) ويكون هذا العموم مخصوص بالحديث الذي يليه.(61/25)
وعن عائشة -رضي الله تعالى- عنها قالت: ((دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذن صائم)) دخل علينا ذات يوم، يعني في النهار، قال: هل عندكم شيء، قلنا: لا، مفهومه أنهم لو قالوا نعم أكل، قلنا: لا، قال: فإني إذن صائم، ((ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: أهدي لنا حيس))، منطوقه أنه أكل، فقال: ((أرينيه فقد أصبحت صائماً فأكل))، لكن مفهومه أنه لو لم يأكل لو لم يجد عندهم شيئاً صام، فمفهوم الجملة الأولى مؤيد لمنطوق الجملة الثانية، ومفهوم الجملة الثانية مؤيد لمنطوق الجملة الأولى، فدلت الجملتان بالمنطوق والمفهوم أن صيام النفل يصح من أثناء النهار، وبهذا يخرج من عموم حديث حفصة السابق، الذي فيه أن الصيام لا يصح إلا أن يبيت من الليل، فيحمل حديث حفصة على الصيام الواجب، ويحمل حديث عائشة على النفل؛ لأنه يتوسع في النفل ما لا يتوسع في غيره، فإذا أمكن أن يحمل كل من الحديثين على وجه فيتم العمل بهما معاً أم أولى من القول بالترجيح أو النسخ والجمع ممكن، لحمل حديث حفصة على الواجب وحمل حديث عائشة على النفل.
يقول: ((لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)) وهو بمعنى ما تقدم يبيت النية، فالنية شرط لصحة كل عبادة، لكن لا شك أن الاحتياط للواجبات يكون أكثر من الاحتياط للمندوبات، فقد جاء في النوافل من التساهل ما لم يأت نظيره في الفرائض ((ثم أتانا يوماً آخر فقال: أهدي لنا حيس)) الحيس هو التمر مع السمن والأقط، فقال: ((أرينيه))، ليتأكد من وجوده، لئلا يعزم على الفطر قبل أن يوجد المبرر أو ليرى هل إعداده مناسب مما تشتهيه النفس؛ لأن بعض الناس ينوي الفطر ثم بعد ذلك يكون الطعام الذي يريد أن يأكله غير مناسب له؛ لأن الفقهاء ينصون على أن من نوى الإفطار أفطر، شخص مسافر وهو صائم يوم من رمضان، صائم يوم من رمضان، وهو مسافر يجوز له الفطر، دخل مطعم يريد أن يأكل، فرأى الطعام الذي عندهم غير مناسب يفطر أو ما يفطر؟ هنا قال: ((أرينيه)) قبل أن يعقد العزم على الإفطار.
طالب:. . . . . . . . .(61/26)
هو ناوي أن يفطر، لكن هل نقول أن النية هذه تتفاوت هناك مجرد خاطر، مثل ما قال هنا، ((فقلنا: اهدي لنا حيس)) هو ما كان عنده نية يفطر هنا في الجملة الثانية ((أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه)) يعني يستحق أن يخرم الصيام من أجله، فقال: (( ... أصبحت صائماً فأكل))، يعني الشخص الذي هو سائر في سفره وميل على المطعم وجد طعام ما يناسبه ..
طالب:. . . . . . . . .
طيب افترض أنه بيت نفسه أنه إن وجدت طعاماً مناسباً أفطرت وإلا فلا.
طالب:. . . . . . . . .
هاه.
طالب:. . . . . . . . .
ناوٍ بالتردد، افترض أنه يقول أن المطعم احتمال ما يصير فيه أكل أصلاً، يقول انتهى.
أو نقول أن الفرد يحتاط له فلا يدخله مثل هذا التردد بخلاف النفل؛ لأن الفقهاء ينصون على من نوى الإفطار أفطر، يعني هل الصيام يختلف عن غيره في هذا الحكم؟ شخص متوضأ فأحس أنه في بطنه شيء يريد أن يخرج فعرض نفسه على محل قضاء الحاجة ما خرج شيء، هل انتقض وضوءه أو ما انتقض؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف.
طالب:. . . . . . . . .
ما خرج شيء، هذا أراد أحس بجوع أراد أن يأكل ما أكل شيء، يختلف ولا ما يختلف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نص أيش، والنية ما هي بشرط للوضوء؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب النية ما هو بشرط للوضوء؟ شرط للوضوء.
طالب: هي شرط للوضوء لكن. . . . . . . . .
أيش من شرط في الحدث؟
طالب:. . . . . . . . .
النية تختلف، يعني قطع النية؛ لأن العلماء يشترطون استمرار الحكم دون استمرار الذكر، استمرار الحكم لئلا ينوي قطع العبادة، ولذا لو تردد لو قال أثناء الوضوء غسل وجهه وذراعيه ثم قال: والله أنا أحس بشيء يبي يخرج وعرض نفسه على الدورة ثم وجد شيء؟ يكمل الوضوء ولا يستأنف؟ يلزمه الاستئناف؛ لأن مثل هذا التردد في أثناء الصيام، أما قطع النية بعد الفراغ من العبادة لا أثر له البتة، صام صيام كامل، ثم لما أفطر الناس قال أنا صيامي ذا ما هو بشيء؟ نقول: لا صيامك شيء، تردد قال يمكن أصوم يوم بدله يمكن ما هو مجزئ أو ما هو بشيء، نقول: لا أثر لهذا التردد.(61/27)
وبعضهم يلتمس شيء لهذا التفريق مما لا يظهر وجهه يقول أن الصيام يدخل فيه بالنية فيخرج منه بالنية بخلاف العبادات الفعلية، ما يخرج منها إلا بفعل لا يكفي النية.
على كل حال المسألة تحتاج إلى مزيد تمثيل وتوضيح ..
طالب:. . . . . . . . .
من أكل فليتم، أو فليصم، ومن لم يأكل فلا يأكل.
طالب:. . . . . . . . .
معروف، ما كان واجباً، لكن هل يقضى؟ افترض أنه واجب هل يقضى؟ هل له بدل؟ إذا أبطل صيام واجب له بدل لكن عاشوراء مراد معلق بيوم معين، يفوت بفواته فما فيه إلا هذا على أن لزوم الصوم على ما سيأتي تقريره، هل يلزم من بلوغه بحيث ما عرف الناس أن الهلال رؤي إلا في أثناء النهار ثم أمسكوا بقية اليوم، يكفي ولا ما يكفي أم لا بد من القضاء؟ المسألة خلافية ..
صبي ما كلف إلا في أثناء النهار، يكفيه هذا الصيام ولا ما يكفيه؟ مجنون أفاق في أثناء النهار؟ مثل صيام من هذا النوع الذي لا بدل له، وهل لزوم العمل بالخبر من بلوغه، من بلوغ المكلف، يكون مثل هذا في الناسخ، هل يلزم من بلوغه المكلف؟ أو من صدوره؟ أنت تعمل بخبر منسوخ، نعم، مكلف ما بلغه الناسخ زال، يعمل بالخبر المنسوخ، ثم بلغه الناسخ، نقول: تقضي ما فاتك صلواتك باطلة، أو حجك أو صيامك باطل اقض ما فاتك؟ أو نقول إنما يلزم العمل من بلوغه، وهنا بلغ في أثناء النهار، من أكل فليتم الصوم، ومن لم يأكل فلا يأكل، خلاص صيام اليوم واجب، هذه مسألة ثانية هذه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني فاتك صيام عرفه تقضيه؟
طالب:. . . . . . . . .
شيء معلق بوقت معين، هذا يوم نجى الله فيه موسى وقومه، تصوم هذا اليوم، ولم يثبت أنه قضي.
طالب:. . . . . . . . .
حتى لو كان موجود ومعلق بوصف ارتفع الوصف.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد ...(61/28)
كتاب الصيام من بلوغ المرام بلوغ المرام - كتاب الصيام (2)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
هذا يقول: هل يجوز شراء ثياب الكفار بعد استعمالها من قبل الكفار؟
إذا غلب على الظن أنهم يزاولون فيها النجاسات فهم في الغالب لا يستنجون، فتلبس بعد غسلها، المسألة معلقة بغلبة الظن، إذا غلب على الظن أنهم غسلوها غسلاً معتبراً قبل بيعها يكفي.
يقول: بعض الأوروبيين يقولون: أعيادهم ثابتة التاريخ في السنة الميلادية، أما المسلمون في كل عام يختلفون في وقت دخول رمضان، وكذلك في العيد؟
نعم هذا صحيح، وليس بعيب وليس بقادح، نحن أمة مطالبون بأوامر ونواهي نقف عندها، ولا عيب في ذلك، بل هذا مما يمدح به المسلمون؛ لأنه إذا أمر بأمور مختلفة غير ثابتة ودار مع هذه الأوامر في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، على مراده وعلى خلاف مراده، هذا لا شك أنه أكمل.
هذا قال: أسائلكم بالله أن تجيبوا على هذا السؤال لما له من أهمية يقول: شخص مبتلى بكلام الفتيات والحديث معهن الساعات الطوال علماً بأنه متزوج وعنده أطفال، وأنه يريد الخلاص والتوبة والرجوع إلى الله تعالى، بما تنصحونه، وأرجو الدعاء؟
على كل حال الكلام مع النساء الأجنبيات لا شك أنه وسيلة وباب لشر مستطير وخطر عظيم، فعليك، بل يجب عليك فوراًَ أن تقطع هذه المكالمات، وأن توصد جميع الأبواب الموصلة إليها، ولا تعرض نفسك للفتن، إذا كان الكلام مع المرأة الأجنبية محرم إلا بقدر الحاجة، فإذا دعت الحاجة إلى مكالمة النساء بقدر الحاجة، يعني امرأة تستفتي تجاب، ولا يزاد على ذلك، ولا يسترسل معها، إلا بقدر ما يتطلبه السؤال من جواب، وجمع من أهل العلم ينصون على أن صوت المرأة عورة، لا يجوز أن تسمعه الرجال؛ لكن بقدر الحاجة لا بأس به، ومع أمن الفتنة بهذا القيد، بالحاجة ومع أمن الفتنة، فإذا دعت الحاجة إلى مخاطبة الرجال والفتنة غير مأمونة فإنه حينئذ لا يجوز لها أن تخاطب الرجال؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.(62/1)
فعليك أن تبادر فوراً بقطع الحديث معهن، وسد جميع الأبواب الموصلة إلى ذلك، وعليك أن تكتفي بما أباحه الله لك لئلا تسلب هذه النعمة، تعاقب بسلب هذه النعمة، وتبتلى في زوجك في بناتك في أخواتك، يعني ما شعورك أنت وأنت تدخل والمرأة تخاطب رجال على خفية منك، أو بنتك أو أختك تصور هذا، بل الغالب أن الجزاء من جنس العمل، والوفاء من الأهل إن لم يكن من النفس، فالمقصود أن عليك أن تتقي الله -جل وعلا- في بنات المسلمين وفي أعراضهم، وتراقب الله -جل وعلا- في السر والعلن.
بالنسبة للنية في الصيام وعرفنا أنها شرط في صحته، سيما الفرض، وأنها لا بد أن تكون من الليل، لا بد من تبييتها من الليل، قد يقول قائل مثلاً: هل يشترط في كل يوم بعينه أن تنوى نيته من الليل، أو يكفي نية واحدة لرمضان كله؟
فقط مثل هذا السؤال ما يحتاجه إلا شخص يحتاج أن يلفظ بالنية، ويستحضر النية، مجرد عزمك على صوم رمضان كاملاً وأنت مسلم وصمته مراراً وسنين وناوي تصومه كاملاً هذه هي النية، قصدك لمحل الوضوء ومثولك أمام مصدر الماء، وفتح الماء على يديك وعلى وجهك هذه هي النية، وقوفك في الصف وتكبيرتك تكبيرة الإحرام، لماذا جئت إلى المسجد؟ هذه هي النية، ولا يشترط قدر زائد على ذلك، هذه هي النية.
لكن منهم من يقول: أننا نحتاج إلى أن نجدد النية في كل ليلة؛ لأن صيام كل يوم عبادة مستقلة، فيحتاج كل يوم إلى نية.
نقول: الحاجة هنا داعية إلى عدم قطع النية، أما استمرار النية واستمرار ذكر النية فلا سبيل إلى الحاجة إليه، يعني مثل ما قلنا: في الوضوء يشترط استصحاب الحكم، نويت أن تسافر الليلة مثلاً، الليلة صيام نعم، فأنت قطعت نية الصيام، نويت أن تسافر وتفطر في سفرك أنت قطعت فتحتاج إلى تجديد النية، إذا عدلت عن رأيك وعن سفرك.
أما ما دمت مقيماً صحيحاً عازم على صيام رمضان كامل هذه هي النية، والذي يقول: رمضان عبادة واحدة يستحضر النية في أول ليلة وخلاص ويكفي، وهذا هو الأصل نعم.(62/2)
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) متفق عليه، وللترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله -عز وجل-: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً)) وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحروا، فإن في السحور بركة)) [متفق عليه].
وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور)) [رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله-: وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) وفي رواية: ((وأخروا السحور)) فتعجيل الفطر سنة، ((ولا يزال الدين ظاهراً -كما جاء في الرواية الأخرى- ما عجل الناس الفطر وأخروا السحور)) وإذا كان الدين ظاهراً فالناس بخير بلا شك، الناس بخير مازال الدين ظاهر.(62/3)
((ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور)) الصيام عبادة محددة بوقت محدد شرعاً، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فمن تقدم في سحوره على طلوع الفجر لا شك أنه أخطأ السنة، وإن قصد بذلك الاحتياط للعبادة، ولا مبرر لهذا الاحتياط بأن لا يكون ممن يعرف طلوع الفجر، وليس عنده من يعرف فحينئذ الاحتياط في العبادة مطلوب؛ لكن إذا وجد في مكان يعرف فيه الوقت بدقة مثل هذا لا داعي للاحتياط؛ لأنه مخالف للتوجيه الشرعي، وبعضهم يعجل السحور من باب الاحتياط للعبادة على حد زعمه، ويؤخر الفطر كذلك احتياطاً للعبادة، والمعروف أن الاحتياط إنما يطلب عند احتمال الوقوع في المخالفة، أما إذا أدى الاحتياط إلى ارتكاب محذور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، فالمطلوب تعجيل الفطر بمجرد غروب الشمس، وسقوط القرص ((إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) هذا وقت الفطر الشرعي، إذا احتاط على حد زعمه وأخر الفطر إلى أن يصلي المغرب مثلاً أو مع ذلك آخر المغرب، هذا لا شك أنه قدر زائد على المشروع، والذي يزيد على المشروع لا شك أنه يدخل في حيز الابتداع، إذا ألحقه بالمشروع، إذا رأى أن فعله أكمل من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو أكمل مما وجه إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل في حيز الابتداع.
جاءت العلة مبينة في بعض الروايات في تعجيل الفطر بعدم مشابهة اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون الإفطار إلى اشتباك النجوم، ويوجد ممن ينتسب إلى الإسلام من يؤخر صلاة المغرب والفطر إلى اشتباك النجوم، تشبهاً باليهود والنصارى، نسأل الله السلامة والعافية.(62/4)
في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) هل نقول: أنه أفطر حقيقة أو حكماً؟ أو أنه دخل وقت الفطور؟ نعم، دخل في وقت الفطور، (أفطر) يعني: دخل في وقت الفطور بدليل لو كان قد أفطر ما صار لمثل هذه النصوص فائدة، الأمر بتعجيل الفطر وهو أفطر، ولا صار للنهي عن الوصال فائدة أيضاً، ولكن المراد بقوله: ((فقد أفطر الصائم)) أي دخل وقت فطره شاء أم أبى؛ لكن عليه أن يعجل كما جاء في التوجيهات التي سمعنا، ((لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الفطر وأخروا السحور)) ولا شك أن هذا من باب يسر هذا الدين، وقطع الطريق على كل من أراد أن يكلف نفسه ويشق عليها، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني.
وللترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله -عز وجل-: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً)).
ولا شك أن هذا يشهد معناه للحديث السابق؛ لكن الحديث السابق في الصحيحين، وهذا فيه ضعف ((أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً)) ولا شك أن من يقتدي ويأتسي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويلتزم الأوامر ويجتنب النواهي، ويتجه بالتوجيهات ويلتزمها لا شك أنه محبوب عند الله -جل وعلا-، فالمعنى صحيح.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحروا فإن في السحور بركة)) [متفق عليه].(62/5)
(تسحروا) الأمر بالسحور أمر إرشاد، والعلة تدل على ذلك، تحصيل البركة المرتبة عليه، فالسحور مستحب لهذا الأمر؛ لأن الأصل في الأكل ما لم يؤدِ إلى ضرر الإنسان، أنت تفترض شخص فيه جميع .. افترض في المسألة جميع الأحوال، شخص قام قبيل الفجر وهو متخم أكثر من الأكل، حمل نفسه ما لا تطيق، ثم قام إلى وقت السحور يعني المسألة مسألة أكل ((تسحروا)) وجاء ((نعم السحور التمر)) ((هلموا إلى الغداء المبارك)) لا شك أن السحور مبارك؛ لكن يبقى أنه يأخذ حكم الأكل إضافة إلى ما يدعمه مما جاء في السحور على وجه الخصوص، شخص متخم بالأكل، أو شخص يضره الأكل نقول: هذا يتسحر بأقل قدر يطلق عليه السحور، ولو بتمرة، وكأس من الماء مثلاً أو اللبن، وإذا كان بحاجة إلى الأكل اتجه إليه الأمر به، ففرق بين من يضره الأكل، ومن يضره ترك الأكل، فيعود إلى حكم الأكل الأصلي إلا أن القدر الذي يطلق عليه أنه سحور بحيث يقطع الوصال هذا فيه بركة، ويعين على ما أمامه من ساعات النهار ((فإن في السحور بركة)) ولا شك أن إتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب بركة، ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)) ففيه إتباعاً للسنة، وفيه أيضاً مخالفة لأهل الكتاب.
وعن سلمان بن عامر الضبي -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر)) طيب ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخرا السحور)).(62/6)
ذكر الإمام مالك في الموطأ عن حُميد بن عبد الرحمن "أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب إذا رأيا سواد الليل قبل أن يفطران ثم يفطران" هذا فيه تعجيل أو فيه تأخير؟ تأخير، هذا مخالف للنص وإلا غير مخالف؟ منهم من يقول: أن المخالفة للنص التأخير الذي يصل إلى حد اشتباك النجوم، الذي هو تأخير أهل الكتاب؛ لكنه لا شك أنه تأخير، فالمطلوب المبادرة والعجلة في الإفطار، هذا هو المطلوب، وما عدا ذلك تأخير، فماذا يقال عما نقل عن عمر وعثمان -رضي الله عنهما- حميد بن عبد الرحمن، أن عمر بن الخطاب وهو لم يدرك عمر، فهو يحكي قصة لم يشهدها، وأما إدراكه لعثمان فهو بين، ولكنه ما قال: رأيت عمر وعثمان، قال: أن عمر وعثمان، ولم يقل: رأيت عمر وعثمان، فالخبر لا شك أنه فيه ما فيه، والعبرة بالمرفوع، والذي يغلب على الظن أنه لم يثبت عنهما، والثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يصلِ المغرب يوماً ما إلا بعد فطره.
وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور)) رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال الحاكم: على شرط البخاري؛ لكنه مضعف عند أهل العلم؛ لأنه مروي من طريق عمران بن حصين أيضاً فيه ضعف، وهذا الحديث حديث سلمان أيضاً فيه ضعف، فالمقصود أنه لم يثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وإن ثبت من فعله.(62/7)
نعم صحيح من فعله أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء، المقصود أنه ثابت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وأما من قوله ففيه ضعف، وعلى هذا السنة أن يفطر الإنسان على التمر والرطب أفضل، إن لم يجد فعلى التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، ولا شك أن المعدة إذا كانت فارغة، إذا فرغت وخلت من الطعام ينفعها الطعام الحلو، والماء الذي يهيئها للأكل الذي يليه، ولا شك أن التوجيه إلى التمر مع ما عرف عنه من المنافع العظيمة للبدن، بجميع أجزائه وأطرافه، فليحرص عليه، وبعض الناس يفطر على أي شيء ما يهمه المائدة أمامه ويتخير منها ما شاء، فعلى المسلم أن يعنى بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا سيما وأنه فيه منفعة لبدنه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، فقال رجل من المسلمين: فإنك تواصل يا رسول الله، فقال: ((وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر الهلال لزدتكم)) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" [متفق عليه].
نعم يقول المؤلف -رحمه الله-: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال ... "
رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا إشكال فيه؛ لأنه صرح بالناهي وهو بمثابة (لا تواصلوا) خلافاً لمن زعم أنه لا يحتج به، حتى ينقل اللفظ النبوي، وهذه المسألة مرت بنا مراراً؛ لكن لا عبرة بهذا القول.(62/8)
نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال: وهو صوم أكثر من يوم دون أن يتخلله فطر في الليل، هذا هو الوصال، فقال: "فإنك تواصل يا رسول الله" هذا الرجل لم يوقف على اسمه وترك، يترك مثل هذا لأن ذكره لا يترتب عليه فائدة، فإنك تواصل يا رسول الله، الآن الحاجة داعية لمثل هذا الكلام وإلا ليست داعية؟ يعني ما في إشكال بين تعارض القول والفعل؟ في إشكال، فالحاجة داعية؛ لأنه لو لم تدعو الحاجة لمثل هذا فمواجهة النبي -عليه الصلاة والسلام- بمثل هذا الكلام نهى عن الوصال أنت تواصل، نعم ما يوحي بشيء من سوء الأدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرد فعله بقوله؟ لكن الحاجة داعية لهذا، لأن قوله تشريع وفعله تشريع، فبأيهما نعمل؟ أراد أن يستفهم الصحابي -رضي الله عنه- فقال: ((وأيكم مثلي)) النبي -عليه الصلاة والسلام- يختلف عن غيره ((إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) هذا الطعام لا يخلو إما أن يكون حقيقياً أو معنوياً، وهل حقيقة الطعام المذكور لغوية أو عرفية أو شرعية؟
يعني طعام حقيقي، لكن ليس من حقيقة الطعام الشرعية المؤثرة في الصوم الأكل والشرب فيما يؤكل حقيقة؟ الأكل حينما يمنع الصائم من الأكل، لو نزل الصائم في أثناء إلى المكتبة وقرأ في كتب العلم وقال: أنا أكلت وشربت، هذا الغذاء الروحي، نقول: أفطرت أو لا؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن لو أكل، قلنا: أكل أكل حقيقي شرعاً وإلا عرفاً؟ الظاهر أنكم ما فهمتم مقصودي.
لأنه عندنا الكلام لا بد له من حقيقة والأصل الحقيقية، خلافاً لمن يقول بالمجاز، الذي يقول بالمجاز ما عنده أدنى مشكله في الحديث، يقول: أطلق عليه الطعام مجازاً وانتهى من الإشكال؛ لكن هنا حينما يقول: ((يطعمني ربي ويسقيني)) هل نقول أن هذه حقيقة لغوية؟ هل يوجد في لغة العرب ما يدل على هذا؟ نعم، هل هناك حقيقة عرفية بمعنى أنك يمكن أن تقرأ في الكتب النافعة وتستغني به عن الطعام؟ لأن المرجح عند ابن القيم أن هذا الطعام والشراب ما يفاض عليه من الغذاء الروحي من الله -جل وعلا-.(62/9)
لا شك أن الإنسان قد يحس من نفسه أنه في بعض الأوقات إذا قرأ قراءة مفيدة ونافعة واستغرق معها، أنه ليس بحاجة إلى طعام ولا شراب، هذا يدركه كل أحد، بحيث لو قدم الطعام وهو بأمس الحاجة إليه قبل أن يشرع في القراءة كان أشوق الناس إليه؛ لكن لما صار يقرأ استغنى عنه، هذه لذة يدركها الناس كلهم، يدركها طلاب العلم على وجه الخصوص؛ لكن يبقى أن نريد أن نطبق الحقائق الثلاث التي لا رابع لها على الطعام والشراب المذكور، يعني يوجد في لغة العرب طعام وشراب غير المأكول والمشروب؟ لا يوجد، يوجد في حقيقة الناس وعرفهم شيء غير المأكول والمشروب؟ لا يوجد.
طالب:. . . . . . . . .
كيف أكل المر، يأكل المر إيش يصير؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هل إطلاق هذا من باب الحقيقة التي تعارف عليها الناس أو من باب المجاز استعمال الشيء في غير ما وضع له؟
طالب:. . . . . . . . .
خلي إننا ننكر المجاز، هنا الإشكال عند من يقول بعدم وجود المجاز، كيف يتخلص من مثل هذا الحديث؟
المترجح عندنا وعند علمائنا وشيوخنا وأهل التحقيق من أهل العلم أنه لا مجاز، ونتفق على هذا، لكن أنا أريد أن أطبق الحقائق الثلاث على النص، يعني هل لغة العرب فيها ما يحتمل مثل هذا الكلام؟ أو نقول: أنها حقيقة شرعية، مع أن الأكل الحقيقي حقيقة شرعية، يعني الأكل الحقيقي تتوافر عليه الحقائق الثلاث، هذا وعاء، وهو أيضاً إناء، وتتوافق فيه الحقائق الثلاث: لغة وعاء، عرفاً وعاء، شرعاً وعاء، نعم، أيضاً الأكل والشرب الحسي تتفق فيه الحقائق الثلاث؛ لكن لما تقول: ابن آدم وعاء، الله -جل وعلا- هو الذي يضع فيه هذه العلوم والمعارف والأخلاق المحاسن والمساوئ إيش تصير هذه؟
أقول: قد تأتي الحقيقة الشرعية لأكثر من معنى، ورددنا مراراً المفلس مثلاً، المفلس حقيقة شرعية أنه هو الذي يأتي بأعمال أمثال الجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا، وأكل مال هذا، وقذف هذا، هذه حقيقة شرعية، جاءت في الحديث الصحيح.(62/10)
وحقيقة شرعية أخرى، أنه لا درهم له ولا متاع، في باب الحجر والتفليس له حقيقة، وفي باب الترهيب من ظلم الناس له حقيقة، فيكون له أكثر من حقيقة، وهنا نقول: للأكل والشرب أكثر من حقيقة شرعية؛ لأن مثل هذا النص نلزم به من يقول بالمجاز، يقول: ما نتفق على الحقائق الثلاث كلها الأكل والشرب المحسوس؟ نقول: لا، نتفق على هذا أيضاً من حقيقته الشرعية الأكل المعنوي؛ لأنه لو كان أكل حسي ما ثبت أنه صائم، ما صار مواصل لو كان أكل حسي، إذاً ليس بأكل حسي، هو أكل معنوي، وهذا الأكل المعنوي حقيقة شرعية بدلالة هذا النص، مثل ما قلنا في المفلس.
الحديث فيه دليل على أن الوصال من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأصل في النهي التحريم، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال؛ لكن حمله كثير من أهل العلم على أنه للكراهة.
نعم لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً لأنه لو كان الوصال محرماً ما أدبوا بهذا المحرم، فلما أدبوا به عرف أنه جائز؛ لكنه خلاف الأولى ويكون هذا صارف عن النهي من التحريم إلى الكراهة.
ومن أهل العلم من يرى أن الأمر والنهي إذا جاء من أجل الشفقة على المأمور أو على المنهي فهو للاستحباب، حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) نقول: يحرم على ابن عمر أن يزيد على أن يقرأ القرآن في أقل من سبع؟ أو نقول: هذا من باب الرأفة به والشفقة عليه مع جواز غيره؟ فيكون النهي للكراهة، وعامة أهل العلم على أنه تجوز قراءة القرآن في أقل من سبع، وكأنهم جعلوا الصارف ما ذكر من أن الأمر من أجل الشفقة على المأمور والنهي من أجل الشفقة على المنهي.
((وأيكم مثلي فإني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) فلما أبو أن ينتهوا من الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال: ((لو تأخر الهلال لزدتكم)) كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" متفق عليه.
هذا يدل على أن الوصال جائز أو حرام، وإلا مكروه، يعني هل يمكن أن يؤدب الإنسان بمحرم؟
طالب:. . . . . . . . .(62/11)
محرم يؤدب الإنسان بمحرم ممكن؟ محرم، محرم يعني حصل من إنسان مخالفة نعم فعزر بشيء حرام، افترض أنه شرب خمراً ثم شرب، ثم شرب ثم جلد وهكذا فلم ينتهِ فقيل: اسقوه سماً، مثلاً أو افعلوا معه فعلاً محرماً، من باب التنكيل، أهل العلم يقولون: أن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم يوماً ثم يوماً صارف للنهي من التحريم إلى الكراهة.
جاء الترخيص بالوصال إلى السحر ((فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)) وهذا أسلوب لا شك أنه لا يدل على الاستحباب، وإنما يدل على الترخيص، وذلك لمخالفته تعجيل الفطر؛ لكنه من واصل إلى السحر هل يسمى وصال وإلا ما يسمى وصال؟ (فليواصل) سماه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصال؛ لكنه وصال نسبي، وصال لهذه المدة الطويلة؛ لكنه ليس وصالاً بين يومين متواليين.
بعض الناس يضرب عن الطعام على حد زعمه أنه يتوصل بذلك إلى إخراج حقه من خصمه، يواصل اليومين والثلاثة والعشرة والأكثر، يسميه إضراب عن الطعام، وهو ليس بشرعي، يعني ما عرف إلا أن أم سعد بن أبي وقاص رفضت أن تأكل أضربت عن الطعام حتى يرتد ابنها، واصلت وأضربت عن الطعام وقال: "لو أن لها روح تخرج ثم روح تخرج ثم ... ما أرتد" -رضي الله عنه- فكانوا يفتحون فمها بعود ليدخلوا فيه الطعام.
فليس لائق بالمسلمين أن يفعلوا مثل هذا، وليس من صنيعهم، ولا عرف عنهم هذا، ليس من الحلول الشرعية أن يترك الإنسان ما أوجب الله عليه، ويعرض نفسه للهلاك، يوجد عند بعض طوائف الصوفية الامتناع عن الأكل على حد زعمهم أربعين يوماً، وأنهم يحصل لهم من الفيوض والكشوف مكاشفات والعلوم والمعارف مالا يحصل لغيرهم بهذه الرياضة على حد زعمهم، الحافظ الذهبي أشار إلى مثل هذا في مواضع من السير وقال: إنه ضرب من الهلوسة، الإنسان إذا جاع واشتد جوعه لا شك أنه يترآى له أمور وخيالات نعم، ويقر في قلبه شيء من الهذيان، وقد يسمع غير مسموع، وقد يتكلم بكلام لا معنى له، يسمونها فيوض، وهذا خلاف الشرع، إذا كان الوصال بين يومين منهي عنه فكيف بما زاد على هذه المدة؟ إيش النتيجة.(62/12)
على كل حال الأمور تقدر بقدرها إذا لم يكن وسيلة لاستخراج الحقوق أو فيه نكاية في عدو وما أشبه ذلك، المسألة أظن أصلها غير شرعي، وبعد ذلك ينظر في حقيقتها على حسب ما تجلبه من مصالح؛ لكن أصلها غير شرعي.
يقول ابن القيم: "المراد ما يغذيه الله -في قوله: ((يطعمني ويسقيني)) - ما يغذيه الله به من عارف ويفيض على قلبه من لذة المناجاة، وقرة عينه وقربه وتنعمه بحبه وشوقه إليه" إلى غير ذلك، لا شك أن هذا غذاء روحي؛ لكن في الاكتفاء به عن غذاء البدن يحتاج إلى أن يصل الإنسان إلى أن يبيت عند ربه، يعني هذا قد يكون من خواصه -عليه الصلاة والسلام-، بل هو من خواصه، لا يمكن أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة.
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) [رواه البخاري وأبو داود واللفظ له].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم وزاد في رواية "في رمضان".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعنه من؟ أبي هريرة صحابي الحديث السابق، -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع قول الزور)) والكذب ((والعمل به والجهل)) والسفه، وسقط القول، ((فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) وفي رواية: ((الرفث)).
في الحديث الصحيح ((الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق)) والرفث الجماع ودواعيه وقيل: هو الكلام في النساء مع المواجهة لهن به، يعني إذا كان الكلام في الجماع ودواعيه مما يواجه به النساء، هذا هو الرفث، أما إذا كان هذا الكلام موجه إلى رجال ليس بحضرة نساء فلا يدخل في الرفث، وهذا معروف عن ابن عباس فيما نقله المفسرون وأهل اللغة، والمعتبر عند أهل العلم أن الرفث: الجماع والكلام فيه والحديث عنه، وما يتعلق به.(62/13)
((من لم يدع قول الزور)) يدع: فعل مضارع مستعمل والأمر مستعمل أيضاً، ((دع ما يريبك)) والمصدر مستعمل ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات)) أم الماضي (ودع) فقد أميت، كما نص على ذلك غير واحد من أئمة اللغة، أميت ماضيه واستغني عنه بتَرَكَ، قريء في الشواذ: (ما ودَعَك ربك) يعني ما تركك؛ لكنها قراءة شاذة.
((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة)) مفهومه أن من ترك هذه الأمور أن الله -جل وعلا وتعالى وتقدس- له حاجة في صيامه، والله -جل وعلا- هو الغني، ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)) فلا شك أن المفهوم غير مراد.
((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))
هذه الأمور هل تبطل الصيام أو تذهب الأثر المترتب عليه؟ بمعنى أنه لا أجر له، صيامه غير مقبول، ولا يعني أنه غير صحيح بل يؤمر بإعادته، صيامه لا تترتب عليه آثار، بل على الإنسان أن يصوم الصيام الشرعي المورث للتقوى، أما الصيام الأجوف الشكلي الظاهري الذي يزاول صاحبه في أثناءه ما حرم الله -جل وعلا- هذا ليس بصيام، وإن كانت صورته صورة الصيام، وإن كان مجزئاً مسقطاً للطلب؛ لكن الآثار من أعظمها تقوى الله -جل وعلا-، ما ترتبت عليه، ولهذا مثل هذا الصيام وجوده كعدمه في حياة المسلم الصائم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم؛ ولكنه كان أملككم لإربه" متفق عليه، واللفظ لمسلم، وزاد في رواية: "في رمضان".(62/14)
القبلة للصائم لا شك أن الصائم ممنوع من الجماع، وما يؤديه إليه من باب منع الوسائل؛ لكن مجرد القبلة التي لا أثر لها في الصيام، ولا تتسبب في إبطاله، بأن يخرج منه شيء، يخل في الصيام شبهها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عمر بالمضمضة، الصائم يتمضمض والمضمضة مظنة لانسياب شيء إلى بطنه إلى جوفه؛ لكنها لذاتها لا تمنع، وكذلك القبلة لذاتها لا تمنع، لذاتها لا تمنع، أما إذا أدت إلى خدش الصيام أو غلب على الظن أنها تؤدي إلى إبطاله فلا، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل من نسائه أم سلمة، وحفصة، وعائشة، حصل التقبيل منه -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن كما قالت عائشة: "ولكنه كان أملككم لإربه" والإرب هو حاجة النفس من الوطء، ومنهم من يقول: "أملككم لعضوه" بحيث لا يترتب عليه خروج شيء من هذا العضو، لكن لو قبل الإنسان ثم أنزل أو قبل فأمذى؟ عند الحنابلة لا فرق سواءً أمنى أو أمذى يبطل صومه وغيرهم يقول: لا إن أمنى بطل صومه لأنه شهوة، وإن أمذى فلا، الأصل أن الصيام يبطل بالجماع؛ لكن يلحق بالجماع ما يحصل فيه اللذة، ولذا جاء في الحديث الصحيح ((يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)) أما المذي فليس به شهوة فلا يبطل الصيام؛ لكن على الإنسان أن يحتاط لدينه.
وجاء في حديث النعمان في اتقاء الشبهات: ((من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)) وجاء التفريق بين الشاب والشيخ فرخص للشيخ ولم يرخص للشاب، أما بالنسبة للمرفوع فضعيف، وأما ما ثبت عن ابن عباس فصحيح، التفريق لا شك أن الدواعي بالنسبة للشاب أشد، والتأثر بالنسبة للشاب أشد، بخلاف الشيخ، ولذا جاء الأمر بالزواج موجه إلى الشباب: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) وليس معنى هذا أن الشيخ لا يتزوج، يتزوج؛ لكن الداعي عنده أقل، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه.
أما أصل المسألة فلا شيء فيه؛ لأنه ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قبل، فمجرد التقبيل لا بأس به، واستحبه أهل الظاهر اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكن هو على حسب ما يترتب عليه.(62/15)
قد يقول قائل: الوسائل لها أحكام المقاصد، نهينا عن الاستنشاق ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) والاستنشاق وسيلة إلى دخول الماء إلى الجوف، والقبلة وسيلة، نقول: الاستنشاق وسيلة يغلب على الظن حصول الغاية معه، بينما القبلة لا يغلب على الظن حصول الغاية معه، ولو غلب على الظن حصول الغاية معها لمنعت.
"يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم" يباشر: يعني يمس البدن من غير حائل، وليس معنى هذا أنه يطأ في ما دون الفرج هذه مباشرة؛ لكن الوطء هذا يحصل به الإنزال، والإنزال مبطل للصوم؛ لكن المباشرة المقصود بها: مس البدن من غير حائل "ولكنه كان أملككم لإربه" فعائشة تثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل لكن عنده ما يمنعه مما يخدش الصوم.
أيضاً يمنع الصائم مما يمنع منه غيره، فإذا كان قول الزور والعمل به والجهل والرفث ممنوع في غير وقت الصيام يتأكد منعه في حال الصيام؛ لأن مضاعفة الذنوب لا تضاعف؛ لكنها تعظم بسبب شرف الزمان والمكان، وقل مثل هذا في النظر إلى النساء محرم في كل وقت، والرجل مأمور بغض البصر سواءً كان النساء على الطبيعة أو على الشاشات أو في صور الصحف والمجلات، المقصود أنه ممنوع من النظر إلى النساء الأجنبيات، بل هو مأمور بغض البصر، وإذا كان هذا في غير رمضان، كان المنع منه في رمضان أشد، والعقوبة فيه أغلظ، نسأل الله السلامة والعافية.
وبعض الناس يسترسل في هذه الأمور، ويتعرض لإبطال صومه، بل لإبطال صلاته، أحياناً ينظر في هذه الشاشات وفي هذه القنوات وفي هذه الصورة ثم إذا مثل بين يدي ربه -جل وعلا- خرج منه ما يخرج، هذا كثير، لا سيما عند الشباب، فعلى الإنسان أن يبعد عن مواطن التهم، الموطن التي تخدش دينه، يبعد عما حرم الله عليه، ويتقي الله -جل وعلا-، حب وتتذلل لله -جل وعلا-، وليس بحر، كما يردد بعض الناس، أبداً ليس بحر، بل هو عبد لله -جل وعلا-، خلق لهدف عظيم، وغاية عظمى، وهي العبادة، تحقيق العبودية بعض الناس يرددون أبداً الناس أحرار، نعم الناس أحرار من رق العباد، أما من رق الخالق فهم عبيد، وخلقوا للعبادة، فلتجري عليهم الأحكام.(62/16)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" رواه البخاري، وعن شداد بن أوس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) [رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان].
وعن أنس بن مالك قال: "أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أفطر هاذان)) ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم، رواه الدارقطني وقواه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتحل في رمضان وهو صائم" رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، وقال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء.
قال المؤلف -رحمه الله-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" هما جملتان، ومنهم من يجمع الجملتين، ويقول: احتجم وهو محرم صائم، لكن هل ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم وهو صائم؟ صام عام الفتح في رمضان فلما بلغ الكديد، أو كراع الغميم، أو عسفان أفطر.
((واحتجم وهو صائم)) ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه احتجم وهو صائم، وأيضاً ثبت عنه أنه احتجم وهو محرم، في هذا دليل على قول الجمهور بأن الحجامة لا تؤثر في الصيام، لا تؤثر في الصيام.
ماذا عن حديث شداد؟ شداد بن أوس -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أتى على رجل بالبقيع، البقيع هذه غير محفوظة؛ لأن القضية كانت بمكة عام الفتح، النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى على رجل وهو يحتجم في رمضان فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه أحمد وابن خزيمة وابن حبان، احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم، وقال في حديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)).
الإمام الشافعي يرى أن حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأنه متأخر عنه، ما الدليل على تأخره عنه؟
طالب:. . . . . . . . .(62/17)
هذا إذا قلنا: هو محرم صائم، إذا قلنا: أنها جملة واحدة؛ لكن إذا قلنا: بانفكاك الجملتين احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم.
طالب:. . . . . . . . .
قلنا: ألا يحتمل أنه محرم في عمرة من عُمَرِه في عمرة القضاء مثلاً، وهي بعد الفتح أو قبله؟ قبله، قبل الفتح، نعم كل من قال بالنسخ ومنهم الإمام الشافعي يرى أن حديث ابن عباس كان في حجة الوداع؛ لكن في حجة الوداع هل حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان صائم؟ عمدتهم الجمع بين الجملتين، احتجم وهو صائم، احتجم وهو محرم، فجمعتا جملة واحدة، فصارت احتجم وهو صائم محرم.
حقيقة يشم رائحة التأخر لحديث ابن عباس، أن حديث شداد لا إشكال في كونه في عام الفتح، وابن عباس إلى عام الفتح وهو مع أبويه بمكة، ثم انتقل بعد ذلك أو قبل؟
طالب:. . . . . . . . .(62/18)
نعم انتقل بعد، فحديث ابن عباس متأخر عن حديث شداد، وهو الذي مال إليه الشافعي وجمع غفير من أهل العلم، يرون أن حديث شداد بن أوس منسوخ بحديث ابن عباس، ومنهم من يقول وهو المعروف عند الحنابلة ورجحه شيخ الإسلام والمفتى به أن الحجامة مفطرة، والحديث نص ((أفطر الحاجم والمحجوم)) منهم من يرى أن الحاجم والمحجوم في هذه القضية كانا يغتابان الناس، فالفطر هذا حسي أو معنوي؟ معنوي كانا يغتابان الناس فحكم عليهما بأنهما أفطرا فطراً معنوياً؛ لكن ابن خزيمة تعجب من هذا القول، يقول: "لو سئل هذا القائل هل الغيبة تفطر الصائم أو لا تفطر؟ لقال: لا، فكيف يقول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنهما كانا يغتابان الناس، لا شك أن مثل هذا لا حظ له من النظر، منهم من يقول: أفطر الحاجم والمحجوم لأن الحجامة تؤول بهما إلى الفطر، كيف تؤول بهما إلى الفطر؟ الحاجم قد ينسى شيء من الدم في جوفه فيفطر، والمحجوم قد يضعف عن متابعة الصيام فيفطر، أما إذا قوي وتابع صيامه إلى غروب الشمس فلم يفطر، والحاجم أيضاً إذا احتاط لنفسه ولم ينساب شيء في بطنه فلم يفطر، لو كان الحاجم مثلاً بآلة، يحجم بآلة كهربائية لا علاقة له بفمه، نقول: أفطر الحاجم، هل يمكن أن يقول أحد أفطر الحاجم لهذا؟ لا يمكن أن يقال، والحديث يتناوله ما في تفصيل، الحديث يتناوله؛ لكن هذا التأويل سائغ في أن الحجامة تؤول بالحاجم والمحجوم إلى الفطر، فمن كانت تضعفه الحجامة منعت في حقه؛ لأنها تؤول به إلى الفطر، وهذا رجحه جمع من أهل العلم أيضاً، والاحتياط ألا يحتجم الصائم، فإن احتاج إليها فليحتجم بالليل، كما قال ابن عمر، إن احتاج إليها، وإن اضطر إليها فهو صائم بيقين، ولا يبطل صيامه إلا بيقين مثله، لا سيما مع وجود المعارض من حديث ابن عباس، وهو أقوى منه؛ لأنه في البخاري، وهذا في المسند والسنن.(62/19)
الحجامة لها ذيول مثل: سحب الدم للتحليل مثلاً، سحب الدم للتبرع، تغيير الدم بالنسبة للغسيل، الشيء اليسير الذي لا يؤثر على الصائم كسحب شيء يسير لا أثر له في الغالب، هذا لم يقل أحد بأنه يفطر، الشيء الكثير الذي بمقدار ما يخرج في الحجامة يلزم من قال بالتفطير بالحجامة أن يفطر بهذا، وأما الغسيل واستخراج الدم من البدن ثم إعادته إليه بعد إضافة مواد مطهرة منقية لا شك بأن هذا يفطر، للإعادة وإن لم نقل بأن الحجامة تفطر، هذا مفطر قطعاً، ومثل ما قلنا: أن الاحتياط ألا يحتجم الصائم، فإن اضطر إلى الحجامة يحتجم في الليل، وإن اضطر إليها ولا مفر ولا مناص وقرر الأطباء أنه لا بد من استخراج هذا الدم فالصوم ثابت بيقين واستخراجه وإبطاله يحتاج إلى يقين مثله، ولا سيما أن حديث ابن عباس أقوى من حديث شداد.
وعن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتحل في رمضان وهو صائم" رواه ابن ماجه بإسناد ضعيف، الحديث ضعيف، ولذا قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب شيء.
والكحل، العين ليست بمنفذ إلى الجوف، وكون المكتحل أو المتداوي بعينه قد يرى طعم الكحل في فمه لا يعني أنه منفذ، بدليل أن من وطئ الحنظل بقدمه وجد طعمه في حلقه، وجد أثره في معدته، هل معنى هذا أنه نفذ إليها؟ ليست بمنفذ، بينما الأنف منفذ، الفم منفذ، الأذن منفذ أو ليس بمنفذ؟ هي منفذ إلى الفم، فإن أخرج ما يصل إلى الفم بواسطتها فلا أثر له على الصيام، وإن ذهب لأنه لا شك أن هذا مجرب أنه يصل، يصل جرم ما هو مجرد طعم نعم.
طالب:. . . . . . . . .(62/20)
لولا حديث صفوان بن عسال: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) يدل على أنه منفذ، الفم الصائم منهي عن المبالغة في الاستنشاق؛ لكن هل ينهى عن المبالغة في المضمضة ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) هل ينهى عن المبالغة في المضمضة؟ هل نقول: من باب أولى لأنه المنفذ الأصلي؟ أو نقول: لا، له أن يبالغ لأن المنفذ الأصلي محكم، ما هو مثل الأنف، الأنف مفتوح ما في شيء يمنع من انسياب الماء، بينما الفم محكم، ما هو مثل الأنف، فهل نقول: بأنه يبالغ في المضمضة وبعد أن يدير الماء في فمه بلسانه يخرجه أو نقول: لا يبالغ بل هي مثل الاستنشاق، وإن قيل: أنها أولى لأنه المنفذ الأصلي صار له وجه؛ لكن يبقى أن الفارق واضح، الفم يمكن التحكم فيه بخلاف الأنف، ولذا جاء التنصيص على الاستنشاق دون المضمضة.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(62/21)
بلوغ المرام - كتاب الصيام (3)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(63/1)
في آخر الدرس الماضي تكلمنا عن أحاديث الحجامة وفي الباب ذكر الحافظ ثلاثة أحاديث، حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو محرم. واحتجم وهو صائم. وهذا الحديث مخرج في الصحيح، وخرج أيضاً حديث شداد بن أوس ذكره الحافظ بن حجر في كتابه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). وهذا الحديث عند أحمد وأصحاب السنن وهو مصحح من قبل جمع من أهل العلم، هذان الحديثان تكلمنا فيهما وعرفنا مواقف أهل العلم وأن الجمهور يرون أن حديث ابن عباس ناسخ لحديث شداد، وعلى هذا عامة أهل العلم، حديث ابن عباس متأخر؛ لأنه جاء في بعض طرقه ما يدل على أنه في حجة الوداع، وحديث شداد بن أوس في عام الفتح، فهو متأخر عنه، ولذا قرر جمهور أهل العلم ونص على ذلك الإمام الشافعي، رأى أنه ناسخ، وأيدوا النسخ بحديث أنس وهو الحديث الثالث في المسألة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم، فمرّ به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذان، ثم رخّص النبي -صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم)). [رواه الدارقطني وقواه]. الدارقطني يقول رجاله كلهم ثقات ولا أعلم له علة. لكن حكم جمع من أهل التحقيق بضعفه، وأنه منكر. يبقى في المسألة حديث ابن عباس وحديث شداد، هما أقوى ما في المسألة. حديث ابن عباس أقوى الحديثين؛ لأنه مخرج في الصحيح، فمن رجح بالقوة وهو قول الجمهور رأى أن الحجامة لا تفطر الصائم، من رأى أن حديث ابن عباس ماش جارٍ على الأصل وحديث شداد ناقل عن الأصل علماً بأن حديث ابن عباس ليس فيه أكثر من أنه -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، لكن هل استمر في صومه؟ أو أفطر؟ الذين يقولون بالقول الثاني كالحنابلة يقولون ليس فيه ما يدل على أن الحجامة لا تفطر، أكثر ما في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، لكن ليس فيه أنه استمر في صومه، فيه جواز الحجامة للصائم. وهل هذا الصيام نفل؟ والمتطوع أمير نفسه يحتجم إن شاء، كما أن له أن يأكل إذا شاء، أو هذا الصيام واجب واحتاج إلى الحجامة، كما أن المريض له أن يفطر(63/2)
بالأكل والشرب في رمضان عند الحاجة إلى ذلك، المقصود أن كلاً من الدليلين يعتريه ما يعتريه من أجوبة الفريق الذي لا يستدل به؛ فالحنابلة أجابوا عن حديث ابن عباس بأنه فيه إثبات للحجامة أثناء الصيام، لكن ليس فيه ما يدل على الاستمرار في الصيام. وحديث شداد بن أوس أجاب عنه الجمهور بأنه منسوخ، ومنهم من قال أن معنى قوله: في حديث شداد: ((أفطر الحاجم والمحجوم)). أنه آل أمرهما إلى الفطر. أو يؤول أمرهما إلى الفطر. بمعنى أن الحاجم احتمال أن ينساب إلى جوفه شيء من هذا الدم الذي يمصّه الحاجم، والمحجوم احتمال أن يؤول حاله إلى الفطر؛ لأنه يضعف باستخراج الدم؛ فالمسألة مسألة مآل، هذا كلام من لا يحتج بهذا الحديث على أساس أن الحجامة تفطر الصائم، وللطرف الآخر أن يقول هذه مظنة للفطر، مظنة للفطر كون الشخص حاجم أو محجوم مظنة للفطر، وقد تنزل المظنة منزلة المئنة كما يقولون، كما أن النائم ينتقض وضوءه والأصل أن الناقض ما يخرج أثناء النوم وليس النوم نفسه، بدليل أن النوم إذا لم يكن مستغرق لا ينقض الوضوء، فهو مظنة للنقض، وكذلك الحجامة مظنة للنقض نزلت منزلة الناقض، وأخذت حكمه، لكن لو افترضنا أن حاجماً احتجم بالآلات الحديثة بحيث لا يباشر مص الدم، ينطبق عليه الحديث أو لا ينطبق؟ هو حاجم على كل حال، هو حاجم على كل تقدير، لكن المظنة التي علق عليها الحكم لا توجد، وقد يوجد في المحجوم من القوة وغزارة الدم بحيث لا تؤثر فيه الحجامة؛ فالمسألة مبناها على غلبة الظن، وغلبة الظن أن الحاجم يفطر بما ينساب في جوفه وأن المحجوم يفطر بسبب الضعف الذي يعتريه من جراء الحجامة. والأصل أن الإنسان صام بيقين، فلا يرفع حكم هذا الصوم بمجرد كون المذكور مظنة؛ لأن الأمر مشكوك فيه، هل يؤول أمره إلى الفطر أو لا يؤول؟ كما أن العمل المرهق يؤول بصاحبه إلى الفطر، يعني شخص يعمل طول النهار في أيام الصيف وهو صائم. هذا يؤول به الأمر إلى الفطر، فهل نقول أن مثل هذا يفطر؟ لكن هذا يختلف عما ورد فيه النص، وحديث شداد مصحح عند جمع من أهل العلم وإن لم يكن في الصحيحين، فالمسألة ينتابها ما ذكرت، والجمهور على أن الحجامة لا تفطر، وأن حديث شداد بن أوس منسوخ(63/3)
بحديث ابن عباس، والحنابلة لهم ما يدللوا لقولهم، ولا شك أن الاحتياط أن لا يحتجم الصائم أثناء صومه، بل يؤخر الحجامة إلى الليل بقدر الإمكان، إذا اضطر إليها ورأى أن يصوم يوماً مكانه من باب الاحتياط، فالأمر فيه سعة، وإلا فالجمهور على أن الحجامة لا تفطر، في حكم الحجامة التبرع بالدم تبرع بالدم في حكم الحجامة لأنه دم كثير مؤثر على الصائم، وأما ما يؤخذ من الدم الشيء اليسير من أجل التحليل ونحوه فإن هذا لا أثر له، معفو عنه، والغسيل الذي يستعمله من أصيب بالفشل هذا استخراج للدم وإضافة بعض المواد عليه ثم إعادته، فهو مفطر بخروجه عند من يقول بالفطر بالحجامة وبدخوله عند من يقول أن الفطر إنما يكون مما دخل لا مما خرج، فهو مفطر على الوجهين، إضافةً إلى أنه مضاف إلى الدم مواد منظفة ومنقية، أما حديث أنس -رضي الله عنه- قال: ((أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمرّ به النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: أفطر هذان ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد بالحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم)). هذا قواه الدارقطني، وهو إمام حافظ ناقد لكن حكم عليه جمع من أهل التحقيق بأنه منكر، لكن هل يرجّح إذا تكافئت الأدلة بمثل هذا؟ يرجح بالضعيف إذا تكافئت الأدلة؟ على القول بضعفه، ابن القيم -رحمه الله تعالى- يرى أن الضعيف لا يعمل به البتّة. لكن إذا وجد في المسألة قولان متساويان من كل وجه أو وجد في حديثٍ أو في نصٍ من النصوص وجد احتمالان متساويان من كل وجه فإنه لا مانع من الترجيح بالضعيف، ونص على ذلك في تحفة المودود. الحديث الذي يليه وهو الاكتحال بالنسبة للصائم شرحناه بالأمس وهو ضعيف. والعين ليس بمنفذ إلى الجوف، وإن وجد طعم الكحل أو القطرة أو العلاج في الحلق كما يوجد من يطأ الحنظل بقدمه يجد طعمه في حلقه، وهذا ليس بمنفذ حقيقي بخلاف الأنف والفم، الأنف منفذ ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)). ودل على أن الأنف منفذ. والآن الأنف يستعمل للتغذية بواسطة أنابيب تدخل مع الأنف توصل إلى الجوف وهو منفذ بلا شك، وتعرضنا أمس لمسألة وهو أنه -عليه الصلاة والسلام-(63/4)
نص على الاستنشاق ولم ينص على المضمضة، قال: ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)). ولم يقل بالغ في المضمضة إلا أن تكون صائماً. فهل نبالغ في المضمضة؟ لأن الفم هو المنفذ الحقيقي فهي أولى بعدم المبالغة؟ أو نبالغ ولا نتردد في المبالغة ويختلف الفم عن الأنف باعتبار أن الفم يمكن التحكم فيه بخلاف الأنف؟ هذه مسألة أثرناها بالأمس، ولا شك أن الأنف لا يمكن التحكم فيه؛ لأنه منفذ مفتوح، بخلاف الفم فيمكن إدارة الماء في الفم من غير أن ينساب منه شيء إلى الجوف، وعلى كل حال على الصائم لا سيما في صيام الفرض أن يحتاط لصومه.
أنا أقول من باب الاحتياط يتقيه الصائم وإلا فإبطال الصوم الثابت بيقين يحتاج إلى حجةٍ ملزمة، وحديث ابن عباس أرجح.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين:
قال المؤلف رحمه الله تعالى:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)). [متفق عليه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: أكمل أكمل.
وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)) وهو الصحيح.(63/5)
يقول المؤلف -رحمة الله تعالى عليه-، وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب -حال نسيانه- فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)). وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)). الرواية الأولى التي ساقها المؤلف المتفق عليها: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب)) يعني من أفطر ناسياً بالأكل والشرب يعني دون الجماع، ((فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه))، الرواية الثانية تدل على أن من أفطر بأي مفطر بما في ذلك الجماع ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة، يعني من أفطر يلزمه القضاء والكفارة، لكن من نسي فأكل ليس فيه تنصيص على الفطر الرواية الأولى، لكن الرواية الثانية: من أفطر، كيف يقول من أفطر فلا قضاء ولا كفارة من أفطر يلزمه القضاء، إذا أثبتنا أنه أفطر، لكن الرواية مؤولة بأنه أكل، يعني شابه المفطرين بالأكل والشرب والجماع، ودلالة الرواية الثانية على الجماع ظاهرة؛ لأنه نفى الكفارة ولا كفارة إلا في جماع. من نسي النسيان وهو الذهول وعزوب الشيء عن الذهن حال كونه صائماً فأكل أو شرب فليتم صومه، يعني ما زال صائماً، صومه ما زال سارياً فإنما أطعمه الله وسقاه، هذه العلة من نسي والقاعدة العامة في النسيان أنه لا مؤاخذة فيه، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا. فالإثم مرتفع على كل حال، لكن هل يعفى عن المنسي مطلقاً؟ أو منه ما يعفى عنه ومنه ما يلزم الإتيان به، ولو ترك أو فعل ناسياً، القاعدة عند أهل العلم أن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، إيش معنى هذا الكلام؟ هذا نسي وأكل وشرب الأكل والشرب موجود، النسيان ينزله منزلة المعدوم، لكن لو نسي وترك، نسي النية مثلاً، هل نسيانه ينزل المعدوم منزلة الموجود؟ هل يمكن أن يقال ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا في مثل هذا. ولذا أخطأ من قاس، من نسي وأكل وشرب فإنه يفطر مثل من نسي ركن من أركان الصلاة، بعض المذاهب عند المالكية على وجه الخصوص يقول أن من نسي وأكل وشرب لا يأثم لكن يلزمه القضاء، كما أن من نسي ركن من أركان الصلاة يلزمه الإتيان به، نقول الفرق بينهما أن(63/6)
هذا موجود فالنسيان ينزله منزلة المعدوم كمن زاد خامسة في الصلاة، وذاك معدوم؛ فالنسيان لا ينزله منزلة الموجود كمن صلى الظهر ثلاثاً ناسياً، لا بد أن يأتي برابعة، الفرق ظاهر وإلا ما هو ظاهر، هم يقولون ركن الصيام الإمساك وهذا ما أمسك، فلم يأتِ بهذا الركن كمن ترك ركعة أو ركوع أو سجدة من الصلاة لا بد أن يأتي به، نقول الفرق بينهما أن هذا موجود وذاك معدوم، والنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم كأن لم يوجد بخلاف المعدوم فإنه لا ينزله منزلة الموجود، من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه. بهذا أخذ جمهور أهل العلم على من أكل وشرب ناسياً فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأنه ناسي، والأكل والشرب إيجاد، والإيجاد ينزله النسيان منزلة المعدوم، والحديث صحيح وصريح في ذلك، ويرى المالكية أنه عليه القضاء لكن لا كفارة عليه، بخلاف من أكل أو شرب عامداً فإنه عليه القضاء والكفارة كالجماع، وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة))، من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة. من أهل العلم من يفرق بين الفطر حال النسيان، بين الأكل والشرب والجماع، فيقول الأكل والشرب يتصور فيه النسيان، أما الجماع لا يتصور فيه النسيان، ولذا يفرق بينهما عند جمع من أهل العلم، الذين يقولون النسيان لا يؤثر، الفطر مع النسيان لا يؤثر يفرقون بين الأكل والشرب والجماع فيقولون الجماع لا يمكن نسيانه، يعني شخص في رمضان ما يستحضر أن الجماع يفطر؟ يستبعد هذا، كما أنهم فرقوا في مسألة الإكراه بالنسبة للرجل، يقولون لا يتصور إكراهه على الزنا، لا يتصور إكراه الرجل على الزنا بخلاف المرأة؛ لأنه إذا أكره لا ينتشر، بخلاف المرأة، وهنا يقولون: لا يتصور من صائم لا يتصور منه أن يجامع، أو لا يدرك أن الصيام أو يعزب عن باله ويغيب عن باله أن الجماع مفطر؟ وعلى كل حال الجادة أن يكون الحكم واحد، الأكل والشرب والجماع حكمها واحد، وبهذا قال أكثر من يعذر بالنسيان، ورواية الحاكم كالصريحة في إرادة الجماع لأنه قال: ولا كفارة. ولا كفارة إلا بجماع. ما دام نفيت الكفارة فهم من ذلك أن الجماع لا قضاء فيه ولا كفارة. بعض الناس(63/7)
الذين ما تعودوا الصيام تجده باستمرار، يعني يأكل في اليوم مرات، كما جاء شخص لأبي هريرة وقال له: كنت صائماً فنسيت فأكلت، قال: "إنما أطعمك الله وسقاك". ثم جاءه ثانياً قال: دخلت على قوم فأكلت. قال: "إنما أطعمك الله وسقاك". ثم دخلت على قوم فأكلت قال: "أنت شخص لم تتعود الصيام". ومع ذلك صيامه صحيح ما دام ناسياً، ومع هذا من رأى شخصاً يتناول المفطر في رمضان هل يقال له مثل صاحب الميزاب لا تخبرنا يا صاحب الميزاب اتركوه إنما أطعمه الله وسقاه؟ نقول لا هذا الظاهر منكر، ظاهره منكر، رجل يأكل ويشرب في رمضان فيجب الإنكار عليه، وإلا لتذرع بذلك كثير من الفساق، كثير من الفساق يتذرع بهذا إذا ذكر قال والله نسيت، وعلى هذا لا بد من الإنكار عليه، المقصود أن من أكل أو شرب أو جامع ناسياً فلا شيء عليه صيامه صحيح ولا قضاء ولا كفارة، والجادة واحدة، والنسيان مرفوع الإثم والتبعة، لا سيما في الإيجاد، أما في العدم فلا بد من الإتيان بما عدم نسياناً، على ما ذكرنا.
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) [رواه الخمسة وأعله أحمد وقواه الدارقطني].(63/8)
يقول المؤلف -رحمة الله عليه- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ذرعه القيء -أي سبقه وغلبه- فلا قضاء عليه)). ذرعه يعني سبقه وغلبه، نعم مع كثرة الأكل وزيادته تجد كثير من الناس في صلاة الفجر بعد السحور يحصل لهم شيء من هذا، وفي صلاة العشاء والتراويح قد يحصل لهم هذا يسبقهم، لكن من باب الاحتياط للعبادة لا تكثر، لئلا تتسبب في مثل هذا، بعض الناس مبتلى بسعةٍ في فم المعدة، إذا ركع وإلا سجد لا بد أن يخرج شيء ثم إذا رفع عاد، فما الحكم؟ وهو صائم؟ هذا موجود عند بعض الناس، يصير سعة في فم المعدة إذا ركع خرج منه شيء، ثم إذا رفع عاد، لكنه إذا وصل الفم يستطيع أن يتحكم فيه، فمثل هذا إذا كان يستطيع أن يتحكم فيه يلزمه أن يمجّه، وأن يقذفه ويخرجه من فمه بأي طريقة، فإن عاد وهو صائم أفطر، إذا لم يتمكن من ذلك، إذا لم يستطع حاول أن يمجّه ما استطاع، فهذا حكمه حكم المغلوب، من طار إلى حلقه ذباب أو غبار أو ما أشبه ذلك هذا مغلوب، لا يستطيع الاحتراز منه، ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه))؛ لأنه غلبه من غير قصدٍ منه، ((ومن استقاء)) يعني استدعى وطلب القيء فعليه القضاء؛ لأن القيء مفطر عند جمع من أهل العلم، حتى نقل ابن المنذر الإجماع على أن تعمد القيء يفطر الصائم. ابن المنذر نقل الإجماع على أن تعمد القيء يفطر الصائم. لكن جمع من أهل العلم لا يرون أنه يفطر وإنما الفطر مما دخل لا مما خرج، وهذا ذكره الإمام البخاري معلقاً في صحيحه الفطر مما دخل لا مما خرج، والوضوء بالعكس، لكن هذا القول لم يسلّم طرداً ولا عكساً، لم يسلم طرداً ولا عكساً. الذي يقول بأن الحجامة تفطر يقول خرج، الذي يقول أن القيء يفطر يقول يفطر بما خرج، والذي يقول أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء ينقض الشق الثاني من القول، فالقول غير مسلم طرداً ولا عكساً، ((ومن استقاء فعليه القضاء)) على كل حال الحديث صححه بعض العلماء، الدارقطني يقول: رواته كلهم ثقات، والحاكم يقول: صحيح على شرط الشيخين. والبخاري يقول: لا أراه محفوظاً. ولا يصح إسناده وإن روي من غير وجه وأنكره أحمد لكن الحديث قابل للاحتجاج، قابل للتحسين، وعلى هذا إذا(63/9)
تعمّد القيء، طيب من ذرعه القيء هذا مغلوب، لا يفطر لكن من استقاء يعني طلب القيء؟ وهذا أعم من أن يكون يستجيب له القيء فيخرج أو لا يستجيب فلا يخرج؛ لأن بعض الناس يطلب يستقيء يطلب القيء فلا يخرج منه شيء، هذا يفطر وإلا ما يفطر؟ من استقاء يعني النص يتناول ما إذا خرج منه وما إذا لم يخرج منه، يفطر من أي وجه؟ لماذا يفطر؟ لأنه نوى الفطر، ومن نوى الإفطار أفطر، لكن افترض أن شخصاً لا يعرف هذا؟ لا يعرف أن من نوى الإفطار أفطر، فاستقاء ولم يخرج منه شيء يفطر وإلا ما يفطر؟ لأن الفطر في هذا معلق بالقيء، بدليل من ذرعه القيء فالمسألة كلها تدور على القيء، والقيء خروج الطعام من المعدة، ومن استقاء يعني فخرج منه القيء طلب خروج القيء فخرج منه فإنه يفطر، فعليه القضاء، يعني واضحة أصل المسألة ظاهر وإلا مو بظاهر؟ لأن من استقاء استدعى القيء طلب القيء؟ طيب هذا القيء استدعاه هذا الشخص، فعليه القضاء، لا يخلو إما أن يكون بعد الاستدعاء أن يستجيب له فيخرج أو لا يستجيب فلا يخرج، هل نقول مثل ما لو عرض نفسه على الدورة وهو متوضئ ولم يخرج منه شيء وضوؤه ثابت ما فيه شيء ما انتقض، ما خرج منه ناقض، وهنا ما خرج منه مبطل للصوم، هل نقول هذا مثله وإلا .. ؟ أو يختلف؟ يختلف من أي وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه أبطلت القاعدة هذه نقضت طرداً وعكساً.
طالب: ... استقاء أي خرج منه ...
هو استقاء طلب القيء فعليه القضاء.
طالب: لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إن خرج أو لم يخرج فـ ...(63/10)
لكن الحديث كله مداره على القيء بدليل أن من ذرعه القيء لا شيء عليه، طيب من استقاء يعني طلب القيء يعني ظاهر النص أنه فخرج منه شيء، يبقى أنه إذا لم يخرج منه شيء وقد طلب القيء إن كان يعرف أن القيء مفطر فقد نوى الإفطار ويكون أفطر من هذه الحيثية، أنه نوى الإفطار إذا كان لا يعرف أن من نوى الإفطار أفطر وقال أبداً مثلما لو عرضت نفسي على الدورة وما خرج شيء الوضوء صحيح، وذكرنا بالأمس أن النية أثرها بعد الفراغ من العبادة يختلف عن أثرها في أثناء العبادة؛ لأن من عرض نفسه على الدورة إن كان بعد فراغه من العبادة ولم يحدث منه ما ينقض وضوءه؛ فالوضوء صحيح ثابت ما انتقض، لكن لو غسل وجهه ويديه وبقي عليه مسح الرأس وغسل الرجلين وعرض نفسه على الدورة نقول له لا بد أن تعيد فسد وضوءك خلاص؛ لأنه يشترط استصحاب حكم النية؛ لأنك في أثناء العبادة، والصائم في أثناء العبادة هذا أشرنا له بالأمس مع النية، فهذا الذي استقاء نوى الإفطار، إذا كان ممن يرد على ذهنه أن من نوى الإفطار أفطر، وإلا من لا يخطر على باله مثل هذا الحكم يفطر وإلا ما يفطر؟ لا سيما ولم يخرج منه شيء، لم يخرج منه مفطر، وهو القيء. أن افترض شخص ذهب إلى المستشفى ليتبرع طلب منه قريبه أو صديقه التبرع بالدم، وذهب للمستشفى وجلس على السرير ومد يده علشان إيش؟ يستخرجوا منه الدم، قالوا أنت اكتفينا، يفطر وإلا ما يفطر؟ هو يعرف أن التبرع مفطر، يعرف أن التبرع مفطر، ومثل على السرير ومد يده وركبوا السيور وقبل .. قالوا اكتفينا، مثل هذا نوى الإفطار، وبذل الأسباب للإفطار، فهل يتجه القول بفطره، هذا نوى الإفطار، وعند أهل العلم أن من نوى الإفطار أفطر، وهذا الذي استدعى وأدخل أصابعه في فمه أو حاول تقيأ هذا نوى الإفطار فهو مفطر من هذه الحيثية، ولو لم يخرج منه شيء.
طالب:. . . . . . . . .
الذي لا يرى أن القيء مفطر لا يرى أن القيء مفطر، وكان من أهل النظر وتحرر عنده أن القيء هذا لا يدخل في الخلاف، لا يدخل في أصل المسألة، الجاهل إذا سأل من تبرأ ذمته بتقليده بحسب ما يفتى، إن أفتاه من يرى التفطير فطّره وإن أفتاه من لا يرى التفطير ما أفطر؛ لأنه يتبع من يقلد.(63/11)
طالب:. . . . . . . . .
في فرق؟ لا شك أن العزم أقوى من مجرد الهم، كما أن الهم أقوى من مجرد حديث النفس، وحديث النفس أقوى من الهاجس، والهاجس أقوى من الخاطر، فالمراتب مراتب القصد متفاوتة، لكن العزم فيه بذل للأسباب، هذا عازم، شغل السيارة وراح للمستشفى مسافة عشرين ثلاثين كيلو تهيأ للتبرع ثم قيل له في آخر لحظة والله اكتفينا، هل يقال أن مثل هذا التردد أو هذا الهم وهذا البذل أنه لدمه موقوف على قبولهم له، يعني إن قبلوه وإلا رجعت؟ لأنه يقول بروح المستشفى أبي أتبرع قريبي بأمس الحاجة أو صديقي أو مسلم تتوقف صحته على هذا الدم بتبرع ولن أتأخر إلى الليل لكن إن كان اكتفوا من دوني فأنا صائم، التردد مثل هذا التردد يؤثر في الصيام؟
طالب:. . . . . . . . .
على حسب غلبة الظن، إن كان يغلب على الظن أنهم يحتاجونه فمثل هذا مؤثر؛ لأن الأحكام تبنى على غلبة الظن، وإن كان يغلب على ظنه أنهم لا يحتاجونه فإنه لا يؤثر.
وعن جابر بن عبد الله ..
الأحاديث طويلة وكل حديث كثيرة ونحتاج إلى أن ننهيها إن شاء الله تعالى.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، فشرب ثم قيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال: ((أولئك العصاة أولئك العصاة)). وفي لفظٍ قيل له: إن الناس قد شقّ عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت. فدعا بقدحٍ من ماء بعد العصر فشرب)). [رواه مسلم].
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله: ((إني أحد فيّ قوةً على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه)). [رواه مسلم وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بنَ عمروٍ سأل].(63/12)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس))، خرج عام الفتح لعشرٍ خلون من رمضان لفتح مكة فصام -عليه الصلاة والسلام- يعني من خروجه إلى أن بلغ كراع الغميم، وهو وادٍ أمام عسفان، وفي بعض الروايات: ((حتى بلغ عسفان))، وفي رواية: ((حتى بلغ الكديد))، وهي أماكن متقاربة، يشملها عسفان والبقية من أعماله، فالاختلاف لما بلغ كراع الغميم فصام الناس، الآن صيامه هذا -عليه الصلاة والسلام- ابتدأ من المدينة وكراع الغميم وعسفان على مراحل من المدينة، ثلاث مراحل من المدينة، إذاً صيامه هذا في اليوم الذي شرع فيه في صيامه من المدينة أو في يومٍ شرع فيه الصيام من في السفر؟ الآن هذا اليوم الذي أفطر فيه لما بلغ كراع الغميم بدأ في صيامه بالمدينة؟ أو بدأ صيام هذا اليوم من السفر، في أثناء السفر؟
طالب: صام هذا اليوم في السفر ..
في أثناء السفر؟
طالب: ... عندما خرج عنه في الفتح إلى مكة في رمضان فصام ..
يعني من باب أولى الأيام التي قبله صام؛ لأن هذه المسألة ثلاث مراحل تحتاج إلى أيام، شرع في الصيام بالمدينة، وأكمل في السفر اليوم الأول والثاني ثم أنشأ الصيام في اليوم الثالث في السفر ثم أفطر لما بلغ كراع الغميم، نحتاج هذا الكلام لماذا؟ لماذا نحتاج مثل هذا الكلام، وش الفرق بين أن يبدأ الصيام في السفر أو يبدأه في الحضر؟
طالب:. . . . . . . . .(63/13)
لأن من أهل العلم من يرى أنه إذا شهد أول اليوم في الحضر ليس له أن يفطر، ومنهم من يرى أنه إذا صام أول النهار في الحضر ثم تلبس بالسبب المبيح للفطر له أن يفطر، سواء ابتدأ الصيام في السفر أو في الحضر، لا فرق. فنحتاج لمثل هذا التفصيل لمعرفة منشأ القولين، من كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة. أولاً في الحديث ما يدل على الصيام في السفر، وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- في السفر، وصام الصحابة في السفر، بصحبته -عليه الصلاة والسلام-، وكان منهم الصائم ومنهم المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. فالصوم في السفر صحيح، خلافاً لمن أبطله، وقال إنه لا يجزئ لأن الله تعالى يقول: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ} [(184) سورة البقرة]. يعني يلزمه عدة، وإذا لزمته العدة هل يجمع بين البدل والمبدل منه؟ يلزمه البدل، لكن إذا لزم البدل هل يجمع بينه وبين ما أبدل منه، لا على قولهم، لكن الجمهور يقدرون في الآية يقولون: فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فأفطر فعدة من أيام أخر. فالواجب عليه عدة من أيام أخر. فلا يجب عليه عدة إلا إذا أفطر، وهذا التقدير لا بد منه بدلالة الأحاديث الصحيحة الصريحة، وأنه لا يلزمه عدة من أيام أخرى إلا إن أفطر. ((خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس))، يعني صام الناس معه ((ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام)). أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- بمرأى الناس، فيدل على جواز الفطر في أثناء النهار في رمضان إذا قام السبب المبيح للفطر، إذا قام السبب المبيح للفطر، وهو هنا السفر، والسفر مأخوذ من الإسفار وهو البروز والوضوح والظهور ومنه السفور بالنسبة للمرأة التي تبرز شيئاً مما يجب تغطيته؛ فالسفر الأصل فيه البروز فلا ينطبق الوصف حتى يسفر ويخرج عن البلد ويبرز عنه، ويتلبس بالوصف المبيح للفطر، ((حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدحٍ من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك بعد أن أفطر ورآه الناس واستمر بعض الناس على صيامه فقال: إن بعض الناس قد صام(63/14)
فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة)). وجاء في الحديث الصحيح: ((ليس من البر الصيام في السفر)). أولئك العصاة، وليس من البر الصيام في السفر، {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة]، هذه يستدل بها من لا يرى الصوم في السفر. لكن الذين يرون الصيام في السفر هم الجمهور. على خلافٍ بينهم في الأفضل الصيام أو الفطر، يقولون النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت بالنص القطعي أنه صام في السفر وصام الصحابة معه، فلا بد من حمل قوله: ((أولئك العصاة)) وقوله: ((ليس من البر)) على حالةٍ معينة للتوفيق بين النصوص. أولئك العصاة الذين شقّ عليهم الصيام. فيكون عندنا مراتب، شخص سافر والصيام لا يشق عليه بحال بل قد يكون حاله أثناء السفر أيسر وأحسن له من حاله حال الحظر، مثل هذا يصوم، والصيام أفضل لعموم قوله: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة]. وشخص يصوم تلحقه مشقّة مثل المشقة اللاحقة بالحاضر أو تزيد عنها قليلاً مثل هذا مخيّر، إذا زادت المشقة فالفطر أفضل، إذا زادت المشقة بحيث يحصل معها حرج ((أولئك العصاة))، ((وليس من البر الصيام في السفر))، هذا التفصيل لا بد منه من أجل إيش؟ التوفيق بين النصوص، وفي لفظ فقيل له: ((إن الناس قد شقّ عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدحٍ من ماءٍ بعد العصر فشرب)). [رواه مسلم]، بعض الناس يشق عليه الصيام. لكن يقول بقي الآن ساعة أو ساعتين بتحمل. هل نقول أن المشقة اللاحقة له بالقضاء أشد من المشقة اللاحقة في هذه المدة اليسيرة يستمر صائم ولو شق عليه الصيام؛ لأن بعض الناس الذي ما تعود على الصيام القضاء أشد عليه من نقل جبل، فيقول أكمل هذي الساعتين على أي حالٍ تكون ولا يبقى في ذمتي صيام يوم كامل وأصوم والناس كلهم مفطرون فبعض الناس يشق عليه الصيام فينظر، لا شك أنه إذا شق عليه الصيام أثناء السفر بحيث يتضرر من صومه لا شك أنه عاصٍ بصيامه. ولذا أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: بالنسبة لمن شق عليهم أولئك العصاة. من شرع في الصيام في الحظر ثم طرأ عليه السفر كثير من أهل العلم يرون أنه ليس له أن يفطر، وأجاز الإمام أحمد وجمع من أهل العلم أنه تلبس بالسفر(63/15)
إذاً له أن يفطر، ما دام السبب قائماً، والحديث الذي يليه.
يقول وعن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- أنه قال: ((يا رسول الله إني أجد بي قوةً على الصيام في السفر))، وفي روايةٍ: ((إني أسرد الصوم فهل عليّ جناح)) يعني أن أصوم في السفر، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((هي رخصة))، {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة]. هذه رخصة؛ لأن الأصل أن من استطاع الصيام يلزمه الصيام، {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، ومن لم يشهد بأن كان مسافراً فجاءت الرخصة في حقه، وهي رخصة من الله ومن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، النص يدل على أن الفطر أفضل من الصيام؛ لأن كون الشيء حسناً أفضل من رفع الجناح عنه، فمن أخذ بها الرخصة والله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه والمسألة على ما مضى من تفصيل. رواه مسلم وأصله في المتفق عليه من حديث عائشة أن حمزة بن عمروٍ سأل، يعني المتفق عليه الحديث من مسند عائشة، والذي تفرد به مسلم الحديث من مسند حمزة. يعني إذا أردت أن تبحث عن هذا الحديث في تحفة الأشراف، تبحث عنه في مرويات حمزة وإلا في مرويات عائشة؟
الآن تريد أقرب طريق لتصل إلى الحديث من خلال تحفة الأشراف، عائشة مكثرة وحمزة مقل، فهل يمكن أن تجد الحديث في مسند حمزة؟ الحديث حديث الباب الذي اعتمده الحافظ رواية مسلم هو من مسند حمزة، والرواية المتفق عليها من مسند عائشة، فتجده هنا وتجده هناك، فإذا أردت أن تبحث عن مثل هذا الحديث المذكور في الكتب الستة من طريق صحابيٍ مكثر، ومن طريق صحابي ٍمقل، ابحث عنه من طريق المقل لتصل إليه بأقرب فرصة.
وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليه". [رواه الدارقطني والحاكم وصححه].(63/16)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- قال: "رخّص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليه". وهذا الخبر إذا قال الصحابي: رخّص لنا أو أبيح لنا أو حرّم علينا أو أوجب علينا أو فرض علينا منهم من يرى أنه له حكم الرفع مطلقاً؛ لأن هذه الأحكام إنما تصدر عن المشرع، فالمرخص هنا هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، على هذا القول، احتمال آخر وهو الذي أبداه بعضهم، هو أن هذا الترخيص فهمه ابن عباس من قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [(184) سورة البقرة]. الصيام في أول الأمر كان على التخيير، القادر إن شاء صام وإن شاء أطعم، ثم حصل الإلزام به وارتفع التخيير وتم نسخ قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، المشهور عند الجمهور أنها منسوخة، {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، نسخت الآية السابقة، وعلى رأي ابن عباس أنها ليست منسوخة، بقي حكمها في الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام، له أن يفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولا قضاء عليه، الآية النص فيها وعلى الذين يطيقونه، فهل الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام الشيخ الكبير إذا كان يستطيع الصيام له أن يفطر ويطعم؟ يستطيع الصيام ليس له أن يفطر، الشيخ الكبير الذي لا يستطيع هل يدخل في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} كما يقول ابن عباس؟ ترى فيه ملحظ دقيق جداً هنا، يعني الجمهور على أن قوله -جل وعلا-: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. منسوخة ارتفع حكمها، ارتفع التخيير بقي الإلزام، ثم بعد ذلك بقي التكليف لمن عقله حاضر وهو إما مستطيع أو غير مستطيع، فالذي لا يستطيع هل نقول أنه مثل الحج ما يستطيع يسقط عن الحج وهذا لا يستطيع الصيام يسقط عنه الصيام؟ كما هي الجادة العادة في جميع التكاليف، صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فنقول هذا الشيخ الكبير مكلف، لا يستطيع الصيام لا يلزمه الصيام، لا يستطيع الحج لا يلزمه الحج، والجادة واحدة، أو نقول أن الصيام في الأصل له بدل. لا يستطيع(63/17)
الأصل يستطيع البدل، في أول الأمر التخيير بين الصيام والإطعام؟ صح وإلا لا، إذاً الصيام له بدل، بقي الإلزام في حق المستطيع وأنه ليس له أن يعدل إلى البدل مع قدرته على الأصل، الذي لا يستطيع الأصل وهو مكلف، عقله ثابت، الشيخ الكبير الذي لا يستطيع ولا يطيق الصيام يعود إلى البدل؛ لأنه يستطيع البدل، واضح الاستدلال وإلا ما هو واضح؟ أقول منزع يعني في غاية الدقة، الأصل أن هذا الشخص مكلف عقله ثابت، والصيام ركن من أركان الإسلام لا يستطيع الأصل يستطيع البدل، يطعم عن كل يومٍ مسكين، لا يستطيع يطعم عن كل يومٍ مسكين، نظيره الذي لا يستطيع الحج ببدنه وعنده مال يحجّ عنه من ماله، فهذا منزع ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- وهذا من دقيق فقه، لكن هل هذه الرخصة التي ذكرها يستند فيها إلى نص يدل عليها بخصوصها أو أنه فهم من الآية ويؤيد فهمه القراءة الأخرى: وعلى الذين يطوقونه. يعني تكلفون يتحملون مشقة شديدة بمباشرته، وعلى كل حال ما يراه ابن عباس هو قول جماهير أهل العلم، أن من بقي التكليف بالنسبة له لكنه لا يستطيع الأصل أنه يعدل إلى البدل وهو الإطعام، ومنهم من قال الإطعام منسوخ مرفوع حكمه بالكلية، وإذا ارتفع الحكم بالكلية ما بقي أن يعمل به أناس ويعفى منه أناس، يعني رفع كلي للحكم، الإطعام منسوخ فلا يطالب به أحد، والمرجح في هذه المسألة ما قاله ابن عباس وهو قول الجمهور.
طالب: .... ذهاب ابن عمر إلى ابن عباس في الحامل المرضع ما العلة في .. لماذا ... المرضع الحامل؟
إذا خافت على نفسيهما أو على ولديهما.
طالب: طيب المرضع مثلاً ألا تأكل مثلاً بعد الإفطار؟
تأكل بعد الإفطار إلا.
طالب: هل يضر. . . . . . . . .
إيه إيه يضر، تبي تكف عن الأكل خمسة عشر ساعة، فيموت ولدها، احتمال، لا، الضرر ظاهر.(63/18)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: ((جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك. قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين. قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا. ثم جلس فأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرقٍ فيه تمر، فقال: تصدق بهذا. فقال: أعلى أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيتٍ أحوج إليه منّا. فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه. ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك)). [رواه السبعة واللفظ لمسلم].(63/19)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. وفي بعض الروايات أعرابي، ومنهم من سماه: سلمة بن صخر البياضي أو سلمان ومنهم من قال أعرابي ولم يسمّه. ((جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله)). هذا يستشعر الذنب ويستشعر عظمة من عصى، بخلاف من يزاول المعاصي وهو يضحك أو يتحدث بها ويتبجح ويتمدح بها، هذا يقول: ((هلكت يا رسول الله. قال: وما أهلكك. قال: وقعت على امرأتي في رمضان)). وقعت على امرأتي في رمضان، هل كان يعرف الحكم قبل ذلك أو لا يعرف؟ بدليل قوله: هلكت. لو كان ما يعرف أن هذا محرم أو أن هذا مفطر يعذر بجهله أو لا يعذر؟ يعذر بالجهل، إذا كان لا يعرف أن هذا محرم، ولا يعرف أن هذا مفطر يعذر بجهله ولا يلزمه شيء. لكن يعرف أنه محرم ولا يعرف الأثر المترتب عليه، إما يلزم صيام شهرين متتابعين أو عتق رقبة هذا تترتب آثاره عليه لأن ما دام عرف أنه محرم عليه أن يكفّ، فرق بين من لا يعرف الحكم أصلاً، وبين من يعرفه ولا يعرف الأثر المترتب عليه ((وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. فقال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين. قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا)). هذه كفارة الجماع في نهار رمضان. وهي على الترتيب كما هنا. وجاءت بفظ التخيير بأول. عند مالك في الموطأ ولذا جنح أنها على التخيير، ولم يشر مالك في روايته أن هذا الذي أفطر عمداً أن فطره كان بالجماع، وإنما ذكر أن أعرابياً جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: أفطرت في رمضان ولذا جعل الكفارة لكل من أفطر عمداً في رمضان بالأكل والشرب والجماع على حدٍ سواء. والكفارة على التخيير لأنه خرجها بـ أو، أعتق رقبة أو أطعم أو صم، على التخيير عنده، ويرى الإمام مالك أن كل من أفطر عن عمد سواء كان عن أكل أو شرب أو جماع أنه تلزمه الكفارة، ولذا ما نص على أن فطر هذا الأعرابي كان بالإجماع، في روايته الأولى الذي اعتمد عليها في الموطأ. فجعل الرواية تشمل جميع المفطرات وإلى هذا جنح -رحمه الله- فهنا في الحديث نص على أنه وقع(63/20)
على امرأته. ولذا في الحديث الماضي من أكل أو شرب ناسياً عند مالك أو جامع ناسياً يلزمه القضاء ولا عليه كفارة، كما سبقت الإشارة إليه، وعند الجمهور لا يلزمه شيء، من تعمّد الأكل والشرب والجماع في نهار رمضان عند مالك تلزمه الكفارة وعند الجمهور لا تلزم الكفارة إلا من جامع في نهار رمضان كما هنا، قال: ((هل تجد ما تعتق رقبة)). طيب هذه كفارة الإجماع في نهار رمضان؟ الفقهاء يقولون من جامع في نهار رمضان فعليه إيش؟ كفارة إيش؟ كفارة ظهار، لماذا لا يقول أن عليه كفارة مجامع في نهار رمضان؛ لأنها ثابتة بالنص الصحيح ما هو بالقياس، ثبوت الكفارة هنا ليست بالقياس، بالنص، قالوا عليه كفارة ظهار، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هنا في المجامع ذا ما يجوز له أن يمسها حتى يكفر؟ أو هذاك خاص في الظهار؟ خاص بالظهار،
طالب: ... أن الآية كما أشرتم ..
وهنا ذكر الترتيب
طالب:. . . . . . . . .
نفس الكفارة لكن هذه كفارة ظهار وهذه كفارة مجامع في نهار رمضان وش المانع، وهذه ثبتت بالكتاب وهذه ثبتت بالسنة.
طالب:. . . . . . . . .
ثابتة بأصل ما هي بالقياس بالإلحاق، هنا ملحظ وهو أن ما يثبت بالقرآن الذي يعرفه الخاص والعام، القرآن معروف عند المسلمين كلهم، كلهم يقرؤون سورة المجادلة، لكن مثل هذا النص قد يخفى على كثير من الناس، فإذا كان الحكم واحداً أحيل على ما في القرآن الذي يعرفه الخاص والعام، كما قال عبادة: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، وش الداعي تقول بيعة النساء والرجال أشرف وبيعة الرجال قبل بيعة النساء؟ لماذا لأن بيعة النساء مسطرة بالقرآن، بينما بيعة الرجال بالسنة، فالذي يوجد في القرآن يحال عليه؛ لأن القرآن يعرفه عامة الناس بخلاف السنة التي لا يعرفها إلا نفر يسير بالنسبة لعموم الناس، قالوا عليه كفارة ظهار ما قالوا عليه كفارة قتل؟
طالب: .... مشترك.
لا ما في. ظهار هذا، افتراق هذا ما هو التحام، نعم القتل ليس فيها إطعام، كفارة القتل ليس فيها التنصيص على الإطعام وإن قال به بعضهم بالإلحاق، فالكفارة المطابقة لما عندنا هي كفارة الظهار وهي ثابتة بالقرآن فأحيل عليها.(63/21)
طالب: من قبل أن يتماسا ... ؟(63/22)
يعني هنا كفارة الظهار من قبل أن يتماسا. كفارة الجماع في نهار رمضان لا ما له علاقة، هذاك ظهار والظهار فيه افتراق، فلا يجوز له أن يمسها حتى يكفر، أما هذه مثل المفطرات الأخرى مثل الكفارات الأخرى. هل تجد ما تعتق رقبة، الرقبة هنا مطلقة، وهي كذلك في كفارة الظهار، في كفارة القتل مقيدة بكونها مؤمنة، فهل تقيد هنا أو لا تقيد؟ هل يعتق الرقبة الكافرة وتجزئ وإلا لا بد أن تكون مؤمنة، لا بد أن تكون مؤمنة حملاً للمطلق على المقيد، حملاً للمطلق على المقيد، المطلق في كفارة الظهار وكفارة الجماع، لكن المقيد في كفارة القتل، فتحرير رقبةٍ مؤمنة، يعني مع هذا الاختلاف في السبب هل يمكن حمل المطلق على المقيد مع الاختلاف في السبب، ممكن لماذا؟ للاتحاد في الحكم، الحكم واحد كله وجوب العتق في كفارة الظهار، في كفارة الجماع كما هنا في كفارة القتل يجب العتق، في كفارة اليمين لا بد أن تكون مؤمنة حملاً للمطلق على المقيد لأنه يجب، تجب الكفارة في الجميع، طيب مع الاختلاف في السبب أما إذا اختلف الحكم فلا يحمل المطلق على المقيد وإن اتحد السبب، إذا اختلفا معاً فلا يحمل، وإن اتحدا معاً فالحمل متفق عليه، ((هل تجد ما تعتق رقبة قال: لا، قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين))؟ لا بد أن يكونا متتابعين، لو أفطر بينهما يوماً واحداً لا بد أن يستأنف فيصوم شهرين متتابعين، لا بد من الاستئناف، اللهم إلا إن أفطر بعذرٍ يبيح له الفطر في رمضان، يبيح له العذر في رمضان فلا ينقطع التتابع، لأن صيام رمضان آكد، ((قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا. قال: ثم جلس)) وفي رواية قال له: ((اجلس)). انتظاراً للفرج، من وحيٍ أو غيره ((ثم جلس فأوتي النبي -صلى الله عليه وسلم بعرق))، العرق الزنمبيل أو المكتل فيه تمر فقال: ((تصدق بهذا))، فيه خمسة عشر صاعاً أو عشرون صاعاً خمسة عشر في حديث أبي هريرة وعشرون في حديث عائشة، فقال: ((تصدق بهذا)). يعني إذا تبرع أحد لمن لزمه شيء، لزمه واجب، يجزئ وإلا ما يجزئ، عليك كفارة فتبرع شخص وأخرجها عنك برضاك بعلمك، تجزئ وإلا ما تجزئ؟ تجزئ، تبرع شخص أخرج عنه كفارة تجزئ، تبرع عنك شخص فأخرج عنك زكاتك، زكاة(63/23)
مالك، وجب عليك ألف ريال زكاة فجاء واحد فقال: ترى أنا بدفع الألف عنك هذا ألف. تجزئ وإلا ما تجزئ؟
طالب:. . . . . . . . .
الذمة؟!
طالب:. . . . . . . . .(63/24)
لها تعلق بالذمة، لكن الأصل فيها المال، وأخرجه هذا تبرعاً عنه، وهذا يكثر بالنسبة للابن الذي يعيش، الابن المكلف الذي يعيش في كنف والده، تجد والده يلتزم بكل شيء، في حديث عمر وفيه منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس الزكاة، ثم جاء عمر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يذكر له ذلك، فقال: ((أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل الله وعتاده في سبيل الله، وأما ابن جميل فما ينقم لجميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأما العباس فهي عليّ ومثلها)). هذا تحمل للزكاة وإن قال بعض أهل العلم أنه أخذ منه زكاة عامين، تعجل منه زكاة عامين، فقال: ((هي عليّ ومثلها)). فهنا لما جيء بالزمبيل لولا أن مثل هذا تدخله النيابة ويتحمله غيره عنه لما قال تصدق بهذا، فقير خلاص بين أمرين إما أن تسقط عنك كما قال بعض أهل العلم وإما أن تبقى ديناً في ذمتك كما قاله الأكثر وهو الأقيس، كغيرها من الديون والواجبات، فقال: تصدق بهذا. فقال: ((أعلى أفقر منا؟ فما بين لابتيها))، وفي رواية: ((فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج منا)). أقسم على غلبة ظنه ولم ينكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أن هذا غلبة ظن، يعني هل أجرى مسح شامل لبيوت المدينة ولم يوجد فيها أفقر منه؟ إنما غلب على ظنه لما يعرفه من شدة الحاجة عنده أقسم أنه ما يوجد أفقر منه، ولذا يجوز جمع من أهل العلم القسم على غلبة الظن، ((فما بين لابتيها أهل بيتٍ أحوج منا، فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى بدت أنيابه))، الموجب للضحك، يعني شخص هالك جاء يدعو بالويل والثبر هلكت وأهلكت وفي رواية: ((ينتف شعره)) وفي رواية: ((يحثو على رأسه التراب))، وأخيراً يرجع بمكتلٍ يكفي له شهرين، أو شهر على الأقل؟ ضحك النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((اذهب فأطعمه أهلك)). أطعمه أهلك، يعني هل هذا الطعام الذي جيء به هذا التمر، هو الكفارة؟ خذ هذا فتصدق به؟ وهل تصح الكفارة من الإنسان لأهله؟ يدفعها لأهله؟ أو أن نقول لما أقسم أنه ما بين لابتيها أهل بيتٍ أحوج منهم، هذا إسعاف لهذه الأسرة التي ما في المدينة أفقر منهم وتبقى الكفارة مسكوت عنها؟ ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الكفارة(63/25)
تبقى دين في ذمته متى أيسر يدفعها. ومنهم من استدل بالحديث على أنه إذا كان معسراً أثناء الحاجة إلى كفارة أثناء وقت الكفارة إذا كان معسر تسقط عنه، والحديث محتمل، الحديث محتمل، وكل منهم استدل بهذا الحديث والأقيس الجاري على القواعد أنها تثبت ديناً في ذمته كغيرها من الديون، إن أيسر في بقية عمره دفعها وإلا فالله -جل وعلا- يتولاها، ولذا أهل العلم يقولون في الحقوق المتعلقة بالتركة، الحقوق الخمسة الأول مؤنة التجهيز، والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة كالديون برهن، والثالث: الديون المرسلة، المطلقة، التي ليست برهن لا تتعلق بعين التركة كديون الآدميين والكفارات، ودين الله أحق وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((دين الله أحق)). يدل على أن هناك ما يثبت بذمة المكلف. من الدين لله -جل وعلا-، ثم الوصايا ثم الإرث، إطعام ستين مسكيناً، وهي الخصلة الثالثة بعضهم أفتى من علماء الأندلس من أفتى بعض الأمراء بالصيام قبل العتق، وقع على أهله في رمضان قال تصوم شهرين متتابعين، قيل له لماذا؟ قال لو قيل له العتق وطئ كل يوم، سهل العتق عنده، لكن لما يقال له: تصوم شهرين متتابعين لن يعود، فهل هذه الفتوى صحيحة؟ فتوى باطلة، لأنها مخالفة للنص، إطعام الستين المسكين الخلاف في كون المد كافي أو نصف صاع، مسألة معروفة عند أهل العلم والأحوط أن يجعل نصف صاع، نصف صاع من طعام وسواء أطعم الستين مجتمعين أو متفرقين، المقصود أنه يخرج ثلاثين صاعاً أو خمسة عشر صاعاً على الخلاف المعروف. نأخذ شيء وإلا تصلون؟ بالنسبة لمن جامع في نهار رمضان، الحديث ما فيه هنا في الرواية التي ساقها المصنف ما يدل على أنه يقضي يوماً مكانه. لكن نصّ، يعني جاء من طرقٍ تثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صم يوماً مكانه واستغفر الله)). ومنهم من يقول الروايات أكثرها ما فيها تنصيص على القضاء فلا قضاء عليه، فالكفارة تشمل الكفارة بمجموعها بدل عن هذا الصيام الذي أبطل فلا قضاء بهذا بعض العلماء لكن الرواية صحيحة وثابتة صم يوماً مكانه، وهي القاعدة أن من أفطر فعدة من أيام أخرى بما في ذلك الفطر بالجماع.(63/26)
بلوغ المرام - كتاب الصيام (4)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في حديث المجامع السابق لم يُذكر عن المرأة شيء، لم يتعرض لذكرها في طرق الحديث؛ لكن النساء شقائق الرجال، إذا حصل منها شيء من المفطرات بطوعها واختيارها لزمها ما يلزم الرجل، فالمجامع والمرأة مجامَعة، والرجل محصِن والمرأة محصنة، يعني كما أن الإحصان تترتب عليه آثاره بالنسبة للرجل، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة، وإن كان هذا اسم فاعل وهذا اسم مفعول، نقول: كذلك المجامِع دلت النصوص على أنه تلزمه الكفارة والمجامَعة تلزمها أيضاً الكفارة، هذا إذا كانت مطاوعة، أما إذا كانت مكرهة فالمكره لا تكليف عليه، لكن ليعلم القدر من الإكراه الذي يرتفع به التكليف، وهذا معروف عند أهل العلم.
وعن عائشة وأم سلمة -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان يصبح جنباً من جِماع ثم يغتسل ويصوم" متفق عليه، وزاد مسلم في حديث أم سلمة: "ولا يقضي".
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(64/1)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عائشة وأم سلمة أمي المؤمنين -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصبح جنباً من جماع ثم يغتسل ويصوم، وحديث أم سلمة عند مسلم: ولا يقضي يصوم صياماً صحيحاً كاملاً، ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الصبح، وهذا جاء رجل يسأل أم سلمة، جاءت امرأة أرسلها زوجها تسأل أم سلمة فأخبرتها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعل ذلك، فقال الرجل النبي -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني له أن يفعل مثل هذا لكن لسنا مثله، فردها إلى أم سلمة مرةً ثانية، فجاءت والنبي -عليه الصلاة والسلام- عندها، فقال: ((ألم تخبريها؟ )) قالت: أخبرته، ومثل هذا عن عائشة، وجاء إلى مروان أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مع أبيه فذكر له أن أبا هريرة يقول: "من أصبح جنباً فلا صيام له" فأقسم مروان على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن يذهب إلى أمي المؤمنين فيسألهم عن ذلك، فأخبرته أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصبح جنباً من جماعٍ من غير احتلام ثم يغتسل ويصوم، لما رجع إلى مروان قال: "عزمت عليك أن تذهب إلى أبي هريرة فتخبره بما قالت أما المؤمنين" فاعتذر عبد الرحمن بن الحارث، اعتذر كيف يواجه صحابي بمثل هذا الاستدراك؟ هذا أدب مع الكبار، نعم الحق لا بد من بيانه؛ لكن يتولاه من هو على مستوى البيان بالنسبة لهذا الصحابي الكبير، يعني إذا أردت أن تستدرك على كبير فليكن بالأسلوب المناسب، وليكن الذي يستدرك عليه في مستواه، اعتذر عبد الرحمن بن حارث بن هشام فأقسم عليه مروان، ومروان ولي أمر، لا يمكن عصيانه، كان أمير على المدينة من قبل معاوية -رضي الله تعالى عنه-، فذهب فتحدث معه ساعة، يعني انبسط معه ساعة، بخلاف من إذا سمع بعض المشايخ يقرر مسألة قال: لا يا شيخ، هذه حصلت، حصلت بحضرة الكبار الله المستعان. يقول لا يا شيخ، طالب علم صغير لا يا شيخ، هذا تحدث مع أبي هريرة ساعة علشان إيش؟ ينفتح القلب، ويسلك مع المسلك، بعض الناس يصير عنده مثلما يقولون بالأسلوب العصري: دبلوماسية يستطيع أن يدخل إلى القلب من غير جرح للشعور، وبعض الناس أبداً ما يهمه، تحدث معه ساعة لا شك(64/2)
أن هذا من أدب السلف، ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أراد أن يسأل عمر عن المرأتين التي تظاهرتا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: مكثت سنة، يتحيّن فرصة فحجّ عمر فحجّ معه ابن عباس، وفي أثناء الحج مال عمر عن الطريق فمال معه ابن عباس، وحمل معه الإداوة، وصب عليه الماء فوجد الفرصة مناسبة، فلا بد من مثل هذا الأدب مع الكبار، وليس معنى هذا أن يضيع الحق، ويميع الحق بهذا العذر، لا، البيان لا بد منه؛ لكن نسلك الأساليب المناسبة ليكون الحق مقبولاً، فتحدث معه ساعة، ثم أخبره وصل الحديث إلى هذه المسألة، كنت عند مروان فأرسلني إلى أمهات المؤمنين، وكذا، وأقسم علي أن أذهب إلى أبي هريرة، ولولا قسمه لما جئت، يعني ما هو أنت مثلك الذي يستدرك عليه، فقال أبو هريرة: لم أسمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما أخبرني به مخبر، وهو الفضل بن عباس.
ومنهم من يثبته نص عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن من أصبح جنباً فلا صيام له؛ لكنه منسوخ بهذا، على كل حال وجد الخلاف القديم من أبي هريرة، ومن يقول بقوله، ثم ارتفع الخلاف، فأجمع أهل العلم على أن من أصبح جنباً سواء كان من جماع كما هنا أو من احتلام، ونفي الاحتلام في النص من جماعٍ من غير احتلام إنما هو تصريح بما هو مجرد توضيح؛ لأن قوله من جماع يعني أنه من غير احتلام، وأيضاً الاحتلام الجمهور على أنه لا يحدث من الأنبياء؛ لأنه من تلاعب الشيطان، ومنهم من أثبته لهذا النص؛ لأنه لو لم يكن حاصل ما احتجنا إلى نفيه، والجمهور على أنه لا يحصل من الأنبياء؛ لأنه من تلاعب الشيطان، من أصبح جنب والسبب كان قبل طلوع الصبح لا بد من هذا، السبب الموجب للغسل قبل طلوع الصبح، يعني جامع قبل طلوع الصبح؛ لكنه لم يغتسل إلا بعد طلوع الصبح.(64/3)
امرأة طهرت من حيضها أو نفاسها قبل طلوع الصبح، ثم لم تتمكن من التطهر إلا بعد طلوع الصبح الصيام صحيح، انعقد الإجماع بعد الخلاف القديم وارتفع الخلاف، على الخلاف المعروف عند أهل العلم في الإجماع بعد الخلاف هل ينعقد أو لا ينعقد؟ المقصود أن هذا هو حكم المسألة: من أصبح جنباً كان السبب الجنابة الذي يملكه الشخص الذي هو بطوعه واختياره، قبل طلوع الصبح ولم يغتسل إلا بعد طلوع الصبح صيامه صحيح ومن حصل له السبب الموجب من غير اختياره كالاحتلام فلا أثر له على الصيام، ولو كان في أثناء الصيام، نام بعد صلاة الظهر فاحتلم، نام بعد صلاة الصبح إذاً ما له أثر، لا أثر له على الصيام، يغتسل ويكمل صومه ولا أثر له على الصيام.
وهذه مسألة يسأل عنها كثيراً ويخفى حكمها على كثير من الشباب، وهي استعمال العادة السرية كثير منهم يستعملها في رمضان، وكثير منهم لا يغتسل بعدها، على كل حال هي مفطرة وموجبة للغسل، إذا خرج المني دفقاً بلذة فهي مفطرة، وهي موجبة للغسل أيضاً.
"ثم يغتسل ويصوم" متفق عليه، وزاد مسلم في حديث أم مسلمة: "ولا يقضي" لا يلزمه القضاء لأن صيامه صحيح.
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليه)) [متفق عليه].(64/4)
حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من مات وعليه صيام صام عنه وليّه)) (صيام) نكرة في سياق الشرط فتعمّ جميع الصيام، سواء كان الصيام من رمضان أو كفارة أو نذر، (من مات وعليه) كلمة (عليه) تدل على أنه مما يلزمه هذا الصيام، فلا يدخل في مثل هذا التطوع، عادة هذا الرجل أن يصوم يوم عرفة، مات يوم العيد وما صام يوم عرفة نصوم عنه يوم عرفة؟ لا، لكن في الواجب الذي يلزمه بدليل قوله: ((وعليه)) لأن من أساليب الإيجاب (عليه صيام) نكرة في سياق الشرط فتعمّ، و (من) هذه من صيغ العموم، كل من مات وعليه صيام أي صيام صام عنه وليه، بهذا قال جمع من أهل العلم أن من لزمه صيام ولم يتمكن منه فإن وليه يقوم مقامه، ومنهم من يخص هذا الصيام الذي يقبل النيابة بالنذر فقط، لا ما وجب بأصل الشرع، ما وجب بأصل الشرع لا يقبل النيابة، "فلا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد"، لكن ما أوجبه الإنسان على نفسه مثل هذا قدر زائد على ما أوجبه الشرع فمثله يقبل النيابة، وهذا هو المعروف عند الحنابلة ويرجحه شيخ الإسلام وابن القيم ويرون أنه هو الجاري على القواعد، ويؤيده ما جاء في بعض الروايات: ((من مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه)) في بعض الروايات وهي في الصحيح وعندنا صيام مطلق كما هنا وفي الروايات الأخرى مقيد بكونه نذر، وحمل المطلق على المقيد في مثل هذا متعيّن؛ لأنه يتفق معه في الحكم والسبب، يتفق معه في الحكم والسبب؛ لكن إن جعلناه كما قال بعضهم أنه من باب العموم والخصوص، صيام عام والنذر خاص، من باب العموم والخصوص فلا أثر للخاص؛ لأنه ذكر الحكم فيه بحكمٍ موافق للعام، فيكون من باب الاهتمام بهذا الخاص نصّ عليه، وإن كان فرداً من أفراد العام الذي يشمله النص المذكور هنا، وعلى كل حال كما يقول ابن القيم وقبله شيخ الإسلام: الجاري على قواعد الشرع أن العبادات البدنية الواجبة بأصل الشرع لا تقبل النيابة، بخلاف ما أوجبه الإنسان على نفسه هذا يقبل.(64/5)
((صام عنه وليّه)) الولي القريب، منهم من يخصه بالوارث، ومنهم من يخصه بالعاصب، ومنهم من يقول: من تبرع بحيث لو تبرع الأب عاد مع وجود الأدنى صح ذلك، المقصود أنه يصام عنه، والتنصيص على الولي لأن الغالب على الولي هو الذي يحرص على براءة ذمة قريبه، والقول الثالث في هذه المسألة أن الصوم لا يقبل النيابة كالصلاة، وهو المعروف عند المالكية والحنفية، لا يقبل النيابة، بل من مات وعليه صوم فالكفارة، البدل، لتعذر الأصل؛ لكن الحديث صحيح وصريح في أنه يصوم عنه وليّه، إن قيدناه بالنذر كما يقول الإمام أحمد وهو رأي شيخ الإسلام وهو الجاري على القواعد فهو متجه، وإلا في الأصل العموم، والروايات المقيدة فيها قوة.
باب صوم التطوع وما نهي عن صومه:
عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صوم يوم عرفة فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: ((يكفر السنة الماضية)) وسئل عن صوم يوم الاثنين فقال: ((ذلك يوم ولدت فيه، وبعثت فيه، وأنزل عليّ فيه)) [رواه مسلم]، وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) [رواه مسلم].
وعن أبي سعيدٍ الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً)) [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر منه صياماً في شعبان" [متفق عليه، واللفظ لمسلم].
وعن أبي ذرٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام، ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر" [رواه النسائي والترمذي وصححه ابن حبان].(64/6)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)) [متفق عليه، واللفظ للبخاري] زاد أبو داود: ((غير رمضان)).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين، يوم الفطر، ويوم النحر" [متفق عليه].
وعن نبيشة الهذلي -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيام التشريق أيام أكلٍ وشرب، وذكرٍ لله -عز وجل-)) [رواه مسلم].
وعن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهم- قالا: "لم يرخَّص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي" [رواه البخاري].(64/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب صوم التطوع وما نهي عن صومه، ما عدا رمضان، كما دلت على ذلك النصوص، وما يوجبه الإنسان على نفسه فهو تطوع، حديث ضمام بن ثعلبة الذي جاء يستفهم عن شرائع الإسلام، وأن رسولَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- أخبرهم أن الله فرض عليهم صوم شهرٍ من كل عام، قال: فهل عليّ غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) فما عدا ذلك تطوع، والتطوع لا شك أنه مما ترفع به الدرجات، وتكسب به الحسنات، وتكفر به السيئات، ويكمل به ما نقص من الواجب، وفي حديث عرض الأعمال إذا وجد فيها نقص من الفرائض قيل: ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟ )) يعني فيكمل به هذا النقص، فليحرص المسلم لا سيما طالب العلم الذي ينبغي أن يكون قدوة من الإكثار من التطوع والتعبد في مثل هذه العبادات التي تزكو بها النفوس، وتصفو بها القلوب من الصلاة والصيام والحج والعمرة وغيرها، والأذكار وتلاوة القرآن، كل هذه على طالب العلم أن يعنى بها، نعم بعض طلاب العلم ينشغل بالأمور الذي يتعدى نفعها، وينسى مثل هذه الأمور، والنفع المتعدي عند أهل العلم في الجملة أفضل من النفع القاصر، في الجملة وليس على إطلاقه، وإلا فأعظم أركان الإسلام نفعه قاصر، الصلاة أفضل من الزكاة كما هو معروف، فعلى طالب العلم أن ينوع من العبادات، وتنوع العبادات في شرعنا من مزايا هذه الشريعة، ولها مصالح عظيمة جداً، ولو لم يكن فيها إلا اختبار المكلف هل يذعن أو لا؟ لأن بعض الناس يسهل عليه أن يتطوع بالصلاة، مستعد يصلي مائة ركعة؛ لكن يشق عليه أن يصوم لحظة، ما يمكن، ما يصبر، ما يستطيع أن يصوم يوم مثلاً، بينما عنده استعداد يصلي ألف ركعة، وبعض الناس يصوم شهر، وما عنده استعداد يبذل درهم؛ لكن جاءت العبادات متكاملة منها البدنية، ومنها المالية، ومنها المشتركة بينهما لاختبار المكلفين، والذي ما تعود الصيام يصعب عليه ويشق عليه؛ لكن إذا جاهد نفسه وتعود عليه يتلذذ به، وقل مثل هذا في بقية العبادات، صوم التطوع وما نهي عن صومه يندرج تحته حيث جمع المؤلف في هذا الباب الأيام التي يشرع صومها والأيام التي يكره صومها، والأيام التي يحرم صومها.(64/8)
عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن صوم يوم عرفة فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) يكفر سنتين الماضية والباقية، وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: ((يكفر السنة الماضية)) فصوم يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء؛ لأنه يكفر سنتين، كونه يكفر الذنوب الماضية متصور؛ لكن يكفر الذنوب المستقبلة، استشكله بعض أهل العلم، ولا إشكال؛ لأن الذنوب المكفرة بهذه الأعمال إنما هي الصغائر هي التي تكفرها هذه الأعمال؛ لأنه جاء القيد ((ما لم تغشَ كبيرة)) ((ما اجتنبت الكبائر)) {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] فدل على أن الذنوب المكفَرة هي الصغائر.(64/9)
يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وقبله ثمانية أيام، هي أفضل أيام العام، ((ما من أيامٍ العمل الصالح فيها خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) فهي أفضل أيام العام على الإطلاق، وأما بالنسبة لليالي فليالي عشر رمضان أفضل عند أهل العلم من ليالي عشر ذي الحجة، صيام العشر باستثناء العيد الذي يحرم صومه، يوم عرفة منصوص عليه بالتحديد وبالتعيين، وأنه يكفر السنة الماضية والباقية، وبقية الأيام صيامها يشمله قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما من أيامٍ العمل الصالح فيها خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) وثبت بالنصوص الصحيحة والصريحة أن الصيام من أفضل الأعمال، بل هو على رأس ما يعد من الأعمال الصالحة، ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) وهو عمل صالح، فيدخل في قوله: ((ما من أيامٍ العمل الصالح .. )) يدخل فيه الصيام، فيشرع ويسنّ صيام التسعة أيام من شهر ذي الحجة، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما قاله الإمام أحمد أنه كان يصوم العشر، وفي صحيح مسلم من حديث عائشة أنه ما صام العشر، والنفي عندها على حسب أو على حد علمها، والمثبت مقدم على النافي، ولنفترض أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صام العشر، فالذي يخصنا بالنسبة للاقتداء به قوله -عليه الصلاة والسلام-، إذا ثبتت المقدمة ثبتت النتيجة، ثبت أن الصيام عمل صالح فهو من أفضل الأعمال في هذه الأيام، وأيضاً حث النبي -عليه الصلاة والسلام- على كثيرٍ من الأعمال، ولم يفعلها، ثبت عنه أنه قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) وفي رواية: ((تعدل حجةً معي)) وما ثبت أنه اعتمر في رمضان، نقول: نترك العمرة في رمضان؛ لأنه ما اعتمر؟ ما نترك، فالذي يهمنا من سنته قوله، كونه ما فعل لأمرٍ من الأمور، نعم من كان بمنزلته -عليه الصلاة والسلام- بحيث يعوقه الصيام عما هو أهم من تصريف شؤون العامة يكون الصيام بالنسبة له مفضول، لو افترض شخص يحتاجه الناس، الأمة بحاجته، بأمس الحاجة إليه، وهو ممن لا يستطيع الجمع بين(64/10)
الصيام وغيره من الأعمال، نقول له: صم واجلس في بيتك أو في مسجدك واترك أمر العامة؟ لا، هذا بالنسبة له الاشتغال بأمر العامة أفضل من الصيام، لو مثلاً ولي الأمر أو كبير علماء الأمة الذي الناس كلهم بحاجته إذا صام جلس في بيته أو في مسجده وما استطاع أن يستقبل الناس وشق عليه نقول له: يا أخي لا تصوم أفضل لك.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ينظر إليه وما ثبت عنه من قوله وفعله بعدة اعتبارات، ينظر إليه باعتبار أنه الإمام الأعظم، ويجب أن يقتدي به ويأتسي به من هذه الحيثية الإمام الأعظم، الملوك والأمراء وغيرهم، ولاة الأمر، وباعتباره المفتي يقتدي به من يتولى الإفتاء، وباعتباره قاضي -عليه الصلاة والسلام- يقتدي به من يتولى القضاء، وباعتباره إمام يقتدي به الأئمة، وباعتبار الأسوة والقدوة وهذا هو الأصل، لو جاء شخص قال: أنا بجلس في بيتي حتى تكون الساعة إحدى عشر ونصف مع زوال الشمس أدخل المسجد يوم الجمعة هذا أفضل وإلا يجي في الساعة الأولى؟ يقول: ما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل قبل الزوال، أنا مأنا بداخل قبل الزوال، نقول: لا هذا في حق الأئمة، وأنت باعتبارك مأموم مطالب بالمبادرة، بالتهجير، يقول: قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يقول: سمع الله لمن حمده. أنا بقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وأنا مأموم، نقول: لا، هذا باعتباره إمام؛ لأنه يقول: فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، فالذي يخصك قوله: ربنا ولك الحمد.(64/11)
المقصود أن هذه المسألة تحتاج إلى شيء من البسط والأمثلة والتنظير لأنها تلتبس على كثيرٍ من الناس، ويشاع في مثل هذه الأيام أن صيام العشر بدعة، وهذا ليس بصحيح، نعم من احتاجه الناس وصار بمثابة النبي -عليه الصلاة والسلام- الأمور كلها منوطة به لا شك أن مثل هذا نفعه العام المتعدي ويكتب له أجر الصيام إضافةً إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك العمل الفاضل رحمةً بالأمة، يعني يتصور لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حصل منه هذه النصوص المتعارضة تقول عائشة: ما صام، مع حثه على الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر، يمكن كل الناس بيصومون وينزون في بيوتهم، ممكن، تصور لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رمضان مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) إيش يصير وضع الناس لو تظافر القول مع الفعل؟ كان يقتتل الناس على العمرة في رمضان، وتبقى أن العمرة في رمضان سنة وتعدل حجة، وإن قال بعض أهل العلم أنه خاص بتلك المرأة، كما أشارت إليه رواية أبي داود؛ لكن القول الذي لا وجه له ومع الأسف أنه كتب في بعض الصحف القول الذي لا وجه له قول من يقول: نعم العمرة في رمضان تعدل حجة؛ لكن ما هو كل سنة، وش اللي ما هو كل سنة؟ يعني القول بأن هذا النص خاص بالمرأة هذا له وجه، وقال به من أهل العلم المعتبرين؛ لكن ما هو كل سنة؟ وش الحد؟ يعني كود يصدر نظام يحدد العمرة في رمضان يصير هو الشرع؟ ما هو كل سنة؟ على شان إيش؟ المسألة مسألة شرعية، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا الحديث، وأهل العلم إما أن يقولوا للجميع، وهذا قول عامة أهل العلم، ومنهم قال خاص بالمرأة، وقل مثل هذا القول ولك سلف، أما أن يقال: تعدل كل حجة؛ لكن ما هو كل سنة، ما أدري كيف من أي قاعدةٍ ينطلق مثل هذا الكلام؟ صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية، منهم من يقول أن الشخص ما حصل منه في السنة الماضية من الصغائر يكفر، ويحال بينه وبين الذنوب في السنة اللاحقة، أو يوفق للتوبة إن حصلت منه، ولسنا بحاجة إلى مثل هذا ما دام التكفير للصغائر فهذه أعمال عظيمة تأتي على الصغائر إيش المانع؟ بالوعد الصادق، وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال:(64/12)
((يكفر السنة الماضية)) وسئل -عليه الصلاة والسلام- عن صوم يوم الاثنين فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه، أو أنزل عليّ فيه)) يوم ولدت فيه، لا شك أن ولادة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة للعالمين وهو رحمة للعالمين أنها خير، بالنسبة للناس كلهم؛ لأنه رحمة، فولادته ولادة رحمة؛ لكن من تعظيمه والفرح بولادته اتباعه، فلا نحدث في دينه ما لم يشرعه، يوم ولدت فيه، وش يلزمنا من هذا اليوم الذي ولد فيه؟ نبتدع عبادات نتقرب بها إلى الله -عز وجل- فرحاً بهذا اليوم؟ لا، هذا يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) لكن مثل هذا الصيام شكراً لله -جل وعلا- الذي وجدت ولادة هذه الرحمة، رحمة للعالمين، هو الرحمة المهداة، لا شك أن هذا من شكر هذه النعمة، ولا نتعبد بغير ما ورد؛ لأن بعض الناس يقول: ما دام يشرع صيامه لأنه يوم المولد لماذا لا نظهر هذا الفرح؟ نظهر هذا الفرح وفرحنا هذا من باب حبه وتعظيمه -عليه الصلاة والسلام-، نعم نفرح بولادته لكن لا نزيد على ما شرعه؛ لأن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله أن لا يعبد الله إلا بما شرع، سئل عن يوم الاثنين فقال: ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه، وأنزل علي فيه)) وسئل عن الاثنين مع الخميس فقال: ((يومان ترفع فيهما الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) وما جاء في يوم الاثنين أكثر.(64/13)
وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر)) [رواه مسلم]، حديث أبي أيوب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من صام رمضان)) الشرط: من صام رمضان، فالذي لا يصوم رمضان لا ينفعه صيام الست، ومقتضى الشرط أنه لا بد من استكمال صيام رمضان قبل الست؛ لأنه قال: ((ثم أتبعه)) يعني بعد صيام رمضان كاملاً يتبعه ستاً من شوال، فعلى هذا لا بد من أن يقضي ما أفطره في رمضان ثم بعد ذلك يتبعه الست، قد يقول قائل: وقد قيل: القضاء وقته موسع، وهذه الست وقتها مضيق، عليه خمسة أيام من رمضان أفطرها في سفر، ثم لما بقي ستة أيام من شوال بحيث لا تتسع إلا لهذه الست يقول: وقت القضاء إلى آخر شعبان، وهذه الست يفوت وقتها، مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام- ثم أتبعه أنه لا يتطوع بالست حتى يكمل رمضان، ثم يتبعه، وهذا قال به جمع من أهل العلم، وهو مقتضى ظاهر الحديث، ومنهم من يقول: الوقت موسع، لك أن تتطوع في الوقت الموسع، دخل وقت صلاة الظهر، كم وقت صلاة الظهر ثلاث ساعات، لك أن تصلي ما شئت قبل الفريضة؛ لكن التنظير غير مطابق، افترض المسألة في شخصٍ دخل عليه وقت الظهر وفي ذمته صلاة الفجر مثلاً، هل يتطوع قبل أن يصلي الفجر؟ لا، المقصود أن المسألة خلافية بين أهل العلم، وأكثر ما يستندون إليه فعل عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنه يكون عليها من رمضان ما تستطيع أن تقضيه إلا في شعبان لمكانة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويبعد أن تسمع مثل هذه النصوص يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية وعاشوراء ما تصوم عرفة ولا عاشوراء، يبعد أن لا تتطوع مثل هذه التطوعات، ومقتضى هذا أن تقدم مثل هذه التطوعات على القضاء، يعني ومن باب أولى صيام الست؛ لكن ظاهر الحديث يدل على أنه لا يصح التطوع قبل أن تؤدى الفريضة، وابن رجب ذكر هذه المسألة في قواعده، وذكر لها نظائر كثيرة، فليرجع إليها.(64/14)
((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً)) ستاً الأصل أن يقول ستةً؛ لأنها تمييز مذكر، قال: ((ستاً)) والنحاة صرحوا بأنه يجوز الوجهان إذا لم يذكر التمييز، يجوز الوجهان، (ثم أتبعه ستاً) وصحّفت هذه الكلمة، صحفها الصولي فقال: (شيئاً من شوال) لكن الروايات الصحيحة الثابتة ستاً، من شوال كان كصيام الدهر. الحديث يدل على استحباب صيام الست من شوال، وهو حديث صحيح صريح قال به الجمهور، قالوا بمقتضاه، وأن صيام الست مستحب، وقال الإمام مالك صيام الست ليس بمشروع؛ لأنه نص في موطئه أنه لم يرَ أحد من أهل العلم والفضل يصومها، وما دام العمل على خلافها عند أهل المدينة فلا تشرع، والعمل عندهم حجة؛ لكن إذا ثبت النص لا كلام لأحد، لا مالك ولا غير مالك، ولا أهل المدينة ولا أهل مكة، ما دام النص ثابتاً، فقول الإمام مالك -رحمه الله- مرجوح، ومع ذلكم يبقى إمام، ويبقى أنه نجم السنن، وإمام دار الهجرة ليس هذا قدح في الإمام؛ لكن الحق أحب إلينا منه -رحمه الله-.(64/15)
((كان كصيام الدهر)) شهر رمضان على عشرة أشهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، والست عن ستين يوماً فرمضان مع الست اثنا عشر شهر، فمن صام رمضان وأتبعه ست كمن صام اثنا عشر شهر، واثنا عشر شهر من كل سنة هذا هو الدهر، وصيام رمضان وإتباعه بالست ممدوح؛ لكن هل المشبّه به ممدوح صيام الدهر، لا صام من صام الأبد، جاء النهي عنه، إذاً هو ممدوح وإلا ليس بممدوح؟ وإن كان في حديث حمزة الأسلمي السابق إني أسرد الصوم استدل به بعض أهل العلم على جواز صيام الدهر؛ لكن باستثناء ما حرم صيامه من العيدين والتشريق، صيام الدهر ليس بممدوح، بل جاء التحذير منه، والتنفير منه، كيف نشبه الممدوح بالمذموم؟ ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر))؟ في الأجر، فيه أجر لو صام الشخص الدهر كامل؟ يعني لو كان مشروعاً، يعني لا شك أن التشبيه يأتي في النصوص ولا يراد به مطابقة المشبه بالمشبه به من كل وجه، مثلاً يأتي الوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً مثل صلصلة الجرس، الوحي محمود والجرس مذموم؛ لكن وجه الشبه من وجهٍ دون وجه، يشبه به من الوجه الذي فيه المطابقة، وهو أنه له صوت متدارك وقوي، وأما مسألة الإطراب والطنين فهذه المذمومة لا يشبه به، وقل مثل هذا في تشبيه رؤية الباري برؤية القمر من وجهٍ دون وجه، وقل مثل هذا في تشبيه السجود على اليدين ببروك البعير، وقل مثل هذا في أمثلة كثيرة جداً، (كان كصيام الدهر) رواه مسلم.
طالب:. . . . . . . . . وحديث أيضاً: ((من صام ثلاثة أيام من كل شهر فكأنما صام الدهر)) هنا دهر وهنا دهر، فمن صام من شوال ثلاثة أيام بالأشهر الباقية، هل. . . . . . . . .؟
أليس بحاجة إلى مزيد فضل؟
طالب:. . . . . . . . .(64/16)
طيب أنت أجل قل مثل هذا في الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة كفارات لما بينهن، قال: أنا يكفيني واحد يكفر وخلاص، أنت مأمور بالإكثار من الطاعات، وعلك أن تنجو، هذا يقول: ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر، من أبدأ؟ ما لازم أن أصوم هذه الأيام؟ وإلا أصوم رمضان وستة أيام من شوال، وليست بحاجة إلى أن أصوم من كل شهر، أنت مرغب في هذا، مرغب في عشر ذي الحجة، مرغب بإيش؟ بعاشوراء، مرغب في صيام الأشهر المحرم، في شعبان على ما سيأتي، كلها مرغب فيها، وعلك أن تنجو، وعلى كل حال فضل الله -جل وعلا- واسع، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ألفي ألف ضعف، كما جاء في المسند، وإن كان ضعيف؛ لكن فضل الله لا يحد، والحسنات آحاد، ولذا يقول أهل العلم: "خاب وخسر من زادت آحاده على عشراته" نحن بأمس الحاجة إلى هذه المكفرات، فالإنسان يطلب النجاة، وبعد النجاة يطلب رفع الدرجات، ومع ذلك يتوسط في أمره، يكون خائف، أنت ضامن أن هذه الأعمال التي عملتها مقبولة؟ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] الصحابة يتصدقون ويصومون ويحجون ويصلون ويجاهدون ومع ذلك قلوبهم وجلة؛ لأن عائشة سألت: هم الذين يزنون هم الذين .. لا يا ابنة الصديق، هؤلاء الذين يأتون بالأعمال الصالحة لكن قلوبهم وجلة أنت ما تدري وش اللي يقبل وش اللي يرد؟ فعلى الإنسان أن يكثر ويحسن الظن بربه، ويكون خائفاً من خطيئته ويتوسط في أموره، يتوسط لا يوسع الرجاء بحيث يعتمد على عمله ويتكل عليه ناسياً ربه وناسياً غضبه، وأنه شديد العقاب، ولا أيضاً يقنط من رحمة الله، وييأس ويصاب، بعض الناس هم بين طرفي نقيض، شخص إذا جلس يذكر الله له ربع ساعة نصف ساعة انتظر التسليم من الملائكة عياناً، هذا موسع في الرجاء، وشخص آخر يتعبد سبعين سنة يقول: ما في يوم من الأيام سألت الله الجنة، يكفيني أن أستعيذ من النار، أنا لست بكفءٍ للجنة، فلا هذا ولا هذا، دين الله وسط بين الغالي والجافي.
فعلى الإنسان أن يعمل ويترك الأمر بيد الله، يعمل لله -جل وعلا- مخلصاً متبعاً لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك يرجو ربه ويخاف ذنبه.(64/17)
طالب: نعلم أن .... الفريضة ...
بلا شك.
طالب: ... وصيام رمضان .... صيام. . . . . . . . .
هذا مجرد تمثيل من وجهٍ دون وجه، يعني أقل المضاعفات العشر، فالشهر أقل ما يقال فيه: أنه عن عشرة أشهر، إلى أضعافٍ كثيرة، هذه أمور بيد الله -جل وعلا-، بعض الناس ما يستحق شيء بالنسبة لصيامه، ما يتترب عليه أجر ولا أثر؛ لكن ما يؤمر بإعادته؛ لأنه أمسك عن الطعام والمفطرات في المدة المحددة، وبعض الناس صيامه يلحقه بالمنازل العالية، والله المستعان.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من عبدٍ)) ويشمل الذكر والأنثى، اللهم إلا إذا قلنا: أن المراد في سبيل الله الجهاد، والمرأة ليس عليها جهاد، ((ما من عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله)) (يوماً) يستوي في ذلك اليوم الطويل واليوم القصير واليوم الشديد الحر، واليوم الشديد البرد واليوم المعتدل، المقصود أنه يصوم يوم من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وإذا زادت المشقة زاد الأجر؛ لأن المشقة التابعة للعبادة يرتب عليها الأجر العظيم من الله -جل وعلا-، أما المشقة لذاتها فليس فيها أجر إلا إذا ثبتت تبعاً للعبادة، ((ما من عبدٍ يصوم يوماً في سبيل الله)) منهم من قال في سبيل الله في الجهاد، وهو في الظاهر من صنيع البخاري أن هذا هو الراجح عنده؛ لأنه أدخله في كتاب الجهاد، باب ما جاء في الصوم في سبيل الله، باب من أبواب الجهاد، ومن أهل العلم من يقول: في سبيل الله لوجه الله خالصاً لوجه الله، وفضل الله واسع، ((إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً)) سبعين سنة؛ لأن الخريف فصل من الفصول الأربعة، ولن يمر عليه سبعين خريف إلا وقد مر عليه سبعين شتاء وسبعين صيف وسبعين ربيع، إذاً سبعين سنة، الصوم في الجهاد مرغّب فيه بهذا النص، وهو الظاهر منه، لكن إذا ترتّب عليه الإضعاف بحيث يضعف أمام العدو فالفطر أفضل، إنكم ملاقو العدو غداً، أمرهم بالفطر وذكر العلة، إنكم ملاقو العدو غداً، فإذا كان يضعفه الجهاد عن ملاقاة العدو فالفطر في حقه أفضل، ويكتب له ما نواه وقصده -إن شاء الله تعالى-.(64/18)
يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم" الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتسنّى له أحياناً أن يسرد الصيام، ويغتنم هذه الأوقات التي يكون فيها العمل عليه أخف، وأحياناً لا يتسنّى له ذلك وينشغل بالأمور العامة فيسرد الفطر، "ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهرٍ قط إلا رمضان" يعني ما في شهر صامه من أوله إلى آخره إلا أن يكون شهر رمضان، وما رأيته في شهرٍ أكثر منه صياماً في شعبان، يكثر من الصيام في شهر شعبان، مع أنه جاء النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، وجاء أيضاً: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) وسيأتي الكلام عليها، وجاء أيضاً: ((أفضل الصيام صيام شهر الله المحرم)) وهذا من الترغيب بالقول والفعل.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يرغب في صيام شهر الله المحرم بقوله: وثبت من فعله أنه كان يكثر من الصيام في شعبان، وعلى كل حال الصيام في شعبان يسنّ الإكثار منه، وأيضاً الصيام والإكثار منه في شهر الله المحرم مطلوب، جاءت العلة في الإكثار من صيام شعبان في حديث لا يسلم من مقال، وهو أنه شهر يغفل عنه بين رجب ورمضان، بين رجب وهو أحد الأشهر الحرم، وبين رمضان فيغفل الناس عنه، واستغلال الغفلات مطلوب، هناك أوقات مثلاً يغفل الناس فيها عن العبادة والذكر وكذا، ينبغي أن يستغلها الإنسان؛ لأنه إذا نظر إليه وهو على عبادة والناس منصرفون عنها لا شك أن هذه مزيّة له، لا أقول: نظر البشر، المسألة في نظر الله -جل وعلا-، الناس كلهم لاهون منشغلون بأعمالهم في ديناهم في نومهم في لهوهم في كذا، والشخص هذا جالس يذكر الله، أو يتعبد أو يتعلم أو يعلِّم، فاستغلال أوقات الغفلات جاءت به بعض النصوص.
منهم من يرى أن المفاضلة بين قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفضل الصيام صيام شهر الله المحرم)) بالنسبة للأشهر الحرم، وتفضيل الصيام في شعبان بالنسبة لغيرها.(64/19)
وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام، ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" رواه النسائي والترمذي وصححه ابن حبان، وقد جاء من طرق عديدة عن أبي ذر وأبي هريرة وغيرهما، أما الحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأنها كصيام الدهر، فقد أوصى بها النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة، "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث ومنها: صيام ثلاثة أيام من كل شهر" وأيضاً في حديث أبي ذر: "أوصاني" وأوصى أبا الدرداء، المقصود أنها وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصام من كل شهر ثلاثة أيام؛ لأن من صام ثلاثة أيام كأنما صام الشهر كاملاً، والحسنة بعشر أمثالها، كون هذه الأيام هي البيض هو الذي جاء فيه هذا الحديث وهو حديث ماثل يعني قابل للاحتجاج؛ لأنه حسن، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصوم الاثنين والخميس من أسبوع والاثنين من الأسبوع الذي يليه، المقصود أن الأمر فيه سعة، فإن صام ثلاثة اثنينات ثلاثة من أيام الخميس، حصل له أنه صام ثلاثة أيام، إن صام البيض أيضاً حصل له أنه صام ثلاثة أيام من كل شهر، وامتثل هذا الأمر الوارد في هذا الحديث: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام ... " الخ، وأكمل من ذلك كله أن يصوم ما حُث عليه، وما جاء فضله من الأيام البيض والاثنين والخميس والعاشر وعاشوراء وستة أيام من شوال إضافةً إلى رمضان، ويكثر من الصيام في المحرم وفي شعبان يجمع الجميع، وأفضل من ذلك كله صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً.(64/20)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)) [متفق عليه، واللفظ للبخاري]، زاد أبو داود: ((غير رمضان)) رمضان مستثنى شرعاً، ليس للزوج أن يمنع الزوجة، وليس للسيد أن يمنع الرقيق، وليس للوالد أن يمنع الولد، وليس للأم أن تمنع الولد، هذا أمر شرعي، فرض إلهي ليس لأحدٍ فيه كلام، فالأمور المفترضة في الشرع ليس لأحدٍ أن يتدخل فيها، يعني لو أن موظف مثلاً في دائرة حكومية لما أذن المؤذن توضأ وخرج إلى المسجد قال له المدير: لا يا أخي أنا ما أسمح لك تصلي معنا، أو لا تصلي إلا إذا طلعت، صل في بيتك، نقول: هذه أمور مستثناة شرعاً لا طاعة لأحدٍ فيها، يعني وما يفتى به من أنه يُصلى في مقر العمل تبعاً للمصلحة الراجحة خشية تفلت طلاب، تفلت موظفين، هذه قضايا خاصة؛ لكن الأصل أن ما وجب بأصل الشرع ليس لأحدٍ فيه مدخل، فليس للزوج أن يمنع زوجته من الصيام، وليس له أن يمنعها من الصلاة، ولذا في صحيح البخاري عن الحسن صبي أراد أن يصلي في المسجد فمنعته أمه، قال: "ليس له أن يطيعها" لأن هذا أمر شرعي، طيب أمه منعته شفقاً عليه أراد أن يخرج إلى الفجر ما يتصور أن المسألة مثلما عندنا الآن الليل والنهار ما في فرق، ظلام دامس، الكبير يستوحش ما هو الصغير، فإذا رأت في وقت الحسن في وقت هذا الكلام وما بعده إلى وقتٍ قريب، أرادت أمه أن تمنعه قال: "ليس لها أن تمنعه" طيب احتمال يجنن الصبي هذا، هذا ما هو مكلف، الحسن يقول: "ليس لها أن تمنعه" على كل حال المسألة تحتاج إلى موازنة بين المصالح والمفاسد، الآن متصور أن في طريق الصبي هذا إلى المسجد شباب عندهم شيء من الانحراف احتمال أن يؤثروا عليه، والأب ما هو حاضر، هل الأفضل أن يصلي في البيت ولا يخرج لمثل هؤلاء الشباب أو يذهب إلى المسجد والأمر لله؟ وقل: مثل هذا إذا ذهب الصبي مثلاً العصر إلى حلقة تحفيظ القرآن مثلاً، وملاحظ أن في الشوارع شباب نبي نروح هنا، نبي نمر البقالة، نبي نروح بيت فلان، والصبي سهل التأثير عليه، فيخشى عليه من مثل هذا، فيقال: لا تصلي في المسجد صل في البيت؛ لأنه يخشى عليك أن يجتالك إخوان(64/21)
الشياطين، المسألة مسألة غلبة ظن، وموازنة بين المصالح والمفاسد، وهذا بالنسبة لمن لا يتسنى له أن يصحب الابن، أما من يتسنى له أن يصحب ابنه إلى هذه المواضع هذا ما له عذر؛ لكن بعض الناس ما يتيسر له، هو في عمله مثلاً والولد بيطلع والشارع مليان من هذا الشباب الذين احتمال يجتالونه، والمسألة موازنة، والصلاة لا يقدم عليها شيء، ويحرص بقدر الإمكان على التسديد والمقاربة والتحذير، والله المستعان.
طالب: بالنسبة لقضاء رمضان. . . . . . . . .؟
قضاء رمضان الموسع يعني له أن يمنعها حتى يضيق عليها الوقت مثل عائشة؛ لكن رمضان مضيق، قد تقول الزوجة: أنا زوجي حاضر؛ لكن ليس له بي أدنى حاجة، ترى الزوجة كبيرة في السن، ومعفاة من كثير من الحقوق وجالسة تتعبد، وزوجها حاضر لا يريدها في شيء، لا لحاجة بيته ولا لحاجته الخاصة، له أن يمنع أو ليس له أن يمنع؟ لها أن تصوم من غير إذنه أو ليس لها أن تصوم؟ إذا علمت أنه لا يكره ذلك ما تحتاج هذا إذن عملي؛ لكن إذا منعها له أن يمنعها، لعموم الحديث، ويبقى أن منعها من جهةٍ أخرى ليس له أن يتعنّت فيما لا حاجة له به، يعني له أن يمنعها لمصلحته، أو لمصلحتها، امرأة كبيرة ومريضة ويتعبها الصيام له أن يمنعها لمصلحتها، كما أن له أن يمنعها لمصلحته وإذا انتفت مصلحة الطرفين فمنعها تعنّت.
يقول: وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين، يوم الفطر ويوم النحر، صيام هذين اليومين، يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى حرام بالإجماع، ولهذا النص ولا يجوز ولا يصح، فلو صامه عن قضاء ما أجزأ، ولو نذر أن يصوم يوم العيد لم ينعقد النذر عند الجمهور؛ لأنه نذر معصية، من نذر أن يعصي الله فلا يعصي، وعند الحنفية ينعقد؛ لكن لا يجوز أن يصومه، يصوم يوم مكانه، نقول: محل النذر وهو يوم العيد ليس بمحلٍ للصيام، كما لو نذر أن يصوم الليل مثلاً، يتعبد بصيام الليل، نقول لا: الليل ليس بمحلٍ للصيام.(64/22)
وعن نبيشة الهذلي، يقال له: نبيشة الخير -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيام التشريق أيام أكلٍ وشرب وذكر لله -عز وجل-)) أيام أكل وشرب، وهذا خبر يتضمن النهي، متضمن للنهي، وعند أهل العلم أن النهي إذا جاء بصيغة الخبر كان أبلغ من النهي الصريح، أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله -عز وجل-، وهل هذا النهي تحريم أو تنزيه؟ هل هو نهي تحريم وإلا تنزيه؟ الأصل في النهي التحريم، وقال به جمع من أهل العلم، وأنها ملحقة بالعيد، حكمها حكمه، وإن لم تكن بمنزلته في قوة التحريم لأنه خفف في أمرها بالنسبة لمن لم يجد الهدي، وأما يوم العيد فلا يصام بحال، وما جاء فيه الاستثناء، ما دخله الاستثناء، أخف حكماً مما لم يدخله استثناء، ولذا جاء عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي" رواه البخاري، الذي لم يجد الهدي يلزمه صيام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجع إلى أهله، صيام ثلاثة أيام في الحج الأصل أن تكون قبل عرفة، فالذي لا يجد الهدي يحرم بالحج متى؟ بحيث يتمكن من صيام الثلاثة أيام قبل يوم عرفة، على الخلاف في صوم يوم عرفة على ما سيأتي، يصوم السادس والسابع والثامن، فيحرم قبل السادس لتكون أيامه في الحج، فليكن صومه في الحج في الثلاثة أيام، لكن عنده نفقة وعنده دراهم يستطيع أن يشتري بها هدي، في يوم عرفة سرق المبلغ الذي معه ليشتري به الهدي، الآن ما بقي عنده أن يصوم من أيام الحج إلا أيام التشريق، فيصوم أيام التشريق، ولذا جاء لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن يجد الهدي، رواه البخاري، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والأسئلة كثيرة جداً والوقت ما يكفي.(64/23)
بلوغ المرام - كتاب الصيام (5)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: هل يمكن أن نقيس على من مات وعليه صيام؟
نعم يصوم عنه وليه، من مات وعليه صلاة هل يجوز أن يصلي عليه وليه؟ لا، القياس لا يرد في العبادات.
هذا يقول: بعض طلبة العلم يترك صيام التطوع من أجل ألا يضعف عن الطلب والحفظ، فهل لهذا وجه؟
أهل العلم ينصون على أن طلب العلم أفضل ما يتطوع به، فإذا كان الصيام يعوقه عن التحصيل، فالتحصيل مقدم عليه؛ لكن قد يكون هذا من تلبيس الشيطان عليه، وإلا فسائر التطوعات يعين بعضها على بعض، فالتطوع بالصيام يعين على طلب العلم، والتطوع بكثرة السجود يعين على طلب العلم، التطوع بالأذكار بتلاوة القرآن كل هذا مما يعين طالب العلم.
يقول: هل الأصل لطالب العلم أن يبدأ بحفظ كتب أهل العلم أم حفظ كتب الحديث كالكتب الستة وغيرها؟
على طالب العلم أن يعنى بكتاب الله -جلا وعلا-، وبعد ذلك المتون المعروفة عند أهل العلم في سائر الفنون على الترتيب المعتبر عند أهل العلم، ثم بعد ذلك يحفظ من العلوم كلها، وليكن بعد كتاب الله النصيب الأوفر لسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: ما رأيك بمن يغتر بأجر الصيام فيهتم بصيام عاشورا ويوم عرفة أكثر مما يهتم بصيام شهر رمضان؟
في الحديث الصحيح أن أفضل ما يتقرب به العبد ما افترضه الله عليه، ((وما تقرب إلي عبد بأحب إلي مما افترضته عليه)) فالفرائض أولى من غيرها، الفرائض أولى من غيرها؛ لأن النوافل قدر زائد على ما أوجب الله -عز وجل-، فإذا أخل بالفريضة عوقب على ذلك، لكن إذا أخل بالنافلة لم يعاقب.
يقول: ما الحكم من قطع فريضة الصيام وسافر لفعل سنة كالعمرة في رمضان، هل يجوز ذلك؟
إذا سافر من أجل العمرة يجوز له ذلك، أو سافر سفراً مباحاً يجوز له ذلك، أو سفر تجارة يجوز له؛ لكن لا يسافر من أجل أن يترخص.
يقول: إنسان مريض بفشل كلوي يصوم يوم ويفطر يوم لغيسل الكلى فماذا يفعل في اليوم الذي أفطره وهل يقضيه أم لا؟
إن أمكن قضائه فالواجب القضاء، وإن لم يمكن فالبدل، الإطعام.
يقول: إذا جامع في نهار رمضان هل يفطر بأن يأكل ويشرب أم يواصل صومه؟(65/1)
عليه أن يواصل الصوم، عليه أن يواصل الصوم، كمن قدم من سفر وهو مفطر يلزمه عند أهل العلم.
يقول: الشهران المتتابعان هل يراد بهما ستين يوماً، أم يحسب شهرين قمرين من بداية الصوم، سواءً كان الشهر تسعة وعشرين أو ثلاثين؟
المراد أن يصوم شهرين متتابعين في الأهلة، سواءً كان الشهر ثلاثين أو تسعة وعشرين.
يقول: هل هناك فرق بين الأكل والشرب ناسياً في صيام الفرض والنفل، أم أن هذا خاص بالفرض فقط لظاهر الحديث؟
إذا جاز هذا في الفرض ففي النفل من باب أولى.
يقول: هل البخاخ عن طريق الأنف أو الفم يفطر؟
البخاخ إذا كان مجرد هواء لا يفطر؛ لكن إذا كان فيه مواد لها جرم تنساب إلى الجوف فهو مفطر.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)) [رواه مسلم]. وعنه أيضاً -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده)) [متفق عليه].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن يوم الجمعة عيد الأسبوع، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس، خير يوم طلعت عليه الشمس، والخلاف في المفاضلة بينه وبين يوم عرفة معروف عند أهل العلم، فيوم الجمعة من أفضل الأيام، بل هو أفضل الأيام وهو عيدنا أهل الإسلام، وهو الذي وفقنا له من بين سائر الديانات بعد أن ضل عنه غيرنا، ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) نحن الآخرون في الزمن، لكن يوم القيامة السابقون، لنا يوم الجمعة، وهو متقدم على السبت والأحد، والناس تبع لنا؛ لكن لا يتعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع.(65/2)
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي)) اعتاد هذا الشخص أن يصلي إحدى عشر؛ لكن ليلة الجمعة ليلة فاضلة أزيد ركعتين أزيد أربع، أزيد ست، نقول: لا، لا تخص بقيام زائد عن غيرها، نعم إذا كانت الأيام متفاوتة يوم أصلي خمس، ويوم أصلي سبع، ويوم أصلي تسع، وجد نشاط هذه الليلة فزاد فيها لنشاطه لا لأنها ليلة الجمعة، هذه مسألة أخرى، مع الأسف الشديد الناس ينظرون إلى هذا اليوم من زوايا متعددة، وكل ميسر لما خلق له، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] تجد ثلة من الناس يسهرون في مكان ما في استراحة وفي غيرها، طيلة أيام الأسبوع، ثم في ليلة الجمعة بعضهم يريد الانصراف مبكراً، فإذا أراد الانصراف قالوا: ما لك يا فلان؟ قال: يا أخي ليلة جمعة، ثم يقول له من أراد الإطالة يعني بنسهر الليلة جمعة، هذاك يبي ينصرف لأن الليلة جمعة، وهؤلاء يبون يسهرون لأن الليلة جمعة، هؤلاء لحظوا أنه ما في دوام وما في داعي أنك تنصرف، وهذا لاحظ أن هناك صلاة جمعة يستعد لها ويندب التبكير لها، لا شك أن الناس يتفاوتون في نظرتهم إلى القضايا الشرعية، مثل هذا ينبغي أن يلاحظ.
((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي)) الإنسان يفرط في القيام سائر أيام الأسبوع وإذا جاءت ليلة الجمعة قال: هذه ليلة فاضلة أفضل أيام الأسبوع لماذا لا نقوم؟ نقول: لا يا أخي هذه ليلة لا تخص بعبادة لم تشرع، ولذا صلاة الرغائب، التي هي صلاة أول ليلة جمعة من رجب يسمونها صلاة الرغائب، وجاء فيها خبر لا يثبت، فصلاة الرغائب بدعة؛ لأن هذا الخبر لم يثبت فيها، فهذه الليلة لا تخص بشيء لم يشرع، يشرع فيها الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما يشرع في يوم الجمعة، يشرع في يومها قراءة سورة الكهف، وما ورد فيه ليلته فيه ضعف، لا تخص هذه الليلة.
((ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام)) لا يخص يوم الجمعة بصيام، أم المؤمنين لما صامت يوم الجمعة قال: ((صمتِ بالأمس؟ )) قالت: لا، قال: ((تصومين غداً؟ )) قالت: لا، قال: ((فافطري)) فيوم الجمعة يوم فاضل؛ لكن لا يخص بصيام من بين الأيام.(65/3)
((إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)) أن يصوم يوم ويفطر يوم، وافق أن يوم الصيام يوم الجمعة لا بأس، ولو لم يكن يوماً بعده أو يوماً قبله، لحديث أم المؤمنين جويرية نص في أن يوم الجمعة لا يختص بالصيام؛ لكن إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فإنه لا بأس، دل على عدم التخصيص، يوم الجمعة لا يخص بعبادة زائدة على غير ما شرع الله -جل وعلا-، لكن ها هنا مسائل: ساعة الاستجابة في يوم الجمعة، إيش معنى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ينص بالنصوص الصحيحة أن هناك ساعة، ساعة استجابة في يوم الجمعة، وتدل النصوص على أنها من دخول الإمام إلى السلام من الصلاة، وجاء ما يدل على أنها آخر ساعة في يوم الجمعة، ما الفائدة من التنصيص على أن هناك ساعة استجابة؟ التعرض لهذه الساعة، وتحري هذه الساعة، والدعاء في هذه الساعة، وإلا إش معنى أن هناك دعاء مستجاب؟ إلا لنتحرى هذه الساعة، ونطلب هذه الساعة، لندعو فيستجاب لنا.
على القول بأن الساعة من دخول الإمام إلى السلام هذا المصلي ينتظر الصلاة أو يباشر الصلاة إذا كان دخل في هذا الوقت المسجد، أو يصلي إذا كان الإمام ما دخل وهو بالفعل في الصلاة ((لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي)) وننتبه لكلمة (قائم) (قائم يصلي) هل المراد به الصلاة فعلاً أو انتظار الصلاة؟ انتظار الصلاة، سواءً قلنا: ساعة الاستجابة من دخول الإمام إلى السلام هذا ينتظر الصلاة ويباشر الصلاة، وإلا لو قلنا: أن المراد بها الصلاة حقيقة فالقيام ليس محل الدعاء، القيام في الصلاة ليس محل دعاء، ولذا من يرجح أن ساعة الجمعة ساعة الاستجابة آخر ساعة قيل له: إن آخر ساعة ما هو بوقت صلاة، قال: الذي ينتظر الصلاة هو في صلاة، هذا الكلام صحيح، والذي يؤيد هذا الكلام أن النص الذي جاء فيه أنه قائم يصلي، القيام ليس موضع دعاء، إلا إذا كان المراد بالقيام مجرد الصلاة بما في ذلك السجود وما بعد التشهد؛ لكن يشار من الحديث أن المراد به من ينتظر الصلاة هو في صلاة وبهذا أجاب الصحابي.(65/4)
انتظار الصلاة يكون في أي مكان؟ يكون والإنسان في بيته، أو في متجره، أو في عمله، أو في المسجد ينتظر الصلاة؟ في المسجد ينتظر الصلاة؛ لأن الذي ينتظر الصلاة معنى أنه في مكانها، ولا يسمى أنه منتظر الصلاة وهو في بيته والصلاة في المسجد، هذا ما ينتظر الصلاة؛ لأن بعض الناس يستشكل تخصيص بعض الناس الجلوس في المسجد عصر الجمعة، نقول: هذا ما دام ينتظر الصلاة وينتظر ساعة الاستجابة فهو في صلاته متعرض للنفحات الإلهية، يدعو الله -جل وعلا- في هذه الساعة، فلا إشكال في الجلوس بعد عصر الجمعة في المسجد لا إشكال فيه، لماذا؟ لأنه ينتظر الصلاة فهو في صلاة وساعة الاستجابة هذا وقته.
بعض الناس يتحرى أن تكون ختمت القرآن في هذه الساعة التي هي ساعة استجابة، وجاء أنه عند ختم القرآن دعوة مستجابة، فيريد أن يجتمع هذا مع هذا ليكون أرجى للإجابة، تخصيص وقت معين لختم القرآن، ما عليه أثارة من علم ولا دليل، وليس من عمل السلف؛ لكن هو من لازم النص، إيش معنى من لازم النص؟ هو ليس بالنص لكن من لازم النص، كيف من لازم النص؟ من لازم النص يعني أن النص: ((اقرءوا القرآن في سبع)) وعدد أيام الأسبوع سبعة، إذا بدأت يوم السبت ختمت يوم الجمعة، وكون الإنسان يقصد أن تكون ختمته في ساعة استجابة انتهى من القرآن في أول الليل وأخره إلى الثلث الأخير من الليل ما يلام، يلام على هذا؟ وكونه ختم يوم الجمعة وآخره إلى آخر ساعة أو مع دخول الإمام ما يلام على هذا لأنها كلها ثبتت بالنصوص.(65/5)
بعض الناس يقصد أن يكون عنده درس في يوم الجمعة، نعم جاء النهي عن التحلق يوم الجمعة؛ لكن النهي المقصود به عدم التضييق، نعم على وقت المبادرة لصلاة الجمعة وعدم التضييق على من بادر لصلاة الجمعة من المصلين والتالين وغير ذلك، هذا هو المنصوص عليه في كتب أهل العلم، ولذا النهي لا يشمل ما بعد صلاة الجمعة، أما ما قبل صلاة الجمعة هو الذي يحمل عليه النهي، يعني الشراح كلهم أطلقوا على أن السبب عن النهي، سبب النهي عن التحلق يوم الجمعة كونه يضيق وقت المبادرة إلى صلاة الجمعة، وقد يقول قائل: أنا أبادر، أذهب إلى المسجد من طلوع الشمس، وأقيم درس هناك، ويعينني هذا على التبكير، نقول له: أنت بدرسك الذين جاءوا ينتظرون الصلاة، وجاءوا لتلاوة القرآن وللذكر حتى يدخل الإمام، ولذا جاء النهي عن التحلق يوم الجمعة، أما ما بعد الصلاة فمعروف كثير من أهل العلم لهم دروس لا سيما بعد صلاة الجمعة، شيخ الإسلام تفسيره بعد صلاة الجمعة في المسجد، وغيره كثير، أهل الحديث، درس الإملاء، إملاء الحديث يختلفون لكن منهم من جعل درس الإملاء عصر الجمعة.
على كل حال، مثل هذا لا يؤثر ولا يدخل فيما نحن فيه، فالمنصوص عليه القيام والصيام، وكوننا نتعرض لنفحات الله رجاء موافقة هذه الساعة التي جاءت النصوص التي تدل على أنها ساعة مستجابة ما نلام على هذا؛ لأنه ما وجهنا إلى أنه في ساعة مستجابة إلا من أجل أن نتطلب هذه الساعة، وإلا صار خبراً عارياً عن الفائدة.
المقصود أن هذه وجهة نظر من يجلس في المسجد بعد العصر يوم الجمعة ليتحرى ساعة الجمعة وينتظر الصلاة ويدخل في الوعد، أما يقول: أنتظر الصلاة وأنا في البيت مو بصحيح؛ لأن الانتظار في مكانها.
طالب:. . . . . . . . .
نعم وين؟ قائم يصلي هذا يستدل به من يرجح أن المراد بقائم يصلي ينتظر الصلاة؛ لأن القيام من أركان الصلاة التي لا دعاء فيها.
طالب:. . . . . . . . .(65/6)
ما يلزم المقصود أنه يصلي حقيقة أو حكماً، يعني في صلاة حقيقة أو حكماً، حقيقة إذا كان الوقت محل وقت للصلاة، إذا كان وقت للصلاة، حكماً إذا لم يكن وقت للصلاة وقت نهي مثلاً، فمادام ينتظر الصلاة لأن الصحابي نص على هذا أنه ما دام قائم ينتظر الصلاة فهو في صلاة.
والحديث الذي يليه عنه -رضي الله عنه- أيضاً، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله ويوماً بعده)) متفق عليه، ويشهد له حديث جويرية أم المؤمنين لما صامت يوم الجمعة قال: ((صمت بالأمس؟ )) قالت: لا، قال: ((تصومين غداً؟ )) قالت: لا، قال: ((فأفطري)) وظاهر قوله: ((فأفطري)) وجوب الفطر، وظاهر النهي: ((لا يصومن أحدكم)) التحريم؛ لكن لا يسول لنا الشيطان، أحياناً الشيطان لا سيما الذين ابتلوا بالسهر، تجده مثلاً يسهر طول الليالي، ثم إذا جاء وقت الثلث الأخير من الليل يوم يوتر بركعة، يوم بثلاث ركعات، يوم بخمس على حسب نشاطه إذا جاءت ليلة الجمعة قال: والله أنا تعبان، والرسول يقول: ((لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام)) وهذا من تلبيس الشيطان، من أجل أن يترك الوتر في هذه الليلة، نعم لا تخص بقيام زائد، إذا كنت بتوتر في سائر الليالي توتر في هذه الليلة، فهي كغيرها؛ لكن تلبيس الشيطان أحياناً يقول لك مثلاً: أنت سهران وأنت تعبان والفجر ما بقي عليه إلا شيء يسير، وليلة الجمعة ما تخص بقيام، نعم إن كنت ما توتر سائر الليالي لا توتر هذه الليلة، مع أن الوتر شأنه عظيم من السنن المؤكدة، حتى قال جمع من أهل العلم بوجوبه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يترك الوتر سفراً ولا حضراً، وأمر به ((أوتروا أهل القرآن)) ومن ابتلي بالسهر تجد الوتر من أشق الأمور على قلبه وعلى نفسه، يكون مستعد لحمل الأثقال، مستعد يمشي المسافات الطويلة، ومستعد يجلس الساعات الطوال في القيل والقال؛ لكن إذا جاء الوتر ما يعان عليه من كان هذا ديدنه لا يعان عليه، فنحذر من تلبيس الشيطان، نعم.(65/7)
وعنه أيضاً -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) [رواه الخمسة، واستنكره أحمد]. وعن الصماء بنت بسر -رضي الله عنها- أن رسول-صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغها)) رواه الخمسة ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب، وقد أنكره مالك، وقال أبو داود: هو منسوخ.
وعن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر ما يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، وكان يقول: ((إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم)) [أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وهذا لفظه].
يقول المؤلف -رحمه الله-: وعنه، أي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- صحابي الحديث السابق، أو الحديثين السابقين، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا انتصف شعبان -يعني بعد الخامس عشر من شعبان- فلا تصوموا)) رواه الخمسة، واستنكره أحمد، صححه جمع من أهل العلم كثير من المتأخرين صححوه، واستنكره قال الإمام أحمد وابن معين قالوا: حديث منكر.(65/8)
تقدم النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، وهو حديث صحيح لا إشكال فيه، مفهومه أن التقدم بثلاثة أيام لا بأس به، ولذا استنكر بعض العلماء هذا الحديث وحكموا بأنه منكر، ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) يعني في نصفه الأخير، وبعضهم صححه وحمله على من يصوم شعبان في النصف الثاني ولا يصوم في النصف الأول احتياطاً لرمضان، ويرد فيه ما يرد من النهي عن الاحتياط لرمضان في يوم أو يومين، تقدم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر ما يصوم من الأشهر في شعبان، وعلى كل حال هذا حديث مختلف فيه، فمن كانت له عادة بأن يصوم الاثنين والخميس بس يتقي آخر الشهر، أما ما بقي في النصف الثاني لا بأس في صيامه؛ لأن الحديث نص الإمام أحمد ويحيى بن معين وجمع من أهل العلم أنه منكر؛ لأنه من روايات العلاء بن عبد الرحمن وهو صدوق، ربما وهم، فمثل هذا لا يحتمل تفرده، وهو أحد نوعي المنكر؛ لأن المنكر يطلق على المخالفة مع ضعف الراوي، ويطلق على تفرد الراوي الذي لا يحتمل تفرده، تفرد به من لا يحتمل تفرده؛ لأنه صدوق وربما وهم، وإن كان من رجال مسلم؛ لكنه تفرده لا يحتمل.
من أهل العلم من يرى أنه إذا انتصف الشهر حرم الصيام عملاً بهذا الحديث، وقد صححه جمع من المتأخرين، من كان عادته أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يحرص أن تكون هذه الثلاثة الأيام في نصفه الأول ليتقي هذا النهي فيما لو ثبت، وهو قابل حقيقة يعني من حسنه له وجه؛ لأن ضعفه ليس بشديد، العلاء بن عبد الرحمن يعني ربما وهم، وهو علة الحديث، وهو قابل للتحسين، ومن قال: إن مثل هذا لا يقبل تفرده، وقد تفرد بروايته حكم عليه بالنكارة كالإمام أحمد، وعلى كل حال يتقى بقدر الإمكان النصف الثاني.
طالب:. . . . . . . . .
ما تدخل البيض، ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، إذا انتصف فلا تصوموا إذا تم نصفه الأول لا تصم، يعني بعد النصف، المقصود بعد النصف، في نصفه الثاني، وكأن النهي إن ثبت فإنه من أجل ألا يوصل الصيام برمضان، ولذا حديث: ((لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين)) أثبت منه.(65/9)
وعن الصماء بنت بسر -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم)) لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ظاهر النهي يتناول ما إذا أفرد بالصيام، وما إذا ضم إليه يوم آخر، لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فهو يشمل ما إذا أفرد، وما إذا صيم معه يوم آخر، وهو بهذا معارض بحديث جويرية، لما صامت الجمعة قال: ((أتصومين غداً؟ )) يعني السبت، هذا دليل على جواز صيامه لكن مع الجمعة.
((فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب)) يعني القشر، سوق العنب، وخشبها اللحاء الذي يغطي القشرة، ((إلا لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغها)) ليفطر، وهذا من باب تأكيد الفطر، رواه الخمسة أصحاب السنن الأربعة وأحمد، ورجاله ثقات، نعم رجاله كلهم ثقات، قال: إلا أنه مضطرب، الحديث المضطرب: هو الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، فالحديث روي مرة عن الصماء، ومرة عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، ومرة عن عبد الله بن بسر بدون ذكر للأخت، فهذا اختلاف؛ لكن هل مثل هذا الاختلاف مؤثر وعلة قادحة، مرة ترويه الصماء عن عائشة، ومرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة مع أن الصيغة التي معنا عن الصماء بنت بسر-رضي الله عنها- أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تصوموا)) محتملة للاتصال والانقطاع، وعلى كل حال لو قدر أنه عن عائشة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون مرسل صحابي، وهو مقبول عند عامة أهل العلم، فهذه العلة حقيقة ليست بمؤثرة، الاضطراب يمكن الترجيح بين الأوجه، ويمكن احتمال الأوجه، فلا تكون مختلفة حيث تكون متفقة فمرة يروى كذا، ومرة يروى كذا، فلا مانع، ولا تقدح بعض الروايات ببعض، وحينئذ يكون مقبولاً ولذا صححه جمع من أهل العلم؛ لأن رجاله ثقات، وقد أنكره مالك، نقل أبو داود في سننه عن الإمام مالك قال: "هذا كذب"، وقال أبو داود: "هو منسوخ" منسوخ بأيش؟ بحديث جويرية ((تصومين غداً)) دل على جواز صيام يوم السبت.(65/10)
الحديث الذي يليه حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت ويوم الأحد، وكان يقول: ((إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم)) أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة، وهذا اللفظ له، ولكنه ضعيف وفي سنده مجهولان، في سنده راويان مجهولان فهو ضعيف.
طالب:. . . . . . . . .
هل هي أخته الصماء أو غيرها؟ لأنه أحياناً ترويه عنه، وأحياناً يرويه عنها.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل مثل هذا الخلاف مؤثر؟ يعني هل يمكن أن يروي الحديث على وجهين؟ يمكن أن يروى الحديث على وجهين، فإذا نص إمام من الأئمة على أن مثل هذا الخلاف مؤثر لأن هذه من العلل التي لا يدركها كل أحد، فإذا حكم عليه بأنها مؤثرة من أئمة الحديث القدامى الذين يحكمون بالقرائن فصارت مؤثرة وإلا أحياناً تجد حديث وفي مستواه حديث آخر، والخلاف نظير الخلاف، هذا يحكم بأنه محفوظ والخلاف غير مؤثر، وهذا يحكم بأن الخلاف مؤثر وليس بمحفوظ؛ لأن هذا تبعاً للقرائن، الأئمة الكبار هم الذين يستطيعون أن يحكموا بمثل هذه الأحكام الكبيرة.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هم الذين نصوا على أن الاضطراب في الراوي ما يضر.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، رواه الخمسة غير الترمذي، وصححه ابن خزيمة والحاكم واستنكره العقيلي.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا صام من صام الأبد)) متفق عليه، ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ: ((لا صام ولا أفطر)).(65/11)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، تقدم الحث على صيام يوم عرفة، وأنه يكفر السنة الماضية والسنة الباقية يكفر سنتين، فلقائل أن يقول: ما دام يكفر سنتين، ويوم عرفة وهو بعرفة في الموقف العظيم، وهناك منح إلهية تتنزل على عباده أهل الموقف في هذا اليوم عشية عرفة، لماذا لا يصوم ليكون أدعى لإجابة دعوته؟ نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصوم يوم عرفة بعرفة؛ لكنه ضعيف، وعلى كل حال في إسناده مهدي الهجري، وهو ضعيف.
ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- شرب، دعا بإناء فشرب، وهو على دابته والناس ينظرون، أفطر، والناس ينظرون، فهل فطره وعدم صيامه في هذا اليوم يقاوم الحث على صيام يوم عرفة، أو نقول: مثلما أفطر في السفر للمشقة يفطر يوم عرفة خشية المشقة؛ لكي يتفرغ الناس وينشطوا للدعاء والذكر في هذا اليوم العظيم؟
الحديث الذي عندنا ضعيف، الحديث الذي معنا نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة ضعيف، وثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- أفطر، فهل نكتفي بفعله لنفطر في يوم عرفة أو نقول: هو مثل في صيامه في سفر، أفطر في السفر، صام ثم أفطر لما بلغ الكديد، ولا أحد يمنع من الصيام في السفر، نعم لو ثبت النهي ما في إشكال ولذا ثبت عن ابن عمر وجمع من الصحابة أنهم كانوا يصومون يوم عرفة في عرفة، وأهل العلم يقولون: لا يصام يوم عرفة بعرفة ليتقوى على الذكر، إذا كانت المسألة هذه العلة فبعض الناس يقول: أنا أنشط إذا ما أفطر، أستمر صائم أنشط، إذا كانت هذه العلة يزول الحكم بزوالها؛ لكن يبقى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر وهو الأسوة وهو القدوة، وبعض أهل العلم يؤثم من يصوم يوم عرفة بعرفة، ولعله استناداً لهذا الحديث، مع فطره -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن فعله هو الأكمل، وما اختاره الله لنبيه هو الأفضل، فلا ينبغي صيامه، أما الاستناد على هذا الحديث فالحديث ضعيف، والشيخ ابن باز نص في مواضع من فتاويه أن الذي يصوم يوم عرفة بعرفة آثم.(65/12)
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا صام من صام الأبد)) وهذا المشروط عند أهل العلم يحتمل وجهين: أنه خبر، أو دعاء، أنه دعاء زجر له على صنيعه ((لا صام من صام الأبد)) يعني لا مكنه الله من الصيام دعاء عليه، من صام الأبد، والثاني أنه خبر، أن هذا لم يصم، وإن أمسك عن الطعام والشراب إلا أنه لم يصم الصيام الشرعي.
ولمسلم من حديث أبي قتادة: ((لا صام ولا أفطر)) وعند الترمذي: ((لم يصم ولم يفطر)) لا هو بالذي صام صيام يرجى ثوابه، ولا هو بالذي أفطر مع الناس واستمتع بما أنعم الله عليه به، صام ولا أفطر، لم يصم ولم يفطر.
يقول ابن العربي: "إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعوة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان خبر فيا ويح من أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يصم، وعلى الوجهين صيام الدهر مذموم".
منهم من يحمل هذه النصوص على من صام الدهر بالفعل بجميع أيام العام بما في ذلك ما نهي عن صيامه كالعيدين وأيام التشريق، بدليل أن سرد الصوم ما فيه إشكال، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقال: لا يصوم، وأيضاً جاء في حديث حمزة السابق: ((إني أسرد الصوم)) فحمل النهي هنا على من صام الدهر صياماً حقيقياً الدهر كله، ولم يستثنِ من ذلك الأيام التي نص على تحريم صومه كالعيدين والتشريق، أما من صام بقية الأيام مما لم ينص على المنع منه، فهذا لا يتناوله النهي، وعلى كل حال فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يصوم ويفطر ((أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) فالذي يصوم الأيام كلها ولو أفطر الأيام المحرمة رغب عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الباعث له على هذا الرغبة في الخير، لكن مجرد الرغبة لا تكفي ما لم يكن هناك اتباع، وظاهر الأخبار كما قال طائفة من أهل العلم يدل على تحريم صيام الدهر، ومنهم من قال: إذا أفطر الأيام التي يحرم صيامها لا إشكال فيها، وعلى كل حال: أفضل الصيام، إذا كان الإنسان يبحث عن الأجر فأفضل الصيام صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً.(65/13)
في الحديث السابق ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كأنما صام الدهر كله)) عرفنا أنه تشبيه للممدوح بالمذموم من وجه دون وجه، يعني لا في حقيقة المعنى الذي من أجله ذم صيام الدهر، إنما على فرض مشروعيته، فكأن هذا صام أيام السنة كلها.
باب الاعتكاف وقيام رمضان:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قام رمضان إيماناًَ واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) [متفق عليه].
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- باب الاعتكاف وقيام رمضان، الاعتكاف والعكوف على الشيء: لزومه، ويراد بالاعتكاف شرعاً: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وحبس النفس عن الاسترسال في الأمور التي تزاول خارج المسجد، من أجل أن يخلو العبد بربه، ويتفرغ لعبادته الخاصة، من صيام وصلاة وذكر وتلاوة ودعاء، ولذا لا يستحب في الاعتكاف أن ينشغل الإنسان بما يشغل قلبه، ولو كان فيه نفع، من النفع المتعدي، عمل بدني، أو تعليم علم، أهل العلم لا يرون هذا، فالاعتكاف مخصص للعبادات الخاصة، للصلاة والصيام والذكر والدعاء والتلاوة فقط.
وقيام رمضان ليس المقصود بالقيام الانتباه، وإنما المقصود به الصلاة وفي حكمها الذكر والتلاوة، فهي من القيام لو أن الإنسان قام الثلث الأخير بمقدار ساعتين، ساعة للصلاة، وساعة لقراءة القرآن، هل نقول: هذا قام ساعتين أو قام ساعة واحدة؟ ساعتين؛ لأن التلاوة والذكر حكمها حكم الصلاة، كلها مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، فيشمله القيام.(65/14)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قام رمضان إيماناًَ واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وحديثه الآخر: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وفي الحديث الثالث لأبي هريرة: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً إيماناً بالله -جل وعلا- وتصديقاً بوعده واحتساباً طلباً للأجر من الله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه، متفق عليه، والغفران هنا مطلقه يتناول جميع الذنوب، ((غفر له ما تقدم)) (ما) من صيغ العموم، و ((من ذنبه)) ذنب مفرد مضاف فيعم؛ لكن الجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة.
((من قام رمضان)) هذا الوعد هل يتحقق بقيام ليلة أو بقيام جميع رمضان؟ ظاهر اللفظ يدل على أنه لا بد من قيام جميع رمضان، لأنه قال: ((من قام رمضان)) ما قال: من قام في رمضان أو قام ليلة من رمضان، من قام رمضان، ورمضان يشمل جميع الشهر، وعلى كل حال القيام شأنه عظيم في رمضان وفي غير رمضان، وهو دأب الصالحين، و ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ثم بعد ذلك قال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] فالقانت آناء الليل والنهار هم الذين يعلمون، والنائمون هم الذين لا يعلمون، فمن وصف أهل العلم أنهم أهل قيام بدلالة هذه الآية، والنصوص التي ترغب في القيام كثيرة جداً، ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) وصار بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.(65/15)
ولا شك أن القيام من النوم لا سيما مع ما ابتلي به كثير من الناس من سهر وانشغال بما لا يعني فإذا انشغل الإنسان بما لا يعنيه لا يوفق لمثل هذه الأعمال، فعلى الإنسان أن ينجم على نفسه، ويحفظ أعماله، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وحينئذ يعان، وعليه أن يجاهد، أول الأمر لا بد من جهاد، ثم بعد ذلك يتلذذ كما فعل السلف، ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ومثل ما ذكرنا الذنب مفرد مضاف فيعم، ومقتضى الحديث أنه يعم الصغائر والكبائر؛ لكن عامة أهل العلم على أن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر -أي العشر الأخيرة- من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهل)) متفق عليه.
وعنها -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل- ثم اعتكف أزواجه من بعده)) [متفق عليه].
وعنها -رضي الله عنها قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه)) [متفق عليه].
وعنها -رضي الله عنها- قالت: ((إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً)) [متفق عليه، واللفظ للبخاري].
وعنها قالت: ((السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد له منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع)) [رواه أبو داود] ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا بالنسبة لقيام رمضان الذي سبق الحديث الماضي، يقول أهل العلم: أن من قام في صلاة التراويح سواءً كان مع إمامه أو منفرداً صح عنه أنه قام رمضان، وجمْع الناس على إمام واحد في رمضان فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلتين أو ثلاث، ثم تركه خشية أن يفرض القيام على هذه الصورة فيعجز عنه الناس، تركه واستمر الأمر في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم في عصر أبي بكر، ثم بعد ذلك جمع الناس عمر -رضي الله عنه- على أبي، فصاروا يصلون بصلاة إمامهم.(65/16)
والشارح بتأثير من البيئة التي عاش فيها لمز عمر في هذا، قال: "وأما صلاة التراويح فقد ابتدعها عمر" وفي موضع آخر قال: "والبدعة قبيحة ولو كانت من عمر"، هذا الكلام في غاية السوء في حق أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، تأثير البيئة يعني ما تجد في الكتاب من أوله إلى آخره معاوية -رضي الله عنه- مؤلف محسوب على أهل السنة؛ لكن يبقى أن البيئة أثرت، وتأثير قبيح ما هو تقدير بعد، نعم ليس معدود من الشيعة ولا من الزيدية؛ لكن يبقى أن مثل هذا التأثر قبيح من رجل يهتم بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويأتي في ثنايا كلامه مثل هذا؛ لكن من كثر ما يسمع لا بد أن يتأثر الإنسان بشر يتأثر.
يقول: "وأما التراويح على ما أعتيد الآن فقد ابتدعها عمر"، ننظر في الأمر هو بالفعل بدعة أو ليس ببدعة؟ عمر -رضي الله عنه- نفسه في صحيح البخاري قال: "نعمت البدعة" لما خرج والناس يصلون بصلاة إمامهم، قال: "نعمت البدعة" عمر نفسه قال: "نعمت البدعة" لكن هل هي بدعة لغوية أو بدعة شرعية؟ لا لغوية ولا شرعية؛ لأن البدعة اللغوية ما أحدث على غير مثال سابق، تراويح لها مثال سابق من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ومن الصحابة جماعة، فلها مثال سابق، وليست ببدعة شرعية؛ لأنه سبق لها شرعية من السنة، يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- تركه لا عدولاً عنها، وإنما تركها خشية أن تفرض مع بقاء الحكم، فليست ببدعة شرعية ولا لغوية.
شيخ الإسلام يرى أنها بدعة لغوية؛ لكن لها مثال سابق، فكيف نقول: أنها بدعة لغوية، الشاطبي يقول: مجاز، ويشكل كلامه عند من ينفي المجاز مطلقاً، هناك في علم البديع شيء يقال له: المشاكلة والمجانسة، في التعبير يعني كأن قائلاً قال: ابتدعت يا عمر، قال: "نعمت البدعة" يعني إذا كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، فليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، أسلوب المجانسة والمشاكلة موجود في اللغة وفي النصوص.
قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
مشاكلة في النصوص، {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة ولكن معاقبة الجاني ليست بسيئة، وهذا كثير في النصوص، أسلوب المشاكلة.(65/17)
وعن عائشة -رضي الله عنها – قالت: ((كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت العشر)) -أي العشر الأخيرة- من رمضان -ودخول العشر بغروب شمس يوم عشرين، فيوم عشرين ليس من العشر، من العشر ليلة واحد وعشرين- من رمضان ((شد مئزره)) فتأهب للتشمير في العبادة، واعتزل النساء، وطوى الفراش، ((شد مئزره، وأحيا ليله)) أحيى ليله مفهومه أنه لا ينام ليالي العشر، إحياء الليل مفهومه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينام، وجاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه أحيا ليله كاملة إلى الصبح؛ لكن أحيا ليله خاص بالعشر، وكان -عليه الصلاة والسلام- يخلط العشرين الأول بصلاة ونوم، ولكن في العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، يعني ما يلزم من تحت يده بأن يقوموا الليل كله، ولا يحملهم على ما يحمل عليه نفسه، لا، يترك لهم الفرصة ينامون ويوقظهم، لا يفرط في حقهم بأن يتركهم ينامون ولا يصلون أبداً، لا.
والعشر لها مزية، وهي أفضل ليالي السنة، العشر الليالي العشر الباقية من رمضان كما أن أفضل الأيام أيام العشر من ذي الحجة، وهذه الليالي العشر تشتمل على ليلة هي خير من ألف شهر، ليلة القدر، وعشر من ذي الحجة تشتمل على يوم عرفة، ويوم العيد الحج الأكبر.
وعنها -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل- ثم اعتكف أزواجه من بعده))، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله -عز وجل- ثم اعتكف أزواجه من بعده، النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف العشر الأول، ثم اعتكف العشر الوسطى، ثم استقر اعتكافه على العشر الأواخر، استمر على هذا، ومرة قطع اعتكافه وقضاه في عشر شوال؛ لأنه إذا عمل عملاً أثبته.
والاعتكاف سنة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم على أنها سنة مرغب فيها، وأقل ما ينطبق عليه الاسم ما يشمله المسمى اللغوي، وهو اللزوم والمكث، أما مجرد الدخول في المسجد وجلوس زمن يسير ليس بمعتكف لا لغة ولا شرعاً، خلاف لمن كتب في بعض المساجد يذكر الناس عند المدخل يقول: نويت سنة الاعتكاف، وفيها أكثر من محظور:(65/18)
أولاً: يريد يقول: قل: نويت سنة الاعتكاف، والنية بهذه الطريقة بدعة.
الأمر الثاني: أنه يقول لكل داخل سواءً طال به الوقت أو قصر والاعتكاف الشرعي لا ينطبق إلا على ما يشمله المسمى اللغوي، مع أن التحديد الشرعي جاء بعشر ليالي؛ لكن طول المكث يسمى اعتكاف لغوي، واعتكاف ليلة يسمى اعتكاف، وقد نذر عمر -رضي الله عنه- أن يعتكف ليله، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((أوف بنذرك)) فدل على أن اعتكاف ليلة مما يتقرب به، فهو داخل في مسمى الاعتكاف، "حتى توفاه الله -عز وجل-" يريد أن يؤكد في هذا الحديث إلا أن الاعتكاف بقي إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام-، "واعتكف أزواجه من بعده" فليس بمنسوخ، بل هو حكم محكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى–: "وعنها" يعني عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: ((كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه)) [متفق عليه].
يعتكف العشر الأواخر، وقلنا: إن العشر الأواخر تبدأ من غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين.(65/19)
هنا يقول: إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه فهل يصلي الفجر يوم عشرين أو يوم واحد وعشرين؟ إن كان واحد وعشرين صارت ليلة واحد وعشرين ما دخلت في الاعتكاف، يعني يوم عشرين صلى الفجر يوم عشرين ودخل المعتكف، ويكون نهار يوم عشرين قدر زائد على العشر، إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، العلماء يقولون: أنه يدخل قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، بل ليلة إحدى وعشرين ليلة ترجى فيها ليلة القدر، وجاء فيها الحديث الصحيح الذي يرى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يسجد على ماء وطين، فهي في تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين، وكف المسجد، وصلى الصبح، وبقي أثر المطر والطين في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا قلنا: أنه يدخل معتكفه من صبح إحدى وعشرين، معناه أنه ما اعتكف قبل ذلك؛ لكن أهل العلم يقولون: يدخل المسجد للاعتكاف ليلة إحدى وعشرين قبل غروب الشمس، ويدخل المعتكف المكان المخصص للاعتكاف، داخل المسجد إذا صلى الصبح، لينقطع فيه عن الناس، لماذا نحتاج إلى مثل هذا الكلام؟ النبي -صلى الله عليه وسلم- اتخذ حَجِيرة، مكان مخصص للاعتكاف، فصلى الفجر دخل المعتكف، وإذا أراد أن يصلي خرج إلى الناس وصلى بهم، ثم دخل المعتكف في إشكال؟ ما في إشكال؛ لكن مفهومه أنه ليلة إحدى وعشرين ما دخل المعتكف؛ لكنه معتكف وفي المسجد، وحينئذ لا إشكال بالحديث.
طيب إذا عرفنا أنه كان يدخل المعتكف قبل غروب الشمس فمتى يخرج، يعني كان إذا أراد أن يعتكف العشر فالعشر تبدأ بغروب شمس ليلة إحدى وعشرين، وتنتهي بغروب الشمس ليلة العيد، إذا أراد أن يعتكف يدخل في هذا الوقت ويخرج في هذا الوقت، إذا أرد العشر؛ لكن بعض الفقهاء يستحسن أن يبيت ليلة العيد في المسجد، ويخرج من المسجد إلى المصلى بثيابه الذي اعتكف فيها؛ لكن ليلة العيد ليست داخلة في العشر قطعاً، هم تبعاً لما جاء في إحياء ليلة العيد من حديث ضعيف ((من أحيا ليلتي العيدين أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب)) هذا ضعيف، فالفقهاء يستحبون المكث في المسجد من أجل هذا الحديث، وهو ضعيف، وعلى كل حال العشر تنتهي بغروب الشمس ليلة العيد.(65/20)
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله" يدخل علي رأسه يعني في بيتها، وهو في المسجد فأرجله، يعني خروج بعض البدن من المسجد لا يؤثر في الاعتكاف، لا يؤثر في الاعتكاف؛ لكن ليس معنى هذا أن الإنسان يمضي الأوقات الطويلة ورأسه خارج المسجد ينظر في الغادي والرائح والذاهب والجاي ويتفرج على الناس، ويقول: أنا في المسجد، لا، هذا لحاجة لأنها ترجله وهي حائض لا تدخل المسجد، فيخرج رأسه لكي ترجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً لما لا بد منه لقضاء الحاجة، وقل مثل هذا في الأكل إذا منع من دخوله المسجد، هذه حاجة وما عدا ذلك مخل في الاعتكاف، ((وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً)) [متفق عليه].(65/21)
لماذا لا يرجل رأسه في المسجد؟ يقولون: ما يتساقط من الشعر أو من الظفر ينبغي أن يصان منه المسجد، ومسائل التنظيف ومسائل .. هذه ينبغي أن يصان عنها المسجد، ولذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج رأسه، يدخل رأسه في حجرتها لكي ترجله، وفعلها من ترجيله -عليه الصلاة والسلام- مما هو معروف ومتعارف مما يكون بين الرجال مع نسائهم، وهذه من الخدمة المطلوبة التي ثبتت بالنصوص، فعلى المرأة أن تخدم زوجها فيما تعارف عليه الناس، لا يكلفها أكثر مما تعارف عليه الناس، ولا يكلفها ما لا تطيق، وعليه أن يعينها أيضاً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان في حاجة أهله، لا يتسلط على المرأة؛ لأن له القوامة، ولا يجعل المرأة أيضاً تتسلط عليه، يعني الشرع جاء بما يسعد الطرفين {لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [(228) سورة البقرة] لأن بعض الناس إما أن يكون على ما يعبرون الناس دكتاتور، إمبراطور، إذا كان في البيت ما أحد يتكلم ولا ينفس، هذا ما هو صحيح، المرأة مثلك، لها من الحقوق عليك مثل ما لك من الحقوق عليها {لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} ويبقى أن للرجال على النساء درجة، ليس معنى هذا مثل ما نشاهد الآن من ردود الأفعال من تفضيل النساء على الرجال، هذا ليس بشرع، القوامة للرجل، والأمر بيده، وتجد مثل هؤلاء المهزومين حتى في حديثهم يقدمون النساء على الرجال هذا خلاف الشرع، قد جاء الأمر بتأخيرهن، وهن في أواخر الصفوف، وصفوف النساء أفضل، الصفوف المؤخرة أفضل من الصفوف المتقدمة، هذه نصوص شرعية عندنا، ويجيك من يقول: يقدم النساء، وإيش المانع؟ هن شقائق الرجال، ونصف المجتمع، وإذا عطلناهن كيف نساير الناس؟ لا نساير الناس ولا نواكبهم، مسايرة تخالف ديننا وشرعنا؟!.
((وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة)) يعني من قضاء الحاجة التي لا بد منها من نقض للوضوء، ومثله الوضوء خارج المسجد، وقل مثل هذا في الأكل والشرب إذا منع من دخول المسجد وإلا فالأصل جواز الأكل والشرب كله في المسجد، لا مانع من هذا.(65/22)
يقول: "وعنها -رضي الله عنها- قالت: "السنة على المعتكف" السنة أو من السنة إذا قاله الصحابي فهو مرفوع.
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ
السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً؛ لأن معنى الاعتكاف لزوم المسجد، والخروج منه لعيادة المريض خرم لهذا اللزوم، ولا يشهد جنازة، مثل أن تخصص هذه الأيام للخلوة المفيدة للقلب فائدة عظمى، إذا كانت على الوجه الشرعي، بعض الناس يعتكف لكن ما يستفيد يخرج كما دخل، لماذا؟ تجد حياته اليومية التي يزاولها في بيته يزاولها في المسجد، الجوال والاتصالات والجرائد والأخبار، والدنيا كلها عنده، هذا اعتكاف؟ يتابع الأحداث والأخبار، وإيش صار؟ ومن إذاعة ومن محطة ومن ما أدري إيش؟ وجرائد أمامه وبصورها وجوال ورسائل من اليمين والشمال وشرق وغرب، مثل هذا ليس باعتكاف؛ لأنه اعتكف ليعالج هذا القلب الذي تتجه إليه جميع خطابات الشرع، وفي هذه الأيام العشرة تنقطع علائقه بالناس حتى بعض الأعمال التي كان يزاولها من الأعمال الصالحة من طلب علم ومن تعليم علم، ومن شهود جنائز ومن عيادة مرضى، كل هذا ينقطع، حتى صلة الأرحام تنقطع؛ لأن هذا مخصص للعبادات الخاصة، هي عشرة ليالي أو تسع.
"ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج إلا لما لا بد منه" لا يمس امرأة ولو كانت من محارمه، ولا يباشرها ولو كانت زوجة له؛ لأنه جاء النهي عن المباشرة في القرآن {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] في المساجد يشمل جميع مساجد الدنيا، وما يجمع فيه، وتقوم فيه صلاة الجماعة.(65/23)
"ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم" يعني هل يصح الاعتكاف من غير صوم؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يثبت عنه أنه اعتكف إلا وهو صائم، وثبت في الحديث الصحيح أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نذر أن يعتكف ليلة في الجاهلية، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أوفي بنذرك)) والليل ليس محلاً للصوم، ولذا يختلف أهل العلم في اشتراط الصوم لصحة الاعتكاف، وهنا هذا الحديث يقول: "لا اعتكاف إلا بصوم" لكن ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع هذا هو الذي أشار المؤلف إلى أنه موقوف، موقوف على عائشة، وما قبله مرفوع، وإن كان من قولها فهو اجتهاد منها يعارضه حديث عمر -رضي الله عنه-، والأولى والأكمل والأحوط أن يكون على صيام، يكون الاعتكاف مقروناً بالصيام.
"ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" هذا من كلام عائشة، لئلا يلزم عليه ألا يخرج من المسجد من معتكفه إلى أداء الجمعة، أما المسجد الذي لا يقام فيه صلاة الجماعة بحيث يحتاج إلى أن يخرج من معتكفه خمس مرات في اليوم هذا لا يصح فيه الاعتكاف، وأما المسجد الذي يُجَمع فيه يصلى فيه صلاة الجماعة وإن لم تقام فيه الجمعة لأن خروج مرة في الأسبوع لا يؤثر فيصح.
رواه أبو داود ولا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف آخره، يعني "ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" هذا من قول عائشة -رضي الله عنها-.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه)) [رواه الدارقطني والحاكم والراجح وقفه أيضاً].(65/24)
هنا يقول المؤلف -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه)) يعني ينذر أن يعتكف صائماً أو يصوم في اعتكافه، رواه الدارقطني والحاكم والراجح وقفه أيضاً، أما بالنسبة للمرفوع فهو ضعيف، المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو ضعيف، وأما كونه من قول ابن عباس، عند الدارقطني والحاكم والمرجح أنه موقوف ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ضعيف، وأصح ما في الباب حديث عمر، أصح ما في الباب وجوداً صيام النبي -عليه الصلاة والسلام- أثناء اعتكافه، وعدماً حديث عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة، وأما حديث عائشة وحديث ابن عباس فلا تقيم بهما حجة.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شيء يصح، النبي -عليه الصلاة والسلام- خرج من معتكفه سنة من السنوات واعتكف في شوال، الصيام في رمضان يجب لرمضان وليس للاعتكاف، إذا كان في رمضان فالصيام من أجل رمضان؛ لكن أنت افترض أنك سافرت مثلاً وأردت أن تعتكف في الحرم المكي أو المدني يوم واحد، تقول: أنا مسافر يوم واحد ما أنا بصائم، نعم، أنت يباح لك الفطر لأنك مسافر إلا على القول بافتراض الصيام في الاعتكاف ....(65/25)
بلوغ المرام - كتاب الصيام (6)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أوروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أُرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحريها في السبع الأواخر)) [متفق عليه].
وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلة القدر: ((ليلة سبع وعشرين)) [رواه أبو داود والراجح وقفه، وقد اختلف في تعيينها على أربعين قولاً، أوردتها في فتح الباري].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله: "أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) [رواه الخمسة غير أبي داود، وصححه الترمذي والحاكم].
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) [متفق عليه].(66/1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ليلة القدر وفيها السورة العظيمة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [(1) سورة القدر] سميت بذلك لعظم قدرها وشرفها عند الله -جل وعلا-، أو لما يقدر فيها من أرزاق وآجال وأعمال، وعلى كل حال هي خير من ألف شهر، ليس فيها ليلة قدر، أكثر من ثمانين سنة لمن وفق فيها وأصابها وتحراها وقامها إيماناً واحتساباً، في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ولا شك أن فضلها عظيم من حرمها حرم الخير كله، فعلى الإنسان أن يحرص ويجتهد أن يصيب ليلة القدر، ولا يلزم أن ينظر في الأقوال ويرجح بينها حيث تكون عنده ليلة معينة فيتعمد قيام هذه الليلة ويترك ما عداها؛ لأن هذا يبعثه على الزهد في طاعة الله -جل وعلا-، وإذا قلنا: مثل هذا فهذا الكلام يسري على من أشاع في الناس أنها ليلة كذا اعتماداً على رؤى، والله أعلم بالرائي وكيف رأى؟ وكيف نام؟ علماً بأنها لو ثبتت عنده لا ينبغي أن يشيعها؛ لأن إخفائها له حكم عظيمة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي أراد أن يحدد هذه الليلة، أراد أن يخبرهم بعينها فتلاحى فلان وفلان فرفعت، ورفعها من مصلحة العباد، ليجتهدوا في جميع رمضان لا سيما في العشر الأواخر؛ لأنه لو قيل: أنها في الليلة المعينة، وقل مثل هذا في ساعة الجمعة وما جاء فيها من النصوص، لو عينت تلك الليلة ما قام الناس غالب الناس ما يقوم الليل، فيتعمدون قيام هذه الليلة ويتركون ما عداها، من قام ليالي العشر أصاب ليلة القدر بيقين لكن يحتاج أن يقومها إيماناً واحتساباً، وأن يحضر قلبه، لا يمثل بين يدي ربه بجسده دون قلبه، مثل هذا القيام لا تترتب آثاره عليه.(66/2)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن رجالاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أوروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر" يعني أوروا ما يدل عليها وإلا فليلة القدر لو كانت ليلة عادية لا يستطيع أن يقول شفت ليلة الجمعة؟ نعم ما يمكن، هل ليوم العيد ما يميزه بين الأيام لذاته، نعم، لا، ولذلك يتساءل بعض الأطفال وأين العيد الذي تقولون؟ صحيح، ما لها إلا العلامات التي تدل عليها، وقد تكون رؤياهم أن رأوا شخصاًَ يقول لهم: ليلة القدر الليلة الفلانية، أو ليلة القدر ما بين ليلة كذا أو كذا في السبع الأواخر، كما يدل عليها الحديث، فكأنه قيل لهم في المنام: هي في السبع الأواخر، أو رآها شخص ليلة أربعة وعشرين، وشخص ليلة خمس وعشرين، وشخص ليلة ست وعشرين، يعني في السبع الأواخر كلها، والتواطؤ هو التوافق، فتواطئوا وتوافقوا على القدر المشترك الذي يشمل الجميع وهو السبع الأواخر، ولا يبعد أن يكون تواطؤهم وتوافقهم على ليلة بعينها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يعمم في السبع حرصاً على أن تضرب أمته بسهام من سهام الخير، لا يكفي سهم واحد، وإلا التحديد ليس بمستحيل من المؤيد بالوحي، فإخفاؤها لحكمة عظيمة، ولذا الذين يتعمدون تبادل رسائل الجوال أن ليلة القدر في هذه السنة ليلة كذا، يعارضون هذه الحكمة، ويعينون بعض النفوس الضعيفة على الكسل، تجدون الباعث على القيام في ليالي الأوتار أكثر من الباعث على القيام في ليالي الأشفاع، يظهر الخلل في المساجد ليلة أربعة وعشرين، ليلة ستة وعشرين، ليلة ثمانية وعشرين، ليلة الثلاثين عاد الناس عيدوا وانتهوا، يعني كثير من الناس يمل، هذه عبادة عظيمة، يعني إذا كان المفترض من المسلم والمتصور من طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون دأبه وشأنه دأب الصالحين، قيام الليل {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] فمع الأسف أن هذه أمور من أثقل الأشياء على النفوس، تجد هذه العشر الإنسان ينظر في التقويم في كل لحظة كم تاريخ اليوم، ينتظر نهاية هذه العشر، مع أنها الموسم، الموسم الذي لا يكلف المسلم شيء، يعني الصلاة هل هي مثل نقل الحجارة أو مثل حمل الأثقال؟ تجد الإنسان صاحب أي(66/3)
بضاعة من البضائع له وقت قد يكون شهر أو أكثر أو أقل موسم في العام مستعد يجلس أربعة وعشرين ساعة يتولى البيع والشراء والمحاسبة، بل قد يحمل الأمتعة إلى سيارات الزبائن وما عنده مشكلة: لأنه يحس بالفائدة، وليلة تعدل ثلاثة وثمانون سنة وستة أشهر تتكاثر عليه، ينظر في الساعة في كل لحظة، وبعضهم إذا ركع الإمام قال: الحمد لله راحت واحدة، إذا ركع الثانية قال: انتهينا من تسليمة، صحيح هذا واقع كثير من الناس، استثقال للعبادة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) يعني يستوي في ذلك الأشفاع والأوتار، إلا أنه جاء في الأوتار ما يرجحها.(66/4)
ليلة ثلاثة وعشرين من السبع الأواخر أم ليس من السبع الأواخر؟ احتمال تكون من السبع الأواخر، إذا كان الشهر تسعة وعشرين، واحتمال أن تكون الأولى من السبع الأواخر ليلة أربعة وعشرين، وهي المرجحة عند أهل البصرة، أنس بن مالك والحسن البصري وسائر أئمة البصرة، هي ليلتهم ليلة أربعة وعشرين، أو نقول: لا الليلة شفع ما نحتاج، نجمع الهمة إلى الغد -إن شاء الله-، يا إخوة المسألة تحتاج إلى توطين نفس، وإقبال على العبادة بانشراح من غير استثقال، نعم يختلف أهل العلم في عظم الأجر، أجر العبادة مع الاستثقال، يعني يختلفون في الأفضل، يعني هذا فيه قول لأهل العلم أن من يقبل على العبادة وهي ثقيلة عليه له أجران أجر المجاهدة مجاهدة النفس وأجر أداء العبادة؛ لكن المقطوع به أن من يأتي إلى العبادة منشرح النفس مقبل إليها مرتاح بها، أفضل بلا شك؛ لأنه تعدى مرحلة المجاهدة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) ولسان حال الواحد منا أرحنا منها، ((فمن كان متحرياً فليتحرها في السبع الأواخر)) وليلة واحد وعشرين جاء فيها النص المتفق عليه ((رأيت كأني أسجد صبيحتها في ماء وطين)) فسجد صبح اليوم الحادي والعشرين على ماء وطين؛ لأنه نزل المطر ووكف المسجد، منصوص عليه صريح أنها ليلة واحد وعشرين، ومجيء النصوص بهذه الطريقة التي قد تلتبس وتشكل على كثير من الناس، ليلة واحد وعشرين فيها نص صحيح، السبع الأواخر فيها نص، سبعة وعشرين فيها نص، الأوتار فيها نص، يعني مجيء النصوص بهذه الطريقة التي فيها شيء من الإشكال عند بعض طلاب العلم لا شك أنه مقصد شرعي، وعدم بيان الراجح بيقين أيضاً هدف شرعي؛ لأن هذا كله يدل على إخفائها، وإخفائها لكي يعمر المسلم وقتاً طويلاً في عبادة الله -تبارك وتعالى-، ولذا يرجح جمع من أهل العلم أنها ليست في ليلة معينة في كل سنة ويقول: أنها تنتقل، هذه السنة في واحد وعشرين، والسنة التي تليها في سبعة وعشرين، التي تليها بخمسة وعشرين، التي تليها ليلة أربعة وعشرين والشهر كامل وأيش المانع؟ فهذا هو المرجح وهو التي تجتمع عليه النصوص، ((فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) بدأً من ليلة ثالث وعشرين(66/5)
إلى آخر الشهر.
والحديث الذي يليه الرؤيا هنا (أروا ليلة القدر) الرؤيا لا يبنى عليها حكم شرعي، نعم جاء ما يدل على أنها جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة، وأنها فيها المبشرات، وفيها ما يقع؛ ولكن الأحكام الشرعية استقرت بنصوص الكتاب والسنة، وليس لأحد أن يبني حكماً على رؤيا، ليس له أن يصحح أو يرجح في مسألة شرعية بناءً على رؤيا، أو يصحح حديث أو يضعف نقول هذا لا قيمة له، أو يمنع الناس من عمل مباح، أو يسهل لهم في عمل محرم بناءً على رؤيا؛ لكن مثل هذه الرؤيا، ورؤيا الأذان إنما اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في ليلة القدر: ((ليلة سبع وعشرين)) رواه أبو داود والراجح وقفه، يعني على معاوية، ليلة سبع وعشرين، الليلة الراجحة عند كثير من أهل العلم وجمع من الصحابة وفيها مثل هذا الخبر؛ لكن المرجح وقفه على معاوية، وتعيين الليلة كما قال الحافظ: "اختلف في تعيينها على ستة وأربعين قولاً" ذكرها في فتح الباري، والمسألة تحتاج أكثر، ولكن هناك أقوال يمكن إدخالها مع غيرها، وهناك أمور ليست بأقوال، القول بأنها رفعت يعني هذا من الأقوال؟ هذا ليس من الأقوال، وقد عده ابن حجر، "أوردتها في فتح الباري" في الجزء الرابع صفحة مائتين وثلاثة وستين إلى مائتين وستة وستين.(66/6)
يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ دل على أنها تعلم، وأن لها علامات، منها أنها ليلة طلقة بلجة فيها سكون، فيها أيضاً ارتياح، وفيها نور، وذكروا أن الكلاب لا تنبح في تلك الليلة، وذكروا أمور؛ ولكن من أصحها كون الشمس تطلع صبيحتها بدون شعاع؛ لكن لا يستدل عليها بطلوع الشمس الاستدلال الذي يحث على العمل فيها؛ لأنها قد تكون قد انتهت؛ لكن على مثل ما ذكرنا الإنسان يتعرض لنفحات الله في جميع الليالي، ويكون مثل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يشد المئزر، ويحي الليل، وإن كان صحب ذلك اعتكاف فنور على نور، وإن لم يصحبه اعتكاف فليتقلل من مخالطة الناس بقدر الإمكان؛ لأن في مخالطة الناس من الأثر على القلب جل المخالطة الآن آثارها ضررها أكثر من نفعها، اللهم إلا إذا كان مع من أمر الله بصبر النفس معهم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] الذين يعينونك على ما ينفعك، أما بعض الناس مجالستهم سجال، فيها وفيها، وبعض الناس جلساء السوء هؤلاء لا خير فيهم، ولا يجالسون إلا من أجل نفعهم، مثل هؤلاء لا يجالسون إلا من أجل نفعهم، بعض الناس يستخف مجالسة هؤلاء، مجالستهم تكون أحياناً خفيفة على النفس لأنهم لا يأمرون بشيء ثقيل، ويتوسعون في أمور بما يتعلق بالكلام والنكت وإدخال السرور على الجليس بخلاف أهل التثبت والتحري، تجدهم لا يتكلمون إلا فيما ينفع، وفيما حفت به الجنة والجنة حفت بالمكاره، تجد بعض الناس وإن كان خيّر وطالب علم لكن يستثقل الجلوس مع الأخيار، فمثل هذا يحرص على أن تكون مجالسه في هذه الليالي معمورة بالذكر، بالصلاة بالتلاوة، الله المستعان.
"أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر ما أقول فيها؟ "
طالب:. . . . . . . . .
هذا المرفوع أما الموقوف عن معاوية فما فيه إشكال.(66/7)
"أرأيت" يعني أخبرني يا رسول الله إن علمت أي ليلة ليلة القدر؟ (علمت) يعني بالعلامات التي تدل على أن هذه ليلة القدر، أو قيل لها: أن هذه الليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) هل يلزم لحصول الثواب المرتب على هذه الليلة على قيامها إيماناً واحتساباً العلم بها؟
قد يقول قائل: أنا والله قمت ليالي العشر من ليلة واحد وعشرين إلى ليلة العيد ولا أحسست بأي فرق بين هذه الليالي، ما أدري؟ نقول: أنت قمت ليلة القدر، ويكتب لك من الأجر بقدر ما قدمت، ما هو قدمت ركعت وسجدت؟ هذا شيء مطلوب؛ لكن المدار على القلب، هل حضر قلبك؟ هل انصرفت من الصلاة بجميع أجرها بنصف أجرها بربعه بعشره، يكتب لك.(66/8)
وبعضهم يقول: لا، الذي ما يحس بها ما أدركها، وقع في حديث عند مسلم من حديث أبي هريرة ((من يقم ليلة القدر فيوافقها)) إيش معنى يوافقها؟ يعني يصيبها؛ لكن ليس من لازم موافقتها أن يكون على علم بها، ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) ولا أعظم من العفو، العفو عن الزلات، العفو عن السيئات، التجاوز، ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) يختار من الأسماء الحسنى ما يناسب المقام، فالله -جل وعلا- عفو غفور غفار ستير، المقصود أنه يختار من هذه الأسماء ما يناسب المقام، قد يقول قائل: جاء في النصوص تذييل بعض الأدعية بما لا يناسب، مثال ذلك: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(118) سورة المائدة] لكن قد يقول قائل: هذه تعقبت جملتين مناسبة لجملة دون جملة، في آية الممتحنة: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(5) سورة الممتحنة] يعني يقول قائل: هذان الاسمان ليسا مناسبين لهذا الدعاء، ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) يعني قد تقول مثلاً: اللهم إنك حثثت على العتق فاعتق رقبتي، مناسب أو غير مناسب؟ الله -جل وعلا- حث على عتق الرقاب، عتق العبيد، وأنت واحد منهم، ترجو الله وتسأله أن يعتقك من النار، ((إنك عفو تحب العفو فاعف عني)) مناسب جداً، وينص أهل العلم أن من أدب الدعاء أن يختار من الأسماء الحسنى ما يناسب؛ لكن ما جاء في النصوص لا اعتراض عليه، فمن أسمائه الحسنى العزيز الحكيم، القهار.
طالب:. . . . . . . . .
في آية التوبة نعم، {أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [(71) سورة التوبة] ماذا نقول عن مثل هذا؟ ما أحد يقول لك: الدعاء ما هو صحيح أو ما هو مقبول؛ لكن أهل العلم ينصون على أن من أدب الدعاء أن ينظر من الأسماء ما يناسب المقام، مثل ما عندنا ((إنك عفو تحب العفو فاعف عني)).
طالب:. . . . . . . . .
يعني الانكسار بين يديه، يعني يظهر، بضده تتميز الأشياء، الله -جل وعلا- عزيز حكيم، وأنت فقير ذليل حقير، إذا استشعر الداعي مثل هذا أُجيب.(66/9)
يذكر بعضهم من علاماتها إضافة إلى ما ذكرنا أن كل شيء يرى ساجد في هذه الليلة، وسجود كل شيء بحسبه؛ ولكن قول قيل، ومما ذكر، ذكر أشياء كثيرة من علامات ليلة القدر؛ لكن من أصحها ما ذكرناه.
الحديث الأخير: وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)).
(تشد الرحال) يعني من لازم السفر شد الرحل، فإذا اقتضى هذا السفر شد الرحل منع السفر من أجل التعبد لله -جل وعلا- ببقعة معينة سوى ما استثني من المساجد الثلاثة، أنت ليس لك أن تقول: أنا أذهب إلى البقعة الفلانية أتعبد فيها لأنها أفضل سوى المساجد الثلاثة، فإذا كان هذا في المساجد فمن باب أولى أن تشد الرحال إلى المشاهد والقبور، وغيرها من البقاع، هذه مسألة كبرى أنكرها شيخ الإسلام على بعض علماء عصره، ورُد عليه بسببها وامتُحن بسببها، والذي يفضل البقاع هو الذي خلقها {يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ} [(68) سورة القصص] فليس لك أن تفضل بقعة على أخرى بغير دليل، ولا تشد الرحل إليها إلا إذا فضلها الله -جل وعلا- كهذه المساجد الثلاثة، قد يقول قائل: والله في البلد الفلاني إمام قراءته مؤثرة، أروح أصلي معه من أجل هذا الإمام لا من أجل المسجد ولا من أجل البقعة، فأنا أشد رحلي من أجل هذا الإمام، أو من أجل جماعة المسجد، فيه بعض الصالحين وفيه بعض الأخيار ما يعينني على استغلال الوقت، أذهب وأصلي معهم العشر، وأعتكف معهم، التعاون على البر والتقوى، يدخل هذا في النهي أو لا يدخل؟ ما ذهب إليه من أجل البقعة هو ذهب من أجل هذا الإمام المؤثر هذا الرجل الصالح يصلي خلفه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، ذهب إلى بلد ما ليشهد جنازة عالم أو قريب أو صديق.
طالب:. . . . . . . . .(66/10)
نعم، كيف؟ شد الرحل راح مثلاً إلى جدة في عالم من العلماء مات ويصلى عليه في جدة أو الرياض نعم، يعني ما قصده البقعة لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث من البقاع، أما غير البقاع فلا تشد إليها الرحال، يعني كما تشد الرحل لصلة الرحم تسافر لزيارة قريب لزيارة صديق، لبر الوالدين، زيارة أخ في الله في حياته وبعد مماته تشيعه، وتزوره وتعوده إذا كان مريض، أنت لا تذهب لتتعبد في تلك البقعة.
((إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) إدخال الحديث في هذا الباب لماذا؟ لأنه قد قيل أو قد ورد ما يدل على أن الاعتكاف لا يصح إلا في هذه المساجد الثلاثة، جاء عن حذيفة ولكن ابن مسعود رد عليه {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] والمساجد يشمل مساجد الأرض كلها، مما يقام فيه الجماعة، ولذا فالمرجح أن الاعتكاف في أي مسجد تقام فيه جماعة صحيح.
جاء التفضيل في هذه المساجد، وأن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والمسجد النبوي بألف صلاة، وجاء في المسجد الأقصى ما يدل على أنه بخمسمائة صلاة، فهذه المساجد لا شك أن لها مزية، والتفضيل بالنسبة للمسجد الحرام شامل، للحرم كله، ولا يختص بالمسجد، والأدلة على هذا وهو قول جمهور أهل العلم كثيرة، ولو لم يكن منها إلا قوله -جل وعلا-: {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} [(217) سورة البقرة] هم أخرجوا من مكة، فالقول المرجح من أهل الجمهور أن مكة كلها حرم، وداخل حدود الحرم مضاعف.
((ومسجدي هذا)) يدل على أن التضعيف خاص بالمسجد، والمسجد الأقصى مثله، التضعيف هذا هل يشمل الرجال والنساء، يشمل الفرائض والنوافل؟ أما بالنسبة للمسجد الحرام والمقرر عند الجمهور أن المضاعفة في الحرم كله، ولا يختص بالمسجد، فتشمل صلوات النساء في بيوتهن، ونوافل الرجال في بيوتهم؛ لأن النوافل في البيوت أفضل.(66/11)
لكن ماذا عن المسجد النبوي؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)) فعلى هذا صلاة المرء النافلة في بيته أفضل من صلاته في المسجد النبوي، والمضاعفة خاصة في المسجد، هذا جعل بعض أهل العلم يقول: إن المضاعفة في الفرائض دون النوافل، وقل مثل هذا بالنسبة للمرأة التي بيتها خير لها، وبيتها خير لها.
الأسئلة كثيرة جداً لكن نأخذ منها ما تيسر، لا سيما الأسئلة التي جاءت من الآفاق.
هذا من إيطاليا يقول: ما حكم من نام قبل المغرب ولم يستيقظ إلا بعد الفجر في أحد أيام رمضان، فلم ينوي هذا اليوم؟
كيف ما نوى؟ أليس من أيام رمضان؟ وفي قرارة نفسه أنه يصوم غد؟ هذه هي النية؛ لكن كيف ينام قبل المغرب ولم يستيقظ إلا بعد الفجر؟! ليس في النوم تفريط؛ لكن مثل هذا النوم كم أضاع؟ وقتاً طويلاً فوت صلاة المغرب، صلاة العشاء، واحتمال الفجر، هذا لا يصوغ مطلقاً، لا بد إذا أراد أن ينام قرب وقت صلاة، يبذل الأسباب للاستيقاظ، وأن يدفع الموانع فلم ينوِ، إذا لم ينوِ ولم يطرأ ولم يجرِ على باله أنه يصوم غداً هذا لا يصح صيامه.
سائل من كينيا يقول: كما تعرض الله -سبحانه وتعالى- في كتابه ذكر الحور العين ونساء الجنة، بما لا يحصر؛ ولكن ما العلة في عدم ذكر صفات رجال أهل الجنة للنساء اللواتي كتب الله لهن دخول الجنة، يقول: لماذا لم يصف الرجال؟
وصف النساء لحث الرجال، لماذا لم يصف الرجال لحث النساء؟ لأن الجمال بالنسبة للنساء مطلب؛ لكن جمال الرجال مع أنهم على أكمل صورة جاء وصفهم:
ألوانهم بيض وليس لهم لحى ... جعد الشعور مكحلو الأجفانِ
والطول طول أبيهم ستون، والعرض سبعة أذرع، كما جاء في المسند، والطول في الصحيحين، المقصود أنه جاء الوصف بالنسبة للرجال، والاهتمام بوصف النساء لا شك أنه الداعي إليه أعظم -والله أعلم- لأن النساء بحاجة إلى الجمال أكثر من حاجة الرجال.(66/12)
يقول: سأل رجل الإمام علي لماذا نسجد مرتين؟ ولماذا لا نسجد مرة واحدة كما نركع مرة واحدة؟ قال -عليه السلام- من الواضح أن السجود فيه خضوع وخشوع أكثر من الركوع، ففي السجود يضع الإنسان أعز أعضائه وأكرمها، أفضل أعضاء الإنسان رأسه؛ لأن فيه عقله وأفضل ما في الرأس الجبهة على أحقر شيء، وهو التراب كرمز للعبودية لله وتواضعاً وخضوعاً له تعالى، سأل: لماذا نسجد مرتين مع كل ركعة؟ وما هي الصفة التي بالتراب؟
نسجد مرتين كل ركعة جوابه هذا كما تقدم، وما هي الصفة التي بالتراب؟ فقرأ أمير المؤمنين -عليه السلام- الآية الشريفة بسم الله الرحمن الرحيم {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [(55) سورة طه] صدق الله العلي العظيم، أول ما تسجد وترفع رأسك يعني (منها خلقناكم) وجسدنا كله أصله من التراب وكل وجودنا من التراب، وعندما تسجد ثانية تتذكر أنك ستموت وتعود إلى التراب، وترفع رأسك وتتذكر أنك ستبعث من التراب مرة أخرى، على كل حال يحتاج إلى نظر في إسناده، وعلي -رضي الله تعالى عنه- ممن ابتلي بالوضع عليه.
يقول: هل يجوز عمل تحليل للدم أثناء الصيام؟
إذا كان شيئاً يسيراً فلا أثر له على الصيام.
سائل من السعودية يقول: في قصة الأعرابي ألا يدل ذلك على يسر الشريعة وسماحتها على وجه يجعل من الواجب على العلماء والمفتين مراعاة أحوال السائلين، وأن الفتوى تختلف من سائل لآخر، أما التزام فتوى واحدة يفتي بها كل من وقعت له تلك الحادثة هذا في الاجتهاديات، وأما القطعيات فلا أظن ذلك يسوغ فيها، فما رأيكم؟
مراعاة حال الأعرابي لأنه فقير، ولم يوجد بين لابتي المدينة أفقر منه، فمن كان حاله بهذه المثابة يعامل تلك المعاملة، أما شخص غني يبي يعامل معاملة هذا الفقر فلا، لا شك أن مثل هذه الأمور يدخلها مراعاة الأحوال، وما سُكت عنه من بقية الأحوال التي لا أثر لها في الحكم يستوي فيها جميع الناس.
يقول: هل كل من يصلي الفجر جماعة في ذمة الله؟(66/13)
هذا وعد أن من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، وليس معنى في ذمة الله أنه لا يموت، النبي -عليه الصلاة والسلام- مات وكلٌ مات، يعني بعض الناس يتصور مادام في ذمة الله يحرص أن يصلي الصبح في جماعة ولا سيما إذا أراد أن يسافر أما إذا أراد أن يبقى في بلده ولم يسافر ولا يتعرض لخطر حوادث أو شيء ما يهتم بصلاة الفجر، لا يا أخي، بعض الناس يتصور هذا أن صلاة الفجر تقيه من الموت، في ذمة الله خلاص مضمون، هذا كلام ليس بصحيح {إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [(49) سورة يونس].
والثاني: كيف يعرف الواحد أن النفس توسوس أو الشيطان؟
على كل حال إذا حصلت لديك الوساوس فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وادفع هذه الوساوس سواءً كانت من نفسك أو من الشيطان.
يقول: لدي سؤال ما الحكم عن الخصومات على شكل بطاقات بحيث يستفيد حاملها خمسة أو عشرة بالمائة من منتجات مطعمنا بحيث يشتري دفتر الخصومة بقيمة خمسة وأربعين ريال وفي كوبونات بسعر خمسين ريال، وتكون مدة هذا الدفتر ستة أشهر، وإذا لم يشترِ بكامل الدفتر خلال هذه المدة يتم إخراج ما تبقى من هذا المبلغ لصالح أي جمعية خيرية صدقة، والهدف من هذا الدفتر تسويقي للمشروع، وفقكم الله؟
يعني إذا دفع المبلغ مقدماً وهو يريد أن يأخذ في مقابل هذا الثمن عروض أغذية مثلاً، لنفترض مثلاً أن اللبن يباع بخمسة كم يحتاج من اللبن في الشهر؟ يحتاج ثلاثين بمائة وخمسين يقول: هات مائة وأنا أأمن لك ثلاثين علبة في كل شهر، نعم هذه خصومة، هذه ما فيها إشكال لماذا؟ لأنك قدمت الثمن، أما إذا كانت معاوضة بين هذا الدفتر ويكون قيمة الدفتر الخمسة والأربعين مقابلها خمسين فلوس بحيث لو تقول: والله أنا ما أنا بشايل منك أبي أدور غيرك يعطيك مبلغ أكثر أو أقل فلا، أما إذا كانت المعاوضة بين عروض التجارة مع الدراهم لا بأس، سواءً قدم الثمن وحسم له منه، أو أخر الثمن وزيد عليه من أجله فلا بأس.(66/14)
يقول: في امرأة يعني لما كانت صغيرة كانوا بدو يرعون الغنم كان عندها كلبة، الكلبة حملت وجابت كلاب ورحلوا من مكانهم البدو، وقال عم المرأة لما كانت المرأة صغيرة وكانت تخاف من عمها، وقال عمها خذي اثنين من الكلاب واتركي الباقي في البر فلم توافق الكلبة أن تترك صغارها وذهب المرأة وحفرت حفرة ودفنت صغار الكلبة، وهن على قيد الحياة، وبعد ما كبرت حست بالذنب ماذا تفعل؟
إذا كان هذا قبل التكليف فلا شيء فيه؛ لأنها غير مكلفة وغير مؤاخذة؛ لكن هذه إذا كانت بعد التكليف تأثم على ما حصل؛ لأن هذه إساءة إلى الكلاب، والإحسان إليها مطلوب، المرأة التي سقت الكلب البغي سقت الكلب دخلت الجنة، وفي كل كبد رطبة أجر، فالإساءة إليها لا تجوز، وإذا قدر أنها مما يجوز قتله فلتحسن قتلته.
يقول: هذا السائل من أفريقيا دولة توبو: هل يجوز للشاب المسلم السفر إلى إسرائيل لطلب المال، حيث أن صديقه يتصل به فيقول: أن إسرائيل لا يضيق على ممارستك دينك؟
لا يجوز أن يبقى في بلاد الكفر بحال، لا يجوز له أن يبقى مع الكفار؛ لكن إن كان من أهلها وولد فيها ولم تتيسر له الهجرة فهو من المستضعفين الذين استثنى الله -جل وعلا-.
هذا يقول: عندما تفوتني صلاة العصر هل أصلي عندما أقوم أو مع الجماعة في صلاة العصر القادمة غداً؟
لا، يجب قضاء الفوائت فوراً، مجرد ما تنتبه تتطهر وتصلي ما فاتك.
يقول: أنا كنت مقصر في الصلاة فلذلك فإن علي أن أقضي ما فاتني، هل هذا صحيح؟ وإذا كان فإن علي بصلاة الظهر مادام أصلي بعده ظهر آخر مما فاتني فإذا فعلت ذلك فسوف أهمل النوافل لأن وقتي لا يتسع إلا لصلاة واحدة، أما النوافل أو ما فاتني من الصلاة بسبب ظروف عملي ماذا أفعل وإذا أهملت النوافل، هل يكون ذلك تقصير وعلي قضاؤها أم أنها غير مهمة أفتني في هذا الأمر من فضلك؟(66/15)
مقصر في الصلوات تركت صلوات أيام تهاون كسل، عليك قضاؤها إذا كان يمكن الإحاطة بها، أما إذا كنت لا تدري كم عدد هذه الأيام فعليك أن تكثر من النوافل في مستقبل عمرك، إذا حصرت هذه الأيام وجدت أنها في مقدورك ومحصورة ومعروفة فعليك أن تقضيها متتابعة، تصلي الفجر ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم العشاء اليوم الأول، ثم اليوم الثاني كذلك، لا تنتظر إلى أن تصلي كل صلاة بعد نظيرتها من صلاة يومك.
يقول: هل يجوز أن تصرف الأموال الربوية على المساجد والأشرطة الدينية النافعة، وإلا فماذا نفعل بها؟ علماً بأن العلماء قالوا: تصرف في أسافل الأمور كبناء الحمامات لكن إذا لم توجد؟
المال الخبيث يتخلص منه، وجاء في أن كسب الحجام خبيث قال: ((أطعمه ناضحك)) فيصرف في المصارف التي لا يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- طيب لا يقبل إلا طيباً، فتصرف في مثل هذه المصارف في دورات المياه، في الطرق، في شيء لا يكون فيه قربة ظاهرة.
اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نسأل الله -عز وجل- أن يجزي شيخنا خير الجزاء على ما قدم، ونفيدكم -أيها الأخوة- أن موعدكم -إن شاء الله تعالى- الدورة القادمة في اليوم السابع من شهر شوال في كتاب الحج من بلوغ المرام، ولمدة أسبوع بعد صلاة المغرب، وبعد صلاة العشاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(66/16)
بلوغ المرام _ كتاب الحج (1)
شرح حديث: (العمرة إلى العمرة .. ) وحديث: عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: "يا رسول الله أعلى النساء جهاد .. "وحديث: أنس -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ .. وحديث: .. فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ ... وحديث: ... إن فريضة الحج على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً ... وحديث: ... إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ ... وحديث: (أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى .. ) وحديث: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم .. ) وحديث: "لبيك عن شبرمة" ... وحديث: (إن الله كتب عليكم الحج .. ).
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
طالب: يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه (بلوغ المرام) كتاب الحج: باب فضله وبيان من فرض عليه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) [متفق عليه].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الحج، ونظراً لضيق الوقت فلا مقدمات، ولا إجابة على كثير من الأسئلة إلا ما تمس إليه الحاجة، فالمدة خمس أيام، والقدر المقرر شرحه طويل، ولو لم يكن في هذه الأحاديث إلا حديث جابر في صفة حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- لما كفاه الوقت المقرر؛ لكن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه، لا أقول: جله، أقول: بعضه، فكتاب الحج والكتاب سبق الكلام عنه مراراً فيما تقدم من كتب، والحج بفتح الحاء وكسرها لغتان وقراءتان، الحج مصدر حج يحج حجاً ويعرفونه في اللغة: بأنه القصد، وفي اصطلاحهم: قصد بيت الله الحرام لأداء النسك الأكبر، واقتصر الحافظ ككثير من المؤلفين على الحج، والعمرة داخلة في الحج، وإلا فالكتاب معقود للنسكين الحج والعمرة، ولذا يعدل بعضهم عن الحج إلى المناسك وهي أشمل.(67/1)
الحج ركن من أركان الإسلام بالإجماع، ومن مبانيه العظام، ففي حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) تقدم ما في تقديم الحج على الصيام أو العكس في الدورة السابقة في شرح كتاب السير، ولا أرى ما يدعو إلى إعادته؛ لأنه كلام فيه شيء من التفصيل والطول وقد مضى.(67/2)
الحج جاء في شأنه والتشديد والتأكيد في أمره ما جاء من نصوص الكتاب والسنة، ولو لم يرد فيه إلا ما جاء في قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران] والجملة التي تليها {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] هذا مما يشدد ويؤكد ويبين أهمية هذا الركن؛ لأن ارتباط جمل القرآن وعطف بعضها على بعض ليس عبثاً أن يعطف قوله --جل وعلا--: {وَمَن كَفَرَ} على بيان فرض الحج، ولذا يرى بعض أهل العلم أن الذي لديه مقدرة باستطاعته الحج ولم يحج أنه يكفر، فيه رواية عند الحنابلة الإمام أحمد ينصرها، بعض المالكية كبقية الأركان؛ لكن الجمهور على أنه لا يكفر تارك الأركان الثلاثة، والخلاف في الصلاة؛ لكن جاء فيها من النصوص الخاصة ما جاء ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) بين العبد أو المرأة والكفر ترك الصلاة، المقصود أن تارك الأركان الثلاثة على خطر عظيم، وإن كان الجمهور على أنه لا يكفر، سمعنا هذا أن الإنسان كونه لا يكفر، ولا يخرج من الدين بالكلية أن الأمر سهل لا، جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كتب إلى الأنصار: "أن ينظروا من كان ذا جده فلم يحج أن تضرب عليه الجزية" ويروى أيضاً مرفوعاً ((من استطاع الحج ولم يمت فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً)) لكن رفعه ضعيف جداً، بل أدخله ابن الجوزي في الموضوعات، ولا يصل إلى حد الوضع، المقصود أنه ضعيف مرة، فشأن الحج كغيره من الأركان عظيم جداً، وكثير من الشباب المكلفين الذين لديهم الاستطاعة، بل الذين لا يكلفهم الحج شيئاً يتبرع أبوه أن يحج به، ومع ذلك يقول: والله السنة هذه ربيع نريد نستغل الوقت، وليس هناك دراسة ويروح رحلة أو نزهة، أو يتعلل بدراسة وبعض الشباب مع الأسف أنهم طلاب الكليات الشرعية، يقول: والله تسليم البحث في أول الدراسة بعد الحج، ولا أستطيع أن أحج، وكل هذا من إيثار الفانية، يا أخي لماذا تدرس أنت؟! تترك فريضة من فرائض الإسلام، ركن من أركان الإسلام تقول: تسليم البحث في أول الدراسة! هذه سمعناها مراراً، فضلاً عمن يقول: هذه الأيام ربيع ولا(67/3)
أستطيع، لما يجي الحج في سنة ما فيها ربيع نحج، مع أن الحج لا يكلفه شيء البتة، كثير من الشباب يتبرع آباؤهم أن يحجوا بهم، ومع ذلك يتعللون بهذه الأعذار الواهية، فالحذر الحذر، والمبادرة المبادرة، الآن تستطيع أن تحج ما يدريك عن المستقبل، يمكن يجي وقت من الأوقات لا سمح الله ما تستطيع، أمن الطريق الذي نعيشه ونتفيؤه نعمة لا يقدرها إلا من عرف ما كان عليه الناس في الزمن الماضي، تصلي المغرب في هذه البلاد وتصلي الفجر في البيت الحرام، وأنت مرتاح، مرتاح جداً، تتصل بمن تريد، تأكل ما تشاء، وتشرب ما شئت، وتقرأ إن شئت، وتسمع إن شئت، وتنام أيضاً وأنت في الطريق، فعلى من كلف أن يبادر، ويتعين هذا في حق طلاب العلم مهما كانت أعذارهم، إذا كان يستطيع فعليه أن يبادر، على خلاف بين أهل العلم في الحج، هل هو على الفور أو على التراخي؟ وهل كان فرضه سنة ست أو تسع أو عشر خلاف؟ لكن الذي رجحه ابن القيم أنه فرض سنة تسع، وكثير من أهل العلم يرون أنه على التراخي؛ لكن ومع ذلك على الإنسان أن يتعجل بالحج؛ لأنه لا يدري ما يعرض له، وكونه فرض سنة تسع على القول المرجح والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج سنة تسع، إنما بعث أبا بكر وعلياً وحجا بالناس، وحج -عليه الصلاة والسلام- في السنة التالية سنة عشر لأمور، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يتلقى أفعاله وأقواله من الوحي، فمضمون أنه يحج من قابل؛ لكن أنت ما يدريك أن تعيش إلى قابل أو لا؟ وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم بين يديه أبا بكر وعلي ليأذنا في الناس: "أن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان" كانوا يطوفون عراة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطيق رؤية هذه المناظر، وكل إنسان سوي لا يطيق هذه المناظر، إلا بعد أن استمرأ الناس، وألفوا هذه المناظر، كما ألفها أهل الجاهلية، في وسائل الإعلام تجد من يتعلل بمشاهدة الأخبار، وسماع الأخبار، ويرى المومسات من غير أن يتمعر وجهه، ويرى العراة، وأشباه العراة من غير أن يتأثر، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج في السنة التاسعة مع أنه فرض، وبعث أبا بكر وعلي فحجا بالناس، وبلغاهما ما ينبغي تبليغه عن النبي -عليه الصلاة(67/4)
والسلام-، فحج النبي -عليه الصلاة والسلام- من قابل، من أهل العلم من يرى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج في السنة التاسعة؛ لأن الحج في هذه السنة لم يكن في وقته المحدد له شرعاً، بسبب النسيء الذي يفعله العرب في جاهليتهم؛ لكنه في السنة العاشرة استدار الزمان، فصادفت الحجة وقتها المحدد لها شرعاً، منهم من يقول هذا، حج النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك، قبل حجة الوداع، قبل أن يفرض الحج، ووقف مع الناس في عرفة، واستغرب الناس وقوفه مع عامة الناس وهو من الحمس، ولذا جاء في حديث جبير بن مطعم لما أضل دابته وبحث عنها، فرأى النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفاً بعرفة فاستغرب، وهذه في حجة سابقة على حجة الوداع، وهل حج مرة أو مرتين؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، أعني قبل فرض الحج، وأما بعد فرضه فلم يحج إلا حجة الوداع، الحجة التي ودع فيها الناس -عليه الصلاة والسلام-.(67/5)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: بيان فضله، وبيان من فرض عليه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) جاء في الصلاة نظير ذلك ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) وفي رواية: ((ما لم تغش كبيرة)) ولنعلم أن هذه العبادات المكفرة المراد بها العبادات التي تؤدى على مقتضى نظر الشارع، بحيث يؤتى بها على المقتضى الشرعي بأركانها وشروطها وواجباتها، أما الصلاة التي لم يخرج منها صاحبها إلا بعشرها، ما الذي يرجى منها؟! هذه كما ألمح شيخ الإسلام إلى أنها إن كفرت نفسها فبها ونعمت، فلنحرص على أن نؤدي العبادات التي تؤتي ثمارها، وتترتب عليها آثارها، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، الصيام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] ومع ذلك بعد أن يسلم من صلاته يزاول المحرمات، هل هذا خُلْفٌ في الخبر؟ لا؛ لكن المراد بالصلاة الصلاة التي أديت كما أمر بإقامتها، والصيام المورث للتقوى هو الذي يؤدى بواجباته وآدابه وسننه، ليس المراد من الصيام مجرد الإمساك، ثم بعد ذلك افعل ما شئت، ذكرنا في الدورة الماضية أن ممن اعتزل الدنيا على حد زعمه، وانقطع وتفرغ للعبادة من يفطر على الخمر، هل هذا الصيام يورث التقوى؟ لا والله، الصلاة التي ينشغل صاحبها عنها بالتخطيط لبعض الأمور المحرمة، أما الأمور المباحة قد لا يسلم منها أحد، القلب لا بد أن يعمر بذكر الله --جل وعلا-- لكي يقبل على الله، أما إذا عمر بالقيل والقال والشبهات والمكروهات والاسترسال في المباحات فضلاً عن المحرمات ينشغل؛ لأن القلب ما سمي قلب إلا لتقلبه، تحرص أشد الحرص على أن يجتمع قلبك في أضيق الظروف والأحوال في ليالي العشر وأنت معتكف ما تستطيع، تريد أن تجمع قلبك وتستحضر الذكر والصلاة والتلاوة ما تجد شيء؛ لأنك طول العام في القيل والقال، ومثل هذا لا يعان على اجتماع القلب، فمثل هذه العبادات التي فيها هذا الانصراف القلبي يندر أن تترتب عليها آثارها، يترتب عليها بقدر ما يستحضر منها، وما عدى ذلك فات الشخص تسعة أعشار الأجر، تسعة أعشار صلاته هذه(67/6)
مشغولة أو معمورة بالخطرات، بالخواطر والهواجس، ولذا لا يترتب من آثارها في إصلاح النفس إلا بقدر ما حضر من قلبه، وبقدر نيته، وبقدر إتباعه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الموضوع يطول.
المقصود أن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) الجمهور على أن الذنوب المكفرة بهذه العبادات هي الصغائر، وأما الكبائر لا بد فيها من التوبة، ((كفارة لما بينهما)) يستدل بهذا من يرى من أهل العلم أن تكرار العمرة مشروع، ولا حد لأقل مدة بين عمرتين، ولا كراهة في ذلك، ولا تحديد، وإن كان الإمام مالك يرى كراهة التكرار، ومنهم من يرى أنها لا تكون إلا في السنة مرة واحدة، كما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يرى التكرار لا يكون إلا بعد نبات الشعر، المقصود أن هذه أقوال لا دليل عليها، ومجرد فعله -عليه الصلاة والسلام- أو تركه للفعل لا يقتضي التخصيص؛ لأنه قد يحث على الشيء ولا يفعل رفقاً بالأمة، حث على العمرة في رمضان وبين أنها تعدل حجة، ومع ذلك ما اعتمر في رمضان، هل نقول: أن العمرة في رمضان ليست مشروعة؟ لا مشروعة؛ لكن ينبغي أن يلاحظ مع ذلك أن تنوع العبادات من مقاصد الشرع، يعني ما ينشغل الإنسان كل يوم يأخذ عمرة ويعطل العبادات الأخرى، الأمر الثاني: أنه لا يفوت بهذا العمل الصالح ما هو أهم منه من أعمال، فإذا وازن الإنسان بين أمور دينه ودنياه فلا أحد يمنعه من عبادة جاء الحث عليها، والإكثار من التعبد ليس ببدعة، وإن زعم بعضهم ذلك.(67/7)
((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) الحج المبرور يقول أهل العلم: هو الذي لا يخالطه إثم، ومنهم من يرى أن الحج المبرور هو المقبول، طيب وما يدريك عن القبول؟ قال: هناك علامات وأمارات في القبول بأن تكون حال الإنسان بعد العبادة أفضل من حاله قبلها، هذا مؤشر إلى أن عبادته مقبولة؛ لكن ماذا عن الذين يستغلون أيام العيد التي تعقب هذه العبادات العظيمة بارتكاب المحرمات، هذه أمارة على عدم القبول، والدين -ولله الحمد- فيه فسحة، توسع المباحات في الأعياد لا بأس به؛ لكن ارتكاب المحرمات دليل والعلم عند الله -جل وعلا- على عدم القبول، الحج المبرور الذي لا يخالطه إثم، أو هو المقبول، وأمارة القبول أن تكون حال الحاج بعد الحاج أفضل من حاله قبله ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) كثير من الناس يقول: الحج أربعة أيام لو الإنسان يخيط الفم خياطة، ما يتكلم أبداً، أربعة أيام ما يضره؛ لكن مثل من استغل طول العام بالقيل والقال يعان على حفظ النفس وحفظ اللسان هذه الأربعة الأيام؟ ما يمكن، كل إنسان يجد هذا من نفسه، يعني الشخص الذي يستثقل بعض الناس؛ لأنهم لا يقعون في بعض الأمور التي يزاولها كثير من الناس في مجالسهم، إما دلالة على خير، وتوجيه ونصح وإرشاد، أو ذكر، أو سكوت، مثل هذا يستثقله كثير من الناس، ويزعمون أنه ثقيل، وقد لا تتسع له مجالسه، ويعتذرون إذا أراد أن يزورهم، ويتعللون إذا طلب زيارتهم، بينما الشخص الذي ما شاء الله يكون خفيف هو صاحب القيل والقال والنكت والتفكه بأعراض الناس، يعني مثل هذا إذا كان عاش على هذه العيشة هل يستطيع أن يمسك عن الكلام في الأربعة الأيام؟ ما يمكن، والتجربة أكبر برهان.(67/8)
((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) جاء في حديث جابر عند أحمد أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الحج فقال: ((إطعام الطعام، وإفشاء السلام)) ولكن الحديث فيه ضعف، ولا شك أن إطعام الطعام مطلوب، وإفشاء السلام جاءت النصوص بالحث عليه، فهو مما يعين على بر الحج، والخبر ضعيف، والعمرة: الزيارة، والمراد بها زيارة البيت للطواف والسعي، المقصود أنه لأداء النسك الأصغر، زيارة البيت لأداء النسك الأصغر، المكون من طواف وسعي، وحلق أو تقصير.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله أعلى النساء جهاد؟ قال: ((نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) رواه أحمد وابن ماجه، واللفظ له وإسناده صحيح، وأصله في الصحيح، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابي فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ قال: ((لا، وأن تعتمر خير لك)) رواه أحمد والترمذي، والراجح وقفه، وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف عن جابر -رضي الله عنه- مرفوعاً: ((الحج والعمرة فريضتان)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث السابق عرفنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحج إلا مرة واحدة بعد فرض الحج، وهي حجة الوداع، وأما بالنسبة للعمرة فقد اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- كم؟ أربع مرات، الأولى: الحديبية، والثانية: القضاء، والثالثة: الجعرانة، والرابعة: التي مع حجه -عليه الصلاة والسلام-، وكلها في القعدة، كما في حديث عائشة في الصحيح الذي استدركت فيه على ابن عمر حينما زعم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب، قالت: إنه ما اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا وهي معه، وما اعتمر في رجب قط، وإن كان بعضهم يجعل المثبت مقدم على النافي، ويقول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب لقول ابن عمر، وتكون عائشة -رضي الله عنها- نسيت هذه العمرة؛ لكن الجمهور على أنه لم يعتمر في رجب، موافقة لعائشة -رضي الله تعالى عنها-.(67/9)
يقول: وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قلت: يا رسول الله على النساء جهاد؟ تسأل لتشارك في الجهاد، لما ورد في الجهاد في فضله، وأنه ذروة سنام الإسلام، ومصدر عز المسلمين، فتريد أن تشارك، على النساء جهاد؟ قال: ((نعم عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة)) والجهاد وبذل الجهد واستفراغ الوسع في طاعة الله -عز وجل- لا سيما ما فيه مشقة كالجهاد الشرعي الاصطلاحي، والحج والعمرة فيهما بذل جهد ومشقة فهي جهاد، وكلما يحتاج إلى معالجة مع النفس ومجاهدة فهو جهاد؛ لكن هنا يقول: ((عليهن جهاد)) هذه الصيغة تدل على الوجوب {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ} [(97) سورة آل عمران] صيغة وجوب عند أهل العلم ((عليهن جهاد لا قتال فيه)) والمقصود أنه لا قتال ولا مقاتلة مقصودة لذاتها، كما هو شأن الجهاد، وإن حصل قتل وموت في الحج بسبب زحام وشبهه، هذا ليس بقتال ولا مقاتلة، في السنوات الأخيرة بعض ما يتطلبه الحج من أعمال قريبة من القتال، من ذهب ليرمي الجمرة ضحى يوم العيد مثلاً، أو بعد الزوال في الثاني عشر جهاد؛ لكنه لا قتال فيه مقصود لذاته بسل السيوف وشبهها، وإن حصل فيه ما يحصل في القتال من موت، والله المستعان.(67/10)
((عليهن جهاد)) {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة النحل] وشخص من المترفين من أبناء الملوك قال: أحج بدون شق الأنفس، ما يلزم، أنا ابن ملك، تيسر له جميع أسباب ووسائل الراحة، فحمل في هودج، والناس يحتفون به من يمين وشمال، وبينما هو سائر إذ مر بشجرة فأخذت إحدى عينيه، والآن يعلن عن بعض الحملات أنها بالراحة التامة، وييسرون ويوفرون بعض وسائل الراحة؛ لكن الخبر لن يتخلف، لا بد من شق الأنفس، مهما بذلت من الأموال، لا بد من المشقة في الحج ((عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) أما وجوب الحج بالإجماع، والعمرة محل خلاف بين أهل العلم، يستدل بهذا الحديث من يقول: بوجوب العمرة، وسيأتي في حديث لاحق أن الحج والعمرة فريضتان؛ لكنه ضعيف، ومما يستدل به لوجوب العمرة الأمر بالإتمام {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] وفيه أيضاً على ما سيأتي ((حج عن أبيك واعتمر)) كل هذا مما يستدل به من يقول: بوجوب العمرة، وهو المرجح.
يقول: "رواه الإمام أحمد وابن ماجه، واللفظ له، وإسناده صحيح، وأصله في الصحيح" يعني صحيح البخاري من حديث عائشة قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: ((لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور)) لماذا أورد الحافظ رواية أحمد وابن ماجه وترك رواية البخاري؟ نعم ليس فيه ذكر للعمرة، ولذا قال: أصله في الصحيح، لو كان فيه ذكر العمرة لصار في الصحيح؛ لكن إذا وجدت أصل القصة، أو بعض ما يشهد لشيء من جمل الحديث في الصحيح صار أصله في الصحيح، كما هنا.(67/11)
يقول: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابي فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟ فقال: ((لا، وأن تعتمر خير لك)) رواه أحمد والترمذي، والراجح وقفه، هو على كل حال هو ضعيف مرفوعاً وموقوفاً، هو ضعيف، ويستوي في ذلك المرفوع والموقوف، ولو صح لكان نصاً في أن العمرة ليست بواجبة؛ لكنه لم يصح، كما أن الحديث الذي يليه أيضاً ضعيف جداً، والراجح وقفه، وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف عن جابر مرفوعاً: ((الحج والعمرة فريضتان)) وعلى كل حال لا يوجد في الباب أصرح من الآية: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] والحديث السابق: ((عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)) وفيه أيضاً: ((حج عن أبيك واعتمر)) وما عدا ذلك فهو ضعيف، وحكم العمرة مسألة خلافية بين أهل العلم فالحنفية والمالكية يقولون: بسنيتها، وهي واجبة عند الحنابلة، ولا يعني أن وجوبها مثل وجوب الحج، يأثم من تركها؛ لكن ليس مثل وجوب الحج، الحج ركن من أركان الإسلام، والعمرة كما سمعنا مختلف فيها، غاية ما هنالك أن من تركها يأثم، والشافعية قولهم كقول الحنابلة أنها واجبة يأثم تاركها، ومن لا يقول بالوجوب يقول: أن الآية ليست أمر بالحج والعمرة، ليس فيها الأمر بالحج والعمرة، إنما فيها الأمر بالإتمام، والنسك إذا شرع فيه لزم إتمامه، الحجة الثانية واجبة أم نفل؟ نفل؛ لكن من دخل فيها لزمه إتمامها، الثانية نفل اتفاقاً، ومع ذلك من دخل فيها لزمه الإتمام، ويحتجون بمثل الحديث الذي سبق حديث جابر على ضعفه، ومعهم أيضاً الأصل الأصل عدم الوجوب الأصل عدم الوجوب فلا بد من ناقل عن هذا الأصل، وسمعنا أدلة من يقول بالوجوب المسألة كما ذكرنا خلافية؛ لكن المرجح عند أهل التحقيق وجوبها.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قيل: يا رسول الله ما السبيل؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الزاد والراحلة)) رواه الدارقطني، وصححه الحاكم، والراجح إرساله، وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أيضاً وفي إسناده ضعف.(67/12)
نعم يقول -رحمه الله تعالى-، وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قيل: يا رسول الله، ما السبيل؟ المشار إليه في قوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران] ما السبيل؟ قال: ((الزاد والراحلة)) يعني كل من وجد زاد وراحلة يلزمه الحج؟ أو مما تتطلبه الاستطاعة الزاد والراحلة؟ يعني هل تفسير السبيل بالزاد والراحلة يعني على فرض ثبوته وإلا فهو ضعيف؛ لأنه من طريق مرسل، وطريق آخر من حديث ابن عمر في سنده متروك، تفسير السبيل بالزاد والراحلة هو تفسير بالمثال أو تفسير بالمطابقة؟ يعني من وجد زاد وراحلة يلزمه الحج، افترضنا أن شخص وجد زاد وراحلة؛ لكنه لا يثبت على هذه الراحلة يلزمه الحج أو لا يلزمه؟ نعم طيب شخص بمكة ويستطيع أن يصل إلى المشاعر بنفسه من غير راحلة، هل نقول: لا يلزمه إلا أن يجد راحلة؟ يلزمه ولو لم يجد راحلة، فعلى كل حال الخبر ضعيف؛ لكن جل الناس لا يتمكن من أداء الحج إلا بالزاد والراحلة، وهي مما يتطلبه الوجوب، وعلى كل الحال الوجوب إما بالنفس أو بالغير؛ لأنه قد يجد زاد وراحلة، يجد نفقة، يجد قدرة واستطاعة للحج لا بنفسه، عنده زاد وراحلة؛ لكن لا يثبت على الراحلة، كما سيأتي في حديث من سألت عن أبيها الذي لا يثبت على راحلة، فلا يلزم من وجود الزاد والراحلة القدرة والاستطاعة بالنفس، كما أنه لا يلزم من عدمهما عدم القدرة على الحج، كما نظرنا فيمن لا يحتاج إلى راحلة من أهل مكة مثلاً، بل من المسلمين من حج على الأقدام من أقاصي الدنيا، والخلاف في المفاضلة بين الركوب والمشي إلى الحج معروف بين أهل العلم، النبي -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، كما في الصحيح: "حج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، وحج أنس على رحل ولم يكن شحيحاً" لا شك أن الرحل مركوب متواضع، وهكذا ينبغي أن تكون حال المسلم لا سيما في مواطن العبادة، أن يسلك هذا المسلك، مسلك التواضع بينما تجد كثيراً من الناس العكس يبالغون في الترفه، وإذا اعتمر بحث عن الفنادق الراقية، وإذا أراد أن يحج بحث عن الحملات الغالية، يبالغون مبالغ خيالية، ويوفر لهم على حد زعمهم ما يفتخرون به، إذا رجعوا إلى أهليهم، هذا لا شك أنه ينافي المقصود من(67/13)
العبادة التي فيها العبودية واستشعار الذل والخضوع لله --جل وعلا--.
لا شك أنه ينبغي على ولي الأمر أن يحد من هذه المبالغات التي توجد في بعض الحملات، تجد في إعلاناتهم توفير كل ما يطلبه الحاج، وشاركوا بعض الناس يعني حتى في أقسام النساء ما يوجد عندهن في بيوتهن وفي دوائرهن فيما بينهن يوفرون أكلات الضحى، وأكلات العصر، وأكلات مدري إيش؟ يعني شيء عندهم فيه مبالغة حقيقة؛ والله المستعان.
فالإشارة في الحديث إلى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج على رحل، وحج أنس على رحل ولم يكن شحيحاً، دليل على أن التواضع مطلوب في كل حال، لا سيما في مواطن العبادات، ومنهم من يفضل المشي إلى العبادة، والرجال قدموا على الركبان {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] نعم قدموا على الركبان، فيرى بعضهم أن المشي أفضل؛ لكن لا أفضل من عمله -عليه الصلاة والسلام- وما أختاره من الركوب، ولا شك أن الزاد أمر لا بد منه، إن لم يتيسر له الزاد عاش عالة على الناس، وكثير من المتصوفة الذين يظهرون التوكل على الله --جل وعلا-- ويقطعون الفيافي والمفاوز بدون زاد يزعمون أنهم يتوكلون على الله -جل وعلا- ومع ذلك إذا حضر وقته تكففوا الناس يسألوهم، هؤلاء توكلوا على الناس، والله المستعان.
وعلى كل حال الحديث ضعيف، وليس السبيل هو الزاد والراحلة لا طرداً ولا عكساً، فقد يجب الحج من غير راحلة، وقد لا يجب مع وجود الراحلة، أعني وجوبه بالنفس، منهم من يرى أن هذا الحديث جاء من طرق متعددة ومتباينة، وفيها الموصول، وفيها المرسل، وبعضها يشد بعضاً، فيجعله من قبيل الحسن لغيره، ويجعله من باب التفسير بالمثال، يعني أهم ما يحتاج إليه في هذا السفر الزاد والراحلة، ببعض الأفراد، بل هي من أهم ما يحتاج إليه، كتفسير القوة بالرمي، القوة تتنوع المأمور بإعدادها، ليست الرمي وحده، وإنما الرمي وغير الرمي، والتنصيص على الرمي للعناية به، وهنا من أولى ما يهتم به في هذا الباب الراحلة التي تنقله من مكان إلى آخر، والزاد الذي يبلغه.
طالب:. . . . . . . . .(67/14)
ولأن الاستطاعة شرط لوجوب الحج ولزومه فمن استطاع لزمه أن يحج، والذي لا يستطيع لا يلزمه الحج، ولا يلزمه السؤال، بل ولا قبول الهبة لما فيها من المنة، وبعض الناس يحرص على الحج للمرة الثانية والثالثة والعاشرة بالمنن، يقول: نحج وإذا وصلنا هناك تيسرت الأمور، فتجده إما أن يحرج أناس يجلس معهم، أو مع بعض الدوائر الحكومية من غير إذنهم، وأحياناً يكون بغير رضاهم، أو بإذن من لا يملك الإذن، إذا جاء شخص وأعطاك مبلغ، وقال: حج، هذا فيه منة وإلا ما فيه منة؟ فيه منة، لا يلزمك أن تحج من أجل هذه المنة، فكيف أن تبدأ الناس، وتؤذي الناس، وتحرج الناس، والله -جل وعلا- قد عفاك، وأنت معذور؛ لأن كثير من الناس يتصرفون تصرفات غير لائقة، لا تليق به، كثير منهم، بس أنت وصلنا هناك، هذا بداية السؤال، وصلنا إلى مكة ويسهل الله، وإذا راح أحرج الناس، مثل ما ذكرنا، وأحياناً الدوائر الحكومية تحرج بكثير من أمثال هؤلاء، وهناك أعمال قد لا يرضون اطلاع كثير من الناس عليها، ومع ذلك يحرجهم، وقد يستأذن أدنى واحد فيهم، وقد لا يملك الإذن، وهو من الأصل معافى، لو اتجه إلى عبادات أخرى يتقرب بها إلى الله -جل وعلا- بغير هذه الطريقة؛ لأن أصل السؤال ممنوع، فكيف إذا سألت سؤال تتوصل به إلى عبادة؟ وبعض الناس يرتكب بعض المحرمات من أجل تحصيل نفل، فيتأذى ويؤذي، ويعرض نفسه وغيره لارتكاب بعض ما حرم الله، ومع ذلك يزعم أنه يتطلب ما رتب على الحج المبرور، بعض الناس يتحايل على أن يصرف له مبلغ باسم انتداب، وهو يريد يحج، مصروف الانتداب إلى جهة ما من أجل عمل، يترك هذا العمل ويحج، بعضهم يتحايل لاستخراج المال من بيت المال بأي طريقة كانت من أجل أن يحج، هذه مخالفات، هذا فساد في التصور، تريد أن تتقرب إلى الله -جل وعلا- بما حرم الله عليك، بعضهم يترك العمل الواجب، موظف يترك العمل ومع ذلك لماذا؟ يريد أن يعتمر، ليس معنى هذا أن الموظف خلق من أجل هذه الوظيفة، وصارت له كالظل، بمعنى أنه لا يتركها البتة، لا، يستأذن ممن يملك الإذن، والمسألة عرفية، نعم طلب براءة الذمة هو الأصل؛ لكن إذا كان المسئول يملك الإذن ليوم أو يومين أو أكثر أو أقل، إذا كان يملك ممن منحه(67/15)
وخوله ولي الأمر بالإذن لمن تحت يده في اليوم واليومين، يستفيد منها في دينه أو دنياه لا بأس، والإجازة الاضطرارية تتفاوت فيها وتتباين أنظار الناس، منهم من يجعلها من حق الموظف، له خمسة أيام خمسة أيام لو يجلس في البيت، ومنهم من يفهم من مسماها اضطرارية أنها في حال الضرورة، والضرورة معروفة عند أهل العلم بأنها ما لا تبقى الحياة بدونها، والمسألة من خلال ما عرف من المسئولين أنها لا هذا ولا هذا، لا تأخذ إجازة اضطرارية وتجلس في البيت وتقول: من حقي، ولا تنتظر إلى أن تصل حد الهلاك وتقول: إجازة اضطرارية، كأن الاضطرار هنا معناه الحاجة، فإذا دعت الحاجة لمثل هذه الإجازة فلا بأس، ليس معناها الضرورة المعروفة عند أهل العلم التي تتوقف عليها الحياة، لا، وهذا كالإقرار من ولاة الأمر في هذا الباب، لا ينتظرون إلى أن يشرف المرء إلى الهلاك ثم يأخذ هذه الإجازة، بناء على أنها ضرورية واضطرارية، لا، إنما المقصود بها الحاجة، فإذا دعت الحاجة إليها لا مانع من أن تمنح لمستحقها.
إذا حج بدابة مسروقة أو مغصوبة أو مال مسروق، لا شك أنه ارتكب محرم، والحج صحيح وإلا غير صحيح؟ هذا شخص وقف عند بقالة ترك السيارة شغالة مر واحد قال: والله أنا بحاجة إلى راحلة، تبلغني إلى بيت الله، فأخذ هذه السيارة وامتطاها إلى تلك الأماكن المقدسة، وأدى الحج، فلما رجع بحث عن صاحبها سلمه إياها، الحج صحيح وإلا غير صحيح؟
إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت ولكن حجت العير
على كل حال الجهة منفكة عند أهل العلم، وعندهم أن الحج صحيح مع الإثم، ورواية عند الإمام أحمد وهو مقتضى قول الظاهرية أن الحج ليس بصحيح.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقي ركباً بالروحاء، فقال: ((من القوم؟ )) قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنت؟ فقال: ((رسول الله)) فرفعت إليه امرأة صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)) [رواه مسلم].(67/16)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لقي ركباً بالروحاء، محل قريب من المدينة، يبعد عنها ما يقرب من خمسين كيلو، أو يزيد قليلاً، لقي ركباً بالروحاء فقال: ((من القوم؟ )) يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من القوم؟ )) قالوا: المسلمون، وهم من المسلمين، فهو من العام الذي أريد به الخصوص، فقالوا: من أنت؟ ما عرفوا النبي -عليه الصلاة والسلام- إما لكونهم لم يتقدم رؤية له -عليه الصلاة والسلام-، أو لأن الوقت ليل في ظلام ما رأوه، المقصود أنهم سألوا عنه: من أنت؟ قال: ((رسول الله)) -عليه الصلاة والسلام-، وبعض الناس يأنف أن يقال له: من أنت؟ كأنه يفترض في الناس كلهم أن يكون معروفاً لديهم، يستثقل أن يقال له: من أنت؟ ووجد الإنكار حتى من بعض طلاب العلم أنه يستثقل أن يسأل عنه من أنت؟ بعد أن صار علم، كيف يسأل عنه؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- قالوا له: من أنت؟ قال: ((رسول الله)) فرفعت إليه امرأة صبياً، صبي صغير لم يكلف، سواء كان مميزاً أو غير مميز؛ لكن رفعه يدل على أنه صغير جداً، فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم)) يعني حجه صحيح؛ ((ولك أجر)) فإن كان هذا الصبي مميز يلقن النية، ويأتي بما يستطيع فعله، وإن كان غير مميز ينوى عنه، ويدخل في النسك، ويجرد إن كان ذكراً، ويفعل به ما يفعله الكبير مما يستطاع، والذي لا يستطاع يعني تأتي لصبي غير مميز وتقول له: صل ركعتين، الذي لا يستطاع يسقط، فدل على أن الصبي نسكه صحيح، حجه صحيح، عمرته صحيحة، ولمن أدخله في النسك، ونوى عنه، وطاف به، وسعى به، له الأجر، فإذا أدخل في النسك لزمه الإتمام، ولزم وليه أن يتم ما أدخله فيه، هذه مسألة يكثر السؤال عنها، يحرمون للصبي أو للصبية فإذا وصلوا وجدوا زحام تركوه، قالوا: هذا الصبي غير مكلف ما يلزم، بل يلزم {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] بطوعكم واختياركم أدخلتوه في النسك، أتموا، ويترتب على ذلك ما يترتب على نسك الكبير، من ارتكاب لمحظورات وغيرها، فلا يحلق شعره، ولا يقص ظفره، ولا يلبس مخيط، كل ما يجتنبه الكبير يجتنبه هذا الصغير، يكثر سؤال بعض العوائل(67/17)
يذهبون في أوقات الزحام الشديد بأطفالهم، ويدخلونهم في النسك، ثم إذا رأوا الزحام ألبسوهم ثيابهم، ورجعوا بهم إلى بلدانهم، وهم ما زالوا محرمين؛ لأنه يلزمهم الإتمام في قول جماهير أهل العلم؛ لكنه إذا حج الصبي وقلنا: أن حجه صحيح ولوليه الأجر، فإن هذه الحجة لا تجزئه ولا تسقط عنه حجة الإسلام، بل إذا بلغ -كما سيأتي- عليه أن يحج حج الفريضة.(67/18)
إذا أدخل الصبي في النسك وارتكب محظور أو فعل به أهله ما يفعله كثير من الناس مما ذكرناه آنفاً، وجدوا زحام فلبسوه الثياب، ورجعوا به إلى بلدهم، ثم قيل لهم: لا بد .. ، هو الآن محرم يجرد من المخيط، ويلبس الإحرام، ويطاف به ويسعى، ويكمل نسكه، التكاليف تكاليف الإرجاع إلى مكة على من؟ نعم هم يقولون: لا ينوي عنه إلا وليه في المال، أو وصيه؛ لأنه يتحمل مسئوليات، يعني الآن افترضنا صبي وارث عنده مال وله حج بهذا الحديث، ثم ارتكب ما ارتكب من المحظورات، يفترض أن مثله يطأ، أهل العلم يقررون أن من بلغ العاشرة يطأ، أو حلق شعره، أو قصر أظفاره، ارتكب محظور، أو قتل صيد، ما يترتب على هذه المحظورات؟ هل هي على الصبي أو على وليه الذي أدخله في النسك؟ أجرة إرجاعه إلى مكة على من؟ في مال الصبي وإلا في مال وليه الذي أحرم له؟ يعني كونهم يشترطون أن الذي يحرم له وليه في المال؛ لأن وليه في المال ينفق عليه من هذا المال، ومن ضمن النفقة ما يتطلبه ما أذن به شرعاً، فهي على كلامهم من مال الصبي؛ لكن لو أحرم له، وأدخله في النسك غير وليه، يعني أمه أدخلته في النسك، وهي ليس لها أن تتصرف من ماله، أو أخوه مع وجود الأب الذي هو ولي المال، تكون التبعات كلها على من أدخله في النسك، بعض الأسر إذا اعتمروا بالأطفال وزع هؤلاء الأطفال، كلهم يدخلون في النسك، فلان حجه لجده فلان، وفلان لجدته فلانة، وفلان حجه لعمته فلانة وفلان عمرته لكذا باعتبار أن هذا الطفل ما جرى عليه قلم التكليف لا يكتب له حسنات ولا عليه سيئات، ما حكم هذا العمل؟ في الحديث: ألهذا حج؟ قال: ((نعم ولك أجر)) وإذا حج المكلف عن غيره أو اعتمر وأهدى ثواب عمرته لغيره معروف عند أهل العلم الحكم؛ لكن هذا يقولون: لا مكتوب له شيء ولا عليه شيء، وما دام هذا الأجر ثبت، وهذا الصبي لا يكتب له أجر لماذا لا نصرفها لشخص ينتظر هذا الثواب وهذا الأجر كالجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة والأب والأم مثل هذا العمل شرعي وإلا غير شرعي؟ الآن لو أن الولي الذي أحرم لهذا الصبي قال: اللهم اجعل حجتي أو عمرتي أجرها لفلان لأبي أو لأمي، ((حج عن أبيك واعتمر)) ما فيه إشكال، وهذا الولي قال: هذا الصبي(67/19)
الذي أدخلناه في النسك له حج؛ لكن الحج أجره لمن؟ للصبي نفسه؟ ((ولكِ أجر)) ولكن له حج، إيش معنى له حج؟ يعني أجر بدون حج أو الأجر بثوابه؟ وهذا الثواب هل يصرف للطفل الذي لم يجر عليه قلم التكليف أو أين يذهب؟ أنا أريد أن أقرر مسألة يفعلها كل الناس، إذا حجوا بالصبيان قالوا: فلان حجته لفلان، وجد فلان وفلانة حجتها لجدتها فلانة، وهكذا، فهل يصل هذا الثواب إلى المهدى إليه أو لا يصل؟ باعتبار أن الحج يقبل النيابة ((حج عن أبيك واعتمر)) والعمرة كذلك، فهل هذا العمل شرعي أم أنه ليس شرعي؟ نحن لا ننظر إلى أن الرسول فعل أو ما فعل، ننظر من أصل المسألة الحج يقبل بالنيابة فهذا حجه صحيح، وعمرته صحيحة لكن لا يجري عليه قلم التكليف، لماذا لا يصرف هذا الحج إلى من يحتاج إلى مثل هذا الأجر؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ليست المسألة أن الحج فرض نقول: يريد ينوب، هذا ثواب رتب على هذا الحج الذي حجه من لم يجر عليه قلم التكليف، وليس بحاجة إلى هذا الأجر؛ لأنه لم يجر عليه قلم التكليف، فبدلاً من أن يكون هذا الأجر له صاحب وإلا ماله صاحب؟ يعني غير المكلف المرفوع عنه القلم ما معنى رفع القلم؟
طالب:. . . . . . . . .
غير المكلف يعني لم يجرِ عليه قلم التكليف، ومرفوع عنه القلم، يعني لا يكتب له ولا عليه، هذا الأصل، ما معنى له حج؟ حج بدون ثواب، وثوابه لمن؟
طالب: للصبي.
للصبي؟ ما كلف إلى الآن الصبي.
طالب:. . . . . . . . .
في أنه إيش؟ أجر إيش؟ إدخاله ... وأيضاً ما يفعل معهم متعب الطفل، ما معني له حج؟ يعني هل نقول: أن حجه من باب التمرين؟ يعني إذا أمرنا الطفل بالصلاة لسبع وصلى الطفل تكتب له حسنات وإلا ما تكتب أو مجرد تمرين؟ هو مجرد تمرين عند أهل العلم، وكذلك الحج مجرد تمرين، إذاً هل له أجر أو ما له أجر؟ وإذا ثبت له أجر هل يستطيع وليه أن يهديه إلى غيره يهدي هذا الأجر؟
طالب:. . . . . . . . .
الطفل طفل مرفوع باليد له حج.
طالب:. . . . . . . . .
ما يفرق ترى، له عشر أو عشرين.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ يعني إذا ما ثبت الأجر للطفل فلن يثبت لغيره من باب أولى.(67/20)
طالب: يا شيخ يثبت للطفل الأجر -والله أعلم- لكن ليس لوليه يأخذ هذا الأجر فيهديه لغيره.
لا هو الذي يظهر أن المهدى هو الأجر المرتب على إدخال الطفل المنصوص بقوله: ((ولكِ أجر)) الأجر الذي ملكه الولي بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولكِ أجر)) هو المهدى، وليس المراد الحج ولا العمرة، إنما الأجر المرتب على إدخال هذا الصبي في النسك هذا الذي يظهر.
فيما يذكر في فضل الحج مما هو في معنى حديث: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) الآية الأولى التي قرأها الإمام وفقه الله {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] معنى الآية أن من حج واتقى الله في حجه فلا إثم عليه، يعني فقد ارتفع الإثم عنه سواء تعجل أو تأخر، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه شريطة أن يتقي الله -جل وعلا-، فلا يرفث ولا يفسق كما في الحديث، ومثله إذا تأخر، يعني الظاهر من الآية المتبادر الذي يفهمه الناس كلهم من هذه الآية أن الآية فيها التخيير والتسوية بين التعجل والتقدم؛ لكن هل يكفي أن نقول: من ذكر الله في هذه الأيام يرتفع عنه الإثم لا بأس أن يتقدم ولا بأس أن يتأخر ويكفي هذا؟ هل يكفي أن يقال: من حج لا إثم عليه في حجه؟ يعني تأمل معنى الآية: {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [(203) سورة البقرة] يعني لا حرج عليه في تعجله هذا المقصود؟ من تعجل في يوم فلا إثم عليه لأنه تعجل؟ بسبب تعجله ما عليه إثم؟ وكذلك إذا تأخر ما عليه إثم؟ وهل يحج الإنسان ليرتفع عنه إثم الحج؟
طالب:. . . . . . . . .(67/21)
كيف؟ نعم هو يرجو ثواب الله -جل وعلا- بهذا الحج، الآية مطابقة لحديث: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ارتفع عنه الإثم السابق شريطة أن يتقي الله في حجه، من تأخر ارتفع عنه الإثم شريطة أن يتقي الله في حجه، فيكون معنى الآية معنى الحديث، وعلى هذا يعني الآية بظاهرها لا فرق فيها بين التعجل والتأخر، فلا يؤخذ من الآية تفضيل التأخر، إنما يؤخذ تفضيله من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو أنه لم يتعجل، فيكون التأخر أفضل من التعجل، وأما الآية ففيها أن من اتقى الله -جل وعلا- في حجه ارتفع عنه الإثم، وهو معنى قوله: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) يعني هل هذا المعنى هو الظاهر الذي يفهمه الناس من هذه الآية؛ لأن قوله: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] جاءت بعد من تأخر، فالذي يفهمه الناس من هذه الآية أن التأخر أفضل من التعجل، ما فيها دلالة على هذا؛ لأن (لمن اتقى) يرتفع الإثم عن الحاج إذا اتقى الله -جل وعلا- في حجه، سواء تعجل أو تأخر؛ لأن السياق واحد، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى، هل نقول: لا إثم عليه إذا تأخر شريطة أن يتقي ولا نشترط هذا في التعجل؟ لا، إذ لا يرتفع عنه الإثم إلا إذا اتقى الله -جل وعلا- فلم يرفث ولم يفسق، فيكون معنى الآية هو معنى الحديث.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: وعنه -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الحج على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، أفحج عنه؟ قال: ((نعم)) وذلك في حجة الوداع" [متفق عليه واللفظ للبخاري].(67/22)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعنه يعني ابن عباس صحابي الحديث السابق يقول: وعنه -رضي الله عنهما- يعني الضمير المجرور يعود إلى ابن عباس، والترضي عنه وعن أبيه، وهذا إنما يحسن إذا ذكر الابن مع الأب يعود الضمير إلى الاثنين، أما هنا ما ذكر إلى واحد، على كل حال الأصل أن يقال: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وإلا إذا قال: وعنه -رضي الله عنه- لتتحد الضمائر، تقول: مثلاً عن أبي هريرة وابن عمر -رضي الله عنهم- أنهما قالا، الضمائر غير متحدة، فالترضي عن الثلاثة ابن عمر وعمر وأبو هريرة، والخبر عن اثنين فقط، وهذا ما فيه لبس؛ لكن تقول: وعنه -رضي الله عنهما- الذي يقرأ الخبر على انفراده فيه لبس، قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا في حجة الوداع في أي وقت؟ السنة العاشرة؛ لأن حجة الوداع ما تجي غير العاشرة؛ لكن رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- في أي ظرف من ظروف الحج؟ في انصرافه من مزدلفة إلى منى.
طيب كان الفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني ركب معه على دابته، والإرداف على الدابة إذا كانت تطيق لا بأس به، رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءت امرأة من خثعم، خثعم قبيلة معروفة من قبائل العرب، وهل هي بطن من جهينة أو قبيلة مستقلة؟ أو من جهينة من يقال لهم: فخذ يقال لهم: خثعم غير القبيلة الكبيرة المعروفة، مسألة يشير إليها بعض أهل العلم، خثعم الآن ترجع إلى ماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
إلى ماذا؟ أكيد، وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
شمران ترجع إلى خثعم، طيب وهناك الارتباط بجهينة مع الغامدية غامد، يعني مع أن غامد قبيلة كبيرة جداً بعضهم يقول: غامد من جهينة، يقول: امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها، في بعض الروايات: "كانت وضيئة" ويستدل بهذا بعض من يتتبع المتشابه ليرد به المحكم.
طالب:. . . . . . . . .(67/23)
من نصوص الحجاب يقول: كيف ينظر إليها وتنظر إليه وهي متحجبة، النظر لا يلزم أن يكون إلى البشرة كثير من الناس يستهويهم الحجم، الطول والعرض، ويمكن النظر إلى الطول والعرض، ولو كانت متحجبة، والمحرمة لا تلبس القفازين فيبدو من بشرتها الوضاءة، ولو كان وجهها مغطى، المقصود أنه ليس فيه دليل على عدم الحجاب، والنصوص المحكمة تدل على وجوب الحجاب، وأن وجه المرأة عورة، يجب ستره، وفي حديث الإفك: "وكان يعرفني قبل نزول الحجاب" في حديث عائشة تبين أنه إذا حاذوا الرجال سدلت إحداهن جلبابها، المقصود أن أدلة الحجاب المحكمة كثيرة جداً، ومن يتتبع المتشابه يقول: أن الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، مع أن الواجب على الطرفين الغض غض البصر، بعض الناس يقول: إذا كانت متحجبة فالبصر يغض عن من؟ يغض عن مثل هذه، النبي -عليه الصلاة والسلام- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فلا يجوز النظر إلى النساء، ولو كن متحجبات نظر شهوة وتلذذ، أما مجرد نظرة عابرة من غير شهوة ولا تلذذ(67/24)
ومن غير حاجة، الحاجة إذا دعت الحاجة لذلك شريطة أن تؤمن الفتنة لا بأس، النساء يتولين البيع والشراء مع الرجال؛ لكن مع الاحتشام التام، وتؤدي المرأة شهادتها عند القضاة؛ لكن لا يعني هذا أنها تفتن الناس ومثل هذا النص الذي معنا، وقد استدل به من يستدل على أن الوجه ليس بعورة، وأنه لا يلزم حجبه؛ لكن ليس هناك ما يدل على أنها كاشفة للوجه أبداً، والرجال كما يستهويهم الوجه يستهويهم أيضاً الحجم، ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يصرف وجه الفضل إنكار وتغيير باليد يصرفه بيده -عليه الصلاة والسلام- إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج، يعني هذه العبادة المفروضة من قبل الله -جل وعلا- على عباده أدركت أبي شيخاً، أدركته وإلا هو أدرك الفريضة؟ نعم، عندنا مدرِك ومدرَك، المدرِك هو اللاحق، والمدرَك هو السابق، وهذا الشيخ الكبير بلغ هذا السن قبل فرض الحج، ففريضة الحج أدركت هذا الشخص بعد أن كبر أدركته حال كونه شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة، فدل على أن مجرد وجود الزاد والراحلة لا يكفي في وجوب الحج بالنفس، بل لا بد أن يكون ممن يثبت على الراحلة، في بعض الروايات إن شددته خشيت عليه، الآن الشخص الذي لا يثبت على الراحلة كيف يشد؟ يحتاج إلى شد مثل شد العفش، شخص ما يثبت مثل العفش، وإذا شد مثلما يشد العفش يخشى عليه، فمثل هذا تقول: أفأحج عنه؟ قال: نعم، يعني وضع السيارات يختلف عن وضع الرواحل، مهما ثبت المركب على الراحلة إلا أنه عرضة لأن يتخلخل فيسقط من عليه، إذا كان لا يثبت، في أول الأمر أول ما جاءت المراكب المريحة من السيارات وغيره، كان كثير من الناس لا يستطيع الركوب، والسفر على السيارة، يتصور هذا ولا ما يتصور؟ يدوخ من ركوب السيارة؛ لكن الآن صار عادي، أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) يعني مع وجود الزاد والراحلة تحج عنه، وذلك في حجة الوداع، فالحج على المكلف الذي لا يستطيعه مجزئ إذا كان ميئوساً من الاستطاعة، ويحج عنه إن وجد من يتبرع من يحج عنه من أهله أو من غيرهم، وإلا فمن ماله؛ لأن هذا حق الله ودين الله، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، فإذا تبرع الابن أو البنت(67/25)
فالحج يقبل النيابة ويصح حج المرأة عن الرجل، كما في هذا الحديث، ويصح حج الرجل عن المرأة في بعض الروايات: إن أمي نذرت قال: رجل أمي نذرت أفأحج عنها؟ قال: ((نعم)) كما سيأتي فيصح حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل، ولا فرق، وهما أمام التكليف في هذه العبادة سيان، فإذا كان الشخص المكلف لا يثبت على الراحلة صار ذلك له عذر في النيابة، والحج كما ذكرنا يقبل بالنيابة، فقال: ((نعم حجي عنه)) في بعض الروايات أن السائل رجل والمسئول عنه امرأة، في بعض الروايات فيحمل هذا على تعدد القصة إذا كان الحج يقبل النيابة، وهنا النيابة مع وجود الحاجة إليها، وهذا في حج الفريضة، حج الفريضة الأصل أن يباشرها الإنسان بنفسه، يباشر الفريضة إذا كان لا يستطيع ينيب غير الفريضة، يعني إذا حج أحد عن أحد في فريضة ما أجزأ إلا إذا كان عاجزاً عنها؛ لكن في غير الفريضة حج حجة الإسلام، ويستطيع أن يحج فناب عنه أحد أولاده فحج عنه، يعني هذه مسألة مسألة الباب فيمن لا يستطيع الحج في الفرض يحج عنه في النفل، وهو لا يستطيع يعني من باب أولى إذا كان لا يستطيع والمسألة نفل فإذا جاز في الفريضة جاز في النافلة، إذا كان يستطيع في الفريضة لا يجوز النيابة، وفي النافلة هل يحج عنه ولا ما يحج عنه؟
طالب:. . . . . . . . .(67/26)
نافلة، الأب حج مراراً وقال: هذه السنة سأرتاح، حج عني يا فلان، أو قال: أحج عنك يا أبي يقبل وإلا ما يقبل مع القدرة؟ عند الحنابلة والحنفية النفل فيه سعة يقبل النيابة المطلقة؛ لأن النفل مبني على التوسعة، الناس الآن ينيبون في الحج؛ لأنه يوجد ناس يحجون بأجور زهيدة جداً، طلاب مغتربون في مكة مثلاً بإمكانه أن يحج عنك أو عن أبيك أو عن من شئت بثلاثمائة ريال، عمرة في رمضان مائة ريال، حاصل هذا، بمائة ريال عمرة في رمضان، فهل نقول: أن هذا فيه سعة باعتباره نفل، وفضل الله واسع، ونتعرض لهذه النفحات ما دام الإنسان حج الفريضة ويريد الثواب، فهل نقول: مثل ما يقول الحنفية والحنابلة بأن الأمر فيه سعة، وأصل الحج الفريضة يقبل النيابة، فكيف بالنافلة؟ أو نقول: ندور مع النصوص؟ العاجز يناب عنه، غير العاجز يتولى العبادة بنفسه لأنه إيش البديل إذا قلنا: ما يقبل النيابة؟ البديل لا شيء، نعم إما أن تدفع هذا المبلغ الزهيد ليحج عنك أو عن أبيك أو يعتمر عنك أو عن أبيك في رمضان أو لا شيء، جالس أنت، ليس بالخيار أنك تحجج عنك أو تحج بنفسك بالأشكال أفضل، فمن رأى أن النفل مبناه على التوسعة، وأن الأصل في هذه العبادة أنها تقبل النيابة أجاز ذلك، ومنهم من قال: أن النيابة جاءت عند العجز عنه عن القيام بالعمل فهي تبقى النيابة وهي على خلاف الأصل فيما ورد فيه النص، منهم من يرى أن هذه العبادة كالصلاة لا تقبل النيابة أصلاً حتى مع العجز، ولا يجزئ أحد يحج عن أحد، كما أنه لا يجزئ أن يصلي أحد عن أحد، وأن ما حصل في هذا الحديث خاص بصاحبة القصة؛ لكن الأصل عدم الخصوصية، وإن جاء زيادة بلفظ: ((حجي عنه، وليس لأحد بعدك)) لأن إسنادها ضعيف، يعني لو صحت هذه الزيادة لصارت نصاً في الباب، ولا اجتهاد لأحد مع النص؛ لكنها ضعيفة، فمن رأى أن المسألة فيها سعة في النفل وأراد أن يبر بوالديه ويحج عنهما أو يحجج عنهما فالأمر -إن شاء الله- فيه سعة.(67/27)
وعنه -رضي الله عنه- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) [رواه البخاري].(67/28)
يقول: وعنه يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها)) العبادات الواجبة إما أن يكون وجوبها بأصل الشرع كالفرائض التي افترضها الله -جل وعلا- على عباده، أو تكون مما أوجبها الإنسان على نفسه، ومضى الكلام على هذه المسألة في الصيام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وعرفنا أن القول المرجح أنه في صيام النذر؛ لأنه جاء في بعض الروايات ((من مات وعليه صوم نذر)) فما أوجبه الإنسان على نفسه يقبل النيابة، ما وجب بأصل الشرع لا يقبل النيابة، أمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ والحديث السابق وجبت بأصل الشرع؛ لأنها قالت: إن فريضة الله، فهل نقول: أن النيابة في الحج أوسع منها في الصيام، كما أن النيابة في الصيام أوسع من الصلاة؟ وماذا عن الزكاة؟ لو وجبت زكاة على شخص فتبرع أحدهم بإخراجها عنه تبرأ ذمته أو لا تبرأ؟ نعم، وأما العباس فهي علي ومثلها، الصلاة لا يصلي أحد عن أحد، هي أضيق العبادات في النيابة، يليها الصيام ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) وفرق العلماء بين ما وجب بأصل الشرع، وما أوجبه الإنسان على نفسه، فجعلوا ما وجب بأصل الشرع مثل الصلاة وإن حمله بعضهم على إطلاقه؛ لكن شيخ الإسلام حمله على النذر، كما جاء في بعض الروايات هو الموافق للقواعد الشرعية، ثم الحج أوسع من الصيام، فالفريضة تقبل النيابة عند العجز والنفل الذي هو النذر والنذر، كما في هذا الحديث قالت: إن ِأمي نذرت أن تحج ولم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: ((نعم حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق أن بالوفاء)) فديون الله كالنذور والكفارات تجب على المكلف، وتجب في ماله إذا مات قبل إخراجها، ولذا ينص أهل العلم في الحقوق المتعلقة بتركة الميت خمسة يقولون: الأول مئونة التجهيز، والثاني: الديون المتعلقة بعين التركة، كالديون التي فيها رهن لأعيان التركة، أو لبعضها، الثالث: الديون المطلقة، سواء كانت لله -جل وعلا- كالكفارات والنذور، أو كانت للمخلوقين، والخلاف بين أهل العلم أيهما مقدم إذا(67/29)
كان الدين لمخلوق أو لله -جل وعلا-؟ هنا يقول: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)).
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ يعني مبني على المسامحة، وحق المخلوق مبني على المشاحة؛ لكن ما معنى قوله: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) نعم هذا دين ثبت على هذه المرأة، هذا النذر يعني عموم النصوص تدل على أن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وأنه لا بد من أدائها بخلاف حقوق الله -جل وعلا- مبنية على المسامحة، هذا الذي يجعل الأكثر على أن حقوق العباد عند ضيق التركة عن وفاء الجميع تقدم، ومنهم من يأخذ من قوله: ((فالله أحق بالوفاء)) تقديم الحقوق الإلهية على الحقوق الآدمية، مسألة مفترضة في الشخص نذر أن يعتق رقبة، وهو مدين بمبلغ يساوي قيمة الرقبة، وقد ترك من المال بقدر هذا الدين فقط، أو بقدر رقبة فقط، هل نقول: هذا الذي تركته يشترى به رقبة وتعتق أو نقول: يسدد به الدين؟ يعني مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اقضوا الله فالله أحق بالوفاء)) أحق أفعل تفضيل، يعني أولى بالوفاء من حقوق الآدميين؛ لأنه نص على الدين، والدين للآدمي، ((أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء)).
طالب:. . . . . . . . .(67/30)
يعني الحث، الحث بالمسارعة مسارعة بإبراء الذمة، افترض أن شخص نذر أن يحج، وما تبرع أحد من ورثته أن يحج وترك ماله، هل نقول: هذا النذر من ماله يعطى من يحج عنه وإلا ما يعطى من تركته؟ نعم من تركته، لو افترضنا أن الحجة مثلاً بألف وهو مدين بألف، وقد ترك ألف، ماذا نقول في هذا؟ يحج عنه أم يسدد الدين؟ مقتضى قوله: ((فالله أحق بالوفاء)) أفعل تفضيل، يعني أحق من الدين الذي ذكر في النص مقتضاه أن يقدم الحج على دين الآدمي فهو دين الله، وقال بهذا بعض العلماء استدلالاً بمثل هذا الحديث، والجمهور على أن دين الآدمي مقدم؛ لأنه مبني على المشاحة، وجاء أن من السجلات ما لا يقبل الغفران وهو حقوق الآدميين، والشهادة والقتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين، نعم المقصود أن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، فهي مقدمة عند الأكثر، وقوله: ((فالله أحق بالوفاء)) هذا من أجل المبادرة بقضاء حقوق الله -جل وعلا-، وعدم التسامح فيها؛ لأن بعض الناس إذا كان الشيء لله قال: الله غفور رحيم، ويتسامح ويترك، الله -جل وعلا- غفور رحيم؛ لكن هو أيضاً شديد العقاب، وجاء مثل هذا النص لتأكيد الوفاء بالنسبة لحقوق الله -جل وعلا-.
((أرأيت لو كان على أمك دين أكنت .. )) فيه استعمال للأقيسة، وضرب الأمثلة، فالأمثال جاءت في النصوص {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] عني أهل العلم عناية فائقة، وألفوا فيها المؤلفات، وعلى طالب العلم أن يعتني بها؛ لأن فيها العبر، وبها يتضح المقال، الله -جل وعلا- ضرب الأمثلة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [(26) سورة البقرة] ضرب المثال بالبعوض وبالذباب وبالعنكبوت وبغيرها، والمقصود أن الأمثلة لها شأنها، ولذا جاء قوله -جل وعلا- {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] فعلى طالب العلم أن يعنى بها، وفيه أيضاً إشارة إلى شرعية القياس، وأنه مأخذ شرعي، ومسلك شرعي لتقرير الأحكام، وعليه جماهير أهل العلم، خلافاً لأهل الظاهر.(67/31)
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى)) رواه ابن أبي شيبة والبيهقي، ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف.(67/32)
يقول: وعنه عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيما صبي حج ثم بلغ الحنث)) الحنث: الإثم، والمقصود أنه بلغ مبلغاً يكتب عليه الإثم، إذا عصى ويكتب له الأجر إذا أطاع، إذا بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة الوداع؛ لأن تلك الحجة التي حجها قبل أن يكلف هي نافلة إتيانه بها على سبيل التمرين، فلا تجزئ عن حجة الإسلام، ((وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى)) كذلك ليس بمطالب بالحج أثناء الرق، فإذا حج كان كالصبي الذي يحج قبل أن يطالب بالفريضة، يقول: رواه ابن أبي شيبة والبيهقي ورجاله ثقات، إلا أنه اختلف في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف، ابن حجر صححه مرفوعاً وموقوفاً، صححه في التلخيص مرفوعاً وموقوفاً، وهنا قال: المحفوظ أنه موقوف، ما الذي يقابل المحفوظ؟ الشاذ، يعني رفعه شاذ، رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- شاذ، والمحفوظ أنه موقوف من كلام ابن عباس؛ لكن هل للاجتهاد في مثل هذا مدخل أو ليس للرأي فيه مجال؟ فيه مجال، بمعنى أن ابن عباس يجتهد ويرى أن الصبي الذي حج نافلة لا تجزئه عن الفريضة، كمن صلى قبل العصر أربعاً وجاء بها بسلام واحد، فأعجله رفقته قال: تكفينا هذه عن الفريضة، تكفي وإلا ما تكفي؟ ما تكفي، الفرض لا يتجه إلى غير المكلف بالنسبة للصبي ظاهر في كون حجه نفل قبل التكليف؛ لكن العبد إذا حج قبل أن يعتق هو مكلف صلاته فريضة، صيامه فريضة، ما المانع أن يكون حجه فريضة؟ ويكون كمن لا يجب عليه الحج لعدم استطاعته؟ الفقير إذا حج هو لا يجب عليه الحج؛ لكن إذا حج يجزئ عن حجة الإسلام وإلا ما يجزئ؟ تجزئ عن حجة الإسلام، ما الفرق بين هذا الفقير الذي لا يستطيع الحج فحج تسقط عنه حجة الإسلام، العبد إنما لم يجب عليه الحج بناء على حقوق سيده، وأذن له سيده، وحج مع كون الحج لا يجب عليه هو بعدم المستطيع من المكلفين أشبه منه بالصبي؛ لأن الرقيق قلم التكليف يجري عليه مكلف، صلاته فريضة، صيامه رمضان فريضة؛ لكن الحج هل يلحق العبد هذا بالصبي، أو يلحق بغير المستطيع من المكلفين؟ نعم هو بغير المستطيع أشبه، ومثل هذا يسمى قياس الشبه، إذا تردد فرع بين أصلين، فإذا صححناه موقوف عن ابن عباس، كما وهو مقتضى صنيع(67/33)
الحافظ هنا قلنا: أن ابن عباس اجتهد، ورأى أن العبد مثل الصبي، فالصبي لا يختلف أحد في أن هذه الحجة لا تجزئه عن حجة الإسلام؛ لكن العبد في اجتهاد ابن عباس وهو المحفوظ لأنه موقوف عليه في اجتهاده أنه كالصبي، فرأى أنه بالصبي أشبه؛ لكن من قاسه على المكلف غير المستطيع، ورأى أنه به أشبه قال: إذا حج حال رقه أجزأه عن حجة الإسلام، ومن صححه مرفوعاً وموقوفاً قال: ما دام صح مرفوعاً لا مجال للاجتهاد، وعليه حينئذ أن يحج مرة أخرى، ولذا قال: ((وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج مرة أخرى)) وابن خزيمة وغيره صححوا أنه موقوف، يقول ابن خزيمة: الصحيح أنه موقوف، وهنا يقول ابن حجر: والمحفوظ أنه موقوف.
جاء في المراسيل لأبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت، فإن أدرك فعليه الحج)) ومثله قال في العبد، هذا في المراسيل عند أبي داود، والشافعي خرج مثله عن ابن عباس، يعني مثل ما عند أبي شيبة، يقول ابن تيمية: والمرسل إذا عمل به الصحابة صار حجة اتفاقاً؛ لأن مما يتقوى به المرسل عمل الصحابة، المرسل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الخلاف في قبوله معروف.
ورده جماهر النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ
والشافعي وضع لقبول المراسيل شروط منها: أن يثبت مرفوعاً موصول، ومنها: أن يروى مرسلاً عن رجال غير رجال المرسل الأول، ومنها: أن يعمل به عوام أهل العلم، أو يفتي بمقتضاه بعض الصحابة، وهنا أفتى به ابن عباس، فخبر ابن عباس الموقوف المحفوظ إذا أضيف إلى مرسل محمد بن كعب القرظي المرفوع المرسل يتقوى به هكذا، قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- فإذا ثبت فلا كلام لأحد، والقياس في مقابل النص فاسد الاعتبار لأننا قسناه على المكلف غير المستطيع فإن ثبت الخبر مرفوعاً فلا مجال للقياس، ولا اعتبار له، يسمونه فاسد فاسد الاعتبار؛ لأنه في المقابل نص، وإن لم يثبت المرفوع وكان من اجتهاد ابن عباس، ورأى ابن عباس أن العبد أشبه بالصبي إذا حج قبل أن يكلف فهذا اجتهاده، ولغيره اجتهادهم.(67/34)
وعنه -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ويقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل وقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.(67/35)
وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب ويقول: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) لأنه ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، فلا تجوز الخلوة بحال مهما كان العذر، ومهما كان السبب، وما يتعذر به الناس من ادعاء الحاجة سواء كانت الخلوة في البيوت، كما يفعله بعض الشباب مع الخادمات، أو يفعله بعض النساء مع الخدم في البيوت، هذا خطر عظيم، كم من كارثة حصلت بسبب هذه الخلوة، من الخلوة أيضاً أن ينفرد السائق بالمرأة في السيارة، وبعضهم يقول: أن السيارة ليست خلوة، هي خلوة، والوقائع التي يندى لها الجبين تقرر ذلك، ويتسامح كثير من الناس، تذهب المرأة إلى المدرسة مع السائق وحدها، ثم يحصل ما يحصل، يذهب بها إلى المستشفى وحصل ما حصل، ومع الأسف الشديد أن يذهب السائق بالمرأة إلى المسجد، حضور درس، أو محاضرة، أو لصلاة التهجد في العشر الأواخر من رمضان، ويحصل ما يحصل، تساهل الناس في هذا الباب، وإن قال من قال: أن الثقة موجودة، وثقتنا بنسائنا، لا ما فيه ثقة أبداً، ما فيه ثقة بين رجل أجنبي وامرأة إطلاقاً؛ لأن هذه النصوص قيلت لمن؟ لأفضل القرون، ومعلوم أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، فكيف نقول: ثقتنا بنسائنا وبناتنا؟ كيف والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))؟ وللأسف أن يتبنى بعض طلاب العلم من يقول مثلاً الحمد لله الآن السيارة ما هي بوحدها في الشارع، كيف ما هي بوحدها في الشارع؟ لكن هو والمرأة وحدهما في هذا الظرف، في هذا الحيز، يتكلم بما شاء لا يسمعه أحد، والذي يقول مثل هذا الكلام بمعزل تام إن كان صادق النية عما يحدث ويقع في الأسر من خلال المخالفات الشرعية، وهي عقوبات يجرها شؤم المخالفة للنصوص الشرعية، لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ذو محرم هو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، من أب، أو أخ، أو عم، أو خال، أو ما أشبه ذلك، هذا المحرم، إذا نظرنا إلى المحرم ومعها ذو محرم لها، لا بد من تقدير جار ومجرور إلا ومعها ذو محرم، هل نتصور أنه محرم له أو محرم لها؟ يعني إذا كان(67/36)
السائق معه زوجته، والمرأة راكبة معهم، هل نقول: معها ذو محرم؟ يعني محرم له، أو المقصود محرم لها؟ الفرق بين هذه المسألة والمسألة التي تليها ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) ما هو الفرق بينهما؟ أنه في المسألة الأولى يلاحظ أهل العلم مسألة الخلوة، (لا يخلون) وهذا الوصف الذي هو الخلوة يرتفع بوجود طرف ثالث، يعني إذا لاحظنا اللفظ: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)) قال: إن الخلوة ترتفع بوجود طرف ثالث، طيب إذا قلنا: بوجود طرف ثالث، وأن الخلوة إذا لم تكن بين اثنين فقط فلا بأس بها، يعني إذا وجد اثنين مثلاً سائق يريد يودي البنت للمدرسة، وقال لسائق الجيران: والله الآن أخو البنت هذا ليس موجود اليوم تعال معي نودي البنت يكفي؟ ثلاثة هم السائق سائق الأسرة، المحرم محرم البنت أخوها الذي يروح مع السائق يومياً ما هو بحاضر اليوم، أو مريض، قال هذا السائق لسائق الجيران: تعال على أساس ترتفع الخلوة نمشي مع النص تحليل؛ لأن عندنا إلا ومعها ذو محرم من أهل العلم من يقول: الملحوظ الخلوة، فمسألة السفر غير، لا بد من المحرم؛ لكن في الحضر هل المحظور أكثر من الخلوة أو الخلوة فقط؟ الخلوة ترتفع بوجود طرف ثالث، إذا قلنا: أن الشيطان ثالثهما وجد ثالث ما فيه مجال للشيطان، فقال لسائق الجيران: تعالى على أساس ما تصير خلوة، ومثل هذا إذا قال لزوجته مثلاً: نريد أن نرفع الخلوة، أو أخت البنت هذه، أو أم البنت يكفي وإلا ما يكفي؟ أو لا بد من محرم لها، والمحرم هو زوجها ومن تحرم عليه على التأبيد؟ وهل يرفع الخلوة غير المكلف صبي وإلا صبية وما أشبه ذلك؟ يعني عندنا مسألتان: مسألة من غير سفر، والمسألة الأخرى مع السفر، السفر لا يجوز بحال إلا مع محرم، ولو كان ألف امرأة، لا يجوز أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم لها، أما بالنسبة للحضر فالمحظور الخلوة، إذا ارتفعت هذه الخلوة انتهى الإشكال، هذا ما يقرره كثير من أهل العلم؛ لكن يبقى أن حرفية الخلوة منعت من أجل ماذا؟ من أجل وجود الفتنة، لو وجد اثنين كلهم من ذئاب البشر، نقول: يجوز يروحون بهذه البنت ويجيبونها؟ لا، أبداً، يعني مع وجود مظنة الفتنة لا يجوز بحال ولو ارتفعت الخلوة، طيب(67/37)
هل مفاد هذا الخبر أن للناس أن يتساهلوا؟ الآن إذا وجدت الأسرة في مكان وعندهم الخادمة تخدمهم بما فيهم من رجال وشباب ومراهقين وغيرهم، هل نقول: الآن ما فيه خلوة إذاً تخدم المرأة بكل راحة وبكل حرية، أو نقول: السائق يدخل البيت ويخرج كواحد من أفراد الأسرة؛ لأن ما فيه خلوة، المحظور من الخلوة، نقول: أن التساهل في مثل هذه الأمور يجر إلى أمور لا تحمد، وإلى مصائب وكوارث وإلى تشتيت للأسر، ويكون منع مثل هذه التصرفات من باب سد الذرائع، وقطع دابر الفساد، وعلى هذا لا يكفي أن يقال: يأتي رجلان ليذهبا بامرأة؛ لأن الخلوة ارتفعت لا، والاحتمال والشيطان أيضاً لا شك أنه مثل ما يسول ويوسوس للواحد يسول ويوسوس للثاني، فلا بد من محرم ليحفظ هذه البنت، يتساهلون في زوجة السائق، ويقولون: أنها تغار عليه أكثر مما يغار عليه رجل الحسبة، غيرة ليست لله، يعني إذا كان السائق معه زوجته يتسامحون في هذا كثيراً، الأم والأخت ما يعنيهما الأمر مثل ما يعني الزوجة، الزوجة تغار عليه غيرة كبيرة، فيجعلون الزوجة ترفع الخلوة، ويتسامحون في مثل هذا، وهذا له وجه، يعني لو سائق معه زوجته يوصل ويجيب داخل البلد الأمر فيه سعة؛ لكن إذا وجد أكثر من شخص ممن يخشى منهم الشر مثل هؤلاء لا شك أنهم لا يدخلون في ارتفاع الخلوة في أكثر من واحد؛ لأن الفتنة موجودة، وإذا خشيت الفتنة وإذا هناك مظنة لفتنة لا يجوز ولا للمحرم أن يخلو بالمرأة، إذا وجدت فتنة بين أخ وأخته يجوز أن يخلو بها؟ لا يجوز وهي أخته، إذا وجد فتنة بين رجل وأمه أو بنته لا يجوز أن يخلو بها، هذا أمر مفروغ منه فكيف إذا وجدت فتنة بين رجل وامرأة؟ ولو وجد من يدعى أنه يرفع الخلوة، فمدار الأمر كله وملاكه على وجود الفتنة، ويبقى التمسك أيضاً بحرفية النص، واحترام النص، قد يقول قائل: هذا شخص كبير السن لا حاجة له بالنساء، تعطلت منافعه من هذا الباب، يذهب بالمرأة ويخلو بها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لكن إذا كان من التابعين من غير أولي الإربة لو افترضنا عنين أو مجبوب، عنين أو مجبوب، نقول: يسافر بهذه المرأة؟ لا يسافر بها، يخلو بها؟
طالب:. . . . . . . . .(67/38)
نعم ما فيه غير ال. . . . . . . . .، فيه أمور ثانية يا إخوان فيه، فيه يا إخوان، مسألة هذا الباب يجب على المسلم أن يحتاط له أشد الاحتياط؛ لأنه إذا وقعت الكارثة والمصيبة ...
هذا يطلب تحديد موعد لإنهاء الدرس والإعلان عنه، كم تبغون مدة الدرس؟
ثمان ونصف؟ لأنه يقول: فيه ناس مرتبطين بمواعيد، وناس أيضاً بالموضوع الي تحدثنا عنه، لهم ناس يجيبونهم ويردونهم؛ لكن نرجو أن لا يكون هناك خلوة.(67/39)
((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) مع ذي محرم، يعني لها، وإن كان في بعض المذاهب يرون أن المحرم لا يمنع أن يكون سواء كان له أو لها، ولذا يجيزون للمرأة أن تسافر مع جمع من النساء معروف عند الشافعية، وليس كل قول يقول به إمام يكون راجحاً، بل قد يكون لا حظ له من النظر؛ لأنه يؤثر عن سعيد بن جبير: أنه لها أن تسافر مع مسلم ثقة، يعني إذا قلنا: بهذا القول ماذا تركنا لهذا النص؟ ما تركنا له شيء، ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) تسافر سفر مطلق، أي شيء أي سفر، يمكن أن يقال له: سفر، والسفر أصله من الإسفار، ومثله السفور، وهو البروز والخروج عن البلد، هذا الأصل فيه، وجاء تحديده بيوم وليلة، وجاء تحديده بيومين، وجاء تحديده بثلاثة، وجاء الإطلاق، فدل على أن العدد ليس بمراد، مجرد ما يسمى سفر، لا يجوز أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم لها، ولو كثر الرفقة، وعلى هذا الذين يسافرون بالمدرسات إلى البلدان والقرى عليهم أن يتقوا الله -جل وعلا- أن لا يسافروا بامرأة إلا ومعها محرم لها، وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد، ولا بد أن يكون المحرم نبيه مكلف؛ لأن غير المكلف وغير النبيه يمكن خداعهم، وهل يشترط أو يكون مبصراً أو يكفي ولو كان أعمى؟ اشترط بعضهم البصر، وبعضهم قال: بعض العميان لا شك أنهم أنبه من كثير من المبصرين، فهذا الشرط لا يوجد ما يدل عليه؛ لكن إذا خشيت الفتنة معروف ما هو الحكم، فلا يكون المحرم مغفل ينزل ويذهب ويروح ويجي ويترك موليته التي من أجلها سافر مع الأجنبي، الأسفار التي هي في عرف الناس وجرت العادة بأنها قصيرة الزمن كالسفر بالطائرة، بعضهم يتسامح في هذا، يقول: يا أخي هو سفر ساعة ما يضر، ومع جمع من الناس، ما يحتاج، المحرم يوصلها المطار، وإذا دخلت باب الطيارة سهل -إن شاء الله- ما عليها شيء، تصل إلى المكان الثاني المطار الثاني المحرم أيضاً ينتظرها، وإذا أردنا بعد هذا أن نتوسع في الأمر قلنا: من البلد إلى المطار ليس بسفر ما يحتاج محرم، تذهب مع جمع من النسوان، وتركب الطائرة لأن الزمان يسير، ومثله في المطار الثاني ما فيه سفر، والأمور يجر بعضها بعضاً إلى أن نتنازل عن قيمنا وأخلاقنا، الآن(67/40)
الطائرة أقلعت من مطار الدمام تريد الرياض مثلاً بنصف ساعة، حالة المؤثرات عن نزول الطائرة، الجو ما يسمح بأن تنزل الطائرة في مطار الرياض، قالوا: حائل، يحصل وإلا ما يحصل؟ حصل كثير هذا، حصل في القطار، يودع المحرم في محطة القطار وتركب للرياض، ومع جمع غفير من النساء الفتنة مأمونة، وتعطل القطار في آخر الشهر في ظلام دامس، في شدة الحر قال: اخرجوا؛ لأن داخل القطار متعطل وحر شديد، اخرجوا، هل هذا تؤمن فيه الفتنة؟ والأعراض مما يجب حفظها، وحفظها من الضرورات، فالتساهل في مثل هذا لا شك أنه يجر إلى ويلات وكوارث، يعني حالت المؤثرات عن هبوط الطائرة في المكان، ونزلت في مكان آخر تؤمن عليها الفتنة، الآن ما فيه أيضاً رحلة تريد تنتقل إلى البلد في مثل هذا اليوم، أو مع الاتصالات قالوا: أيضاً إلى الآن الجو ما يسمح، ومكثت يوم أو يومين بمفردها، لا بد من أن نحسب لمثل هذه الأمور حساب، وهو أيضاً سفر، ولو قصرت المدة، والفقهاء ينصون على المسافة ولو قطعها في ساعة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، سفر عبادة بعض الناس يقول: البنت أو الزوجة تدرس في بلد آخر مائتين كيلو، وأنا والله ما عندي استعداد أعطل أعمالي ومصالحي وأروح أوديها، إما أن تعطل مصالحك أو تعطل مصالحها هي، لا بد من هذا، تريد أن تحوش الدنيا كلها، الأمور لو حسبت حتى بمقاييس الدنيا بموازين الدنيا، امرأة تسافر يومياً –عجوز- تسافر يومياً سبعمائة كيلو، يعني بأي عقل؟ بأي عرف؟ بأي تسافر عجوز مسكينة تروح مع السائق توديها وترجع تسوي الغداء وترجع. . . . . . . . .، مثل هذه الأمور لا بد أن يحتاط لها أشد الاحتياط، قال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، هي في عبادة، وهو في عبادة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((انطلق وحج مع امرأتك)) اترك الغزوة، اترك الجهاد وحج مع امرأتك، هذا أهم، يعني ويش الضرورات التي جاءت الشرائع بحفظها منها: حفظ العرض، وهذا منه، والعرض يخدشه ويدنسه أدنى شيء، وليس بخاص في الشخص نفسه إذا تساهل ضرره يتعدى إليه وعلى(67/41)
ولده وعلى أصهاره، وعلى أقاربه كلهم، ولذا جاء اهتمام الدين والإسلام على وجه الخصوص بهذا الباب.
قال: ((انطلق فحج مع امرأتك)) [متفق عليه واللفظ لمسلم] ومنهم من يفرق نظراً للمعنى مثلاً يقول: إذا كانت المرأة شابة تلفت أنظار الناس فلا بد من محرم، أما إذا كانت عجوز لا يلتفت إليها، ولا تلتفت لها همة الناس مثل هذه يتسامح في حقها، يعني أصل هذا القواعد مثلاً اللاتي لا يرجون نكاحاً هؤلاء أمرهن مخفف؛ لكن لا يعني أنها تسافر بدون محرم، يعني تخفف من حجابها لا بأس؛ لكن لا يخلى بها، لا يجوز الخلوة بها ولو كانت عجوز، ولا يجوز سفرها من غير محرم ولو كانت عجوز، كل صنف من الناس له جنس يريده ويهواه، ومن الناس من سرت في عروقه محبة المعصية، وعاش عليها واستمرأها بحيث صار لا يكف عن شيء، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا الباب على وجه الخصوص في الظروف التي نعيشها مع وجود هذه الوسائل التي تؤجج هذه الغريزة، ينبغي أن يزاد في مسألة الحرص على الموليات، سواء كن كبيرات أو صغيرات.
طالب: سفر الخادمات بدون محرم؟
ما يجوز، الخادمات مسلمات وهن مطالبات بهذا، وإن كن كافرات فالأمر أشد، لا تسافر امرأة بدون محرم، لكن الشيء الذي حقيقة ابتلي به كثير من الناس أنها إذا جاءت الخادمة أو قال: أنقل كفالتها من الداخل ولا تحتاج إلى سفر من غير محرم، ثم وجدت في البيت لا خلوة ولا سفر ولا شيء، اضطر أن يسافر هو يتركها في البيت وحدها وإلا يسافر بها؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ ما معها محرم، معها أهله؟
طالب:. . . . . . . . .(67/42)
هو الإشكال أننا نرتكب أمور ونبني عليها أمور أخرى، أمور غير شرعية مثل من يسأل شخص عنده عشر مدرسات ينقلهن بباص بمسافة مائتين كيلو، يقول: لا بد أن نخرج قبل صلاة الفجر بساعة، ثم بعد ذلك لا نستطيع أن نقف في الطريق ونصلي الفجر حتى نصل إلى المدرسة، من يأمن أننا نجلس ومعي عشر من النساء يمكن يعتدى عليهم، ويؤخر الصلاة حتى تطلع الشمس، هو يريد جواب شرعي نتيجة صحيحة مبنية على وسيلة الغير صحيحة، يعني ظلمات بعضها فوق بعض، مسألة الخادمات وما ابتلي به الناس، ويتساهلون في هذا الباب، وكون بعض الناس يحتاط ولا يحضرها إلا بمحرم، أو ينقل كفالتها من الداخل، بحيث لا يكون سبباً في ارتكابها المحرم، فيكون شريكاً لها، تأتي مسألة السفر يروحون يسافرون، وفي الصيف يروحون يعتمرون، ويش يسوون يتركونها في البيت وحدها أو عند الجيران أو عند الأقارب؟ مثل ما قال أهل العلم: ارتكاب أخف الضررين، كونها معه ومع نسائه وأولاده أحفظ لها من كونه يتركها عند غيره؛ لكن أيضاً يبقى في النفس ما فيه، يبقى مخالفة النص ((لا تسافر المرأة)) فكون الإنسان يرتكب أخف الضررين، ويعرف أنه مخالف، ويتوب ويستغفر من الله -جل وعلا- أسهل من كونه أيضاً يفرط بها، أو يعرضها لما يضر بها، والله المستعان، وكل هذا سببه شؤم المخالفة، شؤم المخالفات.
وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ((من شبرمة)) قال: أخ أو قريب لي، قال: ((حججت عن نفسك؟ )) قال: لا، قال: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والراجح عند أحمد وقفه.(67/43)
يقول -رحمه الله تعالى-: وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ((من شبرمة؟ )) يسأله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من شبرمة؟ )) قال: أخ لي، أو قريب لي، فقال: ((حججت عن نفسك؟ )) قال: لا، قال: ((حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة)) هذا الحديث مخرج في السنن، وصححه ابن حبان، وأيضاً رجح الإمام أحمد رفعه، في رواية ابنه صالح، وهنا يقول: الراجح عند أحمد وقفه، فثبت عنه تصحيحه مرفوعاً، وثبت عنه أيضاً ترجيح الوقف، ولا يمنع من صحة الرفع والوقف؛ لكن بهذا السياق، يعني ابن عباس سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة" هذا مقتضى الوقف مقتضى ترجيح الوقف أن ابن عباس سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة" فقال: ((من شبرمة؟ )) قال: أخ لي أو قريب، بهذا السياق، ومقتضى تصحيح الرفع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع رجل يقول: "لبيك عن شبرمة" يعني هل نقول: أنها قصة واحدة أو أكثر من قصة؟ قصة واحدة، ثبتت مرفوعة للنبي -عليه الصلاة والسلام- أو موقوفة؟ إما هذا أو هذا، أو نقول: هما قصتان إحداهما ثبتت مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والأخرى ثبتت موقوفة على ابن عباس؟ أو نقول: الأصل أنها مرفوعة، وبعض من روى الخبر قصر بها فوقفها؟ أو نقول: هي قصة واحدة، والأصل أنها موقوفة، وهذا من كلام ابن عباس، ثم بعض الروايات جرى بها على الجادة، فرفعها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في رواية صالح حكم الإمام أحمد أنه مرفوع، وهنا يقول: الراجح عند أحمد وقفه، هل نقول: أن الإمام أحمد ثبت عنده أنه مرفوع، وثبت عنده أنه موقوف؟
طالب:. . . . . . . . .(67/44)
القصة واحدة، القصة واحدة وإلا أكثر من قصة؟ يعني بهذا السياق الذي يغلب على الظن أنها قصة واحدة؛ لكن المرجح عند أحمد الوقف، كما قال المؤلف، مع أنه ثبت في رواية صالح أنه صحح المرفوع، يعني أحمد -رحمه الله-، فهل نقول: أن هذه القصة رويت من طريقين طريق مرفوع وطريق موقوف؟ وكلاهما صحيح ثابت عند أحمد، فيكون من رواه مرفوعاً بناء على الأصل، ومن بناه موقوفاً قصر به فجعله من قول ابن عباس؟ يعني نظير ما جاء في رفع اليدين بعد الركعتين، بعد التشهد الأول، المرجح عند البخاري الرفع، ولذا خرجه مرفوعاً، المرجح عند الإمام أحمد الوقف، ولذا لم يقل به، وليس من مواضع الرفع عنده بعد الركعتين، هذا يتصور أنه يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما فعل البخاري، ويتصور أن يثبت عن ابن عمر موقوفاً عليه؛ لكن قصة بهذا السياق: "لبيك عن شبرمة" ((من شبرمة؟ )) أخ لي إلى آخره، يعني هل هذا من الأسماء المطروقة شبرمة، أو من الأفراد؟ نعم يندر أن يتفق في التسمية على هذا بمثل هذه القصة وبهذا السياق؛ لكن هذه القصة الواحدة رويت من طريقين أحدهما مرفوع، والثاني موقوف، وفي هذا ما يسمى عند طلاب العلم تعارض الوقف والرفع، وإذا تعارضا فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يقول: العبرة بالرفع؛ لأن من رفع معه زيادة علم، ومنهم من يقول: لا العبرة بالوقف؛ لأن الوقف متيقن، ذكر ابن عباس متيقن، متفق عليه، ذكره من رفع ومن وقف؛ لكن ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- مختلف فيه، والأصل عدمه، فالمرجح الوقف، ومنهم من يقول: يحكم للأحفظ، ومنهم من يقول: يحفظ للأكثر؛ لكن طريقة الأئمة الكبار أنهم لا يحكمون بحكم عام مطرد، بل يجعلون القرائن ترجح، فمرة القرائن عند الإمام أحمد رجحت الوقف، ومرة رجحت الرفع، وحينئذ يكون له أكثر من قول في هذا الحديث، وعلى كل حال الكلام في الحديث طويل، وهو عمدة من يقول: أنه لا تصح النيابة في الحج ممن لم يحج عن نفسه، وهم جمهور العلماء، خلافاً للحنفية، وهو حديث مختلف فيه، وهو مضعف عند جمع من أهل العلم، يعني رفعه ضعيف، وهو عمدة الجمهور في عدم تصحيحهم النيابة قبل الحج، يقول الإمام أحمد: رفعه خطأ، ويقول ابن المنذر: لا يثبت(67/45)
رفعه.(67/46)
إذا أحرم عن غيره كما هنا هل يجزئه هذا الإحرام عن نفسه، أو عليه أن يجدد الإحرام ليحرم عن نفسه؟ يجزئ؛ لأن الإحرام ثابت ثابت، الإحرام التلبية بالحج ثابتة؛ لكن ما الذي تغير؟ نية الدخول في النسك ثابتة ما تغيرت؛ لكن الذي تغير كون هذا النسك لفلان أو فلان، شخص حج نيابة عن شخص عن زيد من الناس قال: هذه ثلاثة آلاف حج عني، فقال في المحرم: لبيك عن زيد، صاحب هذه الدراهم، اتصل زيد بالجوال وقال: والله هذه السنة استخرت أنا حاج الفرض، ومتطوع مراراً، وأنا ما أريدك تحج عني، فكان شخص موجود وقال: هذه ثلاثة آلاف بدالها، هو ناوي للدخول في النسك؛ لكن بدل من أن يحج عن زيد يحج عن عمرو، يصح وإلا ما يصح؟ على مقتضى هذا الحديث؟ أو نقول: أن زيد ليس له أن يرجع باعتبار أن نائبة دخل في النسك فيلزمه الإتمام، الآن عندنا ثلاثة أشخاص زيد وعمرو وبكر، هذا زيد جالس في بلده، دفع لعمرو ثلاثة آلاف، وقال: حج عني، ذهب عمرو لما تلبس بالإحرام قال: لبيك عن زيد، اتصل زيد بعد مدة يسيرة، وقال: والله أنا احتجت الدراهم، ابعثهن لي، حولهن لي، ما أحتاج الحج هذه السنة، فإذا بكر موجود قال: هذه ثلاثة آلاف، هذا التنظير يمشي على الحديث؛ لأن الدخول في نسك هذا الرجل الذي هو عمرو دخل في النسك؛ لكن هل هو عن فلان أو عن فلان هذا الذي تغير مثل ما معنا، هذا دخل في النسك؛ لكن هل هو عن شبرمة وإلا عنه؟ هذا الذي سيتغير هل نقول: أن حكم الوكيل حكم الأصيل؟ الآن الذي أثر في التغير كون الذي دخل في النسك ما حج عن نفسه، فإحرامه عن موكله ليس بصحيح؛ لكن هذا إحرامه عن زيد صحيح ولا مو صحيح؟ صحيح فهل يغير هذا الإحرام إلى بكر ولا ما يغيره؟ أنتم أدركتم الفارق ولا ما أدركتموه؟ الآن هذا شخص ما حج عن نفسه، وكل بالحج وقيل له: ما يجوز أن تحج عن غيرك وأنت ما حجيت عن نفسك، حج عن نفسك ثم حج عن زيد، المسألة التي افترضناها شخص حاج عن نفسه تصح نيابته لأنه حج عن نفسه فقبل النيابة عن زيد بمبلغ معين، ثم لما دخل في النسك: لبيك عن زيد اتصل عليه زيد حول لي المبلغ، أنا محتاج، حج عن نفسك وإلا حج عن غيرك، دبر نفسك، وبكر موجود هذا المبلغ حوله، يعني التنظير مطابق لما معنا أو(67/47)
غير مطابق؟ غير مطابق، لماذا؟ لأن المانع من النيابة في الصورة الأولى صورة حديث الباب مانع شرعي، يمنع من النيابة أصلاً، هذا ما فيه ما يمنع من النيابة، والنائب له حكم من ينوب عنه، فلا يغيره خلاص، ما دام دخل نائب في النسك لا يجوز له أن يغير ولا يرجع، بالنسبة للنية النية في الحج نية الدخول لا بد منها ركن من أركان الحج؛ لكن التعديل في هذه النية فيه شيء من السعة، ما هو مثل الصلاة أو مثل الصيام، لا، فيه شيء من السعة، بمعنى أنه لو حج أحرم إحرام مطلق، ثم صرفه لما شاء لما وصل إلى البيت أو أحرم بما أحرم به فلان يصح وإلا ما يصح؟ يصح، أحرم بالحج مفرداً، فلما وصل إلى البيت قلبه عمرة، ثم أتى بالحج بعده يصح وإلا ما يصح؟ يصح، فنية الدخول في النسك ركن لا تتغير ولا بد من الإتمام؛ لكن التصرف في هذه النية فيما يتيحه الشرع، أما ما لا يتيحه الشرع فلا، يعني أحرم متمتع، أراد أن يقلبه إلى مفرد، يصح وإلا ما يصح؟ يعني من الأقل إلى الأكمل، هذا ما فيه إشكال، دلت عليه الأدلة؛ لكن العكس ترى بيجينا مسائل كثيرة من مثل هذا النوع؛ لكن شخص أحرم مفرد، فلما أحرم بالحج جاء وقال: لا أنا أريد الأكمل أنا بأحرم بعمرة، أنا أريد أن أحرم بعمرة، أحرم بعمرة؛ لكن لما أنهى العمرة قال: من يلزمني بالحج؟ أنا الآن أتممت النسك وبيرجع، يجوز وإلا ما يجوز؟ أقول: هذا أحرم بالحج أو أحرم قارن، قال: والصورة تصير مطابقة لأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أحرم قارن وقدم مكة قيل له: هل معك هدي؟ قال: لا والله ما معي هدي، قلنا: اجعلها عمرة، قال: طيب أجعلها عمرة، لما حل من العمرة قال: الآن الحل كله أريد أرجع لأهلي، أنا لست حج يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة].(67/48)
أتم العمرة، والحج ما بعد دخل، ما دخل في الحج إلى الآن، هو لو كان عمله ابتداء أحرم بعمرة ولو كان في نيته أن يحج لو كان ابتداء جاء ليتمتع، فلما أدى العمرة وحل الحل كله، ورأى الزحام الشديد، قال: والله أنا لبست ثيابي برجع إلى أهلي، الحج ما بعد تلبست به، هذا يجوز، هذا ما فيه إشكال، وإن كان في نيته أن يحج لكن هذا الذي قلب الحج إلى عمرة ليبحث عن الأكمل ثم يرجع؟ نقول: لا يا أخي، ومن باب أولى إذا فعل ذلك حيلة، بعض الناس يقولون: ورطنا الحين تلبسنا بالحج وبعدين عشرة أيام على الحج وزحام، خلي عمرة ونرتاح، من باب الحيلة نقول: لا، هذا يعامل نقيض قصده، وعلى كل حال مسائل النية يأتي كثير منها -إن شاء الله تعالى-.
وعنه -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله كتب عليكم الحج)) فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: ((لو قلتها لوجبت، الحج مرة فما زاد فهو تطوع)) رواه الخمسة غير الترمذي، وأصله في مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وعنه يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله كتب عليكم الحج)) كتب يعني أوجب وفرض، عليكم الحج وللتردد في الأمر هل يقتضي التكرار أو لا يقتضيه؟ ومن باب التأكد قام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ قال: ((لو قلتها لوجبت، الحج مرة)) وهذا يدل على أن الأمر لا يقتضي التكرار، ويخرج المكلف من عهدته بأدائه مرة واحدة، إلا إذا دل دليل يقتضي التكرار، هنا قال: ((إن الله كتب عليكم الحج)) فقام الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله قال لو قلتها لوجبت في رواية: ((ولو وجبت لم تقوموا بها)) وفي رواية: ((لما استطعتم)).(67/49)
((لو قلتها لوجبت، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع)) يعني من نعم الله -جل وعلا- على المسلمين أن الحج ليس بكل سنة لا يتكرر مثل الصلاة والصيام، رواه الخمسة، ويقول: غير الترمذي وأصله في مسلم، لفظ مسلم خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)) فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال: ((لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم)) ثم قال: ((ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبياءهم)) وفيه: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والأسئلة في الأمور التي فيها شيء من السعة الخالية من القيود والشروط لا شك أنها قد تكون سبباً في التضييق، وهذا المحظور إنما هو في وقت التشريع، وأما الاستفصال بعد استقرار الأمر وانقطاع الوحي، الاستفصال من أجل أداء العبادة بيقين على وجهها، هذا مطلوب وفيه {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] لكن في وقت التشريع احتمال أن هذا كان مباح، ثم يحرم من أجله، وهذا من أعظم الناس جرماً، من سأل عن شيء مباح ثم حرم من أجله، اليهود لما قال لهم موسى -عليه السلام-: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [(67) سورة البقرة] لو ذبحوا أدنى بقرة وجدوها كفت؛ لكن شددوا فشدد عليهم، ولولا أنهم استثنوا ما ذبحوها، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [(67) سورة البقرة] فسألوا عن سنها ما هي؟ لا فارض ولا بكر، سألوا عن لونها؟ صفراء، عاملة وإلا غير عاملة؟ لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث، المقصود أنهم سألوا عن بعض القيود فألزموا بها، ولولا أنهم استثنوا ما ذبحوها، وهي أمة بكاملها، تتردد على طريقة اليهود، على طريقتهم في التلكؤ وعدم القبول، أمة تؤمر بذبح بقرة فذبحوها وما كادوا يفعلون، بعد تردد طويل، وفرق بينهم وبين من يؤمر بذبح ابنه فيتله للجبين، يعني الناس يتفاوتون، فهذه أمة كاملة، الشاهد أن مثل هذه الأسئلة في وقت التشريع لا شك أنها مذمومة، وإنما هلك بنو إسرائيل -أو من قبلنا عموماً- بكثرة سؤالهم، جاء النهي عن ذلك: {لاَ تَسْأَلُواْ(67/50)
عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] وأما بعد الاستقرار، استقرار التشريع، وعدم الزيادة فيه بانقطاع الوحي، فلا مانع من الاستفصال لتؤدى العبادة على وجهها.
وصلى لله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(67/51)
بلوغ المرام _ كتاب الحج (2)
المواقيت وأنواع الأنساك وباب الإحرام وما يتعلق به ...
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فقد قال الإمام الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: باب المواقيت: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن، ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة" متفق عليه، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لذات العراق ذات عرق" رواه أبو داوود والنسائي، وأصله عند مسلم من حديث جابر، إلا أن راويه شك في رفعه، وفي البخاري أن عمر هو الذي وقت ذات عرق، وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل المشرق العقيق.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(68/1)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب المواقيت، جمع ميقات، والميقات والتوقيت التحديد، التوقيت التحديد فالميقات ما حدد لهذه العبادة، من زمان ومكان، وهنا يتحدث أو يذكر المؤلف الأحاديث التي فيها تحديد مكان الدخول في النسك، وهناك مواقيت زمانية هذه المواقيت المكانية التي ذكر فيها الحافظ -رحمه الله تعالى- هذه المواقيت بالأحاديث المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة للمواقيت الزمانية فهي المشار إليها في قوله -جل وعلا-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [(189) سورة البقرة] فوقت الحج الزماني شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة أو شهر الحجة كامل، كما هو عند المالكية والجمهور على أن العشر مع الشهرين شوال والقعدة هي مواقيت الحج الزمانية، والعمرة لا وقت لها، على ما تقدم، فهي مشروعة في كل وقت، ما لم يتلبس مريدها بنسك، ولذا يقولون: أن العمرة لا تصح في يوم عرفة، ولا في يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، ولا أيام التشريق؛ لأنه متلبس بنسك، ذكر الحافظ -رحمه الله تعالى- حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت يعني حدد لأهل المدينة ذا الحليفة، يحرمون منه، بمعنى أنهم يدخلون في النسك في هذا المكان، ينوون الدخول في النسك في هذا المكان ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، الميقات الأول ذو الحليفة يعرف بأبيار علي، قريب جداً من المدينة، يمكن يبعد عشرة كيلو أو أقل، وهو أبعد المواقيت عن مكة، على نحو عشر مراحل، ووقت لأهل الشام الجحفة، قرية خربة من الأزمان المتباعدة، سميت بذلك لأنه اجتحفها السيل، ولعل السبب في خرابها الدعوة النبوية بنقل حمى المدينة إلى الجحفة؛ لأن سكانها في ذلك الوقت كانوا من اليهود، هذا ميقات أهل الشام، وحدد ووقت لأهل نجد قرن المنازل وبإسكان الراء خلافاً لما زعمه الجوهري في صحاحه حيث قال: هو بتحريك الراء، وزعم أن أويس القرني ينسب إليه، ووهم في الأمرين، قرن المنازل يعرف الآن بالسيل، ولأهل اليمن يلملم، الجحفة على نحو ثلاث مراحل من مكة، وقرن المنازل على مرحلتين، ولأهل اليمن يلملم وهو أيضاً على مرحلتين من مكة، ثم(68/2)
قال: "هن لهن" هن: أي هذه المواقيت أو هذه الأماكن لهن لهذه البلدان، وفي رواية: "هن لهم" أي لأهل هذه البلدان، "ولمن أتى عليهن" يعني ممن مر على هذه المواقيت من غيرهن، من غير أهل هذه الجهات والبلدان، ممن أراد الحج والعمرة، هن لهن أهل هذه الجهات أهل المدينة لهم ذو الحليفة، وأهل الشام لهم الجحفة، وأهل اليمن لهم يلملم، ولأهل نجد قرن، هذا التحديد الأصل، "ولمن أتى عليهن من غيرهن" بمعنى أنه لو مر الشامي بالمدينة قبل أن يدخل في النسك في حقه الجملة الأولى والجملة الثانية أيضاً، وفيهما عمومان متعارضان، منطوق الجملة الأولى "هن لهن" أن الشامي أو النجدي إذا مر بالمدينة قبل مكة أنه لا يحرم من الحليفة "هن لهن" لأنه ليس من أهل المدينة، إنما يحرم من ميقاته المحدد له شرعاً؛ لكن منطوق الجملة الثانية "ولمن أتى عليهن من غيرهن" أنه يحرم من الميقات الذي يمر به أولاً، فإذا مر النجدي بالمدينة هل له أن يتجاوز ذا الحليفة إلى أن يصل إلى قرن؟ وهل للشامي إذا مر بالمدينة أن يتجاوز ذا الحليفة إلى الجحفة أم ليس له ذلك؟ الجملة الأولى: "هن لهن" تدل على أنه يجوز له ذلك للنجدي أو للشامي أن يقول: والله أنا حدد لي شرعاً ميقات تبرأ ذمتي بإحرامي منه بالنص، له ذلك، وإن أحرم من ذي الحليفة تناولته الجملة الثانية "لمن أتى عليهن من غير أهلهن" فهل الحاج الذي يمر بغير ميقاته مخير بين أن يحرم من أي ميقات أراد ما مر به أو ميقاته المحدد له شرعاً أو ليس له ذلك؟ نأخذ مثال بنجدي مر بالمدينة وترك الإحرام، وهذا يحصل كثيراً ممن يذهبون على الطائرة مثلاً يشق عليه أن يلبس الإحرام في بيته والطائرة لن تنزل تحاذي الميقات، نعم لكن إذا مرت بذو الحليفة ونزلت بجده مثلاً وهو ما أحرم هل نلزمه بالرجوع إلى ذو الحليفة أو نقول: يكفيك تذهب إلى السيل؟
طالب: يكفيه يذهب إلى السيل.(68/3)
يكفيه يذهب إلى السيل بمنطوق الجملة الأولى؛ لكن منطوق الجملة الثانية "لمن أتى عليهن من غيرهن" الآن الجملتان بينها اتفاق أم بينها اختلاف؟ اختلاف لأن مفاد الجملة الأولى ألا يحرم من أراد الحج والعمرة إلا من ميقاته المحدد له شرعاً، "هن لهن" ومنطوق الجملة الثانية أنه يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر به أولاً، فإذا أحرم النجدي من ذو الحليفة خالف الجملة الأولى "هن لهن" وإذا أحرم من السيل خالف الجملة الثانية فما العمل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم من باب الاختيار، لو أخر الإحرام إلى السيل ما عليه شيء.
طالب:. . . . . . . . .(68/4)
احتياط؟ المقصود أن الجمهور على أنه يلزمه أن يحرم من الميقات الذي يمر به ولو مر الشامي أو النجدي بالمدينة وتجاوز ذو الحليفة ولم يحرم منه وأخر الإحرام إلى ميقاته الأصلي يلزمه دم عندهم؛ لأنه تجاوز الميقات من غير إحرام، وخالف قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) والمالكية يرون أن له أن يؤخر إلى ميقاته، وأقول مثل قول المالكية هذا يحتاج إليه فيمن تجاوز الميقات، لا سيما الذين يأتون عن طريق الجو وما ينتبه الواحد منهم إلا وقد نزل في جدة، وليرجع قليلاً إلى الجحفة، والناس يحرمون من رابغ، ولا يلزمه أن يرجع إلى ذي الحليفة، أو يحرم من السيل، أو يفعل الأرفق به، كلها مواقيت شرعية، ثبتت بالنص الصحيح، فرأي المالكية لا شك أنه أرفق بالناس، والمسألة بالنسبة لهذه المواقيت فيها طرفان ووسط، عندنا رأي سعيد بن المسيب يقول: "من تجاوز الميقات لا شيء عليه" يقابله رأي سعيد بن جبير: "من تجاوز الميقات فلا حج له" لكن الجمهور على أن من تجاوزه يجبر ذلك بدم، فهل تجاوز مر بذا الحليفة وتجاوزه الجمهور يلزمونه بدم، ولو أحرم من ميقات شرعي معتبر؛ لأنه مر بالميقات فتجاوزه، فيلزمه دم على قول الجمهور، والمالكية يقولون: ما دام تجاوز الميقات الذي هو في الأصل ليس له والمحدد له إنما هو الميقات الآخر، الذي رجع إليه وأحرم منه، فلا شيء عليه، ولا شك أن هذا أرفق بالناس؛ لكن هل الملاحظ في تحديد هذه المواقيت سكنى هذه البلاد أو المرور مع هذه المواقيت؟ يعني هل الملحوظ في النص أن يكون هذا الميقات لساكن المدينة؟ يعني هل السكن سكن البلد هذا مقصود شرعي وإلا ما هو مقصود؟ أو أن هذه بمثابة المعالم التي تحدد تعظيم هذا البيت بحيث لا تتجاوز هذه المعالم إلا بالإحرام؟
طالب:. . . . . . . . .(68/5)
نعم السكن غير منظور له أصلاً كون الإنسان ساكن في المدينة أو ساكن الشام أو ساكن نجد هذا لا علاقة له، ولا ارتباط له بالنسك، إنما الملحوظ أن ساكن هذا البلد لا بد وأن يمر من هذا الطريق، فحدد له هذا المكان ليحرم منه، ولذا لما فُتح العراق -البصرة والكوفة- قالوا لعمر -رضي الله تعالى عنه- النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لأهل نجد قرن، وهو جور علينا، يعني ميل، فيه ميل، نحتاج إلى أن ننحرف عن طريقنا فنحرم منه فوقت لهم ذات عرق، فهذه المواقيت وقتت وحددت رفقاً بالناس؛ لئلا يلزم الإنسان أن يحيد عن طريقه يمين ولا شمال، وما دام الأمر كذلك فليس المنظور ليس الوصف المؤثر سكن هذه البلدة أو المرور بها، على كل حال رأي الجمهور أحوط، وأن لا يتجاوز الميقات الذي مر به إلا المحرم؛ لكن لو وقع هذا الأمر من شخص قال: والله تجاوزت ووصلت جدة الآن، والأرفق بي أن أذهب إلى رابغ، أو إلى السيل، وأفتي بقول مالك، له وجه، والجملة الأولى تؤيده "هن لهن" وإن كان سكنى البلد وصف غير مؤثر، إلا أنه لأنه أرفق بهم.
((هن لهن، ولمن أتى عليهن، من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة)) هذه المواقيت التي حددت بعض الناس يحتار، عرفنا أن مجاوزة الميقات دون إحرام لا تجوز، وعند الجمهور يلزمه دم؛ لكن إذا أحرم قبل الميقات ماذا عليه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المقصود أحرم نوى الدخول في النسك، المقصود في الإحرام نية الدخول في النسك، أنت أحرمت من الدمام، لبست الإحرام، وقلت: لبيك عمرة، أو لبيك حج ومشيت، ويش تعديت يعني باقي على الميقات كم كيلو؟ أنت محرم من بلدك خلاص الحين نويت الدخول في النسك اشلون تتعدى الميقات، أنت محرم من قبل الميقات.
طالب:. . . . . . . . .
يعني خالف السنة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ كراهة.
طالب:. . . . . . . . .
في أيش؟ لا، لا يقول: مانا بواقع بمحظورات حرام، أبغي ألبس إحرامي في البيت، وأتطيب وأتنظف، وأنوي أركب الطائرة وساعة وأنا بجدة.
طالب:. . . . . . . . .(68/6)
جواز مع الكارهة، يعني الاحتياط في مثل هذه الأمور مقبول شرعاً، يعني فعل أكثر مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- والزيادة على ما حدده -عليه الصلاة والسلام-، يعني لولا ما نقل من الإجماع على جواز مثل هذا كان المتجه التحريم والمنع؛ لأن الأمور المحددة شرعاً بحيث لا يجوز النقص منها، إذاً لا تجوز الزيادة عليها، افترض المسألة في صلاة الظهر يجوز تصلي ثلاث، يجوز تصلي خمس؟ لا يجوز الزيادة ولا النقصان، فالمقدرات الشرعية لا يجوز الزيادة عليها ولا النقص منها، فكما أنه لا يجوز أن تتجاوز الميقات أيضاً لا يجوز أن تحرم قبل الميقات؛ لكن نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على جواز مثل هذا، وفعله بعض الصحابة، ويذكر عن علي -رضي الله تعالى عنه- في تأويل قوله -جل وعلا-: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] قال: "إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك" وجاء أيضاً عند أحمد وأبي داود وغيرهما ((من حج أو اعتمر من بيت المقدس غفر له ما تقدم من ذنبه)) ويبقى أن الأصل الإحرام من الميقات، وإذا تعبد الإنسان بأن ما صنعه أفضل مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون حينئذ دخل في حيز الابتداع، أنت مأمور في حيز المشروع في الوضوء أن تغسل العضو ثلاث مرات تقول: لا، أنا باحتاط باغسله أربع مرات، أو خمس مرات، قلنا: لا، أنت مبتدع إذا كنت تتعبد بهذا، المقصود أنه لولا ما ذكر من الإجماع لكان التحريم هو المتجه، ويبقى أن أفضل ما يفعل في العبادات ما يتلقى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه هو الأسوة والقدوة، وقد حدد ذلك بقوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، يعني لبس التجرد من المخيط، ولبس ثياب الإحرام، لا يعني نية الدخول في النسك، يعني لك أن تتجهز في بيتك، وتلبس الإحرام، وتركب الطائرة قبل ألف كيلو عن الميقات هذا ما يضر؛ لكن الكلام في نية الدخول في النسك، يلاحظ في المسجد النبوي مثلاً بعض الناس يدخل المسجد وهو محرم، يعني عليه ثياب الإحرام، لا يدرى هل نوى ولا ما نوى؟ هذا يلاحظ وكل سنة أكثر من التي قبلها، يدخلون المسجد النبوي وعليهم ثياب الإحرام، يعني الفرق بين المدينة وبين الميقات عشرة كيلو، خمس دقائق،(68/7)
يقول: أتجهز في السكن وألبس الإحرام، وأؤدي الصلاة في المسجد وأستمر في طريقي، ولا أقف مرة ثانية، المسألة لو وقفت عند هذا الحد ما فيه إشكال؛ لكن ينوي إذا حاذى الميقات؛ لكن يرد على مثل هذا لا سيما في المسجد النبوي أن يخطر على بال بعض الناس أو يتصور أن الزيارة، زيارة النبي -عليه الصلاة والسلام- تحتاج إلى إحرام، وإذا تتابع الناس على مثل هذا وفعلوه من غير نكير، يمكن أن يتصور في يوم من الأيام مع اندراس العلم أن يقال: أن المسجد النبوي يحتاج إلى إحرام، أو زيارة قبره -عليه الصلاة والسلام- يحتاج إلى إحرام، مثل زيارة بيته ألا يمكن أن يقال مثل هذا؟ فالأولى أن لا يصنع مثل هذا، ومن بيده منع مثل هؤلاء يتجه للمنع سداً للذريعة، الناس اليوم يعرفون أن الإحرام للحج والعمرة فقط؛ لكن فيما بعد وما يدريك أنه يتوالى أناس والبدع من أسرع الأمور في دخولها إلى القلوب، بعض الناس يدور حول المقبرة على الرصيف من برع، باسم التخفيف أو اللياقة أو الرياضة وكذا، وهذا الحد ما فيه إشكال، والدوران حول المقابر باعتبار أن ما حولها سيارات ولا سكان ولا شيء مناسب لهم؛ لكن يأتي في يوم من الأيام من يقول: أن الناس كانوا يطوفون حول المقابر، ولا أحد ينكر عليهم، يكتسب شرعية بهذا، فمثل هذا ينبغي أن يمنع سداً للذريعة، فالإحرام يكون من الميقات، لتحديده -عليه الصلاة والسلام- ولفعله، كونه جاء عن بعض الصحابة من أحرم من بيت المقدس، أو من أحرم كرمان أو من أحرم من كذا، هذه أفعال صحابة، ما يعارض بها الأحاديث المرفوعة.
((هن لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة)) فلا يلزم الإحرام إلا من أراد الحج والعمرة، وعلى هذا يجوز أن يدخل المسلم مكة إذا كان لا يريد حجاً ولا عمرة من غير إحرام، ودلالة الحديث عليه ظاهرة ((ممن أراد)) مفهومه أن الذي لا يريد الحج والعمرة فإنه لا يحرم، وبعض أهل العلم أنه لا يجوز دخول مكة من غير إحرام، إلا لمن تتكرر حاجته لدخولها للمشقة وإلا فالأصل أن يحرم؛ لكن الحديث صريح في الدلالة على عدم لزوم الإحرام إلا لمن أراد الحج أو العمرة.(68/8)
((ومن كان دون ذلك)) دون المواقيت بالنسبة لمكة، يعني سكنه بين مكة والميقات، ((ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ)) فمن حيث أنشأ سواء كان سكنه دون الميقات، أو ذهب إلى هذا المكان من غير نية للنسك ثم طرأت عليه النية، حينئذ يحرم من حيث أنشأ، ((حتى أهل مكة من مكة)) يعني حتى أهل مكة يحرمون من مكة، من داخلها، وعموم اللفظ يشمل النسكين الحج والعمرة، حتى أهل مكة من مكة يحرمون من مكة بالعمرة والحج، فعموم الخبر يشمل النسكين الحج والعمرة، ونقل الإجماع، المحب الطبري وغيره نقلوا الإجماع على أن المكي إذا أراد العمرة يلزمه أن يخرج إلى الحل، ولا يحرم من داخل مكة، وعمدتهم في ذلك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم، فيكون هذا مخصص لعموم حديث الباب، فيبقى حديث الباب بالنسبة إلى الحج، وأما العمرة فلا بد من الخروج إلى الحل، وأهل العلم يقولون: لا بد من الجمع في النسك بين الحل والحرام، والحاج لا بد أن يخرج إلى الحل للوقوف بعرفة؛ لأنها من الحل، والمعتمر لن يخرج مرة ثانية، فيلزم بالخروج للإحرام، وحديث عائشة، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم صريح في هذا، وإن قال من قال: إنما أمره أن يخرج بها إلى التنعيم جبراً لخاطرها، كي تدخل من خارج الحرم بنسك كصواحبها؛ لأنها أحرمت بالعمرة في أول الأمر، ثم حاضت فأدخلت عليها الحج، فصارت قارنة، وهي تريد عمرة مستقلة كصواحباتها، فأرادت أن تدخل إلى البيت من خارجه، وهي معتمرة جبراً لخاطرها، النبي -عليه الصلاة والسلام- جبر خاطرها بالعمرة بعد الحج وإلا فالأصل أنها لما أدخلت الحج على العمرة، وصارت قارنة أنها اعتمرت، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحيح في نسكه أنه قارن، عدت العمرة التي مع حجه -عليه الصلاة والسلام- عمرة فلها عمرة لما أدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة لها عمرة، وجبر خاطرها بالإتيان بعمرة مفردة؛ لكن لو كان الإحرام من الحرم من داخل مكة بالنسبة للعمرة سائغة يحبس الناس إلى هزيع من الليل في انتظارها، ألا يمكن أن يقول: أحرموا من هنا، وطوفوا واسعوا ونمشي، يحبس الناس كلهم من(68/9)
أجل أن تخرج إلى التنعيم، ثم تعود إليه، ولا تأتي إلا بعد هزيع من الليل، لولا أن هذا واجب لما حبس الناس من أجل ذلك، فالمصحح قول جماهير أهل العلم أن العمرة عمرة أهل مكة لا بد لها من الخروج إلى الحل.
طالب:. . . . . . . . .
نعم وشوه؟ نعم العمرة بالنسبة لأهل مكة، هل عليهم عمرة وإلا ما عليهم عمرة؟
أصل النصوص العامة في الترغيب في الحج والعمرة شامل لجميع الناس ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) وهذا يشمل المكي وغير المكي، والخلاف في مرجع الضمير في قوله -جل وعلا-: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] هل يعود إلى التمتع والإتيان بالعمرة مع الحج أو يعود إلى الدم؟ ولو حصلت العمرة مع الحج فلا دم عليهم، مسألة خلافية بين أهل العلم؛ لكن عمومات النصوص التي ترغب في الحج والعمرة تشمل المكي وغير المكي، وكونه يرد عن بعض الصحابة من بعض السلف أنهم لاموا بعض المكيين في خروجهم إلى الحل، ودخولهم للإتيان بالعمرة، وتضييع الوقت بمثل هذا، وترك الطواف والصلاة في المسجد، والمكث فيه، لا يعني أن العمرة ليست مطلوبة منهم، المسألة مسألة مفاضلة، والمكي وغير المكي واحد، أنت افترض أن واحد جالس بالحرم، وقال: الأفضل أن أمكث وأقرأ قرآن، وأصلي ما شئت، وأطوف بالبيت، أو أخرج إلى التنعيم وآتي بعمرة، يحتاج إلى كم؟ يحتاج إلى ساعتين ليأتي بعمرة يخرج إلى التنعيم ويرجع ويطوف ويسعى يحتاج إلى ساعتين، هو في هاتين الساعتين بإمكانه أن يقرأ خمسة أجزاء، ويطوف أسبوع كامل، ويصلي عشر ركعات مثلاً أيهما أفضل؟ مسألة مفاضلة بين عبادات، فالإنكار من هذه الحيثية، ولذا يقول طاووس: "لا أدري الذين يعتمرون من التنعيم يؤجرون أو يعذبون" قيل له: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع البيت والطواف ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء أربعة أميال وقد طاف مائتي طواف، فهو وازن بين ما فعل وبين ما ترك، ولا يعني هذا أن العمرة ممنوعة، بل يشملهم مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)).
طالب:. . . . . . . . .(68/10)
هذا التعريف اللغوي، طيب والذي داخل مكة يزور وإلا ما يزور؟ وهو ما هو من أهلها، جاي من نجد ولا من الشرقية، يزور وإلا ما يزور؟ وهو داخل البيت وعائشة زارت ثانية وإلا ما زارت؟ زارت، المقصود أن العمرة بمكة منهم من يختارها على المكث في المسجد، والطواف فيه، وقراءة القرآن، والصلاة، ومنهم من يرجح هذه الأمور عليها، والمسألة موازنة بين فضائل، أحياناً يضيق الوقت لاستيعاب جميع الفضائل، هذه مسألة ضربناها فيما سبق فيمن دخل المسجد الحرام بعد إقامة الصلاة، هل نقول: الأفضل أن تتقدم إلى الصفوف الأولى ولو فاتك ما فاتك، أو نقول: تصلي في الصفوف الدنيا تدرك الصلاة كاملة، ولا تعرض صلاتك للنقص بمرور الناس بعد سلام الإمام، ولا يفوتك صلاة الجنازة، ولا شيء، المسألة موازنة بين فضائل، وهذا منه.
طالب:. . . . . . . . .
نعم أيش فيه؟ الحج من مكة نعم، العمرة يخرجون إلى التنعيم.(68/11)
يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت لأهل العراق ذات عرق، رواه أبو داود والنسائي، وأصله عند مسلم من حديث جابر، هذا حديث عائشة، والثاني حديث جابر، هل يكون حديث جابر أصل لحديث عائشة، أو شاهد لحديث عائشة؟ ذكرنا مراراً أن الأصل يكون نفس الحديث، إلا أنه تتفاوت جمله، فهذه الجملة التي لها أصل، يعني الحديث مكون من جمل مثلاً، مخرج في الصحيح، أو يشتمل على بعض الجمل دون بعض، وجملة من هذا الحديث التي لم تخرج في الصحيح موجودة عند أبي داود وهناك خرجه أبو داود، وأصله في مسلم حديث واحد مكون من جمل؛ لكن حديث آخر حديث جابر غير حديث عائشة، فالتعبير بقوله: وأصله عند مسلم ليس بدقيق، إنما الأصل أن يقال: ويشهد له ما عند مسلم من حديث جابر، إلا أن الراوي شك برفعه، قال: وغالب ظني وأحسبه أن جابر -رضي الله عنه- رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، شك في رفعه، وفي صحيح البخاري أن عمر هو الذي وقت ذات عرق، ذات عرق مكان بينه وبين مكة مرحلتان، والعرق الجبل الصغير، وحديث الباب دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق، وفي حديث جابر ما يدل له إلا أن راويه شك في رفعه راويه عن جابر أبو الزبير المكي، شك في رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أحسب أو أظن أن جابر -رضي الله عنه- رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فشك في رفعه، ولولا هذا الشك لكان نصاً في الموضوع، وفي الصحيح، وهنا في السنن وهو أيضاً صحيح، ويشهد له حديث جابر، بعضهم يقول: كيف يوقت النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل العراق ذات عرق والعراق ما فتح أصلاً؟ والشام مفتوح وإلا ما فتح؟ مثل ما وقت لأهل الشام يوقت لأهل العراق، ولو لم تفتح، وهذا من دلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، وفي صحيح البخاري أن عمر هو الذي وقت ذات عرق، ولا يمنع أن يخفى توقيت النبي -عليه الصلاة والسلام- على عمر، وعلى بعض الصحابة، ويطلب من عمر أن يوقت لأهل العراق، ويصيب اجتهاد عمر ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفي ما يمنع؟ وموافقات عمر كثيرة، جاء الوحي مؤيد لكلامه، واجتهد اجتهادات نزل الوحي بموافقتها، وحكم النبي(68/12)
-عليه الصلاة والسلام- بمقتضاه، فكونه يجتهد ويوافق هذا ليس ببدعة، وهناك الموافقات التي تزيد على عشرين من موافقات عمر -رضي الله تعالى عنه- نعم التنصيص على توقيت النبي -عليه الصلاة والسلام- لأهل العراق ذات عرق ليس في القوة بمثابة التوقيت ذا الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، ويلملم لأهل اليمن، أو نجد لهم قرن، هذا ليس بالقوة بمثابة ما وقت بالنص الصحيح الصريح، هذا في السنن وليس في الصحيح، وينتابه ما ينتابه من تردد الراوي عن جابر، وعلى كل حال ما في ما يمنع من رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما في ما يمنع من نسيان عمر، وبعض الصحابة بتوقيت النبي -عليه الصلاة والسلام- وطلبهم من عمر، ولا يوجد ما يمنع من موافقة عمر للنص.
يقول: وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقت لأهل المشرق العقيق، وهذا الحديث ضعيف، مداره على يزيد بن أبي زياد، ضعفه غير واحد من الأئمة، وخرج له مسلم في الشواهد، وفيه أيضاً انقطاع، فالذي يرويه عن ابن عباس محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ولا يصح له سماعه من جده، فهو منقطع وضعيف، وإن قال بعضهم: أن العقيق جزء من ذات عرق، فالإحرام من العقيق إحرام من ذات عرق؛ لكن التنصيص على ذات عرق والعقيق ضعيف.
قال الحافظ -رحمه الله-: باب وجوه الإحرام وصفته: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل، وأما من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر" متفق عليه.
هذا يقول: كيف يصح دعوى الإجماع، وقد حفظ عن مالك إنكار ذلك، وأنه مخالف للسنة، خصوصاً مع ملاحظة ما ذكر أهل العلم بخصوص إجماعات ابن المنذر، مع ما في هذه المسألة من مخالفة القواعد الشرعية؟(68/13)
دعاوى الإجماع التي ذكرها ابن المنذر، وقل مثله بالنسبة لابن عبد البر أو النووي أو ابن قدامة أو غيرهم لا شك أن كثير منها منقوض لوجود المخالف، ولا يعني أن نقض هذا الإجماع بوجود المخالف أنه يبطل بالكلية لا، يبقى أقل الأحوال أنه قول الجمهور، أقل الأحوال إن لم يثبت إجماع فهو قول عامة أهل العلم، هب أنه وجد مخالف؛ لكن وجود المخالف يسوغ الخلاف؛ لكن لا يبطل أقوال الآخرين، يسوغ الخلاف، ويبقى أن هذا القول له هيبته؛ لأنه أقل الأحوال هو القول الأكثر، فإذا وجد مثل هذا الإجماع إن لم يوجد مخالف لا محيد ولا مناص منه ولا مفر لا بد من العمل به؛ لأن الأمة بكاملها معصومة من الخطأ، إذا وجد مخالف ساغ للمخالف أن يحكم؛ لكن يبقى أن كونه قول عامة أهل العلم له هيبته، الشوكاني يقول: "كثير من دعاوى الإجماع تجعل طالب العلم لا يهاب الإجماع" إن كان المقصود أنه لا يهاب الإجماع باعتباره إجماع، وأنه لا تسوغ ولا تجوز مخالفة هذا شيء، أما كونه لا قيمة له، له قيمة، أقل الأحوال أنه قول الجماهير.
هنا أيضاً يقول: في مسألة الإحرام من ذي الحليفة أو ما دونه من المواقيت، هل الملاحظ عند الجمهور في ذا الحليفة خصوص المسافة كونه أبعد المواقيت أم غيره من المواقيت فله أن يحرم من أيها شاء؟
يعني لو النجدي تجاوز قرن منازل (السيل)، وأحرم من غيره، أحرم من الجحفة أو أحرم من يلملم نفس الكلام، أو مثلاً هو من نجد يريد الحج أو العمرة ومر بالسيل، ثم قال: أنا لا أريد أن أحرم من السيل الآن، فقد بقي على الحج عشرة أيام، عشرين يوم، أروح إلى المدينة وأحرم من ذا الحليفة، وهو مريد من الأصل ما نهزه من بلده إلا الحج، هل نقول: يلزمك أن تحرم من السيل أو تنتظر حتى تذهب إلى المدينة وتحرم من ميقاتهم؟ مقتضى قول الجمهور أنه تجاوز ميقاته المحدد له شرعاً، كما لو تجاوز الشامي ذا الحليفة وأحرم من الجحفة، وهكذا.(68/14)
يقول: باب وجوه الإحرام وصفته: الوجوه يراد بها الأنواع، أنواع النسك: التمتع والقران والإفراد، يقول: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة" تقصد عمرة ويرجع أو عمرة ثم يتحلل منها التحلل الكامل ثم يحرم بالحج فيكون متمتعاً؟ "ومنا من أهل بحج وعمرة" يعني قوله: فمنا من أهل بعمرة، يعني عمرة مفردة ويرجع أو إذا أحل منها أحرم بالحج؟ فيكون تكون هذه الجملة في الدلالة على الوجه الأول وهو التمتع، "ومنا من أهل بحج وعمرة" يعني قرن بينهما، هذا القران، "ومنا من أهل بحج" يعني مفرد، وهذا الإفراد، ففي هذا الحديث وجوه الإحرام الثلاثة وأنواعه، "وأهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج"، يعني جاء ما يدل على أنه أهل بالحج، كما هنا، والحديث في الصحيحين، وجاء ما يدل على أنه جمع بينهما، وهو المرجح في حجه -عليه الصلاة والسلام- أنه حج قارناً، وجاء ما يدل على أنه تمتع "تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه" وهنا يقول: أهل بالحج، والإهلال بالحج، يعني مفرداً، هذا الذي يتبادر منه، وجاء ما يدل على أنه حج قارناً، وجاء ما يدل على أنه حج متمتعاً، ما في هذا الحديث أهل بالحج، من قال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج مفرداً نظر إلى حقيقة فعله، وأن فعله وإن كان قارناً فإنه لا يزيد على فعل المفرد، فكأنه لم يأت إلا بالحج فقط، والعمرة داخلة في هذا الحج، ومن قال: حج قارناً، وهذا هو آخر حجه -عليه الصلاة والسلام-، وما منعه أن يقلب القران إلى تمتع إلا سوق الهدي، ولذا تأسف -عليه الصلاة والسلام- ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي)) يعني هو أمر أصحابه أن يهلوا بعمرة، يقلبوا نسكهم إلى عمرة ثم يحل منها الحل كله، وأكد على هذا، وغضب -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة لمن لم يسق الهدي، أما من ساق الهدي فإنه لا يحل حتى يوم النحر، إذا نحر هديه كفعله -عليه الصلاة والسلام-، فالذي قال: أنه أهل بالحج فقط نظر إلى صورة العمل الذي جاء به -عليه الصلاة والسلام- صورة حج فقط، والعمرة داخلة إذ لا فرق بين حج القران والإفراد من حيث الصورة إلا الهدي، ومن قال:(68/15)
حج قارناً فحكى الواقع النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الحج والعمرة وأهدى ومن قال حج متمتعاً نظر إلى المعنى الأعم للتمتع التمتع أن يأتي بنسكين في سفر واحد وقد جاء بنسكين في سفر واحد، فمن ترفه بترك أحد السفرين فهو متمتع بالمعنى الأعم، سواء كان قارناً أو كان متمتعاً فاصلاً بين حجه وعمرته، أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحج، منهم من يقول: أنه في أول عمره أهل بالحج فقط، مفرد ثم جاءه الملك وقال له: "صل في هذا الواد المبارك وقل: حجة وعمرة" يعني اقرن بينهما، فإهلاله في أول الأمر بالحج مفرد، ثم بعد ذلك لما جاءه الملك وقال له ما قال جمع بينهما.(68/16)
"فأما من أهل بعمرة فحل" أهل بالعمرة، وهذا متجه بالنسبة لمن لم يسق الهدي وهو الأرجح من أنواع النسك لمن لم يسق الهدي عند الحنابلة، وجمع من أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه به، وتأسف -عليه الصلاة والسلام- على سوق الهدي، فيكون حينئذ أرجح من غيره، ومنهم من يرجح القران لأنه هو الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، ومنهم من يختار الإفراد، ولكل قول وجه، واختيار التمتع لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه به فهو الأفضل مطلقاً لمن لم يسق الهدي ولا ينوي أن يأتي بالنسكين في سفرين؛ لكن من أراد أن يأتي بالنسكين في سفرين المسألة مفترضة في شخص يقول: لن أزيد على الواجب سأعتمر مرة واحدة في عمري، وأحج مرة واحدة في عمري، هل الأفضل أن أتمتع وآتي بالنسكين في سفر واحد، أو الأفضل أن أنشيء للعمرة سفر مستقل وللحج سفر مستقل؟ هذه الصورة هي التي يرى شيخ الإسلام أنها أفضل اتفاقاً، الإفراد أفضل اتفاقاً في هذه الصورة، ما هي المسألة في شخص يقول: لن آتي بأكثر من الواجب أبداً، أحج مرة واحدة، وأعتمر مرة واحدة، نقول: الإفراد أفضل، وهو الذي نقل عليه شيخ الإسلام الاتفاق لأنك تريد تأتي بسفر مستقل للحج وسفر مستقل للعمرة؛ لكن الذي يريد أن يكرر في عمره نقول التمتع أفضل لأنك تأتي بنسكين أفضل من أن تأتي بنسك واحد والذي ساق الهدي يتعين في حقه القران لأنه لن يحل قبل أن يبلغ الهدي محله يوم النحر فلا بد أن يقرن كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.(68/17)
"فأما من أهل بعمرة فحل" حل الحل، كل الحل بمعنى أنه إذا أهل بعمرة ثم طاف وسعى وحلق وقصر له أن يأتي ما شاء من المحظورات حتى النساء، له أن يجامع زوجته، حل الحل كله، هل له أن يرجع إلى بلده ولا يحج أو ليس له ذلك؟ له ذلك ما لم يكن حيلة، يعني شخص جاء وأحرم بالحج أو أحرم قارن، ثم قال: لا الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه أن يحلوا بالعمرة، ثم لما حل من هذه العمرة قال: أنا بالخيار العمرة وانتهت، والحج ما بعد دخلت فيه، وفي نيته أن يصنع هذا، نقول: لا يا أخي أنت تتحايل لإسقاط ما دخلت فيه، وقد أمرت بإتمامه؛ لكن ابتداء جاي في نيته أن يحج هذه السنة، وأحرم بالعمرة متمتعاً، فلما فرغ من أعمالها رأى الزحام الشديد، أو وجد ظرف في بلده يتطلب رجوعه، ما الذي يلزمه بالحج ولم يدخل فيه؟ ذكر صاحب الإنصاف أنه لا يجوز له ذلك بلا نزاع، يعني في المذهب لوجود الارتباط بين الحج والعمرة، وإن وجد الانفكاك؛ لكن الارتباط قائم بدليل أن لزوم الهدي سببه الإحرام بالعمرة، لزوم هدي التمتع سببه الإحرام بالعمرة التي ينوي بعدها الحج، هذا سبب الوجود فهناك ارتباط بين الحج والعمرة، وإن كان هناك فاصل يفصل بينهما فصل تام، والأكثر وهو المفتى به الآن أنه لا يلزمه ما دام حل الحل كله، ما الذي يلزمه بنسك إن لم يدخل فيه؟.(68/18)
تقول -رضي الله عنها-: "فأما من أهل بعمرة فحل" عرفنا أنه الحل كل الحل، وأما من أهل بحج يعني مفرد أو جمع الحج والعمرة يعني قرن بينهما فلم يحل حتى كان يوم النحر، أما المانع بالنسبة للقارن فمعروف أنه حتى يبلغ الهدي محله، وأما بالنسبة للمفرد فإنه لم يأت بما يتحلل به؛ لأن أعمال الحج يوم العيد هل يتصور التمتع مع سوق الهدي؟ يتصور تمتع مع سوق الهدي؟ يعني بالمعنى الخاص أما المعنى العام الذي يشمل القران القران نوع من التمتع؛ لكن بالمعنى الخاص يتمتع مع سوق الهدي ممكن؛ لأنه لن يحل بين الحج والعمرة حتى يبلغ الهدي محله، لن يتمكن من الحل من العمرة، ولن يقصر شيئاً من شعره بالنسبة للعمرة حتى يأتي وقته، الذي هو وقت نحر الهدي، قد يقول قائل: أنه يأتي بعمرة مفردة يطوف ويسعى، ثم يستمر في إحرامه إلى أن يبلغ الهدي محله، ثم يطوف ويسعى يوم العيد للحج، وبهذا يختلف فعله عن فعل القارن، لأن القارن لا يلزمه إلا سعي واحد، هو في الصورة قارن شاء أم أبى؛ لأنه لم يحصل له ما يميز التمتع، وما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- من الحل كله، أهل بالقران ولم يسق الهدي، شخص ما ساق الهدي فأهل قارناً، قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- حج قارناً، وأنا ما سقت الهدي، هل يلزم بأن يقلب الإحرام إلى عمرة كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بذلك؟ هل يُلزم؟ منهم من يرى وجوب قلب الإحرام إلى عمرة؛ ليكون متمتعاً، وبهذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه، وأكد عليهم، ومنهم من يقول: لا يجوز، بل قلب النية بالإحرام خاص بالصحابة، أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس لأحدهم بعدهم لماذا؟ لأنهم كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجتث هذا الزعم وهذا التصور من جذوره، فأمرهم بالعمرة في أشهر الحج عمرة مستقلة في أشهر الحج، يعني القران فيه عمرة، فيه رد على هذا القول؛ لكن ما يكفي لأنها ليست بعمرة مستقلة، لو قيل مثلاً: أنه خلاص ما داموا قارنين اعتمروا مع الحج يقول قائل مثلاً: يثبت تبعاً أما لا يثبت استقلالاً، هذه عمرة داخلة في الحج، ولا وجود لها، والعمرة المستقلة من أفجر(68/19)
الفجور، نقول: لا يا أخي النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يعتمروا عمرة مستقلة؛ ليجتثوا هذا التصور من جذوره؛ لكن هل هذا خاص للصحابة أم يصوغ لمن بعدهم؟ الأكثر على خصوصيته، وأن من أحرم بشيء لزمه أن يستمر عليه، ولزمه إتمامه، والمعروف عند الحنابلة وعند جمع من أهل العلم من أهل التحقيق أن ذلك إلى قيام الساعة، للإنسان أن يقلب نسكه من الأدنى إلى الأعلى؛ لكن ما ينزل، أحرم متمتع يقول: لا أنا بحج فقط، نقول: لا، يلزمك التمتع، أحرم قارن يقول: أنا بأفرد، نقول: لا، يلزمك القران عند من يرجح القران على الإفراد وهكذا؛ لكن ينتقل إلى الأعلى لا بأس، يغير النية.
طالب:. . . . . . . . .
يحرم في الحج؟ يحرم من مكة، حتى لو كان ناوي من الأصل الإحرام بالحج من مكة، ما فيه إشكال.
باب الإحرام وما يتعلق به:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" [متفق عليه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- باب الإحرام وما يتعلق به: والمراد بالإحرام نية الدخول في النسك: ونية الدخول في النسك واجب يجبر بدم وإلا ركن من أركان الحج؟ ركن يعني حينما يقول العلماء: أن من تجاوز الميقات من دون إحرام يجبر بدم لا يريدون بذلك أن هذا يغني عن نية الدخول في النسك؛ لأن عملية الدخول في النسك ركن من أركان الحج، لا يصح إلا به طيب نية الدخول في النسك مصنف عند أهل العلم من الشروط أو من الأركان؟ نعم شرط وإلا ركن؟ يعني نية الدخول في الصلاة؟
طالب: شرط.
بالنسبة للصلاة ركن وإلا شرط؟
طالب: شرط.
وبالنسبة للحج؟ نية الدخول في النسك؟ نية الدخل في الصلاة؟ نية الدخول في الصيام؟ شرط وإلا ركن؟ عندك شروط الصلاة التسعة أليس بآخرها النية؟ الآن أنا أناقشكم حول ما يكتبه أهل العلم في الأركان والشروط، النية في الصلاة من شروطها أو من أركانها؟ من شروط الصلاة، استقبال القبلة والنية هذا آخر شيء، من الشروط، وفي الحج جعلوها من الشروط أو من الأركان؟ قالوا: أركان الحج أربعة أو كم؟ أولها: الإحرام، هل يريدون الإحرام من الميقات أو نية الدخول في النسك؟ نية الدخول، لماذا صارت هنا ركن وهناك شرط؟(68/20)
طالب:. . . . . . . . .
لا ما له علاقة التلفظ، ولا يتلفظ ولا شيء أبد، التلفظ بالنية بدعة، ولا في الحج بدعة، لو قال: نويت أن أحج بدعة؛ لكن لبيك عمرة، لبيك حجة ما فيه إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
جزء في الصلاة وإلا جزء في الحج؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم كيف؟ طيب.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم من وجودها وجود، الآن نتفق على أنه جعلوها في الصلاة من الشروط، وفي الحج من الأركان، ولماذا جعلوها من الشروط ومعروف أن الشرط خارج الماهية والركن داخل الماهية؟ هذا شيء مفروغ منه هذا تعرضنا له في مسألة تكبيرة الإحرام، هل هي شرط أم ركن؟ الحنفية يقولون: شرط، والجمهور يقولون: ركن، كيف جعلوا النية وهي شيء واحد، النية القصد، تقصد هذه العبادة تقصد الدخول فيها، جعلوها بالنسبة للصلاة شرط وبالنسبة للحج ركن؟ فيه جواب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما فيه ارتباط بين النية ولبس الإحرام، ما فيه ارتباط، لو أحرم بثيابه، لو نوى الدخول في النسك بثيابه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب والصلاة بعيد، ينوي قبل دخول الوقت، وإلا قبل يجي للمسجد، وهو ببيته ينوي الصلاة، ينوي الدخول في الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
كثرة تكرار الصلاة هي النية تكلف شيء؟.
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض التلبية بمثابة التكبير، لبيك عمرة، لبيك حجاً، بمثابة قولك في الصلاة: الله أكبر، نعم
طالب:. . . . . . . . .
وفي الصلاة؟ يعني قبل أن يكبر ما يلزمه؟ نوى أن يصلي؛ لكن قبل تكبيرة الإحرام لو أجل الصلاة، قال: سأنتظر خمس دقائق، أو نوى الدخول في النسك فسمع واحد قال: أريد أتوضأ وأصلي معك جماعة، ما يلزمه.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو أقرب ما يقال مثل ما ذكر الأخ أنه بنيته في النسك شرع فيه، بينما نية الصلاة وقصد الصلاة مثل .... لو يريد يصف ناوي للدخول في الصلاة، ثم قال واحد: عن إذنك أريد أتوضأ من أجل أن نصلي جماعة وينتظر، ما المانع؟ يلزم أن يدخل في صلاته فور النية؟ هو في الحج باشر العمل بدخوله، بالنية باشر العمل؛ لكن النية بالنسبة للحج بمثابة تكبيرة الإحرام بالنسبة للصلاة.
طالب:. . . . . . . . .(68/21)
ما بعد نوى هو طالع من بيته من الدمام يريد يحج؛ لكن قبل دخوله الميقات له أن يرجع، قبل وصوله إلى الميقات ودخوله النسك له أن يرجع، النية من بيته إلى الدخول هذه ليست شيء، هذه ليست بنية.(68/22)
يقول: باب الإحرام وما يتعلق به: عرفنا أن المراد بالإحرام نية الدخول في النسك، عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" يقول ابن عمر هذا رد على من قال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم من البيداء، يقول ابن عمر: "بيداؤكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه أحرم منها ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أحرم في المسجد بعد فراغه من الصلاة، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أحرم وأهل ورفع صوته بالتلبية حينما استقلت به دابته، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أهل بالبيداء، في حديث ابن عباس، وفيه جمع بين هذه الروايات كلها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل بالمسجد، وحينما استقلت به دابته، وحينما علا على البيداء، فمن سمعه يهل، والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية من سمعه يهل بالمسجد قال: هل بالمسجد، ومن سمعه -عليه الصلاة والسلام- يهل ويرفع صوته بالتلبية حينما استقلت به دابته قال: أهل حينما استقلت به دابته، ومن سمعه يلبي بالبيداء قال: أهل -عليه الصلاة والسلام- بالبيداء، ولا يلزم من هذا كذب، ولا من ذاك كذب، كل يذكر ما سمع، وفي حديث ابن عباس هذا توفيق بين الروايات، كل يذكر ما سمع، صلى الركعتين فأهل بالنسك لما استقلت به دابته واقفة قال: لبيك اللهم لبيك، أهل بالنسك، ولما علا على البيداء أهل بالنسك، وكل يذكر ما سمع، ولا اختلاف، وابن عباس حينما ذكر هذا قريب من النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الحديث عند أبي داود والحاكم أنه -صلى الله عليه وسلم- لما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أهل بالحج حين فرغ منهما، فسمع ذلك قوم فحفظوه، فلما استقرت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا إهلاله بالمسجد فحفظوه ورووه، وهكذا حينما علا على البيداء، وهذا الكلام كلام حسن، كلام ابن عباس فيه جمع من الروايات، وكلها صحيحة، "ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد" وبهذا يرد ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- القول بأنه أخر الإهلال، يعني لقائل أن يقول: أن النبي -عليه(68/23)
الصلاة والسلام- أهل لما دخل مكة، يعني طرداً لهذا، هل نقول: أن في أحد ما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يهل إلا لما دخل مكة، ما في أحد، خلاص، نعم الجموع الغفيرة قد يخفى عليهم الإهلال أول مرة وثاني مرة؛ لكن ما يخفى عليهم الثالثة والرابعة والعاشرة إلى أن يدخل مكة، ولا يتصور مثل هذا؛ لأنه مأمور برفع الصوت، والإهلال هو رفع الصوت.
وعن خلاد بن السائب عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال)) [رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان].(68/24)
يقول: وعن خلاد بن السائب عن أبيه -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر)) هنا الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟ يعني هل النبي -عليه الصلاة والسلام- مأمور بأن يرفع صوته بالتلبية أو مأمور بأن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية؟ يعني الأمر بالأمر بالشيء ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) لنفترض مثلاً أن زيداً من الناس قال لابنه الأكبر: قل لأخيك: يفعل كذا، هل هذا أمر يتناول الأخ الأكبر أو خاص بالأصغر، الأمر بالتبليغ يتناول الأكبر؛ لكن الأمر بالتنفيذ يتناول الأكبر وإلا ما يتناول؟ لنفهم ونتصور المسألة، يعني إذا قال زيد لابنه عمرو: قل لبكر ينام مبكر، هل هذا أمر من الأب للابن الأكبر أن ينام مبكراً أو أمر بتبليغ ابنه الأصغر أن ينام مبكراً لكن ما يتناول الثاني أن ينام مبكر مثل أخوه؟ يعني الأكبر يتناوله الأمر بالتبليغ والأصغر يتناوله الأمر بالتنفيذ، يعني الأمر بالأمر بالشيء هذه مسألة خلافية في الأصول، الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو أمر بتبليغه فقط؟ مثل ما عندنا الآن ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي)) هل نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه أن يرفع صوته بالتلبية، أو نقول: عليه أن يأمر أصحابه وهو حر إن شاء رفع وإن شاء خفض، أو نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة والأسوة أولى من ينفذ هذا الأمر، يعني إذا قيل: آل فلان هل يتناول فلان نفسه؟ نكثر من التنظير علاشان تفهم المسألة، يعني حينما قال الله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] هل هذا يتناول فرعون وإلا ما يتناوله؟ يتناوله من باب أولى؛ لأنهم به نكبوا.(68/25)
نأتي مسألة ثانية، لو قيل: يا فلان واحد من المشايخ عنده طلاب، هذه مجموعة من الكتب وزعها على طلابك، عندك مائة طالب هذه نسخ كثيرة جداً وزعها على الطلاب، الشيخ ما عنده نسخة له أن يأخذ أو لا يأخذ؟ الموصي قال للطلاب، وزعها على طلابك، هل نقول: أنك أنت أولى من طلابك بأن تأخذ نسخة أو نقول خاص بطلابك؟ أنت افترض أوصى فلان من الناس عنده وقف قال: غلته للمحتاج من طلاب فلان الشيخ نفسه محتاج يأخذ وإلا ما يأخذ؟ يعني مثل ما قلنا في آل فرعون فهو أولى منهم، يعني هذا في السوء وهذا في الخير؛ لكن هذا تنظير بحيث نقرب هذا من هذا، ولذا عندنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره جبريل أن يأمر أصحابه، وننظر إلى أن هذا الأمر أمر بخير، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل الخير، فإذا أمر أصحابه أن يرفعوا أصحابهم بالتلبية بالإهلال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل وأولى من يبادر إلى امتثال هذا الأمر، وقد تدل القرائن إلى أن المأمور بالتبليغ لا يتناوله الأمر، لو قال الأب: يا فلان لابنه الأكبر قل لفلان يحضر لنا خبز مثلاً، يروحون كلهم يشترون خبز؛ لكن لو كان أمر مما يطلبه الوالد، ومما يحرم فعله مثلاً، يا فلان قل لفلان لا يدخن، هل نقول: أن هذا الأمر ما يتناول الأكبر، له أن يدخن، لا ما نقول هذا، نعم قد تدل القرائن على إرادة المأمور بالتبليغ كإرادة المأمور بالتنفيذ، وقد تدل القرائن على عدمه، ولذا الأصوليون اختلفوا في تقرير هذه المسألة.
طالب:. . . . . . . . .(68/26)
المسألة خلافية بين أهل العلم؛ لكن في مثل هذا يتناوله باعتبار أنه فعل خير، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل الخير، الصحابة امتثلوا ذلك، فكانوا يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم، وجاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن أفضل الحج، أي ألحج أفضل؟ فقال: ((العج والثج)) فالعج هو رفع الصوت بالتلبية، فإذا كان أفضل فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى من يفعل هذا الأفضل، وإن كان الأصل أن رفع الصوت في الجملة ليس بممدوح عموماً؛ لكن في موطنه في مثل هذا ممدوح، يعني أهل العلم قرروا في التفسير عند قوله -جل وعلا-: {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [(19) سورة لقمان] أنه لا يمدح أحد بقوة صوته؛ لأن الأصل الهون والرفق واللين ورفع الصوت هذا كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [(19) سورة لقمان] لكن أحياناً الأمر الشرعي يتطلب رفع الصوت شيخ عنده ألف طالب هو معروف بهدوئه ورزانته ولا عنده مكبرات ولا عند شيء نقول: الأفضل بحقه أن يخفض صوته لأن أنكر الأصوات صوت الحمير، أو مؤذن يحتاج أن يبلغ الناس بالأذان مطلوب يرفع صوته، ولا يعني أن رفع الصوت في كل مقام هو الأولى، لا لكن إذا احتيج إليه صار الأولى، وذكر عن العباس أن صوته يبلغ تسعة فراسخ -رضي الله عنه وأرضاه- المقصود أن مثل هذه العبادة ما نقول: أن اللين والرفق لا، رفع الصوت هو المطلوب، ولذا جاء لما سئل عنه -عليه الصلاة والسلام- أي الحج أفضل؟ قال: ((العج والثج)) والعج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: نحر الهدي والبدن.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد قال الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في ضمن باب الإحرام وما يتعلق به، وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تجرد لإهلاله واغتسل" [رواه الترمذي وحسنه].(68/27)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تجرد لإهلاله واغتسل" رواه الترمذي وحسنه، وقال: أنه حسن غريب، والغالب أن ما يأتي من قبل الترمذي بهذا الحكم أنه لا يسلم من ضعف، ولولا أن له ما يشهد له لحكم بضعفه؛ لكنه بطرقه يرتقي إلى الحسن بغيره، من أراد أن يدخل في النسك يستحب له أن يغتسل، ويلبس ملابس الإحرام، ومن لازم الاغتسال التجرد مع الاستتار، إذا تجرد من ثيابه التي لا يجوز له لبسها، ولا يتم الواجب إلا بهذا، لا يتم له إلا بالتجرد؛ لأنه لا يلبس المحرم القميص ولا العمائم ولا السراويل، هذا على ما سيأتي في الحديث اللاحق، ولا يتم له ترك هذه الأمور إلا بالتجرد؛ لكن لو افترضنا أن شخصاً لباسه في حله هو لباسه في إحرامه، يعني المعترف عندهم في بلدهم أنهم بالإزار والرداء طول العام سفراً وحضراً هذا لباسهم، وأراد أن يدخل في النسك، هل يلزمه أن يتجرد إن أراد الاغتسال من لازمه التجرد، وإن لم يكن على التجرد كامل؛ لكن هذه حكاية واقع، تجرد النبي -عليه الصلاة والسلام- وخلع ملابسه التي لا يجوز له أن يلبسها في إحرامه، واغتسل والاغتسال سنة؛ لكن لو كان لباسه مناسب للإحرام مما يصح لبسه في الإحرام، وقال: الجو بارد لا أريد الاغتسال، ولا أتجرد ولا شيء، نقول: ترك السنة.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: ((لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران، ولا الورس)) [متفق عليه، واللفظ لمسلم].(68/28)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل: ما يلبس المحرم من الثياب؟ سؤال عما يلبسه المحرم، والجواب المطابق أن يقال: يلبس كذا وكذا، يلبس إزار ورداء، فالجواب جاء بما لا يلبسه المحرم؛ لأن الذي لا يلبسه المحرم محصور، يمكن حصره والذي يلبسه المحرم لا يمكن حصره، والجواب دائماً يكون بالمحصور، فمثلاً لو قيل: هل زيد ثقة أو ليس بثقة؟ وأردت أن توثقه أو تجرحه بكلام مقبول؛ لأنك لو تقول: ثقة قال لك: لماذا؟ تقول: غير ثقة؟ قال لك: لماذا؟ أهل العلم لا يقبلون الجرح إلا مفسر، فأنت تقول: فلان ليس بثقة؛ لأنه يفعل كذا، ليس بثقة لأنه يشرب الخمر مثلاً، هل يحتاج أن تقول: زيد ليس بثقة يصوم ويصلي ويزكي ويحج ويبر والديه، ولا يسرق ولا يزني ولا يشرك ولا يفعل ولا يترك إلا أنه يشرب الخمر، أو تقول: ليس بثقة لأنه يشرب الخمر، ومعروف أن الباقي على الأصل أنه مسلم؟ نعم فأنت في جوابك تذكر ما يمكن حده، أما ما لا يمكن حده لو قال: يلبس إزار ورداء، لقيل: نعم إزار صوف، وإلا رداء قطن، وإلا أسود، وإلا أحمر، وإلا أبيض، وإلا أخضر، وإلا من أي نوع كان، فجاءك بما يمكن حصره، ويسمى بالأسلوب الحكيم، يعني الأصل أن يسأل الإنسان عما يمنع منه؛ لأن الأصل الإباحة، ما عدا ذلك مباح، والمباح لا يمكن حصره، والممنوع يمكن حصره، فيكون الجواب بالممنوع، وهذا من الأسلوب الحكيم أن يجاب السائل بغير ما سأل مما هو أهم منه، سئل ما يلبسه المحرم -عليه الصلاة والسلام- من الثياب، فقال: ((لا تلبسوا القميص)) وهو مخيط على قدر البدن، وله أكمام، وله جيب، فتحة يدخل منها الرأس، هذا القميص، ((ولا العمائم)) وهي ما يلف على الرأس، لا يلبسه المحرم، فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه، له أن يغطي بدنه بغير القميص، بغير ما استثني؛ لكن ليس له أن يغطي رأسه، ((ولا السراويلات)) السراويلات: جمع سراويل، السراويل جمع وإلا مفرد؟ مفرد، جمعه سراويلات، السراويل معروف ما يلبس على النصف الأسفل من البدن، وله كمان، هذا واضح ومعروف، ويشمل الطويل والقصير، وإن كان القصير جداً يسمى التبان، وجاء عن عائشة أنها رخصت في لبس التبان لكن(68/29)
الجمهور على منعه؛ لأنه نوع من السراويل، من السراويل ما يسميه أهل العلم أهل اللغة كالأزهري وابن سيدة وغيرهم النقبة، نوع من السراويل، سروال مفتوح ما له أكمال، سروال مفتوح بدون كرسي ولا أكمام، يسمونه نقبة، وهو نوع من السراويل يدخل في المنع هنا.(68/30)
((ولا البرانس)) البرانس أيضاً تغطي الرأس كالعمامة إلا أنها ملتصقة في القميص بالثوب، فالعمائم كانت شائعة، والبرانس نادرة فنص على ما شاع استعماله، وما ندر استعماله مما يغطي الرأس، ((ولا الخفاف)) الخف: الذي يلبس على القدم مما يستر الكعبين، ((إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا الحديث قيل بالمدينة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبته المشهورة التي حضرها الجموع الغفيرة بعرفة ذكر أن من لا يجد النعلين يلبس الخفين، ولم يذكر القطع، فشخص أراد أن يحرم ما وجد نعلين ومعه خفان هل يلزمه القطع كما في هذا الحديث ((فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) أو لا يلزمه باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أطلق في الحديث المتأخر ((فليلبس الخفين)) وليس فيه إشارة إلى القطع، لذا اختلف العلماء هل مثل التعارض في مثل هذين الحديثين من باب الإطلاق والتقييد فيحمل المطلق على المقيد، فيلزم القطع، الحديث مقيد بالقطع حديث الباب، الحديث الآخر مطلق، فيحمل المطلق على المقيد واتحد الحكم والسبب، أو نقول: من باب المتقدم والمتأخر فيكون المتأخر ناسخ؟ فالأكثر على أنه يلزم القطع، وهو مما يقتضيه قاعدة الإطلاق والتقييد؛ لأن الحكم واحد والسبب واحد، ومن أهل العلم كما معروف عن الإمام أحمد أنه لا يلزم القطع؛ لأنه لو كان القطع لازم للزم بيانه بعرفة؛ لأنه حضرها من الحجاج من لم يحضر، حينما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وليقطعهما أسفل من الكعبين)) فدل على أن الأمر بالقطع منسوخ في عرفة، نعم تم البيان في المدينة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عليه أن يبين، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، هل يكفي مثل هذا البيان الذي بينه في المدينة وحضره جمع من الصحابة ونقلوه؟ يكفي مثل هذا البيان أو لا بد من البيان لكل من لم يبلغه الخبر الأول، ويغلب على الظن أن من لم يبلغه أكثر ممن بلغه؟ وعندنا حديث الباب، وفيه الأمر بالقطع متقدم، الحديث الثاني بعرفة متأخر وليس فيه أمر بقطع، ولذا اختلفت مآخذ أهل العلم ومسالكهم بالنسبة لهذين الحديثين، يعني مثل ما يقال في لحم الإبل: أنتوضأ من لحم الغنم؟ قال: ((إن(68/31)
شئت)) أنتوضأ من لحم الإبل؟ قال: ((نعم)) الحديث الآخر كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مسته النار، فهل نقول: أن ترك الوضوء ناسخ للأمر بالوضوء من لحم الإبل؛ لأنه متأخر، كان آخر الأمرين، أو نقول: أن هذا بعمومه يتناول الإبل وغير الإبل، والتنصيص على الإبل يدل على أنه مخرج من العموم، فهناك تعارض عموم وخصوص مع تقدم وتأخر، وهنا تعارض إطلاق وتقييد مع التقدم والتأخر، عرفنا ما بين المسألتين من وجه الشبه؟ واضح؟ الآن الحنابلة ماذا يقولون بالنسبة للحم الإبل؟ ينقض الوضوء، طيب لماذا ما عملوا بكونه آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خاص وعام، صحيح، وهنا مطلق مقيد، لماذا ما عملوا بالمقيد؟ لأن هذا فيه إضافة إلى التقدم والتأخر فيه مسألة البيان، وكونه بُين على وجهٍ كافٍ في وقته، المدينة كافي، يعني لو كان العدد هو العدد ما اختلف قلنا: يكفي، ما يلزم أن يكون النص يبلغ كل فرد فرد، ما يلزم؛ لكن لما حضرة الجموع الغفيرة التي تحتاج إلى بيان ولا بين -عليه الصلاة والسلام- دل على أنه عدل عن الحكم الأول إلى الثاني، ولهذا هو المرجح، وإلا بإمكان مثلاً شافعي ولا حنفي ولا مالكي يلزم الحنابلة بمثل هذا في مسألة لحم الإبل، أنتم عملتم بالناسخ بعرفة، ولا عملتم بالمقيد بالمدينة، وعملتم بالمخصص بالنسبة للحم الإبل، ولم تعملوا بالآخر من حاله -عليه الصلاة والسلام- في ترك الوضوء مما مسته النار، لماذا فرقتم بين هذا وهذا والمسألة متطابقة؟ هذا عام وخاص، وهذا مطلق ومقيد، هذا متأخر، وهذا متقدم، يعني أن المسألة هذه نظير تلك؛ لكن يبقى أن المرجح لقول الحنابلة في هذه المسألة مسألة البيان حصل البيان في المدينة لكن يبقى أنه هناك جموع غفيرة تحتاج إلى بيان ولم يبين لها -عليه الصلاة والسلام- ولو كان مطلوباً لبينه في وقته، والأكثر على أنه لا بد من القطع عملاً بقاعدة المطلق والمقيد، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ والآن تقطع ولا ما تقطع؟ يعني الحنابلة يدعمون قولهم بأمور الأول أن هذا مسألة البيان التي أشرنا إليها مع التأخر يضاف إلى ذلك أنه إتلاف وإضاعة للمال، وقد نهى عن إضاعة المال، فكل هذه مما(68/32)
يرجح قول الحنابلة.
((ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران)) الرجال منهيون عن لبس المزعفر من الثياب ((ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه الزعفران)) للونه ولرائحته، ولو غرسه ونبته طيب الرائحة معروف؛ لأن المحرم ممنوع من الطيب وهذا منه، طيب عبد الرحمن بن عوف لما تزوج وجاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وعليه ثوب به ردع من الزعفران، ولا أنكر عليه، ما أنكر عليه، لماذا ما أنكر عليه؟ المتزوج يفعل ما يشاء، العلماء أجابوا بأجوبة منهم من قال: أن هذا الزعفران الذي لحق بثوبه ليس مقصوداً، وإنما هو بسبب المعاشرة، والمرأة تتزعفر وتتصنع وتتزين؛ لأن الظرف ما هو بعادي، المقصود أن النهي عن الثوب المزعفر معروف، ولا يجوز للرجل أن يلبس الثوب المزعفر، ويؤكد عليه هنا في حال الإحرام، لما ينهى عنه في حال الإحلال إضافة إلى أن رائحته طيبة.
طالب:. . . . . . . . .
فيه المعصفر، وفيه الزعفران، كل اللونين، والأحمر أشد.
طالب:. . . . . . . . .
الأصفر الغامق مو بالفاتح، وش تسمي هذا؟ أصفر ولا أيش؟ أصفر عرفاً، هذا عند الناس يسمونه أصفر؛ لكن مو بأصفر.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" [متفق عليه].(68/33)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم" ويستمر الطيب في مفرقه -عليه الصلاة والسلام- "كنت أرى وبيص المسك في رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا قبل الإحرام، ويستمر الطيب في البدن، في الرأس لا في الثوب، ولذا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- من أراد العمرة وهو متضمخ بالطيب أن يغسل الجبة، يغسل ما لحق بثوبه لإحرامه، ونساءه -عليه الصلاة والسلام- كن يتطيبن، ويسيل الطيب على وجوههن ويراهن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ينكر، فكونه ينتقل من مكان إلى آخر بنفسه؛ لكن لو حك رأسه ولصق به الطيب، ثم حك وجهه وإلا بدنه عليه شيء وإلا ما عليه شيء؟ هو الذي نقله ما انتقل بنفسه، كونه ينتقل يتسرب هذا شيء ما فيه إشكال، ونص عليه في حديث أمهات المؤمنين؛ لكن كون الإنسان ينقله من مكان إلى آخر محظور من محظورات الإحرام، هل من الأولى والأحوط أن يترك الطيب لئلا ينقله من غير أن يشعر؟ لأن بعض الناس ما يتطيب، يقول: أنا ملزوم أن أتحكك، وملزوم أن ....
نعم كيف؟ يقول: بعض الناس يقول: من باب الاحتياط أنا والله ما أقدر يتحكك الواحد يمين ويسار، وينقله من مكان إلى آخر، وهو لا يشعر فمثل هذا الاحتياط ينفع نعم؟ أنت افترض الطيب دهن عود مثلاً تطيب وإلا ما تطيب؟ طيب وإذا حك رأسه وصار بيده إلى الثوب؟
طالب:. . . . . . . . .
إذاً تلزمه إزالته، إذا نقله من مكان إلى آخر من غير عمد يستمر ولا يزيله، لا الأصل باقي، الأصل يسمونه أيش؟ يعني عندك شيء ابتداء يمنع من ابتدائه ولا يمنع من استمراره، المحرم لا يتطيب؛ لكن يستديم الطيب، المحرم لا ينكح ولكن يستديم النكاح.
طالب:. . . . . . . . .(68/34)
لو نقله بنفسه من غير أن يشعر لزمه إزالته، إذا شعر معفو عنه؛ لكنه يلزمه إزالته، كما لو تطيب ناسياً يلزمه إزالته، فبعض الناس يتورع ويحتاط ويقول وهذا ليس من الورع بشيء، ليس من الورع لا من قبيل ولا من دبير أبداً، الأكمل أن يفعل ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهذه سنة، يتطيب ويحتاط بقد الإمكان، وإذا وقع شيء أو حصل شيء من غير قصد معفو عنه، وإذا نقله بنفسه إلى موضع آخر يبادر بإزالته.
((قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت)) بعد أن يفعل ماذا؟ الرمي فقط، وأيضاً والنحر، كل هذه فعلها قبل أن يطوف، ولو كان طيبه قبل أن ينحر وقبل أن يحلق لقالت: "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" وهذا يستدل به من يستدل بأن الحل لا يحصل إلا باثنين، على خلاف فيما بينهم في إدخال النحر لكن الجمهور على أنه لا يدخل النحر؛ ليس من أسباب التحلل، يعني لو ترك النحر إلى آخر شيء.
طالب:. . . . . . . . .
نعم كيف؟ إذا فعل الثلاث وما نحر، ترك النحر آخر شيء، نعم الآن هذا فعل ثلاثة أو أربعة، فعل الرمي والحلق والطواف والسعي، ما بقي إلا النحر، يعني مقتضى كلامه أنه يحل؛ لأنهم ما علقوا الإحلال بالنحر؛ لكن النصوص أليس فيها دلالة يعني {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] يعني هذا ماله أثر في النصوص؟ ما الذي يمنع القارن من أن يحل؟ الهدي، يعني الهدي لا أثر له في الحل.
طالب:. . . . . . . . .(68/35)
يعني يجوز أن يحلق قبل أن ينحر، وفعله -عليه الصلاة والسلام- ماذا فعل، أول ما بدأ رمى الجمرة، ثم ... نعم طيب المقصود أن الأكثر على أنه لا يتحلل إلا بفعل اثنين من ثلاثة، وليس منها نحر الهدي، وجاء ما يدل على أن التحلل يحصل برمي جمرة العقبة فقط، وهذا الحديث لأنها قالت: "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" يعني الطيب ارتباطه بالحل واضح؛ لكن ارتباط الحل بالطواف وكونه قبل الطواف يدل على أن ما قبله داخل في المنع، يعني قبل الحل، ما قبله، انتبه للعبارات، الآن العلماء استنبطوا من هذا الحديث أنه لا يحل إلا باثنين، استنبطوا منه أيضاً ضعف الحديث الذي فيه: "أن من رمى جمرة العقبة حل له كل شيء، على أن يطوف قبل غروب الشمس من يوم العيد" نعم الحل مشروط على أن يطوف، وعائشة -رضي الله عنها- تطيب الرسول -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يطوف، يعني الحل المؤقت، يعني الآن رمى الجمرة ولبس ثيابه ما طاف قبل غروب الشمس ينزع الثياب، هذا مقتضى الحديث، بل هو منصوصه، هو منصوص الحديث، يعني جاء الأمر بنزع الثياب في الحديث، الحديث حكم بشذوذه لمعارضة هذا الحديث الصحيح، أولاً حديث مختلف في صحته وضعفه؛ لكن حتى على القول بأن إسناده لا بأس به معارض لهذا الحديث.
طالب:. . . . . . . . .(68/36)
نعم القارن؟ مثل غيره، إذا فعل الاثنين خلاص رمى وحلق يحل، ولا يلزمه النحر باعتبار أن النحر جاء تقديمه وجاء تأخيره، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((افعل ولا حرج)) ولولا مثل هذا النص لكان للنحر أكبر الأثر في الحل {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] والمحل: هل هو مكان الإحلال، أو وقت الإحلال؟ يعني مسألة طويلة الذيول، لو بسطناها تحتاج إلى أوقات ما هو بوقت؛ لأن مقتضى النحر وتقديمه على الحلق وتقديمه على الرمي، ما قدم على شيء، جواز تقديمه تأخيره أنه يجوز أن ننحر قبل الصلاة، ألا يجوز لنا أن نرمي قبل الصلاة؟ ويجوز لنا أن نقدم النحر على الرمي، إذاً يجوز لنا أن ننحر قبل الصلاة؛ لكن أهل العلم قالوا: أن وقت نحر الهدي هو وقت الأضحية، على خلاف بينهم في مسألة التقديم في نحر الهدي معروف، قبل وقت نحره، يمكن قبل يوم العيد بعض أهل العلم يقولون؛ لأن السبب انعقد ولا يلزم وقت الوجوب.
طالب:. . . . . . . . .
هو من أعمال الحج؛ لكن هل هو من الأعمال المؤثرة في الحل أو غير مؤثر في الحل؟ الجمهور ما هو مؤثر، ما عدوه منها.
طالب:. . . . . . . . .
إيش هو؟ القارن إذا فعل اثنين يحل {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] وقت حلوله، بلغ وقت حلوله، "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" فيستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب، وأيضاً يتطيب إذا أراد الطواف.
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه شيء، على الخلاف بينهم في الحاج، هل عليه أضحية أو ليس عليه أضحية؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، البدن لا الثوب، البدن لا الثوب.
طالب:. . . . . . . . .
هو ينتقل للثوب، والأصل لا ينتقل للثوب، ولذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- ما عرف عنه إلا أنه يطيب رأسه، البدن أمره سهل؛ لكن يبقى أن الثوب لا، فيمنع بقية البدن من أجل الثوب.
وعن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح، ولا يخطب)) [رواه مسلم].(68/37)
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينكح المحرم)) نفي وإلا نهي؟ نفي، عندكم جزم وإلا رفع؟ مجزوم وإلا مرفوع؟ إذاً نفي وليس بنهي، ويراد من النفي هنا النهي، بل هو أبلغ من النهي الصريح، ((لا ينكح المحرم ولا ينكح)) يعني لا يتزوج بنفسه، ولا يزوج غيره، ولا يخطب، لا لنفسه ولا لغيره، ما دام محرماً، فالمحرم ممنوع من النكاح، والنكاح المنهي عنه يتناول العقد والوطء معاً، ويتناول كل واحد منهما على انفراده، فلا يعقد ولا يطأ، ولا ينكح أيضاً، لا يزوج غير موليته، ولا يخطب امرأة جديدة، لا له ولا لغيره، جاء في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهو محرم؛ لكن هذا وهم من ابن عباس -رضي الله عنهما- فالثابت عن ميمونة نفسها، وعن أبي رافع السفير بينهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوجها وهو حلال، إذا عقد المحرم على محرمة مثلاً، والخاطب والسفير محرم، وتم العقد والعاقد محرم، العقد صحيح وإلا باطل؟ صحيح وإلا باطل؟ الزوج محرم، والزوجة محرمة، والخاطب محرم، والعاقد محرم، نعم أنت افترض الأربعة كلهم محرمون، والشهود أيضاً محرمون، والولي محرم، كلهم محرمون، كل الشلة محرمون، وهل يختلف هذا في كون الزوج فقط محرم أو الزوجة فقط محرمة؟ يختلف الحكم؟ ما يختلف الحكم، المقصود أن العقد فيه مخالفة شرعية، فيه مخالفة لما جاء في هذا الحديث؛ لكن هل هذه المخالفة تقتضي ببطلان العقد؟ يعني هل النهي يعود إلى ذات العقد أو إلى شرطه أو يعود إلى أمر خارج؟
طالب:. . . . . . . . .
العقد صحيح؛ لأن النهي يعود إلى أمر خارج، لا إلى ذات المنهي عنه، ولا إلى شرطه، معنى مقتضى القاعدة.
طالب:. . . . . . . . .
الكلام في العقد، العقد يلزم تجديده وإلا يكفي العقد الأول؟ على مقتضى قول من يقول: كل نهي يقتضي الفساد والبطلان وعدم الصحة هذا باطل، فما حصل نكاح أصلاً يحتاج إلى عقد جديد، والذي يقول: أن النهي لا يقتضي البطلان إلا إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، مثل نكاح الأخت، أو الجمع بين الأختين، بطلان لأنه عاد إلى ذات المنهي عنه.(68/38)
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ باطل وإلا صحيح العقد مع التحريم الإثم لا بد منه؟
طالب: يا شيخ منهي عن ذات النكاح في الإحرام.
لا لو قلنا بهذا كل شيء أجل منهي عنه، أنت انظر إلى أن ذات المنهي عنه، العقد متكامل بشروطه وأركانه وانتفاء الموانع؛ لكن بعضهم يذكر من الموانع أن لا يكون أحدهم متلبس بالإحرام، فيكون المحل غير قابل، وعلى هذا لا بد من تجديده، ولا شك أن تجديده أحوط، باطل على قول من يرى أن كل نهي يقتضي البطلان، هذا الظاهر، أما من يرون جهة الانفكاك أمر ثاني.
وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- في قصة صيده الحمار الوحشي، وهو غير محرم، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، وكانوا محرمين: ((هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء)) قالوا: لا، قال: ((فكلوا ما بقي من لحمه)) [متفق عليه] وعن الصعب بن جثامة الليثي -رضي الله عنه- أنه أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً، وهو بالأبواء، أو بودان فرده عليه، وقال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) [متفق عليه].(68/39)
حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي حينما صاد حمار الوحش، الحمار الوحشي وهو غير محرم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مع صحابته محرمون، واستشكل كونه لم يحرم، وقد جاوز الميقات؛ لكن الجواب عنه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثه مع مجموعة من أصحابه لاستكشاف حال العدو من جهة الساحل، فلم يحرم إلا بعد، المقصود أنه وقت صيده للحمار الوحشي ليس بمحرم، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما استفصل من صحابته، هل منكم أحد أمره بأن يصيد، أو أشار إليه بشيء، يعني أعانه على صيده، قالوا: لا، قال: ((فاكلوا ما بقي من لحمه)) وفي بعض الروايات: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سألهم هل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله، فأخذها النبي -عليه الصلاة والسلام- فأكلها، هذا الحديث يدل على أن من لم يصد الصيد وهو محرم، ولم يصد من أجله، ولم يعن على الصيد أنه له أن يأكل، وحديث الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً، وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه، وقال: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) يعني هل العلة كونه محرم -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني هل علة الرد كونه محرم؟ هذه العلة موجودة في حديث أبي قتادة، النبي محرم -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل هي هذه العلة المؤثرة في الحكم؟ النص على: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) المحرم ممنوع، يحرم عليه {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] وهو محرم في حديث أبي قتادة، وهو محرم في حديث الصعب، قبل في حديث أبي قتادة، ورد في حديث الصعب، قالوا: الوصف المؤثر هنا أنه في حديث أبي قتادة ما صيد من أجله، وفي حديث الصعب أنه صيد من أجله {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ} [(96) سورة المائدة] المراد بالصيد هنا هل هو المصيد أو الاصطياد؟ هل هو المصيد حرم عليكم {مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] أو هو الاصطياد حرام؟ لأنه يصح يأتي هذا وهذا، واللفظ يحتمل هذا وهذا، فالصيد كما يطلق على المصيد، شوف مع واحد حيوان أرنب وإلا طائر مما يؤكل، تقل له: وش هذا؟ يقول: صيد، فأطلق الصيد على المصيد، وتسأل: وين فلان؟ قالوا: راح للصيد، راح يصطاد، فإطلاق الصيد(68/40)
على المصيد ظاهر، وإطلاقه على الاصطياد ظاهر، وفي قوله -جل وعلا-: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [(96) سورة المائدة] يحتمل هذا وهذا، حديث أبي قتادة يدل على أن الممنوع الاصطياد، وحديث الصعب يدل على أن الممنوع الصيد، والفرق المؤثر بينهما أنه في حديث أبي قتادة عند أهل العلم ما صيد من أجل المحرم، وفي حديث الصعب صيد من أجله، ولا يمكن أن يوجد وصف مؤثر غير هذا؛ لأن قوله: ((إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)) هذه العلة موجودة في حديث أبي قتادة، لو كانت موجودة في حديث الصعب لأثرت في حديث أبي قتادة؛ لكن من باب اللطف والتلطف في الرد ذكرها؛ لأن الإحرام يمنع من أكل الصيد في الجملة، ونحن محرمون، والنص من القرآن ظاهر، فهذا من باب التلطف في الرد؛ لأن من أهدي له شيء ينبغي أن يقبله، ولو كان شيئاً يسيراً حقيراً، في نظره، ((لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسٍ شاه)) فالهدية النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل الهدية، ويثيب عليها، فكونه رد هذا واعتذر بهذا العذر المقبول جبراً لخاطر المهدي، أليس بإمكان الصعب أن يقول: أنت حرم صحيح أنت محرم وقبلت من أبي قتادة وأنت حرم؟ ألا يمكن أن يقول هذا؟ لنفترض أن المسألة في غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، اثنين جايبين لك هدية، واحد رجل حمار وحشي، والثاني أرنب، تأخذ من واحد وتأكل، وتقول للثاني: أنا حرم، إذا كنت تعرف أن الظرف الذي من أجله صاد هذا مثل الظرف صار الوصف غير مؤثر؛ لكن إذا كان عندك خبر أن هذا صاحب الأرنب صادها من أجلك، وصاحب الحمار صاده له، ثم بعد ذلك طرأ أن يهديه لك، الوصف مؤثر عند أهل العلم.
"أهدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماراً وحشياً" وفي بعضها: "عضد من لحم حمار" وفي بعضها: "عجز حمار وحشي" المقصود أن يطلق الكل ويراد به البعض، إطلاق صحيح في لغة العرب، "بالأبواء أو بودان" موضعان معروفان، فرده -عليه الصلاة والسلام- للعلة المذكورة, وقال: "إنا لم نَرُدَه" كذا (نردَه) أو (نردُه) أو (نردِه)؟
طالب: نردُه.(68/41)
اثبتوا على رأي، بفتح الدال؟ الآن العامل (لم) أثر العامل على ما بعده، (لم) ماذا تفعل في الفعل المضارع؟ تجزم، هنا يمكن الجزم؟ لو قال: لم نقبلْه، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما فيه إشكال؛ لكن الحرف المضعف المشدد، والحرف المشدد عبارة عن حرفين، ساكن ومتحرك، (لم نردَه) المحدثون يفتحون الدال، والمحققون من أهل العربية يضمونها، يعني لو كان الإدغام مفكوك (لم نردده) صار مثل: (لم نقبلْه) ما فيه إشكال؛ لكن في حال الإدغام الجزم لن يظهر، كالتقاء الساكنين {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] الأصل مجزوم جواب الطلب (يفسحْ) لكن لالتقاء الساكنين حرك بأي شيء؟ بالكسرة {يَرْفَعِ اللَّهُ} [(11) سورة المجادلة] حرك بالكسرة لتعذر السكون، وهنا تعذر السكون نحركه بأيش؟ بالفتح أو بالكسر؟ مثل (يفسحِ الله) (يرفعِ الله) أو بالضم؟ هم يقولون: فيه ثلاثة أوجه: الضم، وعند المحققين في اللغة العربية هو أقواها، وأضعفها عندهم الفتح، عندهم الكسر أسهل من الفتح، مع أنه يمكن ينطق به الكسر؟ (لم نردِه) لو كان الضمير ضمير مؤنث أهدى إليك أرنب فرددتها، فقلت: (لم نردَها) ما فيه إشكال إنك تفتح بدون تردد؛ لكن باعتبار أن الضمير مرفوع مبني على الضم، ومن باب الاتباع عندهم تُضم الدال المشددة، عندهم شيء يسمى الاتباع، كما تقول: الحمد لله، كسرت الدال وأتبعت اللام، أو تضم اللام لتتبعها الدال، الحمد لله، وكل هذا معروف، من باب الإتباع قالوا: تضم الدال، عندنا الأمر يبنى على ماذا؟ على ما يجزم به مضارعه، اشتريت آلة أو اشترى أبوك آلة وما صلحت، وجد فيها عيب، وقال لك: أعطها صاحبها، وش سيقول لك: (ردِه) وإلا (ردَه) ولا (ردُه) وش بيقل لك؟ الآن عندنا أمر والأمر يجزم على ما يبنى به مضارعه، وش بيقول؟
طالب:. . . . . . . . .
الهاء مبنية على الضم ما فيها إشكال في المضارع وفي الأمر مبنية على الضم.
طالب:. . . . . . . . .(68/42)
انتهينا من المؤنث ما فيه إشكال، حتى عندنا في الحديث لو كانت مؤنث ما عندنا إشكال (ردَها) (لم نردَها) هذا ما فيها إشكال في المؤنث، الإشكال في المذكر الضمير مبني على الضم، نضم الفعل وإلا إيش نسوي؟ طيب ضم لي الأمر، وهو يبنى على ما يجزم به مضارعه، وش بيقل لك أبوك: ردُه وإلا ردَه؟ أنتم تسخرون من الذي يقول: ردُه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، دعنا من فك الإدغام، إذا فككنا انتهينا من كل شيء، فكينا الإدغام ما عندنا مشكلة أصلاً؛ لكن الآن الحديث مدغم، وأمرك أبوك أن تعيد الآلة التي فيها عيب وش بيقل لك؟
طالب:. . . . . . . . .
يا أخي دعونا من الفك، لو الحديث مفكوك ما صار عندنا مشكلة، الآن عندنا إدغام، والأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، كيف نصوغ الأمر من هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، القاعدة هكذا، متفق عليه أنه يبنى على ما يجزم به مضارعه، أنا أريد أن أقرر أن كلام المحدثين صحيح، ولو تحامل عليهم النووي وخطأهم، ونقول: لم نردَها، أحياناً يتعذر عمل العامل كالتقاء الساكنين، الآن هل يجوز جر الفعل؟ ما يجوز جر الفعل بالكلية، وليس الفعل مما يدخله الجر، الجر من علامات الأسماء، لماذا قلنا: (يفسحِ الله) (يرفعِ الله) والفعل أصلاً ما يجر،
طالب: للتخلص ...
نعم، ولبيان أثر العامل، لماذا؟ لأننا لا نستطيع أن نرفع، لأننا إذا رفعنا ألغينا أثر العامل، هنا لا بد أن يوجد للعامل أثر، صار ما فيه فرق أن يكون الفعل مجزوم وإلا مضموم، أنا أريد أن أقرر بهذا أن كلام المحدثين صحيح، المحدثون يروونه بفتح الدال، وتحامل النووي وقال: المحققون من أهل العربية، أبداً ولا محققون ولا شيء، في شرح مسلم يقول: "في (رده) ونحو للمذكر ثلاثة أوجه: أوضحها الضم، والثاني: الكسر، وهو ضعيف، والثالث: الفتح، وهو أضعف منه" جاء ما يدل على أن الصعب بن جثامة صاده من أجل النبي -عليه الصلاة والسلام- عند أحمد وابن ماجه، وهذا هو الوصف الحقيقي المؤثر كما ذكرنا.
طالب:. . . . . . . . .
المؤنث؟ يعني ضمير المؤنث؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نعم، وش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
وين الجمع؟ لم نردَه لم نردَه.
طالب:. . . . . . . . .(68/43)
إيه، ما هو بجمع، هو مفرد، المردود شيء واحد.
طالب:. . . . . . . . .
النون هذه ما لها أثر، أردَه يردَه نردَه، ما يختلف الوضع فيها.
طالب:. . . . . . . . .
أصلها تضارِر أو تضارَر؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف هذا؛ لكن الأصل في تضارر إذا فككنا وإن كان ما له علاقة، الاحتمال قائم في أن الراء الأولى مكسورة أو مفتوحة، تضارَر، وهذا متجه أن الوالدة ما تضارَر بولدها، إذا طلبت إرضاعه ما يمكن تقول لها: لا؛ لأنه يلحقها الضرر به، كما أن الوالدة لا ترفض إرضاعه ولا حضانته إذا لم يجد غيرها؛ لأنها تضارِر بهذا، المقصود أن كلامهم من حيث التأصيل صحيح؛ لكن ما هو متعارض مع ما قلناه.
طالب:. . . . . . . . .
هذا أنا أردت أن أقرر الكلام الطويل هذا الذي كثير من الإخوان كأنه مل من تكراره لأقرر أن المحدثين على الجادة.
طالب:. . . . . . . . .
((ولا ينكح)) يعني ما يتزوج ولا يزوج غيره، لا يكون طرف في العقد باعتباره متزوج سواء ذكراً كان أو أنثى، ولا يكون عاقد ما يزوج موليته وهو محرم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحرم، الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)) [متفق عليه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمسة من الدواب)) (من) هذه تبعيضية وإلا بيانية؟
طالب:. . . . . . . . .(68/44)
يعني هؤلاء الخمس بعضاً من الدواب، وليس من جنس الدواب لنقول بيان، هي بيانية تبعيضية، خمس من الدواب، الأصل في الدابة كل ما يدب على وجه الأرض يقال له: دابة، وخصه العرف بذوات الأربع؛ لكن هل الاصطلاح العرفي -العرف الخاص- هو المراد في الحديث؟ المراد الإطلاق، كل ما يدب على وجه الأرض، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [سورة هود: 6] {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [(60) سورة العنكبوت] طيب الطيور من الدواب وإلا ليست من الدواب؟ {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ} [(38) سورة الأنعام] هذه من الدواب وإلا ليست من الدواب؟ يعني العطف يقتضي المغايرة هنا وإلا تنصيص على بعض أفراد العام؟ مغايرة، يعني الدابة غير الطائر، خمس من الدواب وفيهن الغراب والحدأة طيور وإلا ما هي بطيور؟ إذاً الطائر من الدواب صح وإلا لا؟ إذاً وعطف الطائر على الدابة مغايرة وإلا تنصيص على خاص بعد عام؟ نعم تنصيص وإلا مغايرة؟ نعم تنصيص، وقد يقال: أن الطائر في هذه الآية ليست من الدواب؛ لأن الدابة تطلق بإطلاقات كثيرة؛ لكن الأصل فيها الشمول، كل ما يدب على وجه الأرض يقال له: دابة، وفي الحديث يقال: ((خمس من الدواب كلهن فواسق)) جمع فاسق، والفاسق والفسق أصله الخروج، فسقت الرطبة من قشرها يعني خرجت، والفاسق فاسق لأنه خرج عن الطاعة، وهذه الدواب فواسق، يقتلن في الحل والحرم، ثم ذكر العقرب، وهي المعروفة، والحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور، جاء زيادات في روايات منها: "الحية" ومنها: "السبع" وجاء في بعض الروايات: "الذئب والنمر" المقصود أن العلة المؤثرة هنا لنقيس عليها ما يشاركها في العلة، أو نقول: تنصيص وخلاص ما نقيس ما يقتل إلا هذه الخمس؟ وما جاء في النصوص يلحق بها؛ لكن الفسق الوصف هذا له أثر.
طالب:. . . . . . . . .(68/45)
العلة منصوصة، وهي الفسق؛ لكن هل يتفق على معنى الفسق هنا؟ الفاسق الخارج، هؤلاء الخمس وما جاء في بعض الروايات من الزيادات خروجهن وفسقهن على ماذا؟ في كونها مؤذية أو في كونها خرجت عن الجادة في أن كل ما خلق للإنسان وهذه لا تُؤكل فهي ليست له؟ أو نقول: العلة الأذى أو نقول: توقيف ما فيه قياس لعدم الاتفاق على العلة؟ منهم من يقول: العلة عدم الأكل في كونها لا تُؤكل، فيقاس عليها كل ما لا يُؤكل إلا ما جاء النهي عن قتله، ومنهم من يقول: العلة الأذى بجامع الأذى كلها مؤذية، فيقتل كل مؤذي؛ لكن هناك أشياء جاء الأمر بقتلها وإن لم تكن مؤذية، الوزغ مثلاً يقتل في الحرم وإلا ما يقتل؟
طالب: يقتل.
والعلة؟
طالب:. . . . . . . . .
هو القتل والأمر به في الحل هذا ظاهر، والعلة معروفة.
طالب:. . . . . . . . .
دعونا من الوزغ، ما فيه غير الوزغ، عندك صراصير في البيت تجيب بخاخ وتقتلها، أيش يصير؟ تقتل وإلا ما تقتل؟
طالب:. . . . . . . . .(68/46)
المذكورة كلها أذاها ظاهر، العقرب والحدأة والفأر والغراب كلها مؤذية، والكلب العقور والسبع والنمر كلها مؤذية، كلها مفترسة عادية؛ لكن يبقى التنصيص على العلة وهي الفسق إذا قلنا: تقتل لأنها فاسقة فسقها هو أشد من فسق من يعصي الله -جل وعلا- على بصيرة؟ ما هو بأشد، فهل نعتبر هذه علة مؤثرة، أو نقول: فسق لكل شيء بحسبه؟ هذه فسقها بالأذى؛ لأن من أهل العلم من يرى أنها يجمعها عدم الأكل، كلها ما تؤكل إذاً كل حيوان ما يؤكل يجب قتله؛ لكن هذا فيه توسع، توسع غير مرضي، ينافي مقتضى كونه حرم آمن، يعني لو شخص رأى حمار يقتله وإلا ما يقتله لأنه لا يؤكل؟ مقتضى هذه العلة، ولا يستفاد منه، لا يركب وتعطلت منافعه، مقتضى قولهم أنه يقتل؛ لكن هذا ليس بصحيح، والذي يظهر وهو الأقرب أنه الأذى، كل مؤذي يقتل، ولذا القاعدة المقررة عند أهل العلم أن كل ما آذى طبعاً يعني طبعه الأذى فإنه يقتل شرعاً. العقرب والحدأة والغراب، جاء تقييده في بعض الروايات بالأبقع، الغراب الأبقع، وهنا مطلق، عندنا مطلق ومقيد، فهل نقيد بالأبقع أو نقول: الأبقع فرد من أفراد الغراب والتنصيص على الفرد لا يقتضي التخصيص؟ على أنه خص اللفظ بغراب الزرع الصغير، هذا نص على أنه لا يقتل، وقال بعضهم: أنه يقتل، والغراب والفأرة مؤذية بطبعها، والكلب العقور لا شك أنه يغشى على الناس منه، يغشى من ضرره فيبادر بالقتل. ((يقتلن في الحل والحرم)) الذي في الصحيحين: ((يقتلن في الحرم)) أما زيادة الحل فهي موجودة في بعض روايات مسلم، وهي من باب الأولى، إذا قتلت في الحرم تقتل في الحل من باب أولى.
طالب:. . . . . . . . .
سرقت الأمتعة، مؤذية قد تعدو على الأطفال أحياناً مقلقة، نعم، المقصود أنها مؤذية يجمعها الأذى، نعم، الأسد جاء ذكره في بعض الروايات، وهو في حقيقته كلب، كما في حديث: ((اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)) فيدخل في الكلب العقور.
طالب:. . . . . . . . .
ثابت أصلاً، مثل هذه الأمور المنصوصة ثابتة، فسقها ثابت هي تقتل مباشرة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، معروف مميز، العقور هذا لا بد أن يستكشف، هذا لا بد من اكتشافه.
طالب:. . . . . . . . .(68/47)
عاد الصائل له حكم، لو صال غيره من الأمور التي ليس من أصلها، لو صال أدنى حيوان، وليس من عادته الأذى، الصائل له حكمه، فهذا العقور من وصفه أنه يصول ويهجم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو محرم" [متفق عليه].
الحديث تقدم في الصيام، احتجم وهو صائم، احتجم وهو محرم، تقدم الكلام فيه؛ لكن يهمنا هنا أن الحجامة بالنسبة للمحرم لا بأس بها؛ لكن إن تطلبت حلق الشعر حلق الشعر محظور من محظورات الإحرام، والمحظور إذا احتيج إليه يفعله من غير إثم؛ لكن مع فدية، بدليل الحديث الذي يليه، فمن احتاج إلى ارتكاب المحظور يرتفع عنه الإثم، وتبقى عليه الفدية، بخلاف من فعل المحظور من غير حاجة، عليه الفدية وعليه والإثم، يحتاج إلى لبس ثوب أو سراويل للتدفئة مثلاً يلبس ولا إثم؛ لكنه مع ذلك يلزمه الفدية، الحديث الذي يليه هو شارح للذي معنا؛ لأن الحجامة لا أثر لها في الأصل إلا باعتبار أنها أحياناً تطلب حلق الشعر، وإذا حلق الشعر للحاجة فدليلها هو حديث كعب بن عجرة الذي يليه.
وعن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: "حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ((ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى، تجد شاة؟ )) قلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)) [متفق عليه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن كعب بن عجرة الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال: حملت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ((ما كنت أرى أظن الوجع بلغ بك ما أرى)) لكن هل القمل وجع وإلا سبب الوجع؟ وهنا يكون من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب ((ما كنت أرى)) يعني أظن الوجع بلغ بك ما أرى، أتجد شاة؟ الوجع مع القمل، القمل هل هو وجع أو مسبب للوجع أو مسبب عن الوجع؟ يعني هل من الأمراض والأوجاع ما يوجد بسببه القمل، أو أن القمل يوجد ابتداء من غير مرض ولا وجع، ثم ينشأ عنه الوجع؟
طالب:. . . . . . . . .(68/48)
أنتم لا تنظرو إلى الظروف التي تعيشونه، نِعم وتيسر أسباب، انظروا إلى بعض المجتمعات تجدوا أن القمل بهذه المثابة، لا عندهم وسائل تنظيف، ولا عندهم ... شغلوا بما هو أهم من فلي الرأس، أو فلي الثوب، هذا معروف حتى عند العرب، والرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يفلل -عليه الصلاة والسلام-، مثل الظروف التي نعيشها عندك الوقت أربعة وعشرين ساعة تصرف فيها كما شئت؛ لكن كانت الظروف إلى وقت قريب والناس على عاداتهم وعلى سجيتهم، لا يستحم إلا لموجب صحيح، فيكثر فيهم مثل هذه؛ لكن يبقى السؤال الأصلي وهو لا شك أن القمل يوجد مع ترك النظافة في الجملة، يكثر ويقل بسببها؛ لكن هل هو ناشئ عن وجع في البدن، أو يكون مسبباً لوجع؟ لأن التنصيص على أنه: ((ما كنت أرى الوجع)) يعني هل النبي -عليه الصلاة والسلام- استدل بكثرة القمل على وجود وجع عنده بسبب القمل؟
طالب:. . . . . . . . .
من آثاره، بسببه، ((ما كنت أرى)) يعني أظن ((الوجع بلغ بك ما أرى)) يعني أشاهد ((أتجد شاة؟ )) قلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع)) هذا فيه دليل على أن الفدية على الترتيب، هنا قال: ((أتجد شاة؟ )) قال: لا، قال: ((فصم)) مفهومه على أنه لو كان يجد شاة للزمته، وأنه لا يعدل إلى الصيام والإطعام إلا إذا لم يجد الشاة؛ لكن ماذا عن الآية التي نزلت بسببه {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [(196) سورة البقرة] و (أو) هنا للتخيير، فلا شك أن التخيير إجماع بين أهل العلم، فمن لزمته فدية الأذى الثابتة بهذه الآية وهذا الحديث فهو مخير إن شاء ذبح، وإن شاء صام، وإن شاء أفطر، طيب عندنا الحديث: ((أتجد شاة؟ )) قلت: لا، قال: ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم)) ظاهره الترتيب؛ لكن الترتيب هنا ليس على سبيل الإلزام، وإنما هو من باب المشورة، يعني إن كنت تجد شاة فهي أنفع للفقراء فاذبح من باب المشورة لا على سبيل الإلزام بدليل الآية، والتخيير إجماع عند أهل العلم.(68/49)
((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين)) يذكر عن الحسن وعكرمة أنهما قالا: الصيام عشرة أيام؛ لكن الحديث رد عليهم، ((فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع)) ومنهم من يرى أن الإطعام صاع كامل من غير البر، وأن البر نصف صاع، قياساً على الفطرة، زكاة الفطر من رمضان، ومنهم من يرى أنه نصف صاع من غير البر، ومن البر مد؛ لكن الحديث نص في أن الفدية هنا: ((لكل مسكين نصف صاع)) ولذا المتجه في الكفارات كلها أن لكل مسكين نصف صاع.
وصى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(68/50)
بلوغ المرام _ كتاب الحج (3)
حرمة مكة وصفة الحج ودخول مكة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً وبعد فقد قال: الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- أثناء أحاديث باب الإحرام وما يتعلق به:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما فتح الله على رسوله مكة، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين)) فقال: العباس إلا الإذخر يا رسول الله؛ فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال: ((إلا الإذخر)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: لما فتح الله على رسوله مكة: وذلك في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الناس خطيباً، ومن متطلبات الخطبة الحمد والثناء على الله -جل وعلا-.
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: كعادته -عليه الصلاة والسلام- في خطبه، ((أما بعد، فإن الله حبس)): اختصر هذا، واقتصر على المطلوب، كما أن الراوي لم يسق لفظ الحمد والثناء الذي بدأ به النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: ((إن الله حبس عن مكة الفيل)): في القصة المشهورة التي استفاضت بل توارت، وذلك لما أراد أبرهة هدم الكعبة، فأنشأ كعبة في بلده؛ ليصرف الناس عن هذه فلم ينصرف الناس، فصمم وعزم على هدم الكعبة، وسار بجيشه إليها، فحبسه الله -جل وعلا- في الوادي المعروف، وادي محسر.(69/1)
((حبس عن مكة الفيل)): هذه القصة أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- إشارة هنا، ونزل فيها سورة كاملة، والإشارة هنا باعتبار أنها قضية استفاضت وانتشرت بينهم، ومثل هذه القصة التي تستفيض وتنتشر بين الناس، وتبلغ مبلغ التواتر الذي يفيد العلم القطعي يعبر عنها بالرؤية، كأنها مرئية عندهم، ولو لم يدركوها؛ لأن بعضهم ما أدركها، فجاء الخطاب بقوله -جل وعلا-: {أَلَمْ تَر} [(1) سورة الفيل]، النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، وخوطب بهذا {أَلَمْ تَر}؛ وذلكم لأنها استفاضت واشتهرت، وعرفها الخاص والعام فصارت بمنزلة المشاهد في القطعية، وقل مثل هذا في ما حل بالأمم السابقة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] إلى غير ذلك من القصص التي تستفيض وتشتهر ويعرفها الخاص والعام، تنزل منزلة المشاهد.
قال: النبي –عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله حبس عن مكة الفيل))؛ لأنهم مفسدون، ((وسلط عليها رسوله والمؤمنين)) لأنه مصلح.
((وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار)): فقط، استثناء من الحكم العام؛ لأن الله -جل وعلا- حرم مكة، وجعلها حرماً بلداً آمناً.
وحرمها إبراهيم -عليه السلام- بتبليغ تحريم الله لها: {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا} [(126) سورة البقرة]، في آيتين: {اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا} و: {اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} [(35) سورة إبراهيم]، فيه فرق بينهما ولا ما فيه فرق؟
طالب:. . . . . . . . .
ما الفرق؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني اجعل هذا المكان قبل أن يكون بلداً يُجعل بلد موصوف بكونه آمن، فلما قامت بلدة متكاملة أشير إليها، فالإشارة في الأولى إلى المكان، وفي الثانية إلى البلد.
((وإنها لم تحل لأحد كان قبلي))؛ لأنها محرمة، ومقتضى التحريم ألا يسفك بها دم، وألا يختلى الخلا -الذي هو الحشيش الرطب- ولا ينفر الصيد، ولا تحل لقطتها وضالتها، إلا لمنشد، حيث لا يتملكها، كما جاء في الحديث وغيره.(69/2)
((أحلت لي ساعة من نهار)): الساعة هي مدة الفتح، الساعة مقدار من الزمان، وليس المراد بها الساعة الفلكية بحيث يقال أنه أحلت له ستين دقيقة، لا، مقدار من الزمان كافي لإنجاز المهمة.
((وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي)): فلا يحل القتال فيها، لا يحل القتال بعد الفتح، ولا القتل، أما البداءة بالقتال فلا إشكال فيها فإنها لا تجوز، وإذا خرج على الإمام أحد واحتيج إلى قتاله أو ارتكب ما يوجب القتل من قتله لنفس معصومة، مع توافر الشروط وطلب القوَد أو الردة مثلاً، أو زنا مع إحصان، أو غير ذلك مما يوجب القتل، فالمسألة خلافية بين أهل العلم، هل يقتل فيها من استحق القتل أو يضيق عليه حتى يخرج فيقتل خارج الحرم؟ مسألة معروفة عند أهل العلم، لكن القتل بحق يرى جمع من أهل العلم أن من استحق القتل شرعاً لا يدخل في التحريم؛ لأنه ليس له حرمة، فيكون قتله كقتل بهيمة الأنعام، حلال ما دام مستحقاً للقتل.
((فلا ينفر صيدها)): الصيد الآمن المستقر لا يتعرض له بحيث ينتقل من مكان إلى آخر، ومن باب أولى إذا كان بقصد الإخراج من الحرم حتى يقتل، حتى قال بعض العلماء أنه لو وقع صيد على ثوبه فأراد أن يلبس هذا الثوب، ومن مقتضى ذلك أن الطائر يطير، فيعرض له ما يقتله يكون مسئولاً عنه؛ لأنه متسبب، يعني افترض أنك علقت ثوبك في مكان، فجاءت حمامة وقعت عليه، أردت الثوب فطارت، ضربت الحمامة بالمروحة وماتت، عند بعض العلماء تضمن؛ لأنك نفرته، فأنت متسبب في قتله، وهذا من المبالغة في تعظيم هذا البلد الآمن، فما أعظم جرم من يخيف الناس فيه، نسأل الله السلامة والعافية.
((ولا يختلى خلاها)): يعني لا يقطع شوكها، لا يقتلع شوكها، يعني لا يقطع، والخلا: الذي جاء في بعض الروايات هو الحشيش الرطب، فإذا يبس قيل له حشيش، فلا يختلى ولا يقطع، ولا الشوك وإن زعم بعضهم أن الشوك يقطع؛ لأنه مؤذي كالفواسق قياساً على الفواسق، لكنه قياس فاسد الاعتبار لماذا؟ لأنه في مقابل النص، قياس في مقابل النص فهو فاسد.(69/3)
((ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد)): الضالة، اللقطة لا تحل إلا لمنشد لمن يعرفها أبد الدهر، بحيث لا يتملكها بعد التعريف، بخلاف اللقطة في غير مكة، تعرف سنة ثم تملك.
((ومن قتل له قتيل فهو -أي ولي الدم- بخير النظرين)): بخير النظرين، يعني له الخيار، له الخيار، إما أن يفدي القتيل ويدفع الدية إذا اختار ذلك ولي الدم، وإما أن يقيد من نفسه فيقتل به، يعني مع الكفاءة وتوافر الشروط وطلب ولي الدم، وكأن في هذا إشارة إلى أن القصاص يجوز في مكة؛ لأنه سيق مع تحريم مكة، وأنها محرمة أبد الآباد إلا في هذه الساعة التي أبيحت وأحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
فقال: العباس: ابن عبد المطلب عم النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إلا الإذخر يا رسول الله": هو عم النبي -عليه الصلاة والسلام- وجاء في الحديث الصحيح بشأنه أن عم الرجل صنو أبيه، لكن هل لهذه القرابة أثر في تقرير حكم شرعي؟
قال العباس: إلا الإذخر: يعني لو قاله شخص من أبعد الناس قال: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، هل يتأثر الحكم، يعني قال: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إلا الإذخر)) يعني لو تصورنا أن شخصاً من أبعد الناس، من أطرف القبائل، فقال: يا رسول الله، إلا الإذخر فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، يتصور أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لا؟ وهل إجابة الطلب والاستثناء نزولاً على رغبة العباس برأيه -عليه الصلاة والسلام- مراعاة لخاطر عمه أو بوحي من الله -جل وعلا-؟ أو باجتهاد أقر عليه -عليه الصلاة والسلام-؟؟ ليست مجاملة أبداً، يسمى عند أهل العلم الاستثناء التلقيني، لكن الوحي نزل بالاستثناء؛ نظراً للحاجة الداعية إليه.(69/4)
وهل يمكن أن يقال: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يخطر بباله حينما تكلم بما ذكر ولا يختلى شوكها ولا يختلى خلاها، والإذخر حشيش نبت طيب الرائحة يجعلونه في القبور بين اللبِن؛ لئلا يتسرب التراب إلى الميت إذا نصب اللبن على اللحد يجعل بينه أذخر، وكذلك في البيوت يجعلونه بين الأخشاب؛ لئلا يتسرب الطين وينزل من بين الخشب، المقصود أنهم يستفيدون منه وإلا فهو داخل في الخلا والحشيش الذي لا يقطع ولا يختلى، لما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها لا ينفر صيدها ولا يختلى خلاها ولا يقطع شوكها ولا كذا ولا كذا يعني هل في ذهنه استثناء الإذخر أو ليس في ذهنه؟
المقصود أن إقرارا الاستثناء بوحي من الله -جل وعلا-: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم]، ولا لأحد أي مدخل في التشريع وفي الوحي.
بعض الكُتَّاب يكتب في الصحف أن بعض الأحاديث وبعض الأحكام اكتسبت من الحضارات الأخرى، واستفيدت من الأمم المجاورة، ويستدل على ذلك بحديث: ((كنت قد أردت أن أنهى عن الغيلة -يعني الرضاعة وقت الحمل- فإذا فارس والروم يغيلون فلا يضرهم)) تأثر النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعل فارس والروم، وعدل عن الحكم وبيانه، هل هذا الكلام صحيح؟(69/5)
هذا الكلام يكتبه بعض أهل الزيغ الذين يتتبعون أمثال هذه المتشابهات، علماً بأن الحديث ليس من المتشابه، واضح الغيلة تضر، لكنها بالنسبة لبعض الناس دون بعض، والشرع للجميع، الرسالة عامة لجميع من على وجه الأرض بعد بعثته -عليه الصلاة والسلام-، ليست للعرب خاصة، هي في بلاد العرب وفي بيئتهم قد تضر، والذي يضر ينهى عنه، لكن لما كان التشريع عاماً للناس كلهم عربهم وعجمهم، العرب وفارس والروم والبربر والترك وغيرهم، وما نسبة العرب بالنسبة لغيرهم؟ نسبتهم قليلة، والحكم للغالب، لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الغالب لا يتضرر عدل عن النهي؛ لأن الحكم للغالب، ويبقى الأمر بالنسبة لمن يتضرر ينهى عن ذلك للضرر، فلا مدخل لأحد في تشريع حكم كائناً من كان، لا العباس ولا غير العباس، ولولا أن هذا نزل الوحي بإقراره، أو اجتهاد من النبي -عليه الصلاة والسلام- ووفق عليه ولم يعاتب عليه، على الخلاف بين أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كل ما يقوله وما يحكم به ينزل به الوحي أو يجتهد، له أن يجتهد ويقر على اجتهاده، أو يعاتب عليه كما جاء في بعض المسائل.
المقصود أن هذا مقر شرعاً، وقل مثل هذا في الرؤيا، عبد الله بن زيد بن عبد ربه في الأذان، قد يقول: قائل هل الرؤيا يثبت فيها حكم شرعي؟ نقول لا، لا يثبت فيها حكم شرعي، هذه الرؤيا رؤيا الأذان اكتسبت الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو لا يقر على باطل، وعلى هذا من جاء برؤيا تخالف ما جاء في النصوص فلا التفات إليها، مهما بلغت منزلة رائيها.
"إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا فقال: ((إلا الإذخر)) متفق عليه: هناك نصوص قد يتذرع بها بعض من يتتبع المتشابه.
هناك كلمة أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ينهى عنها فمنعه الحياء، اللي هي "ما شاء الله وشئت"، وهل الحياء يمنع من إقرار الحكم؟ نعم؟
ليس فيها حكم شرعي، ما ورده عن الله -جل وعلا- ما يقتضي المنع، وأراد أن ينهى عنها لما فيها من المبالغة في تعظيمه الذي لم يرد الشرع بالنهي عنه.(69/6)
كل إنسان سوي لا يحتمل المبالغة في تعظيمه، لكنه لما كان الدافع إلى ذلك التعظيم يخجل الإنسان أن يرد مثل هذا، وهذا في المسائل التي لا دليل فيها، أراد أن ينهى عنها لما فيها من المبالغة في تعظيمه -عليه الصلاة والسلام- ولم يأت إليه ما يقتضي التحريم، فلما قيل له إنكم تقولون كذا وكذا جاء الخبر بتحريمها فحرم وجزم بالتحريم، فأراد أن ينهى عنها لما فيها من المبالغة.
وبعض الناس لا يحتمل بعض أنواع التقدير والاحترام الذي يقدم عليه، لا سيما من الكبار، فيتمنى أن يكف هذا عن مثل هذا، إلا أنه يخجل يعني ما فيه مبرر أن يمنعه، وإن كانت المسألة نفسية.
لما جاء الخبر أو جاء الوحي بتحريم هذا اللفظ ما تردد في تحريمه -عليه الصلاة والسلام-.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إلا الإذخر)): فالبيت معظم والحرم محترم فلا يجوز انتهاكه بحال من الأحوال.
من أفسد واعتصم به ولم يخرج أو بغى على الإمام وخرج عليه، الجمهور على أنه يقاتل؛ لأنه مستحق للقتل، ولا حرمة له، وإن ضيق عليه حتى يخرج كما يقول بعض أهل العلم، ففيه أيضاً تحصيل لمصلحة تعظيم البيت، وتحصيل لمصلحة قمع مثل هذا، أما إلا إذا كان هناك من يمده بالمؤونة بحيث يبقى أطول مدة ويسري فساده ويعرض فساده، مثل هذا يبادر والله المستعان.
في قوله -عليه الصلاة والسلام: ((سلط عليها رسوله .. )) ((أحلت له)) مع ما يعرف من أنه -عليه الصلاة والسلام- دخل وعليه المغفر، هو دخل من جهة وخالد من جهة، وحصل قتل يستدل بها الجمهور على أن فتح مكة كان عنوة، والشافعي -رحمه الله- يرى أنها فتحت صلحاً ويستدل ويؤيد كلامه بأنها لم تقسم بين الغانمين، والجمهور على أنها فتحت عنوة، والأدلة على ذلك ظاهرة، وكونها لم تقسم تكون مما منَّ به النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهل هذا البيت من أقاربه وعشيرته وغيرهم منَّ بذلك كما منَّ عليهم بذواتهم، وأنهم طلقاء منَّ عليهم بممتلكاته كما فعل في غنائم حنين قسمها ثم أعادها.(69/7)
وعن عبد الله بن زيد بن عاصم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا إبراهيم لأهل مكة)) متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن زيد بن عاصم: هذا راوي حديث الوضوء، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي خبر الأذان، وإن زعم بعضهم أنهما واحد -.
رضي الله عنه-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن إبراهيم)) الخليل -عليه الصلاة والسلام- ((حرم مكة)): في بعض الروايات: ((إن الله)) -جل وعلا- ((حرم مكة)): والأحكام مردها إلى الله -جل وعلا- فهو الذي يحرم وهو الذي يبيح ويحلل، لكن الأنبياء يبلغون عن الله -جل وعلا- هذه الأحكام، فإذا نسب التحريم والتحليل إلى من الله -جل وعلا- فهو الأصل، وإذا نسب إلى أحد من أنبيائه ورسله فباعتبار التبليغ، والله -جل وعلا- يتوفى الأنفس حقيقة، ويتوفاها رسله على سبيل النيابة.
((إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها)): {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [(126) سورة البقرة].
((ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة)): المدينة: هذا اللفظ إذا أطلق يراد به مدينة النبي -عليه الصلاة والسلام- طيبة، مهاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا على الإطلاق.
وبعضهم يدلس إذا اشتهرت المدينة النبوية بشيء يمتاز عن غيره ووجد في غيرها ما هو دونه من السلع، بعضهم ينادي هذا مثل أن يقول: هذا نعناع المدينة، هذا وجد فإذا شممته ما وجدت رائحة نعناع المدينة، فإذا نوقش قال: نعم، هذا نعناع المدينة، أنا أقصد الرياض أو الخرج أو القصيم أو كذا المدينة.
فالمدينة إذا أطلقت يراد بها المدينة النبوية، ((وإني حرمت المدينة))، يعني هل لأهل جدة أن يقولوا لنا نصيب من هذا الحديث؛ النبي حرم المدينة وجده مدينة أو الرياض مدينة؟
ليس لهم نصيب من هذا.(69/8)
((وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها)): يعني بالبركة فيما يكال بالصاع والمد أن يبارك فيه، ودعا -عليه الصلاة والسلام- بنقل الحمى منها إلى الجحفة، فدعا بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة.
والبركة ظاهرة بسبب الدعوة النبوية، يلمسها كل من يسكن في المدينة أو يفد إلى المدينة، ولو قصرت مدت إقامته.
مقتضى التحريم ((وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة)) من بعض الوجوه، لا من جميع الوجوه، صيد المدينة حرام وإلا حلال؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والشجر نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هم يختلفون بالنسبة لتحريم هذه الأمور بالنسبة في المدينة مع اتفاقهم على النص الوارد في مكة، أما بالنسبة للتحريم بعضهم يرى أن هذه الأمور محرمة لكن لا جزاء فيها، هي محرمة لا جزاء فيها، مع تحريمها لا جزاء فيها، وأقيمت الحدود بالمدينة ولا خلاف في إقامة الحدود في المدينة كالخلاف في إقامتها بمكة؛ الحدود بمكة بعضهم يخالف.
حدود المدينة النبوية:
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور)) رواه مسلم.
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور)): هما جبلان بالمدينة في شمالها وجنوبها، وبعضهم يشكك في ثور ويجعل هذه الكلمة وهم؛ لأن جبل ثور معروف أنه بمكة، فيقول: هذا وهم، لكن بالتحري والتأكد، وسؤال أهل البلد من قبل أهل العلم وجد أن بالمدينة جبلاً يقال له ثور، قريب من أحد، فحدودها من الشمال إلى الجنوب ما بين عير إلى ثور، ومن الشرق إلى الغرب ما بين اللابتين، ما بين لابتيها.
طالب:. . . . . . . . .
نعم الجبلين نعم ومن الشرق إلى الغرب اللابتين، والصنعاني يرى أن هذا الحديث مفسر للابتين، أي ما بين عير إلى ثور تفسير لما بين اللابتين، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الحرتين شرقية وغربية، وهذان الجبلان يكتنفان المدينة من الشمال إلى الجنوب.
قال: الإمام الحافظ بن حجر -رحمه الله-:
"باب صفة الحج ودخول مكة:(69/9)
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج فخرجنا معه، حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس، فقال: ((اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي))، وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء، حتى إذا استوت به على البيداء أهلَّ بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك))، حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم أتى مقام إبراهيم فصلى ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: (({إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة]، أبدأ بما بدأ الله به)) فرقي الصفا حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده))، ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعد مشى إلى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا" فذكر الحديث وفيه: "فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، وركب النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، فأجاز حتى أتى عرفه، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب الناس، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر، ولم يصلِّ بينهما شيئاً، ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً، حتى غاب القرص ودفع وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: ((يا أيها الناس، السكينة، السكينة)) كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وأقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة، ثم(69/10)
ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة، فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر، ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر" [رواه مسلم مطولاً].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب صفة الحج ودخول مكة: وذكر فيه أحاديث منها ومن أشملها حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو حديث جليل عظيم عني به أهل العلم وصنفوا في شرحه المؤلفات، واستنبطوا منه الفوائد، وهو بمجموعه وبرواياته منسك متكامل لنسك صحيح كامل.
يقول: وعن جابر-رضي الله تعالى عنهما-: جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حج: يعني أذن بالحج وأمر بتبليغ الناس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- عازم على الحج، فاجتمع بالمدينة خلق كثير؛ كلهم يريد أن يأتم ويقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ليؤدي هذه الفريضة العظيمة والركن من أركان الإسلام على مراد الله -جل وعلا- على وجه مرض لله تعالى.
فخرجنا معه: يعني من كان من أهل المدينة ومن وفد إليها من الأطراف.
حتى أتينا ذا الحليفة: الميقات، فولدت أسماء بنت عميس: زوجة أبي بكر الصديق، وكانت قبله تحت جعفر بن أبي طالب، وبعد أبي بكر تزوجها علي بن أبي طالب.
فولدت أسماء بن عميس، خرجوا من المدينة مسافة قصيرة ويسيرة، فولدت هذه المرأة، والذي يغلب على الظن أن مقدمات الولادة بدأت قبل خروجها من بيتها، ومع ذلك حرصها وهي تمثل النساء في زمنه -عليه الصلاة والسلام- بحرصها على دينها وعلى الاقتداء والائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- خرجت وهي في الطلق، والناس اليوم يسوفون ويتعللون ويعتذرون، تقول للواحد أو للواحدة: حج هذا العام ما تدري ما يعرض لك، ومع ذلك يقول -مثل ما ذكرنا سابقاً-: تسليم البحث في أول يوم من الدارسة، هذه امرأة في الطلق تخرج عشرة كيلو ثم تلد.(69/11)
كثير من الناس مجرد ما يعرف أن المرأة حامل، مجرد ما يخرج التحليل يقول: خلاص ما فيه امكثين في المكان، لا روحة ولا جية، لا حج ولا غيره، وكل هذا يعبر عن الاهتمام والتساهل، فالذي يهتم بالأمور الدنيوية تجده يحتاط لها أشد الاحتياط، وأمور العبادات على التراخي.
ذكرنا أن بعض الناس يتعذر بالبحث وبعضهم يقول: هذه السنة ربيع، أعذار واهية، وأسماء بنت عميس بعد أن أخذها الطلق تمشي للحج، ولا شك أن الاعتماد على الله والارتباط به له أثر كبير في حياة الناس.
يذكر الجيل الذي قبلنا أن المرأة في الشهر التاسع وقبيل الولادة تزاول من الأعمال ما لا يستطيع كثير من الرجال في هذا الوقت، تجذ النخل الطوال وهي في التاسع من الحمل، نعم، وتجلب الماء من الأماكن البعيدة وتحمل الثياب لغسلها في موارد المياه، وتخدم زوجها وضيوفه، ومع ذلك هي على هذه الحالة، ومع ذلك لما فتحت الدنيا واسترخى الناس صار أدنى شيء يؤثر، فالله المستعان.
ولدت أسماء بنت عميس: في آخر القعدة قبل دخول الشهر بخمس ليالي ولدت، طيب، متى يتوقع أن تنتهي من النفاس؟، يعني إذا كان نفاس عادي أربعين يوم، فهي لن تنتهي من نفاسها إلا بعد خروج شهر ذي الحجة، مع أن النفاس لا حد لأقله، فلم يذكر في قصتها أنها أخرت الرفقة أو تأخرت عن الرفقة، فلعلها طهرت في مدة يسيرة ولحقت بالناس، لكن اليوم يحسب لهذه الأمور حسابات طويلة، كثير من الناس إذا ذهب بموليته من زوجته أو ابنته يسأل عن الاستثناء، يقول: احتمال تنزل الدورة الشهرية ثم تحبسنا، المشقة اللاحقة بالناس قبل شيء ما يتصور يعني، بعض الجهات أشهر حتى يصل إلى مكة، نحن في سويعات نذهب ونرجع، ومع ذلك نحتاج نستثني ونحتاج نحتاط على شان ما تحبس الرفقة، وبعضهم بينه وبين مكة ساعتين أو ثلاث أو خمس ثم بعد ذلك يلجأ إلى القول بأن الحائض تطوف لئلا تحبس الرفقة!!
الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي))، دلَّ على أنها تحبس الرفقة، الناس ما يصبرون على مثل هذا ولا زمن يسير؟(69/12)
فعلى المسلم أن يهتم بدينه ويعظم شعائر الله في نفسه، لا يتساهل بمثل هذا التساهل، أما أن يستثني ويعود بها بعد أن أحرمت، وبعضهم يقول: لا ما يحتاج تحرم، يحتاج عمرة؛ لئلا تحبسنا، كل هذا من التساهل والتفريط بالأجور العظيمة المرتبة على هذه الأعمال.
ولدت أسماء بنت عميس فقال: ((اغتسلي))، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اغتسلي)) كما يغتسل من أراد الإحرام، فدل هذا على أن الحائض والنفساء تغتسل عند إرادة الإحرام، وأنها تحرم مثل الناس إحرام عادي، تدخل في النسك، وتفعل جميع ما يفعله الحاج إلا الطواف.
((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)): وهذا العموم يشمل جميع ما يتطلبه الحج من أركان وواجبات وسنن ولا يستثنى من ذلك إلا الطواف، ولا يعني أنه بعمومه يتناول قراءة القرآن كما قال البعض، يقول: الحاج يقرأ القرآن إذن الحائض تقرأ القرآن، إذ أنه يقول: افعل جميع ما يفعله الحاج ومن ذلك قراءة القرآن! لكن قراءة القرآن ليست من أعمال الحج المقصودة، فلا تحتاج إلى استثناء في مثل هذا.
((اغتسلي واستثفري)): يعني تحفظي، الاستسفار عندهم أن يربط حبل في وسط البدن، ثم يؤتى بخرقة يلف بها الفرج وما حوله وترتبط بهذا الحبل.
((استثفري بثوب وأحرمي)): دليل على أن الحائض والنفساء تحرم؛ إحرامها صحيح وتغتسل قبله على سبيل الندب.
وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد: خرج من المدينة، بعد مدة يسيرة وصل إلى المحرم -ذي الحليفة- صلى بالمدينة الظهر أربعاً، ثم صلى بذي الحليفة العصر ركعتين ثم المغرب ثم العشاء ثم الفجر ثم الظهر، ثم أحرم وإحرامه بعد صلاة الظهر، وإن قال بعضهم إنها بعد الفجر، هو صلى ركعتين سواء كانت الظهر أو الفجر.(69/13)
وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد: ووقع إحرامه بعد صلاة، ولذا يستحب العلماء أن يكون الإحرام بعد صلاة، إن كانت فريضة فبها ونعمت، وإلا صلى ركعتين نافلة، ومنهم من يرى أن الإحرام ليس قبله صلاة، وإنما وقع هذا اتفاقاً من النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر ثم أحرم، لكن مقتضى حديث صل في هذا الواد المبارك وقل، مقتضاه أن الإحرام يكون بعد صلاة؛ للربط بين الأمر بالصلاة والأمر بالإحرام، وهذه حجة من يقول: هناك سنة للإحرام، إن لم يكن هناك فريضة تغني عنها، وله وجه.
وصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء أهل بالتوحيد: وعرفنا في حديث ابن عباس السابق أنه بعد أن صلى في المسجد أحرم أهل، ثم لما استقلت به دابته أهل، ثم لما استوت به على البيداء أهل بالتوحيد، وكل ذكر ما سمع.
أهل بالتوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك)): أهل بالتوحيد، بتوحيد الله -جل وعلا- خلافاً لما كان عليه الناس في الجاهلية من الشرك بالله تعالى، لبيك لا شريك لك إلا شريكاًَ هو لك، تملكه وما ملك، هذا الشرك بعينه، ولذا جاءت تلبيته -عليه الصلاة والسلام- بالتوحيد: ((لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك)): إن وأن روايتان، وهي جملة تعليلية, لا شريك لك. حتى إذا أتينا البيت استلم الركن: المراد به الحجر الذي في الركن، استلم الركن، ثم شرع في الطواف استلام الركن سنة، يحرص عليها الحاج والمعتمر؛ اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- إن لم يتيسر له الاستلام بيده استلمه بما في يده من عصا ونحوه، وإن لم يتيسر أشار إليه.(69/14)
ثم شرع في الطواف فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً: الرمل الإسراع، الهرولة ثلاثاً: يعني ثلاثة أشواط، وإذا حذف التمييز جاز التذكير بالتأنيث، فرمل ثلاثاً، والرمل سنة؛ وسببه أن المشركين في عمرة القضاء قالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، وجلس المشركون مما يلي الحجر، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- الشوط الأول والثاني والثالث، ثم يمشي بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم، وليس في هذا مراءات وإنما هي إغاظة للكفار: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [(120) سورة التوبة]، هذا من إغاظتهم، فهو مشروع.
يقول: حتى إذا أتينا البيت استلم الركن: والبيت: المراد به الكعبة وتحيتها الطواف، والمسجد أوسع، وتحيته الركعتان.
حتى إذا أتينا البيت استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً: ولم يمنعه -عليه الصلاة والسلام- من الرمل في الأشواط السبعة إلا الإبقاء عليهم؛ لأنه بعد السفر وبعد التعب شاق، فيشق على بعضهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نبي الرحمة، نبي الرأفة يعز عليه ما يشق على أمته، ولذا ندم على دخوله البيت؛ لئلا يشق على أمته -عليه الصلاة والسلام-.
والسبب والباعث والعلة في مشروعية الرمل قول المشركين، ارتفع هذا السبب بعد ذلك، فهل ارتفع الحكم؟
لا، لمَّا جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع رمل ثلاثة أشواط، لكن بدلاً من أن يمشي بين الركنين استوعب الأشواط الثلاثة بالرمل، وهذا هو الفرق، وهذا في أول طواف، الرمل يشرع في أول طواف بعد ما يقدم الإنسان، ويكون معه الاضطباع: بأن يخرج منكبه الأيمن، ويجعل طرفي الرداء فوق منكبه الأيسر.
مشى أربعاً ثم نفر إلى مقام إبراهيم: مقام إبراهيم، ويطلق على المكان الذي قام فيه، كما أنه يطلق على الحجر الذي في هذا المكان.
وهل السنة متعلقة بالمكان أو بالحجر؛ لأن الصيغة مقام تشمل المكان كما هو الأصل الذي قام فيه، والحجر الذي قام عليه، فهل الحكم مرتبط بالحجر أو بالمكان؟
في وقته -عليه الصلاة والسلام- الحجر في مكانه ملاصق للكعبة، ثم أبعد عنه قليلاً في زمن عمر -رضي الله تعالى عنه- فهل الحكم متعلق بالمكان والمقام يتناوله أو هو متعلق بالحجر؟(69/15)
يعني لو اقتضت المصلحة أن الحجر يبعد أيضاً ويكون في الأروقة، تكون السنة تتبع هذا الحجر في الأروقة وتترك المساحة الطويلة بينه وبين الكعبة، أو أن الحكم متعلق بالبقعة التي قام فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
لأن الأصل أن يبقى الحجر في مكانه؛ لأنه ترتبت عليه أحكام شرعية، لكن لما اجتهد الخليفة الراشد وأبعده عن مكانه صار للاجتهاد فيه مسرح، يأتي من يأتي فيما بعد يقول: أنه الآن حجر ضيق على الناس، وألف في هذه المسألة رسائل، مقام إبراهيم وهل يجوز تقديمه وتأخيره مسألة معروفة عند أهل العلم، وكتب فيها المعلمي بهذا الاسم "مقام إبراهيم"، ثم رد عليه "نقض المباني من فتوى اليماني" ثم رد على من رد عليه، المقصود أن المسألة طال فيها الكلام، فإذا قلنا أن المسألة تقبل الاجتهاد، فإذا كان وجوده مضر بالناس وتسبب في وفيات وزحام وما أشبه ذلك ورأى المجتهدون -مجتهدو الأمة في عصر من العصور- واتفقت كلمتهم على أنه ينقل، مسألة خلافية بين أهل العلم، لكن الذي يهمنا الحكم الشرعي: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]، هل نتبع الحجر أينما ذهب به؛ لأن الأحكام متعلقة به أو المكان الذي قام فيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- أو نقول يبقى الحجر في مكانه، ولا يجوز أن نتعرض له بشيء والحكم متعلق به؟
طالب:. . . . . . . . .
يكون الحجر الذي هو المقام بين المصلي والقبلة، لكن أنت افترض أنه اجتهد العلماء وقالوا: هذا الحجر الذي ضيق المقام يبعد ويدخل في الأروقة ..
طالب:. . . . . . . . .
وراء الأروقة، يعني ولو اقتضى الأمر أن الناس يصلون وراءه مع شدة الزحام وخرجوا عن المسجد.
طالب:. . . . . . . . .(69/16)
إي لكن أين مقام هذه الكلمة، بتصريفها تشمل البقعة، يعني لولا أن الاجتهاد من الخليفة الراشد عمر -رضي الله تعالى عنه- لكان المتجه أن يبقى في مكانه؛ لأنه تعلقت به أحكام شرعية، وجد هذا الاجتهاد من هذا الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به والعمل بسنته، فيه أحد يتطاول على عمر بن الخطاب ويقول: فعل عمر أو اجترأ عمر، لا ما هو بصحيح، خلافاً لما يقول: هـ بعض الناس البدعة سيئة ولو كانت من عمر، هذا ليس بصحيح.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الآن خلِّ الحجر وراءنا، ونصلي إلى القبلة.
طالب:. . . . . . . . .
طيب المكان هو الأصل، الآن الحجر ليس في مكانه.
طالب:. . . . . . . . .
الآن منقول الحجر عن مكانه الأصلي، نستدبر الحجر ونصلي إلى الكعبة نفس المقام مكان المقام الأول؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا بناء على أن المقام المكان الذي قام فيه، وأن الحجر كغيره من الأحجار، لكن أيضاً كما يتناول المكان يتناول الحجر الذي قام عليه هو مقام، نعم، يعني مثل ما تقول لهذا الكرسي هذا مقعد فلان، أزيل هذا الكرسي وجيء بكرسي آخر، نعم، يستمر مقعد فلان باعتبار ما كان؟.
طالب: يا شيخ بارك الله فيك، لو نظرنا إلى التنويه الذي وقع في الآية، لعلمنا أن الله نوه على هذا المكان لما حصل فيه، وهو البناء –بناء البيت- فينظر إلى المكان بغض النظر عن الحجر الذي كان قد اعتلاه إبراهيم عليه السلام.
يعني أننا نقول هذا الحجر كغيره من الأحجار.
طالب: نعم، والعبرة بالبقعة.
لكن يبقى أنه على هذا أننا نستدبر المقام الآن؛ لأن مكانه والمكان الذي قام فيه قريب جداً من الكعبة.
طالب:. . . . . . . . .
خلنا من ظروف الزحام وغيرها، ما صليت خلف المقام، لو استدبرت ما صليت خلفه صليت أمامه.
طالب:. . . . . . . . .(69/17)
إيه هذا يضطر إليه إما للزحام الشديد، أو للاتقاء عن الشمس في صلاة العصر مثلاً في ظل الكعبة، المسألة كلها سنة يعني صليت خلف المقام، أو صليت بعيد عنه في المسجد أو صليت خلف المسجد -الركعتين- عمر -رضي الله تعالى عنه- صلى الركعتين بذي طوى، لكن المسألة في تحقيق السنة، كونهم صلوا أمامه أقرب إلى الكعبة خالفوا {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [125) سورة البقرة]، لكن تبقى أن مخالفة السنة قد يعتريها ما يعتريها قد يوجد ما يرجحه عند الحاجة.
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول لا بد من اعتبار الأمرين معاً، فإذا كان وجود المقام باجتهاد، ممن له الاجتهاد، في المكان الذي تمكن الصلاة فيه لا شك أن هذا هو الأصل؛ لأن الأمر مرتبط بالأمرين كلاهما يقال: لهما مقام، لكن لو قدر أن هذا الحجر وهو المعتبر -النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى خلف هذا الحجر- وهو معتبر وملحوظ في النص لو أبعد عن مكانه ما صار مقام، فالمعتبر الأمرين معاً.
يقول: ثم نفر إلى مقام إبراهيم -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- فصلى: صلى الركعتين ركعتي الطواف، الطواف الذي طافه النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا طواف القدوم، وهو سنة، فصلى الركعتين، وهما ركعتا الطواف خلف المقام؛ امتثالاً للأمر، وهاتان الركعتان سنة عند جمهور أهل العلم، ويرى بعضهم الوجوب؛ لأنه ما ثبت أنه طاف ولم يصلِّ -عليه الصلاة والسلام- ومنهم من يرى أن حكم هاتين الركعتين حكم الطواف، فإن كان الطواف واجباً كانت الركعتان واجبتين، وإلا فهما سنة تبعاً للطواف.
فصلى ثم رجع إلى الركن فاستلمه: رجع إلى الركن، والمراد به الحجر الأسود فاستلمه، كل ما حاذى الركن استلمه إن أمكن، وإلا فبالمحجن، وإلا أشار إليه وكبر، وهذا يقتضي أنه يكبر في الأشواط السبعة بداية ونهاية، ففي الطواف في الأشواط السبعة يكبر سبع وإلا ثمان؟
كل ما حاذى الركن كبر.
طالب: ثمان؟(69/18)
نعم ثمان؛ لأنه في البداية والنهاية، كما جاء في حديث جابر في المسند وغيره: "كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة" يعني في البداية والنهاية، ومقتضى هذا أنه يكبر ثمان في الأشواط السبعة في الفاتحة والخاتمة.
ثم خرج من الباب إلى الصفا: من أجل السعي، والسعي هذا هو سعي الحج والعمرة المقرونة معه بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه اكتفى به، فإذا قدم السعي الركن بعد طواف القدوم أجزأ عن السعي يوم النحر.
فلما دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة]، أبدأ بما بدأ الله به: على صيغة الخبر، وعند النسائي: ((ابدأوا بما بدأ الله به)) على صيغة الأمر، والله -جل وعلا- بدأ بالصفا، فبداية السعي من الصفا، وعلى هذا من بدأ بالمروة الشوط الأول لاغي، نعم، لاغي يأتي ببدل، فالبداية بالصفا.
فرقي الصفا حتى رأى البيت: استقبل البيت، والآن تشق رؤية البيت من كثرة الأعمدة، قد يراه من يتحراه -يرى شيئاً يسيراً منه- وإلا فجل الناس لا يستطيعون رؤيته لكثرة الأعمدة.
حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره: وفسر ذلك بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير، هذا التوحيد، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
لا إله إلا الله وحده: هذا التهليل والتوحيد، وفي ضمن ذلك يقول: الله أكبر ترجمة لقوله وكبره.
لا إله إلا الله وحده المتفرد بالألوهية، أنجز وعده: أنجز لنبيه ما وعده به، ونصر عبده: على أعدائه وهزم الأحزاب الذين اجتمعوا لحرب الدين وأهله وحده.(69/19)
وهزم الأحزاب وحده: هذا يجعل المسلم يتعلق بربه ويعتمد عليه ويتوكل عليه، ولا ينظر إلى قوته ولا إلى ضعفه، ولا ينظر إلى قوة عدوه وكثرة جنده وعدده، فمن توكل على الله كفاه، ومن اعتمد عليه وقاه، هذا يفتح آمالاً واسعة للأمة مهما بلغت من الضعف إذا اعتمدت على الله -جل وعلا- ومهما بلغ عدوها من القوة؛ لأن الله –جل وعلا- هزم الأحزاب، فإذا اعتمدنا على الله -جل وعلا- كفانا، أما أن نعترف بالضعف ونستسلم للعدو، العدو عنده قوة، لكن هل هذه القوة تقابل قوة الله -جل وعلا- {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًِ} [(249) سورة البقرة]، ولم نؤمر إلا بإعداد ما استطعنا على أن نرتبط بالله -جل وعلا-، ما ننصرف عن دينه، وننتهك المحرمات، ونعين العدو على أنفسنا ونقول إن الله -جل وعلا- ينصرنا: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [(7) سورة محمد]، لا بد من أن نعود إلى ديننا، فالله -جل وعلا- هو الذي هزم الأحزاب وحده، وإلا فالقوة بالنسبة لقوة الكفار في ذلك الوقت ما في مقارنة؛ أحاطوا بالمدينة من جميع الجهات، واستنفروا جميع القبائل، لكن الله -جل وعلا- سلط عليهم الريح فشردتهم.
ثم دعا بين ذلك ثلاث مرات: يعني يكرر التوحيد والتكبير والدعاء ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة: يعني شرع في السعي، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي: بين العلمين المعروفين.
سعى: يعني جرى جرياً شديداً -عليه الصلاة والسلام- حتى أن الركب تبين من تحت الإزار من شدة السعي، حتى إذا صعدتا: يعني وصل الميل الثاني مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، استقبل البيت ووحد وكبر ودعا ثلاثاً.
فذكر الحديث: يعني ذكر بقية الحديث.
وفيه فلما كان يوم التروية: الآن القارن يكتفي بهذا، إذا وصل البيت طاف وسعى، ثم ينتظر وهو في إحرامه؛ لأنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله من ساق الهدي، أما من لم يسق الهدي فيقصر ويحل الحل كله وهذا هو المتمتع، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، وهو اليوم الثامن من الحجة يسمونه يوم التروية؛ لأنهم يتروون فيه ويتزودون من الماء؛ لأن المشاعر ليس فيها ماء.(69/20)
توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج: أحرموا بالحج، مقتضى ذلك أنهم بعد أن توجهوا إلى منىً أهلوا؛ لأن العطف بالفاء يقتضي التعقيب وأنهم أحرموا من منى، وعلى كل حال الإحرام بالحج يكون من الحرم، سواء كان من منى أو من غيرها، فيهلون بالحج.
وركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر: الخمسة الأوقات في اليوم الثامن وليلة التاسع وفجر التاسع، ثم مكث قليلاً بعد صلاة الفجر؛ كعادته -عليه الصلاة والسلام- يذكر الله في مصلاه حتى طلعت الشمس.
فأجاز: وهو من الجواز والعبور. حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها بهذه القبة حتى إذا زاغت يعني زالت الشمس أمر بالقصواء -بفتح القاف والمد- وقال: بعضهم بالقصر، وهو لقب دابته -ناقته -عليه الصلاة والسلام- فرُحلت: وضع عليها الرحل.
فرحلت له فأتى بطن الوادي، فخطب الناس: وهذه خطبة من الخطب المشروعة في اليوم الثامن وقبلها بعد صلاة الظهر من اليوم السابع، وبعدها خطبة يوم النحر، وبعدها في يوم النفر الأول، أربع خطب مشروعة في الحج.
فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر بأذان واحد وإقامتين، ولم يصلِّ بينهما شيئاً؛ لأن هذا مقتضى الجمع أن لا يصلى بين الصلاتين المجموعتين.
ثم ركب -عليه الصلاة والسلام- حتى أتى الموقف: ويلاحظ أنه -عليه الصلاة والسلام- يركب بين المشاعر، من مشعر إلى مشعر يركب، وبهذا قال جمع من أهل العلم أن الركوب أفضل؛ لفعله -عليه الصلاة والسلام- وإن رأى بعضهم أن المشي أفضل؛ لأنه أكثر مشقة، لكن لنعلم أن المشقة ليست مطلوبة طلباً شرعياً لذاتها، وإنما إذا جاءت تبعاً للمطلوب شرعاً للعبادة صار الأجر على قدر النصب.
ثم ركب -عليه الصلاة والسلام- حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات من الجبل المعروف بجبل الرحمة.(69/21)
وجعل حبل المشاة بين يديه: طريق المشبه بالحبل بين يديه: يعني أمامه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً -عليه الصلاة والسلام- يذكر الله -جل وعلا- ويثني عليه ويدعوه، لم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، و ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... )) فيحرص الإنسان على استغلال هذا اليوم، لا سيما عشية عرفة، ويتعرض لنفحات الله في هذا المكان وفي هذا الزمان، ويوجد بين المسلمين وقد يوجد من بين طلاب العلم من يضيع مثل هذه الأوقات بالقيل والقال، وبعضهم يصطحب معه آلات ويشاهد ما يشاهد، وبعضهم يرتكب بعض المحرمات من الأقوال والأفعال وهو في هذا متعرض لسخط الله -جل وعلا- والنبي -عليه الصلاة والسلام- استغل هذا الوقت فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، ويدعو ويلح في الدعاء، والإشكال في كثير من الحملات أن هذا الوقت المستغل في الذكر والدعاء -نظراً لكثرة الحجيج- يستغلونه في ترتيب الناس، يعني قبل الغروب بساعة أو أكثر ينفرون الناس إلى السيارات ويرتبونهم وينظمونهم حتى تغرب الشمس، نعم الركوب على السيارات مثل الركوب على الدابة، لكن ينبغي أن يستغل الوقت، وحضرنا بعض الحملات يعني الوقت المطلوب وقت الحاجة كلهم بمكبرات الصوت أنت رقم الباص كذا وأنت مقعد كذا وينتهي الوقت على هذه الطريقة، يعني يعطى الناس تعليمات قبل هذا الوقت، وأنه بمجرد ما تكون الساعة كذا كل واحد ينزل مكانه من دون فوضى ومن دون تشويش، ومن دون ... يعني رأينا مثل هذه الأوقات التي لا تعوض ما تدري أنت يمكن ما تقف غير هذه الوقفة كثير منها يضيع، عند كثير من الناس يوجد ولله الحمد أهل الخير وفضل وحرص موجود وبكثرة ولله الحمد، لكن يراد من الأمة أن تكون كلها بهذا المستوى.(69/22)
فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص: قرص الشمس، يقول: حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص، بعضهم يقول: إن حتى هنا مصحفة وأصلها حين، يعني حين غاب قرص الشمس، ودفع -عليه الصلاة والسلام- من عرفة قاصداً جمعاً –مزدلفة- وقد شنق: يعني ضيق الزمام على دابته القصواء، الزمام: الحبل الذي تربط به، فإذا شنقه وضيقه كفت عن الإسراع، بخلاف ما إذا أرخاه، ما تسرع -لعل الإخوان ما يصلون تقام الصلاة الآن طيب جيد- وقد شنق للقصواء الزمام؛ من أجل أن لا تسرع.
حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله: يعني يرد الرأس إلى الخلف، حتى أنه ليصل إلى مورك الرحل الذي يثني عليه الراكب رجله إذا تعب وهو راكب.
ويقول بيده اليمنى يشير إلى الناس: ((أيها الناس السكينة السكينة)): إلزموا السكينة، ويشاهد من كثير من الناس المخالفة الظاهرة لهذا التوجيه النبوي، فيأمرهم بلزوم السكينة، وكم يكون من حادث، ومن اعتداء من مشاكل ومضاربات في هذا الظرف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((السكينة السكينة))، وكل واحد من الحجيج يريد أن يصل الأول إلى مزدلفة؛ ليتحدث بذلك إذا وصل إلى أهله، أو يكلمهم أثناء وصوله ويقول: وصلنا، وما قبلنا أحد، هذا ليس مقصد من مقاصد الشرع، المقصود أن تلزم السكينة وتؤدي العبادة على الوجه الشرعي.
كلما أتى حبلاً أرخى لها قليلاً: حبلاً من الحبال الرمل التي يكون فيها شيء من الصعود؛ لأنها تحتاج إلى أن يرخى له لتأخذ عزم، هي يشنق لها الزمام ويضيق عليها من أجل أن لا تسرع، والآن السرعة مطلوبة لتأخذ عزم لتصعد مع هذا الحبل من الرمل.(69/23)
أرخى لها قليلاً حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين: كالظهر والعصر، وهذا في حديث جابر، وهو من أفراد مسلم وجاء في حديث ابن مسعود حديث أسامة ما يخالف ذلك في البخاري وغيره، لكن المرجح عند أهل العلم ما جاء في حديث جابر، وإن كان من أفراد مسلم، والأصل أن ما يرويه البخاري أرجح مما يرويه مسلم، لكن قد يعرض عند أهل العلم للمفوق ما يجعله فائقاً، فيرجحون ما جاء في حديث جابر؛ لأنه اعتنى بالحجة النبوية وضبطها وأتقنها وفصلها من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى رجوعه، وهذا يكون مرجح، هذه الأوصاف الدقيقة التي جاءت في حديث جابر بجميع رواياته تدل على مزيد عناية منه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- فرُجِّح قوله بأذان واحد وإقامتين.
بعض الروايات بإقامتين فقط بعضها بأذانين وإقامتين والمقصود كلها صحيحة لكن يبقى أن المرجح هو ما جاء في حديث جابر.
ولم يسبح بينهما شيئاً: يعني لم يصل نافلة سبحة يعني النافلة، ثم اضطجع حتى طلع الفجر: اضطجع: يعني نام -عليه الصلاة والسلام-.(69/24)
بلوغ المرام _ كتاب الحج (4)
باب صفة الحج ودخول مكة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يقول جابر -رضي الله تعالى عنه- ثم اضطجع: يعني النبي عليه الصلاة والسلام، حتى طلع الفجر: يعني صلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ثم اضطجع.
حتى طلع الفجر: فهم من ذلك بعضهم أنه ترك صلاة الليل، وترك الوتر، والمعروف عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يترك الوتر لا سفراً ولا حضراً، فهل نقول إن هذه الليلة على وجه الخصوص لا صلاة فيها غير الفرائض، حتى الوتر الذي كان يلازمه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول إن جابراً ما أطلع على ذلك، كما أنه خفي عليه بعض الأشياء؛ لأن كونه لازم النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعني أنه لازمه ملازمة الظل، ما يلزم هذا، فالملازمة تعني طول المكث والبقاء، لكن لا يعني أنها ملازمة تامة مائة بالمائة، ولذا خفي عليه بعض الأمور مما ذكره غيره حتى في هذه الليلة، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ وصلى وجابر نائم.
فالقاعدة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك الوتر لا سفراً ولا حضراً، وعدم الذكر لا يعني عدم الوجود، لا سيما في ما دل الدليل على وجوده بنصوص أخرى.
فصلى الفجر: لما طلع الفجر، صلى الفجر حين تبين له الصبح: يعني في أول وقتها بأذان إقامة كالمعتاد.
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام: جبل هناك يقال له قزح, فأتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا وكبر وهلل؛ لأنه مع زحمة الناس وكثرتهم لا يتمكن جميع الناس من الوقوف عند هذا المشعر، فلو وقف كل إنسان في مكانه وذكر الله -جل وعلا- ودعاه وهلل وكبر حتى يسفر جداً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة الصبح يجلس في مصلاه، ويذكر الله -جل وعلا- حتى تنتشر الشمس، أما في هذا المكان استقبل القبلة فدعا وكبر وهلل، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس؛ مخالفة للمشركين الذين كانوا لا ينصرفون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، وينتظرون طلوعها فيقولون: "أشرق ثبير"؛ كي ما نغير، فخالفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فدفع قبل أن تطلع الشمس.(70/1)
حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً: أسرع من نحو رمية حجر؛ لأن هذا محل عذاب، فمثل أماكن العذاب والغضب لا ينبغي البقاء والمكث فيها، ولذا جاء النهي عن دخول بلاد المعذبين إلا باكين أو متباكين، والصلاة في مواضع الخسف والعذاب ترجم الإمام البخاري بهذا وذكر بعض ما يدل على ذلك.
فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى: التي تخرج إلى الجمرة: الكبرى غير الطريق التي خرج منها من منى إلى عرفة، تخرج على الجمرة الكبرى.
حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة: أتى الجمرة جمرة العقبة، وهي كالحد بين منى ومكة، ولذا يختلف أهل العلم، يعني هل هي في منى أو خارج منى مما يلي مكة؟ محل خلاف بين أهل العلم، من يقول أنها من منى يقول إن رمي الجمرة تحية منى، فكيف تحيا وهي خارج منى؟ وأهل القول الآخر يقولون الطواف تحية البيت وهو خارج البيت، الطواف تحية البيت، والطواف يكون خارج البيت وأيش المانع من أن يكون تحية الشيء خارجه؟ وعلى كل حال هي من الحرم سواء كانت من منى أو من مكة هي من الحرم، وأنتم ترون الحدود قريبة جداً منها.
حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة مثل حصى الخذف: مثل البندق، مثل الباقلا، مثل الحمص كبير الحمص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما جمع له الحصى رفعه بيده وقال: ((بمثل هذا فارموا، إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو))، وبعض الناس يرمي بالحجارة الكبيرة وبعضهم بقطع الحديد وبعضهم بالنعال، وكل هذا من الغلو الذي جاء النهي عنه.
مثل حصى الخذف: حصى الخذف الذي يرمى به بين الأصابع صغير، وقد جاء النهي عن الخذف، وليس فيها إقرار لجوازه لكنه مثل ما هو معروف عندهم ويتداولونه بالخذف وإن كان منهياً عنه.
رمى من بطن الوادي: رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر: -عليه الصلاة والسلام- نحر البدن التي جاء بها من المدينة، والتي جاء بها علي -رضي الله تعالى عنه- من اليمن فنحر بيده الشريفة ثلاثاً وستين، وترك الباقي لعلي -رضي الله تعالى عنه- وذبح عن نسائه البقر.(70/2)
فنحر ثم ركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأفاض إلى البيت: يعني بعد أن رمى ونحر وحلق شعره أفاض إلى البيت فطاف به طواف الإفاضة، هو طواف الركن -ركن الحج والذي لا يصح إلا به-.
فصلى بمكة الظهر: بعد أن طاف طواف الإفاضة صلى الظهر، وجاء من حديث ابن عمر -وهو صحيح- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بمنى، وهنا يقول صلى بمكة الظهر، ولعله -عليه الصلاة والسلام- صلاها بمكة ثم أعادها بأصحابه لما رجع إليهم بمنى، والحديث على طوله محل عناية من أهل العلم، منهم من تكلم على فقهه، ومنهم من جمع طرقه ورواياته، وللشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- كتاب اسمه حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر فيه هذا الحديث برواياته فأجاد وأحسن -رحمة الله عليه-، وابن المنذر صنف فيه جزءاً كبيراً تكلم على فوائده واستنبط منه ما يزيد على مائة وخمسين فائدة، وبعضهم ضعف هذا العدد ذكر، وأجملنا الكلام فيه؛ لأن ظرف الدورة ما يسمح للإفاضة وهناك أربعة أشرطة متداولة ومعروفة في شرح حديث جابر في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- من أراده رجع إليها.
قال الإمام الحافظ ابن حجر: وعن خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار" [رواه الشافعي بإسناد ضعيف].
هذا الحديث الذي ذكره الحافظ عن خزيمة بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا فرغ من تلبيته في حج أو عمرة: يعني فرغ من التلبية كلها، والفراغ من التلبية إنما يكون برؤية البيت أو بالاستلام أو بمباشرة رمي الجمرة، إذا فرغ منها سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار، والخبر ضعيف لا يثبت بمثله حكم، ضعيف؛ لأنه من رواية أبي واقد صالح بن محمد بن أبي زائدة، وهو ضعيف عند أهل العلم.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر، فانحروا في رحالكم، ووقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف)) [رواه مسلم].(70/3)
هذا جزء من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نحرت هاهنا)): وهذا من التوسعة على الناس، من شفقته -عليه الصلاة والسلام- ورحمته بأمته، ولو لم يقل مثل هذا الكلام -عليه الصلاة والسلام- لتحرى الناس النحر في المكان الذي ينحر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يستوعب الناس، ولو لم يقل مثل هذا الكلام لتحرى الناس المكان الذي وقف فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء كان بعرفة أو بجمع، والمكان إن قصدوا نفس المكان فهو لا يستوعبه، قد يقتتلون عليه، لكن من شفقته -عليه الصلاة والسلام- أن قال مثل هذا، ((نحرت هاهنا ومنىً كلها منحر)) يعني مكان للنحر.
((فانحروا في رحالكم)): كل إنسان ينحر هديه في رحله في مكانه الذي أقام فيه بمنى، وهذا من التوسعة على الناس، وكونه يمنع مثل هذا ويجبر الناس على النحر في مكان معين لا شك أن الداعي إليه مراعاة المصلحة؛ لأنه مع كثرة الناس وازدحامهم لا شك أن الناس يتأذون بهذا، الإنسان ما يجد مكان يجلس فيه فكيف ينحر والدم يسيل والمخلفات وأمور، وينبعث منها روائح في اليوم الثاني والثالث، فمع الكثرة لا يتسن هذا ولذا رأى القائمون على هذه الأعمال تحديد أماكن للنحر، ولا بأس فيه؛ لأن المنظور فيه إلى المصلحة.
((ووقفت هاهنا)): كما وصف جابر -رضي الله تعالى عنه- أن بطن دابته إلى الصخرات، ومستقبل القبلة -عليه الصلاة والسلام-.
((وعرفة كلها موقف)): نعم، بحدودها، ومعروف أن الحج عرفة، فإذا وقف الإنسان في مكان لا يجزم بأنه في عرفة، فهذا يعرض حجه للخطر والبطلان، فعليه أن يتأكد أنه داخل حدود عرفة، وليرفع عن بطن عرنة؛ فلا يجزيء الوقوف فيه عند جماهير أهل العلم، ولذا جاء قوله: ((وارفعوا عن بطن عرنة))، وإن كان هناك قول للإمام مالك أنه من عرفة والوقوف فيه يجزئ مع التحريم فهو من عرفة، ولو لم يكن من عرفة ما احتيج إلى الإشارة إليه، ما قال: لا تقفوا في مزدلفة ولا تقفوا بمنى؛ لأنها ليست من عرفة، لكن المرجح هو قول الجمهور، عامة أهل العلم على أن بطن عرنة ليس من عرفة.(70/4)
((ووقفت هاهنا)): يعني بمزدلفة، ((وجمع)): وهو اسم لها؛ لأنه يجتمع فيه الناس، ((كلها موقف)): جمع يجتمع فيه الناس، الحمس وقريش وغيرهم كلهم يجتمعون بمزدلفة، لكن عرفة الحمس لا يخرجون إلى عرفة.
المقصود أن مزدلفة كلها موقف من أولها إلى آخرها هي داخل الحدود، والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يصح إلا به، والحج عرفة كما جاء في الحديث، وأما الوقوف بمزدلفة والمبيت بها فهو واجب من واجبات الحج، ولذا رخص النبي -عليه الصلاة والسلام- للسقاة والرعاة، لمَّا استأذنوه رخص لهم، ولو لم يكن واجباً لما احتاجوا إلى الإذن، ولو كان ركناً -كما يقول بعض أهل العلم- لما رخص لهم؛ لأن الركن جانب الشيء الأقوى الذي لا يتم إلا به، لا يمكن أن يرخص لشخص عن الوقوف بعرفة، فدل على أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج، وليس بركن، وليمس بمستخب كما يقول بعضهم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها. [متفق عليه].
يقول -رحمه الله تعالى-:
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاء إلى مكة: عام الفتح، دخلها من أعلاها: من ثنية يقال لها كداء -بالفتح والمد- من أعلاها، وخرج من أسفلها: من كُدى -بالضم والقصر- هناك محل ثالث يقال له تصغير كُدَيْ.
المقصود أن الدخول إلى مكة من أعلاها والخروج من أسفلها، هذا ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهل هذا الأمر مقصود شرعاً فيستحب أو ليس بمقصود؛ لأنه هو طريقه وهو الأيسر له -عليه الصلاة والسلام-؟
الدخول من الأعلى يتطلب النزول إليها وهذا سهل، بينما الخروج من أسفلها أيسر، لو صار العكس لو دخل من الأسفل وخرج من الأعلى لتطلب ما يشق عليه، ويجور عن طريقه، فمن رأى إلى هذه المسألة من هذه الحيثية قال هذا حصل اتفاقاً، فالحاج يفعل الأرفق به، ومنهم من يقول أن الدخول من أعلاها يقتضي أن يدخل إلى البيت مستقبلاً البيت، وبعضهم يستحب هذا، ويقول الحنابلة وغيرهم يستحب دخول مكة من أعلاها، والمسجد من باب بني شيبة، يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول يفعل الأرفق ولا يترتب عليه شيء.(70/5)
الدخول من الأعلى من ثنية كداء بالفتح والخروج من كدى بالضم، ولذا يقولون افتح وادخل، واضمم واخرج، ومثل هذا الكلام يوردونه لضبط الكلمات، لضبط بعض الكلمات التي تحتاج إلى ضبط تضبط بمثل هذا؛ لأن الضبط بالشكل يعتريه ما يعتريه، ومع تناقل الرواة يحصل فيه التصحيف، لكن إذا قيل مثل هذا خلاص انضبطت الكلمة ما تحتاج إلى شكل ولا غيره، افتح وادخل واضمم واخرج، يقول عثمان بن حرام، أو حرام بن عثمان بلفظ ضد الحلال، خلاص ما فيه أحد بيقول حزام ولا خزام ولا أبداً؛ خلاص انضبطت ولهم تصرفات في ضبط الكلمات تدل على عنايتهم بها، التصحيف والتحريف ما يتطرق إلى اللفظ يتطرق إلى المعنى يتبعه المعنى، فعلى طالب العلم أن يعنى بالضبط، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن كل كلمة تضبط، وكل حرف يضبط؛ لأن التبين وعدمه أمور نسبية، يعني تكون هذه الكلمة واضحة عندك تقرؤها قال بدون إشكال، لكن يأتي من يقرؤها على غير هذا، لكن الأكثر من أهل التحقيق على أنه إنما يُشْكَل المشكِل، وبقية الكلمات ما تحتاج إلى ضبط.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. [متفق عليه].
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- انه كان: ابن عمر، لا يقدم مكة: لا يقدم إليها، ويرد عليها، إلا بات بذي طوى: ذي طوى مكان معروف من أحياء مكة، في المناسك عند المتأخرين يقولون: هو المكان المعروف الآن بالزاهر.
إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل: الطرق كانت وما زالت طويلة، لكن الوسائل بعض الناس بهذا المبيت وهذا الانتظار للصبح والاغتسال يذهب إلى مكة ويؤدي النسك ويرجع إلى بلده، لكن لطول المسافات ومشقة الانتقال بين البلدان يحتاجون لمثل هذا، الآن بإمكانك تحضر الدرس بعد العشاء وتروح إلى مكة وتصلي الصبح هناك وتؤدي النسك وترجع بكل راحة في الفترة التي بات فيها ابن عمر.(70/6)
النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بذي الحليفة خمسة أوقات، وبعض الناس يتصور هذا في زمن الذي يعيشون فيه الآن زمن السرعة والعجلة وزمن يسمونه زمن الاتصالات والتقارب، بإمكانه الخمسة الأوقات يؤدي النسك ويرجع، لكن هناك فوائد تترتب على مثل هذا التريث وهذا التأني؛ لأن وجوده -عليه الصلاة والسلام- في ذي الحليفة مثل وجوده في المدينة، هو القدوة والأسوة هنا وهناك، وأفعاله شرع -عليه الصلاة والسلام- يمكن بعض الناس نسي حاجة ضرورية في المدينة بإمكانه أن يرجع ويأخذ أو يوصي أو يفعل ما يشاء، فهذه العجلة التي توجد الآن بين الناس ما لها مبرر، يعني هم مستعجلون على أي شيء على أيش؟
نعم جاء في السفر وأنه قطعة من العذاب، ويمنع الإنسان نومه وراحته، لكن يبقى أن العجلة التي يستعملها الناس!! بعض الناس يحتاج إلى راحة ولا يرتاح، يحتاج إلى راحة ويعرض نفسه للخطر ويقول لا زمن السرعة حتى توطن الناس على هذا وتربوا بحيث لو وجد أدنى عائق لهم ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، تجد كثيراً من الناس إذا أراد أن يلف يمين -والأصل أن اليمين ما يحتاج إلى انتظار- وجد أمامه سيارة ضاقت به الدنيا كأن القيامة قامت، والسبب هو هذه السرعة المتلاحقة التي تربى الناس عليها، أعمر وقتك بطاعة الله واذكر الله وسبح بهذه المدة ولا يفوتك شيئاً، لكن الناس تربوا على هذا، وإذا ركب السيارة كأن وراءه سبع أو عدو أو حريق أو شيئاً من هذا، ثم إذا وصل إلى المكان الذي يريد لا شيء، والله المستعان يبيت بذي طوى حتى يصبح ويغتسل والدنيا ملحوق عليها، يؤدي العبادة براحة وطمأنينة بعد أن أخذ ما يكفيه من الراحة، ليس معنى هذا أن الإنسان يضيع وقته بنوم وروحات وجيات ويجعل الطريق أيام من أجل أيش؟ لا هذا ولا ذاك؛ المسألة تحتاج إلى توسط، لا عجلة تشبه عجلة المجانين ولا أيضاً تريث يضيع الأوقات بدون فائدة، أقصد من هذا أن الإنسان يلزم الهدوء والطمأنينة والرفق في أموره كلها، ويتوسط أيضاً في أموره كلها، يصبح ويغتسل.(70/7)
ويذكر ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: يعني من فعله ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيستحب فعل مثل هذا لا سيما إذا كان تعقب هذا السفر تعب يحتاج معه إلى راحة.
منهم من يرى أنه لا يدخل مكة بالليل حتى يصبح أخذاً من هذا الحديث، لكن المسألة مسألة حاجة إلى الراحة وعدمها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل مكة من الجعرانة ليلاً.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه، [رواه الحاكم مرفوعاً والبيهقي موقوفاً].
أما بالنسبة للتقبيل فهو ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجاء الحث عليه وأن الحجر الأسود يمين الله، المقصود أن له فضائل، وهذا الحديث اختلفوا في رفعه ووقفه، هل هو موقوف على ابن عباس من فعله، أو هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- والوقف هو المتيقن.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا أربعاً ما بين الركنين" [متفق عليه].
وعنه: يعني ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال أمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام-: أمرهم، والأصل في الأمر الوجوب، والرمل عند عامة أهل العلم مستحب، فالأمر هنا أمر ندب.
أن يرملوا: بمعنى أنهم يهرولون في الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا الأربعة الباقية، وأن يمشوا ما بين الركنين، وهذا في عمرة القضاء؛ لأن المشركين مما يلي الحجر، لا يرونهم إذا مشوا بين الركنين، وعرفنا أنه في حجة الوداع استوعب من الركن إلى الركن الشوط كامل بالرمل، والعلة التي من أجلها شرع الرمل ارتفعت، وبقي الحكم كعلة القصر سببها الخوف ثم ارتفع الخوف وأمن الناس واستمر الحكم.
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثاً ومشى أربعاً، وفي رواية رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة" متفق عليه.(70/8)
يعني هو بمعنى حديث ابن عباس، لكن الذي يرجح عدم وجود حديث ابن عمر في الأصل في البلوغ قوله في الحديث الذي يليه: وعنه، يعني لو كان حديث ابن عمر ثابت لقال: وعن ابن عباس ما قال وعنه، وإلا اقتضى قوله وعنه أي عن ابن عمر وهو يريد حديث ابن عباس في الذي بعده، فهذه قرينة على أن حديث ابن عمر لا يوجد في النسخ الأصلية، يعني وجد في بعضها دون بعض لكن يبقى أنه مرد الضمير إلى ابن عباس الذي هو راوي حديث الذي قبل الذي قبله، نعم يدل على أن حديث ابن عمر ما هو موجود، وإلا لصرح بذكر ابن عباس، وقال في الحديث الذي يليه وعنه.
انظر في الكتاب الحديث الذي يليه وعنه مقتضاه أنه عن ابن عمر، لو وجد هذا الحديث لكان المقتضى أن يكون ابن عمر، لكن مع عدم هذا الحديث يصح أن يقول وعنه ويريد ابن عباس راوي الحديث الذي قبله.
على كل حال حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما يقول -رضي الله عنهما- أنه كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، يعني أول ما يقدم مكة -سواء كان طواف عمرة أو طواف قدوم- فإنه يخب ثلاثاً يرمل يهرول يسرع ثلاثاً ويمشي أربعة ثلاثة أشواط ويمشي أربعة، وفي رواية رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أشواط في البيت ويمشي أربعة، وهذا الحديث يغني عنه الحديث الذي قبله ولذا لا يوجد في كثير من النسخ.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "لم أر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين" [رواه مسلم].
وعنه: يعني عن ابن عباس، وذكرنا أنه لو كان حديث ابن عمر موجود لما قال وعنه، لأعاد صرح، قال وعن ابن عباس، وإلا لاقتضى أن يكون هذا الحديث عن ابن عمر؛ لأنه أقرب مذكور.(70/9)
وعنه -رضي الله عنه- قال: لم أرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلم من البيت غير الركنين اليمانيين: وهما الركنان الباقيان على قواعد إبراهيم -عليه السلام- بخلاف الركنين الآخرين؛ فإن قريشاً لما بنوا البيت قصرت بهم النفقة فقصروا به دون القواعد وبقي جزء من البيت دون قواعد إبراهيم، معروف بالحجر ستة أذرع تقريباً من البيت لكن قصرت بهم النفقة، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت البيت وأعدته على قواعد إبراهيم)) هذه أمنيته -عليه الصلاة والسلام- ومنعه من ذلك التشويش على الناس واضطرابهم ودخول الشك إلى بعضهم، ولذا ينبغي أن يجتنب مثل هذا التصرف إذا خيفت المفسدة، وأي بيت أعظم من بيت الله، فإذا خشيت المفسدة يترك الأمر على ما كان. يستلم الركن اليماني والركن الذي يليه الذي فيه الحجر، ويقال لهما اليمانيان من باب التغليب، وبعضهم يستلم الأركان الأربعة ويدعي أنه لا يهجر شيئاً من أركان البيت، لكن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- هو الأصل فيبقى أن الاستلام لهذين الركنين، أما استلام الركن الذي فيه الحجر تقبيل الحجر واستلامه والإشارة إليه والتكبير عند محاذاته هذا كله ثابت، وفي هذا الركن أكثر من مزية؛ كونه على قواعد إبراهيم وكونه فيه الحجر، الركن الذي قبله هو على قواعد إبراهيم ولذا من تمكن أن يستلمه استلمه، وإلا لا يفعل غير ذلك، لا يشير ولا يكبر؛ لأنه لم يثبت في حقه إشارة ولا تكبير، لكن إذا أمكن استلامه فالنبي -عليه الصلاة والسلام- استلمه، أما الأركان الباقية فليست على قواعد إبراهيم ولذا لا تستلم ولا يشار إليها غير الركنين اليمانيين بتخفيف الياء، والأصل في ياء النسب أنها مشددة: ياء كيا الكرسي زيدت للنسب، يعني مشددة والياء هنا ياء نسب، وينصون على أنه لا بد من التخفيف؛ لأن الألف قامت مقام إحدى اليائين، الحرف المشدد عبارة عن حرفين وإلا لو قلت اليمني أو اليمنيين لا بد من التشديد، الألف هذه المزيدة قامت مقام الياء التي حذفت مع التخفيف، الأصل أن ياء النسب مشددة تقول ابن تيميّة وإلا ابن تيمية؟ تيميَّة ياء نسب.(70/10)
فكونه لا يستلم من البيت غير هذين الركنين فلا يستلم بقية الأركان ومن باب أولى غيرهما، فلا يمسح مقام ولا يمسح باب ولا يمسح عمود ولا شيء، كل هذه من البدع المحدثة بل من وسائل الشرك وادعاء النفع من غير الله -جل وعلا-.
امرأة تقبل وتتمسح بالمقام يقال لها هذا شبك حديد يعني جيء به من المصنع جديد بعد، ما ينفع، تقول عندكم ما ينفع وإلا عندنا ينفع، هذا هو ردها نسأل الله السلامة والعافية.
ونحن نعيش ولله الحمد في تحقيق للتوحيد بسبب الدعوة المباركة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وإلا أهل هذه البلاد وغيرهم كلهم دخلهم ما دخل لكن التجديد الذي قام به الإمام المجدد -رحمة الله عليه- ما زلنا نتفيأ ظلاله ونرجو الله -جل وعلا- أن يديم هذه النعمة التي هي السبب الحقيقي للأمن، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًاَ} لماذا؟ {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور].
فالشرك هو السبب الحقيقي لاختلال الأمن، ويأتي الوافدون إلى هذه البلاد ببدعهم وشركهم أحياناً الشرك الأكبر، والمأمول أن تكثف الجهود لنفعهم ودعوتهم والحيلولة أيضاً بينهم وبين شركهم؛ لأنه أعظم المنكرات وإنكاره من أوجب الواجبات، فلا يستلم غير هذين الركنين، نعم، ولذا أردف الحافظ هذا الحديث في الاستلام قول عمر -رضي الله تعالى عنه- بعد أن قبل الحجر.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو من رواية ابن عباس وعن ابن عباس والشارح نص على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ هو مروي عن ابن عمر هذا اللفظ، لكن ما هو بنفس اللفظ يعني، المقصود أنه جاء من حديث ابن عمر ومن حديث ابن عباس لكن قوله وعنه والشارح نص على أنه ابن عباس يدل على أن حديث ابن عمر أيضاً، حديث ابن عمر ترى لا حاجة إليه زايد.
وعن عمر -رضي الله عنه- أنه قبل الحجر الأسود وقال: "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك" [متفق عليه].(70/11)
مناسب جداً أن يردف الكلام السابق والأحاديث السابقة بمثل هذا؛ لئلا يرد على بعض القلوب أن الحجر ينفع، للعناية به والاحتفاء به فالنصوص الصحيحة الصريحة قد يقول قائل إنه ينفع ولولا أنه ينفع ما أمرنا بتقبيله ولا مسحه ولا، أردفه بقول عمر -رضي الله تعالى عنه- بعد أن قبل الحجر:
إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع: فالنافع والضار هو الله -جل وعلا- لا غيره، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك: هذا اقتداء وائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه أمور شرعية يقتدى بها، لكن حق الله -جل وعلا- لا بد من العناية به والتنبيه عليه، وهذا من احتياطه -رضي الله تعالى عنه- واهتمامه بحماية التوحيد وسده الذرائع الموصلة للشرك.
يذكرون عن علي -رضي الله عنه- أنه لما قال عمر هذا الكلام قال فيما يرويه الأزرقي: "بلى يا أمير المؤمنين هو يضر وينفع" وهذا لا يصح ولا يثبت عن علي، ولا يمكن أن يقول علي -رضي الله عنه- الإمام الموحد مثل هذا الكلام؛ الذي نشأ على التوحيد وما سجد لغير الله -جل وعلا- يمكن أن يقول بلى يضر وينفع ليس بصحيح، بل هذا من وضع من أشربوا عبادة غير الله -جل وعلا- من الأحجار وغيرها، كما قال أمير المؤمنين وهو في الصحيحين: "لا تضر ولا تنفع" هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة أن النافع والضار هو الله -جل وعلا- لا أحد يضر، ولو أن الأمة اجتمعت لنفع أحد لم يرد الله -جل وعلا- نفعه ما نفعوه بشيء، وبالمقابل لو اجتمعوا على ضره ما ضروه كما جاء في الحديث القدسي.
وعن أبي الطفيل -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن" [رواه مسلم].
يقول: وعن أبي الطفيل: اسمه عامر بن واثلة آخر الصحابة موتاً على الإطلاق .. متى مات؟
سنة عشر ومائة، على رأس مائة سنة من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة)) -يعني من مقاله إلى وفاة أبي الطفيل، هذا المرجح عند أهل العلم، ومنهم من يقول مات على رأس المائة- المقصود أنه آخر الصحابة موتاً -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-.(70/12)
قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن؛ لأنه يطوف على البعير، فإذا حاذى الركن استلمه بالمحجن، والمحجن هو العصا معكوف الرأس فيستلمه ويقبل المحجن، وعلى هذا إن أمكن التقبيل مباشرة فهو الأصل، إن استلمه بيده قبل يده، وإن استلمه بالمحجن قبل المحجن، إن لم يتيسر له كل هذا أشار إليه.
التقبيل مع كونه مشروعاً مطلوباً هل هو مقرون بالطواف أو هو مشروع بالإطلاق ولو من غير طواف؟
طالب: مقرون بالطواف.
فقط يعني الذي ما يطوف ما يشرع له يقبل الحجر؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأنه جاءت أحاديث مطلقة غير مقترنة بطواف، نعم بعد ما صلى عاد واستلم فما في طواف، فهو مشروع مطلقاً، لكن ينبغي أن لا يترتب على هذه السنة محظور من مزاحمة الرجال للنساء أو التضرر بأن يتضرر في نفسه أو يضر غيره، ولذا جاء في الحديث ما يدل على نهي عمر -رضي الله تعالى عنه- من مزاحمة الناس؛ لأن الرجل قوي وكان ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- يحرص على تقبيله ومع ذلك يزاحم وليس هذا من السنة، السنة يحرص عليها بأن لا يتضرر ولا يضر غيره، وبعض الناس يحرص على السنة ويخفى عليه فقه تطبيق السنة، قد يفقه السنة لكن لا يفقه كيف يطبق السنة، بعض الناس يحرص على الصف الأول ثم بعد ذلك يأتي ويؤذي الناس يزاحم الناس حتى يصل إلى الصف الأول، وبعض الناس يفعل من السنة ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- كالمجافاة مثلاً ثم يؤذي من بجواره، وبعض الناس تجده إذا تورك اعتمد على جاره بحيث لو قام جاره سقط.
التورك سنة لكن كيف تطبق السنة؛ لأن بعض الناس يخالف السنة يعني نجد شخص بدين ومتين ولا يعرف كيف يطبق السنة ويتورك حتى بين السجدتين ثم عاد الذي بجانبه ما يصدق أن الصلاة تنتهي.(70/13)
فعلى الإنسان أن يحرص على العلم بالسنة وعلى تطبيق السنة وعلى فقه التطبيق، المجافاة مع الإمام يعني بالنسبة للمأموم إذا كان يتضرر بها من بجواره لا شك أنه تركها أولى هي سنة لكن أيضاً أذية المصلين لا تجوز بحال، فلنفهم هذا ونعيه جيداً، مثل ما قلنا في الصف الأول بعض الناس يجي ويزاحم الناس ويتخطى الصفوف ويصف بين اثنين عرضه متر والمكان ما يسع قدم هذا ليس بصحيح هذا يشغل نفسه ويشغل غيره ويذهب بلب الصلاة الذي هو الخشوع، وإلصاق القدم بالقدم كانوا يفعلونه في عهده -عليه الصلاة والسلام- وكان يأمر بالتراص، لكن ليس هذا التراص الذي يضيق النفس ويذهب بلب الصلاة حتى وجد بعض الناس عنده ردة فعل من هذا الأمر حيث يترك فجوة كبيرة ويعرض صلاته وصلاة جاره للبطلان أحياناً، بعض الناس ما يتسع خلقه وصبره على مثل هذه التصرفات، وبعض الناس عنده حساسية تامة في الرجل قد يخرج من صلاته إذا أوذي بمثل هذا، لكن يبقى أن السنة سنة ويبقى أن دين الله -جل وعلا- وسط وهذا قلناه في مسائل الصلاة السابقة في التراص في الصف وسد الفرج وخلل الصفوف ومن وصل صفاً وصله الله، لكن يبقى أننا بالقدر المطلوب ما نزيد على هذا.
فابن عمر -رضي الله تعالى عنه- كان يزاحم وأحياناً يرعف خشمه أنفه يخرج منه الدم ويعود لكن هذا ليس من السنة في شيء، ولذا جاء في الخبر يا عمر -في الخبر المسند وغيره- يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعفاء، ومن باب أولى المنع إذا ترتب على ذلك محظور من التصاق بين الرجال والنساء ويوجد من مرضى القلوب من يستغل مثل هذه الظروف، فمثل هذا يجب منعه وجميع الوسائل الموصلة إلى تحقيق بعض الرغبات من مرضى القلوب.
هذا يقول: نأمل إبلاغ الأخوات بموعد انتهاء الدرس لكي يمكن لهن الاتصال بأهلهن الساعة الثامنة والنصف.
يقول: هذا ماذا يقول من استلم الحجر الأسود بيده وإذا لم يتمكن من استلامه وأشار إليه بيده أو عصى هل يقول بسم الله والله أكبر أو يقول بسم الله أو أنه يقول الله أكبر؟(70/14)
الأصل أن يكبر كل ما حاذى الركن كبر، وجاء في حديث عمر وغيره عند البيهقي استقبله وقال: بسم الله والله أكبر، فإن سمى فلا بأس وإن اقتصر على التكبير فهو الأصل.
يقول: هل التكبير ثمان مرات هو قول واحد عند العلماء أم أن هناك تفصيل وخلاف؟
من أهل العلم من يرى أن التكبير لبداية الطواف وأنه لا داعي له عند نهايته، لكن إذا استحضرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما حاذى الركن كبر فالنهاية كالبداية، وفي حديث جابر في المسند وغيره بإسناد حسن أنهم كانوا يطوفون مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فيمسحون الركن الفاتحة والخاتمة ولا مسح دون تكبير.
طالب:. . . . . . . . .
ابحث وأت به غداً.
يقول: كيف يجعل الأذخر في القبور وهل وضع بعض النباتات الخضراء كالريحان والبرسيم فيه شيء؟
الآن لو عرفنا لماذا يضعون الأذخر في القبور، ولماذا يوضع في أسقف البيوت؟ يوضع في القبور بين اللبن؛ لئلا ينهال التراب إلى الميت فليس مقصوداً لأنه، لكن هو حشيش ناعم يمنع انهيال التراب إلى الميت؟
يقول هل الخط الأسود الممتد من الحجر الأسود له أصل؟
ليس له أصل هو حادث، لكن الحاجة داعية إليه؛ لأن كثيراً من الناس لا يدري من أين يبدأ الطواف، لا يدري ولا يعلم من أين يبدأ الطواف، لكن سائل يسأل يقول انه ابتدأ الطواف من رجل إسماعيل وين رجل إسماعيل، يعني يقصد من المقام مثل هذا يعرف كيف يبدأ؟ ما يعرف، فرأى أهل العلم في وقت من الأوقات أنه من المصلحة أن توضع علامة تدل على بداية الطواف، فإذا كانت المصلحة راجحة والمفسدة مغمورة فالدين دين مصالح ودرء مفاسد، لكن إذا زادت المفسدة -كما يلاحظ الآن- يوجد زحام شديد بسببه يقف الناس عليه وبعضهم يصلي يقصد هذا الخط ويصلي عليه، ولذلك فيه من يطالب بإزالته ووضع علامات تخلو من المفاسد، وحكمه حكم الخطوط ألي الآن المستعملة في الصفوف كلها حادثة، لكن إذا حققت مصلحة اتجه القول بها.
يقول: هل للعمرة طواف وداع وهدي؟(70/15)
الهدي النفل لا بأس، أما الواجب فلا يجب إلا بموجب، والعمرة ليس لها طواف وداع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتمر مراراً ولم يذكر أنه قال: ليكن آخر عهدكم بالبيت، ولم يأمر عائشة لما طافت وسعت أن تطوف للوداع.
المقصود أن العمرة ليس لها طواف، وبعض العلماء يرى أن النص عام شامل، فإن تيسر أن يطوف الإنسان إذا أراد أن ينصرف سواء كان في حج أو عمرة فهو أحوط، وإلا فالأصل أن العمرة ليس لها وداع.
طالب: حديث "إن عبداً أصححت له جسمه لا يفد لي كل خمسة أعوام فهو محروم".
هذا صححه بعضهم، ومعناه صحيح، حتى الذي لا يفد وهو يستطيع وهو صحيح البدن ويتيسر له يحج كل سنة محروم الذي لا يحج كل سنة محروم، الحرمان نسبي، نعم، فالحرمان نسبي.
طالب: ما يؤخذ منه تأثيمه .... ؟
لا لا ما يؤخذ، لا لا الحرمان لا لأنه لا يجب الحج إلا مرة واحدة؛ النصوص القطعية تدل على هذا.
يقول: هل من الممكن أن يكون الدرس ليوم غد بعد الظهر إلى العصر بدلاً من المغرب؟
بعد الظهر يعني لو قال من العصر إلى أذان العشاء ممكن، أما الظهر ما هو محل الدرس.
طالب:. . . . . . . . .
لا الظهر ما هو محل للدرس؛ لأنه يشق على كثير من الناس، قل مثل هذا في الجمعة لو تركنا غداً يكون الدرس بعد العصر إلى أذان العشاء ومثله يعني يمكن لكن الأصل على ما هو عليه، فإن كانت هذه رغبة الجميع فينزل عند رغبتهم فالدرس لكم، وإن كان هناك أحد يستفتي ويأخذ بقول يكون راجح فلا بأس.
يقول: ألا يكون ارتباط الناس بالرحلات الجوية والبحرية وغيرها وخاصة من يأتي من خارج المملكة وجاهة في الاشتراط؟
يعني ما حسب حسابه أنه لما قدم إلى الحج أنه سينتهي في يوم كذا؟ إذا كانت المسألة مسألة فريضة وركن من أركان الإسلام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي)) ما يقف أمام هذه شيء أبداً، مهما كانت الظروف؛ يعني الحج ركن الإسلام والطواف ركن الحج وإذا فرطنا بالركن شو يبقى؟
كذلك بالنسبة لشدة الزحام للمرأة الحامل ألا يكون ذا وجاهة؟(70/16)
أنت بتشترط وهي فرض لا بد أن تلاحظ أمرها وتأتي في الأوقات التي يخف فيها الزحام وتسدد وتقارب؛ لأنه لا بد أن نستشعر عظمة هذه العبادة، وأنها ركن من أركان الإسلام أما التساهل متى ما بغى جاء متى ما بغى، رجع ... من كانت عليه أمارات التعب ويخشى عليه أن يفوته الحج بسبب المرض يشترط مثل ضباعة على ما سيأتي.
هذا يسأل عن حديث الحجر الأسود يمين الله؟
هذا يبحث عنه بعض الإخوان ويأتي به غداً، ولو بحثه أكثر من واحد عاده يصير أحسن.
يقول: هل الأئمة الإثني عشر من نسل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من أهل السنة، وإذا كان الجواب نعم لماذا لا نرى في الصحاح مرويات لهم خصوصاً أن هناك مرويات كثيرة لجعفر الصادق؟
أما بالنسبة لأوائلهم كعلي والحسين وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي وجعفر الصادق كلهم أئمة، أئمة هدى ومروياتهم في الصحيحين وغيرها ولا نقاش فيه، من مرويات جعفر عن أبيه الباقر عن جابر حدبث حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- وخرجها الأئمة في كتبهم، وأهل السنة أهل عدل وإنصاف، ما قالوا أن جعفر الصادق عمدة الشيعة ووضع عليه الشيء الكثير، ما عليه ذنب مما وضع عليه، الكلام فيما يضعه هو، وهو عدل ثقة عند أهل العلم لا يوجد ما يمنع من تقرير حديثه، أما من جاء بعدهم فهم كغيرهم من عادي الناس لهم وعليهم.
يقول: هل نوم الرسول -عليه الصلاة والسلام- بذي طوى سنة يقاس عليه أن النوم قبل أداء العمرة سنة أيضاً؟
النوم عند الحاجة إليه لكي يقبل على العبادة وهو مرتاح ومطمئن مطلوب.
هذه الأمور تأتي في وقتها -إن شاء الله تعالى- بعض المسائل يشار إليها في أوقاتها من الدروس اللاحقة إن شاء الله تعالى.
يقول: نحن مجموعة من الزملاء في العمل عملنا جمعية بجزء من الراتب على أن يأخذها كل واحد شهر فهل عليها زكاة خاصة الذي يأخذها بالأخير مع العلم بأنه حال عليها الحول؟
هذه ديون على أملياء تزكى إذا حال عليها الحول الدين إذا كان عند مليء يزكى كل ما حال عليه الحول بخلاف الدين الذي على معسر.
طالب:. . . . . . . . .
وش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
وأنت تتصور أن السجود يكون على الأعضاء السبعة؟ الوجه الوجه فقط.
طالب: يعني مشروع؟(70/17)
فعله ابن عباس ويذكر عن عمر -رضي الله عنه- لكن المعروف التقبيل.
يقول: هل إذا نوى ولي الصبي أن يكون أجر حجة الصبي لأحد أقاربه فهل هذا جائز وهل يثبت الحج لمن أهدي له؟
المسألة ذكرناها في درس مضى، وقلنا أن الصبي لم يجر عليه قلم التكليف، من أهل العلم من يرى أنه لا يثبت له أجر ولا عليه وزر وإنما يؤمر وينهى من أجل التمرين، فهذه الحجة إذا كان ليس فيها أجر لا تهدى، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ولك أجر)) يعني الأم، فالأم تهدي ثوابها هذا الأجر الذي ثبت لها لمن شاءت.
هذا يقول: عندي سؤال ولكني لا أتجرأ على قوله ولكني لا أدري ما حكمه ما المطلوب عمله؟
المطلوب عمله عند الطواف، هو يقول لا أتجرأ على قوله، هو كلام شنيع يعني بجانب الرب -جل وعلا- سب لله -جل وعلا- في الطواف، فماذا يفعل من سب الله ورسوله، نسأل الله العافية يكفر، هذا يكفر، عليه أن يأتي بالشهادة من جديد إذا كان في حج أو عمرة بطل، بطل النسك كله، وعليه أن يعيده نسأل الله السلامة والعافية، وإذا كان بعد النسك فيعتريه من الخلاف ما يعتري من ارتد ثم عاد إلى الدين، هل يحبط عمله بمجرد الردة أو لا بد أن يموت على كفره؟ المسألة معروفة عند أهل العلم لكن إعادتها هو الأحوط.
يقول: حججت عام حريق منى ولم نبت ولا ليلة في منى وكنا نبيت في الأبطح لعدم وجود مكان في منى؟
إذا كان الكلام مؤكد وأنه بالفعل بحثتم عن مكان ولم تجدوا فلا شيء عليكم، وإن كان المسألة مسألة تفريط سمعتم الناس يقولون ما فيه مكان وصدقتم فعليكم بترك هذا النسك دم عند جمهور العلماء؛ لأنه واجب، المبيت واجب.
يقول: ما هو الملتزم؟
الملتزم بين الركن والباب، وحكم الدعاء عنده الالتزام إلصاق الصدر والبدن بهذه بهذا الجزء من الكعبة ما بين الركن والباب، والدعاء عنده يتحرى، فعله ابن عمر وابن عباس وجمع من الصحابة وليس فيه شيء مرفوع.
يقول: ما حكم التمسح بأستار الكعبة أو ببابها؟
كل هذا من البدع.
هذا يسأل عن سفر المرأة مع الحملات بدون محرم؟
المسألة تكلمنا عليها في درس مضى، ويذكر أن بعض المشايخ أفتوا بأن لها ذلك، لكن المرد في هذا والحكم إلى النص، وأنه لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم.(70/18)
يقول: هل يقول الذكر الوارد في نهاية الشوط السابع من السعي عند المروة؟
نعم.
طالب: الدعاء رعاك الله عند الصفا والمروة يرفع كفيه ويدعو؟
يدعو نعم يرفع يديه ويدعو.
يقول: هل ينبغي إنقاص عدد الحجاج من مليونيين إلى مليون لكي تؤدى المناسك بخشوع وبدون أذىً للناس وبدون مفاسد أخرى؟
الأصل أن العبادات المفروضة من قبل الله -جل وعلا- على عباده أن لا يتدخل فيها أحد، هذا الأصل، لكن إذا رأى ولاة الأمر باستشارة أهل العلم ممن تبرأ الذمة بتقليدهم رأوا أن المصلحة ظاهرة في التحديد وأن الخطر محقق مع عدمه لهم ذلك، فلهم ذلك.
شخص أحرم بالعمرة ثم بعد إحرامه بها ودخوله في النسك لم يؤد العمرة ورجع إلى أهله فماذا عليه؟
عليه أن يعود وهو مازال محرماً حتى يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.
يقول: أشرطة شرح بلوغ المرام توقفت عن الظهور فما السبب؟
لا علم لي بالأشرطة، والإخوان عندهم الأخبار والأشرطة التي ظهرت أخيراً صلاة الجمعة والخوف حذف منها الأسئلة القبلية والبعدية.
ما حاجة طلاب العلم لتوجيهات -مدري والله- ماحاجة طلاب العلم التوجيهات والمطبات الصناعية التي تصحح السير في الطلب؟
المقصود أن التوجيه مقبول طيب.
يقول: بعض الإخوان الذين في الأمام يوقفون الأسئلة وذلك يوغر صدورنا عليهم؟
على كل حال.
يقول: نرجو أن يكون الدرس غداً بعد الظهر إن أمكن.
هذا يقول: في الأصل في التقويم حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال للوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله" [أخرجه البخاري].
السائل يقول كيف نوفق بين هذا الحديث أعلاه مذكور في أصل التقويم وبين حديث الخمس الفواسق الذي ثبت وصفه بأنه فاسق والعلة منصوصة فيقتل لا سيما وقد جاء الحث على قتله من غير تقييد.(70/19)
يقول: أنا طالب للعلم مغرم به وعندي مشكلة أريد الإرشاد والدلالة للأصلح مشكلتي أنني منقطع لطلب العلم حفظاً للقرآن ولحفظ المتون ولكني لا أشارك في أي مجال من غير طلب العلم كثير من الإخوان يطلبون مني المشاركة في الدعوة والأنشطة الدعوية فأمتنع لا رغبة عن ذلك ولكن لعلمي من نفسي أن ذلك يشغلني عن التأصيل فهل ذلك حسن أو هو من حيل الشيطان ومكره علماً أن لي معلماً ولي مجلس شهري فهل أنا مصيب؟
على كل حال إذا انشغل بطلب العلم.
يقول: توضيح أكثر جعلت لي حد عشر سنوات وبعدها أبدأ في إلقاء الكلمات العامة فقط المشكلة أخشى من الإنقطاع والقعود والخمول وعدم الظهور ..
كلام بعضه مكرر ..
المشكلة أخشى من الظهور يعني مرة ثانية والمشاركة من القطع بطلب العلم والانشغال عن ذلك لأنني لا أستطيع أن أجمع بين عملين أو مجالين؟
على كل حال الأصل التعلم قبل كل شيء، أن يبدأ بالعلم ثم العلم، وعلى الإنسان أن يحرص بقدر الإمكان أن يعلم ما تعلمه، وأن يبلغ ما بلغه؛ لأن العمر ليس بمضمون الإنسان يقول أعكف على العلم عشر سنوات خمس سنوات عشرين سنة ثم بعد ذلك أفيد، لا؛ وما يدريك أنك تموت قبل ذلك، فاحرص بقدر الإمكان ولا تعرض نفسك لمواقف تحرج فيها ويطلب منك أكثر مما عندك، وإذا طلب منك مثل هذا قل الله أعلم ولا يضيرك، فعلى الإنسان من تعلم شيئاً أن يبلغه لغيره.
يقول: إذا حلفت بالله وحنثت ولم أكفر ثم حلفت بالله مرة أخرى هل أكفر مرة أو مرتين؟
إذا كان الباعث على اليمين ....(70/20)
بلوغ المرام _ كتاب الحج (5)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(71/1)
الحديث الذي ذكر بالأمس: ((الحجر الأسود يمين الله)) في كتاب القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يقول: "المثال الأول: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض)) الجواب عنه يقول الشيخ: أنه حديث باطل لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم خُرّج، أخرجه الخطيب في تاريخه، وابن عدي في الكامل، وعزاه الألباني في الضعيف لأبي بكر بن خلاد، وابن بشران في الأمالي، وفي إسناده إسحاق بن بشر الكاهلي، كذبه أبو بكر بن أبي شيبة إلى آخر ما قال، والحديث ضعفه المناوي في فيض القدير، ونقل هناك تضعيف ابن الجوزي في العلل المتناهية يقول ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال ابن العربي: حديث باطل، فلا يلتفت إليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسناد لا يثبت، يقول الشيخ: وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه؛ لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمشهور -يعني في هذا الأثر- إنما هو عن ابن عباس، قال: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله، وقبل يمينه" يقول أيضاً: ضعيف، الأثر ضعيف، أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث، ثم نقل عنه الألباني -رحمه الله- أنه قال: "إذا عرفت ذلك فمن العجائب أن يسكت الحافظ بن رجب عن الحديث في ذيل الطبقات، ويتأول ما روي عن ابن الفاعوس الحنبلي أنه كان يقول: الحجر الأسود يمين الله حقيقة، بأن المراد بيمينه أنه محل الاستلام والتقبيل، وأن هذا المعنى هو حقيقة في هذه الصورة، وليس مجازاً، وليس فيه ما يوهم الصفة الذاتية أصلاً، وكان يغنيه عن ذلك كله التنبيه على ضعف الحديث، وأنه لا داعي لتفسيره أو لتأويله؛ لأن التفسير فرع التصحيح، كما لا يخفى، هذا كلام الشيخ الألباني -رحمه الله-، الشيخ ابن عثيمين كأنه ينقل عن الفتاوى يقول: لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمشهور -يعني في هذا الأثر- إنما هو عن ابن عباس قال: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه أو قبله فكأنما صافح الله، وقبل يمينه" ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه، فإنه قال: يمين الله في الأرض، ولم يطلق فيقول: يمين الله، وحكم اللفظ المقيد يخالف حكم المطلق، ثم قال: فمن صافحه(71/2)
وقبله فكأنما صافح الله، وقبل يمينه، وهذا صريح في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلاً؛ ولكن شبه بمن يصافح الله، فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله تعالى، كما هو معلوم عند كل عاقل.(71/3)
يعني التأويل الذي ذكره شيخ الإسلام هو نفس ما انتقد على ابن رجب، يعني إذا كان الحديث بهذه المثابة من الضعف فلا يتكلف اعتباره، ولا يتكلف تأويله، ولا يتكلف التوفيق بينه وبين غيره من النصوص، هذه الجادة، لكن كأن الشيخ يميل إلى أن الخبر عن ابن عباس يعني قد يقبل، وإذا ثبت عن ابن عباس مثل هذا الخبر، وهو لا مجال للرأي فيه فإنه له حكم الرفع، وهذا بحث من بعض الإخوان يقول: ذكر الحديث عن حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً، أخرجه ابن خزيمة والطبراني والحاكم والبيهقي، وجميع أسانيدها مدارها على عبد الله بن المؤمل، وهو ضعيف، ثم حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً أخرجه ابن عدي والخطيب وأبو بكر بن خلاد وابن بشران جميع أسانيدهم مدارها على إسحاق بن بشر الكاهلي، وهو وضاع؛ لكن لم ينفرد به فقد تابعه أحمد بن يونس الكوفي، وهو ثقة كما عند ابن عساكر، وفي إسناد المتابعة أبو علي الأهوازي، وهو متهم، على كل حال إذا كان في طريق وضاع وفي طريق متهم هذا لا يقبل الانجبار شديد الضعف، حديث ابن عباس مرفوعاً، أخرجه الفاكهي في تاريخه، وإسناده ضعيف جداً، حديث أنس مرفوعاً، أخرجه الديلمي في مسند الفردوس بإسناد فيه متهم أيضاً، حديث ابن عباس موقوفاً، أخرجه عبد الرزاق في المصنف، وفي إسناده إبراهيم بن يزيد، وهو منكر الحديث، وأخرجه عبد الرزاق بعده من حديث ابن جريج عن محمد بن عباد عن ابن عباس به، ورواه ابن جريج عن علي بن عبد الله عن ابن عباس، وأخرجه الفاكهي إلى آخره، ولعل هذا هو الراجح في الحديث، أنه من قول ابن عباس، حتى ما نسب إلى ابن عباس ما يسلم طريق من ضعف؛ لكن لتعدد الطرق عن ابن عباس يمكن احتماله موقوفاً عن ابن عباس، كما يفهم من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-، وإذا ثبت عن ابن عباس وهو مما لا مجال للرأي فيه يكون له حينئذ حكم الرفع، يقول: ولعل هذا هو الراجح في الحديث أنه من قول ابن عباس، حديث أبي هريرة مرفوعاً أخرجه ابن ماجه والفاكهي وابن عدي، وإسناده فيه حميد بن أبي سوية، وهو ضعيف، هذا الذي بحث يقول: الخلاصة أن الحديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً، هذا ما ترجح لي في هذه العجالة، والأمر يحتاج إلى بحث وتأمل؛ لكن من ضعف(71/4)
المرفوع والموقوف باعتبار أن جميع طرقه لا تسلم له وجه، وممن نظر إلى اعتبار تعدد هذه الطرق، ولو كان ضعفها شديداً، فإن بعض أهل العلم إذا تعددت الطرق وتباينت وكثرت، ولو كان الضعف شديداً، وفي اصطلاح أهل العلم أن الضعف الشديد لا ينجبر، بعضهم يرى أنه ينجبر، على كل حال لو صح فمعناه مثل ما ذكر شيخ الإسلام أنه من باب أن من صافحه فكأنما كما هو نص الخبر، وحينئذ إذا كان من صافحه فكأنما صافح يمين الله، وبعدين هو يمين الله في الأرض، والله -جل وعلا- في السماء، فلا يخطر على البال أنه هو اليمين التي ثبتت في النصوص، في نصوص الكتاب والسنة، وإثباتها لله -جل وعلا-، فاليد ثابتة على ما يليق بجلال الله وعظمته، وهذا من باب التقريب والتشبيه، "فكأنما" ومعلوم أن المشبه لا يلزم منه مطبقة المشبه به من كل وجه، ففي رؤية الباري -جل وعلا- شبهت بالحديث الصحيح كأنما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في ذلك، المقصود أن تشبيه رؤية الباري برؤية القمر ليست من كل وجه، إنما في الوضوح والظهور، وإن كان المشبه غير المشبه به.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الإمام الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كتابه بلوغ المرام في باب صفة الحج ودخول مكة:
وعن يعلى بن أمية -رضي الله عنه- قال: "طاف النبي -صلى الله عليه وسلم- مضطبعاً ببرد أخضر" رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي.(71/5)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- وعن يعلى بن أمية -رضي الله تعالى عنه- قال: "طاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطبعاً ببرد أخضر" بالنسبة للون ليس هناك لو متعين بحيث لا يجوز سواه، إلا ما ورد النهي عنه من الأصفر، المعصفر المزعفر، الأحمر، كل هذه ورد النهي عنها بالنسبة للرجال، وما عدا ذلك يجوز لبسه، "مضطبعاً" حال كونه مضطبعاً، والاضطباع كما ذكرناه بالأمس أن يبدي ضبعه الأيمن، ويدخل الرداء من تحته، من تحت إبطه الأيمن، ويرسل طرفيه على منكبه الأيسر؛ ليكون طرف على صدره، وطرف على ظهره من جهة الظهر، الاضطباع سنة في جميع الأشواط السبعة، يلاحظ أن بعض الناس منذ أن يعقد النية يضطبع حتى يتحلل ويلبس ثيابه، ولذا تلاحظون أن بعض الحجاج اليد اليمنى قد أثرت عليها الشمس، وضعها على هيئة ولم يغيرها، مع أن الاضطباع في الطواف، في السبعة الأشواط، ومنهم من خصه بالثلاثة الأُول كالرمل؛ لكن المرجح أنه في السبعة، فإن انتهى من الطواف ستر منكبيه؛ ليصلي ركعتي الطواف، وجاء في الحديث الصحيح: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء)) والرواية الأخرى: ((ليس على عاتقه)) فعلى هذه الرواية يكفي أحدهما، فلا ينكر على من فعله؛ لكن الأصل أن الاضطباع ينتهي بانتهاء الطواف.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه" متفق عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان يهل منا" يعني الصحابة في مسمع منه -عليه الصلاة والسلام-، "كان يهل منا المهل"، والإهلال رفع الصوت بالتلبية، "فلا ينكر عليه" لماذا؟ لأنه محرم، والتلبية بالنسبة للمحرم سنة، ويأتي متى يقطع التلبية، "ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه" لأن أيام الحج أيام تكبير، فمن كبر فقد أحسن، ومن أهل ولبى فقد أحسن، وهذا صنيع بمسمعه -عليه الصلاة والسلام-.(71/6)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بعثي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الثقل، أو قال: في الضعفة من جمع بليل"، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة -تعني ثقيلة- فأذن لها" متفق عليهما.(71/7)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في الثقل" في المتاع، ثقل المرء متاعه، "أو قال: في الضعفة" يعني من أهله من نساء وذرية "من جمع" يعني من مزدلفة "بليل" يعني بعد منتصفه، وبعد مغيب القمر يسوغ لأهل الأعذار أن ينصرفوا من جمع بعد أن يجلسوا فيها غالب الليل، والحكم للغالب، في حديث أسماء أنها كانت ترقب القمر، ولا يغيب القمر إلا بعد مضي غالب الليل، فإذا غاب انصرفت، وهنا بعثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بليل، يعني قبل طلوع الفجر، وعلى هذا من كان معذوراً بحيث لا يستطيع مزاحمة الناس له أن ينصرف، ومنهم من يطرد يقول: الحكم للغالب، فإذا جلس، مكث الحاج بمزدلفة إلى نصف الليل، وزاد على ذلك قليلاً فطرداً لقولهم: أن الحكم في المسائل للغالب أنه ينصرف الجميع، هذا القول معروف عند الحنابلة والشافعية، الانصراف من منتصف الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم مكث في مزدلفة حتى صلى الصبح، اضطجع حتى طلع الفجر، ثم صلى الصبح، وذهب إلى المشعر، فقام يذكر الله عند المشعر الحرام، حتى أسفر جداً، ثم دفع، وهذه هي السنة، وأوجب بعضهم البقاء إلى صلاة الصبح، بل جعل صلاة الصبح بعضهم بمزدلفة ركن من أركان الحج، لما سيأتي في حديث عروة بن مضرس، وفيه ما فيه على ما سيأتي، وفي الحديث الذي يليه حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة" الأصل في الثبط: البطيء الحركة، وفي الحديث الصحيح: "وكانت ثبطة ثقيلة" وهنا يقول "وكانت ثبطة" تعني ثقيلة، ولا شك أن الثقل سبب لبطء الحركة، فكونها ثبطة سببه أنها كانت ثقيلة، ومعروف أن الثقل في البدن سواء كان بسبب الزيادة في الوزن أو بسبب الإرهاق، أو بسبب المرض، أو كبر السن كل هذا يجعل الإنسان ثبطاً، يعني بطيء الحركة، وعلى كل حال هي كبيرة السن، وهي ثقيلة، فنشأ عن ذلك بطء الحركة، فصارت من الضعفاء، فاستأذنت، فأذن لها، وعائشة في ذلك الوقت كانت شابة نشيطة قوية ما استأذنت؛ لكنها تمنت فيما بعد أنها استأذنت كما استأذنت سودة، فاستدل بعضهم من كلامها أن(71/8)
المرأة عموماً لها أن تنصرف، ولا شك أن جل النساء ضعيفات، والضعف ملازم لهن، فمن قال: أن النساء عموماً ينصرفن، لهن الانصراف، فله وجه؛ لأن عائشة ما لاحظت كونها ثقيلة كون سودة ثقيلة، وإنما تمنت لو استأذنت كما استأذنت سودة، ومع ذلك هي شابة خفيفة نشيطة، ليست بثبطة، ولا ثقيلة، ففهمت أن سبب الانصراف هو كونها من جنس النساء، وعلى كل حال من احتاج إلى أن ينصرف قبل الناس هذا عذره، أو كان معه من الضعفة ما يستحق أن ينصرف من أجله له ذلك؛ لكن لا يُتحايل بهذا على إسقاط السنن، لا يُتحايل بهذا على التنصل من السنن والاتباع، قد رأينا باص فيه ما يقرب من خمسين شخص، وليس معهم إلا امرأة واحدة، مكثوا قليلاً، قالوا: ننصرف، كيف تنصرفون وأنتم أقوياء أشداء؟ قالوا: معنا امرأة، وليس في الباص إلا هذه المرأة، وكأنهم جعلوها معهم للاحتيال على تطبيق السنة، ديننا -ولله الحمد- ليس بدين آصار، ولا أغلال، الدين يسر -ولله الحمد والمنة- لكن التحايل على التنصل من الأحكام الشرعية لا شك أنه مذموم، وما حرف اليهود -بنو إسرائيل- ما حرفوا النصوص إلى بالحيل، بالتحايل عليها، لارتكاب المحرمات، والتنصل على الواجبات، فكون الإنسان يحتال من أجل أن ينصرف الأمور بمقاصدها، وأنت تتعامل مع من لا تخفى عليه خافية، يعلم السر وأخفى؛ لكن إذا وجد معك من له الانصراف بالدليل الشرعي، وليس له من يقوم به سواك حينئذ لا بأس أن تنصرف معه، المبيت بالمزدلفة محل خلاف بين أهل العلم، منهم من يرى أنه ركن من أركان الحج، وهذا معروف عن علقمة والنخعي وبعض السلف لحديث عروة بن المضرس، وسيأتي، ومنهم من يرى أنه سنة كالمبيت في منى، والأكثر على أنه واجب من واجبات الحج، كونه واجب هو القول الوسط، ويدل له الإذن؛ لأن السنة لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، المندوب إذا احتيج إليه لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، والركن لا يؤذن فيه، مهما بلغ العذر، لو أن شخصاً في طريقه إلى عرفة حصل له ما حصل حادث أدخل إلى المستشفى إلى أن انتهى الوقوف، نقول: هذه حاجة؟ هذه ضرورة؛ لكن أدرك الحج وإلا فاته الحج؟ فاته الحج، الركن لا يؤذن فيه، والسنة لا يحتاج إلى إذن ولا استئذان، إذاً المبيت(71/9)
بمزدلفة واجب من واجبات الحج، وهذا هو القول المعتمد، ومن فاته الوقوف بتفريط منه يلزمه عند أهل العلم دم يجبره به، وأما مقداره فمن إمكان الوصول؛ لأن من الناس من لا يصل إلى مزدلفة إلا قرب الفجر، يُلزم بشيء؟ ما يلزم بشيء، ومنهم من يصل إلى المزدلفة بعد غروب الشمس بقليل على كل حال من إمكان الوصول إلى أن يسفر جداً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن دفع بعد منتصف الليل، بحيث يمضي غالب الليل فالأمر فيه سعة عند جمع من أهل العلم، ولكن الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، ومبيته بها من وصوله إلى الإسفار مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم)) هذا يجعل الأمر مما ينبغي أن يهتم به، ويعتنى به، ومن الناس لا سيما من يرتبط بحملة أو غيرها، تجد صاحب الحملة مجرد ما ينزلون قليلاً يركبهم في السيارات، ويتأهبون للانصراف، مع أنه في الطريق يوجد أناس كثير منهم نايم، ولن يتهيأ، ولن يتيسر له أن ينطلق إلى منى لوجود من في الطريق من النوام وغيرهم؛ لكن بعض الناس يحرص على أن يتخلص من هذه العبادة بأي وسيلة، ليس البر بالإيضاع، الكلام في تطبيق السنة، وأن يأتي بهذه العبادة على وجه كامل بقدر الإمكان، أهل الحملات أحياناً يلزمون من يحج معهم بمثل هذا، تجدهم من صلاة العصر أو من وقت صلاة العصر يبدؤون بركوب الناس وإشغالهم عن أذكارهم بعرفة على ما أشرنا أمس، ثم بعد ذلك يدفعونهم إلى مزدلفة، ثم يشغلونهم قبل منتصف الليل بالركوب، وهذا حصل، يركبون من الساعة الحادي عشرة، وينطلقوا لا يمكن المسير بحال من الأحوال ولا خلال ثلاث ساعات؛ لأن الناس نوام قدامك في الطرق؛ لكن مع ذلك تجد صاحب الحملة يحرص أن تنتهي هذه الحجة بأقرب فرصة، مع أنه لن ينته، يعني هذا نظير الذي يسابق الإمام، هل يمكن أن يسلم قبل الإمام؟ ما يمكن يسلم قبل الإمام، وهذا الذي أركب الناس، والناس نوام قدامه في الطرقات لا يمكن أن ينصرف قبل الناس؛ لكن بعض الناس عنده طبع، طبع في نفسه قبل الموعد المحدد بأوقات لا بد يصير جاهز، وهذا يتعب نفسه، ويتعب غيره، وخير الأمور أوسطها، أيضاً التريث الزائد على المطلوب يفوت كثير من المصالح، فخير الأمور أوسطها.(71/10)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس)) رواه الخمسة إلا النسائي، وفيه انقطاع.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" رواه أبو داود وإسناده على شرط مسلم.(71/11)
حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا ترموا الجمرة)) وابن عباس في الحديث السابق الذي يقول فيه: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعثه في الثقل، أو قال: في الضعفاء من جمع بليل، وهو ما يحتاج إلى عذر، يناهز الاحتلام، يعني شاب قوي نشيط؛ لكن بعثه معهم، وهو ليس من أصحاب الأعذار، ولذا قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ترمي الجمرة حتى تطلع الشمس)) مثل فعله -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما رمى إلا بعد ما طلعت الشمس، فمثل هذا القوي النشيط يرتكب العزيمة، وليس بحاجة إلى رخصة، على أن في الخبر انقطاعاً؛ لكن له أكثر من طريق، بحيث يصل إلى أن يحكم عليه بأنه صحيح لغيره، فالذي ليس بحاجة إلى رخصة الأولى أنه لا ينصرف قبل الإسفار، ولا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كفعله -عليه الصلاة والسلام-، وهنا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا ترموا حتى تطلع الشمس)) ومنهم من يحمل هذا النهي على الكراهة، والانتظار إلى طلوع الشمس من باب الاستحباب، بدليل حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" فإذا أذن بالانصراف بليل كما هو شأن سودة وأم سلمة، إذا أذن بالانصراف بالليل من مقتضى هذا الانصراف أن تكون التحية بمجرد وصول منى برمي الجمرة، ثم بعد ذلك أفاضت، وعلى هذا من انصرف بعد منتصف الليل، ثم مر بالجمرة فرماها، ثم ذهب إلى البيت فطاف قبل الفجر فعله صحيح أم ليس بصحيح؟ يعني عند من يقول بالانصراف بمضي غالب الليل، فعله صحيح وإلا ليس بصحيح؟ صحيح؛ لأن أم سلمة إسناده على شرط مسلم، رواه أبي داود وإسناده على شرط مسلم، وأنكره الإمام أحمد وغيره؛ لكن يقول البيهقي وغيره: إسناده صحيح لا غبار عليه، إسناده جيد ما فيه إشكال -إن شاء الله تعالى-؛ لكن يبقى أنه بالنسبة لمن له الانصراف، وعرفنا أن من أهل العلم من يرى أنه لا يجوز الانصراف إلا بعد الإسفار، لفعله -عليه الصلاة والسلام-، وقوله: ((خذوا عني مناسككم)) إلا للمعذورين، وقد أذن النبي -عليه الصلاة والسلام- لسودة وغيرها، وممن أذن له أم(71/12)
سلمة، وعرفنا أن المعروف عند الشافعية والحنابلة أن الانصراف بعد منتصف الليل لا إشكال فيه للجميع، فإذا ساغ الانصراف تبعه ما بعده من الأعمال، رمي الجمرة تحية منى، إذا انصرف من منتصف الليل له أن يرمي قبل الفجر، كما فعلت أم سلمة، وله أيضاً أن يطوف قبل الفجر؛ لكن هل له أن ينحر قبل الفجر وإلا لا؟ أنت افترض عندنا أعمال يوم النحر: الرمي والنحر والحلق أو التقصير والطواف، فإذا استصحبنا هذه الأشياء، وأجزنا بعضها قبل الفجر، ثم استصحبنا أيضاً حديث ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) على ما سيأتي شخص انصرف بعد منتصف الليل له أن يرمي قبل الفجر، له أن يطوف قبل الفجر، افترض أن هذا قدم الحلق، أو قدم النحر قبل رمي الجمرة، يعني لو قدم النحر قبل الرمي بعد طلوع الشمس، وبعد صلاة الإمام هذا ما فيه إشكال؛ لكن لو قدم قبل طلوع الفجر هل له ذلك أو ليس له ذلك؟ يعني ما سئل عن شيء قدم ولا أخر.
طالب:. . . . . . . . .
طيب أنت الآن المتقرر عند جمع من أهل العلم على حديث عائشة في قصة أم سلمة أن لها أن ترمي قبل الفجر، والرسول -عليه الصلاة والسلام- ما سئل عن شيء قدم، يعني لك أن تقدم النحر قبل الرمي؟ نحرت قبل أن أرمي، قال: ((افعل ولا حرج)) هل يدخل في مثل هذا أو لا يدخل؟
طالب:. . . . . . . . .
خلنا نتعامل مع نصوص الآن عندك شيء، أنت افترض مثلاً أن هذه الآلة جيدة، وهذه أجود منها، فجيء بآلة ثالثة صارت أجود من هذه، ألا يمكن أن تقول: أنها أجود من هذه؟ لك أن تقول، هذه رقم واحد اثنين أجود منها، ثلاثة أجود من اثنين، إذاً ثلاثة أجود من واحد، صح وإلا لا؟ الرمي يجوز قبل الفجر، والنحر يجوز تقديمه على الرمي بدليل: ((افعل ولا حرج)) إذاً يجوز النحر قبل ... ، ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: ((افعل ولا حرج)) لكن هل المقصود باليوم النهار، أو يبدأ اليوم الشامل لليل والنهار من غروب الشمس؟ الآن الرمي ما هو من أعمال يوم النحر؟ من أعمال يوم النحر، ليلة العيد تابعة ليوم عرفة وإلا تابعة ليوم النحر؟
طالب:. . . . . . . . .(71/13)
هو الأصل، الأصل في أن اليوم الشرعي يبدأ بغروب الشمس؛ لكن هم استثنوا ليلة النحر باعتبار أنه يصح فيها الوقوف، والوقوف لا يصح إلا في يوم عرفة، فقالوا: أن ليلة عيد النحر تابعة ليوم عرفة حكماً، وإلا حقيقة بغروب الشمس يبدأ اليوم، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: ((افعل ولا حرج)) يعني من أعمال يوم النحر، فإذا أجزنا الرمي قبل الفجر، وأجزنا في النحر أن يقدم عليه.
طالب:. . . . . . . . .(71/14)
يلزم من هذا جوازه؛ لكن الخلاف في وقت النحر معروف بين أهل العلم، وهو تابع لقاعدة شرعية؛ لأن له سبب وجوب، ووقت وجوب، سبب وجوبه الإحرام بالعمرة في التمتع، أو الإحرام بهما معاً في القران، ووقت وجوبه بعد صلاة العيد كالأضحية، والعبادة إذا كان لها وقت وجوب وسبب وجوب القاعدة أنه لا يجوز فعلها قبلهما، لا يجوز أن تذبح الهدي وتقول: أنا لم أحرم بعد؛ لكن أقدمها وأرتاح منهاـ كما أنه لا يجوز لك أن تدفع كفارة اليمين قبل أن تنعقد اليمين قبل ما تحلف تقول: والله فرصة أنا عندي الآن طعام كثير أوزع كفارات احتمال أني أحلف فيما بعد ولا أجد كفارة، قبل انعقاد السبب لا يجوز اتفاقاً، وبعد السبب والوقت يجوز اتفاقاً؛ لكن الخلاف فيما بينهما، الآن السبب منعقد، والوقت لم يحن، فهل يجوز أن تفعل هذه العبادة بينهما أو لا تجوز؟ افترض أنت حلفت وقلت: والله لا أدخل هذه الدار، رأيت من المصلحة أنك تدخل، ((إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني، وأتيت ما هو خير)) وفي رواية: ((لأتيت الذي هو خير، ثم كفرت عن يميني)) يجوز عند أهل العلم أن تكفر قبل أن تحنث، وهذا من فروع هذه القاعدة، فهل يجوز لك أن تنحر قبل وقت النحر، وألف في هذا رسالة: (القول اليَسِر في جواز نحر الهدي قبل وقت النحر) لكنها رد عليها، ما نحتاج إلى اسمه، رد عليها برسالة اسمها: (إيضاح ما توهمه صاحب اليسر في يسره) على كل حال القول بالجواز هو قول الشافعي، تنحر قبل يوم النحر، ومقتضى القاعدة العامة أنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر، وما دام يجوز تقديم الرمي قبل الفجر إذاً يجوز تقديم الذي يجوز تقديمه عليه، تبعاً للقول العام الشامل على ما سيأتي؛ لكن أهل العلم يقررون أن وقت النحر هو وقت الأضحية، والمسألة ما تسلم من خلاف، ومردها القاعدة التي أوردناها من أرادها يرجع إلى قواعد بن رجب.
طالب:. . . . . . . . .(71/15)
إحنا قلنا لك: إن الشافعية والحنفية أطلقوا أهل الأعذار غيرهم ينصرفون بعد منتصف الليل؛ لأن الحكم للغالب وهم جلسوا غالب الليل، والمكث بعد ذلك مستحب، وعلى كل حال على المسلم أن يعنى بعباداته، وأن يؤديها على الوجه الكامل بقدر الإمكان، وأن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لا سيما فيما أكد عليه ((خذوا عني مناسككم)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- وقف إلى أن أسفر جداً، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالأصل هو القدوة والأسوة -عليه الصلاة والسلام-، فالانصراف وقت انصرافه -عليه الصلاة والسلام- لا يسوغ لا سيما لطلاب العلم الذين هم قدوة للناس وأسوة، يعني إذا لم يقتدِ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أهل العلم وطلاب العلم من يقتدي به، يقول: " أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت" رواه أبو داود، وإسناده على شرط مسلم، سيأتي وقت قطع التلبية، وفيه إشكال أيضاً نورده في محله، وله ارتباط بهذا الحديث.
وعن عروة بن مضرس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من شهد صلاتنا هذه -يعني بالمزدلفة- فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه)) رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن خزيمة.(71/16)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عروة بن مضرس الذي جاء من جبل طي، وذكر أنه أتعب نفسه، وأكل راحلته، ولم يترك جبل إلا وقف عنده، فيسأل هذا حجه صحيح وإلا؟ يقول: فهل لي من حج؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- بجواب عام شامل يشمله ويشمل غيره ((من شهد صلاتنا هذه)) صلاة الصبح بالمزدلفة، ((من شهد صلاتنا هذه)) يعني بالمزدلفة ((فوقف معنا حتى ندفع)) إلى هذه الغاية ((وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه)) والحديث مصحح عند أهل العلم، ما ذُكر، الآن عندنا شرط وجزاء من شهد، فوقف إلى هذه الغاية، شهود الصلاة، والانتظار حتى يدفع النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الإسفار مع الوقوف، من فعل هذا فحجه صحيح، فقد تم حجه، مفهومه مفهوم الشرط أن من لم يشهد الصلاة، ولم ينتظر حتى يدفع النبي، أو في وقت دفعه -عليه الصلاة والسلام- وهو الإسفار، أو لم يقف بعرفة قبل ذلك أن حجه صحيح وإلا ليس بصحيح؟ ليس بصحيح، وهذا الحديث حجة من يزعم أن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج كالوقوف بعرفة، وهو أيضاً حجة من يرى ركنية الصلاة -صلاة الفجر- بالمزدلفة، هذا مفهوم الشرط، ((من شهد صلاتنا، فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه)) هذا مفهوم الشرط، فماذا عن مفهوم الشرط؟ هل هو حجة أو ليس بحجة؟ وماذا عن دلالة الاقتران في مثل هذه الأمور؟ يعني لو قيل مثلاً: شخص أحرم من الميقات، أو قال شخص من أحرم من الميقات، وطاف وسعى وحلق وبات وجمع جميع أفعال الحج، الأركان والواجبات والمستحبات نسقها كلها، عد عشر خصال، منها الأركان، ومنها والواجبات، ومنها المستحبات، فحجه صحيح، هل يفهم من هذا أن من أخل بشيء منها أن حجه ليس بصحيح؟ يعني لو قال قائل: من كبر للإحرام ثم دعا دعاء الاستفتاح، ثم قرأ الفاتحة وسورة بعدها، ثم ركع، ثم رفع، ثم سجد، ثم كذا صلاته صحيحة، هل المفهوم من هذا أنه إذا لم يستفتح صلاته غير صحيحة؟ من لم يقرأ سورة بعد الفاتحة صلاته ليست بصحيحة؟
طالب:. . . . . . . . .(71/17)
نعم هذا نظير ما عندنا، فقد ينسق المستحب على الواجب، وقد يعطف الواجب على الركن، ولذا يرى أهل العلم ضعف دلالة الاقتران، أنتم معي وإلا لا؟ يعني كون الإنسان يعطف أمور: واجبات وأركان ومستحبات، ويبين الهيئة الكاملة للفعل، ويحكم بأن هذا صحيح، هل معنى هذا أنه لو أخل بشيء منه أنه ليس بصحيح؟ ولذا ينازعون في مفهوم الشرط، ويضعفون دلالة الاقتران، الآن التنظير بالصلاة ((من شهد صلاتنا)) يعني الصلاة التنصيص عليها باعتبارها الحد الفاصل لإدراك الحج من عدمه، صلاة الصبح ليلة المزدلفة، أنت افترض أنه جاء قبيل طلوع الصبح ووقف بعرفة، يترتب عليه أن لا يشهد صلاته، تقول: حجه صحيح وإلا ليس بصحيح؟ ((وكان قد وقف قبل ذلك ليلاً أو نهاراً)) بعض الروايات: ((أية ساعة من ليل أو نهار)) يعني أدنى جزء من ليل أو نهار، وأنت افترض أن شخص جاء في آخر جزء من أجزاء الليل، مقتضى الجملة هذه الأخيرة ((وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه)) يريد أن يجعل صلاة الصبح هي الحد الفاصل للإدراك والفوات؛ لأن من لم يدرك صلاة الصبح خلاص فاته الحج، تأملوا في الحديث يا إخوان؛ لأنه من يتمسك به للقول بركنية المبيت بمزدلفة، أو ركنية صلاة الصبح يقول مثل هذا، مفهومه أن من لم يشهد الصلاة، أو يقف معهم حتى يدفعون، هذا مقرون بالوقوف بعرفة، والوقوف بعرفة ركن بالإجماع، إذاً ما ذكر معه ركن مثله، هذه حجة من يقول بالركنية؛ لكن النبي قال: ((من شهد صلاتنا)) باعتبار أن الصلاة هي الحد الفاصل لإدراك الحج من فواته، ((من شهد صلاتنا، وقد وقف قبلها)) يعني قبل الصلاة وقف بعرفة، افترض أنه قبل الصلاة وقف بعرفة بلحظة قبل طلوع الفجر، هل يدرك الصلاة بالمزدلفة معهم؟ لن يدرك الصلاة معهم، لا سيما والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها في أول وقتها، فدل على أن الحج كما في الحديث الآخر عرفة، والحد الفاصل للإدراك والفوات هو صلاة الصبح، يعني من صلى الصبح وما وقف بعرفة قبل ذلك فاته الحج، أرجو أن يكون الكلام واضح ومفهوم؛ لأن الاستدلال بعضهم يرى فيه قوة بهذا الحديث، فكون الأمور تُذكر، تُبسط العبادة مثلاً إذا قلت مثلاً: إذا أمسك الشخص من طلوع الفجر إلى غروب(71/18)
الشمس، وأدى الصلوات مع الجماعة، ولا كذب، ولا اغتاب، ولا فعل، ولا قال زور صومه صحيح، هل معنى هذا أنه لو أخل بشيء من هذه الأمور أن صيامه غير صحيح؟ لا يلزم، وهذا نظير ما عندنا.
وعن عمر -رضي الله عنه- قال: "إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: "أشرق ثبير" وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- خالفهم، ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس" رواه البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: إن المشركين كانوا لا يفيضون" يعني من مزدلفة إلى منى "حتى تطلع الشمس" ويقولون مقالتهم: أشرق ثبير، وهو جبل أكبر، أو من أكبر جبال مكة، أشرق ثبير، أمر بالإشراق، ثبير يعني يا ثبير، الزيادة في بعض الروايات: "كي ما نغير" وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- خالفهم فأفاض بعد أن أسفر جداً، ودعا الله، وذكره عند المشعر الحرام امتثالاً للأمر، ومع ذلك خالف المشركين فأفاض قبل أن تطلع الشمس، فيحرص الإنسان على تطبيق السنة بقدر إمكانه؛ لكن لو طلعت الشمس وهو بمزدلفة نظراً لزحام سيارات، المقصود أنه يتهيأ للانصراف قبل طلوع الشمس، ويركب دابته أو سيارته قبل طلوع الشمس، فإذا أعاقه أمر خارج عن إرادته فلا شيء عليه.
قال المصنف -رحمه الله- وعن ابن عباس وأسامة بن زيد -رضي الله عنهم- قالا: "لم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبي حتى رمى جمرة العقبة" رواه البخاري.(71/19)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس وأسامة بن زيد" ابن عباس هو الفضل، مع أنه إذا أطلق ينصرف إلى عبد الله حبر الأمة، وترجمان القرآن، والمراد به هو الفضل، وأسامة بن زيد وابن عباس يروي عنهما، يروي عن أخيه الفضل وأسامة ابن زيد؛ لأن أسامة كان رديف النبي -عليه الصلاة والسلام- من عرفة إلى مزدلفة، والفضل رديفه من مزدلفة إلى منى -رضي الله عنهم-، الترضي عن أربعة، قالا والرواية عن اثنين، لم يزل النبي -عليه الصلاة والسلام- يلبي حتى رمى جمرة العقبة، رواه البخاري، لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، استمر في التلبية إلى أن رمى، وهل المقصود برمى شرع أو فرغ؟ قولان لأهل العلم، الأصل في الفعل الفراغ منه؛ لأنه فعل ماضي، يعني هل الفعل الماضي حتى رمى، يعني حتى شرع يقطع التلبية مع بداية الرمي أو في نهايته؟ الفعل محتمِل؛ لأنه جاء الفعل الماضي مع إرادة الفعل، إذا قرأت القرآن، إذا قمتم إلى الصلاة، يعني إذا أردتم قبل وقوعه، ويأتي الفعل الماضي -وقد ذكرنا هذا مراراً- ويراد به الشروع، إذا ركع فاركع، إذا شرع في الركوع، والأصل في الماضي أنه الفراغ منه، يعني بعد فراغه، إذا قلت: جاء زيد، خلاص انتهى جاء، إذا قلت: شربت الماء، تقول: هذا والماء في الكوب أم في جوفك؟ خلاص منتهي، الفراغ من الفعل، هذا الأصل فيه، وهنا حتى رمى جمرة العقبة، هل المراد به شرع بالرمي فيقطع التلبية مع أول حصاة، أو فرغ منه فلا يزال يلبي حتى يفرغ من الرمي؟ على كل حال الجمهور يقولون: يقطع التلبية بالشروع، كما أنه في العمرة يقطع التلبية برؤية البيت، أو بالشروع في الطواف؛ لكن لا يلبي وهو يطوف، وهنا لا يلبي وهو يرمي، وإلى الثاني ذهب أحمد وبعض الشافعية إلى أنه لا يزال يلبي حتى يفرغ من الرمي، ويدل له رواية عند النسائي: "فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة، فلما رجع قطع التلبية" فدل على أنه كان يلبي وهو يرمي، لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، الذي يبدأ برمي جمرة العقبة من أعمال يوم النحر هذا ما عنده إشكال، ما فيه مشكلة أن الإنسان لا يزال يلبي حتى يرمي؛ لكن افترض المسألة في شخص قدّم، أول ما بدأ بالطواف، ثم الحلق، ولبس ثيابه هل يلبي حتى يرمي جمرة(71/20)
العقبة، أو يقطع التلبية قبل ذلك؟ مقتضى الحديث: "لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" يعني فيه احتمال أن الإنسان يلبي وعليه ثيابه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما فيه إشكال؟ الآن هو محرم؟ ما هي التلبية للإحرام؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف غير متصور؟ الآن طاف وحلق شعره ولبس ثيابه، له أن يلبس الثياب وإلا ليس له؟ له أن يلبس الثياب، مقتضى هذا الحديث أنه لا يزال يلبي وعليه ثيابه حتى يرمي جمرة العقبة؛ لأنه أخر الرمي، الرمي زحام، والبيت ما بعد وصل الناس فاضي، أريد أطوف أول، ثم أحلق، وألبس ثيابي، بعدين أروح وأنا مرتاح أرمي في العصر.
طالب:. . . . . . . . .
من أسباب التحلل، أول عمل من أسباب التحلل يقطع التلبية فيه، صحيح وإلا مو صحيح؟ أو لا يزال يلبي حتى يرمي جمرة العقبة؟ لم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يلبي حتى رمى جمرة العقبة، مقتضاه أنه لا يزال يلبي حتى ولو باشر جميع أسباب التحلل، ما عدا الرمي لا يزال يلبي، ولو كان عليه ثيابه، ومعلوم أن التلبية حال الإحرام، فإذا باشر أسباب التحلل والبدل له حكم المبدل، الأصل أن يبدأ بالرمي فإذا بدأ بالطواف قطع التلبية كالعمرة إذا بدأ بالحلق قطع التلبية.
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصيات، وقال: "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" متفق عليه.(71/21)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أنه جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه" واستقبل إيش؟ نعم استقبل الجمرة، يعني منى عن يمينه، والبيت عن يساره استقبل الجمرة، فرماها بسبع حصيات، هذا فعل ابن مسعود، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: "هذا مقام الذي أنزلت علي سورة البقرة" وأنزل عليه غيرها من السور؛ لكن التنصيص على البقرة باعتبار أنها أكثر الأحكام لا سيما أحكام الحج فيها، أو لأهميتها، أو لكونها أطول سورة في القرآن، المقصود أن التنصيص عليها له وجه، "هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة" هل قال أحد بكراهية أن يقول الإنسان: سورة البقرة؟ نعم عرف عن الحجاج وغيره أنهم قالوا بكراهية القول بسورة البقرة، وإنما يقال: السورة التي تذكر فيها البقرة، السورة التي يذكر فيها كذا؛ لكن جاء في النصوص في هذا وغيره، فدل على جوازه، والبخاري رد على من قال بمثل هذا الحديث، أدخل هذا الحديث في الرد على من كره أن يقال: سورة البقرة.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس" رواه مسلم.(71/22)
نعم هذا وقت الرمي، النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى الجمرة يوم النحر ضحىً؛ لأنه مكث عند المشعر حتى أسفر جداً، وطلعت عليه الشمس وهو في الطريق إلى منى، ووصل إلى الجمرة في وقت الضحى فرماها، وأما بعد ذلك في أيام التشريق فالرمي يكون بعد الزوال، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رمى بعد الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وكانوا يتحينون الزوال فدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال، كانوا يتحينون الزوال، ولو جاز ذلك لفعلوه كما فعلوا في جمرة العقبة، ففعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتحينوا وتحروه، مع ما يترتب على ذلك من مشقة شديدة، ومع ذلك قال: ((خذوا عني مناسككم)) فلا يجوز الرمي قبل الزوال، والرمي يستمر إلى غروب الشمس عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يجعله يستمر حتى ولو دخل الليل لحديث: "رميت بعد ما أمسيت" قال: ((افعل ولا حرج)) (أمسيت) يعني دخل في المساء، كقوله: أظلمت دخلت في الظلام، والمساء يبدأ من زوال الشمس إلى اشتداد الظلام.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم، ثم يسهل، فيقوم فيستقبل القبلة، فيقوم طويلاً فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو فيرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله" رواه البخاري.(71/23)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرمي الجمرة الدنيا" التي هي الصغرى، "الدنيا مما يلي منى بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم، ثم يسهل" يعني يصل إلى المكان السهل؛ لأن المنطقة كانت وعرة، فيقصد المكان السهل المريح البعيد عن محل الرمي؛ لئلا يتأذى بازدحام الحجيج؛ لأنه يريد أن يطيل الدعاء، "فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو" (طويلاً) وصف دعاؤه ومكثه في هذا الدعاء بأنه قريب من قراءة سورة البقرة، طويل جداً، أطال -عليه الصلاة والسلام- الدعاء، ولذا قال: "فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه" في هذا الدعاء "ثم يرمي الوسطى" التي تليها "ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل" ويبعد عن مكان الرمي لئلا يصيبه شيء من الحصى أو يتأذى بازدحام الناس "ويقوم فيستقبل القبلة ويقوم طويلاً فيدعو ويرفع يديه" كما فعل بعد الأولى "ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها" ولا يدعو بعدها؛ لأن الدعاء القاعدة فيه أنه في أثناء عبادات لا بعدها "ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله" هو الأصل فعل ابن عمر، ثم يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكل هذا مستحب الرمي والتكبير مع كل حصاة، والدعاء بعد الأولى والثاني، ورفع اليدين فيه، وإطالة الدعاء، والله المستعان.
والإمام مالك لا يرى رفع الدعاء في هذا الموطن؛ لكن الحديث حجة عليه.
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال في الثالثة: ((والمقصرين)) متفق عليه.
وعنه يعني ابن عمر راوي الحديث السابق، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) الذين حلقوا رؤوسهم تعبداً لله -جل وعلا-، ولذا رتب عليه الثواب الناشئ عن هذا الدعاء، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ في قوله -جل وعلا-: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] الواو هذه محلقين ومقصرين معناها؟
طالب: بمعنى (أو).(71/24)
بمعنى أو التي هي للتنويع والتقسيم، فقسم منكم محلقون، وقسم منكم مقصرون، هذا ما يفهمه جمهور أهل العلم، وعليه هذا الحديث حيث جعل الحجاج والعمار أيضاً على قسمين: قسم محلقون، وقسم مقصرون، ودُعي للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين في الثالثة أو بعد الثالثة على اختلاف الروايات فدل على أن حلق الشعر أفضل من التقصير، وعلى هذا الفهم أن الواو بمعنى (أو) وتأتي الواو بمعنى (أو) وتأتي (أو) بمعنى الواو، ومن معاني (أو) التي الواو هنا بمعناها التقسيم، وهذا ما يفهمه الجمهور؛ لكن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يرى أن هذه الواو للجمع، وأن من حج أو اعتمر عليه أن يجمع بين الحلق والتقصير، محلقين ومقصرين في آن واحد، وفعل ذلك -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كيف فعل ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .(71/25)
لا، حلق رأسه، وقصر من لحيته، أخذ من لحيته ما زاد على القبضة، وهذا فهمه للآية، يعني إذا كان مقتضى العطف الجمع هنا، وأنه لا بد من فعل الأمرين فالحلق هل يتصور أن يقال: أن الحلق للحية والتقصير للرأس؟ ما يتصور، إذاً الحلق للرأس، والتقصير للحية، وهذا فهم فهمه ابن عمر من الآية، وتشبث به بعض الناس، وقصروا من لحاهم اقتداء بابن عمر، وتركاً للنصوص الصحيحة الصريحة الملزمة ((أعفوا)) ((أرخوا)) ((أكرموا)) تعرف قراءته -عليه الصلاة والسلام- باضطراب لحيته، كان كث اللحية، ومع ذلك يتشبثون بمثل هذا، وما الداعي لذلك إلا الهوى، ابن عمر مجتهد، هذا فهم للنص، وهو مأجور على هذا الاجتهاد؛ لكن من دفعه الهوى إلى أن يرجح هذا القول على غيره، ويعارض به النصوص الصحيحة المرفوعة الملزمة من القدوة والأسوة اتباعاً للهوى، مع الأسف أن إذا دخل المقص في اللحية لا شك أنه .. هذه أمثلة كثيرة في الواقع، تجده في أول الأمر ما شاء الله اللحية كثة، ثم بتأثير وضغوط يسميها ضغوط يقتدي بابن عمر هذا في أول الأمر، ثم بعد ذلك طال يمين اللحية، وقصر شمالها، ويواسي ويضبط، ويوظب ثم بعد ذلك يزعم أن القبضة غير قبضة اليد، وهذا قاله كثير ممن اتبع هذه الخطوات، وما حلق المسلمون لحاهم إلا بعد أن قصروها، يعني لو تشوف تواريخ الأمة المسلمة المصورة قبل مائة سنة ما تجد حليق؛ لكن اختلطوا بالأعاجم وبالمستعمرين، واقتدوا بهم، وبحثوا عن الأقوال المرجوحة، وأخذوا يتأولون، وطال اليمين، وقصر الشمال، والعكس وينظم ويوظب على ما يقولون إلى أن تنتهي، حتى وجد من يقول: أن القبضة بالأصبع هكذا، هذا وجد، وتخصصه شرعي، وهذه هي خطوات الشيطان.(71/26)
((اللهم ارحم المحلقين)) قالوا: يا رسول الله، الحلق هو ما يكون بالموس بحيث لا يبقى شيء من الشعر، ولذا المكاين ولو كانت واحد، رقم واحد أو صفر ما دامت الجذور موجودة فهو تقصير، فالحلق إنما يكون بالموس، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) ثم قال: ((اللهم ارحم المحلقين)) وفي الثالثة قال: ((والمقصرين)) عطفاً على المحلقين، بعض الروايات دعا للمحلقين ثلاثاً، ثم قال: ((والمقصرين)) المقصود أن الحلق والتقصير نسك واجب عند جماهير أهل العلم، يجب بتركه دم كسائر الواجبات، ومقتضى اللفظ العموم والشمول، فالحلق لجميع الرأس، والتقصير من جميعه، هذا هو المقتضى، كمسحه في الوضوء، ومنهم من يرى أنه يكفي قياساً على الوضوء حينما قالوا: إن الباء للتبعيض يمسح ما يطلق عليه مسح، منهم من حدده بالربع، ومنهم من حدده بأقل من ذلك، حتى قالوا: ثلاث شعرات، وقال بعضهم: شعرة؛ لكن هل يمكن أن يقال: لغة أو عرفاً أو شرعاً أن من حلق شعرة أو قصر شعرة أو ثلاث شعرات أنه محلق أو مقصر؟ لا يمكن، {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] يعني جميع الشعر، هذا مقتضى اللفظ، والحلق والتقصير واجب من واجبات الحج والعمرة، أيضاً يجب على من تركه دم، بعض الناس ينسى فإذا طاف وسعى لبس ثيابه، ورجع إلى بلده، هذا انتهى وقته يلزمه دم؛ لكن لو ذكر ذلك وهو في مكة بعد ما لبس ثيابه ما عليه إلا أن يخلع الثياب ويلبس الإحرام ويحلق شعره، هذا بالنسبة للرجال، وأما النساء فليس عليهن حلق، إنما هو التقصير، تقصر من كل ظفيرة مقدار أنملة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(71/27)
بلوغ المرام _ كتاب الحج (6)
ترتيب أعمال يوم النحر - وبم يكون التحلل؟ والحلق والتقصير - والرخصة عن المبيت في منى للعباس وأهل الأعذار - وخطب النبي في الحج ...
الشيخ: عبد الكريم الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيقول الإمام الحافظ بن حجر -رحمه الله- في كتابه بلوغ المرام، في باب صفة الحج ودخول مكة:
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، قال: ((أذبح ولا حرج)) وجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ((ارمِ ولا حرج)) فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) [متفق عليه].
وعن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك" [رواه البخاري].
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف في حجة الوداع في يوم العيد، فجعلوا يسألونه" عن ما يشكل عليهم، وعما أشكل من متطلبات هذه العبادة العظيمة، "فقال رجل" لم يعرف اسمه، ولم يرد في شيء من الطرق تسميته: "لم أشعر" وهذه تساوي النسيان؛ كأنه نسي وغفل عن الترتيب المطلوب، فحلق قبل أن يذبح، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اذبح ولا حرج)) الآن ظاهر اللفظ أن الشخص ليس بمتعمد في التقديم والتأخير؛ لأنه قال: "لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح" حلق، ظاهر اللفظ أنه حلق، فعل هذا النسك، وهو الحلق؛ لكن هل فيه ما يدل على أنه ذبح بعد ذلك أو ليس فيه ذلك؟ يعني هل فعل الأمرين قبل السؤال وإلا فعل الأول ثم سأل؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
"لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح" الحلق ظاهر؛ لأنه حصل منه، هل يقول قائل: أنه ما بعد فعل شيء، لا، نعم.
طالب:. . . . . . . . .(72/1)
لا، الآن يقول: "حلقت قبل أن أذبح" الحلق لا إشكال في كونه حصل منه؛ لكن هل ذبح أو لم يذبح؟ احتمال أنه سأل قبل أن يذبح، أو أنه ذبح قبل أن يسأل، قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اذبح)) هل يشير به إلى ما تقدم، أو إلى المستقبل ((اذبح ولا حرج)) يعني المستقبل، إذا قلنا: أنه حلق ولم يذبح إلى الآن يتجه أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اذبح)) ولو قدمت عليه الحلق في حجتك هذه ولا حرج عليك؛ لأنك لم تقصد المخالفة، فقدمت وأخرت وحينئذ من غير قصد فعلك صحيح، ولا حرج عليك، ولا إثم، أنا أريد أن أسأل من خلال هذا أن قوله: ((اذبح)) لما يلزمك في هذه الحجة أو في حجة أخرى؟ يعني إن كان ذبح قبل أن يسأل ما الداعي لقوله: ((اذبح)) أنا أقول: إذا كان للمستقبل فهذا يستفاد منه أن قوله: "لم أشعر" وصف كاشف، لا مفهوم له، "لم أشعر" يعني هل هذا الوصف مؤثر؟ بمعنى أن الذي يشعر ويذكر لا يجوز له أن يقدم ويؤخر؟ يعني من أهل العلم من يوجب الترتيب، النبي -صلى الله عليه وسلم- رمى الجمرة، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف، هذا الترتيب؛ لكن قوله: "لم أشعر" يعني ذهل، نسي، لم يقصد المخالفة، فقدم الحلق على الذبح، وعرفنا أنه لا بد أن يكون قد حلق بالفعل، وليس فيه ما يدل على أنه ذبح قبل السؤال أو لم يذبح قبل السؤال؛ لأنه يقول: "حلقت قبل أن أذبح" فإذا كان فيه أنه حلق قبل السؤال، أو ذبح قبل السؤال، حلق قبل السؤال قطعاً؛ لكن هل ذبح قبل السؤال؟ هذا محل الاحتمال، فقوله: ((اذبح)) هذه النسيكة التي قدمت عليها الحلق، أو مستقبلاً، افعل ولا حرج، اذبح مستقبلاً ولا حرج عليك؟ فيكون قوله: "لم أشعر" وصف كاشف، لا مفهوم له، فيجوز التقديم والتأخير في أعمال يوم النحر للعامد والجاهل والناسي، لم يشعر، شعر، قصد، عمد، ما فيه إشكال، اللفظ محتمل وإلا ما هو محتمل؟ اللفظ محتمل.(72/2)
"فجاء آخر، فقال: لم أشعر نحرت قبل أن أرمي" عرفنا الترتيب: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، "نحرت قبل أن أرمي" هذا نحر بالفعل قبل أن يسأل؛ لكن هل رمى قبل أن يسأل، أو سأل قبل أن يرمي؟ محل احتمال، ويتجه الاحتمال السابق في قوله: ((اذبح ولا حرج)) أيضاً هنا في قوله: ((ارمِ ولا حرج))، فإن كان رميه قبل السؤال فيكون قوله: ((ارمِ)) مستقبلاً ولا حرج عليك، ويتقرر ما قررناه في الجملة السابقة، وإن كان نحر قبل السؤال، وأجل الرمي إلى أن يسأل فيكون قوله: ((ارمِ)) في هذه الحجة ولا حرج عليك، فلا إثم عليك؛ لأنك لم تشعر، ((ارمِ ولا حرج)) لو كان الحديث انتهى إلى هذا الحد لاتجه القول بأن التقديم والتأخير مربوط بالنسيان على الاحتمال الأول؛ لكن بعد هذه المسائل التفصيلية تجيء القاعدة العامة، نعم هذا واحد لم يشعر، ثاني لم يشعر؛ لكن عموم السائلين ماذا عنهم؟ فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) أقول: من أهل العلم من يرى أن قوله: "لم أشعر" وصف مؤثر، فلا يجوز التقديم والتأخير إلا مع النسيان، وفي حكمه الجهل، ومنهم من يقول: أبداً هذه الأعمال يجوز تقديمها سواء شعر أو لم يشعر، عمد أو نسي، علم أو جهل، القاعدة العامة التي تعقبت الأسئلة التفصيلية في قوله: "فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) ومقتضى قوله: ((لا حرج)) نفي الإثم، وإذا ألزم مع نفي الإثم بالدم فقد ألزم بالحرج، إذاً لا إثم، ولا دم بسبب هذا التقديم والتأخير، فالمتجه أنه يجوز التقديم والتأخير للعامد والناسي، للعالم والجاهل، لمن يشعر ولمن لم يشعر؛ لأنه أردف الأسئلة التفصيلية بقوله: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)).
النبي -عليه الصلاة والسلام- رتب، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) بين بفعله المجمل، ودل قوله: ((افعل ولا حرج)) أن هذا الترتيب على جهة الاستحباب، لا على سبيل الوجوب.(72/3)
"وعن المسور بن مخرمة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك" نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك، [رواه البخاري] ففعله ظاهر في كونه نحر قبل أن يحلق، والأمر للوجوب أو للاستحباب؟ الأصل في الأمر الوجوب، فهل يجب النحر قبل الرمي؟ وقد قال -عليه الصلاة والسلام- لمن حلق قبل أن ينحر: ((انحر ولا حرج))، فالحديث السابق يدل على أن الأمر هنا للاستحباب، ويبقى أن الترتيب بين أعمال الحج للاستحباب، وهذا من باب التوسعة على الناس، يعني لو ألزم الناس في وقت واحد، في آن واحد أن يتجهوا إلى عمل واحد للزم من ذلك الحرج، لو قيل للناس: لا يجوز لكم أن تقدموا على الرمي شيئاً، اتجهوا كلهم إلى الجمرة، لو قيل: لا تقدموا على الحلق اتجهوا كلهم إلى الحلاقين، وهكذا، وهذا التقديم والتأخير لا شك أن فيه توسعة على الناس، وهو الموافق ليسر الشريعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما سئل عن شيء إلا قال: ((افعل ولا حرج))، فمن ألزمه بدم ويرفع عنه الإثم ((لا حرج)) يعني لا إثم، ويلزمه بالدم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] والدم حرج، المقصود أنه لا شيء عليه، والترتيب مستحب.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء)) [رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده ضعف].(72/4)
هذا الحديث ضعفه بسبب راويه الحجاج بن أرطأة، مضعف عند أهل العلم، ولو صح لكان نصاً قاطعاً رافعاً للخلاف في أن التحلل لا يحصل إلا بأمرين: الرمي والحلق؛ لأنه يقول: ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب -والثياب- وكل شيء إلا النساء)) وجاء عند أبي داود: ((إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء)) وجاء الحديث الذي سبق ذكره وهو أن الإنسان إذا رمى جمرة العقبة فقد حل، وأبيح له كل شيء، شريطة أن يطوف من يومه قبل أن تغرب الشمس، وقلنا: أنه معارض بحديث أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، فقرنت الحل بما قبل الطواف، "ولحله قبل أن يطوف بالبيت" وقد تقدم قبل الطواف الرمي والحلق، وهذا أصح ما في الباب، إلا أنه مفهوم ليس بمنطوق، والحديث -حديث أبي داود-: ((إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء)) منطوق، إذا نظرنا إلى الأحاديث من حيث القوة فأقواها حديث عائشة، أنها كانت تطيب النبي -عليه الصلاة والسلام- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف، مفهومه أنها تطيبه إذا رمى وحلق، يعني فعل شيئين؛ لأنها لو طيبته قبل ذلك، قبل، لأنها قالت: "ولحله" لو قالت: ولحله قبل أن يحلق، ويكون ما تقدم له إلا الرمي، نعم، لقلنا: أنه يحصل بواحد؛ لكن لما طيبته لحله، وهذا اللفظ مقصود، ما قالت: ولطوافه، قالت: ولحله، والحل لفظ مقصود، فدل على أنه قبل أن يفعل هذين الأمرين، نعم، لم يتصف بهذا الوصف المؤثر الذي هو الحل، يعني مفهوم حديث عائشة "ولحله قبل أن يطوف" ما الفائدة من قولها: "ولحله" وقد تحلل قبل ذلك بالرمي فقط؟ فمفهوم الخبر، وهو أقوى ما في الباب أن الحل لا يكون إلا بفعل شيئين: الرمي والحلق، وحديث الباب: ((إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب –والثياب- وكل شيء إلا النساء)) أما النساء فلا يحل ما يتعلق بهن إلا بعد التحلل الثاني، وهو فعل ما بقي من الثلاثة.
ظاهر وإلا مو بظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .(72/5)
{حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] فهل المحل له وقت حلوله -الذي هو يوم النحر- أو مكان حلوله؟ نعم، هذه مسألة خلافية بين أهل العلم معروفة، ولذا الجمهور لم يدخلوا النحر في أسباب التحلل.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على النساء حلق وإنما يقصرن)) [رواه أبو داود بإسناد حسن].
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على النساء حلق، وإنما يقصرن)) والحلق بالنسبة للنساء مثلة، محرم عند عامة أهل العلم؛ لكن هل يحصل به تحلل لو حصل؟ هل يجزئ أو لا يجزئ؟ عليهن التقصير، يقصرن من كل ظفيرة أنملة؛ لكن لو حلقن رؤوسهن، جاءت امرأة فقالت: النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا للمحلقين ثلاثاً، والمقصرين واحدة، أنا أريد هذه الدعوة الثلاث، اجتهدت فحلقت رأسها، مع أن تصور هذا بعيد؛ لأن كثير من الرجال لا يحلق؛ لأن الحلق في عرفهم مشوه، نعم في عرف كثير من الناس اليوم الحلق مشوه، وهو نسك وعبادة، بالنسبة للمرأة الحلق مثلة، ولا يجوز؛ لكن لو حصل هل يحصل به المقصود، باعتبار أنه تقصير وزيادة، أو نقول: أن المطلوب منها التقصير ولم يحصل عليها دم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هل لنا أن نقول: أن الحلق تقصير وزيادة، فحصل النسك وزيد عليه؟ أو نقول: إن المطلوب، الواجب على النساء التقصير، وما حصل، فيه قاعدة: القدر الزائد على الواجب، القدر الزائد على الواجب إن كان متميزاً له حكم، وإن كان غير متميز له حكم، هذا متميز وإلا غير متميز؟ على قدر الواجب؟
طالب: غير متميز.
لا، هو متميز، لو قصرت ثم حلقت، هذا يدخل في القاعدة وإلا ما يدخل؟ نعم ما يدخل؛ لأن الخلاف في مثل هذا هل يجب تبعاً للأصل، أو يبقى الواجب واجب وما زاد عليه مستحب؟ هذا ما يدخل في هذه القاعدة الذي معنا، يعني شخص وجب عليه صاع زكاة الفطر، ثم أخرج كيس، هل نقول: الكيس كله واجب، أو الصاع واجب، والزائد نفل؟
طالب:. . . . . . . . .(72/6)
طبقنا عليه القاعدة ما قلنا هذا الكلام؛ لأن الزيادة غير متميزة إذاً كله واجب، إيش معنى هذا؟ معنى هذا أن لو أخرج فطرة شخص واحد كيس، ثم فرط في حفظه فسرق قبل أن يدفعه، يضمن كيس ما يضمن صاع؛ لأن الزيادة غير متميزة، وإن كان الأصل واجب عليه صاع فقط، فالذي معنا بالنسبة لحلق النساء هذا لا يدخل في هذه القاعدة؛ لأن القدر الزائد على الواجب ليس بواجب ولا مستحب، بل محرم، فعلى كل حال فالمسألة خلافية، وبعض أعداء الدعوة السلفية، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولهم كتب تتداول، قالوا في دعاواهم زوراً وبهتاناً أن الشيخ -رحمه الله تعالى- يأمر من دخل في دعوته، واستجاب له من النساء بحلق رؤوسهن، وهذا من ضمن ما يقال في تشويه هذه الدعوة السلفية النقية الصافية، وعلى كل حال حلق المرأة لشعرها مثلة، حرام لا يجوز، فإذا حصل فالخلاف موجود بين أهل العلم، هل يجزئ عن التقصير أو لا يجزئ؟ من يقول: أنه يجزئ قال: إنه تقصير وزيادة، ومن قال: لا يجزئ قال: إنه ارتكب محظور، محرم، ارتكبت محرم، ولا تحصل القربة بالحرام، فلن تحصل هذه القربة، إذاً لا يجزئ.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له" [متفق عليه].
وعن عاصم بن عدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر" [رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان].
يرمون يوم النحر؟
طالب: بين معقوفين يا شيخ (ومن بعد الغد).
ومن بعد الغد؟ يعني هذا في بعض النسخ؛ لأن بعضها يقول: ثم يرمون الغد ليومين، والفرق بينهما أنه على ما ذكرت أنت، أن الرمي يُجمع تأخير، نعم، وعلى ما عندنا وهو موجود في بعض النسخ، أن الرمي يقدم، في اليوم الحادي عشر يرمى عن الحادي عشر والثاني عشر.(72/7)
يقول -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن العباس بن عب المطلب، وله السقاية، استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سقاية الحاج من زمزم، استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له، والحديث الذي يليه استأذن الرعاة فأذن لهم، الاستئذان والإذن كما تقدم في مزدلفة في المبيت بمزدلفة الاستئذان يدل على أنه واجب، والإذن يدل على أنه ليس بركن، واجب، إذ المستحب لا يُستأذن فيه، ولا يحتاج إلى إذن، والركن لا يؤذن فيه، فاستأذن العباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له، يوجد من يبيت بمكة ليالي منى، وهو ليس بصاحب سقاية ولا رعاية، ولا كان دخوله لمكة لمصلحة عامة من مصالح المسلمين، يتساهلون، ويكتفون بعموم الأخبار أن منى لا يوجد فيها مكان، يعني يستفيض عند الناس، ويتداولون أن منى خلاص ما دام الحجيج بلغ هذا العدد لن يكون فيها مكان، ولا يكلف نفسه بالبحث عن مكان، أو يربأ بنفسه من أن يجلس في بعض الأماكن، هذا واجب من واجبات الشرع، يأثم بتركه، وهذا التساهل جر إلى تساهل في أمور أخرى، حتى جاء حج كثير من الناس مقتصر على الأركان، وعلى وجه لا يدرى أيضاً يجزئ أو لا يجزئ؟ كل هذا سببه التساهل، وهذه أمور مطردة، الذي يتساهل في المستحبات، ولا يرفع بها رأساً، ولا يلقي لها بالاً هذا قد يجره هذا التساهل إلى التساهل بالواجبات، أما الأركان ما يتصور أن الحاج يتساهل بالأركان إلا إذا كان جاهل، ما يعرف أن هذا ركن لا بد منه، من يعرف أنه ركن يجلس في بيته أفضل.(72/8)
أقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أذن للعباس أن يبيت بمكة من أجل السقاية، والسقاية نفعها عام، وأذن أيضاً -عليه الصلاة والسلام- للرعاة، رخص لهم -رعاة الإبل- في البيتوتة عن منى، يرمون يوم النحر إلى آخره، يدل على أن من يحتاجه الناس، من يحتاجه الناس أنه يرخص له، يعني في بعض المصالح والدوائر الحكومية فيها موظفون، ويذهبون إلى تلك الأماكن فترة الحج، ويكون عملهم مثلاً في عرفة، يوم عرفة؛ لكن ليلة مزدلفة يؤمرون بالذهاب إلى مكة لتصريف الطرقات، أو لحفظ الأمن، وقل مثل هذا في منى، مثل هؤلاء يرخص لهم؛ لأن السقاية ومثلها رعاية الإبل ليست بأعظم مصلحة من بعض المصالح الأخرى كحفظ الأمن مثلاً، أو تصريف الناس وتوجيههم، الذين يحفظون الأمن، ويسيرون الناس، ويسعون في راحتهم، وفي مصالحهم هؤلاء لا شك أنهم إن لم يكونوا أعظم من رعاة الإبل فليسوا دونهم؛ لكن هل لمن يفتي الناس مثلاً طالب علم، أو عالم اُنتدب لفتوى الناس وقيل له: أنت كرسيك بالحرم، لا بأس نمكنك من الوقوف بعرفة؛ لكن ليلة المزدلفة الناس ينزلون إلى الحرم ويطوفون، وليالي منى لا تخرج، هل يرخص لمثل هذا باعتبار أن الحاجة داعية لمثله؟ نعم؛ لكن الذي يفتي الناس، وهو إمام المفتين وين جلس؟ نعم، في المشاعر، في مزدلفة، وفي منى، وهو قدوة هؤلاء، قل مثلاً مثل هؤلاء الذين يذهبون إلى الحج، ويساهمون في توعية الناس، وتوجيههم وإفتائهم، هل لهم حكم السقاة؟ السقاية مرتبطة بمكان من زمزم، الرعاية لا بد أن يخرجوا عن منى؛ لئلا يضيقوا على الناس بالإبل، لا بد أن يخرجوا؛ لكن الفتوى؟ لا تلزم مكان معين، وإمام المفتين وجوده في المشاعر، إذاً من أراد، أو عين له مكان خارج منى مثلاً يلزمه في وقت المبيت أن يدخل، وليس حكمه حكم السقاية والرعاية.
طالب:. . . . . . . . .
هذا فرط في واجب، مادام تقرر أنه واجب، وأهل العلم يقررون ما جاء في خبر ابن عباس: ((من ترك النسك فعليه دم)).
طالب:. . . . . . . . .(72/9)
المسألة مفترضة في طلاب علم، ما هم يستفتون طالب العلم، إحنا نفترض أن السقاة والرعاة هؤلاء أذن لهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، من كانت حاجة الأمة إليهم أعظم من حاجتهم إلى السقاية والرعاية، هؤلاء من قياس الأولى، ما في إشكال؛ لكن إذا كانت الحاجة أقل، وتتم في أي مكان كالفتوى وإمام المفتين ما راح إلى مكة، جلس في منى.
طالب:. . . . . . . . .
كل شيء متيسر، ولله الحمد، وعلى هذا إذا باتوا خارج منى يلزمهم ما يلزم من ترك الواجب، أرخص ... نعم.
طالب:. . . . . . . . .
المبيت غالب الليل، الحكم للغالب.
"أرخص لرعاة الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر" يرمون جمرة العقبة يوم النحر، ثم بعد ذلك يرمون الغد ليومين، يرمون الحادي عشر، للحادي عشر والثاني عشر تقديماً، وعلى ما جاء في الرواية الأخرى أنهم يرمون من بعد الغد، في اليوم الثاني عشر لليوم الحادي عشر والثاني عشر، وفي نسخة الشارح: "ثم يرمون الغد -يرمون يوم النحر- ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين" كيف يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين؟
طالب:. . . . . . . . .
ثم يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد الذي هو الحادي العشر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، يعني للثاني عشر والثالث عشر؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
دعنا من الحادي عشر انتهى في الغد، هذا الي مشى عليه الشارح، إيش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
متى؟ إيه؛ لكن تقديم وإلا تأخير؟ يرمونها في الحادي عشر أو في الثاني عشر؟ ويش قال في الحديث عندك؟
طالب:. . . . . . . . .(72/10)
يعني النسخة التي معك موافقة لنسخة الشارح؛ لكن إذا رموا يوم النحر انتهى، نعم ثم يرمون الغد، وش هو الغد؟ الحادي عشر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، يعني الثاني عشر والثالث عشر، الذي يطلب الرخصة هل يتوقع منه أن يتأخر؟ ما يتوقع منه أن يتأخر، يتوقع منه أن يتأخر إلى اليوم الثالث؟ ما يتوقع منه أن يتأخر، وعلى كل حال تراجع الأصول، وتراجع السنن، ويثبت منها ما في الأصول، تراجعها غداً -إن شاء الله-، وإلا مقتضاه أنهم يرمون يوم النحر، ثم يرمون من الغد الحادي عشر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، ما صار عليهم تخفيف، صاروا كل يوم بيطلعون يرمون، فما صار عليهم تخفيف، والفائدة في الجمع هنا يرمون ليوم النحر، ومن الغد، ومن بعد الغد ليوم واحد، وينتهون، رموا ثلاثة أيام، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه، وش النسخة التي عندك التي قررت على أساسها؟ وش قال؟ حنا عندنا ثلاثة ألفاظ، والنسخ كلها متفاوتة، يرمون يوم النحر، ويرمون الغد ليومين، على أساس أنه يقدم الرمي الحادي عشر والثاني عشر في الحادي عشر، النسخة الثانية: يرمون يوم النحر، ثم يرمون من بعد الغد ليومين، يعني يرمون الثاني عشر للحادي عشر والثاني عشر تأخير، وعلى الروايتين واللفظين ما في إشكال، حصل التخفيف؛ لكن الإشكال كونهم يرمون يوم النحر، ومن الغد، يوم النحر والحادي عشر، ومن بعد الغد ليومين هذا المشكلة، ما حصل لهم تخفيف، اللهم ....
طالب:. . . . . . . . .
على كل الألفاظ الثلاثة فيه جمع يومين؛ لكن هل الرمي في الحادي عشر أو في الثاني عشر، أو في الثاني عشر للثاني عشر والثالث عشر؟ لا بد من الرجوع إلى الأصول.
طالب:. . . . . . . . .(72/11)
الآن من أهل العلم من يرى أن أيام التشريق كلها وقت للرمي، ولو جمعها كلها في آخر لحظة من أيام التشريق أجزأه ذلك، ويكون أداء على كلامهم، وهذا لغير أهل الأعذار عند بعض العلماء؛ لكنها عبادات مؤقتة بوقت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها في الوقت المحدد، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ورمى ضحى، ورمى بعد ذلك بعد الزوال، وكانوا يتحينون الزوال، المقصود أن أوقاتها محددة، دعونا ممن يرى أن أيام التشريق باعتباره وقت للرمي لا فرق بين أوله وآخره؛ لكن نناقش اللفظ الذي عندنا، يقول: يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر، وعلى كل حال إذا جاءت لفظ أصحاب الكتب الخمسة حلت الإشكال -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال يجوز لأهل الأعذار من السقاة والرعاة ترك المبيت بمنىً فأذن لهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا أنه واجب، من فرط فيه من غير عذر يلزمه دم، عند أهل العلم.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر ... الحديث. [متفق عليه].
وعن سراء بنت نبهان -رضي الله عنها- قالت: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الرؤوس فقال: ((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟ )) الحديث .. [رواه أبو داود بإسناد حسن].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر" خطب الحج أربع، هل منها خطبة العيد؟ صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- العيد؟ ما صلى العيد، إذاً ليس منها خطبة العيد، خطب في اليوم السابع، وخطب في يوم عرفة -عليه الصلاة والسلام-، وهنا خطب يوم النحر، وخطب في الثاني عشر، يوم النفر، أربع خطب، منها: ما في حديث أبي بكرة، وعند الحنفية والمالكية ثلاث خطب، وأسقطوا خطبة يوم النحر، الخطبة المشهورة في الصحيحين وغيرهما: ((أي يوم هذا؟ )) ((أي شهر هذا؟ )) نعم متى كانت؟ أليس يوم النحر؟ هم يقولون: ثلاث خطب، في السابع والتاسع والثاني عشر، وأشهر الخطب هي خطبة يوم النحر، خطبة يوم عرفة معروفة، يعني قبل الصلاة، واليوم السابع أيضاً ثابتة، وخطبة يوم النفر أيضاً هي الرابعة.(72/12)
وفي الحديث الذي يليه: عن سراء بنت نبهان -رضي الله تعالى عنها- قالت: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الرؤوس" يوم الرؤوس أي يومٍ يومُ الرؤوس؟ نعم.
طالب: الثاني عشر.
يعني مقتضى قوله: ((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟ )) يعني مقتضى اللفظ: أليس هذا هو أوسط أيام التشريق؟ أيام التشريق ثلاثة: الأوسط أيام التشريق، الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، أوسطها؟ الثاني عشر؛ لكن هل يوم الرؤوس هو اليوم الثاني عشر؟
طالب: هو الحادي عشر.
هو يوم الحادي عشر هو يوم الرؤوس، إيش معنى الرؤوس؟
طالب: ذبح الهدي.
الذبح يوم العيد وإلا يوم الحادي عشر؟ هو جل الهدي إنما يذبح في يوم العيد، ثم في اليوم الحادي عشر تفرغ الناس للرؤوس وتنظيفها، فسموه يوم الرؤوس، المقصود أنه هو اليوم الحادي عشر، وتسميته أوسط أيام التشريق، أوسطها، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] أي عدولاً خياراً، ولذا قال بعضهم: إن أفضل أيام التشريق هو اليوم الحادي عشر، يعني أفضلها، ويحتمل أن يكون لأنه وسط بين طرفين، بين يوم العيد وبين يوم النفر الثاني عشر، فهو وسط بينهما؛ قد يأتي مثل هذه الألفاظ، وتكون مشكلة، وتحتاج إلى تأويل، مثل ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو: "وصلاة العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل الأوسط" الأوسط معروف أنه ما يكون إلا فيما فيه طرفان، فيه طرفان ووسط، إذا كان ثلاثة أجزاء، صار فيه أوسط، إذا كان خمسة أجزاء فيه أوسط، سبعة أجزاء فيه أوسط؛ لكن إذا كان مكون من جزأين، فيه أوسط؟ ما فيه إلا أول وإلا ثاني، أول وآخر، على ما يخرج؟ نعم، نصف الليل الأوسط، .... إيش معنى نصف الليل الأوسط؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، قسمناها نصفين، إما نصف الليل أو نصف الليل الآخر، كيف نصف الليل الأوسط، يعني هذا نظير ما عندنا، ولا نستطيع أن نقول: النصف الأول هو الخيار، وهو الأفضل؛ لأن النصف الثاني أفضل، وقت النزول الإلهي أفضل، ما فيه إلا ما قيل: لأن نهايته تقع في وسط الليل؛ لأن نهايته تقع في وسط الليل، وأحياناً يوصف الشيء بما يجاوره، هو مجاور للوسط، يوصف الشيء بما يجاوره، مثال ذلك، ها؟(72/13)
"صلاة المغرب وتر النهار" صلاة المغرب بالليل وإلا بالنهار؟ بالليل، كيف صارت وتر النهار؟ لوقوعها ملاصقة لآخر جزء من النهار، كوقوع وتر الليل في آخر جزء منه، ((شهرا عيد لا ينقصان)) عيد الأضحى في نفس الشهر، ما فيه إشكال؛ لكن عيد الفطر، رمضان وذي الحجة، عيد الأضحى في ذي الحجة؛ لكن عيد الفطر هل هو في رمضان؟ كيف شهرا عيد؟ إنما لوقوع العيد ملاصقاً له، أضيف إليه.
((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟ )) الجواب: لا بد أن يكون بلا، خطبنا، والمقصود إثبات أن هذا اليوم فيه خطبة، خطبنا رسول الله يوم الرؤوس، فقال: ((أليس هذا أوسط أيام التشريق؟ )) فعلى هذا كم تكون الخطب؟ هل الخطبة يوم الرؤوس هي الرابعة، ويوم النفر تكون خامسة؟ كم يكون عدد الخطب؟ إذا قلنا: خطبة اليوم السابع، ثم خطبة اليوم التاسع، ثم خطبة يوم النحر، ثم يوم الرؤوس، الحادي عشر، ثم خطبة يوم النفر، خمس، العلماء يقررون الخطب أربع، ومنهم من يقول: ثلاث.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، فإذا قلنا: أن هذه في اليوم الحادي عشر خطبة يوم الرؤوس لا بد أن تكون الخطب خمس، نعم، وراه يعتبر الثاني عشر.
طالب:. . . . . . . . .
الثاني عشر فيه خطبة لتعليم الناس أحكام النفر، والحادي عشر بهذا الحديث، حديث سراء، والعاشر الخطبة المشهورة خطبة يوم النحر، والتاسع خطبة عرفة قبل الصلاتين، والسابع معروفة، يعني فتكون الخطب خمساً، والذي يقول: أربع كأنه لم يثبت عنده هذا الخبر؛ لأن في إسناده ربيعة بن عبد الرحمن، قال الحافظ ابن حجر عنه: "مقبول" إيش معنا مقبول؟ متى يقال عن الراوي: مقبول؟
طالب:. . . . . . . . .(72/14)
يعني متى يستحق الراوي أن يوصف بكونه مقبول عند الحافظ بن حجر؟ إذا لم يكن له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، مقل في الرواية؛ لكن ما ثبت ما يترك حديثه من أجله، يقول: "فإن توبع فمقبول، وإلا فلين" هذا الحديث إن كان له متابع لين ضعيف، إن كان له متابع يقبل بالمتابع، وإن لم يكن له متابع فهو لين، يعني ضعيف، فهل لهذا متابع؟ ابن حجر يقول: "بإسناد حسن" يعني هل مقبول عنده إذا استحق الوصف الراوي الوصف بمقبول، يعني تساوي عنده كلمة صدوق، أو أن مقبول لا بد من أن يتابع وإلا فيرد حديثه يعود لكونه لين؟ نقول: المسألة تحتاج إلى شيء من البسط والتمثيل والتنظير، المسألة كبرى بالنسبة للرواة، المقصود أن الذي لا يثبت خطبة الحادي عشر كأن هذا الخبر لم يثبت عنده، وفيه هذا الراوي الذي يحتاج إلى متابع، المخرجون وش حكموا عليه؟
طالب: سكت.
حكموا عليه عندكم؟ لا، لا، في السبل طبعة ..
طالب: سكت.
لا بد أن يذكروا الحكم.
طالب: الألباني يقول: ضعيف.
من الي ضعفه؟
طالب:. . . . . . . . .
كلهم ضعفوه، إيه بناء على أنه لم يتابع، فمثل هذا الراوي إذا لم يتابع عاد إلى الضعف، يكون لين، ما يكون مقبول.
طالب: يا شيخ هنا يقول: ويوم الرؤوس ثاني يوم النحر.
الحادي عشر إيه.
طالب: ثاني يوم النحر.
الحادي عشر، يوم النحر كم؟ العاشر.
طالب: العاشر.
إيه.
طالب: وهو الثاني بعد. . . . . . . . .
لا ما هو بثاني أيام التشريق، لا، ثاني أيام النحر، يعني يكون الحادي عشر.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) [رواه مسلم].(72/15)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ((طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) [رواه مسلم] عائشة -رضي الله تعالى عنها- أحرمت بالعمرة، ثم حاضت بسرف، وقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعله الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)) ضاق عليها الوقت ولم تطهر، أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة، وهذا هو المرجح في نسكها، وأما ما جاء من رفضها للعمرة، فالمراد به رفض أعمالها المستقلة، وقولها: "يذهب الناس بحج وعمرة وأرجع بحج فقط؟ " يعني بعمرة مستقلة، كعمرة المتمتع، ولذا اعتمرت بعد حجها، فالمرجح في نسكها أنها أدخلت الحج على العمرة؛ لأن النسك إذا تلبس به لا يمكن رفضه {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] فهي قارنة، ولذا قال في الحديث: ((طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) يعني الطواف التي طافته، والسعي الذي سعته، يعني يكفيها لحجها المفرد والعمرة مرفوضة، يكفيها لهذا الحج المفرد، والعمرة التي أتت بها بعد الحج؟ هذا المقصود؟ أو أن طوافها هذا وسعيها يكفيها للحج والعمرة المقرونين؟ نعم، المقرونين، الآن عرفنا أنها أحرمت بعمرة، ثم حاضت لم تتمكن من أداء العمرة المستقلة لتكون متمتعة، أدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، القارن ما الذي يلزمه من الأعمال؟ المتمتع يطوف ويسعى للعمرة ويقصر، ثم يطوف ويسعى ويحلق للحج، أعمال منفصل بعضها من بعض، المفرد يطوف للقدوم ويسعى بعده، ثم يطوف طواف الإفاضة في يوم العيد، هذا إن كان معه سعة في الوقت، ولو أجل الطواف ترك طواف القدوم لأنه سنة، وأجله إلى طواف الإفاضة، ثم سعى بعده كفاه طواف وسعي واحد، القارن الذي جمع بين الحج والعمرة أشبه بالمتمتع وإلا أشبه بالمفرد؟ نعم أشبه بالمفرد، أعمال القارن هي أعمال المفرد؛ لأن طوافه وسعيه يكفيه لحجه ولعمرته كالمفرد، ظاهر وإلا ليس بظاهر؟ عرفنا أن المتمتع يطوف للعمرة، ويطوف للحج، يسعى للعمرة، ويسعى للحج، من أهل العلم من يرى أن المتمتع يكفيه سعي واحد، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فطافوا بين الصفا(72/16)
والمروة طوافاً واحداً، جمعوا يشمل التمتع لأنه جمع بينهما في سفرة واحدة؛ لكن هذا القول مرجوح؛ لأن المراد بالذين جمعوا الذين قرنوا بينهما، فالقارن يكفيه سعي واحد كالمفرد، ودليله ((طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك)) فدل على أنها اعتمرت مع حجها، وبعد أن أكملت نسكها اعتمرت ثانية، وبهذا يستدل من يقول بأن تكرار العمرة لا بأس به.
طالب: عائشة -رضي الله عنها-، الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما أمر الصحابة أن يجعلوها عمرة دخل عليها وهي تبكي، فسألها: ما يبكيك؟ قالت: سمعتك ذكرت العمرة، وأنا لا أصلي، فهذا يدل على أنها أحرمت بالحج؟
وماذا عن: ((ارفضي عمرتك)) في الصحيح؟ وش هي العمرة التي بترفض؟ وش هي؟ وش تصير ذي؟
طالب:. . . . . . . . .
محرمة بدون عمرة؟ ما في إشكال كونها محرمة بعمرة، ثم أدخلت الحج عليها صارت قارنة، ما فيه إشكال، لكن ماذا عن إدخال العمرة على الحج ليصير المفرد قارناً؟ ممكن وإلا غير ممكن؟
طالب:. . . . . . . . .
أما إدخال الحج على العمرة هذا ما فيه إشكال، والدليل خبر عائشة؛ لكن إدخال العمرة على الحج؟ هذا أعلى وإلا أدنى؟
طالب: أعلى.
أدنى، كيف أعلى؟ لأنه إذا أتى بحج مفرد والعمرة لازمة واجبة عليه لا بد أن يأتي بعد هذا الحج بعمرة كاملة، بينما لو أدخلها مع الحج لصارت عمرة، هي عمرة على كل حال؛ لكن ليست كاملة كمال العمرة المفردة، ولذا الجمهور لا يجيزون إدخال العمرة على الحج.
يقول: حججت أنا مع الأهل سنة خمس عشرة، ولم نبت في منى أبداً؛ لأنها كانت زحمة، ولم نبت بناء على فتوى أحد المشايخ، وكان بجانبنا في الأبطح، ما الذي علينا؟
ما عليكم شيء، ما دام أفتاكم من تبرأ الذمة بتقليده ما عليكم شيء.
يقول: هل يلزم النوم، أو لو بقي بها مستيقظاً؟
على كل حال يكفي.
يقول: هل يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق، وهل ننكر على من فعل ذلك؟
لا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتظر إلى الزوال، وتحينوا الزوال، ورموا بعد ما زالت الشمس.(72/17)
يقول: من رمى الجمرة الصغرى، وبقيت بعض الحصى على الحوض، ولم تسقط بالداخل، فماذا عليّ حيث أني لا أميز، هل سقطت في داخل الحوض أم لا؟
على كل حال المسألة معلقة بغلبة الظن، إذا غلب على الظن أنها سقطت يكفي.
يقول: ما حكم ذهاب امرأتين مع السائق داخل المدينة؟
مع أمن الفتنة لا بأس به؛ لأن الخلوة معدومة، ولا سفر، إذاً لا بأس به، ويبقى أن مثل هذا هؤلاء الذين السائقين في البداية تحصل خلوة، وفي النهاية تحصل خلوة، السائق معه باص، ومعه عشر من الطالبات، أو من المدرسات، هو في البداية واحدة يخلو بها إلى أن يصل إلى الثانية، وفي النهاية أيضاً إذا أنزل ما قبل الأخيرة في بيتها يخلو بالأخيرة، فالمسألة مشكلة، لا بد أن يحتاط الإنسان لعرضه.
يقول: نذر صاحبه أنه إذا عمل معصية معينة، فإنه يصوم أربعة شهور متتالية، وهو شاب فماذا عليه؟
((من نذر أن يطع الله فليطعه)).
يقول: من قدم على بلد، ثم تأخروا في الفطر في رمضان، في الفطر نهاية الشهر، يعني زادوا يوماً مثل أهل مصر هل يصوم معهم؟
نعم يصوم معهم، والفطر يوم يفطر الناس، وحكمه حكم البلد الذي يدخل فيه رمضان وهو فيه، أو يخرج وهو فيه.
يقول: يقول: بعض أهل العلم أن هناك فرقاً في التقويم المعتمد والواقع، أي أن هناك فرق ما يقارب سبع عشرة دقيقة بين التقويم والواقع في صلاة الفجر، فهل هذا صحيح؟ وما هو الأحوط؟
على كل حال الكلام في هذه المسألة كثير، وهناك لجان تبحث وترقب طلوع الصبح، وتقارن في مختلف فصول السنة، ونسأل الله -جل وعلا- أن يدلهم على الحق.
هل يجوز الاستراحة بعد دخول الحرم وقبل الطواف؟
لكن لا يجلس حتى يصلي ركعتين، والاستراحة بعد الطواف وقبل البدء بالسعي، لا بأس إذا احتاج إلى ذلك.
طفت بالبيت ولم أكبر عند الحجر الأسود في شوطين للنسيان، فماذا علي؟
لا شيء عليك؛ لأنه سنة، فلو طاف، دار الحاج أو المعتمر على الكعبة سبع مرات بدءاً من الحجر إلى الحجر ولم يتكلم بكلمة واحدة طوافه صحيح.
هل يصح الإحرام لأهل مكة من جهة عرفة، أو من أي منطقة خارج الحرم دون التنعيم؟
نعم، يصح.(72/18)
يقول: يدفع التجار زكاة أموالهم للجمعيات الخيرية فهل توزع هذه الأموال ككفالة شهرية للأسر طوال العام بعد موافقة صاحب الزكاة الذي أعطانا حرية التصرف؟
صاحب الزكاة ليس له حرية التصرف، إنما عليه أن يدفع الزكاة وقت حلولها؛ لكن ينظر في هذه الجمعيات إن كانت نائبة عن التجار فعليهم أن يوزعوها في وقتها، ولا يجوز لهم تأخيرها، وإن كانت هذه الجمعية نائبة عن الفقراء فلهم أن يجعلوها حسبما تقتضيه مصلحة الفقير.
هذا من الإمارات يقول: امرأة تعمل مدرسة، وتقوم بإلقاء المحاضرات المتفرقة للطالبات، فهل أفضل لها أن تستمر في عملها أم الاستقالة والصبر مع زوجها في طلبه للعلم؟
على كل حال إن كان زوجها محتاجاً إليها، ويخشى على نفسه من العزوبة بدونها، فذهابها معه متعين، ما لم تخف على نفسها، أو على دينها وإلا فهي على خير -إن شاء الله تعالى-.
السائل من مصر يقول: إذا حلف الشخص كثيراً، ووقع اليمين ولا يدري كم مرة حلف، وعرف أنه لا بد من كفارة يمين، فما مقدار الكفارة لكل يمين حلفه؟
إذا كان الباعث على هذه الأيمان والسبب واحد فعليه كفارة واحدة، وإن كانت تعددت الأسباب والبواعث فكفارات بعدد هذه البواعث، والكفارة لكل يمين إطعام عشرة مساكين، كل مسكين نصف صاع، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، من لم يجد هذه الخصال الثلاث يصوم ثلاثة أيام.
يقول: إذا داعب الرجل زوجته بدون أن ينزل هل عليه غسل؟
لا غسل عليه ما لم ينزل.
السائل من السويد يقول: هل يجوز سماع أنشودة فيها كلمة: وتسامت بشعاري قل هو الله أحد؟ كأنه جزء من القرآن؟
على كل حال الاقتباس من القرآن له حكمه عند أهل العلم، وابتذال القرآن، وأداؤه بأصوات المغنين، وأشباه المغنين هذا لا يجوز، فالقرآن يؤدى بالأداء المعروف عند أهله.
السائل من اليمن يقول: ما حكم من عمل العادة السرية في نهار شهر رمضان؟
إن أنزل فعليه القضاء، وعليه أيضاً الغسل.
ما حكم من حلق لحيته كل جمعة لكي يذهب السبت إلى العمل؟
حلق اللحية حرام، وإعفاؤها واجب.
رجل يطوف بالدور الثالث بالسطح فهل يشير إذا حاذى الحجر الأسود؟ وكيف يشير وهو لا يراه؟
يشير إلى جهته، والهواء له حكم القرار.(72/19)
يقول: لو حصل زحام في الصف الأول فتأخرت إلى الصف الثاني أو الثالث؛ لأن في ذلك تحصيلاً للخشوع علماً بأني قد أدركت الصف الأول قبل الزحام، فهل يكون لي أجر الصف الأول إذا رجعت؟
إذا كان الزحام بحيث يذهب لب الصلاة، أو يكون سبباً في بطلانها فمن رجع بهذه النية ولهذا السبب له أجر الصف الأول.
يقول: إذا رمينا عن النساء في جميع الجمرات بسبب الزحمة هل لنا ذلك؟ وماذا يجب علينا إذا لم يكن لنا ذلك؟
من أهل العلم من يرى أن النساء ضعفة، ويرمى عنهن بسبب الزحام الشديد، وبسبب التصاقهن بالرجال يرمى عنهن، ومنهم من يقول -وهو الأحوط-: أن تباشر العبادة بنفسها، مع توخي الأوقات التي يكون الزحام فيها أقل، ولو أدى ذلك أن ترمي بالليل.
يقول: هل صحيح أن لفظة: ((من ذنوبه)) في حديث: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق)) شاذة؟
من ذنوبه إيش يصير اللفظ أجل؟ يعني ما في ((من ذنوبه)).
طالب: نعم.
لا، لا، ((كيوم ولدته أمه)) .. ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).(72/20)
بلوغ المرام _ كتاب الحج (7)
الكلام في (الرمل - ونوم النبي في المحصب - وطواف الوداع – وفضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم - وباب الفوات والإحصار - والاشتراط في الحج)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
هذا يقول: ما ذكرتم في شأن مقام إبراهيم -عليه السلام- لا شك أن الأحوط اعتبار البقعة والحجر معاً؛ لكن لو قال قائل: أننا نقيس المقام وحجارته على البيت وحجارته، فلو أزيل الحجارة في البيت، ووضعت في مكان آخر، فهل نستقبل الحجارة أم موضع البيت الأصلي المعروف؟ أننا نستقبل الموضع، فلو قال قائل: بذلك هل لقوله وجه؟
الصيغة، صيغة المقام، صيغة تشمل المكان الذي قام فيه، والحجر الذي قام عليه، فبينهما ارتباط، يعني لو ألغينا الحجر، واعتبرنا المكان فقط للزم علينا أن نصلي الآن مستدبرين المقام؛ لأن المقام ليس في مكانه، ولم يقل بذلك أحد؛ لكن الصيغة تقتضي الجمع بينهما، ولذا يمنع بعض أهل العلم من أن يحرك المقام من مكانه؛ لأنه مقصود، والمكان مقصود.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيقول الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله- في بلوغ المرام، ضمن باب صفة الحج، ودخول مكة:
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه" رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه الحاكم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرمل في" ضبطها سَبع ولا سُبع؟
طالب: السبع.
سبع إيش؟
طالب: السبع الذي أفاض فيها، السبع الأشواط.
أفاض فيها يصير.
طالب:. . . . . . . . .
فيه، السين وش عليها عندك؟
طالب: فتح يا شيخ.(73/1)
السبع لا بد أن يكون أفاض فيها، على كل حال هو سبعة أشواط، الطواف هو سبعة أشواط، وكل شيء يتركب من سبعة فهو أسبوع، وسبوع بدون همز، وقد يقول بعضهم: سُبع، وهكذا جاء ضبطها في بعض المصادر التي أُحيل إليها، أما إذا قلنا: سَبع يعني سبع أشواط الذي أفاض فيها، لا بد أن نقول: فيها، على كل حال المعنى واضح، وهذا الذي أفاض فيه، ومثله طواف الإفاضة، وطواف الوداع، وطواف النفل كله لا رمل فيه، إنما الرمل في أول طواف، طواف القدوم، طواف العمرة، يرمل فيه، طواف الحج بالنسبة للمفرد إذا لم يطف للقدوم أو القارن، المقصود أن أول طواف يرمل فيه، وما عداه فلا.
وهذا الحديث كما يقول الحافظ: رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه الحاكم، ففيه دليل على أنه لا يشرع الرمل في الطواف إلا في أول طواف يؤديه الإنسان بعد قدومه، واجباً كان أو مسنوناً، في الحديث السابق يقول: وروي بألفاظ متعددة منها: رخص للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً، إلا أن ابن ماجه قال، المقصود يقول: رخص للرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، أو من بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر، يرمون الغد أو من بعد الغد، الذي عندنا: يرمون الغد، ثم يرمون الغد ليومين، ثم يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد، ثم يرمون يوم النفر، وفي الشرح يقول: ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد ليومين، لأن الذي في الأصل يقول: أو بعد الغد، وهنا ينحل الإشكال إذا كانت (أو).
ولفظ أبي داود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رخص لرعاء الإبل بالبيتوتة يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر.
ولفظ النسائي .. على هذا اللفظ، لفظ أبي داود: يرمون النحر، ثم يرمون الغد، ومن بعد الغد بيومين، ويرمون يوم النفر، كم يوم هذه صارت؟ كم صارت؟ يوم النحر والغد ومن بعد الغد بيومين ويوم النفر، النحر من الغد ويومين ويوم النفر خمسة، النحر ثم يرمون الغد، ثم من بعد الغد بيومين كم هذه؟ أربعة، ثم يرمون يوم النفر.(73/2)
وللنسائي: "رخص للرعاء في البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين اللذين بعده، يجمعونهما في أحدهما" هذا ظاهر، إما تقديم أو تأخير في الأول أو في الثاني، وفي لفظ آخر من طريق مالك إلى آخره .. قال: "أرخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين" يعني سواء كانت في الحادي عشر أو في الثاني عشر، ثم بعد ذلك يرمون يوم النفر الي هو الثالث عشر، وهنا يقول: أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوماً وليلة، ثم يرمون الغد، المقصود أنه لوحظت حاجتهم إلى الرخصة، وأنه لا يلزم أن يترددوا إلى منى في كل يوم، ما دام رخص لهم بترك المبيت، فلهم أن يجمعوا الرمي تقديماً أو تأخيراً.
وعن أنس -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف به" رواه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها لم تكن تفعل ذلك -أي النزول بالأبطح- وتقول: "إنما نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه" رواه مسلم.(73/3)
نعم مثل هذه الأمور التي يفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- من الوقوف بمكان معين، أو النزول به، أو المبيت به تختلف وتتباين الأنظار في أنه -عليه الصلاة والسلام- تعبد بقصد هذا الموضع أو أنه حصل اتفاقاً؛ لأنه على طريقه، أو لأنه أرفق به، ولكل وجه، وابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يقصد المواضع التي نزلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويبالغ في ذلك، حتى ذكر عنه أنه يكفكف دابته لتقع أخفافها على مواطئ أخفاف دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن ما وافقه أحد على هذا، النزول بالمحصب، والصلاة فيه، الظهر والعصر والمغرب والعشاء، صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثم رقد رقدة في المحصب، ثم ركب إلى البيت فطاف به، هل هذا مقصود؟ منهم من يرى أنه مقصود، لا سيما إذا قلنا: أن المحصب وهو الأبطح، وهو المحل الذي تقاسمت به قريش على قطيعة بني هاشم، وكتبوا فيه الصحيفة الجائرة، فيمكث فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- إغاظة لهم، هكذا قال بعضهم، وإذا كان هذا الأمر ملحوظاً فما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا القصد تفعله أمته، فيكون المكث فيه هذه المدة سنة؛ لكن ماذا فهمت عائشة؟ عائشة -رضي الله تعالى عنها- لم تكن تفعل ذلك، وهو النزول بالأبطح، وتقول: إنما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه، طيب المدة التي مكثها وصلى فيها أربع صلوات؟ قد تقول: هو بحاجة إلى هذه الراحة، مثل نومه بذي طوى، هو محتاج إلى الراحة بعد السفر، هو محتاج إلى الراحة بالأبطح من أجل عناء الحج، ومناسك الحج، يرتاح قبل أن ينتقل إذا كانت الحاجة هي الداعي لذلك فلا يقال: بسنيته؛ لكن ماذا عن النزول بالأبطح؟ تقول عائشة -رضي الله تعالى عنها-: إنما نزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يريد الرجوع إلى المدينة، والطريق إلى المدينة غير الطريق إلى نجد، فهل نقول لأهل نجد: اذهبوا مع الطريق الذي ذهب معه النبي -عليه الصلاة والسلام- ومكث فيه، ثم بعد ذلك انتقلوا إلى طريقكم؟ عائشة ترى أنه لا يلزم هذا، ولا يتعبد بمثل هذا، كونه -عليه الصلاة والسلام- يبيت بذي طوى، ذو طوى على(73/4)
طريق الداخل من المدينة، هل يقال لأهل نجد: اذهبوا ودوروا على مكة حتى تنزلوا بذي طوى؟ دخوله مع الثنية العليا، وخروجه مع السفلى محل خلاف بين أهل العلم، وتقدم الكلام فيه، لا شك أن النزول طريق المدينة يرد هكذا، والنزول مع الثنية العليا سهل؛ لكن الطلوع إليها لو أراد أن يرجع معها صعب، فيخرج من السفلى لأنها أسمح له وأسهل، قد يقصد الإنسان تطبيق بعض هذه الأشياء؛ لكن قد يحال دونه ودونه، المرور يمنعه من النزول مع هذا الشارع، فهذا يتبع حكم المسألة، فإن كان النزول مقصود في هذه الأماكن وقلنا بشرعيته اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا قصده الإنسان ومنع منه ثبت أجره، وإذا كان السبب في بقائه ومكثه -عليه الصلاة والسلام- هذه المدة في هذا المكان هو إغاظة المشركين يكون حينئذ مقصود للأمة وتمكث فيه، وإن لم يكن على سبيل الوجوب، وظروف الحج في السنوات الأخيرة اختلفت كثيراً، يعني قد يقصد الإنسان تطبيق جميع ما بلغه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب؛ لكن لا يقدر على ذلك، يُمنع من ذلك، يعني ظروف السير مع كثرة الناس قد تضطر كثير من الناس إلى أن يفرط ببعض الواجبات، قد، الزحام يمسكه عن دخول مزدلفة إلى أن ينتهي الوقت، عن المبيت بمنى إلى أن يطلع الصبح، احتمال، فمن قصد الشيء ومُنع منه ثبت له أجره ولا يعاب عليه، اللهم إلا الأركان التي لا بد من الإتيان بها، أراد أن يدخل عرفة فمسكه السير إلى أن طلع الصبح نقول: هذا حكمه حكم من أراد مزدلفة أو أراد منى؟ لا، فاته الحج هذا؛ لأنه ركن، أما من قصد مزدلفة والمبيت بها واجب، أو قصد منى والمبيت بها واجب، ثم صده عن ذلك صاد، لا يلزمه شيء، اتقى الله ما استطاع؛ لكن لا يفرط، لا يفرط، فإذا اتقى الله ما استطاع لا يلام.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" متفق عليه.(73/5)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض" والحديث في الصحيحين، وهذا الحديث دليل على طواف الوداع، وأنه واجب، وأنه واجب، وأنه ليس بركن، وجوبه يؤخذ من التخفيف عن الحائض، والأمر أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت مع التخفيف؛ لأن المستحب ما يحتاج إلى تخفيف، هو خفيف من الأصل، فلا يحتاج إلى تخفيف، ولو كان ركناً ما احتمل التخفيف، ولا خُفف فيه، المقصود أنه واجب، ويقول به: جمهور العلماء، ويذكر عن مالك -رحمه الله تعالى- أنه ليس بواجب؛ لأنه لو كان واجباً لما خُفف عن الحائض، أحياناً المأخذ يكون الدليل واحد؛ لكن مآخذ ومسالك. . . . . . . . . في طريقة الاستدلال تتباين، الجمهور أخذوا الوجوب من التخفيف، يعني نظير ما جاء في الترخيص بالانصراف للضعفة من مزدلفة، ونظير ما جاء للترخيص للعباس والرعاة بمنى، منهم من يقول: المبيت بمزدلفة ومنى سنة؛ لأنه رخص لهؤلاء، والأكثر يقول: أنه واجب؛ لأن هؤلاء احتاجوا إلى الرخصة؛ لأنه لو كان سنة ما احتاجوا إلى الرخصة، ومثله ما عندنا، طواف الوداع واجب لأنه رخص فيه، فليس بركن، وليس بسنة لأن السنة لا تحتاج إلى تخفيف، وهذا هو القول المحقق.(73/6)
"أُمر الناس" والآمر هنا هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو المخفف؛ لأنه هو المبلغ عن الله -جل وعلا- الأحكام، فهو الآمر، وهو المخفف، ومتى كان الأمر؟ في حجة الوداع، أما جميع العمر التي حصلت منه -عليه الصلاة والسلام- ليس فيها أمر بالوداع، ولذا يرى أكثر أهل العلم على أن الوداع خاص بالحج، خاص بالحج، فالعمرة لا وداع لها، وقد يستدل لهم بأن عائشة لما طافت وسعت للعمرة ما أمرت بوداع، وليس آخر عهدها بالبيت، إنما آخر عهدها بالمسعى، والمسعى ليس من البيت، المقصود أن العمرة في قول الأكثر لا وداع له، ومنهم من يرى أن هذا الأمر شامل لكل من أراد الانصراف من مكة، "أمر الناس" جنس الناس، الحجاج والعمار والزوار وغيرهم، كل من أراد أن يخرج من مكة يلزمه أن يكون آخر عهده بالبيت، طيب آخر عهده بالبيت الصلاة؟ يعني لو صلى ومشى يكفي؟ لا جاء في رواية عند البيهقي وغيره: "أمر على الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف" الطواف، المقصود أن الطواف واجب، طواف الوداع، وهو للحج على قول الأكثر، ويرى بعضهم أن العمرة لها طواف وداع لعموم الحديث؛ لكن يستشف من عمره -عليه الصلاة والسلام- المتكررة التي لم يأمر فيها بمثل هذا أن العمرة ليس لها طواف وداع، إضافة إلى أن عائشة لما طافت وسعت ما أمرت بوداع.(73/7)
إذا طاف للوداع ثم مكث بعده، الأصل في الوداع أن يكون عند السفر، يعني كما يودع الإنسان أهله إذا أراد أن يسافر يودع البيت، إذا أراد أن يسافر، فهل يودع أهله ويبيت عندهم أو يحتاج إنه يودعهم مرة ثانية من الغد؟ يحتاج، فإذا طاف للوداع ثم بات بمكة يقولون: لا يكفي هذا الوداع؛ لأنه لم يكن آخر عهده بالبيت، لا بد أن يعيده، أما إذا مكث بعد الطواف مكثاً غير مقصود، نزلوا الرفقة وقالوا: ترى الموعد السيارة، من طاف يجي، جاء الأول ومكث ساعة وما جاء الثاني، زحام، جاء الثاني ومكثوا ساعة وما جاء الثالث، وهكذا، زحام شديد، نقول للأول: أعد طوافك؟ لا، هذا المكث غير مقصود، هو ينتظر الرفقة، ومثل هذا لو اشترى أشياء خفيفة من متطلبات السفر؛ لكن لو اشترى تجارة وبضاعة، وما أشبه ذلك، ما كان آخر عهده بالبيت، الحنفية يقولون: إذا طاف بنية الوداع انتهى، هذا طواف الوداع ولو مكث شهر أو شهرين، خلاص عليه طواف وطاف، أكثر من هذا ما فيه، عليه طواف للوداع وطافه، ولا يوجب عليه ثاني؛ لكنه في الحقيقة ليس بوداع، هذا ليس بوداع، طواف الوداع يحصل بسبعة أشواط على سبيل الاستقلال بنية الوداع عند الخروج من مكة بعد أداء النسك ويحصل أيضاً بأي طواف كان، المقصود أن يكون آخر عهد للإنسان بالبيت، فلو أخر طواف الإفاضة يكفي وإلا ما يكفي؟ يكفي لأن آخر عهده بالبيت؛ لكن لو كان طواف الإفاضة بعده سعي؟
طالب: يكفي لفعل عائشة.
عائشة عمرة.
طالب:. . . . . . . . .
العمرة انتهينا منها، الأكثر أن العمرة ما لها طواف.
طالب: يعني بعد أن يسعى يعود ويطوف؟(73/8)
هذا الأصل؛ لأنه إذا سعى ما كان آخر عهده بالبيت، آخر عهده بالمسعى؛ لكن من أهل العلم من يرى أن المدة يسيرة، مدة السعي لا تزيد عن مدة انتظار الرفقة، فيتسامح في مثل هذا، لا سيما عند الحاجة إلى مثل هذا في شدة الزحام؛ لأنه لو كلف الناس بعد أن يطوفوا للإفاضة، ثم يسعون، ثم يؤمرون بطواف الوداع، لا شك أن في هذا مشقة شديدة، فمن رأى أن الزحام شديد، ويشق عليه مشقة شديدة أن يعيد الطواف، من أهل العلم من يرخص له، وله وجه؛ لأنه ما جعل علينا في الدين من حرج، الآن طواف الفرض يؤدى بكل مشقة، وبكل صعوبة، فإذا أمر بإعادته لا شك أنه يتضرر بهذا، المقصود أن منهم من يخفف ولو كان بعده سعي، كما لو كان بعده صلاة، طاف للوداع ثم أقيمت الصلاة وصلى، نعم، يتسامح في مثل هذا -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
يجوز له ذلك؛ لكن الترتيب أفضل من .. يعني سلوك الرخصة هذه وكونه يكتفي به أفضل من تقديم السعي على الطواف.
وعن ابن الزبير -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة)) رواه أحمد وصححه ابن حبان.(73/9)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن الزبير، هو عبد الله عند الإطلاق، ابن الزبير بن العوام، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي)) نكرة؛ لكنها في سياق النفي؟ وفي سياق الشرط؟ نعم، في سياق الامتنان؟ نعم، النكرة في سياق الامتنان تقتضي العموم عند أهل العلم، من صيغ العموم النكرة في سياق الشرط، في سياق النفي، في سياق الامتنان، تقتضي العموم، ونحتاج إلى مثل هذا في تفصيل المسألة، ((صلاة في مسجدي هذا)) بالإشارة في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، والإشارة تقتضي المسجد القائم في وقته الذي يمكن الإشارة إليه، وما كان خارج أسواره لا يدخل في الإشارة، ولذا قال بعض العلماء: أن الزيادات في مسجده -عليه الصلاة والسلام- والتوسيعات لا تدخل في المضاعفة، ما تدخل في المضاعفة؛ لأنه أشار إليه: ((صلاة في مسجدي هذا)) فالتوسعات كلها، لا التي أمام المسجد، يعني فيه توسعة أمام المسجد -المسجد النبوي- مقدار كم؟ خمسة صفوف يمكن، لا تدخل، وأيضاً فيه توسعة من الجهة الشمالية، وفيه أيضاً توسعة من الجهات الأخرى، المقصود أن هذه على مقتضى الإشارة لا تدخل في المضاعفة، شأنها كشأن سائر المدينة، والمدينة وغيرها في هذا سواء، ليس فيها مضاعفة، إذا أقيمت الصلاة فهل نصلي في مسجده الذي أشير إليه، أو نتقدم للصف الأول والثاني والثالث والرابع والخامس؟ وهل نصلي في يسار الصف ونترك يمين الصف إذا كان خارج مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول: أن المسجد مهما بلغ في توسعته من رأوه قال: هذا المسجد النبوي، جاءت أحاديث؛ لكنها ضعيفة تدل على شمول الخبر التوسعات، ولو بلغ ما بلغ، فهو مسجده ولو بلغ صنعاء، كما جاء في بعض الروايات؛ لكنها ضعيفة، فأيها أفضل أن يصلي الإنسان في مسجده الذي أشار إليه، أو يتقدم إلى الصف الأول؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو كانت صلاته واحد من ألف؟
طالب: فضل الصفوف الأولى أفضل يا شيخ.
أفضل؟
طالب: لأن النبي شدد لأتيته ولو حبواً.
إيه لكنها ألف صلاة ما هي بسهلة، أنت لو تقعد ببيتك وتصلي ببيتك ما فاتك إلا سبعة وعشرين درجة، وتصلي في الصف الأول يفوتك تسعمائة وتسع وتسعين صلاة.
هاه، وش تقول؟ وراك وقفت؟(73/10)
طالب: أنا ما وقفت، لكن أقول: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما بين الفضل.
شوف يا أخي أنا أقول: إن كانت الإشارة مقصودة، والفضل في مسجده فقط، فالمضاعفة في مسجده لا غير، فيكون الصلاة في آخر صف في مسجده أفضل من أول الصف في التوسعة؛ لأنه أشار: ((صلاة في مسجدي هذا)) وتكون الصلاة في يسار الصف أفضل من الصلاة في يمين الصف الذي هو خارج مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن يسار الصف كله داخل في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، إلى حدوده من الجهة الخلفية.
طالب:. . . . . . . . .
وين ما يسع؟
طالب:. . . . . . . . .(73/11)
سهل، ما يسع صلاة الجماعة صحيحة، ولهم فضلها؛ لكن يبقى ألف ما له ألف، كالمساجد الأخرى، وعلى هذا فبقية مساجد المدينة فيها مضاعفة وإلا ما فيها؟ ما فيها مضاعفة، ليس فيها مضاعفة، فيحرص الإنسان أن يصلي في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، في مناسبة، مناسبة الصلاة في مسجده، يعني ما أثير حول القبر من كلام كثير، وتشبث به بعض المبتدعة، والمسألة هذه سبق أن بُحثت مراراً؛ لكن يبقى مسألة الروضة ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) يعني هل يحرص على هذه البقعة أكثر من يمين الصف لأنها روضة من رياض الجنة، أو نقول: هذا مجرد خبر؟ نعم، إحنا بحثنا هذا سابقاً وإلا ما بُحث؟ ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) هل نقول: أن هذا مجرد خبر، أو نقول: لا بد أن يكون له أثر في الحكم الشرعي وإلا لكان عاري عن الفائدة يكون لغو؟ قد يقول قائل: النيل والفرات من أنهار الجنة، فهل الانغماس في هذين النهرين أفضل من الانغماس في غيرهما، أو هو مجرد خبر يدل على فضل هذه؛ لكن ما النتيجة المترتبة على هذا التفضيل؟ كون هذه البقعة روضة من رياض الجنة هل يعني أن هي كغيرها، أو لها مزية؟ لها مزية بلا شك، وكونها من رياض الجنة تكون رياض الجنة إلا أن لها مزية، ومزيد فضل في لزومها كحلق الذكر، نعم رياض الجنة ما هي؟ حلق الذكر، وهذه لها حكمها، ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قيل: يا رسول وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر)) فقط؟ لا؛ لأن تفسير العام بفرد من أفراده لا يعني قصره على هذا الفرد، مثل تفسير القوة بالرمي، وغيرها من الأمثلة، المقصود أن هذه البقعة لها مزية؛ لأنها روضة من رياض الجنة، وقد أمرنا بأن نرتع في رياض الجنة.(73/12)
((صلاة في مسجدي هذا)) عرفنا أن التفضيل لا يشمل بقية مساجد المدينة، أفضل من ألف صلاة فيما سواه من مساجد الدنيا إلا المسجد الحرام، صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة، إذاً صلاة في المسجد الحرام أفضل من سائر المساجد سوى مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بكم؟ بمائة ألف صلاة، ولا يرد فيه الكلام السابق، يعني التوسعات ما التوسعات هذه كلها داخلة؛ لأنه ما أشير إليه، الأمر الثاني: أن مكة كلها مسجد، وكلها محل للتضعيف، الأدلة على هذا هو قول الجمهور على كل حال، والأدلة عليه كثيرة، من أصحها وأوضحها قول الله -جل وعلا- ها؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، كونه أسري به من بيت أم هاني فيه كلام، {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} [(217) سورة البقرة] المشركون أخرجوا النبي وأصحابه من المسجد وإلا من مكة؟ من مكة، فدل على أن المسجد يراد به مكة، المقصود أن هناك أدلة يستدل بها الجمهور، أيضاً فهم الصحابة، وأنهم تفرقوا في الأمصار خشية الوقوع في الإثم؛ لأن مكة حكمها واحد، وكلها حرم ومحرم، وحكمها في التضعيف واحد، وفي تعظيم الإثم واحد، أيضاً يذكر عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لما أحصر في الحديبية أنه كان يصلي في الحرم؛ لأن محل الحصر قريب جداً من الحرم، هذا جاء من طرق، وغير ذلك من الأدلة التي يستدل بها الجمهور، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(1) سورة الإسراء] يقولون: إنه أسري به من بيت أم هاني، ويستدلون به لكن فيه ضعف، على كل حال هو قول الجمهور أن مكة كلها حرم، كلها مضاعفة، جاء في خبر أن الصلاة في مسجد القدس، في بيت المقدس بخمسمائة صلاة، قال ابن عبد البر: إسناده حسن، قد يقول قائل: ما دامت الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصحابة سمعوا هذا الكلام، ومع ذلك تفرقوا في الأمصار، وأهل العلم أيضاً من بعدهم جلهم في الأمصار، في مصر والشام والعراق والمشرق والمغرب، يعني كيف يفرط الصحابة بهذا الفضل العظيم ويتفرقون؟ كيف يفرط أهل العلم يعيش خيار الأمة في العراق وفي مصر وفي الشام ويتركون هذا الفضل العظيم؟
طالب: من أجل الدعوة.(73/13)
الدعوة، وبث العلم، وتبليغ الدين والجهاد، كلها أفضل من مجرد المكث من أجل هذه المضاعفة، وفيه تعظيم الإثم، وفيه ترتيب الإثم على مجرد الإرادة، فهي ليست كغيرها، الغنم مع الغرم؛ لكن لا شك أن الذي بيجلس؛ لكن الآن في ظروفنا التي نعيشها شخص متردد هل يسكن في الشرقية، أو في الرياض، أو في مكة؟ مسألة تردد، على حد سواء، عمله في بلده مثل عمله في مكة، إن كان مدرس راح مدرس، إن كان موظف راح موظف، ما الأفضل له؟
طالب:. . . . . . . . .
ترى البلد الذي يختلط فيه الناس من أقطار متباينة، وعادات متنافرة، يعني حتى في عصر السلف وجد من يتعرض للنساء في المطاف، ووجد من النساء من يفتن الناس في ذلك الوقت، فكيف بعصرنا هذا؟ فبعض الناس يترك هذه الأماكن خشية الفتنة؛ لأن الناس يجتمعون من بلدان متباينة، وأعراف متباعدة، وعند بعض الأقاليم فيها تساهل أكثر من غيره، فتجده يقول: لا في بلدي أسلم لي، هذا حاصل الآن وإلا مو بحاصل؟ كثير من الناس ما يصدق أنه ينتهي
من العمرة ليعود إلى بلده، أقول: لوجود مثل هذه المناظر التي ألفها أصحابها في بلادهم لا تثيرهم مثل هذه المناظر؛ لكن من بلد آخر تثيرهم، تجد مثلاً الشامي أو المصري يفتتن بالمرأة من هذه البلاد لأنه ما ألف هذا المنظر، ومثلاً من أهل هذه البلاد يفتتنون بالبلاد الأخرى؛ لأن عندهم شيء من التسامح أكثر مما عندنا، وفي بلادنا، على حد نظرنا، المقصود أنهم قد تترك هذه المضاعفات إذا خشي الإنسان على دينه، هناك أمور أخرى في ليالي العشر التي ترجى فيها ليلة القدر بعض الناس، من خيار الناس، يقول: أنا سأصلي في مسجدي، وعند بيتي، ويجتمع قلبي، وأعقل صلاتي، أفضل مما أتعرض لزحام الملايين، ولا أدرك من صلاتي شيء، هذا أيضاً له وجه، المحافظة على أصل الصلاة، أولى من المحافظ على ما يزيد في فضلها؛ لأن الآن التجار يحافظون على رأس المال أكثر، أو المكاسب أكثر؟ عندهم رأس المال هو الأصل، فالمحافظة على أصل الصلاة أولى من المحافظة على ما يحتف بها من زيادة الفضل.(73/14)
((صلاة في مسجدي)) قلنا: هذا أسلوب امتنان فتعم الصلوات، فالصلاة بمائة ألف صلاة، الفريضة لا إشكال فيها، ولم يخالف فيها أحد، النافلة وهذا الكلام قيل: في المسجد النبوي، يعني قيل بالمدينة، فهل صلاة الرجل الساكن المدينة النافلة في بيته أفضل وإلا يصليها في مسجده -عليه الصلاة والسلام- ليحصل على ألف صلاة؟
طالب: في بيته أفضل.
نعم؛ لأن الحديث قيل في المدينة ((صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)) فصلاته النافلة في بيته أفضل من صلاته في المسجد تحصل المضاعفة وإلا ما تحصل؟ الصلاة في البيت؟
طالب: ما تحصل.
ما تحصل، هذا ما جعل بعض أهل العلم يقول: الحديث هذا خاص بالفرائض ولا يتناول النوافل، مكة ما فيها إشكال باعتبار أنها حرم، وفيها مضاعفة، الصلاة في البيت ما فيها إشكال أنها أفضل.
غير الصلاة من أنواع الطاعات، الصيام في مكة أفضل وإلا ما هو بأفضل؟ الصدقة في مكة؟ الجمعة في مكة؟ رمضان في مكة أفضل وإلا ما هو بأفضل؟ بهذا المقدار أو مجرد فضل المكان المستفيض ولو لم يقدر بمائة ألف؟ يعني رمضان بمائة ألف رمضان، ليلة القدر بمائة ألف ليلة قدر، أو هذا خاص بالصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
دعنا من المسجد والخلاف فيه، الكلام على المسجد الحرام، ومسجده -عليه الصلاة والسلام- بحسبه؛ لكن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف مسجد بالدمام، فهل نقول: رمضان في مكة أفضل من رمضان .... ؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الحديث نص في الصلاة؛ لكن جمع من أهل العلم يرون أن العبادات كلها بهذه المثابة؛ لكن هل نستشف من الحديث ارتباطه بالمسجد، وأن العبادة التي لا تؤدى إلا بالمسجد لها هذا التفضيل، وأن العبادات التي يمكن أن تؤدى خارج المسجد كالصيام والصدقة وغيرها لا ارتباط لها بالمسجد، بينما الصلاة قل مثل هذا في صلاة الجنازة، يمكن أن تحصل، على كل حال الحديث نص في الصلاة، ويقول بعض أهل العلم: أنه يتناول جميع العبادات؛ لكن يحتاج هذا إلى دليل.
سم.
طالب: بالنسبة للمرأة يا شيخ هل تدخل في هذا الأمر؟
إيش فيها؟ في البيوت أفضل، وبيتها خير لها.
قال المصنف -رحمه الله-: باب الفوات والإحصار:(73/15)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قد أحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلق، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عاماً قابلاً" [رواه البخاري].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب الفوات والإحصار: الفوات فوات الحج بأن يطلع الفجر من يوم النحر قبل التمكن من الوقوف بعرفة، فمن طلع عليه الفجر قبل أن يقف بعرفة ولو لحظة فاته الحج، فإذا أحرم بالحج قبيل طلوع الفجر قال: أسرع بالسيارة، وعلى عرفة على طول، وأمكث فيها مدة يسيرة، وأنزل لمزدلفة إلى منى، ثم بنشرت السيارة، أو مسكوه تفتيش وإلا شيء، وعاقه شيء، عاقه عائق، فطلع عليه الفجر قبل أن يدخل عرفة، مثل هذا ماذا يصنع؟ فاته الحج؛ لكن ماذا يصنع؟ يتحلل بعمرة، طيب إن اشترط قال: إن أدركت الحج فبها ونعمة، وإلا فمحلي، هذا ما عليه شيء، هذا يتحلل ما عليه شيء؛ لكن من لم يشترط يتحلل بعمرة، طيب الإحصار أصله المنع، منع، ويختلف أهل العلم، ويفرقون بين الحصر والإحصار، فيجعلون الإحصار هو الذي يكون بالمرض، الحصر يكون بالمرض والعجز والخوف، الإحصار هو الذي يكون بماذا؟ بالمرض والخوف ونحوهما، وإن كان المنع بسبب العدو قيل له: حصر، الآن في قوله -جل وعلا-: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] هذا متى نزل؟ أحصرتم نزل بشأن إيش؟
طالب: الحديبية.
الحديبية، أحصرتم، والآن أحصر مصدره: إحصار، ومنعهم يوم الحديبية بسبب مرض وإلا عدو؟ عدو، إذاً الإحصار يكون بسبب العدو أيضاً، ولذا قال جمع من أهل العلم: أن الحصر والإحصار كله المنع بأي سبب كان؛ لكنه سبب يمنع، ما هو بأدنى سبب، يتصل عليه ويقال له: ارجع عندنا مناسبة، وإلا عندنا كذا، وإلا أخوك يبي يتزوج، وإلا .. ، لا، لا بد أن يكون سبب يمنعه من أداء نسكه، هذا يكون بالمرض، كما سيأتي من كسر أو عرج، ويكون بالعدو الذي لا يمكنه من دخول المشاعر.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قد أحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، حتى اعتمر عاماً قابلاً".
طالب:. . . . . . . . .(73/16)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قد أحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حصره العدو، لما أراد أن يعتمر في السنة السادسة في الحديبية حصره العدو، الحديبية قريبة على الحد بين الحل والحرم، ويسمونها الآن هي قريبة من إيش؟ من إي شيء؟ ما في مكان يقال له: الشميسي، نعم قريبة من الشميسي، فحلق رأسه لما قال لأصحابه: تحللوا ترددوا، فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسف لأنهم ترددوا في قبول أمره -عليه الصلاة والسلام-، فأشارت إليه أم سلمة أن يحلق شعره، لما حلق شعره عرفوا أن المسألة جد، فهم ترددوا في قبول الأمر في بداية الأمر، لماذا؟ رجاء أن يتم لهم ما أرادوا من العمرة، فلما حلق رأسه -عليه الصلاة والسلام-، ونحر هديه انتهى، وبهذا يتبين أن الاقتداء بالفعل أقوى من الاقتداء بالقول، ولذ إذا أراد المسئول أن يمتثل أمره يكون قدوة، لا يخالف هو هذا الأمر، ثم يطلب من الناس أن يقتدوا به، بل عليه أن يبادر، إذا طلب من الناس أن يتبرعوا، إذا طلب من الناس أن يبذلوا في العمل، وأن يحتسبوا، ويصبروا لا بد أن يكون قدوة، يكون أول من يحضر هو؛ لأن بعض الناس عنده استعداد يحزم غيره؛ لكن ما يحزم نفسه، هذا ما يطاع أمره، فإذا كان قدوة أول من يحضر هو، ما رأوا عنده شيء من التساهل، جاد في عمله، اقتدى، استطاع أن يحزم الناس، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- حلق شعر رأسه، ونحر هديه، فكادوا أن يقتتلوا على الحلق، اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، حلق رأسه، وجامع نساءه، ونحر هديه، ثم بعد ذلك اعتمر عاماً قابلاً، وعمرة الحديبية حسبت من عمره -عليه الصلاة والسلام-، اعتمر عاماً قابلاً، هل هي قضاء لهذه العمرة، أو عمرة مستقلة منشأة جديدة؟ يسمونها عمرة القضاء؛ لكن لو احتاجت هذه العمرة إلى قضاء تحسب عمرة؟ العمرة الأولى التي حبسوا عنها حسبت وإلا ما حسبت؟ حسبت من عمره -عليه الصلاة والسلام-، ونزل فيها سورة الفتح، نعم، فهل عمرة القضاء لأن العمرة الأولى لاغية لم تحسب، أو هي عمرة ثانية حسبت له -عليه الصلاة والسلام-، ولمن معه؟ هي عمرة ثانية، ما الذي يدعونا إلى مثل هذا الكلام؟ إلى أن المحصر هل يلزمه أن يأتي ببدل(73/17)
أو لا يلزمه؟ ما يلزمه {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] نأتي إلى الهدي، هل الهدي واجب وإلا ليس بواجب؟ {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] يعني هل نقول: فالواجب ما استيسر من الهدي، كما قلنا: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(185) سورة البقرة] يعني فالواجب عدة من أيام أخر، ما استيسر هذه لا تعود إلى أصل الهدي، إنما تعود إلى نوعه، هي تعود ما استيسر هذه تعود إلى نوع الهدي، يعني أنت مخير إن كان عندك بدنة اذبح بدنة، ما عندك عندك بقرة اذبح بقرة، ما استيسر لك إلا شاة اذبح شاة، من أهل العلم من يرى لزوم الهدي للمحصر، ومنهم من يقول: أبداً لا يلزم ولا شيء إلا إذا ألزم .... ، الصحابة جاؤوا بسبعين بدنة من المدينة، أولاً: بالنسبة للقضاء هل الألف واربعمائة الذين مع النبي -عليه الصلاة والسلام- عام الحديبية كلهم تمكنوا من أداء عمرة القضاء؟ ما يلزم، ولا فيما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بذلك؛ لكن هذا تنفيذ للشروط التي بينه -عليه الصلاة والسلام- وبين قريش، ما استيسر من الهدي، هم جاؤوا بسبعين بدنة، وهم ألف وأربعمائة، واشترك كل سبعة في بدنة تكفيهم سبعين؟ ما يكفيهم سبعين، سبعين في سبعة؟ أربعمائة وتسعين، يعني باقي أكثر من تسعمائة، هذا يقول بعض أهل العلم: أنه ليس عليهم شيء، أحصرهم عدو، واتقوا الله ما استطاعوا، أرادوا الخير ولم يتمكنوا منه، ما عليهم شيء، لا عليهم قضاء، ولا عليهم هدي؛ لكن لفظ الآية {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} [(196) سورة البقرة] هذا شرط {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] ولذا الجمهور على أن عليه دم، يتحلل بهدي.
طالب:. . . . . . . . .(73/18)
لا، لا، ما يسقط، يبقى كل شيء على ما هو عليه، إذا كان عليه حجة الإسلام لا بد أن يأتي بها، إذا كان عليه العمرة الواجبة لا بد أن يأتي بها، أما إذا أحرم بحج نفل أو عمرة نفل، ثم أحصر ما عليه إلا أن يتحلل بدم، منهم من يرى أن الإحصار خاص به -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن لا وجه له، القول بالخصوصية لا وجه له؛ لأن الأصل الاقتداء، على كل حال الجمهور على وجوب الهدي، وأنه يجزيه شاة، إن كانت هي المستيسرة له، والإمام مالك يرى أنه لا شيء عليه، ولا هدي، ومن تأمل الواقعة التي حصلت لهم، وما جاؤوا به من الهدي وعددهم، رأى أن الهدي الذي معهم لا يفي بالعدد، وما حفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرهم أن يبحثوا عن هدي، أو أمرهم .. ، ما عرف أنهم أيضاً؛ لكن الآية كالصريحة في لزوم الهدي، منهم من أخذ من قوله: "حتى اعتمر عاماً قابلاً" ومن تسميتهم العمرة التي تليها بعمرة القضاء أنه يدل على وجوب القضاء، يدل على إيجاب القضاء؛ لكن ما عرف أن الألف والأربعمائة الذين كانوا معه في الحديبية كلهم أدى هذه العمرة، يعني أصلاً تسميتها القضاء والقضية من مقاضاة قريش في صدهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإتيانه ببدلها، ومثله ما في الحديث، فلا يوجد ما يدل على أنه يلزمه عمرة ثانية إلا إذا كان عليه عمرة الإسلام الواجبة، ولا يلزمه أن يأتي بحج صد عنه إلا أن تكون عليه حجة الإسلام، وأما الهدي فالمتجه وجوبه.
طالب:. . . . . . . . .
ما عليه شيء، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني أحرم بالحج منعوه قالوا له: ارجع، هذا إحصار وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل هذا لو اشترط، لو اشترط نفعه -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الحج مطلوب فرضه ونفله، فإذا رأى الإمام بالاتفاق مع أهل العلم أن هذا الزحام لا يحله إلا التحديد، فالعلماء يفتون بهذا؛ لكن إن حصل للإنسان أن يحج من غير حيلة ومن غير كذب، فالحج فرضه ونفله مطلوب.(73/19)
النحر في الحديبية هل كان في الحل أو في الحرم؟ يعني حتى يبلغ الهدي محله، الحل وإلا الحرم؟ نعم، الحنفية يرون أن محله الحرم، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما نحر في الحرم؛ لكن ظاهر قوله -جل وعلا-: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [(25) سورة الفتح] يعني ممنوع من أن يبلغ محله، ظاهره أنه نحر في الحل، ولا شك أنه لو كلف المحصر بأن ينحر في الحرم لشق عليه، هو بنفسه ما يتيسر له يروح إلى الحرم فضلاً عن الهدي، ولذا الجمهور على أن المحصر له أن يذبح هديه حيث يحل في حل أو حرم؛ لكن إن كان يستطيع أن يبعث به إلى الحرم، وهذا قول وسط لبعض العلماء فيبعثه إلى الحرم، وإن لم يستطع فيذبحه حيث أحصر.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب -رضي الله عنها- فقالت: يا رسول الله إن أريد الحج، وأنا شاكية، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني)) [متفق عليه].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها فقالت: "يا رسول الله إن أريد الحج، وأنا شاكية" يعني مريضة، وتخشى أن يزداد المرض فلا تتمكن من أداء الحج الذي أرادته، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني)) هذا الاشتراط، أولاً: هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في أي كتاب؟ في كتاب النكاح، ما خرجه لا في كتاب الحج، ولا في كتاب الإحصار في كتاب النكاح؛ لأن ضباعة هذه كانت تحت المقداد، باب الأكفاء في الدين، المقداد مولى وهي قرشية، بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جزم بعض المحققين، الذين يحققون الكتب أن الحديث لا يوجد في البخاري، ما خرجه البخاري، أين سيذهب به البخاري إذا ما وجد في كتاب الحج بكامله؟ تقول: أريد الحج وأنا شاكية، والبخاري ما خرجه في الحج، إنما خرجه في النكاح.(73/20)
يقول: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج، وأنا شاكية، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((حجي واشترطي: أن محلي حيث حبستني)) فإذا اشترط الحاج نفعه هذا الاشتراط، مطلقاً كل حاج يشترط؟ كل معتمر يشترط؟ ثم إذا حصل له ما حصل ينفع؟ أو لا يشترط إلا من ظهرت عليه البوادر؟ بوادر مرض، بوادر خوف من عدو أو شبهه، أو غلب على ظنه أنه لا يستطيع، ولا يتمكن، غلب على المرأة أنها لن تتمكن من أداء العمرة لنزول دورة، أو ما أشبه ذلك عادة، منهم من يقول: الاشتراط ينفع من كانت حاله مثل حال ضباعة، شاكي، ويخاف أنه يزداد عليه المرض فلا يتمكن فينفعه، ومن عداه لا ينفعه، ومنهم من يقول: ينفعه مطلقاً، ومنهم من قال: أنه خاص بضباعة، لا ينفع غيرها الاشتراط؛ لكن الخصوصية تحتاج إلى دليل، فالذي يغلب على ظنه أنه لا يتمكن من أداء حجه أو عمرته ثم اشترط نفعه ذلك، ويبقى من عداهم على الأصل؛ لأنه لا يعرف الاشتراط إلا في هذا الحديث، وظاهر هذا الحديث أن من اشترط لظهور الأمارات والعلامات كضباعة، ثم حصل له ما يعوقه، أنه لا شيء عليه البتة، خلاص يلبس ثيابه ويرجع، ما عليه شيء.
طالب:. . . . . . . . .
المهم أنه اشترط.
طالب:. . . . . . . . .
اشترط هو؟
طالب:. . . . . . . . .
وفيه بوادر وإلا ما فيه؟ يعني تقصد أنه حصر بمرض، كسر أو عرج كما هنا، هذا يأتي في الحديث هذا الي معنا، سم.
وعن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل)) قال عكرمة: "فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق" [رواه الخمسة وحسنه الترمذي].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عكرمة مولى ابن عباس" أصله من البربر، فيه كلام لبعض العلماء، وأنه يرى رأي الخوارج؛ لكن الذي حققه الذهبي وابن حجر براءته من هذا القول، ولذا خرج له الإمام البخاري.
ففي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة(73/21)
هو تُعرِض له بالجرح؛ لكنه لم يثبت، عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، صحابي مقل، لا يروي إلا حديثين، كما قال ابن عبد البر وغيره -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كسر)) مبني المجهول، مغير الصيغة، ((من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حج من قابل)) يعني حصره المرض، وقل مثل هذا فيمن لم يتمكن، داخل بسيارته فدهس إنسان فأودع السجن إلى أن انتهى الحج، يقول: ((فقد حل، وعليه حج من قابل)) قال عكرمة: "فسألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: "صدق" الحديث حسنه الترمذي، وفي بعض النسخ قال: حديث حسن صحيح، يعني في بعض النسخ، ونسخ الترمذي من القدم، تتباين في أحكامها، تتباين في أحكامها، ولذا الكتاب بحاجة إلى عناية تامة، في مقابلة نسخه الأصلية؛ لأنك تجد عند المتقدمين من أهل العلم، هذا يقول: حسنه، وهذا يقول: صححه، هذا يقول: قال الترمذي: حسن غريب، وذاك يقول: حسن صحيح، وسببه تباين النسخ من القدم؛ لكن الحديث له طرق غير ما معنا، فإذا أصيب بمثل ما ذكر، وقع فانكسرت رجله، وأصيب بكسر في رجله، أو في غيرها من مواضع بدنه، بحيث لا يستطيع من أداء نسكه، فإنه يصير حلالاً؛ لأنه يقول: ((فقد حل، وعليه الحج من قابل)) في الإحصار السابق هل ترجح أنه يأتي بعمرة بدل، أو بحج بدل عما أحرم به؟ يعني في حصر العدو، كما في حصر الحديبية بدون قضاء، وهنا يقول: ((وعليه حج من قابل)) فهل نقول: أن هناك فرق بين المرض وبين العدو كما قال بعضهم؟ أو نقول: أنه إذا منع بمانع لا مدخل له فيه، واتقى الله ما استطاع، جاء ناوياً النسك، وقاصداً رضا الله -جل وعلا-، ثم منع من ذلك، والله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، يحل، كما لو حصر بعدو، وحديث الباب يقول: ((فقد حل، وعليه الحج من قابل)) يعني لو كان هذا الحديث بمثابة الحديث السابق، يعني في قوته، الحديث السابق ما فيه ما يدل على أنه يلزم أن يعتمر أو يحج من قابل، وإن سمى أهل العلم العمرة التي تليها عمرة القضاء، لكن هل نقول: هناك فرق بين أن يحصر بعدو وبين أن يحصر بمرض، فمن حصر بالعدو لا يلزمه قضاء، ومن حصر بالمرض يلزمه أن يحج من قابل؟ لأن المريض يتمكن من الوصول إلى المشاعر،(73/22)
يتمكن من أن يمكث للعلاج في مكة، ثم يتحلل بعمرة، بخلاف المحصور بعدو لا يتمكن، فإن أراد أن يتحلل المحصور بمرض، فإذا عوفي أتى بنسك آخر كما هو مقتضى هذا الحديث، وإن أراد أن يبقى على إحرامه حتى يشفى، ثم يأتي بما شرع فيه، فهو مخير، كما أنه يمكن أن يحج أو يعتمر بأي طريقة كانت، يُحمل وإلا .. ، ليس مثل الحصر بالمرض لا يساوي الحصر بالعدو؛ لأن العدو يصد، لا يمكنك من الوصول إلى تلك الأماكن، والمرض يتصور الوصول، يعني الآلة التي تعيدك إلى بلدك هي الآلة التي توصلك إلى تلك المشاعر، ولذا بعض أهل العلم يفرق بين الإحصار والحصر، يفرق بين ما كان بعدو، وبين ما كان بمرض، على كل حال الحديث وإن كان فيه كلام، بعضهم يضعفه، أقول: بعضهم يضعف هذا الحديث، يقول الشارح، الشارح طعنه في عكرمة؛ لكن لا وجه له، فعكرمة مبرأ مما نسب إليه من رأي الخوارج.
طالب: ألهذا قال: -رضي الله عنه-.
أيه؟
طالب: "وعنه" في سياق الحديث تعود إلى عكرمة أم على الحجاج؟
لا، الحجاج، الحجاج صحابي
طالب: وعكرمة؟
لا، لا، تابعي، عكرمة تابعي، لو كان صحابي ما قُبل فيه كلام أحد.
هنا يقول: الحديث التاسع أن الذين صدروا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية كانوا ألفاً وأربعمائة، والذين اعتمروا معه في عمرة القضاء كانوا نفراً يسيراً، ولم يأمر الناس بالقضاء.
هذه أسئلة يقول: ما حكم القزع؟
ثبت النهي عنه، والأصل في النهي التحريم، وحقيقته حلق بعض الشعر وترك البعض.
يقول: وهل يختلف الحكم إذا كان تشبه بالكفار أم لا؟
هذا ثبت فيه النهي، ولو لم يكن فيه تشبه.
وهذا من الكويت يقول: سنأتي للحج من الكويت على الطائرة لجدة من أين نحرم؟
إذا حاذيتم أول ميقات تمرون به.
السائل من اليمن يقول: حكم الذي يريد أن يصوم الست من شوال، وعليه أيام من رمضان لم يصمها، هل يصوم الست أم يبدأ برمضان؟
يبدأ برمضان، يبرأ من عهدة الواجب، ثم بعد ذلك يصوم الست.
يقول: هل الطواف الذي كان من عائشة -رضي الله عنها- قبل الوقوف بعرفة، أو بعده؟ فالحديث الذي ورد بالأمس، والذي قال لها فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أنه يكفيها لحجها وعمرتها.(73/23)
عرفنا أن عائشة -رضي الله عنها- لما حاضت أدخلت الحج على العمرة، فصارت قارنة، فطافت طوافاً واحداً، ولم تتمكن من الطواف طواف العمرة؛ لأنها كانت حائض، فطوافها هذا وسعيها واحد لحجها وعمرتها، ثم بعد ذلك جاءت بعمرة مستقلة.
طالب: في بعض المشايخ يرى ومنهم الشيخ عبد العزيز الفوزان أن عائشة كانت تقضي ما عليها من الصيام في شعبان، وكأنها كانت تصوم الست وعليها قضاء.
أنت راجعت القاعدة وكلام ابن رجب في مثل هذا؟ إيه ابن رجب ذكر مثل هذا الكلام؛ لكن قال: يبعد أن عائشة لا تتنفل بشيء، هو ثبت أنها كانت، لا يكون عليها القضاء من رمضان فلا تتمكن لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها أن تقضي إلا في شعبان، الذين يقولون بجواز تقديم النفل على القضاء يقولون: يبعد أن تسمع عائشة الحث على الصيام والتنفل فيه، ثم تترك الست، وتترك يوم عرفة، وتترك عاشوراء؛ لأن عليها قضاء، ثم ما تصوم إلا في شعبان، القول الثاني المرجح: وهو أنها لا تتنفل حتى تقضي نعم أن العلة الموجودة التي تمنعها من القضاء تمنعها من التنفل، فهمت العلة التي منعتها من القضاء إلا في شعبان تمنعها من التنفل وإلا إيش معنى أنها تمنع من الفرض ولا تمنع من النفل؟ هذه حجة من يقول: بأنه لا يجوز، مع أدلة أخرى أن يتنفل الإنسان وفي ذمته فريضة؛ لأن البراءة من عهدة الواجب بلا شك أهم، والله تعالى أعلم.(73/24)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (1)
باب: شروطه وما نهي عنه منه
الشيخ: عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين، واعصمنا من الفتن أجمعين، ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، أما بعد:
قال الإمام ابن حجر -رحمه الله تعالى- في كتابه: (بلوغ المرام):
كتاب البيوع
باب: شروطه وما نهي عنه منه.
عن رفاعة بن رافع -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل: أي الكسب أطيب? قال: ((عمل الرجل بيده, وكل بيع مبرور)) رواه البزار، وصححه الحاكم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة: ((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)) فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن, وتدهن بها الجلود, ويستصبح بها الناس? فقال: ((لا، هو حرام)) ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: ((قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه, فأكلوا ثمنه)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب البيوع:(74/1)
ترتيب الأبواب عند أهل العلم من المحدثين والفقهاء يراعون فيها حاجة الناس، فيبدؤون بالأهم ثم الذي يليه إلى أن ينتهون من تصنيف كتبهم على الأبواب على اختلاف بينهم في الجمع وكيفيته، فمنهم من يجمع جميع أبواب الدين، فيبدأ بالإيمان والتوحيد والعقائد، ثم يثني بالصلاة، ثم الزكاة إلى أن تنتهي العبادات، ثم المعاملات، ثم ما يلي ذلك من الأبواب، وكتابنا وهو في الأصل كتاب حديث، لكنه صُنف على طريقة الفقهاء فجرد من الأسانيد ليسهل حفظه على الطلاب، وليستدلوا بما أورده المؤلف على ما حفظوه من مسائل فقهية، فهو دعامة قوية لكتب الفقه، ولذا جاء ترتيبه على طريقة الفقهاء، وجرده مؤلفه عن أبواب الدين الأخرى التي لا يتعرض لها الفقهاء، ولذا يعد من كتب الأحكام، أو كتب أحاديث الأحكام، فلا تجد فيه ما يتعلق بالعقائد، ولا بالتفسير ولا الفتن ولا غيرها من الأبواب باستثناء الكتاب الجامع، في نهاية الكتاب ذكر المؤلف الكتاب الجامع، وختم به مؤلفه، وجمع فيه من أحاديث الآداب والرقاق، وما يحتاج إليه إضافة إلى أحاديث الأحكام، الفقهاء ومن سار على نهجهم ممن صنف في مختصرات الحديث من كتب الأحكام، يقدمون العبادات وهي جديرة بالتقديم، وحرية به؛ لأن بمعرفتها يتحقق الهدف الذي من أجله خُلق الإنسان، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، هي أظهر وأوضح ما تتحقق فيه العبودية فيما يتعلق بهذه الكتب، وإلا لو كان الكتاب جامع كصحيح البخاري وغيره ما قدم هذه العبادات العملية على ما يتعلق بالإيمان بالله -جل وعلا-، هم يقدمون كتاب الإيمان، وهذا هو الأصل، لكن الإيمان له كتبه، والحديث بصدد كتب الأحكام، سواء كانت متون فقهيه أو من أحاديث الأحكام كالكتاب الذي نشرحه، فيقدمون العبادات لأهميتها، ثم يثنون بالمعاملات لمسيس الحاجة إليها، ثم يثلثون بالمناكحات والحاجة إليها ماسة، لكنها في مرتبة بعد المعاملات؛ لأن من يحتاج إلي البيع والشراء أكثر ممن يحتاج إلى النكاح، وحاجة الإنسان إلى البيع والشراء أكثر من حاجته إلى النكاح؛ لأنه يحصل مرة واحدة، وأما البيع والشراء فهو متكرر.(74/2)
الأمر الثاني: أن الإنسان قد يبيع ويشتري سنين قبل أن يتزوج، وقبل أن يحتاج إلى الزواج، فقدم من هذه الحيثية، ثم بعد ذلك إذا عرف أحكام العبادات وكيف يتعامل مع الله -جل وعلا- من خلال هذه العبادات، ثم عرف كيف يبيع ويشتري، ويبرم العقود، ثم عرف أحكام النكاح، يلي ذلك الحدود والجنايات والأطعمة والقضاء، وما أشبه ذلك، فعندهم الفقه أربعة أرباع: العبادات، المعاملات، الأنكحة، الجنايات، ويختلفون في بعض الأبواب هل تدخل في العبادات أو تدخل في غيره من الأبواب؟ كالجهاد مثلاً منهم من يدخله في العبادات، ومنهم من يجعله في أواخر الكتب، ومنهم .. ، على كل حال كل له وجه، وقد اجتهدوا، فلهم من الله -جل وعلا- فيما نرجوه جزيل الأجر والثواب.
البيوع، الكتاب مر بنا مراراً، وعرفناه تكراراً، والبيوع جمع بيع، والبيع مصدر باع يبيع بيعاً، ويطبق الفقهاء وغيرهم على أنه مأخوذ من الباع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه ليأخذ، هذا يأخذ السلعة، وهذا يأخذ الثمن، مأخوذ من الباع، وهذا لا شك أنه إن كان أخذه على سبيل الاشتقاق ففيه نظر، لماذا؟ لأن البيع مصدر والمصدر أصل يشتق منه ولا يشتق من غيره.
. . . . . . . . . ... وكونه أصلاً لهذين انتخب
يعني رجح كون المصدر هو الأصل للفعل ولسائر مشتقاته.(74/3)
الأمر الثاني: أن البيع عينه ياء، والباع عينه واو، فاختلف الأصل والفرع في أصل من أصوله، فلا يتسنى الاشتقاق، على كل حال إذا كانت المسألة مسألة نقل، وليست مسألة اشتقاق، فالمسألة فيها سعة، أما الاشتقاق على طريقتهم فلا؛ لأن البيع أصل؛ لأنه مصدر يشتق منه ولا يشتق هو من غيره، جُمع البيع -وإن كان المصدر ينطبق على الواحد والاثنين والثلاثة كما تقدم في المياه جمعت لتعدد أنواعها-، وهنا البيع إنما جمع لاختلاف أنواعه، والبيع عرفوه بألفاظ متقاربة، وتعريفه قد يزيده غموضاً؛ لأن الأمور الواضحة التي يعرفها الناس كلهم تعريفها بالحدود الاصطلاحية التي تطبق عليها قوانين المتكلمين تزيدها غموضاً، من الناس من لا يعرف البيع والشراء، وما يتم به البيع والشراء، أمور يزاولونها، على كل حال قالوا في تعريفه: أنه مبادلة مالٍ بمال، يعني سواء كان حاضراً أو في الذمة كله بيع، أو منفعة، ولو لم تكن عيناً بأن كانت منفعة، المنفعة لا بد أن تكون مباحة، والعين لا بد أيضاً أن تكون مباحة النفع بلا حاجة، ولذا جاء في الباب الأول: باب شروطه، شروط البيع منها ما يرجع إلى العاقد، ومنها ما يرجع إلى السلعة، مما يعود إلى العاقد ويرجع إليه التراضي بين المتعاقدين، إنما البيع عن تراضي {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ} [(29) سورة النساء] فالتراضي لا بد منه، ومنها: أن يكون العاقد جائز التصرف، وأن يكون مالكاً للسلعة، أو مأذون له في بيعها، والتصرف فيها، وأن تكون السلعة أيضاً مباحة النفع بلا حاجة، كيف مباحة النفع بلا حاجة؟ تكون السلعة مقدوراً على تسليمها، مباحة النفع بلا حاجة، يعني لولا الحاجة لم يبح نفعها، فهل يجوز بيعها، إذا كان أباحة نفعها للحاجة لا مطلقاً، فهل يجوز بيعها أو لا؟ الذي يطلق ويقول: إن تكون العين مباحة النفع، ولا يقيد بارتباط هذا النفع بالحاجة، هذا يقول: كل ما ينتفع به يجوز بيعه، والذي يقيد من غير حاجة أو بلا حاجة، يقول: ينظر في السلعة إذا كانت مباحة النفع مطلقاً تباع، إذا كان نفعها للحاجة فلا يجوز بيعها كالكلب، كلب الصيد مثلاً يجوز بيعه وإلا ما يجوز؟ الذي يطلق يقول: مباح النفع ما المانع من بيعه؟ وقل مثل هذا(74/4)
في الأسمدة النجسة التي ينتفع بها في الزراعة، يجوز بيعها وإلا ما يجوز بيعها؟ الذي يقيد المنفعة بالحاجة يقول: لا يجوز بيعها كالكلب المعلم، كلب الصيد، كلب الحراسة، كلب الزرع، كلب الماشية، هذه مباحة النفع لكنها مقيدة بالحاجة، وإلا فالأصل المنع من اقتناء الكلب، واستثني هذا بالنص، والذي يقول: ما دام يباح نفعه فكيف يُحصل عليه بغير البيع؟ لا يمكن الحصول عليه بغير البيع، وهذه حكمة تشريع البيع؛ لأن الإنسان قد يكون بحاجة ماسة إلى ما بيد صاحبه ولا يبذله أخوه له بدون مقابل، فيضطر إلى شرائه منه، فإذا احتاج إلى كلب صيد، أو كلب زرع، أو ماشية لا وسيلة له إلا البيع، وقل مثل هذا في الأزبال والأسمدة التي تستعمل في خدمة الزرع، لا يمكن الحصول عليها إلا بالبيع، ومنهم من يفرق بين البائع والمشتري، فيقول: المشتري محتاج، والمنفعة بالنسبة له إنما أبيحت له؛ لأنه محتاج، والمنفعة أبيحت للحاجة فهو من أهلها، فيجوز له الشراء دون البائع، القاعدة عند أهل العلم أن ما حرم أخذه حرم دفعه؛ لأن هذا يدخل في التعاون، فإذا كان هذا لا يجوز له أن يبيع السلعة فكيف يجوز لي أن أمكنه من هذا العقد الذي لا يجيزه الشرع؟ فما حرم أخذه حرم دفعه، هذه القاعدة، وهذا هو التعاون على الإثم والعدوان إذا قلنا: لا يجوز، والمسألة معروفة عند أهل العلم، لا شك أن المشتري أمره أخف من البائع؛ لأن المشتري محتاج، والحاجة تبيح ما منع بالقواعد العامة لا بالنص عليها، وأما الكراهة فتزول بأدنى حاجة.
جاء ذم كسب الحجام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى الحجام، مع أنه قال: ((كسب الحجام خبيث)) ففرق بين من يأخذ ومن يعطي، فالآخذ أمره أشد من المعطي المحتاج، قالوا في المصحف عند من لا يجيز بيعه لأن بيعه امتهان، جعله سلعة تباع قابلة للرخص هذا كلام الله امتهان بيعه، ولذا المعروف عن الحنابلة أنه لا يجوز بيعه، لكن يجوزون شراءه للحاجة.
الوقف لا يجوز بيعه، لكن إذا اضطر طالب علم إلى كتاب موقوف ولا يوجد إلا عند شخص لا يجود به إلا بالثمن هذا محتاج، فهذه المسألة لها نظائر.(74/5)
"باب شروطه" الشروط: جمع شرط، والشرط ما يلزم من عدمه العدم، لكن لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، يلزم من عدمه العدم، يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة حقيقة أو حكماً، يلزم من تخلف شرط من شروط العقد بطلان العقد، فوجوده مثل عدمه، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، قد يتطهر الإنسان ولا يصلي، قد يكون جائز التصرف لكن ما يبيع ولا يشتري، ما عنده ما يبيعه ولا يشتريه، المقصود أن هذا الشرط في عرف الفقهاء، سواء علق بكلمة شرطية أو لم يعلق، وسواء كان لفظياً أو عرفياً، إذا تعارف الناس على شيء فالعادة محكمة، هناك من الشروط المقدرة شروط ملفوظة وشروط مقدرة، لو قال شخص لآخر: إنه رأى زوجته ركبت مع شخص أجنبي عنها، فقال زوجها: هي طالق، ثم تبين أن هذا الشخص كاذب، هذا شرط وإن لم يكن ملفوظاً به؛ لأنه رتب على هذا الفعل، فكأنه قال: إن كانت قد ركبت مع هذا الشخص الذي أشرت إليه فهي طالق، والواقع ليس كذالك، إذاً لا تطلق.
المقصود أن فروع هذه الأمور كثيرة جداً، لكن هذه أمثلة، وما نهي عنه من أنواع البيوع من الربا وما يشتمل على غرر وتدليس وبيع في المسجد أو بعد النداء الثاني من يوم الجمعة، المقصود أن هناك بيوع نهي عنها، سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-، أو شيء منها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
عن رفاعة بن رافع -رضي الله عنه- إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل أي الكسب أطيب؟ قال: ((عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور)) رواه البزار، وصححه الحاكم.
والحديث له شواهد يرتقي بها إلى الصحيح لغيره.(74/6)
ورفاعة بن رافع الذي عزا المؤلف الحديث له، وفهم الشارح أنه أنصاري زرقي شهد بدراً، هكذا فهم الشارح؛ لأنه لا يوجد رفاعة بن رافع صحابي إلا هذا، لكن في المصادر الأصلية: عن عباية بن رفاعة بن رافع عن أبيه عن جده، فيكون عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، والحديث معروف عن رافع بن خديج، فيكون المؤلف قصر به، والأصل أن يقول: عن رفاعة بن رافع عن أبيه رافع بن خديج؛ لأن الحديث من مسنده، وعلى كل حال الخلاف في صحابي سواء كان هذا أو ذاك ولا يضر مثل هذا الاختلاف، يعني إذا لم نستطع أن نعين رفاعة بن رافع، يعني إذا قصرنا به إلى هذا الحد يتعين أن يكون الأنصاري الزرقي؛ لأنه صحابي، وأما رفاعة بن رافع بن خديج فتابعي، يروي عن أبيه، وإذا قيل: عن رفاعة بن رافع عن أبيه فالمقصود به رافع بن خديج، وهو هكذا في أكثر المصادر، كما أشار إلى ذلك الحافظ في التلخيص وغيره. "أن البني -صلى الله عليه وسلم- سئل أي الكسب أطيب؟ " السائل وغير السائل يعرفون أن الكسب لا بد منه، وعندنا كسب واكتساب، فإذا كان الكسب لا بد منه فيُسأل عن أطيب أنواعه، الكسب لا بد منه؛ لتتم عمارة الأرض، ويبقى النوع، لكن هذه المكاسب متفاوتة، منها الفاضل، ومنها المفضول، ومنها الطيب، ومنها الأقل، والسؤال عن المكاسب الطيبة، أي الكسب أطيب؟ لأن هنا أفعل تفضيل، فالمراد السؤال عن المكاسب الطيبة، لكن يراد أطيب هذه المكاسب الطيبة، والفرق بين الكسب والاكتساب أن الكسب في ما ينفع الإنسان، والاكتساب فيما يضره، ولذا جاء في قوله -جل وعلا-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [(286) سورة البقرة] أي الكسب أطيب؟ قال -عليه الصلاة والسلام- مجيباً عن السؤال: ((عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور)) "عمل الرجل" التصريح بالرجل قيد مؤثر أو لا تأثير له فالمرأة مثله؟ نعم؟ يعني التنصيص على الرجل لا شك أن له دلالة، وهو أن الأصل في الأعمال الرجال، لكن إن احتاجت المرأة إلى الكسب في حدود ما يبيحه الشرع لها دخلت في الحديث، الأصل أن الكسب من أعمال الرجال، والعمل من مهام الرجال، وإن احتاجت المرأة لعدم وجود من يمونها تعمل، وإذا عملت في حدود ما يباح لها من أعمال، وأمنت منها(74/7)
وعليها الفتنة فلا بأس أن تعمل بيدها، ويكون عملها خير لها.
((عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور)) "عمل الرجل بيده" وهذا يشمل الحرف سواء كانت زراعة، ويرجحها جمع من أهل العلم، أو صناعة وهي مرجحة عند فريق من العلماء، وهي مهنة داود -عليه السلام-، وغيرها من الأعمال، والنظر في المفاضلة بين هذه الأعمال من وجوه منها:
ما يتعلق بالعمال من صدق وإخلاص في نيته، في نفع نفسه ونفع غيره، في الأعمال المتعدية، يعني إذا كان الإنسان مزارع يأكل من كسب يده، وينوي بذلك التعفف عن السؤال، ونفع الآخرين، ويحتسب ما يفوت عليه من زراعته مما يأكله كل صاحب كبدٍ رطبة، هذا من أفضل المكاسب، الصناعة إذا كان يصنع بنية صالحة خالصة يعف نفسه عن تكفف الناس، ويصنع للناس ما يفيدهم وينفعهم هذا أيضاً من أفضل الأعمال، وقل مثل هذا في سائر الحرف، إلا ما جاء في وصفها أنها حرف دنيئة ووضيعة وخبيثة، الجزارة عمل الرجل بيده، ولكن باعتبار الجزار قد يلابس شيء من النجاسات أو غيرها صارت أوضع من غيرها، الحجامة كذلك، ومعنى كون كسب الحجام خبيث هل معنى أنه محرم فيدخل في قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] نعم؟ أو لا؟ ليس بمحرم وإنما مرتبته أقل ومنزلته دون؟ كما في قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] الخبيث هذا محرم؟ يعني لو كان عندك طعام جيد وطعام أقل نعم رديء جداً مثلاً فيه سوس، لكن يوجد من ينظفه ويأكله، ويحتاج إليه أنت مأجور على التصدق به، لكن هو في مقابل الصدقة بالطيب دون، ولا يعني هذا أنه محرم، ما دام ينتفع به إنسان أو حيوان.
((عمل الرجل بيده)) عرفنا أن من أهل العلم من رجح الزراعة، ومنهم من رجح الصناعة، ومنهم من رجح حرف أخرى حسب انتفاع الناس بها، وما ورد فيها من نصوص، والذي رجحه ابن القيم والحافظ ابن حجر أن أفضل المكاسب الغنائم، وهي كسب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ((وجعل رزقي تحت ظل رمحي)) ولما في ذلك من إعلاء الدين وشأنه.(74/8)
المقصود أن المسألة وتفاضل الأعمال إنما يكون بحسب ما يقر في قلب العبد، وبحسب حاجة الناس إلى هذا العمل، لو قيل: إن الزراعة أفضل الأعمال فاتجه الناس كلهم إلى الزراعة، وأهملوا الجوانب الأخرى، وفاض المنتوج الزراعي، وزاد عن الحاجة، والناس بحاجة إلى أمور أخرى، عطلت أمور أخرى، نقول: هذه الأمور الأخرى أفضل من الزراعة؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، وهذه الجملة تستعمل في كل العلوم، الناس بحاجة ماسة إلى من يعلمهم ويوجههم ويرشدهم ويبصرهم بما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم، ولو بالأجرة، وإذا احتيج إلى مثل هذا فهذا العمل من أفضل الأعمال، وعلى كل حال المسألة ليس فيها قول فصل، وإنما تتفاوت هذه الأعمال بحسب ما يقر في قلب العامل، وبحسب ما يُحتاج إليه من الأعمال.
((وكل بيع مبرور)) خالص من شوائب الغش والخداع والتدليس، والعقود المحرمة، والأيمان الفاجرة لتنفيق السلع، هذا أيضاً من أنفع ومن أفضل الأعمال، وأطيب المكاسب، لكن على من يزاول هذه المهنة والتجارة والبيع والشراء أن يتعلم ما يصحح هذه العقود، لئلا يقع في معاملة يظنها صحيحة وهي في حقيقة الأمر ليست بصحيحة، وعليه أيضاً أن يتحلى بالورع، وأن يجتنب الشبهات، وكان الناس إلى عهد قريب يحرجون من يفتيهم بإقناعهم عن وجه الحل، إذا سألوا عن معاملة فقال المفتي: حلال هم بحاجة إلى من يقنعهم بوجه الحل اتقاءً للشبهة، والآن مع ما وجد في أسواق المسلمين وغير المسلمين من باب أولى من انسعار ولهث وراء الدنيا تجد المستفتي إذا سأل عن مسألة قيل له: حرام قال: أقنعني أنها حرام، والسبب في هذا وجود من يتساهل في أمر الإفتاء، والله المستعان.
فعلى الإنسان أن يتقي الشبهات فضلاً عن المحرمات، لا يجوز للمسلم أن يقدم على معاملة محرمة بحال، ولو فتح له الشيطان أبواب، وقال له: تتخلص منها، هذه نسبة يسيرة، أقدم عليها ثم تخلص منها، أبداً، لا يجوز الإقدام على المحرم، لكن إذا أقدم على شيء يجزم بإباحته أو يغلب على الظن إباحته، ثم تبين له فيما بعد أنه لحقه شيء من الشبهات، أو شيء مما لا يجوز في معاملته يتخلص منه لا بأس، وفرق بين هذا وهذا، فرق بين من يقدم على المعاملة المحرمة ولو كانت نسبتها يسيرة، وفرق بين يلحقه شيء من الشبهة أو شيء من المحرم من غير قصد، ثم يتخلص منه، فلا بد من ملاحظة هذا.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(74/9)
بلوغ المرام - كتاب البيوع (2)
تابع: باب شروطه وما نهي عنه منه
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا يقول: أنا شاب أعمل في شركة (أرامكو) وأعمل بيدي على إخراج النفط الذي يستفيد منه المسلمين وأعف نفسي فهل داخل في الصناعة؟
هو داخل في عمل اليد، هذا داخل في عمل اليد، إذا أدي على الوجه المرضي الذي ينفع الله به الأمة، لا شك أنه داخل في عمل اليد وكسب اليد.
هذا يقول: هل تنصحون باعتماد كتاب: (البدر التمام شرح بلوغ المرام) للحسين بن محمد المغربي بدلاً من سبل السلام؟
أولاً: سبل السلام مختصر من هذا الكتاب، فسبل السلام أصله البدر التمام، واختصره الصنعاني، واقتصر منه على ما يُحتاج إليه، وأما الأصل ففيه جمع طيب، وفيه استطرادات؛ لأنه معتمِد على كتب معينة، إذا كان الحديث في البخاري نقل من فتح الباري، وأفاض في النقل منه، وإذا كان في مسلم نقل كل ما ذكره النووي وهكذا، وفي الحكم على الأحاديث ينقل ما يقوله الحافظ في التخليص بتمامه، ففيه استطرادات كثيرة لا يحتاجها طالب العلم، وللصنعاني أيضاً توجيهات في كتابه لا يستغني عنها طالب العلم.
وعلى كل حال من أراد أن يجمع بين هذا وذاك فطيب؛ لأن الاعتماد على اختصار الغير يفوت على طالب العلم الشيء الكثير، الصنعاني من وجهة نظره أن ما تركه ليس مهماً بالنسبة لطالب العلم، لكن قد يكون ترك أشياء طالب العلم في غاية الأهمية، ولذا نصيحتنا لطلاب العلم ألا يعتمدوا على المختصرات، وأن يختصروا لأنفسهم.(75/1)
ذكرنا في مناسبات كثيرة أن طالب العلم إذا تأهل لهذا الأمر، واتجه إلى المختصرات يرجع إلى الأصول ويختصره بنفسه، فلو مثلاًَ عمد إلى صحيح البخاري، والكتاب مخدوم تذكر فيه أطراف الأحاديث فإذا قرأ الحديث الأول راجعه في جميع المواضع التي ذكره البخاري فيها، واقتصر بأوفى هذه الروايات، واطلع على الروايات الأخرى، وأثبت التراجم التي ترجم بها البخاري على هذا الحديث التي هي فقه الإمام البخاري، بل فقه أهل الحديث كم يستفيد من فائدة في عمله هذا؟! افترض أن صحيح البخاري يحتاج لمدة سنة ليختصر على هذه الطريقة، الحديث الأول خرجه البخاري في سبعة مواضع، يرجع إلى هذه المواضع السبعة، وينظر في تراجم البخاري عليها، وينظر في اختلاف المتون والأسانيد، وما ذكره البخاري وما سطره من أقوال الصحابة والتابعين حول هذا الحديث، وبيان هذه الترجمة، ثم بعد ذلك يقتصر على أوفاها، والحديث الثاني كذلك، والثالث كذالك، والرابع ... إلى آخر الكتاب، وطالب العلم قل: يحتاج إلى سنة لينهي الكتاب على هذه الطريقة، فيستفيد فوائد أعظم من قراءته للمختصر مائة مرة؛ ليكون علمه بما حُذف كعلمه بما أثبت، أما أن يعتمد على اختصار الناس واجتهادات الآخرين فقد يفوته شيء هو من وجهة نظر المختصِر ليس بمهم، وهو في الحقيقة في غاية الأهمية، وضربنا أمثلة على هذا في المقارنة بين الأصول والمختصرات، لو أن شخصاً أراد أن يقرأ في كتاب الرقاق من صحيح البخاري رأى العجب فيما يقرب من مائتي حديث ومائة وخمسين ترجمة، هي من أنفس ما يستنبط من هذه الأحاديث، لكن لو رجع إلى المختصر وجد عشرة أحاديث بدون تراجم، كيف يتصور الكتاب تصور كامل وقد اعتمد على المختصر؟ المختصِر ما حذف من المتون المرفوعة المسندة شيء، إنما اكتفى ببعضها دون بعض، وإذا مر عليه الحديث في كتاب العلم لم يعده في كتاب الرقاق، فصار هذا خلل في التصنيف، البخاري له مقصد من التكرر، التكرار في غاية الأهمية لطالب العلم، ولتعلموا أن البخاري -رحمه الله تعالى- لا يكرر الحديث في موضعين بسنده ومتنه دون فائدة زائدة إلا نادراً يعني في نحو عشرين موضع فقط، وأما في بقية المواضع التي هي يعني المكرر مثل غير المكرر، يعني(75/2)
إذا افترضنا أن الكتاب سبعة آلاف وخمسمائة حديث، المكرر خمسة آلاف، لكن هذه المكررات لا يحتاجها طالب العلم؟ استنباط البخاري من هذا الحديث في مواضع متعددة لا يحتاجه طالب العلم؟ هو في أمس الحاجة إليه، أقاويل الصحابة والتابعين سلف هذه الأمة فقههم وعلمهم حذفه المختصرون، كم يخسر طالب العلم بهذه الطريقة؟! فأقول: طالب العلم إذا احتاج إلى مختصر يختصر بنفسه، ولا يظن أن هذا التكرار تضييع للوقت، يعني بدلاً من أن يقرأ الكتاب في سنة يقرأ المختصر في شهر، وأين تبي تروح إذا انتهيت من البخاري؟ تبي تروح لمسلم، مسلم فيه أحاديث موجودة في البخاري، بعد تقول: أقتصر على الزوائد؟ افعل في مسلم مثلما فعلت في البخاري، ثم افعل في سنن أبي داود مثلما فعلت في الصحيحين وهكذا، اختصر لنفسك، ثم انظر ما تتفق عليه هذه الكتب، واقتصر على أوفاها، وبذلك إذا أنهيت هذه الكتب ولتأخذ عليك خمس سنين ويش المانع؟ وإيش أنت عجلان عليه؟ تضبط الكتب الستة ضبط وإتقان في خمس سنوات، والعمر يضيع بالتسويف، اليوم أقرأ، غداً أقرأ، الكتاب هذا أولى وذاك أولى، الأصول أسست على تقوى، ولا نقدح في الفرع والمختصرات، لكن من يقارن يرى الفرق، الذي يقارن بين هذه المختصرات وأصولها يرى الفرق كبير.
يقول: ما أفضل طبعات الكتب التالية: (تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة؟
طبعة السيد أحمد صقر جيدة.
وتأويل مشكل الحديث؟
هناك تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، وهناك مشكل الحديث لابن فورك، إن كان يريد ابن قتيبة، وهو مطبوع طبعة قديمة لا بأس بها جيدة، ثم أعيد طبعه ثانية أظن زهري النجار أعاد طبعه، وإن كان يريد مشكل الحديث لابن فورك فليقرأ فيه على حذر تام.
الروض المربع؟
الروض المربع طبع أخيراً بتحقيق ثلة من المشايخ، تولى بعضهم مقابلة النسخ، وبعضهم توثيق النصوص، وبعضهم تخريج الأحاديث، وخرج منه الآن سبعة مجلدات، هذه طبعة نفيسة.
منار السبيل؟
فيه طباعات كثيرة، لكن منها طبعة المكتبة الإسلامية التي فيها خلاصة أحكام الشيخ الألباني في مجلد واحد.
أحكام أهل الذمة؟
هذا لم يطبع إلا مرة واحدة، طبعه صبحي الصالح طبعة جيدة.
الخراج لأبي يوسف؟
الطبعة السلفية طبعة طيبة.(75/3)
يقول: ما رأيكم فيمن يقول: إن النظام المالي الإسلامي قائم على المقايضة، وأن النظام النقدي غير إسلامي، سواء كان القائل ممن يستدل بهذا على إباحة الفوائد الربوية أو كان القائل يقول هذا تمسكاً بالطرق القديمة للبيوع؟
لا شك أن الأصل في البيوع أن الإنسان ما يستبدل مال بمال، نقد بنقد إلا إذا احتجاج لمثل هذا فيما يسمى بالصرف، وجُل العقود مبنية على سلع يحتاجها الناس بأيدي غيرهم يبذلون لنيلها الأموال من النقود، من الذهب والفضة، هذا الأصل، لكن إذا احتاج الشخص إلى أن يفك ما معه من عملة كبرى بعملة صغرى واحتاج إلى صرفها هذا .. ، الذهب بالذهب جائز بالشرط الشرعي: مثلاً بمثل، يداً بيد.
يقول: نرجو رفع الصوت حيث أننا نعاني من وضح الصوت؟
كيف تعاني من وضح الصوت أو من عدمه؟ من عدم وضوح الصوت، على كل حال احرص على أنك تكون أقرب إلى هذا الآلات المكبرة، وتسمع -إن شاء الله تعالى-، وبدوري أيضاً أنا هذه الآلات نقربها شوي.
يقول: إذا كان الشخص يعمل في مجال الهندسة بتنفيذ المشاريع وتقدم إليه عروض أسعار لبعض الأعمال من مقاول من مقاولي الباطن -ما أدري من هم؟ - فهل يحق له لكي يتحصل على أفضل سعر أن يقوم بكشف أسعار المقاولين لبعضهم البعض؟
الآن الأسعار تقدم إليه من باب المنافسة بين هذه المؤسسات، وإذا كانت تقدم إليه وهو صاحب الشأن فما قدمت إليه إلا لينظر فيها، ويقرر ما يختاره منها، إذا كان هو صاحب الشأن، أما إذا كان له أنيط به مجرد التخطيط، وتقرير رسو المناقصات لغيره فهذا ليس من شأنه.
يقول: هل من كلمة في احترام المساجد، وإبعاد ما يظنه البعض فيه مصلحة من الوسائل التعليمية باسم الإبداع وخدمة العلم؟
كتب أسماء أعجمية ما أدري كيف أنطقها؟ المقصود أنه يقول: إن هناك وسائل تعليمية وقد صليت خلف إمام في صلاة التراويح يقرأ من شاشة ويقلب الصفحة بالريمنت ويصلي هنا في الدمام؟(75/4)
على كل حال كل هذا الأمور محدثات، ولا يباح منها إلا ما احتيج إليه، حتى هذا المكبرات الأصل فيها العدم؛ لأن استعمالها في عبادة على خلاف الأصل، لكن لما كثر الناس، وكثرت الحشود في المساجد، واحتيج إليها، وأفتى أهل العلم بجوازها، والقاعدة أن الحاجة تقدر بقدرها، فلا يزاد فيها على قد الحاجة فإذا كان يكفي مكبر واحد يكتفي به، إذا كان لا يسمع الصوت إذا ركع الإمام واحتجنا إلى ثاني نضع ثاني، إذا كان إذا سجد لا يسمع المأموم صوته فيضطر إلى أن يجتهد بما يبطل عبادته هنا أيضاً يحتاج إلى ثالث، فالحاجة تقدر بقدرها، أما القدر الزائد على ذلك من لوحات، ومن آلات، إضافة إلى أنه أدخل في المساجد كمرات التصوير وغيرها، هذه كله على خلاف الأصل، ومن يقول بها ويفتي بها إذا كان ممن تبرأ الذمة بتقليده يتحمل المسؤولية، لكن يبقى أن الأصل المنع في هذه كلها.
وأما ما ذكره من أنه صلى خلف إمام يقرأ من شاشة فهذه مشكلة، اليوم يقرأ من شاشة، وغداً يترك المسجل يصلي بالناس بعد، لأن خطوات الشيطان لا تنتهي، والله المستعان.
يقول: ما حكم الاشتراك في بطاقة (سوا) يقولون: ادفع ثمانية آلاف وخمسمائة، وندفع لك كل أسبوع ألف ريال لمدة ثلاثة أشهر؟
هذه البطاقة هي مجرد وسيلة للتحايل على أن تكون الثمانية آلاف بتسعة آلاف وخمسمائة في الشهر الأول، بعشرة آلاف وخمسمائة في الشهر الثاني، فهي مال بمال، والبطاقة هي لمجرد التحايل على هذا المال، وهذا هو الربح المضمون الذي يمنعه أهل العلم.
يقول: أخذ ولدي البالغ عمره خمسة عشر سنة سيارتي بدون إذني، ثم قادها وتسبب في إيقاع حادث أوقع ضرر بالغاً بإيش؟ المقصود: أنه أموال تقدر ما بين أربعة آلاف إلى ستة آلاف ريال، ولكن لأنني مدرس ولا استطيع دفع هذا المبلغ، وأنا غير مؤمن على السيارة، والسائق أراد مساعدتي فأحضر شاباً يعرفه لديه بطاقة تأمين وادعى أنه هو المتسبب في الحادث فتحملت شركة التأمين قيمة أضرار السيارة الأخرى، فماذا علي أنا والد ذلك الشاب، خاصة أنني مدين الآن بمبلغ ثلاثين ألف ريال؟(75/5)
عليك أن تعيد هذا المبلغ للشركة؛ لأنك لا تستحقه، عليك أن تعيده، وبدلاً من أن تكون مدين بثلاثين ألف تكون مدين بخمسة وثلاثين ألف، ولا مانع من ذلك.
هذا يسأل عن الطريقة المثلى للحفظ؟
هذه شرحناها في مناسبات كثيرة، وهي موجودة مسجلة في أشرطة يرجع إليها.
يقول: إنني قد أخذت بعض الملازم والكتب التي يبذل فيها بعض جماعات الدعوة إلى اعتقادهم الباطل، فهل يحق لي بأن لا أردها إليهم؟
على كل حال هذه الكتب، وهذه المذكرات، وهذه الملازم التي تذكر إن ضررها بالغ بحيث يخشى على المسلمين منها، وعلى ناشئتهم فمثل هذه تتلف، وليس لها حرمة، وقد أفتى أهل العلم بإتلاف الكتب الضارة، وأنها غير مضمونة، وإن كان المخالفة فيها يسيرة محتملة فاليسير مغمور، ولا يخلو كتاب سواء كان من كتب التفسير إلا نادراً، أو الشروح، أو غيرهم من الكتب من المخالفات اليسيرة التي هي مغمورة في بحار الفوائد، نترك بقية الأسئلة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحديث الثاني:
وقد قرأ بالأمس، حديث جابر، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عام الفتح وهو بمكة".(75/6)
"يقول عام الفتح" الفتح في رمضان سنة ثمان من الهجرة "وهو بمكة" أثناء وجوده بمكة -عليه الصلاة والسلام-، والجملة حالية؛ لأن العام يطلق على جميعه من محرم إلى ذي الحجة، ومعلوم أنه لم يدخل مكة إلا في رمضان، ويصدق على الأشهر التي تقدمت هذا الشهر أنها عام الفتح، يعني لو كان هذا القول في رجب أو في جمادى أو في صفر مثلاً هي من عام الفتح؛ لأن عام الفتح سنة ثمان، لكن حدد المراد بقوله: "وهو بمكة"، ويستفاد من هذا الكلام "عام الفتح وهو بمكة" التاريخ، تاريخ الخبر، من أجل معرفة الناسخ والمنسوخ، فلو جاء ما يعارضه مما هو قبل وقت الفتح وهو بمكة، قلنا: إن هذا الحديث ناسخ له، وإذا جاء بعده ما يعارضه قلنا: إن المتأخر ينسخ المتقدم، فمعرفة تواريخ المتون في غاية الأهمية، معرفة تواريخ المتون مهمة جداً؛ ليتوصل بذلك عند التعارض إلى .. وعدم إمكان الجمع إلى القول بأن المتأخر ينسخ المتقدم، فإذا لم نعرف المتقدم من المتأخر وقعنا في حيرة إذا لم نستطع أن نوفق بين النصوص، ولزمنا أن نتوقف، وهنا حدد وقت وتاريخ الخبر.(75/7)
((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر)) الضمير في حرم مفرد ويعود إلى ما تقدم، وما تقدم مفرد وإلا مثنى؟ اثنان وإلا واحد؟ اثنان، فالأصل أن يقال: إن الله ورسوله حرما كما تقدم في حديث: ((إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية)) وهذا تقدم هذا الأصل، لكن إذا لم يُذكر إلا واحد، يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((إن الله ورسوله حرم)) قلنا: إن الأصل أن الضمير ما دام يعود إلى أكثر من واحد، يعني يطابق ما يعود إليه، فإن كان يعود إلى اثنين ثني الضمير، وإن كان يعود إلى أكثر جمع الضمير، وهنا حقه أن يقال: "إن الله ورسوله حرما" وتقدم الحديث الذي أشرنا إليه: ((إن الله ورسوله ينهيانكم)) والتثنية وضم ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ضمير الله -جل وعلا- جاء ذمه في قوله -عليه الصلاة والسلام- للخطيب لما قال: "ومن يعصهما فقد غوى" فقال له -عليه الصلاة والسلام-: ((بئس خطيب القوم أنت)) والحديث في مسلم، وسبق الحديث عن الجمع بين هذا الحديث وبين قوله: ((ينهيانكم)) وأنه بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- يجوز له أن يجمع ضميره إلى ضمير الله -جل وعلا-؛ لأنه لا يتصور منه -عليه الصلاة والسلام- التسوية بينه وبين ربه -جل وعلا-، بينما غيره لجهله أو لعدم معرفته بعظم ربه -جل وعلا-، قد يتصور منه ذلك، فاستدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- وذمه لذلك، ومنهم من يقول: إن مقام الخطابة يحتاج إلى بسط وإيضاح وجمع الضمير خلاف ذلك، بخلاف غير الخطابة، فلا يمنع من جمع الضمائر لاختصار الكلام.(75/8)
المقصود أن المعارضة بين قوله: ((ينهيانكم)) وبين قوله: "ومن يعصهما" وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بئس خطيب القوم أنت)) ظاهرة؛ لأنه جمع -عليه الصلاة والسلام-، فإما أن يقال: إن له أن يفعل ذلك -عليه الصلاة والسلام- دون غيره وهذا وجيه؛ لأنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم الناس بربه، وأتقاهم وأخشاهم له، بينما غيره ليس بهذه المنزلة، والدليل على ذلك أنه وجد في الأمة من ينتسب إلى الأمة المحمدية من جعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنزلة الله -جل وعلا-، وصرف له جميع حقوق الرب -عز وجل-، وجد، فلا يمنع من أن يتطرق إلى ذهن المتكلم مثل هذا الأمر، ومثل هذا إذا وجد مثل هذا الاحتمال تحسم المادة، بينما النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أعلم الناس بربه وأتقاهم وأخشاهم له لا يمنع من أن يجمع ضميره إلى ضمير الله -جل وعلا-، وإذا قيل بالقول الثاني أن الخطابة تحتاج إلى بسط له وجه أيضاً، وهو مرجح عند جمع من أهل العلم.
((إن الله ورسوله حرم)) معروف في الأعراب (إن) حرف توكيد ونصب، واسم الجلالة لفظ (الله) -جل وعلا- اسمها منصوب، والواو عاطفة، ورسوله معطوف عليه منصوب، وحرّم فعل وفاعل، والمفعول بيع الخمر، والجملة من الفعل والفاعل وما بعده خبر (إن)، وهذا من باب الاكتفاء وإلا فالأصل أن يقال: إن الله حرم ورسوله حرم.
(نحن بما عندنا وأنت ما عندك راضٍ)
التقدير نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راضٍ، فاكتفي بأحدهما عن الآخر لعدم اللبس، وجاء في بعض الطرق: ((إن الله حرم)) دون عطف للرسول -عليه الصلاة والسلام- عليه، وفي بعض الروايات وهي في غير الصحيحين: ((إن الله ورسوله حرما)).
((بيع الخمر)) الخمر كل ما خامر العقل وغطاه من أي مادة كان، كل ما يخامر العقل ويغطيه خمر عند جمهور العلماء، وعند الحنفية لا يطلق الخمر حقيقة إلا على ما اعتصر من العنب فقط، والجمهور على أن كل مسكر خمر، كل ما يغطي العقل خمر، والمرجح في هذا قول الجمهور؛ لأن الآيات نزلت في تحريم الخمر بالمدنية، وليس فيها إلا التمر، ليس فيها عنب، فدل على أن الخمر يطلق على ما يعتصر من العنب، وعلى ما يعتصر ويستخلص من غيره حقيقة، وهذا قول الجمهور.(75/9)
((بيع الخمر والميتة)) الميتة: ما مات وفارقت روحه جسده بغير ذكاة شرعية، والخنزير: الحيوان الخبيث النجس الرجس المعروف، مادته رباعية خنزر فهو خنزير، ومنه من يقول: ثلاثية من خزر، إذا أطبق جفنه الأعلى على الأسفل، وضيق نظره، إذا أراد أن يحدد النظر -هذا مجرب- يضيق العين، نعم، حتى الإنسان يفعل هذا، قالوا: خزر عينه إذا ضيقها لتحديد نظر البعيد أو الشيء الدقيق، نعم؟ والخنزير يفعل هذا، وهو معروف، والأصنام: ما يعبد من دون الله كالأوثان، ومنهم من يفرق بين الصنم والوثن بأن الصنم ما كان على صورة، والوثن: ما لم يصور على هيئة، ومنهم من يقول: الوثن ما كان مادته من الحجارة، والصنم ما كان من غيرها، المقصود أنه معروف مما يعبد من دون الله -جل وعلا-، يصور على هيئة فيكون صنماً، وعلى هذا لا يجوز بيع الخمر، لا يجوز بيعه مهما كان المبرر لشرائه، لو شخص عنده إناء خمر الواجب عليه إراقته، لكن قبل أن يريقه جاءه شخص قال: أنا أريد أن أطفأ به نار بعه علي هذه منفعة، إطفاء النار به منفعة، هل نقول: ما دام هذه العين تنفع يجوز بيعها؟ لا يجوز بيعها، "إن الله حرم بيع الخمر" فالمتعين إراقتها ولا يجوز تخليلها، يعني تحويلها من خمر إلى خل لا يجوز؛ لتنقلب عينها من ضارة إلى نافعة، ومن نجسة -عند الجمهور- إلى طاهرة بالاستحالة، لا يجوز تخليلها، وإن تخللت بنفسها جاز الانتفاع بها خلاً، لكن لا يجوز حبسها حتى تخلل بنفسها، بل الواجب المبادرة والمسارعة والمسابقة إلى إراقتها.
((إن الله ورسوله حرم بيع الخمر)) ولا يجوز بيعها لا لمسلم ولا لذمي ولا لغيرهم؛ لأن الله -جل وعلا- إذا حرم شيء حرم ثمنه، وهنا يُحرم بيعها بالنص على أي وجه كانت، ما تقول: والله هذا النصراني أو هذا اليهودي شارب شارب، شارب الخمر شارب من عندي وإلا من عند غيري، هذا ما مبرر، أنت بهذا تأكل الحرام؛ لأن الله حرم البيع في هذه الحالة.
((والميتة)) وهي ما فارقت روحها جسدها لا بذكاة شرعية فلا يجوز بيعها؛ لأنها نجسة، والعلة أيضاً عند الجمهور في منع بيع الخمر النجاسة، جماهير أهل العلم على نجاستها، وإن كان الدليل لا ينهض على القول بنجاستها إلا أنه قول جمهور أهل العلم.(75/10)