أما حديث "ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) أخرجه أبو داود, وصححه ابن حبان" وعلقه البخاري موقوفاً على ابن عباس مجزوماً به، المقصود أن الحديث صحيح ((ما أمرت بتشييد المساجد)) المعنى العرفي للتشييد هو رفع البناء، المعنى العرفي الناس يقولون: شيد بناء يعني رفعه، لكن المقصود تزيينه بالشيد وهو الجص، وفي حكمه الألوان التي تستعمل في البنايات سواءً كانت المساجد وغير المساجد، فما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بتشييد المساجد لا برفعها، وقد كان مسجده -عليه الصلاة والسلام- باللبن والطين والجريد، وأعمدته من جذوع النخل، وارتفاعه تمسه اليد، هذا المسجد، يكن من الحر والقر، أما أن يجعل المسجد متحف كما هو واقع بعض مساجد المسلمين فهذا مما لم يؤمر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحديث ظاهر في المنع من التشييد والرفع والزخرفة، ابن عباس يقول: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى" وله حكم الرفع، وقد حصل، والسبب في ذلك أنها تشغل المصلي، تشغل المصلي، وتأخذ بلبه وقلبه وعقله عما هو بصدده من إقبال على ربه -عز وجل-.(25/15)
مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كان على عهده مبني باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، لم يزد فيه، أبو بكر -رضي الله عنه- ما زاد فيه شيئاً، زاد فيه عمر وبناه بنفس المواد التي بني به في عهده -عليه الصلاة والسلام-، عثمان -رضي الله عنه- وسع المسجد، لكنه أدخل عليه بعض التحسينات التي يقول أهل العلم: إنها لا تدخل في حيز المنهي عنه، لما كانت أمور المسلمين ماشية على هذه الوتيرة من بساطة في أمور الدنيا؛ لأنها ممر ومعبر إلى الآخرة كانت أمورهم متيسرة، المسجد يمكن أن يقام في أسبوع بدلاً من أن ينتظر الناس يصلون في مسجد مؤقت لمدة سنة أو سنتين، البيت يقف المسلم عند باب المسجد ويطلب الإعانة لبنة وطين وينتهي، ما يبي شي، أقل من أسبوع، ابن عمر بنى بيته بنفسه، هو الذي بناه، هنا يحتاج المسلم ليسكن مسكن متوسط في عرف الناس أن يموت وهو مدين بسببه، هذه مشكلة إذا نظرنا إلى الدنيا ومتاع الدنيا إلى أنه هو الهدف، نعم على الإنسان أن يسعى فيما يعينه على أمور الآخرة، ومما يعينه على أمور الآخرة البيت المريح، لكن ليس معنى هذا أن يرهن ذمته، ويأخذ أموال الناس من أجل أن يشيد بها مسكن فوق حاجته، نعم.
"وعن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد)) رواه أبو داود والترمذي واستغربه, وصححه ابن خزيمة".(25/16)
أنس -رضي الله عنه- يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد)) " لا شك أن تنظيف المسجد دلت أحاديث البصاق وما في معناها دل مفهومها على أن التنظيف لما كان التلويث خطيئة التنظيف حسنة، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ببناء المساجد في الدور، وأمر أن تنظف وتطيب، فتنظيفها مطلوب، لكن حديث الباب ضعيف، ضعيف، فالقذاة تطلق على أدنى شيء يلوث المسجد حتى قال أهل العلم أن المعتكف إذا أراد أن يقلم أظافره فليخرج من المسجد؛ لئلا يسقط من أظافره شيء يقع في المسجد وهو لا يشعر به، فالمسجد هو بيت الله، ينبغي أن يعمل فيه ما يناسب وضعه باعتباره بيت الله من التقدير والاحترام على ما تقدم في أحاديث كثيرة، وتقدم لنا أنه ما دام تلويث المسجد بالأمور الطاهرة خطيئة فضلاً عن الأمور المحرمة فتنظيفه من هذه الأمور لا شك أنه قربة وطاعة وعليه الأجر العظيم، وجاء في الخبر أن تنظيف المساجد مهور الحور العين، جاء فيه وإن كان فيه ما فيه، وحديث الباب ضعيف، نعم.
"وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه".
نعم ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هذه تحية المسجد، تحية المسجد، وجماهير أهل العلم على أن التحية سنة، وقال أهل الظاهر بوجوبها، ذكر أهل العلم من الصوارف حديث الثلاثة الذين دخلوا والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعظ أصحابه، وحديث: ((من دخل والإمام يخطب)) المقصود أن أهل العلم صرفوا مثل هذا من الوجوب إلى الاستحباب، وعامة أهل العلم على أن ركعتي تحية المسجد سنة، وهي مربوطة بسبب وهو دخول المسجد، سببها دخول المسجد.(25/17)
الرجل الذي دخل وتخطى الرقاب يوم الجمعة قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اجلس فقد آذيت)) فلم يأمره بصلاتهما، والاحتمال قائم أنه صلاهما في آخر المسجد، ورآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليهما ثم قام وتخطى رقاب الناس، ولذا دخل أبو ذر المسجد فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ركعت ركعتين؟ )) قال: لا، قال: ((قم فاركعهما)) المقصود أن هذه الصلاة من آكد الصلوات تحية المسجد، في الأوقات المطلقة لا يختلفون في المشروعية في الأوقات المطلقة، أما في أوقات النهي فعندنا ما يسمى بذوات الأسباب كتحية المسجد، وركعتي الطواف وركعتي الوضوء وغير ذلك، وعندنا أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى طلوع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وحديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وبين هذه الأحاديث -أعني أحاديث ذوات الأسباب- والأمر بهذه الصلوات عند حصول أسبابها وبين النهي في هذه الأوقات، وكلام أهل العلم طويل، لكن خلاصته أن الحنفية والمالكية والحنابلة يرون أنه لا يصلى شيء من هذه الصلوات في هذه الأوقات، ويجعلون أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة، والخاص مقدم على العام، يقابلهم الشافعية الذين يرون أن هذه الصلوات المربوطة بالأسباب تفعل في أوقات النهي، ويقولون: إن أحاديث النهي عامة وهذه الأحاديث الواردة في الصلوات ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، أحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات.
الطرف الآخر الأئمة الثلاثة يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات فما الذي يرجح؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أو لأن شيخ الإسلام قال به، وإذا قالت حذام فصدقوها، ونهدر أئمة أئمة الإسلام ثلاثة، مع أتباعهم اثنا عشر قرن أو ثلاثة عشر قرن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(25/18)
طيب، كونه صلى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح قضاءً ويش اللي يعمل؟ يعني هل له أن يصلي غير هاتين الركعتين؟ إحنا نقول: ما زلنا بصدد تقرير الاستدلال من هذه الأحاديث لهؤلاء الأئمة، يعني إذا قال من يقول بأن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي لأن أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، الخاص مقدم على العام، يقال له: سواءً بسواء، أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، إذا دخلت المسجد صلِ ركعتين في أي وقت من الأوقات، لكن هذه الأوقات المنصوص عليها خاصة، لا تصلي في هذه الأوقات، يعني القولان كفرسي رهان بالنسبة للأدلة، والصواب أنه ليس العموم والخصوص بين هذه النصوص مطلق، هو عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، فأحاديث النهي عامة من وجه عامة في جميع الصلوات خاصة بالأوقات، عامة في جميع الصلوات خاصة بالأوقات والعكس أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات خاصة في هذه الصلوات، إذا وجد عندنا التعارض من هذا النوع عموم وخصوص وجهي، وهذا أصعب أنواع العموم والخصوص، فنحتاج حينئذٍ إلى إيش؟ مرجح خارجي، نحتاج إلى مرجح خارجي، نحتاج إلى مرجح خارجي، ما المرجح الخارجي؟ عندنا من باب التنظير وإن كان الوقت ضاق، وإن أردتم أن نبدأ بالمسألة في بداية الدرس القادم لتكون أنشط شوي فلا بأس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والوقت معنا الآن، خليها في البداية بدل الإجابة على الأسئلة؛ لأن المسألة في غاية الأهمية، وإن كنا تعرضنا لها في دروس كثيرة منها في هذه الدورات، لكن لا يمنع من إعادتها ...(25/19)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (12)
شرح: باب صفة الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا سؤال مهم يقول: كيف يرد لمن قال لعالم جليل من علماء الزمان ضعف حديثاً في رياض الصالحين أو غيره: هل أنت أعلم من النووي أو غيره؟
المسألة ليست مسألة عالم وأعلم، المسألة إصابة حق، ولا يفترض في أي عالم مهما كانت مرتبته ومنزلته في العلم أن يكون مصيباً في كل ما يقول، بل العلماء الأئمة الكبار المجتهدون يصيبون ويخطئون، وهم حسبهم أن يبذلوا الجهد ويستفرغوا الوسع لينالوا الأجور من الله -عز وجل- أصابوا أم أخطئوا، فإذا أصابوا ثبت لهم الأجران، وإن أخطئوا لهم أجر واحد، ولا يعني أن كون فلان أعلم من فلان أن يكون أعلم منه جملة وتفصيلاً، يكون التفضيل إجمالي، يكون التفضيل إجمالي، وكما يقول أهل العلم في بعض الأمور: قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، فإذا قلنا: إن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم هل يعني هذا أن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم؟ ما قال بهذا أحد، وإذا قلنا: إن أحمد أعلم من -على سبيل المثال- أعلم من إسحاق هل يعني هذا أن قول الإمام أحمد أرجح من قول إسحاق في كل مسألة مسألة؟ لا يعني هذا، وإذا قلنا: إن شيخ الإسلام أعلم من ابن القيم فلا يعني هذا أن شيخ الإسلام معصوم، نعم، هذا أمر ينبغي أن يتنبه له، لكن من ترجح له قول خلاف ما يقول به من يوثق بعلمه ودينه، ومن عد من أهل العلم، واستفاض فضله، واشتهر نبله عليه أن يبين الحق بالأسلوب المناسب، بالأسلوب المناسب بما يحفظ لأهل العلم مكانتهم ومنزلتهم، ولا مانع أن يوازن بين أقوال أهل العلم فيقف على قول الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة، ويحفظ من السنة ما لا يحفظه غيره، ويترجح عنده خلاف ما قاله الإمام أحمد، يترجح عنده قول البخاري أو العكس يترجح عنده قول الإمام أحمد، ويكون قول الإمام البخاري مرجوح، ويش المانع؟ ما في ما يمنع، لكن مع ذلك يعترف لأهل الفضل بفضلهم، هؤلاء الأئمة حفظ الله بهم الدين، ولهم الفضل والكل من فضل الله -جل وعلا-، ولهم الفضل على من جاء بعدهم.(26/1)
وقد سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام ابن تيمية هل هو أعلم من الأئمة الأربعة أم هم أعلم منه؟ فأجاب بجواب موفق فيما أحسب، قال: باعتبار أن شيخ الإسلام تخرج على كتب الأئمة الأربعة وكتب أتباعهم فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، وباعتباره جمع بين ما قالوه وأحاط بما كتبوه، يعني إحاطة بشرية لا يعني هذا أن شيخ الإسلام أحاط بكل ما كتب أو ما قيل، نعم، فهو من هذه الحيثية أشمل منهم علماً، هذا كلامه.(26/2)
وهناك أمر ينبغي أن نتنبه له وهو فضل علم السلف، فضل علم السلف، قد يجيب الإمام أحمد -رحمه الله- بكلمة أو جملة تجده عند بعض المتأخرين أجاب عنها بجزء، بجزء، صفحات، وهل يعني هذا أن المتأخر أفضل وأعلم من المتقدم لكثرة كلامه؟ الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في كتاب له نفيس ينبغي لكل طالب علم أن يطلع عليه: (فضل علم السلف على الخلف) قال: من فضل متأخراً أو عالماً على آخر بكثرة الكلام فقد فضل الخلف على السلف؛ لأن من طريقة السلف الإيجاز في القول، يفتون بالكلمة، يفتون بالجملة، وأما المتأخرون يسأل واحد المسألة فيبسط القول فيها ويشرق ويغرب، ويأتي بكلام مفيد، وآخر أقل، هذا في المسائل التي لا تحتاج إلى بسط، لا شك أن الوضوح مع الاختصار أفضل وهي طريقة السلف، لكن هناك مسائل شائكة تحتاج إلى مزيد بسط وإيضاح وبيان شيخ الإسلام سئل عن بعض المسائل فأجاب بأكثر من مائتي صفحة، هل يقال لشيخ الإسلام: مسلكه مسلك الخلف من كثرة الكلام؟ كلام كله مفيد، كله مدعوم بقال الله وقال رسوله، ومأخوذ معتمد على فهم السلف، ما جاء بشيء جديد، هو اعتمد على فهم السلف للنصوص، وما فتح الله عليه به من علم سببه الإخلاص والعمل بالعلم، على كل حال الإزراء بأهل العلم والتنقص والتندر بهفواتهم وزلاتهم ليس من مسلك طالب العلم، ومن تعمد هذا وصار ديدنه حرم العلم والعمل، حرم العلم والعمل، ولا يعني هذا أننا نقول: الألباني -رحمه الله- صحح والإمام أحمد ضعف الألباني ما الألباني،. . . . . . . . . جميع من ينتسب إلى العلم لا سيما علم الحديث في العصور المتأخرة عيال على الألباني وكتبه، ولا يعني هذا أنه معصوم، قد يوافق على تصحيح بعض الأحاديث، وقد يخالف وينازع في بعضها، والخلاف أمره واسع، لكن يحفظ له الحق، ويحفظ له مكانته، النووي إمام من أئمة المسلمين في العلم والعمل، في الفقه والحديث وغيرها من علوم الشرع، لكن لا يعني أنه معصوم، مع علمنا بمخالفاته العقدية، ولا يتصور في الإنسان، ولا يطلب من أي إنسان مهما علت منزلته ورسخت قدمه أن يكون جميع أفعاله وأقواله وتصرفاته مطابقة للشرع مائة بالمائة، هذه العصمة، هذه هي العصمة، لكن يكفي الإنسان أن يخلص وأن(26/3)
يجتهد، وأن يبحث عن الحق، وينصر الحق، كونه يصيب ويخطئ هذا البشر كلهم على هذا، والله المستعان.
حجة أهل التقليد إذا قيل لهم: هذه المسألة دليلها كذا في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم، هذه .. ، كثير ما يقولون: هل أنت أعلم من أحمد؟ هل أنت أعلم من مالك؟ هل أنت أعلم من أبي حنيفة؟ نقول: لسنا بأعلم من هؤلاء، ولا يعني من كونهم أعلم أن يكونوا أعلم بكل مسألة مسألة، عمر -رضي الله عنه- رد عليه، خفي على أبي بكر بعض النصوص، علمها بعض صغار الصحابة ((ورب مبلغ أوعى من سامع)) ((رب حامل فقه غير فقيه)) المقصود أن هذه الأمور ينبغي أن يهتم لها طالب العلم، وأن يحترم أهل العلم من غير غلو، لا يرفعهم فوق منزلتهم، ولا يزري بهم ويتندر بزلاتهم وهفواتهم.
الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: من يعرو من الخطأ والنسيان، ما في أحد يعرو، ومهما بلغ الإنسان من علم فإنه لن يعدو ما قاله الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] لكن حسب الإنسان أن يخلص ويحرص ويجتهد ويسلك الجادة التي سلكها أهل العلم، ويحترم الكبير، ويحرص على نفع المتعلم بقدر الإمكان، والله المستعان.
المسألة التي أجلناها إلى اليوم لأهميتها وهي في آخر حديث من أحاديث الأمس، وذكرناها في مناسبات، في مناسبات، وكررنا الكلام فيها حتى مُلَّ مثل هذا الكلام، لكن هذا وقتها لا بد أن نعرض لها.
مسألة ذوات الأسباب وأوقات النهي: عندنا الحديث الذي يمثل ذوات الأسباب وفي حكمها غيرها من ذوات الأسباب تحية المسجد يعني مثل الإخوان الذين يدخلون في هذا الوقت للمسجد وقد صلوا الفريضة، بعضهم يجلس وبعضهم يصلي، أو بعد صلاة الصبح.(26/4)
أولاً: أوقات النهي كما هو معلوم خمسة: بعد الصبح حتى تطلع الشمس، من طلوع الشمس إلى أن ترتفع، إذا بزغت حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، ومن صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب، ومن تضيفها إلى أن تغرب، هذه الأوقات خمسة، وقد يقول قائل: لماذا لا تكون ثلاثة؟ لماذا لا تكون ثلاثة فتتداخل؟ فتكون من طلوع الصبح إلى أن ترتفع الشمس واحد، ليش نفصلها اثنين، وحين يقوم قائم الظهيرة وقت الزوال، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس واحد، تكون ثلاثة؛ لأن العلم كل ما أمكن حصره وتقليل أقسامه يكون أضبط وأتقن، هل يمكن أن نقتصر على ثلاثة وندخل بعضها في بعض؟ يمكن؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يمكن، لا يمكن لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأن منها الموسع ومنها المضيق، منها الموسع ومنها المضيق، فهذه الأوقات المضيقة التي جاءت في حديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" الأمر فيها أشد، وأما الوقتان الموسعان فالأمر فيها أخف، حتى قال بعض أهل العلم: أن منع الصلاة من بعد طلوع الصبح أو بعد صلاة الصبح على الخلاف في ذلك وبعد صلاة العصر، يعني قبل حلول الوقت المضيق الصلاة في هذين الوقتين إنما منعت لئلا يسترسل الناس في الصلاة فيصلون عند طلوع الشمس وعند غروبها، فيكون منعها من باب منع الوسائل، ومن الصلاة في الأوقات المضيقة من باب منع المقاصد، لا شك أن الصلاة بعد صلاة الصبح أخف ومن بعد صلاة العصر أخف من الصلاة في الأوقات الثلاثة.(26/5)
نأتي إلى مسألتنا: عندنا حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) ((فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هذا الحديث خاص، وجه الخصوصية: خاص بهذه الصلاة التي هي تحية المسجد، وجاءت أحاديث خاصة شرعت فيها الصلاة لسبب، لكنها خاصة بهذه الصلوات، وإن كان فيها عموم في الأوقات، عموم في الأوقات، فعندنا عموم وخصوص، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" لا نصلي في هذه الأوقات، في هذه الثلاث الساعات، لا فريضة ولا نافلة ولا ذات سبب ولا مطلقة ولا غير ذلك، عامة في جميع الصلوات، إلا أنها خاصة في هذه الأوقات، فبين هذه النصوص وقلنا بالأمس: إنه إذا قال الشافعي ومن يقلد الشافعي: إن أحاديث النهي عامة في الأوقات وهذه خاصة، عامة في الصلوات أحاديث النهي عامة في الصلوات وهذه خاصة بهذه الصلوات والخاص مقدم على العام، يقول له الحنفي والمالكي والحنبلي: العكس يا أخي، أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، فليس قبول قول أحدهما بأولى من قبول قول الآخر، بل هما على حد سواء من هذه الحيثية، فإذا كان التعارض بين النصوص من جهة العموم والخصوص الوجهي هذا يحتاج إلى مرجح خارجي، يحتاج إلى مرجح خارجي، فعندنا في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في كل من بدل دينه من الرجال والنساء، وعندنا أحاديث النهي عن قتل النساء والذرية خاص بالنساء عام في جميع من بدل من ارتد ذكوراً كانوا أو إناثاً، وعندنا النهي عن قتل النساء والذرية خاص بالنساء، ذاك عام في الرجال والنساء وهذا خاص بالنساء، لكن هناك عموم وخصوص من وجه آخر، النهي عن قتل النساء والذرية عام في كل ما يوجب القتل، عام في كل ما يقتضي القتل و ((من بدل دينه فاقتلوه)) خاص بالردة، هنا عموم وخصوص وجهي ماذا نصنع؟ نحتاج إلى مرجح خارجي؛ لأنه إذا قال الحنفي: لا تقتل المرأة المرتدة للنهي عن قتل النساء والذرية، نعم، للنهي عن قتل النساء والذرية، ماذا يقول الجمهور؟ يقولون: تقتل المرتدة لعموم: ((من بدل دينه فاقتلوه))(26/6)
والنهي عن قتل النساء والذرية هذا عام وهذا خاص بالمرتد.
نأتي إلى المرجح الخارجي في مسألة الردة وفي مسألتنا التي معنا، لكن التنظير يوضح المسألة، في مسألة الردة ((من بدل دينه فاقتلوه)) هل عمومه محفوظ أو مخصوص؟ هل يوجد مرتد لا يقتل؟ هل دلت نصوص على أن هناك مرتد لا يقتل؟ نعم؟ لم يدل دليل على ذلك، النهي عن قل النساء جاءت النصوص الدالة على تخصيصه، بل جاءت النصوص بقتل المرأة، دعنا من مسألة الردة؛ لأنها هي محل النزاع، جاء قتل المرأة في القصاص إذا قتلت تقتل، قتل المرأة إذا زنت وهي محصنة ترجم، فعموم النهي عن قتل النساء والذرية مخصوص، وعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، وحينئذٍ يرجح قتل النساء المرتدات.
نأتي إلى مسألتنا: أحاديث النهي عمومها دخله –دعونا من ذوات الأسباب لأنها محل النزاع- دخلها الفرائض ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) دليل على أن الفريضة تفعل في الوقت المضيق ((من أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس لصلاة العصر فقد أدرك العصر)) فرائض، فوائت تصلى، رواتب قضيت، راتبة الصبح قضيت لإقراره -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة الصبح، راتبة الظهر قضيت بعد صلاة العصر منه -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان القول المتجه أنه خاص به -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن العموم مخصوص دخله مخصصات أكثر مما دخل عموم أحاديث ذوات الأسباب من المخصصات، هذا يقوله من؟ من يرجح قول الشافعي.
للطرف الآخر أن يقول: القاعدة المتفق عليها بين الشافعية وغيرهم: أن الحظر مقدم على الإباحة، الحظر مقدم على الإباحة كيف؟ أنت إذا دخلت المسجد في مثل هذا الوقت أنت بين نصين نص يمنعك من الصلاة ونص يأمرك بالصلاة، قالوا: الحظر مقدم، فلتمتنع، لماذا لا تصلي؟ والله الذي منعني من أمرني ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) هذا المستطاع، أنا لا أستطيع أن أصلي والشرع قد نهاني ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) دل على أن الحظر أقوى من –حتى الأمر- فضلاً عن الإباحة.(26/7)
ولا تزال المسألة من عضل المسائل، والترجيح فيها من أشق المسائل، ويدخل الطالب مع اصفرار الشمس أو قبل غروب الشمس بخمس، عشر دقائق ويصلي، أو مع طلوع الشمس وهو مرتاح البال ذوات الأسباب ما فيها شيء، نقول: الأمر ليس بهذه السهولة كما تتصورون، المسألة من عضل المسائل، المسألة قال بعض أهل العلم: لا تدخل المسجد في هذا الوقت للحرج الشديد، إن صليت مشكلة وإن ما صليت مشكلة، وبعضهم يقول: ادخل المسجد وظل واقف لا تجلس، فلا نتصور المسألة بهذه السهولة يا الإخوان.
وأخيراً: الذي أرجحه أنه في الوقت الموسعين الأمر فيه سعة، يعني إن صلى الإنسان عمل بنصوص، وإن لم يصلِ فقد عمل بنصوص، لكن إياه إياه أن يصلي في الأوقات المضيقة مهما كان السبب خلا الفرائض الفرائض مستثناة، بعضهم يقصد أنه يطلع من المسجد ويرجع على شان توافق ساعة الجمعة العصر ويصلي، الأمر ليس من السهولة بهذا، بعضهم يفعل هذا يخرج لغير سبب من أجل أن يدخل فيصلي، وبعضهم يفعل من ذوات الأسباب التي لا يقوى سببها على معارضة مثل هذه الأحاديث مثل ركعتي الوضوء، ركعتي الاستخارة يقول: ذات سبب، يا أخي إذا وجد من ذوات الأسباب ما تأكد مثل هنا مثل تحية المسجد، الخلاف قوي، ويبقى أن النهي شديد يا الإخوان "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" أنت بفعلك ألا تريد القربة؟ نعم؟ ألا تتقرب إلى الله بهذه الصلاة التي صليتها؟ تريد أن تمتثل ما أمرت به؟ من الذي نهاك؟
فأعود وأقرر أن الصلاة في الوقتين الموسعين أمرها سهل، على أنه لا ينكر على من جلس ولا عن من صلى، لا ينكر على هذا ولا ذاك، لكن في الأوقات المضيقة لا؛ لأن النهي عن الصلاة فيها لذاتها، أما النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين، مثل هذا الوقت الشمس بيضاء نقية فالنهي عنه ليس لذاته، وإنما هو خشية أن يسترسل المصلي أو يتتابع في الصلاة حتى يصلي في الوقت المضيق.(26/8)
شاع القول بفعل ذوات الأسباب، وصار هو المرجح، ولا حظ للقول الآخر من النظر مع إيش؟ مع مواكبة الثورة على التقليد التي حصلت قبل ربع قرن، يعني إذا كان الإنسان قبل هذه الدعوة –الدعوة إلى التقليد- وهي دعوة لا شك أنها دعوة تصحيحية ما نقول: هي خاطئة، دعوة تصحيحية التقليد ذميم ومقيت لمن تأهل، لكن إذا كان قبل هذه الدعوة يوجد من يصرف الناس بيده، إذا رأى أحد يتسنن أداره بيده اتباعاً للمذهب، هو ما عنده غير المذهب، وجد العكس من ينكر ويشنع على من لا يصلي في أوقات النهي، دين الله يا الإخوان بين الغالي والجافي عندنا نصوص، المرد إلى النصوص، والحَكَم {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [(59) سورة النساء] ما هو بالحكم إلى قول أحمد أو قول مالك أو قول سفيان أو علان، لا، نعم هؤلاء أئمة، ونحسبهم فيما نحسب والعلم لله -جل وعلا- على خير عظيم، بذلوا واجتهدوا ونصحوا واتبعوا، لكن مع ذلكم ليسوا بمعصومين، فالحَكَم النصوص، والمرد إلى الله ورسوله، هذا الذي نختاره، والله المتسعان.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه بلوغ المرام: باب صفة الصلاة:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء, ثم استقبل القبلة فكبر, ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن, ثم اركع حتى تطمئن راكعاً, ثم ارفع حتى تعتدل قائماً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم ارفع حتى تطمئن جالساً, ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً, ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) أخرجه السبعة, واللفظ للبخاري، ولابن ماجه بإسناد مسلم: ((حتى تطمئن قائما)).
ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان، وفي لفظ لأحمد: ((فأقم صلبك حتى ترجع العظام)).
ما عندك: ومثله في حديث رفاعة بن رافع عند أحمد وابن حبان: ((حتى تطمئن قائماً))؟
طالب: نسخة الفقي يا شيخ موجودة في هذا.
هاه؟
طالب: نسخة الفقي موجودة في هذا.
هي معك طارق؟
طالب: إي نعم يا شيخ.
طيب "وفي لفظ لأحمد" هات رواية الحديث.(26/9)
وفي لفظ لأحمد: ((فأقم صلبك حتى ترجع العظام)).
هات.
وللنسائي وأبي داود من حديث رفاعة بن رافع: ((إنها لن تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى, ثم يكبر الله ويحمده ويثني عليه)) وفيها: ((فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله)) ولأبي داود: ((ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله)) ولابن حبان: ((ثم بما شئت)) ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا الباب من أهم ما يقرأ في هذا الكتاب، من أهم ما يقرأ في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب؛ لأنه يشتمل على صفة الصلاة من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، والصلاة أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأولى ما ينبغي أن تصرف الأوقات في معرفتها ليخرج من عهدتها بيقين، ليخرج من عهدتها بيقين، فعلينا أن نولي العناية الفائقة لمثل هذا الكتاب، صفة الصلاة، وما تقدم وسائل لهذه الصلاة المشروحة هنا، والباب فيه أحاديث ثلاثة تشرح الصلاة من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، وما عداها روافد لها، منها هذا الحديث، الحديث الأول حديث المسيء، ومنها حديث أبي حميد وعائشة في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
هذا حديث المسيء، حديث المسيء حديث عظيم، المسيء اسمه: خلاد بن رافع، صلى صلاة لا تجزئ فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- وسمي مسيئاً؛ لأنه أساء في صلاته التي صلاها باجتهاده قبل التوجيه النبوي، وكم من مسيء بين المسلمين ممن لا يجد من يعلمه، في بلاد العلم وبين طلاب العلم في موطن العلم وبين أهل العلم فكيف بمن بعد؟ هذا لا شك أنه تقصير، يوجد في بعض القرى والبوادي من لا يحسن الوضوء، يوجد فيها من يصلي عمره كله صلاة لا تجزئ ولا تسقط الطلب، بل قد يوجد ما هو أسوأ من المسيء في صلاته الذي أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإعادة مراراً ثم علمه.(26/10)
قال للمسيء -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا قمت إلى الصلاة)) يعني إذا أردت القيام ((فأسبغ الوضوء)) كما في قوله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] إلى آخر الآية ((فأسبغ الوضوء)) يعني أتم الوضوء، وتقدم الكلام في الوضوء وفي إسباغه بأركانه ومستحباته ((أسبغ الوضوء)) وهذا شرط ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ((ثم استقبل القبلة)) وهذا أيضاً شرط من شروط الصلاة، شرط من شروط الصلاة استقبال القبلة، ومضى ما فيه، شرط إلا في النافلة على الراحلة في السفر على ما تقدم ((ثم استقبل القبلة فكبر)) فكبر، الوضوء شرط، استقبال القبلة شرط، "فكبر" والمراد بالتكبير هنا تكبيرة الإحرام، يعني قل: الله أكبر، وهل تكبيرة الإحرام شرط أو ركن؟ مسألة اختلف فيها أهل العلم، فالجمهور على أنها ركن، ويرى الحنفية أنها شرط لصحة الصلاة، ما الفرق بين كون تكبيرة الإحرام ركن أو شرط؟ ما الذي يترتب على هذا الخلاف؟ قد يقول قائل: خلاف لفظي، شرط لا تصح الصلاة إلا بها، ركن لا تصح الصلاة إلا بها، في فرق وإلا ما في فرق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
من أي جهة؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟ والشرط؟
طالب:. . . . . . . . .
يصح ما اشترط له؟ لو أخل بالوضوء تصح الصلاة؟ تصح؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش الفرقين؟ الركن لا تتم الصلاة إلا به وإذا كان شرط؟ يعني هل نقول: بأن من يصلي دون وضوء يمكن صحة صلاته لأن الوضوء شرط وليس بركن؟ يمكن هذا؟ إذا قلنا: شرط فالطهارة وتكبيرة الإحرام واحد شرط، من لازم الشرط عدم المشروط عند عدم الشرط، يلزم من عدمه العدم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب قبل، ويش ترتب على هذا؟ تكبر تكبيرة الإحرام ببيتك مثل ما تتوضأ ببيتك وتجي تصلي؟ طيب ببيتك توضأت، صح، وتكبر تكبيرة الإحرام بالبيت مع الشرط الثاني وتجي تصلي.
طالب:. . . . . . . . .(26/11)
نعم الركن جزء الماهية صحيح، والشرط خارج الماهية تريد أن تقول هذا، الركن جزء الماهية والشرط خارج الماهية إيش معنى خارج الماهية؟ أنك تكبر ثم تسولف مع جارك وإلا زميلك ثم تكمل صلاتك؛ لأنه خارج الصلاة، ما بعد دخلت الصلاة صح؟ يعني يسوغ لك ذلك؟ أنك تكبر تكبيرة الإحرام ثم تجلس تسولف ثم تأتي بالصلاة؟ الشرط. . . . . . . . . على شرط، يعني عند الحنفية الحنفية يقولون: تكبر تكبيرة الإحرام وتصير تسولف وتقضي حاجتك وإلا .. ؟ هاه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، طيب، طيب، يعني من فوائد الخلاف، هم لا يختلفون في أن تكبيرة الإحرام لا يفصل بينها وبين الصلاة، لا بد أن تكون مقارنة للصلاة، حتى على القول بأنها شرط، لا يعني أنه يكبر تكبيرة الإحرام في بيته بعد ما يتوضأ أو حتى قبل الوضوء ثم يأتي، لا، حتى على القول بأنها شرط وأنها خارج الماهية لكنها خارج ملاصق لا يفصل بينها وبينه حتى عند الحنفية، لكن من فوائد الخلاف أنه إذا كبر قبل دخول الوقت هذه المسألة أظن تصورها ما هو .. ، لكنها من فوائد الخلاف، لأن التكبير ويش يستغرق؟ لكن أوضح من هذا لو كبر وهو حامل نجاسة، نفرض أن هذه العين متنجسة، هذه ورقة متنجسة أصابها بول، ثم قال: الله أكبر، ووضعها مع نهاية التكبير صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
عند الحنفية صحيحة؛ لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، وعند الجمهور صلاته باطلة، لو غير النية مع نهاية التكبير صحت صلاته عند الحنفية وبطلت عند الجمهور، المقصود أن مثل هذا قد يكون الخلاف فيه خفي وفوائده أخفى، لكن هذه من فوائد الخلاف، فتكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور شرط عند الحنفية، وعرفنا فائدة الخلاف، أيضاً: ((كبر)) بلفظ: الله أكبر؛ لأن جميع من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- نقل عنه أن كان يقول في بدايتها: ((الله أكبر)) فهذا أمره -عليه الصلاة والسلام- بينه بفعله، وبيان الواجب واجب.(26/12)
الشافعية عندهم يجزئ أن تقول: الله الأكبر، عند المالكية والحنابلة لا يجزئ؛ لأن (أل) هذه لا تخلف المعنى، يختلف المعنى إذا قلنا: الله أكبر و .... إذا قلنا: الله الأكبر؟ نعم؟ إذا كان من حيث المعنى؟ نعم يعني الله أكبر من غيره، نعم، أفعل تفضيل، الله أكبر من غيره وإن وجد أكبر شخص وشيء يقال له: أكبر، لكن الله -سبحانه وتعالى- أكبر منه، نعم، يوجد كبير وأكبر، والله -سبحانه وتعالى- أكبر من هؤلاء كلهم، وإذا قلنا: الله الأكبر صار التركيب تركيب حصر أنه لا يوجد أكبر غير الله -سبحانه وتعالى-، هناك لا يوجد شيء إلا والله -سبحانه وتعالى- أكبر منه، يوجد أكبر، لكن الله -سبحانه وتعالى- أكبر منه، هذا لا يوجد أكبر إذا قلنا: الله الأكبر لأن تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، الله الأكبر يعني لا يسوغ أن يقال لغيره: أكبر، عند الحنفية يتوسعون في هذا، كل ما دل على التعظيم يجزئ، الله أعظم، الله أجل، الله أعز، لكن هذه ألفاظ توقيفية، متلقاة من الشارع، لا يدخلها الاجتهاد، كبر وجوباً بل ركن من أركان الصلاة ولا تصح إلا بها، باللفظ الذي تظافر النقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- به، بهذا اللفظ: الله أكبر.
((ثم اقرأ)) اقرأ هذا أمر، والأمر للوجوب، وقبل هذا أهل العلم جعلوا حديث المسيء أصل في باب الصلاة، واعتمدوا عليه في أن كل ما ذكر فيه فهو واجب، وكل ما لم يذكر فيه فليس بواجب، كل ما ذكر فيه واجب؛ لأنه كله بالأوامر، في مجال التعليم، وكل ما لم يذكر فيه فليس بواجب؛ لأنه لو وجب غير ما ذكر لزم عليه تأخير البيان عن وقت الحاجة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز عند أهل العلم، لكن لا يمنع أن يكون في وقته هذا الكلام، وزاد من الأركان وزاد من الواجبات في الصلاة ما قرر بعد ذلك.
((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) دليل على وجوب قراءة القرآن في الصلاة، وهذا مجمل بينه ما سيأتي من إيجاب قراءة الفاتحة، من إيجاب قراءة الفاتحة في حديث عبادة وغيره.(26/13)
((ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع)) التكبير ركن، القراءة ركن، الركوع ركن، الطمأنينة ركن ((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)) هناك مباحث متعلقة بالقراءة، ومباحث متعلقة بالركوع تأتي في مفردات الأحاديث -إن شاء الله تعالى-، وإلا بإمكاننا أن نشرح كل صفة الصلاة في هذا الحديث، لكن فماذا نبقي للأحاديث الأخرى؟ تأتي فوائد تتعلق بهذه الجزئيات في أوقاتها -إن شاء الله تعالى- من خلال الأحاديث اللاحقة.
((ثم اركع –وهذا ركن- حتى تطمئن راكعاً)) لا يجزئ النقر في الركوع ولا في السجود ولا في الجلوس ولا في الاعتدال ولا القيام من الركوع، وتكرار الطمأنينة حتى تطمئن حتى تطمئن حتى تطمئن حتى تطمئن مراراً يدل على أن هذه الطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا يمكن أن يتجاوز عن الإخلال بها، وما أتي المسيء في صلاته إلا من إخلاله بالطمأنينة، وجاء النهي عن النقر في الصلاة كنقر الغراب على ما سيأتي، المقصود أن الركوع ركن والطمأنينة فيه ركن.
((ثم ارفع)) الرفع من الركوع، وهذا ركن أيضاً ((حتى تعتدل قائماً)) وجاء عند ابن ماجه بإسناد مسلم وعند غيره على شرط البخاري فالزيادة على شرط الشيخين ((حتى تطمئن قائماً)) يعني مثل ما تطمئن في الركوع والسجود تطمئن في الرفع من الركع ((ثم اسجد)) وهذا أيضاً ركن ((حتى تطمئن ساجداً, ثم ارفع –يعني من السجود- حتى تطمئن جالساً, ثم اسجد –السجدة الثانية من الركعة الأولى- حتى تطمئن ساجداً)) والأذكار التي تقال في هذه الأركان يأتي تفصيلها -إن شاء الله تعالى-، ((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) وحينئذٍ يكون قد تمت له ركعة كاملة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
اعتدل يأتي بالقدر الواجب من المطلوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يمكن أن تؤدى الصلاة الرباعية بخمس دقائق صلاة مجزئة، وفيها طمأنينة، وفيها الاقتصار على الواجب، لكن يمكن أن تؤدى بزيادة في الطمأنينة وتطويل في الركوع والسجود على القدر الواجب اللازم نعم بدلاً من أن تسبح مرة واحدة تسبح سبع مرات، ربع ساعة مثلاً وهذه صلاة مجزئة وهذه صلاة مجزئة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(26/14)
مقياسه أن يعود كل فقار إلى مكانه، تطمئن، وإذا أتيت بالقدر الواجب من الأذكار في هذه الأركان اطمأننت، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها، افعل ذلك في صلاتك كلها، وأنت أسبغت الوضوء، واستقبلت القبلة، ولا بد من استصحاب هذين الشرطين إلى أن تنتهي الصلاة، ثم كبر، يعني هل يلزمك تكبيرة إحرام في الركعة الثانية كما كبرت للإحرام في الركعة الأولى؟ أو أنك تدخل في الصلاة وهو مفتاحها تكبيرة الإحرام وما عدا ذلك لا يحتاج إلى تكبيرة الإحرام، مقتضى قوله: ((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) أنك تكبر للإحرام كما كبرت في الركعة الأولى، لكن هذا المفهوم غير مراد اتفاقاً، إنما المطلوب تكبيرة انتقال من الركعة الأولى إلى الركعة الثانية.
"أخرجه السبعة" ومر بنا مراراً المراد بالسبعة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، "واللفظ للبخاري" وماذا للبقية؟ لهم إيش؟ إذا كان اللفظ لواحد منهم؟ والبقية لهم المعنى.
"ولابن ماجه بإسناد مسلم: ((حتى تطمئن قائما)) " وعرفنا أنها أيضاً عند غير مسلم على شرط البخاري، فهي على شرط الشيخين.
"ومثله" أي مثل ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة ((حتى تطمئن قائماً)) مثل ذلك موجود في حديث رفاعة بن رافع عند الإمام أحمد وابن حبان بلفظ: ((حتى تطمئن قائماً)) مثل لفظ ابن ماجه، والزيادة صحيحة، زيادة صحيحة لأنها مروية بشرط الشيخين.(26/15)
"وفي لفظ لأحمد: ((فأقم صلبك حتى ترجع العظام)) " وسيأتي في حديث أبي حميد: ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)) ويأتي بيان ذلك -إن شاء الله تعالى-، ((حتى ترجع العظام)) هنا مسألة متعلقة بهذا اللفظ: ((حتى ترجع العظام)) وهناك ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)) من المناسب أن نذكر حكم أو وضع اليدين بعد الركوع ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)) هل المقصود به إلى مكانه قبل الركوع أو قبل الدخول في الصلاة؟ نعم، الاحتمال قائم، فإذا قلنا: إن المراد حتى يعود كل فقار إلى مكانه قبل الدخول في الصلاة فماذا يكون وضع اليدين؟ السدل، وهذا كما هو معلوم يرجحه الشيخ الألباني -رحمه الله-، ويرى أن قبض اليدين بعد الركوع بدعة، وإذا قلنا: ((حتى يعود كل فقار إلى مكانه)) أقرب مكان له قبل الركوع وبهذا يقول الأكثر وهو الظاهر أنها تقبض اليدين، في حال القيام اليدان مقبوضتان على ما سيأتي اليمنى على اليسرى على الصدر أو تحت الصدر على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى-.
"وللنسائي وأبي داود من حديث رفاعة بن رافع: ((إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى)) " يعني يأتي بالوضوء المجزئ كما أمر الله -جل وعلا-، لا يخل بشيء من أركانه، والإسباغ هنا المشترط للصلاة ((لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء)) القدر المجزئ، القدر المجزئ يسمى إسباغ وإتمام، وإن كان التثليث إكمال، كونك تتوضأ مرة مرة، مع الإسباغ والإتمام، وهو على مرة مرة هذا إتمام، وإسباغ وهو مجزئ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرة مرة، لكن كونك تتوضأ ثلاثاً ثلاثاً على ما تقدم هذا أكمل، هذا أكمل.
((حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى)) ((إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء)) هذا دليل على اشتراط الوضوء والطهارة للصلاة، وهذا تقدم الكلام فيه: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ))(26/16)
((ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويثني عليه)) يكبر الله تعالى تكبيرة الإحرام، كما في الحديث السابق حديث أبي هريرة: ((أسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة)) هنا ما ذكر الاستقبال اكتفاءً بما ثبت في غير هذا الحديث، ((ويحمده ويثني عليه)) ويحمده ويثني عليه، والحمد هنا محتمل لأن يكون في دعاء الاستفتاح، وأن يكون بقراءة فاتحة الكتاب على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"وفيها" أي في هذه الرواية: ((فإن كان معك قرآن فاقرأ)) والقراءة (اقرأ) جاء الأمر بها في الحديث السابق فهي ركن من أركان الصلاة، لا سيما فاتحة الكتاب على ما سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.
((فإن كان معك قرآن فاقرأ)) هذا يدل على أن تعلم الأركان واجب، تعلم الأركان واجب، لكن من لا يستطيع؟ من لا يستطيع له بدل ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) إذا لم تستطع القراءة بعض الناس يمكث العمر كله وهو عاجز عن أن يحفظ الفاتحة، مثل هذا يقال له: لا تصح صلاتك حتى تحفظ الفاتحة؟ ((فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله)) وهذا يتصور في شخص كبير السن لا يمكن أن يحفظ الفاتحة، وإن كان الأمل أمام الكبار مفتوح، والتجارب أثبتت أن لديهم الملكة وحفظ منهم القرآن، بعضهم القرآن كامل، من ذكور وإناث وهم أميون بلغوا السبعين من العمر، فالآفاق مفتوحة -ولله الحمد- ولا ييأس أحد.(26/17)
وهذا أيضاً متصور في شخص حديث عهد بالإسلام، إن قلنا له: انتظر حتى تحفظ الفاتحة يمكن يمر عليه وقت طويل تضيع عليه صلوات ما حفظ الفاتحة، يقال: إن كان معك شيء من القرآن وإلا فاحمد الله وكبره، أما بالنسبة للكبار ففي إمكانهم أن يتعلموا والوسائل -ولله الحمد- كثيرة ومبذولة، والآفاق أمامهم مفتوحة، ووجد نماذج في السبعين بدءوا بحفظ القرآن وأتقنوه وضبطوه، يعني تبقى اللكنة العامية، يعني لن يتنصل عنها لكن يبقى أنه حفظ القرآن، بعض العجائز في هذا السن حفظت القرآن كامل، وهذا من نعم الله -عز وجل-، فاليأس ليس بوارد، لا بد من بذل السبب، والبيوت -ولله الحمد- الآن مملوءة ممن يقرأ القرآن، ومملوءة أيضاً من الآلات التي هي في الحقيقة نعم تعين على حفظ القرآن، إذا وجد آلات تردد القرآن ترديد بحيث يستطيع حفظه من أيس من الحفظ فما علينا إلا العمل، ((وإلا فاحمد الله وكبره وهلله)) هذا البديل، تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بقدر الفاتحة تعيده مرتين ثلاث حتى تكون أتيت بقدر الفاتحة.
"ولأبي داود" وهذه الروايات كلها صحيحة "ولأبي داود: ((ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله)) " اقرأ بأم الكتاب، وهذا على سبيل الوجوب والركنية على ما سيأتي، وما زاد على الفاتحة محل خلاف بين أهل العلم والجماهير على أنه مستحب.
"ولابن حبان: ((ثم بما شئت)) " من سورة أو آيات من سورة، أو آية، المقصود أنه اقرأ بما شئت، وهذا القدر المستحب.
نعم حديث أبي حميد:
"وعن أبي حميد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه, وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه, ثم هصر ظهره, فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه, فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما, واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة, وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى, وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى, وقعد على مقعدته" أخرجه البخاري".(26/18)
حديث أبي حميد من الأحاديث التي يدور عليها هذا الباب، وتضمن الكثير من أحكام صفة الصلاة، أبو حميد في مجمع من الصحابة شرح ووضح صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما رآه يصلي، وأبو حميد مشهور بكنيته، وهو ابن عبد الرحمن بن سعد الساعدي أنصاري خزرجي، توفي في آخر ولاية معاوية -رضي الله عنه-.
يقول أبو حميد الساعدي -رضي الله تعالى عنه-: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه" هؤلاء الذين وصفوا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- من تكبيره إلى تسليمه، وهم أكثر من واحد من الصحابة هل يتسنى لهم ذلك وقد نظروا إلى موضع السجود؟ يتسنى لهم ذلك، كل واحد منهم ينظر إلى موضع السجود، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وهو يصلي نافلة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
خلفه، لكن إذا نظر موضع السجود. . . . . . . . . إلى أمامه، نعم يكون الأصل النظر إلى موضع السجود لكن هذا ليس على سبيل الإلزام، والاقتداء به -عليه الصلاة والسلام- والفعل كما يفعل امتثالاً لأمره -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يدل على أنهم مأمورون بالنظر إليه وهو يصلي ((صلوا كما رأيتموني)) لأنه لا يتم امتثال هذا الأمر ((صلوا)) إلا برؤيته؛ لأنه قد يستدل مستدل أنه له أن يلحظ عن يمينه أو عن شماله لأن الصحابة وصفوا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يتسنى لهم ذلك إلا بهذا، هم مأمورون بأن يصلوا كما رأوه، فهم رأوه وهو يصلي، ولقائل أن يقول: إنه وهو يصلي نافلة مثلاً، لكن مثل حديث أبي حميد الذي ذكر فيه التشهد الأول والأخير يدل على أنها فريضة، فهم لا يصلون الفريضة إلا معه -عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا .. ، أقول: مثل هذا الصنيع الذي يمكن من امتثال الأمر في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا)) ولا يتم امتثال هذا الأمر إلا برؤيته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه أحال على فعله، ولا يمكن الاقتداء به في فعله إلا بعد رؤيته.(26/19)
"رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر -يعني للإحرام- جعل يديه حذو منكبيه" يعني رفع يديه كلتيهما حذو مقابل منكبيه والمنكب مجتمع رأس العضد مع الكتف، حذو مقابل، والمنكبان هما المجتمع هذا، فيجعل اليدين مع تكبيرة الإحرام حذو المنكبين، "إذا كبر جعل" إذا كبر جعل دليل على أن الرفع يقارن التكبير، والأصل أنه علامة عليه، يستدل بها من لا يسمع التكبير إذا رآه رفع يديه عرف أنه كبر، فيكون الرفع مقارن للفعل، كما أن تكبيرات الانتقال مقارنة للانتقال، لكن إذا رفع قبل أو بعد أو انتهى من التكبير قبل نهاية الرفع، أو العكس كل هذا فيه سعة.(26/20)
"إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه" يرفع يديه حين يكبر، رفع يديه ثم كبر، كبر ثم رفع يديه هذا كله وارد، فدل على أن في الأمر سعة، لكن يبقى أن مقارنة القول للفعل هو الأصل، مقارنة القول للفعل هو الأصل، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه, وإذا رفع .. ، إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه, يجعل يديه على ركبتيه، وإذا تمكن من وضع اليدين على الركبتين وهو إنسان متوسط الخلقة أجزأه ركوعه إجماعاً، لكن لو كان في يديه طول يمكن يضع يديه على ركبتيه وهو شبه قائم هذا يجزئه الركوع؟ نعم؟ لا يجزئه الركوع، وإذا كان في يديه قصر شديد بحيث لا يتمكن من وضع يديه على ركبتيه إلا أن يجعل رأسه قريباً من رجليه هذا أيضاً لا يجزئ، ليس بركوع هذا، المقصود أنه إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، فإذا كانت اليدين معتدلتين أجزأ مثل هذا الركوع إجماعاً، "ثم هصر ظهره" يعني ثناه، ثنى ظهره، هصر ظهره يعني ثناه وحناه، وسيأتي في صفة ركوعه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يشخص رأسه ولم يصوبه، لا يرفع الرأس ولا يخفضه على ما سيأتي، ويستوي ظهره، لا يرفع رأسه، لا يشخص رأسه ولا يصوبه بمعنى يخفضه، بل يستوي ظهره مع رأسه، وجاء في وصف ركوعه -عليه الصلاة والسلام- أنه بحيث لو صب الماء على ظهره لاستقر، وتجد الناس يصلون بما في ذلك بعض من ينتسب إلى طلب العلم غير مكترث إما يرفع رأسه وإلا ينزله وإلا يخفض ظهره خفضاً وإلا يرفعه، هذا موجود، وبعض الناس في رفع اليدين أشبه ما يكون بالعبث، وهذا كثير في عوام المسلمين، والتبعة والعهدة على أئمة المساجد، يعلمونهم كيفية صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بعضهم يرفع يديه بما لا يشبه الرفع أقرب ما يكون إلى العبث، وبعضهم يقرن، إذا رفع يديه وخفضها عبث بمناطق لا يسوغ العبث بها خارج الصلاة فضلاً عن داخل الصلاة، هذا موجود، المقصود أن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه إذا مثل العبد بين يدي ربه -عز وجل- عليه أن يلاحظ المقام، والله المستعان.
"فإذا رفع رأسه استوى" نحن نرى من يخل بهذا كثير لا سيما من المسلمين الذين وفدوا إلى هذه البلاد ممن يزعم الاقتداء بالإمام أبي حنيفة.(26/21)
"فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانِه" أو مكانَه، وعرفنا أن الفقار: المفاصل، المفاصل تعود إلى مكانها، والعظام تعود إلى مكانها، وقلنا: إنه يحتمل أن يكون المكان مكان ما قبل الدخول في الصلاة، ومكان ما كان قبل الركوع والمتجه أنه ما كان قبل الركوع لأنه الأقرب، لأنه أقرب مذكور، ويدل له ما سيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.
"فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما" فإذا سجد وضع يديه على الأرض مضمومتي الأصابع متجهتين إلى القبلة مع التجافي من غير ضم لليدين إلى جانبي الصدر "غير مفترش" بمعنى أنه واضع يديه على الأرض، وقد جاء النهي عن الافتراش، جاء النهي عن الافتراش كافتراش السبع على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، "ولا قابضهما" يعني لا ضامهما بل يجافي، يجافي عضديه عن جنبيه حسب الإمكان، وإلا إذا كان في الصف وترتب على مجافاة اليدين عن الجنبين خلل في الصفوف نعم وفرج في الصفوف فإنه يقدم مصلحة التراص في الصف للأمر به.
"ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة" يستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة, قد يقول قائل: إن بعض الناس لا سيما من الكبار الأصابع ما تطاوع؛ لأنها صلبت وقويت بحيث لا تطاوع أن تنحرف إلى جهة القبلة، أقول: لا يكلف الله نفساً إلى وسعها، لكن على الإنسان أن يعمد إلى تطبيق السنة، فإن عجز ثبت له أجرها، ويأتي في مسألة التصاف والمصافة والإلصاق أن على الإنسان أن يسعى لتطبيق السنة، لكن مع الأسف الشديد أن من طلاب العلم أو من عامة الناس من لا يسعى إلى معرفة السنة، وإذا عرف السنة لا يسعى إلى تطبيقها، وإذا طبقها لا يحسن التطبيق، لا يفقه كيف يطبق السنة؟ لأن بعض الناس يسعى جاهداً وبشدة وقوة لتطبيق سنة ويقع في محظورات، فعلى طالب العلم على وجه الخصوص ملاحظة ذلك، وبيان ذلك للناس، ويأتي تفصيل هذه الأمور -إن شاء الله تعالى-.(26/22)
"استقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة" إن أمكنه ذلك وإن كان ممن صلبت أصابعه ولا يستطيع أن يثنيها {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] "وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" وإذا جلس في الركعتين يعني بعد تمام الركعتين في التشهد الأول أو بين السجدتين لأن الحكم واحد يفترش، يفترش رجله اليسرى، "جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" وبعض الناس يطلع لك رجله اليسرى وإلا يدخل الثنتين جميع، وإلا يطلعهن جميع أين السنة يا إخوان؟ لا، يفرش اليسرى ويجلس عليها، مقعدته على رجله اليسرى المفروشة التي ظهرها إلى الأرض وبطنها إليه، وينصب اليمنى.
"جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم اليسرى ونصب الأخرى, وقعد على مقعدته" هذا يسمى التورك، يقدم الرجل اليسرى فيدخلها تحت رجله اليمنى، وإن جعلها بين ساقه وفخذه وأمكنه ذلك من غير مشقة فقد جاءت به السنة، الحديث في سنن أبي داود، إن أمكنه ذلك من غير مشقة، لكن إذا كان ممن يحمل اللحم لا يمكنه ذلك.(26/23)
يتورك، إيش معنى يتورك؟ يدخل رجله اليسرى تحت رجله اليمنى، تحت ساقه الأيمن، وينصب الأخرى التي هي اليمنى ويقعد بمقعدته -عجيزته- على الأرض، هذا وضع الجلوس في التشهد الأخير، والعلماء يختلفون في كيفية الجلوس في التشهد الأول والثاني، فعند الحنفية الافتراش في كل جلوس، ما عنده شيء اسمه تورك، يفترشون في التشهد الأول والثاني، عند المالكية يتوركون في كل تشهد، عند المالكية يتوركون في كل تشهد، وعند الشافعية التورك في كل تشهد يعقبه سلام، في كل تشهد يعقبه سلام، وعند الحنابلة الافتراش في الأول، والتورك في الثاني على ضوء ما جاء في هذا الحديث، الحنفية ما عندهم إلا الافتراش، المالكية التورك مطلقاً في كل تشهد، الشافعية في كل تشهد يعقبه سلام، فهم يوافقون المالكية في تشهد الثنائية إذا لم يكن بعد التشهد سجود سهو، إذا كان بعده سجود سهو فإنه لا يعقبه السلام وحينئذٍ لا تورك ولو كان التشهد ثاني أخير، والحنابلة يفرقون بين التشهد الأول والثاني فيفترشون في الأول ويتوركون في الثاني، ولو كان بعده سجود سهو على ضوء ما جاء في حديث أبي حميد، والحديث مخرج في الصحيح، وبينه أبو حميد بين جمع من الصحابة.
هذا سؤال.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
بس أشوف هذا السؤال من الإنترنت.
يقول: هناك من لا يستطيعون الاعتدال في الجلوس بين السجدتين فيرفعون رؤوسهم قليلاً ثم يسجدون بحجة أن الجلوس باعتدال بين السجدتين متعبة لأسباب جسدية؟
لا حرج عليه، الذي لا يستطيع .. ، الذي لا يستطيع أن يؤدي ما أمر به فإنه لا يلزمه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والقيام ركن من أركان الصلاة، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمران بن حصين: ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع .. )) والتكاليف كلها مقرونة بالاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.(26/24)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (13)
تابع شرح: باب صفة الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال -رحمه الله-:
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض)) .. إلى قوله: ((من المسلمين))، ((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت, أنت ربي وأنا عبدك)) .. إلى آخره، رواه مسلم.
وفي رواية له: "أن ذلك في صلاة الليل".
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في دعاء الاستفتاح للصلاة وهو واحد من أدعية وأذكار تقال بعد التكبير وقبل القراءة، ويأتي شيء منها، المقصود أن هذا الاستفتاح الذي يرويه علي بن أبي طالب مخرج في صحيح مسلم "عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه كان إذا قام إلى الصلاة" (قام إلى الصلاة) فهم بعضهم أن هذا القيام من النوم، وأن هذا في صلاة الليل، لكن ليس من الأدلة ما يدل عليه، بل جاء ما يدل كما في سنن أبي داود أنه في المكتوبة، ولذا تعقب الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- الحافظ في وهمه هذا في رواية له: أن ذلك في صلاة الليل، لا يدل .. ، ليس فيه ما يدل على أنها صلاة ليل، فالشيخ نبه على أن هذا وهم من الحافظ، وذلك في تعليقه على فتح الباري، بل نص أبو داود في روايته على أنها في المكتوبة، وهي أيضاً في صحيح ابن حبان نص على أنها في المكتوبة.(27/1)
"أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: ((وجهت وجهي)) ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض)) " يعني قصدي واتجاهي لله -عز وجل- الذي فطر ابتدأ خلق السماوات والأرض، "إلى قوله: ((من المسلمين)) " ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض)) ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)) هذا دعاء الاستفتاح يرويه علي -رضي الله عنه- كما في الصحيح -صحيح مسلم- بهذا اللفظ، والتقييد بصلاة الليل كما نبه الحافظ على ذلك وهم منه، بل جاء ما يدل على أنه في المكتوبة، ولا يمنع أن يقال في صلاة الليل؛ لأن ما يقال في الفريضة يقال في النافلة، وهذا أحد أدعية الاستفتاح، وسيأتي الاستفتاح في حديث أبي هريرة وفي حديث عمر وغيرها من أنواع الاستفتاح.
وهل يقال كل ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أدعية الاستفتاح بأن يجمع هذا -يضم- إلى استفتاح حديث أبي هريرة؟ ويضم الاستفتاح الوارد في حديث عمر؟ تضم جميعها فتقال في وقت واحد، أو يرجح بين هذه الاستفتاحات ويقتصر على أصحها وأقواها؟ أو يكون اختلافها من باب اختلاف التنوع فيستفتح بهذا مرة، وبذاك أخرى، والثالث ثالثة وهكذا؟ وهذا هو المتجه لأنه ما دام ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قالها كلها فعلى المسلم أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام- فيستفتح مرة بهذا، ومرة بذاك، ومرة بالثالث حتى يأتي على جميع ما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام-، أو ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، وقل مثل ذلك في التشهد على ما سيأتي، التشهد في حديث ابن مسعود، تشهد ابن مسعود، تشهد ابن عباس، تشهد عمر .. إلى غيره، فهذا من اختلاف يسميه أهل العلم اختلاف تنوع، وليس باختلاف تضاد حتى يطلب الترجيح.
هل نحن بحاجة إلى شرح مفردات الحديث أو هو واضح؟ ننتقل إلى استفتاح أبي هريرة؟
وفيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سم.(27/2)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر للصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ فسألته, قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)) متفق عليه".
حديث عمر.
"وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك, وتعالى جدك, ولا إله غيرك" رواه مسلم بسند منقطع, والدارقطني موصولاً وهو موقوف".
طيب ونحوه.
"ونحوه عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- مرفوعاً عند الخمسة، وفيه: وكان يقول بعد التكبير: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) ".(27/3)
هذا الاستفتاح الوارد في حديث أبي هريرة "قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كبر في الصلاة" كبر تكبيرة الإحرام "سكت" وكان من حرص أبي هريرة وهو من أحرص الناس على الخير، وفي رواية: "على الحديث" سأل النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسكت هنيهة, أي وقت لطيف، قبل أن يقرأ, بين تكبيرة الإحرام وبين قراءة الفاتحة يسكت، فسأله أبو هريرة لحرصه على الخير، لحرصه على الاقتداء، فقال: " ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)) " معناه: اللهم اجعل لي من تقواك وخشيتك ما يحول بيني وبين الخطايا، ويبعدني عنها ويبعدها عني كما بعد المشرق والمغرب، فكون أنه يستحيل التقاء المشرق بالمغرب فاجعل مباشرتي للذنوب والخطايا مستحيلاً كاستحالة لقاء المشرق بالمغرب، (( .. بيني وبين خطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي)) نقني وطهرني ونظفني من خطايا، من هذه الذنوب التي اقترفتها، ((كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) وهذا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، المعصوم يقول هذا الكلام، وهذا من باب التعليم لأمته -عليه الصلاة والسلام- الذين يباشرون هذه الخطايا والذنوب، فكونه -عليه الصلاة والسلام- يطلب هذا من ربه ليقتدى به في ذلك أن يطهر وينقى من الذنوب والخطايا وهو معصوم من وقوعها، وقد يقال: إن الخطايا بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- فعل خلاف الأولى، من باب ما يقولون: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فيريد أن يباعده، يطلب من الله -جل وعلا- أن يباعده من فعل خلاف الأولى، كما باعد بين المشرق والمغرب، وأن يطهره من هذا الفعل، وأن ينقيه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس بالغسيل، بالماء وغيره من المنظفات ((اللهم نقني من خطايا)) ((اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)) التنقية تخلية، والغسيل إيش؟ تحلية، والتخلية قبل التحلية، إذا جئت بثوب فيه بقع وأردت تنظيفه أول ما تبدأ بإزالة هذه البقعة، ثم بعد ذلك تنظفه، إذا أردت أن تصبغ الجدار وفيه بقع قد تظهر وتؤثر على السبغ(27/4)
الجديد تحرص على إزالة هذه البقع من باب التخلية، ثم بعد ذلك تأتي إلى التحلية، في حديث الدعاء للميت ماذا نقول؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هل المناسب ترتيب الجملتين هنا أو ترتيب الجملتين في دعاء الميت؟ أو مساقهما واحداً؟ هناك: ((اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا)) وهنا: "اللهم نقه، اللهم اغسله" أيهما أنسب أن يدعى به؟ ينقى ثم يغسل أو يغسل ثم ينقى؟ ينقى ثم يغسل هذا أولى، قد يكون هذا بالنسبة للحي أولى وذاك بالنسبة للميت أولى، إذا جزمنا بأن هذا هو الترتيب النبوي، وإلا إذا أوردنا احتمال أن هذا من تصرف الرواة، وتجوز الرواية بالمعنى والتقديم والتأخير بما لا يخل بالمعنى كما أجازه جمهور أهل العلم، نقول: لعل هذا من تصرف الرواة.
هذا الحديث يقول فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم باعد بيني)) وهذا متفق عليه في الصحيحين، خص نفسه بالدعاء، خص النبي -عليه الصلاة والسلام- نفسه بالدعاء، ((اللهم باعد بيني)) ما قال: باعد بيننا، وجاء في حديث حسن في ذم الإمام الذي يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين، جاء ذمه الذي يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين، في تعارض وإلا ما في تعارض؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- خص نفسه: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) نعم في تعارض وإلا ما في؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ كل مصلي يقول هذا الدعاء، لو ما قال هذا الدعاء، قال: "سبحانك اللهم بحمدك تبارك اسمك" .. إلى آخره، ما دعا، فالإمام خص نفسه بالدعوة دونهم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(27/5)
جهر؟ طيب، ابن خزيمة ومنزلته عند أهل العلم في هذا الباب، في باب التأليف والتوفيق بين الأحاديث المتعارضة معروفة عند أهل العلم في باب مختلف الحديث، ونقل عنه أنه كان يقول: "لا يوجد حديثان عن النبي -عليه الصلاة والسلام- متعارضان، فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما" ابن خزيمة وهو إمام الأئمة هنا في هذا الباب ما استطاع أن يوفق، فحكم على الحديث الآخر بأنه موضوع؛ لأنه معارض بهذا الحديث الصحيح، لكن شيخ الإسلام له رأي، له رأي، يقول: "إن النهي عن الدعاء من قبل الإمام بخصوصه دون المأمومين هذا خاص بالدعاء الذي يؤمن عليه كدعاء القنوت" يعني لو صليت خلف إمام وراءه صفوف من المصلين، فيقول: "اللهم اهدني فيمن هديت" والمأمومين يقولون: "آمين"، "اللهم عافني في من عافيت" يتصور هذا؟ هذا يصلح؟ لا، لا، هذا الدعاء الذي يؤمن عليه، هذا شيخ الإسلام يقول هذا، وأنه خاص بالدعاء الذي يؤمن عليه، ومنهم من يقول -وذكره السخاوي-: إن هذا المنهي عنه الدعاء الذي ينفرد به الإمام دون ما يشرع للجميع، دون ما يشرع للجميع، يشرع للإمام أن يستفتح، يشرع للمأموم أن يستفتح، يشرع للإمام أن يدعو بين السجدتين، يشرع للمأموم أن يدعو .. ، وهكذا، لكن ليس للإمام أن يدعو بدعاء مطلق في السجود أو بعد التشهد بدعاء يخص نفسه به فيقع في المحظور.
((كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)) بالماء والثلج والبرد الآن هل المناسب لإزالة الأوساخ الماء الحار وإلا الماء البارد؟ نعم، يعني الملابس تغلى وإلا .. ؟ نعم ليذهب وسخها ودرنها وإلا يعمد إلى الماء البارد وتزال به الأوساخ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني الماء الحار أنسب لإزالة الوسخ، لكن قالوا: إن الذنوب لها حرارة، حرارة في القلب يناسب هذه الأمور، وهذه الأشياء الباردة تناسب هذه الحرارة.(27/6)
أما الحديث الثالث في تشهد عمر -رضي الله عنه- يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك" سبحانك اللهم وبحمدك "وتبارك اسمك, وتعالى جدك, ولا إله غيرك" رواه مسلم بسند منقطع, ورواه الدارقطني موصولاً، وهو موقوف" على عمر -رضي الله عنه-، أما كونه موقوف على عمر هو صحيح، صحيح لا إشكال فيه من قول عمر -رضي الله عنه-، كونه عند مسلم بسند منقطع لأنه من رواية عبدة بن أبي لبابة عن عمر ولم يسمع من عمر، ولم يسمع من عمر، والنووي يعتذر عن مسلم -رحم الله الجميع- بأن مسلماً أورده عرضاً لا قصداً، عرضاً لا قصداً، إيش الجواب هذا؟ أقول: هذا الجواب وجيه وإلا ليس بوجيه؟ نعم هذا ليس بوجيه، هذا الجواب ليس بوجيه، أورده مسلم في صحيحه وهو في الجملة صحيح إلى عمر، وهو في الجملة صحيح إلى عمر -رضي الله عنه-.
كان يقول -يعني بعد تكبيرة الإحرام-: "سبحانك اللهم وبحمدك" أي أسبحك حال كوني متلبساً بمحمدك، "تبارك اسمك" تبارك اسمك: تعالى وتعاظم "تعالى جدك" حظك ارتفع "ولا إله غيرك، ولا رب سواك" لا إله غير الله، تعالى جدك في سورة الجن {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [(3) سورة الجن] والجد: هو الحظ والنصيب "ولا ينفع ذا الجد منك الجد" يعني لا ينفع صاحب الحظ منك حظه، بعض المفسرين يقولون: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [(3) سورة الجن] يقولون: هذا من قول الجن وهذا من جهلهم، حيث توهموا أن له جداً، لكنه قول ضعيف لا حظ له من النظر، يعني إذا جهل الجن وتوهموا أن له جداً فكيف يقال بالنسبة لمثل هذا: "تعالى جدك"؟ فالجد: هو الحظ والنصيب.(27/7)
فالحديث منقطع عند مسلم موصول عند الدارقطني وهو صحيح ثابت عن عمر -رضي الله عنه- من قوله، وعمر -رضي الله عنه- خطب به على المنبر، ولذا يرجحه جمع من أهل العلم، الإمام أحمد عنده أرجح أنواع الاستفتاح هذا، الإمام أحمد .. ، الحنابلة أرجح أنواع الاستفتاح عنده وأذكار وأدعية الاستفتاح هذا؛ لأن عمر -رضي الله عنه- خطب به على جمع من الصحابة، وما أنكره أحد، وإن كان الذي قبله من حديث أبي هريرة متفق عليه موصول، مرفوع، ما فيه إشكال، وهو أصح منه، ومثل ما قدمنا ينبغي أن يكون المسلم متنقلاً بين هذه الاستفتاحات، فمرة يستفتح باستفتاح أبي هريرة، ومرة باستفتاح علي، ومرة باستفتاح عمر، ومرة بغيره من الاستفتاحات، وهناك الاستفتاحات المطلقة كما ذكر، واستفتاحات في صلاة الليل وغير ذلك.
يقول: "ونحوه" يعني نحو حديث عمر -رضي الله عنه- "عن أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعاً عند الخمسة" الخمسة: أحمد، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، "عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً عند الخمسة" الإمام أحمد يقول: لا يصح هذا الحديث، حديث أبي سعيد، يعني أنه لا يصح مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن صح عن عمر، والألباني -رحمه الله تعالى- صححه، صحح حديث أبي سعيد في الإرواء وغيره من مؤلفاته، فكونه يثبت موقوفاً على عمر لا يعني أنه يثبت مرفوعاً، لكن هل الحديث الضعيف ينجبر بالموقوف، هل المرفوع ينجبر بالموقوف أو لا ينجبر؟ وهل يختلف الأمر فيما إذا كان قائل للموقوف هو راوي المرفوع أو غيره؟ يعني لو قلنا: إنه حديث عمر يروى عنه موقوفاً بسند صحيح ومرفوعاً بسند ضعيف، هل نقول: إن الموقوف يجبر المرفوع أو نقول: إن المرفوع يعل بالموقوف؟ أو إذا كان حديث آخر واحد موقوف بسند ومرفوع عن صحابي آخر يختلف الأمر أو لا يختلف؟ لأن من رأى أن حديث أبي سعيد المرفوع ينجبر بالموقوف -وهذا صنيع الشيخ الألباني -رحمه الله- يصحح، ومن رأى أن المرفوع يعل بالموقوف ضعّف، كما هو صنيع الإمام أحمد، والشيخ الألباني -رحمه الله- جارٍ على قواعد المتأخرين، والإمام أحمد جارٍ على طريقة المتقدمين في بيان العلل والحكم بالقرائن.(27/8)
حديث أبي سعيد ضعيف، والزيادة التي فيه "وفيه: وكان يقول بعد التكبير" هذه لها شواهد، ولها طرق تبلغ بمجموعها درجة الصحيح لغيره "كان يقول بعد التكبير: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) " ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) هذا تابع للاستفتاح أو لبداية القراءة؟ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] أقول: هل هذا من الاستفتاح أو هذا للبداءة في القراءة؟ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} يعني: إذا أردت القراءة فاستعذ بالله؟ نعم؟ هذا من الاستفتاح بمعنى أنه يقول الاستفتاح الذي ذكر ويتبع الاستفتاح: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم يستعيذ للقراءة ويبسمل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذن هو من أجل القراءة، وهل للقارئ خارج الصلاة أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ القرآن؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يا إخوان؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(27/9)
القراءة لا شك أنها لها استعاذة، والاستعاذة بهذه الصيغة المقرونة بدعاء الاستفتاح، نسأل ثانية، نقول: هل هي تابعة للاستفتاح بمعنى أنه يستعيذ ثانية للقراءة، أو نقول: إن هذه للقراءة؟ وعلى هذا يكون مثل هذا إذا قيل في الصلاة ففي خارج الصلاة من باب أولى؛ لأن الأمر فيها أوسع، فإذا أراد قراءة القرآن خارج الصلاة يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ ما شاء، نعم يعني هذا خاص بما كان داخل الصلاة، ويستعيذ للقراءة أو لا يستعيذ؟ لأنه مأمور بالاستعاذة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] وإذا استعاذ للفاتحة لقراءة الفاتحة هل يستعيذ .. ؟ هل يستعيذ لقراءة السورة؟ وإذا قلنا: إن قراءة الركعة الواحدة قراءة واحدة تكفي استعاذة واحدة هل يستعيذ للركعة الثانية أو تكفي الاستعاذة الأولى بناءً على أن قراءة الصلاة بمجموعها قراءة واحدة؟ الآن يا الإخوان القارئ أليس مأموراً بالاستعاذة؟ مأمور، طيب، استعاذ وقرأ ثم طبق المصحف وراح يشرب ورجع يستعيذ؟ نعم يستعيذ، هل نقول: إن مثل هذا التصرف يشبهه قراءة الركعة الثانية؟ يعني ترك القراءة ثم رجع إليها، أو نقول: قراءة الصلاة قراءة واحدة فتكفي استعاذة واحدة؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن معنا وإلا ما أنت معنا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم إيه المسألة يختلفون فيها تبعاً لاختلافهم في القراءة، هل القراءة واحدة مع وجود هذه الفواصل المشروعة؟ نعم، كما لو مر عليه وهو يقرأ آيات رحمة، وأكثر من سؤال الله -عز وجل-، والتضرع بين يديه ثم رجع إلى القراءة هو في حكم القراءة المتتابعة؛ لأن هذا من لواحق هذه القراءة، مر بآية تسبيح، مر بآية عذاب وما أشبه ذلك فأكثر من هذه الأشياء ثم رجع للقراءة، نقول: هو مازال في القراءة، ولذا يختلفون في مثل هذا، فمنهم من يرى أن قراءة الصلاة قراءة واحدة تكفي فيها استعاذة واحدة، وأما بالنسبة للبسملة فسيأتي الكلام فيها، ومنهم من يقول: لا، كل ركعة قراءة مستقلة، لوجود الفاصل الطويل، لوجود الفاصل الطويل استعاذة، وكان الاستئناف وجيه، الاستئناف وجيه، نعم؟(27/10)
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذه سجدة يسيرة، أما يمكن يتصور في الصلاة أن يطيل الركوع، يطيل الرفع، يطيل السجود، يطيل الفصل في القراءة، وعلى كل حال المسألة قابلة، يعني نظير ما قيل في صيام رمضان هل هو عبادة واحدة أو عبادات متعددة؟ هل تكفي فيه نية واحدة أو يحتاج إلى نيات كل يوم بيومه؟ نظير الخلاف في هذا.
يقول: "ونحوه عن أبي سعيد -رضي الله عنه- مرفوعاً عند الخمسة، وفيه: وكان يقول بعد التكبير: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم, من همزه ونفخه ونفثه)) " الصيغة، صيغة الاستعاذة للقراءة الصيغة المشروعة هل المشروع أن يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم -كما هنا- أو يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ الاستعاذة جاءت في القرآن مقرونة بالاسمين السميع العليم، ومجردة عنهما {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] نعم، من إيش؟ فيه السميع العليم؟ ما في السميع العليم {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ} [(36) سورة فصلت]
طالب:. . . . . . . . .
نعم فجاءت مرة مقرونة بالاسمين ومرة مجردة، لكن آية النحل التي هي أقرب إلى ما معنا ليس فيها ذكر للسميع العليم؛ لأنك وأنت تستعيذ تمتثل ما أمرت به {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [(98) سورة النحل] فإذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم امتثلت الأمر، لكن هل نقول: إن هذا أكمل أو أكمل منه أن يأتي بمثل هذا الصيغة الموجودة في هذا الحديث أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؟ محل نظر عند أهل العلم، وكثير منهم يرجح أنه بدون هذين الاسمين.(27/11)
((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) السميع للأقوال، والعليم بالأفعال والأحوال والضمائر، ((من الشيطان الرجيم)) فعيل بمعنى مفعول يعني مرجوم ((من همزه)) همز الشيطان وهو الجنون ((ونفخه)) والمراد به الكبر، الشيطان ينفخ الإنسان فيتكبر على أقرانه، فالكبر من الشيطان، ((ونفثه)) العلماء فسروا النفث بالشعر، ومنهم من فسره بالسحر، السحر يستعاذ منه على كل حال، والشعر يستعاذ مما اشتمل على هجاء أو فخر أو غزل أو ما أشبه ذلك، هذا يستعاذ منه، وهو من نفث الشيطان.
حديث عائشة، سم.
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة: بـ (الحمد لله رب العالمين)، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه, ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وإذا رفع من السجود لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان, وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم" أخرجه مسلم, وله علة".
هذا حديث عائشة وهو من الأحاديث التي يدور عليها الباب في بيان صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أهم ما يشرح في هذا الباب حديث المسيء وقد تقدم، وحديث أبي حميد، وحديث عائشة الذي معنا.
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" و (كان) تدل على الاستمرار، "يستفتح" المقصود به يفتتح، وليست السين والتاء هنا للطلب، "يستفتح الصلاة بالتكبير" جنس الصلاة، أي صلاة تستفتح بالتكبير، الفريضة والنافلة، الصلوات العامة من الخمس وغيرها، والخاصة الجنائز والكسوف والعيدين وغيرها من الصلوات كلها يستفتح جنس الصلاة بالتكبير، السجود سجود الشكر والتلاوة عند من يرى أنها من الصلاة يقول: تستفتح بالتكبير، مفتاحها التكبير لأنها صلاة، والذي يقول: إنها ليست بصلاة يقول: لا يلزم التكبير، وتأتي في موضعها -إن شاء الله تعالى-، لكن جنس ما يسمى صلاة يستفتح بالتكبير.(27/12)
"الصلاة بالتكبير والقراءة" المقصود بالقراءة قراءة القرآن، فلا يستدل بهذا على عدم مشروعية الاستفتاح كما يقول المالكية، يكبر ويقرأ على طول، "يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ (الحمد لله) " نقول: نعم يستفتح القراءة بـ (الحمد لله)، لكن هل في ذلك ما ينفي أن الصلاة تستفتح بغير القراءة، في أدعية الاستفتاح وأذكار الاستفتاح؟ ليس في الحديث ما يدل على نفي ذلك وإن قال به المالكية.
"والقراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) " القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين)، قد يستدل بهذا من يرى عدم مشروعية البداءة بالبسملة، والاستعاذة كما يقوله المالكية أيضاً، يستفتح القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) ويستدل به من لا يرى الجهر بالبسملة، فتستفتح القراءة المجهور بها بالحمد لله رب العالمين، وأما ما يسر كالاستفتاح والاستعاذة والبسملة فهو يكون واقعاً بين التكبير وقبل القراءة، وأما القراءة فتستفتح بالحمد، وللشافعية أن يقولوا: إن المراد بـ (الحمد لله رب العالمين) السورة بما في ذلك البسملة، فيجهر بالبسملة على ما سيأتي في حكم الجهر بالبسملة.
"يستفتح القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) " الحمد: بالضم على الحكاية لأنك تحكي آية كما هي في القرآن، تستفتح القراءة، قراءة القرآن بسورة الفاتحة، بجميع ما اشتملت عليه من آياتها السبع، والبسملة، وقبلها الاستعاذة والاستفتاح.(27/13)
"وكان إذا ركع -عليه الصلاة والسلام- لم يشخص" يشخص: يعني يرفع رأسه {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] ترتفع الأبصار، والروح إذا خرجت شخص البصر، يعني تبع الروح، ارتفع البصر "لم يشخص رأسه" يعني لم يرفعه "ولم يصوبه" لم ينزل رأسه عن مستوى رأسه، فالتصويب: الإنزال والخفض، ومنه سمي المطر الصيب لأنه ينزل "ولم يصوبه" بل يستوي رأسه مع ظهره، وذكرنا صفة ركوعه -عليه الصلاة والسلام- فيما سبق، وأنه جاء في وصفه في بعض الروايات: "أنه لو صب الماء على ظهره لاستقر" مستوي، خلافاً لما يفعله كثير من أهل الغفلة من الركوع بما يشبه القيام، أو من أهل زيادة الحرص والتحري مع الجهل بحيث يكون رأسه قريباً من ركبتيه، وهذا يوجد مع الجهل، حرص مع جهل، وذاك يوجد مع الغفلة والتساهل، وصنيعه -عليه الصلاة والسلام- وسط.
"وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك" يكون ركوعه بين ذلك، بين الأشخاص والتصويب فيكون مستوياً معتدلاً، إذا رفع من الركوع، رفع: قام من الركوع، لم يسجد حتى يستوي جالساً، بل يطمئن -عليه الصلاة والسلام- قائماً، كما جاء في أمره المسيء صلاته بذلك ((ثم ارفع حتى تطمئن رافعاً)) قائماً، خلافاً لما يفعله بعض من ينتسب إلى أبي حنيفة من عدم الطمأنينة، فتجده مجرد ما يرفع رأسه من الركوع يخر ساجداً، أين الطمأنينة المأمور بها؟ صلاته على هذه الهيئة باطلة؛ لأن الطمأنينة ركن، ونص عليها في حديث المسيء في جميع الأركان لأهميتها.
"وكان وإذا رفع من السجود لم يسجد حتى يستوي جالساً" ويقال فيه ما قيل في سابقه، "وكان يقول في كل ركعتين التحية" وكان يقول في كل ركعتين التحية والمراد بذلك التشهد المفتتح بالتحيات، كان يقول في كل .. ، يعني بعد كل ركعتين يقول التحية، فيتشهد بالتحيات لله .. إلى آخره، على ما سيأتي مما ورد من أنواع التشهدات، تشهد ابن مسعود، تشهد ابن عباس، تشهد عمر .. إلى آخره، المقصود أنه جاءت صيغ وألفاظ، وكل إمام من الأئمة اختار واحداً منها، وسيأتي الكلام فيها -إن شاء الله تعالى-.(27/14)
"وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى" وجاء بيان ذلك أنه في التشهد الأول يفعل هذا، ويسمى الافتراش ويفعله أيضاً بين السجدتين، أما بالنسبة للتشهد الثاني فقد تقدم في حديث أبي حميد أنه يتورك فيه، يتورك فيه، ومضى بيان معنى الافتراش والتورك ومذاهب أهل العلم في ذلك.
"وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان" عقبة الشيطان سيأتي تفسيرها -إن شاء الله تعالى- في المنهيات، في المنهيات التي نهي فيها المسلم أن يشابه في صلاته الحيوانات "وينهى أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السبع" وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- بأن يلصق ذراعيه في الأرض، "وكان يختم الصلاة بالتسليم" وكان يختم الصلاة بالتسليم قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، السلام عليكم عن يساره، وسيأتي ما فيه -إن شاء الله تعالى-.
"أخرجه مسلم" أخرجه الإمام مسلم في صحيحه "وله علة" له علة، علته هي أن مسلماً -رحمه الله- خرجه من رواية أبي الجوزاء عن عائشة، وابن عبد البر وغيره على أن أبا الجوزاء لم يسمع من عائشة فهو منقطع، هذه علته، هذه علته، وهي علة ظاهرة، يعني يشملها مسمى العلة الأعم، لكن لو كانت خفية شملها مسمى العلة الأخص، أعل أيضاً بأن مسلماً أخرجه من طريق الأوزاعي مكاتبة، مكاتبة، الأوزاعي عن قتادة مكاتبة، ومعروف أن قتادة ولد أكمه، وكاتبه مجهول، هذه علة، المقصود أن الحديث وإن كان معلاً عند مسلم إلا أنه مروي من طرق عند أحمد وأبي داود وغيرهما، فالحديث صحيح، الحديث صحيح لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك.(27/15)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (14)
تابع: شرح باب: صفة الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول: ما رأيكم في تحقيقات الهيثمي والزيلعي للأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً؟
الهيثمي لو اعتنى بقدر ما عنده من علم بالحديث، وحكم على الأحاديث بعد النظر التام فيها، لكن غالب أحكامه مختصرة، وكثيراً ما يقتصر على قوله: رجاله موثقون، ويكتفي بهذا، طيب موثقون ماذا تعني موثقون؟ يعني إذا صدر من أي إمام من أئمة الحديث توثيق لهذا الراوي ولو كان الجمهور على خلافه صار موثقاً، لا يعني أنه موثق يعني ثقة، لا، ورواته ثقات إلا فلان، فيه فلان، وفيه كلام، يعني ما يصدر أحكام دقيقة يصدر عنها طالب العلم وإلا فهو إمام من أئمة هذا الشأن.
والزيلعي لا سيما في نصب الراية يفيض في تخريج الأحاديث، والكلام على رواتها، عنده نفائس في كتابه هذا، لكنه لم يبرأ من تأثير المذهب، فإذا تكلم في الأحاديث التي يستدل بها الحنفية لا شك يجيد، لكن إذا استدل بأحاديث أو ذكر أحاديث الخصوم يسميهم خصوم، من المذاهب الأخرى قد يحمله مذهبه من حيث يشعر أو لا يشعر على عدم الدقة في بعض الأحكام على بعض الأحاديث، وعلى كل حال يستفاد من هذه الكتب، يستفاد من هذه الكتب ولا يسلم القياد بإطلاق لهؤلاء، وإن كانوا من علماء هذا الشأن.
يقول: ما هي أفضل طبعات تفسير البيضاوي؟(28/1)
ما أدري ويش اللي دخل التفسير عندنا؟ تفسير البيضاوي تفسير متوسط، وهو تفسير بالرأي، وفيه بعض المخالفات العقدية، لكن العناية به من قبل أهل العلم ظاهرة، عليه حواشي كثيرة، ومفيد ونافع لا سيما فيما يتعلق بالصناعة اللفظية، نافع، لكن من أراد أقوال السلف في التفسير فعليه بتفسير ابن كثير فهو تفسير متوسط، وفيه أقوال السلف، على كل حال هذا يسال عن تفسير البيضاوي، تفسير البيضاوي طبع مراراً كثيرة، في تركيا طبع يمكن عشر مرات، وطبع معه حواشي مطولة ومختصرة، مطولة ومختصرة، فالأفضل للإنسان أن يأخذ حاشية من هذه الحواشي، وهي مصورة موجودة على أن يقتني صورة عن الطبعات القديمة، وإلا فالحواشي طبعت طبعات أخيرة بصف جديد فيها أخطاء كثيرة، يعني لو اعتنى بصورة من طبعة بولاق لحاشية الشهاب، واستفاد من التفسير وما كتبه صاحب الحاشية في ثمانية مجلدات، يعني يرجع إلى الحاشية عند الحاجة.
يقول: هل يطلق على الحافظ ابن حجر أنه أشعري؟
هو لا شك أنه تأثر ببيئته الأشعرية، وفي كتابه -أعني فتح الباري- نقل أقوالهم وأقوال غيرهم، يعتني بأقوال السلف ويذكر أقوال المخالفين لمسائل الاعتقاد، وهو مضطرب لا ينسب إلى مذهب معين، وإن كانت بيئته أشعرية؛ لأنه أحياناً يرجح أقوال السلف.
يقول: ما رأيكم فيمن يتهم المنهج السلفي بضيق الأفق والتعصب؟
إيش التعصب؟ التعصب لمن؟ إن كان التعصب للحق فمطلوب من كل مسلم أن يتعصب للحق.
هل ورد. . . . . . . . .؟
أكثر من كتاب طبع بهذا الاسم، لكن المعروف .. ، أنا أعرف ثلاثة كتب طبعت بهذا، والذي يغلب على الظن أن السائل يسأل عن الباعث الحثيث للشيخ أحمد شاكر، الباعث الحثيث تعليقات على اختصار علوم الحديث للشيخ أحمد شاكر، والأصل للحافظ ابن كثير اختصر فيه ابن الصلاح.
الفردوس للديلمي؟
هذا كتاب جمع فيه مؤلفه أحاديث لا خطام لها ولا زمام، بل ما تفرد به صاحب الفردوس، أو مسند الفردوس للولد وهو أمثل من أصله فهو ضعيف عند أهل العلم.
. . . . . . . . . ... ومسند الفردوس ضعفه شُهر
يقول: ما أفضل شرح لأبي داود؟(28/2)
شرح الخطابي نفيس: (معالم السنن) على اختصاره، وإذا قرئ معه (عون المعبود) أو (بذل المجهود) أو (المنهل العذب المورود) للشيخ محمود خطاب، كفى -إن شاء الله-، مع تهذيب ابن القيم الذي لا يستغني عنه طالب علم.
النسائي شروحه في غالبها مختصرات، (زهر الربى) للسيوطي، وحاشية السندي، والتعليقات السلفية، هناك أيضاً شرح معاصر مطول على سنن النسائي للشيخ محمد علي آدم معاصر موجود، يبلغ الأربعين مجلداً، ولكنه الآن يسعى لاختصاره ليكون في نصف هذا الحجم.
يقول: هل هناك أصل لإعلان إسلام الكافر في المسجد وتكبير الناس لذلك، ومصافحتهم له وعناقهم إياه؟
أصل لهذه المسألة بخصوصها قد لا يوجد، لكن عمومات في الشريعة، كون الإنسان يشهر إسلامه له أصل، كثير من الصحابة أشهروا إسلامهم بين الملأ وأعلنوه، وفي المسجد أيضاً ليعرف الناس أن هذا صار أخاً لهم، له ما لهم، وعليه ما عليهم من الحقوق، وتكبير الناس فرحاً بذلك لا يوجد ما يمنع، وأيضاً مصافحتهم له، واحتفاؤهم به، وعناقهم إياه، كل هذا من باب التشجيع على مثل هذا العمل الطيب، والفرح بما يسر المسلم.
هل يستوي حال النساء مع الرجال أو الرجال مع النساء في المجافاة بين العضدين في السجود؟
معروف أن الفقهاء ينصون على أن المرأة تجتمع وتلتئم وتنظم لكونه أستر لها، لكن في الصحيح -في صحيح البخاري-: "كانت أم الدرداء تجلس جلسة الرجل، وكانت فقيهة" ولا يعرف شيء يخص النساء في هذا الباب، فالأصل أن النساء داخلات في خطاب الرجال.
الأسئلة كثيرة جداً يا الإخوان.
يقول: بعض من يبيع السواك ... ؟
يبيع السواك إن أراد الجنس، جنس السواك، لا بأس، لكن هو لا يبيع سواك واحد، وجمع السواك إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟ جمع السواك؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
جمع السواك، سُوك، سُوك.
يقول: يبيعه بين الأذان والإقامة ما حكم ذلك؟
البيع بين الأذان والإقامة لا بأس به، لا بأس به، إنما الممنوع البيع بعد نداء الجمعة الثاني، أو إذا كان هذا البيع عقد يمتد إلى أن يفوت الجماعة فهذا يمنع لهذا لما يفضي إليه، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.(28/3)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة, وإذا كبر للركوع, وإذا رفع رأسه من الركوع" متفق عليه.
وفي حديث أبي حميد عند أبي داود: "يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر".
ولمسلم عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- نحو حديث ابن عمر ولكن قال: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه".
نعم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(28/4)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه" و (كان) تدل على الاستمرار، وأنه ملازم لهذا، "يرفع يديه حذو منكبيه" حذو مقابل، والمنكبين: تثنية منكب، وهو مجتمع رأس العضد مع الكتف "إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع, وإذا رفع رأسه من الركوع" في ثلاثة مواضع، دل هذا الحديث عليها، أنه يرفع إلى أن يوازي ويقابل بيديه منكبيه، وفي حديث: "إلى فروع أذنيه" إلى فروع أذنيه، ومنهم من يقول: إن له أن لا يرفع إلى الأذنين بل يوازي المنكبين، ومنتهى الرفع إذا رفع يكون إلى فروع الأذنين، ومن أهل العلم -الشافعي- من جمع بجمع حسن بأن قال: "ظهور الكفين حذو المنكبين، وأطراف الأصابع إلى فروع الأذنين"، وهذا خلاف ما يفعله كثير من الناس في رفعهم عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع والرفع منه، كثير من الناس يرفع رفعاً هو أشبه بالعبث، مجرد ما يقول بيده كذا هاه، ما يرفع ولا شبر، يعني ما تصل إلى سرته بعض الناس، هذا عبث، أنت المفترض أنك مسلم تقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- تحرص على معرفة السنة، تحرص على تطبيق السنة، تحرص أيضاً وتفقه كيف تطبق هذه السنة؟ بعض الناس عند الرفع يمسك بأذنيه، هذا موجود، أو يضع إبهاميه في سماخيه، كل هذا خلاف السنة، فلا الغلو والزيادة على القدر المشروع ولا الجفاء والتقصير عن القدر المشروع، فيرفع يديه حذو منكبيه، يجعل ظهور كفيه حذو المنكبين، والأصابع تصل إلى فروع الأذنين، وبذلك تجتمع النصوص، أما متى يرفع؟ فالرفع مقارن للنطق، ينبغي أن يقارن النطق، "يرفع يديه إذا افتتح" وفي رواية: "حين يكبر للصلاة" حين يكبر، يعني وقت التكبير، مع التكبير، لكن إن تقدم الرفع على التكبير أو تأخر عنه فلا بأس، رفع يديه ثم كبر، كبر ثم رفع يديه كل هذا ثابت.(28/5)
مواطن الرفع: عند تكبيرة الإحرام، هذا لا يختلف فيه بين المذاهب الأربعة، بعض المذاهب البدعية لا ترى الرفع مطلقاً حتى عند تكبيرة الإحرام، والحديث رد عليهم، المواضع التي ترفع فيها اليدان عند تكبيرة الإحرام، وعرفنا أن هذا محل اتفاق بين المذاهب، لم يخالف في هذا من المذاهب المعتبرة أحد، عند الركوع والرفع منه يخالف في ذلك الحنفية، والجمهور على أن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة، سنة خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله-، هناك موضع رابع ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر إذا قام من الركعتين، إذا قام من الركعتين بعد التشهد الأول يرفع، وهذا هو الموضع الرابع، الحنابلة لا يثبتون هذا الموضع، لا يثبتون هذا الموضع، وإنما يكتفون بالثلاثة التي دل عليها هذا الحديث وما جاء في معناه، لا يثبتون الموضع الرابع لماذا؟ يعني هل خفي الحديث على إمامهم؟ هل خفي الخبر على كبار الأصحاب من الحنابلة؟ لا يقولون بهذا، الحديث لم يخف على الإمام أحمد، حديث ابن عمر، ولم يخف على كبار أصحابه بعد تدوين الكتب كالبخاري مثلاً، البخاري معروف لدى الخاص والعام، هل هؤلاء العلماء تعصبوا للإمام، وهل الإمام أعرض عن هذا الحديث من غير حجة؟ الحديث لم يثبت عند الإمام أحمد مرفوعاً، الراجح عند الإمام أحمد وقفه، وهو عند البخاري مرفوع، ترجح لديه رفعه، وأخرجه في الأصول معتمداً عليه، وهذه مسألة لا بد أن ينتبه لها، كثير من طلاب العلم ينتقص المذهب، لماذا؟ إذا انتقص مذهب الإمام أحمد ففي المذاهب الأخرى ما هو نظير هذا السبب الذي انتقص به الإمام أحمد ومذهب الإمام أحمد، لا تجد آحاد المتعلمين إلا في القليل النادر يعتذر لهؤلاء الأئمة، ولو قرأ في رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام ابن تيمية عرف كيف يعتذر للأئمة، هل الإمام أحمد مطالب بتصحيح البخاري؟ هو أعظم من البخاري، هو أعظم من البخاري، فالإمام أحمد لا يثبت عنده الخبر مرفوعاً، وهو من أهل النظر والاجتهاد، إمام من أئمة المسلمين في هذا، ومن أهل الورع والتقوى، ومن أهل الاقتداء والائتساء، لكن طالب العلم في مثل هذه الأوقات هل يرفع يديه بعد الركعتين لأن الخبر ثبت في أصح كتاب بعد كتاب الله -عز(28/6)
وجل-؟ أو يوازن بين أحمد والبخاري؟ نقول: ارفع يديك لكن لا تلم غيرك، شخص اقتدى بإمام تبرأ الذمة بتقليده ما يلام إذا كان من أهل التقليد، لكن أنت وقد تأهلت للنظر وتيسر لك البحث في الكتب، وعرفت أن هذا الخبر ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا مندوحة لك عن العمل به، لكن يبقى أنه يحفظ للأئمة أقدارهم، لماذا الإمام أحمد لا يرفع يديه بعد الركعتين؟ نقول: لم يثبت عنده الخبر مرفوع، والأئمة كثير من مخالفاتهم للنصوص إما لأن الخبر لم يبلغهم البتة، لا يفترض في إمام من أئمة المسلمين أن يحفظ جميع ما روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، إما أن يكون الخبر لم يبلغهم، أو يكون الخبر قد بلغهم على وجه لا تثبت به الحجة عندهم؛ لأن الإمام ما هو مكلف باجتهاد غيره، فهذه مسألة لا بد من التنبه لها، وهي أيضاً تجعلنا لا نلقي بالكلام على عواهنه بين آحاد المتعلمين، يعني الشخص الذي يقول عليه بتقليد الأئمة الكبار المتقدمين ونبذ قواعد المتأخرين، طيب إذا جاءك مثل هذا الحديث، وأنت تريد أن تحاكي المتقدمين ماذا تصنع؟ هل عندك معرفة وإحاطة بحيث تكونت لديك ملكة تحكم على الأحاديث من خلالها بقرائن؟ إلى الآن ما تأهلت، فعليك أن تتأهل قبل ذلك، ثم إذا تأهلت صرت أهلاً للنظر في الأحاديث والموازنة بينها لا بأس، لكن إذا كلف الطالب المبتدئ باقتفاء أثر المتقدمين ونبذ قواعد المتأخرين، وجاءه مثل هذا الحديث ماذا يصنع؟ ماذا يصنع؟ يقلد أحمد أو يقلد البخاري، كل منهما إمام، المقصود أن على طالب العلم المبتدئ ومن في حكمه أن يطلب العلم على الجادة، على الجادة وأن يتواضع في طلبه العلم، وأن يعرف للناس أقدارهم، وينزل الناس منازلهم، والله المستعان.
الرفع -رفع اليدين- سنة عند جماهير أهل العلم، رفع اليدين في المواضع الثلاثة أو الأربعة سنة عند جماهير أهل العلم لم يقل به إلا نفر يسير من أهل العلم.(28/7)
"في حديث أبي حميد" الذي تقدم شرحه في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو مخرج في الصحيح، لكن رواية أبي داود وهي زيادة صحيحة، هناك: رفع يديه حذو منكبيه، وهنا: "يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر" والمقصود من هذه الزيادة ليس المقصود الرفع عند تكبيرة الإحرام؛ لأنها تقدمت، إنما المقصود الرفع في المواطن الأخرى، ولذا على المؤلف أن يقول: الحديث .. ، ثم يكبر الحديث، ليعرف القارئ أن المقصود من إيراد هذا الحديث المواضع الأخرى، فأفاد هذا الحديث رفع اليدين في المواضع الثلاثة كسابقه.
"ولمسلم عن مالك بن الحويرث نحو حديث ابن عمر" الذي سبق في ذكر المواضع الثلاثة لرفع اليدين، "لكن قال: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه " وهذه في صحيح مسلم، وعرفنا كيف نوفق بين هذه الرواية التي تدل على أن الرفع يصل إلى فروع الأذنين، إلى فروع الأذنين يعني أطراف الأذنين، والتوفيق بينه وبين حديث: "حتى يحاذي بهما منكبيه" وأن ظهور الكفين يكون إلى المنكبين، وأطراف الأصابع تكون إلى فروع وأطراف الأذنين، وإن اقتصر على محاذاة المنكبين ولم يصل إلى فروع الأذنين تارة ورفع يديه حتى تصل إلى فروع الأذنين تارة فكل هذا ثابت، لكن يصل إلى هذا الحد، أقل الأحوال المنكبين، إما أن يرفع إلى السرة كما يفعل البعض .. ، كثير من الناس،. . . . . . . . . إيش؟ هذا رفع ذا؟ هذا عبث، أو يرفع قدر زائد ويمسك بأذنيه، أو يدخل إبهاميه في سماخيه، هذا أيضاً مبالغة لم يرد بها شرع، بعضهم يأخذ مدة وهو ممسك بأذنيه، كل هذا خلاف السنة، نعم.
"وعن وائل بن حجر -رضي الله تعالى عنه- قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره" أخرجه ابن خزيمة".(28/8)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن وائل بن حجر ... قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضع يده اليمنى على يده اليسرى" يعني أمسك بيده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ ووضع اليدين "على صدره" أخرجه ابن خزيمة" وهو صحيح بشواهده، وإن كان أصل الحديث في ابن خزيمة فيه مؤمَل بن إسماعيل وهو سيء الحفظ، لكن الحديث له شواهد يصح بها، يصل بها إلى درجة الصحيح لغيره، فهذه هي السنة، وهذا أقوى ما جاء في موضع اليدين، يضع اليمنى على يده اليسرى على صدره، الحديث إذا نظرنا إلى مفرداته فيها ضعف، لكن بمجموعها ترتقي إلى درجة الاحتجاج، والناس في هذا بين غالٍ وجافٍ، السنة وضع اليد على اليد اليمنى على اليسرى على الصدر، على الصدر هنا، وهناك من يغلو فيرفع يديه ويضعهما في عنقه، في عنقه، وقد يستدل لمثل هذا بقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] أي ضع يديك على النحر قيل هذا، وهذا فيه بعد شديد، المراد بالنحر هنا نحر ذبح النسك، ذبح النسك، صلِ لربك صلِ صلاة العيد، وانحر وتقرب إلى ربك بذبح النسك، والمرجح عند الحنابلة تحت السرة، تحت السرة يضع يديه كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
فوق أو تحت؟
طالب:. . . . . . . . .
فوق السرة، فوق السرة يعني تحت الصدر وفوق السرة، جاء فيه خبر لكنه ضعيف، جاء فيه خبر لكنه ضعيف، فأقوى ما يروى في هذا أن تكون اليدان يقبض باليمنى على اليسرى فوق أو على صدره كما هنا، النووي في كتابه المنهاج، المنهاج للنووي في أي علم يبحث؟
طالب:. . . . . . . . .
شرح صحيح مسلم لابن الحجاج؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(28/9)
لا، المنهاج متن من متون الشافعية، شرح بشروح كثيرة، (تحفة المحتاج) (نهاية المحتاج) (مغني المحتاج) (السراج الوهاج) كتب كثيرة شرحت هذا الكتاب، فهو متن معتمد عن الشافعية، يقول: "ويجعل يديه تحت صدره" تحت صدره، وهذا قريب من قول الحنابلة، تحت صدره، والنص الذي معنا: "على صدره" على صدره، فهذا أولى ما يقال في هذا الباب، يوجه بعض الشراح يقول: كأنهم جعلوا التفاوت بين الصدر وما فوق السرة تفاوت يسير لا يؤثر، على كل حال نتقيد بما ورد، وأقوى ما في الباب حديث وائل بن حجر.
يذكر عن مالك الإرسال إرسال اليدين، الذي ذكره مالك في الموطأ ما ذُكر هنا، وضع اليد اليمنى على اليسرى على صدره، ويروى عن مالك الإرسال، وصار إلى هذه الرواية أكثر المالكية، لكن المعروف عن مالك -رحمه الله تعالى- وهو المذكور في الموطأ وضع اليدين على الصدر كقول من يستدل بهذا الحديث وهو أولى وأصح ما ورد في الباب، نعم.
"وعن عبادة بن الصامت -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) متفق عليه، وفي رواية لابن حبان والدارقطني: ((لا تجزي صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)) وفي أخرى لأحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان: ((لعلكم تقرءون خلف إمامكم?)) قلنا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب, فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) ".
عبادة بن الصامت أحد النقباء شهد البيعة في العقبة الأولى والثانية والثالثة كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب، فهو من كبار الصحابة، من الأنصار.(28/10)
يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) " (لا) كما هو معروف نافية، ونافية للجنس ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) متفق عليه، والتقدير إما أن يقال: لا صلاة موجودة لمن لم يقرأ بأم القرآن، وهذا هو الأصل في النفي نفي الذات، أو لا صلاة صحيحة مجزئه مسقطة للطلب، أو لا صلاة كاملة لمن لم يقرأ بأم القرآن، فهل نستطيع أن نقول: لا صلاة موجودة لمن لم يقرأ بأم القرآن؟ أو قد توجد صورة الصلاة؟ هل نستطيع أن ننفي وجود الصلاة؟ يعني كما تقدم في حديث المسيء: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) هل النفي لوجود الصلاة صورة الصلاة أو للصلاة المجزئة الصحيحة المسقطة للطلب؟ المجزئة الصحيحة، عندنا هذا تقدير ولا يمكن أن يقدر لأنه قد يصلي الإنسان بدون الفاتحة، يعني صورة ظاهرة، وهذه حقيقة عرفية للصلاة، لكن الحقيقة الشرعية للصلاة نعم، الصلاة الصحيحة المجزئة المسقطة للطلب، فإذا لم نستطع أن ننفي الحقيقة العرفية، ننظر إلى الحقائق الأخرى؛ لأن الأصل في الكلام المنفي نفي الحقيقة، المثبت إثبات الحقيقة، فلا نستطيع أن ننفي الحقيقة العرفية، توجد صلاة يقرأ ويكبر ويقرأ ويركع ويرفع ويسجد صلاة في ظاهرها لا إشكال فيها، في ظاهرها، فهذه صلاة عرفية.
الصلاة في حقيقتها الشرعية المقصود بها الصحيحة المجزئة المسقطة للطلب، الذي لا يؤمر بإعادتها، هذا احتمال، الاحتمال الثالث أنه قد تنفى .. ، ينفى الشيء مع وجود حقيقته العرفية، ومع وجود حقيقته الشرعية لكن مع نفي الكمال عنه، لكن أيهما الأصل؟ الأصل نفي الحقيقة العرفية، إذا لم نتمكن من نفي الحقيقة العرفية فلا بد أن ننفي حقيقة؛ لأن النفي متجه إلى الحقائق، لكن إن لم نستطع أن نفي الحقيقة العرفية ولا الحقيقة الشرعية لوجود ما يصحح مثل هذه العبادة من أدلة أخرى اتجهنا إلى التقدير الثالث وهو نفي الكمال، فهي متسلسلة، نفي الحقيقة العرفية، لكن لا يمكن، نفي الحقيقة الشرعية وهي أقرب إلى الحقيقة العرفية ممكن، النفي مع الاحتمال الثالث وهو نفي الكمال ممكن لكنه أبعد عن الحقيقة من الاحتمال الثاني.(28/11)
وعلى هذا لا صلاة صحيحة ولا صلاة مجزئة لمن لم يقرأ، لمن، و (من) من صيغ العموم تشمل كل مصلٍ، تشمل كل مصلٍ، فالحديث دليل على أن قراءة فاتحة الكتاب ركن في الصلاة بالنسبة لكل مصلٍ، وعندنا من أنواع المصلين: الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق، عندنا: إمام ومأموم ومنفرد ومسبوق، القسمة إيش؟ رباعية، دخول الإمام والمنفرد هذا لا إشكال فيه، يبقى عندنا المأموم وفيه الخلاف الطويل، ويبقى عندنا المسبوق ولولا حديث أبي بكرة لدخل المسبوق في عموم الحديث، لكن من الذي أخرج المسبوق حديث أبي بكر، وأنه جاء أبو بكر بعد ركوعه -عليه الصلاة والسلام- فركع دون الصف، هل قرأ الفاتحة؟ نعم ما قرأ الفاتحة، إذن المسبوق لا قراءة عليه، ويكون مخصوص من عموم هذا الحديث، فعندنا لزوم الفاتحة لكل مصلٍ حتى المسبوق إمام مأموم، منفرد، مسبوق، وهذا قيل به، قال به أبو هريرة -رضي الله عنه-، قال به أبو هريرة، يقول به جمع من أهل العلم، إلى الشوكاني -رحمه الله- قال به، فالبخاري -رحمه الله تعالى- بجزء القراءة نص عليه، فالفاتحة لازمة لكل مصلٍ، الذي يدرك الإمام في الركوع فاتته الركعة، ولو أدرك الركوع لماذا؟ لأنه لن يقرأ بفاتحة الكتاب، فعندنا أبو هريرة، البخاري، الشوكاني قراءة الفاتحة فرض، بل ركن لكل مصلٍ بما في ذلك المسبوق، الشافعية عندهم قراءة الفاتحة تلزم كل مصلٍ إلا المسبوق، لعموم الحديث وعمومه مخصوص بحديث أبي بكرة انتهينا من المسبوق.
المذاهب الأخرى، المذاهب الأخرى تلزم الإمام والمنفرد، وأما المأموم فقراءة الإمام قراءةً له، ومنهم من يفرق بين ما إذا كانت الصلاة جهرية وبين ما إذا كانت الصلاة سرية، فتلزم في الصلاة السرية دون الجهرية لما يعارض مثل هذا الحديث من قوله -جل وعلا-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وإذا قرأ –يعني الإمام- فأنصتوا، أنت مأمور بالإنصات لا بالقراءة، لكن نقول: هذا عموم، إذا قرأ أي قراءة أنصت، إذا قرئ القرآن على أي وضع كان أنصت، نستثني من ذلك ونخصص هذه العمومات بحديث عبادة بن الصامت، نقول: إلا فاتحة الكتاب وعليه تدل الروايات الأخرى.(28/12)
"في رواية لابن حبان والدارقطني: ((لا تجزي صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)) " حديث أبي هريرة: ((كل صلاة لا يقرأ بها بفاتحة الكتاب فهي خداج)) ناقصة، "في أخرى لأحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان: ((لعلكم تقرءون خلف إمامكم?)) قلنا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)) " في حديث أبي هريرة السابق: ((اقرأ بها في نفسك يا فارسي)) ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)) فهذا دليل على أن الفاتحة تلزم المأموم، وهذا هو المرجح أن الفاتحة تلزم كل مصلٍ، إمام ومأموم ومنفرد ويستثنى من ذلك المسبوق.
أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- لا يرى لزوم قراءة الفاتحة لأي مصلي، إنما عليه أن يقرأ القرآن، يقرأ ما تيسر من القرآن، وتقدم في حديث المسيء: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم كبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) وجمهور أهل العلم حملوا ما تيسر على الفاتحة؛ لأنها هي المتيسرة غالباً، لكي تتفق النصوص، ولا يعارض حديث المسيء بحديث عبادة بن الصامت المتفق عليه.
على كل حال نعود فنقول: الفاتحة تلزم كل مصلي عند أبي هريرة، البخاري، الشوكاني، الشوكاني نص على هذا في النيل، وإن كان في فتاويه (الفتح الرباني) له قول آخر، تلزم كل مصلي قول البخاري، وقبله أبو هريرة.
القول الثاني: تلزم الإمام والمأموم والمنفرد دون المسبوق لحديث أبي بكرة.
القول الثالث: تلزم الإمام والمنفرد والمأموم لا قراءة عليه إما مطلقاً أو في الجهرية دون السرية لتعارض الأحاديث، أو لا تلزم الفاتحة أصلاً بل اللازم ما تيسر من القرآن كقول أبي حنيفة -رحمه الله-.
والكلام والمناقشات في هذه المسألة في الفاتحة وقراءة المأموم.
يقول: ما صحة حديث: ((من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له؟ ))
الحديث ضعيف، وهو عمدة من يرى عدم القراءة بالنسبة للمأموم، لكنه حديث ضعيف.(28/13)
((ما لي أنازع القرآن؟ )) .. الحديث، ((ما لي أنازع القرآن؟ )) ((لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ )) نص، قلنا: نعم، ((ما لي أنازع القرآن؟ )) ((لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ )) قلنا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)) هذا نص ((فإنه لا صلاة لم يقرأ بها)) وهذا الحديث حسنه الترمذي وغيره، وهو قابل لأن يصحح، قابل لأن يصحح، المقصود أنه يحتج به، من يقول بقراءة المأموم خلف الإمام وهو المرجح يتحين ليجمع بين النصوص أن يقرأ في سكتات الإمام والإمام ينبغي له أن يترسل في قراءته ولا يستعجل ولا يحدر القراءة ويجعل هناك وقت لرد النفس يتمكن فيه المأموم من القراءة لئلا يقع في حرج؛ لئلا يعارض النصوص التي تأمره بالسكوت إذا قرأ الإمام مع أنه لا يفرط بما جاء في حديث عبادة وغيره من لزوم القراءة، نعم.
"عن أنس -رضي الله تعالى عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين) " متفق عليه، زاد مسلم: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" وفي رواية لأحمد والنسائي وابن خزيمة: "لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" وفي أخرى لابن خزيمة: "كانوا يسرون" وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم خلافاً لمن أعلها".
وعن نعيم، بعده.
"وعن نعيم المجمر قال: "صليت وراء أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- فقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة] ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] قال: "آمين" ويقول كلما سجد وإذا قام من الجلوس: "الله أكبر، ثم يقول إذا سلم: "والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه النسائي وابن خزيمة".
نعم بعده.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة] فإنها إحدى آياتها)) رواه الدارقطني, وصوب وقفه".
نعم، هذه مسألة البسملة، وهل تقرأ في الصلاة أو لا تقرأ؟ وإذا قرأت هل يجهر بها أو يسر بها؟ وهذا في الصلاة الجهرية.(28/14)
"عن أنس -رضي الله عنه-: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين) متفق عليه، زاد مسلم: "لا يذكرون {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها" يفتتحون الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين) وعرفنا فيما سبق أن الصلاة تفتتح بالتكبير، ولعل المراد بالصلاة قراءة الصلاة، القراءة في الصلاة، أما الصلاة فتفتتح بالتكبير على ما تقدم، وكون القراءة تفتتح بـ (الحمد لله رب العالمين) لا ينفي مشروعية التكبير، ولا دعاء الاستفتاح على ما تقدم، كما أنه لا ينفي الاستعاذة والبسملة، ونفي جميع ذلك عدا تكبيرة الإحرام مذهب مالك على ما تقدم، الله أكبر، الحمد لله رب العالمين، والاستفتاح ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة "رأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) .. إلى آخر الحديث، وغير ذلك من أحاديث الاستفتاح التي تقدمت، فالصلاة تفتتح بالتكبير، وبعد التكبير دعاء الاستفتاح -وإن خالف فيه الأمام مالك- بعده التعوذ، وبحثنا بالأمس هل التعوذ من أجل القراءة أو هو ملحق بالاستفتاح؟ والصواب أنه للقراءة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] ثم البسملة وهل هي من الفاتحة أو ليست من الفاتحة؟ وهل يجهر بها إذا جهر بالفاتحة أو يسر بها؟ هذا محل البحث.
"كانوا يفتتحون الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين) " ويستدل بهذا من يقول: إن البسملة لا يجهر بها، لا يجهر بالبسملة؛ لأن القراءة تفتتح بـ (الحمد لله رب العالمين) مباشرة بدون بسملة، وإن قرئ قبلها ما قرئ سراً كالاستفتاح والتعوذ والبسملة، وهذا ما يدل عليه حديث الباب.(28/15)
"زاد مسلم: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها"، زاد مسلم: "لا يذكرون بسم الله" ومقتضاه أنهم لا يذكرونها لا سراً ولا جهراً، هذا مقتضى النفي، يشمل الجهر والإسرار، لكن الإنسان لا ينفي إلا ما يعلم، فالإسرار الذي لا يعلم به فليس له أن ينفي، ولذلك أعلت هذه الرواية، أعلت هذه الرواية في صحيح مسلم: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" الراوي لما سمع الصحابي يقول: "كانوا يفتتحون القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) ظن أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم لا سراً ولا جهراً، فصرح بذلك، صرح بما فهمه، فهم من النص الصحيح: "كانوا يفتتحون الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين) فهم من ذلك أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة .. ، وزاد مؤكداً: "ولا في آخرها" مع أنه ليس في آخر الفاتحة بسملة، لكنه محمول على بسملة السورة التي تليها، بهذا أعلت هذه الرواية، الراوي ظن من خلال الرواية الصحيحة: "أنهم كانوا يفتتحون القراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن، ومثل الحافظ العراقي بهذا على علة المتن.
وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله
هذا على حسب ظنه، فنقل ذلك رواية، فهم ثم صرح بفهمه على أنه مروي، نسبه إليهم، فأعلت بهذا.
وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله(28/16)
"وفي رواية لأحمد والنسائي وابن خزيمة: "لا يجهرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) "، "لا يجهرون"، ومفهوم "لا يجهرون" أنهم يسرون، "وفي أخرى لابن خزيمة: "كانوا يسرون" صرح بالمفهوم وجعله منطوقاً، يقول الحافظ ابن حجر المؤلف: "وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم", "زاد مسلم: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها" يعني جهراً، يعني جهراً، بل كانوا يسرون بها، وحينئذٍ تجتمع الروايات، وينتفي التعليل للرواية، وإذا أمكن نفي التعليل لرواية في الصحيح فالمطلوب حماية جناب الصحيح، وصيانة الصحيح من الوقوع فيه بقدر الإمكان تجيب عن الصحيح، بقدر الإمكان تجيب عن الصحيح، فإذا أمكنك أن توجه رواية: "لا يذكرون" بما تفيده الروايات الأخرى بحيث توفق بين هذه الروايات يتعين عليك ذلك، وصيانتك وحمايتك للصحيح حماية للدين، حماية للدين، فبدلاً من أن نقول: رواية الصحيح معلة، نقول: "لا يذكرون" يعني لا يجهرون، بل يسرون بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ولهذا قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم خلافاً لمن أعلها".(28/17)
ومن خلال هذه الأحاديث السنة أن تقرأ البسملة، تقرأ البسملة، لكن سراً لا جهراً، تقرأ البسملة سراً لا جهراً، والخلاف هذا فرع عن الخلاف في البسملة، وهل هي آية من الفاتحة ومن كل سورة بعدها أو ليست بآية؟ فالإجماع قائم على أنها بعض آية من سورة النمل، بعض آية في سورة النمل، كما أن الإجماع قام على أنها ليست بآية من سورة براءة، يبقى الخلاف فيما عدا ذلك، فمن أهل العلم من يرى أنها آية، ومنهم من يرى أنها ليست بآية لا من الفاتحة ولا من غيرها، ومنهم من يقول: هي آية من الفاتحة دون غيرها، ومنهم من يقول: هي آية واحدة كررت في مائة وثلاثة عشرة موضعاً للفصل بين السور، للفصل بين السور، يعني فرق بين أن تكون البسملة آية واحدة وبين أن تكون مائة وثلاثة عشرة آية، وكأن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يميل إلى أنها آية واحدة لا من سورة بعينها وإنما تنزل للفصل بين السور، يستدل من يقول بأنها آية من كل سورة إجماع الصحابة على كتابتها في المصحف، يقول: أجمع الصحابة على كتابتها في المصحف فهي آية إذ كيف يدخلون في القرآن ما ليس منه.
الطرف الآخر الذين نفوا كونها آية ولا من الفاتحة ولا من غيرها وجود الخلاف فيها، قالوا: لو كانت آية لما ساغ الخلاف فيها هل هي آية أو ليست بآية؟ لأنه لا يسوغ الخلاف في حرف من القرآن، فضلاً عن آية أو كلمة أو ....(28/18)
كونها آية من سورة الفاتحة أو ليست بآية مسألة خلافية، الشافعية يرونها آية، وهو رواية في المذهب عند الحنابلة، وغيرهم لا يرونها آية، الفاتحة سبع آيات، سبع آيات، وهي السبع المثاني، هناك خلاف شاذ القول بأنها ست آيات أو ثمان آيات، هذه أقوال شاذة، لكن المعتمد بل نقل عليه الاتفاق أنها سبع آيات، ويدل عليها قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} [(87) سورة الحجر] المراد به الفاتحة، فهي سبع آيات، فإذا اعتبرنا البسملة آية جعلنا الآية الأخيرة آية واحدة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] آية واحدة، أو نجعلها آيتين كما هو في المذاهب الأخرى، يستدل من يرى أنها ليست بآية بقوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين)) ما قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ((فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين)) إلى آخره.
المقصود أن المسألة طويلة وألفت فيها الكتب، ألف فيها الكتب، ومسألة الجهر والإسرار جاء فيها ما سمعتم مما يدل على الإسرار، وجاء ما يدل على الجهر كما في حديث نعيم المجمر، قال: "صليت وراء أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-، سمي مجمراً لأنه أمر بتجمير مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كل جمعة حين ينتصف النهار في زمن عمر -رضي الله عنه-.(28/19)
يقول نعيم هذا: "صليت وراء أبي هريرة -رضي الله عنه- فقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) " جهراً وإلا أسر؟ جهراً، "ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ: (ولا الضالين) قال: "آمين" فدل على أن بسم الله الرحمن الرحيم يجهر بها، والحديث السابق يدل على أنهم كانوا يسرون بها، ولا يجهرون بها، وعلى كل حال من حيث الدليل الإسرار أقوى، الإسرار أقوى، لكن لو جهر بها أحياناً لا بأس، ولو قدر أنك تصلي خلف إمام يجهر بالبسملة الأمر فيه سعة، ولذا يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحم الله الجميع- في رسالته إلى أهل مكة يقول: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، لكن لا نصلي خلف من لا يطمئن في صلاته" نصلي خلف الشافعي المسألة خلافية والنصوص محتملة، والأمر الخلاف فيها سهل، أمرها هين، كونه جهر أو ما جهر نعم الأقوى عدم الجهر، لكن لا تصادر الأقوال الأخرى، يعني إذا ترجح عند إنسان قول ليس معناه أن تلغى الأقوال الأخرى التي لها حظ من النظر.
"فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن" التي هي سورة الفاتحة "حتى إذا بلغ ولا الضالين قال: آمين" آمين هذه ليست من الفاتحة اتفاقاً، لكن يسن أن تقال بعد قراءة الفاتحة داخل الصلاة وخارج الصلاة؛ لأنها إذا قيلت داخل الصلاة فخارج الصلاة الأمر فيه أوسع.
"حتى إذا بلغ: "ولا الضالين" قال: "آمين" ويأتي الكلام عن التأمين، التأمين قول: "آمين" ما هو بالتأمين على .. ، التأمين التجاري هذا، "ويقول كلما سجد وإذا قام من الجلوس: "الله أكبر" هذه تسمى تكبيرة إيش؟ هاه؟ الانتقال، وتكبيرات الانتقال وقول سمع الله لمن حمده سنة عند جمهور أهل العلم، وعند الحنابلة واجبة من واجبات الصلاة، واجبة من واجبات الصلاة؛ لأنه لم يذكر ولا في حديث واحد من أحاديث صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى من غير تكبير، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فدل على وجوب تكبيرات الانتقال، ووجوب سمع الله لمن حمده على ما سيأتي.(28/20)
"ثم يقول إذا سلم -أبو هريرة إذا سلم-: "والذي نفسي بيده" وكثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه اليمين ((والذي نفسي بيده)) (بيده) فيه إثبات اليد لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته، كثير من الشراح يقولون: والذي روحي في تصرفه، والذي نفسي بيده، بعضهم يقول: روحي في تصرفه، كثير من الشراح يقول هذا، لكن هل هذا مقبول؟ هذا فرار من إثبات صفة اليد، لكن إذا قاله من عُرف بإثبات الصفات يقال: خطأ؟ عرف بإثبات الصفات يقول لله -سبحانه وتعالى- يد حقيقية تليق بجلاله وعظمته، لا تشبه يد المخلوقين، نقول: ما في أحد روحه ليست في تصرف الله -عز وجل-، نقول: كلام صحيح، لكن من يقول بذلك ليحيد به عن إثبات صفة اليد لله -عز وجل- يرد عليه.
"والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فكونه يفعل هذا الفعل موقوف عليه من فعله، ثم يقول: إنه شبيه بصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون له حينئذٍ حكم الرفع فما فعله يتشبه فيه بصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرفوع حكماً "رواه النسائي وابن خزيمة" وهو حديث صحيح.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأتم الفاتحة فاقرءوا {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة] فإنها إحدى آياتها)) " والحديث نص في أن البسملة آية من آيات الفاتحة، يستدل به وبمثله الشافعية، لكنه حديث ضعيف، حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، ((فاقرءوا {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [(1) سورة الفاتحة] فإنها إحدى آياتها)) "رواه الدارقطني, وصوب وقفه" يعني الدارقطني في السنن رواه موقوفاً ومرفوعاً، لكنه في العلل صوب وقفه على أبي هريرة، يعني من اجتهاد أبي هريرة، فليس فيه دليل على أن البسملة آية من آيات الفاتحة؛ لأنه حديث ضعيف، نعم.
"وعنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: ((آمين)) رواه الدارقطني وحسنه, والحاكم وصححه.
ولأبي داود والترمذي من حديث وائل بن حجر نحوه".(28/21)
نعم "وعنه" يعني عن أبي هريرة راوي الحديث السابق "قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من قراءة أم القرآن -الفاتحة- رفع صوته وقال: ((آمين)) " آمين بالمد، وقاله بعضهم بالقصر: أمين، ويروى عن جعفر الصادق التشديد آمّين، ومعنى آمّين يعني قاصدين، والأكثر على أنها آمين بمعنى: يا الله استجب، استجب دعاءنا، والمؤمِن داعٍ، المؤمن داعي، مشارك للداعي فهو داع {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} [(89) سورة يونس] فالداعي هو موسى -عليه السلام- وهارون يؤمن، فسمى التأمين دعوة، فمن أمن على دعاء فهو داعٍ به.
"إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته" وفي هذا رفع الصوت بالتأمين للإمام والمأموم، والأمر بذلك ظاهر، "فإذا قرأ: "ولا الضالين" فقولوا: "آمين" وثبت أن المسجد كان يرتج من اجتماع صوتهم بالجهر بالتأمين "رواه الدارقطني وحسنه" الدارقطني "والحاكم وصححه" ولا شك أنه بما يشهد له من حديث وائل بن حجر الذي يليه صحيح لغيره، "رفع صوته فقال: آمين" وصحح من قبل جمع من أهل العلم كالحاكم والبيهقي وغيرهما.
وعلى كل حال هو بما بعده من حديث وائل بن حجر قابل للتصحيح فهو صحيح لغيره، وهنا يقول: وجاء في الحديث في البخاري وغيره حديث: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) ((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) وفيه أيضاً: ((إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين)) فالكل يقول: آمين، الإمام والمأموم كلاهما يقول: آمين، ويرفع بذلك صوته، فالتأمين سنة، قول: آمين بعد الفراغ من سورة الفاتحة (آمين) ويجهر به من قبل الإمام والمأموم خلافاً للحنفية، خلافاً للحنفية، وعرفنا الضبط الجماهير بأنها بالمد (آمين) بالمد والتخفيف، وقال بعضهم بالقصر: (أمين) وقال بعضهم بالمد والتشديد ويكون حينئذٍ معناها قاصدين، لكن الصحيح الأول.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو حرم نفسه، حرم نفسه، وجاء بلفظ لا يجزئ.
يقول: إذا دخل الشخص إلى الصلاة والإمام راكع فكيف نقرن بين عدم إدراك الرجل الركعة لأنه لم يقرأ الفاتحة وهي ركن وحديث تدرك الصلاة بركعة؟(28/22)
هذا ما سمع الكلام الذي كرر كثيراً، أعيد مراراً وأن المسبوق لا تلزمه الفاتحة، يستثنى من عموم الحديث المسبوق لحديث أبي بكرة، فإذا وجد الإمام وهو راكع وأمكنه الركوع معه أدرك الركوع، هذا كرر مراراً.
يقول: إذا جاء المأموم والإمام يقرأ في سورة غير الفاتحة قد انتهى من قراءة الفاتحة فهل تجب عليه قراءة الفاتحة؟
نعم تجب عليه قراءة الفاتحة.
وهل يتعارض ذلك مع الأمر بالإنصات؟
لا يتعارض ذلك مع الأمر بالإنصات، إذا قُرأ فأنصتوا مخصوص بلزوم قراءة الفاتحة، وهو مخصوص من عموم هذا الحديث وغيره. . . . . . . . .
يقول: هل المسبوق إذا لحق الإمام في الركوع عليه أن يعيد ركعة لقراءة الفاتحة؟
نفس السؤال السابق، المسبوق تسقط عنه قراءة الفاتحة، المسبوق غير مطالب بقراءة الفاتحة، وهو مخصوص من عموم حديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) فاتحة الكتاب عرفنا أنها ركن بالنسبة للإمام والمأموم والمنفرد مع ذكر الخلاف الذي ذكرناه، والمسألة الخلاف فيها كبير يحتاج بسطها إلى وقت، وهي لازمة في كل ركعة، في كل ركعة، وإن قال بعضهم: بأنها تجزئ قراءتها مرة واحدة، لكن المتجه والمرجح أنها تجب في كل ركعة من ركعات الصلاة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(28/23)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (15)
تابع: شرح باب: صفة الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً, فعلمني ما يجزئني منه، فقال: ((قل: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله، والله أكبر, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) .. الحديث، رواه أحمد وأبو داود والنسائي, وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم".(29/1)
حديث بن أبي أوفى، عبد الله بن أبي أوفى في حق من لا يستطيع الحفظ، قد يقول قائل: كيف يقول الشخص: أنا لا أستطيع الحفظ يكرر إلى أن يحفظ؟! كيف يقول طالب: لا أستطيع أو عامي أو مسلم لا يستطيع أن يقرأ الفاتحة، أن يحفظ الفاتحة؟! لا تتصوروا الإنسان ردد الكلام وسمع الكلام كثيراً ولاكته الألسنة، وأخذت عليه الأسماع يُحفظ، لكن يبقى أن أناس صاروا بمعزل عن هذا الكلام، صاروا بمعزل تام، إما أسلم وهو كبير سن فلا يمكنه، نعم، أو صار منشغل في أموره ودنياه ومنصرف عن آخرته ودينه، مثل هذا يصعب عليه .. ، لكن مع المحاولة أفلح كثير من الناس، المسألة مفترضة والحديث مفترض في شخص بل هو واقع بالنسبة لشخص لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيء، وإذا كان بعض المتعلمين صغار سن حاولوا الحفظ وعجزوا، حاولوا الحفظ وعجزوا، الذي لا يستطيع أن يحفظ الفاتحة كحال هذا السائل الذي قال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني ما يجزئني عنه، بعض الناس يحفظ من الشعر القصائد ذوات العشرات من الأبيات، وبعضهم يحفظ من القصص وبعضهم يحفظ .. ، وبعضهم مغرم بجوانب من جوانب المعرفة التي قد تنفعه وقد تضره، لكنه بمعزل عن كتاب الله، يصعب عليه كتاب الله، كلام الله أشرف الكلام، قد يعاقب الإنسان من حيث يشعر أو لا يشعر لذنب ارتكبه بحيث يستغلق عليه حفظ القرآن، وقد يعاقب بنسيان شيء منه عقوبة معجلة لذنب وقع، لكن الذي لا يستطيع أن يحفظ شيئاً من القرآن جاء التوجيه بأنه يذكر الله -جل وعلا- بقدر ما طلب منه، وهنا قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) الباقيات الصالحات، ((لا يضرك بأيهن بدأت)) غراس الجنة، غراس الجنة.
أو ما سمعت بأنها القيعان ... فاغرس ما تشاء بذا الزمان الفاني
وغراسها التكبير والتسبيح ... والتحميد والتوحيد للرحمن(29/2)
(فاغرس) جاء عن إبراهيم -عليه السلام- أنه قال لمحمد -عليه الصلاة والسلام-: ((أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم بأن الجنة قيعان، وغراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله)) فإذا كانت هذه هي الباقيات الصالحات خير من المال، وخير من البنين {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ} [(46) سورة الكهف] هذا الذي ينفعك في آخرتك وإلا فالمال قد يضرك، الأولاد قد يضرون {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] ومع ذلكم يتشبث الإنسان بهذا الحطام، ويتشبث بالولد، وقد يكون هذا الولد وبالاً عليه، لكن الخير الذي لا شر فيه بوجه من الوجوه الذكر، لا يكلف، وأنت جالس، وأنت راقد، وأنت قائم، وأنت ماشي، وأنت تأكل، سبحان الله، وبحمده، سبحان الله العظيم، سبحان الله، الحمد لله، لكن فضل الله إذا رضي عن الشخص وبارك لا يحد، والتوفيق لا نهاية له، كما أن الحرمان أيضاً لا حد له، الحرمان لا حد له، بعض الناس عنده استعداد ليقرأ يومياً عشر من الجرائد بحيث تستوعب الوقت كله، ولا يمل ولا يكل، وقد يكون في مكان غير مريح للقراءة ومنسجم، لكن في مكان مكيف ومريح وعندك تكأة وفرش ونظيف وبيت من بيوت الله تعطيه المصحف ينام، حرمان لا نهاية له، هذا واقع كثير من الناس مع الأسف الشديد يلاحظ على بعض طلبة العلم، إذا قيل له: إنسان بيجي يزوره بيقرأ بيسوي شيء تقول له: مشغول إيش مشغول. . . . . . . . . بس ماسك للمصحف؟ يقول لي: مشغول وهو يقرأ قرآن؟! يعني وصل تصور بعض طلاب العلم إلى هذا الحد، يعني القرآن ليس له نصيب من حياة المسلم، هذا خذلان هذا، كيف يسمى طالب علم وما له نصيب من كتاب الله -عز وجل-؟! كيف يسمى طالب علم؟.(29/3)
هذا الذي عجز عن قراءة القرآن حاول وعجز {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] لكن عليه بما لا يعجز عنه، التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما الذي جاء بـ (لا حول ولا قوة إلا بالله؟ ) هاه؟ كنز من كنوز الجنة، بما يقدر هذا الكنز؟ ترابها الذي على وجهها الظاهر للناس الذي تدوسه الأقدام ما هو؟ المسك الأذخر، إذا كان التراب مسك ويش الكنز ويش بيصير؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، ننتبه لهذا الأمر.
وعلى كل حال الحديث حسن، وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم وابن خزيمة، لكنه حديث حسن يعني قابل للحجية، وتمام الحديث كما في سنن أبي داود: "قال الرجل: يا رسول الله هذا لله" هذا لله يعني كله ذكر لله -عز وجل-، فما لي؟ ويش اللي لي أنا؟ بإمكانه -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: هذا لك، هذا الذكر لك؛ لأن فائدته تعود إليك، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يخاطب الناس على قدر عقولهم، عرف أن الرجل يحتاج إلى دعاء، يطلب من الله -عز وجل- شيء يجيبه عنه، قال: ((قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، واهدني)) فلما قام قال هكذا بيديه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما هذا فقد ملأ يديه من الخير)) ذكر الله -عز وجل- بهذه الباقيات، وبهذا الكنز ثم سأله بأن يغفر له ويرحمه، وأن يعافيه، وأن يرزقه، وأن يهديه، ملأ يديه من خير الدنيا والآخرة، فدل الحديث على أن هذه الأذكار تقوم مقام الفاتحة لمن لا يستطيع أن يحفظ الفاتحة، نعم.
"وعن أبي قتادة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين, ويسمعنا الآية أحياناً, ويطول الركعة الأولى, ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب" متفق عليه".(29/4)
حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر" يعني في الصلوات السرية "في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين" فاتحة الكتاب على سبيل اللزوم بل الركنية، والسورتان على سبيل الاستحباب عند جمهور أهل العلم، "ويسمعنا الآية أحياناً" ومعرفتهم بقراءته -عليه الصلاة والسلام- إما بطريق الحرز والتقدير، الحزر والتقدير أو لكونه يسمعهم الآية أحياناً فيسمعون منه الآية أحياناً، والآية قد تكون من الفاتحة أحياناً وأحياناً من غير الفاتحة، فعرفوا أنه يقرأ سورة أخرى غير الفاتحة في الركعة الأولى والثانية، ويسمعنا الآية أحياناً، دل على أن القراءة السرية يجوز أن يجهر بها أحياناً، كما أن الصلاة الجهرية لو أسر بها أحياناً صحت صلاته، ولذا يقولون: إذا جهر في محل الإسرار أو أسر في محل الجهر صح لكن خلاف السنة، خلاف السنة هكذا يطلقون، لكن لو كان ديدنه يجهر في صلاة الظهر والعصر ويسر ببقية الصلوات نقول: صلاته صحيحة خلاف السنة؟ نقول: هذا مبتدع، هذا مبتدع، لا يكفي أن يقال: ارتكب مكروه، ارتكب محرم، مبتدع هذا، "ويسمعنا الآية أحياناً، ويطول الركعة الأولى" يعني أطول من الثانية، يقرأ في الركعة الأولى سورة طويلة أطول من الأولى كي يدرك الناس الركعة الأولى، لكي يدرك الناس الركعة الأولى يطولها -عليه الصلاة والسلام- رفقاً بمن تأخر عن الإتيان إلى الصلاة بحيث إذا طول النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومثله من يقتدي به من الأئمة أدرك الركعة الأولى، "ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب" ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب فحسب، ولا يقرأ فيهما سورة كما في هذا الحديث، وهو متفق عليه، ويأتي ما يدل على أنه يقرأ أيضاً في الركعتين الأخريين أحياناً بما زاد على الفاتحة.(29/5)
هناك قرائن يستدل بها الصحابة على قراءته -صلى الله عليه وسلم-: منها غلبة الظن كما هنا استدلالاً بتطويله الركعة، وهذا غلبة ظن، وبتحرك لحيته -عليه الصلاة والسلام- باضطراب لحيته يعرفون أنه يقرأ؛ لأن الذي يقرأ يتحرك فكه الأسفل ثم بعد ذلك تضطرب لحيته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ترى لحيته من قِبَل من خلفه، فكان -عليه الصلاة والسلام- كث اللحية، كث اللحية، ومقتضى هذا أنها تامة طولاً وعرضاً، ولا يقال: إن هذا يشوه نعم خذ ما زاد على كذا، اترك ما زاد على كذا، هذب رتب، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان كث اللحية، وكانت تعرف قراءته باضطراب لحيته، وجاء عنه الأوامر بإعفائها ((أعفوا اللحى)) ((أكرموا اللحى)) ((وفروا اللحى)) ويأتي من يأتي ويستدل بالموقوفات، ويعارض بها المرفوعات، ويقول: خذ ما زاد على كذا، ولا يزال المقص يعمل عمله في اللحى حتى تنتهي؛ لأنه ملاحظ يبدأ شيء يسير ثم يسير ثم تزيد هذه، ثم يرتب هذه، يصير مثل قسمة القرد للجبنة، يدخله الهوى، جاء شخص بقطعة جبن -هذه يمكن قرأتموها في المطالعة في الابتدائي- لقرد ليقسمها فقطعها قطعتين إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، فلما رجحت الكبيرة أكل منها حتى صارت أصغر من الأخرى، لما رجحت أكل منها ثم رجع إلى الثانية، وهكذا إلى أن انتهت، وهذا المقص إذا دخل اللحية الشواهد كثيرة، يعني إلى وقت قريب، إلى مائة عام والمسلمون في جميع الأقطار أهل لحى، ثم دخلتهم هذه الأقوال، واختلطوا بغيرهم من الأجانب، وصارت تشويه، وصارت لا بد من تهذيب وترتيب إلى أن انتهت، وتتابع الناس على ذلك، وعمت بها البلوى، وصارت تتداول من غير نكير، لما دخل المقص تتابع على ذلك إلى أن بدأ الموس، والله المستعان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أكرموا اللحى)) ((أعفوا اللحى)) ((وفروا اللحى)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- تعرف قراءته باضطراب لحيته، وجاء في وصفه في الشمائل أنه كان كث اللحية -عليه الصلاة والسلام-، نعم.(29/6)
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا نحزر قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر, فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر: (الم تنزيل) السجدة، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك، وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر, والأخريين على النصف من ذلك" رواه مسلم".
نعم في هذا ما يدل على أنه يطيل في القراءة آلم تنزيل السجدة، نعم قدر ثلاثين آية، ثلاث صفحات وقدرها لا ينافي التخفيف الذي أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، قرأ في المغرب بالطور، وقرأ بـ (ق) واقترب، وهو الذي وجه وعتب على معاذ ((أفتان يا معاذ؟ )) نعم، هذا ليس بطويل؛ لأن الطول والقصر نسبي، لا شك أن آلم تنزيل السجدة طويل بالنسبة لقصار السور، لكنها إذا قورنت بالبقرة وآل عمران والطول صارت قصيرة، فهذا لا ينافي التخفيف ففي هذا الحديث يقول أبو سعيد -رضي الله عنه-: "كنا نحزر قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر, فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر: (آلم تنزيل) السجدة، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك" فدل على أنه يقرأ في الركعتين الأخريين أحياناً، في الركعتين الأخريين أحياناً، وأن القراءة فيهما أحياناً سنة، ومضى في الحديث السابق ما يدل على أنه لا يقرأ فيهما، لكن القراءة هنا مشروعة وعدمها أيضاً مشروع، فيفعل هذا أحياناً ويفعل ويترك أحياناً، والله المستعان.
"وفي الأخريين قدر النصف من ذلك، وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر" يعني على قدر النصف، يعني كل ركعة بقدر خمسة عشر آية "والأخريين على النصف من ذلك" قدر سبع ثمان آيات، في الأخريين، وهل المراد ما زاد على الفاتحة أو أنه لا يقرأ غير الفاتحة؛ لأنها سبع آيات في الركعتين الأخريين من العصر؟ الاحتمال قائم.
على كل حال القراءة في الركعتين الأوليين يسن أن تكون بالفاتحة وسورة، وأما بالنسبة للركعتين الأخريين فيقرأ أحياناً ويترك أحياناً، كما دل عليه أحاديث الباب، نعم.(29/7)
"وعن سليمان بن يسار قال: "كان فلان يطيل الأوليين من الظهر, ويخفف العصر, ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسطه، وفي الصبح بطواله، فقال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا" أخرجه النسائي بإسناد صحيح".
سليمان بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين، أحد الفقهاء السبعة، أحد الفقهاء السبعة من التابعين، ويراد بالفقهاء السبعة من هم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يجمعهم بيت واحد يجمعهم بيت واحد:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة
هذا سليمان بن يسار "قال: "كان فلان يطيل الأوليين من الظهر, ويخفف العصر" فلان أمير من أمراء المدينة، جاء بيانه في شرح السنة للبغوي أنه عمرو بن سلمة، وليس هو عمر بن عبد العزيز؛ لأن ولاية عمر بن عبد العزيز يعني كما قيل: إنه عمر بن عبد العزيز لأن ولادة عمر بن عبد العزيز بعد وفاة أبي هريرة، بعد وفاة أبي هريرة "كان فلان يطيل الأوليين من الظهر, ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسطه، وفي الصبح بطواله" يعني هذه جادة تكون في غالب الأحوال، الصبح بطوال المفصل، والمغرب بقصاره، وما عدا ذلك بأوساطه، على أن الظهر ينبغي تطويلها على ما جاء في هذه النصوص، "يطيل الأوليين من الظهر، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل" والمفصل يبدأ من أين؟ من (ق)، من (ق) إلى سورة الناس، هذا مفصل، بقصار المفصل القصار تبدأ من أين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب وأوساطه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(29/8)
طيب، إذن المفصل أربعة أجزاء وزيادة، أكثره طوال، ثم الأوساط، ثم القصار "يقرأ في المغرب بقصار المفصل" طيب يأتي في حديث جبير بن مطعم وهو الذي يلي هذا أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث في الصحيحين، لما جاء في فداء الأسرى، سمعه يقرأ بصلاة المغرب بسورة الطور، بسورة الطور، وهنا في حديث سليمان بن يسار المرفوع لأبي هريرة، وهو مصحح عند أهل العلم، إسناده صحيح، كيف يقرأ في المغرب بقصار المفصل وسمعه جبير بن مطعم يقرأ في المغرب بالطور وهي من طوال المفصل؟ نقول: الأصل أنه يقرأ والغالب أن يقرأ بقصار المفصل، لكن لو قرأ بطواله لا بأس، وقد قرأ -عليه الصلاة والسلام- بالمغرب بسورة طويلة جداً هي سورة الأعراف.
"وفي العشاء بوسطه، وفي الصبح بطواله، فقال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا" يعني من هذا الأمير، "أخرجه النسائي بإسناد صحيح".
حديث جبير، نعم.
"وعن جبير بن مطعم -رضي الله تعالى عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور" متفق عليه".
نعم جبير بن مطعم جاء في فداء الأسرى فسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بصلاة المغرب بسورة الطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه، يعني لما جاء في فداء أسرى بدر لم يكن مسلماً، لكن لما سمع هذه القراءة وقر الإيمان في قلبه، وتحمل هذا الخبر حال كفره، لكنه أداه بعد إيش؟ إسلامه، إذا تحمل الكافر أو تحمل الصبي أو تحمل الفاسق حال كفره أو صباه أو فسقه يصح تحمله أو لا يصح؟ يصح التحمل، لكن الأداء لا يكون إلا على حال من القبول، بأن يكون مسلماً مكلفاً عدلاً، فلا يصح أداء الكافر، ولا يقبل خبره، ولا يقبل خبر الفاسق، ولا يقبل خبر الصبي، كما هو مقرر عند أهل العلم، لكن إذا تحمل مع اختلال هذا الشرط وأدى بعد تمامه فإنه حينئذٍ يقبل، والحديث في الصحيحين، وهو مثال لهذا النوع.(29/9)
جبير بن مطعم جاء في فداء الأسرى قبل أن يسلم، فوقر الإيمان في قلبه ثم أسلم، وفي الصحيح أنه أظل بعيراً بعرفة فبحث عنه فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- قد وقف بعرفة مع الناس، فاستنكر، استنكر كيف يقف النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو من الحمس بعرفة؟ والحمس معروف أنهم لا يخرجون عن حدود الحرم، يقفون بالمزدلفة دون الحدود {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [(199) سورة البقرة] أنتم مثلهم، ما في فرق، فكيف يستغرب جبير بن مطعم وقوف النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرفة مع الناس؟ هل هذا قبل إسلامه أو بعد إسلامه؟ قبل إسلامه، في حجة الوداع وإلا في غيرها؟ نعم؟ هو يستغرب بعد إسلامه؟ يستغرب في .. ، أن هذه الحجة هي حجة الوداع وإلا حجة قبلها؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش لون واحدة؟ الآن جبير بن مطعم أسلم قبل حجة الوداع بسنين، وكيف يستغرب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقف؟ نعم، جبير بن مطعم ما حج، أظل بعيراً فجاء إلى عرفة يبحث عنه، مسلم وإلا ما هو بمسلم؟ الناس جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع من كل فج، فرصة كل مسلم أن يحج مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجبير بن مطعم أظل بعيره ويبحث عنه في عرفة، ووجد النبي -عليه الصلاة والسلام- وقف بعرفة مع الناس، الناس كانوا يحجون، قبل الإسلام وبعد الإسلام قبل أن يسلموا، الناس يحجون، لكن الحمس يقفون دون عرفة وغيرهم يدخل عرفة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معروف من الحمس، فيستغرب كونه وقف بعرفة مع الناس من قبل غير المسلم، وهذه الحجة حجة كانت قبل حجة الوداع، وهل كانت قبل الهجرة أو بعدها؟ أو هما اثنتان؟ أقوال لأهل العلم، والقصة في الصحيح، في صحيح البخاري.
ورد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى المغرب بـ (آلمص) التي هي الأعراف، وبالصافات، وأنه قرأ فيها بالدخان، وقرأ فيها بالمرسلات، قرأ فيها بالمرسلات، كلها طوال، فدل على أنه قد يقرأ في المغرب بالطوال، ويقرأ في الصبح بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [(1) سورة الزلزلة] مثلاً، فالقاعدة والأصل أن يقرأ بما ذكر، لكن قد يقرأ كما دلت النصوص بخلاف ذلك لبيان الجواز، لبيان الجواز، نعم.(29/10)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: (آلم تنزيل) السجدة, و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] " متفق عليه.
وللطبراني من حديث ابن مسعود: "يديم ذلك".
"وعن أبي هريرة قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا يدل على الاستمرار "يقرأ في الفجر يوم الجمعة: (آلم تنزيل) السجدة, و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] " وفي رواية الطبراني: "يديم ذلك" بمعنى أنه لا يخل به، ورواية الطبراني ضعيفة، وأما حديث أبي هريرة متفق عليه، الطبراني في الصغير لكنه ضعيف، حديث ابن مسعود عند الطبراني ضعيف.
يقول شيخ الإسلام: "السر في قراءتهما في فجر يوم الجمعة أنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها" تضمنت السورتان على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون في يوم الجمعة، ففي قراءتهما تذكير للعباد بما كان وما يكون، ولذلك ليعتبروا بما كان، ويستعدوا لما يكون، ليعتبروا بما كان، ويستعدوا لما يكون.
الآن المناسبة بين هاتين السورتين وما كان وما يكون في هذا اليوم ظاهرة، فهل للإنسان أن ينزل القراءة على المناسبات؟ يعني في خطبة جمعة رأى من الناسب أن يخطب عن موضوع ما للحاجة إليه، ثم في صلاة الجمعة بحث عن آيات مناسبة لهذا الموضوع فقرأها في الصلاة، الآن الرابط بين قراءة هاتين السورتين واليوم، ما سمعنا في كلام شيخ الإسلام، فإذا وجد مناسبة، وجد مناسبة مات رجل صالح وقدم للصلاة فهل لك أن تقرأ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(13) سورة الأحقاف] من أجل هذا الرجل الصالح؟ وقل عكس ذلك لو جاء ضيف وفد غير صالح أو كافر هل لك أن تقرأ ما يناسب؟ وتنزل القرآن على المناسبات ويكون الأصل ما ذكر من أن الجمعة كان ويكون فيها ما ذكر، وهذه السور تنبه على ما كان وما يكون؟ أو نقول: نقتصر في ذلك على ما ورد به النص؟(29/11)
سمعتم القراءات في بعض الأحيان إذا قدم رجل صالح للصلاة عليه قرأت {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(13) سورة الأحقاف] بقصد أو بغير قصد، بقصد أو بغير قصد، نعم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
يعني نقتصر على ما ورد، ولو ترك المجال للناس أن يجتهدوا في تنزيل الآيات على المناسبات لاستهين بالقرآن، واستعمل في غير ما أنزل من أجله، لأدنى مناسبة ولد له مولود، مات له طفل، قدم له قريب بعيد، فصارت المسألة لعب، فيقتصر في هذا على ما ورد، يقتصر في هذا على ما ورد، نعم.
"وعن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل, ولا آية عذاب إلا تعوذ منها" أخرجه الخمسة, وحسنه الترمذي".
نعم هو حديث صحيح، حذيفة -رضي الله عنه- قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" وهذه الصلاة يحتمل أن تكون إيش؟ في صلاة الليل، كان في صلاة ليل، ويحتمل أن تكون فريضة، لكن جاءت الروايات عن غيره من الصحابة أنها في صلاة الليل، وجاء أيضاً أحاديث مطلقة كهذا.(29/12)
يقول: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فما مرت به آية رحمة إلا وقف عندها يسأل" يسأل الله من فضله، يسأل الله رحمته وعفوه ومغفرته، "ولا آية عذاب إلا تعوذ منها" فإذا مر به ذكر الجنة سأل الله -جل وعلا- أن يجعله من أهلها، وأن يوفقه للعمل الذي يوصله إليها، وإذا مرت به آية عذاب، أو مر به ذكر النار تعوذ بالله منها، ومما يوصل إليها، وما يقرب إليها، كما جاء في الحديث يقول: ((أعوذ بالله من النار، ويل لأهل النار)) فهل يفعل مثل هذا في الفريضة والنافلة أو يقتصر في ذلك على النافلة والأمر فيها أوسع؟ الأصل أن الصلاة واحدة، ما ثبت في النافلة يثبت في الفريضة، هذا الأصل إلا ما دل الدليل على تخصيص النافلة به مما ذكر سابقاً، أو نقول: هذا خاص بالنافلة والفريضة لها أحكامها والأمر فيها أشد، الاحتياط لها ينبغي أن يكون أكثر، وقد يقول المسلم كلمة تبطل صلاته وهو لا يشعر، فيقتصر في الفريضة على القراءة والتدبر، وأما في النافلة يسأل ويطلب الله -جل وعلا-، ويستعيذ بالله من عذابه كما جاء؛ لأن أكثر الروايات تدل على أنه في قيام الليل.
على كل حال قيل بهذا وهذا، والأصل أن الفريضة والنافلة سواء، فإذا اقتصر على الألفاظ الواردة عنه -عليه الصلاة والسلام- في النافلة وقيلت في الفريضة لا بأس، لكن التوسع في هذا بألفاظ وجمل لم تثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- لا سيما من بعض العامة الذين لا يدركون فحوى الكلام؛ لأنه قد يمر به كلام يظنه رحمة أو العكس، يظنه عذاب أو العكس، عذاب يظنه رحمة، كثير من الناس تسمعه يعني إذا مر ذكر الله -جل وعلا- قال: سبحانه، سبحانه، إذا مر ذكر نبي من الأنبياء صلى عليه وسلم بعضهم يجتهدون في هذا، فإذا اقتصر على المورد باللفظ النبوي الذي لا يخشى منه إبطال الصلاة لا بأس، وإلا فالأصل أن الصلاة {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يعني ساكتين، إيه نعم.
"وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً, فأما الركوع فعظموا فيه الرب, وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء, فقمن أن يستجاب لكم)) رواه مسلم".
وعن عائشة.(29/13)
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي)) متفق عليه".
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) " لماذا؟ لأن للركوع والسجود أذكار مختصة بهما، وأما القرآن فهو ذكر القيام، الركوع له ذكر، السجود له ذكر، الجلسة بين السجدتين لها ذكر، جلسة التشهد له ذكر، إلى آخره، فالقراءة ذكر القيام الوقوف قبل الركوع، لكن بعض الناس قد يبقى عليه شيء من الفاتحة ثم يركع الإمام ثم يركع معه ويكمل الفاتحة، وبعضهم يبقى من السورة التي قرأها بعد الفاتحة بعض الآيات يركع الإمام فيركع معه ثم يكمل ما شرع، هذا إيش حكمه؟ حرام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) نهيت، والنهي يقتضي التحريم، فالحديث دليل على تحريم قراءة القرآن حال الركوع والسجود،؛ لأن الأصل في النهي التحريم، ذكر الركوع: "سبحان ربي العظيم"، وذكر السجود: "سبحان ربي الأعلى" لأنه لما نزل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] قال: ((اجعلوها في سجودكم)) ومثلها التعظيم، فأما الركوع، لماذا لا نقرأ؟ "قال: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب)) عظموا فيه الرب ((وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء)) يعني ينبغي أن يكون الركوع ذكره التعظيم، سبحان ربي العظيم، وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء، فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو إيش؟ وهو ساجد.
((اجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) حري وجدير وحقيق وخليق أن يستجاب لكم، إذا أكثرتم من الدعاء، واجتهدتم فيه، حري أن يستجاب لكم، فالحديث فيه على ما ذكرنا تحريم القراءة في حال الركوع والسجود، وفيه أيضاً مشروعية تعظيم الرب -جل وعلا- في الركوع والتسبيح والتنزيه، وفيه أيضاً مع التسبيح في حال السجود مشروعية الدعاء.(29/14)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم)) " في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي)) الحديث السابق: ((فأما الركوع ف ع ظموا ... وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء)) دليل على أنه لا يدعى في حال الركوع وإنما يعظم الرب فيه، وعلى أنه لا يعظم الرب في حال السجود وإنما يجتهد فيه بالدعاء، لكن الحديث الذي يليه حديث عائشة دل على أن الركوع وإن كان الغالب في ذكره التعظيم إلا أنه لا يمنع من الدعاء اليسير، ولذا قال: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي)) وهذا دعاء، قد يقول قائل: أما الركوع عظموه ليش تدعو؟ والرسول يقول: ((عظموا)) عليك أن تدعو في السجود، نقول: لا يمنع من أن يكون الدعاء اليسير موجوداً في الركوع أيضاً، والدعاء الكثير مع الاجتهاد فيه وتحري جوامره في السجود، فإنه حري وجدير وقمن أن يستجاب لكم، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم, ثم يكبر حين يركع, ثم يقول: ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع, ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) ثم يكبر حين يهوي ساجداً, ثم يكبر حين يرفع رأسه, ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع, ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها, ويكبر حين يقوم من اثنتين بعد الجلوس" متفق عليه".(29/15)
نعم حديث أبي هريرة في تكبيرات الانتقال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا للاستمرار "إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر -للانتقال- حين يركع, ثم يقول: ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع" وهذا في حق الإمام على ما سيأتي "ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) " وهي للإمام والمأموم ((إذا كبر فكبروا)) التكبير يشترك فيه الإمام والمأموم، لكن إذا رفع من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فدل على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد على اختلاف في الصيغ الواردة في ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد، هي أربع صيغ، ويقولها الجميع، وأما التسميع فلا يقوله إلا الإمام دون المأموم والمنفرد، يقوله الإمام والمنفرد دون المأمون، "حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) ثم يكبر حين يهوي للسجود, ثم يكبر حين يرفع رأسه, ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع, ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" وهذا ديدنه وعادته -عليه الصلاة والسلام- مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فدل على وجوب تكبيرات الانتقال، وعلى وجوب قول: سمع الله لمن حمده خلافاً لمن يقول باستحباب ذلك، خلافاً لمن يقول باستحباب ذلك.(29/16)
وظاهر قوله: يكبر حين يفعل كذا، ويفعل حين .. ، أن التكبير مقارن للفعل، القول ينبغي أن يكون مقارناً للفعل، لكن إن تقدم يسيراً أو تأخر يسيراً، إن قدم الحركة على الذكر خشية أن يسبق، أو تقدم الذكر على الحركة لثقل وكبر سن ونحوه، فالمسألة فيها سعة، فعندنا قول: سمع الله لمن حمده، التكبير للجميع، إن كبر فكبروا، لكن إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فدل على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، عند الحنفية والمالكية المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، والإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد، هذا ذكر الإمام وهذا ذكر المأموم، الشافعية يرون أن كل مصلٍ إمام ومأموم ومنفرد كل منهم يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، والحنابلة يقولون: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، إنما يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، والإمام يقولها كذلك، والحديث ظاهر في هذا ((إذا قال ... فقولوا)) لأنه إذا قال: سمع الله لمن حمده نقول مباشرة بالتعقيب دون التأخير: ربنا ولك الحمد، إذن متى يقول المأموم: سمع الله لمن حمده؟ فدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده.
((ربنا ولك الحمد)) عرفنا أن الصيغ الواردة في هذا أربع، ربنا لك الحمد، ربنا ولك الحمد، واللهم ربنا لك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد، ولك الحمد، المقصود أنها أربع صيغ، وإن قال ابن القيم: إنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو، وهو وارد في صحيح البخاري، وارد في صحيح البخاري.
"ثم يكبر حين يهوي -يخر ساجداً- ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر حين يسجد" ثانية، ثم يكبر حين يرفع من السجدة الثانية، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها في الركعة الثانية والثالثة والرابعة هكذا، "ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" بعد الجلوس يكبر.
نعم الحديث الذي يليه:(29/17)
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض, وملء ما شئت من شيء بعد, أهل الثناء والمجد, أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت, ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) رواه مسلم".
نعم هذا ذكر القيام بعد الركوع: "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد)) " وعرفنا أنه ورد: ((اللهم ربنا لك الحمد)) ((اللهم ربنا ولك الحمد)) وبدون اللهم ((ملء السماوات والأرض)) الحمد ملء السماوات والأرض، الحمد معنى من المعاني والأجرام إنما تملى بالأجرام والأجسام، لا يمتنع أن يكون هذا المعنى بحيث لو كان جسماً لملأ ما بين السماوات والأرض، ولا يمنع أن يكون له حقيقة، وإن لم يدركها البشر، ففي علم الله -عز وجل- أنها تملأ ما ذكر.
((ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)) يعني مما تعلمه أنت تبارك وتعاليت، ولا نعلمه نحن، فالمطلوب حمد يملأ الظروف المعلومة وغير المعلومة للآدمي ((وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد)) يعني يا أهل الثناء والمجد ((أحق ما قال العبد)) أحق ما قال العبد، (أهلَ) منصوب على النداء الأصل: يا أهل الثناء والمجد، ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أنت أهل الثناء والمجد ((أحق ما قال العبد)) أحق بالرفع خبر مبتدأ محذوف، هذا أو ما ذكر أحق ما قال العبد، ((وكلنا لك عبد)) وكلنا لك عبد اعتراف من العبد لربه بأنه مربوب مدبر ومسير من قبل ربه وخالقه ورازقه -جل وعلا-، وفي هذا من التواضع والانكسار بين يدي الله -عز وجل-، واعترافاً ... مما كان هذا الجد، وهذا الاجتهاد، وهذا الحرص، وهذا الذكاء، وهذه القدرة، وهذه الخبرة كلها لا تنفع إلا إذا أراد الله -جل وعلا- أن ينفع بها، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(29/18)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (16)
تابع شرح: باب صفة الصلاة.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: مرّ معنا مراراً ذكر الإمام الدارقطني فهل من تعريف به؟
الدارقطني إمام من أئمة المسلمين، أشهر من أن يعرف، إمام مجتهد في هذا الباب، وقدوة له السنن أشهر من نارٍ على علم، لكن هذا الكتاب يجمع الصحيح والحسن والضعيف، وهو من أهل النقد وأهل التحري، وعلله بلغت الغاية في معرفة دقائق هذا الفن، حتى قال الحافظ ابن كثير وغيره: إنه لم يصنف مثله شيء يبهر العقل هذا الكتاب، ولا يعني هذا أن طالب العلم إذا سمع مثل هذا الكلام، وسمع الثناء الحافظ ابن كثير وغير الحافظ ابن كثير على علل الدارقطني أن يبدأ به؛ لأن هذا العلم أغمض أنواع علوم الحديث وأصعبها، فإذا بدأ به طالب العلم يُخشى عليه أن ينقطع ويترك، ونظير ذلك من يسمع مدح ابن القيم لكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (تعارض العقل والنقل) كثير من المتخصصين يقرأ في علل الدارقطني ولا يدرك ما مراد الإمام الدارقطني، كتاب: (العقل والنقل) لشيخ الإسلام شيء لا يخطر على بال.
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظيرٌ ثاني
لكن يسمع طالب العلم عن هذا الكتاب ويذهب يبادر فيشتري هذا الكتاب ويقرأ فيه فيفاجئ بترك للعلم وطلب العلم؛ لأنه سوف يطوي مائة الصفحة بالكامل ما فهم منها شيئاً البتة، ولذا كان كثير من الكبار من أهل التخصص في العقيدة، بل في كتب شيخ الإسلام من يأمر الطلاب بل كبار الطلاب وهم يقرؤون عليه أن يتجاوزوا كثير من البحوث في هذا الكتاب.
فالطالب عليه أن يتدرج في العلوم، يسمع كتاب يُمدح لا مانع أن يقتني هذا الكتاب إلى وقت الحاجة، لكن لا يقرأ في هذا الكتاب حتى يتأهل؛ لأنه يخشى عليه أن يترك طلب العلم، فعلل الدارقطني من هذا النوع، لا يستغني عنها من يعاني هذا الفن، لكن مبتدئ الطلبة عليهم أن لا يقرؤوا في مثل هذه الكتب التي تكون سبباً في صدهم عن متابعة الطلب.(30/1)
فمثل هذا الكتاب يذكر في بيان منزلة هذا الإمام العظيم، وليس هو بمعصوم، ولا يعني هذا أن كل ما يقوله هو الراجح لا، لكنه إمام معتبر في هذا الشأن، وهناك رسائل علمية في الدارقطني، وأثره في علوم الحديث أكثر من رسالة، وتناولته البحوث من جوانب متعددة، كما تناولت دراسة كتبه -رحمة الله عليه وعلى جميع أئمة المسلمين-.
يقول: ما معنى على شرط الشيخين أو على شرط مسلم وما شابه ذلك؟
المسألة الخلاف فيها طويل جداً، فالحازمي له قول، ابن طاهر له قول، من جاء بعدهم لهم أقوال، أول من صنف في شروط الأئمة الحازمي وابن طاهر، ثم تتابع من كتب في علوم الحديث في بيان شرط الشيخين، وأصل ذلك ما شهره الحاكم في مستدركه من قوله كثيراً: "على شرط الشيخين"، "صحيحٌ على شرط البخاري"، "صحيحٌ على شرط مسلم"، "حديث صحيح" يعني لا على شرط أحدهما.
فيرى الحازمي أن شرط الشيخين بعد أن قسم الرواة إلى طبقات، فالطبقة الأولى: من اتصفوا بالحفظ والضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، والثانية: من وافقوا الأولى في الحفظ والضبط والإتقان مع خفة ملازمة الشيوخ، والثالثة العكس من لازموا الشيوخ لكنهم أخف في حفظهم وضبطهم وإتقانهم، ثم نزل بعد ذلك، الذي يهمنا الطبقات الثلاث الأولى؛ لأن فيها شرط الشيخين.
فالأولى: شرط البخاري، وقد يتنقي من أحاديث الطبقة الثانية، والثانية شرط مسلم وقد ينتقي من أحاديث الطبقة الثالثة، هذا قول.
قول ابن طاهر: شرط الشيخين التخريج لمن أجمع على ثقته، وكلا القولين لا يسلم من مؤاخذات ومنقاشات، لكن المتأخرين رجحوا كما هو الواقع، ودعموه بالأدلة أن المراد بشرط الشيخين رجالهما على الصورة المجتمعة، إيش معنى هذا الكلام؟ أن البخاري إذا خرج حديثاً من طريق فلان عن فلان عن فلان عن فلان إذا وجد هذا الإسناد في أي كتاب على هذه الصورة فهو على شرط البخاري، ومثله ما كان على شرط مسلم، وإذا خرج البخاري ومسلم لهذه الصورة المجتمعة فوجدنا حديثاً مخرجاً بهذه السلسلة على الصورة المجتمعة في غيرهما من الكتب قلنا: على شرط الشيخين، فشرطهما رواتهما.(30/2)
ويؤيد ذلك أن الحاكم روى حديثاً من طريق أبي عثمان وليس هو النهدي، قال: والحديث من طريق أبي عثمان هذا ولو كان النهدي لقلت: على شرطهما، فدلَّ على أنه يقصد بشرطهما رواتهما، لكن يوجد إشكال حول هذا الكلام، وإن كان هو الصحيح، هو الصواب، هو المطابق للواقع، لكن يشكل عليه قول الحاكم: "وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات احتج بمثلها الشيخان" لو كان مراده بشرط الشيخين نفس الرواة لقال: احتج بهم الشيخان، احتج بهم الشيخان ما قال احتج بمثلهم؛ لأن مثل الشيء ليس هو الشيء نفسه.
هذا الإشكال الذي يمكن أن يورد على القول الأخير وهو الصحيح؛ لأن الواقع يشهد له، الواقع يشهد له.
كيف يقول: بمثلها الشيخان ولم يقل: احتج بهم الشيخان؟ الحافظ ابن حجر يقول: إن الحاكم استعمل المثلية في أعم من حقيقتها ومجازها، فهو يستعمل المثلية في حقيقتها إذا خرج لرواةٍ احتج بهم الشيخان أنفسهم، ويستعمل المثلية في مجازها إذا خرج الحديث وقال على شرط الشيخين، إذا خرج الحديث من طريق رواة لم يحتج بهم الشيخان لكنهم في مرتبة من احتج بهم الشيخان، فهم مثل من احتج بهم الشيخان هذه حقيقة، ويستعمل المثلية في مجازها إذا خرج الحديث عن رواةٍ خرج لهم الشيخان أنفسهم، نفس الرواة.
ثم استدل بقصة تشهد لما يقول، وقال: إن شخصاً رأى مع آخر ثوباً وقال له: اشتر لي مثل هذا الثوب، اشتر لي مثل هذا الثوب، فاشترى له الثوب نفسه، اشترى نفس الثوب، يشوف واحد معك سيارة يقول: والله هذه سيارة طيبة هي لك؟ تقول: لا، لزميلي، يقول: رجاءً إن وجدت لي مثل هذه السيارة اشترها لي، تروح لزميلك وتشتري له نفس السيارة، أنت اشتريت له السيارة أو مثل السيارة؟ أنت نفذت ما قيل لك؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
في معناها المجازي ما هو الحقيقي، مثلية مجازية، لأن مثل الشيء غير الشيء.
اختصما عند شريح فأمضى البيع، وقال: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، يعني إذا اشترى لك السيارة نفسها جاء لك بأكثر مما تطلب، أنت تطلب مثل هذه السيارة مثلها، والمثل قد لا يكون مطابق تماماً، فجاء لك بالمطابق تماماً.
المسألة طويلة الذيول، وتحتاج إلى بحث، وتحتاج إلى تمثيل وتنظير، والوقت ما يسعف.(30/3)
يقول: ألا نأخذ بقول الألباني -رحمه الله تعالى- إن قراءة الإمام الجهرية تجزئ عن المأموم؟
يعني هذا قال به جمعٌ من الأئمة، قراءة الإمام في الجهرية تجزئ عن المأموم عند جمع من أهل العلم، وهو فرعٌ من مذهب من يقول: قراءة الإمام قراءة لمن خلفه، فالمأموم ليس عليه قراءة، منهم من يقول: هذا خاص بالجهرية دون السرية، وإليه ميل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.
والأسئلة كثيرة جداً، ما تنتهي، والأحاديث التي معنا أيضاً كثيرة، ولن نستطيع أن ننهي القدر المحدد، فنترك منه جزءاً يكون للدورة اللاحقة -إن شاء الله تعالى-.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين)) متفق عليه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس" والمراد به إذا أطلق من بين ولد العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، حبر الأمة، وترجمان القرآن، "-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت)) " إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: أمرت فالآمر له من؟ هو الله -عز وجل-، بينما إذا قال الصحابي: "أمرنا" أو قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نهيت عن قتل المصلين)) مثل هذا، الناهي هو الله -عز وجل-، إذا قال الصحابي: "أمرنا" أو "نهينا" فالآمر والناهي هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني من له الأمر والنهي في قول جماهير أهل العلم، وإن قال بعضهم: إنه يحتمل أن يكون الآمر والناهي غير النبي -عليه الصلاة والسلام- ممن ولِّي على هذا الناقل.
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ(30/4)
((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه-" سبعة، الأعضاء السبعة، أعضاء السجود، أولها: الجبهة، ويدخل تبعها الأنف فهما عضوٌ واحد، الأصل الجبهة "وأشار بيده" وأمرّ بيده "إلى أنفه" بمعنى أنه جزء من عضو، وليس بعضوٍ مستقل؛ لئلا تكون ثمانية، الحصر في العدد يدل على أنه جزء من عضو، فالأصل الجبهة ويتبعها الأنف؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أشار على أنفه؛ يعني هذا كله عضو واحد، هذا كله عضو واحد، فمن سجد على الجبهة دون الأنف؟ هاه؟ الجبهة دون الأنف يجزئ أو ما يجزئ؟
طالب:. . . . . . . . .
المسألة خلافية، من يقول: إن الأصل الجبهة وهي عضوٌ واحد والأنف تبع لها، كما لو رفع أصبع من أصابع رجليه وبقيت بقية الأصابع، يكون سجد على القدمين وإن كان أحد الأصابع جزء من العضو، منهم من يقول: يجزئ السجود على الجبهة، ومنهم من يقول: لا، هما عضو واحد لا يتجزأ، كما لو سجد على الأنف دون الجبهة، القول الثالث: أن السجود على أيهما يجزئ، لو سجد على الجبهة أجزأه، ولو سجد على الأنف وحده أجزأه ورفع جبهته، لكن هذا القول ضعيف، وأصح الأقوال أنهما عضو واحد لا يجزئ ولا يغني أحدهما عن الآخر، بل لا بد من السجود عليهما.(30/5)
((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار" يعني وأمرّ "بيده على أنفه" فهما عضوٌ واحد لا يتجزأ، فمن سجد على أحدهما لم يأتِ بما أمر به، ولم يمتثل الأمر "واليدين" المقصود باليدين اليد تطلق ويراد بها ما بين أطراف الأنامل إلى المنكب كلها يد إلى المنكب، وتطلق ويراد بها من أطراف الأنامل إلى المرفق، تطلق أيضاً ويراد بها الكف إلى المفصل إلى الرسغ، فالإطلاق الأول على اليدين هل نقول: إن الإنسان يسجد على يديه، ويلصق يديه من الآباط إلى أطراف الأنامل على الأرض؟ لا، لم يقل بهذا أحد من أهل العلم، بل جاء النهي عما دون ذلك، النهي عن الاحتمال الثاني يجعل النهي عن الاحتمال الأول أولى، فإذا نهي عن الافتراش وهو إلصاق الذراعين على الأرض فالنهي عن إلصاق اليد من الأنامل إلى الآباط من باب أولى، فليس مرادٌ قطعاً، والاحتمال الثاني وإن كان اللفظ يحتمله إلا أنه جاء النهي عنه، فأخرجه من هذا النص، بقي اليد التي هي الكف ويقصد بها الراحة مع بطون الأصابع، الراحة مع بطون الأصابع، ويلاحظ على كثيرٍ من الناس أنه يسجد على بطون الأصابع فقط ويرفع الراحة، ترى موجودة يا الإخوان، وكثير أيضاً، وهذا مما ينبغي التنبيه عليه، هذا ما سجد على يديه سجد على أصابعه، أبداً كثير من الناس يسجد هكذا على الأصابع، والمطلوب بطون الكفين، الراحة وبطون الأصابع.
وبعض الناس يصلي -وهذا يظهر في سجدة التلاوة لكن الخلاف في كونها صلاة معروف- بعض الناس يصلي ويقرأ في المصحف، ويركع ويسجد والمصحف بيده، فبعضهم يسجد وهو ماسك المصحف، مدخل أصبعه في المصحف هكذا، ويسجد على ظهر الكف يوجد، موجود، وبعضهم يدخل الأصبع أصبع واحدة ويسجد على بقية الكف، يصح السجود وإلا ما يصح؟ أما من سجد على ظهر الكف هذا لا يصح سجوده، أما من رفع أصبع وسجد على بقية الكف فيرجى -إن شاء الله-، وإن كان أخل بالمراد، لم يمتثل الامتثال الكامل، لكن أمره أخف إذا لم يباشر الأرض بأصبع واحدة مثلاً، أو رفعها في أثناء السجود، رفع أصبع أو أصبعين أو ما أشبه ذلك، كما لو رفع إحدى القدمين وهو ساجد، ثم أعادها الأمر سهل.(30/6)
((واليدين والركبتين)) فعندنا الجبهة مع الأنف واحد، واليدين هذه ثلاثة، والركبتين هذه خمسة، وأطراف القدمين سبعة.
((والركبتين)) ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) ظاهر اللفظ أن هذه الأعظم السبعة تباشر المسجود عليه من غير حائل، لكن دل الدليل على الصلاة في الخف، فعلى هذا لا مباشرة لأطراف القدمين، بالدليل، دل الدليل على ستر العورة ومنها الركبتان في الصلاة، فلا مباشرة للركبتين، بقيت اليدان مع الوجه، الأصل المباشرة، لكن إذا قامت الحاجة لوجود حائل لحرارة شديدة مثلاً فللحاجة لا مانع من السجود على حائل، الركبتين لا بد من سترهما على الخلاف في كونهما من العورة في الصلاة، على كل حال إن لم يكونا من العورة فسترهما مما لا يتم الواجب إلا به.
((وأطراف القدمين)) ونشاهد كثيراً من كثير من المصلين من يرفع رجليه عن الأرض أو إحداهما، يسجد وهو رافع رجليه، هذا سجوده غير صحيح؛ لأنه لم يمتثل الأمر ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) لكن لو رفع إحداهما لحاجة، لو رفع إحداهما لحاجة، احتاج لحك إحداهما بالأخرى وهذا يحتاجه الإنسان، نقول: الحاجة لها حكمها، على أن يكون الغالب عدم الرفع، على أن يكون الغالب من الوقت عدم الرفع، لكن إن رفع إحدى رجليه يحك الأخرى مضطراً لذلك لا بأس -إن شاء الله-.
إذا كانت الأرض حارة ويشق عليه السجود على أطراف القدمين، ولا يوجد ما يحول، وراوح بينهما، أو كانت الأرض غير مريحة مثلاً، السجود على أرض غير مريحة، وأنت مأمور أينما أدركتك الصلاة أن تصلي خلا ما استثني من البقاع، فما يخل بالصلاة بخشوعها لا شك أن له حظ من النظر على أن يكون السجود على أطراف القدمين في غالب السجود، مثل ما ذكرنا في الحاجة إلى حك إحداهما بالأخرى.(30/7)
السجود على الحائل المستقر، والسجود على الحائل المتحرك، السجود على الحائل المستقر الفرشاة، وهذه لا إشكال فيها عند جماهير أهل العلم، لكن السجود على الحائل المتحرك مع المصلي، بعض الناس تجد المسجد مفروش ومريح ولا فيه إشكال، ثم إذا أراد أن يسجد قدم غترته أو شماغه وسجد عليه، هذا يكره كراهية شديدة لغير حاجة، يكره، نعم كان أحدهم يبسط ثوبه من شدة الحر ثم يسجد عليه هذا للحاجة، وفي حديث خباب: "شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرّ رمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا" يعني لم يزل شكوانا، لكن هذا محمولٌ على شيء يطاق، وبعض الناس لأدنى سبب أو بدون سبب إذا أراد أن يسجد قدم شماغه أو غترته وسجد عليه، هذا مكروه عند أهل العلم.
"وعن ابن بحينة -رضي الله تعالى عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" متفق عليه".
حديث ابن بحينة عبد الله بن مالك بن القشب، وبحينة هذه أمه، عبد الله بن بحينة اشتهر بها، فعلى هذا إذا قيل: عبد الله بن بحينة (ابن) هذه تحتاج إلى ألف، ولو قلنا: عبد الله بن مالك بن بحينة احتجنا إلى الألف كما نقول: عبد الله بن أبي بن سلول، وإعراب ابن الأولى تابعة لما قبلها، والثانية ليست بتابعة، تابعة للذي قبل الذي قبلها، إذا قلت: هلك عبد الله بنُ أبي بنُ سلول، فـ (ابن) تابع، نعم وصف أو بدل أو بيان كل هذا جائز لـ (عبد الله) فـ (ابن) الأولى تابعة لعبد الله، وابن الثانية تابعة لـ (عبد الله) لكن لو قلت: عبد الله بنُ عمر بنِ الخطاب فـ (ابن) تابعة للأولى والثانية تابعة للثاني، فهي مجرورة تبعاً له.
"وعن ابن بحينة أن رسول -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى -وسجد- فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" فرج يعني باعد بينهما، أي نحى كل يدٍ عن الجنب الذي يليها جافى فرج، فالحديث دليلٌ على أن هذا الفعل مما يشرع في الصلاة من مجافاة، قالوا: والحكمة في ذلك أن يظهر كل عظم بنفسه، ويتميز عن غيره، بخلاف ما لو انضم المصلي بعضه إلى بعض تداخلت هذه الأعضاء، لكن كون كل عضو يتميز بنفسه ليؤدي ما أنيط به من عبادة استقلالاً هذه حكمة، والدليل هو ما سمعتم.(30/8)
لماذا لا نقول: إن مثل هذا واجب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعله، وكان تدل على الاستمرار مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة أن الصحابة شكوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مشقة من طول السجود، فقال: ((استعينوا بالركب)) وهذا صارف ترجم له أبو داود (الرخصة في ترك التفريج) فإذا احتيج إلى الانضمام من تطويل السجود مثلاً، سواءً كان الإنسان يصلي منفرداً أو في جماعة، أو كان به مرض لا يستطيع أن يتجافى، أو كان في صفٍ مع التراص الذي لا يمكنه في بعض المناسبات في جمعة أو عيد أو في بلاد الحرمين أو غيرهما مثل هذا من قصد فعل السنة وكانت ديدنه إذا لم يستطع فعلها كتبت له، إذا لم يستطع تكتب له؛ لأنه كان قاصداً لفعلها، لكن لم يتمكن منها، لكن الشخص الذي لا يرفع رأساً بالسنن، في حال السعة لا يطبق السنة فهل تكتب له إذا عجز عنها؟ لا تكتب له، كما أن الإنسان إذا مرض أو سافر يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً؛ لأن الحائل دونه ودون فعل ما كان يفعله إجباري وليس اختيارياً، فالمجافاة والتفريج سنة.
يقول: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يدعي الرافضة أن الفرش الذي يصلى عليها ليست من الأرض وإنما مصنوعة من مواد أخرى؟
الأصل الأرض، الأصل الأرض، لكن الصلاة على ما يحول بين المصلي وبين الأرض النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصير، وفي حديث أنس: ((فعمدت إلى حصيرٍ لنا قد أسود من طول ما لبس)) فمثل هذا الحائل تجوز الصلاة عليه وإن كان الأصل الأرض، وفي رواية: ((جعلت تربتها لنا طهوراً)) فالأصل الأرض، لكن هذه الصلاة على الحائل وعلى الفرش جاءت النصوص الصحيحة والصريحة في أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى عليها.
يقول: فلذا فهم يضعون قطعة تربة يصلون عليها؟
هذه التربة ليست أي تربة، وإنما هم يحضرونها من عتباتهم المقدسة، ولها خصوصية عندهم، يعني لو تعطيه أي قطعة من تراب أو من حجارة ما سجد عليها، فليست هذه هي الحجة الحقيقية، والله المستعان.(30/9)
"وعن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) رواه مسلم".
البراء بن عازب بالتخفيف: البراء، وهذه هي الجادة في هذا الاسم، إلا نحو أبي معشر البرَّاء بالتشديد؛ لأنه يبري السهام، هذا "البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) ضع كفيك يعني على الأرض وارفع مرفقيك؛ لأنك إذا لم ترفع مرفقيك افترشت افتراش السبع، وقد جاء النهي عن الافتراش، بل جاء النهي عن الافتراش على وجهين، على جهة التصريح به نطقاً، وجهة الأمر برفع المرفقين الذي يلزم منه عدم الافتراش، فيفهم من حديث الباب النهي عن الافتراش من باب المفهوم، ومنطوق حديث النهي عن الافتراش يفهم منه على جهة المفهوم رفع المرفقين، فالحديثان بمعنىً واحد.
((ضع كفيك)) امتثالاً للأمر الخاص بالكفين والداخل في عموم: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) ومنها الكفان، وعرفنا المراد بالكفين، وهنا يقول: ((إذا سجدت فضع كفيك)) ضع ((وارفع مرفقيك)) يعني فلا تفترش، والحديث مخرج عند مسلم وأحمد والترمذي وغيرهم.
هذا بالنسبة للرجل يتجافى ويفرج ولا ينضم، وجاء بالنسبة للمرأة حديث في المراسيل عند أبي داود، ومعلوم أن الحديث المرسل صحيح وإلا ضعيف؟ ضعيف، والإرسال عندهم أعم من كون الحديث مرفوع من قبل التابعي، على ما استقر عند المتأخرين.
مرفوع تابعٍ على المشهورِ ... فمرسلٌ أو قيده بالكبيرِ
المراسيل تضم ما في أسانيدها خلل من انقطاع سواء كان ظاهر أو خفي.
في المراسيل لأبي داود عن زيد بن أبي حبيب أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرّ على امرأتين تصليان فقال: ((إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى الأرض، فإن المرأة في ذلك ليست كالرجل)) والبيهقي يقوي من شأن هذا المرسل، ويقول: هذا المرسل أحسن من موصولين فيه، يعني من حديثين موصولين خرجهما البيهقي، ولا يعني كونه أفضل وأحسن أن يكون حسناً؛ لأن أفعل التفضيل عند أهل الحديث ليست على بابها، لا يستعملون أفعل التفضيل على بابها من كون الشيئين اشتركا في وصف فاق أحدهما الآخر.(30/10)
يعني عند أهل اللغة: (أحسن) تدل على أن شيئين اشتركا في الحسن، وفاق أحدهما الآخر في هذا الباب، المحدثون على خلاف ذلك، يستعملون أفعل التفضيل على غير بابها عند أهل اللغة، فإذا قالوا: حديث أبي هريرة أصح من حديث ابن عمر هل يلزم من هذا أن يكون حديث أبي هريرة صحيح؟ لا يلزم، قد يكون ضعيف حديث أبي هريرة، إلا أنه أقوى من حديث ابن عمر، يكون حديث ابن عمر أضعف منه، كما أنهم إذا قالوا: فلان أوثق من فلان لا يعني التوثيق، فقد يكون الرجلان ضعيفين لكن أحدهما أقوى من الثاني وأوثق، والعكس.
المقصود أن أفعل التفضيل وكون البيهقي يقول: هذا المرسل أحسن من موصولين لا يعني هذا أنه يصحح هذا المرسل، بل هو يضعف إذا كان أصح منهما مرسل فهما ضعيفان، ((فإن المرأة في ذلك ليست كالرجل)) ونقلنا عن أمِّ الدرداء كما في الصحيح أنها كانت تجلس جلسة الرجل، وكانت فقيهة، نعم في الجملة وعموم النصوص يدل على أن المرأة كلما اختفت واستترت كان أفضل، فإن انضمت كان أستر لها، ولو صح هذا الخبر لكان نصاً في الباب، لكنه ضعيف، فتبقى النصوص الموجهة للرجال تتناول النساء إلا ما دل الدليل على اختصاصهن به.
النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه، ويجافي عضديه عن جنبيه حتى يبدو بياض إبطيه، هل معنى هذا أنه يصلي بلا أكمام، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يلبس القمص، ويلبس الرداء، ويلبس الحلة، فهل في مثل هذا الحديث أنه كان يلبس القمص التي لا أكمام لها؟ أما الأردية معروف وضعها.
لبس الكم -عليه الصلاة والسلام-، وضاق الكم على يده فأخرجها من جيبه -عليه الصلاة والسلام-، من الداخل، فهو يلبس هذا تارة ويلبس ذاك أخرى، يلبس الحلة المكونة من ثوبين، ويلبس الإزار والرداء، وهنا يتسنى أن يرى بياض إبطيه، ويلبس القميص الذي له كم، لكن لو كان عليه قميص وإذا فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه لو كانا مكشوفين فلا يلزم من هذا أن الإنسان يعمد إلى القمص التي لا أكمام لها ويقول: هي السنة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه.(30/11)
"وعن وائل بن حجر -رضي الله تعالى عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه" رواه الحاكم".
هذا الحديث حسن الهيثمي وغيره إسناده، وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلم "كان إذا ركع فرج بين أصابعه" يمسك بركبتيه يفرج بينهما كأنه قابضهما "إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه" لتكون هذه الأصابع متجهة إلى القبلة؛ لأنه إذا فرجت الأصابع في السجود انحرف بعضها عن القبلة، انحرف بعضها عن القبلة، فإذا ضمت الأصابع اتجهت جميعها إلى القبلة.
سؤال، يقول: إذا كان الماء قد استعمل في غسلٍ وليس لرفع حديث أي لمستحب كالجمعة مثلاً هل يصح الوضوء به؟
إذا استعمل الماء في غسل في باب الطهارة رجحنا رأي الإمام مالك وأن الاستعمال لا يؤثر في الماء، ولا يسلبه الطهورية ما لم تتغير أحد أوصافه بنجاسة، فيصح الوضوء به.
يقول: ما شرحكم لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة؟ ))
جاء أيضاً: ((ولا المرأة بفضل طهور الرجل)) وهذا سبق حديثه بالتفصيل، وما فيه من أقوال لأهل العلم، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اغتسل بفضل وضوء بعض نسائه، واغتسل مع بعض نسائه، المقصود أن مثل هذا لا يسلب الماء الطهورية، نعم.
وعن عائشة:
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة".(30/12)
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة" التربع معروف، بمعنى أنه يجلس على مقعدته ويدخل رجله اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى، يحتاج إلى شرح التربع؟ "يصلي متربعاً" كيف يصلي متربعاً؟ وسبق أن جاء في بيان وصف جلوسه في الصلاة أنه يفترش ويتورك، يفترش ويتورك فكيف يقال هنا: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" يعني هذا إذا صلى جالساً، إذا صلى جالساً فبدلاً من القيام يصلي متربعاً، في مواضع الافتراش يفترش بين السجدتين في التشهد الأول، في موضع التورك يتورك في التشهد الثاني، وأما فيما يقوم مقام القيام من الجلوس فإنه يكون حينئذٍ متربعاً، يعني إذا صلى الإنسان جالس كيف يكون جلوسه البديل عن القيام في وقت القراءة وبعد الرفع من الركوع؟ هل يفترش كما يجلس في التشهد الأول وبين السجدتين؟ يتربع نعم، يتربع، فإذا صلى من قعود سواءً كان لحاجة، لا يستطيع القيام في الفريضة والنافلة على حدٍ سواء، أو كان ممن يستطيع القيام لكن في النافلة وليس له من الأجر إلا النصف يصلي هكذا متربعاً، يعني في بديل القيام، أما في القعود الأصلي في الصلاة بين السجدتين وفي التشهد فيفترش، في التشهد الأخير يتورك على ما سبق شرحه؛ لأن ما يمكن الإتيان به مع العجز عن غيره يؤتى به، من استطاع أن يأتي ببعض العبادة وعجز عن بعض يأتي بما يستطيع.
فلا نقول: ما دام يتربع في وقت القيام يتربع بين السجدتين، يتربع بالتشهد، اللهم إلا إذا كان لا يستطيع أن يفترش ولا يستطيع أن يتورك يأتي بما يستطيع {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)).(30/13)
وبعضهم -بعض العلماء- يقول: إن الجلسة في الصلاة ولو كانت من معذور يجلس للقراءة بدلاً من القيام على هيئة ما شرع له من الجلوس في الصلاة، على هيئة ما شرع له من الجلوس في الصلاة، فالصلاة جلوسها واحد، فما دام يجلس يفترش بين السجدتين يفترش إذا جلس للقراءة في ركن القراءة، لكن هذا الحديث وهو صحيح، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" وهذا نص في الموضوع، ويبقى الافتراش في موضعه والتورك في موضعه، والتربع فيما عدا ذلك.
"وعن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) رواه الأربعة إلا النسائي، واللفظ لأبي داود، وصححه الحاكم".
هذا الدعاء بين السجدتين، عرفنا أنه في حال القيام يقرأ القرآن، يقرأ الفاتحة وما تيسر، إذا ركع يعظم الرب "سبحان ربي العظيم" إذا رفع يقول: "ربنا ولك الحمد" إلى آخر الذكر الذي تقدم، إذا سجد يسبح ويدعو ويكثر من الدعاء على ما تقدم التوجيه به ((فإنه قمنٌ أن يستجاب لكم)) إذا جلس بين السجدتين يدعو بما ورد فيقول: "اللهم اغفر لي"، "كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني" وهذا الحديث مصحح عند أهل العلم، مخرجٌ في السنن، وصححه الحاكم وغيره، فالمشروع أن يقول هذا الدعاء بين السجدتين، وقد يقول قائل: هل يجهر به أو يسر؟ ابن عباس سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول ذلك، فدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر به، الأصل في ذكر هذا الموطن الإسرار إلا إذا اقتضت الحاجة الجهر به أو ببعضه، الجهر به للتعليم، أو الجهر ببعضه لتنبيه من وراءه فلا بأس كما حصل.
"وعن مالك بن الحويرث -رضي الله تعالى عنه-: أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً" رواه البخاري".(30/14)
مالك بن الحويرث صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وحفظ عنه، وضبط صلاته "رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي" والحديث في الصحيح "فإذا كان في وترٍ من صلاته" يعني بعد الفراغ من صلاة وتر، يعني الركعة الأولى والثالثة، إذا فرغ من الركعة الأولى وفرغ من الركعة الثالثة "لم ينهض" إلى الثانية والرابعة "حتى يستوي قاعداً".
وهذه الجلسة يسميها العلماء جلسة الاستراحة، والخلاف فيها بين أهل العلم طويل، والأكثر على عدم شرعيتها، وأنها مقرونة بالحاجة، وقد جاء ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه إنما احتاج إليها في آخر عمره لما بدن، كما في بعض الروايات، لكن ليس في الصحيح ما يدل على ذلك، إنما الذي في الصحيح: أنه -عليه الصلاة والسلام- يصلي، فإذا كان في وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً.
فهل تشرع جلسة الاستراحة مطلقاً؟ أو لا تشرع مطلقاً خاصة به؟ أو تشرع عند الحاجة إليها؟ ذهب إلى القول بشرعيتها الإمام الشافعي في قول، وذهب الجمهور إلى عدم القول بشرعيتها، وإن كان الخلال ذكر عن الإمام أحمد أنه رجع إلى القول بها، وهي ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من فعله، وجاءت في بعض طرق حديث المسيء، وهذا ذكره الرافعي، هذه الرواية ذكرها الرافعي، وذكرت أيضاً في بعض طرق حديث أبي حميد، والذي يعنينا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلها، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعلى هذا فالسنة الإتيان بها.
وأما كونها يؤتى بها عند الحاجة فهي جلسة، هل تفيد عند الحاجة؟ هل الأسهل للمصلي إذا سجد أن يعتدل قائماً ولا فاصل بينهما؟ أو يجلس ثم يعتدل قائماً؟ هل هذه الجلسة وإن سماها أهل العلم تريح المصلي أو زيادة عبء على المصلي؟ لذلك سموها جلسة الاستراحة، وهذه الجلسة لا تطابق، الجلسة أحياناً تعوق المصلي، ولا سيما عند الكبر، يعني كونه ينهض من السجود إلى القيام أسهل من كونه يتورك ويجلس ثم يقوم؛ لأنها ليست بجلسة بمعنى استراحة تجلس مدة طويلة، ترد النفس وترتاح، ليست على ما سميت به.(30/15)
وقد ثبت فعلها عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبله -عليه الصلاة والسلام-، فلا كلام لأحد، فهي سنة، الإتيان بها سنة ولو لم يفعلها الإمام، فالمسلم مطالب بالاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم هو مأمورٌ بالاقتداء بالإمام لكن فيما يشرع، وما يفعله الإمام من أمورٍ مشروعة، فعلى هذا لو لم يرفع الإمام يديه في مواطن الرفع نقول: والله ما رفع و ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)) ما نرفع أيدينا؟ أو نرفع؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ إذا أخل ببعض السنن نخل؟ ما نخل ببعض السنن، فإذا لم يجلس الإمام للاستراحة، هذه الجلسة التي يسميها أهل العلم استراحة، وفي تسميتها استراحة نظر كيف استراحة؟ زيادة عبء في الصلاة، فإذا لم يجلس فلا عبرة بما خالف، العبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام- نجلس ثم نقوم "لم ينهض حتى يستوي قاعداً" نستوي قاعدين ثم نلحق بالإمام، وكثيرٌ من الناس يفعل هذه الجلسة ويعتدل مع الإمام، يتبع الإمام قبل كثيرٍ من المصلين الذين لم يفعلوها، هي لا تكلف شيء، مجرد ما تستوي قاعد ثم تقوم مباشرة، فلا تخل باتباع، فالأولى للمصلي أن يفعلها، وفعلها سنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي تقعد إيه، تجلس مفترشاً ثم تقوم، جلسة خفيفة.
جاء في ألفاظ لبعض الأحاديث أنه كان لا يفعلها -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء من حديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فكان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائماً)) لكن هذا الحديث ضعفه النووي، وجاء في معناه بعض الأحاديث، فإذا ثبتت تحمل على بيان الجواز، وأن فعلها مجرد سنة، وتركها جائز.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع، يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" متفق عليه.
ولأحمد والدارقطني نحوه من وجه آخر، وزاد: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا".(30/16)
هذا القنوت يسميه أهل العلم قنوت النوازل "عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب" رعل وعصية وبنو لحيان "يدعو على أحياء من العرب" مدة شهر ثم ترك القنوت، هؤلاء الأحياء النبي -عليه الصلاة والسلام- أرسل زهاء سبعين رجلاً إلى قوم من المشركين يعرفون بالقراء، غدروا بهم وقتلوهم، فقنت النبي -عليه الصلاة والسلام- مدة شهرٍ يدعو عليهم، يدعو على هؤلاء الذين غدروا بهؤلاء القراء، هذه نازلة، هذه نازلة.
فقنوت النوازل مشروع، وهو مربوط بالأمور العامة التي تنزل بالأمة لا ما ينزل بشخصٍ معين، لو مرض إمام من أئمة المسلمين عالم كبير هل نقول للناس: اقنتوا قنوت نوازل لكي يرفع الله عنه هذا البلاء؟ هذه ليست نازلة، وإن كان أثرها في الأمة ظاهر، لكن يدعى له بظهر الغيب يدعى له بالسجود، يدعى له في أوقات الإجابة لا بأس، أما أن يقنت لرفع ما نزل به، الصحابة ما قنتوا لما مرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا لا يشرع، وإن فعله بعض المجتهدين من أصحاب الحماس والغيرة والحرقة على ما يقولون يفعلونه، مرض شخص من الأشخاص من أهل العلم يقنتون، هذه ليست نازلة، هذه وإن كانت نازلة إلا أنها خاصة وليست عامة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت بعد الركوع، وجاء عن أنس أن القنوت كان قبل الركوع، قنت بعد الركوع، وجاء عن أنس أن القنوت كان قبل الركوع، أولاً: قوله: "قنت شهراً" هل يحدد قنوت النوازل بهذه المدة؟ أو نقول: إن النازلة تقدر بقدرها على حسب ما يقدره أهل الاجتهاد من علماء المسلمين؟ تقدر بقدرها، فقد لا تصل إلى حد الشهر، وقد تزيد على الشهر؟ أو نقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو المشرع وهو القدوة فلا نزيد على ما فعل ولا ننقص عنه؟ محل نظر، ولا شك أن النوازل متفاوتة، ومنها ما هو مربوطٌ بمدة ووقت، ومنها ما يطلب كشفه فيستمر إلى أن ينكشف، ومنها ما حصل وانتهى كقتل هؤلاء القراء، المقصود أنه محل للاجتهاد.(30/17)
"بعد الركوع" وجاء عن أنس -رضي الله عنه- أنه قبل الركوع، وابن القيم -رحمه الله تعالى- وفق بين ما جاء عنه من هذا وهذا، فقال: إن القنوت الذي هو قبل الركوع طول القيام، فالقنوت في الأصل هو طول القيام {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] القنوت طول القيام، فالقنوت الذي قبل الركوع طول قيامٍ في القراءة، والقنوت الذي هو بعد الركوع طول قيام بالدعاء فلا اضطراب؛ لأن بعضهم يقول: كيف يقول أنس: أحياناً قبل الركوع وأحياناً بعد الركوع؟ ابن القيم -رحمه الله تعالى- قال: المراد بالقنوت طول القيام، فالقنوت الذي هو قبل الركوع طول قيامٍ بقراءة، والقنوت الذي بعد الركوع هو طول قيام بالدعاء.
"يدعو على أحياء" أي قبائل "من العرب ثم تركه" لأنه مصيبة وكارثة حلت بالأمة، لا شك أن مثل هذه الأمور تنتهي تدريجياً؛ لأنه مصيبة والمصائب كل ما مضى عليها الوقت تنسى، فلا يحسن التذكير بها، كتعزية المصاب، الآن لو يموت شخص وابنه زميلٌ لك، ومعك في العمل، كل صباح: "أحسن الله عزاك بالوالد"، "أحسن الله .. " لمدة سنة، وبعدين؟ هو نسي وخلاص، انتهت المصيبة في وقتها، فمثل هذا لا يشرع، لأن مثل هذا يذكر بهذه المصيبة "ثم تركه" متفقٌ عليه".
"ولأحمد والدارقطني نحوه من وجه آخر" وهذا الوجه ضعيف "وزاد: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا"، "من وجه آخر" عن أنس "وزاد فيه: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا"، وفي الحديث الأول: "ثم تركه" فإما أن يقال: إنه تركه في بقية الفرائض والاستمرار في الصبح، أو يقال: إن رواية "لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" ضعيفة ولا تعارض بها الرواية الصحيحة.
هذه الرواية التي معنا: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" عرفنا أنها ضعيفة، ولو صحت لقلنا: إنه لم يزل يقنت يطيل القراءة، والقنوت طول القيام حتى فارق الدنيا، ويعارض حديث أنس هذا الذي في صلاة الصبح حديث سعد بن طارق الأشجعي وهو صحيح، وهو أصح من هذا، اقرأ الحديثين.
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم" صححه ابن خزيمة".(30/18)
"وعن سعد بن طارق الأشجعي -رضي الله تعالى عنه- قال: "قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفكانوا يقنتون في الفجر? قال: أي بني محدث" رواه الخمسة إلا أبا داود".
نعم "وعنه" يعني أنس بن مالك -رضي الله عنه- راوي الحديث السابق "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم" ثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يدعو لقوم مستضعفين بمكة ((اللهم أنجِ الوليد بن الوليد)) .. إلى آخر الحديث، "أو دعا على قوم" على أحياء من العرب في الحديث السابق "لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" وهذا ما يسمى بقنوت النوازل.
وأهل العلم يعممون النوازل فيما هو أعم مما ورد في هذا الحديث، ويقولون: إنه لا قنوت إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون، فيقنت الإمام في الفرائض قنوت الوتر يأتي ذكره، لكن المقصود القنوت في الفرائض.
من حديث أنس يقول: "لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" وأهل العلم عمموا ذلك، فحملوه على النوازل، جعلوا العلة الجامعة هي النازلة، فلا يقتصر قنوت النوازل على الدعاء لقوم أو على قوم، بل إذا نزل بالمسلمين مصيبة تعمهم دُعي بكشفها في الفرائض.
وجاء القنوت في الصبح وهو أكثر ما جاء، جاء في بقية الأوقات الخمسة كما في الصحيحين والسنن: "إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة" وباء، وإلا عدو يحل بساحتهم، أو سباع تحيط بهم مما لا يستطيعون دفعه، أو هوام، أو زلازل، كوارث، مصائب، هذه يقنت فيها في الفرائض، استثنى أهل العلم الطاعون لا يقنت له ولو صار جارفاً، قالوا: لأن الطاعون إيش؟ شهادة والشهادة لا يطلب رفعها.(30/19)
حديث "سعد بن طارق الأشجعي" وفي نسخ البلوغ: سعيد، لكن الصواب في اسمه: سعد بن طارق بن أشيم الأشجعي -رضي الله عنه- "قال: قلتُ لأبي" طارق بن أشيم "يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي" يعني خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- وخلفائه الراشدين "أفكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني محدث" رواه الخمسة إلا أبا داود" أحمد، الترمذي، النسائي، ابن ماجه "أي بني محدث" يعني مبتدع، وسبق أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت، وأنس يقول: "وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" فإذا نظرنا إلى قول أنس: "لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا" مع حديث سعد بن طارق عن أبيه، وحديث سعد بن طارق أقوى من حديث أنس، فحديث أنس في القنوت في الصبح على وجه الخصوص ضعيف، وهو معارضٌ بما هو أقوى منه من حديث سعد بن طارق ولو صح لأمكن حمله على طول القيام في القراءة، ومعلومٌ أن الصبح تطول فيه القراءة.
وفي حديث عائشة -رضي الله عنها: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار"، فمن سمة ومن سنة صلاة الصبح أنها تطول فيها القراءة وهذا هو القنوت، وهذا من معاني القنوت طول القيام، فلو صح حديث أنس في القنوت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا حمل على طول القراءة؛ لأنه معارضٌ بما هو أقوى منه.
الشافعية يرون استمرار شرعية القنوت في صلاة الصبح، والجمهور على أن القنوت مربوطٌ بالنازلة، لا يقنت إلا في النوازل، والشافعية يستدلون بحديث أنس: "فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا".
هذا أعيد السؤال الأول: إذا كان الماء قد استعمل في غسلٍ ولكن ليس لرفع حديث لمستحب كالجمعة مثلاً هل يصح الوضوء به؟(30/20)
يصح الوضوء به، ولا أثر لاستعماله في الطهارة، ولا ينتقل من كونه طهور إلى كونه طاهر، وهذا قول المالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومعه الأدلة، أما القول بأنه ينتقل من كونه طهور إلى طاهر وحينئذٍ لا يرفع الحدث مرة ثانية وهو قول الأكثر، ويستدلون بأدلة مضى الكلام فيها وفي بسطها، ورتبوا على هذه أو على هذا القول مسائل، وضيقوا على أنفسهم وعلى غيرهم، ولذا تمنى الغزالي أن لو كان مذهب الإمام الشافعي مثل مذهب الإمام مالك في أبواب المياه، وهو المناسب ليسر الشريعة، وهو المناسب لوضوحها، وإلا وجدت فروع ومسائل تتعلق بهذه المسألة هي إلى التكلف والتعنت أقرب منها إلى أن تكون مسائل مشروعة.
وظاهر السؤال هذا: إذا كان الماء قد استعمل في غسل وليس لرفع حديث هل يصح الوضوء بها؟ هذا واضح، وإعادة السؤال مرة ثانية لعله يريد أن الغسل المستحب هل يرفع الحديث؟ بمعنى أنه هل يغني عن الوضوء؟ يحتمل أن يكون هذا المراد، بدليل أنا أجبنا عنه سابقاً وأعاد السؤال مرة ثانية، فإن كان القصد الفهم الأول فأعدناه، وإن كان القصد الثاني فإذا كان الغسل مشروعاً يقولون: يجزئ، الغسل طهارة كبرى تدخل فيها الطهارة الصغرى إذا كانت مشروعة، ومنهم من يقول: إن الوضوء الواجب لا يدخل في الغسل المستحب، لا يدخل في الغسل المستحب، ولذا لا بد من الوضوء إلا إذا كان الغسل رافعاً للحدث، بمعنى أنه واجب يرفع حدث فإنه إذا ارتفع الحدث الأكبر تبعه الحدث الأصغر.
يقول: حديث: ((لا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة وليغترفا جميعاً))؟
جاء النهي عن الوضوء وضوء الرجل بفضل المرأة، ووضوء المرأة بفضل الرجل، ولم يقل أحدٌ بأن الماء الذي يخلو به الرجل لا يرفع حدث المرأة، وإنما قال بعضهم بالعكس، إذا خلت المرأة لطهارة كاملة بالماء فإن هذا الماء لا يرفع حدث رجل وإن رفع حدث امرأة، والصواب أن المسألة واحدة، وقد جاءت في الخبر سيقت مساقاً واحداً، فإذا كان ما خل به الرجل يرفع حدث المرأة فما خلت به المرأة يرفع حدث الرجل، وجاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ بفضل إحدى زوجاته -عليه الصلاة والسلام-.(30/21)
يقول: إني عندما أصلي الوتر في آخر الليل في بعض الأحيان في الركعة الأخيرة أقنتُ بعد الركوع في الركعة الأخيرة ولكني أطيل حتى أني في بعض الأحيان يؤذن الفجر وأنا في آخر ركعة فهل تعتبر وتراً لي؟
نعم، أتمها، إذا أذن الفجر أتمها خفيفة.
"وعن الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: ((اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)) رواه الخمسة.
وزاد الطبراني والبيهقي: ((ولا يعز من عاديت)) زاد النسائي من وجه آخر في آخره: ((وصلى الله على النبي)).
وللبيهقي عن ابن عباس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت من صلاة الصبح" وفي سنده ضعف".
حديث الحسن بن علي -رضي الله عنهما- في دعاء القنوت: ((اللهم أهدني في من هديت)) .. إلى آخره، مخرجٌ في المسند والسنن، وهو حديثٌ حسن، حديثٌ حسن.(30/22)
"علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم أهدني فيمن هديت" يطلب الهداية وقد هداه الله -عز وجل- إلى هذا الدين، فالمطلوب المزيد من هذه الهداية والثبات عليها "وعافني فيمن عافيت" والعافية في الدنيا والآخرة لا يعدلها نعمة، فهي من أعظم نعم الله -عز وجل- على العبد، وخير ما يسأله المرء "وتولني فيمن توليت" تولني أنت ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحدٍ غيرك "وبارك لي فيما أعطيت" يعني فيما رزقتني بارك لي فيه؛ لأن الرزق إذا نزعت بركته ضعف أثره وضعف الانتفاع به بخلاف ما إذا بورك فيه فإنه يعظم أثره، ويعظم الانتفاع به "وقني" من الوقاية "شر ما قضيت" علي وما كتبته "فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت" من والاه الله -جل وعلا- فهو العزيز، وهو المنيع الممتنع الممنوع من غيره، الممنوع غيره منه "لا يذل من واليت" فولي الله محفوظ، ولو اجتمعت الأمة على أن تضره بشيء ما دام ولياً لله -عز وجل- لن تستطيع أن تضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه رفعةً له في درجاته ومحواً لسيئاته "إنه لا يذل من واليت" وفي رواية الطبراني والبيهقي في الكبير والكبرى: "ولا يعز من عاديت" من كان عدواً لله -عز وجل- فإنه ذليل، عدو الله العاصي ذليل مهما رؤي متقلباً بنعم الله -عز وجل-، لذا يقول الحسن: "فإنهم -يعني العصاة- وإن طقطقت بهم البراذين وهملجت بهم البغال فإن ذل المعصية لا يفارقهم" بلا شك العاصي ذليل "ولا يعز من عاديت، تباركت" تعاظمت "ربنا وتعاليت".
الزيادة التي في الطبراني والبيهقي مقبولة، لكن زيادة النسائي من وجهٍ آخر وفيها الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الدعاء في الصلاة ضعيفة، ولذا قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: "لا تثبت".
والحديث حسنه الترمذي وغيره، يعني لما علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الدعاء ليقوله في القنوت.(30/23)
وأما حديث ابن عباس عند البيهقي "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا دعاءً ندعو به في القنوت من صلاة الصبح" وفيه: "اللهم أهدني فيمن هديت" .. إلى آخره، لكنه ضعيف، في إسناده مجهول فالخبر ضعيف، هو نعم حسن من حديث الحسن لكنه من حديث .. ، والمقصود به قنوت الوتر، أما ما جاء من حديث ابن عباس في حديث الصبح فهو ضعيف.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) أخرجه الثلاثة.
وهو أقوى من حديث وائل بن حجر: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" أخرجه الأربعة.
فإن للأول شاهداً من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقاً موقوفاً".
عندنا حديث البروك.
هذا يقول -وفي سؤال ثاني- بعض أهل العلم أن زيادة قوله: "في قنوت الوتر" شاذة شاذة؟
لكنها مصححة عند جمعٍ من أهل العلم، يعني محكومٌ عليها بما حكم به على الحديث، وأنها محفوظة ...(30/24)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (17)
تابع شرح: باب صفة الصلاة: (حديث البروك وأحاديث التشهد)
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
ذكرتم أن الحافظ ابن حجر حكم على رواية النسائي بأنها لا تثبت في حديث حسن، وأحلتم إلى تخريجها على الأذكار فما المراد به؟
الحافظ ابن حجر له أمالي، أمالي كبيرة جداً خرج فيها أحاديث بعض الكتب، منها ما سماه: (نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار) للنووي، والكتاب لم يكمل، الكتاب لم يكمل، طبع منه مجلدين أو شبههما، المقصود أن الكتاب لم يكمل، وهو تخريجٌ لكتاب الأذكار للنووي.
حديث البروك، وهو يحتاج إلى انتباه "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) ((فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) يقول: "أخرجه الثلاثة، وهو أقوى من حديث وائل بن حجر: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" أخرجه الأربعة".
المرجح لحديث أبي هريرة هو أنه له "شاهداً من حديث ابن عمر صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقاً موقوفاً".
وأيضاً حديث وائل بن حجر له شاهد، له شاهد، لكن المرجَّح من حيث الصناعة حديث أبي هريرة، المرجح من حيث الصناعة الحديثية حديث أبي هريرة، من حيث الصناعة الإسنادية، وله أيضاً شاهد من حديث ابن عمر، موقوفاً عليه أنه كان إذا سجد قدم يديه قبل ركبتيه.
نأتي إلى الحديث الأول حديث أبي هريرة "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) " البعير ماذا يقدم؟ يقدم اليدين قبل الركبتين، كيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه))؟ والبعير يقدم يديه قبل ركبتيه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(31/1)
نعم، نحتاج إلى أن نقول مثل ما قال ابن القيم: إن الحديث مقلوب، والأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" ليتفق آخر الحديث مع أوله، وليتفق مع فعله -عليه الصلاة والسلام- في حديث وائل بن حجر: "أنه إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه"؟ أو نرجح بين الحديثين ونقول: حديث أبي هريرة أرجح وننظر في معناه؟
أولاً: ما ادعاه ابن القيم -رحمه الله تعالى- من القلب ما قال به أحد غيره، العلماء الذين تتابعوا على روايته وصرح بعضهم بتصحيحه يخفى عليهم مثل ما قال ابن القيم، يمكن أن يخفى؟ لا يمكن أن يخفى.
إذاً كيف يقول: ((لا يبرك كما يبرك البعير وليضع)) اللام لام الأمر ((يديه قبل ركبتيه)) ننظر في معنى البروك، إيش معنى البروك؟ متى يقال برك؟ وكيف يبرك البعير؟ لا شك أن البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، لكن بروك البعير لا يقال: برك البعير، بل من طبيعة البعير إذا برك أنه يثير الغبار ويفرق الحصى، فيكون نزوله على الأرض بقوة، برك البعير، وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى يقال له: برك، فمن شابه البعير في نزوله على الأرض بهذه القوة بحيث يثير الغبار ويفرق الحصى فقد برك كما يبرك البعير، لكن بالإمكان أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه مجرد وضع، ترى فرق بين الوضع والبروك، فرقٌ بين الوضع والطرح والإلقاء، يعني الآن عندنا وضع المصحف على الأرض حرام وإلا حلال؟ تضع المصحف على الأرض؟ نعم حلال ما فيه شيء، لكن لو ألقيت المصحف رميته رمي؟ هو وصل إلى الأرض لكن فرق بين هذه الكيفية وهذه الكيفية، إذا سجدت على الأرض قدمت يديك على الأرض بقوة وأثرت الغبار وفرقت الحصى بركت، لكن بإمكانك أن تضع يديك قبل ركبتيك ولا توافق البعير مجرد وضع، ولذا قال: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) فإذا وضع يديه مجرد وضع قبل ركبتيه فإنه حينئذٍ لا يشبه بروك البعير.(31/2)
يشبهه من وجه ويختلف معه من وجه، والمشابهة مع الشيء لا يلزم أن تكون من كل وجه، هل يلزم أن تكون المشابهة مطابقة من كل وجه؟ يعني تشبيه رؤية الباري برؤية القمر هل هي مطابقة من كل وجه؟ كلا، تشبيه الوحي بصلصلة الجرس مطابقة من كل وجه؟ تشبيه من وجه دون وجه، وإلا الوحي محمود والجرس مذموم، كيف يشبه المحمود بالمذموم؟ إلا أنه من وجه يشبهه ومن وجه آخر لا يشبهه، فالمشابهة المطلوبة في الحديث من الوجه المنطبق.
إذا شابهه من الوجه المنهي عنه جاء النهي، إذا نزل بيديه قبل ركبتيه بقوة قلنا: أشبه البعير، إذا وضع يديه قبل ركبتيه مجرد وضع امتثل الأمر في الحديث: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)).
حديث وائل بن حجر: "رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" لكن لو وضع يديه قبل ركبتيه بقوة على الأرض يشبه وضع النبي -عليه الصلاة والسلام- وإلا يشبه الحمار؟ إذا وضع ركبتيه قبل يديه بقوة النبي -عليه الصلاة والسلام- يضع ركبتيه قبل يديه في الحديث الذي معنا وإن كان فيه ضعف؛ لأننا نريد أن نفر من مشابهة الحيوانات، لأنه إذا قال لنا من قدم يديه قبل ركبتيه: أشبه البعير، نقول: من قدم ركبتيه قبل يديه بقوة أشبه الحمار، فالمطلوب وضع.
إذا أردنا أن نرجح بين حديث أبي هريرة وحديث وائل قلنا: حديث أبي هريرة أرجح، فيكون المطلوب وضع اليدين قبل الركبتين، إذا أردنا أن نسلك مسلك آخر وهو ما يراه شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: المطلوب الوضع، لا تنزل بقوة على الأرض لا بيديك ولا برجليك، وحينئذٍ إذا وضعت مجرد وضع هذا هو المطلوب، سواءٌ قدمت يديك أو قدمت ركبتيك، الكلام واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يحتاج إلى إعادة وإلا ما يحتاج إلى إعادة؟(31/3)
نحن مأمورون بمخالفة الحيوانات، فإذا قدمنا اليدين قبل الركبتين بقوة أشبهنا البعير، ووقعنا في المنهي عنه، إذا وضعنا أيدينا قبل الركب مجرد وضع امتثلنا الأمر: ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) فالوضع غير البروك، الوضع شيء والبروك شيء آخر، وإذا أردنا أن نرجح فحديث أبي هريرة أرجح، وإذا أردنا أن نعمل بالحديثين ممكن، على رأي شيخ الإسلام أن المطلوب مجرد الوضع، مجرد الوضع برفق وطمأنينة وسكون يناسب الصلاة، سواءٌ قدمنا اليدين أو الركبتين لا فرق، فالمطلوب الوضع.
فهنا: ((وليضع يديه)) وهناك: ((وليضع ركبتيه)) فنكون على رأي شيخ الإسلام عملنا بالحديثين، هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام- وهذا من فعله، ولا تعارض بينهما من هذه الكيفية، وإذا أردنا أن نرجح قلنا: حديث أبي هريرة أرجح كما قال الحافظ -رحمه الله تعالى-.
ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أمر بمخالفة سائر الحيوانات في هيئات الصلاة، نهى عن التفات كالتفات الثعلب، نهى عن افتراش كافتراش السبع، الافتراش إلصاق الذراعين بالأرض، وإقعاءٍ كإقعاء الكلب، إقعاء كإقعاء الكلب، ونهى عن عقبة الشيطان، ونقرٍ كنقرِ الغراب، معروف الذي يسرع في صلاته كأنه ينقر، ورفع الأيدي عند السلام كأذناب خيلٍ شمس، تحريك الأيدي جاء النهي عنه، هي مجموعة في قول الناظم:
إذا نحن قمنا في الصلاة فإننا ... نهينا عن الإتيان فيها بستة
بروك بعيرٍ والتفاتٍ كثعلبٍ ... ونقر غرابٍ في سجود الفريضة
وإقعاءِ كلبٍ أو كبسط ذراعه ... وأذناب خيلٍ عند فعل التحية
وزاد الصنعاني بيتاً رابعاً ذكر فيه قوله:
وزدنا كتدبيح الحمار بمده ... لعنقٍ وتصويب رأسٍ بركعة
تخفيض الرأس، هذا تدبيح الحمار، لكن حديث التدبيح ضعيف، يكفي عنه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه.(31/4)
أقول: هل نحتاج بعد هذا إلى أن نقول: الحديث مقلوب؟ نعم؟ كما قال ... ؟ لا نحتاج، هل نحتاج إلى أن نقول بما قاله بعضهم: إن ركبتي البعير في يديه؟ وهل ينحل الإشكال إذا قلنا: ركبتي البعير في يديه؟ ينحل الإشكال؟ ما ينحل الإشكال، فلا نحتاج إلى هذا ولا إلى هذا، فإذا فهمنا ألفاظ الحديث انتهى كل إشكال، والمقام لا يحتاج من البسط أكثر من هذا؛ لأن الوقت ضايقنا.
يا الإخوان الظاهر الأسئلة ما لها وقت، أقول: هذه فتوى تحتاج إلى تأمل.
هذا يطلب إعادة المذاهب في التورك؟
وهذا يقول: هل آخذ بقول الأئمة المعتبرين في جواز الصلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي ولا لوم علي؟
على كل حال من لم يكن من أهل النظر بل هو مبتدئ في طلب العلم أو عامي تبرأ ذمته إذا قلد من تتوفر فيه شروط الفتوى، بأن يكون من أهل العلم والدين والورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
وقد قال بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي من تبرأ الذمة بتقليده بالنسبة لمن لم تتوفر فيه الأهلية والنظر في النصوص بنفسه، وإلا من توصل إلى حكمٍ بنفسه من خلال الأدلة، ولديه الأهلية لا تبرأ ذمته بتقليد أحد، بل لا بد من أن ينظر في النصوص بنفسه، إلا إذا ضاق عليه وقت أو ما أشبه ذلك، وعلى هذا من قلد من يقول بفعل ذوات الأسباب كالإمام الشافعي أو من يرجح قوله كشيخ الإسلام ابن تيمية أو غيرهم من العلماء المعاصرين لا لوم عليه.
لكن إذا أهدر أقوال الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك وأحمد لمجرد هوىً في نفسه، أو لإعجاب بفلان أو علان هذا لا شك أنه يلام، فلو أخذ بأقوال الأئمة المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين مع عدم انتقاص بعضهم، وحفظ حقوقهم وإنزالهم منازلهم، وترجح له ذلك إن كان من أهل النظر، أو ثقةً بمن يقول بهذا القول إن لم يكن من أهل النظر فلا لوم -إن شاء الله تعالى-.
يقول: نرجو إعادة أقوال المذاهب في التورك؟
الحنفية الشافعية الحنابلة المالكية، الحنفية: ما في شيء اسمه تورك عندهم، جميع الجلوس في الصلاة كله افتراش هذا الحنفية، لا تورك عند الحنفية.(31/5)
الشافعية: يقولون: التورك في كل تشهد يعقبه سلام، التشهد في الثنائية، أولاً: لا تورك إلا في التشهد، الأمر الثاني: أن يكون هذا التشهد يعقبه سلام، صليت ركعتين وليس عليك سجود سهو تتورك، إن كان عليك سجود سهو لا تتورك ولو كانت رباعية، فالتورك عندهم في كل تشهد يعقبه سلام، إذا أردت أن تتشهد وتسلم تورك، إذا كان عليك سجود سهو فلا تتورك سواء كانت ثنائية أو رباعية.
الحنابلة: عندهم التشهد الأول فيه الافتراش، والتشهد الثاني سواءً كان للرباعية أو الثلاثية فيه التورك، على ضوء ما جاء في حديث أبي حميد وغيره.
وأما المالكية: فالتورك في كل تشهد، التورك عند المالكية في كل تشهد سواءً كان الأول أو الثاني.
يقول: إذا عمل الإنسان عملاً وخاف على نفسه من الرياء فماذا يعمل؟
يجاهد، يجاهد نفسه، ويسعى جاداً، ويصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- أن يخلص عمله، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، من غير نظرٍ إلى فلان ولا إلى علان، من غير نظرٍ إلى مادحٍ ولا قادح، من غير أن يشوبه طمع دنيا، ولا خوف مخلوق، المقصود أن على الإنسان أن يجاهد نفسه في الإخلاص.
وليس من الحل ترك العمل خوف الرياء، قد يقول قائل: أنا والله جاهد وما استطعت ولذا لا أعمل، لا يعمل خوفاً من الرياء نقول: لا، تركك للعمل خوف الرياء إيش؟ شرك على ما قرر أهل العلم، وليس بحل، كثير من طلاب العلم يدرسون في الكليات الشرعية ويقولون: جاهدنا وعجزنا نخلص، أمامنا المستقبل، أمامنا الوظائف، أمامنا متطلبات الحياة فعجزنا أن نخلص، نقول: عليكم أن تبذلوا الجهد في إخلاص العمل لله -عز وجل- وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- صدق النية أعان على الإخلاص.
وكيف يعرف أن عمله قد شابه الرياء؟
كون الإنسان إذا عمل عملاً فاطلع عليه أثني عليه بسببه هذه عاجل بشرى المؤمن، لكن كون هذا الثناء يؤثر في العامل ويبعثه على العمل هذا هو الرياء.
"وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قعد للتشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، واليمنى على اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بإصبعه السبابة، رواه مسلم.
وفي رواية له: "وقبض أصابعه كلها، وأشار بالتي تلي الإبهام".(31/6)
نعم، حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قعد للتشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى" اليد على الركبة "واليمنى على اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين" عقد ثلاثاً وخمسين، يقول الحافظ ابن حجر في تصوير الثلاثة والخمسين: أن يجعل الإبهام مفتوحة تحت المسبحة هكذا، وقبض أصابعه كلها هكذا، مفتوحة تحت المسبحة، هذه ثلاثة وخمسين، مثل هذا التصوير ومثل هذا العد وهذا الحساب إنما يحتاج إليه في مثل هذا النص، وإلا فهي طريقة اندثرت، ولا وجود لها، ولا يتعامل بها أحد، لكن قد وجد من النصوص ثلاثة وخمسين، وعقد تسعين, وعقد مائة وعقد كذا، هذه موجودة في النصوص، فيحتاج إلى تعلم هذه الطريقة من أجل معرفة ما اشتملت عليه هذه النصوص، ومن كان معه سبل السلام ذكر الطريقة، طريقة معروفة حسابية تواطأت عليها العرب في عقود الحساب؛ لأنهم عملهم كله بهذه الطريقة، أمةٌ أمية لا يقرؤون ولا يكتبون، لا يقرؤون ولا يكتبون، يحتاجون إلى مثل هذا للتفاهم، يحتاجون إلى مثل هذا للتفاهم.
"وعقد ثلاثاً وخمسين، وأشار بأصبعه السبابة" يقولون: السبابة مرتبطة متصلة بنياط القلب، فتحريكها تحريكٌ للقلب، لكن هل هذا أمر محسوس يحس به كل إنسان إذا حرك انتبه قلبه؟ أو هذا أمرٌ مستنبط لإيجاد علة ولو كانت عليلة؟ بعضهم يحرص على استنباط علة مناسبة للحكم ويبعد النجعة، ما معنى كون السبابة متصلة بنياط القلب؟ هل هذا واقع أو ليس بواقع؟ يعني هل هذا مما يحس به أو لا يلزم أن يحس به إذا كانت آثاره ملموسة ولو بعد حين؟ هذا إذا كانت هذه العلة منصوصة، جاء النص عليها من قبل الشارع فنقول: لا بد أن يوجد هذا الارتباط، شعرنا به أو لم نشعر، أما إذا كان استنباط، مجرد استنباط من أهل العلم من الشراح أو غيرهم نقول: هذا يحتاج إلى استقراء.(31/7)
"وأشار بأصبعه السبابة" رواه مسلم، وفي رواية له: "وقبض أصابعه كلها، وأشار بالتي تلي الإبهام" وهي السبابة، "أشار" الإشارة تقتضي التحريك، الآن الإشارة تقتضي التحريك وإلا ما تقتضي؟ في حديث عند ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما: "أنه -صلى الله عليه وسلم- رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها" وجاء النفي للتحريك في بعض الروايات، ولذا يقول بعضهم: النفي منصبٌ على التحريك المستمر والإشارة الدائمة، التحريك المستمر، والإثبات محمولٌ على التحريك حال الدعاء أو حال الشهادة، يشير بها حال الدعاء، يحركها يدعو بها، وأيضاً يحركها ويشير بها في وقت الشهادة عند قوله: لا إله إلا الله، وعلى كل حال الأدلة في هذا جاء فيها ما يدل على تحريكها والإشارة بها، وجاء ما يدل على عدم تحريكها، والتوفيق بينها على ضوء ما سمعتم.
"يحركها يدعو بها" نص في أن الأصبع حال الدعاء تحرك، يدعى بها، والدليل على الإشارة حال ذكر لفظ الشهادة التي سمي بها الذكر كامل وهو التشهد ما أخرجه النسائي والترمذي بسندٍ يثبت بشواهده: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً يشهر بالأصبعين اليمنى واليسرى" هل منعه من الإشارة؟ أو منعه من الإشارة بالأصبعين كليهما حينما قال له: أحِّد أحِّد؟ يشير بأصبعيه، كونه ينهى عن الإشارة بالأصبعين ويؤمر التوحيد دليلٌ على أنه يشير بإحدى أصبعيه، فهذا دليلٌ على الإشارة وقت النطق بالشهادة، ووقت النطق بالأدعية "يحركها يدعو بها" ومع ذلك .. ، وما عدا ذلك فإنها لا تحرك لما جاء من عدم التحريك، ولا يستثنى من ذلك إلا ما استثني من الدعاء وما اقترن بلفظ الشهادة.
"وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: التفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وللنسائي: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد".
ولأحمد: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه التشهد، وأمره أن يعلمه الناس".(31/8)
ولمسلم: "عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله يعلمنا التشهد: ((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله)) .. إلى آخره".
التشهد يأتي فيه من القول ما قيل في دعاء الاستفتاح، وأنه جاء على ألفاظ وصيغ يجدر بالمسلم أن يحفظ ما صح منها، وأن يستعمل جميع ما ورد منها، فاختلافها اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، ففي وقتٍ يستفتح باستفتاح أبي هريرة، ومرةٍ يستفتح باستفتاح عمر، ومرة ثالثة بثالث، ورابعة برابع وهكذا.
وقل مثل ذلك في التشهد، روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من التشهدات تشهد ابن مسعود، الحديث الذي بين أيدينا، تشهد ابن عباس، تشهد عمر، تشهدات، فهل نقول: يقتصر على الراجح منها؟ فيرجح تشهد ابن مسعود على ما قال أكثر أهل العلم؟ أو يرجح تشهد ابن عباس على ما قال الشافعي؟ أو يرجح تشهد ثالث أو رابع وما أشبه ذلك؟ الأولى أن يقال: ما دامت كلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وكلها صحيحة أن تقال.(31/9)
"عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: التفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إذا صلى أحدكم فليقل .. )) فليقل في صلاته، ما هو إذا صلى وفرغ من صلاته وسلم منها، المراد بذلك في صلاته في أثناء صلاته في موضعه، سواءً كان التشهد الأول أو الثاني ((فليقل: التحيات لله)) جمع تحية، بالنسبة لله البقاء والدوام، لله -عز وجل- "والصلوات والطيبات" الصلوات إما الصلوات الخمس، أو جميع الصلوات من نوافل وفرائض، والطيبات: أي ما طاب من الكلم وحسن من الفعل "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" قُدم النبي -عليه الصلاة والسلام- في السلام لعظم حقه، فسببه وبإتباعه تحصل النجاة للعبد، وبمخالفته تحصل الهلكة له، فيقدم لعظم حقه "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" العبد الصالح من يؤدي حقوق الله -عز وجل- وحقوق عباده، من يقوم بحقوق الله وحقوق عباده "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" ويأتي الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاستعاذة بالله من أربع ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه)) سواءٌ كان في أمور الدنيا أو في أمور الآخرة وهو الأهم، على خلافٍ بين أهل العلم في أمور الدنيا، وهل يدعى بها في الصلاة أو لا؟ لكن: ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه)) فيه ما يدل على العموم على عموم أمور الدنيا وأمور الآخرة ((فيدعو)) متفقٌ عليه، واللفظ للبخاري، وللنسائي: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد" قبل أن يفرض وفي هذا دليلٌ على أن التشهد فرض، فرض في الصلاة، أما التشهد الأول فهو واجب وليس بركن؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما تركه لم يعد إليه، لم يعد إليه بل جبره بالسجود، وليس بمندوب فقط لأنه لو كان مندوباً لما احتيج إلى السجود جبراناً، وأما التشهد الأخير يبقى على فرضيته فهو ركن من أركان الصلاة.
"ولأحمد" بإسناد ضعيف "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه التشهد" علم ابن مسعود التشهد "وأمره أن يعلمه الناس" وبهذا يستدل على وجوب التشهد، لكن يغني عنه ما قبله لأنه ضعيف.(31/10)
هذا تشهد ابن مسعود، يقول البزار: "أصح حديث عندي في التشهد حديث ابن مسعود، يروى عنه من نيفٍ وعشرين طريقاً، ولم نعلم روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد أثبت منه، ولا أصح إسناداً، ولا أثبت رجالاً، ولا أشد تضافراً بكثرة الأسانيد والطرق" وقال مسلم: "إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضاً، وغيره قد اختلف عنه أصحابه" وقال الإمام محمد بن يحيى الذهلي: "هو أصح ما روي في التشهد" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو من حيث الإسناد أصح، لكن من رجح حديث ابن عباس قال: فيه زيادة، مشتمل على زيادات.
"ولمسلم: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. " نعرف تشهد ابن مسعود متفق عليه، تشهد ابن عباس عند مسلم، "قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد: التحيات المباركات" المباركات لا توجد في حديث ابن مسعود: "الصلوات الطيبات" .. إلى آخره" واختاره الشافعي لما فيه من الزيادات.
المقصود أنه مثل ما ذكرنا سابقاً أنه ينبغي للمسلم -لا سيما طالب العلم- أن يحفظ جميع ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا النوع، ومن غيره من الأنواع ليأتي ويراوح بين هذه التشهدات، وهذه الأدعية وهذه الأذكار؛ لأنه ليس بينها في الحقيقة اختلاف تضاد، ليس فيها اختلاف تضاد وإنما هو اختلاف تنوع، ونقف على حديث فضالة بن عبيد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(31/11)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (18)
تابع شرح: باب صفة الصلاة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
"وعن فضالة بن عبيد -رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصلِ على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((عجل هذا)) ثم دعاه، فقال: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو بما شاء)) رواه أحمد والثلاثة، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن فضالة بن عبيد -رضي الله تعالى عنه- قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته ولم يحمد الله ولم يصلِ على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((عجل هذا)) " مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله- في وضعه هذا الحديث بين أحاديث التشهد أن هذا الدعاء كان بعد التشهد، ولا شك أن التشهد ثناء على الله -عز وجل- وتمجيد، وفيه صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي آخره دعاء.
"يدعو في صلاته" هذا مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله تعالى- وإلا النص ليس فيه ما يدل على أنه في التشهد، ولا في شيء من طرقه ما يدل على ذلك، وبعضهم يرى أن الحديث عام في الدعاء داخل الصلاة وخارج الصلاة، يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- في أي موضع كان من الصلاة، أما ما سمعنا من مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله تعالى- وأنه خص ذلك بالتشهد، يعني بعد الثناء على الله -عز وجل- والتمجيد بالتشهد والشهادة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو بالأربع، على ما سيأتي ثم يتخير من المسألة ما شاء.(32/1)
ومنهم من يرى أن هذا خاص بالدعاء خارج الصلاة، أما في الصلاة فيقصر فيها على ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن مواطن الدعاء داخل الصلاة في السجود مثلاً هل يثني على الله -عز وجل- ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- في السجود أو بين السجدتين؟ لم يقل بهذا أحدٌ من أهل العلم، هذا إما أن يكون في الصلاة في آخرها كما هو مقتضى صنيع المؤلف، أو يكون في الصلاة التي يراد بها الدعاء بمعناها الأعم، كما هو الأصل في الصلاة هي في اللغة: الدعاء.
"رأى رجلاً يدعو في صلاته" يدعو في دعائه، الصلاة هنا بمعناها الأعم التي هي مطلق الدعاء "ولم يحمد لله ولم يصلِ على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((عجل هذا)) " الإنسان لا بد أن يقدم بين يدي مسألته ما يكون أدعى لقبولها من تمجيد لله -عز وجل-، وتحميد وثناء، وصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يختم ذلك بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- "فقال: ((عجل هذا)) ثم دعاه فقال: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) إذا صلى أحدكم يعني إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، وإن كان المراد الصلاة عموماً إذا صلى أي صلاة فمقتضى ذلك أن يبدأ بتحميد ربه بالفاتحة، والثناء عليه بما يتلوها من قراءة لأنها ذكر، بل أعظم الذكر، القراءة أعظم الذكر، والثناء هو تكرار المحامد وتثنيته، فالذي يظهر -والله أعلم- أن المراد بالصلاة هنا مطلق الدعاء ((إذا صلى أحدكم)) يعني إذا دعا أحدكم ((فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ} [(103) سورة التوبة] يعني: ادعُ لهم.
((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) لأن لو قلنا: إن المراد به الصلاة الشرعية المعروفة سوف يبدأ بالتحميد قطعاً بقراءة الفاتحة، وأما في التشهد كما هو مقتضى صنيع المؤلف فليس في التشهد حمد اللهم إلا إن كان إذا أراد أن يتخير من المسألة ما شاء بعد الدعاء بالأربع، بعد الاستعاذة بالله من أربع، يحمد الله ويثني عليه ويصلي على نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا فيه بعد؛ لأن الاستعاذة بالله -عز وجل- من أربع دعاء، فلتبدأ بذلك.(32/2)
الدعاء في السجود دعاء فليبدأ بذلك، الدعاء بين السجدتين دعاء فليبدأ بذلك، ولم يقل بهذا أحدٌ من أهل العلم، إذاً تحمل الصلاة هنا على مطلق الدعاء، وحينئذٍ يبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، وبهذا يقول بعض أهل العلم في دعاء القنوت، يبدأ بتحميد الله والثناء عليه والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو داخل الصلاة؛ لأنه في حكم الدعاء المطلق، يدعى فيه بما شاء ما لم يكن فيه إثم أو قطيعة رحم، وليس فيه اعتداء.
((فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه)) الجمهور يفسرون الحمد بأنه الثناء، الثناء على المحمود، والصحيح كما حقق ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن الثناء غير الحمد، ولذا جاء في حديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين قال الله -عز وجل-: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي)) وهنا يقول: ((بتحميد ربه والثناء عليه)) والأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة.
((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)) يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد التحميد والثناء يثني بذلك، بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ثم يدعو بما شاء)) وهذا الحديث مصحح عند جمع من أهل العلم، وهو صحيحٌ أيضاً "صححه الترمذي وابن حبان والحاكم" وواقعه أنه صحيح.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت، ثم قال: ((قولوا: اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم)) رواه مسلم. وزاد ابن خزيمة فيه: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ ".
نعم حديث: "أبي مسعود" البدري عقبة بن عمرو البدري، نزل بدراً فنسب إليها، ولم يشهد الواقعة في قول الأكثر، وإن عده البخاري -رحمه الله تعالى- ممن شهد بدراً، لكن الجمهور على أنه لم يشهد بدراً.(32/3)
"قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك" يعني في قوله -جل وعلا- في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] ومقتضى الأمر في الآية لا يخص الصلاة، بل هو مطلق غير مقيد بوقت ولا زمان ولا مكان ولا حال، كلما ذكر يصلى عليه -عليه الصلاة والسلام-، ويصلى عليه في مواطن جاءت الأدلة بها، ومنها الصلاة.
الأمر الصادر من الله -جل وعلا- في الصلاة على نبيه -عليه الصلاة والسلام- مطلق، والحديث خاص بالصلاة، ولذا أردف المؤلف -رحمه الله تعالى- رواية مسلم برواية ابن خزيمة "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" ولذا جاء تفسير الأمر بما يخص الصلاة، جاء تفسيره بالصلاة الإبراهيمية المعروفة، فقال: "أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فسكت" وسكوته -عليه الصلاة والسلام- في هذا الموضع وفي مواضع حينما يسأل يسكت -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا تربية لمن يتولى إفتاء الناس ألا يستعجل بالجواب، النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، فإما أن يكون ينتظر الوحي -عليه الصلاة والسلام- بالجواب، أو يكون في هذا تربية لمن يقتدي به، ويتولى إفتاء الناس ألا يستعجل، ولذا تجدون في كثير ممن يستعجل في الجواب يتلقف الجواب قبل أن يكمله صاحبه أنه لا يحالفه الصواب، كثير هذا، يتلقف السؤال طرف السؤال ثم يجيب، قد يكون مقصود السائل غير هذا، وقد يكون السائل غير موجود إما بواسطة أو بشيء من هذا ولم يستفهم منه ولا يستثبت، فيأتي الجواب خلاف ما يريده.
فعلى من يتولى الإجابة على أسئلة الناس أن يتريث ويستفصل ويفهم السؤال على حقيقته من صاحبه إن أمكن، وإلا من الواسطة إن كان هناك واسطة، وإذا كان السؤال صاحبه غير موجود محتمل يتوقف حتى يستفصل.(32/4)
"فسكت -عليه الصلاة والسلام-، ثم" العطف للتراخي "ثم قال: ((قولوا)) " يعني إذا صليتم عليَّ مطلقاً امتثالاً للأمر الإلهي، أو قولوا في الصلاة خاصة، يعني هل الإنسان امتثالاً للأمر الإلهي خارج الصلاة، بمعنى أنه لا يتم امتثال الأمر في الآية إلا إذا قلنا: ((اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد)) يعني لا يتم امتثال الأمر في الآية إلا بهذه الصيغة؟ أو نقول: هذا خاص بالصلاة؟ يعني مقتضى صنيع المؤلف -رحمه الله تعالى- في وضعه هذا الحديث في هذا المكان أنه خاص بالصلاة، يعني تفسير أو تبيين النص المطلق ببعض أوصافه، أو العام ببعض أفراده، هذا فرد من أفراد الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وخاص بالصلاة هل يعني هذا أنه يقصر عليه؟ نأتي بمثال يوضح المقام:
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) وفسر -عليه الصلاة والسلام- رياض الجنة بأنها حلق الذكر، هل نقول: إن حلق الذكر هي رياض الجنة فقط؟ أو أن رياض الجنة هي حلق الذكر فقط؟ أو ما جاءت النصوص بوصفه أو بتسميته بأنه روضٌ من رياض الجنة نرتع فيه وحلق الذكر فردٌ من أفراده؟ وعلى هذا: إذا مررنا بالروضة روضة من رياض الجنة ((بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) هل نقول: ارتعوا لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا))؟ وحلق الذكر فرد من أفراد رياض الجنة وليس بجميع رياض الجنة.(32/5)
وهنا ما جاء في الصلاة الإبراهيمية فرد من أفراد الأمر بالصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في سورة الأحزاب، ولذا يتم امتثال الأمر في الآية بإطلاقه، يعني خارج الصلاة في غير هذا الموضع بقولنا: -صلى الله عليه وسلم-، وحينئذٍ امتثلنا ما أمرنا به في الآية، لكن في الصلاة نقول: هذه الصلاة التي وجهنا إليه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((قولوا: اللهم صلِِ على محمد وعلى آل محمد)) نعم في الصلاة نزيد: "آل محمد" وخارج الصلاة لا يلزم أن نزيد، إنما يتم الامتثال خارج الصلاة بقولنا: "صلى الله عليه وسلم" نعم إذا زدنا: "آل محمد" لما لهم من حق، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- طيب، لكن يتم الامتثال الأمر بدونه، أيضاً إذا زدنا آل الرسول -عليه الصلاة والسلام- خارج الصلاة نزيد صحابته لما لهم علينا من فضل ومنة، عن طريقهم وصلنا الدين، وعلى هذا: إذا قلنا: "صلى الله عليه وسلم" خارج الصلاة إما أن نقول: "وآله وصحبه" لما للجميع علينا من حق، امتثالاً لوصيته -عليه الصلاة والسلام-، ولما لصحابته من فضلٍ علينا، وإلا إذا أردنا امتثال الأمر من غير زيادة نقول: "صلى الله عليه وسلم" وانتهى الإشكال.(32/6)
وأما الاقتصار على الآل فقط خارج الصلاة -هذا داخل في الصلاة النص صريح في الباب- لكن خارج الصلاة الاقتصار على الآل لما صار شعاراً لبعض المبتدعة كما أن الاقتصار على الصحب صار شعاراً لمبتدعة آخرين، فالذي ينبغي الجمع بينهما أو تركهما، أما ما يقوله بعضهم: من أن المتعين بل يوجبون الصلاة على الآل كالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يمكن امتثال بعض الأمر دون بعض، الأمر المطلق جاء في الآية، وامتثاله يتم بتطبيق ما أمرنا به، الأمر المقيد هنا في الصلاة نعم لا يتم إلا بذكر الآل، هؤلاء الذين يوجبون الصلاة على الآل مع الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- خارج الصلاة أيضاً ماذا يقولون عن صنيع الأئمة من عصر السلف إلى يومنا هذا؟ كتب السنة مملوءة بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا في موضع قالوا: "وآله" يقصدون آله -عليه الصلاة والسلام-، يقولون: الأئمة رووا هذا الحديث وصححوه، وتركوا الصلاة على الآل، وتواطئوا على ذلك تقية، كان الخلفاء من بني أمية يخشى شرهم من قِبَل من يصلي على الآل، بني العباس وهم من الآل لماذا الأئمة المصنفون كلهم في عصر بني العباس لماذا تركوا الصلاة على الآل وهم من الآل؟
أما نتهم علماء الإسلام بأنهم تركوها تقية، ومحاباة ومداهنة ومداراة للخلفاء هذا أمر ليس بالسهل، كلهم يتواطئون على عدم ذكر الآل معه -عليه الصلاة والسلام- خارج الصلاة أما داخل الصلاة ما في أحد يقول: لا يصلى على الآل، نفرق بين هذا وهذا، لكن الكلام خارج الصلاة، امتثال الأوامر المطلقة يتم بتخصيصه -عليه الصلاة والسلام- بالصلاة والسلام، لكن داخل الصلاة كما وجهنا هنا.(32/7)
ولا نتهم علماء الإٍسلام الذين لم يصلوا على الآل بأنهم كلهم تواطئوا على هذا، فنفرق، يعني ما هم .. ، المقصود أن ليس الإنسان يريد أن يقرر أنه لا يصلى على الآل، الآل هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، نصلي عليهم، لهم علينا حق، من حقه -عليه الصلاة والسلام- علينا، لكن أيضاً صحابته الكرام، بواسطتهم وصلنا الدين، لماذا لا نقول: وصحبه؟ لماذا لا نقول: "صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم"؟ فنكون جمعنا بين جميع من لهم علينا حق، وخالفنا طوائف المبتدعة، هذا خارج الصلاة أما داخل الصلاة لا يجوز أن تزيد وصحبه، إذا زدت وصحبه صرت ابتدعت، وإذا حذفت الآل داخل الصلاة ما امتثلت الأمر؛ لأنه قال: ((قولوا: اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم)) سابقاً يعني قبل ذلك، كانوا يقولون: السلام على الله من العباد، فنهوا عن ذلك، وعلموا كيف يسلمون ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) .. إلى آخره، ((كما عُلُّمتم)) أو ((كما عَلِمتم)) ضبطت بهذا وهذا، "رواه مسلم".
"وزاد ابن خزيمة فيه: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ " يعني هذه الصيغ خاصة بالصلاة، وهي فردٌ من أفراد الأمر العام في الآية، ولا يعني أننا نقول: امتثال الأمر في الآية لا يتم إلا بهذه الصيغة، لم يقل بهذا أحد من أهل العلم، لذا رواية ابن خزيمة معتبرة في تخصيص هذه الصيغة بالصلاة، ولا يفهم من هذا أننا لا نصلي على الآل خارج الصلاة، نصلي على الآل، ولهم علينا حق، وهذا من حقه -عليه الصلاة والسلام-، فهم وصيته، لكن أيضاً صحابته الكرام الذين بواسطتهم وصلنا الدين، وهم الذين حملوه وهم الذين بلغوه، ونشروه في الآفاق في المشارق والمغارب أيضاً لهم حقٌ عظيم علينا، وبهذا نكون خالفنا جميع طوائف المبتدعة.(32/8)
واتهام علماء الإسلام بأنهم تركوا الصلاة على الآل تقية ومداراة للحكام هذا ليس بصحيح، هم يدارون بني أمية طيب التأليف كلها، التأليف باستثناء شيء يسير -يعني ما- بني أمية انتهت سنة (132هـ) ما ألف شيء في ذلك الوقت إلا الجمع العام اللي صار على يد الزهري، وأحاديث نزائع يعني ما هي بمؤلفات، كل التأليف صارت في عهد بني العباس، ونقول: إن أئمة الإسلام كلهم تركوا الصلاة على الآل مداراة للحكام، هذا لا يمكن أن يقوله شخص منصف.
نعم يقولوه شخص تأثر ببيئة يمكن، يعني مثل الصنعاني تأثر بالبيئة الزيدية، هو يقول هذا الكلام، ويرمي علماء الإسلام كلهم علشان هذه البيئة التي عاش فيها، وليس هذا من باب تقليل شأن الآل، إنما من باب إحقاق الحق، والإنصاف مع جميع الأطراف، يعني تنصف جهة أو تندفع مع جهة وتترك الجهة الأخرى ما هو بصحيح، يعني اتهام جميع علماء الإسلام بهذا التواطؤ ليس بصحيح.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير)) ".(32/9)
بعض طلاب العلم يقول: إنه من باب الحكمة في الدعوة أن نصلي على الآل، يعني من باب الحكمة في الدعوة، وجاء بعض المبتدعة ورأونا ننصف ونصلي على .. ، من يبغض آل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وإذا كان هؤلاء المبتدعة يغضبهم أن نصلي على صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- خلهم يغضبون، وليكن ما يكون، الصحابة أهم عندنا منهم، يعني لما سمع المبتدعة أننا نصلي على الآل نصلي على الآل وهم تاج فوق رؤوسنا، أعني من التزم منهم بشرع الله -عز وجل-، والآل فيهم وفيهم، لكن أوائلهم على الجادة، والصحابة أيضاً لهم من الحق علينا، هم صحابة، رضي الله عنهم ورضوا عنه، والنصوص في فضلهم وحقهم علينا، وعدم التعرض لهم، ولا ذكر مساوئ ولا مثالب ولا ما شجر بينهم -عليهم رضوان الله-، فالمسألة مسألة إنصاف، فإذا كان المبتدعة الذي نريد دعوته لا يرضيه الحق لا يرضى يا أخي، إذا كان يغضبه أن نحق الحق ونصلي تبعاً له -عليه الصلاة والسلام- على صحابته لا يرضون أبداً، الله المستعان.
يليه حديث: "أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم)) إذا تشهد: تشهد فعل ماضي، الفعل الماضي أصله يراد به الفراغ من الفعل، يعني إذا فرغ من التشهد، ويراد به أيضاً الشروع في الفعل، ويراد به إرادة الفعل، وهنا يراد به معناه الأصلي وهو الفراغ من الفعل، إذا تشهدنا وفرغنا من التشهد وصلينا على النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث السابق نستعيذ بالله من أربع ((فليستعذ بالله من أربع)).
الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- جاء الأمر بها، وهي واجبة، وإن قال بعضهم بسنيتها، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- عند الحنابلة ركن من أركان الصلاة، بهذه الصيغة لا تصح إلا بها، وغيرهم منهم من يرى الوجوب، ومنهم من يرى الاستحباب، لكن الأمر بها ثابت ((فقولوا)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب.(32/10)
وهنا: ((فليستعذ)) اللام لام الأمر ((فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) يقول المؤلف: "متفق عليه" المتفق عليه من فعله -عليه الصلاة والسلام-: "كان -عليه الصلاة والسلام- إذا تشهد قال: ((أعوذ بالله)) هذا المتفق عليه، أما الأمر بالاستعاذة بالله من هذه الأربع فهو من أفراد مسلم، يعني هل هناك فرق بين الأمر والفعل؟ في فرق، فمن فعله -عليه الصلاة والسلام- كان -عليه الصلاة والسلام- إذا تشهد تعوذ بالله من هذه الأربع، أو استعاذ بالله من هذه الأربع هذا متفق عليه، لكن الأمر بذلك ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع)) هذا من أفراد مسلم، وليس بمتفقٍ عليه كما قال المؤلف -رحمه الله-.
((يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم))، ((من أربع)) يعني ذكر العدد جاء في النصوص ((آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع)) ((بني الإسلام على خمس)) ((خمس من الفطرة)) ((عشرٌ من الفطرة)) هذا مهم ذكر العدد، لو لم يكن فيه أنه أعون وأضبط للحفظ، بحيث إذا نسي واحدة وعرف جملتها استذكر، لو قال: إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من: عذاب جهنم، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح .. ، يمكن ينسى واحدة وما يستذكر، ولذا ما تجدون في مثل هذه المواطن ينسى شيء منها التي ينص فيها على العدد، فإذا نسي شيء طالب نفسه به ((فليستعذ بالله من أربع)) وإلا بالإمكان أن يستعذ بالله من عذاب جهنم، وعذاب القبر، وهي أربع، لكن ذكر العدد إجمالاً مفيد في هذا الباب، ولذا من يعنى به من أهل العلم في مؤلفاتهم ينبغي أن يعتنى بكتبه ومؤلفاته، لا سيما المتون التي تحفظ، الأعداد الحاصرة هذه مهمة.(32/11)
((فليستعذ بالله من أربع)) بينها بقوله: ((يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم))، ((فليستعذ)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وقال بوجوب ذلك طائفة من أهل العلم، حتى إن طاووساً -رحمه الله- أمر ابنه أن يعيد الصلاة لما نسي هذه الأربع، وهذا في صحيح مسلم، وبعضهم يقول: هي واجبة كغيرها من الواجبات على ما سيأتي في حديث ترك التشهد أن الواجبات لا تعاد الصلاة من أجلها، بل تجبر، والأكثر على أنها سنة، على أن الاستعاذة بالله من أربع سنة، لكن اللام كما عرفنا لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
((فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم)) وأي عذاب أعظم من عذاب جهنم؟! ((ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات)) فتنة المحيا والممات، عذاب جهنم معروف، وعذاب القبر أيضاً جاءت به النصوص، جهنم هي دار الجزاء الثاني لمن عصى ومن أبى جزاؤه جهنم -نسأل الله العافية-، عذاب القبر أيضاً ثبت بالنصوص القطعية المتواترة ((ومن فتنة المحيا)) الإنسان يفتن في حياته، وإن كان ظاهره الصلاح لا تؤمن عليه الفتنة، وإن كانت فواتحه خير لا تؤمن أن تكون عاقبته إلى شر ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) يفتن عن دينه، تكون هناك دسيسة في قلبه منطوٍ عليها، ولو صارت صغيرة في نظره، لكن تخونه، فتنة المحيا والفتن كثيرة ومتفاوتة، منها الفتن الكبرى المضلة، ومنها الفتن الصغيرة التي تكفرها الصلاة، ورمضان، والعمرة إلى العمرة، فتنة الرجل في أهله، في ماله، في جاره، هذه أمورها سهلة، لكن الإشكال إذا فتن وصرف عن دينه، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:
والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفران
لكن خوفي أن يزيغ القلب عن ... تحكيم هذا الوحي والقرآن
الإنسان ما يلزم أن يكون هذا خاص بالحكام والقضاة، كل إنسان مطالب بأن يحكم بشرع الله، فيمن تحت يده، في نفسه، والله المستعان.(32/12)
((ومن فتنة المحيا)) ومن فتنة ((الممات)) يفتن الإنسان عند موته، كما أنه يتعرض لفتنة في قبره، ويُسأل ((ومن فتنة المسيح الدجال)) من أعظم الفتن في هذه الدنيا فتنة المسيح الدجال، وأي فتنة؟! مخلوق يأتي ومعه ما يفتن به الناس، معه ما يشبه الجنة ومعه ما يشبه النار، يأمر السماء تمطر، ويأمر الأرض تنبت، ويشق الرجل بنصفين ثم يدعوه فيقوم، يفتتن به الناس بلا شك، وهي فتنة عظيمة، لكن على الإنسان أن يصدق مع ربه -جل وعلا-، وأن يتعرف على الله في الرخاء ليُعرف في الشدة، فإذا صدق مع الله -عز وجل-، وصدق الالتجاء إليه، وأخلص له يقيه شر هذه الفتن كلها.
"وفي رواية لمسلم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد)) حينئذٍ يكون هذا في نهاية الصلاة، ثم بعد ذلكم يتخير من المسألة بعد ذلك ما شاء، كما في حديث أبي بكر -رضي الله عنه-، نعم.
"وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه".
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاء أدعو به في صلاتي" أبو بكر -رضي الله عنه- أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، يطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه دعاءً جامعاً يدعو به في صلاته، وقد أوتي -عليه الصلاة والسلام- جوامع الكلم، "قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)).(32/13)
والصحابة -رضوان الله عليهم- يقولون: وأينا لم يظلم نفسه؟ لما نزل قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم} لم يخلطوا إيمانهم {بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} [(82) سورة الأنعام] أينا لم يظلم نفسه؟ جاء تفسير الظلم بالشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] مقتضى القواعد {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} (بظلم) نكرة في سياق النفي تعم، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قصره على بعض أفراده {أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} والمراد بالأمن هنا الأمن المطلق، وإن كان لكلٍ نصيبه من الأمن والخوف بحسب ما يحققه من التوحيد والعدل، وما يتركه من ظلم، وإلا أي إنسان لم يظلم نفسه؟ ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) في رواية: ((كبيراً)) هذا اعتراف، والاعتراف بالذنب ضد الكبر والاستكبار، وبعض الناس قد يزكي نفسه شعر أو لم يشعر، فالاعتراف بأنه يظلم نفسه ظلماً كثيراً مظنة، بل هذه تقدمة لما يطلب، والاعتراف بالخطيئة سبب من أسباب العفو والتجاوز، هذا مشاهد في حياة الناس.
((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) يقول هذا أحياناً وأحياناً هذا، ولا يجمع بينهما؛ لأن المقول إما هذا أو هذا، فإذا قال أحياناً: كبيراً، وقال أحياناً: كثيراً، امتثل ما جاء في الروايات، لكن لا يجمع بينهما.(32/14)
((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) إقرار بالذنب، ثم حصر لجهة العفو والمغفرة والصفح لله -عز وجل-، لا يملك مخلوق أن يغفر لأحد، لذا من يتجه إلى غير الله -جل وعلا- في هذا الباب مشرك، ونرى في كثير من تصرفات المسلمين التجاء إلى غير الله -جل وعلا- تطلب مباشرة غفران الذنوب وستر العيوب من البشر وهذا هو الشرك ((ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك ... إنك أنت الغفور الرحيم)) فالتعقيب بما يناسب المسألة، المناسب لطلب المغفرة والرحمة والستر والعفو والتجاوز والصفح من الأسماء الحسنى ما يناسبها، كما هنا: ((الغفور الرحيم)).
هل يناسب أن نقول: إنك أنت العزيز الحكيم؟ يناسب وإلا ما يناسب؟ وماذا عن آية المائدة؟ {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(118) سورة المائدة]؟ أهل العلم يقولون: من آداب الدعاء أن يعقب الدعاء من الأسماء الحسنى بما يناسبه فماذا عن آية المائدة؟ يعني ليس هذا دعاء في الدنيا {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} [(4) سورة الممتحنة] {وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(5) سورة الممتحنة] هذا يوم القيامة بعد؟ متى هذا؟ أو نقول: الأولى كما هنا وما جاء على خلافه يدل على الجواز؟ أما بالنسبة لآية المائدة تعقب هذا التذييل أمرين: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [(118) سورة المائدة] تعقب هذا، كما أنه تعقب أيضاً {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} [(118) سورة المائدة] فقد تعقب أمرين، والله -سبحانه وتعالى- من أسمائه العزيز الحكيم، وهو مناسب للشق الأول {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [(118) سورة المائدة].
لكن الإشكال في الآية الثانية، وأولى ما يقال: إنه الأولى أن يؤتى من الأسماء ما يناسب الحال، هذا الأصل، وما جاء على خلاف ذلك دليلٌ على الجواز، ليس بلازم أن نعقب هذا باسم المغفرة والرحمة، ولذا يستحبون ويذكرون من آداب الدعاء .. ، يذكر أهل العلم من آداب الدعاء أن يعقب بالاسم المناسب للحال.
أحسن الله إليك:(32/15)
"وعن وائل بن حجر -رضي الله تعالى عنه- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" رواه أبو داود بسند صحيح".
نعم، السند صحيح، حديث وائل بن حجر في السنن أنه قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" عن يمينه الذي في السنن، "وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله" بدون وبركاته، فزيادة بركاته في التسليمة الثانية ليست في السنن، وجلّ من روى السلام عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكروا هذه الزيادة لا في التسليمة الأولى ولا في الثانية، لكنها ثبتت من حديث وائل بن حجر، فمقتضى صنيع من يقبل زيادة الثقة مطلقاً يقول: زيادة من ثقة فهي مقبولة، ويطلق ذلك البيهقي والحاكم، وابن عبد البر، وجمعٌ من أهل العلم، وعليه جرى المتأخرون أنهم يقبلون زيادة الثقة إذا لم تكن معارضة، وهنا هي زائدة ليست معارضة، لكن صنيع الأئمة لا يطردون قبول الزيادة ولا نفي الزيادة، لا يطردون ذلك، بل قد يقبلون الزيادة ويرون أنها محفوظة، وقد يردونها ويحكمون عليها بالشذوذ تبعاً للقرائن، ولو لم تكن مخالفة، لكن دلت القرائن على أن الراوي لم يحفظ هذه الزيادة وإن كان ثقة، فقبولها باطراد ونفيها باطراد ليس موافق لصنيع الأئمة في هذا الباب، وإن حكموا بأن زيادة الثقة مقبولة، أن هذا ما جرى عليه المتأخرون أما الأئمة الكبار المتقدمون فلا.(32/16)
وقد يقول قائل والإنسان بصدد تعلم هذا العلم العظيم ودراسته وتخريجه، ودراسة أسانيده، والحكم على الأحاديث والزيادات، نقول: لا مانع أن يتمرن الطالب على القواعد المطردة؛ لأنه إذا لم يتمرن على القواعد المطردة يضيع، يتمرن تمرين لكن لا يعمل ولا يفتي بمقتضى ذلك، يتمرن ويحكم بالقواعد المطردة المعتمدة عند المتأخرين، ويعرض نتائجه على أهل الخبرة وأهل المعرفة، ويقارن بين أحكامه وأحكام الأئمة، فإذا تأهل وصارت لديه الأهلية لمحاكاة المتقدمين من الحكم بالقرائن هذا فرضه؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين كما هو معروف، لكن الشأن في طالب العلم المبتدئ الذي يريد أن يتعلم، ناشئ يريد أن يتمرن، نقول: لا مانع أن تحكم بالقواعد المطردة، فإذا ما تأهلت فيما عدا ذلك وساويت المتقدمين في معرفة القرائن والحكم بها هذا فرضك، والله المستعان.
"فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وعلى كل حال هي ثابتة بالسند الصحيح، فلو فعلها أحياناً وتركها في الغالب كان أولى، يعني لو فعلت أحياناً إحياءً لهذه السنة، والترك هو الغالب؛ لأن أكثر الرواة على عدم ذكرها، أعني: "بركاته" في التسليمة الأولى التي هي عن اليمين، وأما عن الشمال فلا، "فكان يسلم" السلام الجمهور على أنه واجب، وقال بعضهم: ركن لا تتم الصلاة إلا به، فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وداوم عليه، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعند الحنفية ليس بواجب ولا ركن، إنما تتم الصلاة بدونه، إنما هو مجرد علامة، مجرد علامة على انقضاء الصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على السلام، كان يسلم عن يمينه وعن شماله، ومن يوجب السلام يقول: إن الواجب الأكثر من الشافعية والمالكية على أن الواجب التسليمة الأولى، وأما الثانية فهي سنة، والتسليمتان ركنٌ من أركان الصلاة عند الحنابلة، والحنفية لا يرون ذلك، يرون أنه علامة على انقضاء الصلاة.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وعرفنا ما في هذه الزيادة من قبولٍ ورد، والصواب أن السلام ركن من أركان الصلاة، داوم النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقال: ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)).(32/17)
وأما ما يروى من حديث ابن عمر: أنه إذا رفع الإمام رأسه من السجدة وقعد، ثم أحدث قبل التسليم فقد تمت صلاته، الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ، هذا الحديث ضعيف باتفاق الحفاظ، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعلم المسيء التسليم لا يعني عدم الوجوب؛ لأنه زيد على ما جاء في حديث المسيء واجبات غير السلام، بعضهم يستدل على هذا بقوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [(77) سورة الحج] وليس فيه سلام، نقول: أيضاً ليس فيه قيام ولا قراءة، ولا غير ذلك من أركان الصلاة وواجباتها، فلا يعني أنه ليس بواجب.
"وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) متفق عليه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة" دبر الشيء: عقبه وآخره، الدبر يحتمل أن يكون في آخر الشيء جزءٌ منه في آخره، ويحتمل أن يكون عقبه منفصلاً عنه، وجاء نصوص بهذا وبعض النصوص بهذا.
"كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة" بعد الفراغ منها ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) في الصحيح في بعض روايات البخاري: ثلاثاً، وفي بعضها: مرة واحدة، ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) وفي بعض الروايات: ((ولا راد لما قضيت)) عند عبد بن حميد وغيره: ((ولا راد لما قضيت)) وهي صحيحة، زيادةً على ما هنا ((ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
((اللهم لا مانع لما أعطيت)) لو أن الناس كلهم اجتمعوا على أن يمنعوا أحداً من الخلق من شيء قد كتبه الله له لن يستطيعوا أن يمنعوه مما كتبه الله عليه، كما أنهم لو اجتمعوا على أن يعطوه ما لم يكتب له لن يستطيعوا، فالله -سبحانه وتعالى- هو المعطي، وهو المانع، وهو النافع، وهو الضار.(32/18)
((لا مانع لما أعطيت)) فالمكتوب لا بد من حصوله، وإن اجتمع جميع الأرض للمنع أو للإعطاء لما حصل إلا لمن قدره ((ولا معطي لما منعت)) بعض الناس يجبن عن قول الحق خشيةً على رزقه المكتوب له، كما أن بعض الناس يبادر بالباطل لهثاً وراء شيء لا يدري هل كتب له أو لم يكتب؟ لكنه إذا علق أمره بالله -جل
وعلا-، أو تعلق قلبه به، وتوكل على الله حق التوكل، وجزم يقيناً أنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع لمن يمنعه من قول الحق مانع.
((ولا معطي لما منعت)) ((ولا راد لما قضيت)) ما قضاه الله -جل وعلا- وكتبه على الإنسان لا بد أن يحصل، قد يكون المكتوب معلق بأسباب وجوداً وعدماً، فيكون وجوده مرتبط بسبب إن وجد وإلا فلا، لكن الأصل أنه لا راد لما قضى الله -جل وعلا-، والسبب مما قضاه الله -جل وعلا-: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} [(39) سورة الرعد] في هذا الحديث: ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)) ينسأ له في أثره المكتوب الذي هو في أيدي وعلى علم الملائكة، أما ما في علم الله -جل وعلا- فإنه لا يتغير، الله -سبحانه وتعالى- كتب له هذا العمر، وكتب له هذا السبب، ويبقى أن الله -جل وعلا- يمحو ما يشاء ويثبت، يعني مما في علم الملائكة، أما ما في علمه -جل وعلا- فإنه لا يتغير.
((ولا راد لما قضيت)) ((ولا ينفع ذا الجد)) لا ينفع صاحب الحظ والنصيب من الله -جل وعلا-، ولا يغنيه منه حظه ولا نصيبه "متفقٌ عليه" ففي هذا دليلٌ على استحباب قول هذا الذكر، بما فيه من كلمة الإخلاص، وما عقبت به بعد الفراغ من الصلاة، وليس بدبر الصلاة يعني في آخرها، لا، إنما هو بعد الفراغ منها.
"وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر)) رواه البخاري".(32/19)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن سعد بن أبي وقاص" أحد العشرة المبشرين بالجنة، وممن اعتزل الفتن بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- "-رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن" الضمير يعود على متأخر، يعني الأصل أن يقدم: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن)). . إلى آخره، ثم يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بهن دبر كل صلاة" فعود الضمير على متأخر لا أعني مفردات اللغة. . . . . . . . . في القواعد، الآن أنت تجزم أن هذا لفظ سعد -رضي الله عنه- أو رواه بعض الرواة بالمعنى؟ مسألة الاحتجاج بالحديث في قواعد العربية مسألة خلافية بين .. ، وسبب الخلاف تجويز الجمهور الرواية بالمعنى وإلا لو ضمنا أن هذا هو اللفظ النبوي، أو لفظ الصحابي، الصحابة عرب أقحاح، لا بد أن يحتج بهم، وأهل العلم جوزوا الرواية بالمعنى، ولذا رأى بعض أهل العربية أنه لا يحتج بالحديث في العربية.
على كل حال الأمر لا يلتبس، سواءً قدمنا الضمير وأخرنا ما يعود عليه أو عكسنا، المعنى واضح ومفهوم، وإن كان الأصل أن الضمير لا يعود على متأخر لفظاً ورتبةً، لا يعود على متأخر لفظاً ورتبةً، لكن إذا تأخر في أحد الأمرين وتقدم في الأمر الثاني لا بأس، يعني إذا قلت: خاف ربه عمر، الأصل خاف عمر ربه، فأعدنا الضمير على متأخر في اللفظ، لكن رتبته متقدمة، رتبة عمر التقدم لأنه فاعل، لكن لو كان مفعول والضمير مقترن بالفاعل يعود على المفعول لا يجوز، وتأخر المفعول، وعاد الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة لا يجوز، (زان نوره الشجر) هذا لا يجوز عند أهل العلم.(32/20)
فالمقصود أنه كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة، "بهن" يعني بهذه الأمور التي ذكر ((اللهم إني أعوذ بك من البخل)) البخل: وهو منع ما يجب دفعه ((وأعوذ بك من الجبن)) وهو المهابة للأشياء، والتأخر عنها لا سيما إذا كانت هذه المهابة تعوق عن أمرٍ واجب من جهاد مثلاً، من أمر بمعروف ونهي عن منكر، من تعليم، لا بد أن يستعاذ منه هذا جبن، وبعض الناس يسميه حياء وهو في الحقيقة ليس بحياء؛ لأن الحياء خيرٌ كله ((الحياء لا يأتي إلا بخير)) فكيف يعوقك هذا الحياء على حد زعمك من الجهاد في سبيل الله، كيف يعوقك هذا الحياء من إنكار المنكر الذي يجب تغييره، كيف يحول بينك هذا الحياء وبين ما يستحب فعله مما ندب الشرع إليه، هذا في الحقيقة ليس بحياء، بل هو جبن وذل ومهانة.
((وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر)) كي لا أعلم بعد علم شيئاً، يعني من سبر حال هؤلاء الذين اختلطوا، وردوا إلى أرذل العمر هم يشتركون مع الأطفال في التصرفات التي لا يقبلها العقل، لكنها مقبولة من الطفل وليست مقبولة من كبير؛ لأن الطفل يرجى أن يكبر ويتصرف تصرفاً حميداً، لكن الكبير كيف يرجى؟! والرد إلى أرذل العمر الموت خيرٌ من أرذل العمر، كون الإنسان يرد إلى أن يصل إلى حد لا يعرف نفسه، لا يعرف أولاده، لا يعرف كيف يتعامل مع الناس؟ لا يعرف كيف يتصرف؟ بل يتصرف تصرفات يُستحى من ذكرها، هذا يستعاذ منه لأنه شر، نسأل الله العافية، يعني ختام الحياة بهذا نعم هو موجود وشيء يكتبه الله ويقدره على الإنسان، لكنه ليس بشيء مما يطلبه الناس، بل ينبغي أن يستعاذ منه، وإن كان ظاهره أنه طول في الحياة، الحياة ما قيمتها، يعني لو تصور أن إنسان يموت في الستين أو في السبعين قبل أن يصل إلى هذا الحد، أو إذا وصل هذا الحد وصل إلى أرذل العمر واستمرت به الحياة عشرين سنة ما فائدته من هذه العشرين؟ هل يستفيد منها؟ ما يستفيد منها، ولذا جاء الاستعاذة من أن يرد الإنسان إلى أرذل العمر.
نعم ((خيركم من طال عمره)) لكن بالقيد: ((وحسن عمله)) ولا يتصور أو يتوقع ممن رد إلى أرذل العمر أنه يحسن عمله، ولذا جاء أنه كان يتعوذ بالله -جل وعلا- من أن يرد إلى أرذل العمر.(32/21)
((وأعوذ بك من فتنة الدنيا)) نعم الدنيا تفتن، وكم من شخص سلك الجادة والطريق المستقيم، والصراط القويم، بدأ يطلب العلم ويتعبد، ثم بعد ذلكم دخل في أمور الدنيا فافتتن بها، ولذا سلف هذه الأمة لا يرْغَبون ولا يرَغِّبون في مخالطة أهل الدنيا، لا يرغبون؛ لئلا يفتن الإنسان، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كاد أن تفتنه الإنبجانية، كساء مخطط تفتنه تشغله عن صلاته، فماذا عن هذه المظاهر التي غزت دور المسلمين؟ بل غزت بيوت الله -عز وجل- من الزخارف، تقدم الحديث عن هذه المسألة في باب المساجد، والعناية بها وتنظف وتطيب لكن لا تزخرف، كل هذا مما يفتن الإنسان {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا} لإيش؟ {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [(131) سورة طه] هذه فتنة، والذي يكثر من مخالطة أرباب الدنيا لا يؤمن عليه أن يفتتن، ولذا أهل العلم بالدخول على السلاطين؛ لأنه يخشى عليه من الافتتان، القليل النادر الذي يسلم من هذه الفتنة، جاء النهي: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لكن من خالطهم ولم يفتتن بدنياهم وزخرفها، ونفعهم بما عنده من علم هذا على خير -إن شاء الله-، فعله جمع من أهل العلم ممن يؤثر ولا يتأثر، لكن الشأن فيمن يتأثر ولا يؤثر، مثل هذا يقال له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] هنا الزم الذين يعينونك على طاعة الله -جل وعلا-.(32/22)
((وأعوذ بك من عذاب القبر)) عذاب القبر ليس بالأمر السهل، هذه أيضاً فتنة، وتقدم فتنة القبر، وما يترتب عليها من عذاب، وقد جاء أيضاً في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر على قبرين فقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، كان أحدهما يمشي بالنميمة، والآخر لا يستبرئ من بوله)) أو ((لا يستنزه من البول)) أو ((لا يستتر من البول)) وعامة عذاب القبر من هذين الأمرين، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، والنميمة تفسد بين الناس، نقل الكلام على جهة الإفساد هذا يفسد أحوال المسلمين، وأيضاً الاستبراء من النجاسات والتخلص منها بيقين واجب، والله المستعان.
أحسن الله إليك:
"وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً، وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) رواه مسلم".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً" يقول كما يقول الأوزاعي أحد رواة الحديث: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله؛ لأن أستغفر السين والتاء للطلب، فـ (أستغفر) أطلب المغفرة من الله -جل وعلا-، وإذا قيل: استغفَر واستغفِر والاستغفار، وكان النبي -عليه الصلاة السلام- يستغفر، جاء تفسيره بأنه يقول: ((رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم)) وأما الاستغفار الوارد في هذا الحديث فسره الراوي بقوله: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله" ثلاثاً، يعني يكررها ثلاث مرات، لا يقول: أستغفر الله ثلاثاً، وإنما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله.
ثم يقول: ((اللهم أنت السلام ... تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) ((اللهم أنت السلام)) فالله -جل وعلا- من أسمائه السلام، كما جاء في آخر سورة الحشر {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ} [(23) سورة الحشر].
وهو السلام على الحقيقة سالمٌ ... من كل ما عيبٍ ومن نقصانِ(32/23)
فالسلام من أسمائه -جل وعلا- ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام)) منك السلام لخلقك، والسلامة إنما تطلب من الله -جل وعلا-، السلامة من الآفات، السلامة من النقائص والعيوب إنما تطلب من الله -جل وعلا-، ((تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) يا ذا الغنى المطلق، والفضل التام، وهذا من عظائم صفاته -جل وعلا-، ولذا جاء الأمر بالإلحاح بهذا ((ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام)) فعلينا أن نلح بمثل هذا فإنه حريٌ أن يستجاب لنا.
((إذا انصرف من صلاته)) يعني إذا سلم منها، ليس معنى انصرف قام من مكانه وخرج لا، إذا انصرف يعني سلم ((لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود)) يعني من الصلاة، وإن قال بعضهم: إن المراد بالانصراف الانصراف من جهة القبلة، يعني ما ينصرف الإنسان حتى ينصرف الإمام عن قبلته، وهو محتمل.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)) رواه مسلم.
وفي رواية أخرى: "أن التكبير أربع وثلاثون".(32/24)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله)) يعني قال: سبحان الله ((دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) قال: سبحان الله، والتسبيح التنزيه، سبحان الله دبر كل صلاة وهذا بعد الانصراف من الصلاة، ولا يقول قائل: إن الدبر يحتمل أن يكون في آخر الشيء قبل الانفصال منه لا، هذا بعد الفراغ من الصلاة إجماعاً ((ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله)) قال: الحمد لله ((ثلاثاً وثلاثين)) يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله .. ثلاثاً وثلاثين، ثم بعد ذلك يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله .. ((وكبر الله)) بأن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ((ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعٌ وتسعون)) ناتج المجموع ثلاثة وثلاثين و ... ، تسع وتسعين ((وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)) رواه مسلم" هذا الوعد وهذا الجزاء لمن حقق الشرط، بأن قال: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر ثلاثاً وثلاثين، وختم المائة بـ ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) من حقق الشرط يعني هل يكفي أن نقول باللسان دون عقل المعاني؟ أو نقول: الجزاء المرتب في الحديث على مجرد النطق ولو لم نعقل معانيها؟ وهل يرتب هذا الجزاء لمن زاد عليها؟ من نقص أمره معلوم لكن من زاد عليها بأن قال: سبحان الله أربعين مثلاً، والحمد لله أربعين، والله أكبر أربعين؟ كونه يقصد الزيادة هذا أمره واضح أيضاً؛ لئلا يعتقد أن هذا أكمل مما قاله -عليه الصلاة والسلام- مما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والعبادات توقيفية، لكن من خشي أن يكون ما ضبط العدد مثلاً، وأراد أن يخرج من عهدة هذا العدد بيقين هل نقول: إن له أن يزيد أو لا بد أن يتقيد بالعدد ليتحقق الجزاء .... ؟ وهكذا في بقية الأذكار التي جاءت محددة بعدد منهم من يقول: إن الزيادة على القدر المشروع تدخل في حيز البدعة، أنت شرع لك هذا العدد فلا يجوز لك أن تتعداه، النقص لا إشكال في كونه لا يترتب(32/25)
عليه الجزاء، يصدق على من قال: سبحان الله ثلاثين، والحمد لله ثلاثين، والله أكبر ثلاثين تسعين ما قال تسعة وتسعين، وقال: لا إله إلا الله ... صارت واحد وتسعين، يعني ما يصدق عليه أنه جاء بالعدد ليثبت له الجزاء المرتب عليه، هذا مفروغٌ منه.
لكن لو قال هذا خمسة وثلاثين، وهذا وخمسة وثلاثين من باب الاحتياط أو من باب أنه يجزم أنه قال العدد المطلوب الزيادة فضل الله واسع، منهم من يقول: إن الجزاء يترتب على العدد بالتحديد، ولا تجوز الزيادة عليه، وأن من زاد على ذلك يدخل في حيز الابتداع.
ومنهم من قال كما جاء في حديث: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، لم يأتِ أحدٌ بمثل ما جاء به إلا من ... )) أو إيش؟ ((أو زاد)) فدل على أن الزيادة لا بأس بها، زيادة تمجيد، وزيادة تحميد لا بأس، زيادة تنزيه لا بأس مقبولة، ولا شك أن التقيد بالنص، وما جاء فيه من عدد أولى، إذا أردت أن تزيد اذكر أذكار مطلقة، لا أحد يمنعك أن تسبح ألف تسبيحة ما في أحد، كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يسبح اثنا عشر ألف تسبيحة أبو هريرة؛ لأنه ذكر مطلق {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] لا يدخل تحت حد، لكن الكلام على ما رتب عليه من أجر هل يحصل أو لا يحصل؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أن الأجر يرتب على من تقيد بهذا العدد ولو لم يستحضر، يعني بمجرد قول، الاستحضار واستحضار المعاني، والتأثر بهذه المعاني، وأيضاً معرفة هذه المعاني أجرها قدرٌ زائد على ذلك؛ لأن الأجر "من سبح" هذا سبح، يصدق عليه أنه سبح، كما أن من قرأ القرآن له بكل حرف عشر حسنات ولو لم يتدبر، له أجر الحروف، لكن يبقى أجر التدبر قدر زائد على ذلك، وفضل الله واسع.
وإذا قلنا: إنه لا بد أن يستحضر ولا بد أن .. ، ولا يثبت له من الأجر حرمنا عموم المسلمين من هذا، من الذي يستحضر كل ما يقول؟ لكن الشرع قال لك هذا وامتثلت يرجى لك الأجر -إن شاء الله تعالى-، إذا قلت ذلك مخلصاً لله -عز وجل-.(32/26)
((فتلك تسعٌ وتسعون)) يعني جملة، ((وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد)) بعض الروايات: ((يحيي ويميت)) وبعض الروايات: ((حيٌ لا يموت بيده الخير)) المقصود أنها روايات، ((وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)) والجمهور على أن المراد بالخطايا هنا الصغائر، وأما الكبائر لا بد لها من توبة، مثل هذا ((الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى جمعة كفارات ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغش كبيرة)) فالكبائر أمرها عظيم، قد يقول قائل: الصغائر مكفرة بغير هذا باجتناب الكبائر مكفرة، بالصلاة مكفرة، بالعمرة إلى العمرة، برمضان، بالجمعة، ومع ذلك أنت بحاجة إلى مزيد من المكفرات، أنت بحاجة إلى مزيد من المكفرات، فعلى الإنسان أن يحرص أشد الحرص على ما جاء في مثل هذه النصوص، ويحرص أيضاً أن لا يغش الكبائر؛ لئلا يعرض نفسه لغضب الله وعقابه؛ لأن الله -جل وعلا- يغار، نعم رحمته وسعت كل شيء، غفورٌ رحيم، لكنه أيضاً شديد العقاب، ذو انتقام {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] المقصود أن الله -جل وعلا- يعاقب ويغضب ويغار على محارمه، فلا نعتمد على سعة رحمة الله -جل وعلا-، ومع ذلكم لا نيأس ولا نقنط من رحمته التي وسعت كل شيء، فعلينا أن نبذل الأسباب، ولا نعتمد على هذه الأسباب، بل يبقى الإنسان خائفاً وجلاً يرجو ثواب الله.
((حطت عنه خطاياه)) غفرت عنه خطاياه، من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، يعني في دقيقة واحدة تقال سبحان الله وبحمده، سبحان الله وبحمده، سبحان .. ، في دقيقة واحدة ((حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) يعني في كثرتها، مثل ما يعلو على البحر، كم يعلو على البحر من زبد؟!(32/27)
"وفي رواية أخرى" ومقتضى صنيع المؤلف أنها عن أبي هريرة؛ لأنه إذا اختلف الصحابي لا بد من التنصيص عليه، وليست من رواية أبي هريرة، وإنما هي من رواية كعب بن عجرة "أن التكبير أربع وثلاثون" وهكذا جاءت أيضاً في حديث فاطمة: ((إذا أويتما إلى فراشكما فقولا)) .. إلى آخره، ((كبرا الله أربعاً وثلاثين)) وحينئذٍ تتم المائة، إذا قلنا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين تتم المائة، وهذه صيغة من صيغ هذه الأذكار تقال هذه أحياناً، وأحياناً تكمل المائة بـ (لا إله إلا الله)، وجاء أيضاً أن التسبيح خمساً وعشرين، والتحميد كذلك، والتكبير كذلك، ولا إله إلا الله كذلك، وجاء عشراً عشراً، هذا من اختلاف التنوع، فالإنسان يقول هذا أحياناً، ويقول هذا أحياناً، وإن كان الأكثر ما جاء هنا، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم يقول تمام المائة، ويستوي في ذلك أن يفرد كل جملة، وبين أن يجمع بين هذه الجمل، سواءً قال: سبحان الله، سبحان الله، ثلاثة وثلاثين، أو قال سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر يجمع بينهن، ولا يضره بأيهن بدأ، المقصود أن من المجموع يتحصل مائة.
أحسن الله إليك:
"وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند قوي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن معاذ بن جبل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((أوصيك يا معاذ)) وفي رواية: ((إني أحبك)) فقال معاذ -رضي الله عنه-: "وأنا أحبك" وتسلسل الخبر بقول كل راوٍ من رواته: ((إني أحبك لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك)).(32/28)
((أوصيك يا معاذ لا تدعن)) (لا) ناهية، أي لا تتركن هذا الذكر ((دبر كل صلاة)) كل صلاة، مثل ما قلنا: يحتمل أن يكون في آخر الشيء، وأن يكون منفصلاً عنه والاحتمال قائم، وإن كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يقرر أن الأذكار بعد الصلاة، والدعاء يكون في آخرها، لكنه غير مطرد، هذا غير مطرد، جاء في بعض الأدعية أنها تقال بعد الصلاة، إذا انصرف من صلاته قال: ((ربِّ قني عذابك يوم تبعث عبادك)) والصلاة أيضاً مشتملة على أذكار فليست بمطردة.
((لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول)) دبر كل صلاة، كل صلاة، (كل) من صيغ العموم فيشمل صلاة الفريضة والنافلة العامة والخاصة، الصلوات الخاصة، صلاة الجنازة صلاة، لا يمنع أن تدخل في هذا النص، صلاة الاستسقاء صلاة، صلاة العيد صلاة، الكسوف .. ، كلها صلوات، الرواتب، النوافل المطلقة تدخل في هذا الحديث، الفرائض من باب أولى.
((لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى .. ، لا بد من طلب الإعانة من الله -جل وعلا-، ولذا جاء في سورة الفاتحة التي تقرأ في كل ركعة من ركعات الصلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [(5) سورة الفاتحة] يعني نطلب العون، منك نستمد العون، فالإنسان إذا لم يعنه الله -جل وعلا-، إذا وكله على نفسه وكله إلى ضعف، لا يستطيع أن يصنع شيئاً.
((اللهم أعني على ذكرك)) يعني على مداومة الذكر، على مداومة الذكر ولزومه، وجاء في مداومته ولزومه والإكثار منه نصوص كثيرة، جاء في الترغيب فيه ما يدل على أن من يتركه محروم وأي حرمان، مما رتب على ذلك من أجور عظيمة على أعمالٍ يسيرة، سمعنا: ((سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) يعني لا يترك مثل هذا إلا شخص بين واضح الحرمان.(32/29)
القرآن الكريم أعظم الأذكار، يعني يتصور طالب علم ليس له حزب -ورد- من القرآن يومي لا يتركه حضراً ولا سفراً مهما كانت ظروفه؟! يتصور أن يوجد طالب علم يفرط بحزبه ونصيبه من القرآن؟! نعم يوجد، لكن هذا حرمان، شيء لا يكلفك شيء {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] ما يحتاج تقول: والله أبداً الآن لست مستعد للذكر، لا يحتاج أن تشغل سيارة ولا تحمي سيارة ولا شيء، حتى ولا يحتاج ولا نور، ولا تجلس إذا كنت جالس لا، اذكر الله قياماً وقعوداً على جنب، اذكر الله على جميع أحوالك وأحيانك.
((اللهم أعني على ذكرك)) يعني من توفيق الله -جل وعلا- للعبد أن يلهمه الذكر، وأيضاً الشكر المتضمن للمزيد من النعم {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] والشكر مطلوبٌ استمراره، ولا يقال: إنه يلزم منه التسلسل، بل تسلسله مطلوب؛ لأنك إذا شكرت الله -جل وعلا- على نعمةٍ من نعمه التي لا تعد ولا تحصى توفيقك لهذا الشكر نعمة يحتاج إلى شكر فاشكر، ثم توفيقك للشكر الثاني يحتاج إلى شكر وهكذا، فالهج بالذكر والشكر، ولا يزال لسانك رطب من هذا.
"وحسن عبادك" يعني الإتيان بها على وجه حسن، على وفق مراد الله -جل وعلا-؛ لأن العبادة إذا جيء بها على مراد الله ترتبت عليها آثارها، لكن لو نقص منها ما نقص نقص أجرها بقدر ما نقص منها، مما لا يخل بأصلها وصحتها، لكن لو جاء بها على وجهٍ غير مجزي ولو صلى أو زكى أو صام على وجهٍ غير مجزي وجودها مثل عدمها ((صلِ فإنك لم تصل)) فالمطلوب إحسان العبادة، لا مجرد إيجاد العبادة على إي وجه، إنما على وجهٍ تبرأ به الذمة، ويسقط به الطلب.
يقول: أريد تبيين ما معنى الصلاة والسلام على الصحابي الجليل علي بن أبي طالب؟ وهل يجوز الصلاة والسلام على الصحابة؟ نرجو بيان ذلك؟(32/30)
أما على جهة الاستقلال فالمسألة خلافية، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)) لكن العرف عند أهل العلم يخصون الصلاة بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة يترضون عنهم، ويترحمون على من بعدهم، هذا عرف عند أهل العلم، مشوا عليه، ودرجوا عليه، فلا يصلى على غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "عز وجل" يعني عزيزاً جليلاً، بل العرف خص ذلك بالله -جل وعلا-.
تخصيص علي -رضي الله عنه وأرضاه- بالصلاة أو بالسلام كما يوجد في بعض الكتب: "عليه السلام" دون غيره من خيار هذه الأمة لا ينبغي، بل إذا قلنا: بجواز الصلاة على غير النبي -عليه الصلاة والسلام- فأولى بها قبل علي من هو أفضل من علي -رضي الله عن الجميع- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، كما هو المعتمد عند أهل السنة.
وعلى كل حال -مثل ما ذكرنا- لا ينبغي تخصيص علي -رضي الله عنه وأرضاه- بشيء إلا بما خصه به النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما لم يخص به في النصوص الشرعية فلا، وهو كغيره من الصحابة له منزلته، ولا يغلى به، وعليه تصلى النار طائفتان، كما قال الناظم:
إحداهما لا ترتضيه خليفةً ... وتنصه الأخرى إلهاً ثاني
لا يغلى ولا يجفى، ينزل منزلته -رضي الله عنه وأرضاه-، رابع الخلفاء، وصهر الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومنزلته في الدين معلومة، لكن لا يعطى أكثر مما يغلى به، فيصرف له شيء من حقوق الرب -جل وعلا-، أو حتى يفضل على من هو أفضل منه، والله المستعان.
يقول: هل يدل ذلك على أن قول: "صلى الله عليه وآله وسلم" بدعة؟ أو المقصود بالبدعة الصلاة على الآل فقط، كقولك: "صلى الله على آله وسلم"؟(32/31)
"صلى الله عليه وآله وسلم" لا أحد يقول: إنها بدعة، وإن كانت شعار لبعض المبتدعة، بمعنى أنهم لا يصلون على الصحب، كما أن الصلاة على الصحب شعار لمبتدعة آخرين، فالأولى أن نجمع بينهما، وإن كان لا يلزم خارج الصلاة أن نصلي على الآل ولا على الصحب، إنما يتم الامتثال بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن من باب التوازن وبيان وسطية أهل السنة أننا كما نتولى الآل نتولى الصحب أيضاً، فلا نغلو ولا نجفو، ولكلٍ منهما حق، ولا نقول: إن الصلاة على الآل بدعة، لا، أما داخل الصلاة فلا بد من الصلاة عليهم كما جاء في الحديث، خارج الصلاة الامتثال يتم بدونهم، لكن إذا جئنا بهم من باب الإنصاف أن نأتي بالصحب، ولنبين بذلك أن مذهب أهل السنة في الصحابة عموماً وسطٌ بين مذهب الروافض وبين مذهب النواصب، ما يقال: إن الصحابة -رضي الله عنهم- يدخلون في الآل إذا أفرد، الآل أخص، أوائل الآل يدخلون في الصحابة، يعني من له صحبة منهم يدخلون في الصحابة، لكن مع ذلكم من أراد الكمال يفرد الآل لما لهم من حق، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأيضاً ينص عن الصحب لما لهم من فضلٍ علينا، يعني لولا الصحابة ما وصلنا دين، فمن حقهم علينا أن نفردهم بالذكر.
يقول: قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: ((لا تدعن دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) هل هي قبيل السلام أم بعده؟
على كل حال هي دبر الصلاة، وعرفنا أن الدبر قد يكون داخل الشيء ملاصقاً له في آخره، وأحياناً يطلق على ما بعد السلام، بعد الفراغ من الشيء، وأكثر التي مرت بنا بعد السلام، وهذا قلنا: إن شيخ الإسلام -رحمه الله- يفرق بين ما كان دعاء وما كان ذكر، فما كان دعاء يكون قبل السلام، وما كان ذكر فهو بعد السلام، وعرفنا أن هذا غير مطرد، بل جاء من الأذكار ما هو داخل الصلاة، وجاء من الأدعية ما هو خارج الصلاة، والمسألة فيها سعة، إن شئت فقلها قبل السلام، وإن شئت فبعد السلام.(32/32)
يقول: أنا أقول في التشهد الأخير: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك ... ؟
نعم، جاء الجمع بين إبراهيم، وجاء أيضاً إفراد الآل، وإذا أفردوا دخل فيهم إبراهيم، فآل الشخص أول من يدخل فيهم دخولاً أولاً الشخص نفسه، كما في قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] هل يعني هذا أن فرعون ليس معهم؟ هو مقدمهم، يقدمهم يوم القيامة، نسأل الله العافية.
يقول: أنا لا أجد الطمأنينة والخشوع في الصلاة، فما هي العوامل التي تساعدني على الخشوع في الصلاة؟ وهل المعاصي تحرم المصلي من الخشوع؟
يعني الخشوع في الصلاة شيء محل شكوى من كثير من أهل الخير والفضل والاستقامة فضلاً عن غيرهم، أما أثر المعاصي فظاهر، لكن الكلام في أهل الفضل والاستقامة، نعم قد يغفل الإنسان قد يطرأ له ما يطرأ، قد يلبس عليه الشيطان، فيسهو عن بعض صلاته، لكن الإشكال في وجود مثل هذا الأمر في جميع الصلاة، حتى ممن ينتسب إلى طلب العلم، هذا شيء مقلق يجده الإنسان من نفسه أحياناً يصلي لا يدري كم صلى؟ يقرأ الإمام لا يدري ماذا قرأ؟ ينصرف من صلاته .. ، لكن ما يعين على ذلك أن تقبل على صلاتك، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم الذي يلبس عليك صلاتك، وأن تصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، وأن تتدبر وتعي ما تقول وتسمع، وتصدق مع الله -جل وعلا-، ويعينك على ذلك -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما هو مذهب الهادوية؟
الهادوية فرقة من فرق الزيدية، وهم في وقت الصنعاني غالب سكان اليمن، كما نص على ذلك في سبل السلام، غالب سكان اليمن هادوية، وهم من الزيدية، فكأن نسبتهم قلت، وزاد عدد نسبة أهل السنة من الشافعية وغيرهم، المقصود أنهم طائفة من الزيدية.
يقول: هناك آلة كالحاسبة حاسبة رقمية مع كل تسبيحة يضغط على الزر ما حكمها؟ وأيضاً السبحة؟(32/33)
الأولى أن يسبح الإنسان بأنامله ويذكر الله يعد بأنامله لأنها مستنطقة، فتشهد له يوم القيامة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجه أم المؤمنين إلى التسبيح باليد بدلاً من الحصى، بدلاً من العد بالحصى، والسبحة حكمها حكم هذه الحصيات، ومثلها مثل الحصى الآلة هذه التي تعد، فالأولى أن يسبح ويعد الإنسان أذكاره بأصابعه.
يقول: متى تقال أذكار الصلاة؟ هل هي بعد الصلاة المفروضة أو النافلة أو الكل؟
ما جاء فيه التعميم دبر كل صلاة يشمل النافلة والفريضة، وإلا فالأصل أن الأذكار المرتبة المذكورة هذه بعد الفريضة.
يقول: حكم مشاهدة المناظرات التي تكون بين المسلمين والنصارى أو الشيعة والسنة سمعتُ أنه من موالاتهم؟ فهل هذا صحيح؟
الأصل أن المناظرات بين أهل الحق وغيرهم لإقناع غير أهل الحق، وبيان الحق ونشره طريقة شرعية، وأهل العلم يعقدون المناظرات، ويصنفون فيها الكتب، وجاء هذا الأسلوب -أسلوب المناظرة- في النصوص في القرآن، المقصود أنها لها أصل شرعي، بيان الحق وإقامة الحجة على المخالف، لكن إعلان هذه المناظرات، وكون هذه المناظرات يطلع عليها من يستوعب ومن لا يستوعب هذا خطأ؛ لأن هذه المناظرات لا بد أن يكون فيها شيء من الشبه، وقد تقصر حجة المناظر عن إزالة هذه الشبهة فتقع موقعها من قلوب بعض العامة، وحينئذٍ يصعب اجتثاثها، وقد يستوعب الشبهة ولا يستوعب الرد فيحصل بذلك ضرر على عوام المسلمين، فينبغي أن لا تلقى هذه المناظرات على عوام المسلمين، لكن من تأهل ويستوعب لا بأس يحضر، ويناقش.
يقول: أنا ممن ابتلي بتأخير صلاة الفجر عن وقتها؟
هذا لا يجوز، إذا كان هذا ديدن وهذا طريقة مستمرة لا يجوز، بل إذا كان السبب في تأخيرها السهر مثلاً قيل بتحريمه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إذا كان الإنسان لا يتيسر له، بل لا يستطيع الصلاة مع الجماعة إلا بالنوم المبكر تعين عليه، وحينئذٍ يكون السهر في حقه حرام.
طالب:. . . . . . . . .(32/34)
الأصل فيه أنه مكروه، يكره الحديث بعدها -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا ترتب عليه فائدة فهو مطلوب، إن ترتب عليه ترك مستحبات وسنن صار مكروهاً، وزادت في الكراهة، إن ترتب عليه ترك واجبات صار محرماً، يعني على حسب الآثار المترتبة عليه، فمثل هذا لا بد أن يعمل الاحتياطات اللازمة والكافية، ويهتم بصلاة الفجر؛ لئلا يتشبه بالمنافقين ((أثقل الصلوات على المنافقين العشاء والفجر)) فأمرها خطير ((من صلى البردين دخل الجنة)) فأمر صلاة الفجر عظيم جداً، بعض الناس لا يلقي لذلك بال، ولا يهتم، لا بنفسه ولا بمن تحت يده، يركب الساعة والمنبه على الدوام، والأولاد لا يوقظهم إلا للمدارس هذه خيانة لمن استرعاه الله عليه، هذا خيانة للأمانة التي أنيطت به، فإذا كان يفعل ذلك في نفسه ويقصد ذلك فالأمر خطير، فتفويت صلاة واحدة عن وقتها ابن حزم نقل الإجماع على أنه إذا تعمد ذلك وأخرج الصلاة عن وقتها لا يقضيها يكفر، وإن كان طرفٌ آخر نقلوا الإجماع عن أهل العلم لا سيما الأئمة الأربعة كلهم يقولون: يقضي، ولا يكفر بذلك لكن خطره عظيم، نسأل الله السلامة والعافية.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(32/35)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (19)
تابع: شرح باب: صفة الصلاة وباب: سجود السهو وغيره
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) رواه النسائي وصححه ابن حبان، وزاد فيه الطبراني: ((وقل هو الله أحد)) ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- بعض الأذكار التي تقال أدبار الصلوات، ومن هذه الأذكار ما هو من أفضل الأذكار وهو القرآن، ومن أفضل ما يقرأ في كتاب الله -عز وجل-، والمفاضلة معروفة عند أهل العلم، وإن كان الكل كلام الله، أفضل آيةٍ في كتاب الله هي آية الكرسي، كما أن أعظم سورة في القرآن هي سورة الفاتحة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] تعدل ثلث القرآن.(33/1)
ففي هذا الحديث حديث "أبي أمامة" وهو غير الباهلي، أبو أمامة الباهلي صدي بن عجلان إذا أريد قيل: الباهلي، وإذا أطلق فالمراد به هذا، أنصاري خزرجي اسمه: إياس بن ثعلبة، يقول -رضي الله عنه-: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة)) هناك في حديث معاذ: ((لا تدعن أن تقول في دبر كل صلاة)) وقلنا: إن لفظ العموم (كل) شامل لجميع الصلوات، وهنا: ((دبر كل صلاةٍ مكتوبة)) فدل على أنها لا تشرع بعد النوافل، ((من قرأ آية الكرسي)) {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [(255) سورة البقرة]. . الآية ((دبر كل صلاةٍ مكتوبة)) سميت آية الكرسي لذكر الكرسي فيها {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [(255) سورة البقرة] ((مكتوبة)) يعني مفروضة، والمراد بذلك الصلوات الخمس ((لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) العائق من دخوله الجنة أن يموت، فإذا مات دخل الجنة، هل يدخل الجنة مباشرة أو يمكث في قبره في البرزخ قبل دخول الجنة؟ لكن يأتيه من مقدمات الدخول في قبره ما يستحق أن يسمى دخولاً، فيفسح له في قبره مد بصره، يكون قبره عليه روضة من رياض الجنة، نسأل الله من فضله.
مقدمات الدخول لا يقول قائل: إنه يدخل الجنة مجرد أن يموت، ولا يمر بالبرزخ لا، هناك حياة برزخية مكانها القبر، بين الحياة الدنيا وبين الآخرة، فهنا سمى مقدمة الدخول دخول، كما أن مقدمات الفتح فتح، فصلح الحديبية باعتباره مقدمة للفتح -لفتح مكة- سمي فتحاً، ونزلت فيه سورة الفتح، وهنا مقدمة الدخول وهو هذه الحياة البرزخية التي ينعم فيها هذا الذي واظب على آية الكرسي ينعم فيها في قبره، والمواظبة على آية الكرسي دبر كل صلاة سبب، سبب من أسباب دخول الجنة، والسبب قد تترتب عليه آثاره فيحصل المسبب، وقد يتخلف الأثر لوجود مانع، قد يكون عند الشخص ما يمنعه من دخول الجنة، ما يستحق به دخول النار إما مؤبداً إن كان عنده ما يخرجه من الدين بالكلية، أو مؤقتاً إن كان عنده شيء من الكبائر.(33/2)
فقراءة آية الكرسي والمحافظة عليها، والمداومة عليها سبب كغيرها من الأسباب، فلا نتكل على مثل هذا، ولذا جاء: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له -إلى آخره- دخل الجنة من أي أبوابها الثمانية شاء)) ثم قال في الحديث: ((ولا تغتروا)) يعني ما نغتر بمثل هذه النصوص، نترك الواجبات، ونقترف الكبائر والمحرمات لا، هذه أسباب، ومعلومٌ أن السبب قد ترتب عليه آثاره إذا انتفت الموانع، وقد لا تترتب عليه الآثار إذا وجدت الموانع، قد يلبس المرء من الثياب خمسة ثياب، ستة، عشرة، وفروة وبشت ويدخله البرد لأنه سبب، فليس السبب موجباً ولا مستقلاً بحصول المسبب، لكن علينا أن نعمل بمثل هذه الأمور التي جاء الحث عليها من قبل الشارع، لكن لا نغتر فنعتمد عليها.
((لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) والحديث صحيح، مخرج عند النسائي في الكبرى في أعمال اليوم والليلة، وعزاه المنذري إلى ابن حبان وغيره من أهل العلم "وزاد الطبراني: ((وقل هو الله أحد)) جاء الحديث الصحيح فيها: "أنها تعدل ثلث القرآن" {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] سورة الإخلاص، فعلينا أن نداوم على قراءة آية الكرسي و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] والمعوذتين، وجاء فيها النص الصحيح أيضاً.
"وعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) رواه البخاري".(33/3)
نعم، حديث "مالك بن الحويرث" من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) أصلٌ عظيم، وقاعدة كلية من القواعد التي تدور عليها مسائل الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ففعله -عليه الصلاة والسلام- الذي داوم عليه بياناً لما أوجبه الله على هذه الأمة من الصلوات، ما داوم -عليه الصلاة والسلام- أخذاً بعموم هذا الحديث يدل على الوجوب، وما تركه -عليه الصلاة والسلام- أحياناً وفعله أحياناً يدل على الاستحباب، فداوم النبي -عليه الصلاة والسلام- على القيام، وعلى القراءة، وعلى الركوع، وعلى السجود، وعلى الجلوس، وعلى التشهد، وعلى السلام، وغير ذلك من الأركان والواجبات، فعل السنن غالباً وتركها أحيانً لبيان الجواز، فكان مما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- من رواية مالك بن الحويرث أيضاً ما سماه الفقهاء جلسة الاستراحة، وهي بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى، والثانية من الركعة الثالثة، ففي الصحيح من حديث مالك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعتمد قائماً حتى يجلس، حتى يستوي قاعداً، اصطلح أهل العلم على أن يسموا هذه الجلسة جلسة استراحة، تقدم ذكرها والإشارة إليها، فهل هي مما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو فعله أحياناً فيكون من باب المستحب؟ هل داوم عليها فتكون من الواجبات؟ أو فعلها أحياناً لتكون من المستحبات؟ أو فعلها عند الحاجة إليها لتكون منزلة منزلتها في الحاجة إليها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يداوم عليها، بدليل أن أكثر من نقل صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكرها، ونقلها مالك بن الحويرث فدل على أنه فعلها على جهة الاستحباب، والترك إنما هو لبيان الجواز، ثبتت من حديث مالك بن الحويرث هذا مثال، وجاءت في بعض طرق حديث المسيء، وفي بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فدل على أن فعلها سنة، وكونها تفعل عند الحاجة -أنا أقول العكس- كونها تترك عند الحاجة؛ لأنها زيادة عبء، ليست استراحة، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلها في آخر عمره مع حاجته إلى الراحة وليس فيها راحة؛ لأنها ليست بجلسة طويلة بحيث يطمئن الإنسان ويرتاح، فالإنسان إذا قام من سجوده(33/4)
إلى القيام مباشرة أسهل من كونه يثني رجله ويجلس ثم يقوم، وأيضاً جاءت كما أشرنا في بعض طرق المسيء فلا داعي للقول بأنها تفعل عند الحاجة، بل هي سنة من سنن الصلاة، كونها تترك لبيان الجواز لا يعني أنها غير مشروعة.
((صلوا كما رأيتموني أصلي)) هو نظير قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بين الحج المأمور بفعله -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم)) فما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يتركه فهو واجب؛ لأنه بيان للواجب، وما تركه دل على أنه ليس بواجب، وأنه تركه لبيان الجواز جواز الترك.
((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وفي الوضوء قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من توضأ نحو وضوئي هذا)) ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وفي الوضوء ((نحو وضوئي هذا)) هل هناك فرق؟ الظاهر من التشبيه هنا: ((كما رأيتموني)) المطابقة بين المشبه والمشبه به، وهناك التقريب، يعني توضئوا قريباً من وضوئي؛ لأنه لا يمكن محاكاة النبي -عليه الصلاة والسلام- من كل وجه، ويمكن أن يقال هنا في الصلاة أنه لا يمكن أن يصلي المسلم مهما بلغ من التحري لأفعاله -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به أن يصلي كما يصلي، مطابقة مائة بالمائة.(33/5)
أقول: على الإنسان أن يحرص، يحرص أشد الحرص أن يقتني بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته وفي وضوئه وفي عباداته كلها، مع الأسف أن بعض طلاب العلم يعرف الأحكام المتعلقة بالوضوء، والأحكام المتعلقة بالصلاة، والأحكام المتعلقة بالحج ويفرط في كثيرٍ منها، مع أنه جاء الأمر بذلك: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) نعم {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] الذي يعجز عن تطبيق الصلاة النبوية بحذافيرها يأتي بما يستطيع ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) الذي لا يستطيع أن يحج كما حج النبي -عليه الصلاة والسلام- مطابقة يفعل ما يستطيع، بعد الحفاظ على الأركان في العبادات كلها، ثم بعد ذلك يأتي بما يستطيعه من السنن؛ لأن بعض الناس يأتي بالعبادات بالقدر المجزئ فقط، ولا يحرص على تطبيق السنن، وهذا حرمان، نعم هي صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، لكن قد لا تترتب عليها الآثار الكاملة مما أعده الله -جل وعلا- لمن يقيم الصلاة، وإلا فقد تكرر في النصوص إقامة الصلاة، وإقامتها الإتيان بها على الوجه المستقيم القائم التام، فنحرص على تطبيق كل ما يبلغنا عنه -عليه الصلاة والسلام- من أفعال، بأن نحاكي فعله -عليه الصلاة والسلام- ونأتي بالعبادات على ضوء ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من فعله، ونأتمر بأمره، ونمتثل التوجيه النبوي -عليه الصلاة والسلام- في جميع العبادات؛ لأنه يخشى ممن يفرط بالمستحبات أن يتساهل في الواجبات، أو لا يعان على الإتيان بالواجبات، ثم بعد ذلك يصل الخلل إلى أن يفرط بالأركان، حينئذٍ ترد عليه صلاته، فيكون كمن قيل له: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) والله المستعان.
"وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) رواه البخاري".(33/6)
حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه وأرضاه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((صل قائماً -لأنه يشتكي- فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) وهذا الذي في الصحيح، لكن الذي في البلوغ زيادة: ((وإلا فأومئ)) هذا مخرج في البخاري دون قوله: ((فأومئ)) والمحقق الذي يتصدى لتحقيق الكتب ليس له أن يحذف منها شيئاً، بل يبقي الكتاب كما هو، إذا ألفه بنفسه يفعل ما شاء، لكن يتصرف في كتب الناس لا، يثبت ما في الكتاب مما اتفقت عليه النسخ، ويشير إلى اللفظ الزائد الذي لا يوجد في الأصل أو ما أشبه ذلك، فعلى من تصدى لتحقيق هذا الكتاب هو يترجى يقول: لعل الناس نظروا للحديث الآتي بعده لا، هي موجودة في النسخ، وعليها الشرح، هي موجودة، يعني كون الحافظ أخطأ أو أصاب هذا شيء آخر، لكن هي موجودة في النسخ، فتبقى كما هي، ودور المحقق أن يعلق عليها، أن يقول: هذه اللفظة لا توجد في المصدر الذي نسب إليه، على أن الحافظ -رحمه الله- لم ينسب الحديث إلى مصدر، لم يخرج الحديث، والحديث مخرج في الصحيح في البخاري دون قوله: ((وإلا فأومئ)).
حديث عمران بن حصين -وهو شاكي- يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف يصلي؟ يقول: ((صلِ قائماً)) هذا الأصل، ولذا يجب القيام مع القدرة، بل عدوه في الأركان، ولا تجوز الصلاة من قعود إلا لمن لا يستطيع القيام ((فإن لم تستطع فقاعداً)) ((صلِ قائماً)) والأمر بالصلاة يشمل جميع الصلوات ((فإن لم تستطع)) القيام فصل ((قاعداً، فإن لم تستطع)) الصلاة قاعداً ((فعلى جنب)) يعني على جنبك الأيمن مستقبلاٌ القبلة بوجهك، هذا الحديث فيه دلالة على أنه لا بد من القيام في الصلاة، وإطلاقه يشمل جميع الصلوات فرضها ونفلها.(33/7)
وثبت أيضاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فدل على أن الصلاة تصح من قعود، الحديث يدل على عدم الصحة؛ لأنه علق القعود أو الصلاة من قعود على عدم استطاعة القيام، فدل على أن القائم لا تصح منه الصلاة قاعداً، والحديث الآخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) يدل على أن الصلاة صحيحة من قعود، وإن كان مستطيعاً القيام، لكن ليس له من الأجر إلا النصف، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي من قعود، صلى بعض الصلوات من قعود، في الركعتين التي بعد الوتر، وإذا أراد إطالة القيام قرأ وهو جالس ثم قام فركع -عليه الصلاة والسلام-، فدل على صحة صلاة القاعد، لكن أجره على النصف.
كيف نوفق بين الحديثين؟ الحديث الذي معنا يدل على عدم الصحة، والحديث الآخر يدل على الصحة مع نقص الأجر، كيف نوفق بين الحديثين؟ نعم يقول: لزوم القيام كونه ركن من أركان الصلاة في الفريضة دون النافلة، وصحة الصلاة من القاعد على النصف محمولٌ على النفل، بدليل هذا بعمومه يشمل النفل والفرض، وذلك بعمومه يشمل الفرض والنفل، بدليل سبب ورود الحديث، سبب هذا الحديث سبب ورود هذا الحديث الذي معنا أو الحديث الثاني؟ ما في ما يدل على أنها فرض، أو سبب ورود الحديث الثاني وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة -يعني فيها حمى- فوجدهم يصلون من قعود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، سبب الورود يدل على أنهم كانوا يصلون فريضة وإلا نافلة؟ نافلة؛ لأنهم لا يصلون الفريضة قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام- ويأتمون به، فهي نافلة، وهو محمولٌ على مستطيع القيام، أما الذي لا يستطيع القيام فأجره كامل، سواءً كان في الفريضة أو النافلة، فسبب الورود يدل على أن الحديث الثاني في النافلة لمستطيع القيام، فله من الأجر النصف، أما الذي لا يستطيع القيام فأجره كامل في الفريضة والنافلة، الذي يستطيع القيام الفريضة لا تصح، والنافلة تصح على النصف.(33/8)
والصارف والمخصص للحديث الثاني هو سبب الورود، والمقرر عند أهل العلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بل نقلوا على ذلك الإجماع، وإن خالف نفرٌ يسير من أهل العلم، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذاً كيف لجأنا إلى السبب وخصصنا الحديث به؟ لدفع التعارض الظاهر بين الحديثين، وأهل العلم يسلكون مثل هذا كثيراً من أجل دفع التعارض بين النصوص، فإذا صلى المستطيع الفرض من قعود نقول: صلاتك غير صحيحة، وإن صلى المستطيع النفل من قعود قلنا: صلاتك صحيحة، لكن ليس لك من الأجر إلى النصف، إذا صلى غير المستطيع الفريضة من قعود قلنا: صلاتك صحيحة وأجرك كامل، وإذا صلى النافلة غير المستطيع من قعود قلنا: صلاتك صحيحة وأجرك كامل، وفي سبب الورود ما يدل على أنهم كانوا مستطيعين، لما تجشموا القيام قاموا، فدل على أنهم كانوا مستطيعين القيام.
((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) من أركان الصلاة ما يؤدى حال القيام، ومنها ما يؤدى حال القعود، بعض الناس يستطيع القعود ولا يستطيع القيام، وبعض الناس بالعكس، يستطيع أن يصلي قائم ولا يستطيع أن يصلي قاعد، يمكن وإلا ما يمكن؟ إذا كان لا يستطيع القعود يمكن، فهل نقول: الذي لا يستطيع القعود مثل ما قلنا: الذي لا يستطيع القيام يقعد في موضع القيام، فالذي لا يستطيع القعود نقول: يقوم في موضع القعود مثله وإلا ما هو بمثله، شخص مصاب في دبره لا يستطيع القعود مثلاً، يقول: أنا لا أستطيع الصلاة إلى قائم أو مضطجع ماذا نقول له؟ الذي لا يستطيع القيام قلنا له: اجلس، صلِِّ قاعداً، نقول: يصلي على جنب لأن البديل عن القعود ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) نقول: في موضع القيام تقوم لأنك مستطيع، في موضع القعود غير مستطيع على جنب وهو البديل.(33/9)
((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) كيفية القعود، عرفنا فيما تقدم أن القعود في موضعه من الصلاة الغالب فيه الافتراش، يفترش اليسرى وينصب اليمنى، هذا بين السجدتين وفي التشهد الأول، ويتورك في التشهد الثاني، الذي لا يستطيع القيام يتورك وإلا يفترش أو يتربع؟ الآن النص الذي عندنا يدل على إيش؟ القعود، والقعود يشمل جميع الهيئات، المفترش يقال له: قاعد، المتورك يقال له: قاعد، المتربع يقال له: قاعد، ولذا يجوز عند أهل العلم أن يفترش وأن يتورك وأن يتربع، لكن يخلتفون في الأفضل، فالأكثر على أنه يتربع في القعود البديل عن القيام، وأين يضع يديه إذا تربع في هذا القعود البديل عن القيام؟ يأتي بما يستطيع ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) يأتي بما يستطيع من هيئة الصلاة، يقبض يده اليسرى باليمنى ويضعهما على صدره، ((فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) لا يستطيع القيام ولا يستطيع القعود يصلي على جنبه الأيمن، إذا لم يستطع الصلاة على جنبه الأيمن بأن كان في جنبه الأيمن جروح وقروح وجنبه الأيسر سليم وظهره سليم يقال له: يصلي مستلقياً رجلاه إلى القبلة، بحيث يرفع الرأس فيستقبل به القبلة، إن لم يستطع الصلاة من قيام ولا قعود وعلى مضطجعاً، من أهل العلم يقول: خلاص استنفذ الفرص كلها الموجودة في الحديث فتسقط عنه الصلاة، ومنهم من يقول: يومئ إيماءً، إن استطاع أن يومئ برأسه وإلا فببصره أو ما يمكنه الإيماء به، ومنهم من يقول: يمر القرآن والأذكار على لسانه وقلبه، ويسقط عنه ما عدا ذلك مما لا يستطيعه، ومقتضى عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) أن الصلاة لا تسقط ما دام مناط التكليف وهو العقل موجود، فيأتي منها بما يستطيع، ولو لم يستطع القيام ولا القعود ولا الاستلقاء ولا على جنب ولا الإيماء أيضاً، يأتي بما يستطيعه من قراءة وذكر ولو كان ذلك بإمرار القراءة على القلب، وعرفنا أن من أهل العلم من يقول: إذا لم يستطع على جنب انتهت الفرص المتاحة، وما عدا ذلك يكون في حيز غير المشروع، المشروع للإنسان يصلي قائم إن لم يستطع فقاعد، إن لم يستطع فعلى جنب، وبعد ذلك ما في فرصة، وهذا(33/10)
قول معروف عند أهل العلم.
لكن مقتضى عموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) قد يكون مستطيع القراءة مستطيع الأذكار، الأقوال المرتبطة بأفعال غير مستطاعة، تكبيرات الانتقال هو لا ينتقل من حالٍ إلى حال يكبر أو لا يكبر؟ هو يستطيع التكبير، الذي يستطيعه، يعني يكبر للاستفتاح، ثم يقرأ، ثم يكبر للركوع ولا ركوع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده ولا رفع، ثم يقول: الله أكبر ولا سجود وهكذا، أو نقول: هذه التكبيرات تابعة فتسقط؟ هناك القاعدة: من عجز عن بعض العبادة استطاع بعض المأمور به، وعجز عن البعض يأتي بما يستطيع إن كان المستطاع عبادة، أما إذا كان المستطاع إنما جيء به تبعاً لعبادة فإنه لا يؤتى به لأنه لا يراد لذاته.
فمثلاً يُذكر في هذه القاعدة: الأصلع الذي ليس على رأسه شعر في النسك ماذا يصنع؟ يعني هل مجرد إمرار الموس مقصود لذاته؟ أو إمراره لإزالة الشعر؟ لكن إزالة الشعر مأمور به، لكن إمرار الموس هل مقصود لذاته؟ شخص لا يستطيع الصلاة مع الجماعة لكنه يستطيع أن يصل إلى باب المسجد ويرجع، نقول: تصل باب المسجد وترجع تصلي في بيتك؟ يعني هل مجرد المشي إلى المسجد مقصود لذاته أو من أجل الصلاة؟ ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ إذا كان ما يستطيعه مقصود يأتي به، إذا كان ما يأتي به إنما وجد تبعاً لغيره لأمرٍ مقصود لا يؤتى به، إذا كان شخص لا يستطيع الحج فتبرع واحد يوصله إلى الميقات، نقول: تصل الميقات وترجع أو تصل إلى مكة ثم ترجع لأنك لا تستطيع الحج تستطيع الذهاب إلى هناك؟ يكلف بهذا؟ لا يكلف بهذا؛ لأن الذهاب إلى تلك الأماكن ليس مقصوداً لذاته، لكنه إذا اقتضته العبادة وتطلبته العبادة رتب عليه الأجر، ولذا الذهاب إلى المسجد فيه أجرٌ عظيم، لكنه لا يقصد لذاته.
وعلى كل حال كلٌ من القولين له ما يدل عليه أنه يأتي بما يستطيع، ولو كان دون الصلاة على جنب، يصلي بالإيماء للحديث الذي كررناه ((إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم)) والقراءة مقدورٌ عليها، الذكر مقدور عليه، الإيماء مقدور عليه، وحينئذٍ يكون التكبير للانتقال من باب الفصل بين الأركان، وإن لم يكن لها وجود في الظاهر.(33/11)
"وعن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمريض صلى على وسادة فرمى بها، وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) رواه البيهقي بسند قوي، ولكن صحح أبو حاتم وقفه".
هذا الحديث حديث جابر -رضي الله عنه- مختلفٌ في رفعه ووقفه، وله شواهد من حديث ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-، صححه بمجموعها بعض أهل العلم مرفوعاً، وصوب أبو حاتم وقفه، ولم يصححه مرفوعاً.
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لهذا المريض الذي صلى على وسادة لا يستطيع الوصول إلى الأرض، شخص أراد السجود لا يستطيع الوصول إلى الأرض، هل نقول: ضع مركاة من أجل أن تسجد عليها؟ أو افعل ما تستطيعه مما يقرب من السجود حسب القدرة والاستطاعة؟ شخص أجرى عملية في عينيه لا يستطيع أن يطأطئ رأسه، ماذا نقول له؟ يخفض رأسه بقدر الإمكان للركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع، لكن هل يلزمه أن يرفع شيئاً ليسجد عليه؟ وبعض العوام يسجد على يده، يجعل يده هكذا يسجد عليها، هذا أمر غير مشروع، ولذا رمى بالوسادة "صلى على وسادة فرمى بها، وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت)) {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] إن استطعت صلِ على الأرض كما هو الأصل ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) لكن لا تستطيع {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] رجل مقطوع اليد أو الرجل نقول: سجودك لا يصح لأنك ما سجدت على سبعة أعظم، سجدت على ستة {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة](33/12)
((صلِ على الأرض إن استطعت)) بهذا القيد ((وإلا فأومئ إيماء)) يعني بالركوع والسجود تومئ إيماءً، وهذا يظهر فيمن أجرى العملية بعينيه ينصحه الأطباء أن لا يسجد، بل ولا يركع، لا يسجد ولا يركع؛ لأن هذا يؤثر عليه، وإذا كان هذا العمل يتضرر به أو يتأخر برؤه بسببه فالشرع لا يكلفه ما يضره، وحينئذٍ يومئ فيجعل السجود أخفض من الركوع، ومثل هذا من أذن له بالصلاة في موضعٍ لا يتمكن فيه من الركوع التام والسجود التام، مثل من يصلي على الراحلة هل يتمكن من القيام؟ يتمكن من الركوع ممكن، لكن ليس على الهيئة التي جاءت صفتها عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والسجود لا سيما في البديل عن الراحلة في السيارة، يستطيع الإنسان أن يسجد سجود كامل، لا يستطيع والنافلة تصح على الراحلة ومثلها السيارة، فيجعل إيماءه بالسجود أخفض من الركوع.
"رواه البيهقي بسند قوي" وذكرنا أن له شواهد من حديث ابن عمر وابن عباس، ولذا صححه بعضهم مرفوعاً، وإن رجح أبو حاتم وقفه، وأبو حاتم -رحمه الله- هذه عادته، يعني يغلب عليه الشدة في الأحكام، فإذا تعارض عنده الوصل والإرسال الغالب أنه يحكم بالإرسال، وإذا تعارض عنده الوقف مع الرفع الغالب أنه يحكم بالوقف، فصححه جمعٌ من أهل العلم مرفوعاً.
باب: سجود السهو وغيره:
أحسن الله إليك:
باب: سجود السهو وغيره:
"عن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظر الناس تسليمه، كبر وهو جالس، وسجد سجدتين، قبل أن يسلم ثم سلم" أخرجه السبعة، وهذا لفظ البخاري.
وفي رواية لمسلم: "يكبر في كل سجدة وهو جالس، وسجد الناس معه مكان ما نسى من الجلوس".(33/13)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: سجود السهو وغيره" سجود السهو، السهو: الغفلة والنسيان، ومن يعرو من الخطأ والنسيان والغفلة، كل إنسان معرض، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما نسي وسها ليسن -عليه الصلاة والسلام-، ولولا أنه حصل منه ما حصل لما عرفنا كيف نفعل إذا سهونا في صلاتنا؟ فيوجد مثل هذا منه -عليه الصلاة والسلام- لا لنقصٍ فيه، نعم هو بشر ينسى كما ننسى، لكن يبقى أنه مقبلٌ على صلاته، يحصل له ويعرض له ما يعرض لنا ولغيرنا ولأمته من أجل أن يشرع ويسن، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد نام عن صلاة الصبح للتشريع، فـ (باب: سجود السهو وغيره) مما سيذكره المؤلف -رحمه الله تعالى- من سجود التلاوة، وسجود الشكر، يدخل في قوله: "وغيره" سجود التلاوة والشكر.(33/14)
"عن عبد الله بن بحينة" هو عبد الله بن مالك، بحينة اسم أمه، عبد الله بن مالك ابن بحينة وبحينة أمه، فإذا قلت: عبد الله بن مالك تقول: ابن بحينة وتثبت الألف قبل ابن بحينة، كما في عبد الله بن أبي ابن سلول تثبت الألف قبل ابن سلول، ويكون إعرابها إعراب الاسم الأول وليس إعراب الاسم الثاني؛ لأنها تابعة للأول لا للثاني كما هنا، فإذا قلت: عن عبد الله بنِ مالك بنِ بحينة، ما يختلف، لكن لو تقول: حدثنا عبد الله بنُ مالك ابنُ تبعاً لعبد الله ابن بحينة فبحينة أمه "-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر" في رواية عند مسلم: "العصر" وفي رواية: "إحدى صلاتي .. "، "صلى بهم الظهر"، "عن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم الظهر" من غير شك، هناك في حديث ذي اليدين "فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس" يعني لم يجلس للتشهد الأول، صلى ركعتين ثم قام إلى الثالثة من غير أن يجلس للتشهد الأول "فقام الناس معه" الناس في عهد تشريع، منهم الساهي المتابع من غير تذكر، ومنهم الذاكر لكن يظن أن التشهد الأول إما أنه ليس بواجب أو أنه نسخ وألغي هو في زمن التشريع "فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة -عليه الصلاة والسلام- وانتظر الناس تسليمه" يعني تشهد التشهد الأخير وفرغ منه، انتظروا التسليم "كبر وهو جالس" وما زال مستقبل القبلة "وسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم" هذه الصورة وهي صورة ترك واجب من واجبات الصلاة وهو التشهد الأول، وهذا الواجب تركه يجبر بالسجود، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذا لو ترك غير التشهد الأول من الواجبات، التكبير عند من يقول بوجوبه، قول: سمع الله لمن حمده لمن يقول بوجوبه يجبر بالسجود.(33/15)
"سجد قبل أن يسلم ثم سلم" أخرجه السبعة" والمراد بهم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد "وهذا لفظ البخاري" وفي رواية لمسلم: "يكبر في كل سجدة وهو جالس" ويسجد وهو جالس، "يكبر في كل سجدة وهو جالس" يحتاج إلى بيان أن يقال: "وهو جالس" كبر وهو جالس، يكبر وهو جالس، هو جالس للتشهد، وينتظرون سلامه -عليه الصلاة والسلام- فهل يحتاج إلى تنصيص؟ التنصيص في مثل هذه الحالة على الجلوس؟ هل يتصور أنه سوف يقوم ليسجد؟ قد يتصور بعض الناس أن هاتين السجدتين مثل سجدتي الصلاة، أولهما تكون من قيام إلى سجود، قد يتصور مع أنه بعيد، لكن قد يتصور بعض الناس ما دام سجدتين مثل سجدتي الصلاة، يقال فيهما ما يقال في سجود الصلاة، يكبر لهما في الخفض والركع، لماذا لا تكون الأولى من قيام مثل ما يسجد للصلاة؟ ولذا قال: كبر وهو جالس "يكبر في كل سجدة وهو جالس ويسجد الناس معه مكان ما نسي من الجلوس" يعني هذا السجود الذي فعله -عليه الصلاة والسلام- إنما جاء به جابراً لما نسي، جبراً للنقصان الذي حصل في صلاته من ترك التشهد.
التشهد الأول اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من قال: إنه سنة؛ لأنه لو كان واجباً لما صحت الصلاة بدونه، للزم العود إليه، ومنهم من قال بوجوبه، لكن الواجب ليس مثل الركن، الركن لا يقوم غيره مقامه، بينما الواجب يجبر بالسجود، والحجة في فعله -عليه الصلاة والسلام-.
ومثل هذا السجود لترك واجب إنما يكون قبل السلام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث سجد قبل السلام، ويأتي من الأحاديث ما يوافقه وما يعارضه، من الأحاديث التي نقلت في سجوده قبل السلام وبعده -عليه الصلاة والسلام-.
أحسن الله إليك:(33/16)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة، ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم-: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة? فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) قال: بلى، قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه، فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي رواية لمسلم: "صلاة العصر".
ولأبي داود فقال: ((أصدق ذو اليدين?)) فأومئوا: "أي نعم" وهي في الصحيحين، لكن بلفظ: "فقالوا"، وفي رواية له: "ولم يسجد حتى يقنه الله ذلك".(33/17)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" والعشي: ما بعد الزوال إلى غروب الشمس، وصلاتا العشي هما: الظهر والعصر، هما الواقعتان بين زوال الشمس وغروبها "إحدى صلاتي العشي" إما الظهر وإما العصر، كما في بعض الروايات، وجاء الجزم بأنها العصر في رواية عند مسلم "صلى إحدى صلاتي العشي" وهما رباعيتان "ركعتين" صلى الظهر أو العصر ركعتين "ثم سلم -عليه الصلاة والسلام-" لو لم يحصل مثل هذا منه -عليه الصلاة والسلام- كم يتحسر المسلم مما يعتريه من سهو؟ وكم يتقطع قلوب أهل الحرص أساً لما يعتريهم في صلواتهم من غفلةٍ وسهو؟ حصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمور: منها: أن تبين الأحكام من خلال هذه القضايا، ومنها: التسلية، الإنسان يسلي نفسه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سها، كما أنه يسلي نفسه بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح حتى أيقظه حر الشمس، لكن ليس معنى هذا أن يكون ديدن الإنسان السهو والغفلة، ولا يستحضر ولا يقبل على صلاته، أو ينام عن الصلوات ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- نام، لا، لكن إذا حصل في العمر مرة، مرات يسيرة مع الحرص الشديد، والاحتياط التام لأعظم العبادات يتسلى بذلك، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الرباعية ركعتين.
"ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها" في بعض الروايات: "فشبك بين أصابعه" فدل على أن التشبيك بعد الصلاة لا بأس به، بينما التشبيك قبل الصلاة مكروه؛ لأنه في صلاة ما دام الصلاة تحبسه "فوضع يده عليها وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" من شدة تعظيمهما له -عليه الصلاة والسلام- "هابا أن يكلماه، وخرج سُرعان الناس" سُرعان: بضم السين أو بفتحهما سَرَعان، وسُرْعان وسُرُعان الناس، وهم أهل العجلة، الذين يستعجلون في الخروج من المسجد ولكل قومٍ ورث، يوجد من الناس مجرد ما يسلم الإمام تجده في الأبواب، ((والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يؤذِ، وما لم يحدث)) ثم هذا الحرص على الخروج من المسجد إلى أين؟ إلى مشاكل الدنيا وأكدارها التي طبعت عليها.(33/18)
"خرج سرعان الناس فقالوا: " يتناجون فيما بينهم: "أقصرت الصلاة" يعني هل نزل تشريع جديد، تقصر الصلاة الرباعية في الحضر ركعتين، "وبين القوم رجل" في يديه طول "يدعوه النبي -عليه الصلاة والسلام- ذا اليدين" يلقبه بهذا، واللقب لا بأس به إذا لم يتضمن القدح في الملقب، ولو أشعر اللقب بذم لكن الذم غير مقصود، إنما هو لمجرد التعريف، فلقب سفيان بن عيينة بالأعور، وهناك عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وهناك سليمان بن مهران الأعمش وهكذا، لا يقصد شينه ولا عيبه إنما هو مجرد تعريف، ولذا لقب النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الرجل بذي اليدين لما في يديه من طول "فقال: يا رسول الله: أنسيت؟ " فسلمت عن نقص "أم قصرت" الصلاة؟ لأن الزمان زمان تشريع يحتمل هذا ويحتمل هذا "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-" بناءً على غلبة ظنه أو ليتأكد ((لم أنس ولم تقصر)) فقال: بلى، قد نسيت" لماذا؟ لأنه ضمن عدم القصر؛ لأن هذا شرع يكون بوحي، فإذا نفي بقي الثاني من قسمي التردد، والتردد بين القصر والنسيان، نفي القصر إذاً بقي النسيان "فقال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم" سلم، استقبل الناس، وقام إلى الخشبة وتكلم، كلموه وردوا عليه بناءً على أن الصلاة قد تمت، فمن جاء بما يبطل العبادة عند غلبة الظن أنها تمت لا يؤثر فيها كما هنا، فالكلام مبطل للصلاة، قيام واستدبار الكعبة، استدبار القبلة يبطل الصلاة، لو جزم أنه في صلاته، لكن بناءً على غلبة ظنه أن الصلاة قد انتهت، تكلم -عليه الصلاة والسلام-، وتكلموا معه، فلم يؤثر هذا في الصلاة، استقبل القبلة فسجد وصلى الركعتين، أتى بالركعتين "ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده" في الصلاة "أو أطول" وبعض الناس لا يهتم بهذا السجود، ينقر السجدتين نقر، ولذا قال: "ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر" يعني سجد سجدتين "فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر"، "ثم سلم" كما في بعض الروايات، وهذا الحديث "متفق عليه" جاء تعيين الصلاة في رواية مسلم وأنها العصر، وجاء في رواية أبي داود: ((أصدق ذو اليدين?)) فأومئوا" برؤوسهم أو بأيديهم: "أي نعم"، وفي الصحيحين: فقالوا: نعم" والقول كما يكون(33/19)
باللسان وهو الأصل يكون أيضاً بالفعل، بإمكانك أن تطأطئ فتقول: نعم بدون كلام، وفي حديث التيمم: "فقال بيديه هكذا" قال بيديه، إيش معنى قال بيديه؟ يعني ضرب بيديه الأرض "فأومئوا: أي نعم" وفي الصحيحين لكن بلفظ: "فقالوا" الأصل أن القول باللسان هذا الأصل، وقد يكون بالفعل كما سمعنا "وفي رواية له: "ولم يسجد حتى يقنه الله تعالى" يعني جزم بأن الصلاة ناقصة، لكن هذه الزيادة منكرة، يعني لو ثبتت لما عمل بغلبة الظن، كونهم قالوا له: نعم، هذا يورث عنده -عليه الصلاة والسلام- غلبة ظن، يعارض به ما عنده من شك، فيعمل بغلبة الظن، لكن قوله: "حتى يقنه الله تعالى" حتى يجزم، يقطع بأنه سلم عن نقص، ولذا حكم أهل العلم على هذه الزيادة بأنها منكرة.
حديث اليدين حديث عظيم، فيه فوائد كثيرة جداً، استوفاها أهل العلم في مصنفات مفردة، وفي شروح الكتب أفرد القاضي عياض لفوائده مجلداً، وأفاض ابن دقيق العيد في بيان فوائده وغيرهم، الحافظ ابن حجر أطال والعيني وغيرهم في شرح هذا الحديث، ففيه فوائد كثيرة جداً، لكن يهمنا منها ما يتعلق بالسهو، وهو أن من سلم عن نقص ثم جاء بهذا النقص فإنه يكون سجوده بعد السلام، وهناك ترك واجب يكون سجوده قبل السلام.
وبعضهم يطرد فيقول: السجود عن نقص قبل السلام، والسجود عن زيادة يكون بعد السلام، إيش معنى هذا الكلام؟ في حديث عبد الله بن بحينة النبي -عليه الصلاة والسلام- زاد وإلا نقص؟ نعم نقص، نقص التشهد الأول، في حديث ذي اليدين -حديث أبي هريرة- زاد وإلا نقص؟ زاد، إيش زاد؟ زاد السلام الأول، وزاد الكلام والقيام، كل هذه زيادات، فيكون السجود بعد السلام، ويطردون هذا، والسبب أن السجود قبل السلام إذا نقص من الصلاة يجبر هذا النقص بأن يزيد في الصلاة من جنس الصلاة ما يجبرها، والسجود إذا كان عن زيادة في الصلاة لئلا تتضمن الصلاة زيادات أكثر من زيادة يكون السجود بعد السلام، وبعضهم يرى أن سجود السهو قبل السلام مطلقاً، وأن مثل هذا الحديث وما جاء من الأحاديث من كونه -عليه الصلاة والسلام- سجد بعد السلام كله منسوخ.(33/20)
ومنهم من يطرد فيقول: السجود كله بعد السلام؛ لأن الخلل الذي وقع في الصلاة لا يزاد عليه زيادة أخرى، فتكون الصلاة بزيادتها أو نقصها ويفرغ منها، ثم تجبر بعد ذلك بعد السلام بسجودٍ يجبر هذا الخلل.
ومنهم من قال: تنزل النصوص منازلها، فأهل العلم يختلفون في هذا، منهم من يقول: السجود للسهو كله قبل السلام، وإلى هذا ميل الشافعية، ومنهم من يقول: كله بعد السلام، ومنهم من يفرق كالمالكية إن كان عن نقص فقبل السلام، وإن كان عن زيادة فبعد السلام، ومنهم من يقول: كله قبل السلام إلا في صورتين: إذا سلم عن نقص، وإذا بنى على غالب ظنه يكون بعد السلام، وما عدا ذلك يكون كله قبل السلام، وهم يتفقون على أن من سجد للسهو قبل السلام في جميع الصور صلاته صحيحة، ومن سجد للسهو بعد السلام صلاته صحيحة، لكن الخلاف في الأفضل.
أحسن الله إليك:
"وعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه" بل قال في بعض النسخ: حسنٌ غريبٌ صحيح "والحاكم وصححه" المقصود بذلك أصل الحديث من غير قوله: "ثم تشهد" والتشهد شاذ، ذكر التشهد شاذ، يعني هذه اللفظة حكم عليها أهل العلم بالشذوذ لمخالفتها ما جاء في أحاديث السهو كلها، تشهد يعني بعد إيش؟ بعد سجود السهو "فسها فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم" فالتشهد بعد سجود السهو محكومٌ عليه بالشذوذ عند أهل العلم، فلا يشرع التشهد بعد سجود السهو لأنه زيادة في الصلاة، والصلاة التي حصل بها الخلل لا يضاف إليه خللٌ آخر، ولذا هذه اللفظة غير محفوظة عند أهل العلم، بل حكموا عليها بالشذوذ.
أحسن الله إليك:(33/21)
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً? فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماماً كانتا ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم".
حديث "أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته)) " الشك: هو الاحتمال المساوي، يعني على حد سواء من غير مرجح، خمسين بالمائة أنه صلى ركعتين، والخمسين الأخرى أنه صلى ثلاثاً، هذا مقتضى الشك، احتمال النقيض مع المساواة، لكن إن ترجح أحدهما فالراجح ظن والمرجوح وهم، فإذا شك قام من ركعة إلى أخرى لا يدري هي الثالثة أو الرابعة من غير مرجح على حدٍ سواء ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً? فليطرح الشك وليبن على ما استيقن)) والمتيقن هو الأقل؛ لأن ما زاد على الأقل مشكوك فيه، يعني إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاثاً، يقيناً صلى ركعتين والثالثة مشكوكٌ فيها، والأصل فيها العدم، إذاً يبني على ما استيقن، ويجعل العدد اثنتين.
وسبق لنا في كتاب الطهارة أنه إذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً ماذا يجعل؟ يبني على إيش؟ كم العدد؟ مثل ما هنا أو يبنِ على الأكثر؟ يعني مقتضى قولهم الحنابلة وغيرهم أنه يطرد مثل هذا: إذا شك هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً يجعلهما ثنتين ويزيد ثالثة، لكن هناك الوضع يختلف عما هنا، الوضع هناك في الطهارة يختلف عنه في الصلاة، في الطهارة إذا قلنا: يجعلهما اثنتين ويزيد ثالثة التردد بين الثلاث والأربع إذا زاد، والأربع سنة وإلا بدعة؟ بدعة، يعني يخرج بذلك إلى حيز البدعة، لكن لو قال: هن ثلاث، وهي في الحقيقة ثنتين، مثل ما لو نقص من الصلاة خلاص الوضوء صحيح، بل سنة أن يتوضأ مرتين مرتين، فإذا بنى على الأقل رجع إلى سنة، وإذا بنى على الأكثر احتمال أن يطلع إلى بدعة.(33/22)
بينما هنا إذا بنى على الأقل وزاد ثالثة الحل في الحديث يسجد سجدتين، إن طابق الواقع كانتا ترغيماً للشيطان، وإن كان قد زاد على ذلك شفعن له صلاته، لكن لو بنى على الأكثر وصار ثنتين، أو تردد هل هما اثنتين أو ثلاث؟ فقال: لا ثلاث، يكون نقص من الصلاة ستكون باطلة الصلاة، ليس مثل الوضوء ثنتين صحيحة أو سنة، هو في حيز المشروع، لا هنا في حيز البطلان لو بنى على الأكثر بخلاف الوضوء.
((إذا شك أحدكم في صلاته)) الصلاة مفرد مضاف فيعم جميع الصلوات ((فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك)) القدر الزائد المشكوك فيه يطرحه ((وليبنِ على ما استيقن)) المتيقن وهو الأقل، ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته)) يعني كأن الصلاة الرباعية إذا زيد فيها خامسة الأصل أن تقطع على شفع، لكن لو تردد في صلاة المغرب هل صلى ثنتين أو ثلاث؟ وجعلهما اثنتين وهي في الحقيقة ثلاث، ثم سجد سجدتين كما هنا، هل نقول: شفعن له صلاته أو أوترن له صلاته؟ لأن صلاة المغرب تقطع على وتر، يعني هل المطلوب في الصلوات كلها أن تقطع على شفع؟ أو أن المغرب تقطع على وتر؟ تقطع على وتر ثلاث، فإن كان صلى في الحقيقة ثلاث وزاد رابعة في المغرب ثم سجد السجدتين أوترن له صلاته؛ لأن المفترض فيها أن تقطع على وتر، بينما الرباعية والثنائية إذا شك وزاد صارت وتر لكن سجود السهو يشفع صلاته.(33/23)
وعندنا السهو وعموماً النسيان كما في القاعدة: ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني مثلاً: صلى الظهر خمس ناسياً، صلى خمس ومشي، جازم أنه أربع ولا سجد سهو ولا شيء، نقول: النسيان ينزل الموجود -الركعة الخامسة- منزلة المعدوم {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هذا النسيان نزل هذه الركعة الخامسة الموجودة منزلة المعدوم، لما عرف أن النسيان مرفوعٌ أثره عن هذه الأمة، لكنه لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني تذكر فيما بعد أنه صلى خمس، نقول: صلاتك صحيحة؛ لأن النسيان نزل الموجود منزلة المعدوم، هذه الركعة زائدة معفوٌ عنها، لكن لو تذكر فيما بعد أنه صلى الرباعية ثلاثاً يقال له: أعد، هل بإمكانه أن يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هذا نسيان وأثره معفوٌ عنه مثل من صلى خمس نقول: لا، النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني لو نسي أن يتوضأ وصلى بدون وضوء هل يمكن أن يقول: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] نقول: لا، توضأ وأعد الصلاة.
((فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى تماماً كانتا ترغيماً للشيطان)) لأن الشيطان هو الذي يوقع في مثل هذه الأمور، هو الذي يلبس على الإنسان؛ لأن الشيطان إذا أذن للصلاة ((إذا نودي للصلاة أدبر وله ضراط)) وفي رواية: ((حصاص)) ((فإذا فرغ من الأذان أقبل، فإذا ثوب للصلاة -أقيم لها- أدبر، فإذا فرغ من الإقامة أقبل)) ليشوش على المسلم صلاته، وليذكره بما نسيه، بما لم يذكر من قبل: اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا، ثم يستمر معه إلى آخر الصلاة، ثم لا يدري كم صلى؟ ففي هذا ترغيم للشيطان الذي همه أن يصرف الإنسان عن صلاته فلا يصلي بالكلية، إذا لم يتمكن من ذلك رضي أن ينقص أجره بقدر ما يستطيع هذا الشيطان، ولذا ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل.(33/24)
يذكر عن أبي حنيفة -رحمه الله- أن شخصاً جاءه وقال: إنه ترك مبلغاً من المال حفر له حفرة، ودفنه في الأرض وسافر مدة طويلة، لما رجع نسي مكانه، فقال له: صلِ، صلِ ركعتين، واحرص أن تقبل على هاتين الركعتين، لما كبر للصلاة .. ، وهل يتركه الشيطان إلى قرب انقضاء صلاته أو يخبره في أولها ليشغله عن بقيتها؟ في أولها ليشغله عن بقيتها.
لكن هل يُظن بالإمام أبي حنيفة -رحمه الله- أن يوجه إلى مثل هذا العمل؟ فيقول لمسلم: صلِ وأنت لا تقصد الصلاة من أجل هذا المال الذي نسيته، هذا منقول عن الإمام -رحمه الله-، لكن لا يُظن به أن يثبت، لا يُظن بالإمام أبي حنيفة أن يقول مثل هذا، أن يأمر شخص أن يصلي لا لقصد الثواب ولا لذات الصلاة، وإنما من أجل أن يتذكر ما نساه من أمور دنياه.
((وإن كان صلى تماماً)) طابق الواقع، إذا بنى على الأقل، وقد صلى الأقل ثم أكمل وطابق الواقع ((كانتا -هاتان الركعتان- ترغيماً للشيطان)).
هذا يقول: إذا فاتتني صلاة الظهر وصحيت على صلاة العصر وأقام في المسجد صلاة العصر فماذا أفعل؟
تصلي الظهر لأن الترتيب واجب.
يقول: هل يمنع من دخول الجنة إذا قرأ المصلي آية الكرسي بعد الصلاة الذي ارتكب كبيرة وتاب منها؟
التوبة تجب ما قبلها، تهدم ما كان قبلها.
يقول: هل يمنع من دخول الجنة إذا قرأ المصلي آية الكرسي بعد الصلاة للذي ارتكب كبيرة وتاب منها؟
التوبة تهدم ما كان قبلها، تجب ما قبلها، والتائب من الذنب إذا توافرت شروط التوبة كمن لا ذنب له، بل التائب توبة نصوح إذا تاب وعمل عملاً صالحاً من بعد الذنب تبدل سيئاته حسنات.
وهل التوبة من الكبائر تحمي العبد من عذاب القبر المترتب؟
نعم، تجب أثر المعصية.
يقول: ما حد المشقة التي تبيح الصلاة المفروضة جالساً؟
إذا كان لا يستطيع القيام، إذا كان يترتب على قيامه ضرر، إذا كان إذا قام يصاب بدوخة مثلاً، يخشى أن يسقط، أو يغلب على ظنه أنه يسقط فيتضرر.
كيف يصلي من لا يستطيع أن يثني إحدى ركبتيه؟
في حال القيام لا أثر، حال الركوع لا أثر، في حال السجود يمد رجله، في حال الجلوس يمد رجله، يأتي بما يستطيع.
كيف يصلي من لا يستطيع أن يثني إحدى ركبتيه، وقد أجرى عملية في إحدى عينيه؟(33/25)
مثل ما ذكرنا، يأتي بما يستطيع.
يقول: كنت في الحرم المكي في رمضان ولم أستطع السجود في أحد الصلوات المفروضة وذلك للزحام، وكان أمامي رجل فوضعت رأسي على ظهره؟
صحيح، صلاتك صحيحة.
يقول: هل هذا صحيح؟
نعم.
وإذا كان أمامي امرأة وذلك للزحام فماذا .. ؟
إذا كان أمامك امرأة لا تصلِّ.
قال الحافظ: "ولكن صحح أبو حاتم وقفه" هل المراد بأبي حاتم ابن حبان أم الرازي؟
هو الرازي.
إذا كان المصلي في الطائرة في مكان لا يستطيع في القيام قياماً تاماً أي أنه سيبقى راكعاً في ... فهل في هذه الحالة يصلي راكعاً أو قاعداً؟
البديل عن القيام القعود.
المريض الذي يشق عليه القيام لكنه يستطيع بمشقة فهل له قعود في الفريضة؟ وهل أجره كامل؟
المشقة تقدر بقدرها، إذا بلغت به المشقة بحيث يتضرر بها أجره كامل -إن شاء الله تعالى-.
إذا جلس الإمام جلسة الاستراحة فإن المأمومين سيسبقونه للقيام؟
لا يكبر إلا مع القيام، يجلس هذه الجلسة من غير تكبير ثم يكبر إذا شرع في القيام للركعة، وحينئذٍ لا يسبقونه.
يقول: هل الشك في حديث أبي سعيد على ما احتمل أمرين لا مرجح لأحدهما على الآخر، أليس حملاً لألفاظ الشارع على اصطلاحات المتأخرين؟ ويكون الشك في النصوص الشرعية المحتملة مطلقاً؟
هذا الأصل في الشك، لكن غلبة الظن إذا قلنا: إن المراد بالشك غلبة الظن فغالب أحكام الشرع محمولة على غلبة الظن، فالشك شيء وغلبة الظن شيء آخر، غالب الأحكام محمولة على غلبة الظن.
شخص إذا جلس شق عليه الوقوف، ويستغرق منه الوقت الطويل، وإذا قام شق عليه الجلوس ويستغرق منه الوقت الطويل فأيهم أفضل له الجلوس أم القيام؟
يقوم في حال القيام، ويجلس في حال الجلوس، وما يدركه مع الإمام يدركه، وما يفوته من غير تفريط يأتي به.
يقول: هل يستدل بحديث اليدين على جواز الكلام أثناء الصلاة لمصلحة الصلاة؟
نعم، أهل العلم استدلوا به لأنهم تكلموا في داخل الصلاة لمصلحتها.
يقول: هل من نصيحة للإخوة الطلاب الذين نسمع أصوات الجوالات تنبعث منهم أثناء الدرس؟(33/26)
نعم، لا شك أن .. ، أقول: استعمال مثل هذه الآلات في أوقات العبادات تشغل، لا سيما المصلي، والذي يحضر الدرس بحاجة إلى فراغ بال، فبقدر ما تشغله عنه يكون حكمها، فإن شغلته عن واجب حرمت، وإن شغلته عن مستحب كرهت وهكذا، هذا إذا كانت الأصوات غير محرمة، أما إذا كانت نغمات موسيقية فأهل العلم يفتون بتحريمها، فالمقصود أن على طالب العلم أن يحرص على هذا، لا يشغل نفسه، ولا يكون سبباً في انشغال غيره.
يقول: هل لسجود السهو ذكر مخصوص؟
يسبح كما يسبح في سجود الصلاة، يشمله ما يشمل سجود الصلاة من نصوص ((اجعلوها في سجودكم)) يعني: "سبحان ربي الأعلى" فهذا الذكر شامل لسجود الصلاة وسجود السهو، بعضهم يستحسن -وهذا من باب الاستحسان- "سبحان من لا يسهو، سبحان من لا يغفل" هذا لا أثر له، لا دليل عليه.
مؤذن في أكثر الأحيان يوكل ابنه الصغير في الأذان ثم يأتي هو في وقت الإقامة ويقيم فهل فعله هذا جائز؟
إذا كان يتقاضى عليه راتب لا يجوز، بل عليه أن يؤدي العمل بنفسه، إذا كان محتسباً متطوعاً وطرأ له ما طرأ ثم وكل الصغير مع قيام الحجة بغيره من المؤذنين فلا بأس، وإلا فالأصل أن المؤذن يشترط أن يكون مكلفاً.
يقول: هل -هذا كتب- الهكر حرام، وفسر: هو اختراق المواقع والأجهزة، وكشف ما فيها، وقد يعلن للناس عن طريق الشبكة؟
على كل حال التعدي على حقوق الآخرين من غير إذنهم -لا سيما إذا كان هذا يضر بهم- لا يجوز، فالضرر تجب إزالته، لكن إن كان هذا التعدي من أجل إزالة منكر فهذا ضربٌ من أضرب إنكار المنكر، ونوعٌ من أنواعه، وهو إنكارٌ للمنكر باليد، إذا كان هناك مواقع تبث الشر، تشكك الناس في دينهم، مواقع إباحية واستطاع الإنسان أن يشوش عليها أو يفسدها جزاه الله خير، لكن إذا كان يسطو على حقوق الآخرين ويعتدي عليها بما يضرهم هذا لا يجوز له ذلك.
إذا دخل الإنسان مع الإمام وهو في الركعة الثانية ثم زاد الإمام ركعة، هل أسلم معه أم أكمل ركعة وأسلم؟(33/27)
إذا عرفت أن هذه الركعة زائدة في صلاة الإمام فإنه لا يجوز لك أن تتابعه عليها؛ لأنها ركعة باطلة، فعليك أن تجلس أو تنوي الانفراد، وتكمل صلاتك بنفسك، لكن لا يجوز لك أن تتابع الإمام على هذه الركعة التي زادها.
هذا -يقول- يريد نصيحة للإخوان بالمسارعة والمحافظة على تكبيرة الإحرام، حيث إنه يرى في هذا الدرس ما يقارب ثلاثة صفوف متأخرين، إما بركعة أو اثنتين أو ثلاث فهل هذا يليق بطلاب العلم؟
هو لا يليق بطلاب العلم، لكن على كل حال على طالب العلم أن يحرص على إدراك تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام خيرٌ من الدنيا وما فيها، فمن يعدل بمثل هذا الخير العظيم بحطام الدنيا كلها، إذا كانت تكبيرة الإحرام خيرٌ من الدنيا وما فيها، وجاء الحث على إدراك تكبيرة الإحرام أربعين ((من لم تفته تكبيرة الإحرام أربعين كتابة له براءتان)) والحديث فيه كلام لأهل العلم، لكنه مع ذلك ينبغي لطالب العلم أن يحرص، وفي سير السلف الصالح ممن مضى معه أربعين سنة ما فاتته تكبيرة الإحرام، يعني يتصور في مثل حالنا أن يوجد مثل هذا مع ما نعيشه من صوارف، وما يشغلنا من مشغلات وملهيات، الله المستعان.
مع الأسف الشديد أن العوام أحرص على الخير من كثير من طلاب العلم، نعم قد يقول قائل: إن العوام ما اطلعوا على أقوال، ولا اطلعوا على خلافات، ولا يفرقون بين مندوب وواجب، وهذا يجعلهم يحرصون على كل شيء، بينما طلاب العلم يفرقون بين الواجب والمندوب، والمندوب لا يترتب على فعله إثم، فهو على التراخي، لا، طالب العلم ينبغي أن يكون أحرص من غيره؛ لأنه بلغه من النصوص ومن الحجج ما لم يبلغ العوام.
يقول: شخصٌ كان يصلي أحياناً ويترك أحياناً فهل يجب عليه القضاء الآن؟ علماً بأن هذا الشخص قد تاب وأصبح يداوم على الصلاة في المسجد؟
إذا كان ما تركه من الصلوات محصور ومعروف وقضاؤه لا يشق فالأولى كما هو قول جماهير أهل العلم أن يقضي ما ترك، وإذا كان كثيراً أو لا يحيط به، أو يشق عليه قضاؤه ومن باب ترغيبه في التوبة فالتوبة تجب ما قبلها.(33/28)
هذه تقول: معلمة في إحدى المدارس أحياناً أحضر مبكرة جداً يكون ذلك قبل الساعة السادسة صباحاً، وأثناء التوقيع لا أسجل الوقت الذي حضرت به، ولكن أؤخره قليلاً وهذا لا يضر، يعني لا يضر بصاحب المدرسة، ولا يعرقل حركة التدريس، ولا يعيق فهم الطلاب، فهل هذا من خيانة الأمانة والكذب؟
يعني مطلوب التوقيع الساعة كم؟ الساعة سبع؟ كم التوقيع؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه تحضر قبل الدرس بساعة، يعني إذا وقعت في السابعة مثلاً وقد حضرت في السادسة هي موجودة في السابعة ما خالفت الواقع، الإشكال لو حضرت في الثامنة ووقعت في السابعة هذا الكذب، الكذب الفعلي، لكن حضر في السادسة ووقع في السابعة هو موجود في السابعة، ما زاد على الحقيقية فلا شيء في ذلك، إن كان هذا المقصود مما فهمته من السؤال.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك رسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(33/29)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (20)
تابع: شرح: باب: سجود السهو وغيره
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت كذا وكذا، قال: فثنى رجليه ثم استقبل القبلة، فسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) متفق عليه. وفي رواية للبخاري: ((فليتم ثم يسلم ثم يسجد)) ولمسلم: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام" ولأحمد وأبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن جعفر مرفوعاً: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)) وصححه ابن خزيمة".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:(34/1)
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب سجود السهو: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ " لأنه صلى مع شيء من الزيادة أو النقص، فسئل عن ذلك ولم ينبهوه أثناء الصلاة إلا بعد أن سلم "فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ قال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت كذا وكذا" لم يبين الخلل الذي وقع في الصلاة بسبب النسيان والسهو "قال: فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم" يعني بعد أن سلم السلام الأول سجد سجدتين "ثم سلم، ثم أقبل" على الناس "بوجهه -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به)) وهذا من البيان اللازم الذي أداه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما أمر، بلغ البلاغ المبين، ولا يؤخر البيان -عليه الصلاة والسلام- عن وقت حاجته، لو حدث في الصلاة تغيير زيادة أو نقص بكمية أو كيفية نبأهم به -عليه الصلاة والسلام-، ((إنه لو حدث في الصلاة شيء نبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر)) هو بشر -عليه الصلاة والسلام- ينتابه ما ينتاب البشر، مع أنه معصوم -عليه الصلاة والسلام-، ثم بين وجه المثلية بينه -عليه الصلاة والسلام- وبينهم فقال: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى مثلكم أنسى كما تنسون))، جاء في الحديث الصحيح: ((لا تقولوا: نَسِيت آية كذا وكذا ولكن نُسِّيت)) وهنا يقول: ((أنسى كما تنسون)) يعني هل هذا من ذاك أنسَّى كما تنسَّون؟ أو ذاك خاص بالقرآن؟ يعني لا تقول: نسِيت آية كذا وكذا قل: نسِّيت أو أنسيت، لا تنسب النسيان إلى نفسك بالنسبة للقرآن، أما في غير القرآن فانسبه لنفسك، لماذا؟ النهي صريح بالنسبة للقرآن؛ ولئلا يدخل الإنسان إذا نسب النسيان لنفسه في القرآن في قوله -جل وعلا-: و {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طه] لكن فيما عدا القرآن قل: نسيت، وأنت محل للنسيان.(34/2)
ولذا قال: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون)) ونسيانه -عليه الصلاة والسلام- من أجل التشريع، وهذا من رحمة الله -جل وعلا- بالأمة, ((فإذا نسيتُ فذكروني)) ليترتب على هذا النسيان التعليم والبيان بالفعل إضافةً إلى البيان بالقول، فإذا تضافر القول مع الفعل ثبت العلم ورسخ، وإلا بالإمكان أن يشرح النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الأمور بقوله -عليه الصلاة والسلام- دون أن يقع له شيء من النسيان، لكن ليتضافر التعليم بالقول والفعل تسلية للأمة، وبعض أهل العلم -وإن كان الجمهور على خلافه- يقرر أن الذي ينسى ويسهو في صلاته أكمل ممن لا ينسى ولا يسهو {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(5) سورة الماعون] ولم يقل: الذين هم في صلاتهم ساهون، لماذا صار الذي يسهو في صلاته أكمل من الذي لا يسهو عند هؤلاء؟ وإلا لا شك أن السهو نقص يعتري الإنسان وليس بكمال، لكن بما يبرر ويعلل من يقول: إن الذي يسهو أكمل من الذي لا يسهو؟ يعني كونه حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- قضايا أربع أو خمس قضايا سها فيها في صلاته هل يعني هذا أن هذه هي القاعدة المطردة أو أن هذا خلاف الأصل؟ هذا خلاف الأصل؛ لما أشرنا إليه، لكن يبقى أن الذي يسهو في صلاته والذي لا يسهو الأكثر على أن الذي لا يسهو في صلاته هذا دليلٌ على أنه أقبل على صلاته، وأحضر قلبه في صلاته، لكن حجة من يفضل الذي يسهو على الذي لا يسهو أنه قد أقبل على لب الصلاة وترك ظاهر الصلاة، يعني الذي لا يسهو ضبط الأركان، ضبط الركوع والقيام والقعود وعدد الركعات وكذا، لكن هل يعني هذا أنه ضبط ما يقرأه وما يجري على لسانه من ذكر؟ واستشعر استشعاراً تاماً أنه بين يدي الله -عز وجل- فغفل عن ظاهر الصلاة؟ ترى المسألة فيها شيء من الدقة يا الإخوان.(34/3)
الجمهور على أن الذي يضبط صلاته ولا يسهو بصلاته، ويقبل على صلاته بقلبه وقالبه، ويتقن ظاهرها وباطنها أكمل بلا شك، لكن من يقول: إن الذي لا يسهو في صلاته أكمل وأفضل يقول: إن الذي لا يسهو في صلاته اهتم لظاهر الصلاة، اهتم للأعداد؛ لأنه لو اهتم للبها، وأقبل على ما يقرأه، وما يجري على لسانه من ذكر بقلبه لا بد وأن يغفل عن ظاهر الصلاة، لكن لا يمنع أن الإنسان يكون أكمل هذا كله، أن يضبط ظاهر الصلاة وباطن الصلاة لا يمنع، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس في مثل هذا القول تسلية لمن يدخل بجسمه في الصلاة دون أن يحضر قلبه في شيء منها؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، ليس له من صلاته إلا ما عقل، قد يخرج من الصلاة وليس له من صلاته شيء، ومع ذلكم لا يؤمر بإعادتها؛ لأنه جاء بها بشروطها وأركانها، لكنه ما عقل منها شيء ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) فالذي لا يسهو في صلاته ويضبط صلاته ظاهراً وباطناً أكمل وأشمل بلا شك، والذي يعتني بظاهر الصلاة ويضبط عدد الركعات ويغفل عن محتوى الصلاة ولب الصلاة هذا نقص بلا شك، بل هو نقص أشد ممن يقبل على صلاته بقلبه وينسى ظاهرها، وليس هذا من علم من يفرق بين الظاهر والباطن، لا، هما متلازمان في الأصل، لكن لا شك أن ما يتعلق بالقلب أولى مما يتعلق بالجوارح، لا سيما إذا لم يكن المتعلق بالجوراح من الأركان.
ظهرت المسألة وإلا ما ظهرت؟ لأن فيها شيء من الخفاء، فيها شيء من الدقة، كيف يقول قائل: إن الذي يسهو في صلاته أكمل؟ يقول: ما سها في صلاته وزاد ونقص إلا لانشغاله بلب الصلاة، والذي ينشغل بشيء لا بد أن يكون على حساب شيء، فإذا انشغل بظاهر الصلاة وفي الغالب أن الذي ينشغل بظاهر الصلاة بحيث لا يزيد فيها ولا ينقص مع انصرافه عن باطنها أن في إخلاصه شيء، قد يكون إمام ويلاحظ المأمومين أكثر من ملاحظته لمن وقف بين يديه، ألا يمكن أن يوجد مثل هذا؟ يوجد.
وعلى كل حال على الإنسان أن يقبل ويتمثل أنه بين يدي الله -عز وجل-، فيقبل على صلاته مخبتاً منيباً إلى الله -عز وجل-، يستحضر ما يفعل وما يقول.(34/4)
((فإذا نسيت فذكروني)) يدل على أن المأموم عليه أن ينبه الإمام إذا حصل في صلاته خلل، ويفتح عليه إذا أخطأ، إذا أخطأ في القراءة يفتح عليه، خلافاً لابن حزم الذي يقول: يتركه، وإذا أخطأ في شيء من الصلاة يسبح، والمرأة تصفق كما جاء التوجيه النبوي بذلك.
وهذا سؤال يقول: يدخل الإنسان في الصلاة ومع شروع الإمام في قراءة الفاتحة يقف على خطأ في الحركات، أو زيادة حرف مد، فكيف يصنع؟
على كل حال إن كانت هذه الزيادة وهذه المخالفة مما يخل بالمعنى وبالفاتحة على وجه الخصوص يترتب عليه إبطال الصلاة عليه أن ينفصل ويترك هذا الإمام.
فكيف يصنع؟ وهل لو كان الانفراد يسبب نوعاً من الصخب في المسجد؟
نعم عليه أن يتركه ولو سبب ما سبب، ما دام الخلل يحيل المعنى في الفاتحة التي هي ركن من أركان الصلاة، عليه أن ينسحب ويصلي منفرداً.
يقول: هل له أن يتركه أو يستمر في الصلاة ثم يعيدها؟
كيف يستمر في صلاةٍ يرى بطلانها، لا عليه أن ينسحب، ثم بعد ذلك ينبه الإمام، لكن لو نبه الإمام أثناء الصلاة، فأخطأ رد عليه في الصلاة، إذا كان الخطأ يحيل المعنى.
((فإذا نسيت فذكروني)) يذكر بالتسبيح بالنسبة للرجل، والتصفيق بالنسبة للمرأة، وماذا عن الخنثى يسبح وإلا يصفق؟ المقصود المشكل الذي لم يتبين أمره لا رجل ولا أثنى، يصفق هل هو امرأة يصفق؟ أو يسبح وليس برجل؟ ... نشوف شكله الظاهر، هو ما يدري، أمره مشكل له ذكر وآلته أنثى، أو يترك الإمام بدون .... ؟
طالب:. . . . . . . . .
بينهم بينهم الخناثى، بين الرجال والنساء.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إذا كان صوته فيه فتنة يصفق وإلا .. ؟ على كل حال الحديث المفصل: ((يسبح الرجال، ويصفق النساء)) لعل الخنثى يدخل في عموم ((من نابه شيء في صلاته فليسبح)) هذا نابه شيء في صلاته، ما الذي أخرج المرأة أخرجها النص، ما الذي يخرج الخنثى من هذا؟ من عموم ((من نابه))؟ ما فيه ما يخرج، فهو داخل في عموم ((من نابه)).(34/5)
((فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب)) إذا شك يعني على حد سواء يتحرى الصواب، فيبني على غالب ظنه، يبني على غالب ظنه إن وجد غالب الظن، وإلا فليبنِ على الأقل؛ لأنه متيقن، لكن قد يقول قائل: هل أقتدي بمن بجواري إذا كنت مسبوق؟ مسبوق لا أدري كم فاتني ركعتين، لكن ما أدري أنا صليت ركعة وإلا ركعتين؟ أقتدي بمن بجواري الذي دخل معي المسجد وفاته مثل ما فاتني؟ نعم هذا مرجح لفعله تحصل غلبة ظن، وحينئذٍ إذا فعلت ذلك فعليك أن تسجد بعد السلام.
((وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: ((فليتم ثم يسلم ثم يسجد)) يعني ليكون سجوده بعد السلام "ولمسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام" في حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين ما يشهد لذلك، أنه سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام.
وسبقت الإشارة إلى الخلاف في موضع سجود السهو، وأن من أهل العلم من يقول: إن جميع السجود للسهو بعد السلام، ومنهم من يقول: إن جميعه قبل السلام، وأن ما جاء من السجود بعد السلام كله منسوخ، كما يومئ إليه كلام الشافعي -رحمه الله-، ومنهم من يقول: هو بالخيار لأن النصوص جاءت بهذا وهذا، ولا يمكن ضبطها واندراجها وتقليدها، فالمصلي مخير إن شاء قبل السلام وإن شاء بعده، ومنهم من يقول: هو قبل السلام وما جاء من الصور بعده يقتصر عليها، وعلى كل حال الأمر فيه سعة.(34/6)
ثم قال -رحمه الله-: "ولأحمد وأبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن جعفر مرفوعاً: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)) هذا حديث خرجه الإمام أحمد وأبو داود ومن ذكر بسند ضعيف، سنده ضعيف ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)) شك في صلاته، كيف شك في صلاته؟ إذا شك في صلاته هل صلى ثلاث أو اثنتين فيبني على الأقل ويسجد حينئذٍ، إذا شك في صلاته شك هذا الشك يشمل جميع أجزاء الصلاة ما يسجد له وما لا يسجد له، إذا شك في شيء لا سجود له، شك في الإتيان بسنة مثلاً هل يسجد أو لا يسجد؟ لا يسجد، عوم الحديث هنا: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)) هذا فيه ما فيه؛ لأنه ليس كل أجزاء الصلاة يسجد لها، ولذا ضعف الحديث عند أهل العلم.
أحسن الله إليك:
"وعن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شك أحدكم فقام في الركعتين فاستتم قائماً فليمض وليسجد سجدتين، فإن لم يستتم قائماً فليجلس ولا سهو عليه)) رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني، واللفظ له بسند ضعيف".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شك أحدكم فقام في الركعتين)) هل هذا شك؟ ((إذا شك أحدكم فقام في الركعتين)) يعني إذا ترك التشهد الأول ((فقام في الركعتين)) بعد أن صلى ركعتين ترك التشهد الأول فقام فهذا شك، هل هذا شك أو ترك؟ ما هو بشك، سجد السجدة الثانية من الركعة الثانية فقام ((فقام في الركعتين فاستتم قائماً)) ولذلك يقولون: سجود السهو إنما يشرع لزيادة ونقصٍ وشك، هذا نقص وليس بشك ((إذا شك أحدكم فقام في الركعتين فاستتم قائماً فليمضِ)) أو نقول: إنه في أثناء سجوده شك هل هي الأولى أو الثانية؟ ثم قام تاركاً التشهد الأول بناءً على شكه السابق يحتمل ((فقام في الركعتين فستتم قائماً فليمضِ)) ولا يعود ((وليسجد سجدتين، فإن لم يستتم قائماً فليجلس ولا سهو عليه)) رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني، واللفظ له بسند ضعيف" بل ضعيف جداً؛ لأن مداره على جابر الجعفي، على جابر الجعفي وهو ضعيفٌ جداً.(34/7)
الألباني -رحمه الله تعالى- صححه للشواهد، لكنه لا يصل إلى درجة القبول، أبو داود -رحمه الله- يقول في سننه: إنه لم يخرج لجابر الجعفي في غير هذا الموضع، وجابر الجعفي معروف وضعه، ضعيف جداً، فالحديث ضعيف.
على كل حال، لكن مقتضاه أن من ترك التشهد الأول ترك التشهد الأول استتم قائماً إن شرع في القراءة له حكم، إن لم يشرع في القراءة له حكم، إن لم يستتم قائماً له حكم، إن شرع في القراءة حرم الرجوع، إذا استتم قائماً ولم يشرع في القراءة يكره الرجوع، إذا لم يستتم قائماً يلزمه الرجوع.
((فليمضِ)) ولا يعود ((وليسجد سجدتين، فإذا لم يستتم قائماً فليجلس ولا سهو عليه)) يعني مجرد الحركة اليسيرة، حركة يسيرة في الصلاة مجرد انتقال يسير ثم يعود إلى الجلوس، يقول: مقتضى الحديث أنه لا سهو عليه ولا يسجد، وإنما السجود لترك التشهد لا للانتقال فقط، هذا مقتضى الحديث وعرفنا ضعفه، ومن أهل العلم من يقول: إذا كان الحديث ضعيف بهذه المثابة لا يتكلف اعتباره، ولا يبين معناه، وجوده مثل عدمه، لكن لا يمنع أنه يبين معناه ويبين ما يدل عليه، ومع ذلك ينبه على ضعفه، وأنه لا يستنبط منه حكم، لكن على فرض ثبوته وعلى فرض فيما لو ثبت فيما يوجد له من شواهد.
أحسن الله إليك:
"وعن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه)) رواه البزار والبيهقي بسند ضعيف".
يقول: "رواه الترمذي والبيهقي بسندٍ ضعيف" هو لا يوجد في الترمذي، عزوه للترمذي وهم، وهل هذا العزو من الحافظ أو من النساخ؟ احتمال؛ لأن شمس الحق في تعليقه على الدارقطني قال: رواه البزار والبيهقي كما في بلوغ المرام، فدل على أن الخطأ في العزو من دون الحافظ، يعني من النساخ.
وعلى كل حال إغفال ما يوجد في أكثر النسخ خلل في التحقيق، وكون الحديث لا يوجد عند الترمذي لا يعني أن المؤلف لا يهم، وقد مر بنا من أوهامه شيء، وسيأتي كذلك أشياء، وعلى هذا ينبغي أن ينبه المحقق إلى الخطأ، ويذكر الصواب في الحاشية، ويترك الكتاب على ما هو عليه.(34/8)
نعم له وجه هنا أنه في بعض النسخ دون بعض، ويعتمد على ما شاء من النسخ له وجه، لكن كونه لا ينبه على أن بعض النسخ فيها الترمذي، والشارح مضى على هذا وهو خطأ، الحديث لا يوجد في الترمذي، وليس عدم وجود الحديث في المصدر الذي أحيل إليه مبرر لأن يحكم بالخطأ، قد يوجد في بعض الروايات عند الترمذي دون بعض، وهل المحقق اطلع على جميع الروايات؟ لا أعني أنه يوجد في باب دون باب عند الترمذي، الكتب تروى بروايات متعددة، كم من حديث ينسب إلى البخاري وهو في رواية كذا دون رواية كذا، ثم يجزم المحقق أنه وهم، لا ليس بوهم، مثله مسلم وأبو داود توجد في رواية ابن داسا ولا توجد عند ابن العبد، توجد عند اللؤلؤي ولا توجد عند غيره.
المقصود على من يتصدى لتحقيق الكتب أن يتلزم الأمانة، وأن يترك الكتاب كما هو ويعلق عليه؛ لأنه قد يتبادر إلى ذهنه شيء يراه صواباً وهو في الحقيقة ليس بصواب، يزداد الأمر سوءً إذا لم يشر إلى اللفظ المخالف، وكم من موضع صُحح الموضع الذي في الحاشية، وصار أصوب وأرجح مما أثبته المحقق، لكن الأمر سهل إذا أثبت في الحاشية فرق، لكن إذا حذف الفروق وأهملها، وألزم الناس بفهمه هذه مشكلة، هذه يترتب عليها مسخ للكتب، تصرف في كتب الناس، هذا خلاف الأمانة، هذه خيانة، ولو رآه وهماً خطأً لا يجزم به.
يقول: "وعن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها الإمام فعليه وعلى من خلفه)) إذا سها الإمام يسجد ويسجد من خلفه، سها الإمام فترك واجب والمأموم ما ترك هذا الواجب يلزمه أن يتابع الإمام، المأموم ترك واجب والإمام ما ترك الواجب يتابع الإمام، هذا أمر مقرر عند أهل العلم، وليس على المأموم سهو فيما تركه إن لم يكن مما يبطل الصلاة، إن ترك ركن فلا بد أن يأتي به، إن شك في ترك ركن فكتركه، لكن إذا ترك واجب يتحمله الإمام وليس عليه سهو، وإن قالت الهادوية أنه يسجد ما له علاقة بالإمام، إذا سها المأموم يسجد ولو لم يسهُ إمامه، ولكن جماهير أهل العلم على خلافه.
والحديث ضعيف، الحديث ضعيف؛ لأن مداره على خارجة بن مصعب وهو ضعيف عند أهل العلم.
نعم الحديث الذي يليه:(34/9)
"وعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لكل سهو سجدتان بعدما يسلم)) رواه أبو داود وابن ماجه بسند ضعيف".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ثوبان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لكل سهو سجدتان بعدما يسلم)) لكل سهو سجدتان "رواه أبو داود وابن ماجه بسند ضعيف" في إسناده إسماعيل بن عياش، فيه مقال لأهل العلم، لكن روايته عن أهل بلده صحيحة، وهذا من روايته عن أهل بلده، فتضعيف الحديث بسببه فيه نظر، لكن الحديث ضعف بسبب غيره، في إسناده أيضاً: زهير بن سالم العنسي وهو منكر الحديث، ومع ذلكم لم يسمع من ثوبان، فالحديث على كل حال ضعيف.
ومقتضى الحديث لو ثبت أن لكل سهو سجدتان، الظاهر منه أن سجود السهو يتكرر بتكرر السهو، سها مرة يسجد سجدتين، سها مرتين يسجد أربع، سها ثلاث يسجد ست، هذا مقتضى الحديث، لكن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سجدنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الإنشقاق] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] رواه مسلم".
هذا من أحاديث سجود التلاوة، وأحاديث سجود التلاوة تشملها الترجمة؛ لأن المؤلف -رحمه الله تعالى- قال: "باب: سجود السهو وغيره" يدخل في ذلك سجود التلاوة وسجود الشكر على ما سيأتي، ومقتضى إدخال سجود التلاوة وسجود الشكر في أبواب الصلاة أنه يسجد للتلاوة داخل الصلاة، وأنه يسجد للشكر عند تجدد النعم داخل الصلاة، وسجدة (ص) سجدة شكر على ما سيأتي، فتسجد داخل الصلاة، هذا مقتضى صنيع المؤلف وكثير من أهل العلم، وإن قال بعضهم: إن سجود الشكر لا يسجد في الصلاة؛ لأن وقته واسع، عند تجدد النعم يسجد لكن خارج الصلاة، أمره أوسع من سجود التلاوة؛ لأن التلاوة قد تكون في الصلاة، وهي سنة تفوت، وسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة وخارج الصلاة.(34/10)
يقول -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سجدنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الإنشقاق] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] رواه مسلم" سجود التلاوة سنة عند الجمهور، وأوجبه أبو حنيفة، وإليه ميل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، الوجوب، والقرآن فيه سجدات اختلف في عددها أهل العلم، مجموعها خمس عشرة سجدة: في الأعراف في أول موضع، ثم الرعد، ثم النحل، ثم الإسراء، ثم مريم، ثم الحج اثنتان، ثم الفرقان، ثم النمل، ثم {ألم} السجدة، ثم بعد ذلك ص، ثم {حم} السجدة، ثم النجم، ثم الانشقاق، ثم اقرأ، خمس عشرة سجدة، في الحج منها سجدتان على ما سيأتي.
هذه الخمس عشرة قال جمعٌ من أهل العلم بأنها كلها عزائم تسجد، أخرج بعضهم سجدة (ص) فقال: سجدة شكر وليست من عزائم السجود كما سيأتي، فيبقى سجود التلاوة في أربعة عشر موضعاً، وأخرج بعضهم السجدة الأولى من سورة الحج، وأخرج مالك سجدات المفصل الثلاث، وحديث الباب يرد على من يخرج سجدات المفصل؛ لأن هاتين السجدتين في الفصل، المفصل كما هو معلوم يبدأ بالسُبع الأخير من القرآن، المفصل من (ق) يبدأ، تقسيم السلف للقرآن إلى أسباع: ثلاث، ثم خمس، ثم سبع، ثم تسع، ثم إحدى عشرة، ثم ثلاثة عشرة، ثم المفصل، هذا تسبيع القرآن عند أهل العلم، وهذا يعتني به من يقرأ القرآن في سبع، كيف ثلاث؟ البقرة، آل عمران، النساء، خمسة أجزاء، ثم خمس: المائدة، الأنعام، الأعراف، الأنفال، التوبة، السبع الثاني، ثم سبع: تنتهي بالنحل، ثم تسع: تنتهي بالفرقان، ثم إحدى عشرة، ثم ثلاث عشرة، إلى يس، ثم إلى (ق) ثم إلى آخر القرآن، هذا التسبيع عند أهل العلم.
حزب المفصل الذي هو نصيب آخر يوم في الأسبوع فيه ثلاث سجدات، يبدأ من (ق)، وبعضهم يقول من الحجرات، لكن الأكثر على أنه من (ق) هذا الحزب فيه ثلاث سجدات، سجدة النجم، {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}.(34/11)
الحديث هذا الذي معنا وهو مخرجٌ في مسلم يرد على من يخرج سجدات المفصل كالمالكية، فالسجود في المفصل مشروع كغيره من سجدات القرآن، وعرفنا أن سجود التلاوة سنة عند الجمهور، وأوجبه أبو حنيفة، وهل هو صلاة يطلب له ويشترط له ما يشترط للصلوات أو لا؟ فيدخل في حديث: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ؟ )) يشترط له سترة؟ يشترط له استقبال؟ يفتتح بالتكبير يختتم بالتسليم؟ هذا قول معتبر عند أهل العلم.
لكن من أهل العلم يقول: إن السجدة المفردة ليست بصلاة، فلا يشترط لها ما يشترط للصلاة، وقد نقل الإمام البخاري عن ابن عمر أنه ينزل من راحلته فيقضي حاجته ثم يركب، فيقرأ القرآن ويسجد على غير طهارة، فدل على أن شروط الصلاة لا تشترط بالسجدة المفردة، وهل يسجد للتلاوة في أوقات النهي؟ الذي يقول: ليس بصلاة يقول: يسجد، يسجد في أوقات النهي؛ لأنه ليس بصلاة، فلا يشترط له ما يشترط للصلاة، ولا يمنع في أوقات النهي كما تمنع الصلاة؛ لأنه ليس بصلاة، لكن هاهنا دقيقة وهي أن الصلاة إنما منعت في أوقات النهي لماذا؟ لأن الكفار عند طلوع الشمس وعند غروبها يسجدون، فمنعنا من الصلاة؛ لئلا نسجد في هذا الوقت، فلماذا لا يمنع السجود في وقت النهي؟ يعني أجزاء الصلاة ليست بصلاة، أجزاء الصلاة ركعة مفردة ليست بصلاة، سجدة مفردة ليست بصلاة، قيام مفرد ليس .. ، تلاوة مفردة ليست .. ، تسبيح ليس بصلاة، تكبير مفرد ليس بصلاة، هذا قول الأكثر الذين يقولون: ليس بصلاة، بل قول كثير من أهل العلم.
أما الذين يقولون: إن السجود صلاة فمنعنا من الصلاة من أجل السجود لأنه مشابهة للكفار، فلا يسجد في وقت النهي، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الآن نسجد وإلا ما نسجد؟ الذين قرروا أن سجود التلاوة ليس بصلاة ما في مشكلة عندهم يسجدون، كما يقرؤون القرآن في وقت النهي وهو جزء من الصلاة، كما يقف الإنسان وهو جزء من الصلاة، هو لا يقصد صلاة بهذا، فليس بصلاة.(34/12)
يعني هذه من الدقائق نظير منع المرأة من السعي الشديد بين العلمين في المسعى، نظيره، والسعي إنما شرع بسبب سعي امرأة، يعني بالنسبة لنا اقتداؤنا بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أنه سعى سعياً شديداً، هذا ما فيه إشكال، لكن إذا نظرنا إلى السبب والعلة كون امرأة سعت في هذا الموضع وتمنع المرأة من السعي، وهنا منعنا من الصلاة في أوقات النهي لئلا نسترسل فنصلي إلى أن نصادف الوقت الذي يسجد فيه المشركون للشمس أو للشيطان الذي. . . . . . . . .، للشمس، ويتمثل الشيطان مع طلوع الشمس ليصور أنهم يسجدون له، إذاً نسجد وقت النهي وإلا ما نسجد؟ هل نسجد باعتبار أننا منعنا من الصلاة لأن السجود لئلا نشابه المشركين الذين يسجدون للشمس أو لا نسجد لأن السجود بمفرده ليس بصلاة؟ وثابت عن ابن عمر أنه يسجد من غير طهارة، لا تقل: إلى غير جهة الشمس، أنت لا تنظر إلى الشمس لا من قريب ولا بعيد، ولم تدر بخلدك الشمس، يعني ما دار في بالك أنك تسجد للشمس.
الكفار المجوس يعبدون النار، ولذا كره جمع من أهل العلم الصلاة إلى النار، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الكسوف مثلت له النار في قبلته، نعم الذي بيستشعر أنه بيسجد للنار أو يسجد إلى العصا المنصوب أو يسجد إلى السارية، ولذا جاء النهي عن الصمود للسارية لئلا يتصور أنه يسجد لها، الذي بيدور في نفسه هذا الإشكال لو صارت خلفه، أو في أي وقت لا يلزم أن يكون في وقت معين، لكن المسلم يسجد لله بلا شك، هو منع من الصلاة فنقف على هذا الحد، هو ممنوع من الصلاة في أوقات النهي كما تقرر، وبيناه مراراً.(34/13)
على كل حال الذي يقول: هو صلاة نحن ممنوعون من الصلاة، الذي يقول: سجود التلاوة صلاة نحن ممنوعون من الصلاة، الذي يقول: ليس بصلاة يسجد كيفما شاء، حتى لو سجد إلى غير القبلة، سجد بغير طهارة، سجد من غير سترة المهم يسجد، يعني مثل القراءة، القراءة جزء من الصلاة لكنه ليس بصلاة، القيام جزء من الصلاة لكنه ليس بصلاة، فيقرأ في وقت النهي، يقف في وقت النهي، ويش المانع؟ يعني في الوقتين المضيقين اللي هو وقت الطلوع ووقت ... ، نعم لو أمسك الإنسان في الأوقات المضيقة عن جميع ما يشمله مسمى الصلاة هذا الأصل، والله المستعان.
أحسن الله إليك:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها" رواه البخاري".
حديث "ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ص) ليست من عزائم السجود" يعني سجدة (ص) {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] خر راكعاً: المراد بالركوع هنا السجود، يأتي الركوع ويراد به السجود كما هنا، ويأتي السجود ويراد به الركوع ((من أدرك سجدةً من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) يقول الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، فيطلق الركوع كما هنا يراد به السجود والعكس، فالسجدة التي في سورة (ص) ليست من عزائم السجود، وإنما هي سجدة شكر.
جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسندٍ لا بأس به أنه قال: ((سجدها داود توبة، وسجدناها شكراً)) "وقد رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها" يسجد فيها شكراً لله -عز وجل-: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [(90) سورة الأنعام] نعم نحن مأمورون بالاقتداء بالأنبياء فيما لم يرد شرعنا بخلافه، وقد سجدها النبي -عليه الصلاة والسلام-، هي سجدة شكر، لكن هل تسجد في الصلاة أو لا تسجد؟ الحنابلة يبطلون الصلاة بها، إذا سجد سجدة (ص) داخل الصلاة تبطل الصلاة؛ لأن أمر الشكر واسع، لكنه في مثل هذه الصورة، يعني أمر الشكر عند تجدد نعمة واسع غير مرتبط بصلاة، بقراءة، بشيء، لكن هذه مرتبطة بقراءة أشبهت سجود التلاوة، ولهذا يرى جمع من أهل العلم أنها تسجد حتى في الصلاة سجدة (ص) وإن لم تكن من عزائم السجود(34/14)
نعم ترك السجود فيها أسهل من ترك السجود في غيرها، وإن كان الجميع سنة، فعزائم السجود آكد من مثل هذه السجدة التي هي سجدة شكر وليست من العزائم، عزائم السجود يعني المؤكدة السجدات المؤكدة التي هي للتلاوة.
أحسن الله إليك:
"وعنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بالنجم" رواه البخاري.
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم- النجم فلم يسجد فيها" متفق عليه".
يقول: "وعنه" أي عن ابن عباس صحابي الحديث السابق "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بالنجم" يعني السجدة التي في آخر سورة النجم، وهي من سجدات المفصل، وهي من العزائم عند الجمهور خلافاً للمالكية "سجد بالنجم" وسجد معه من حضر حتى من المشركين، فهذه السجدة من العزائم.
لكن السجود فيها ليس بواجب بدليل الحديث الذي يليه، حديث: "زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النجم فلم يسجد فيها" متفقٌ عليه" المستمع حكمه حكم القارئ عند أهل العلم، فيسجد المستمع لقراءة القارئ، إذا سجد القارئ يسجد المستمع، ومنهم من يشترط: أن تصح إمامة القارئ للمستمع؛ لأنه حينئذٍ إذا سجد لقراءته كأنه إمام، فيشترط له ما يشترط في الإمام.(34/15)
النبي -عليه الصلاة والسلام- سجد بسورة النجم، وسجدوا معه، استمعوا لقراءته فسجدوا، هنا زيد بن ثابت قال: "قرأتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النجم فلم يسجد فيها" لأن من يقرئ الناس القرآن -يلقن الناس القرآن- إذا كان يلقنهم سورة أو مقطع فيه سجدة، واحتاج إلى تكرار هذا المقطع، أحياناً يحتاج إلى تكراره عشر مرات من أجل أن يحفظه الطالب، هذه يحتاجها أهل الحلق، حلق التحفيظ، عنده طفل صغير يقرئه سورة، اقرأ مثلاً، إذا انتهت السورة يسجد وإلا ما يسجد؟ إذا كررها ثانية وثالثة وعاشرة يسجد وإلا ما يسجد؟ أو نقول: السجود إذا قصدت التلاوة مع قصد التعليم؟ يعني هل السجود للتلاوة لقصد التلاوة أو يشمل ذلك التعليم أيضاً؟ شخص يكرر مقطع ليحفظه، وبطيء الحفظ كرر المقطع مائة مرة، وفيه سجدة يسجد مائة مرة؟ أو لا يسجد أصلاً لأنه لم يقصد التلاوة وإنما قصد الحفظ؟ أو يسجد مرة واحدة وتكفيه؟ يسجد مرة واحدة، يعني المسبب لا يتكرر الدور بسببه، يعني لو تردد على المسجد عشر مرات في وقت واحد لا يصلي ركعتين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو الآن الكلام كله في السنية، لو لم يسجد ما أثم، لو لم يسجد لم يأثم عند الجمهور خلافاً لأبي حنيفة، عند أبي حنيفة يأثم، لكن الآن التلاوة غير مقصودة، هو أراد أن يقرئ هذا الطفل سورة {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الإنشقاق] أو {اقْرَأْ} [(1) سورة العلق] هذا الطفل من النوع البليد الذي لا يحفظ حتى يكرر مائة مرة، يقرأها عليه مائة مرة، أو يريد هو يحفظها بنفسه مقطع فيه سجدة فكرره مائة مرة يسجد مائة مرة أو يسجد مرة أو لا يسجد أصلاً؟
هنا يقول: "قرأت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النجم فلم يسجد فيها" هل نقول: إن مسألة الإقراء والقراءة والتعليم يختلف عن قصد التلاوة؟
طالب:. . . . . . . . .(34/16)
لا، المسألة افترضناها في شخص يقرأ بنية الحفظ بيحفظ أو التعليم يلقن يلقن تلقين، يعني لو سجد مرة واحدة تكفيه؟ نقول له: يسجد مرة واحدة وتكفيه، ويحصل ثواب سجدة التلاوة وتكفيه، في صحيح مسلم يقول: "كنت أقرأ على أبي في السدة، فإذا مررنا بآية سجدة سجد وسجدتُ معه"، أو ما يذكر هذا في برامج الذين يحفظون؛ لأنهم لا يذكرون إلا المرفوعات، وهنا نقول لطلاب العلم الذين يعتمدون على المختصرات، على طالب العلم أن يتولى الاختصار بنفسه؛ ليكون علمه بما حُذف كعلمه بما ذُكر، يتولى الاختصار بنفسه؛ لأن المختصر قد يحذف شيئاً أنت بأمس الحاجة إليه.
على كل حال القراءة بنية التعليم تختلف عن القراءة بنية التلاوة، لكن لو سجد مرة واحدة، وحصل الأجر المرتب على هذه السجدة، وخروجاً من خلاف من أوجب السجود كان أولى، لكنه لا يلزم بأن يسجد عدد القراءات، عدد التلاوات، لا؛ لأن بعض الناس يشق عليه أن يسجد مائة مرة، يمكن بعض الإخوان ما يتصور أن بعض الناس ما يحفظ إلا من مائة مرة {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} [(4) سورة الجمعة] بعض الناس يحفظ من مرة، وبعض الناس لا يحفظ إلا من .. ، وبعض الناس لا يحفظ البتة، لكن المشقة تجلب التيسير.
أحسن الله إليك:
"وعن خالد بن معدان قال: فضلت سورة الحج بسجدتين" رواه أبو داود في المراسيل.
ورواه أحمد والترمذي موصولاً من حديث عقبة بن عامر، وزاد: "فمن لم يسجدهما فلا يقرأها" وسنده ضعيف".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن خالد بن معدان -رضي الله عنه- قال: فضلت سورة الحج بسجدتين" رواه أبو داود في المراسيل" وهو موجود في سننه سنن أبي داود أيضاً، فالعدول عن السنن إلى المراسيل لا شك أنه نقص، يعني خلل في المنهجية في التخريج.
وهو أيضاً موجود وموصولاً عند أحمد والترمذي من حديث عقبة بن عامر "وزاد: فمن لم يسجدهما فلا يقرأها" وسنده ضعيف" مداره على ابن لهيعة، أعني حديث عقبة بن عامر، وأما ما جاء في المراسيل فهو مرسل، والمرسل من قسم الضعيف، المرسل ضعيف.
ورده جماهر النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ
وصاحب التمهيد عنهم نقله ... ومسلمٌ صدر الكتاب أصله(34/17)
فالمرسل ضعيف، والموصول أيضاً ضعيف؛ لأن مداره على ابن لهيعة، لكن هل نقول: موصول الذي فيه ابن لهيعة وضعفه ليس بشديد ابن لهيعة ليس بشديد الضعف هل يتقوى بالمرسل؟ هل يتقوى بالمرسل لأن ضعفه غير شديد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المرسل يتقوى، المرسل يتقوى، ينجبر الإرسال؛ لأن احتمال الساقط الذي يغلب على الظن أنه صحابي، وإن كان تابعياً فمن الكبار، وخالد بن معدان لقي سبعين رجلاً من الصحابة، فالإرسال في مثل هذه الصورة ضعفه أيضاً ليس بشديد.
احتج مالكٌ كذا النعمانُ ... به وتابعهما ودانوا
فإذا كان التابعي من كبار التابعين، ووجد ما يسنده من مرفوع متصل، أو مرسل آخر يرويه غير رجال المرسل الأول، أو يفتي به عوام أهل العلم، أو يشهد له قول صحابي، وكان المرسِل ثقة ولا يرسل إلا عن الثقات يقبله الشافعي وغيره، الذي هو أول من رد المراسيل، المقصود أن هذا بهذا يتقوى فيصل إلى درجة القبول، وعلى كل حال سورة الحج عند جمع من أهل العلم فضلت بالسجدتين.
أحسن الله إليك:
"وعن عمر -رضي الله عنه- قال: يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه" رواه البخاري.
وفيه: "أن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء" وهو في الموطأ".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمر -رضي الله عنه- قال: يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه" رواه البخاري" هذا فيه دليل على أن عمر -رضي الله عنه- لا يرى وجوب سجود التلاوة، من سجد فقد أصاب، يعني أحرز الأجر، واقتدى بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، وهذا حد المندوب، ما يثاب على فعله ولا يأثم ولا يعاقب تاركه.
"رواه البخاري، وفيه: "أن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء" يعني رده إلى المشيئة فدل على عدم وجوبه، يقول: "وهو في الموطأ" فما دام موكول إلى مشيئة الشخص إن شاء سجد وإن شاء لم يسجد فليس بواجب، نعم رتب عليه الثواب والإصابة.(34/18)
وعلى كل حال على المسلم أن يحرص على تحصيل الأجر والثواب، وأن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يفرط في مثل هذه الأمور بناءً على أنها سنن لا عقاب عليها، ونرى بعض الناس يصلي الفريضة ثم تقام الصلاة على الجنازة ولا يصلي، لماذا؟ يقول: فرض كفاية قام به من يكفي، فرض كفاية قام بها .. ، لكن الحرمان، كم فرط مثل هذا، وصلاة الجنازة على كل جنازة قيراط، فعلينا أن نحرص على اكتساب الحسنات، ولا نفرط في مثل هذه الأمور.
"فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه" نعم إذا عورض مثل هذا العلم الذي فيه الثواب بما هو أهم منه، أو انشغل عنه الإنسان لا بأس، معذور حينئذٍ يفاضل، لكن إذا كان لا معارض له عليه أن يحرص، فالدنيا مزرعة، مزرعة للآخرة، ألا يسرك أن يوجد في ميزانك زيادة حسنات، وكثرة ثواب من جراء فعلك لهذه المستحبات، وهذه الموازين التي يستعملها بعض الناس في أمور الدين، يقول: الفرائض وكفى، بركة {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [(17) سورة الحجرات] هذه منة، المنة لله -جل وعلا- أنه وفقك على أنك أسلمت، فالمنة لله -جل وعلا-، وأن وفقك لفعل الطاعات واكتساب الحسنات.
في أمور الدنيا تجد الإنسان يلهث وراء الحطام ليل نهار، هل هو يسعى لاكتساب القدر الواجب مما يلزمه ويلزم من يمونه، أو تجده يسعى جاداً ليل نهار في اكتساب ما يشغله عن دينه، ولو لم يكن بحاجته، بعض الناس يسعى لكسب الدنيا وعنده من الأموال ما يكفي لعشرة أجيال من ولده، ما يقول: خلاص يكفي الواجد، الموازين انتكست، يعني في أمور الدنيا ينظر إلى من هو دونه، يقول: الحمد لله نحن نصلي الفرائض ويكفي، في ناس ما يصلون بعد، يمن بعمله، لكن في أمور الدنيا لا، ينظر إلى من أعلى منه، الناس ملكوا وفعلوا وتركوا، قصور واستراحات ومزراع ونحن مساكين ما عندنا إلا .. ، مع أنه مأمور بأن ينظر إلى من هو دونه؛ لئلا يزدري نعمة الله عليه، والدنيا مهما طالت ليست بشيء بالنسبة للآخرة ((ركعتا الصبح خير من الدنيا وما فيها)). . . . . . . . . من الدنيا وما فيها.(34/19)
فعلى الإنسان في أمور دنياه أن ينظر إلى من هو دونه، أحرى أن يشكر ربه، وأن لا يزدري نعمة الله عليه، وأما في أمور الدين العكس، ما يقول: والله إحنا -الحمد لله- نصلي ونصوم والناس كلها ضالة، كلها ما تصلي، الكفار خمسة مليارات، يقول: كثير من المسلمين ما يصلوا إحنا -الحمد لله- نصلي، ما يكفي يا أخي، وما يدريك لعلك بتفريطك بهذه السنن واستخفافك بها يمكن تفتن في آخر عمرك، وتكون ممن عمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فلتكن لطالب العلم على وجه الخصوص معاملة مع ربه وصدق ليثبت، وليتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء ليُعرف في الشدة، وما يدريك أنك في يوم من الأيام تتمنى أن تتفتح المصحف ولا يتيسر لك، في يوم من الأيام وأن تتقلب الآن بنعم الله تتمنى أن تجد رصيف تنام عليه ما تجد، يعني هذا موجود في أقطار الدنيا كلها، لننعم بنعم الله لا نظير لها لا عند السابقين ولا عند المعاصرين، فعلينا أن نعنى بهذا الباب، نعم.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه" رواه أبو داود بسند فيه لين".
حديث "ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر" للسجود، ويكبر أيضاً مقتضى ذلك للرفع، التكبيرة الأولى للإحرام، والثانية للرفع، كان يكبر مع كل خفضٍ ورفع، "وسجد وسجدنا معه" لكن التكبير روايته مدارها على عبد الله بن عمر العمري المكبر وهو ضعيف عند أهل العلم، ولذا لفظ التكبير مضعف، وأما الحديث بدون تكبير فهو مرويٌ في الصحيحين من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، صحيح لا إشكال فيه، لكن المضعف لفظ: "كبر" قد تمسك بهذا جمع من أهل العلم، الحنابلة مثلاً يقولون: يكبر، يكبر للسجود ويكبر للرفع منه، ويسلم لأنه صلاة، يشترط لها ما يشترط للصلاة، تفتح بالتكبير، تختم بالتسليم، وهذا حد الصلاة.(34/20)
"كبر وسجد وسجدنا معه" رواه أبو داود بسند فيه لين" متى يكون السند فيه لين؟ يعني فيه ضعف يسير، وهو من رواية عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف عند أهل العلم، واللين ضعفٌ منجبر، لكنه يوجد ما يشهد للفظة: "كبر" ... يوجد ما يشهد للفظة: "كبر".
طالب:. . . . . . . . .
نعم بدون هذا اللفظ مروي من طريق عبيد الله المصغر، وهو ثقة عند أهل العلم عن نافع عن ابن عمر.
"يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه" دل على أن المستمع حكمه حكم القارئ بخلاف السامع الذي يسمع من غير قصد، فالمستمع الذي يقصد الاستماع والانتفاع، والسامع الذي يسمع يصل الكلام إلى سمعه من غير قصد، نعم.
أحسن الله إليك:
"وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجداً لله" رواه الخمسة إلا النسائي".
سجود التلاوة ماذا يقال فيه؟ يقال فيه ما يقال في سجود الصلاة؛ لعموم: ((اجعلوها في سجودكم)) وهذا سجود، يقال: سبحان ربي الأعلى، ويقول أيضاً ما ورد في السنن: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزرها، واجعلها لي عندك ذخراً)) هذا في السنن موجود، فيقول مثل هذا في السجود، في سجود التلاوة.
لما أنهى المؤلف -رحمه الله تعالى- أحاديث سجود التلاوة أردف ذلك بسجود الشكر، وهو أيضاً تشمله الترجمة؛ لأنه قال: "باب سجود السهو وغيره" يعني من سجود التلاوة والشكر.
يقول: "وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا جاءه خبر يسره خر ساجداً لله" والحديث صحيحٌ لغيره، مخرج عند "الخمسة إلا النسائي" أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد، فدل على مشروعية السجود عند تجدد النعم، ودليله هذا الحديث وما يليه من أحاديث "كان إذا جاءه خبرٌ يسره خر ساجداً لله" يخر من قيام إن كان وقفاً، ويسجد إن كان جالساً، وسجود الشكر مثل سجود التلاوة، الخلاف فيه هل هو صلاة أو ليس بصلاة الخلاف واحد؟ نعم.
أحسن الله إليك:(34/21)
"وعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطال السجود، ثم رفع رأسه وقال: ((إن جبريل آتاني فبشرني فسجدت لله شكراً)) رواه أحمد وصححه الحاكم".
الحديث هذا حديث عبد الرحمن بن عوف هو صحيح أيضاً هو شاهد لما قبله قال: "سجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطال السجود، ثم رفع رأسه فقال .. " مبيناً السبب في سجوده، وهكذا ينبغي لمن فعل فعلاً يظن أنه عبادة يبين السبب، يعني يأتي شخص ويسجد من غير مبرر، والناس يرون يبين لهم السبب؛ لئلا يظن بعض الحاضرين أن هناك عبادة، سجود مستقل لا لشكر ولا لتلاوة ولا لصلاة، الإنسان يسجد متى أراد متى شاء؟ السجود له سبب "فقال: ((إن جبريل آتاني فبشرني فسجدت لله شكراً)) جاء تفسير البشرى بأنه تعالى قال: ((من صلى عليك صلاةً صلى الله عليه بها عشراً)) اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد،
وأحاديث الحث على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيرة، فيها مصنفات، من أعظمها وأنفسها: (جلاء الأفهام -لابن القيم- في الصلاة والسلام على خير الأنام)، (الصلات والبُشَر في الصلاة على خير البشر) للفيروز أبادي، (القول البديع في الصلاة والسلام على الحبيب الشفيع) للسخاوي، مصنفات كثيرة في هذا الباب، والنصوص كثيرة، والأمر بالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- في القرآن، وسبقت الإشارة إليه، والأحاديث في الباب كثيرة، وجاء في الحديث: ((قل: آمين)) فقال: ((آمين)) ثلاثاً منها: ((من ذكرتَ عنده فلم يصلِ عليك فأبعده الله، قل: آمين)) قال: ((آمين)) ولا شك أن من يسمع ذكره -عليه الصلاة والسلام- ولا يصلي عليه -صلى الله عليه وسلم- لا شك أنه محروم، إذا صلى مرةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً، هذا حرمان، والحرمان لا نهاية له، بعض الناس يقرأ ويتجاوز، موجودة الصلاة على النبي مكتوبة ويتجاوزها، وبعض الناس يكتب ويمر عليه اسم النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يصلي عليه، هذا حرمان؛ لأنك لو كتبت وصليت وصلى من قرأ كتابتك أجرك عظيم، فلا يفرط في مثل هذا إلا محروم.(34/22)
((فبشرني فسجدت لله شكراً)) هذه نعمة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، فسجد شكراً لهذه النعمة، " رواه أحمد والحاكم وصححه" نعم.
أحسن الله إليك:
"وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علياً إلى اليمن .. فذكر الحديث، قال: فكتب علي -رضي الله عنه- بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً" رواه البيهقي، وأصله في البخاري".
"عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علياً إلى اليمن .. فذكر الحديث" في قصة طويلة "قال: فكتب علي بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً" النعم تشمل نعم الدين ونعم الدنيا، والنعم المتعلقة بالدين أعظم من نعم الدنيا بلا شك، فإذا بلغ الإنسان ما يسره في دينه من انتصار للمسلمين، أو هزيمة للكفار، أو دخول أقوامٍ في الإسلام، أو التزام بعض الأشرار، أو صدور قرار ينفع الإسلام والمسلمين مثل هذه يسجد لله شكراً، هذه نعمة.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما كتب له علي بإسلام أهل اليمن قرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خر ساجداً شكراً لله تعالى على ذلك، والحديث أصله في البخاري، واللفظ عند البيهقي.
وقد سجد كعب بن مالك لما أنزل الله توبته، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأحاديث في الباب كثيرةٌ جداً، فعلى المسلم أن يشكر الله -جل وعلا- عند تجدد النعم، ونعم الله لا تعد ولا تحصى، يتقلب المسلم في النعم ولا يلقي لها بالاً {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] لكن كما قال الله -جل وعلا-: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [(13) سورة سبأ] فليحرص الإنسان أن يكون من هذا القليل، فإذا تجددت عليه نعمة في أمر دينه أو في أمر دنياه يسجد لله -عز وجل-؛ لكي تتابع عليه النعم، ولا يكون من الذين بدلوا نعمة الله كفراً، ولا يلزم من الكفر الخروج من الإسلام لا، الكفر كفر النعمة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(34/23)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (21)
شرح: باب: صلاة التطوع
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبدأ ببعض الأسئلة حتى يكتمل العدد؛ لأن العدد ناقص.
هذا يقول: متى ينتهي وقت صلاة الظهر مع التحديد بالساعات؟ ومتى ينتهي وقت صلاة العشاء والمغرب؟ هل هناك فرق بين الإشراق والضحى؟ ومتى تصلى كلٌ منهما؟
وقت صلاة الظهر -وهي الصلاة الأولى- جاء بيانه في حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء أيضاً في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيح، وأنه يبدأ من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر من مصير ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس، ثم وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ووقت العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، يبقى وقت الصبح من طلوع الصبح إلى طلوع الشمس.
التحديد بالساعات يختلف من وقت إلى آخر، والتقويم يحدد بالساعات، على ما قيل في التقويم من عدم انضباط في بعض الأوقات، لكن هو في الجملة لا بأس به، الخلاف في كونه يتقدم الوقت قليلاً هذا موجود، لكن على كل حال العمل عليه، ومعتمد عند أهل العلم، لكن على الإنسان أن يتحرى لا سيما صلاة الصبح، يجعل بين الأذان والإقامة نصف ساعة لتكون صلاته بعد دخول الوقت بيقين.
يقول: هناك فرق بين الإشراق والضحى؟ ومتى تصلى كلٌ منها؟ إن كان هناك فرق؟(35/1)
أولاً: الإشراق: هو بزوغ الشمس، والذي في التقويم على البزوغ، لا على ارتفاع الشمس الذي تصلى فيه الركعتان إن صح الخبر فيمن صلى الصبح في جماعة وجلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس، فالصلاة لا تصلى إلا بعد ارتفاع الشمس، وحينئذٍ يدخل وقت الضحى، فالذي يجلس بعد صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس اقتداءً بفعله -عليه الصلاة والسلام-، ثبت عنه في الصحيح أنه كان يمكث في مصلاه حتى ترتفع الشمس، فإذا ارتفعت الشمس صلى ركعتي الضحى التي أوصى بهن النبي -عليه الصلاة والسلام- عدداً من أصحابه -رضوان الله عليهم-، وجاء الحث عليهما، فإذا جلس امتثل، اقتدى بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا صلى الركعتين سواءً ثبت الخبر أو لم يثبت، صلاة الضحى ثابتة، ووقتها قد دخل بارتفاع الشمس.
ما معنى: ((بين كل أذانين صلاة؟ )) هل يعني أن أصلي ركعتين بعد سماع الأذان؟
نعم بين الأذان والإقامة صلاة، وهي مندوبة.
يقول: إذا فاتتني صلاة الفجر هل أصليها إذا قمت أولاً ثم النافلة أو أصلي النافلة ثم الفرض؟
إذا فاتتك صلاة الفجر تبدأ بالنافلة ما لم تخشَ طلوع الشمس، إذا خشيت طلوع الشمس فاغتنم الوقت وصلِ الصلاة في وقتها أداءً ثم اقضِ النافلة.
ثم يقول: ما حكم صلاة تحية المسجد في وقت النهي؟
هذا بسطناه مراراً.
وما هي أوقات النهي؟
تقدم الكلام فيها بالتفصيل.
يقول: إذا استمعت إلى قارئ في إذاعة القرآن أو شريطٍ فمر القارئ بآية سجدة هل أسجد أم لا لعدم سجوده؟
لا، لا تسجد يا أخي.
يقول: أتيتُ وحضرت درساً بعد صلاة الفجر فدخلت المسجد وفي وقت النهي المغلظ، في وقت النهي المضيق قرب طلوع الشمس أو مع بزوغها .. ؟
لا تصلِ يا أخي، اجلس، أو انتظر حتى ترتفع ثم صلِ.
يقول: عنده سلس -سلس البول- حيث أنه يحس بعد الوضوء بأنه يخرج بقايا من البول، يقول: حيث أرجع إلى الحمام وألاحظ أحياناً بعض النقاط بارزة على رأس الذكر عند كل وضوء أغسل مقدمة السروال القريبة من الذكر هل طريقتي هذه صحيحة بغسل المحل عند كل وضوء؟(35/2)
على كل حال إذا كان هذا مستمر وهو سلسل كما ذكرت لا تلتفت إليه، انضح فرجك وسراويلك ثم لا تلتفت إليه، وهنا يكمن علاج مثل هذا المرض، ومثله الوسواس يقطع بمثل هذا.
يقول: ما حكم حفظ القرآن في مكتبي حيث أني معظم الوقت جالس بالمكتب دون عمل؟
نعم، إذا كان لا أثر له على العمل، إذا كنت جالس بدون عمل فكونك تشغل وقتك بالقرآن أو بالذكر أو بشيء ينفعك مطلوب.
هذا يريد شرح حديث أبي سعيد: ((إذا شك أحدكم في صلاته)) ما معناه؟ وما معنى: ((شفعن له صلاته؟ )) ((كانتا ترغيماً للشيطان))؟
هذا شُرح بالأمس، يعني إن كان قد زاد في صلاته فهاتان السجدتان اللذان يسجدهما للسهو يشفعن صلاته، إن كان صلى خمساً فبهاتين السجدتين يكون كأنه صلى ستاً وهكذا.
((ترغيماً للشيطان)) إلصاقاً لأنفه بالرغام وهو التراب.
يقول: اقترضت مالاً من البنك العقاري فهل يجب علي سداد القرض؟ لأن البعض يقول: إن هذا حقٌ لك أصلاً من الدولة؟
لا، يجب عليك سداد القرض، وأنت أقدمت على هذا على أنه قرض وليس بهبة، إنما هو قرض والمسلمون على شروطهم، ولا تدري ما نصيبك من بيت المال هل يزيد أو ينقص؟ فتكون قد تعديت على .. ، وأمراً ... وأيضاً تصريف أموال بيت المال بيد الإمام لا يجوز لأحد أن يتعدى عليه.
يقول: رجلٌ يعمل في بنك الراجحي ولم يجد عملاً غير ذلك فهل هذا يجوز؟
العمل في البنوك التي تزاول الربا من التعاون على الإثم والعدوان، لكن بنك الراجحي فيما نعلم لا يقصدون التعامل بالربا، قد يدخل عليهم شيء من غير قصد، ويتخلصون منه، وقد أفتوا بذلك.
هذا يسأل عن الشاهد والمتابع والمقطوع والمنقطع والمرسل والموصول والمسند والمسلسل، يعني على أبواب من أبواب المصطلح؟(35/3)
الشاهد: ما يأتي مما يشهد للحديث أو غيره طريق صحابيه من طريق صحابيٍ آخر، والمتابع: ما كان عن نفس الصحابي، والمقطوع: ما أضيف إلى التابعي، والمنقطع: ما سقط من أثناء إسناده راوٍ أو أكثر لا على التوالي، والمرسل: ما رفعه التابعي للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والموصول والمتصل: بمعنىً واحد ما رواه .. ، أو ما تحمله كل راوٍ من رواته عمن فوقه بطريق معتبر، بحيث لا يسقط من إسناده شيء، المسند: المرفوع عند قوم، وهو المتصل عند آخرين، والمسلسل: ما تتابع رواته على هيئةٍ أو صفةٍ فعلية أو قولية، بحيث يلتزمها جميع رواته يكون مسلسلاً.
في قوله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(17) سورة القمر] فهل الأصح أن نقول: هذه الآية صعبة أم أقول: هذه الآية صعبت علي؟
على كل حال القرآن يسر، يسره الله -جل وعلا-، لكن قد يرتكب الإنسان من الموانع مما يجعل القرآن صعباً عليه عقوبةً له، وإلا فالأصل في القرآن أنه ميسر.
يقول: أنا شابٌ عندي همة لحفظ القرآن الكريم ولكنني أجد في نفسي شيئاً من الرياء مثل أنني أفرح في داخل نفسي عندما أرد على الإمام فما الحل؟
جاهد، جاهد نفسك، جاهد ولا تترك، الترك ليس بعلاج، إنما جاهد نفسك لدفع الرياء.
يقول: وما الحل إذا كنت أنا أقرأ الموجودين في المسجد؟
على كل حال عليك أن تحمد ربك على هذه النعمة وتشكره، ولا تزدري الآخرين، فقد يكون شخص من عوام المسلمين لا يقرأ آيةٍ من القرآن وهو أفضل منك بكثير، لما وقر في قلبه من إيمان وتصديق، ولما عندك من إعجاب ورياء، فلا تغتر.
يقول: حدث نقاش حول مسألة الأخذ من اللحية وحديث القبضة والأخذ من اللحية على ما زاد؟
على كل حال المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كله يأمر بإعفائها وإكرامها وإرخائها، وكان -عليه الصلاة والسلام- كث اللحية، وترى لحيته من خلفه، وتعرف قراءته باضطراب لحيته، ولا يمكن أن يكون هذا مع القبضة، وما جاء من أخذ ما زاد على القبضة من فعل ابن عمر ثابت، وعن بعض الصحابة وبعض السلف، لكن هذه الأفعال لا تعارض بها الأحاديث المرفوعة، والتجربة أثبتت أن المقص إذا دخل اللحية أفناها شيئاً فشيئاً.(35/4)
يقول: ما حكم التورك في التشهد الثاني في الصلاة الثنائية كالفجر أو النافلة؟
الصلاة الثنائية هل فيها تشهد ثاني؟ ليس فيها تشهد ثاني، التشهد الثاني في الثلاثة والرباعية، أما الثنائية فليس فيها إلا تشهد واحد، والتورك في الثنائية كصلاة الصبح والنافلة يقول به المالكية؛ لأن التورك عندهم في كل تشهد، وإذا كان يعقبه سلام أيضاً يقول به الشافعية، أما المعروف عند الحنفية أنه لا تورك في الصلاة كله افتراش، وعند الحنابلة التفريق بين الأول والثاني، التشهد الأول افتراش والثاني تورك، وعليه يدل حديث أبي حميد.
باب: صلاة التطوع:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
"باب: صلاة التطوع:
عن ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سل)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أو غير ذلك؟ )) فقلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) رواه مسلم".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة التطوع" أي صلاة المسلم التطوع، وهو من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، وفاعله محذوف ويراد به المسلم والمسلمة.(35/5)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((سل)) وهذا له سبب، كان يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأحضر له وضوئه في ليلةٍ من الليالي، فقال له: ((سل)) مكافئة له على ذلك، لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحبه وخدمه، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكافئه فقاله له: ((سل)) "فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة" همة، همة عالية، ولو قيل للواحد منا: سل، ما سأل شيئاً من أمور الدين، إنما تنصرف همته إلى أمور الدنيا، والمرء حيث يضع نفسه، وحيث تسمو به همته أو تضعف، فهذه همم الصحابة يسألون الجنة "أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أو غير ذلك؟ )) يعني اسأل شيء ثاني. . . . . . . . . "قلت: هو ذاك" يعني لا حاجة لي بحطام الدنيا، ولا شك أن من عرف حقيقة الحال ما سأل غير ذلك؛ لأن الدنيا لا شيء بالنسبة للجنة ((موضع سوط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا)) والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة كما جاءت بذلك الأخبار.
ما الذي يساعد على دخول الجنة؟ وجهه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أمرٍ مهم يغفل عنه كثيرٌ من الناس "قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) هل معنى هذا أنه سجود مفرد؟ أو من باب التعبير بالجزء عن الكل، وإرادة الصلاة ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يعني بكثرة الصلاة، ومن هذا يؤخذ أنه لا عدد محدد للنوافل، لا في الليل ولا في النهار، وعمل سلف هذه الأمة عليه فحفظ عنهم العدد الكبير من الصلوات أثناء اليوم والليلة.
نعم، يذكر مبالغات لا يستوعبها الوقت، فذكر عن علي -رضي الله عنه- أنه يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، الوقت لا يستوعب، الوقت لا يستوعب ألف ركعة، ذكر عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- أنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، إذا اعتبرنا كل ركعة مجزئة بدقيقة فالثلاثمائة تحتاج إلى ست ساعات هذا ممكن.
الحافظ عبد الغني المقدسي يذكر عنه أنه بعد ارتفاع الشمس إلى الزوال ثلاثمائة ركعة بالفاتحة فقط.(35/6)
المقصود أن سلف هذه الأمة ضربوا بنصيبٍ وافر من كثرة النوافل، امتثالاً لمثل هذا التوجيه ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فالكثرة مطلوبة، والاستكثار من التعبد لا يدخل في حيز البدعة مهما كثرت، إذا جاء على وجهٍ مشروع، في الضحى مثلاً صليت عشر تسليمات عشرين تسليمة ثلاثين ما الذي يمنعك؟ بين العشاءين، بعد صلاة العشاء، بين صلاة الظهر والعصر، ما الذي يمنعك من الإكثار من الصلوات إذا لم يكن ذلك عائقاً بين مصالحك الدينية والدنيوية؟ ما هو أهم من ذلك من النفع المتعدي والأمور الواجبة، فالإكثار من التعبد ليس ببدعة امتثالاً لمثل هذا التوجيه، وعليه سلف هذه الأمة، ثبت عن عثمان -رضي الله عنه- أنه يقرأ القرآن في ركعة، من يقول: إن عثمان مبتدع، وثبت عنهم أنهم يصلون أعداد من الركعات، وهذا الحديث أصل في مثل هذه المسألة ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وجاء من حديث صحيح: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) يعني: القيام، المراد بالقنوت القيام، فهل الأفضل أن يطيل المصلي القيام ويطيل القراءة كما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى في ركعة بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، أطال القيام، يعني خمسة أجزاء في ركعة، كانت قراءته -عليه الصلاة والسلام- مد، ترتيل، ولا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ وهكذا.
فمتصور أن تكون هذه الركعة ساعتين مثلاً فهل الأفضل أن يطيل المصلي القيام أو يكثر السجود؟ يقصر القيام يعني بدلاً من أن يصلي تسليمة يصلي عشر تسليمات والوقت واحد؟ وقل مثل هذا في الأفضل: هل يقرأ في ساعة جزء واحد من القرآن أو خمسة أجزاء؟ ما الأفضل في الصلاة أن تطيل القيام والركوع والسجود مع تقليل العدد أو تكثر العدد مع تخفيف الكيفية؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، حديث الباب يدل على أن الكثرة أفضل، الكثرة أفضل ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وفعله -عليه الصلاة والسلام- حينما قام حتى تفطرت قدماه وقرأ الخمسة الأجزاء في ركعة {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [(2) سورة الملك] ما قال: أكثر، كل هذا يقتضي أن يكون إطالة القيام مع إطالة الركوع وإطالة السجود أفضل، وحديث الباب يدل على كثرة السجود.(35/7)
فهل نقول: إن كثرة السجود تليق بمثل هذا السائل بحال هذا السائل؟ كما أن التوجيه لكثرة السجود ويقصد به الإكثار من نوافل الصلاة يليق بهذا الشخص، ومن كان في حكمه من فقراء المسلمين، أو نقول: لو سأل شخص كما جاءت الأجوبة متنوعة في أفضل الأعمال، تختلف اختلاف الأشخاص، رجل عنده أموال وثروات يقول: أفضل الأعمال؟ نقول: البذل والإنفاق في سبيل الله؛ لأن هذا نفعه متعدي، وشخص في جسده قوة وجلد وصبر، نقول: الجهاد في سبيل الله، وشخص عنده ذكاء وتميز بالحفظ والفهم، نقول: العلم أفضل.
فهل هذا الحديث يتنزل على مثل هذا؟ ونقول: إن بعض الناس عنده صبر وجلد يصبر على قراءة خمسة أجزاء في ركعة وشخص ما يصبر، فمثل هذا يوجه إلى الطول وهذا يوجه إلى الكثرة، هذا توجيه حسن، وقال به بعض أهل العلم، كما أن التفاوت في القدر المقروء مع اتحاد الوقت يعني شخص يقرأ بساعة خمسة أجزاء، وآخر في الساعة يقرأ جزء واحد مع الترتيل والتدبر أيهما أفضل؟ نعم الجمهور على أن من يقرأ بالترتيل والتدبر ولو قلت قراءته أفضل، وبعضهم يقول: تحصيل أجر الحروف أولى لأنه محدد، كل حرف عشر حسنات، تقرأ خمسة أجزاء في ساعة خمسمائة ألف حسنة، نصف مليون حسنة، لكن لو قرأت جزء بالتدبر على الوجه المأمور به تحصل مائة ألف حسنة للحروف، لكن الأجر المرتب على القراءة على الوجه المأمور به أعظم، يعني كون الحسنات تضاعف لا يقابل الإصابة في العمل، الذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران، يتعتع في القرآن ويشق عليه له أجران، لكن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، أيهما أفضل؟ الماهر.
الذي صلى بالتيمم وأعاد الصلاة له أجران، والذي لم يعد الصلاة أصاب السنة، إصابة السنة أفضل من تكرار الأجر، وهنا نقول: إن من يقرأ على الوجه المأمور به ولو قلت قراءته أفضل ممن يكثر من قراءة الحروف مع الإخلال بما أمر به من ترتيل وتدبر.(35/8)
نعود إلى مسألتنا: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يستدل بهذا من يقول: إنه لا مانع من أن يزيد الشخص على ما جاء في النصوص من النوافل المحددة بالنصوص، الذي جاء في النصوص أربعين ركعة، النصوص المقيدة أربعين ركعة، كان شيخ الإسلام -رحمه الله- وهو في صدد رده على ابن المطهر الذي زعم أن علياً يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، قال: لو قلنا: إن الزيادة على الأربعين غير مشروعة لما بعد، لكن هذا الحديث يدل على أن الزيادة مطلوبة، حديث الباب يدل على أن الزيادة مطلوبة.
نعم جاءت الأربعين بالنصوص يعني محددة، الفرائض سبعة عشر ركعة، الوتر إحدى عشر، هذه ثمان وعشرين، الرواتب ثنتا عشرة هذه أربعون، هذه أربعون ركعة، لكن ألا يزاد أربع قبل العصر، وبين كل أذانين كل صلاة على ما سيأتي، يعني ليست حاصرة الأربعين، وفي الحديث: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصره به)) .. إلى آخر الحديث، فدل على أن الإكثار من العبادات مطلوب، لكن على ألا يعوق ما هو أهم منه، ما يجلس يتعبد يصلي الضحى ساعة ساعتين في وقت الدوام ويترك العمل المنوط به الواجب، لا، لكن صلاة ركعتين خفيفتين أثناء الدوام ما تعوق عن تحصيل العمل والمحافظة على السنة، ما تعوق -إن شاء الله-.
فالمسألة مسألة موازنة. . . . . . . . . ((وما تقرب إلى عبدي أحب إلي مما افترضته عليه)) الفرائض أهم، فعلى المسلم أن ينتبه لهذا الأمر، ويكثر ما دام في وقت المهلة، فإذا كان ديدنه في حال السعة، في حال الإقامة، في حال الصحة، في حال الشباب، في حال القوة والقدرة الإكثار من التعبد، إذا عجز عن ذلك يكتب له ما كان يعمله، لا يفرط في وقت السعة ثم إذا عجز عن ذلك فيما بعد قال: ليتني أفعل، ليتني فعلت، ما ينفع، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، يكون لك نصيب من التعبد، من المكث في المسجد، المسجد بيت كل تقي.
وخير مقامٍ قمت فيه وحليةٍ ... تحليتها ذكرُ الإله بمسجدِ(35/9)
فلا بد أن يروض المسلم لا سيما طالب العلم نفسه على هذا الأمر، كثيرٌ من الناس يجد المشقة الشديدة في مزاولة هذه الأعمال السهلة الميسرة، قراءة القرآن، الإكثار من النوافل، النفع المتعدي، بذل النفع للناس، وهذه الأمور يسيرة على من يسرها الله عليه، لا بد أن تري ربك من نفسك خيراً، يعني يوجد من يقرأ القرآن في سبع، ويكثر من النوافل، ويعين المحتاجين، ويساعد المضطرين، يزور المرضى، يزور المقابر، ويصل الأرحام، ويؤدي عمله المنوط به على أكمل وجه، يعني ما في تعارض، وبعض الناس تضيع أيامه بدون عمل، فعلينا أن نغتنم هذه الأنفاس وهذه الأوقات، والله المستعان.
أحسن الله إليك.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل الصبح" متفق عليه.
وفي رواية لهما: "وركعتين بعد الجمعة في بيته.
ولمسلم: "كان إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين".
حديث: "ابن عمر -رضي الله عنهما-" في بيان الرواتب، الرواتب التي يداوم عليها الإنسان "حفظت من النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر ركعات -يعني رواتب- ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته" كانوا يسمونها البيتية "وركعتين بعد العشاء في بيته" أيضاً، "وركعتين قبل الصبح" وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليهما في بيته، فكأن النوافل النهارية في المسجد، والليلية في البيت ((وأفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) فالنوافل كونها في البيت أفضل؛ لأنها أبعد عن رؤية الناس ومراءاتهم وملاحظتهم، وفيها أيضاً نفع لأهل البيت للاقتداء والائتساء، يتعلم النساء، يتعلم الصغار، يقتدون به، يقتفون أثره، وقبل ذلك يقتدي هو بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.(35/10)
"ركعتين قبل الظهر" يأتي في حديث أم المؤمنين أنها أربع ركعات، فكأن ابن عمر رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي هاتين الركعتين، وخفي عليه الركعتان الأخريان، فالرواتب ثنتا عشر ركعة، أربع قبل الظهر "وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته" والعصر لا راتبة لها، ويأتي الحث على أربع ركعات قبل العصر "وركعتين بعد المغرب في بيته" ثم بعد الركعتين نفل مطلق "وركعتين بعد العشاء في بيته" هذه تابعة للصلاة، لكن لو صلى بعد ذلك ما شاء بعد أن يصلي هاتين الركعتين له أن يصلي ما شاء من النوافل المطلقة "وركعتين قبل الصبح" وهما آكد الرواتب، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدعهما سفراً ولا حضراً مع الوتر.
"متفقٌ عليه، وفي رواية لهما: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" إذا صلى ركعتي الجمعة في البيت اقتصر على ركعتين، وإذا صلاها في المسجد صارت أربعاً، وبهذا تجتمع النصوص، فحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصلي بعد الجمعة أربعاً، وكان يصلي ركعتين، فحمل هذا على اختلاف المكان، فإذا صلى في المسجد صلى أربعاً بعد الجمعة، وإذا صلى في البيت صلى ركعتين.
"ولمسلم: كان إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين" لا يصلي إلا ركعتين؛ لأن الوقت وقت نهي، إذا طلع الفجر بدأ وقت النهي انقطع التنفل المطلق ولا صلاة إلا ركعتي الفجر، ومن صفة هاتين الركعتين أنهما خفيفتان، حتى قالت أم المؤمنين: لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ لتخفيف هاتين الركعتين؛ لأن هاتين الركعتين مع تأكدهما جاءتا في وقت نهي، وهما نفل، فهما على خلاف الأصل ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) وهذا يشمل ما قبل الصلاة وما بعدها، وجاء الاستثناء إلا ركعتي الصبح فهما مستثنيتين، والجمهور على هذا أن من صفة ركعتي الصبح الخفة، حتى جاءت المبالغة: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " وقال بعضهم: إنه لا يزيد على الفاتحة، لا يزيد على الفاتحة، والصواب على ما سيأتي أنه يزيد على الفاتحة سورتي الإخلاص.(35/11)
بعضهم يبدي -أو دلت بعض النصوص- على أن الفائدة من هذه الرواتب تكميل الفرائض، لا شك أن الإنسان في صلاة الفريضة قد يغفل، قد يسهو، وقد يحصل له خلل في صلاته تكمل من هذه الرواتب، وفي الحديث: ((انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكمل به الفريضة؟ )) فإذا كان يتطوع تكمل به الفريضة، لكن إذا كان لا يتطوع، يقتصر على الواجبات إذا حصل الخلل من أين يكمل له؟!
نعم جاء في حديث ضمام بن ثعلبة لما ذكر الصلوات الخمس قال: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) ثم ذكر له الصيام وبقية شرائع الإسلام، فأقسم ألا يزيد على ذلك ولا ينقص، لكن من يضمن لنا أن الإنسان لا ينقص عما افترض الله عليه، إذا ضمن فالنوافل زيادة فضل من الله -جل وعلا-، ورفعة درجات، لكن لا يترتب على تركها عقاب، لكن من يضمن أنه لا ينقص من هذه الفرائض، فعلى الإنسان أن يحرص، يرفو هذه الخروق وهذه الفتوق التي توجد في عباداته بالنوافل، والله المستعان.
أحسن الله إليك.
"وعن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة" رواه البخاري".
"وعن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر" هذه الراتبة القبلية، يدخل فيها -في الأربع- الركعتين الواردتين في حديث ابن عمر السابق، ولا يقال: أربع واثنتين يكون المجموع ست، فالراتبة القبلة أربع، والبعدية ركعتين، لكن إذا فاتت الراتبة القبلية متى يقضيها؟ جاء الإنسان لصلاة الظهر فوجد الصلاة قد أقيمت، يدخل مع الناس يصلي الفريضة، فتفوته الأربع الركعات التي هي قبل الصلاة، متى يقضي هذه الراتبة القبلية؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد الصلاة مباشرة، قبل البعدية وإلا بعدها؟ يصلي الفريضة مع الناس مع الجماعة، ثم يصلي الراتبة الركعتين البعدية، ثم بعد ذلك يأتي بالركعات الأربع القبلية قضاءً.
"وركعتين قبل الغداة" يعني قبل صلاة الصبح، كان لا يدع هذه الصلوات؛ لأنها رواتب، كما أنه لا يدع الرواتب الأخرى، وكان لا يدع ركعتي الصبح ولا الوتر سفراً ولا حضراً لتأكدها.(35/12)
"وعنها قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر" متفق عليه.
ولمسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
"وعنها" يعني عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- "قالت: لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر" أشرنا مراراً أنها تصلى سفراً وحضراً، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يواظب عليها في السفر والحضر ولا يخل بها، قد يخل .. ، قد يشغل أحياناً عن بعض النوافل فيقضيها، لكن ركعتا الفجر لا يخل بهما، بل يحرص عليهما أشد الحرص، وهما كالمقدمة للصلاة، النوافل البعدية عرفنا أنها مكملة للفريضة، والرواتب القبلية مهيئة للفريضة، يتهيأ الإنسان، يفرغ قلبه للفريضة التي هي المطلب الأصلي، فهذه النافلة تهيئ النفس للصلاة المشهودة صلاة الصبح.
"ولمسلم: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" يعني على ما جاء في وصفهما يمكن أن تؤدى ركعتا الفجر بدقيقتين، دقيقتين من العمر، لو قيل للإنسان ترضى بديل بهاتين الركعتين بألف ريال، يرضى وإلا ما يرضى؟ هما ركعتان بدقيقتين خيرٌ من الدنيا وما فيها، قد يتهاون الإنسان ويتساهل بالعمل وهو عند الله عظيم والدنيا كلها لا تسوى شيْ، ولا تعادل شيئاً بالنسبة لما يتعلق بالآخرة، ويقرب إلى الله -عز وجل-، لو قيل للشخص: هاتان الركعتان في دقيقتين بمليون ريال، الدنيا تحتوي على مليارات ما هي بمليون أو ملايين، لكن ركعتا الصبح في يوم واحد من الأيام خيرٌ من الدنيا وما فيها.(35/13)
يعني هل هذا الكلام مجرد خبر عاري عن الفائدة أو هو منبه للمسلم أن ينظر إلى حقائق الأمور وأن ينزل الأشياء منازلها؟ فالدنيا ليست بشيء، نعم على الإنسان أن يأخذ منها ما يعينه على أمور الآخرة {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] يعني الذي يعينك على اجتياز هذه المرحلة من السفر، الدنيا سفر، وحياة المرء كلها كمثل مسافر استظل تحت شجرة مدة إقامته بالنسبة لعمره لا شيء، والدنيا كلها بالنسبة للآخرة لا شيء، ومن أيسر الأمور أن يفرط الإنسان بهذه الأشياء التي جاء الحث عليها والترغيب فيها، نعم هذا شيء مشاهد، يجلس الإخوة من الأخيار الساعات من الليل ثم إذا بقي ساعة يجاهد نفسه هل يوتر أو لا يوتر؟ ثم تأتي له التأويلات، وإن كانت السهرة كما هو الغالب ليلة جمعة يأتيه الشيطان ويقول له: إن الجمعة لا تخص بقيام ولا نهارها بصيام، وينام ويترك الوتر، وإن كان بغير ليلة الجمعة يقول: المداومة على النوافل يشبهها بالفرائض أرتاح، كل هذه عقوبة لما فرط فيه من وقته، هذا شيء ملاحظ ومشاهد، من أثقل الأمور على النفس الوتر ما هو بالنسبة للنائم، بالنسبة للقائم الذي أضاع وقته في القيل والقال، وما يتعرض له الإنسان من صوارف وصواد عن العبادات السهلة الميسرة كلها عقوبات لما يرتكبه.
"وعن أم حبيبة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى اثنتا عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة)) رواه مسلم.
وفي رواية: ((تطوعاً)) وللترمذي نحوه، وزاد: ((أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر)) وللخمسة عنها: ((من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار)).(35/14)
حديث أم المؤمنين أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: "سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول" فذكرت الرواتب الاثنتي عشرة ركعة، من حافظ عليها وداوم عليها ((بني له بيتٌ في الجنة)) الحديث مخرج في الصحيح ((صلى اثنتا عشرة ركعة في يوم وليلة)) يعني من غير الفرائض، يعني من النوافل، وجاء بيانه في رواية الترمذي: وأنها أربع قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح، هذه هي الرواتب، من حافظ عليها بني له بيتٌ في الجنة.
((من صلى اثنتي عشرة)) ورواية الخمسة: ((من حافظ عليها)) الرواية الأولى: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة)) تقتضي أنه في كل يوم يبنى له بيت في الجنة، ورواية: ((من حافظ)) تدل على أنه يبنى له بيتٌ في الجنة إذا حافظ عليها في عمره كله.
((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يومٍ وليلة)) حصل له الجزاء المذكور، ومقتضاه أنه لو في يومٍ واحد، لكن بيّن المطلوب رواية الخمسة وأن المراد المحافظة على هذه الركعات الاثنتي عشرة، وفي رواية: ((تطوعاً)) وهذا تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا فمعلومٌ أنها قدرٌ زائد على الفرائض.
"وللترمذي نحوه، وزاد: ((أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر)) وللخمسة" لداود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد: ((من حافظ على أربعاً قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار)) الأربع هي الراتبة، والاثنتين رواتب أيضاً وزيادة ركعتين، تبقى الرواتب أربع قبل الظهر واثنتين بعدها، وإذا صلى الأربع قبلها والأربع بعدها حرمه الله على النار ثوابٌ آخر وجزاءٌ آخر له إذا زاد ركعتين بعد الظهر، زاد على الاثنتين اثنتين صارت أربع، لكن هي ليست راتبة، ومعنى ((حرمه الله على النار)) التحريم المنع في الأصل، والمحرمات ما منع منها الإنسان, الحرمان أيضاً منع ((حرمه الله على النار)) يعني منعه من دخولها، كما منعه مما حرمه عليه في الدنيا.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((رحم الله امرأً صلى أربعاً قبل العصر)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن خزيمة وصححه".(35/15)
حديث ابن عمر: ((رحم الله امرأً صلى أربعاً قبل العصر)) الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن أقل أحواله الحسن، صححه بعضهم لكنه لا يصل إلى درجة الصحيح، وفي إسناده محمد بن مسلم بن مهران فيه مقال خفيف لأهل العلم، وثقه ابن حبان وغيره، لكنه لا يسلم من التضعيف اليسير، الحديث حسن، وفيه الحث على صلاة أربع ركعات قبل العصر، ومقتضاه الحث على التبكير لصلاة العصر، الحث على صلاة أربع ركعات قبل العصر يتطلب التبكير لصلاة العصر، وصلاة العصر كما هو معلوم شأنها عظيم ((من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله)) ((من صلى البردين دخل الجنة)) ((من ترك العصر فقد حبط عمله)) المقصود أن صلاة العصر لها شأن، وينبغي إذا كانت هذه الصلاة لها هذا الشأن العظيم أن يكون لها مقدمات تساعد على فراغ البال، وإقبال القلب بهذه الركعات الأربع: ((رحم الله امرأً صلى أربعاً قبل العصر)) وإن لم تكن هذه الأربع من الرواتب لكنها جاء الترغيب فيها بما سمعنا.
"وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب)) ثم قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة، رواه البخاري.
وفي رواية لابن حبان: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل المغرب ركعتين.
ولمسلم عن أنس: "كنا نصلي ركعتين بعد غروب الشمس، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرانا فلم يأمرنا ولم ينهانا".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل المغرب)) أمر بالصلاة قبل المغرب، والأصل في الأمر الوجوب، ثم بين -عليه الصلاة والسلام- أنه ليس بالأمر اللازم "قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة" يعني راتبة لا يفرطون فيها، وإنما هي نفلٌ مطلق بعد أن انتهى وقت النهي، وانتهى المنع من الصلاة يصلي المرأة ما دامت الفريضة لم تحضر، ويؤيد ذلك الحديث الآخر: ((بين كل أذانين صلاة)).(35/16)
"كراهية أن يتخذها الناس سنة" طريقة مألوفة وجادة متبعة لا يخل بها ولا يفرط فيها فيشبهها بالرواتب "رواه البخاري، وفي رواية ابن حبان: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى قبل المغرب ركعتين" فجاءت هاتان الركعتان، أو جاء الحث عليهما بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا قبل المغرب)) وجاءت مشروعيتهما بفعله -عليه الصلاة والسلام- فكان يصلي قبل المغرب ركعتين، وجاءت أيضاً بإقراره -عليه الصلاة والسلام- في رواية: "مسلم عن أنس قال: كنا نصلي ركعتين بعد غروب الشمس، وكان -صلى الله عليه وسلم- يرانا فلم يأمرنا ولم ينهانا" فتضافرت أنواع السنن القولية والفعلية والتقريرية على مشروعية هاتين الركعتين، فأمر بهما وفعلهما، وأقر من فعلهما، فالسنة إما قول أو فعل أو تقرير، وقد تضافرت السنن على إثبات هاتين الركعتين، لكنها ليست من الرواتب التي يحافظ عليها، نعم إن تيسرت صلاها إن كان في المسجد صلاهما، وإلا فليس أمرهما مثل أمر الرواتب التي على المرء أن يحافظ عليها، وليست مثل ركعتي الصبح التي يتعاهدها النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا يفرط فيها حضراً ولا سفراً.
النصوص السابقة تدل على الرواتب، وهي اثنتا عشرة ركعة، يضاف إلى ذلك ركعتين بعد الظهر، كم يصير المجموع؟ أربع عشرة، والأربع التي قبل العصر، كم؟ ثمان عشرة، يضاف إلى ذلك الركعتين قبل المغرب، عشرون، لكن الرواتب التي تلي الفرائض بالأهمية الاثنتي عشرة، وما عدا ذلك فأمرها أخف، والمرتبة الثالثة النوافل المطلقة.
الرواتب على الإنسان أن يحافظ عليها، ويتعاهدها في الحضر، إذا سافر والمسلم يكتب له ما كان يعمله إذا كان مقيماً، وجاء الخبر لو كنت مسبحاً لأتممت، فأهل العلم يقولون: الرواتب لا تفعل في السفر باستثناء ركعتي الصبح، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدعها سفراً ولا حضراً.(35/17)
النوافل المطلقة تفعل في السفر، مع أنه إذا كان يحافظ عليها في الحضر، وتكبت له ما دام يحافظ عليها في الحضر، تكتب له في السفر وفي المرض فينبغي أن يكون شأنها شأن الرواتب، والتخفيف من صلاة الفرض ملاحظةً للمشقة اللاحقة بالمسافر تقتضي ذلك، لكن أهل العلم ينصون على الرواتب؛ لأنها هي التي يحافظ عليها، أما ما عدا ذلك من النوافل المطلقة بما في ذلك ما نص عليه من أربع الركعات قبل العصر لا بد من الإخلال بها، فالمحافظة عليها ليس مثل المحافظة على الرواتب.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: أقَرأ بأم الكتاب?" متفق عليه.
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص]، رواه مسلم".
هذا وصف ركعتي الصبح، الفريضة تطول فيها القراءة كما جاء في حديث عائشة: أول ما فرضت الصلاة ركعتين فزيد في الحضر، وأُقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر إلا المغرب فإنها وتر النهار وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، هذا بالنسبة للفريضة، أما بالنسبة للنافلة فتخفف فيها القراءة، يعني لا يجتمع إطالة النافلة مع إطالة الفريضة، فجاء في وصفهما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف الركعتين، يخففهما "حتى إني أقول: أقَرأ بأم الكتاب .. ؟ " هذه مبالغة في تخفيف هاتين الركعتين، حتى قال بعضهم: إنه لا يشرع قراءة شيء قدر زائد على الفاتحة، وشذ بعضهم فقال: إنه لا تقرأ ولا الفاتحة، لكنه قولٌ شاذ لا يعول عليه، كلام عائشة -رضي الله عنها التشكيك في الفاتحة يدل على أنه لا يمنع من قراءة الفاتحة، لكن مبالغة في التخفيف.(35/18)
الحديث الذي يليه: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] "، وهما سورتا الإخلاص، فتشرع قراءتهما في افتتاح الصلاة بالنهار، ويقرأ بهما في ركعتي المغرب، وفي ركعتي الطواف، وفي الوتر، المقصود أنهما سورتان عظيمتان تنفيان الشرك بأنواعه، وتثبتان التوحيد بأنواعه، فيحرص على قراءتهما.(35/19)
جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في ركعتي الصبح في الأولى بآية البقرة {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [(136) سورة البقرة]، وفي الركعة الثانية قرأ بالآية التي في آل عمران {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [(64) سورة آل عمران] عوضاً عن {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] فدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ بعد الفاتحة إما سورة قصيرة كسورتي الإخلاص، أو آية واحدة، وعلى هذا تجوز الصلاة بآية، وبعضهم يقول: لا بد أن تكون هذه الآية بمقدار أقصر السور، وعلى كل حال إذا كانت ينطبق عليها ما تيسر تسمى قراءة، لكن لو قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] آمين، {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] ثم ركع، وفي الركعة الثانية قال: {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] أو العكس وركع، هو قرأ آية، إذا كانت الآية بقدر السورة لا شك أنه مشتمل على الإعجاز، ويقع بها التحدي، أما مطلق الآية لم يقع بها التحدي، فجاء التحدي بالقرآن كاملاً، وجاء التحدي بعشر سور، جاء التحدي بسورة، لكن لم يأتي التحدي بآية، نعم إن كانت هذه الآية بقدر سورة يحصل بها التحدي، لكن مطلق الآية الإطلاق الذي يشمل كلمة واحدة {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] أو {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] هذا لا يحصل به تحدي، ويحصل به ثواب قراءة ما تيسر بعد الفاتحة أو لا يحصل؟ يعني لو كبر لصلاة نافلة قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] آمين، {مُدْهَامَّتَانِ} [(64) سورة الرحمن] هذه آية، في الركعة الثانية: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] آمين، {ثُمَّ نَظَرَ} [(21) سورة المدثر] الله أكبر، هل يحصل له قراءة ما تيسر بعد الفاتحة؟ نعم كونه -عليه الصلاة والسلام- قرأ بآية، آية البقرة وآية آل عمران في ركعتي الصبح يدل على أن الأجر يثبت بآية، لكن هذه الآية مما يحصل به التحدي مما يكون بقدر أقصر السور.(35/20)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه".
حديث: "عائشة -رضي الله عنها-" تذكر أن "النبي -صلى الله عليه وسلم-" كان "إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن" في الحديث الصحيح في البخاري، من فعله -عليه الصلاة والسلام- لا إشكال فيه، لكن الأمر الوارد في الحديث حديث أبي هريرة "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن))، الحديث في المسند والسنن، وصححه بعضهم، لكن شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: ليس بصحيح، الأمر بالاضطجاع ليس بصحيح، تفرد به عبد الرحمن بن زياد، لا يحتمل تفرده، أو عبد الواحد بن زياد، وهو ممن لا يحتمل تفرده، كما نقل ذلك ابن القيم عنه.(35/21)
أما من فعله -عليه الصلاة والسلام- فهو ثابت "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن" وهذه الضجعة بعد ركعتي الفجر اختلف أهل العلم في حكمها، فبالغ ابن حزم فقال بالوجوب، بل قال: إن صلاة الصبح لا تصح لمن لم يضطجع بعد ركعتي الصبح، يبطل الصلاة إذا لم يضطجع قبلها، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يضطجع وهذا من فعله، لكن هل هذا الأمر أو هذا الفعل له ارتباط بالصلاة؟ ليكون له أثر في حكم الصلاة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقوم الليل قياماً طويلاً، فيحتاج إلى الراحة، حتى قال بعضهم: إن هذه الضجعة لا تشرع إلا لمن أطال القيام، أما شخص قام من فراشه وصلى ثلاث ركعات أوتر بثلاث ركعات، بثلاث دقائق ثم جاء بركعتي الصبح بدقيقتين المجموع خمس، هذا يحتاج إلى أن يضطجع ليرتاح، لكن من صلى ساعة ساعتين يحتاج يرتاح، قال بعضهم: هذه للحاجة، إن احتاج إليها فعلها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يفعلها لحاجته إليها، ولذا كان ابن عمر يحصب من اضطجع، يرميه بالحصبة، فهذان قولان متضادان، عدم المشروعية أصلاً، والقول بالوجوب، وتأثير العدم على الصلاة الفريضة كما يقول ابن حزم، وأنها لا تصح إلا إذا اضطجع، ولا بد أن يكون على جنبه الأيمن، فلو لم يستطع الاضطجاع على جنبه الأيمن ماذا يصنع؟ عند ابن حزم يقول: لا يضطجع على جنبه الأيسر، يومئ إيماءً إلى الاضطجاع، لا يضطجع هذه حرفية، تطبيق حرفي، أما إبطال الصلاة فلا.
ابن عمر كان يحصب من اضطجع، نعم من اضطجع في المسجد، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يضطجع في المسجد، إنما كان يضطجع في بيته، فالاضطجاع سنة لمن صلى الركعتين في بيته اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يربط ذلك بالحاجة، إنما يربط بفعل .. ، ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- من الركعتين، إذا صلى الركعتين اضطجع في بيته، إذا لم يضطجع في بيته لا يضطجع، فقد كان ابن عمر يحصب من اضطجع، ومعلومٌ أنه لا يحصب الناس في بيوتهم، إنما يحصبهم في المسجد، وعلى هذا يحمل.(35/22)
((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع)) اللام لام الأمر ((على جنبه الأيمن)) نعم، لو ثبت الأمر، الأمر الأصل فيه الوجوب، لكن يبقى أنه أمر خارج عن الصلاة، فهو أمر توجيه وإرشاد وإرفاق، فأقل أحواله الاستحباب.
فعرفنا أنه مروي من طريق عبد الواحد بن زياد وفيه مقال لا يحتمل تفرده، ولذا حكم شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديث بأنه ليس بصحيح.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى)) متفق عليه.
وللخمسة، وصححه ابن حبان بلفظ: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) وقال النسائي: هذا خطأ" ...(35/23)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (22)
تابع: شرح باب: صلاة التطوع
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه" يقول: "وللخمسة وصححه ابن حبان: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) وقال النسائي: هذا خطأ".
حديث ابن عمر: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يعني ركعتين ركعتين، كل تسليمة فيها ركعتان، ولا تجوز الزيادة عليهما، لو أراد شخص أن يتطوع بأربع ركعات قلنا: لا ((صلاة الليل مثنى مثنى)) والمقصود بذلك ما عدا الوتر، فقد ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بثلاث، وبخمس، وبسبع، وبتسع بسلامٍ واحد.
لكن إذا أراد أن يتنفل يقوم الليل يصلي مثنى مثنى، وعلى هذا في صلاة التراويح إذا قام إلى ثالثة، إذا قام إلى ركعةٍ ثالثة يلزمه الرجوع، ولذا يقول أهل العلم: إنه كثالثة في فجر، بعض الناس يلتبس عليه، يقول: إذا قام إلى الثالثة وشرع في القراءة لا يرجع، نقول: لا، يرجع، هو مقتضى حديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يعني لا يزاد على ذلك، وبعضهم يلتبس عليه الأمر فيما إذا ترك التشهد الأول وقام إلى الثالثة، فإن شرع في القراءة حرم الرجوع، إذا استتم قائماً كره الرجوع، ويجعل صلاة الليل مثل ذلك لا، إذا قام إلى ثالثة في التراويح لزمه الرجوع ولو شرع في القراءة، كما لو قام إلى ثالثة في الصبح يلزمه الرجوع ولو ركع، يجلس يتشهد ويسلم فضلاً عن كونه قرأ فقط.(36/1)
ولذا جاء الحديث في الصحيح: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) إطلاق الحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يدل على أنها صلاة الليل لا تتقيد بعدد، ويؤيده الحديث الماضي: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فلا عدد محدد لصلاة الليل، يصلي مثنى مثنى مطلق، يصلي تسليمة تسليمتين ثلاث عشر عشرين لا حد لذلك، لكنه إذا خشي الصبح يصلي ((واحدة توتر له ما قد صلى)) فدل هذا الحديث على أنه لا يزاد على ركعتين، ولا يخص من ذلك إلا الوتر، وأنه لا تقييد بعددٍ معين لإطلاق الحديث: ((مثنى مثنى)) فإذا خشيت الصبح فتصلي واحد توتر لك ما قد صليت.
والحديث يدل أيضاً على أنه إذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الصبح، خلافاً لمن يقول: بأن الوتر يستمر بعد طلوع الصبح إلى إقامة صلاة الصبح، وفعله بعض السلف، لكن مقتضى هذا الحديث لا، أنه لا يقضى الوتر بعد طلوع الصبح ((فإذا خشي أحدكم الصبح)) يعني خاف أن يطلع عليه الصبح فليصل واحدة ((صلى ركعةً واحدة توتر له ما قد صلى)) ليقطع صلاته على وتر، فدل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الصبح، ولا يستمر إلى ما بعد الطلوع كما يقول بعضهم، وفعله بعض السلف، قضى الوتر بعد طلوع الصبح، إذا
خشي الصبح أن يباغته أن يداهمه يصلي ركعة واحدة، لكن إذا تيقن طلوع الصبح يقف، انتهى وقت الوتر، وفات وقته، ويقضى الوتر وقيام الليل بعد ارتفاع الشمس وقبل الزوال، على أن يكون شفعاً، فالنهار ليس بمحلٍ للوتر، فإذا كانت عادته أن يوتر بثلاث يصلي من الضحى أربع ركعات، ما بين ارتفاع الشمس إلى زوالها، وإذا كانت عادته جرت بأن يوتر بخمس يصلي ست ركعات، وإذا جرت عادته أن يوتر بسبع يصلي ثمان وهكذا، فيشفع لأن النهار ليس محلاً للوتر، وإذا طلع الصبح انقضى وقت الوتر، أما إذا خشي وخاف أن يباغته الوقت يصلي ركعة واحدة، أما إذا تيقن طلوع الصبح انتهى الوقت، فلا صلاة إلا ركعتي الصبح فقط، يدخل وقت نهي الآن ((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعةً واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه".(36/2)
يقول: "وللخمسة وصححه ابن حبان: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) هذا دليلٌ على أن صلاة النهار أيضاً مثنى مثنى كصلاة الليل، لكن هذه اللفظة: ((والنهار)) هل هي محفوظة أو أخطأ راويها وخالف الحفاظ وحينئذٍ يحكم عليها بالشذوذ أو الخطأ أو النكارة؟ "قال النسائي: هذا خطأ" إن ثبتت هذه اللفظة وقد صححها بعض أهل العلم، ممن صحح هذه اللفظة البخاري، وعلى هذا صلاة الليل وصلاة النهار كلها مثنى مثنى، يستثنى من ذلك ما زاد على الركعتين من الفرائض والوتر، فالتردد الحاصل بسبب إجمال بعض الأحاديث، كالأربع قبل الظهر هل تصلى بسلامٍ أو بسلامين؟ و ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)) هل تكون بسلامٍ أو بسلامين؟ الحكم هذه اللفظة، فإن ثبتت كما يقول الإمام البخاري فلا تصلى إلا ركعتين ركعتين، وإن لم تثبت فالأمر فيه سعة، والنسائي يقول: "هذا خطأ" وجمعٌ من الحفاظ يقولون: ليست محفوظة هذه الكلمة المزيدة، ليست محفوظة، وصححها آخرون، وممن صححها البخاري، وعلى هذا فالاحتياط ألا يزيد الإنسان في نوافله على ركعتين، ويستوي في ذلك الليل والنهار.
يقول: هذا سؤال عام يقول: لماذا يورد الحافظ ابن حجر الأحاديث الضعيفة؟ وما المطلوب من المتعلم تجاه الأحاديث الضعيفة؟(36/3)
العلماء يعنون بهذا النوع من الأحاديث، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يحفظ مائة ألف حديث صحيح، كما أنه يحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح، فهذه الأحاديث التي لم تصح يستفيد منها طالب العلم، أقل الأحوال أن يعرف ضعفها فلا تورد عليه، فإذا أوردت عليه في مقام الاحتجاج ردها، ويحفظها على ضعفها، ويبحث عن طرق تقويها، فتثبت بعد هذا الضعف، أما كون أهل العلم يدونوها فهم يدونون كل شيء، على أن ينبهوا على ضعفه، في الأول -في أول الأمر- في زمن التدوين يكتفي أهل العلم بذكر الإسناد؛ لأن آحاد وأفراد المتعلمين يعرفون الأسانيد، وتبرأ العهدة بذكر الإسناد، ومن أسند فقد أحال، ومن أحال فقد برئ، لكن بعد ذلكم لا بد من أن يبين ضعف الضعيف بأسلوب يفهمه المخاطب، بمعنى أنه لا يجوز إلقاء الأحاديث الضعيفة والموضوعة على صغار المتعلمين إلا أن يبين يقال: هذا ضعيف، يعني لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مكذوب مفترى على .. ، موضوع يعني مكذوب مفترى على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا بد من البيان الذي يفهمه السامع.
ويأتي بعض الخطباء ويلقي على عوام الناس الأحاديث الضعيفة من غير بيان، هذا غش للسامع، لا بد أن يبين أن هذا الحديث ضعيف أو موضوع، ويبين معنى الموضوع، ما المراد بالموضوع؟ لأنه قد يخفى على السامع معنى الموضوع.
هذا يقول: أنا طالب في مدرسة وصلاة الظهر نصليها في المدرسة وأريد أن أصلي أربع ركعات قبل الصلاة التي هي النافلة فخائفٌ أن أدخل في الرياء فماذا تنصحني؟
جاهد، صل أربع ركعات ليثبت لك الأجر، وجاهد نفسك في مدافعة الرياء، أما الترك فليس بعلاج.
يقول: هل يصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد الأول؟
نعم، النص يشمل التشهد الأول والثاني، النص يشمل التشهد الأول والثاني.
إذا فاتتني سنن اليوم كلها أأبدأ بالسنن من الفجر إلى العشاء أو بالسنن من العشاء إلى الفجر؟ وماذا عن صلاة الضحى؟(36/4)
أهل العلم يقولون: إذا خرج الوقت فالنوافل سنن فات وقتها كما يقولون، فعلى هذا لا تقضى، وقضاء الرواتب في غير وقت فرضها من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، فقد قضى راتبة الظهر بعد العصر، بعد صلاة العصر، لكن من فاتته راتبة الظهر حتى خرج وقت الظهر انتهى وقتها.
قوله: في حديث عبد الله بن مغفل وهو عربيٌ صحيح اللسان من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة، كأنه يفهم منه أنه لو لم يقل: ((لمن شاء)) لكانت سنة، فعليه كأنه يفهم منه أن مقتضى الأمر للاستحباب وليس للوجوب؟
العكس، هذا يفيد أن الأمر للوجوب، لو لم يكن للوجوب لما قال: ((لمن شاء)) فدل على أنه للوجوب كما في حديث: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)).
إذا أذن الفجر وهو في قيام الليل ولم يصل الوتر هل يصلي الوتر بعد الأذان؟
لا يصلي الوتر بعد الأذان.
يقول: هلا تكلمتم عن الأمور التي تصرف الإنسان عن فعل الطاعات أو أنها عقوبات واسترسلت في ذلك؟
بينا شيء من هذا على وجهٍ يفهمه اللبيب.
الأربع الركعات بعد صلاة الجمعة هل تكون بسلامٍ واحد أم بسلامين؟
بسلامين.
يقول: الأربع قبل الظهر بسلامٍ واحد أو بسلامين؟
هما بسلامين.
يقول: أيهما أفضل الإكثار من قراءة القرآن والنوافل غير المتعدية أم النوافل المتعدية مثل طلب العلم والدعوة؟(36/5)
تنوع العبادات من مقاصد الشريعة، ولهذا جاءت العبادات منها اللازم ومنها المتعدي، ومنها البدني، ومنها المالي، والقول بأن العبادات أو النفع المتعدي أفضل من اللازم ليس على إطلاقه، وإلا فالصلاة وهي لازمة أفضل من الزكاة وهي متعدية، هذا بالنسبة لأركان الإسلام، فليس على إطلاقه، نعم إذا تساوى الأجر في هذا وهذا فلا شك أن ما يتعدى نفعه أفضل مما يلزم بالشخص، فكون الإنسان يكثر من النوافل اللازمة الخاصة يعان لا سيما إذا فعلها بإخلاص وبعد عن رؤية الناس لا شك أنه سوف يعان على الأمور المتعدية، كما أنه عليه أن يسعى لنفع الآخرين، وحينما يقال: إن العلم أفضل النوافل، أو أفضل من نوافل العبادات، لا يعني أن النوافل الأخرى تهمل، كونه يقال: إن الجهاد أفضل من نوافل الصيام والصلاة لا يعني أن هذه تهمل، إنما هو من باب الحث على هذا النوع مع العناية بغيره.
هل نقول: إن ترك صلاة الضحى من السنة لأنه لم يفعلها -صلى الله عليه وسلم-؟
سيأتي الكلام عن صلاة الضحى -إن شاء الله تعالى-.
هل الأفضل أن يصلي راتبة الفجر في بيته ثم يذهب إلى المسجد ويصلي تحية المسجد أم يصلي في المسجد؟
الأفضل أن يصليها في بيته، ويضطجع بعدها كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، فإذا حضر للمسجد قبل إقامة الصلاة يصلي تحية المسجد؛ لأن النهي مخفف، والوقت موسع.
يقول: هل جاء أن السنة البعدية للجمعة ست ركعات؟
من أهل العلم من جمع بين النصوص، الركعتين والأربع، وقال: المجموع ست، حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصلي أربع ركعات، وأنه كان يصلي ركعتين، فقال بعضهم: إن المجموع ست، وابن القيم -رحمه الله- حقق أن الأربع في حالة فيما إذا صلاها في المسجد، والركعتين فيما إذا صلاها في البيت.
يقول: ما حكم الزيادة على ركعتي الفجر قبل الإقامة؟
((لا صلاة بعد طلوع الصبح إلا ركعتي الفجر)) فالوقت وقت نهي.
يقول: إذا فاتت الإنسان صلاة الفجر واحتاج الآخر أن يصلي معه جماعة وهذا الآخر قد صلى الفجر فهل يتصدق عليه أم أن هذا وقت نهي؟(36/6)
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من يتصدق على هذا؟ )) وهو في صلاة الصبح، فقام شخص صلى معه يعني في الوقت الموسع، فلها سبب، الصدقة سبب، وهو وقتٌ موسع، ولا بأس حينئذٍ -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما الراجح في قضاء راتبة الظهر بعد العصر؟
جاء ما يدل على أن هذه من خواصه -عليه الصلاة والسلام-، خاص به.
يقول: من أصاب كل سنة فعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من سنن الصلاة، أي صلى كل الصلوات التي صلاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قبيل النافلة، فهل يحصل على أجرٍ أعظم ممن زاد، حيث أنه تابع السنة ولم يزد عليها؟
فعله -عليه الصلاة والسلام- واقتصاره على إحدى عشرة كما سيأتي، وأنه لم يزد على ذلك في رمضان ولا في غيره كما قالت عائشة لا يدل على التحديد، نعم، من اقتصر على العدد على الكمية، واقتفى الكيفية يرجى له، أما يقتصر على العدد إحدى عشرة ويأتي بها على وجهٍ قد يخل بها، أو لا يأتي بها على الكيفية التي كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها عليها، ويقول: إنه أكمل من غيره لا، يأتي هنا: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) كما يأتي هنا: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فلا تحديد حينئذٍ، لكن من اقتصر على الكمية فعليه أن يأتي بالكيفية، وإذا أتى بالكمية والكيفية يرجى له بلا شك؛ لأن الأصل الاقتداء، أما ينقر إحدى عشرة ركعة بربع ساعة، ويقول: إنه أفضل ممن يصلي ثلاثين ركعة بساعتين ثلاث، ما هو صحيح، نعم صل إحدى عشرة كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- تكن أفضل من غيرك.
هذا يقول: هو من الذين يستيقظون لصلاة الفجر متأخرين فهل يجوز أن يصلي ركعتي الفجر بعد الفجر وأكرر ذلك في فترات متقاربة؟
أنت بالخيار، النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من صلى راتبة الصبح بعدها، وإن انتظرت إلى أن تطلع الشمس وترتفع فلا بأس.
يقول: هل ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "صلاة التطوع في البيت تضاعف على صلاته في المسجد خمسة وعشرين"؟
لا أعرف هذا، إنما جاء التوجيه بأن صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة.
يقول: ما حكم بطاقة "سوى" مع العلم أنه يغلب على الظن عندي أني أنهي قيمة البطاقة قبل أن يسحبوه مني؟(36/7)
حتى لو قدر أنك فرطت أو ما استعملت البطاقة، وانتهى الوقت، وعندما استعملتها أنت الذي ضيعت، المقصود أنها الثمن معلوم، والمثمن دقائق معلومة، تنتفع بها فلا شيء فيها، كونك تستفيد من هذه الدقائق المتاحة أو تفرط فيها هذا الأمر يعود إليك، كما لو استأجرت بيت وإلا دكان وقفلته بقية السنة ما استفدت منه، أنت الذي أذهبت الفرصة عن نفسك، لو اشتريت لتر لبن، وانتهت مدته وأنت ما استعملته يذهب عليك، أنت المفرط.
يقول: ما يمكن أن يقال: إن قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لمعاذ: ((لا تدعن دبر كل صلاة .. )) أن كل صلاة من العام الذي أريد به الخاص؟
يعني كأن السائل يريد تخصيصه بالفريضة، لكن لا بد من أن يدل الدليل على إرادة الخاص.
يقول: هل هناك فرق بين الوتر وقيام الليل؟
قيام الليل المطلق، اللي هو مثنى مثنى، يصلي من الليل ما شاء، والوتر معروف، إما بركعة إذا ضاق عليه الوقت، أو بثلاث، أو بخمس، أو بسبع أو تسع أو إحدى عشرة هذا الوتر، لكن قيام الليل مثنى مثنى مطلق.
هل نية الصلاة في قضاء قيام الليل تكون بنية صلاة الضحى أو بنية قيام الليل؟
نعم، بنية قضاء قيام الليل.
شخص سها في التشهد الأخير ولم يتذكر أين وصل في التشهد هل يعيد أو ماذا يفعل؟
سها في التشهد، جالس للتشهد ما يدري هل صلى على النبي أو لم يصل على النبي؟ هل استعاذ بالله من أربع أو لم يستعذ؟ هل دعا أو لم يدع؟ يعتبر ما يتيقنه ثم يزيد عليه ما تركه، أو ما يغلب على ظنه أنه تركه.
متى يكون سجود الشكر؟
عند تجدد النعم.
وهل يصح أن يجعل المرء سجود الشكر في كل يوم وقتاً محدداً في آخر اليوم مثلاً؟
هذا لا، لا يتخذه عادة في وقتٍ محدد، في ساعة معينة لا، كل ما تجدد له نعمة يسجد.
وماذا يقال في سجود الشكر؟
يقال فيه ما يقال في سجود الصلاة.
يقول: أصلي قبل الفجر سبع ركعات ست ركعات بسلام ثم ركعة لوحدها؟
كيف؟! هذا ليس بصحيح، صل ركعتين ركعتين، ثم توتر بواحدة، أو تصلي السبع بسلامٍ واحد، ويكون الجميع وتر.
يقول: غالباً أنتهي من الوتر قبل الأذان بدقيقتين أو ثلاث هل هذا صحيح؟
نعم صحيح، الوتر في مكانه.(36/8)
يقول هذا: امرأة من أقاربه تسأل عن الحكم الشرعي للرؤية التي تتحول لاحقاً إلى حقيقة؟ فهي -والحمد لله- ملتزمة بالفروض والنوافل، ودائماً تذكر الله -عز وجل- بالأدعية الشرعية، والحمد لله على منهج السلف، فهي كلما صلت صلاة الاستخارة ترى مناماً، وغالباً هذه الرؤى تتحقق، والعجيب هو أنها سألت هنا في استراليا بعض المشايخ قالوا: إن هذه الأحداث غير ممكنة، وأنهم في عصر التكنولوجيا، وأنه لا يؤخذ بهذه الأشياء في أيامنا هذه فما هو الجواب لهؤلاء؟
لا شك أن الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له جزء من ستةٍ وأربعين جزءً من النبوة، وفي آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تخطئ، فلا شك أن الرؤيا لها أصل في الشرع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، يعني وقعت، وكلٌ له نصيبه بقدر اقتدائه واقتفائه لأثر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
نعم، كثيرٌ مما يراه الناس أو كثيرٌ من الناس أضغاث لا حقيقة له، لكن يبقى أن الرؤيا وإن كانت حق إلا أنه لا يرتب عليها أمور شرعية، فالشرع كامل بدون الرؤى، نعم إذا كانت تسر الإنسان مبشرة، إذا كانت تسوؤه إذا كانت توجه إلى أمر غير متعبد به أو إلى شيء .. ، يعني قد يؤخذ منها بعض القرائن، قد يؤخذ .. ، لكن لا يؤخذ منها دلائل يثبت بها أحكام لا، أو لا يؤاخذ بها أحد بمجردها، يعني لو رأى رؤيا أن فلان اعتدى على فلان يطبق عليه حد؟! أو فلان سحر فلان أو زنى بفلانة أو كذا، هذه لا يعمل بها.
الآثار المترتبة على الرؤيا المتعدية لا يعمل بها، الأمور الشرعية لا تثبت برؤى، وإن كان الأصل في الرؤية نعم إن كانت تبشره بخير يحمد الله على ذلك، هي تكون من المبشرات، ولها شروط، ولها أحكام، ولها آداب، وجاءت بها السنة، ولا يلزم أن يكون كل ما يرى له واقع وحقيقة.
يقول: خطبت وملكت فهل لي أن أذهب مع زوجتي في أي مكان إذا كنت عقدت بوجود الولي والشهود وحصر الإيجاب والقبول؟
فهي زوجتك، افعل معها ما شئت.(36/9)
يقول: ما حكم بيع التورق الحاصل في بعض البنوك ومنها البنك السعودي الأمريكي، حيث يبيع لك معدن بقيمة مؤجلة، ثم يترك لك حرية بيعه، إما أن تبيعه لمن تحب، أو توكل مكتب معتمد على البنك ليبيعه لك؟
أولاً: هل أنت قبضت هذا المعدن قبضاً شرعياً معتبراً؟ وهل البنك يملك هذا المعدن قبل بيعه عليه؟ ملكه ملك تام مستقر قبل أن يبرم معك أي عقد؟ ثم باعه عليك وقبضته والقبض المعتبر في مثله ثم بعته على ما شئت؟ لا بأس، على أن التعامل مع البنوك التي تتعامل بالربا إذا لم يوجد ما يقضي الحاجة غيرهم لا شك أن هذا من التعاون على الإثم والعدوان.
يقول: في بعض الأحيان تكون عندي محاضرة دراسية ويؤذن للصلاة بعد بدء المحاضرة فهل لي أن أؤخر الصلاة بعد الأذان بساعة وربع؟
نعم، وقت الظهر يحتمل، طويل وقت الظهر، لكن لا ينبغي أن يفرط بالصلوات من أجل المحاضرات، ينبغي أن يكون الاهتمام بالصلاة من قبل الجامعات والكليات الأساتذة الطلاب أن يكون أمر الصلاة أعظم عندهم من أمر المحاضرات.
يقول: أنا من سكان هذه المدينة منذ سنتين ولاحظت جفاء ملتزمي هذه المدينة؟
يعني التعميم فيه ما فيه، نعم قد يوجد الجفاء من بعض الإخوان لتأويل، أو لأمرٍ في نفسه، لكن الغالب على الإخوان العكس.
يقول: وجدت ولاحظت جفاءً ملتزمي هذه المدينة في السلام ورده وخاصة في الدوائر الحكومية ولاحظت ذلك في هذا المسجد؟
هذا ليس على إطلاقه، قد يوجد، وهو خطأ على كل حال: ((لا يحقرن من المعروف شيئاً ولو أن يلقى أخاه بوجهٍ طلق)) التبسم في وجه أخيك صدقة، والسلام ((ألا أدلكم .. )) كما في الحديث: ((لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا)) ((ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)) والسلام يذهب الضغائن، ويقضي على القطيعة، فأقل الأحوال السلام والبشر.(36/10)
يقول: في هذه الأيام نجد بعض الرسائل التحذيرية من البريد الالكتروني محذرةً من بعض المواقع التي تحرف القرآن وتذكر نماذج من بعض السور المحرفة، وقد اطلعت عليها لكنها بعيدة أن تكون سورة محرفة، إنما هي كلمات متراصفة، يقصد بها محاكاة القرآن، فما موقف المسلم منها؟ هل نسعى في نشر هذا التحذير للناس أم لا نلقي لها بالاً أخذاً بأن القرآن محفوظ من التحريف؟
نعم القرآن محفوظ من التحريف، ومصون من الزيادة والنقصان، ومع ذلك كل من يسيء إلى القرآن أو إلى الدين، أو إلى الذات الإلهية، أو إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يجب أن يحذر منه، ويكشف خطؤه وضلاله، لا بد من التحذير منه.
شخص يقول: أنا أجعل قدوتي الله -سبحانه وتعالى- بالأقوال والأفعال هل كلامه صحيح؟
ليس بصحيح، قدوتك وأسوتك النبي -عليه الصلاة والسلام-، الله -سبحانه وتعالى- له أن يقسم بما شاء، فهل لك أن تقسم بما شئت؟ أنت مأمور بالاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: اختارني عملي لدورة دراسية مدة سنة ونصف في إحدى الدول الكافرة فهل أذهب لهذه الدورة علماً أني أبٌ لأربعة أبناء؟
لا تذهب يا أخي، دينك دينك، احرص على دينك، أمور الدنيا مدركة، وهذه البلاد -ولله الحمد- وفيها من الفرص والخير الكثير ما يغنيك عن معاشرة الكفار ومجالستهم، ورؤية منكراتهم.
يقول: قد تنفعني هذه الدورة في عملي وترقياتي؟
يا أخي ما عند الله لا ينال بسخطه، فلا تسافر.
يقول: هل تختلف الفتوى من شخص لآخر؟
تختلف، أمور اجتهادية قد تجد من يفتيك بأن يقول: اذهب.
يقول: ما معنى هذا الحديث: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة))؟
يعني إذا لم يكن في الأعمال العامة الأكفاء انتظر الساعة.
يقول: كثيراً ما أحضر دروس العلم ومجالس الذكر، وأسمع أشرطة العلماء، وأقرأ الكتب العلمية، لكن تحصيلي قليل، وأشعر أنني لست أهلاً لطلب العلم، وتحدثني نفسي بالانقطاع فهل من نصيحة؟(36/11)
لا تنقطع يا أخي، ثبت في الحديث أن: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريق إلى الجنة)) مجرد سلوك الطريق يسهل الوصول إلى الجنة، ما قال: من صار عالماً دخل الجنة ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) ومجرد سلوك الطريق وبذل الأسباب هذا طريق موصل إلى الجنة، تكفيك مع أنك إذا حرصت على التحصيل، وصدقت اللجأ إلى الله -عز وجل- لا بد أن تنتفع.
وكونك تحس أنك ما أدركت أنت أدركت خير كثير، لكن قد يكون الإنسان استثار نفسه ما وجد شيء، لكنه إذا حصل ما يثيرها في مجلس أو في غيره عرف أن هذه المسألة مرت عليه في الدرس الفلاني، وهذه المسألة سمعها من الشيخ الفلاني، وهذه المسألة تذكرها من الشريط الفلاني وهكذا، لأن الإنسان قد يقرأ الكتاب كامل، مجلد أو مجلدين أو عشرة، ثم يستذكر، يحاول يستذكر ما يذكر شيء، فيظن أن عمله ضاع ذهب خسارة، لا يا أخي، لو حضرت مجلس وبحث مسألة، وطرح مسألة مما دون في هذا الكتاب لا بد أن تستذكر، يعني كونك تستذكر جميع ما في الكتاب، أو بعض ما في الكتاب، أو جل ما في الكتاب، نعم الناس يتفاوتون، كونك تستحضر المسألة بجميع ذيولها، أو تستحضر أصل المسألة هذه مسألة يتفاوت فيها الناس، لكن لا بد أن تستحضر، لا بد أن تستحضر شيئاً منها، فلا بد من الانتفاع إذا حضرت، وعليك أن تصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- أن ينفعك بما تسمع، وأن ينفعك بما تعلم، وتتابع التحصيل وتحرص على ذلك، وتأتي العلوم من أبوابها، وسوف تدرك -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل يجوز لي أن أقرأ ما تيسر من القرآن إذا كان الإمام يطول في الركعتين اللتين بعد التشهد الثالثة والرابعة؟
لك ذلك، إذا فرغت من قراءة الفاتحة والإمام لم يركع اقرأ ما زاد، اقرأ ما تيسر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(36/12)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (23)
تابع شرح: باب: صلاة التطوع
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) أخرجه مسلم".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في أبواب: صلاة التطوع:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) " صلاة الليل تشمل قيام الليل وتشمل الوتر، وكون صلاة الليل أفضل من صلاة النهار تطوعاً؛ لأنه أقرب إلى الخشوع، وأهدأ وأسكن للقلب، وأبعد عن رؤية الناس، فالليل من طبيعته السكون والظلام والهدوء والبعد عن رؤية الآخرين، هذا الأصل في الليل أنه سكن، والناس فيه في الغالب نيام، وهذا لما كانت الناس على الفطر، أما الآن فالحاصل العكس، هو وقت الانتشار الآن، الليل وقت الانتشار بخلاف النهار، النهار مقسومٌ بين كون الناس في أعمالهم، وهذا وقت غفلة لمن لم يكن لديه عمل، وأيضاً بقية النهار يستغل في الهدوء والراحة بعد عناء العمل في أول النهار، ثم ينتشر الناس في الليل، وهذا على خلاف الأصل، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره الحديث بعد صلاة العشاء، يكره النوم قبلها والحديث بعدها، فانقلبت حياة الناس فصار الانتشار في الليل، والهدوء والسكون في نصف النهار الثاني بعد نهاية الدوام.
فعلى طالب العلم أن يعنى بالرجوع إلى ما دلت عليه النصوص من كراهية الحديث بعد صلاة العشاء إلا إذا ترجحت المصلحة من علمٍ يفوت، أو مصلحة عامة تعم المسلمين، فالسمر في طلب العلم ترجم به الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه في أبواب العلم، وأهل العلم يقسمون ليلهم بين نوم ومطالعة وتصنيف وصلاة هذه حياتهم، وهذا دأبهم، وهذا ديدنهم.(37/1)
من المؤسف أن نرى طلاب العلم ليلهم كغيرهم، يصرف في القيل والقال، وفيما لا ينفع، وعليهم تبعة ومسؤولية، ولو عنوا بذلك لقلدهم الناس، الناس تبعٌ لأهل العلم، لو أن أهل العلم استغلوا الليل بالنوم في أوله كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- ينام ويقوم، وداود -عليه السلام- كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام نصفه، وهذا أفضل القيام كما وجه إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما ثبت أن النبي وما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قام ليلةً بكاملها، كل الليل قائم، ولا في عبادة، اللهم إلا ما ذكر عنه في العشر الأخير من رمضان، في العشر الليالي الأخيرة من رمضان كان يشد المئزر -عليه الصلاة والسلام-، وما عدا ذلك ينام ويقوم.
((أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) لما ذكرنا، وفي الليل لا سيما في جوفه الآخر الثلث الأخير، وقت النزول الإلهي، فالرب -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة في الثلث الأخير، ويقول ما يقول، ويمن على من يمن من عباده بالمغفرة، وإجابة السؤال، إجابة الدعوة، فلا نحرم أنفسنا من هذا، إذا ابتلي الإنسان بسهر، أو حصل له ظرف من الظروف، أو جاءه ضيف، أو سهر من أجل العلم وغلب جانب المصلحة، مصلحة العلم وسهر من أجله لا يحرم نفسه من التعرض لنفحات الله -جل وعلا-، لا سيما في الثلث الأخير في وقت النزول الإلهي، والله المستعان.
نعم الحديث الذي يليه ..
"وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الوتر حق على كل مسلم، من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) رواه الأربعة إلا الترمذي، وصححه ابن حبان، ورجح النسائي وقفه".(37/2)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الوتر حق على كل مسلم)) " حق يعني متأكد، فهو من آكد النوافل، وإن لم يكن واجباً، حق يعني متأكد، كما تقول لفلان من الناس: لك علي حق، يعني متأكد، ولا يلزم من هذا أن يكون واجباً، ولهذا جمهور أهل العلم على أن الوتر ليس بواجب، والأدلة على ذلك كثيرة يأتي بعضها ((هل علي غيرها؟ )) لما ذكر الصلوات الخمس قال: ((لا، إلا أن تطوع)) فدل على أن الوتر ليس بواجب، وأوجبه أبو حنيفة -رحمه الله- استدلالاً بمثل هذا الحديث، وحمل الحق على الواجب الذي يجب أداؤه، وهنا عامة أهل العلم على أن الحق المتأكد وإن لم يكن واجباً.
((الوتر حقٌ على كل مسلم)) سواءً كان ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً إذا بلغ حد التكليف ((من أحب أن يوتر بخمس فليفعل)) خمس ركعات، وظاهره أنها بسلام، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بخمس بسلامٍ واحد ولا يجلس بينها ((ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) وكون الإنسان يحال إلى مشيئته ومحبته وإرادته يدل على أن هذا الأمر ليس بواجب، كونه من أحب أن يفعل فليفعل ((من أحب أن يوتر بواحدة)) وهذا أقل ما يتصور فيه الوتر، وأدنى الكمال الثلاث، وأكثره إحدى عشرة كما سيأتي.
أوتر النبي -عليه الصلاة والسلام- بـ ... ، صلى إحدى عشرة كما سيأتي في حديث عائشة، وثلاث عشرة، وأوتر بتسع يجلس في الثامنة ويسلم على التاسعة، وأوتر بسبع بسلامٍ واحد، وأوتر بخمس وأوتر بثلاث، وجاء النهي عن تشبيه الوتر بالمغرب، التسع يجلس بعد الثامنة يتشهد ثم يقوم إلى التاسعة يتشهد بعدها ثم يسلم، وأما الثلاث فجاء النهي عن تشبيهها بالمغرب، بمعنى أنه لا يجلس بعد الثانية، ثم يأتي بالثالثة ويسلم لا، يسردها سرداً، أو يفصل بينها بسلام لا بأس.
((من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل)) لم يثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بواحدة، نعم ثبت من فعل معاوية -رضي الله عنه-، وصوبه ابن عباس، ودل عليه هذا الحديث إن صح رفعه، وإلا "رجح النسائي وقفه" على أبي أيوب -رضي الله عنه-.(37/3)
ومن أهل العلم من يصححه مرفوعاً، ومنهم من يقول: ولو لم يثبت رفعه فإن له حكم الرفع؛ لأن هذه الأعداد أعداد الصلوات توقيفية، لا يمكن أن يقوله الصحابي من تلقاء نفسه ومن اجتهاده، ولا مسرح للاجتهاد في هذا، فالأعداد مردها إلى الشارع، وحينئذٍ يكون الوتر بواحدة مشروع، وبثلاث مشروع، وبخمس مشروع، ثم ما عدا ذلك بسبع من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وبتسع، وبالإحدى عشر على ما سيأتي.
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكن سنة سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه النسائي والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه".
هذا من أدلة الجمهور حديث علي -رضي الله عنه- قال: "ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، "ليس الوتر بحتم" يعني ليس بواجب، وهذا من أدلة الجمهور وإن كان الحديث فيه مقال؛ لأن فيه عاصم بن ضمرة تكلم فيه غير واحد من أهل العلم، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم، لكنه لا يسلم من مقال، وعلى كل حال هو من أدلة الجمهور على عدم الوجوب.
"وعن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في شهر رمضان، ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج، وقال: ((إني خشيت أن يكتب عليكم الوتر)) رواه ابن حبان".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر" بن عبد الله -رضي الله عنهما- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في شهر رمضان، ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج، وقال: ((إني خشيت أن يكتب عليكم الوتر)) هذا الحديث "رواه ابن حبان" وهو حديثٌ ضعيف، لكن ثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم في رمضان، صلى فاجتمع له أناس فصلوا بصلاته، ثم في الليلة الثانية اجتمع أكثر منهم، ثم انتظروه في الثالثة فلم يخرج إليهم، وقال: ((إني خشيت أن تكتب عليكم)) يعني صلاة الليل تفرض، خشي أن تكتب عليهم، وإذا كتبت عليهم قد يعجزون عنها، فترك الصلاة بهم في ليالي رمضان جماعة لا نسخاً لها، ولا عدولاً عنها، وإنما خشيت أن تفرض عليهم.(37/4)
قد يقول قائل: إن الصلاة فرضت خمس في العدد وخمسين في الأجر في كتاب لا يبدل، هن خمسٌ عن خمسين لا يبدل القول لدي فكيف يخشى أن تفرض؟ أهل العلم لهم أجوبة عن هذا، لكن منها: أن خشية الفرض أن التطوع لا يصح إلا جماعة، يفرض عليهم التجميع في التطوع، لا أن الصلاة هذه تفرض عليهم فتزيد على الخمس المعروفة.
وعلى كل حال هذا الحاصل، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلوا وراءه في ليلة، ثم الليلة الثانية كذلك زاد العدد، ثم في الثالثة امتلأ المسجد ولم يخرج إليهم -عليه الصلاة والسلام-, وعلل بذلك "خشية أن تفرض عليهم" فتركه -عليه الصلاة والسلام- للصلاة جماعة في رمضان لا عدولاً عنها ولا نسخاً لها، ولذا لما أمن .. ، أمنت هذه الفرضية بوفاته -عليه الصلاة والسلام- جمعهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على إمامٍ واحد، جمعهم على إمام، خرج وهم يصلون أوزاعاً، كلٌ يصلي لنفسه فجمعهم على إمامٍ واحد، ثم خرج في ليلة وكأنه أعجبه صنيعهم، فقال -رضي الله عنه وأرضاه- كما في الصحيح: "نعمت البدعة هذه"، "نعمت البدعة هذه".
البدعة في الأصل: ما عمل على غير مثالٍ سابق، هذا الأصل في البدعة أنها مع عمل على غير مثال سابق، وفي الشرع: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، عمر -رضي الله عنه- سمى صلاة التراويح بدعة، وهذا الكلام في الصحيح صحيح البخاري "نعمت البدعة هذه" الشارح -الصنعاني- تكلم بكلام لا يليق بأمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-، ولا شك أن هذا من تأثير البيئة التي عاش فيها، وقال بعضهم: إنه لم يسلم من شوب التشيع، وله أكثر من موضع يسيء فيه مثل هذه الإساءة، والبدعة مرفوضة ولو كانت من عمر يقول مثل هذه، وليس في البدع ما يمدح، وكل بدعة ضلالة، نعم كل بدعة ضلالة، لكن مثل هذا يقال في الخليفة الراشد أمرنا بالاقتداء به؟! إذا قال مثل هذا في عمر -رضي الله عنه- في هذا العمل الذي له شرعية سبقت شرعيته من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فماذا يقول عن عثمان -رضي الله عنه- في أمره بالأذان الأول يوم الجمعة؟! وقد تكلموا فيه من سلك هذا المسلك بكلامٍ لا يليق بخيار الأمة وساداتها.(37/5)
إذاً إذا لم تكن هذه بدعة لا لغوية ولا شرعية فما معنى قول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة" عرفنا أن البدعة في الأصل -يعني في اللغة-: ما عمل على غير مثالٍ سبق، وصلاة التراويح جماعة في ليالي رمضان عملت على مثالٍ سبق، صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلتين جماعةً، فليست بدعة لغوية؛ لأن لها مثال سابق، وشيخ الإسلام -رحمه الله- ويقلده كثير من أهل العلم أنها بدعة لغوية، لكن البدعة اللغوية: ما عمل على غير مثالٍ سابق، وهذه لها مثال سابق فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- جماعةً، كونه تركها لعلة لا يعني أنه تركها رغبة عنها، ولا نسخاً لها؛ لأنها لو نسخت ما يكفي أن يقال مثل هذا الكلام، ولا يسوغ لأحدٍ أن يعمل بمنسوخ إلا من جهل أنه منسوخ، وليست ببدعة شرعية؛ لأنها سبقت شرعيتها من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليست من قبيل المجاز؛ لأن المجاز لا يعرف في لغة العرب بالمعنى الذي يفسره به من يقول به، استعمال اللفظ في غير ما وضع له لا يعرف.
إذاً، إذا لم تكن لا بدعة لغوية ولا شرعية ولا مجاز إذاً ماذا تكون؟ على ماذا يحمل قول عمر: "نعمت البدعة"؟ يعني استدل بقول عمر من يقسم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة، بل قسم بعضهم البدع إلى خمسة أقسام تبعاً للأحكام الخمسة التكليفية، فجعل من البدع ما هو واجب، بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) كيف يكون في البدع ما يمدح؟ وكيف يكون من البدع ما هو واجب وما هو مستحب والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة))؟
إذاً ماذا نقول عن قول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة"؟ تجوز يعني مجاز؟ وإلا توسع في العبارة؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما يمسى تجوز هذا، هذا ما يسمى تجوز، لكن هل قيل له: إنها بدعة يعني حقيقةً وإلا تقديراً؟ يعني هل يوجد من قال: إنها بدعة فقال عمر: "نعمت البدعة" ثم إذا قيل ذلك بم يسمى هذا الأسلوب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المحافظة عليها إذاً بدعة، إذاً نقر أنها بدعة، تصير بدعة شرعية وإلا إيش؟
طالب:. . . . . . . . .(37/6)
ما ينفع، إذا قلنا: إن المحافظة عليها .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حافظ، فمن حافظ مبتدع، إذاً من حافظ عليها جماعة مبتدع، والبدع كلها ضلالة نعم، إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إذاً من البدع ما يمدح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) فهل من الضلال ما يمدح؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، يحومون حولها، يحوم بعضهم حول الحمى.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ أمنت الفرضية.
طالب:. . . . . . . . .
لا، عمر وقف على فعله، وعرف أنه فعل -عليه الصلاة والسلام- جماعة، لكنه ترك خشية أن تفرض، لكن ..
طالب:. . . . . . . . .
طيب يعني سن في الإسلام سنة حسنة يبتدع ويكون سنة حسنة؟ أحيا سنة قد ماتت، يعني هذه سنة تركت فأحياها عمر فيكون سنة سنة، إذاً كيف يقول: بدعة؟ هو الإشكال من تسميتها بدعة، هاه؟ إذاً كيف يقول عمر: نعمت البدعة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذاً ويش تصير؟ ما في تكون؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني صلاة التراويح في ليالي رمضان، صلاة النفل، قيام رمضان ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) الحث عليها حاصل، كونها صليت جماعة النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها جماعة، كونه ترك لا نسخ ولا عدولاً عنها إنما خشيت أن تفرض، فتشريعها باقي مع أمن ما خشيه النبي -عليه الصلاة والسلام- من كونها تفرض.
طالب:. . . . . . . . .
هو الذي جمع، هو الذي أمرهم بذلك.
طالب:. . . . . . . . .
من إيش؟ المجانسة والمشاكلة، بعضهم أشار إليه، لكن ما جاؤوا باللفظ اللي هو المطلوب، في قوله -جل وعلا-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة بلا شك، لكن معاقبة الجاني سيئة وإلا حسنة؟ معاقبة الجاني سيئة وإلا حسنة؟ حسنة، سميت في الآية سيئة، من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، من باب المشاكلة، البيت المشهور في المشاكلة:
قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبةً وقميصاً(37/7)
هذه مشاكلة مجانسة، وباب المشاكلة والمجانسة معروف في علم البديع، له أمثلة كثيرة، وهنا لما خرج إليهم عمر ورأى هذا المنظر الذي أعجبه، وقد استند فيه إلى فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يبتدع، فخشي -رضي الله عنه- أن يقال: ابتدعت يا عمر، كأنه قيل له: ابتدعت يا عمر، فقال: "نعمت البدعة" على سبيل المشاكلة والمجانسة في التعبير، وإلا فليست بدعة لا لغوية ولا شرعية.
وحينئذٍ من يتكلم في عمر -رضي الله عنه-، وقد أمرنا بالاقتداء به، وقد اقتدى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في فعل هذه الشعيرة، وقيام الليل جماعةً حتى في غير رمضان له أصل، صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلاها معه ابن عباس جماعة، صلى معه ابن مسعود، المقصود أن صلاة الليل مشروعة جماعات فرادى، أما ما يعامل به عمر -رضي الله عنه- بمثل أسلوب الصنعاني فلا شك أن هذا سوء أدب مع هذا الخليفة الراشد -رضي الله عنه وأرضاه-، "والبدعة مذمومة ولو كانت من عمر! " عمر يبتدع؟! ولا شك أن هذا من تأثير البيئة، فقد عاش الصنعاني ومثله الشوكاني في بيئة يغلب عليها التشيع، وإلا مثل هذا لا يصدر من عالم يقدر الصحابة قدرهم، وحصل منه بعض الشيء مع معاوية -رضي الله عنه وأرضاه-، ومع عثمان حينما أمر بالأذان الأول يوم الجمعة، المقصود أنه يحصل من هؤلاء، ومن الشوكاني حصل بعض الأشياء.
"وعن خارجة بن حذافة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم)) قلنا: وما هي يا رسول الله? قال: ((الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر)) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الحاكم.
وروى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن خارجة بن حذافة" العدوي، ولي القضاء بمصر لعمرو بن العاص، ولما اتفق الخوارج الثلاثة على قتل علي -رضي الله عنه- ومعاوية وعمرو بن العاص، علي -رضي الله عنه- قتل، وعمرو بن العاص كلف خارجة بالصلاة عنه فقتل خارجة، ومعاوية تناوله من وكل به بالسيف فأصاب شيء منه ولم يقتل، في هذا يقول القائل:
وليتها إذ فدت -يعني المنية- ..(37/8)
وليتها إذ فدت عَمراً بخارجة ... فدت علياً بمن شاءت من البشرِ
على كل حال هي المقادير، ولا راد لقضاء الله -عز وجل-.
هذا خارجة بن حذافة يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم)) يعني زادكم صلاةً على ما افترضه عليكم ((هي خيرٌ لكم من حمر النعم)) (أمد) الفعل (مدّ) الثلاثي و (أمدّ) الرباعي؛ لأن الحرف المضعف بحرفين كما هو معروف، يختلف مدّ عن أمدّ وإلا ما يختلف؟ المعنى واحد وإلا يختلف؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب ومدّكم؟ لو جاء في الحديث: "إن الله مدّكم بصلاة هي خيرٌ لكم من .. " الفعل مدّ وأمدّ ما بينهم فرق؟ لو استعرضنا ما جاء في القرآن من مدّ وأمدّ {وَأَمْدَدْنَاكُم} [(6) سورة الإسراء] {وَنَمُدُّ لَهُ} [(79) سورة مريم] هذا في الخير وهذا في الشر، أمدّ في الخير ومدّ في الشر.
((إن الله أمدّكم)) وهذا من باب الخير، ولذا جاء بـ (أمدّ) ((أمدكم بصلاةٍ هي خيرٌ لكم من حمر النعم)) المقصود بها الإبل الحمر التي هي أنفس أموال العرب " قلنا: وما هي يا رسول الله? قال: ((الوتر)) الوتر من آكد الصلوات، ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحافظ عليها سفراً وحضراً ((ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر)) هذا وقت الوتر، لا يصح الوتر قبل صلاة العشاء، وإذا طلع الفجر انتهى وقت الوتر، انتهى وقته، وهو مربوطٌ بصلاة العشاء، فلو جمعت إلى المغرب جمع تقديم ما بين صلاة العشاء يعني سواءً كانت في وقتها في أوله، في أثنائه، في آخره، قبل وقته إذا جمعت العشاء مع المغرب، أوله من صلاة العشاء بعد الفريضة والراتبة يأتي الوتر، يستمر وقته إلى طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر.(37/9)
يقول: رواه أحمد والأربعة "إلا النسائي" بعض النسخ: "رواه الخمسة إلا النسائي" والمعنى واحد "وصححه الحاكم، وروى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .. " وعرفنا مراراً الكلام على هذه السلسلة، والخلاف فيها قبولاً ورداً، وسبب الخلاف، والراجح في ذلك "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" والخلاف في مرجع الضمير في جده هل يعود إلى عمرو أو إلى شعيب؟ والمراد بالجد هو محمد أو عبد الله بن عمرو بن العاص تقدم مراراً، فعندنا "عمرو بن شعيب عن أبيه" شعيب "عن جده" عن جد الأب أو عن جد عمرو؟ يحتمل، فإذا قلنا: "عن جده" أي جد عمرو المراد به محمد بن عبد الله بن عمر بن العاص وهو تابعي، وعلى هذا تكون الأخبار المروية بهذه السلسلة على هذا الاعتبار مرسلة، وإذا قلنا: الضمير في جده يعود إلى الأب "عن أبيه عن جده" يعني جد الأب وهو أقرب مذكور قلنا: المراد بالجد عبد الله بن عمرو بن العاص، وحينئذٍ يكون .. ، ينتفي الإرسال، لكن يبقى النظر في شعيب هل سمع من جده عبد الله بن عمرو أو لم يسمع؟ مسألة خلافية، وقد جاء التصريح به في بعض الأسانيد عند أحمد والنسائي وغيرهما عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، التصريح بذلك.
وجمعٌ من أهل العلم يرون أن هذه السلسلة ضعيفة للخلاف الذي ذكر، وبعضهم يقول: صحيحة والجد معروف، وشعيب سمع من جده، والتوسط في أمر هذا أن يقال: هي من قبيل الحسن، ومر ذلك مراراً.
"وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا)) أخرجه أبو داود بسند لين، وصححه الحاكم.
وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عند أحمد".(37/10)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا)) أخرجه أبو داود بسند لين" يعني فيه ضعف؛ لأن في إسناده عبيد الله بن عبد الله العتكي مضعف عند أهل العلم، وإن صححه الحاكم "وله شاهد ضعيف" أيضاً "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عند أحمد" فالأصل لين والشاهد ضعيف، والحاكم وصححه على عادته في تساهله في ترقية مثل هذا الحديث بالشاهد المذكور، ويصححه مثل ابن حبان، وقبله الترمذي بالشاهد، فالسند اللين يعني ضعفه غير شديد، يمكن أن ينجبر، فإذا وجد له شاهد يقويه ولو كان ضعيفاً إن لم يكن الضعف شديداً فإنه حينئذٍ ينجبر، ولو قيل: بأن الحديث حسن لغيره لما بعد.
((الوتر حقٌ فمن لم يوتر فليس منا)) هذا من حيث الإسناد لو قيل: إنه حسنٌ لغيره ما بعد؛ لأن ضعف الأصل ليس بشديد، ووجد الجابر على القاعدة يمكن أن يرتقي، لكن متنه فيه ما فيه.
((الوتر حق)) مقبول، يعني ليس بباطل ((فمن لم يوتر فليس منا)) النكارة هنا ((من لم يوتر فليس منا)) والأدلة تدل على أن الوتر ليس بواجب، فلا يمكن أن يأتي ((من لم يوتر فليس منا)) مع أن الوتر ليس بواجب إلا إذا تجوزنا في العبارة قلنا: إن ((ليس منا)) ليس على طريقتنا وهدينا وسنتنا في هذه المسألة، في الوتر، يعني ترك سنتنا، وترك هدينا، وترك طريقتنا في الوتر، وهذا محمولٌ على الرجل الذي يترك الوتر بالكلية، ولذا يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "من ترك الوتر رجل سوء ينبغي أن لا تقبل شهادته" وهو محمولٌ على من تركه واستمر على تركه، لا أنه يوتر .. ، لا أنه تركه مرة أو مرتين هذا لا يؤثر؛ لأن الوتر عند الجمهور سنة.(37/11)
"أخرجه أبو داود بسند لين" وقد يقال في بعض الرواة: فلان لين، ويقال في الحديث: سنده لين، أو الحديث لين، يعني فيه ضعف، فمتى يقال للراوي: لين؟ إذا كان حفظه فيه ضعف، نقول: في قاعدة تضبط، يعني إذا لم يكن له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، هذا اللين، "وصححه الحاكم، وله شاهد ضعيف عن أبي هريرة عند أحمد" الشاهد مرّ بنا بالأمس، الشاهد: أن يأتي حديث بلفظه أو بمعناه من طريق صحابي آخر، فإن اتحد الصحابي فهو المتابع، وإن اختلف الصحابي فهو الشاهد.
لكن قول الحافظ: "وله شاهد ضعيف" هل يكفي أن يقال: ضعيف وفي رواته من هو منكر الحديث أو لا بد أن يقول: ضعيف جداً؟ في إسناده الخليل بن مرة وهو منكر الحديث، يكفي أن نقول: ضعيف؟ يعني ينبغي أن يقول: جداً، ينبغي أن يقول الحافظ -رحمه الله-: جداً، ضعيفٌ جداً.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر? قال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)) متفق عليه.
وفي رواية لهما عنها: "كان يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة".
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها".
في حديث "عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" ثبت من حديثها أنه صلى إحدى عشر، ومن حديث أبي هريرة وغيره أنه زاد على الإحدى عشرة، لكن هذا على حسب علمها، كما أخبرت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه ما كان يصوم من العشر ذي الحجة، وثبت عن غيرها أنه كان يصوم، فكونه يترك ويفعل ما لم تطلع عليه لا يعني عدم الوجود.(37/12)
"قالت: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" هذا غالب فعله -عليه الصلاة والسلام-، وهذا ديدنه، لا يزيد على ذلك "يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" والأربع هذه يحتمل أن تكون بسلامٍ واحد، ويحتمل أن تكون بسلامين، إلا أن الحديث السابق ((صلاة الليل مثنى مثنى)) ينفي الاحتمال الأول "يصلي أربعاً" يعني بسلامين لحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى))، "يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" ما يحتاج أن تسأل، حسنهن وطولهن مشهور، لا يسأل عنه، أو "لا تسأل عن حسنهن وطولهن" لأنني لا أستطيع أن أصف هذا الحسن وهذا الطول، لا أستطيع حقيقةً أو لأنك ومثلك لا يحتمل مثل هذا الوصف؛ لأن بعض الناس ينظر إلى الناس ويقيس فعلهم على فعله، يعني لو قيل لواحد من الناس من أوساطنا أنه يمكن قراءة القرآن بيوم قال: مستحيل، يمكن أن يصلي الإنسان في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة قال: مستحيل، لماذا؟ لأنه ما يحتمل هذا العمل، يقيس الناس على نفسه.
بالمقابل من سهلت له العبادة يستغرب أن يوجد شخص يستثقل بعض العبادات أو بعض الأعمال؛ لأنها ميسرة، هذا بالنسبة له، ولذا نقل البخاري في كتاب البيوع من صحيحه عن حسان بن أبي سنان يقول: ما رأيتُ شيئاً أهون من الورع ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) هذا الذي عجز عنه الخواص فضلاً عن العوام، يقول: "ما رأيت شيء .. " لأنه يتحدث عن نفسه، ونحن إذا قيل لنا: إن فلان من الناس يقرأ القرآن في ثلاث أو في يوم قلنا: مستحيل؛ لأننا نقيس الناس على أنفسنا، وهنا تقول: "لا تسأل عن حسنهن وطولهن" لأنك ما تستوعب؛ لأنه ثبت في الصحيح أنه قرأ بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وقراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- مد، يقرأ خمسة أجزاء في ركعة واحدة، وقراءته كانت مداً -عليه الصلاة والسلام-، يعني الهذ والقراءة مع الهذ والسرعة الشديدة الخمسة تحتاج إلى ساعة، ومع الترتيل لا يكفيها ساعتين، إذا أضفنا أنه ركع ركوعاً طويلاً نحو قيامه، سجد سجوداً نحو ركوعه قريباً من ركوعه، كم تكون التسليمة بهذه الصفة؟ كم؟ تحتاج إلى ساعات، ولذا قالت: "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن".(37/13)
مثل ما ذكرنا عن قياس الناس على النفس طرداً وعكساً، نُقل عن بعض علماء المغرب وهذا يستغرب في الوقت الحالي، في. . . . . . . . . السابع، نقل عنه أن الخلاف في كفر تارك الصلاة خلاف نظري، خلاف نظري لا حقيقة له في الواقع لماذا؟ لأنه لم يتصور أن من ينتسب إلى الإسلام يترك الصلاة، العلماء افترضوا هذه المسألة وإلا لا وجود لها، هذا وين يشوف؟ يندر أن يوجد بيت من بيوت المسلمين ما يوجد فيه واحد إما يؤخر الصلاة عن وقتها من ذكر أو أنثى، أو ما يصلي بالكلية، ابتلي الناس بمثل هذا، ويقول: هذه مسألة افتراضية ما يمكن، احتمال أن يكون في وقت شرار الناس بعد الدجال بعد كذا يمكن، لكن في أوقات استقامة الأحوال ما يمكن، افتراضية هذه، هذا شخص يتحدث بقدر ما عنده، والله المستعان.
"يصلي أربعاً -عليه الصلاة والسلام- فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً" هذه إحدى عشرة ركعة، من أراد أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام- بالكيفية والكمية فهذا هو المتبع، لكن من قال: أنا أقتدي به في الكمية أصلي إحدى عشرة، كل ركعة بدقيقة مجزئة. . . . . . . . . تسمى ركعة صحيحة بدقيقة، إحدى عشر دقيقة، اثنا عشر دقيقة وهو منتهي من الوتر، ومع ذلك يقول مثل هذا: إن الزيادة على الإحدى عشر بدعة؛ لأن النبي ما كان يزيد -عليه الصلاة والسلام- على الإحدى عشرة، نقول: الذي لم يزد وعرفنا صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- هو الذي قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يعني استمر تصلي مثنى مثنى هل حدد؟ ما حدد، إنما قال: ((فإذا خشيت الصبح فصل واحدة توتر لك ما قد صليت)) فإطلاق هذا الحديث يدل على أنه لا عدد محدد، لا تحديد للعدد، ولذا من يقول: إن الزيادة بدعة نقول: لا، قوله مردود، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أطلق ولم يحدد ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لو تصلي عشرين ثلاثين تسليمة داخل في حديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لكن إذا خشيت الصبح تصلي واحدة.(37/14)
كونه -عليه الصلاة والسلام- ما زاد ثبت أنه زاد، لكن هذا على حد علمها -رضي الله عنها وأرضاها-، وقد يصلي ولا تراه، ولها ليلة من تسع ليال، لكن يمكن عندها ما زاد، مع أنها نقلت أنه صلى ثلاثة عشرة، وجاء في المسند أنه صلى خمس عشرة، وأوتر بثلاث، أوتر بخمس، أوتر بسبع، أوتر بتسع، المقصود أن العدد ليس مراد ولا محدد ((صلاة الليل مثنى مثنى)) نعم، إن أردت أن تقتدي به -عليه الصلاة والسلام- فتصلي إحدى عشرة على الصفة التي جاءت عنه على الكيفية والهيئة التي ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- بهذا يتم الاقتداء، أما تأخذ ما يروق لك من عدد وتترك الكيفية هذا ما يجي.
"فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر? قال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)) " هذا الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام-، تنام عيناه، وينفخ في نومه، وله خطيط -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلكم قلبه يقظ، قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف نام عن صلاة الصبح حتى أيقظه حر الشمس؟ أين قلبه -عليه الصلاة والسلام- عن الفريضة؟ نام حتى أيقظه حر الشمس؟ نقول: في هذه اللحظة نام قلبه، نام قلبه، وإلا لو كان القلب يقظ ما ترك الفريضة، ونام قلبه -عليه الصلاة والسلام- في هذه اللحظة من أجل المصلحة، مصلحة التشريع، كما أنه نسي سها للتشريع، أيضاً نام عن صلاة الصبح للتشريع، وقلنا: إن هذا تشريع، وهذا أيضاً فيه تسلية لأتباعه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو لم يحصل منه هذا النوم الذي بسببه خرج وقت الصلاة لتقطعت القلوب أسىً قلوب من تفوته الصلاة من أهل الحرص يتقطع قلبه أسىً، لكن في ذلك تسلية وليس في هذا مستمسك للمفرطين، كونه يحصل منه -عليه الصلاة والسلام- مرة واحدة لا يعني أن الإنسان ينام ويقول: الرسول نام -عليه الصلاة والسلام-، لكن مع الحرص الشديد، ومع الاحتياطات، وبذل الأسباب وانتفاء الموانع نام الحمد لله، ليس في النوم تفريط، أما يكون عادته وديدنه النوم عن صلاة الصبح أو عن غيرها من الصلوات نقول: لا يا أخي، "من نام ... " أو ((من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله)).(37/15)
"فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ فقال: ((يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي)) إذا صلى الأربع ثم الأربع واضطجع قبل أن يوتر، وسمع له الخطيط، ثم أوتر بعد ذلك لا ينتقض وضوؤه؛ لأن قلبه يقظ، وذكروا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- أن نومه لا ينقض الوضوء.
"متفق عليه، وفي رواية لهما عنها: "كان يصلي من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة" والمراد بالسجدة هنا إيش؟ الركعة، وقلنا: إن في النصوص جاءت السجدة ويراد بها الركعة، ومثال ذلك ما جاء في الصحيح: ((من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) والسجدة إنما هي الركعة، يعني بهذا الحديث، كما أنه جاء إطلاق الركوع ويراد به السجود، كما في قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعاً} يعني ساجداً {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] يعني ساجداً.
"ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة" يعني المجموع، عشر وواحدة إحدى عشر، وركعتين ثلاث عشرة.
الحديث الذي يليه: "وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها" يعني أنه -عليه الصلاة والسلام- يصلي ثمان ركعات على الصفة المشروحة سابقة، "يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطوله، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" ثم يوتر بخمس، فثبت أنه زاد على الإحدى عشر، وهي تقول -رضي الله عنها وأرضاها-: "ما زاد ... لا في رمضان ولا في غيره" وهنا وهو مخرج في صحيح مسلم، وإن قال الحافظ: إنه متفق عليه، لكن عزوه للبخاري وهم.
فثبت أنه زاد على الإحدى عشرة، فكونه صلى ثلاثة عشرة لا يعني أن لا يزيد الإنسان إلى خمسة عشرة، إلى سبعة عشرة، إلى تسعة عشرة، هو الذي يشكل في الباب كونه ما زاد "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة" هذا الذي يشكل، وهو الذي حمل بعضهم على أن يقول: الثلاثة عشرة بدعة، الخمسة عشرة بدعة، ما زاد على إحدى عشرة كله بدعة.(37/16)
نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- صلى ثلاث عشرة، وما دام صلى ثلاث عشرة فالزيادة مطلوبة، ويؤيدها إطلاق الحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) فالعدد غير مراد، كونه يغلب عليه -عليه الصلاة والسلام- أنه يصلي إحدى عشرة لا يعني أن العدد ملزم.
"كان يصلي" (كان) وكان أيضاً تدل على الاستمرار "كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس" هل معنى هذا أنه يصلي ست ثم يوتر بخمس ثم ركعتي الفجر؟ أو أنه "يصلي أربعاً" كما شرح "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً .. " ثم يوتر بخمس، هناك يوتر بثلاث وهنا يوتر بخمس، فصلى ثلاث عشرة ركعة.
"وعنها قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فانتهى وتره إلى السحر" متفق عليهما".
"متفق عليهما" عرفنا أن عزو الحديث السابق إلى البخاري وهم، وإنما هو من أفراد مسلم.
"وعنها -رضي الله عنها- قالت: "من كل الليل أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني من أوله ومن أثنائه "فانتهى وتره إلى السحر" انتهى وتره إلى السحر يعني آخر الليل، آخر الليل الذي هو وقت الاستغفار، يصلي -عليه الصلاة والسلام- في أول الليل وفي أثنائه وفي آخره "فانتهى وتره إلى السحر" وفي هذا دليلٌ على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الصبح، وإن قال بعض أهل العلم أنه يقضى الوتر بعد طلوع الفجر، وفعله بعض السلف، لكن هذا الحديث وما في معناه مما سبق ((فإذا خشيت الصبح فصل واحدة توتر لك ما قد صليت)) أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر.
"وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه".(37/17)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله)) يعني يا عبد الله بن عمرو يخاطبه ((لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه" وهذا يدل على أهمية قيام الليل وفضل قيام الليل، ويدل أيضاً على فضل المداومة على العمل، المداومة على العمل الصالح، وأن من عمل عملاً صالحاً عنده فيه حجة شرعية لا ينبغي له أن يتركه؛ لأن الترك نكوص عن الحق، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، لكن ما يمنع أن يكون الشخص يعمل العمل في وقت نشاط، ثم يفتر عنه، ثم يعود إليه، ولا يمنع أن يتركه إلى أهم منه، قد يلزم الإنسان عمل يداوم عليه من النوافل ثم يرى أن غير هذا العمل أفضل منه، مثال ذلك: لو أن أحداً من أهل العلم لزم عبادة من العبادات، صيام نوافل مثلاً، قيام الليل، صلاة أعداد من الركعات أثناء النهار، ثم رأى أن هذا العمل يعوقه عن تعليم الناس الخير، أو رأى أن مثل هذا العمل يضعفه عن عمله المنوط به، ثم ترك بعضه وخفف، يعني هل الأفضل للعالم مثلاً أن يقرأ القرآن كل يوم، يختم كل يوم، أو يخفف من القراءة ويعلم الناس الخير؟ لو كان ديدنه يقرأ القرآن في ثلاث، لكن قراءته القرآن في ثلاث تعوقه عن بعض الدروس، عن بعض التصدي لقضاء حوائج الناس، لا سيما إن كان ممن يحتاج إليه، أو إفتاء الناس وتوجيههم، ألا يقال له: اقرأ القرآن في سبع وعلم الناس الخير، يقول: يا أخي أنا معتاد سأقرأ في ثلاث، وترك العمل مذموم، نقول: نعم إذا تركته لما هو أفضل منه لا تذم.
أما هنا يقول: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) نعم قيام الليل دأب الصالحين، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم الرجل عبد الله -ابن عمر- لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، قيام الليل دأب الصالحين، والله المستعان.(37/18)
((لا تكن مثل فلان)) فلان ما سمي، في الغالب أن ما يأتي بمثل هذا السياق لا يسمى، ولا يحرص على تسميته ستراً عليه، يعني كتب المبهمات تعنى ببيان مثل هذا، إذا مر فلان شخص مبهم يسمونه، ويبحثون عنه، ويحرصون على جمع الطرق من أجل أن يظهر هذا الاسم، ومعرفة المبهمات لا شك أن لها فوائد، لكن مثل هذا الذي ورد في مثل هذا السياق يستر عليه؛ لأن السياق سياق ذم.
((لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) ففي هذا استحباب المداومة على العمل الصالح، وعدم ترك ما اعتاده الإنسان إلا إذا كان تركه إلى ما هو أهم منه وأفضل منه مطلوب و ((أحب العمل إلى الله أدومه)) في رواية: ((ما دام عليه صاحبه)) أو ((ما داوم عليه صاحبه)) فالمداومة على العمل والمتابعة أفضل، والانقطاع فعل العمل ثم الانقطاع لا شك أنه يشعر بشيء من الرغبة عن العمل الصالح، فبدلاً من أن يزداد الإنسان ينقص، لا شك أن هذا مذموم شرعاً.
يقول: هل يصح القول في سجود الشكر: "اللهم أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي"؟
لا، هذه مسائل الأذكار توقيفية، فيقال في السجود سجود التلاوة وفي سجود الشكر ما يقال في سجود الصلاة؛ لعموم ((اجعلوها في سجودكم)) يضاف إلى ذلك ما جاء في سجود التلاوة في السنن وغيرها مما ذكرناه، وهو أيضاً السجود موضع أيضاً للدعاء ((وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) فيسبح سبحان ربي الأعلى ثم يدعو بما شاء.
يقول: من كانت عادته أن يوتر بإحدى عشرة ركعة فقام في أول الليل بالإيتار بسبعٍ على أمل أن يقوم آخر الليل فيصلي أربع تمام الإحدى عشرة فما حكم فعله؟
يأتي بحديث: ((أجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) أنه ينبغي أن يكون الوتر بآخر الليل، لكن إذا لم يضمن القيام في آخر الليل وأوتر في أول الليل يأتي أنه يصلي من الليل مثنى مثنى بعد ذلك، والأمر في الأمر بجعل آخر الصلاة وتر هذا أمر إرشاد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر.
يقول: نحن نعيش في منطقة يقل فيها طلبة العلم، وقد قام أحد الإخوة بمنع المؤذن أن يؤذن الأذان الأول يوم الجمعة محتجاً بعدم وجود محلات تجارية وأسواق؟(37/19)
ليس له أن يمنع الأذان الأول من يوم الجمعة الذي سنه الخليفة الراشد، أمرنا باقتفاء أثره، وأقره الصحابة، لم يخالفه ولم يعارضه أحد، وأجمعوا على ذلك، وأطبقت عليه الأمة إلى يومنا هذا، فليس له أن يمنع.
يقول: هل من الحسن أن يصلي الإمام خمساً أو سبعاً أو تسعاً في رمضان إذا أراد أن يصلي الوتر؟
شريطة أن يعرف أن من خلفه يحتمل ذلك ويطيقه بسلامٍ واحد، ولا يوجد منهم من له الانصراف قبل ذلك لا مانع؛ لأن الإيتار بهذه الأعداد شرعي.
يقول: هل الأصل في الوتر إذا كان ركعاته ثلاث صلاتها بتسليمة واحدة أم بتسليمتين؟
له أن يصليها بتسليمة واحدة، وله أن يفصل بين الثلاث بالسلام بعد الثانية ثم يسلم، والأمر فيه سعة.
يقول: لماذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يخشى أن تفرض بعض الأعمال إذا داوم عليها؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- من رحمته بأمته ورأفته بهم يخشى أن يفرض عليهم ما لا يستطيعون الدوام عليه، فيأثمون بتركه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رءوف رحيم بأمته، يشق عليه ما يشق عليهم، فخشيته أن تأثم الأمة بترك ما افترض الله عليهم.
يقول: ذكرت في ليلة البارحة أن الوتر لا يقضى في النهار؟
ما ذكرنا هذا، بل قلنا: إنه يقضى بعد ارتفاع الشمس إلى زوالها، وأن من كانت عادته أن يوتر بثلاث يصلي أربع، ومن كانت عادته يوتر بخمس يصلي ست وهكذا.
هل يجوز صلاة الوتر أو قيام الليل جماعة في غير رمضان؟ وما الحكم إذا كان مع المداومة؟
أصل المسألة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بابن عباس، وصلى أيضاً ومعه ابن مسعود، فهذا أصل للجماعة في النافلة لا سيما قيام الليل.
ما الجمع بين قوله: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) وبين قول عائشة: ((يوتر من ذلك بخمس))؟
نعم، يوتر بخمس، يوتر بثلاث، يوتر بسبع، يوتر بتسع بسلامٍ واحد، فالوتر غير الصلاة المطلقة، الصلاة المطلقة مثنى مثنى، فإذا أراد الوتر فبسلام واحد.
يقول: كيف نوفق بين حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يزيد في رمضان إلى آخره .. وحديث: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يستفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين؟(37/20)
لا تعارض، وعرفنا أن العدد غير مقصود، فأحياناً يزيد ركعتين قبل الإحدى عشرة، وأحياناً بعد الوتر يأتي بركعتين، وأحياناً من قيام، وأحياناً من جلوس، فالأمر فيه سعة.
ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة، يصلي أربعاً ثم يصلي أربعاً، لماذا قالت: أربعاً ثم قالت أربعاً ولم تقل ثمانية؟ لماذا قالت: أربعاً ثم أربعاً ولم تقل ثمانية؟ ولم تقل ركعتين ركعتين إلى الحد المعلوم ألا يبين أنه كان يصلي الأربع بسلامٍ واحد؟
لا، يصلي أربع بسلامين ثم يفصل، وهذا مقتضى العطف بـ (ثم)، ثم يصلي أربعاً بسلامين من غير فاصل، يسلم من الاثنتين ثم يشرع في الاثنتين الأخريين ثم يفصل، بدليل العطف بـ (ثم)، ومن هذا أخذ أهل العلم اسم صلاة التراويح؛ لأنهم يتروحون بعد كل تسليمتين.
يقول هذا: أم يدل على أنه كان يرتاح بعد كل أربع؟
هذا هو الصحيح.
يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان)) هل يستدل به، أو يستدل من هذا الحديث أنه يجوز عند النصيحة المقارنة بشخص معروف لدى المنصوح؟
لا مانع من أن يقال: لا تصير مثل فلان، كان يطلب العلم ففتر ما يمنع، إذا لم يقصد بذلك النيل من فلان، وتنقص فلان، لا سيما إذا كان المتروك سنة، أما إذا كان القصد منه التنقص والازدراء به فلا يجوز.
هنا أسئلة من برا من الإنترنت يقول: كثيرٌ من المشايخ والدعاة خاصة في البلدان الأجنبية كاستراليا يحرمون شراء البضائع اليهودية من الأطعمة، ولكن كيف لنا ألا نشتري منها وهي البضائع الوحيدة التي لها الترخيص الحلال في هذه البلاد، وسواها يحوي شحوم خنزير، أو شحوم الأبقار والأغنام التي لم تذبح شرعاً، فما الحكم الشرعي في هذه المسألة؟(37/21)
على كل حال ذبيحة أهل الكتاب حلٌ لنا، فإذا ذبح اليهود ما يجوز لنا أكله من الأنعام فلا شك أن مصلحة المقاطعة ظاهرة، لكنها مصلحة عارضة، يعني ليس تقديمها بأولى من تقديم الكف عن المحرم لذاته، يعني إذا كان لدينا ذبيحة يهودي، وطعام اليهود حلٌ لنا، والمذبوح من أكلنا من بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، ووجد طعام كتابي ليس بيننا وبينهم حرب، وليست بيننا وبينهم مقاطعة، لكن طعامه فيه ما يقتضي تحريمه لذاته، إما أمور محرمة كحول وما كحول ومخدرات ومسكرات، أو شحوم خنزير أو كلاب أو شيء مما حرم علينا أكله، فلا شك أن ما مُنع لطارئ أخف مما منع لذاته، فنأكل من ذبيحة اليهودي ونترك ذبيحة الثاني، وإن لم يكن بيننا وبينه حرب لما يشتمل عليه طعامه من تحريم لذاته، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(37/22)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (24)
تابع شرح: باب: صلاة التطوع
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر)) رواه الخمسة، وصححه ابن خزيمة".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن علي ... -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أوتروا يا أهل القرآن)) هذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب، وهذا الحديث من أدلة من يقول بوجوب الوتر وهم الحنفية، لكن الجمهور عندهم من الصوارف ما يجعل هذا الأمر أمر استحباب، وذكرنا من الصوارف بعض الأحاديث السابقة.
((أوتروا يا أهل القرآن)) المراد بأهل القرآن هم أهل العناية بالقرآن، والأصل أن المسلمين كلهم أهل عناية بالقرآن، ولذا قيل لهم: ((يا أهل القرآن)) والمراد المسلمين في مثل هذا النص يراد بأهل القرآن المسلمون، فالأمر متجه إلى المسلمين، لكن في النصوص الأخرى يراد بأهل القرآن أهل العناية به، الذين يَقرَؤونه ويداومون النظر فيه على الوجه المأمور به، ويُقرِؤونه الناس قراءة وفهماً وحفظاً وتدبراً ودراسة وتدريساً وتعلماً وتعليماً، هؤلاء هم أهل القرآن.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- في زاد المعاد يقول: "أهل القرآن هم أهل العناية به، الذين هم أهل الله وخاصته، أهل العناية به ولو لم يحفظوه" لكن لا شك أن الحفظ من العناية بالقرآن، لكن قد يقول قائل: أنا عجزت أحفظ القرآن ألا يمكن أن أكون من أهل القرآن؟ نقول: نعم بلى، تكون من أهل القرآن إذا كنت من أهل العناية به، اعتنِ بالقرآن قراءة وفهماً وترتيلاً وتدبراً وإقراءً وتكون بإذن الله من أهله وإن عجزت عن حفظه.(38/1)
((أوتروا يا أهل القرآن، فإن الله وتر يحب الوتر)) الوتر: الواحد، وهو الفرد، وهو الواحد الأحد، الله -جل وعلا- وتر، والصلاة بركعة واحدة وتر، الصلاة بثلاث وتر، الصلاة بخمس وتر ((فإن الله وتر)) وهذا من الأمور المشتركة، الواحد من الناس يقال له: وتر، ويقال له: واحد، ويقال له: أحد، ولذا قالوا في جمع الآحاد: أحد، وأنكر ذلك ثعلب، وهو من أئمة اللغة المحققين، قال: "حاشا أن يكون للأحد جمع" لأنه نظر إليه باعتباره اسماً من أسماء الله -جل وعلا-، فلا يكون له جمع، حاشا أن يكون للأحد جمع، لكن خفي عليه أن اليوم الذي يلي السبت يقال له: الأحد، وجمعه؟ كما في الشهر من أحد؟ أربعة آحاد، فالآحاد: جمع أحد وإن أنكر ذلك ثعلب؛ لأن من الأسماء الحسنى ما هو مشترك، الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم السلام- {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ} [(51) سورة يوسف] هذا مشترك، والله وترٌ، والواحد من الناس يقال له: فرد، ويقال له: وتر، ويقال له: واحد، ويقال له: أحد "الله وترٌ يحب" إثبات المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، إثبات صفة المحبة، تظافرت النصوص في الكتاب والسنة على إثبات صفة المحبة لله -عز وجل-، وأهل السنة قاطبة على إثباتها على ما يليق بجلال الله وعظمته "يحب الوتر" يعني من باب محبة المجانس والمشاكل في التسمية، وإلا الله -جل وعلا- ليس كمثله شيء، يقول بعضهم: معنى (يحب) يثيب، وهذا من باب التفسير باللازم، فإن كان من فسر باللازم ممن يثبت الصفة قبل وإلا فلا، مثال ذلك: كثيراً ما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((والذي نفسي بيده)) عليك أن تقول: في النص إثبات اليد لله -جل وعلا-، لكن الذي يقول: معناه روحي في تصرفه، إن كان ممن عرف بإثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته نقول: تفسير صحيح، من الذي روحه ليست في تصرف الله -جل وعلا-، لكن الذي لا يعرف بإثبات الصفات نقول: هذا فرار، وهذا تأويل، فالله -سبحانه وتعالى- يثيب من يحب، ويقبل منه عمله إذا أحبه {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [(222) سورة البقرة] {يُحِبُّ(38/2)
الْمُحْسِنِينَ} [(195) سورة البقرة] يحبهم بمعنى فيه من جهة إثبات المحبة لله -جل وعلا- باعتبار ما يتعلق به، وباعتبار ما يتعلق بالمخلوقين الإثابة والقبول.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) متفق عليه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) يعني اختموا صلاة الليل -قيام الليل التهجد- بالوتر، فاجعلوه آخر ما تؤدونه من هذه الصلاة في هذا الوقت بالليل، وأما بالنسبة للنهار فلا وتر فيه إلا صلاة المغرب، وجاء في حديث عائشة الذي أشرنا إليه سابقاً: ((وإلا المغرب فإنها وتر النهار)) يعني يختم بها عمل النهار، وأما بالنسبة لليل فآخر عمل الإنسان بالليل يكون وتر؛ لن الله يحب الوتر، فيختم العمل بما يحبه الله -جل وعلا-.(38/3)
((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) مقتضى الأمر ((اجعلوا)) للوجوب، لكن جاء من الأدلة ما يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر، ولذا من أوتر في أول الليل، ثم تيسر له أن يقوم من آخر الليل، نقول له: خلاص أنت صليت الوتر ولا صلاة بعده، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه صلى بعد الوتر، نقول له: صل من الليل ما شئت، لكن مثنى مثنى، نعم من غلب على ظنه أنه يقوم من آخر الليل المستحب بالنسبة له أن يجعل آخر صلاته بالليل وتر للأمر الوارد في الحديث، لكن إذا غلب على ظنه أنه لا يستطيع القيام من آخر الليل أوتر في أوله، وقد أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة -رضي الله عنه- أن يوتر قبل أن ينام، وعلى هذا كلٌ يعرف نفسه، ويعرف حاله، الذي يغلب على ظنه أنه لا يقوم من آخر الليل يوتر من أول الليل؛ لئلا يفوته ما يحبه الله -جل وعلا-، فإذا أوتر في أول الليل ثم تيسر له أن انتبه يصلي مثنى مثنى، وقال بعضهم: يشفع وتره السابق، بمعنى أنه يفتتح صلاته بركعةٍ واحدة تشفع له الوتر السابق، ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر بعد ذلك، فتكون الركعة التي ابتدأ بها صلاته شفعت وتره الأول، ويكون على هذا ختم صلاته وجعل آخر صلاته بالليل وتراً قيل بهذا، لكن الحديث الذي يليه حديث: ((لا وتران في ليلة)) هو من باب أولى لا أكثر من ذلك، فإذا شفع وتره بركعة ثم أوتر بآخر صلاته كم يكون أوتر؟ أوتر ثلاث أوتار، وجاء النفي ويراد به النهي لصلاة الوتر أكثر من مرة، مرتين فأكثر على ما سيأتي في الحديث الآخر.
المقصود أن الأمر هنا أمر إرشاد أن تختم الصلاة بالوتر صلاة الليل كما ختمت صلاة النهار بصلاة المغرب وهي وتر.
"وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة)) رواه أحمد والثلاثة، وصححه ابن حبان".(38/4)
"طلق بن علي" الحنفي "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة)) (لا) هذه نافية وإلا ناهية؟ نافية، ويأتي النفي ويراد به النهي، وإذا جاء النهي بلفظ النفي صار أبلغ، النفي الأصل فيه يتجه إلى حقيقة الشيء وذاته، فإذا نفيت الحقيقية فلأن تنفى الصحة من باب أولى، يعني إذا قلنا: شخص أوتر مرتين في ليلة والنص يقول: ((لا وتران)) هو أوتر، كيف تنفى حقيقة الوتر الموجودة؟ هذا مبالغة في نفي الصحة؛ لأن نفي الصحة قد تنفى الصحة وتبقى الحقيقة، لكن إذا نفيت الحقيقة صار أبلغ في نفي الصحة
وأيضاً ما يعمل على غير هدي، وعلى غير مراد الله وجوده مثل عدمه، كأنه معدوم، ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للمسيء ((صل فإنك لم تصل)) يعني لو قال شخص آخر: إنه صلى، قرأ وركع وسجد هي صلاة ((لم تصل)) هذا نفي للحقيقة، لكن هل المراد به نفي الحقيقة العرفية؟ هو صلى في عرف الناس، في عرفهم صلى، لكن نفي للحقيقة الشرعية، وهنا النفي متجه إلى الحقيقة الشرعية.
((لا وتران)) (لا) هذه نافية، و ((وتران)) هل هذه نافية للجنس أو نافية للوحدة؟ إذا قلنا: نافية للجنس فمقتضى ما بعدها أن يكون منصوب وإلا مبني على الفتح؟ وحينئذٍ يكون الأصل: "لا وترين" ويكون في هذه الحالة المثنى جاء على لغة من يلزمه الألف في جميع الحالات، كلام صحيح وإلا فيه شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذه نافية للجنس وإلا للوحدة؟ هو ما عندنا إما نافية للوحدة وإلا نافية للجنس، لجنس الوتر أو للمفرد، بغض النظر عن كونه مثنى أو جمع، لكن الكلام على اللفظ: ((لا وتران)) أجيبوا يا الإخوان أين العربية؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .(38/5)
ترى فيه لغة عند بعض العرب، وهي معتبرة إلزام المثنى الألف: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [(63) سورة طه] على قراءة الإيش؟ التشديد تشديد إنّ، على لغة من يلزم المثنى الألف، الأصل: (إنّ هذين) لكن على لغة من يلزم المثنى الألف، قال: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [(63) سورة طه] وإن هذه مخففة من الثقيلة، وإذا خففت قل العمل، يقل عملها، خففت (إن) فقل العمل، لكن على قراءة التشديد على لغة من يلزم المثنى الألف كما هنا ((لا وتران في ليلة)) في ليلةٍ واحدة، وهذا يرد على من يقول بنقض الوتر، وأنه يصلي ركعة تشفع وتره الأول، ثم يصلي ما شاء، ثم يوتر في آخر الليل ليمتثل الأمر الوارد في الحديث السابق: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) لكن لو أوتر مع الإمام في أول الليل، أوتر مع الإمام في صلاة التراويح في أول الليل ثم سلم الإمام فجاء بركعة تشفع له وتره، هل يدخل في النفي هنا في الحديث؟ لأنه ما أوتر أصلاً، ما أوتر في أول الليل، إنما صلاها شفعاً، وهل يدخل في حديث: ((من صلى مع الإمام حتى ينصرف)) فإذا زاد على صلاة الإمام يدخل في حديث: أنه قام الليل كله إذا زاد؟ أما إذا نقص أمره معلوم ((حتى ينصرف)) وإذا زاد دخل من باب أولى، وحينئذٍ من أراد أن يوتر آخر الليل يشفع، إذا أوتر مع الإمام يشفع وتره فيزيد ركعة، يمكن أن يرد على هذا؟ لو أوتر الإمام بثلاث بسلامٍ واحد هل يزيد ركعة فيشفع وتره فيكون حينئذٍ صلى أربع ركعات بسلامٍ واحد فيكون قد خالف ((صلاة الليل مثنى مثنى))؟ أو نقول: حينئذٍ لا تشفع الوتر لأنك زدت على الركعتين وإذا قمت من آخر الليل تصلي مثنى مثنى؟ أو يشفع في هذه الحالة؟ إذا أوتر الإمام بثلاث بسلامٍ واحد أو بخمس أو بسبع وأراد أن يشفع الوتر ليقوم من آخر الليل ويجعل آخر صلاته بالليل وتر يشفع وإلا ما يشفع إذا زاد الإمام على ركعتين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يكون صلى أربع ((صلاة الليل مثنى مثنى)) وعرفنا أنه إذا قام في التراويح إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في الفجر.
طالب:. . . . . . . . .
يصلي ركعتين ثم يسلم قبل الإمام؟ فيكون انصرف قبل الإمام فلا يكتب له قيام ليلة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(38/6)
يشفع وتكون صلاته ما زاد على الثنتين غير مقصودة، فلا يكون حينئذٍ خالف النص: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لكن يبقى أنها مخالفة سواءً كانت مقصودة أو غير مقصودة، هي مخالفة.
"وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] " رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وزاد: "ولا يسلم إلا في آخرهن".
ولأبي داود والترمذي نحوه عن عائشة وفيه: "كل سورة في ركعة، وفي الأخيرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] والمعوذتين".
حديث: "أبي بن كعب -رضي الله عنه-" فيه ما يقرأ في صلاة الوتر، يقرأ إذا أوتر بثلاث في الأولى: "بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] وفي الثانية: " {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] " وفي الثالثة: " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] " يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وزاد: "ولا يسلم إلا في آخرهن" عرفنا سابقاً أن له أن يسلم أن تكون الثلاث بسلامين وأن تكون بسلامٍ واحد له ذلك، لكن المنهي عنه تشبيه الوتر بالمغرب، بمعنى أنه يصلي الركعتين، ثم يجلس بعد الثانية ويتشهد ثم يقوم ليأتي بالثالثة، وحينئذٍ يكون قد شبه الوتر بالمغرب، وهذا جاء النهي عنه.
الحديث الذي يليه مثل هذا، يقول: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] في الركعة الأولى، وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] والثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] والمعوذتين عند أبي داود والترمذي، لكن لفظ المعوذتين غير محفوظ ضعيف، فيه خصيف الجزري مضعف، بل نص بعضهم على أن هذه الزيادة -زيادة المعوذتين- منكرة، فالثابت ما ذكر من السور الثلاث.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم، ولابن حبان: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)).(38/7)
حديث أبي سعيد يبين آخر وقت الوتر "أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) وعرفنا سابقاً أن وقت الوتر من صلاة العشاء إلى طلوع الصبح هذا وقته ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) فهذا دليل على أن الوتر يفعل قبل طلوع الصبح، وإذا خشي الإنسان الصبح فليصل ركعة، إذا خشي، ما هو بإذا أصبح، إذا خشي أن يطلع عليه الصبح يصلي له ركعة توتر له ما قد صلى
((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم، ولابن حبان: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)) انتهى وقته، انتهى وقته، الحديث الذي يليه حديث أبي سعيد أيضاً يدل على أن من نام .. ، نعم اقرأ، اقرأ الحديث.
"ولابن حبان: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)) وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) رواه الخمسة إلا النسائي".
هذا الحديث قد يكون فيه نوع معارضة للأحاديث السابقة، حديث أبي سعيد الثاني: "وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصلِ إذا أصبح أو ذكر)) ((من نام .... فليصل إذا أصبح)) يعني إذا أصبح دخل في الصبح، ومثله إذا أمسى، إذا أنجد يعني دخل نجد، إذا أتهم دخل تهامة، إذا أظلم دخل في الظلام، مقتضى هذه الصيغة أنه بمجرد دخوله في الصبح يصلي إذا نسي، وهذا فيه معارضة لما سبق من الأحاديث، وقد عمل بهذا جمع من السلف، ورأوا أن الذي يخرج بالصبح فالوقت الاختياري للوتر، وأما وقته الاضطراري فيبقى إلى قيام صلاة الصبح.
((من نام عن الوتر أو نسيه)) عندنا من نام أو نسي ((فليصل)) من نام إذا أصبح، ومن نسي إذا ذكر، وهذا فيه ما يسمى باللف والنشر، مرتب وإلا مشوش؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لف ونشر هنا، مرتب، مرتب؛ لأن الكلمة الأولى مناسبة للكلمة الأولى من الجملة الأولى، الكلمة الثانية من الجملة الثانية مناسبة للكلمة الثانية من الجملة الأولى، فهذا يسمى عندهم باللف والنشر المرتب، وقد يأتي اللف والنشر مشوشاً، وبكلٍ منهما جاء القرآن أفصح الكلام، جاء مرتب وجاء غير مرتب.(38/8)
هنا: ((من نام عن الوتر)) نام على أساس أن يقوم، ما انتبه إلا والمؤذن يؤذن لصلاة الصبح ماذا نقول له؟ مقتضى هذا الحديث أن يوتر، وهذا محفوظ عن جماعة من السلف، لكن النصوص السابقة كلها تدل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر، وهي أكثر وأرجح من حيث الصحة، مجموعها أرجح من هذا، وقد عمل بهذا جماعة من السلف، حفظ عنهم أنهم أوتروا بعد طلوع الفجر، فمن فعله عاملاً بهذا الحديث مقتدياً بمن سلف ما ينكر عليه، لكن النصوص الأكثر والأصرح، الأكثر والأصرح تدل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الصبح، وحديث الباب يمكن تأويله، فالصبح ما ينتهي بصلاة الصبح، إنما يستمر بعد طلوع الشمس يقال له: صبح، بعد طلوع الشمس وارتفاعها يقال له: صبح ما لم يمسِ، فهو مصبح ما لم يمسِ، فيحمل هذا على أنه ((إذا أصبح)) يعني في أول النهار بعد ارتفاع الشمس، وبعد خروج وقت النهي، إذا نسيه يصليه إذا ذكره، وهذا أيضاً ليس على إطلاقه، افترض أنه ما ذكر الوتر إلا بعد صلاة الظهر، نقول: تقضي؟ خلاص فات محله، فات محله.
"وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)) رواه مسلم".(38/9)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله)) إذا غلب على ظنه أنه لا يقوم من آخر الليل إما لثقلٍ في نومه، أو لتعب يحس به، أو أنه إذا نام لن يقوم هذا يوتر من آخر الليل، وأوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام، لعله لما عرف عنه من ثقلٍ في نومه، وأنه يغلب على الظن أنه لا يقوم، وحينئذٍ إذا خاف وغلب على ظنه أنه لا يقوم من آخر الليل فإنه يوتر قبل أن ينام من أول الليل، وبعض الناس يغالط نفسه، يلبس عليه الشيطان، يسهر فإذا بقي على طلوع الصبح ساعة قال: أرتاح قليلاً ثم أقوم للوتر، هذا الذي يغلب على الظن أنه لن يقوم، فمثل هذا يوتر قبل أن ينام، ووتره واقعٌ في آخر الليل وفي الثلث الأخير، على كل حال يوتر قبل أن ينام مثل هذا؛ لأنه يغلب على ظنه أنه لن يقوم.
((ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة)) تحضرها الملائكة، ولا شك أن ما تحضره الملائكة تؤمن عليه لا شك أنه حريٌ بالقبول، وجدير بأن لا يرد على صاحبه، يقول: ((فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل)) الوتر وصلاة الليل والتهجد عموماً في الثلث الأخير من الليل أفضل، وأفضل القيام قيام داود ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس، هذا أفضل القيام، إذا نام نصف الليل هل يعتبر النوم من غروب الشمس ودخول وقت الليل أو من صلاة العشاء؟ من غروب الشمس ينام نصف الليل، إذا غربت الشمس نام نصف الليل؟ وإلا من صلاة العشاء؟ يحسب النص بداية من صلاة العشاء، من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ثم يحسب، ينام نصف هذه المدة، ويقوم الثلث ويرتاح السدس، وإذا حسب بهذه الطريقة يكون قيامه في الثلث الأخير، وبهذا تلتئم النصوص، أما إذا قلنا: يحسب من غروب الشمس، أولاً: لن يتمكن من نوم نصف الليل، لا بد أن ينتظر العشاء، لا بد أن ينتظر العشاء، فلا يتحقق له نوم نصف الليل، وإذا قام نصف الليل فإن أكثر قيامه يكون قبل الثلث الأخير من الليل، ظاهر وإلا مو بظاهر؟(38/10)
شيخ الإسلام -رحمه الله- يحرر هذا، يقول: في مثل هذا الحديث يحسب الليل من صلاة العشاء، والحث على قيام الثلث الأخير وقت النزول الإلهي يحسب من غروب الشمس وهذا ظاهر، يعني لو حسبنا في قيام ونوم داود -عليه السلام-، لو حسبناه من غروب الشمس، أولاً: لن يتاح للمسلم أن ينام من غروب الشمس، من غروب الشمس أمامه فريضتان المغرب والعشاء، لن ينام قبل صلاة المغرب وقبل صلاة العشاء، فلن يتحقق له نوم نصف الليل، إذا حسبنا الآن من غروب الشمس إلى منتصف الليل في أثناء هذه المدة صلاة المغرب وصلاة العشاء، لكن إذا حسبنا الوقت من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقسمناه على اثنين، ونام هذه المدة ثم انتبه يكون قيامه في الثلث الأخير، بخلاف ما إذا حسبنا من غروب الشمس.
لكن إذا قلنا: وقت النزول الإلهي في الثلث الأخير ونام أو على الأقل ما قام في الثلثين الأول والثاني نام، إذا نام من بعد صلاة العشاء وقام في الثلث الأخير وافق وقت النزول الإلهي، فلا يكون هناك تعارض بين الحديثين.
((فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل)) يسعى الإنسان أن يشهده أهل الخير، ولا يشهده أهل الشر، يشكو كثير من الناس من الوساوس، ومن تسلط الشياطين، وقد جلب الأسباب، وترك ما يمنع من دخول الشياطين، تجد البيت مهجور بالنسبة لقراءة القرآن، بيتٌ خرب ليس فيه ذكر، فيه ما يجلب الشياطين من معازف ومزامير وصور لا تدخله الملائكة، فالبيت الذي لا تدخله الملائكة من يدخله؟ يدخله الشياطين، فإذا تسلطت الشياطين على مثل هؤلاء ليس بغريب، فعلى الإنسان أن يسعى جاهداً في تحصيل ما يطرد الشياطين، ويمكن الملائكة من الدخول، فالملائكة لا تدخل بيت فيه كلب ولا صورة ولا .. ، ويحرص على الطهارة، جاء أيضاً في بعض الأخبار أنها لا تدخل بيت فيه جنب، وإن كان فيه ما فيه، فهذه الصلاة فضلها في كونها مشهودة.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي".(38/11)
هذا الحديث المروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ضعيف، الحديث ضعيف، يقول: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) هذا الحديث رفعه ضعيف، وإن كان محفوظ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- لكنه لا يثبت مرفوعاً، وهذه .. ، أو مثل هذا القول يدرك بالرأي للاجتهاد في مسرح، يفهم ابن عمر من النصوص أن وقت صلاة الوتر ينتهي بطلوع الفجر كما فهم غيره، ويعبر عن ذلك، فيأتي بعض الرواة ويخطئ في رفعه، ولا نقول: إن هذا مما لا يدرك في الرأي فله حكم الرفع، لا، هو ضعيف مرفوعاً، لكن يغني عنه ما سبق من الأحاديث، يغني عنه ما سبق من الأحاديث، وأن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله" رواه مسلم".
انتهينا مما يتعلق بالوتر، الآن صلاة الضحى، صلاة الضحى جاء الترغيب فيها، وجاء فعلها من قبله -عليه الصلاة والسلام-، وجاء نفي الفعل، جاء الترغيب فيها: "أوصاني خليلي بثلاث" ومنها ركعتا الضحى، وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح ثمانياً، وأخبر -عليه الصلاة والسلام- أن ركعتي الضحى تغنيان عن صدقات المفاصل ((يصبح على كل سلامى أحدكم صدقة)) ثلاثمائة وستين مفصل على كل مفصل أن يتصدق في مقابله شكر لله -جل وعلا- على أن أوجد هذه المفاصل، يعني يتصور الإنسان أن أصابعه واقفة ما .. ، ليس فيها مفاصل ولا تتحرك، أو جسده صالب، كونه مستمر على هذه المفاصل الثلاثمائة والستين هذه نعمة، تحتاج إلى شكر، وكل مفصل من هذه المفاصل يحتاج إلى صدقة شكراً لوجود هذا المفصل، لكن يغني عن ذلك كله ركعتان تركعهما من الضحى، صلاة الضحى مطلوبة وإلا غير مطلوبة؟ "أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" وأوصى غير أبي هريرة بهذا -رضي الله عنه-.(38/12)
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله، يصلي ركعتين، الضحى تصلى ركعتين كما جاءت في النصوص السابقة، وتصلى أربعاً كما هنا، تصلى ست، تصلى ثمان، صلى يوم الفتح ثمان، على خلافٍ بين أهل العلم أنها صلاة الفتح أو صلاة الضحى؟ ولذا يقرر أهل العلم أن أكثر صلاة الضحى ثمان، والصواب أنه لا حد لأكثرها، كونه صلى ثمان لا يعني أن الزيادة على ذلك غير مطلوبة، الزيادة على ذلك تدخل في الحديث السابق: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) صل ما شئت.
وعرفنا أن الحفاظ عبد الغني -رحمه الله- يصلي من ارتفاع الشمس إلى زوالها ثلاثمائة ركعة بالفاتحة فقط، قد يقول قائل: إن هذا ليس على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا فيه تشديد وفيه .. ، والدين يسر، نعم الدين يسر، لكن من فعل وقد جعل نصب عينيه الخبر: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) لا يلام، قررنا سابقاً أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة، يشمله نصوص عمومات وأحاديث خاصة في هذا.
"يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله" لكنه لا يزيد ركعة ولا ثلاث إنما يزيد شفعاً.
اختلف أهل العلم في حكم صلاة الضحى: فذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- أنها مختلفٌ فيها على ستة أقوال، منهم من يقول: سنة مطلقاً، ومنهم من يقول: لا يداوم عليها، ومنهم من يقول: لا تفعل صلاة الضحى، ومنهم من يقول: تفعل عند الحاجة، المقصود أنها مختلفٌ فيها، لكن الصواب أنها من السنن الثابتة، وقد جاء الترغيب فيها، وقد فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأرجح الأقوال أنها مستحبة، قد يقول قائل: إنه يجلس في مصلاه عملاً بحديث: ((من صلى الصبح في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين كان له أجر عمرة)) وفي رواية: ((حجة تامة)) هذا الحديث محل كلام لأهل العلم تكلموا فيه، لكن إذا جلس في مصلاه يذكر الله حتى تنتشر الشمس فقد اقتدى بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، اقتدى بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو ثابت من فعله في الصحيح، وإذا صلى ركعتين بنية الضحى ثبت له أجر ركعتي الضحى.(38/13)
وكون الحديث الذي فيه الثواب يضعف لا يعني أن هذا الفعل لا يفعل عملاً بأحاديث أخرى؛ لأن بعض الناس يقرن العمل وجوداً وعدماً بثبوت الخبر لذاته، لكن قد لا يثبت الخبر هذا، لكن ثبت ما يغني عنه، ثبت ما يغني عنه، ولذا من جلس حتى ترتفع الشمس وصلى ركعتين إن ثبت الخبر الذي فيه الأجر المنصوص عليه وأنه كأجر عمرة أو كأجر حجة تامة بها ونعمت، إن لم يثبت النبي -عليه الصلاة والسلام- جلس حتى تنتشر الشمس، وحث على ركعتي الضحى وأوصى بهما، فما يلام الذي يفعل هذا، وإن قال بعض الناس: تعمل بحديث ضعيف؟ إن ثبت الحديث الضعيف فبها ونعمت، إن لم يثبت فقد عملنا بأحاديث صحيحة، وأجرها .. ، فضل الله لا يحد.
"وله عنها: أنها سئلت: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى? قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه، وله عنها: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها".(38/14)
يستدل من لا يرى مشروعية صلاة الضحى بمثل هذا، "وله" أي لمسلم راوي الحديث السابق عن عائشة -رضي الله عنها- "أنها سئلت: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى? قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه" الحديث الذي يليه عنها أيضاً، وهو عند مسلم وعند البخاري أيضاً "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط" هذا نفيها على حسب علمها، وقد أثبته غيرها، كما أنها أيضاً أثبتته في الحديث السابق "كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله" وكان تدل على الاستمرار، فلعلها مع طول المدة؛ لأنها عمرت بعده -عليه الصلاة والسلام- نسيت، أو في وقتٍ من الأوقات نسيت، وفي وقتٍ ذكرت، وعلى كل حال المثبت مقدم على النافي، وصلاة الضحى ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وثبت الحث عليها، وإن قالت -رضي الله عنها- قالت: "لا إلا أن يجيء من مغيبه" وهنا قالت: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها" الحث عليها ثابت، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لا يصلي سبحة الضحى، مع أنه ثبت أنه صلاها، حتى على القول بأنه لم يصلِّ سبحة الضحى، وقد ثبت حثه عليها لا يعني أنها غير مشروعة، نفت عائشة -رضي الله عنها- أنه -عليه الصلاة والسلام- كان لا يصوم عشر ذي الحجة، لكنه ثبت من طريق غيرها ثبت من طريق غيرها، حتى لو ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- ترك صيام عشر ذي الحجة، وترك صلاة الضحى، مع أنه حث على ذلك، مع أنه صام عشر ذي الحجة وصام منها، وصلى الضحى وترك، ثبت عنه الفعل وثبت عنه الترك، وثبت عنه الحث العام والخاص، ثبت عنه: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خيرٌ وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أن الصيام من أفضل الأعمال فهو داخل في العموم.(38/15)
كونه لم يفعل، يعني ترك هذه السنة، وثبت عنه أنه فعلها من طريق غيره، كونه فعل أحياناً وترك أحياناً لا يعني أنه غير مشروع، فقد يفعل لبيان المشروعية، وقد يترك لبيان جواز الترك، وأيضاً من كان في صفته -عليه الصلاة والسلام- في تحمل أمور المسلمين العامة قد يترجح في حقه الترك، قد يترجح في حقه الترك، يعني شخص النبي -عليه الصلاة والسلام- على سبيل المثال قال: ((أفضل الصيام صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً)) هل ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ لم يثبت عنه ذلك، هل نقول: بأن صيام داود غير مشروع؟ لا، إذاً نحن مطالبون بما وجهنا إليه -عليه الصلاة والسلام-، كونه يفعل أو يترك لظرف من الظروف هذا شيء آخر.
بعض الناس قد يعوقه بعض الأعمال عن الأمور المتعدية، لو شخص علقت به أعمال الأمة، عالم كبير يحتاجه الناس في قضاء شؤونهم وفي إفتائهم وفي فصل الخصومات بينهم، وإذا صام ضعف عن تحمل هذه الأمور، نقول: يا أخي الأفضل لك ما تصوم، الأفضل أن لا تصوم؛ لأنك مشغول بما هو .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- مشغول بما هو أهم من الصيام، فكونه ما فعل لا يعني أنه غير مشروع.
يعني يأتي من يكتب أن من أخطاء الناس في العشر صيام العشر، كتب هذا في مصنف، من أخطاء الناس في عشر ذي الحجة الصيام، وأفضل العمل الصالح في هذه الأيام إلا رجل .. ، ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) ((ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) نفرط بهذه الوعود الثابتة من أجل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نقلت عائشة أنه لم يصم، ونقل عنه أنه صام، وحث على الصيام وبين فضل العمل الصالح.(38/16)
مثل ما عندنا في صلاة الضحى، هي أثبتت أنه صلى الضحى، ونفت، ونقول: صلاة الضحى غير مشروعة؟ وأوصى بها أبا هريرة وأبا ذر وجمع من الصحابة، وبين لنا أنها كفارة عن ثلاثمائة وستين صدقة ركعتي الضحى، ونقول: غير مشروعة؟ ويأتي بعض من ينتسب إلى العلم، ثم يجلس إلى أن تنتشر الشمس ويقول: يالله خلاص عاد ما في صلاة الآن، ما في شيء اسمه صلاة الإشراق، ينكر على من يصلي، يا أخي صل، إن ثبت الحديث الذي فيه الوعد والثواب العظيم بها ونعمت، إن لم يثبت خلها صلاة الضحى، انوها صلاة الضحى.
هنا تقول: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى" لكن إذا أثبتها غيرها فالمثبت مقدم على النافي، مع أنها أثبتتها هي -رضي الله عنها- "وإني لأسبحها" يعني هل قولها: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى" هل هي تستدل بهذا على عدم المشروعية؟ هل هي تستدل بهذا على عدم مشروعية صلاة الضحى؟ لا، لا تستدل بهذا على عدم مشروعية صلاة الضحى، بدليل أنها كانت تصليها، ولو كانت غير مشروعة ما صلتها، لكن هي استروحت إلى حكاية واقع في وقت من الأوقات، في ظرف من الظروف، ولعلها بصدد الرد على من يرى قد يوجد من يرى وجوب صلاة الضحى مثلاً، فهي تقول في مثل هذا الظرف "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي" لتثني هذا المدعي على سبيل المثال، أو شخص يتشدد في مثل فعل الحافظ عبد الغني، لو جاء شخص قال: أنا بأصلي ثلاثمائة ركعة صلاة الضحى، يتجه أن يقال له: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى" لأن مثل هذه النصوص تعالج بها الحالات، يعني من ماشي على الجادة، متوسط في أمره من غير إفراط ولا تفريط، مثل هذا يجمع له بين نصوص الوعد والوعيد، لكن شخص منصرف، مفرط يؤتى له بنصوص التشديد والوعيد والعكس، لو وجد شخص مفرط متشدد يؤتى له بنصوص الوعد، فمثل هذه النصوص تعمل في مواضعها اللائقة بها، والعالم المرشد الموجه الداعية ينبغي أن يكون مثل الطبيب، فعائشة أثبتت وهي أيضاً نفت، ويحمل إثباتها على حال ونفيها على حال أخرى.(38/17)
"وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) رواه الترمذي".
"زيد بن أرقم -رضي الله عنه-" ينقل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صلاة الأوابين)) الأواب: هو الرجَّاع إلى الله -جل وعلا-، المقبل عليه وعلى طاعته بفعل المأمورات وترك المنهيات، هذا أواب ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) الفصال: جمع فصيل، فعيل بمعنى مفعول فهو مفصول من أمه، وولد الناقة إذا فصل عنها فطم وفصل عن أمه فحرَّ الشمس الرمضاء يؤثر عليه، يقلقله، فهذا الظرف الذي يؤثر فيه على الفصيل دون الكبار هذا هو وقت صلاة الأوابين، وهو المناسب لصلاة الضحى، وهي صلاة الأوابين، والمراد بها صلاة الضحى؛ لأنها تقع في هذا الوقت ويشملها الضحى.
((حين ترمض الفصال)) تؤلمها حر الرمضاء، ومنه سمي رمضان لأنه يؤلم الصائم، لا سيما وأن وقت التسمية تسمية الأشهر كان رمضان في وقت شدة الحر الذي تحرق فيه الرمضاء من يطأ عليها، فسمي رمضان، وهنا: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) رواه مسلم، عزوه للترمذي كما قال المؤلف هذا وهم، وهو في صحيح مسلم، ولا يوجد عند الترمذي.
والحافظ -رحمه الله- حفظت عليه بعض الأخطاء بعض الأوهام في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب، وهو بشر كغيره يخطئ ويصيب، لكن الخطأ النادر مغتفر، ومن يعرو من الخطأ والنسيان، لكن إذا كثر الخطأ قدح، إذا كان راوي وكثر الخطأ في روايته يقدح في روايته، إذا كان مؤلف وكثرت الأوهام في مؤلفاته تقدح في مؤلفاته.
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصراً في الجنة)) رواه الترمذي واستغربه".
نعم يعني قال عنه: غريب، لكنه ضعيف، الحديث ضعيف، هذا الحديث فيه ضعفٌ شديد، وله ما يشهد له من حديث ابن عمر أنه قال لأبي ذر: "أوصني" وفيه: "وإن صليت ثنتي عشرة ركعةً بنى الله لك بيتاً في الجنة" وهو أضعف منه أيضاً فلا يرتق.
على كل حال عندنا ما يدل على صلاة الضحى والحث عليها ما يغني عن مثل هذا النص، وبعضهم يستروح إلى قبول مثل هذا الخبر، لا سيما وأنه يسنده أحاديث أخرى.(38/18)
المسألة في مسألة الوعد والثواب المرتب عليه ((بنى الله له قصراً في الجنة)) هذا ضعيف، وإلا فصلاة الضحى ثابتة بنصوص أخرى، فيصلي من الضحى ما شاء، ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان أو عشر أو ثنتي عشرة، يصلي ما تيسر.
ويثبت أنه صلى الضحى، وإذا كانت حين ترمض الفصال وافق صلاة الأوابين، والأولى أن تؤخر صلاة الضحى حتى ترمض الفصال، لكن إذا كان صاحب دوام مثلاً، وإذا تركها إلى هذا الوقت يمكن لا يتيسر له فعلها، يصليها إذا ارتفعت الشمس، وهي في وقتها، فوقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس إلى زوالها.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- بيتي فصلى الضحى ثماني ركعات" رواه ابن حبان في صحيحه".
هذا أيضاً فيه انقطاع فهو ضعيف "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- بيتي فصلى الضحى ثماني ركعات" رواه ابن حبان في صحيحه" لكنه ضعيف، وقد أثبتت كما في صحيح مسلم أنه صلى أربع ركعات، وثبت عنها أنها نفت أنه صلى الضحى مطلقاً، وأنه لا يصليها إلا إذا جاء من مغيبه، فالمقصود أن مثل تلك الأحاديث تغني عن مثل هذا، وثبت من حديث أم هانئ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى يوم الفتح ثماني ركعات، أما هذا الحديث فهو ضعيف.
وأصل صلاة الضحى ثابتة بما سمعنا، وبهذا نكون انتهينا من باب صلاة التطوع، بقي لنا باب: صلاة الجماعة والإمامة، وما بعده من الأبواب في دورات لاحقة، نجيب على بعض الأسئلة.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله.
يقول: هل يمكن الجمع بين حديثي عائشة في صلاة الضحى بأن نقول: إن قولها: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى .. لا يستلزم رؤيتها له، وإنما علمها بذلك، فاستعملت التورية في قولها: "ما رأيت" تثبت عدم وجوب صلاة الضحى وهي صادقة، ولكنها عالمة بأنه صلاها كما في قولها: "كان يصلي الضحى"؟
على كل حال هي أثبتت وهي نفت، نفت في ظرف قد تكون نسيت، والمثبت مقدم على النافي، وقد أثبتها غيرها.
يقول: هل هناك فرق بين صلاة الإشراق وصلاة الضحى؟
لا فرق، هي صلاة الضحى، وقت صلاة الضحى المفضل حين ترمض الفصال، ووقتها يمتد من ارتفاع الشمس وخروج وقت النهي إلى الزوال.(38/19)
يقول: أنا طالب مدرسة فإذا أتيت أن أصلي في المصلى قال لي الوكيل: لا تصل في هذا الوقت لأنك تفعل سنة وحضورك إلى الحصة واجب، فيفوتني التوعية، فهل أصلي وقت الضحى في وقت الإشراق بنية الإشراق .. ؟
صل الضحى في وقت الإشراق بعد ارتفاع الشمس وقبل دخول الدرس بنية صلاة الضحى.
يقول: هل وقت صلاة الظهر خارج عن وقت متعاقد عليه في الدوام؟ وماذا نصنع إذا أجبرنا على تأخير الصلاة بحيث نصليها فرادى في البيت كما يحدث ذلك في بلد آخر غير المملكة؟
نعم، هذه الواجبات الشرعية مستثناة شرعاً، ليس لأحد أن يعارض فيها، ومن عارض فلا طاعة له.
طالب:. . . . . . . . .
ثلث الليل يحسب من غروب الشمس، ثلث الليل الآخر من غروب الشمس.
يقول: هل يقدم حفظ البلوغ أم الجمع بين الصحيحين؟
حفظ البلوغ باعتبار أن فيه أحاديث يحتاجها طالب العلم، وهي لا توجد في الصحيحين، وهي منتقاة من كتب كالبيهقي والدارقطني وابن حبان والحاكم وغيرها من الكتب تنفع طالب العلم، ثم بعد إذا حفظه وفهمه يقرأ الكتب الأصلية.
يقول: هل يجوز أن أصلي الشفع والوتر مع العشاء ومن ثم أصلي ركعتي القيام؟
إذا غلب على الظن أنك لا تقوم من آخر الليل تصلي الشفع والوتر بعد صلاة العشاء، ثم إذا تيسر لك القيام تصلي ما شئت ركعتين ركعتين.
يقول: أنا أعاني من صلاة الفجر وساعات ما أصليها بالرغم أني أضع المنبه وأوصي ناس، ولكن ساعات أصليها بعد صلاتها بساعة هل يجوز بدون تعمد؟
على كل حال الإنسان إذا بذل الأسباب ولم يفرط، وحصل أنه غلبته عيناه، فاتته صلاة الفجر لا شيء عليه ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها)) على ألا يكون ذلك ديدنه، بمعنى أنه يفرط يسهر ولا يعمل الاحتياطات اللازمة للصلاة حينئذٍ يأثم.
يقول: وجد أحد الزملاء صرة مربوطة في الستارة بمنزله وهي على شكل عقد، وشك أنه عمل لسحر من الخدم من المنزل فماذا يفعل؟
يتخلص منه يحرقه.
كثرت المتاجرة بالأسهم فهل هي حلال أم حرام؟(38/20)
الأسهم إن كانت عبارة عن دراهم، يعني مغطاة بالدراهم، فأنت تشتري دراهم بدراهم فهذا الربا، لكن إن كانت الأسهم عبارة عن أموال عروض تجارة مشاعة فلا بأس بها، إذا كانت أسهم في أراضي أسهم في سيارات، أسهم في .. ، بيع المشاع لا بأس به، لكن يبقى أنها إن كانت مغطاة بدراهم تشتري أسهم من شركة هي عبارة عن دراهم، أو أسهم بنك أو أسهم .. ، هذا لا يجوز.
يقول: قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث سجود السهو: ((فإن كان صلى خمساً فإنها تشفع له))
يعني سجدتي السهو ((شفعن له صلاته)) يقول: فما الغاية من الشفع؟
هنا: إن كان الوتر بلا نية لا يقع، الشفع في حديث السهو هاتان السجدتان تقومان مقام ركعة ((تشفع له صلاته)) الأصل في الصلاة أنها رباعية شفع، فإذا زاد واحدة صارت وتر، إذا سجد سجدتين شفعن له صلاته.
يقول: ما حكم نسخ الأشرطة الإسلامية كالمحاضرات والدروس في البيت؟ وهل يشترط الاستئذان من صاحب التسجيلات؟ وهل علي إثم إذا لم أستأذن؟
إن كان نسخك للاستعمال، لاستعمالك الخاص لا للمتاجرة، و .... فهذا لا يترتب عليه ضرر على صاحب الامتياز الذي تعب وخسر على هذه الأشرطة فلا بأس، كمن يصور صفحة أو صفحات من كتاب، لكن من أراد أن يعيد طباعة الكتاب كاملاً أو ينسخ كمية تجارية من الأشرطة بحيث يتضرر من تعب عليها وخسر عليها فالضرر لا يجوز.
يقول: هل يجوز أن أستدين مبلغاً من المال من شخص يعمل في بنك ربوي؟
على كل حال التعامل معهم أو مع من يتعامل معهم ويتعاون معهم على الإثم والعدوان الأصل المنع، لكن إن لم يوجد ما يقضي حاجتك إلا من يتعامل بالربا أو من يتعاون معه فلا بأس حينئذٍ، على أن تكون معاملتك معه شرعية.
هل يجوز أن أقبل منه الهدايا وأشاركه في طعامه وشرابه؟
الأصل أن يهجر مثل هذا، لكن إن أجدى الهجر وأفاد ونفع به فهو الأصل، وإلا يلجأ إلى صلته إن كان أدعى لقبوله لترك هذه المعصية.
يقول: عند الوضوء أحاول قدر الإمكان أن أستبرئ من البول ولكن بعد أن أذهب للصلاة أحس أن هناك نزول للبول، وبعض الأوقات وأنا في الصلاة، وكذلك أحس بريح لا صوت لها ولا رائحة فهل يبطل وضوئي؟(38/21)
لا يبطل وضوئك، احرص أن تستبرئ من البول في وقت الاستنجاء حال الاستنجاء، ثم انضح، رش الماء على موضع الخارج، وعلى السراويل وخلاص تنتهي، ولا تلتفت إلى ما يخرج بعد ذلك.
يقول: هل نستطيع أن نجمع بين نية الوضوء وتحية المسجد والضحى والنافلة؟
نية يعني سنة، سنة الوضوء الواردة في حديث بلال -رضي الله عنه-، نعم يمكن تجمع بينها وبين تحية المسجد؛ لأن تحية المسجد لا تراد لذاتها فتدخل في أي صلاة، أما الجمع بينها وبين صلاة الضحى، صلاة الضحى مقصودة لذاتها ما تدخل.
يقول: في حديث: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو إذا ذكر)) ليس على إطلاقه فمن ذكر بعد الظهر فلا يقضِ؟
القاعدة عند أهل العلم أن السنن إذا فات محلها لا تقضى، وكثيراً ما يعبرون بقولهم: سنة فات وقتها، لا تقضى إذا فات وقتها، بمعنى أنه دخل وقت صلاة تليها صلاة أخرى، حينئذٍ لا تقضى.
يقول: إذا صليت الوتر مثلاً تسليمتين بعد صلاة العشاء مباشرة، يعني أربعاً بعد صلاة العشاء، وقبل طلوع الفجر صليت الباقي مع العلم بأنها كلها إحدى عشرة ركعة فهل عملي هذا صواب؟
نعم، عملك صحيح.
يقول: الدعاء الذي يقال بين السجدتين هل لا بد فيه من الترتيب؟
نعم، الأصل أن تقال الأذكار كما رويت، لكن من قدم أو أخر لا شيء عليه.
يقول: بعد ما أعمل عملاً طيباً أشعر بإعجاب من نفسي لأنني عملت هذا العمل؟
إن كنت تفرح ومجرد فرح بأنك وفقت للعمل الصالح، ولتسرك حسنتك هذا مطلوب، لكن كونك تعجب بعملك وتترفع به على الناس، وتزدري الناس من أجله.
فالعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرمِ
فالإعجاب والعجب هذا ليس بمحمود بل مذموم، وشأنه خطير، لكن كون الإنسان يفرح بأنه عمل العمل الصالح، ووفق له هذا مطلوب، ولا ينافي الإخلاص.
يقول: بعض أقراص الكمبيوتر التي بها قرآن أو أحاديث لا بد لفتحها من إجراء قسم بأنها الأصلية: أقسم بالله العظيم أنها أصلية فما حكم ذلك؟
هذا يحلف بالله وهذا كاذب، لا يجوز له أن يحلف بالله وهو كاذب، وهناك ما يغني عن مثل هذا العمل {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة].
طالب:. . . . . . . . .(38/22)
دعاء القنوت الذي علمه النبي -عليه الصلاة والسلام- الحسن: ((اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت)) .. إلى آخره، وإذا زاد من الأدعية المطلقة ما ليس فيه قطيعة ولا إثم ولا اعتداء لا بأس به، على أن لا يداوم على القنوت.
يقول: هل يجوز أن أصلي أربع ركعات بنية قيام الليل؟
متى؟ إذا كان في الليل فهو من قيام الليل، لكن صل مثنى مثنى.
كيف يكون الغسول من الجنابة؟
الاغتسال أولاً: يغسل الفرج وما تلوث، ثم الوضوء كوضوء الصلاة، يغسل فرجه وما لوثه، ثم يتوضأ وضوؤه للصلاة، ثم يفيض على رأسه الماء ثلاثاً، يروي أصول الشعر، ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، ثم الأيسر كذلك هذا الأكمل، وإن عمم البدن بالماء كفى.
كم عدد الرضعات التي يصبح فيها الطفل أخٌ لأولادهم؟
خمس رضعات.
هذا يريد جدول مناسب لطالب العلم من حيث ترتيب وقته والاستفادة من وقته .. بمَ ينصح طالب العلم؟
عليه أن يستغل الوقت، وأن يبدأ من العلوم والكتب من هذه العلوم بالأهم فالأهم، والموضوع يطول شرحه.
طالب:. . . . . . . . .
استماع الجنب للقرآن لا بأس به.
أحد الدعاة يقول: بأن قول الشيخ ابن باز -رحمه الله- باشتراط الاستحلال لتكفير الحاكم بغير ما أنزل الله زلة عالم؟
هذا رأي الشيخ -رحمه الله-، وهو قول معتبر عند جمع من أهل العلم، وإن قيل بخلافه.
يقول: هل يجوز قول: اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت .. ؟
لا، هذا اختصار، هذا اختصار من النص، والنص متعبد بلفظه.
يقول: بيني وبين شخص آخر خصومة عندما أريد الإصلاح بيني وبينه يرفض ذلك وقد أرسلت عليه أناس آخرون للصلح، ولكن رفضوا ذلك فهل علي إثمٌ؟
على كل حال هو يستقل بالإثم، ومع ذلك إذا لقيته فسلم عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(38/23)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (25)
شرح: باب: صلاة الجماعة والإمامة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال شيخ الإسلام ابن حجر -رحمه الله-: "باب: صلاة الجماعة والإمامة"
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه.
ولهما عن أبي هريرة: ((بخمس وعشرين جزءاً)).
وكذا للبخاري: عن أبي سعيد, وقال: ((درجة)).
وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب, ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها, ثم آمر رجلاً فيؤم الناس, ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة, فأحرق عليهم بيوتهم, والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)) متفق عليه.
وعنه قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد, فرخص له, فلما ولى دعاه, فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة?)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم, وإسناده على شرط مسلم, لكن رجح بعضهم وقفه.(39/1)
وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح, فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو برجلين لم يصليا, فدعا بهما, فجيء بهما ترعد فرائصهما, فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا?)) قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: ((فلا تفعلا, إذا صليتما في رحالكم ثم أدركتم الإمام ولم يصلِ فصليا معه, فإنها لكم نافلة)) رواه أحمد, واللفظ له, والثلاثة, وصححه الترمذي وابن حبان".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الجماعة والإمامة" الترجمة مؤلفة من شقين من باب أحكام صلاة الجماعة وحكمها، وأحكام الإمامة، وشروط الإمام، بدأ -رحمه الله تعالى- بالشق الأول في بيان حكم صلاة الجماعة وفضلها، فقال -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة -الجماعة اثنان فأكثر- أفضل من صلاة الفذ -يعني الواحد- بسبع وعشرين درجة)) " الحديث مخرج في الصحيحين من حديث ابن عمر، وحديث الأكثر على رواية: "الخمسة والعشرين" وعلى رواية: "السبع والعشرين" هذه، حديث: "سبعة وعشرين" ثابت في الصحيحين وغيرهما.
"ولهما" أي للبخاري ومسلم من حديث: "أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((بخمسة وعشرين جزءاً))، وكذا للبخاري من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- وقال: ((درجة)) ".(39/2)
أكثر الرواة على الخمس والعشرين، ابن عمر يروي السبع والعشرين مع أنه يروى عنه الخمس والعشرين أيضاً، صلاة الجماعة يعني اثنان فأكثر أفضل وهذه أفعل تفضيل مقتضاها أن تكون صلاة الجماعة فاضلة، وصلاة الفذ فاضلة، فاشترك المفضل والمفضل عليه في الوصف الذي هو الفضل، وفاق أحدهما الآخر، فاقت صلاة الجماعة على صلاة الفذ في هذه الصفة، فصلاة الجماعة فيها فضل وصلاة الفذ فيها فضل، والمراد بالفضل هنا الأجر، ثبوت الأجر، ولا يثبت الأجر إلا إذا سقط الطلب وصحت الصلاة وصارت مقبولة، بمعنى أنه يترتب عليها ثوابها، وتسقط الطلب، فكل من صلاة الجماعة وصلاة الفذ كلاهما فيه فضل، وكلاهما فيه أجر، وكلاهما مسقط للطلب، لكن صلاة الجماعة فاقت صلاة الفذ في هذا الفضل وفي هذا الأجر.
من يقول بسنية صلاة الجماعة وعمدتهم هذا الحديث يقول: لو كانت صلاة الجماعة شرطاً لصحة الصلاة أو واجبة لما جاء الخبر بمثل هذه الصيغ، نقول: نعم صلاة الفذ فيها أجر وفيها ثواب، ولا مانع من أن يجتمع الأجر والثواب مع الإثم لانفكاك الجهة، هذا جواب من يرى وجوب صلاة الجماعة.
أقول: هذا الحديث وما جاء في معناه هو عمدة من يقول: صلاة الجماعة سنة؛ لأنها هنا أفضل من صلاة الفذ، إذن صلاة الجماعة سنة، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والشافعية يقولون: فرض كفاية، والحنابلة يقولون: واجبة وجوباً عينياً بمعنى أنه يأثم كل من وجبت عليه الجماعة من الرجال الذكور المكلفين الذين لا عذر لهم.(39/3)
يجيب الحنابلة عن استدلال الحنفية والمالكية بهذا الحديث على أن صلاة الجماعة سنة أن العمل قد يجتمع فيه أمران: الأجر والوزر لانفكاك الجهة، فالصلاة إذا أديت بشروطها وواجباتها وأركانها ترتبت آثارها عليها، لكن إذا ترك المصلي ممن تجب عليه الجماعة الجماعة أثم، ويدعم هذا القول الأحاديث اللاحقة، وليست الجماعة شرط لصحة الصلاة ليتجه قول من يستدل بهذا الحديث على أنها سنة، إنما الجماعة واجبة وجوباً عينياً على كل ذكر مكلف قادر على الإتيان لا يمنعه من الحضور إليها عذر، وعرفنا دليل من يقول: بأنها سنة، ومن يقول: بأنها فرض كفاية كالشافعية يقولون: الأحاديث كحديث أبي هريرة وما في معناه يدل على تأكدها بل تعينها وهي شعار يسقط بقيام البعض به، وسيأتي الرد عليهم من خلال الحديث اللاحق -إن شاء الله تعالى-.(39/4)
((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد، حديث أبي هريرة جزءاً، فالجزء هو الدرجة، وجاء تفسير الجزء بالصلاة، فعلى هذا صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين صلاة، سبع وعشرين مرة كما جاء في بعض الروايات، فاختلاف الرواة في العدد منهم من يقول: العدد لا مفهوم له، والأصل أن الكلام له مفهوم، نعم إذا تعارض المفهوم مع منطوق أقوى منه يلغى المفهوم، {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] هذا لا مفهوم له؛ لأنه معارض بمنطوق أقوى منه {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(116) سورة النساء] فهنا سبع وعشرين درجة، وفي حديث أبي هريرة وأبي سعيد: "خمس وعشرين درجة" فمنهم من يقول: إن العدد لا مفهوم له، ويستوي في ذلك السبع والعشرين والخمس والعشرين وما هو أكثر من ذلك وما هو أقل، بل المراد من هذه الأحاديث بيان مزية صلاة الجماعة من غير تحديد بعدد معين، وإنما ذكرت هذه الأعداد للتمثيل، وإلا فالأصل فالعدد لا مفهوم له، منهم من يثبت أن العدد له مفهوم، ويحمل حديث ابن عمر على صور وأحاديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما مما جاء في الخمس والعشرين على صور أخرى، طلباً للجمع بين هذه النصوص، فبعضهم يقول: السبع والعشرين لمن صلى جماعة في المسجد، والخمس والعشرين لمن صلى جماعة خارج المسجد، في غير المسجد، ومنهم من يقول: السبع والعشرين للأعلم الأخشع، والخمس والعشرين لمن كان حاله ضد ذلك، ومنهم من يقول: السبع والعشرين لمدرك الصلاة كلها، والخمس والعشرين لمدرك بعضها، ومنهم من يقول: السبع والعشرين للبعيد من المسجد، والخمس والعشرين للقريب منه.
وعلى كل حال هذه أقوال لا دليل عليها، ولا شك أن حضور القلب في الصلاة له دور كبير في ترتب الأثر والأجر عليها، ولذا من الناس من ينصرف بصلاة كاملة، ومنهم من ينصرف بنصفها، ومنهم من ينصرف بالربع، ومنهم من ينصرف بالعشر، ومنهم من ينصرف بلا أجر، لكن يكفيه أن صلاته تسقط عنه الطلب وتبرأ ذمته بها.(39/5)
أقول: هذه الأقوال وهذه المسالك التي سلكها أهل العلم للتوفيق بين هذه الروايات هو للجمع والتوفيق بين النصوص، وقد يسلك ما هو أقل من ذلك لرفع التعارض، فمنهم من يقول: إن الله -جل وعلا- أخبر نبيه بالخمس والعشرين أولاً ثم زاد تفضلاً منه -جل علا- على عباده المحافظين على الجماعة بالدرجتين، يعني هل يقال نظيره في من اقتنى كلب غير ما استثني ينقص من أجره كل يوم قيراط، وفي رواية: قيراطان، هل نقول: إنه أخبر أولاً بالقيراط ثم أخبر بالقيراطين زيادة في التشديد؟ احتمال، وقد قيل بذلك، وإن قال بعضهم: إن نقص القيراط لمن اقتناه في البادية، ونقص القيراطين لمن اقتناه في الحاضرة، تبعاً للأثر المترتب على هذا الاقتناء، والضرر المترتب عليه.
على كل حال أهل العلم يسلكون مثل هذه المسالك للتوفيق بين النصوص، المراد من الحديث واضح وهو بيان مزية صلاة الجماعة على صلاة الفذ، وصلاة الفذ وإن كانت صحيحة مسقطة للطلب، مجزئة وفاضلة بنص هذا الحديث إلا أنه لا يمنع من إثم من ترك الجماعة لوجوبها، فلا يمنع أن يجتمع في العمل الإثم والأجر لانفكاك الجهة، كمن صلى وبيده خاتم ذهب، نقول: صلاتك صحيحة، والأثر المترتب عليها ثابت، وهو آثم في لبسه خاتم الذهب أو عمامة الحرير، أو ما أشبه ذلك، فمن أقوى ما يستدل به من يقول بوجوب صلاة الجماعة عيناً يعني على الأعيان، ونعرف المراد بالأعيان لأن بعض الناس من العامة أو بعض المبتدئين قد يظن أن المراد بالأعيان الوجهاء، نعرف أن الواجب ينقسم إلى وجوب عيني ووجوب كفائي، بمعنى أنه لا يعذر فيه أحد إذا كان واجباً عينياً، وليس المراد بذلك أنه واجب على الوجهاء كما يتصوره البعض، من أقوى الأدلة على ذلك حديث أبي هريرة الذي يلي هذا.(39/6)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " هذا قسم، كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا ((والذي نفسي بيده)) وفي هذا القسم على الأمور المهمة ولو من غير استحلال، ولا يتعارض هذا مع قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لأن هذا مهم، يحتاج في تثبيته وتأكيده إلى مثل هذا القسم، وقد أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه في يونس، وفي سبأ، وفي التغابن، فالأمور المهمة يقسم عليها ولو من غير استحلاف.
((والذي نفسي بيده)) نفسه -عليه الصلاة والسلام- يعني روحه بيده، بيد الله -جل وعلا-، وفي هذا إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن كان أكثر الشراح درجوا على تفسير هذا القسم بقولهم: "الذي روحي في تصرفه" ولا شك أن أرواح العباد في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إن كان المراد بهذا التفسير الفرار من إثبات صفة اليد فهو مردود، وإلا فمعناه صحيح، وإثبات اليد لله -جل وعلا- محل اتفاق بين سلف هذه الأمة وأئمتها على ما يليق بجلاله وعظمته.
((والذي نفسي بيده لقد هممت)) اللام واقعة في جواب القسم، "قد هممت" الهم: مرتبة من مراتب القصد، أولها: الخاطر، ثم الهاجس، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم العزم ((لقد هممت)) قد يقول قائل: هذا ليس فيه دليل لأنه مجرد هم، حديث النفس معفو عنه، الخاطر معفو عنه، الهاجس معفو عنه، الهم؟ ماذا عن الهم؟ ((إذا هم أحدكم .. )) إذا هم بالسيئة تكتب عليه وإلا ما تكتب؟ إذا لم يفعلها ولم يتحدث بها؟ يعني هل الهم مثل حديث النفس معفو عنه؟ إذا هم بخير أجر عليه، وإذا هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها أو يفعلها، هنا الهم بالتحريق، المخالف يقول: إنه مجرد هم، والهم لا أثر له، ولذا يقول الناظم في مراتب القصد، يقول:
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا
جيليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الأخذ قد وقعا(39/7)
إلا الأخير -الذي هو العزم- ففيه الأخذ قد وقعا، يجاب عن هذا بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، فإذا كان هذا الفعل الذي هو التحريق على المتخلف عن الصلاة بالنار يجوز للنبي -عليه الصلاة والسلام- فعله مع أنه أكده بالقسم ((والذي نفسي بيده لقد هممت)) فدل على أن ترك الجماعة حرام، إذ لا يتوعد بمثل هذا الوعيد إلا على شيء محرم ((لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب, ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها, ثم آمر رجلاً فيؤم الناس, ثم أخالف إلى رجال)) آمر بحطب فيحتطب من أجل أن يحرق على المتخلفين عن الصلاة جماعة بالنار ((ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس)) قد يقول قائل -وقد قيل-: كيف يهم بالتحريق -تحريق البيوت على أصحابها- بسبب التخلف عن صلاة الجماعة ويتخلف -عليه الصلاة والسلام- لأنه سوف يأمر رجل يؤم الناس؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- سوف ينطلق إلى هؤلاء ومعه رجال وحينئذٍ تقوم الصلاة بهم، صلاة الجماعة، ((ثم آمر رجل فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال)) يعني أذهب إلى رجال على غرة منهم، وقد انشغلوا بلهوهم وغفلتهم عن الصلاة، ((أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة)) الذين يقولون بأن صلاة الجماعة ليست بواجبة على الأعيان هذا الحديث من أقوى ما يرد به عليهم؛ لأن صلاة الجماعة إذا كانت واجبة على الكفاية سقط الوجوب بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن معه في مسجده فكيف يبحث عن مثل هؤلاء وقد سقط عنهم الواجب؟ لأن الواجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم على الباقين، صار في حقهم سنة، فكيف يخالف إلى هؤلاء وقد قامت الجماعة به -عليه الصلاة والسلام- في مسجده -صلى الله عليه وسلم-؟ ((ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) يقول بعضهم: لو كانت صلاة الجماعة واجبة والتهديد هذا على وجهه وحقيقته ما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما تركه عرفنا أنه عدل عن هذا التهديد فدل على عدم وجوب صلاة الجماعة، نقول: إنما ترك التحريق معللاً ذلك بقوله: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) لحرق عليهم بيوتهم، أناس لا ذنب لهم، أرواح لا ذنب لها، ويكفي في وجوب الجماعة أقل من مثل هذا(39/8)
التهديد، وقال المخالفون في مسائل كثيرة جداً بالوجوب العيني ولم يرد فيها مثل هذا التهديد.
((والذي نفسي بيده)) أعاد القسم -عليه الصلاة والسلام- لأهمية هذا الأمر ((لو يعلم أحدهم)) يعني أحد هؤلاء المتخلفين ((أنه يجد عرقاً سميناً)) قد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام ما يقال في حق مسلم صحيح الإسلام إنما هذا الذي يبعثه إلى حضور الجماعة مثل هذه الأشياء اليسيرة قد يقول قائل: إنه من المنافقين، فالحديث جاء في حق المنافقين، لا في حق صادقي الإيمان والإسلام، نقول: إن التخلف عن صلاة الجماعة من سمة المنافقين، فلا يكاد ينفك التخلف عن صلاة الجماعة عن صفة النفاق.
((والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً)) العرق: هو العظم إذا كان عليه لحم ((أو مرماتين حسنتين)) المرماتين يقولون: هي ما بين ظلفي -بالفاء- الشاة من اللحم، لكن هل بين أظلاف الشاة لحم؟ وهل يمكن أن يوصف هذان الظلفان بالحسن؟ ولذا يتجه القول الآخر بأن ظلفي مصحفة من ضلعي، ما بين ضلعي الشاة من اللحم، وبينهما لحم وحسن أيضاً، وإلا أكثر كتب الغريب والمعاجم تقول: ما بين ظلفي، كتب الشروح تواطأت على هذا، لكن من حيث المعنى هل بين أظلاف الشاة لحم؟ وهل يمكن أن يوصف بالحسن؟ نعم، لكن إذا قلنا: إنها مصحفة عن ضِلْعي أو ضِلَعي قلنا: بينهما لحم وهو أيضاً حسن.(39/9)
((أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) تباً لمن كان هذا همه، لا يحضر إلى الصلاة إلا من أجل هذه الأمور اليسيرة، وسيأتي أن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر في الحديث الذي يليه، في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) ولو وجد هؤلاء المنافقون أمور يسيرة من حطام الدنيا لتجشموا المصاعب للحضور، أثقل الصلاة على المنافقين، الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء] الكسلان عن أي عمل من الأعمال العمل عليه ثقيل، لكن أثقل هذا الثقيل صلاة العشاء وصلاة الفجر، لماذا؟ لأن الذي يبعث على العمل هو الطمع إما في أجر أخروي أو في أجر دنيوي، الذي يبعث على العمل الطمع، لا يطمعون في أجر الآخرة، وإذا قاموا إلى الصلاة إنما قاموا رياءً وصلاة العشاء وصلاة الفجر إنما تقعان في الظلام، العشاء في الظلام، الصبح في الظلام، وهم إنما يصلون رياء الناس والناس لا يرونهم، إذن الباعث الديني مفقود والباعث الدنيوي مفقود، ولو علم هؤلاء ((لو يعلمون ما فيهما)) يعني من الأجر العظيم ((لأتوهما)) أعني صلاة الصبح وصلاة العشاء، يعني صلاة الصبح وصلاة العشاء، ((ولو حبواً)) على اليدين والركبتين "متفق عليه".
ولما علم الصحابة ما في الصلوات من الأجور أتوا إليها وهم يهادون، يأتي الرجل وهو يهادى بين رجلين من المرض والتعب؛ لأنه يعلم بالأجر، ومصدق بوعد الله -جل وعلا-، الذي يصدق بالوعد يعلم الوعد ويصدق به ينفذ، ما الذي يمنعه؟ لأنه إذا وازن بين المصالح والمفاسد وجد أن المسألة لا مقارنة، لا مقارنة، لكن إنما يتخلف من يشكك أو يشك في ثبوت هذا الوعد، أو لا يصدق به أصلاً كالمنافقين والكفار، فإذا اجتمع التصديق بثبوته مع ابتغائه وطلبه حصل الحضور إلى الصلاة ((ولو يعلمون ما فيهما)) يعني في فعلهما والإتيان إليهما من الأجر ((لأتوهما)) أتوهما إلى أين؟ إلى المسجد حيث ينادى بها ((ولو حبواً)) أي مشياً على اليدين والركبتين كما يفعل الطفل، حرصاً على هذا الأجر المرتب عليهما.(39/10)
يقول: "وعنه -رضي الله عنه- قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى" جاء تفسيره في بعض الروايات بأنه ابن أم مكتوم المؤذن الذي عاتب الله نبيه -عليه الصلاة والسلام- بسببه "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد" هذا رجل أعمى، وبينه وبين المسجد متاعب ومصاعب وأشجار، جاء في بعض الروايات أنه له قائد، لكن لا يلائمه، يعني لا يلازمه فرخص له؛ لأن هذا عذر، رجل أعمى كفيف البصر ويجد مشقة في الحضور إلى الصلاة رخص له -عليه الصلاة والسلام-, فلما ولى دعاه, فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة?)) قال: نعم، قال: ((فأجب)) في بعض الروايات: ((لا أجد لك رخصة)) فالأمر ليس بالسهل، ليس بالهين أن يتخلف الإنسان عن الصلاة لأدنى سبب، يسمع الأذان ويتخلف عن الصلاة، وعلى هذا كل من سمع النداء عليه أن يجيب إلا إذا كان له عذر، لا رخصة لمن سمع النداء عن الإجابة، والمراد بسماع النداء بالصوت العادي دون مكبرات، ودون موانع من السماع، يعني افترض المسألة ما في مكبرات صوت، ولا يوجد ما يمنع من سماع الأذان من سيارات وآلات ومشوشات، من كم يُسمع الأذان العادي؟ يعني كيلوين ثلاثة أو أكثر أو أقل؟ الأذان العادي بدون مكبر وبدون موانع كم يقدر هذا؟ لأن الإنسان قد ينام في غرفته أو يجلس في غرفته في بيته، وقد أغلق الأبواب والنوافذ، وأصوات السيارات عن يمينه وشماله ويقول: أنا لا أسمع النداء إذن أصلي في بيتي والمسجد خطوات عنه؟ له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ نعم نفترض المسألة بدون مكبرات، وبدون موانع، فصوت المؤذن بدون مكبر وبدون مانع ينفذ إلى إيش؟ إلى مقدار؟ لنعرف الرخصة الشرعية.
طالب:. . . . . . . . .(39/11)
ثلاث إيش؟ أميال، يعني خمسة كيلو، فيحتاج مشي إلى ساعة إلا عشر الخمسة كيلو المتوسط؛ لأنه إذا كان بينك وبين المسجد خمسة كيلو يلزمك تحضر الصلاة؟ لأن المسألة تحتاج إلى ضابط، الآن المشوشات كثيرة، فقد يكون في بيته في الصالة جالس مع أهله ما يسمع الأذان، الذين يسكنون الشقق يعرفون هذا مع المكيفات ومع السيارات يعرفون هذا، فهل يقال له: أنت لا تسمع النداء لا تصلي؟ أو يقال لمن في البرية سمع أذاناً بمكبر وبلغه هذا في صلاة الصبح وبينه وبينه عشرين ثلاثين كيلو نقول: اذهب إلى الصلاة وليست معه سيارة؟ لا نجد لك رخصة تسمع النداء؟ لا بد من ضابط، فإذا تصورنا المسألة مجردة عن الأسباب التي هي هذه المكبرات وعن الموانع فهل نقول مثلاً: المتوسط ثلاثة كيلو مثلاً، يعني ما جرب هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا يسمعون، يسمعون قبل هذه الحضارة التي نعيشها الآن قبل المكبرات يسمعون من بعيد ترى، يسمعون من بعيد مع الهدوء؛ لأن المسألة لا بد لها من ضابط، ما نقول: المسألة خلاص حراج ويزيد وينقص نص كيلو خمسة كيلو، لا، المسألة لا بد من تحديدها على الواقع، تطبيقها على الواقع، ما جربت هذه؟ قبل هذه المكبرات وقبل المؤثرات في ضاحية تبعد عن بلد من البلدان ثلاثة كيلو بدون مبالغة يعني ويسمعون أذان الجامع لكن ما هو بكل الأوقات في صلاة الصبح، أذان المسجد اللي في وسط البلد في صلاة الصبح فقط؛ لأن الرخصة علقت بسماع النداء، إذن لا بد من تحرير هذه المسألة، يعني تسمع النداء من مسافة ثلاثين كيلو بالمكبر نقول: يلزمك وأنت ما عندك سيارة أو استأجر أو .. ، نعم إذا تجشمت ومشيت وتعبت وركبت سيارة وأنفقت هذا في سبيل الله لن تعدم الأجر، لكن هل تلزم بذلك؟ لا تلزم بذلك، لكن الذي يبدو -والله أعلم- أن الثلاثة كيلو تسمع بدون مكبر وبدون مؤثر، فعلى هذا من كان بينه وبين المسجد ثلاثة كيلو يجب عليه إجابة الصلاة، إجابة النداء.(39/12)
وهذا رجل أعمى، الأصل أن مثله لا سيما إذا كان ليس له قائد، وفي طريقه العوائق من الأودية والأشجار أنه معذور، عتبان بن مالك وحديثه في الصحيح لما كف بصره طلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يزوره ليصلي له في مكان يتخذه مسجداً، وفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، زاره وصلى، واتخذه مسجداً، هل هناك معارضة بين حديث ابن أم مكتوم وحديث عتبان؟ نعم ما في دليل على أن عتبان يسمع النداء من جهة، الأمر الثاني: أن عتبان أراد أن يقيم الجماعة في حيه، في بيته، فإذا لم يسمع النداء له أن يقيم الجماعة في بيته أو في حيه، هذا إذا لم يسمع النداء، فهو محمول على أن عتبان لا يسمع النداء، أقول: في معارضة بين حديث ابن أم مكتوم وبين حديث عتبان؟
طالب: لا توجد معارضة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- عذر عتبان وجاء إلى بيته وصلى له فيه؛ ليتخذ له مسجداً بعد أن كف بصره، وعذره مثل عذر ابن أم مكتوم، هذا أعمى وذاك كف بصره فاحتاج أن يصلي في بيته، فالفارق أنه هنا صرح بسماع النداء وهناك لم يصرح به لا وجوداً ولا عدماً، وهو محمول على أنه لا يسمع النداء، منهم من يقول: إن حديث ابن أم مكتوم محمول على الندب وإلا عذره يبيح له التخلف عن الجماعة، لكن الحديث فيه قوة، ((هل تسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((فأجب)) فالأمر ثابت والحكم معلل بسماع النداء، ولا يمكن صرفه إلا بصارف قوي، نعم بعض العميان يتفاوتون، بعض العميان إذا لم يكن له قائد يضل، هم يتفاوتون، ولعل النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى في ابن أم مكتوم من الفطنة والفراسة ما يستطيع معها أن يصل إلى المسجد بسهولة، وإلا بعض العميان مجرد ما يطلع من البيت يتوه يضيع، هم متفاوتون، والمبصرون أيضاً متفاوتون، والأصل أن الحرج والمشقة مرفوع في الشرع، ((إن الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه)) لكن ليس معنى هذا أننا نتنصل من الواجبات بحجة أن الدين يسر، الدين كما هو دين يسر هو دين تكاليف، دين ابتلاء، دين امتحان، والجنة حفت بالمكاره، فلا نخلط بين هذا وهذا.(39/13)
يقول: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)) " وجاء تفسير العذر بالخوف والمرض، يقول: "رواه ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم, وإسناده على شرط مسلم" لكن رجح بعضهم وقفه، وصححه بعضهم مرفوعاً، هو من حيث الإسناد على شرط مسلم، لكن الخلاف في رفعه ووقفه على ابن عباس، هل هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما صرح به هنا أو هو موقوف من قول ابن عباس؟ رجح بعضهم وقفه وبعضهم صححه مرفوعاً، ومعلومٌ إذا تعارض الوقف مع الرفع الخلاف بين أهل العلم في مثل هذه المسألة معروف، منهم من يحكم بالرفع؛ لأنه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ومنهم من يحكم بالوقف؛ لأنه متيقن، ومنهم من يحكم للأكثر، ومنهم من يحكم للأحفظ، على كل حال المسألة خلافية، وليس عند المتقدمين قاعدة مطردة يحكمون بها في مثل هذا الاختلاف، بل الحكم للقرائن.
وعلى كل حال الحديث لو صح هل هو دليل لوجوب الجماعة عيناً؟ ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له، إلا من عذر)) فلا صلاة له مفاده أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، مفاده أن الجماعة شرط لصحة الصلاة عندما يصح الخبر، وإن قال بعضهم: إنه لا صلاة له كاملة، وعلى كل حال الحديث مختلف فيه، والمرجح وقفه على ابن عباس -رضي الله عنهما-.(39/14)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح, فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو برجلين لم يصليا" يعني مع الجماعة، لم يصليا يعني مع الجماعة في المسجد "فدعا بهما, فجيء بهما ترعد فرائصهما" هذان قد صليا في رحالهما -في منزلهما- أو في منازلهما "وجيء بهما ترعد فرائصهما" والآن بجوار المسجد الشباب يتحدثون ويلعبون في جوار المسجد، ولا كأن هناك صلاة أذن لها، ولا صلاة أقيمت، ولا جماعة يصلون، اثنان من الصحابة جيء بهما ترعد فرائصهما، نعم الذي دعاهما هو النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا نقول: إن أحداً مثله -عليه الصلاة والسلام- في الهيبة، لكن يبقى أن من اقتدى به -عليه الصلاة والسلام- يرث من علمه ويرث من هيبته بقدر ما عنده من علم وعمل ما يؤثر في الخصم، تصلي وشخص جالس في سيارته عند باب المسجد ينتظر أحداً يصلي، ولا يرفع بالمسلمين رأساً، لا شك أن هذا سببه التساهل من المصلين، وإلا لو كل شخص مر بهذا جالس في سيارته وقال له: الصلاة، ثم ثاني: الصلاة يا أخي، الصلاة أقيمت، الصلاة، ما يجلس مثل هذا أبداً، ولا يطيق الجلوس في مثل هذا المكان، في يوم من الأيام الصلاة تقام وعامل من العمال في السيارة جالس عند باب المسجد، طيب ادخل صلِ، قال: ما هو بمسلم، ذكر أنه ليس بمسلم، يعني يجلس مراغمة للمسلمين عند باب المسجد؟! عليه أن يختفي مثل هذا، لا يجاهر بمثل هذا ويراغم المسلمين، ومثل هذا لو ترك له المجال اختلط الحابل بالنابل ولا يدرى من يصلي ومن لا يصلي، فلا بد من أطر الناس على الحق، وهذه وظيفة كل مسلم؛ لأن التخلف عن الصلاة منكر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا إذا استطاع ((فإن لم يستطع فبلسانه)) لا أحد يمنعك من أن تقول: صلِ يا أخي، ادخل المسجد، تمر على شباب يلعبون في ساحات قريبة من المسجد ولا أحد يقول لهم: صلوا، أنا مراراً أجي للمسجد على الشارع هذا في مكاتب هنا على اليد اليمنى قرب الإقامة فاتحين، وقت الصلاة، فلو كل واحد من الإخوان مر بهم: صلوا يا إخوان، قفلوا، نعم يتعين هذا على أهل(39/15)
الحسبة لكن أهل الحسبة عددهم لا يفي بما يطلب منهم، فهذا واجب الجميع.
هؤلاء من أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنهم لم يصليا، أنهما لم يصليا قيل له: إن في اثنان في آخر المسجد ما صليا فدعا بهما، دعا بإحضارهما "فجيء بهما ترعد فرائصهما" ما يترك فرصة لمثل هؤلاء، وإن كان المجتمع مجتمع صالح، الآن بكل بساطة يقول: إيش دخلك؟ إذا قلت له: صلِ، لماذا؟ لأننا تتابعنا على السكوت، تواطئنا عليه مدة، والآن نجني الثمار شاب في العشرين بادٍ نصف عورته ويقول: ويش دخلك في بلاد المسلمين بين المسلمين؟ هذه تحتاج إلى حل، تحتاج إلى تظافر جهود، الدولة عينت لهذا الأمر رجال حسبة، لكن الشرع قبل ذلك طلب من كل مسلم، من كل من رأى منكر أن يغيره، ولا أحد يمنعك من أن تقول إذا رأيت شخص لم يصلِ: صلِ يا أخي، لا بد من وضع آلية تميز بين من هو من أهل الصلاة ومن هو ليس من أهل الصلاة، ولا يختلط الأمر في البلدان المختلطة التي فيها مسلمون وغير مسلمين وإلا ترتب عليه ضياع، إذا قال: والله ما ندري ما أبحث إذا كان هذا يصلون وإلا ما يصلون وإلا اللي يصلون فرادى وإلا يصلون جماعات؟ لا بد من حزم في هذا الباب؛ لأن الصلاة رأس المال يا الإخوان، يعني آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، آخر ما يفقد من الدين الصلاة، فإذا فقدت الصلاة ويش يبقى في الدين، ما يبقى شيء، فالمسألة تحتاج إلى همة وصدق وعزيمة وإخلاص لله -جل وعلا- مع الرفق واللين لا يترتب على إنكار المنكر منكر أعظم منه، فعلينا جميعاً أن نتواصى بهذا.(39/16)
"فجي بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما -عليه الصلاة والسلام-: ((ما منعكما أن تصليا معنا?)) " الناس يصلون وأنتم جالسين ((ما منعكما أن تصليا معنا)) والعرض بطريقة السؤال أجدى حتى يعرف الجواب يعني لو دخل شخص افترض دخل من الشارع وجلس هل يناسب جداً أن تقول: قم صلِ ركعتين، أو تقول: هل صليت ركعتين؟ بسؤال برفق ولين ليستجيب، وهنا: ((ما منعكما أن تصليا معنا)) يمكن له عذر مقبول "قالا: قد صلينا في رحالنا" والرحل المنزل "قال: ((فلا تفعلا)) " فلا تفعلا: يعني لا تجلسا والناس يصلون ((إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتم الإمام ولم يصلِ فصليا معه)) وهذا لسد الذريعة لئلا يتذرع أحد بترك الصلاة ويعتذر بأنه قد صلى، حين يطلع الإنسان إلى المسجد ويقابله شباب رايحين للجهة الثانية، أحياناً يقولون: صلينا في المسجد هذا اللي يبكر، وأحياناً يقولون: لا نبي نروح نصلي مع اللي تأخر، مثل هذا يضيع الأمر، ولذا حسم، سد الباب عليهم -عليه الصلاة والسلام-، صلينا في رحالنا صلوا أيضاً، ((إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتم الإمام ولم يصلِ فصليا معه)) لئلا يوجد في المسجد في آن واحد ناس يصلون وناس ما يصلون، ثم يصير في ذلك وسيلة لمن أراد أن يترك الصلاة بحجة أنه صلى.
((فصليا معه فإنها لكما نافلة)) "فصليا فإنها" الضمير يعود على أقرب مذكور وهي الصلاة الأخيرة "فصليا" المأمور بها "فإنها" يعني هذه الصلاة الأخيرة لكما نافلة، فالنافلة هي الثانية والأولى هي الواجبة التي سقط بها الطلب "رواه أحمد واللفظ له, والثلاثة: أبو داود والنسائي والترمذي، وصححه الترمذي وابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح".
وعلى كل حال الحديث صحيح.(39/17)
((فإنها لكما نافلة)) يعني الثانية نافلة والفريضة هي الأولى، وقال بعضهمِ: من جاء والإمام يصلي وقد صلى منفرداً له أن يرفض الصلاة الأولى ويصلي مع الإمام الفريضة لأن الثانية أكمل؛ لأن الفريضة كونها في جماعة أكمل من كونها منفردة، فيرفض الأولى وتكون الثانية الفريضة، لكن الحديث نص في أن الثانية هي الفريضة، إذا صلى الإنسان منفرد فريضة ثم أحس أن هناك جماعة هل نقول: إن هذه هي الفريضة ولا يجوز له تحويل النية، ويستوي في ذلك ما إذا كان في أثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها؟ أو نقول له: أن يقلب النية نفل ويصلي الفريضة مع الجماعة، الفقهاء يقولون: وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز، وإن قلب منفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع جاز.(39/18)
أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ألا يتعارض مع إعادة صلاة الصبح مع الإمام وفي إعادة صلاة العصر، وأيضاً النهي عن أكثر من وتر في ليلة ألا يتعارض مع إعادة صلاة المغرب، يعني من جاء والإمام في صلاة الصبح له نافلة، وهو ممنوع من التنفل بعد صلاة الصبح، لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، هل نقول: هذا وقت نهي لا تعيد الصلاة؛ لأنها نافلة أو نقول: أحاديث النهي عامة وهذا الحديث خاص لإعادة الصلاة مع الإمام؛ لأن الواقعة حصلت في صلاة إيش؟ الصبح، هنا عندنا، صلى مع رسول الله صلاة الصبح فتعاد صلاة الصبح ولو كان وقت نهي مع الإمام، وقل مثل هذا في صلاة العصر، وقل مثل هذا من باب أولى في صلاة الظهر، وصلاة العشاء مع ما يعارضه من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لأنه بيأتي بصلاة رباعية نافلة، لكن صلاة المغرب إذا صلى المغرب في رحله ثم جاء والصلاة تقام -صلاة المغرب- ماذا يصنع؟ يعيد مع الإمام؟ لا وتران في ليلة فهل يعيد مع الإمام أو نقول: لا، هذه الوتر ولا يكرر الوتر في ليلة واحدة؟ أو نقول: صليها شفعاً صلِ مع الإمام واشفعها برابعة؟ ماذا يقال؟ مقتضى الحديث أن يصلي الصلاة على صورتها، صليها ثلاث مع الإمام هذا عموم الحديث، لكن الأحاديث الأخرى مثل: ((لا وتران في ليلة)) وقل مثل هذا في التصدق على من فاتته الصلاة ((من يتصدق على هذا)) يعني شخص صلى مع الجماعة، يعني حديث الباب فيمن صلى منفرداً ثم صلى مع الجماعة، من صلى في مسجد مع جماعة ثم جاء والصلاة تقام في مسجد آخر يعيد وإلا ما يعيد؟ الآن الحديث -حديث الباب- نص فيمن صلى في منزله -في رحله- ثم جاء، الآن الاثنين هؤلاء الرجلان صليا جماعة في رحالهما أو كل واحد صلى في بيته؟ "قالا: قد صلينا في رحالنا" في رحالنا، ما قالا: في رحلنا.
طالب:. . . . . . . . .(39/19)
لا ما تجي رحلينا، قلوبكما {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] ظاهر النص أنهما صليا فراداً، من صلى منفرداً ثم جاء والجماعة أقيمت يعيد الجماعة، لكن من صلاها في جماعة في مسجد ثم وجد جماعة تقام يصلي معهم أو لا يصلي؟ أو صلى مع جماعة فجاء شخص ((من يتصدق على هذا)) نص وفي صلاة الصبح، وفي مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أن من أهل العلم من يمنع إعادة الجماعة في الحرمين، وحديث: ((من يتصدق على هذا)) نص في إعادة الجماعة؛ لأنه صلى مع الجماعة، وصلى الصبح التي بعدها وقت نهي وفي مسجده -عليه الصلاة والسلام-، لكن يبقى إشكال المغرب ما الذي يمنع من أن يصلي المغرب مع الجماعة ويشفعها بركعة زائدة لئلا يقع في مخالفة: ((لا وتران في ليلة))؟ كان هذا هو المتجه -إن شاء الله تعالى-.
يقول السائل: حديث يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- قوله: "قد صلينا في رحالنا" كلمة رحالنا ألا تعني عند إبلهم أو غنمهم في الصحراء أو في المراعي؟
المقصود أن الرحل هو المنزل، الرحل هو المنزل سواءً كان في حاضرة أو في بادية.
يقول: ما المقصود بقوله: ((لا صلاة له)) هل هي عدم القبول؟
من سمع النداء؟
طالب: ((فلا صلاة له)).
ظاهر الحديث ظاهره يدل على الاشتراط، يدل على اشتراط الجماعة هذا الظاهر، وإن قال بعضهم: إنه لا صلاة له كاملة، وعلى هذا المعنى يحمله من يقول عدم اشتراط الجماعة، واشتراط الجماعة قول عند أهل العلم معروف، اشتراط الجماعة لصحة الصلاة هو قول الظاهرية، ورواية عن أحمد ينصرها بعض الأصحاب، وشيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه يميل إلى هذا أنها شرط لصحة الصلاة.
يقول: هل إذا فاتتني صلاة الجماعة ودخلت فوجدت شخصاً قد صلى مع الجماعة وفاتته ركعة أو أكثر فهل أدخل معه فيكون إماماً لي فأدرك بذلك الجماعة؟
لا مانع من ذلك الذي يقضي الصلاة هو في حكم المنفرد، ما يقضيه المسبوق هو بعد سلام الإمام في حكم المنفرد، ويجوز أن تأتم بالمنفرد وهذا في حكمه.
يقول: كيف يجيب القائلون بعدم وجوب الجماعة على حديث: الأعمى؟(39/20)
يجيب عن هذا بأن أمره هو أمر استحباب بدليل أنه معذور في ترك الجماعة، فدل على أن قوله: أجب، أمر استحباب لا أمر وجوب، لكن الصحيح أنه أمر وجوب، وإذا كان هذا الأعمى مع ما عنده من عذر العمى وعنده من المشقة، وما يحول دونه ودون المسجد فكيف بالمبصرين؟ إذا لم يعذر الأعمى فكيف المبصرين؟
يقول: كيف يرد على من يقول: إن وجوب الجماعة كان في أول الإسلام بدليل عدم ترخيص النبي -صلى الله عليه وسلم- بمساجد أخرى في أول الإسلام ثم ترخيصه وأن المتخلفين عن الصلاة معه منافقون أما غيره فلا؟
عدم الترخيص بإقامة جماعة أخرى لعدم الحاجة إليها، يعني إقامة مساجد أخرى مع أنه موجود مساجد، يوجد مساجد أخرى في بني عمرو بن عوف، وفي قباء وفي أطراف المدينة يوجد مساجد، لكن لنعلم أن الأصل والهدف الشرعي من شرعية صلاة الجماعة أن يتحد المسلمون، فإذا كان يكفيهم مسجد واحد فلا داعي لإقامة ثاني، وأقوال أهل العلم في إقامة جماعة في صلاة الجمعة ثانية، إقامة جمعة ثانية كلامهم شديد في هذا يبطلون الثانية إذا لم تكن هناك حاجة، لكن إذا كانت الحاجة داعية والمسلمون في أول الأمر عددهم قليل يستوعبهم المسجد النبوي وما أذن بإقامته فلا داعي لإقامة مساجد أخرى، لكن لما كثر العدد احتاجوا إلى جماعات أخرى.
يقول: هل صلاة الجماعة في غير المسجد مثلاً في البيت تكون أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة؟(39/21)
إذا افترضنا أن شخصاً في بيته يريد أن يصلي جماعة أو يصلي منفرد فصلاته مع غيره أفضل من صلاته منفرداً بسبع وعشرين درجة، لكنها من جنس الصلاة التي في البيت، فالمفاضلة نسبية، الصلاة جماعة في المسجد أفضل من صلاة الفذ في المسجد، وصلاة الجماعة في البيت أفضل من صلاة الفرد في البيت وفي السوق وفي الفلاة وما أشبه ذلك، فالمسألة .. ، المفاضلة نسبية كل نوع مع جنسه جماعة مع منفرد سواءً كانت في المسجد إذا كانت الجماعة في المسجد فهي أفضل من صلاة منفرد في المسجد فذ، صلاة جماعة في بيت أفضل من صلاة فذ في بيت وهكذا، لكن لنعلم أن الصلاة في المساجد واجبة، ولا يكفي أن يصلي الإنسان في بيته، ولا يعذر عن ترك الجماعة في المسجد إلا بالعذر المعروف العذر الشرعي خوف وإلا مطر وإلا أكل ثوم وإلا بصل وإلا شيء يمنعه من حضور الجماعة في المسجد، وإلا فالأصل أن الصلاة حيث ينادى بها، ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) وكثير من أهل العلم يلزم المسافر إذا كان يسمع النداء أن يصلي في المسجد لهذا الحديث: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)).
يقول: أنا في بعض الأحيان أكون في مسجد لا يصلي فيه أحد، فأذن للصلاة وأنتظر، فأيهما أفضل أن أقيم الصلاة في وقتها أو أؤخر الإقامة حتى يأتي أحد، وإذا كان الأفضل أن أقيم الصلاة فهل أجهر بصوتي في المكبر أم أسر؟
إذا انتظر المؤذن إلى وقت الإقامة فلم يحضر أحد ولم يشق عليه الانتظار، ورجاء أن يحضر أحد فالأفضل أن ينتظر، وإذا لم يأتيه أحد فأجره كامل -إن شاء الله تعالى-، وإذا أراد أن يقيم بالمكبر لينبه الناس الذين يسمعون هذه الإقامة للحضور إلى الصلاة فهو أفضل، والأمور بمقاصدها، وعلى كل حال إذا انتظر في مسجده ولم يحضر أحداً فصلى منفرداً في وقت الصلاة أجره كامل -إن شاء الله تعالى-.
يقول: كيف نربط بين أجر من يصلي في بيته فرداً وبين حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) هل يعني الحديث انتفاء أجر الفذ أم غير ذلك؟(39/22)
حديث: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) ضعيف، حديث ضعيف عند أهل العلم، الحديث مضعف عند أهل العلم فلا تقوم به حجة، فصلاة الفذ صحيحة وفضلها ثابت ومسقطة للطلب، لكن المصلي منفرداً مع إمكان الجماعة آثم تارك للواجب.
يقول السائل: ما حكم القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حي يسمع ويجيب؟ ما حكم قولي: اللهم برسول الله؟ أليس الرسول رحمة؟ وأليس حياً يسمع السلام ويرده؟
الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت في القرآن والسنة أنه قد مات -عليه الصلاة والسلام- {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [(144) سورة آل عمران] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ميت، وهو في قبره -عليه الصلاة والسلام- منعم في قبره في حياة برزخية، لا تشبه حياة الأحياء الذين أرواحهم في أجسادهم، وهي أكمل من حياة الشهداء، حياته أكمل من حياة الشهداء، لكنها حياة برزخية، الله أعلم بها، وإلا فالموت الذي هو مفارقة الروح للجسد مقطوع به، من ينكره منكر للنصوص القطعية، فإذا سلم عليه أحد سواءً كان قريباً منه أو بعيداً منه رد الله -جل وعلا- روحه فرد -عليه السلام-، فيرد السلام على من يسلم عليه ولو من بعيد، لكن حياته -عليه الصلاة والسلام- برزخية، ليست مثل حياة الأحياء الذين لم يموتوا بمفارقة الروح للجسد، وهي أكمل من حياة الشهداء، وليست مثل وفاة سائر الناس الذين هم أجسام هامدة لا يعون ولا يحسون، ولا يشعرون بشيء، والله المستعان، وقد حرم الله -جل وعلا- على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.
الشق الآخر يقول: حكم قول: اللهم برسول الله؟
اللهم برسول الله إذا كان هذا أراد به القسم فهذا شرك، وإن أراد به التبرك بذاته فهو بدعة، وإن أراد التبرك باتباعه -عليه الصلاة والسلام- اللهم بإتباعي لنبيك -عليه الصلاة والسلام- فإتباعه من القرب، والتوسل بالقرب مشروع، أما التوسل بذاته -عليه الصلاة والسلام- ممنوع؛ لأنه بدعة ما فعله خيار هذه الأمة.(39/23)
يقول: ذكرتم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، وهنا هم بإحراق بيوت من لا يصلي فهل هذا يتنافى مع حديث: ((لا يعذب بالنار إلا رب النار))؟
هذا خاص، هذا مخصص للحديث العام، هذا مخصص للحديث العام، ثابت يعني في الصحيح ما فيه إشكال، والنبي لا يهم إلا بما يجوز له فعله، ولم يترك النبي -عليه الصلاة والسلام- ما هم به إلا لما ذكره من العلة ما في البيوت من النساء والذراري.
يقول: توجد طرق كثيرة لتعزير المتخلف عن الجماعة غير التحريق فلماذا لم يفعلها -صلى الله عليه وسلم-؟
هذه مبالغة في شأن الصلاة، وفي شأن الجماعة، الصلاة أعظم أركان الإسلام، وشرعت جماعة لهدف ومقصد شرعي فهذا همه -عليه الصلاة والسلام-، وهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، وليس لأحد أن يقول مثل هذا الكلام، مستدركاً بذلك على النبي -عليه الصلاة والسلام-، اللهم إلا إن كان مستفهماً له أن يستفهم، لكن إن عرف الحكمة والسبب فبها ونعمت، وإن لم يعرف فالحكم هو النص.
يقول: هل الحرية شرط من شروط وجوب صلاة الجماعة؟
أهل العلم يذكرونها من شروط وجوب صلاة الجماعة؛ لأن وقت الرقيق مستغرق لسيده هذا قول الجمهور، وبعضهم يقول: لا، أنه وقت صلاة مستثنىً شرعاً، ويقال مثل هذا في الموظف، الموظف يجب عليه أن يخرج إلى الصلاة مع جماعة المسلمين، وإن كان العقد في الوظيفة يشمل وقت الصلاة، لكن هذا الوقت مستثنىً شرعاً، لا يجوز له أن يتخلف بمجرد أنه تعاقد على هذا الوقت.
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(39/24)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (26)
شرح: باب: صلاة الجماعة والإمامة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه مجموعة من الأسئلة.
يقول من السويد: يقول: هذا السؤال يقول: سافر لدولة غربية تعرف على فتاة طلبت منه أن يتزوجها علماً أنها نصرانية وعن استعداد لتغيير دينها إلى الإسلام، يقول: لكنه واثق أنها تقول ذلك فقط لترغبه في الزواج منها، وقد تنازلت عن جميع حقوقها المالية من مهر ومصرف بعد الزواج ومسكن؟(40/1)
الأصل أن نساء أهل الكتاب حل للمسلمين لكن الخطر لا سيما في مثل هذه الظروف التي نعيشها على الشخص نفسه وعلى نسله من الزواج من غير المسلمة، وما تنازلت هذه التنازلات إلا لمقابل، تنازلت عن المهر، والمهر أمر لا بد منه في النكاح، تنازلت عن المصرف والنفقة، الأمر لا يعدوها، تتنازل عن المسكن الأمر يخصها، لكن يبقى أنه ما الداعي لهذه التنازلات، الإنسان قد يقدم على خطبة غير المتدينة سواءً كانت تتدين بديانة أخرى كاليهودية والنصرانية أو بديانة الإسلام من فرقة أو مذهب آخر غير أهل السنة، أو من أهل السنة ممن يتساهل في أمر الدين، الإنسان عليه أن يبحث عن ذات الدين ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) وقد يخيل للإنسان والأمور بمقاصدها أنه يبحث عن امرأة ولو لم تكن دينة صالحة، من أجل أن يكسب الأجر في دعوتها، وقد يبحث عن امرأة ولو كانت متلبسة ببدعة لتكون هدايتها على يديه، وقد يقدم على الزواج من يهودية أو نصرانية ليدعوها إلى الإسلام، والدال على الخير كفاعله، لكن هناك خطر عظيم، عمران بن حطان تزوج امرأة على مذهب الخوارج رجاء أن تهتدي على يديه فما الذي حصل؟ غلبته وصار من رؤوس الخوارج -نسأل الله العافية-، وكم من شخص تأثر بالمرأة، كم من شخص، يعني ذكر من تنصر، وذكر من انسلخ من دينه، وذكر من تساهل بالفرائض والواجبات، تساهل بالشعائر بسبب المرأة، هناك منظر لا أنساه طيلة حياتي، شاب من الشباب لحيته تغطي صدره، وحريص على طلب العلم، ينتقل من شيخ إلى آخر، وفجأة رأيته حليقاً، وسألت عن السبب فإذا به قد تزوج امرأة اشترطت عليه أن يحلق لحيته، فعلى الإنسان أن يعتني بهذا الأمر ويهتم له، يبحث عن من تعينه في دينه، ولا يقدم على نكاح امرأة لا يدرى أتهتدي أو يضل بسببها؟ والتوجيه النبوي: ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) والله المستعان، فهذه ما تنازلت عن هذه الأمور إلا وقد قصدت شيء، وقد يكون هذا أسلوب من أساليب الدعوة عندهم، وقد سلكوا أساليب شتى في تنصير المسلمين.
يقول: إحدى الأخوات تشتكي من أن مدرستها تقول دائماً بأن الديانات كلها محرفة وبما فيهم القرآن، وهي تكره ذلك وترد عليها؟(40/2)
القرآن محفوظ مصون عن التحريف وعن الزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] هناك قصة ذكرها البيهقي وغيره أن القاضي يحيى بن أكثم دعا يهودياً إلى الإسلام فلم يستجب، ولم يسلم، وبعد عام كامل جاء اليهودي إلى القاضي يحيى بن أكثم فأعلن إسلامه، فسأله عن السبب، قال: السبب أنه طيلة هذا العام انشغل بنسخ التوراة، نسخ مجموعة من التوراة وحرفها وزاد فيها ونقص، فعرضها على اليهود فباعها عليهم واشتروها وقرؤوا فيها بعد أن زاد فيها ونقص وقدم وأخر وحرف ثم نسخ نسخ من الإنجيل وصنع فيها مثل ما صنع في التوراة، وعرضها في سوق النصارى فاشتروها، ولزموها وقرؤوها ثم نسخ نسخ من القرآن وتصرف فيه شيء يسير جداً لا يكاد يذكر، يقول: فلما عرضت هذه النسخ في سوق المسلمين كل من طالع نسخة رماها في وجهه، يقول: عرفت أن هذا الدين محفوظ وهو يهودي، يقول يحيى بن أكثم: لما قال لي هذا الكلام حججت والتقى بسفيان بن عيينة وقال له .. ، ذكر له هذه القصة، فقال: يا أخي هذا في القرآن منصوص عليه، بالنسبة لكتابنا جاء فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] لم يوكل حفظ القرآن لأحد من البشر، وإنما تكفل الله -جل وعلا- بحفظه، وأما الكتب الأخرى السماوية استحفظوا عليها، استحفظ اليهود على التوراة، استحفظ النصارى الإنجيل، استحفظ غيرهم على كتبهم فلم يحفظوا وضيعوا وحرفوا، كما قال الله عنهم في محكم التنزيل، فهذا الكلام ليس بصحيح أبداً، والواقع يشهد بأنه باطل.
يقول: هل يجوز لرجل مسلم يقيم في السويد ومتزوج لكن غير مسجل في الدولة بأنه متزوج، ويأخذ إعانة من الدولة ولا يقول: إنه متزوج عند ملء استمارة الإعانة فهل يحق له ذلك؟
هذا كذب، والكذب لا يجوز لا على المسلم ولا على الكافر.
يقول: ما هي شروط لباس الرجل خصوصاً إذا كان يقيم في دولة شديدة البرودة مثل السويد هل علي إلزام بلبس الثوب؟(40/3)
عليك أن تلبس لباس المسلمين ولا يجوز لك تقليد الكفرة، واللباس يقرر أهل العلم أنه عرفي باستثناء ما جاءت النصوص بمنعه، فإذا تعارف الناس في بلد من البلدان على لباس معين يلبس، وهم في هذه البلدان يلبسون الغالب البنطلون، وما يغطي على البدن، لكن لو كان البنطلون هذا لا يلبسه إلا الكفار قلنا: هذا من لباس الكفار، لكن مع الأسف الشديد أن المسلمين قلدوا الكفار في كثير من أقطار المسلمين، ثم صار هذا لباسهم، فالذي يلبس البنطلون مثلاً في مصر أو في الشام أو في الهند أو في غيرها من البلدان التي يكثر فيها المسلمون هل يقال: إنه يقلد الكفار في هذا مع أن عامة الناس على هذا؟ هم يقلد بعضهم بعضاً، نعم أول ما لبس البنطلون في ديار المسلمين هذا تقليد، تشبه محرم، ثم يبقى بعد النظر في هذا البنطلون إذا كان يبين العورة أو ينحسر عن بعض مواطن العورة، أو ينزل عن حد الكعب أو غير ذلك من الأمور الممنوعة يمنع من أجلها، على كل حال اللباس عرفي، عرفي وإن اعتز بدينه في بلاد الكفار وقال: إنني من المسلمين ولبس لباس المسلمين، ولو عد نشازاً بين الكفار، ما في بأس، هذه عزيمة يثاب عليها -إن شاء الله تعالى-، لكن إذا كان يواجه مضايقات ويقول: أنا أقلد المسلمين في ديار المسلمين يلبسون هذه الألبسة، فإذا كان نظره وتقليده للمسلمين لا شيء عليه -إن شاء الله تعالى-، فلا يلزم بالثوب.
يقول: أسرة مسلمة تذبح عند أحد السويديين لكنه يطلق الرصاص على الذبيحة أولاً وقبل موتها يذبحها أحد المسلمين فهل يجوز الأكل منها؟
أولاً: هذا تعذيب للحيوان لا يجوز؛ لأنه تعذيب للحيوان، فإن أدرك بعد رميه بالرصاص أدركت فيه الحياة المستقرة وذكي الذكاة الشرعية جاز أكله، مع أن رميه بالرصاص محرم، إذا لم يكن صيداً.
يقول: هل يجوز للصبي الصغير الصلاة بالشرت؟
يعني السروال الصغير هو الشرت اللي تبين منه الركبة؟ الصبي الصغير الأصل أنه غير مكلف، غير مكلف ويؤمر بالصلاة إذا تم له سبع سنين ويضرب عليها لعشر من باب التمرين، والتمرين بالصلاة ينبغي أن يشمل التمرين بشروطها وأركانها، فيمنع من الصلاة بهذا اللباس القصير.
يقول: هل يجوز للحائض أن تسمع شريط قرآن ثم تسجد للتلاوة؟(40/4)
نعم يجوز أن تستمع للقرآن وتتفكر وتتدبر وتتعظ وتتأمل لكن لا تسجد، حتى ولو قلنا: إن سجود التلاوة ليس بصلاة، ولو قلنا: إن سجود التلاوة ليس بصلاة لا تشترط له الطهارة.
يقول: سؤال هل لزوم أو وجوب الجماعة من حيث كونها جماعة تصلي أم المراد بالجماعة المسجد فيخرج وجوب الجماعة في المسجد إلى كونها جماعة حيث نودي للصلاة؟
الأصل أن الجماعة مثل ما تقرر عند أهل العلم واجبة للصلاة، وأن الصلاة حيث ينادى بها يعني في المساجد، إذا وجدت هذه المساجد لا بد من الصلاة في المساجد، ولا يجوز أن تعطل المساجد، لكن إذا كان في بلد لا يوجد فيه مسجد، ونودي للصلاة بأي مكان شريطة أن يكون مكاناً طاهراً خالياً من الشواغل مما يفتن المصلي بصلاته في غير المواطن السبعة فعموم حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يشملها، والله المستعان.
لو يذكرنا أحد الأخوة بحكم صلاة الجماعة الخلاف والأدلة.
طالب:. . . . . . . . .
عند من؟ الحنابلة واجبة على الأعيان بدليل؟ حديث: الهم بالتحريق، وغيره؟ من أظهر أدلتهم الأعمى، حديث الأعمى ابن أم مكتوم: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] الجماعة في صلاة الخوف فكيف بالأمن؟ أدلة كثيرة متظافرة على أن الجماعة واجبة على كل مسلم حر مكلف.
القول الثاني: القول بأنها سنة، قول من؟
طالب:. . . . . . . . .
المالكية والحنفية، دليلهم؟ بسبع وعشرين درجة، أو بخمس وعشرين درجة، وجه الاستدلال؟ ولا يمكن أن يجتمع الفضل مع الإثم، نقول: يمكن أن يجتمع مع انفكاك الجهة، وهو مأجور على أداءه الصلاة، وآثم لتركه الواجب وهو صلاة الجماعة، نظير من صلى وبيده خاتم ذهب أو على رأسه عمامة حرير هو آثم لكنه مأجور على صلاته لانفكاك الجهة.
القول الثالث؟
طالب:. . . . . . . . .(40/5)
نعم فرض كفاية عند الشافعية؛ لأنها شعار يكتفى فيه بالبعض، لكن هذا قول لا يعلم له دليل بين إلا إن كانوا أرادوا الجمع بين دليل أدلة الفريقين فحملوا أدلة الوجوب على بعض الناس، وحملوا دليل المالكية والحنفية على البعض الآخر، فقالوا بأنها واجبة على الكفاية، لكن من أقوى ما يرد به عليهم حديث: الهم بالتحريق؛ لأن الجماعة قد قامت في مسجده -عليه الصلاة والسلام- به وبأصحابه فلا داعي للتحريق لو كانت فرض كفاية، الظاهرية ورواية عن أحمد يميل إليه شيخ الإسلام أنها شرط لصحة الصلاة.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال شيخ الإسلام ابن حجر -رحمه الله-:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به, فإذا كبر فكبروا, ولا تكبروا حتى يكبر, وإذا ركع فاركعوا, ولا تركعوا حتى يركع, وإذا قال: سمع الله لمن حمده, فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد, وإذا سجد فاسجدوا, ولا تسجدوا حتى يسجد, وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً, وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) رواه أبو داود وهذا لفظه، وأصله في الصحيحين.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً فقال: ((تقدموا فأتموا بي, وليأتم بكم من بعدكم)) رواه مسلم.
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجرة بخصفة, فصلى فيها, فتتبع إليه رجال, وجاءوا يصلون بصلاته" .. الحديث, وفيه: ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) متفق عليه.
وعن جابر قال: "صلى معاذ بأصحابه العشاء فطول عليهم, فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون يا معاذ فتانا? إذا أممت الناس فاقرأ: بالشمس وضحاها, وسبح اسم ربك الأعلى, واقرأ باسم ربك, والليل إذا يغشى)) متفق عليه, واللفظ لمسلم.(40/6)
وعن عائشة -رضي الله عنها- في قصة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس وهو مريض قالت: "فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر, فكان يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً, يقتدي أبو بكر بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف, فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة, فإذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) متفق عليه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه الأحاديث تندرج تحت الشق الثاني من شقي الترجمة: باب صلاة الجماعة والإمامة، فالأحاديث التي قرأت تندرج في الإمامة في أحكامها وصفة الإمام وواجب المأموم.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به, فإذا كبر فكبروا, ولا تكبروا حتى يكبر, وإذا ركع فاركعوا, ولا تركعوا حتى يركع)) " .. الحديث، هذا الحديث رواه أبو داود، وأصله في الصحيحين، الحديث بحروفه في الصحيحين في الجمل الأولى: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به, فإذا كبر فكبروا)) هذا في الصحيحين، ((ولا تكبروا حتى يكبر)) هذه ليست في الصحيحين، ((وإذا ركع فاركعوا)) في الصحيحين، ((ولا تركعوا حتى يركع)) ليست في الصحيحين، ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ... ، وإذا سجد فاسجدوا)) هذا في الصحيحين، ((ولا تسجدوا حتى يسجد)) هذا ليس في الصحيحين، ((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)) كذلك، ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) وهذا من الصحيحين، إذن ما معنى قوله: "وأصله في الصحيحين"؟ الحديث يكون في كتاب من كتب السنة الدواوين المعتبرة كالسنن والمسانيد ويكون له أصل في الصحيح، ويكون ما في الفرع أتم مما في الأصل، يكون جزء منه أو جملة أو جمل منه في الصحيح، والباقي لا يوجد في الصحيح، إذن أصله في الصحيح لأنه حديث واحد.(40/7)
في الحديث يقول: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) يعني: إنما جعل هذا الشخص المتصف بهذا الوصف الذي هو الإمامة إنما جعل ليؤتم به، في بعض الروايات: ((فلا تختلفوا عليه)) ومقتضى هذا أن يقتدى به ويؤتم به في جميع أفعال الصلاة، وفي جميع أقوالها حتى النية، هذا مقتضى العموم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) يعني لكي يؤتم به، فلا تختلفوا عليه في شيء من الأشياء، لا في الأفعال ولا في الأقوال ولا في النيات هذا الأصل، لكن جاء ما يخرج بعض الصور من هذا العموم، يأتي في حديث معاذ إخراج النية في صلاة المفترض خلف المتنفل، وهذا ستأتي الإشارة إليه، في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، وهو مسافر يقصر الصلاة والناس خلفه يتمون، يخرج صورة من صور النية، وصورة من صورة تطابق الأفعال؛ لأن الذي يقصر يصلي ركعتين والمأموم يصلي أربع على هذا اختلفنا عليه، على كل حال هذا العموم مخصوص بصور، وما عدا هذه الصور تجب موافقة الإمام من قبل المأموم، إمام لا يرفع يديه مع التكبير للافتتاح ولا للركوع ولا للرفع منه ولا من القيام من الركعتين، إذا كان الإمام لا يرفع يديه نقول للمأموم: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه لا ترفعوا أيديكم؟ أو نقول: هذا أمر مشروع لا يترك من أجل مخالفة الإمام؟ أمر مشروع ثابت في حق الإمام والمأموم إن أحسن الإمام وأتى به فله، وإن أساء فعليه، ويبقى أن المأموم مطالب بمثل هذا.(40/8)
الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة التي يسميها الفقهاء جلسة الاستراحة، يعني ما ترجح عنده أن جلسة الاستراحة مطلوبة من كل مصلي، يعني المتجه عنده أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما فعلها في آخر حياته لحاجته إليها، والمأموم يتجه عنده أنها مشروعة لكل مصلي، وهي ثابتة في حديث مالك بن الحويرث وجاءت في بعض طرق حديث المسيء وحديث أبي حميد ولها أدلة، نقول: لا تجلس بعد الركعة الأولى والثالثة لأن الأمام لا يجلس؟ نقول: اجلس يا أخي، وليس في هذا مخالفة، المقصود أن المطلوب ما طلبه الشارع من المصلي يأتي به ولو خالف الإمام سواءً كان عن اجتهاد أو تفريط، لا يتابع الإمام في ترك السنن ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هذا حصر، حصر حقيقي وإلا حصر إضافي؟ يعني الإمام ليست له إلا هذه الصفة أو له صفات أخرى بهذا الوصف الذي هو الإمامة؟ يعني هل هذا الحصر (إنما) حرف حصر بمثابة ما وإلا فهل هذا حصر حقيقي؟ يعني ما في عمل للإمام إلا ليؤتم به ليكون الحصر حقيقياً أو له أوصاف أخرى غير الائتمام؟ دعنا من كونه يصلي لنفسه يؤدي يسقط فرض عن نفسه هذه مسألة أخرى للمقيد بالوصف الذي هو الإمامة، قد يزيد في صلاته مما لا يشرع له -للمأموم- أن يتابعه عليه، وقد يزيد المأموم قد ينقص الإمام، هذا مسألة الائتمام مسألة أخرى، لكن أقول: هل للإمام .. ، هل لنصب الإمام حكمة شرعية، علة شرعية غير الائتمام، القراءة والمأموم مأمور بالإنصات، ((إذا قرأ فأنصتوا)) هل يؤتم بالإمام في القراءة مع أن قراءة المأموم مرتبطة بقراءة الإمام، الآن السؤال واضح وإلا ما هو بواضح؟ عندنا إمام عينه الشارع إمام ليقتدي به المأموم هل لهذا الشخص بهذا الوصف الذي هو الإمامة فائدة غير الاقتداء؟ إن كان هناك فائدة غير الاقتداء قلنا: الوصف إضافي، أعظم ما في الإمام الاقتداء والباقي أمره أخف، نعم، يعني هل الحكمة من شرعية أو تقديم إمام يصلي بالناس هي مجرد أن يقتدي به المأمومون، ويتبعوه في أفعاله وأقواله؟ أو هناك حكم أخرى؟ هذه فائدة من شرعية الجماعة، ضامن، الإمام ضامن، بمعنى أن المأموم لو فرط في شيء من الواجبات يتحمله الإمام، لكن مقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما جعل الإمام(40/9)
ليؤتم به)) يعني يؤتم به في الصلاة لا خارج الصلاة، هذا الأصل في نصب الإمام، هل هناك فائدة غير الاقتداء من نصب هذا الإمام حتى لا يختلف عليه؟ هذه حكمة أو مشروعية صلاة الجماعة، القراءة ما هي باقتداء صحيح، يعني ما هو معنى هذا أنه إذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال المأمومون: الحمد لله، هذا .. ، ليس معنى هذا إذا قرأ فاقرءوا ليكون اقتداء، إذا قرأ فأنصتوا فهذا مما يستثنى مما ذكر، إذن الحصر هنا إضافي، ((ليؤتم به)) يعني ليقتدى به، ((فإذا كبر فكبروا)) (إذا) جملة شرطية ((إذا كبر فكبروا)) والفعل الماضي في الحديث هنا: ((إذا كبر)) يعني فرغ من التكبير؛ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد الفراغ منه كما هو الأصل، ويطلق ويراد به الشروع فيه، ويطلق ويراد إرادة الفعل، فعندنا: ((إذا كبر فكبروا)) إذا فرغ من التكبير كبروا، ويؤكد مفهوم هذه الجملة، هذه الجملة لها منطوق ((إذا كبر فكبروا)) إيش مفهوم هذه الجملة؟ أننا لا نكبر حتى يكبر الإمام وهو منطوق الجملة التي تليها: ((ولا تكبروا حتى يكبر)) هذه الجملة مؤكدة لمفهوم الجملة الأولى.
((وإذا ركع فاركعوا)) يعني أخذ في الركوع وشرع فيه، ولا يمكن أن يقال: إذا فرغ من الركوع، ولا يمكن أن يقال: إذا أراد الركوع، وإذا ركع فاركعوا مفهوم هذه الجملة أننا لا نركع حتى يركع الإمام، ويؤيدها ويشهد لهذه الجملة منطوق الجملة التي تليها.
((ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) سمع الله لمن حمده، العلماء يقولون: سمع بمعنى أجاب، الشراح يقولون: سمع بمعنى أجاب، وعلى كل حال فيه إثبات السمع لله -جل وعلا-، فيه إثبات السمع لله -جل وعلا-، وقد ثبت السمع بالأدلة القطعية من نصوص الكتاب والسنة.(40/10)
((إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا)) الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، "فقولوا" المأموم يقول: اللهم ربنا لك الحمد, أو يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وهي ثابتة أيضاً في الصحيح بالجمع بين اللهم والواو، أو قولوا: ربنا لك الحمد بدون اللهم والواو، أو ربنا ولك الحمد بالواو دون اللهم، فهي أربع صيغ تقدمت الإشارة إليها، أربع صيغ وكلها ثابتة خلافاً لابن القيم الذي ينفي ثبوت الجمع بين اللهم والواو وهو في الصحيح.
((إذا قال -الإمام-: سمع الله لمن حمده فقولوا)) يعني معاشر المأمومين: ((اللهم ربنا لك الحمد)) العطف بالفاء يقتضي أنه لا فاصل بين قول الإمام .. ، بين فراغ الإمام من قوله: سمع الله لمن حمده وبين قول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، من الذي يقول: سمع الله لمن حمده في الحديث؟ الإمام، ومن الذي يقول: اللهم ربنا لك الحمد؟ المأموم بدليل؟
طالب:. . . . . . . . .
شو النهي؟ والمأموم منهي أن يقول: سمع الله لمن حمده؟ هو ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يجمع بينهما، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يجمع بينهما، ولذا يرى الشافعية أنه يجمع بينهما كل مصلٍ إمام ومأموم ومنفرد كلهم يقولون: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، الحنفية يقولون: الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ولا يقول: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد ولا يقول: سمع الله لمن حمده.(40/11)
الحنابلة يقولون: الإمام يجمع بينهما لأنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمأموم يقتصر على قوله: ربنا ولك الحمد؛ لأن العطف بالفاء يقتضي أنه لا فاصل بين فراغ الإمام من قول: سمع الله لمن حمده وبين قول المأموم: ربنا ولك الحمد، وإذا كان لا يوجد فاصل بينهما إذن متى يقول المأموم: سمع الله لمن حمده؟ إذن هذا خاص، وإن كان ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الأسوة والقدوة، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- غالب أحواله الإمامة، فعمله محمول على الإمام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في أفعاله منها ما يحمل على عموم الأحوال فيشمل جميع المسلمين، وهذا هو الأصل في الاقتداء والائتساء، ومنها ما لا يمكن حمله على جميع الأحوال لمعارض راجح، النبي -عليه الصلاة والسلام- متى يأتي لصلاة الجمعة؟ للخطبة، يأتي للخطبة، يأتي فيصعد المنبر، هل نقتدي به -عليه الصلاة والسلام- في هذا بمعنى أننا لا نأتي إلا مع دخول الخطيب؟ أو لنا ما يخصنا من النصوص: "من جاء في الساعة .. "، "من راح في الساعة الأولى .. "، "من راح في الساعة الثانية .. "؟ وعمله محمول على الأئمة لأنه بوصفه إمام -عليه الصلاة والسلام- له مثل هذا الفعل، فيقتدي به الأئمة في ذلك، ولذا لا يشرع للإمام أن يروح في الساعة الأولى أو في الساعة الثانية أو في الثالثة، اقتداءً به -عليه الصلاة والسلام- بهذا الوصف الذي هو الإمامة.(40/12)
((وإذا سجد فاسجدوا)) يعني إذا شرع وأخذ في السجود فاسجدوا، يؤكد مفهوم هذه الجملة منطوق الجملة التي تليها: ((ولا تسجدوا حتى يسجد)) كسابقاتها ((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)) وهذه الجملة كالجمل السابقة لا توجد في الصحيح؛ لأنه قد يقول قائل: إنه لا يحتاج إلى ذكرها لأن الصلاة من قيام هو الأصل، ((إذا صلى قائماً)) هل يتصور أن المأمومين يجلسون مع معرفة ما جاء في حديث عمران بن حصين: ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) وغيره مما يدل على أن القيام ركن من أركان الصلاة؟ فهذا لا يحتاج إلى ذكر، ولذا لا يوجد في الصحيحين، يوجد في سنن أبي داود، لكن الذي يحتاج إلى ذكر الجملة التي تليها، ((وإذا صلى قاعداً -يعني لعذر- فصلوا قعوداً أجمعين)) القيام مع القدر في الفريضة ركن من أركانها، وفي النافلة نصف الأجر، الصلاة صحيحة وله نصف الأجر، صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم، هنا في الفريضة قعد الإمام لعذر فصلوا قعوداً أجمعين، حال كونكم مجتمعين، وفي كثير من الروايات: أجمعون، وهو تأكيد لضمير الجمع في قوله: ((صلوا)) تأكيد لضمير الجمع، والمعنى متقارب.(40/13)
((إذا صلى قاعداً)) ومعلوم أنه في الفريضة لا بد من عذر، وإلا فالقيام ركن، قلنا: النافلة تصح من قعود على النصف، إذا صلى الأمام في صلاة التراويح أو في صلاة التهجد قاعد من غير عذر صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ يصلي المأموم خلفه قيام وإلا قعود؟ قعود، لهم الأجر كامل وإلا النصف؟ من غير عذر، لكن هم يقولون: نبي الأجر كامل ما جينا ندور نصف الأجر، عندنا هنا النص صريح: ((إن صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) أو ننتهي من الفريضة ثم نعود إلى النافلة؟ قال بموجب الحديث الحنابلة، وقالوا: إذا صلى الإمام لكن بقيود، أولاً: أن يكون الإمام الراتب، إمام الحي إذا ابتدأ كل كلمة لها مفهوم "إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة من قعود لعلة يرجى برؤها -لعلة يرجى برؤها- فإن المأمومين يلزمهم أن يصلوا قاعدين"، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها، أن يبتدئ الصلاة من قعود، أن يكون هو إمام الحي الراتب، أن تكون علته وعذره يرجى برؤه، فإنه يجب على المأمومين أن يقتدوا به في قعوده فيجلسوا فيصلوا جالسين.
إذا جاء شخص طارئ، شخص طارئ مريض قال: أبا أصلي بكم بيجلس، نصلي قعود وإلا قيام؟ قيام؛ لأن الصلاة ما ابتدأت من قعود، وأيضاً لأن الإمام ليس بإمام الحي، إذا طرأ على الإمام بعد أن افتتح الصلاة قائماً ما يجعله يعجز عن القيام فجلس في الركعة الثانية أو الثالثة يتمون من قعود أو من قيام؟ من قيام؛ لعلة يرجى برؤها، ما نأتي بإمام الحي وقد قطعت رجلاه ولا يستطيع القيام ونجعله يصلي بالناس من أجل أن نصلي جالسين؛ لأن هذه العلة لا يرجى برؤها، لماذا الحنابلة قيدوا هذا الحكم بهذه القيود ولا إشارة فيها في الحديث؟ هم يقولون مثل هذا الكلام ويقيدون بهذه القيود لئلا يتعارض هذا الحديث مع ما سيأتي، حديث سيأتي في إمامة أبي بكر، صلاته بالناس في أول الأمر، ثم مجيء النبي -عليه الصلاة والسلام-، فجاء فجلس عن يسار أبي بكر، وستأتي تكملة البحث عند شرح هذا الحديث.(40/14)
على كل حال الحنابلة عرفنا مذهبهم، إذا ابتدأت الصلاة من قعود، والإمام إمام الحي، لا يؤتى بإمام طارئ يصلي بالناس لا ميزة له على غيره، فلا بد أن تبتدئ الصلاة من قعود، والإمام علته يرجى برؤها، فإنه يلزمه القعود عملاً بهذا الحديث.
المالكية ماذا يقولون؟ المالكية يقولون: لا تصح إمامة القاعد، كيف لا تصح إمام القاعد؟ يرون في ذلك حديث: ((ولا تتابعوه في القعود)) ((لا يؤمن أحد بعدي قاعداً قوماً قياماً)) وهذه أحاديث ضعيفة لا تقاوم مثل هذا الحديث، فعندهم لا تصح إمامة القاعد لا من قيام ولا من قعود.
الحنفية والشافعية يقولون: تصح إمامة القاعد، لكنه لا يتابع على القعود استدلالاً بما سيأتي في قصة مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلاة أبي بكر، وافتتاح أبي بكر الصلاة بالناس من قيام، ومجيء النبي -عليه الصلاة والسلام- وجلوسه عن يساره والمأموم قيام؛ لأن الصلاة افتتحت من قيام فتكمل قيام، ومثل هذه الصورة تخرج بالقيد الأول عند الحنابلة، الحنفية والشافعية يرون أن هذا الحديث منسوخ، منسوخ بما فعله -عليه الصلاة والسلام- في آخر أمره في مرض موته، وهذا الحديث سيأتي، وبقية المباحث نتركها إلى الحديث اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
هناك أشياء لم يشر إليها في الحديث لكنها معلومة: ((ولا تسجدوا حتى يسجد)) ((وإن صلى قائماً)) وإلا إيش .. ؟ إلى آخره، لكن السلام؟ يتقدم على الإمام بالسلام؟ ((لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالانصراف)) فلا يجوز أن يسلم المأموم قبل سلام إمامه.
الحديث الذي يليه: حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم .. " لكن لو قدم المؤلف -رحمه الله تعالى- الحديث الثاني عشر قبل هذا لكان أولى.
يقول: "عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: ((تقدموا فأتموا بي, وليأتم بكم من بعدكم)) رواه مسلم".(40/15)
وهذا التأخر احتمال أن يكون تأخرهم في بيوتهم وفي أعمالهم، وأن يكون تأخرهم وهم موجودون في المسجد، يوجد من يتأخر وهو في المسجد جالس، تقام الصلاة ويشرع فيها وهو جالس في آخر المسجد، فعلى مثل هذا أن يتقدم، وبعض الناس يبادر يأتي مع الأذان مثلاً، ويجلس ومجرد ما يسمع الإقامة يقوم، وهذا نوع ثالث من التأخر، لكنه يكبر في أدنى مكان عنده، وهذا ملاحظ في المساجد الكبيرة التي يصلي فيها الجموع الغفيرة كالحرمين مثلاً، لأنه، يقول: إن ذهبت إلى الصف الأول فاتت ركعة، الحرم المكي أو المدني طول المسافة، مسافة طويلة جداً إلى الصف الأول، وتجد الناس أوزاع، خمسة في صف، عشرة في صف، اثنان في صف، ثلاثة عند الباب، دعونا من الذين هم خارج المسجد هؤلاء حكمهم آخر، من كان في محيط المسجد داخل سور المسجد صلاته صحيحة إذا لم يكن فذاً، لكن كم فاته من الأجر والفضل بسبب هذا التأخر، يصلي في أدنى مكان، يفوته أجر الصف الأول أو الذي يليه، ويفوته أيضاً صلة وصل الصفوف، ولذا جاء الأمر بذلك، رأى في أصحابه تأخراً -عليه الصلاة والسلام- فقال لهم: ((تقدموا فأتموا بي)) هذا الأصل، الأصل أن من يحضر مبكر إلى المسجد يتقدم إلى الصف الأول ((فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم)) قد يكون هناك معارض لما حث عليه وحظ عليه في الصف الأول، حلقة علم في آخر المسجد، إن جلس في هذه الحلقة فاتته الصفوف العشرة أو العشرين الأولى، وإن تقدم إلى الصف الأول ما سمع الدرس هذه مسألة، وهذا من باب تعارض النوافل.(40/16)
مسألة أخرى، لو تقدم إلى الصف الأول فاتته تكبيرة الإحرام، ومسألة ثالثة لو تقدم إلى الصف الأول أو الثاني فاته ركعة، ومعلوم أن من يقضي الصلاة لا سيما في الأماكن المزدحمة يحصل له ما يحصل من مرور الناس بين يديه وتشويشهم عليه، ثالث يقول: إن تقدمت إلى الصف الأول وفاتني ركعات، فاتني صلاة جنازة مثلاً، وهنا تتعارض عنده سنن، فماذا يقدم؟ هل نقول له: تقدم إلى الصف الأول أو الذي يليه أو الذي يليه بحسب ما يتيسر لك واترك مسألة تكبيرة إحرام أو ركعة أولى، ولو اقتضى ذلك أن يفوتك ركعة أو ركعتين ويشوش الناس عليك، يمرون بين يديك، أو لو فاتتك صلاة جنازة؟ أو نقول: لا، صلِ في مكانك لا تصلي فذ، وفي سور المسجد وصلاتك صحيحة، وأدرك الصلاة كاملة وسلم مع الإمام ولا أحد يشوش عليك، وتدرك صلاة الجنازة وهكذا، فهنا تتعارض سنن، ما الذي يقدم من هذه السنن؟
أهل العلم يقررون قاعدة، وهو أن المحافظة على الأجر المرتب على العبادة نفسها أولى من المحافظة على الأجر المرتب على مكانها أو زمانها ما لم يكن المكان أو الزمان شرط، أما إذا كان المكان شرط قد يقول: أنا عندي غرفة خارج الحرم مريحة ومكيفة وأضبط الصلاة وأخشع في صلاتي ولا يمر أحداً بين يدي، نقول: لا يا أخي، نعم هذا الخشوع مما يطلب للصلاة، نقول: أدخل، يقول: حر، نقول: ولو كان حر، المكان شرط لصحة الاقتداء.(40/17)
أقول: المحافظة على الأجر المرتب على العبادة نفسها أولى من الأجر المرتب على مكانها أو زمانها هذه قاعدة، إذا كان الإنسان يتيسر له أن يطوف بجوار الكعبة، لكنه لا يحضر من قلبه شيء، أو يطوف من وراء الناس بسكينة ويحصي طوافه، ويحضر قلبه ويذكر الله على الوجه المأمور به أيهما أفضل؟ نقول: ابعد يا أخي، ونقول مثل هذا في الصلاة، يعني الصلاة في الصف الأول في الأماكن المزدحمة ترى يترتب عليها إضاعة أشياء كثيرة، أحياناً الإنسان من شدة الزحام ما يكمل صلاته، وقد لا يتيسر له ركوع ولا سجود، فهل مثل هذا نقول له: زاحم في الصفوف الأولى ولو ترتب على هذا ما يترتب عليه من خلل في الصلاة؟ على كل حال المسألة مسألة فضائل، ولا بد أن نوازن بين هذه الفضائل، نعم هناك سنن، وهنا ترغيب في هذه السنن، لكن نفقه كيف نطبق هذه السنن بما لا يتعارض مع ما هو أقوى منها، يعني طرف الصف الأول، يمين الصف الأول افترض أنه ما فرش، وفي بقايا من أسمنت، وبقايا من أشياء لا يرتاح الإنسان في الجلوس عليه، كأنه جالس على شوك، أو الصف الثاني أيهما أفضل؟ الصف الثاني على القاعدة لماذا؟ لأن هذا محافظة على لب الصلاة الذي هو الخشوع، وهناك محافظة على مكانها.
وعلى كل حال على الإنسان أن يحرص على جميع السنن، يحرص على تطبيق السنن، وعلى الفقه في كيفية تطبيق هذه السنن، يعني يحصل جدال وخصام ونزاع شديد، بل قد يحصل مضاربة عند الصف الأول، هذا الذي حرص والباعث عليه الحرص في تطبيق هذه السنن، هل هذا فقه كيف يطبق السنة؟ وقد ترتب على تطبقها أمور محظورة، أقول: لا بد من الفقه في هذه الأمور، في كيفية التطبيق، ولا بد من الموازنة، فهناك سنن تتعارض في مثل هذه الصور، فهل نقول: احرص على الصلاة من أولها إلى آخرها وأدها في مكان وأنت مرتاح لو صار بينك وبين الإمام مفاوز في الحرمين مثلاً؟ لكن لا تصلِ منفرداً، ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) على ما سيأتي، معك مجموعة في سور المسجد صلاتك صحيحة وبالإجماع، لكن فاتتك أجور، فرطت بأجور.(40/18)
وعلى كل حال الظرف أو الظروف في هذه الأماكن التي يرتادها الفئام من الناس لا شك أنها .. ، لا بد من تجاوز كثير من الأمور، يعني الصلاة بين السواري في أوقات الزحام مثلاً، نقول: الصلاة بين السواري مكروهة، لكن في رمضان ويش با تسوي في الحرم المكي؟ نقول: لا تصلِ بين السواري؟ وين تروح؟ لا بد أن تصلي بين السواري، أقول: لا بد من تجاوز بعض هذه الأمور لعدم القدرة على الإتيان بجميع ما حث عليه الشارع، لكن إذا تزاحمت المسائل سواءً كانت كلها واجبات أو كلها مستحبات لا بد من المفاضلة بينها، على أن لا نعرض جوهر الصلاة للخلل.
هنا يقول: "رأى في أصحابه تأخراً فقال لهم: ((تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم)) " تكملة للحديث تمامه: ((لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) في بعض الروايات: ((في النار)) يعني من كان ديدنه التأخر عن الصلاة من غير عذر، من كان ديدنه التأخر عن الصلاة هذا لا شك أنه فيه وصف راسخ، وإن شئت فقل: ملكة من ملكات المنافقين، إذا كان ديدنه كذلك، فإنه لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل- في النار، كما جاء في بعض الروايات، وبعض الناس يتذرع في التأخر عن الصلاة وعدم التقدم إليها؛ لأنه بصدد تحصيل مصالح، إيش هذه المصالح؟ ولتكن هذه المصالح تأليف مثلاً، أو تعليم علم أو قراءة في القرآن مثلاً، جالس في البيت يقرأ القرآن ولا يطلع إلا إذا سمع الإقامة، هل هذا أفضل من الذي تقدم إلى الصلاة ينتظر الصلاة؟ لا سيما إذا كان ممن يقتدى به. . . . . . . . . أو للتأخر في الخروج من المسجد تجد مجموعة من عامة الناس يقلدونه ويجلسون حتى تطلع الشمس وعلى خير -إن شاء الله-، والمسجد اللي ما فيه أحد ما في أحد، خلاص، الناس ينظرون إلى أهل العلم وإلى طلاب العلم نظرة تختلف، ولذا شرعت الصلاة في المساجد من أجل أن يقتدي الجاهل بالعالم، وشرع أيضاً بعض الصلوات لا سيما النوافل في البيوت من أجل أن يقتدي أهل البيت من نساء وأطفال وذراري يقتدون به في صلاتهم.(40/19)
((تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم)) يعني من بعدكم في الزمان أو في المكان؟ اللفظ محتمل، يعني من جاء من التابعين يقتدي بالصحابة، هذه مسألة، الصف العاشر الذي لا يرون الإمام مثلاً، أو الصف الثالث الرابع يأتمون بمن أمامهم، ولذا يقول: ((وليأتم بكم من بعدكم)) الإمام قدوة يأتم به من يراه من المصلين، لكن من لا يراه من المصلين يقتدي بمن يرى، وليأتم بكم من خلفهم، وإلا لو قلنا: إنه لا يقتدي بالإمام إلا من يراه ويسمع صوته في المساجد الكبيرة التي تجمع العدد الجم الغفير من الناس والمسألة مفترضة بدون مكبرات معناه ينقطع الاقتداء، لكن هذا الحديث فيه ما يدل على أن المأمومين بعضهم يصلح أن يكون قدوة لبعض، وعلى هذا يرى بعضهم وإن كان الجمهور على خلافه أنه إذا كبر للركوع وركع قبل أن يرفع الصف الذي أمامه أنه يدرك الركعة ولو كان الإمام قد رفع، لكن الجمهور أبداً، الاقتداء مرتبط بالإمام، إذا رفع الإمام فاتت الركعة، ولا شك أنه إذا استغلق واستحال الاقتداء بالإمام فالاقتداء بمن وراءه سائغ بهذا الحديث، وقل مثل هذا في المسبوقين، اثنان دخلا إلى المسجد فاتهم شيء من الصلاة لأحدهما أن يقتدي بالآخر، بعد سلام الإمام الأول، فيكون إمام ومأموم، ويش المانع؟ يقتدى به؛ لأن كل منهما في حكم المنفرد، والإمامة سائغة في مثل هذه الصورة، لكن إذا شك الثاني كم فاته من الصلاة ودخل معه واحد صلى ركعة وسلم بناءً على اللي فايتهم واحد، والثاني ما يدري هل هي ركعة وإلا ركعتين شاك، هل يقتدي بزميله ويصلي ركعة ويسلم أو يقول: إنه يبني على الأقل ويأتي بركعتين؟ هو شاك، والشك: استواء الطرفين، وصاحبه الذي دخل معه معروف أن اللي فائتهم شيء واحد، مقدار الفائت واحد بين الاثنين، هذا جزم أو غلب على ظنه أنهم فاتهم واحدة وسلم، ترجح أحد الطرفين بالنسبة للثاني بسلام الأول فصار عنده الفوات بركعة واحدة من باب غلبة الظن، يعني. . . . . . . . . خمسين بالمائة أنه واحدة أو خمسين بالمائة أنها اثنتين، لما سلم زميله -صاحبه الذي دخل معه- من ركعة واحدة طلعت النسبة إلى سبعين بالمائة، صار عنده غلبة الظن، لكن هل يعمل بغلبة الظن أو يعمل بالأقل لأنه(40/20)
المتيقن؟ وهل يفرق بين المبتلى وغيره؟ يعني مراعاة شخص مرة في الشهر أو مرة في السنة تردد هل نقول: رجح بصنيع صاحبك أو ابنِ على الأقل واخرج من عهدة العبادة بيقين؟ وشخص كلما صلى ما يدري كم فاته، نقول: هذا يقتدي به، فنفرق حينئذٍ بين المبتلى وبين غيره، شخص إذا سلم ما يدري كم صلى وفي كل فرض نقول: مثل هذا مبتلى لا يعقل من صلاته شيء يقتدي بمن جواره؛ لأنه مبتلى، وصلاة جاره ترجح عنده غلبة الظن، والعمل بغلبة الظن معروف عند أهل العلم، لكن إذا كان ما حصل مثل هذا إلا مرة في السنة، نقول له: تبني على اليقين وتزيد ركعة وتسجد بعد السلام ترغيماً للشيطان، نعم وتخرج من عهدة الواجب بيقين، هذا في غير المبتلى، أما المبتلى لو يقال له مثل هذا الكلام يمكن يزيد، وأيضاً إذا كان قد زاد في صلاته وسجد سجدتين صار ترغيماً للشيطان، شفعنا له صلاته على ما تقدم، وعندي أنه يفرق بين المبتلى وغيره.(40/21)
يقول: "وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجرة بخصفة فصلى فيها"، "احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجرة بخصفة" حصير من سعف النخل اتخذ حجرة من هذا الحصير فصلى فيها، وفي بعض الروايات: "احتجز" يعني اتخذ حاجزاً يحجز بينه وبين الناس في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، "فصلى فيها فتتبع إليه رجال" يعني من التتبع وهو الطلب للاقتداء به والائتساء به في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، "وجاءوا يصلون بصلاته" يصلون بصلاته فريضة وإلا نافلة؟ نافلة، معلوم أنه في رمضان -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم ليلة ثم الثانية كثر العدد، ثم الثالثة أو الرابعة لم يخرج إليهم خشية أن تفرض عليهم، وفي هذا دليل على مشروعية صلاة النافلة جماعة على ألا تشبه بالفريضة، يعني لو اعتاد بعض الناس أنه لا يصلي الرواتب إلا جماعة، نقول: لا يا أخي ابتدعت، لكن لو صلاها مرة مرتين لا بأس، وقد اقتدى ابن عباس بالنبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي في النافلة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى جماعة في المسجد نافلة، فينبغي أن تفعل أحياناً، وإذا وجههم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الأفضل صلاة الجماعة نافلة لا بأس، لكن هناك ما هو أفضل ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) وبدل أن تصلوا معي في هذه الحجرة صلوا في بيوتكم، "لا تشبهوا بيوتكم بالقبور"، "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً"، "صلوا في بيوتكم" ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) فينبغي أن يجعل المسلم ولا سيما طالب العلم في بيته مكاناً يؤدي فيه نوافله وتطوعاته الراتبة وغير الراتبة، مكان يتعاهده بالتنظيف والتطييب ولا يشبه بيته بالمقبرة التي لا يصلى فيها: ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) وهذا النص قيل في المدينة، ما يقول قائل: أنا أغتنم شرف البقعة فأصلي في الحرم لأنها أفضل، نقول: لا يا أخي هذا النص قيل في المدينة، لا سيما الحرم المدني الذي التضعيف خاص به ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه)) قد يقول قائل: أنا بأغتنم هذا التفضيل وأصلي النوافل في المسجد، نقول: لا يا أخي هذا الحديث قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- في(40/22)
مدينته، في بلدته، وفي مسجده، فأنت تصلي في البيت أفضل من صلاتك في المسجد ولو كان الحرم، أما بالنسبة للحرم المكي حدوده فيها سعة، المسجد الحرام يشمل كل الحرم عند جمهور أهل العلم، أما بالنسبة للمدني فما حاطه السور، ومثل هذا الحديث حمل بعض أهل العلم أن يخصوا التضعيف بالفريضة، لماذا خص التضعيف بالفريضة؟ ((صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة)) خاص بالفريضة دون النافلة، صلاة بألف صلاة في مسجده -عليه الصلاة والسلام- في الفريضة دون النافلة؟ لئلا يتعارض مع مثل هذا الحديث، يعني لو قلنا: إن التضعيف شامل للفريضة والنافلة وقلنا: إن البيوت في المدينة لا تضعيف فيها، التضعيف خاص بمسجده ألا يحصل تعارض هنا؟ في تعارض وإلا ما في؟ لأنه قد يقول: أنا أريد ألف صلاة ونترك التفضيل ذا؛ لأنه قد يكون أفضل بشيء يسير، وهناك محقق. . . . . . . . . ألف ضعف، فلماذا لا أصلي؟ نقول: هذا النص قيل في المدينة، وأفضل صلاة المرء في بيته في المدينة أفضل من المسجد إلا المكتوبة، وهذا ما جعل بعض العلماء يرون أن التضعيف خاص بالفرائض دون النوافل.
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "صلى معاذ بأصحابه العشاء فطول عليهم"، معاذ -رضي الله عنه- يصلي العشاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، يصلي صلاة العشاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم، يصلي فريضته مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يأتي إلى قومه فيصلي بهم نافلة، وهو من أقوى الأدلة على جواز وصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، ومعروف أن المذهب عند الحنابلة لا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، والقول الآخر عند أهل العلم صحة ذلك، ودليلهم حديث قصة معاذ، فيقول ناظم الاختيارات يقول -وهو يتحدث عن صلاة المفترض خلف المتنفل-:
وعند أبي العباس ذلك جائزٌ ... لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ
يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضةٍ ... وكان قد صلى الفرض خلف محمدِ(40/23)
يقول: "صلى معاذ بأصحابه العشاء فطول عليهم" وفي رواية: "قرأ البقرة" وبعض الروايات: "قرأ النساء"، "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد يا معاذ أن تكون فتانا?)) " وفي وراية: ((أفتان يا معاذ؟ )) يعني هل تريد يا معاذ أن تفتن الناس وتصرفهم عن صلاتهم بسبب التطويل؟ لأن الذي يفتن الشيء عن دينه يعني يصرفه عنه، يصرفه عن دينه، أتريد أن تكون فتاناً؟ تصرف الناس عن صلاتهم وأهم عباداتهم بتطويلك؟ ((إذا أممت الناس فاقرأ: بالشمس وضحاها, وسبح اسم ربك الأعلى, واقرأ باسم ربك, والليل إذا يغشى)) يعني لا تطيل على الناس "متفق عليه" فأمر معاذاً أن يقرأ بهذه السور وما هو في مقدارها من الآيات؛ لئلا يكون سبباً في انصراف الناس عن الصلاة أو عن حضور الجماعات، بهذا يفتتن الناس، وجاء الأمر بالتخفيف ((من أم الناس فليخفف، فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة)) وهؤلاء تجب مراعاتهم، إذا صلى الإنسان لنفسه فليطول ما شاء، لكن من أم الناس عليه أن يخفف، هذا هو الأصل التخفيف، لكن يبقى أن المسألة مرتبطة بالجماعة، فإذا علم الإمام أن الجماعة لا يكرهون التطويل، بل يرغبون فيه فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى المغرب بالأعراف، وصلى بالطور، صلى بالمرسلات، صلى بـ (ق)، صلى بـ (آلم) السجدة، المقصود أنه صلى بطوال، ولا تعارض، هذا لا يعارض هذا، لا شك أن الناس فيهم المعذور، وفيهم من عنده حاجة، فيهم كبير، فيهم مريض يحتاج إلى مراعاة، لكن إذا جزم الإمام أنه لا يوجد فيهم من هذه الأنواع أحد، بل يجزم ويغلب على ظنه أن الجماعة يرضون يطلبون التطويل بعض الجماعة، لا سيما إذا كان الإمام خاشع في صلاته، يقرأ القرآن كما أمر، قراءته تؤثر في المصلين، مثل هذا الناس يطلبون التطويل منه، وعرفنا أن الحديث فيه .. ، صحة صلاة المفترض خلف المتنفل مسألة خلافية بين أهل العلم والحديث نص فيها.
يقول -رحمه الله- ...(40/24)
عرفنا أن بالأمس أن إعادة الصلاة يختلف حكمها عن حكم ابتدائها، فيعيد الصلاة هنا، ومن صلى في رحله يعيد الصلاة، سبق هذا الكلام، فلا يتعارض مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته افتتح سورة المؤمنون فأخذته سعلة فركع.
في الحديث الذي يليه: يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- في قصة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس وهو مريض" يعني في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الآخر من أموره -عليه الصلاة والسلام- "قالت: فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر" والذي يجلس في اليسار هو إيش؟ الإمام "فجلس عن يسار أبي بكر فكان يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً" وعلى كل حال اختلف العلماء في صلاته -عليه الصلاة والسلام- هذه هل كان إماماً أو مأموماً؟ لكن أكثر الروايات على أنه جلس عن يسار أبي بكر وهو في الصحيح، واليسار هو موضع الإمام، يعني من الطرائف أنه جاء سؤال يقول: اثنان يصليان إمام ومأموم، فدخل ثالث ودفع الأيمن ليتقدم، تقدم الأيمن وتمت الصلاة، الصلاة صحيحة وإلا ليست صحيحة؟ هو دفع المأموم، المأموم هو الأيمن، صلاة صحيحة وإلا غير صحيحة؟ صلاة وقعت وانتهت ومن جهال، يبدو أن الثلاثة كلهم جهال، وكون المأموم ينقلب إلى إمام هذا هناك ما يدل له في صورة الاستخلاف، وكون الإمام يصير مأموماً له هذا الحديث، فيمكن أن تصحح هذه الصورة لا سيما مع الجهل.(40/25)
"فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر" وهو موضع الإمام "فكان يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" هذا هو دليل الحنفية والشافعية في أن المأموم يلزمه أن يصلي قائماً خلف إمامه القاعد، ويقولون: إن هذا الحديث متأخر عن الحديث الأول فهو ناسخ، وتأخره أمر محقق مؤكد هذا متأخر، لكن الحنابلة يجمعون بما سمعت، يوفقون بين هذه النصوص بما سمعنا، إذا ابتدأ إمام الحي، إذا ابتدأ هنا ابتدأت الصلاة من قيام، وهم يشترطون لصلاة المأموم قاعداً خلف القاعد أن تفتتح الصلاة من قعود، وهنا افتتحت الصلاة من قيام، والذي افتتح إمام الحي وإلا غيره؟ غيره، المقصود أن القيود التي وضعها الحنابلة منضبطة، وعلى كل حال من قال بالنسخ له وجه كما قال الحنفية والشافعية، والعمل على آخر الأمرين منه -عليه الصلاة والسلام-، فمن قال بالنسخ فله وجه وهو مسبوق من قبل جمع من الأئمة، ومن قال بالصلاة -صلاة المأموم- بالقيود التي ذكرها الحنابلة للتوفيق بين هذه النصوص له وجه.(40/26)
أما ما يستدل به المالكية من عدم صحة إمامة القاعد فأحاديث ضعيفة،. . . . . . . . . الإمام الراتب، إذا صلى الإمام، ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) الإمام، إمام الحي لكي يقطعوا الطريق على الكسالى ناس والله ما ودهم يصلون قيام، فينظرون وين؟ يتلفتون يشوفون لهم مقعد يصلي بهم، يعني شخص ما له ميزة ليش يصلي جالس؟ ما هو بإمام هذا جايبينه من أدنى مكان، تقول: الإمام يعني الإمام المرتب، والإمام المرتب من قبل ولي الأمر هو إمام الحي، أو بالاتفاق اتفقوا عليه فصار إمام، فالإمام لا شك أن له وقعه في الشرع، كل من طرأ عليه يبي يصلي جالس، يقول: يا الله تقدم يا أبو فلان، اترك الكرسي اللي جالس عليه وتعال مدد بها المحراب ونصلي وراك جالسين، لا يا أخي، لا، لا بد أن يكون له وصف معتبر، ولا وصف معتبر إلا لإمام الحي، فهو مجعول، يسار الإمام؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أدار ابن عباس فجعله عن يمنيه، وسيأتي من يثبت أنه جلس عن يسار أبي بكر فهو إمام بلا شك، الذي يثبت هؤلاء المالكية يقولون: هو ليس بإمام -عليه الصلاة والسلام- إنما هو مأموم، ولذا يضطرون إلى تأويل: "جلس عن يساره" أو ينفونها؛ لأنهم لا يرون إمامة الجالس أصلاً، فخلافهم من هذه الحيثية.
طالب:. . . . . . . . .
يعني افتتح الصلاة قائم؟ لا، لا بد أن تفتتح الصلاة من جلوس، إذا طرأ له عذر وجلس ما عليهم يتمون قيام، ولو كان غير إمام الحي، ما في شيء، المقصود أن هذه القيود لتسويغ الصلاة من قعود خلف الإمام.(40/27)
أبو بكر عن يمين النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يقول قائل: هل يسوغ لشخص يأتي ويصلي عن يمين الإمام والمسجد فيه مساحات؟ بل فيه صف ناقص في الأخير يقول: أنا با أدخل أصلي جنب الإمام، طيب ويش اللي حثك على هذا؟ يقول: ((خير صفوف الرجال أولها)) دعنا من قصة أبي بكر، وهو مكانه الذي افتتحت الصلاة فيه، وأراد أن يتأخر فأشار إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يثبت، لكن شخص يقول: لا أنا بصلي جنبه هذا فاضي، المحراب يسع خمسة أنا بجلس جنب الإمام ويش اللي يمنع؟ وأبو بكر صلى بجنب النبي -عليه الصلاة والسلام- أريد أن أتقدم ((خير صفوف الرجال أولها)) هو أريد فضيلة الصف الأول، يحصل له ذلك أو لا يحصل؟ لماذا؟ نعم الصف الأول هو الذي يلي الإمام، لو قدر أنه ضاق المسجد وتقدم ناس وصاروا بجوار الإمام نقول: هذا صف حاجة، وليس بصف طبيعي تترتب عليه الأحكام، صف حاجة، فضله بعد آخر صف، آخر صف أفضل من هذا الصف لأنه صف حاجة، وقل مثل هذا في الدور الثاني أو في قبو أو خارج المسجد كل هذه صفوف حاجة، ولو كانت أقرب إلى الإمام؛ لأن بعض الصور في المسجد لا سيما الحرم المكي هناك من هو أقرب إلى الكعبة من الإمام في بعض الجهات، هل نقول: إنهم أفضل من الصف الذي يلي الإمام لقربه من الكعبة؟ المسألة عاد تحتاج إلى بسط، ولعله يتيسر فرصة لشرحها.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف, فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة, فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء)) متفق عليه".(40/28)
((إذا أم أحدكم الناس فليخفف)) لمثل ما جاء في حديث: ((أفتان يا معاذ؟ )) ((أتريد يا معاذ أن تكون فتاناً؟ )) التخفيف مطلوب لئلا يفتن الناس، ينفر الناس، وفيهم أيضاً من يحتاج إلى التخفيف، فيهم هذه الأنواع الصغير الذي لا يحتمل طول القيام، فيهم أيضاً الكبير العاجز، فيهم الضعيف، ضعيف البنية، نضو الخلقة الذي لا يستطيع أن يطيل القيام، فيهم صاحب الحاجة الذي شغلته حاجته عن الإقبال على صلاته، مثل هؤلاء يخفف من أجلهم، إذا صلى وحده الإنسان فليطول كيف شاء، فليصلِ كيف شاء، يعني لقائل أن يقول: أنا الآن منفرد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فليصلِ كيف شاء)) مضى على دخول وقت صلاة العصر ثلث ساعة أقاموا الناس وأنا في البر لا أسمع أذان أبي أقيم، لكن فليصلِ كيف شاء، أنا بقرأ القرآن كامل، نقول: لك ذلك وإلا لا؟ ما هو بقائل: ((فليصلِ كيف شاء)) يقول: أنا بقرأ القرآن كامل، أبا أصلي مع دخول وقت صلاة العصر وبأقرأ القرآن كامل، امتثالاً لهذا ((فليصلِ كيف شاء)) في أحد يمنعه؟ لكن من يمنعه أن يقرأ في الأولى بالبقرة والثانية آل عمران ولو انتهى الوقت، في ما يمنع؟ دعونا من كونه يقرأ القرآن كامل فيضيع وقت المغرب ووقت العشاء هذا ممنوع لأنه تسبب في تضييع أوقات، يخرج صلوات عن أوقاتها، لكن ما هو مخرج شيء، الفريضة ما تدخل في النهي، يقول: أبطول كيف شئت، أبقرأ في الأولى البقرة، وفي الثانية آل عمران، وبعد يمكن بعد يضيف لهن النساء، ويسلم مع غروب الشمس "فليطول كيف شاء" أو بعد غروب الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
هو ما هو يخرج، من أدرك ركعة، وأدرك ركعة قبل غروب الشمس، يعني لو قرأ مثلاً بعد دخول وقتها قرأ عشرة مثلاً وقف على يونس، وأدرك الركعة الأولى قبل غروب الشمس لا سيما في الصيف، وجاب بقية الركعات بعد الغروب، المسألة مسألة حكم شرعي يا الإخوان، حكم ((فليصلِ كيف شاء)) من يمنعه من قراءة عشرة أجزاء؟ ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .(40/29)
ما في تفريط، ما أخر الصلاة عن وقتها، صلى، شرع في الصلاة في وقتها ((من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب فقد أدرك العصر)) هو أدرك ركعة أو ركعتين بعد، ما تفوته يقول: أنا بصلي ها الركعتين الطوال إلى غروب الشمس، ويأتي بعدهن بركعتين بعد الغروب ما يضر، يعني مقتضى هذا الحديث أن يصلي كيف شاء؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- افتتح البقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، وأطال الركوع والسجود، ويسأل ((إذا صلى وحده فليصل كيف شاء)) من أم الناس فليخفف الفريضة؛ لأنه إن صلى صلاة الليل مثلاً ومعه ضعيف وكبير وذو حاجة وتهجد والناس يصلون يقرؤون أجزاء من القرآن، يقول: لا أنا بقرأ آية يا أخي ورائي ضعفاء وورائي .. ، في صلاة التهجد يطاع؟ نقول: لا، طول يا أخي، هذه نفل اللي قادر أن يقوم يقوم وإلا يجلس، فيها سعة، لكن النهي في الفريضة لا مندوحة للإنسان من عملها .... ، هو مسافر هو مخيم مائة كيلو عن البلد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم مفاد الحديث أن ما في ما يمنع أبداً، أن يصلي العصر كله، إيش اللي يمنع؟ تؤخرها كامل، يعني ما تقيم إلا أن يطلع الوقت، أما من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ما في تفريط هذا، أما أن تفتتح الصلاة بعد خروج وقتها هذا تفريط، هو شرع فيها في أول وقتها، وكبر وقرأ في الركعة الأولى عشرة أجزاء، أو خمسة في الأولى وخمسة في الثانية وانتهى، أنه لو أدرك ركعة من العصر في الوقت وثلاث بعد الوقت، أو ركعة من الصبح والأخرى بعد خروج الوقت، العلماء يختلفون في القضاء والأداء، نقول: في القضاء والأداء، بعضهم يقول: ما فعله داخل الوقت أداء، وما فعله بعد خروج الوقت قضاء، ومعروف حكم القضاء، على كل حال إطلاق الحديث يدل على أنه لا شيء في ذلك -إن شاء الله تعالى-، يطول كيف يشاء.
طالب:. . . . . . . . .(40/30)
إيه من أهل العلم من يشترط لأن تكون الصلاة أداءً تكون ركعة كاملة ((من أدرك ركعة)) وفي رواية: ((سجدة)) وفسرت في الصحيح: "والسجدة إنما هي الركعة" ويعبر بالسجدة عن الركعة والعكس، من أدرك سجدة يراد بها الركعة {وَخَرَّ رَاكِعاً} [ص: 24] يعني: ساجداً {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} [(154) سورة النساء] يعني ركوعاً، ما يمكن أن يدخلوا سجداً، المقصود أنها تطلق السجدة ويراد بها الركعة والعكس.
صلاة العشاء شرع فيها بعد مغيب الشفق إلى منتصف الليل، إطلاق الحديث يدل على أنه ما في شيء.
يقول السائل: حديث: ((ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام)) رواه أبو داود، هل هذا الحديث صحيح؟
الحديث حسن، لكن وقته لم يأتِ بعد، ولا شك أن الأمر والنهي ينفع، والتأثير موجود -ولله الحمد-.
هذا السؤال من القدس: يقول السائل: هل يجب على المأموم قراءة الفاتحة في كل ركعة؟ وهل في المسألة خلاف وإن كان كذلك فما الراجح؟
نعم المسألة خلافية بين أهل العلم بالنسبة للقراءة خلف الإمام، فمنهم من يرى أن قراءة الإمام قراءة لمن خلفه، ولا يقرأ المأموم شيئاً، ((وإذا قرأ فأنصتوا)) مطلقاً سواءً كان في السرية أو في الجهرية، ومنهم من يفرق فيقول: المأموم لا يقرأ في الجهرية ويقرأ في السرية، ومنهم من يرى أن المأموم تلزمه القراءة ولو جهر الإمام، في الفاتحة في جميع الركعات، ويسنده أيضاً حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهذا هو المرجح أن كل مصلي تلزمه الفاتحة في كل ركعة سوى المسبوق.
يقول: إمام أثناء صلاة العصر شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فلما قام للركعة قال المأمومون: سبحان الله، فعرف أنه قد أخطأ ومع ذلك أكمل الركعة؟
أتمها؟
طالب: أتمها.
على كل حال ما دام في شك وتسبيحهم يرجح إحدى طرفي التردد، فيكون إتمامه الصلاة غلبة ظن، فعليه أن يرجع، ما دام شك يلزمه أن يرجع، لا سيما إذا سبح به اثنان فأكثر، أما لو سبح به واحد مع معارضة فعله لا يلزمه الرجوع.
طالب:. . . . . . . . .(40/31)
وحينئذٍ يلزمه أن يرجع، الصلاة انتهت، ويبدو أنه يجهل الحكم، وما دام انتهت والمسألة زيادة في الصلاة فصحيحة -إن شاء الله تعالى-، لكن لو كان نقص يؤمرون بالإتمام.
تقول السائلة: هل المرأة تقطع صلاة المرأة أم أنها تقطع صلاة الرجل فقط؟
تقطع صلاة الرجل، يقطع صلاة الرجل .. ، أو صلاة أحدكم إذا مر بين يديه أحد الثلاثة: المرأة والحمار والكلب، فهي تقطع صلاة الرجل، وتشغل باله، فعليه أن يعيدها، ولا تقطع صلاة المرأة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
في كل مكان، الحكم واحد، لكن هذا بالنسبة إذا استتر، أما إذا لم يستتر فليس له أن يدفع، وإذا شق عليه الدفع في أماكن الزحام كالحرمين النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار في الحرم، والناس يطوفون بين يديه، فيهم الرجال وفيهم النساء إذا شق، المشقة تجلب التيسير.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الطفلة لا؛ لأنه جاء تقييد المرأة بالحائض، ومعنى الحائض يعني مكلفة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أهل العلم يقولون: الأسود لأنه شيطان، نعم.
هذا ليس سؤال، لكن يقول: وقت بداية الدرس بين الأذان والإقامة عندنا يقول: فهل أبكر بالذهاب إلى الصلاة أو أستمع للدرس حتى وقت الإقامة؟
نعم هذه مفاضلة بين سنن، ولا شك أن العلم مقدم على جميع النوافل.
يقول: هل تقصد فضيلة الشيخ يرجى برؤها أي يرجى برؤها أثناء الصلاة، يعني مريض صلى قاعداً منذ البداية، ومعلوم أنه لن يشفى أثناء الصلاة؟
لا، لا، يرجى برؤه مستقبلاً، وهو إمام الحي يرجى برؤه مستقبلاً، لكن إذا كان لا يرجى برؤه فيبحث عن غيره.
شخص عقد على فتاة ولكن كان لا يصلي وهو يعتقد أن تارك الصلاة كافر، ثم بعد ذلك تاب إلى الله وأصبح يصلي، هل عقده الأول صحيح أم يجب ... ؟
إذا ثبت أنه لا يصلي بالكلية فعقده غير صحيح، لا بد من تجديد العقد، ونظراً للخلاف في المسألة فالعقد الأول عقد شبهة تثبت به أحكام الزواج، لكن لا بد من تجديده، ينسب إليه الأولاد، ولا يلزمه التفريق حتى .. ، لكن تجديد العقد لا بد منه.
يقول: ما معنى كلمة مخصفة؟(40/32)
إي نعم من خصف، من خصف، الخصف: هو من سعف النخل، الخصف والحصير يصنع من سعف النخل، وهو معروف الخصف معروف، نعم.
يقول: في مسألة تعارض السنن هل يمكن أن يقال: إن الرمي ليلاً وأداء سنة الدعاء في الرمي والسكينة أفضل من الرمي نهاراً؟
الخلاف القوي في الرمي ليلاً يجعل الرمي في النهار على أي وجه كان، مع تحقق وقوع الحصى في المرمى أفضل على كل حال، الرمي في النهار بعد الزوال، أفضل من الرمي ليلاً لقوة الخلاف، مع أنه يتيسر بالليل أن يرمي على الوجه المطلوب، ويدعو الدعاء المطلوب، لكن الخلاف في المسألة قوي.
يقول: ما حكم قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية هل هو ركن؟
نعم ذكرنا مراراً أن المرجح أنه ركن على كل مصلٍ إلا المسبوق، المسبوق كما سيأتي في حديث أبي بكرة لا تلزمه قراءة الفاتحة، يتابع الإمام وتسقط عنه قراءة الفاتحة، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: ألا يدل حديث ابن أم مكتوم على أن الجماعة واجبة؟
بلى، وهذا الذي قررناه ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)).
أحسن الله إليك.
يقول: لو أعطيتنا نبذة عن وسائل ضبط العلم حيث الكثير منا يعاني من عدم ضبط العلم؟
العلم يحتاج إلى أولاً: نية صالحة، نية صالحة، فالعلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا تقبل التشريك، فإذا أقبل طالب العلم وقد توفرت لديه الآلة من حفظ وفهم وكانت نيته صالحة في الغالب يفلح، على أن يعنى بعلمه، ويعنى بما حصله، ويزاحم الشيوخ، ويتردد على الدروس، ويسمع ما سجل على المتون، ويفرغ ويكتب ما يسمعه، يقيد ويلزم من يرى أنه يفيده من أهل العلم في الغالب يفلح -إن شاء الله تعالى-، لكن إذا كان يتخبط يوماً يقرأ في هذا الكتاب، ويوماً يقرأ عند هذا الشيخ، ويوماً ينتقل إلى هذا البلد ويوم .. ، هذا ما يفلح، إضافة إلى أن العلم إنما يثبت بالمذاكرة، لا بد أن يقرأ الدرس قبل الحضور إلى الشيخ، ثم ينصت ويدون ما يسمع، ثم يذاكر بما سمعه بعض زملائه، وبعض الإخوان يحضر الدرس ثم يترك الكتاب إلى موعد الدرس اللاحق، وهذا في الغالب أنه لا يفلح بهذه الطريقة، العلم لا يضبط بهذه الطريقة، والله المستعان، نعم، انتهى؟
اللهم صلِ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(40/33)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (27)
شرح: باب: صلاة الجماعة والإمامة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
قال الإمام ابن حجر -رحمه الله-:
"وعن عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- قال: قال أبي: "جئتكم من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً قال: ((فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم, وليؤمكم أكثركم قرآنا)) قال: "فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني فقدموني, وأنا ابن ست أو سبع سنين" رواه البخاري وأبو داود والنسائي.
وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله, فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة, فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة, فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ً -وفي رواية: ((سناً)) - ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه, ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) رواه مسلم.
ولابن ماجه من حديث جابر: ((ولا تؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجراً, ولا فاجر مؤمناً)) وإسناده واهٍ".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عمرو بن سلمة" أبي يزيد أو أبي بريد على خلاف في ذلك الجرمي، اختلف في رؤيته، أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأمَّ قومه في عهده، والقرآن ينزل، وهل رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقدم مع أبيه أو لم يقدم؟ محل خلاف بين أهل العلم.(41/1)
يقول -رضي الله عنه-: "قال: قال أبي: "جئتكم والله" بعد أن وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام-، أبوه سلمة بن نفيع يقسم أنه جاء من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً مرسل من عند الله رسالةً "حقاً" حقاً مصدر مؤكد، فقال بعد كلام سبق، بعد أن علمهم مواقيت الصلاة قال لهم بعد ذلك: ((فإذا حضرت الصلاة)) يعني دخل وقتها ((فليؤذن أحدكم)) يعني من غير اشتراط في المؤذن ((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) وبهذا يفضل جمع من أهل العلم الإمامة على الأذان؛ لأن الإمامة لها شروط فيها أولويات، فيها مقدم وغيره، أما الأذان يؤذن أحدكم، وإن كان أهل العلم يشترطون في المؤذن أن يكون ثقة، أميناً، صيتاً يبلغ الناس، ويعلمهم بدخول الوقت، ((أحدكم)) يعني ممن يصلح للأذان؛ لأن (أحدكم) مفرد مضاف يعم جميعهم، لكن إن شئت فقل: إنه من العام الذي أريد به الخصوص، لو قدر أن فيهم الأبكم يشمله هذا العموم؟ لا يشمله هذا العموم، وجد فيهم من يتكلم لكن لا يستطيع رفع الصوت -وهذا موجود في الناس- لا يصلح للأذان؛ لأن الأذان وظيفة شرعية الهدف منها إخبار الناس بدخول وقت الصلاة، فالذي لا يتحقق فيه الهدف الشرعي لا يصلح للأذان، ولا بد أن يكون المؤذن مع كونه صيتاًَ أن يكون أميناً عارفاً بالأوقات، يكون أمين مؤتمن؛ لأن غير الأمين، غير الثقة في هذا الباب لا يأمنه الناس على عباداتهم، لا يأمنه الناس على أوقات الصلاة، ولا على وقت اللزوم، ولا على وقت الإفطار، فهي وظيفة شرعية تترتب عليها أحكام، عارف بالأوقات، الجاهل الذي لا يدري متى يدخل وقت الظهر ولا وقت العصر، ولا يخرج وقت المغرب هذا ما يصلح أن يكون مؤذن، لا بد أن يكون عارفاً بالأوقات.(41/2)
((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) والقصة تدل على أن المراد بالأكثر قرآناً والمراد بالأقرأ كما سيأتي في الحديث اللاحق حديث أبي مسعود أنه الأحفظ؛ لأنهم بحثوا ونظروا فلم يكن أحد أكثر قرآن منه، من هذا الصبي، ولذا قدم على غيره مع وجود من هو أكبر منه، والسن له دور في التقديم كما سيأتي، فدل على أن الأهم في الإمامة أن يكون أكثر قرآناً، يعني أحفظ للقرآن، لكن القرآن له متعلقات فمن الناس من يحفظ حروفه، لا على الوجه الشرعي، يحفظ لكن عنده أخطاء كثيرة في الأداء، ومن الناس من هو أكثر ولا يفهم معانيه، ومن الناس من هو أكثر قرآناً ولا يعمل بما تضمنه من أوامر ونواهي، فهل معنى الحديث هذا والحديث الذي يليه: ((أقرأهم لكتاب الله)) أنه الأحفظ بغض النظر عن الوجوه الأخرى أو لا بد من توافر الجميع يكون أحفظ أكثر قرآن كما هو منطوق هذا الحديث، وهو أيضاً أعرف بكيفية أدائه ومعانيه وفهمه؟ وأيضاً أجود صوت مثلاً مما يرجح به أن يكون صوته له تأثير، يؤدي القرآن على الوجه المأمور به شرعاً، فلا شك أن هذه النصوص تحتمل كل ما يتعلق بالقرآن، وإن كان حديثنا هذا صريح في أن المراد به أكثرهم جمعاً للقرآن، والسبب في كون هذا الصبي أكثرهم جمعاً للقرآن أنه يتلقى، يتقلى الركبان الذين يمرون بهم بقبيلتهم -حيهم- ممن وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخذ عنه شيئاً من القرآن، ورجع إلى قومه، هذا يتلقى الركبان، وهذا من التلقي المأمور به، لا التلقي المنهي عنه، تذهب الوفود إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيتعلمون ما يتعلمون منه من قرآن وأحكام وسنة وآداب، ثم يعودون إلى قبائلهم وأحيائهم فيتلقاهم مثل هذا الحريص، فيأخذ عنهم ما سمعوه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا هو السبب في كونه أكثرهم قرآناً.(41/3)
يقول: "فنظروا فلم يكن أحد أكثر مني قرآناً فقدموني بين أيديهم" يعني إماماً لهم في الصلوات المندوبة والمفروضة؛ لأن الحديث سياقه سياق الفرائض؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علمهم الأوقات، والأوقات إنما هي للفرائض، ثم قال: ((فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم)) .. إلى آخره، فالسياق سياق فرائض، وبهذا يرد على من قال: إنه يؤمهم في النوافل، ولا يصححون صلاة المكلف خلف الصبي المميز، من أهل العلم من يرى أن الصلاة لا تصح خلف الصبي لماذا؟ لأن صلاته نافلة والمكلف مفترض ولا تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، والحديث حجة عليهم؛ لأن سياق الحديث سياق الصلاة المفروضة، "فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست -سنين- أو سبع سنين" لا شك أن هذا الصبي مميز، والتمييز لكم؟ كم يميز الصبي؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) لم يعلق الأمر بالتمييز، وهذا ابن ست أو سبع، هذا المميز إذا فهم الخطاب ورد الجواب المطابق يكون مميزاً، لكن هو لا يؤمر بالصلاة قبل سبع، قبل ثمان سبع سنين، يعني لو جاء طفل عمره خمس سنوات يحسن الصلاة وأراد أن يصف في الصف مميز والواقع يشهد بأن بعض من بلغ الخمس سنين يميز، ومحمود بن الربيع عقل المجة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين في الصحيح، فهل يقال: هذا الطفل ابن خمس سنين وجوده مثل عدمه في الصف وهو كالفرجة لأنه لم يؤمر بالصلاة؟ أو نقول: إنه مادام مميز يصلي بعد ما في إشكال وهذا ابن ست سنين وأم الناس؟ يعني هل هناك حد فاصل لمن يتاح له أن يصاف الكبار أو ليس هناك حد؟ منهم من يجعل الحد الفاصل السبع، تمام السبع؛ لأنه مأمور بالصلاة، وما قبل ذلك غير مأمور بالصلاة، إذن وجوده كالفرجة في الصلاة، لكن هذا ابن ست أو سبع أم الناس ما هي بمسألة يصف مع الناس، لا، هذا إمام لهم، فهل الأمر معلق بالتمييز أو معلق ببلوغ السبع سنين؟ في الأحكام العامة الشرع يضبطها بضابط لا يتغير ولا يتفاوت، ولا يصير فيه مجال للأخذ والرد، من الأطفال من يميز لأربع سنين، ومن الأطفال من لا يميز ولا لتسع سنين، ومثل هذا الاضطراب لا تعلق به أحكام(41/4)
شرعية؛ لأنه قد يأتي الرجل بولده ابن ثلاث سنين، ويقول: ولدي مميز إيش فيكم؟ يأتي به ابن أربع سنين ويشغل الناس ويؤذيهم ويعبث بالمسجد وبالمصاحف، ويقول: لا ولدي مميز، كيف نمنعه من الصلاة؟ ويوجد الطفل ابن ثمان وتسع سنين في الشارع يلعب فإذا قيل لأبيه، قال: ابني مسكين ما ميز، فهذا فيه مجال؛ لأنه قد يميز لأربع وقد لا يميز إلى تسع، لكن الشارع في مثل هذه الأحوال يضبط بضابط يحكم غالب الناس، ولذا قال: ((مروهم بالصلاة لسبع)) تسعة وتسعين بالمائة من الناس ميزوا في السبع، النادر واحد بالمائة هذا ما له حكم، لذلك ما يترك مثل هذه الأمور للناس، ولدي والله ميز، ولدي ما ميز، لا، قال: ((مروهم بالصلاة لسبع)) والتمييز قد يكون قبل سبع، لكن ما يؤمر بالصلاة ولو كان مميز، لكي نسد الباب على من يريد أن يعبث بالمسجد ولده ويدعي أنه مميز.
فمثل هذه الأمور الأحكام العامة يضبطها الشارع بضابط ثابت لا يتغير، حد محدد، ولذا التكليف .. ، التكليف لما كان أمراً خفياً ربط بأمور يتفاوت فيها الناس، وجعل أقصاه حد يتفق فيه كل الناس، الإنبات يتفاوتون فيه الناس، الإنزال يتفاوت فيه الناس، وهذه أمور خفية، قد تقول: لماذا لا يصلي ولدك؟ ولدك مكلف لماذا .. ؟ يقول: لا يا أخي ولدي ما كلف، هذا أمر خفي، لكن ثم بعد ذلك يأتي الحد الذي لا يمكن يتجاوز أحد وما كلف،. . . . . . . . . خمسة عشر سنة، فأمور الشارع مضبوطة، منضبطة؛ لئلا يترك مجال للتلاعب والأخذ والرد، هنا ابن ست سنين أو سبع سنين يعني إذا قلنا: إنه ابن سبع سنين اتفقت النصوص، واطرحنا الأقل باعتباره مشكوك فيه اللي هو ست.
إمامة الصبي المميز الذي بلغ سبع سنين مختلف فيها بين أهل العلم، منهم من لا يرى صحتها في الفرائض؛ لأنه متنفل فلا يؤم المفترض، ومنهم من يقول: صحيحة، ما دام يضبط الصلاة، ويعرف أحكام الصلاة، ويحفظ القرآن إمامته صحيحة، والحديث نص في صحتها، فالقول بصحة صلاة إمامة المميز ابن سبع سنين لا إشكال فيها من هذا الحديث، والحديث الذي يليه يشهد لمعناه، وهو أن أولى الناس بالإمامة الأكثر حفظ للقرآن.(41/5)
يقول: "وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم)) " (يؤمُ القومَ) القوم: فاعل مؤخر، حكم تأخيره؟ يجب تأخير الفاعل هنا؛ لأنه مشتمل على ضمير يعود على متأخر، فلو أخرنا المفعول -متأخر رتبة- فلو أخرناه لفظاً لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة وهذا شاذ، يقول ابن مالك -رحمه الله تعالى-:
وشاع نحو: "خاف ربه عمر" ... وشذ نحو: "زان نوره الشجر"
لا يجوز أن يعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، هذا يعود على متقدم في اللفظ، وإن تأخرت رتبته لأنه مفعول والأصل فيه أن يؤخر.
((يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)) الأقرأ هنا هو الأحفظ، الأحفظ لكتاب الله, الأكثر حفظاً لكتاب الله -جل وعلا-، ويدل له الحديث السابق.(41/6)
يرى أكثر الأئمة أن الأولى في الإمامة الأفقه. . . . . . . . . مذهب الحنفية، مذهب المالكية، مذهب الشافعية يقولون: الأولى بالإمامة الأفقه، طيب مخالفة للنص: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) قالوا: الحديث خرج مخرج الغالب، حال الصحابة -رضوان الله عليهم- الأقرأ هو الأفقه، وليس غيرهم مثلهم، ويعللون قولهم بأن ما يحتاج إليه من القرآن في الصلاة مضبوط، يعني لو وجدنا فقيه يحفظ المفصل، وعامي يحفظ القرآن كامل، نقول: الذي يحتاج إليه من القرآن مضبوط، يمكن ضبطه يعني، الذي يحفظ المفصل يكفيه في الإمامة، لكن المحتاج إليه في الفقه غير مضبوط، قد يعرض للإمام ما يفسد صلاته ولا يشعر إذا كان غير فقيه، فلا يصلح أن يكون إمام في هذه الصورة، كلام وجيه وإلا غير وجيه؟ النص: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) لو قلنا بقول هؤلاء الأئمة إيش يكون معنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) الأعلم بالسنة هو الفقيه، إذن نلغي هذه الجملة، لو كان المراد بالأقرأ الأفقه ألغينا الجملة الثانية ما لها داعي، ويبقى أن الأقرأ والأحفظ لكتاب الله -عز وجل- هو الأولى بالإمامة، وإن كان غيره أفقه منه، وهذا من الوجوه التي يرفع بها حافظ القرآن والمعتني بالقرآن ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)) أكثر حفظ تقدم لها، ولو كان خلفك إمام من أئمة المسلمين لكن لا يحفظ القرآن كامل، فيبقى أن الراجح في هذه المسألة يقدم الأكثر قرآناً على من هو أقل منه في حفظ القرآن ولو كان أعلم منه بكثير، ويكون هذا من رفعته، وإن كان غيره أفقه منه، نعم إذا أخطأ في صلاته ينبه، والمفترض أن حامل القرآن ينبغي أن يكون له عناية بغيره مما يعين على فهم القرآن من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأقوال أهل العلم الموثوقين، حيث تكون المسألة متكاملة، لكن إذا وجدنا حافظ لا يعرف شيئاً من الفقه، وفقيه مدرك في الفقه إدراكاً تاماً لكنه لا يحفظ إلا شيء يسير من القرآن نقول: لا، يقدم الأقرأ بهذا النص ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) يأتي هنا بعد إشكالات كثيرة، هناك قال: ((أقرؤهم)) المسألة مرتبطة بالحروف، وهنا قال:(41/7)
((أعلمهم بالسنة)) ولو أن عندنا شخصين كلاهما حافظ للقرآن، حافظ للقرآن متقن، مجود، ضابط، وأحد الاثنين يحفظ مائة ألف حديث، والثاني ما يحفظ ولا ألف حديث، لكن الأول الحافظ ما يفهم من معانيها شيء، ولا يستطيع أن يستنبط منها شيء، والحافظ الألف مستفيد من هذه الأحاديث فائدة تامة، يستنبط منها، ويتفقه ويفقه من هذه الألف من يقدم؟ يقدم الثاني؛ لأنه ما قال: الأحفظ للسنة، قال: الأعلم بالسنة، وهذا مما ينبغي أن يفرق فيه بين الكتاب والسنة، الكتاب لا بد من أن تتقن حروفه ويتقن حفظه؛ لأنه لا بد أن يؤدى كما هو بحروفه، بمدوده، بحركاته، بشداته، السنة الرواية بالمعنى يجيزها جمهور أهل العلم، لكن أعظم من الحفظ الفهم، اللي هو الثمرة العظمى من التفقه في السنة، ولا يعني هذا أن الإنسان يقلل من حفظ السنة، لا، السنة أصل أصيل في تأصيل العلم الشرعي، لكن مع ذلك الفهم أمر لا بد منه، ولذا قال: ((فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً)) في الحفظ والفهم على حد سواءً ((فأقدمهم هجرة)) يعني أقدمهم انتقال من بلد الكفر والشرك إلى بلد الإسلام، فالهجرة: هي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهي واجبة، وباقية إلى قيام الساعة، وأما حديث: ((لا هجرة بعد الفتح)) فالمراد به لا هجرة من مكة بعد فتحها؛ لأنها صارت دار إسلام، من أهل العلم من يقول: لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، ولا شك أن الفضل اختلف بعد الفتح {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(10) سورة الحديد] لا شك أن أوقات الحاجة والشدة تجعل بعض الأعمال المفوقة فائقة لشدة الاحتياج إليها، أما في وقت السعة يخف الأمر، ولذا يقول بعضهم: لا هجرة بعد الفتح فضلها وأجرها كفضل الهجرة قبل الفتح، من تقدمت هجرته أفضل ممن تأخرت هجرته، وهذا بعد الاستواء بالكتاب والسنة.(41/8)
النووي في شرح مسلم يقول: أولاد المهاجرين لهم حكم آبائهم في التقديم، نعم إن كانوا هاجروا معهم ما يخالف لا بأس، الكلام وجيه، من ولد بعد هجرة المسبوق بالهجرة مثلاً من أولاد المهاجر الأول، الوظائف الشرعية تورث وراثة وإلا بالكفاءة؟ بالكفاءة، ولذا يقول الشوكاني: ليس في الحديث ما يدل عليه، الحكم يتعلق بالأب، هذه أمور ما تورث.
((فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً)) يعني أقدمهم إسلاماً، فأقدمهم إسلاماً، لماذا لا يقدم الأقدم إسلام على الأقدم هجرة؟ لنفترض شخص أسلم في السنة الأولى من البعثة ولا هاجر إلا في السنة التاسعة من الهجرة، شخص أسلم قبل الهجرة بسنة وهاجر في السنة الثانية، يعني هذاك أسلم قبله بعشر سنوات، والثاني هاجر قبل الثاني بثمان سنوات أو سبع سنوات، المهاجر الأول الذي هاجر أولاً يقدم على الثاني ممن تأخرت هجرته ولو تقدم إسلامه، الآن الإسلام: انتقال من كفر إلى إسلام، الهجرة هو مسلم، لكن هو باقٍ في بلاد الكفر، هذا للتنفير من الإقامة بين أظهر المشركين، الآن الأثر المترتب على الإسلام في الحقيقة لشخص مسلم وإلا كافر، أسلم وبقي بين الكفار هذا يستحق التقديم لأنه أقدم إسلاماً، الثاني: أسلم بعده بسنين، لكنه هاجر قبله بسنين لا شك أنه أولى منه بالتقديم وإن تأخر إسلامه، وإن كان أثر الإسلام أعظم من أثر الهجرة؛ لأن الإقامة بين أظهر الكفار خطر على المسلم نفسه، وفيه أيضاً تكثير لسواد الكفار، ولذا جاء تعظيم شأن الهجرة فقدم الأقدم هجرة على الأقدم إسلام، سلماً، -وفي رواية: ((سناً)) يعني الأكبر، الكبير له نصيب في الشرع من التقدير بنصوص كثيرة، لما أراد أن يتكلم صاحب الشأن أخو المتقول مع وجود من هو أكبر منه قيل له: كبر كبر، فلا شك أن السن له قدر في الشرع، وجاء تقديم الأكبر والكبير، واحترام الكبير، وهذا من احترامه، تقديمه من احترامه.(41/9)
((ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه)) يعني في ملكه إذا كان إمام أعظم، أو في ولايته إذا كان أمير، أو في بيته إذا كان صاحب بيت، صاحب البيت سلطان، أو في مؤسسته أو في شركته أو في .. ، هو رئيس الدائرة سلطان فيها، مدير المدرسة سلطان فيها، لا يفتأت عليه، ((إلا بإذنه)) لو أن الإمام الأعظم أذن لواحد من الناس أن يصلي، صاحب البيت أذن لزيد من الناس أن يصلي لا بأس به؛ لأن هذا حقه وهو صاحب الشأن، لكن التقدم بين يديه من غير إذنه لا شك أنه افتئات عليه.
((ولا يقعد في بيته على تكرمته)) يعني ما يوضع له من فراش وتكأة لا يجلس فيها أحد إلا بإذنه؛ لأن الجلوس من غير إذنه افتئات عليه، وهو سلطان في هذه البقعة.
قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم أبا بكر في الإمامة مع أن في الصحابة من هو أقرأ منه، قدم أبا بكر في الإمامة ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) مع أنه في الصحابة بالنص من هو أقرأ منه، أبي أقرأ من أبي بكر، ابن مسعود، في مخالفة لهذا الحديث أو ليست بمخالفة؟ نعم، الآن عندنا النص: ((يؤم القوم أقرؤهم)) وثبت بالنص أن أبياً أقرأ من أبي بكر لماذا ما قال: "مروا أبياً فليصلِ بالناس" على شان تطرد الأحاديث.
طالب:. . . . . . . . .(41/10)
لا هذه إمامة واحدة، إمامة صلاة، يأذن لمن شاء، يعني الآن لو في بيتك ضيوف وأنت الأحق بالإمامة صح وإلا لا؟ بهذا النص، فهل لك أن تتجاوز ما جاء في الحديث؟ عندك عشرة من الإخوان منهم من يحفظ القرآن كاملاً، ومنهم من يحفظ النصف، ومنهم من يحفظ جزء واحد، هل لك أن تقول: صل بهم يا فلان وهو لا يحفظ إلا جزء واحد أو تنظر في هذا الحديث؟ أنت الأحق، لكن هل لك أن تتجاوز ما جاء في هذا الحديث وتريد من شئت بغض النظر عن ما جاء في النصوص من أسباب التقديم؟ المسألة شرع، شرع لا بد أن يطرد، أنت فهمت الإشكال اللي أوردت الآن؟ أنت نفسك عندك في بيتك عشرة لا يجوز لأحد أن يؤم إلا بإذنك، أنت الأحق بالإمامة في هذا البيت، وأنت مستثنى من قوله: ((يؤم القوم أقرؤهم))، أنت مخصص لعموم قوله: ((يؤم القوم أقرؤهم)) فأنت أذنت هل تأذن للأقرأ لأن هذا النص .. ، يؤيده النص؟ أو تقول: أنا الإذن لي أأذن لمن شئت الأقرأ ما يلزم أقرأ اللي حافظ جزء يتقدم، ولو. . . . . . . . . الإخوان كلهم، امتثالاً لهذا النص، لماذا لم يقدم النبي -عليه الصلاة والسلام- أبي مع وجود .. ؟ قدم أبا بكر مع وجود من هو أقرأ منه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يعني تقديم أبي بكر مشتمل على مصلحة عظمى، مصلحة عظمى، وهي الإشارة إلى تقديمه في الإمامة والخلافة بعده، نعم قد يعرض للمفوق ما يجعله فائق، فهذا عارض لا شك أن له حظه من التقديم، أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجعله الخليفة من بعده، فلو قدم غيره .. ، ولذا بم استدل الصحابة على تقديم أبي بكر في الإمامة العظمى؟ رضيه النبي -عليه الصلاة والسلام- لديننا أفلا نرضاه لدنيانا، لكن لو قدم أبي، أقرؤكم أبي، نعم، صار إشكال عظيم عند اختيار خليفة، فليس في هذا دليل على صرف الحديث عن ظاهره.
الحديث الذي يليه: حديث ابن ماجه: "ولابن ماجه من حديث جابر: ((ولا تؤمن امرأة رجلاً, ولا أعرابي مهاجراً, ولا فاجر مؤمناً)) وإسناده واه" الحديث منكر، ضعيف جداً، فيه عبد الله بن محمد العدوي متهم، وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف عند الجمهور، على كل حال الحديث منكر لا يفيد شيئاً.(41/11)
نأتي إلى جمله: ((ولا تؤمن امرأة رجلاً)) الأئمة الأربعة كلهم على أن المرأة لا تصح إمامتها، إمامتها للرجال، وإن أجاز أبو ثور إمامة المرأة مطلقاً، وأجاز الطبري إمامتها في التراويح إذا لم يوجد أحفظ منها، وسيأتي ما في حديث أم ورقة من فقه -إن شاء الله تعالى-، وعلى كل حال المرأة لا تؤم الرجال في قول عامة أهل العلم.
((ولا أعرابي مهاجراً)) تقدم أن من وجوه التقديم قدم الهجرة، إذا وجد اثنان كلاهما مهاجر، كلاهما مهاجر، فيقدم الأقدم هجرة، فكيف إذا وجد مهاجر وغير مهاجر؟ نعم، فيقدم المهاجر على غير المهاجر، إضافة إلى ما في وصف الأعرابي، ما يتصف به الأعرابي غالباً من جهل، وما يتصف به المهاجر من علم.
((ولا فاجر مؤمناً)) إمامة الفاسق جمع من أهل العلم يرون أن إمامة الفاسق لا تصح، الحنابلة يقولون: "ولا تصح خلف فاسق ككافر" والأكثر على أنه أن من صحت صلاته صحت إمامته، من صحت صلاته لنفسه صحت إمامته، صلاة الفاسق صحيحة مسقطة مجزئة، مسقطة للطلب، مجزئة، وإن كانت غير مقبولة؛ لأن الله -جل وعلا- إنما يتقبل من المتقين، ومعنى كونها غير مقبولة أن الآثار المترتبة عليها من الثواب لا يستحقه هذا العاصي، ولذا يشدد الحنابلة في أمر الفاسق، الفاسق محقق الفسق، لكن ماذا عن مظنون الفسق؟ أما محقق الفسق الحنابلة لا يصححون إمامته، ويصححها غيرهم، مظنون الفسق جاء في كتب الفقهاء: تصح إمامة الجندي وولد الزنا إذا سلم دينهما، يقولون: هذا مظنة، مظنة لأنه خلق من نطفة غير شرعية فهو مظنة للفسق، ولذا هذه المظنة ليس لها حكم، يقول: الجنود في من قديم الزمان، يعني في عصر القرون المفضلة الجنود عندهم تجاوزات، ولذا يقولون: تصح؛ لأن هذا أمر مظنون لا يعلق به حكم شرعي "تصح إمامة ولد الزنا والجندي بشرط إذا سلم دينهما" فمرد ذلك إلى سلامة الدين، وعلى كل حال إذا صححنا إمامة الفاسق فلا يحتاج أن نشترط إذا سلم دينهما.
سم.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:
"وعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم, وقاربوا بينها, وحاذوا بالأعناق)) رواه أبو داود والنسائي, وصححه ابن حبان.(41/12)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها, وخير صفوف النساء آخرها, وشرها أولها)) رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة, فقمت عن يساره, فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه" متفق عليه.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت ويتيم خلفه, وأم سليم خلفنا" متفق عليه, واللفظ للبخاري.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع, فركع قبل أن يصل إلى الصف, فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) رواه البخاري.
وزاد أبو داود فيه: "فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف".
وعن وابصة بن معبد الجهني -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده, فأمره أن يعيد الصلاة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه, وصححه ابن حبان.
وله عن طلق: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)).
وزاد الطبراني من حديث وابصة: ((ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً?)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم, وقاربوا بينها, وحاذوا بالأعناق)) " قاربوا بينها، بعض الروايات: ((ولا تدعوا فرجات للشيطان)) وفي رواية: ((فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل في خلل الصف كأنها الحذف)).(41/13)
((وحاذوا بالأعناق)) وفي رواية: ((بالمناكب)) "رواه أبو داود والنسائي, وصححه ابن حبان" التراص في الصف وهو أمر نسبي لا يعني أن الإنسان يرص غيره حتى يذهب عنه الخشوع في الصلاة، نعم كثير من الناس يحرص على تطبيق هذه السنن والصحابة -رضوان الله عليهم- كما في البخاري حتى صار أحدهم يلصق كعبه بكعب الآخر، وعقبه بعقب الآخر، يحرصون على تطبيق السنة، والحرص مطلوب لا سيما من طالب العلم، لكن لا بد من الفقه في هذا التطبيق، هل معنى هذا أننا نزاحم من يصلي بجوارنا حتى ننفره من الصلاة؟ بعض الناس حساس عنده حساسية، بعضهم عنده نفرة من القربة منه، لا يطيق أن تمس قدمه، هذا مثل .. ، هذا إذا رأيت منه هذه النفرة فدع بينك وبينه شيئاً يسيراً بحيث لا يكون فرجة في الصف، لكن حقق المصلحة والهدف الشرعي من هذا التراص، وإلا الأصل أن يتراص المصلون حديث أبي داود، الذي خرجه أبو داود من حديث جابر بن سمرة: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ )) قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: ((يتمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف)) يتراصون في الصف، نعم التراص مطلوب، لكن ليس معنى التراص الالتصاق بحيث لا يستطيع الإنسان أن يتنفس، وليس معنى هذا أننا نتراص بالأقدام ونهمل بقية الجسم؛ لأن المطلوب المحاذاة والتراص بالأقدام، والمحاذاة بالأعناق والمناكب، بمعنى أن الإنسان يأخذ حيزاً من الصف بقدره، بقدره؛ لأن بعض الناس ترونه إذا كان هناك فرجة من يمين ومن يسار ذراع من يمين وذراع من يسار، مد رجليه، هذه محاذاة أو تراص؟! هل المطلوب المحاذاة بالأقدام فقط؟ يعني النصوص المجتمعة تدل على أن الإنسان يأخذ من الصف حيز يكفيه، يكفي بدنه كاملاً، ليس معنى هذا أنه إذا وجدت فرج ما يمد الرجلين بحيث .. ، هذا ما هو بتراص هذا؛ لأن المحاذاة كما تكون بالأقدام تكون بالمناكب أيضاً، وليس المراد من التراص بحيث يضغط الإنسان في الصف يتمنى التنفس ولا يستطيع، ويذهب بلب الصلاة اللي هو الخشوع، المسألة لا يترك فرج وخلل في الصفوف للشياطين، ولا يتراص ويتضاغط الناس بحيث لا يستطيع الإنسان أن يؤدي الصلاة على الوجه المشروع.(41/14)
((رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها)) هذا بعض المساجد يجعلون بين الصفين ثلاثة أمتار أو مترين، لا سيما إذا وجد مثلاً عمود، والصف الذي بعد العمود يضيق عليه الصف لقرب العمود منه ثم يتجاوزن صف ثاني، هذا ما فيه مقاربة بين الصفوف،. . . . . . . . . مقاربة بين الصفوف، لا تترك فرصة، يعني بقدر الحاجة، يعني كم يكفي الإنسان لموضع سجوده؟ يكفيه متر متر وعشرين؟ لا تزيد يا أخي إلى مترين، ما قاربت بين الصفوف.
((وحاذوا بالأعناق)) كيف تتم المحاذاة بالأعناق؟ كيف تتم هذه المحاذاة؟ بمعنى أن الأعناق يكون على خط مستقيم، وهذا من المبالغة في تقويم الصفوف، وإلا الأقدام تكفي، إذا كانت الأقدام على خط واحد نعم، صارت الأعناق على خط واحد، نعم قد يكون في الصف أمور لا يمكن تحقيقها، مثل شخص نحيف وشخص بدين، ويش تحاذي من هذا؟ النحيف كيف يحاذي البدين هذا؟ يحاذيه بالأقدام، لو زاد من وراء ومن قدام هذا لا يمكن تحقيقه، وهي مسألة الكرسي بالصف، يوجد إشكال كبير الكرسي، كيف يحاذي الناس وهو على الكرسي؟ بم تكون المحاذاة على الكرسي؟ بالمناكب، يعني يصير جالس كذا على الكرسي والناس بجوار منكبه، وإذا أراد أن يسجد يتقدم؟ يعني ما في مانع أنه يتقدم على الصف بحيث يساوي الإمام؟ إذا نزل يبي يسجد من الكرسي يتقدم في السجود والجلوس موافقاً الصف؟
طالب:. . . . . . . . .(41/15)
أرجله هو، هو اللي يتراص برجليه على الأرض، يصير على الصف، هذا بالأقدام يعني، هو لا بد من الإخلال بشيء من الحد إن حاذى بالأقدام ما حاذى بالمنكب، وإن حاذى بالمنكب تقدمت الأقدام فما المعتبر؟ يعني العبرة بحال القيام، العبرة بحال القيام، طيب حال القيام المنظور فيها إلى الأقدام أو إلى المناكب؟ طيب والأقدام؟ يلصقون القدم بالقدم وشلون يلصقونه؟ سبحان الله مريض وجالس رجليه مع رجلين الناس يا أخي، مسألة ترتب الأذى على هذا الكرسي بمعنى أننا إذا قلنا: يحاذيهم بمنكبه، فإذا سجد يتقدم، وإذا تقدم في السجود وهو في الصف الثاني آذى الصف الأول، وإن تأخر آذى الصف المؤخر فكيف يصنع؟ لا بد من معالجة وضعه بما لا يترتب عليه أذىً لأحد هذا أول شيء؛ لأن هذا المتعدي يختلف عن القاصد، ثم بعد ذلك ننظر في أمره، إن كان يريد أن يسجد على الأرض يحاذي بالأقدام، وإذا كان يسجد على الكرسي ... ، بعضهم يستطيع أن يقف في حال الوقوف وفي وقت السجود الركب ما تطاوع يجلس على الكرسي ويسجد، مثل هذا يحاذي نعم بالمناكب، لا شك أن هؤلاء يتفاوتون، هؤلاء يتفاوتون، منهم من يستطيع القيام ولا يستطيع السجود، ومنهم من يستطيع الركوع والسجود ولا يستطيع القيام، فهذا ينظر في وضعه، فإن كان ممن يستطيع القيام يحاذي بالأقدام، وإن كان ممن يستطيع السجود يحاذي بالمناكب، من وظيفة الإمام كفعله -عليه الصلاة والسلام- أن يتفقد الصفوف، ويقوم هذه الصفوف كما تقوم القداح، لكن هذه الخطوط في الفرشاة وفي البلاط حكمها؟ الآن هي معتمدة في غالب مساجد المسلمين منها هذا المسجد فيه خطوط الناس يصفوا على الخط الأسود مثلاً حكمها؟ لا شك أنها تسهم مساهمة قوية في تعدل الصفوف، فهل نقول: إنها مشروعة لأنها تحقق مصلحة ولا يترتب عليها أدنى مفسدة؟ أو نقول: هي محدثة والمسألة مسألة عبادة وقام سببها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعلها؟ ولا في بأس أن الناس يصلون في المساجد الكبيرة على هيئة شبه محاريب يعني مائل الصف وإلا. . . . . . . . .، لا شك في ظهور مصلحتها، لا أحد ينازع في هذا، يعني فيها الآن مجال أخذ ورد وجدال ونقاش هل تزال وإلا تبقى وإلا .. ؟ مثل مكبر الصوت، إذن(41/16)
ما فيها بأس -إن شاء الله-، أما القاعدة التي قعدها أهل العلم أن ما وجد ما قام سببه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعله داخل في حيز البدعة، لكن هل السبب الذي قام في عهده -عليه الصلاة والسلام- في مسجده مساوٍ للسبب القائم في عهدنا من كل وجه، وإمكان الفعل في عهده -عليه الصلاة والسلام- هل هو مثل إمكان الفعل في عهدنا؟ مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- غير مفروش، بالرمل، كيف يستطاع أن توضع الخطوط في الرمل؟ الأمر الثاني: الحاجة الداعية لهذا الفعل هل هي مساوية للحاجة الداعية في عهدنا؟ مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يمكن نصف ها المسجد أو أقل، وتعديل الصفوف متيسر، لكن في المساجد الكبرى كيف يتم تسوية الصفوف تسوية الصفوف من تمام الصلاة؟ من تمام الصلاة، من تمام الصلاة، فهل من المصلحة أن تزال هذه الخطوط أو تبقى؟ مصلحتها ظاهرة بلا شك، لكن هذا الكلام قد يجر إلى أمور لا يوافق عليها القائل، إذا قلنا: كل ما يحقق مصلحة بغض النظر عن مقدار هذه المصلحة والآثار المترتبة على هذه المصلحة، وأن يدخل في حديث: ((من سن في الإسلام سنة حسنة)) وفي الجملة ما في شك أن هذا حسن، لا يختلف أحد في أن هذه الخطوط حسنة تضبط الصفوف، في هذا العصر لا يمكن ضبط الصفوف إلا بهذه الطريقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(41/17)
الذي هو بمثابة مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمسجد غير المفروش أيضاً، لا يمكن تحقيق هذه المصلحة فيه، ففي مسجده -عليه الصلاة والسلام- السبب قائم، لكن قوة هذا السبب ليست مثل قوة السبب في عصرنا، إمكان الفعل في عهده -عليه الصلاة والسلام- ليس بمثابة إمكان الفعل في عهدنا؛ لأن مسجده -عليه الصلاة والسلام- غير مفروش، وكونك تحط خط ويطأه واحد اثنين خلاص يروح، فما يحقق المصلحة المرجوة منه، إضافة إلى تساهل الناس في هذه العصور، والناس بحاجة إلى ما يعينهم على إتمام صلاتهم، والمسألة اجتهادية، يعني من قال: تزال هذه الخطوط له وجه، ومن قال: هي محققة مصلحة عظمى هي من تمام الصلاة ولا يترتب عليها مفسدة مثل غيرها من الوسائل مكبرات الصوت وغيرها، الإضاءة وما أشبهها كلها محدثات، لكن الذي ينبغي أن يوصى به ألا نسترسل في هذه المحدثات، يعني نأخذ منها بقدر الحاجة، تلاحظون بعض الناس أمور لا حاجة لها ولا داعي، تجدوه بحاجة مثلاً إلى إنارة في المحراب ليقرأ الإمام وينفع المصلين، لكن ويش الداعي أن يضع ثرية بمائة ألف أو كذا على المحراب؟ قدر زائد على الحاجة، ويش الداعي أن يضع محسنات صوت بألوف وما أشبه ذلك تردد الكلام وراءه؟ هذا ما له داعي، هذا قدر زائد على الحاجة، ينبغي أنه يقتصر منه على قدر الحاجة.
الأشرطة وسيلة حفظ ليس مباشرة لعبادة محضة، يعني الصلاة عبادة محضة لا يجوز التصرف فيها بزيادة ولا نقصان لا في كيفية ولا في وسيلة، احتاج الناس إلى من يبلغ صوت الإمام نعم فاتخذ المبلغ، واختلفوا في جواز الاقتداء بهذا المبلغ، جاءت هذه المكبرات واستغني عن المبلغ مع أنه يوجد في بعض الجهات هذه المكبرات والمبلغ أيضاً، أقول: الاسترسال في مثل هذه الأمور ينبغي أن يكون بقدر الحاجة؛ لأنه بصدد عبادة محضة الأصل فيها الاقتداء، وأي خلل فيها يخالف ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو ابتداع، لكن يبقى أن من هذه الأمور المخالفة ما مصلحته أعظم من مفسدته، فينظر إليه بقدره.(41/18)
إمكان التطبيق ما هو مثل إمكان التطبيق عندنا، فننظر إلى المسألة من جهتين: مسألة قوة السبب، ومسألة إمكان التطبيق، لا بد من .. ، إذا تطابق قوة السبب مع قوة السبب عنده وتطابق إمكان التطبيق عندنا مع إمكان التطبيق عندهم، فلا بد من النظر إلى هذه الأمور، والحاجة داعية بلا شك.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها)) " ((خير صفوف الرجال أولها, وشرها آخرها)) لا شك أن الأفضل الصف الأول، وجاء في فضله نصوص: ((لو يعلمون ما في النداء والصف الأول لأتوهما ولو حبواً)) وفي رواية: ((لاستهموا)) اقترعوا، فإذا دخل اثنان وفي الصف الأول فرجة لا تسع إلا واحد، فالقرعة، دخلا في آن واحد، هذا كله من زيادة الأجر والفضل المرتب على الصف الأول، وهذا يحثنا على التقدم إلى الصلاة.(41/19)
((وشرها آخرها)) يعني خيرها أكثرها أجراً، وأعظمها فضلاً ((وشرها)) يعني أقلها أجراً ((آخرها)) لأن أفعال التفضيل ((خير صفوف الرجال أولها)) على وجهه، اشترك الأول والذي يليه والذي يليه في الخير، لكن الأول زاد في هذا الوصف، زاد في الخيرية، لكن نأتي إلى الشق الثاني: ((شرها آخرها)) مقتضى أفعل التفضيل أن يكون هذه الصفوف اشتركت في الوصف الذي هو الشر، لكن زاد الآخر على الذي قبله، لكن المراد بالشر هنا النسبي، ولا شك أن الخير في الأكمل، الذي دونه خير بلا شك، لكن هذا النقص من الكمال شر، شر نسبي؛ لأنه. . . . . . . . . الحسابات هل من الخير أن تبيع هذا البضاعة بمائة أو بتسعين؟ بمائة، إذن هذه العشرة خير وإلا شر اللي نقصت لما بعته بتسعين؟ شر نسبي. . . . . . . . .، إذن هذه العشرة التي نقصت شر وإن كانت التسعين خير، ولذا قالوا في قوله: ((شرها آخرها)) يعني أقلها أجراً، ليس معنى الشر معناه العرفي المتبادر، لا، لكن الخير والشر أمور نسبية، فالأكثر خير والأقل شر، بالنسبة لما هو أكثر منه، والأقل خير بالنسبة لما هو أقل منه، والأقل شر بالنسبة لما هو فوقه وهكذا، ولذا قد يقول قائل: خير وشر أفعل تفضيل، {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا} [(24) سورة الفرقان] ممن؟ من أصحاب النار، لكن هل أهل النار في خير؟ لا، مقتضى أفعل التفضيل أن يكونوا في خير، لكن أهل الجنة أكثر منهم خير، لا، نقول: أفعل التفضيل ليست على بابها فأهل النار في شر، وهنا نقول: شرها يعني أقلها أجراً وإن كان في خير، الذي صلى في الصف العاشر نقول: أنت في شر، واللي فيه الخير يدور أجر، ويحصل له الأجر -بإذن الله- بوعده الصادق؟ يحصل له أجر لكنه بالنسبة لمن تقدم فعله لا شك الذي فوت عليه هذه المصلحة شر.(41/20)
((وخير صفوف النساء آخرها, وشرها أولها)) الرجال مطالبون بالجماعة وبالتقدم إليها، والنساء بيتها خير لها، لكن إذا جاءت وبادرت مع أول الأذان، وصارت في الصف الأول، نقول: شرها أولها، يعني إن قدم. . . . . . . . . الناس؛ لأن الأصل القرار في البيوت، ولذا قيل في الحديث: ((خير صفوف النساء آخرها, وشرها أولها)) ومنهم من ينظر إلى السبب، وهو أن الأول من صفوف النساء يقرب من الآخر من صفوف الرجال، فلكون الصف الآخر قريب من صفوف النساء صار شراً، ولكون الصف الأول من النساء قريب من صفوف الرجال صار شراً، ولبعد الصف الأول عن النساء صار خير، ولبعد الصف المؤخر عن الرجال بالنسبة للنساء صار خيراً، هذا إذا كان المسجد يصلي فيه رجال ونساء، افترضنا أن النساء في مكان مستقل في الدور الثاني، ما في قرب من الرجال بحال من الأحوال، هل نقول: انتفت العلة فيشملها ما في الحديث الأول، فيبقى خير الصفوف أولها حتى بالنسبة للنساء؟ يفرق بين الرجال والنساء، هذا مما يختلف فيه الرجال عن النساء، يعني المقصود من الحديث كله الحث على التقدم إلى الصلاة؟ ومقصود الحث على تأخر النساء عن الجماعة هذا الكلام، لكن إن قلت: بالنسبة للرجال تقول: بالنسبة للنساء، أما إذا قلنا: العلة معقولة وهي أن سبب تفضيل صفوف الرجال الأولى على الأخيرة واضح، تفضيل صفوف النساء الأخيرة على الأولى واضح إذا كان هناك رجال ونساء واضح؛ لأنه كلما بعدت المرأة عن الرجال أفضل لها، وكلما بعد الرجل عن النساء أفضل له، افترضنا أن هذه العلة ارتفعت ولا وجود لها، النساء في الدور الثاني، هل نقول: إن المرأة التي تصلي هنا أفضل من المرأة التي تصلي هناك في الدور الثاني أو العكس؟ أهل العلم يقولون: إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، لكن متى تكون العلة مؤثرة هذا الأثر؟ العلة المنصوصة هي المؤثرة، أما العلل المستنبطة اللي يستنبط عالم هذه العلة، ويجي عالم يستنبط يقول: لا، العلة الثانية، غير منصوصة، علل اجتهادية ما تؤثر مثل هذا الأثر، فيبقى أن صفوف الرجال مطلقاً سواءً كان معهم نساء أو ليس معهم نساء أولها خيرها وشرها آخرها، وصفوف النساء مطلقاً معهم رجال أو بدون رجلها خيرها آخرها(41/21)
وشرها أولها؛ لأن العلة مستنبطة، ما في علل منصوصة من الشارع، كلها علل اجتهادية، فنغير ما جاء في الحديث من أجل هذه العلل المستنبطة؟ لو كانت العلة منصوصة على العين والرأس، يدور معها الحكم وجوداً وعدماً إقراراً للأصل وهو أن بيتها خير لها {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] ومعلوم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل لها من المسجد، الحديث واضح ولا اجتهاد مع النص، تكون آخر شيء على الجدار، ويش المانع؟ جماعة نساء في مكان مستقل نقول: خيرها آخرها. . . . . . . . . قدام، تحرص على الصف المؤخر؛ لأنه جاء في النص في الصحيح: ((شرها أولها)) ليس لنا أن نجتهد إلا لو كانت العلة منصوصة مأخوذة من النص نفسه، أما علل مستنبطة نغير فيها أحاديث؟ لا، يبي يجيك مستقبلاً ما تدري ويش يجيك؟ يمكن يظهر علة غير ما ذكره أهل العلم، نغير النص مرة ثانية على شان العلل المستنبطة المبنية على أفهام؟ ما تدري، هو ما في شك أن في الحديث تعضيد لقرار المرأة في بيتها، وأن صلاتها في بيتها أفضل لها، وأنها كلما اختفت حتى في بيتها في غرفتها أفضل من البيت اللي هو بقية أجزاء البيت وهكذا، فالمرأة مطلوب منها الستر، وأن تقر في بيتها، ولا يراها الرجال ولا تراهم، هذا الأصل، لكن الآن الدعوات بخلاف هذا، إنسان كامل عامل مؤثر شأنه شأن الرجل، نصف المجتمع، يريدون أن يخرجوا هذه النساء على تعاليم الدين بهذه الحجج، والله المستعان.(41/22)
جاء في الحديث أمر أولو الأحلام والنهى أن يتقدموا فيلوا الإمام ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) يعني الكبار العقلاء، لا يترك المجال للسفهاء، للصبيان، للصغار، فهل معنى هذا حث الكبار على التقدم أو طرد الصغار من الصفوف الأولى؟ نعم حث الكبار على التقدم، وليس معناه طرد الصغار؛ لأن من سبق إلى مباح -كما تقول القاعدة الشرعية- أحق به، ولا يجوز للأب أن يقيم ولده ليجلس في مكانه، لا يجوز له ذلك، فمعنى هذا حث الكبار على التقدم إلى الصلاة والصفوف الأولى، وهم أولى بذلك من الصغار ((ليلني)) تقدموا، يجب عليك أن تتقدم، لكن هل إدراك أول الجماع واجب وإلا سنة؟ هل التقدم إلى الصلاة والصف الأول واجب وإلا سنة؟ يعني شخص ما يجي إلا مع الإقامة تقول: فعل محرم؟ آثم؟ لا، الأمر للاستحباب، الأمر للاستحباب.
حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" هي الليلة التي بات فيها عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخالته ميمونة بنت الحارث "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، فقمت عن يساره" صف عن يسار الإمام "فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه" هذا موقف الواحد مع الإمام، الشخص الواحد إذا أراد أن يصلي مع الإمام يقف عن يمنيه، ولو وقف عن يساره تصح صلاته وإلا ما تصح؟ لا تصح، لا بد أن يقف عن يمينه، لو وقف وراءه؟ لا تصح؛ لأنه فذ، منفرد، إذن لا بد أن يقف عن يمنيه إذا كان هناك أكثر من واحد يصليان، الاثنان يصليان خلفه، وإن كان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فعله ابن مسعود، ولعله لضيق المكان، وإلا فالأصل أن يتقدم الإمام في هذه الصورة.
وهنا فيه دلالة الحديث على صحة صلاة المتنفل بالمتنفل، إمام في النافلة يصلي بمن يقتدي به، وعرفنا فيما تقدم لما اتخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- الحجرة من حصير، وثابوا إليه، وتتبعوه، وصلوا وراءه، وفي رمضان انقطع في الليلة الثالثة أو الرابعة، يدل على أن الجماعة للنافلة لا بأس بها ما لم تتخذ عادة، يعني إن صلوا جماعة أحياناً لا بأس، وهذه المسألة تقدمت.(41/23)
"جعلني عن يمينه" الأكثر على أنه لا بد أن يكون مساوياً له، يحاذيه بالأقدام، بالمناكب، يصافه، مثل ما يصف المأموم مع المأموم في الصف، ويرى الشافعية أن الإمام يتقدم على المأموم شيئاً يسيراً لكي يتميز الإمام من المأموم، في بعض ألفاظ حديث ابن عباس: "فقمت إلى جنبه" ومقتضى هذا أنه محاذياً له.
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت ويتيم" من يعرب؟ قمت على الضمير المتصل، يجوز ولا ما يجوز؟ يعني هذا التركيب جائز؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ العطف على الضمير -ضمير الرفع- المتصل من غير فاصل يجوز وإلا ما يجوز؟ "أنا ويتيم" هذا الأصل، لكن مذهب الكوفيين الجواز، وعليه جاء هذا الحديث وإلا فالأصل أنه لا بد من الفاصل.
وإن على ضمير فرفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
فقمت أنا ويتيم "فافصل بالضمير المنفصل * أو فاصل ما" أي فاصل.
أو فاصل ما وبلا فصلٍ يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد(41/24)
هذا كلام ابن مالك، هنا ورد في غير النظم، هل يصلح أن يكون هذا الحديث دليل للكوفيين في تجوزيهم مثل هذا؟ يصلح وإلا ما يصلح؟ يعني هل يحتج بالحديث على قواعد العربية أو لا يحتج؟ أو هو من قول الصحابة، أقحاح الصحابة، أو من أقوال التابعين؛ لأنه في عصر الاحتجاج، نعم الاحتجاج بالحديث بالعربية، مسألة مختلف فيها بلا شك؛ لأن الحديث يجوز روايته العلماء بالمعنى، فما المانع أن يكون هذا التغيير من بعض من تأخر ممن لا يحتج بقوله؟ فالمسألة خلافية بين أهل العلم، هل يحتج بالحديث في قواعد العربية أو لا يحتج؟ على كل حال من أراد بحث هذه المسألة فليطالع مقدمة خزانة الأدب، المطلوب خزانة الأدب لمن؟ للبغدادي هنا، في شرح شواهد شرح الكافية، خزانة الأدب لابن حجة الحموي هذا كتاب من الأدب المتأخر اللي فيه شيء من الركة، في كتاب خزانة الأدب كتاب صغير في العربية لا أعرف مؤلفة، معاصر، لكن العبرة بكتاب البغدادي نعم، البغدادي هذا كتاب الخزانة مطبوع في ثلاثة عشر جزءاً، طبعته القديمة في أربعة مجلدات، طبع محققاً في ثلاثة عشر جزءاً، وهو كتاب نفيس في شواهد في شرح الكافية، وبحث هذه المسألة واستوفاها في مقدمة الكتاب، وفي رسالة لامرأة عراقية في الاحتجاج بالحديث في العربية.
"فقمت ويتيم خلفه" اليتيم اسمه: ضمرة، أو ضميرة بن سعد، وأم سليم، هي أم أنس، واسمها: مليكة "وأم سليم خلفنا" وفي رواية: "صففت أنا واليتيم خلفه، والعجوز من وراءنا" فدل على أن المرأة لا تصاف الرجال، وأن الاثنين مقامهما خلف الإمام، والمرأة تقف خلف الرجال، وبعض أهل العلم يبطل الصلاة إذا تقدمت المرأة صفوف الرجال أو صفت مع الرجال في صفهم، ولا شك أن هذا في حال الاختيار لا يجوز، لكن في حال اضطرار مثلاً في أوقات مواسم في أماكن تجمعات كبيرة يعني قد يأتي الإنسان لا يجد إلا مكان في الحرم مثلاً في أيام حج أو في رمضان، نعم لا يجوز له بحال أن يصف جنب امرأة، لكن وجد صف طويل فيه، التفت وإذا به امرأة في أقصاه بعيدة عنه، فيدرك الصلاة، يحصل الصلاة، وإن كان فيه امرأة، هذه حاجة، كما يقال: لك أن تصف في الشارع إذا ضاق المسجد، والله المستعان.(41/25)
وذهب بعض العلماء على إبطال الصلاة في الصف الذي فيه امرأة، فضلاً عن أن تكون المرأة أمام الصف، وهذا معروف عند الحنفية، ولا شك أن إذا كانت المسألة مسألة اختيار، وفي حال السعة لا يجوز للرجل أن يصاف المرأة، وهنا: "وأم سليم خلفنا" وهل يستوي في المرأة أن تكون محرماً أو أجنبية؟ رجل فاتته الصلاة فأراد أن يصلي هو وزوجته، أراد أن يصلي هو وزوجته يقول: نصير جماعة أحسن من لا شيء، تصلي بجانبه أو من خلفه؟ زوجته، هذه فيها العجوز ذي؟ أم أنس، إذن المرأة مقامها خلف الرجال ولو كانت من المحارم.
مصافة الصبي: عرفنا إمامة الصبي، الآن مصافة الصبي، (اليتيم) كبير وإلا صغير؟ غير مكلف؛ لأنه لا يتم بعد احتلام، فإذا كان مكلفاً فإنه حينئذٍ لا يسمى يتيم، فدل على أنه صبي، فتصح مصافة الصبي.(41/26)
يقول في الحديث: "وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع, فركع قبل أن يصل إلى الصف, فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) " أبو بكرة: نفيع بن الحارث انتهى إلى الصف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- راكع، فخشي أن تفوته الركعة فركع دون الصف، ركع دون الصف، ثم مشى وهو راكع إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((زادك الله حرصاً)) هذا لا شك أنه يدل على حرص، لكن هل كل حرص ممدوح؟ الحرص الذي يبعث على عمل السنة لا شك أنه ممدوح، الحرص الذي يبعث على التقدم إلى الصلاة ممدوح، لكن الحرص الذي يبعث على الإسراع في المشي مثلاً وعدم السكينة والوقار في الائتمام، هذا حريص، لا شك أنه حريص يريد يدرك الصلاة، لكن هذا الحرص ممدوح؟ أو يمدح الحرص ويذم الأثر المترتب عليه؟ ولذا قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((زادك الله حرصاً)) لو زاد حرص عن حرصه الذي هو فيه هل يصنع مثل هذا الصنيع؟ نعم، هو حريص جاء مع الركوع، لو زاده الله حرصاً على ذلك جاء قبل الإقامة، فدعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا، وأثنى عليه بحرصه؛ لأنه حرص ممدوح، الحرص على الخير، وعرف أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- بحرصه على الخير، ولذا سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض المسائل التي تدل على بذلك، ((زادك الله حرصا ولا تعد)) بصنيعك هذا بأن تحضر إلى الصلاة وأنت منبهراً؛ لأنه مع هذا الحرص، ومع الإسراع يصاب بالبهر الذي هو تردد النفس بسرعة، وهذا لا شك أنه مخل بالخشوع، ولذا أمر من يأتي إلى الصلاة بعد الإقامة أن يمشي وعليه السكينة والوقار، ((ولا تعد)) يعني لا تعد لمثل هذا الفعل، تأتي متأخر مسرعاً وتركع دون الصف، لكن عملك صحيح، وصلاتك صحيحة؛ لأنه لم يأمره بالإعادة.(41/27)
وفي بعض الروايات: ((ولا تُعِد)) صلاتك صحيحة ومجزئه لا تعد صلاتك، وإن كان جزءاً منها وقع خلف الصف؛ لأنه ركع دون الصف في بعض الروايات: ((ولا تعدو)) من العدو وهو الإسراع، وعلى كل حال هذا العمل صحيح، وإن كان خلاف الأولى، الأولى أن يأتي الإنسان إلى الصلاة بسكينة ووقار، فإذا حصل مع هذا أن الإمام ركع وهو بسكينة ووقار وركع دون الصف ثم لحق بالصف عمله صحيح، والحديث يدل على أن بعض الركعة خلف الصف ما لم تكن ركعة كاملة صلاة صحيحة، ويدل أيضاً على سقوط الفاتحة عن المسبوق، المسبوق تسقط عنه قراءة الفاتحة، هذا مسبوق ولم يدرك إلا الركوع، ولم يأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- بإعادة الركعة؛ لأن الفاتحة فاتته، فالفاتحة تجب على كل مصلٍ إلا المسبوق، إلا المسبوق، هذه مسألة تقدمت، وإن قال أبو هريرة والإمام البخاري والشوكاني: إن الفاتحة لازمة لكل مصلٍ حتى المسبوق، فالمسبوق تسقط عنه قراءة الفاتحة، "رواه البخاري" زاد أبو داود فيه: "فركع دون الصف, ثم مشى إلى الصف" مسألة الصلاة -صلاة المنفرد أو الفذ خلف الصف- ستأتي -إن شاء الله تعالى-.
هذا يسأل يقول: الوضوء واستقبال القبلة وستر العورة شرط في الصلاة المفروضة الواجبة فإن لم يجد الماء تيمم وإن لم يعرف اتجاه القبلة فله أن يجتهد ويصلي؟
معلوم أن الاجتهاد في المواضع التي لا يمكن فيها معرفة القبلة بيقين في البراري مثلاً، في البلدان التي لا يوجد فيها محاريب إسلامية، له أن يجتهد.
السؤال يقول: فإن لم يجد ما يستر به عورته فما العمل؟ يصلي على حسب حالة أو ينتظر حتى يجد؟(41/28)
يصلي على حسب حاله، إن وجد ما يكفي بعض العورة يستر السوأتين يحرص على ذلك، فإن لم يكفهما إذا كان يكفي إحدى السوأتين مثلاً، وجد ما يكفي المغلظة إما الدبر وإما القبل فإن لم يكفهما فالدبر، يعني مر علينا في الحديث: إن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، والعكس بالنسبة للنساء، وهذا في الأماكن التي فيها الرجال والنساء ظاهر وواضح، لكن ماذا عما لو كان النساء في محل محجوب عن رؤية الرجال؟ نفس النص، يعني ما يتغير، أبدى بعض أهل العلم علل وهو أن السبب في تفضيل الصفوف المؤخرة نعم البعد عن الرجال لكنها علل .. ، الصفوف الأولى مستنبطة وإلا منصوصة؟ مستنبطة، لذا لا يعول عليه.
طالب:. . . . . . . . .
طالب العلم عليه أن يتأدب مع شيخه؛ لأن الشيخ بشر يمل ويضجر ويقلق فلا بد من ملاحظة نفسه ووضعه النفسي، ومع هذا على طالب العلم أن يتأدب في كيفية إلقاء السؤال، وفي انتقاء السؤال، وفي الأسلوب الذي يعرض به السؤال، بعض الطلاب يسأل ما حكم كذا يا شيخ؟ تجيبه، حكمه جائز، طيب الشيخ فلان يقول: حرام، هل هذا أسلوب؟ أنت تريد أن تلقن الشيخ هذه الفتوى وتأتي به على ما تريد، نعم قد يكون الشيخ .. ، قد يغفل عن هذه الفتوى، قد يكون الشيخ بحاجة إلى التنبيه على مثل هذه الفتوى، لا سيما إذا كانت ممن يعتد بقوله من أهل العلم، لكن ليست بهذه الطريقة، إذا قال لك: حلال، مباح، جائز، تقول: ما رأيك فيمن يقول: كذا؟ بأسلوب مناسب، لا بد من الأدب، مثل ما ذكرنا الشيخ شأنه شأن غيره، بشر، فعلى الطالب أن يتحمل ويصبر على جفاء الشيخ لا سيما إذا .. ، مع طول الوقت يمل الشيخ، وعليه أن يعامل الشيخ بأدب، وعلى الشيخ أيضاً في المقابل أن يرفق بطلابه، وأن ينبسط معهم، ويرحب بهم، وما نال هذه الأجور إلا بسببهم، فعلى كل من الطرفين أن يتحمل الآخر، وأن يتعامل مع الآخر بأدب، والشرع كله مبني على الأدب والاحترام، إنما جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- ليتمم مكارم الأخلاق -عليه الصلاة والسلام-.
هل المسبحة تحقق مصلحة لا يحققها غيرها؟(41/29)
المسبحة إنما هي لعد التسبيح وضبط العدد، وتقوم الأصابع وهي الأصل في هذا، وهي مستنطقة تدفن مع الإنسان، وتبعث معه، وتستنطق يوم القيامة، وتشهد للمسبح بها، المسبحة لا تصحبه، ولذا وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التسبيح بالأصابع، والمسبحة في حكم الحصى، نعم قد لا يشدد في أمر المسبحة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم ينكر على أم المؤمنين، إنما وجهها إلى الأكمل والأفضل، هذا إذا سلمت المسبحة من مشابهة الكفار أو المبتدعة الغلاة، أو ما أشبه ذلك، فأقل أحوالها أنها خلاف الأولى، نعم.
. . . . . . . . . يقول: أنا شاب في عمر الزهور وأدرس في اليمن. . . . . . . . . اقتصادية، وحينما ذهبت إلى بعض المعاهد الأجنبية لكي أدرس فيها، فسألت بعض الناس فقالوا: إنها معاهد تنصير، يقول: نعم في الحقيقة من. . . . . . . . .
لا يجوز لك أن تتعلم فيها؛ لأن خطرها على الدين، وأمر الدين وشأنه عظيم، فالمحافظة عليه أولى عليه من المحافظة على كل شيء، وعلى كل ثمين، المحافظة على الدين أولى من المحافظة على البدن، فضلاً عن غيره، وتكفف الناس وسؤال الناس خير من الدراسة في مثل هذه المدارس، ورأس المال هو الدين، دينك دينك، فإنما هو لحمك ودمك، فإذا لم تحرص على هذا الدين، ولو هيئت لك جميع أسباب الراحة، ولو يسرت لك جميع أمور دراستك، فالعيش مع الجهل وخلف أذناب البقر خير من التعلم في هذه المدارس التي خطرها ظاهر على الدين، والله المستعان.
ما أجبتم -حفظكم الله- عن مسألة عدم تقديم الأقدم إسلاماً على الأقدم هجرة؟
قلنا: إن الشرع جاء بتحريم البقاء بين أظهر الكفار، وجعل للهجرة شأن، وجعل للهجرة شأناً؛ لأن البقاء بين أظهرهم تكثير لسوادهم، وفي الحديث قدم الأقدم هجرة على الأقدم إسلاماً، من باب الحث على تقدم الهجرة وعدم البقاء بين أظهر الكفار.
يقول: إذا كان المصلي ضيف في بيت فاسق فلمن تكون الإمامة؟(41/30)
الأصل أن صاحب البيت هو صاحب السلطان، فلا يجوز له أن يفتأت عليه في سلطانه، إن كان ممن لا يرى صحة إمامة الفاسق عليه أن يخرج من هذا البيت، ويبحث عن مكان يصلي فيه، وإن كان يرى الصحة وصلى وراءه أو استأذنه بأدب وأسلوب بأن يصلي وأذن له، الأمر لا يعدوه.
يقول: هل وردت أحاديث مخصصة يقولها الإمام عند تسوية الصفوف، وما حكم قول غيرها مثل قول الإمام دائماً: أغلقوا جوالتكم -رحمكم الله-؟
نعم جاء ما يدل على الأمر بتسوية الصفوف ((سووا صفوفكم)) ((استووا)) جاء الأمر بهذا ((سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)) ويقوم مقامها ما يؤدي معناها، وإذا احتيج إلى التنبيه على شيء بعينه مما يشغل المصلين فلا مانع من ذكره، لا مانع من ذكره، إذا كان هناك شيء يشوش على الناس مكيف مزعج مثلاً، يقال: يا فلان طفي المكيف، أو أغلقوا هذا، أو جوال يغلقوا الجوال إيش المانع؟ لأن هذا من تحصيل مصلحة الصلاة، لا سيما إذا كانت هذه الجولات نغماتها من النغمات المحرمة الموسيقية التي أفتى أهل العلم بتحريمها، قد يتعين على الإمام لا سيما إذا سمع شيئاً من ذلك أن ينبه عليه ويزجر، ويتعين على من سمع هذا المنكر أن يغيره، وأقل الأحوال باللسان، ومع الأسف الشديد أن كثير من المساجد المسلمين شبهت بكنائس النصارى، الناس يصلون والموسيقى تصدح على مرأى ومسمع من الناس كلهم، ومع الأسف قد تصلي في مسجد فيه خمسة صفوف ولا واحد يرفع بذلك رأس، هذه مصيبة هذه.
يقول: قرأت من كتب أن مصليات النساء في المساجد بدعة؛ لأنها لم توجد في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأيكم؟
الاختلاط، اختلاط الرجال بالنساء لا سيما في أوقات الفتن محرم، وعزل الرجال عن النساء في هذه الأوقات التي تعظم فيها الفتنة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
أحسن الله إليك.
يقول: إن لم يكن المصلي واضع سترة أمامة فكم المسافة التي يسمح بها بالمرور من أمامه؟(41/31)
أهل العلم يقدرون ثلاثة أذرع، يكفيه ثلاثة أذرع، على أنه إذا لم يستتر ليس له أن يدفع، وليس له أن يمنع؛ لأن الأمر بالدفع، الأمر بمنع المرور بين يديه مقرون بالاستتار ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: إذا صلى المأموم عن يسار الإمام جاهلاً فما حكم صلاته؟ ولو وقف ثلاثة مأمومين عن يمين الإمام وليس خلفه فما حكم صلاتهم؟
إذا صلى عن يسار الإمام فصلاته ليست بصحيحة، قد يعذر بجهله؛ لكن الصلاة في الأصل ليست صحيحة، فيؤمر بإعادتها ولو احتياطاً، أما إذا صلوا عن يمينه ولو كانوا أكثر من واحد فالصلاة صحيحة، والأصل أن موقف هؤلاء خلف الإمام، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: متى يخرج وقت صلاة الظهر والعصر؟ يقول: الرجاء الإيضاح بالساعة؟
وقت صلاة الظهر يبدأ من زوال الشمس، من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله، ثم بعد ذلك يحضر ويدخل وقت صلاة العصر عند مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس، كما في حديث عبد الله بن عمرو، بالساعة التقاويم -الحمد لله- موجودة، وهي تختلف من وقت إلى آخر، ومن أسبوع إلى أسبوع، ومن يوم إلى يوم، وليست ثابتة لتحدد بالساعة، لكن الثابت ما جاء في النصوص أن وقت صلاة الظهر يبدأ من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله، ما لم يحضر وقت العصر، وحينئذٍ لا اشتراك بين الظهر والعصر في وقت واحد كما يقول الإمام مالك -رحمه الله-، ينتهي وقت صلاة الظهر عند مصير ظل الشيء مثله، وفي هذا الوقت الذي هو النهاية يبدأ وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، ولا اشتراك بينهما، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: أليس الله -عز وجل- إذا أشرك أحد به فلن يقبل توبته، فكيف المؤمنين السابقين كانوا يعبدون الأصنام ومن ثم اتجهوا إلى عبادة الله؟(41/32)
من قال بهذا أن الله لا يقبل توبة المشرك؟ لا يقبل عمل المشرك ما دام مشركاً، أما إذا تاب {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [(53) سورة الزمر] لم يستثنِ ذنباً من الذنوب مع التوبة، لم يستثنَ ذنب من الذنوب حتى الشرك، وأبو بكر وعمر كانوا مشركين، ومع ذلكم صاروا هم خيار الأمة لما أسلموا، فالمشرك تقبل توبته، وحينما يقرر أهل العلم عدم قبول التوبة لنوع أو لفئة من الفئات فمرادهم بذلك في الدنيا، وأما في الآخرة إذا توافرت شروط التوبة من الذي يحول بينهم وبين خالقهم، ورازقهم أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، لكن التوبة مقبولة اتفاقاً من المشرك إذا أسلم.
ما أدري من أي جاءه هذا اللبس؟ {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] يعني حال الشرك لا يمكن أن يغفر للمشرك، المشرك لا يغفر له إلا بتوبة، فإذا تاب تاب الله عليه، والتوبة تهدم ما كان قبلها، نعم.
أحسن الله إليكم.
يقول: ذكر الصنعاني -رحمه الله- في ثنايا شرحه لحديث عمرو بن سلمة كما في صحيح البخاري: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكبركم)) قوله -يعني الصنعاني-: ثم الحديث فيه دليل على القول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، يقول كذا في الشرح وفيه تأمل انتهى, كيف يكون .... ؟.(41/33)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (28)
تابع: شرح: باب: صلاة الجماعة والإمامة
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال شيخ الإسلام ابن حجر -رحمه الله-:
وعن وابصة بن معبد الجهني -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده, فأمره أن يعيد الصلاة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه, وصححه ابن حبان.
وله عن طلق: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)).
وزاد الطبراني من حديث وابصة: ((ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً?)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا)) متفق عليه, واللفظ للبخاري.
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل, وما كان أكثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-)) رواه أبو داود والنسائي, وصححه ابن حبان.
وعن أم ورقة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تؤم أهل دارها" رواه أبو داود, وصححه ابن خزيمة.
وعن أنس -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس, وهو أعمى" رواه أحمد وأبو داود.
ونحوه لابن حبان: عن عائشة -رضي الله عنها-.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا على من قال: لا إله إلا الله, وصلوا خلف من قال: لا إله إلا الله)) رواه الدارقطني بإسناد ضعيف.
وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) رواه الترمذي بإسناد ضعيف".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(42/1)
القارئ -جزاه الله خيراً- في بداية قراءته يقول: قال شيخ الإسلام، وأحياناً يقول: قال الإمام، هذه الألقاب قد يستنكرها من يرى مخالفة الحافظ ابن حجر في بعض مسائل الاعتقاد، لكن إذا عرفنا أن المشيخة والإمامة أمور نسبية، وأن ما عنده من أخطاء عقدية، هو ليس بالمجتهد في هذا الباب، وإنما هو مقلد، وهي أيضاً وإن كانت أخطاء، وكل يؤخذ من قوله ويرد، إلا أنها في بحار الحسنات يرجى زوال أثرها -إن شاء الله تعالى-، فيؤخذ من علمه وخدمته للسنة ما يفيد العالم قبل المتعلم، ولا شك أن الله نفع بمؤلفاته نفعاً عظيماً، وكتب لها رواجاً وقبولاً، وأفاد منها الكبير والصغير، فمن من العلماء يستغني عن فتح الباري، لا يمكن أن يقول –مهما بلغ من العلم-: إنه يستغني عن فتح الباري.(42/2)
وهذا المختصر الذي نفع الله به طلبة، وصار عمدة وأساس يعتمد عليه طلاب العلم، لا شك بأن له أثر في تدرج العلم المؤصل، وعلى كل حال الأخطاء موجودة عند ابن حجر، وعند النووي، وعند العيني، عند الكرماني، جل الشراح على هذا، وغالب المفسرين على هذا، وإذا كان الغالب هو الصواب، وإذا كان الراجح من الكفتين كفة الحسنات فالمآل إلى خير -إن شاء الله تعالى-، وليس الرجل بمعصوم بل يؤخذ من قوله ويرد، ويوجد من بعض طلاب العلم من تحمله الغيرة على عقيدة السلف هذا أمر محمود، فتحمله الغيرة على عقيدة السلف فيقع، الغيرة محمودة، لكن الآثار المترتبة عليها قد لا تكون محمودة إذا زادت الغيرة عن حدها، فيقع في عرض مثل هذا الشيخ، مثل هذا العالم، بل تجاوز بعضهم وأحرق بعض الكتب التي فيها شيء من الخلل، نعم إذا زاد الضرر على .. ، زاد الخطأ على الصواب نعم ينبغي أن يحذر من الكتب، وأئمة الدعوة كانوا يحرقون الدلائل، دلائل الخيرات لما فيه من غلو بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وما صح في حقه -عليه الصلاة والسلام- مما لا يشارك فيه ربه وخالقه -جل علا-، يكفينا عن مثل هذه الكتب التي تشتمل على هذه المبالغات، فإذا زاد صواب الكتاب على خطئه يستفاد منه، وينبه على الخطأ في مواضعه، وإذا زاد الخطأ على الصواب يحذر من الكتاب، ومازال أهل العلم يحذرون من بعض الكتب، بل يأمرون بإتلاف بعضها وإحراقه، لكن الآن ماذا ينفع الإحراق؟ لما كانت البلد يوجد نسخة أو نسختين من كتاب فيه ضرر تحرق وينتهى منه، لكن الآن وألوف مؤلفة من الكتب تزفها المطابع كل يوم، ماذا تحرق؟ وماذا تترك؟ لكن ينبغي أن التحذير أمر لا بد منه، والتنبيه على الأخطاء التي خيرها أكثر من خطئها، وصوابها أكثر من خطئها أمر لا بد منه، فالحق يقبل ممن جاء به، والباطل يرد على من قال به مهما كان، وبالحق يعرف الرجال، ولا يعرف الحق بالرجال، إنما يعرف الرجال بالحق، ولا نتعصب لأحد، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وينبغي لطالب العلم أن يحترم أهل العلم، ويتأدب مع أهل العلم، هؤلاء لهم عليك فضل، فاعرف فضلهم، وبواسطتهم وصلت إلى ما وصلت إليه من علم وتحصيل وفضل، فمن أسدى إليك نصيحة(42/3)
بكلمة صار له حق الدعاء، فكيف بمن نهلت من علمه منذ أن بدأت الطلب إلى النهاية؟! فلهم منا الدعاء، نسأل الله -جل وعلا- أن يتجاوز عنهم، وأن يرفع درجاتهم، وأن يحشرنا وإياهم في زمرة محمد -عليه الصلاة والسلام-.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن وابصة بن معبد" معبد كمنبر بكسر الميم الجهني، وابصة بن معبد بن مالك أبو قرصافة صحابي، سكن الكوفة، ومات بالرقة، يقول -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده, فأمره أن يعيد الصلاة" والحديث صحيح، ويشهد له الحديث الذي يليه: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) ونسبه الحاكم -رحمه الله تعالى- لابن حبان برواية طلق بن علي، وصوابه: علي بن الجعد بن شيبان هكذا في صحيح ابن حبان، يقول: "أمر أن يعيد"، "أمر أن يعيد الصلاة" من صلى خلف الصف، دليل على أن الصلاة خلف الصف باطلة، وقال: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) والأمر بالإعادة تجعل التقدير المتعين لقوله: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) يعني لا صلاة صحيحة، على هذا إذا دخل الرجل والصف قد اكتمل، ولم يجد مكاناً يصلي فيه، ولم يستطع الوصول إلى الإمام فيصف بجواره عن يمنيه ماذا يصنع؟ الحديث الذي يليه، أو زيادة الطبراني في حديث وابصة: ((ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً?)) لكن هذه الزيادة منكرة، في إسنادها السري بن إسماعيل، وهو متروك، بل صرح بعضهم بأنه كذاب، فالاجترار .. ، وجاء في بعض ألفاظ الحديث: "الاختلاج" والمراد به هو: الاجترار، يجتر رجلاً، يسحب رجل من مكانه ليصف بجانبه، هذا من حيث الرواية لا يثبت، ومن حيث المعنى أيضاً له أثر اعتداء على الآخرين، الذي أدرك فضل الصف الأول، ثم جاء شخص متأخر فاجتره ليصف بجواره، اعتدى عليه، وأيضاً ترك في الصف فرجة، هذه مخالفة، المصلي مأمور بسد الفرج، فكيف يترك فرجة في الصف؟(42/4)
المقصود أن المخالفات من حيث المعنى كثيرة، وهذا الرجل الذي اجتر أخاله تسبب في هذه الأمور، اعتدى على هذا الشخص، وحرمه من الصف الأول، وترك فرجة في الصف، وقد يتعرض لبطلان صلاة المجرور، بعض الناس ما يتحمل مثل هذه الحركات فيصدر من الأفعال ما تبطل معه صلاته، فلا يثبت من حيث الرواية، ولا يصح من حيث المعنى، وعلى هذا إذا دخل المسبوق أو الذي لا يجد مكاناً في الصف، ولا يجد مساغاً إلى أن يصاف الإمام ينتظر حتى يأتي من يصلي بجواره، ينتظر ولو أدى ذلك إلى فوات الصلاة كلها، ولا يسوغ بحال أن يعتدي على أحد، أو يصف منفرد خلف الصف؛ لأنه لا صلاة له، وعليه أن يعيدها لو صلى، لكن لو كبر خلف الصف ثم ركع مع الإمام فلما رفع من الركوع دخل واحد وصف بجواره قبل السجود أو قبل الركوع، المقصود قبل أن تتم له ركعة؟
حديث أبي بكرة المتقدم ركع خلف الصف، ثم دخل في الصف، فجزء من صلاته خلف الصف، ولم يتمم ركعة كاملة التي هي أقل ما يطلق عليه صلاة، فإذا لم تكمل له ركعة كاملة وصافه أحد قبل أن تكمل الركعة صلاته صحيحة -إن شاء الله تعالى- استدلالاً بحديث أبي بكرة.(42/5)
لو أن شخصاً من الصف الكامل الذي لا فرجة فيه سمع بوجود شخص لا يجد مكاناً في الصف تبرع وتأخر بنفسه فما الحكم؟ هذا تصدق على صاحبه بطوعه واختياره وآثره، آثره بفضيلة الصف المقدم، والإيثار بالقرب معروف حكمه، يطلقون الكراهة فيه لا سيما بالنوافل، لكن إذا ترتب على هذا الإيثار مصلحة عظمى، إدراك شخص لصلاة الجماعة، فهل يحمد أن يتأخر الشخص ليحسن على هذا المتأخر فيصحح صلاته؟ أو يقال له: الحمد لله الرجل جاء إلى الجماعة وقصد الجماعة فله مثل أجرهم سواءً أدرك الجماعة أو لم يدرك، ولا داعي لمثل هذا الإيثار؟ قد يستدل للإحسان والإيثار في مثل هذا الموقف بحديث: ((من يتصدق على هذا؟ )) أقول: قد يستدل له، لكن ماذا عما لو كان المتَصدَق عليه لئيماً كيف؟ تأخر هذا الرجل يصف معه فجلس في مكانه، وقف في مكانه في الصف وترك الذي تأخر من أجله، فما الحكم؟ ألا يمكن أن يوجد؟ يوجد، قد يوجد لئيم يسمع بفضيلة الصف الأول ويريد أن يدرك هذه الفضيلة، يقول: ما دام تأخر بطوعه واختياره فرصة نصف في الصف الأول، ما حكم صلاة المتأخر وصلاة اللئيم؟ صلاة المتأخر هل يكمل صلاته مع الناس خلف الصف أم ماذا يصنع؟ نفترض أن هذا جاء في الركعة الثالثة، هذا صلى ركعتين مع الجماعة وبقيت ركعتان، إذا أكمل ركعة قبل أن يحضر معه أحد صار منفرد خلف الصف، يجتره مرة ثانية؟ {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ} [(126) سورة النحل] يجتره، ولو ترتب عليه بطلان صلاته؟ تصير المسألة ينافي هذا الصنيع، وهذا التصرف قد ينافي الحكمة من مشروعية الجماعة الذي دخل في الصف صلاته صحيحة، يعني على ما عنده من لؤم، نعم؛ لأن ما ارتكبه من محظور .. ، الحظر الذي ارتكبه لأمر خارج عن الصلاة لا يتعلق بذات الصلاة، صلاته صحيحة بلا إشكال، الثاني الذي دخل في الصف وإن كان مذموماً شرعاً وعرفاً لكن صلاته صحيحة، أما الذي يتأخر وقد صلى ركعة مع الإمام ثم صار منفرد خلف الصف إن تمت له ركعة كاملة خلف الصف فصلاته باطلة.
طالب:. . . . . . . . .(42/6)
هذه مسألة افتراضية، لكن يمكن أن تقع، لا هو تصدق على صاحبه، أقل الأحوال أن يكون عمله مباحاً، يعني صار في تعارض بين صدقته على أخيه وبين تركه للصف الأول، صار فيه مفاضلة بين أمور مستحبة، نعم الفرجة في الصف أمرها أشد، تصور مسألته بمن يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء صح؟ ينتظر في الركعة الرابعة ويسلم مع الإمام، وأنت تفترض هذا بمسبوق بركعة، يصلي المغرب خلف من يصلي العشاء وهو مسبوق بركعة، يأتي بالركعتين مع الإمام التي هي الثانية والثالثة ثم يجلس؛ لأن الركعة الرابعة بالنسبة للإمام زائدة في حق المأموم فينتظر فإذا سلم يأتي بما فاته، هذا الذي خلف الصف، اثنان صلاتهما صحيحة، دخلا جميعاً، ثم تذكر أحدهم أنه ليس على طهارة، أو أحدث ثم انصرف ماذا يقال للثاني؟ هنا: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف))، "رأى رجل يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد" بهذه الصيغة يشمل جميع الصور، حتى اللي كان معه واحد، والثاني ذا اللي دخل ولا لقى أحد وانتهت الصلاة وهو .. ، صلاته صحيحة؟ شخص دخل وجد الصف كامل نظر يمين يسار حاول أن يدخل .. ، ما استطاع، عندنا نصوص صحيحة ما فيها إشكال، "صلى خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة" ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) يعني النصوص ما تحتاج إلى مثل الاحتمالات التي يبديها بعضهم، هذا الذي يجتر أدرك ركعتين مع الإمام، وصار منفرد خلف الصف، نوى الانفراد، إن جاء معه أحد نوى الائتمام وإلا استمر منفرد، ما تكون صلاته؟ صلى مع الإمام ركعتين وبقيت له ركعتان وراح مكانه عليه، وهذا الذي كان يبي يصافه انتهى، ينوي الانفراد يصلي منفرد؛ لأنه لا صلاة معهم لأنه ينوي الائتمام، هذا إذا نوى الانفراد وهو خلف الصف صلاته منفرد صحيحة وإلا ما هي صحيحة؟ يعني صلاة من هو مع الجماعة ثم ينوي الانفراد، الحديث الذي تقدم: ((أفتان يا معاذ؟ )) يدل على أن الشخص لعذر ينوي الانفراد وتصح صلاته، فإن جاء معه آخر نوى الائتمام، فكما أنه يجوز له أن ينوي الانفراد ويترك الجماعة يجوز له أن يلتحق بالجماعة، البقعة التي صلى عليها اللئيم مغتصبة، يعني تصح صلاته، حكم الصلاة في الدار المغصوبة، الذين يصححون الصلاة في الدار المغصوبة لأن النهي عاد إلى أمر خارج(42/7)
عن الصلاة، إلى أمر خارج عن الصلاة، لا يعود إلى الصلاة نفسها، إلى ذاتها، ولا إلى ركنها، ولا إلى شرطها صلاة صحيحة مع التحريم.
على كل حال المخرج في هذه الصورة أن ينوي الانفراد ويكمل منفرد، إن جاء أحد يصافه تابع وإلا ينوي الانفراد.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يمنع أن يكبر ويركع مع الإمام في الصورة، لكن النية أنه منفرد، ويش اللي يمنع؟ الممنوع أن يصلي خلف الصف وهو يأتم بهذا الإمام.
حديث الباب الشافعي كأنه يشكك في ثبوته، وجرياً على عادته لو ثبت هذا الحديث لقلت به، وتعرفون أن هناك أكثر من مؤلف في قول الشافعي: "إذا ثبت هذا الحديث، أو إن صح الحديث فهو مذهبي" ومن هذه المسائل، والبيهقي من كبار أتباعه يقول: "الاختيار أن يتوقى ذلك" لثبوت الخبر المذكور، من خالف في بطلان صلاة المنفرد خلف الصف يستدل بحديث: أبي بكرة، وأنه أوقع جزءاً من الصلاة خلف الصف، وإذا صح الجزء صح الكل، وعرفنا أن دون الركعة لا يسمى صلاة، فلا يدخل في النفي هنا، لا يسمى صلاة فلا يدخل في النفي هنا.
يقول في الحديث الذي يليه: يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار))، ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا)) الحديث متفق عليه".
((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة)) يعني لا تسرعوا كما صرح بذلك، والإسراع هو: السعي إلى الصلاة، وفي صلاة الجمعة {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [(9) سورة الجمعة] والسعي هو إسراع في المشي، وهذا الحديث فيه: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار)) ينبغي أن يكون ديدن المسلم التأني والوقار والسكينة حتى في الأمور التي تظن في بادئ الرأي أنها تحتاج إلى شيء من العجلة.
لما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- علي إلى خيبر قال له: ((انفذ على رسلك)) معلوم أن العجلة من الشيطان، والرفق لا يكون في شيء إلى زانه.(42/8)
فـ ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار)) هل يفهم منه أننا إذا لم نسمع الإقامة نسرع أو من باب أولى؟ فإذا العادة أن الإنسان إذا سمع الإقامة قد يوجد لنفسه مبرر للسرعة من أجل أن يدرك، يدرك إدراكاً نسبياً حسب حاله، إن كان ممن يريد إدراك تكبيرة الإحرام، يريد إدراك الركعة، يريد إدراك قراءة الفاتحة، يريد إدراك مكان في المسجد؛ لأن بعض المساجد مع الإقامة تمتلئ لا سيما المساجد التي في الأسواق، وبعض الناس يسرع لأي غرض من الأغراض، فمثل هذا لا يجوز له أن يسعى.
((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة -مشي- وعليكم السكينة والوقار)) لأنه في صلاة، إذا خرج من بيته لا ينهزه ولا يدفعه إلى الخروج إلا الصلاة فإنه في صلاة، ولا يرفع رجله إلا بحسنة، ولا يحطها إلا وتحط عنه خطيئة، والإسراع يفوت عليه كثير من هذه الحسنات؛ لأنه يقتضي ويستلزم مد الرجل فتقل الخطى، يقل عددها.
((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة)) ما دام في صلاة منذ أن خرج من بيته وخطاه مكتوبة حتى أنه لينهى عما ينهى عنه وهو في الصلاة، ينهى عن تشبيك الأصابع إذا خرج من بيته إلى الصلاة؛ لأنه في صلاة، ((فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار)) عليكم يعني تظهر عليكم، تبدو عليكم السكينة والوقار.
((ولا تسرعوا)) هذا النهي تأكيد لمفهوم الأمر السابق ((ولا تسرعوا)) وقلنا في الجمعة: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة] ومعلوم أن السعي هو الإسراع هذا الأصل، فهل الجمعة مستنثاة من هذا الحديث أو هي داخلة في الحديث؟ ((إذا سمعتم الإقامة)) يشمل الإقامة للجمعة وغيرها، يعني المسارعة إلى الحضور، لا الإسراع في كيفية الحضور، المسارعة، جاء الأمر العام (سارعوا) (سابقوا) هل معنى هذا أن الإنسان يرفع ثوبه ويجري ليسبق غيره سابقوا؟ ليس هذا هو المعنى، إنما المقصود به المبادرة إلى أفعال الخير، وليس المراد به الجري والركض لتحصيل هذا الخير.(42/9)
((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) ما أدركتم مع الإمام قل أو كثر فصلوا، في هذا دليل لمن يقول: إن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء من الصلاة قبل سلام الإمام، وهذا قول الأكثر، يعني لو دخل والناس في التشهد الأخير، مقتضى الحديث: ((فما أدركتم فصلوا)) أمر، فما أدرك من الصلاة قل أو كثر يتبع فيه إمامه ويصلي معه، وهو مثل ما قلنا: دليل للأكثر في أن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها، كتب الحنابلة يقولون: "من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس" أدرك الإمام، ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع ما يصنع)) يتابع الإمام، القول الآخر: وهو أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك، وهذا في الجمعة وغير الجمعة، من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومثله العصر، يقول: لا بد من إدراك ركعة كاملة، وأقل من ركعة لا يطلق عليه اسم الصلاة، وما دام هذا ما أدرك صلاة، الذي لم يدرك ركعة كاملة ما أدرك صلاة؛ لأن ما دون الركعة لا يسمى صلاة، لكن الحديث دليل للأكثر، وأن إدراك أقل من ركعة يسمى إدراك، ((فما أدركتم)) (ما) من صيغ العموم يشمل أكثر من الركعة كما يشمل الركعة، ويشمل ما دون الركعة.(42/10)
((وما فاتكم فأتموا)) وفي رواية وهي صحيحة أيضاً: ((فاقضوا)) ((وما فاتكم فاقضوا)) الرواية: ((فأتموا)) يستدل بها من يرى أن ما يدركه المسبوق أول صلاته، وما يقضيه آخر صلاته، ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) شخص أدرك سجدتين مع التشهد من الركعة الأخيرة، يقول: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) وأنا أدركت سجدتين وتشهد، أريد أن آتي بالركعات كلها فإذا لم يبقَ علي سوى السجدتين والتشهد أسلم مباشرة؛ لأن الحديث: ((ما أدركتم فصلوا)) أنا صليت السجدتين، ليش أعيدهن؟ يصلح وإلا ما يصلح؟ يعني الحديث فيه مستمسك لمثل هذا أو ما فيه؟ ((ما أدركتم فصلوا)) يقول: أنا أدركت مع الإمام سجدتين وتشهد وليش أعيدهن أنا صليتهن، أدركت وصليت مع الإمام، والذي فاتني كله أقضيه -إن شاء الله- أو أتمه، يصلح أن يكون مستمسك لمثل هذا القول؟ عند الحنابلة والحنفية ما يدركه المسبوق آخر صلاته، يعني لو قيل بهذا القول لكن لم يقل به أحد من أهل العلم البتة، لكن هو مقتضى اللفظ: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) فاته الركوع، وبفوات الركوع تفوت الركعة كاملة، طيب التشهد يقول: ما أنا متشهد، أنا متشهد مع الإمام، خل التسليمتين تابعة للركوع لكن التشهد؟ يقول: أنا تشهدت مع الإمام، يقول: فاتني القيام والركوع لكن أدركت السجود ليش أؤمر بالسجود مرة ثانية؟ على كل حال لم يقل أحد بهذا، لم يقل أحد بأنه إذا ما يدركه قل أو كثر يحسبه من صلاته إذا أدرك، نفترض أنه أدرك التعوذ من أربع، أو أدرك الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الإمام وفاته التشهد، نقول: يقف على ما أدرك في الصلاة؟ لم يقل بهذا أحد، بل إذا فاتته ركعة أتى بالركعة بجميع لوازمها، والتشهد لا بد من الإتيان به؛ لأنه وقع في غير موقعه من صلاته، ((وما فاتكم فأتموا)) هذا يستدل به المالكية والشافعية في أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يأتي به بعد سلام الإمام هو آخر صلاته، جاء المسبوق والإمام في الركعة الثالثة صلى معه الثالثة والرابعة بالنسبة للإمام وبالنسبة له هي إيش؟ الأولى والثانية، ثم إذا سلم الإمام يأتي بالثالثة والرابعة على هذا القول، وعلى القول الثاني العكس، ما(42/11)
يدركه آخر صلاته، وما يقضيه هو أول صلاته، ((وما فاتكم فاقضوا)) اقضوا ما فاتكم على الرواية الأخرى، والقضاء يحكي الأداء، تكبر وتستفتح وتأتي بالفاتحة وسورة معها، يعني إذا أمكن تصور مثل هذا في الأقوال فكيف يتصور في الأفعال؟ لا يمكن تصوره القول الثاني في الأفعال، فالراجح هو هذا، وتحمل رواية: ((فاقضوا)) على رواية: ((فأتموا)) تحمل هذه على هذه، وجاء القضاء والمراد به الأداء {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [(12) سورة فصلت] هل يقال: إنها فعلت في غير وقتها؟ لا، فيكون حينئذٍ معناه: فما أدركتموه مع الإمام فصلوه معه ولو لم تعتدوا به، إذا كان مما لا يعتد به كأقل من ركعة، ((وما فاتكم فأتموا)) يعني أضيفوا إليه، يعني كما جاء في حديث: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس)) جاء في بعض الروايات: ((وأضاف إليها أخرى)) يعني ولو بعد طلوع الشمس ((فقد أدرك الصبح)) القول الثاني: وهو أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته، وما يقضيه هو أول صلاته يرد عليه أن تكبيرة الإحرام إنما هي في الركعة الأولى، والسلام إنما يعقب آخر الصلاة ولا يعقب أول الصلاة، أيضاً صورة الصلاة وكيفيتها تختلف إذا قلنا بهذا، وإذا قلنا: إن معنى القضاء الوارد في بعض الروايات هو معنى الأداء والإتمام، ويشهد له نصوص الكتاب والسنة، ولغة العرب أيضاً، جاء في صلاة الجمعة على وجه الخصوص من لم يدرك ركعة كاملة فإنه يأتي بها ظهراً، يعني لا يقضي ما فاته فقط، لا يتم ما فاته فقط، بل عليه أن يصليها ظهراً.(42/12)
بعد هذا حديث: "أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده, وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل, وما كان أكثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-)) " لا شك أن الصلاة وإن كان ما يؤديه المسلم على الوجه المطلوب المأمور به المجزئ المسقط للطلب أجره واحد، إلا أن هذا الأجر قد يزيد بما يحتف به من أمور كصلاة الجماعة على ما تقدم تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، صلاة الرجل مع رجلين أفضل من صلاته مع رجل واحد، صلاته مع ثلاثة أفضل من صلاته مع اثنين وهكذا ((وما كان أكثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-)) وعلى هذا ينبغي أن يحرص الإنسان على المساجد التي تكثر فيها الجموع؛ لأن ما كان أكثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-، ويفضلون أيضاً بقدم المسجد، ويفضلون أيضاً بفضل الإمام، إذا كان الإمام من أهل الفضل فالصلاة وراءه أفضل، ولذا معاذ -رضي الله عنه- يصلي خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يصلي بقومه إدراكاً لفضل الصلاة خلفه -عليه الصلاة والسلام-، والحديث حسن، صححه ابن حبان، لكنه لا يصل إلى درجة الصحة، فهو حسن، صلاة الرجل مع الرجل يعني الواحد أزكى من صلاته وحده؛ لأنها جماعة، فاثنان فما فوقهما جماعة، وجاء بهذا حديث في سنن ابن ماجه وهو ضعيف، لكن البخاري -رحمه الله تعالى- بوب، باب: اثنان فما فوقهما جماعة، واستدل بحديث مالك بن الحويرث: ((وليؤمكما أكبركما)) دليل على أنها جماعة تكونت من اثنين، فالاثنان فما فوقهما جماعة، لكن إذا كان العدد أكثر، ثلاثة فهو أفضل، أربعة أفضل، خمسة وهكذا، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-، قد يقول قائل: ووجوه اكتساب الحسنات كثيرة، يصلي خلف شخص يتأثر بالصلاة خلفه، يتأثر بقراءته، ويقبل على صلاته وإن كان عدد الجماعة أقل أيهما أفضل؟ يعني لو شخص قصد مسجد في سوق واجتمع فيه من الناس الخليط، التقي والفاسق والمستقيم، وغيرهم، جموع، وهو في هذه الحالة بين هذه الجموع قد يكون إقباله على صلاته أقل مما لو صلى خلف شخص لا يصلي معه إلا عد يسير عرفوا بالصلاح والتقوى والإقبال وقراءة هذا الإمام أيضاً أكثر تأثير، هل نقول: إن الصلاة هنا أفضل أو(42/13)
في المسجد الأكثر جماعة مهما ترتب على ذلك؟. . . . . . . . . الذي هو ذات عبادات؛ لأن الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من الفضل المرتب على ما يحتف بها، وهذا كثرة الجماعة مما يحتف بها، لو قال قائل مثلاً: أنا إذا صليت في مسجد خلف فلان في بلدي وهذا يسأل عنه كثيراً في الأوقات الفاضلة في العشر الأخيرة من رمضان، يقول: في بلدنا إمام مؤثر يصلي معه صفين أو ثلاثة في التهجد، ومكاني خلف الإمام ومرتاح أأدي الصلاة على الوجه المطلوب، وأقبل عليها بكليتي، أو أصليها في أحد الحرمين مع كثرة الجموع، وقد لا يتسنى له أن يخشع، ولا يقبل على صلاته، وهذا يدفعه من جهة، وهذا يرده من جهة، يقول: أيهما أفضل؟ مسجده هو، لكن هل يمكن أن يقال هذا لكل الناس يعني اتركوا هذا الزحام ولا تروحون للحرم ولا .. ؟ أو نقول: اذهبوا إلى الحرم واحرصوا على الخشوع؟ نعم على الإنسان أن يتطلب أماكن التضعيف، يتطلبها ويبحث عنها؛ لأنها ما جاءت الأحاديث عبث، الترغيب في الصلاة في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، والترغيب الأكثر في الصلاة في المسجد الحرام، ليس من باب العبث، إنما هو لأمر محقق مرتب على هذه البقع المقدسة، لكن إذا كان الشخص لا يستطيع أن يقبل على صلاته في هذه الأماكن، نقول له: تصلي في أي مكان يجتمع فيه قلبك، بل يزداد الأمر سوءً إذا كان الشخص إذا ذهب إلى تلك الأماكن لا يستطيع أن يحفظ بصره هل نقول له: ما دام أنت ترتكب محظور في إرسال البصر في النساء الذي بعضهن متبرجات، وبعضهن .. ، نقول له: لا تذهب إلى تلك الأماكن؟ نقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟ أو نقول: اذهب واحرص على غض البصر؟ نعم يحرص، لكن يقول: ما أقدر، كم واحد جرب وعجز، يقول: عجزنا، هاه؟ إذا طلع، طلع من المسجد بيواجه، وإذا أقبل على المسجد بيختلط، يتذرع بهذا، لا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا كان لا يستطيع أن يؤدي العبادة التي هو بصددها إلا مع ارتكاب محظور، نقول له: لا تحضر يا أخي، ولذا إذا تعارض الأمر مع النهي أيهما المقدم؟ إذا كان فيه اختلاط بنساء في طريقك إلى المسجد، فإن كانت هذه الصلاة التي تقصد الصلاة من(42/14)
أجلها سنة نقول: ترك المأمور مع اجتناب المحظور أفضل صلِ في بيتك، لكن إذا كانت فريضة من الفرائض الخمس نقول: اذهب إلى المسجد ولو اعترضك في طريقك محظور؛ لأن كل شيء بحسبه، الأوامر فيها العظائم وفيها ما دون ذلك، والنواهي كذلك، وإطلاق القول بأن ارتكاب المحظور أخف من ترك المأمور أو العكس ليس على إطلاقه.
إذا كان في طريقك إلى المسجد شباب يلعبون وقت الصلاة ولا تستطيع أن تنكر عليهم، إقرارك لهذا المنكر منكر، لكن لا يمنعك هذا من الصلاة، بخلاف ما لو كان في طريقك إلى المسجد بغي، وألزمت ما تمر من هذا الطريق إلا .. ، عندها ظالم يلزمك بالوقوع عليها، نقول: لا، اترك الصلاة مع الجماعة؛ لأن هذه الأمور تقدر بقدرها، فالنواهي متفواتة، والأوامر متفاوتة، فلا ينبغي إطلاق القول بأن ارتكاب المحظور أسهل من ترك المأمور كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- أو العكس كما يقوله غيره، وإن كانت معصية آدم في ارتكاب محظور ومعصية إبليس في ترك مأمور، فهذه الأمور تقدر بقدرها.
الحديث الذي يليه: حديث أم ورقة -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها أن تؤم أهل بيتها" أم ورقة بنت نوفل الأنصارية، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يزورها ويسميها الشهيدة، معجزة من معجزاته -عليه الصلاة والسلام-، وعلم من أعلام نبوته، يسميها الشهيدة، وكان لها غلام وجارية أعتقتهما عن دبر، دبرتهما فاجتمعا عليها في ليلة فغماها بقطيفة فماتت في عهد عمر -رضي الله عنه-، بحث عنهما فصلبهما، كذا جاء في السير، وظهرت معجزته -عليه الصلاة والسلام-.(42/15)
أم ورقة النبي -عليه الصلاة والسلام- أمرها أن تؤم أهل دارها، ففيه دليل على صحة إمامة المرأة، أما إمامتها بالنساء لا إشكال فيه، لكن النص يحتمل أن يكون من أهل دارها من الذكور، فهي تؤم أهل دارها، وأهل دارها فيهم الذكور وفيهم الإناث، اللهم إلا إذا أمكن أن نخرج من هذا الإشكال أن الذكور إنما يصلون في المساجد يعني تؤم من يصلي بالبيت، من له أن يصلي في البيت، وهم النساء والصبيان، صلاتها فيها بالنساء لا إشكال فيها، صلاة المرأة، وأجاز المزني وأبو ثور صلاة المرأة بالرجال، وأجازها الطبري أن تصلي بالرجال صلاة التراويح وهذا تقدم، لكن الجماهير على أن المرأة لا تؤم الرجال بحال من الأحوال، فتبقى صلاة أم ورقة بأهل دارها ممن له أن يصلي في الدار.(42/16)
بعد هذا حديث أنس -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس, وهو أعمى"، استخلف النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن أم مكتوم على المدينة مراراً إذا خرج لغزو استخلف ابن أم مكتوم، أوصلها بعضهم إلى ثلاثة عشرة مرة، استخلاف النبي -عليه الصلاة والسلام- لابن أم مكتوم، مناسبة هذا الحديث للباب إمامة ابن أم مكتوم وهو أعمى الناس المبصرين، ولا خلاف في جواز إمامة الأعمى، لكن الخلاف في الأفضل، أيهما أفضل إمامة الأعمى أو إمامة المبصر؟ لا شك أن الحديث دليل على صحة إمامة الأعمى من غير كراهة؛ لأن هذا فعله -عليه الصلاة والسلام-، المفاضلة بين المبصر وبين الأعمى بين أهل العلم موجودة، من أهل العلم من يفضل الأعمى؛ لأن ذهنه لا يتشوش بسبب ما يراه، ذهنه محصور، ولذا يستحب بعضهم أنه إذا كان تغميضه عينيه أجمع لقلبه يغمض عينيه وهو يصلي، وإن كان القول المحقق أنه لا يغمض عينيه؛ لأن هذا من فعل من؟ اليهود، على كل حال إذا كان أعمى ما يحتاج يغمض عينيه، إذا كنا نطلب من المبصر أن يغمض عينيه ليجتمع قلبه ولا يتشوش ولا يتشتت ذهنه فالأعمى متوفر من غير مشابهة يهود، وهذه حجة من يفضل إمامة الأعمى على المبصر، ومنهم من يرى العكس، المبصر أفضل في الإمامة من الأعمى؛ لأنه يخرج من عهدة النجاسات بيقين، يزيل النجاسة بيقين، يستنجي بيقين، يسبغ أعضاء الوضوء بيقين، قد يتلبس بنجاسة وهو لا يشعر الأعمى، بخلاف المبصر، وعلى كل حال أصل المسألة أن لا مفاضلة ولا ممايزة، لكن كل إنسان بحسبه، بعض العميان أحرص من المبصرين، يخرج من عهدة الواجبات بيقين، ويتوقى المحرمات والنجاسات بيقين، هذا يرجع إلى حرصه، وبعض الناس لا يكترث ولو كان مبصراً، فكل إنسان بحسبه، ولا يرجح بوجود البصر أو بفقده، النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام وهو مبصر، واستخلف ابن أم مكتوم وهو أعمى، فدل على جواز الأمرين من غير مفاضلة، المفاضلة في الأمور المترتبة على وجود البصر أو على فقده، وكل إنسان بحسبه.(42/17)
يقول: "ونحوه لابن حبان عن عائشة -رضي الله عنها-" وهو أيضاً في الأوسط عند الطبراني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يؤم الناس، وعلى كل حال هو شاهد للحديث السابق، والحديث صحيح بشواهده.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا على من قال: لا إله إلا الله, وصلوا خلف من قال: لا إله إلا الله)) " الحديث "رواه الدارقطني" يقول الحافظ: "بإسناد ضعيف" لكن غيره .. ، هل يكفي أن يقال: إسناده ضعيف؟ وهو شديد الضعف، وطرقه كلها لا تثبت، فهو ضعيف جداً، ((صلوا على من قال: لا إله إلا الله)) يعني على المسلم الذي يقول: لا إله إلا الله، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا .. عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)) لكن من قال: لا إله إلا الله دخل في الإسلام، فإذا أتى بناقض من نواقض لا إله إلا الله لا يصلى عليه.
((وصلوا خلف من قال: لا إله إلا الله)) يعني المسلم براً كان أو فاجراً، وتقدم الخلاف في هذا هل يصلى خلف الفاسق؟ ((ولا فاجر مؤمناً)) على ما تقدم، على ما فيه من ضعف، المسألة خلافية، وسبقت في الباب نفسه.
يوجد من يقول: لا إله إلا الله ولا يأتي بناقض، بل قد يرتكب ما يحرمه من صلاة الإمام عليه، المدين لما قدم إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا على صاحبكم)) الغال، وقاطع الطريق، وقاتل نفسه، يعزر بترك صلاة الإمام عليه، ويصلي عليه الناس، الشهيد لا يغسل ولا يصلى عليه، والمسألة خلافية بين أهل العلم، لكن هذا هو المعتمد.
يقول: "وعن علي -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) رواه الترمذي بإسناد ضعيف" لأن فيه الحجاج بن أرطأة، وهو مضعف عند أهل العلم، لكن له شواهد عند الترمذي من حديث معاذ، وهو شاهد لحديث علي، وعند غيره، المقصود أنه بشاهده حسن.(42/18)
((إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) الآن إذا دخل المسبوق والإمام جالس ماذا يصنع هذا المسبوق يكبر وإلا ما يكبر؟ إذا كبر صنع كما صنع الإمام وإلا ما صنع؟ يعني مقتضى الحديث أنه إذا كان الأمام جالس تجلس مباشرة لا تكبير ولا غير التكبير، فليصنع كما يصنع الإمام، جئت والإمام راكع تركع، لكن المجمع عليه أن تكبيرة الإحرام تكون في أول الصلاة، لا بد أن تكون تكبيرة الإحرام في افتتاح الصلاة، فمفتاح الصلاة التكبير، فيكبر ثم بعد هذا يتابع الإمام، بعض الناس إذا جاء والإمام راكع كبر، ويعرف من حال الإمام أنه يطيل الركوع، وهذا قد يفعل في التهجد الذي فيه إطالة الصلاة، أو في صلاة الكسوف مثلاً، يجي ويكبر ويستفتح ويتعوذ ويقرأ الفاتحة ثم يركع، يدرك الإمام، هذا موافق للحديث أو مخالف؟ مخالف للحديث، ((إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) لكن تكبيرة الإحرام لا بد منها، يكبر للإحرام ثم يركع، يكبر للإحرام ثم يسجد مباشرة، يكبر للإحرام ثم يجلس، إذا كان الإمام جالس ((فليصنع كما يصنع الإمام)) وعرفنا أنه إذا أدرك الإمام في أقل من ركعة أنه عليه أن يتابع الإمام ((وما أدركتم فصلوا)) لكنه لا يعتد بما أدركه، فعليه أن يقضي جميع ما فاته.
يقول السائل: شخص مريض يصلي على كرسي فهل يصلي في طرف الصف أم يجلس على كرسيه حيث انتهى وقوف المصلين؟
الأولى أن يحرص المريض على الصف الأول، وعلى يمين الصف، وعلى القرب من الإمام بقدر الإمكان، إذا كان يتسنى له أن يؤدي الصلاة من غير أن يتأذى ولا يؤذي أحداً مع تحصيل ما دل الدليل على فضله من يمين الصف والتقدم والقرب من الإمام فهذا هو الأصل، المريض كغيره، لكن إذا كان يتأذى بالقرب من الإمام أو يؤذي غيره فينظر إلى مكان لا يتأذى فيه ولا يؤذي.
هذه الأخت السائلة تقول: امرأة غير متزوجة وهي موظفة تستلم راتب وأبوها يقول: إنه ليس عليه نفقة لها، وأن ما يعطيها صدقة غير واجبة، وذلك بعد أن سأل أحد الشيوخ فهل هذا صحيح؟ وما حكم النفقة؟
لكن هذا الراتب الذي تتقاضاه لأنها موظفة ألا يكفي لحاجتها؟ إذا كان لا يكفي يلزم الأب النفقة عليها.
أحسن الله إليك.(42/19)
يقول السائل: ما هو الدليل على تحريم لعب الورق البلوت بدون عوض، والدليل على تحريم لعب الشطرنج بدون عوض أم أنه حرم لمجرد القياس؟
أما بالنسبة للنرد الشطرنج جاء فيه بعض الأخبار من المرفوع والموقوف، وأما بالنسبة للورق المتداول الآن ففيه شبه منه، وأقل ما فيه إذا تجرد عن جميع الآثار السيئة من ألفاظ بذيئة أو تضييع لواجبات، إذا لم يترتب عليه ذلك فأقل ما فيه الكراهة، أقل أحواله الكراهة نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: هل هناك حديث أو أثر يحذر من الزواج من القريبات وما صحة حديث: ((لا تزوجوا القريب فيخرج ضغث؟ ))
يذكر هذا عن عمر -رضي الله عنه- أن الإبعاد في المصاهرة يعني نكاح المرأة البعيدة أنجب، ونكاح القريبة مذموم عند العرب؛ لأن الولد يخرج نضو الخلقة، نضو الخلقة، يعني والنجابة في النساء الأباعد، لكن لم يطرد هذا ولم ينعكس، وجد النجباء من القريبات، ووجد غيرهم من البعيدات، هذا غير مطرد، وإن كان يعني كلامهم له أصل يعني .. ، لكن هو غير مطرد نعم، فالمرد والمدار على الدين ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) والفقهاء يستحبون أمور لم يدل عليها دليل، لكن يلتمسون لها تعاليل، فعندهم الأجنبية أفضل من القريبة، وعندهم التي ليس لها أم أفضل من التي لها أم، وعندهم أمور بعض الوقائع يشهد بخلاف ذلك، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا سؤال تكرر كثيراً وما يشبهه، يقول: أليس من التجمل أخذ الشعر الذي يطول من شعر اللحية المعتادة لا سيما إذا كان طول شعر اللحية متفاوت؟ وهل يعتبر ذلك من التجمل؟ وهل أخطأ عمر وابنه -رضي الله عنهما- في الأخذ مما جاوز القبضة؟
على كل حال العبرة بما ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو الأسوة وهو القدوة، وقد أمرنا بتوفيرها، وأمرنا بإعفائها، وأمرنا بإكرامها، وكان -عليه الصلاة والسلام- كث اللحية، وتروى لحيته من وراءه وهو يقرأ، وتعرف قراءته باضطراب لحيته، ولا يعارض ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- بقول غيره كائناً من كان، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا سؤال من الإنترنت يقول: فضيلة الشيخ الصف الأول مزدحم في الصلاة فوقفت في الصف الثاني منفرداً هل تصح صلاتي؟(42/20)
إذا تمت لك ركعة لا تصح، صلاتك عليك أن تعيدها، على ما تقدم، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: إذا كان شخص يؤم مأموماً بالغاً وأطفال دون العاشرة أو في العاشرة ويزيدون قليلاً هل يرجعون صفاً خلفه أم يصلي بجواره ولا عبرة بالصغار، وما الضابط في العمر الذي تعتبر به مثل هذه الحالة أقصد أن يعد الطفل مع الجماعة؟
تقدم في حديث أنس في الصحيح صففت، قمت واليتيم خلفه، والعجوز من وراءنا، أم سليم من ورائهم، فمصافة الصبي صحيحة إذا كان مميزاً يحسن الصلاة، كما أن إمامته صحيحة.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: أريد أن أستفيد من علمكم فضيلة الشيخ لأني أحب الشريعة الإسلامية الحنفية أو الحنيفة -يبدو أنه مصري وكتب باللهجة العامية- يقول: أريد أرجع بلدي داعياً بالدعوة المحمدية، ولكي نخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وهذا يحتاج جهد للتعلم، ونرجو منكم النصيحة الوافية، من أريتيريا السؤال.
على كل حال ما هممت به أمر طيب، وتؤجر على هذه النية، وعليك أن تسعى لتحقيقها، وأن تطلب العلم من أبوابه، وعلى الجادة المعروف عند الأئمة المحققين، فتبدأ بالمتون الصغيرة، ثم إلى ما هو فوقها من كتب المرتبة لطلاب الطبقة الثانية ثم الثالثة وهكذا، فالعلم إنما يؤخذ بالتدريج، وعلى الجادة المرسومة عند أهل العلم، للإنسان الذي .. ، إما يتخبط فيقرأ في كتب لا تناسبه وكتب تناسبه هذا في الغالب لا يدرك، أيضاً الذي يتخطى الكتب في الذي في مستواه، ولا يأخذ العلم على الجادة والتركيب المعروف عند أهل العلم، مثل هذا لا يفلح في الغالب، فعليه أن يلزم الشيوخ ممن عرف بالعلم والعمل ممن يصدق قوله فعله، وعليه أيضاً أن يراجع مع حضوره على الشيوخ يراجع الكتب ويحفظ ويسمع الأشرطة ويعتني بذلك ويوفق -إن شاء الله تعالى-.
أحسن الله إليك.
من الإنترنت يقول: في شرح كتاب الحج أتذكر أن فضيلة الشيخ تحدث عن عدم جواز تغطية الوجه حال النوم فهل هذا للرجل المحرم فقط أم هو للنائم عموماً سواءً كان محرماً أو غير محرم؟(42/21)
هذا بالنسبة للمحرم، هذا بالنسبة للمحرم، ودليله حديث الرجل الذي وقصته ناقته في عرفة، وفيه: ((ولا تخمروا رأسه)) وفي بعض الروايات: ((ولا تخمروا وجهه)) وإن قال بعضهم أن هذه الزيادة غير محفوظة، لكن مادامت في الصحيح، في صحيح مسلم كتاب تلقته الأمة بالقبول ينبغي أن يتقى مثل هذا ويجتنب.
أحسن الله إليك.
من الإنترنت يقول: إن حضرت للصلاة والإمام في الركوع هل أعتبر بهذه الركعة أم لا مع حديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب؟ ))
ذكرنا سابقاً في حكم قراءة الفاتحة الخلاف فيها، وأن ما ذكرته هو رأي أبي هريرة والإمام البخاري والشوكاني أن المسبوق لا بد أن يقرأ الفاتحة كغيره، إذا لم يدرك قراءة الفاتحة ولم يتمكن من قراءتها قبل الركوع فاتته الركعة، لكن القول المعتبر عند أهل العلم أن الفاتحة ركن في كل ركعة بالنسبة لكل مصلٍ عدا المسبوق، والمسبوق مستثنى بحديث أبي بكرة الذي أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو راكع ولم يؤمر بقضاء هذه الركعة، فالمسبوق تسقط عنه الفاتحة، وفي حكمه من يصلي خلف إمام يسرع في قراءته فلا يتمكن المأموم من إكمال الفاتحة، نعم.
أحسن الله إليك.
من الإنترنت يقول: أنا شاب حديث عهد باستقامة أرجو من فضيلتكم إرشادي إلى الكتب التي تفيدني وفقكم الله؟
على كل حال الكتب المرتبة لطلب العلم معروفة عند أهل العلم، وأي عالم في بلدك بإمكانه أن يدلك على الترتيب المعروف، لكن عليك بقراءة .. ، بمداومة النظر في الكتب التي تعالج أمراض القلوب، مثل كتب ابن القيم الجواب الكافي، وإغاثة اللهفان وغيرهما من كتبه، مدارج السالكين في بعض مواضعه، هو بحاجة شديدة إلى مثل هذا، كلنا محتاجون إلى هذا، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: إن وجد مجموعة قد اصطفوا بين السواري مع وجود متسع والصفوف فارغة في المسجد فماذا أفعل؟
إذا لم تجد مكان غير هذا الصف الذي صفوا فيه بين السواري، الصلاة بين السواري مكروهة، جاء النهي عنها، فإذا لم تجد فأنت محتاج، الكراهة عند أهل العلم تزول بأدنى حاجة.
أحسن الله إليك.(42/22)
يقول: فضيلة الشيخ ذكرتم -حفظكم الله- في الليلة قبل الماضية أن الإمام إذا سها وزاد ركعة فعليه أن يجلس للتشهد الأخير، ولكن إذا زاد الإمام الركعة في الفريضة وسبح المأمومون فلم يُعِد أو فلم يَعد ..
يَعُد يعني: يرجع.
ويجلس وأتم الركعة الزائدة وتبعه المأمومون في الركعة يقول: ما حكم الركعة في حق المسبوق؟
هذه زائدة لا يدرك بها شيء، هذه زائدة والزائد باطل، والباطل لا يدرك به شيء، فإذا علم المأموم أو المسبوق أن هذه الركعة زائدة من تابع الإمام وهو يعلم أنها باطلة تبطل صلاته، والإمام إذا عرف أنها زائدة وأصر واستمر تبطل صلاته، لكن إذا غلب على ظنه أنها ليست زائدة، ولم يترجح عنده بعد التسبيح أنها زائدة واستمر فمن علم من المأمومين وجزم بأنها زائدة وتابعه على ذلك تبطل الصلاة ومثله المسبوق، لو علم المسبوق أن هذه زائدة بطلت صلاته، ولو علم بعد سلام الإمام أنها زائدة يأتي ببدلها؛ لأنها باطلة لا يدرك بها شيء من الصلاة.
فضيلة الشيخ: يقوم بعض طلاب العلم بالحضور مبكراً إلى الدرس أو المحاضرة ويقومون بوضع كتاب ونحوه في الصف الأول ثم ينصرف ويعود قبيل الدرس فيحجز المكان ما الجواب على حكم ذلك؟
إذا كان الفاصل بين حجزه المكان بالكتاب ومجيئه إلى الدرس يسير وعوده إليه قريب فلا بأس -إن شاء الله تعالى-، أما إذا كان يطول بأن يضع الكتاب الآن لدرس الغد لا يجوز، من سبق إلى مباح فهو أحق به، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: إن لم يجد المصلي ما يستر عورته فما العمل؟ هل يصلي أم ينتظر حتى يجد؟
إذا لم يجد وخشي فوات الوقت وأيس من وجود سترة قبل خروج الوقت يصلي على حسب حاله.
يقول السائل: هل يجوز لي إذا دخلت المسجد والإمام راكع أن أركع وأمشي راكعاً حتى أدخل في الصف وما هو الصحيح من الروايات في ضبط لفظ: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) يقول: إن كان الصحيح لا تَعُد، ألا يدل على النهي؟
لا تعد تدل على النهي، لكن لو فعل ما يدل على أن الصلاة غير صحيحة، الصلاة صحيحة، ويدرك بها الركعة، نعم.
أحسن الله إليك.(42/23)
يقول: ما حكم إضاعة الوقت في المباحات مثل لعب الكرة والكمبيوتر وغيرها من الملهيات، وإذا كانت محرمة ألا يكون أقل مما في البلوت من إضاعة الوقت؟
على كل حال مثل هذه الأمور يربأ طالب العلم بنفسه عنها، على طالب العلم أن يربأ بنفسه عنها، فوقته أنفس وأغلى من أن يضاع بمثل هذه الأشياء، مما يؤسف له أن كثير من طلاب العلم يضيع كثير من الأوقات التي هي هو، هو عبارة عن أنفاس، وهو عبارة عن دقائق وساعات، فإذا أضاع شيئاً من وقته معناه أنه أضاع نفسه، فعليه أن يستغل كل لحظة من حياته فيما يقربه إلى الله -جل وعلا-، ومن خير ما يصرف وتضاع فيه الأوقات العلم الشرعي والعمل به، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: فضيلة الشيخ هل يجوز للرجل كفيف البصر أن يؤم بالنساء وليس معه أحد من الرجال إنما هو الإمام والنساء هن المأمومات؟
على كل حال مثل هذه ليست خلوة، وفعله كثير من طلاب العلم فإذا أمنت الفتنة والصلاة نافلة كالتراويح مثلاً، وأمنت الفتنة مع أنه غير مرغوب فيه بالجملة، لكن إذا أمنت الفتنة والنساء لا يجدن من يصلي بهن، والمسجد يشق عليهن الخروج إليه مع أمن الفتنة، وهذا أمر لا بد من التأكيد عليه، والنسوة جمع ارتفعت الخلوة، وأمنت الفتنة، وتحققت المصلحة من أهل العلم من يرى أنه لا بأس به -إن شاء الله-، نعم.
أحسن الله إليك.
من الإنترنت يقول: هل يقال: بأن صلاة المنفرد خلف الصف واجب يسقط بالعجز عند عدم وجود مكاناً فيصلي منفرداً إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها؟
لا إذا لم يستطع مصافة أحد في الصلاة، ولم يجد مكان إلا خلف الصف يصلي منفرد.
أحسن الله إليك.
من الإنترنت يقول: أريد أن أسأل عن زواج المسيار ما حكمه أرجو التفصيل؟(42/24)
زواج المسيار هو عبارة عن زواج خالي عن الإعلان، وقد تتنازل فيه المرأة عن بعض حقوقها، فترضى باليسير من الصداق والنفقة، وقد تتنازل عن السكن، تتنازل عن القسم، فإذا اكتملت الشروط والأركان، وانتفت الموانع، وخرج عن كونه نكاحاً خفياً بالشهود، ووجد الولي والشهود، وتوافرت الأركان والشروط وانتفت الموانع من الطرفين فما زاد على ذلك فهو سنة، الإعلان سنة، لا بأس به -إن شاء الله-، لكن لا ننظر إلى بعض الصور التي يحصل فيها بعض التجاوزات فندخلها في الحكم، لا، كل صورة لها حكمها، لكن إذا لم .. ، إذا توافرت الشروط والأركان، وحصل التنازل من المرأة، والمرأة تملك هذا الأمر، والأمر لا يعدوها، ولم يبقَ بعد ذلك إلا إعلان النكاح للناس كافة مع وجود من يشهد في حال الخلاف، ويثبت به النكاح، ويثبت به النسب يكفي -إن شاء الله-؛ لأنه وجد كثير من التجاوزات من بعض الناس والتصرفات، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: ما رأيكم -حفظكم الله- في كتاب التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج للشيخ وهبة الزحيلي؟
تفسير المنير اقتنيته منذ صدوره لكن لم تتيسر لي فيه المطالعة والقراءة؛ لأنني لا أقرأ في كتب المتأخرين إلا نادراً، عمدتي كتب المتقدمين، والله المستعان، فلا أستطيع الحكم عليه.
أحسن الله إليك.
يقول: هل إعطاء الزوجة مالاً أو هبتها عقاراً يعتبر من تفضيل بعض الورثة على بعض علماً أنه ليس معها ضرة؟
ليس معها ضرة ولا يقصد من ذلك حرمان بعض الورثة من الإرث، هو الواجب التعديل بين الأولاد، أما الزوجة لا يجب التعديل بينها وبين بقية الورثة إلا بين الزوجات، فإذا لم يوجد لها ضرة، ولم يقصد بإعطائها هذا المال حرمان بعض الورثة من الإرث، ولم يكن ذلك في المرض المخوف لا بأس به -إن شاء الله تعالى-.
أحسن الله إليك.
يقول: هل يجوز منح ابني مبلغاً من المال بمناسبة نجاحه من الجامعة؟
يعني دون إخوانه؟
ما وضح.
إذا كان الهدف من هذه الهبة حث البقية على مضاعفة الجهد، وتحصيل العلم فالأمور بمقاصدها، لا بأس به -إن شاء الله تعالى-، على أن يعطي الآخرين إذا وصلوا إلى مثل هذه المرحلة.
أحسن الله إليك.(42/25)
يقول: من توضأ ثم لبس الخف وعندما جاء وقت الصلاة التالية قام بخلع أحد الخفين وغسل رجله ومسح على الخف الآخر فهل هذا جائز؟
إذا خلع أحد الخفين انتهت الطهارة، إذا خلع الخف بعد أن مسح عليه وانتقض وضوؤه ثم أراد أن يخلعه ويمسح عليه ثانية لا، لا بد أن يلبس الخف على طهارة كاملة، نقول: لبس الخف على طهارة كاملة، بطهارة القدمين، ولا يكفي طهارة قدم واحد، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: فلماذا لا يكون سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعمى بقوله: ((هل تسمع النداء؟ )) ثم قال له: ((أجب)) أنه يقصد يردد الأذان فقط وليس الذهاب إلى المسجد ما تعليقكم؟
يقصد إيش؟
يقصد يردد الأذان فقط وليس الذهاب عندما سأله: ((هل تسمع النداء؟ ))
أجب يعني ردد؟ يكون الجواب مطابق وإلا غير مطابق؟ لو قال له: أجب يعني ردد مع المؤذن والسؤال عن إيش؟ ما هو بالسؤال عن الترخيص عن حضور الجماعة؟ هل يمكن أن يتصور هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يسأل عن شيء في غاية الأهمية ويجيب بما دونه؟ نعم قد يسأل عن الدون فيجيب بما هو أهم، لكن العكس لا يمكن أن يتصور، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا سؤال من السويد من الإنترنت يقول: ما هي نصيحتكم إلى المسلم في السويد من المدرسة التي فيها النساء العاريات يقول: مع العلم أنهم متمسكون بالدين؟
وين التمسك الله. . . . . . . . .؟ الأصل أن الإقامة في بلاد الكفار حرام، والهجرة واجبة، لكن إذا لم يستطع فهو مستثنى، الذي لا يستطيع ولا بالحيلة الوصول والهجرة إلى بلاد المسلمين هو معذور، لكن عليه أن يحتاط لدينه، يحتاط لعقيدته ورأس ماله، وإذا كانت المدرسة التي يتعلم فيها بها اختلاط فتعلم العلم مندوب إليه إذا كان علم شرعي، مندوب إليه، ومع وجود المحرم لا يجوز بحال من الأحوال أن يختلط بالنساء لتحصيل المندوب، لا شك أن المندوب الذي لا يتوصل إليه إلا مع ارتكاب المحظور ينقلب محظور، والله المستعان نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: هل فضل صلاة الجماعة خاص للرجال فقط دون النساء؟(42/26)
نعم؛ لأن فضل .. ، أفضل صلاة المرأة في بيتها، بيتها خير لها، فتفضيل صلاة الجماعة إنما هو بالنسبة للرجال المطالبين بالجماعة، أما النساء فلا، بيتها خير لها، وفضل الله -جل وعلا- أوسع وأرحب من أن يحد بعدم التفضيل بالنسبة للنساء في بيوتهن، يعني لو قيل: إنه يحصل للنساء في بيوتهن ما يحصل للرجال في المساجد جماعة لما بعد، فضل الله واسع لا يحد.
أحسن الله إليك.
يقول السائل من الإنترنت: شخص لديه -أكرمكم الله- كلب للحراسة، فما حكم لمس هذا الكلب هل يغسل سبع مرات؟ وهل إذا أتى الكلب على الفرش والمساند وتمسح في ثوب صاحبه وأمسك به أطفاله هل يجب الغسل سبعاً؟
حراسة إيش؟ حراسة زرع، حراسة ماشية، كلب صيد، هذا مأذون فيه، وما عدا ذلك فلا، ينقص من أجره كل يوم قيراط، وفي رواية: "قيراطان"، فالمأذون به كلب الصيد، كلب الزرع، كلب الماشية فقط، وما عدا ذلك لا يجوز اقتناؤه، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: بعد أن من الله -عز وجل- علي بالاستقامة وترك المعاصي إلا معصية واحدة سرعان ما أتوب منها وأرجع إليها، يقول: ثم أعود ولم أستطع تركها نصيحتكم؟
ما بين ويش هي المعصية؟
لا.
على كل حال عليه أن يقلع عن هذه المعصية، ويعزم على عدم العود إليها، ويندم ويتوب إلى الله -جل وعلا-، ويصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، ويعينه على التوبة منها -إن شاء الله تعالى-.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: إذا كان الإمام يصلي بسرعة ولم ألحق أن أقرأ الفاتحة كاملة، فلما أكملت الفاتحة كان الإمام قد رفع من الركوع فهل أتابع الركوع ثم القيام وهل علي إعادة الركعة علماً بأني بدأت الصلاة مع الإمام بتكبيرة الإحرام؟
فاتته الركعة، إذا فاته الركوع فاتته الركعة، وعليه أن يأتي بركعة بدلها إذا سلم الإمام، لكن لو ركع مع الإمام وأدرك الركعة وصار في حكم المسبوق سقط عنه ما بقي من الفاتحة، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: ما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث يزيد بن الأسود للرجلين: ((فإنها لكما نافلة)) قوله: ((نافلة)) ما المقصود بها؟ وهل يمكن القول أنه يوجد في ديننا نافلة يجب فعلها؟(42/27)
هي نافلة، النافلة غير واجبة، فلا يأثم بتركها، وتصريحه -عليه الصلاة والسلام- بأنها نافلة صارف لأمره بقوله: ((فصليا)) من الوجوب إلى الاستحباب.
أحسن الله إليك.
هذه السائلة تقول: قبل أيام نزل دم بسيط في موعد ...
لكن علينا أن نفرق بين أمره -عليه الصلاة والسلام- وأمر غيره، يعني المواجهة منه -عليه الصلاة والسلام- بالأمر فقال: ((صليا)) هي في الأصل نافلة لا يأثم بتركها، لكن لو كانت المعاندة له -عليه الصلاة والسلام- موجهة بالمخالفة معصية بلا شك؛ لأن مواجهة النبي -عليه الصلاة والسلام- بمخالفة الأمر معصية، ويبقى أن الأصل في هذا الأمر الاستحباب، يعني لو قال شخص .... : صلِ يا أخي، وقال: والله ما أنا مصلي، إحنا صلينا وعلينا .. ، الفريضة انتهت وهذه نافلة. . . . . . . . .
تقول السائلة: قبل أيام نزل دم بسيط في موعد الدورة الشهرية، وكان في وقت صلاة العصر، ولم تصل صلاة العصر والمغرب والعشاء، وبعد ذلك لم ينزل منها دم فتوضأت وصلت ما فات، وبعد ذلك في نفس الليلة نزل دم بسيط في الليلة نفسها ثم توقف لمدة ثلاثة أيام، ولم ينزل منها شيء، ولما قامت بالتحليل وجد احتمال حمل ماذا تفعل فيما فات؟
عليها أن تقضي ما فات، ما دام وجد الحمل، الحامل لا تحيض، الحامل لا تحيض، فعليها أن تقضي ما تركته من الصلوات.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: ألا يمكن أن يقال –أحسن الله إليكم- أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة في مسجدي هذا)) أن لفظة: (صلاة) نكرة في سياق الامتنان فتفيد العموم، أي فرضاً كانت الصلاة أم نفلاً، ويجاب في هذا على من قال بأن التضعيف خاص بالفرض؟(42/28)
لكن كيف نجيب عن قوله: ((صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة)) مع قوله هذا؛ لأن التضعيف في مسجده -عليه الصلاة والسلام- خاص بالمسجد، لا يشمل المدينة كلها، كما قيل في مكة، هو خاص بالمسجد، أما بالنسبة للمسجد الحرام فمكة كلها حرم عند الجمهور، والتضعيف شامل للبيوت، أما بالنسبة للمدينة والحديث قيل في المدينة صلاته النافلة في بيته أفضل من صلاته في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كيف نجيب عن هذا؟ هل نقول: صلاته في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- الفريضة بألف صلاة، وصلاته في بيته أفضل من هذا التضعيف أيضاً؟ وهو يقول: ((في مسجدي)) التضعيف في مسجده، يمكن أن يقال؟ ويرد على هذا هذا، وهو من أقوى ما يستدل به من يرى أن التضعيف خاص بالفرائض، وإن كان اللفظ يمكن حمله على العموم باعتباره سياق امتنان، كما في قوله -جل وعلا- {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [(68) سورة الرحمن] هذه من صيغ العموم؛ لأنها في سياق الامتنان، نعم.
أحسن الله إليك.
بالنسبة للسؤال السابق -أكرمكم الله- عن الكلب هذا توضيح من السائل يقول: بالنسبة لكلب الحراسة هو كلب لحراسة الماشية، لكن هل إمساكه ليس به نجاسة؟
ما دام كلب لحراسة الماشية فهو مأذون به، ولا إثم في اقتنائه، يبقى الخلاف بين أهل العلم في نجاسة عينه، مادام هو يابس، فاليابس عند أهل العلم لا ينجس اليابس، لكن إذا ابتل أو ابتلت اليد أو ابتل ما يلامس هذا، فالجمهور على أنه نجس ينجس لا بد من غسله، وإن قال الإمام مالك -رحمه الله- بطهارته.
أحسن الله إليكم.
يقول السائل: يوجد عندنا مدرس مواد دين ومنها القرآن الكريم، وعند تسميع الطلاب للقرآن الكريم إذا أخطأ الطالب قال له المعلم: أنت فاجر، هو فاجر، هو منحرف عن الصراط، وقد يصل إلى الكفر، فماذا عليه؟ وما حكم ذلك؟
أعوذ بالله، لا، هذا تشديد ليس بمكانه، يقول: فاجر لأنه أخطأ، لمجرد أنه أخطأ؟ أسلوب غير لائق، لا شرعاً ولا تربية ولا عرفاً أيضاً، لا، لا هذا خلل في العقل، هذا خلل في التصور، نعم.
أحسن الله إليك.(42/29)
يقول السائل: فضيلة الشيح -حفظكم الله- يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله)) فليس هذا الحديث كافٍ لترك قيام الليل أو صلاة ركعة واحدة فقط؟
هذا لا يقتضي ترك قيام الليل، إذن قد يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس كفارات لما بينهن، الجمعة إلى الجمعة، رمضان إلى رمضان)) يقول: ما دام يكفر لي من رمضان إلى رمضان ليش أصلي الصلوات الخمس؟ ومادام يكفر لي ما بين هذه الصلوات لماذا أفعل الواجبات الأخرى؟ النصوص لا يضرب بعضها ببعض، وإنما هذا من مزيد فضله -جل وعلا- على عباده، هذا مما يضاعف به الأجور، والتشبيه تشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي الاتفاق المشبه بالمشبه به من كل وجه، لا يقتضي هذا، فقراءة القرآن، قراءة الحروف التي تشتمل على ثلاثة ملايين حسنة، هل معنى هذا أن من قرأ قل هو الله أحد يحصل له مليون حسنة؟ أقول: التشبيه تشبيه الشيء بالشيء في النصوص لا يقتضي تشبيهه من كل وجه، وقد جاء تشبيه المحمود بالمذموم، يعني من الوجه المحمود؛ لأن المذموم يشتمل على أكثر من وجه، فجاء تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، والجرس مذموم، الجرس له أكثر من وجه، وجه محمود ووجه مذموم، يشبه الوحي بالوجه المحمود دون الوجه المذموم، على كل حال التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا السؤال من الإنترنت من السويد أيضاً: يقول السائل: أكون أحياناً في الدراسة وتأتي صلاة الظهر والعصر فأصليها هناك بأن أتخير لي مكاناً منعزلاً فأصلي فيه، لكن أحياناً مع الخوف والاضطراب قليلاً وعدم الطمأنينة كأن يأتي أحد مثلاً ويقطع علي الصلاة وكذا، وقبل ذلك لم أكن أعرف القبلة وبعد فترة من الزمن عرفت فكيف الآن؟ هل أعيد الصلوات كلها التي صليتها قرابة سنة لعدم وجود مسلمين أسألهم تعذر علي ذلك؟
على كل حال بلدان الكفار التي ليس فيها محاريب إسلامية، ولا يوجد فيها ثقات من أهل المعرفة والخبرة بالقبلة تشبه البراري والقفار، إذا اجتهد يصلي حسب ما يؤديه إليه اجتهاده وصلاته صحيحة ولا يلزمه إعادتها، نعم.
أحسن الله إليك.(42/30)
يقول: هناك من لديه موهبة تقليد الأئمة خصوصاً المعروفين، هل هذا يدخل في الغيبة لهم؟ وما حكم من يصلي ويقلد أحد الأئمة سواءً بتكلف أو بغير تكلف؟
يعني يقلده في أدائه للقراءة؟
نعم.
إذا لم يكن هناك تكلف وأعجبه صوت هذا القارئ صار يقلده؛ لأنه متقن ضابط للقراءة، ومؤثر في السامع من هذه الحيثية لا يظهر فيه وجه المنع أبداً، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا السؤال من الإنترنت يقول: ما حكم مشاهدة الكرة في التلفاز؟
أقل ما فيها تضييع الأوقات، ومشاهدة العورات هذا على القول بأن الكرة غير محرمة، أما من يحرمها -وقد قال به بعض العلماء- فمشاهدة الحرام حرام، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا السائل يقول: كيف تكون تسوية الصفوف في الحرم لا تكاد ترى صفاً واحداً مرصوصاً؟
على كل حال المشقة تجلب التيسير، فإذا لم يتمكن من وجود صف تام مستقيم متراص لا يتخلله أعمده ولا سواري يصلي حسب استطاعته، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا السائل يقول: فضيلة الشيخ نشهد الله أننا نحبك في الله، ونسأل الله أن يجمعنا بك في الجنة، يقول: سؤالي هو هل الصلاة المكتوبة في داخل سور المسجد بالحرم النبوي لها الأجر الوارد في الحديث؟
نعم التوسعة لها حكم الأصل، وإن كان بعض أهل العلم يستدل بقوله: ((هذا)) الإشارة إلى القائم في الأعيان أنه لا يشمل التوسعة، لكن فضل الله واسع، مادام هذا مسجد وزيد فيه ما زيد، ويطلق عليه أنه مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- فضل الله واسع، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: كيف تكون الصلاة في حال القعود نرجو شرح كيفية ذلك لأن الكثير يجهلون؟
في حال القعود الذي لا يستطيع القيام يصلي قاعداً ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) في حال القعود في ركن القيام الذي هو ركن القراءة والرفع من الركوع مثل هذا يجلس متربعاً على المختار، وما عدا ذلك من الجلوس بين السجدتين والتشهد يفترش، ينصب رجله اليمنى ويفترش اليسرى، وفي التشهد الأخير يتورك ويومئ بالركوع ويسجد إن استطاع على الأرض وإلا يكفي أن يكون سجوده أخفض من ركوعه، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: هل صحيح أنه إذا غاب الإمام فإن الأولى بالإمامة المؤذن ولو كان هناك أقرأ منه من المأمومين؟(42/31)
لا، هذا ليس بلازم، يستوي الجميع، الأقرأ هو الأولى؛ لأن الحق معلق بالإمام نفسه، والمؤذن أملك بأذانه وإقامته، والإمامة يملكها الإمام، نعم إذا كان هناك نيابة من الإمام للمؤذن اكتسب الحق من إنابة الإمام، أما إذا لم ينبه الإمام فشأنه شأن غيره، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: ما حكم ترك الرجل مسجد الحي والذهاب إلى مسجد بعيد بحثاً عن إمام ذي صوت حسن هل يجوز ذلك خصوصاً في رمضان؟
نعم إذا كان القصد منه التأثر بقراءة هذا الإمام والإقبال على الصلاة لا بأس به -إن شاء الله-، يبحث عن الأنفع لقلبه، ما لم يوجد هناك شحناء وبغضاء وتناحر بين الجيران، وحمل في النفوس، فالجماعة إنما شرعت لإزالة مثل هذا، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: بعض المساجد يوجد على جوانب الصفوف من اليمين والشمال طريق عبارة عن بلاط في خط مستقيم إلى آخر المسجد فهل يعتبر هذا الطريق فرجة علماً أن الناس لا تصلي فيه؟
إن كان مما يحتاج إليه للاستطراق فليس بفرجة، إن كان ما يحتاج إليه، يستطرقه الناس ويمشون معه، بأن كان طريقاً من الباب إلى الصفوف فليس بفرجة، وإن كان مما لا يحتاج إليه فهو فرجة، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: أيهما يقدم الأقدم في السن أو الأقدم في السلم -يعني الإسلام- وأي الروايتين أرجح؟
لكل منهما وجه في التقديم، وهما روايتان في موضع واحد، هذه بدل هذه، نعم وراية: "السلم" أرجح من رواية: "السن"، على أن رواية السن لها ما يؤديها من النصوص الأخرى بتقديم الكبير في الصلاة وغيرها، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: إذا كان الإمام يطيل في السكتة التي يأتي فيها بدعاء الاستفتاح فهل للمأموم أن يشرع بقراءة الفاتحة قبل الإمام؟
نعم إذا أنهى قراءة الاستفتاح، أنهى دعاء الاستفتاح يتعوذ، ويبسمل، ويقرأ الفاتحة، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: إذا جاز ذلك ثم بدأ الإمام بقراءة الفاتحة هل يتم المأموم فاتحته أم يقف؟
إن تمكن من قراءتها في سكتات الإمام فهو أولى ليخرج من الأقوال التي لها حظ من النظر بيقين، وإن لم يمكن فليكمل على أي حال، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: المبلغ في المسجد إذا كان يصلي في مكان منعزل عن المأمومين فهل تصح صلاته؟(42/32)
إذا كان معه من يصافه داخل المسجد صلاته صحيحة، لكن انفراده عن المأمومين وتأخره عن مكان إقامة الصلاة لا شك أنه مفضول، وإلا فصلاته صحيحة.
أحسن الله إليك.
يقول: نحن مقيمون وصلينا العشاء خلف إمام مسافر يصلي المغرب ما حكم التشهد الثالث في صلاة العشاء التي صلينا؟ وهل الأفضل أن نأتم به -أي المسافر- أم يؤم الصلاة بنا أحد المقيمين؟
إن انتظرتم إلى أن يسلم هذا المسافر وأديتم الصلاة خلف المقيم على الوجه المشروع الكامل فلا بأس، وإن صليتم معهم وجلستم للتشهد معه، فإذا سلم جئتم بالركعة الرابعة فلا بأس، والتشهد الزائد هذا لا أثر له إنما ثبت تبعاً للإتمام بهذا الإمام، وأهل العلم يقولون: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، لكن لو جلس شخص مقيم يصلي العشاء، وجلس بين الثالثة والرابعة وتشهد عن عمد بطلت صلاته، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: من يأتي من سفر وقد صلى جمع تقديم هل يعيد الصلاة التي يدركها في بيته وقد قدمها؟
متى جاء؟ من جاء إيش؟
يقول: من يأتي من سفر وقد صلى جمع تقديم
طيب.
هل يعيد الصلاة؟
صلى المغرب والعشاء والعذر قائم الوصف الذي هو السفر الذي علق عليه جواز الجمع قائم، فعل ما أمر به، وما أذن له فيه، فإن أعادها كمن صلى في رحله.
لو لم يعد يا شيخ وصل وأذن للعشاء وهو في بيته؟
ما عليه، ما دام صلى الصلاتين في وقت مأذون له، والوصف قائم، مأذون له أن يصلي فيه لا بأس ...(42/33)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (29)
شرح: باب: صلاة المسافر والمريض
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
يقول -هذا كتب تنبيه- يقول: إن بعض الشباب يصورون المشايخ بالجوالات يصورنهم بالجوالات؟
الآلة التي في الجوال آلة تصوير، والتصوير المترجح عندي في أمره أنه بجميع صوره وأشكاله وآلاته داخل في التحريم، فعلى هذا لا يجوز تصوير ذوات الأرواح بأي آلة كانت، فعلينا أن نتقي الله -جل وعلا- في أنفسنا، وأننا محاسبون فيما نأتي وفيما نذر، ولا أبيح لأحد كائناً من كان أن يصورني؛ لأن هذا هو المترجح عندي لا أجيز لأحد أن يصورني، والله المستعان.
باب: صلاة المسافر والمريض:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول شيخ الإسلام ابن حجر -رحمه الله-: "باب: صلاة المسافر والمريض:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين, فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر" متفق عليه.
وللبخاري: "ثم هاجر ففرضت أربعاً, وأقرت صلاة السفر على الأول".
زاد أحمد: "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة".
وعن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم, ويصوم ويفطر" رواه الدارقطني, ورواته ثقات، إلا أنه معلول، والمحفوظ عن عائشة -رضي الله عنها- من فعلها, وقالت: "إنه لا يشق علي" أخرجه البيهقي.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)) رواه أحمد, وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وفي رواية: ((كما يحب أن تؤتى عزائمه)).
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين" رواه مسلم.
وعنه قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة" متفق عليه, واللفظ للبخاري.(43/1)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر" وفي لفظ: "بمكة تسعة عشر يوماً" رواه البخاري، وفي رواية لأبي داود: "سبع عشرة"، وفي أخرى: "خمس عشرة".
وله عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-: "ثماني عشرة".
وله عن جابر: "أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" ورواته ثقات إلا أنه اختلف في وصله".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة المسافر والمريض" يعني كيف يصلي المسافر والمريض؟ صلاة المقيم الصحيح معروفة فكيف يصلي المسافر؟ هل يطالب بما يطالب به المقيم ومثله المريض؟ وهل يطالب بما يطالب به الصحيح السليم؟ أو لكل ظرفه والشرع يراعي الظروف والأحوال في التكاليف؟(43/2)
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين" أول ما فرضت، فرضت الفرض يأتي بمعنى التقدير، ومنه الفرائض المقدرة في كتاب الله -عز وجل-، ويراد به الإيجاب والإلزام، فهل معنى: "أول ما فرضت" يعني أول ما قدرت الصلاة ركعتين؟ أو أول ما فرضت يعني أوجبت الصلاة ركعتين؟ الأول قول الجمهور، وهو أن أول ما فرضت يعني قدرت الصلاة، وليس هذا على سبيل الإيجاب، قدرت، والحنفية يرون أن معنى فرضت: أوجبت، ليستمر هذا الإيجاب أو هذا الوجوب بعد أن أقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر، وبناءً على هذا فالجمهور على أن القصر -قصر الرباعية ركعتين- في السفر عند الجمهور رخصة، ويقول بعضهم: إنه عزيمة لكن لا على سبيل الوجوب، وعند الحنفية القصر في السفر واجب، فرضت أوجبت، واستمر هذا الإيجاب بعد ذلك واستمر ولم ينسخ ولم يغير إنما الذي غير صلاة الحضر، الحنفية يرون وجوب القصر في السفر استدلالاً بهذا الحديث، والجمهور أدلتهم كثيرة {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ورفع الجناح يقتضي رفع الإثم، ومجرد رفع الجناح لا يقتضي الوجوب، هل يلتزم الجمهور بمثل هذا الكلام في رفع الجناح بالنسبة للسعي؟ وهل يقول الحنفية في آية السعي مثل ما يقولون في آية القصر؟ عندنا دلالة الحديث محتملة؛ لأن الفرض يحتمل معنيين، الفرض الذي هو بمعنى التقدير، والفرض بمعنى الإيجاب، قد يقول قائل: إن القصر في الآية مع كونه رفع فيه الجناح وهو الإثم مشروط بالخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وهذا شرط وعلى هذا السفر وحده لا يستقل بالقصر، بل لا بد معه خوف، والذي استقر عليه عمل الأمة جواز القصر في السفر ولو من دون خوف، وهي صدقة تصدق الله بها، فلتقبل صدقته، وهذا من الأحكام التي شرعت لسبب، وارتفع السبب وبقي الحكم، فعل سبب ارتفع السبب وبقي الحكم كالرمل في الطواف، استمر الحكم وإن كان السبب ارتفع.(43/3)
انتهينا من اشتراط الخوف، وأن القصر صدقة تصدق الله بها كما قال عمر -رضي الله عنه-، وقصر النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقصر أصحابه من بعده من غير خوف، فدل على أن السبب ارتفع وبقي الحكم.
نأتي إلى ما تفيده الآية: الجمهور يقولون: إن الآية مفادها رفع الجناح، ورفع الجناح وهو الإثم لا يقتضي لزوم القصر، والحنفية يقولون بوجوب القصر مع أن الآية تنص على أنه لا جناح، إذا جئنا إلى آية السعي {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] الجمهور على أن السعي ركن، السعي ركن خلافاً للحنفية والحنفية يقولون: إن رفع الجناح لا يقتضي الوجوب في آية السعي.(43/4)
إذن المعول في الحكمين على النصوص المفسرة للآيتين، فالجمهور عندهم ما يدل على ركنية السعي مما يجعل الآية تفيد وجوبه بل ركنيته، والمناظرة بين عائشة وعروة في آية السعي معروف، وأن سبب نزول الآية أنهم كانوا يتحرجون من السعي بين الصفاء والمروة؛ لأن العرب قبل الإسلام يسعون بينهما بين صنمين فتحرجوا من شرعية السعي، فرفع هذا الحرج وهذا الجناح بالآية، قل مثل هذا في قوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] الذي يتعجل لا إثم عليه، والذي يتأخر لا إثم عليه، هل الحاج جاء لمجرد رفع الإثم لبقائه أو استعجاله أو جاء طلباً للمغفرة؟ ((من حج فلم يرفع ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) والمعنى المعتمد في الآية أنها مطابقة للحديث، يستوي في ذلك من تأخر ومن تعجل شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه، فإذا اتقى الله في حجه لا إثم عليه، يرتفع الإثم عنه، فيرجع مغفوراً له سواءً تعجل أو تأخر، شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه، ولا نقول: إن التقوى شرط للتأخر دون التعجل، لا، لأن بعض الناس قد يفهم هذا، فلا إثم عليه، {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [(203) سورة البقرة] يعني يرتفع عنه الإثم الذي ارتكبه قبل حجه، شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه سواءً تعجل أو تأخر، ويكون مفاد الآية هو مفاد من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لأن رفع الجناح الأصل فيه ورفع الإثم الأصل فيه أن يرجع كفاف لا له ولا عليه، يعني لم يستفد من هذه العبادة إذا قلنا: إنه مجرد رفع إثم، والمراد تقريره سواءً كان في الآية أو في الحديث بيان فضل الحج.
الحنفية يستدلون بهذا الحديث على وجوب القصر، والجمهور يستدلون بهذا الحديث على عدم وجوب القصر، معنى الحديث محتمل، والحديث محتمل للمعنيين، والحنفية مشوا على أصل الفرض وهو الإيجاب، والجمهور أيدوا ما ذهبوا إليه بالأدلة اللاحقة -إن شاء الله تعالى-.(43/5)
نأتي إلى الحنفية نقول: القصر عندكم واجب وإلا فرض؟ ويش يقولون؟ واجب، ليش ما يصير فرض؟ فرضت الصلاة خلاص، تستدلون بفرضت ولا تقولون: فرض؟ نقول: لهم اصطلاح خاص في التفريق بين الفرض والواجب.
الآية المقررة لمشروعية القصر قطعية الثبوت لكن دلالتها على الإلزام ظنية عندهم، والحديث من الأصل، ظني الدلالة والثبوت، إذن قصر الصلاة في السفر واجب وليس بفرض عندهم، والحديث كما تقول عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين" لمخالفة الاصطلاح للفظ الشرعي.(43/6)
سبق أن ذكرنا أن زكاة الفطر عندهم واجبة وليست بفرض مع قول الصحابي: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر" وبينا أن أهل العلم لهم اصطلاحات، وينبغي أن تكون هذه الاصطلاحات موافقة للألفاظ الشرعية، حينما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) ويقول: جماهير العلماء أنه ليس بواجب، هل نقول: هذه محادة للنص، خيار الأمة الأئمة كلهم نقول: هذه محادة للنص، مصادمة، الرسول يقول: واجب تقولون: ما هو بواجب، نقول: هذه اختلاف في الحقائق، حقيقة شرعية وحقيقة عرفية، عرف خاص عند أهل العلم، لو يقول شخص هذا مر مراراً تعرضنا لها، لو يقول شخص: أنا ما رأيت في عمري جمل أصفر، والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] نقول: هذه معاندة مصادمة؟ هو نظر إليهم من ناحية الحقيقة العرفية الأصفر بهذا اللون اللي هو الأصفر هذا في جمل بهذا اللون؟ نعم، في جمل؟ لو تأتي إلى أعرابي تقول له: جمل كالبيج هذا؟ يعني يسفهك، يضحك عليك، الحقيقة العرفية عنده تختلف عن الحقيقة العرفية عندك، فنظراً لاختلاف هذه الحقائق يسهل الأمر، ولا يكون هناك مصادمة ومعاندة؛ لأنه مع انفكاك الجهة يهون الأمر ينظر كل شخص إلى الشيء من زاوية معينة، بخلاف ما إذا اتحدت الجهة، فإذا اتحدت الجهة لا مندوحة من لزوم الألفاظ الشرعية، مع أنه كلما قربت الاصطلاحات العلمية الشرعية مع ألفاظ الشرع هو المطلوب، يعني العزيز عند أهل العلم تعريفه؟ ما يتفرد بروايته اثنان ولو في طبقة من طبقات الإسناد، والله -جل وعلا- يقول: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] إيش. . . . . . . . .؟ العزيز مروي الثلاثة، نعم كلما قربت الاصطلاحات العلمية للألفاظ الشرعية هو الأولى، لكن إذا نظرنا في اصطلاحات أهل العلم وجدنا شيء من هذه الفوارق، ومردها اختلاف الحقائق العرفية، العرف الخاص عند أهل العلم مع الحقائق الشرعية، وبينا أنه قد يأتي في الشرع للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية.(43/7)
على كل حال رأي جمهور أهل العلم أن القصر في السفر رخصة، والله -جل وعلا- كما سيأتي في الحديث يحب أن تؤتى رخصه، فهل الراجح القصر أو الإتمام؟ هذا ما سيأتي ذكره في الحديث اللاحق -إن شاء الله تعالى-.
أقرت صلاة السفر على أنها ركعتين، والمراد بذلك ما عدا المغرب، وأتمت صلاة الحضر، يعني أقرت صلاة السفر على الفرض الأول ما عدا المغرب، وأتمت صلاة الحضر أربع ركعات ما عدا الصبح.
"وللبخاري: "ثم هاجر ففرضت أربعاً -ففرضت أربعاً- وأقرت صلاة السفر على -الفرض- الأول" ركعتين.
"زاد أحمد" يعني من حديث عائشة -رضي الله عنها-: "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة"، "إلا المغرب فإنها وتر النهار" كيف وتر النهار؟ المغرب قبل غروب الشمس وإلا بعده؟ بعد الغروب إذن هي وين تقع في النهار وإلا في الليل؟ المغرب ليلية وإلا نهارية؟ ليلية، إذاً كيف تكون وتر النهار؟ كيف تكون وتر النهار وهي بعد غروب الشمس؟ ووتر صلاة الليل هل يقع في الليل وإلا في النهار؟ نعم، في الليل، وتر صلاة النهار يقع في الليل وإلا في النهار؟ هنا: "إلا المغرب فإنها وتر النهار" نعم؟ هي ليلية بلا شك، لوقوعها بعد صلوات النهار كأنها ختمت بها صلاة النهار، وهي وتر، يعني نظير ما يقال: رمي جمرة العقبة تحية منى، طيب جمرة العقبة داخل منى وإلا خارج منى؟ على الخلاف هل هي داخل وإلا خارج؟ الذي يقول: هي خارج منى كيف نقول: إن رمي جمرة العقبة تحية منى؟ يقول: نعم تحية ولو كانت خارج، الطواف تحية البيت وهو خارج البيت، نعم.
على كل حال: "إلا المغرب فإنها وتر النهار" لأنها تعقبت صلوات النهار وجاءت بعدها فكأنها ختمت بها كالوتر.(43/8)
"وإلا الصبح, فإنها تطول فيها القراءة"، "وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة" ولذا عبر عنها بالقرآن، كما في قوله -جل وعلا-: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] ويكون المقصود بذلك صلاة الصبح؛ لأنه أطول أجزائها، القراءة أطول الأجزاء، فعبر بالجزء عن الكل، بالجزء الأعظم عن الكل، وشأن صلاة الصبح وكونها مشهودة أمر لا يخفى، جاءت به النصوص، وجاء التشديد فيها، وأن من صلاها في جماعة كان في ذمة الله حتى يمسي، وأنها أثقل الصلوات على المنافقين، ومن أراد بيان هذا الأمر فليرجع إلى طريق الهجرتين لابن القيم، لما شرح ابن القيم حال المقربين وأنهم يتقدمون إلى صلاة الصبح، ويحرصون أن يكونوا قرب الإمام، ليقبلوا على صلاتهم، ويسمعوا قراءة إمامهم، وبين أن لها شأناً عظيماً على طالب العلم أن يرجع إليه في طريق الهجرتين لابن القيم.
"إلا المغرب" يعني فإنه لا يزاد على ثلاث ركعات لأنها وتر النهار، والوتر ينبغي أن يكون مقطوعاً على وتر، واحدة أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، فهذه لا يزاد فيها بل تبقى على ثلاث فتكون وتراً.
وإلا الصبح فإنها لا تزاد ولم تزد عن ركعتين؛ لأنها تطول فيها القراءة، فطول القراءة هي عوض عن جعلها أربع ركعات كالظهر والعصر والعشاء.
الحديث الذي يليه: حديث عائشة -رضي الله عنها-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم, ويصوم ويفطر" رواه الدارقطني, ورواته ثقات إلا أنه معلول" إلا أنه معلول، إذا كان الحديث رواته ثقات هل يلزم من ذلك أن يكون متنه صحيحاً؟ وإذا كان الرواة غير ثقات هل يلزم من ذلك أن يكون المتن ضعيفاً؟ وعلى هذا يقال: هل هناك تلازم بين السند والمتن؟ هنا يقول: "رواته ثقات إلا أنه معلول" ..
طالب:. . . . . . . . .
من هو أوثق منه؟ طيب فإذا خالف؟ يعل بالمخالفة، يحكم عليه حينئذٍ بالشذوذ.(43/9)
الأسانيد للمتون لا شك أنها كالقوائم لا تمشي المتون إلا بالأسانيد، حديث لا إسناد له لا قيمة له، لكن قد يوجد للحديث إسناد، والإسناد صحيح والرواة ثقات، لكن المتن غير صحيح، قد يهم الراوي الثقة قد يخطئ فيخالف من هو أوثق منه، كما أنه قد يروى الخبر بسند فيه كلام ويصح المتن فلا تلازم، قد يصح المتن لوروده من طرق أخرى، فلا تلازم حينئذٍ بين صحة المتن وصحة السند.(43/10)
"إلا أنه معلول" يقول: "والمحفوظ" المحفوظ يقابله؟ نعم؟ الشاذ؛ لأن عندنا محفوظ يقابله إيش؟ الشاذ، وعندنا معروف يقابله المنكر، فالذي يقابل المحفوظ هو الشاذ، إذن الطريق الأول رواته ثقات إلا أنه شاذ، والمحفوظ الذي يقابل الشاذ "عن عائشة من فعلها" يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرواية الأولى: "هو كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، ويقرر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتم في السفر، ولم يصم في السفر، فيقول كما .. ، فيما نقله ابن القيم في زاد المعاد: "هو كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، "والمحفوظ عن عائشة -رضي الله عنها- من فعلها، وقالت: "إنه لا يشق علي" أخرجه البيهقي"، لا يشق علي، وهل عدم المشقة مبرر لفعل المخالفة أو أنها تقول في القصر رخصة والإتمام لا يشق عليها؟ والأصل الإتمام فتتم، ابن عمر لما أشار عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقرأ القرآن في شهر، وقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، ثم اقرأ القرآن في الشهر متين، ثلاثاً، اقرأ القرآن في سبع ولا تزد، وزاد على ذلك، ابن عمر فهم أن نهيه عن قراءة القرآن في أقل من سبع أنه للإشفاق عليه، من أجل الإشفاق عليه، ما دام ما يشق عليه والمسألة تحصيل ثواب؛ لأن من قرأ القرآن كان له بكل حرف عشر حسنات، كان له بكل حرف عشر حسنات، ومعلوم أن الذي يقرأ القرآن في ثلاث يحصل من الحسنات أكثر ممن يقرأ القرآن في سبع، ومادام النهي عن الزيادة إرفاقاً به يطلب الزيادة من الأجر، وهنا قالت: "إنه لا يشق علي" فالأصل الأربع ركعات، خفف عن المسافر للمشقة ولا مشقة علي، وأتمت، ثبت عن عائشة أنها أتمت، وثبت عن عثمان أنه أتم، وعائشة تأولت كما تأول عثمان -رضي الله عن الجميع- لكن يبقى أن الأفضل هو القصر؛ لأنه لم يحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أتم في السفر، أنه أتم في السفر.(43/11)
ابن القيم يقول في الرواية الأولى: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقصر في السفر وتتم" يعني عائشة ويصوم وتفطر، ويصوم وتفطر، وبعضهم يربأ بأم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- أن تخالف النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي معه، وهذه الرواية يؤتى بها نعم لتتفق مع ما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يتم البتة.
على كل حال بالنسبة للصيام ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، ثبت عنه أنه صام وأفطر، صام وأفطر، لما بلغ كراغ الغميم أفطر، ثبت عنه الصيام في السفر، لكن المسألة مسألة إتمام الصلاة هي التي معنا الآن.
بعد هذا حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يحب)) " وفي هذا إثبات المحبة لله -جل وعلا-، وفي الشق الثاني إثبات الكراهية، وأن الله -جل وعلا- يكره، يحب ويكره على ما يليق بجلاله وعظمته من غير مشابهة للمخلوق، ((يحب أن تؤتى رخصه)) يعني إذا كان المخلوق يسره أن تقبل هبته وهديته فكيف بالخالق الكريم المتفضل؟! ((يحب أن تؤتى رخصه)) الرخصة عند أهل العلم: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، فعندنا القصر رخصة، الفطر في السفر رخصة، المسح ثلاثة أيام رخصة، أكل الميتة للمضطر رخصة، كل هذا ثبت على خلاف الأصل، خلاف الدليل الشرعي، الأصل الإتمام، الأصل مسح يوم وليلة؛ لأن الغالب حال الإقامة فتكون هي الأصل، الأصل هي الإقامة، والسفر أمر طارئ على خلاف الأصل، وهذه الرخصة جاءت على خلاف الأصل المقرر لمعارض راجح للأدلة الثابتة في حقها.(43/12)
ومنهم من يقول: إن الرخصة مادام ثبتت بدليل مستقل لا يقال: إنها على خلاف الدليل الشرعي، بل هي على وفق الدليل الشرعي، إذن كيف نفرق بين الرخصة والعزيمة؟ الرخصة على ما ذكرنا: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، والعزيمة: ما ثبت على وفق الدليل الشرعي مع عدم المعارض، مع عدم المعارض، الذي ينكر أن تكون الرخصة على خلاف الدليل الشرعي، هي وإن خالفت دليل إلا أنها وافقت دليل، كيف نقول: هذه على خلاف وهذه على وفق؟ الكل موافق، إذا قلنا بهذا كيف نفرق بين الرخصة والعزيمة؟ الرخصة ما فيه سهولة، تسهيل وتيسير بخلاف العزيمة، العزيمة جاءت على الأصل في التكاليف وأنها إلزام ما فيه كلفة، والرخصة تقليل لهذه التكاليف وتسهيل وتيسير على المكلف.
((إن الله يحب أن تؤتى رخصة كما يكره أن تؤتى معصيته)) هل في الحديث ما يدل على تفضيل الرخصة على العزيمة؟ في الحديث: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصة ... يكره أن تؤتى معصيته)) (( ... يحب أن تؤتى عزائمه)) هل في هذا تفضيل على العزائم على الرخص أو على العكس؟ يعني كما يحب أن تؤتى عزائمه، يعني كونها جاءت قبل، يعني محبة العزيمة هو الأصل المشبه به، ومحبة الرخصة فرع مقيس عليه مشبه، والأصل أن المشبه أقل من المشبه به، فهو مشبه، شبهت الرخص في محبة الله -جل وعلا- لها وإتيانها بالعزائم في محبة الله -جل وعلا- لها وإتيانها، الأصل أن يكون تشبيه الرخصة بالعزيمة أن تكون العزيمة أفضل من الرخصة؛ لأن المشبه به أقوى من المشبه في باب التشبيه، زيد كالأسد تريد أن يكون الأسد أقل مرتبة من زيد؟ نعم؟ هذا الأصل أن يكون المشبه أقل من المشبه به، لكن تشبيه رؤية الباري -جل وعلا- برؤية القمر ليلة البدر هو المراد تقرير رؤية الباري، وما دام القمر لا يماري أحد في رؤيته، نعم إذن لا يماري أحد يسمع هذا التشبيه في رؤية الباري، والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية، وليس المراد تشبيه المرئي بالمرئي، على كل حال هل في الحديث ما يدل على ترجيح الرخص على العزائم أو العكس؟ يعني تصلي ركعتين أو تصلي أربع ما في فرق؟ نعم؟ ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه)) ..
طالب:. . . . . . . . .(43/13)
نعم الأصل العزائم، الأصل العزائم، والعزائم إذا لم يوجد مبيح لتركها نعم ليس المسألة مسألة محبة فقط، بل المسألة مسألة ترتيب عقاب عليها، بعضهم يفهم من مثل هذا السياق ترجيح الرخص على العزائم عند قيام سببها، فيرجحون القصر على الإتمام، يرجحون الفطر على الصيام، لكن هل الرخص إذا نظرنا إليها مجردة هل هي على مستوى واحد؟ يعني افترضنا أن شخص في آخر رمق ما بقي إلا الموت من الجوع ووجد ميتة؟ هل نقول: الأفضل أن يأكل أو الأفضل أن يترك؟ نعم جمع من أهل العلم يقولون: يجب عليه أن يأكل حفظاً للنفس.
إذا قرر الأطباء أن زيد من الناس إن لم يعالج مات يجب عليه يعالج وإلا ما يعالج؟ بالنسبة للأكل من الميتة حفظ النفس متحقق، وأما بالنسبة للعلاج مظنون، ولذا يقول شيخ الإسلام: "لا أعلم سالفاً أوجب العلاج"، "لا أعلم سالفاً أوجب العلاج" يعني لا أعلم أحداً من السلف أوجب العلاج.
على كل حال مسألة الأفضل في القصر والإتمام والصيام والفطر مسألة خلافية بين أهل العلم، والذي يميل إليه جمع من المحققين تقديم إتيان الرخص على العزائم، وأن العزائم تبقى في موضعها، والرخص تبقى في موضعها، وأن الإنسان يتصرف مع النصوص كيفما دارت، أفطر بالنص وصام بالنص، أتم بالنص، قصر بالنص، فهو يدور مع النصوص حيثما دارت، ومادام النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحفظ عنه أنه أتم في السفر فالقصر أفضل، القصر أفضل، وأما بالنسبة للصيام فالنصوص مجتمعة تدل على أنه إذا كان الصيام لا يشق فإنه من أفضل الأعمال، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه صام، وإذا كان يشق فثبت عنه أنه قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أولئك العصاة)) وقال: ((ليس من البر الصيام في السفر)) وقال: ((ذهب المفطرون بالأجر)) مع المشقة.
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين" رواه مسلم".(43/14)
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ -الشك من شعبة- صلى ركعتين" ثلاثة أميال، الميل كيلو أو كيلوين إلا ثلث، إذن ثلاثة أميال خمسة كيلو، والفرسخ الواحد ثلاثة أميال، ثلاثة أميال، إذا قلنا: ثلاثة فراسخ في خمسة كيلو خمسة عشر كيلو، أو خمسة كيلو على الوجه الأول من وجهي التردد، و (أو) هنا للشك، التصريح في الصحيح أن الشك من شعبة، الحديث يبين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال قصر الصلاة، وقد صلى الظهر بالمدينة أربع ركعات، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، وذي الحليفة قريبة جداً من المدينة، تعادل فرسخ وإلا ما تعادل؟ خمسة عشر كيلو فرسخ واحد وإلا ما تعادل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أقل، إيه هو أقل من خمسة عشر كيلو، فهي أقل من فرسخ، وعلى هذا يحمل الحديث على مفهوم الحديث الثاني، وأنه في بداية سفر، ومجرد ما يخرج من عامر البلد ويتلبس بالوصف الذي علق به الترخص، الوصف الذي علق به الترخص السفر، فلا بد من التلبس بهذا الوصف ليتم الترخص، وعلى هذا إذا أراد الإنسان أن يسافر ولم يخرج من البلد، عازم على السفر يقصر قبل أن يخرج؟ قبل أن يتلبس بالسبب المبيح؟ نعم لا يقصر، إذن حديث أنس لما أراد أن يسافر قبل أن يخرج أفطر، ورفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا تنزيل للهم منزلة الفعل، تنزيل للعزم منزلة الفعل، لكن هل للإنسان أن يترخص قبل أن يفارق البلد، ويباشر السبب الذي علق عليه الترخص؟ نعم لو ثبت حديث أنس وصححه بعض المتأخرين لكان حجة، لكن الحديث فيه مقال، فيبقى أن السبب المبيح للقصر والمبيح للفطر هو السفر، ولا يجوز أن يترخص الإنسان حتى يباشر السبب الذي علق عليه الترخص، افترضنا أن البلد له مطار، وهناك فاصل بين المطار وبين البلد، فارق البنيان لكنه مازال في المطار، يترخص وإلا ما يترخص؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .(43/15)
نعم، ما دام في مطار البلد فهو لم يفارق البلد، والمساحة التي بين المطار وبين البلد مثل الفجوات التي توجد داخل المدن، ولذلك إذا وصل إلى هذا المطار قيل: وصلنا إلى كذا، وصلنا إلى الدمام، وصلنا إلى الرياض، بمجرد وصول المطار، إذن المطار من البلد، والذي في المطار لم يباشر السبب إلى الآن لم يسافر إلى الآن، هل يصح أن يقول: سافرت الآن؟ هو لم يسافر حتى يفارق هذا العامر، نعم قد يوجد من يفتي بأنه خرج من البلد وترك البلد وراء ظهره، وينظرون في هذا أيضاً مصلحة تحصل الوقت أو تحصيل الإتيان بالصلاة على وجهها؛ لأنه قد توجد في المطار مثلاً في وقت صلاة الظهر إن لم تجمع إليها العصر، أمامك سفر طويل يستغرق المدة كلها، إن أخرت إلى أن تصل المطار الثاني ذهب الوقت، وإن صليت على حسب حالك في الطائرة أتيت بالصلاة على شيء أو على وجه فيه شيء من الخلل تقتضيه الحال، ويقتضيه الظرف، ظرف السفر، ظرف الركوب، ظرف المكان، فهم تحصلاً للفائدة وهي مصلحة كبرى وهو الإتيان بالصلاة على وجهها يقولون: اجمع جمع تقديم، وأنت ما دام وصلت إلى المطار وفارقت البلد الحمد لله، لكن يبقى المسألة شرعية معلقة بوصف أمر عظيم، يعني لو إنسان صلى في بلده في مسجده ركعتين الظهر هل يقال: اجتهد وحصل الصلاة ولو على وجه؟ نقول: لا يا أخي صلاته باطلة، فالمسألة شرع، ما دام موجود في البلد خرجنا من الرياض وأنت في المطار، خرجنا طارت الطائرة، فارقنا الرياض، إذن أنت ما دمت في المطار لم تفارق البلد.
هل في الحديث ما يدل على تحديد المسافة، مسافة السفر، يعني ثلاثة أميال، منهم من قال: إن مسافة السفر ثلاثة أميال، ومنهم من قال: ميل، خلاص من سافر ميل يقصر ويفطر، أو ثلاثة أميال كما هنا، أو ثلاثة فراسخ، إذا كانت منتهى السفر الثلاثة هل له أن يقصر أو ليس له أن يقصر؟ عرفنا أن أقل من فرسخ قصر النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذي الحليفة، لكن هل هذا منتهى السفر؟ ليس هذا منتهى السفر، وليس فيه دليل على أن من سافر هذه المدة أنه مسافر وأنه يترخص، بل فيه دليل أنه مجرد ما يفارق البلد ولم تكن غاية السفر إلى هذه المسافة فإنه يباشر الرخص.(43/16)
إذن مسافة القصر مسألة خلافية بين أهل العلم، المسافة التي تقصر فيها الصلاة، والجمهور على التحديد، تحديد المسافة، والأكثر على مسيرة يومين أربعة برد ثمانين كيلو، فإذا وجدت هذه المسافة أجازوا الترخص إذا كان الباعث على السفر مباح نزهة مثلاً أو مستحب أو واجب، أما إذا كان الباعث على السفر محرم، الباعث على السفر محرم، سفر المعصية يترخص من سافر سفر معصية؟ الجمهور على أنه لا يترخص؛ لأنه لا يعان على تحصيل معصيته، والرخص لا شك أنها إعانة للمسافر، وعند الحنفية يجوز له أن يترخص، الحكم علق بسبب وجد السبب بغض النظر عن الأهداف والمقاصد، لكن إذا قلنا للي يسافر سفر معصية بدل أن تصلي أربع ركعات صلي ركعتين كأننا نقول له: اغتنم الوقت لتحصيل هذه المعصية، ولذا جاء في الأكل من الميتة للمضطر التقييد بكونه غير باغ ولا عاد، فدل على أنه لو كان باغياً أو عادياً لا يجوز له أن يأكل من الميتة، ويقاس عليها بقية الرخص، فلا يجوز له أن يجمع، ولا يجوز له أن يقصر، ولا يجوز له أن يمسح أكثر من يوم وليلة، ولا يجوز له أن يأكل من لحم الميتة، فليس له أن يترخص مادام عاصياً في سفره، أما إذا كان السفر مباحاً كسفر النزهة يجوز له، إذا تحققت المسافة المقررة عند الأكثر، منهم من يقول: السفر يكفي مسيرة يوم للنهي عن سفر المرأة بغير محرم مسيرة يوم، ومسيرة اليوم كأن هذا هو المرجح عند الأمام البخاري تقدر بأربعين كيلو، الآن حينما تضبط المسافة بالوقت بيوم بيومين، وتقدر هذه المسافة هذه المدة المقررة بالكيلوات يصير المرجع الوقت وإلا المرجع المسافة؟ الجمهور قدروا المسافة حتى، قالوا: ولو قطعها في ساعة، أنتم استدللتم بأن المسافر لا يسافر مسيرة يوم مسافة هذا اليوم سواءً كانت أربعين كيلو على الإبل المحملة، أو كان فيها عشرة آلاف كيلو، أو حتى عشرين ألف كيلو، تستدلون لا تسافر المرأة مسيرة يوم، فكيف يقال: اليوم أربعين كيلو؟ على هذا يكون الأصل المسافة أو الأصل المدة؟ مدة السير، دعونا من مدة الإقامة، هذه مسألة أخرى ستأتي، إذا قلنا: مسيرة يومين، أو مسيرة يوم ويستدل لذلك بحديث النهي عن سفر المرأة بغير محرم، نهى أن تسافر المرأة بغير محرم مسيرة(43/17)
يوم، جاء أيضاً تسافر ثلاثة أيام، ونهى أن تسافر المرأة من غير تقييد، فدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تسافر، لا يجوز لها أن تباشر السفر، لا يجوز لها أن تخرج من البلد إلا بمحرم، والمدة غير مرادة، بدليل تفاوت هذه الأزمنة، فلا يجوز للمرأة بحال أن تخرج من البلد بغير محرم ولو ميل واحد، فالمفهوم -مفهوم المدة- غير مراد؛ لأنها جاءت متفاوتة، هؤلاء الذين استدلوا بهذه الأحاديث على تقدير مسافة القصر اعتمدوا المسافة، والأكثر على اعتماد مسيرة يومين يعني مرحلتين ثمانين كيلو من مكة إلى الطائف من مكة إلى جدة، من مكة إلى عسفان كما يقول الصحابة، وما دون ذلك فليس بمسافة قصر، هذا قول الأكثر في مسافة القصر.
من أهل العلم من يرى أنه لا تحدد المسافة بمقدار معين؛ لأنها جاءت مطلقة في النصوص، وكيف نحدد ونقيد ما أطلقه الله -جل وعلا- في كتابه؟ وهذا ما يراه شيخ الإسلام ابن يتيمة، يقول: جاء السفر غير مقيد لا بمدة ولا مسافة فكيف نقيد ما أطلقه الله -جل وعلا-؟ أولاً: التقدير بأربعة برد اللي هي ثمانين كيلو ثابت عن الصحابة، ورأي شيخ الإسلام من حيث الوجاهة وجيه، والأدلة التي يعتمد عليها الجمهور قد لا تكون في صراحتها في الدلالة على المطلوب بقوة ما يقوله شيخ الإسلام، لكن إذا نظرنا إلى الآثار المترتبة على إطلاق السفر في مسافته وفي مدة الإقامة الآثار المترتبة على ذلك وجدنا أن التحديد وسلوك مذهب الجمهور وجدناه أضبط وأحوط للعبادة، ومطلوب من الإنسان أن يحتاط لدينه، وكان الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يفتي بقول شيخ الإسلام ثم رجع عنه إلى قول الجمهور؛ لأنه أضبط للعبادة، وإذا قلنا بعدم التحديد بمسافة هل نقول: للذي يسافر يطلع عن البلد خمسة كيلو يقصر ويجمع يقصر ويجمع وإلا لا؟ يفطر؟ تحديد ما يسمى سفر هل هناك ما يضبطه؟(43/18)
المشقة غير منظور إليها؛ لأنه لو قلنا بالمشقة نعم الأصل في السفر أنه شاق، نعم، والرخص إنما جاءت لإزالة هذه المشقة، لكن يبقى أنه لو سافر شخص بدون مشقة إطلاقاً، نقول: لا يترخص لعدم وجود المشقة، وهل عرف الناس منضبط في هذه الأمور؟ يعني لما اعتمد عند بعض أهل العلم قول شيخ الإسلام، وأفتي للطلاب الذين يدرسون في بلد ما أربع سنين، خمس سنين، ثمان سنين أنهم يترخصون لأنهم مسافرون، لو شاع هذا في بلاد المسلمين كيف تنضبط الأمور؟ ناس جايين للمنطقة يدرسون خمس سنوات ويرجعون بالجامعة مثلاً، أو جايين للرياض وبيرجعوا بيجمعون الصلوات، ويفطرون رمضان، ويمر عليهم رمضانات من غير قضاء ويش الناس الآن في مثل هذه الظروف؟ الناس منهم المتساهل المنفلت،، ومنهم الموسوس هو ما في شك أن المرد إلى لغة العرب، المرد في هذا إلى لغة العرب، لكن لغة العرب قالت: السفر من البروز إذا قيل سافر فلان يعني برز عن بلده، خرج عن بلده، أي خروج، ومنه قيل: سمي السفر لأنه يسفر ويبرز الخلال والخصال التي تنطوي عليها الأنفس، الإنسان في السفر يظهر على حقيقته، المجاملات وما المجاملات تنتهي في السفر، ومنه قيل للمرأة التي تبرز محاسنها: سافرة، فمجرد البروز والخروج سفر، فهل يمكن أن نقول بمثل هذا أو نقول: إن السلف فهموا -بما في ذلك بعض الصحابة- فهموا أن السفر لا بد من ضبطه؟ ومثل ما ذكرنا الشيخ ابن باز كان يفتي بالإطلاق بقول شيخ الإسلام، ثم رأى أن المصلحة في ضبط الأمر، ولا ينضبط الناس إلا بتقدير معين، لا في المسافة والمعتمد عليه عند الأكثر أنها ثمانين كيلو، أربعة برد، والمدة التي هي أربعة أيام، وسيأتي الكلام فيها -إن شاء الله تعالى-.(43/19)
((لا يرى عليه أثر السفر)) إذا قلنا: هذا ضابط في هذه الأعصار أن الأثر هو الضابط طيب قد يسافر الإنسان ألوف الأميال ولا ينثني شماغه، ولا ينثني ثوبه، نقول: ما في رخص أجل؟ نقول: ما في رخص؟ لا يرى عليه أثر السفر أبداً، الشماغ كأنك مطلعه من الغسالة الآن، والثوب مثل، وقد يحصل للمقيم من الأثر أكثر مما يحصل للمسافر الآن، المسافر جالس على كرسي مريح وثير، ورجل على رجل، ويقرأ جريدة ونقول له: لا تترخص، أقول: إن ما يستدل به الجمهور قد لا يقوى على الدعوى، لكن الإطلاق الذي يميل إليه شيخ الإسلام ومن يقول بقوله لا يمكن ضبطه، ونقول: اتباعنا لفهم من سلف بما في ذلك الصحابة الذين هم سادة الأمة هم أولى بالتقليد من غيرهم، ولذا رجع الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- عما كان يفتي به من الإطلاق إلى التحديد، وهو قول الأكثر، قول الجمهور.
"وعنه -رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة" حتى رجعنا إلى المدينة، ومعلوم أن مدة السفر في الذهاب عشرة أيام، خرجوا من المدينة لخمس بقين من القعدة، ودخلوا مكة لخمس مضين من ذي الحجة عشرة أيام، ومكثوا اليوم الخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر تسعة أيام، ثم عادوا إلى المدينة، وقل: إن الإياب مثل الذهاب عشرة أيام، فمنذ خرج من المدينة إلى أن رجع إليها وهو يصلي ركعتين، عشرة وعشرة وتسعة شهر كامل، وإن كان الاحتمال قائم في خروجهم هذا هل هو عام الفتح أو عام حجة الوداع؟ على كل حال المسألة محتملة، فهنا المدة شهر، تسعة وعشرين يوم، فهل نقول: إن هذه المدة هي الحد في الترخص أو أن للمسافر أن يترخص ولو زادت المدة على الشهر؟(43/20)
والحديث الذي يليه: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر -يعني يوماً- يقصر الصلاة"، "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر -يعني يوماً- يقصر الصلاة"، "وفي لفظ: "بمكة تسعة عشر يوماً" رواه البخاري، وفي رواية لأبي داود: "سبع عشرة"، ويمكن التوفيق بين الروايتين الرواية الأولى: تسعة عشرة، يعني إذا عددنا يوم الدخول ويوم الخروج بسبعة عشرة بدون يوم الدخول ولا يوم الخروج، "وفي أخرى: "خمس عشرة" كيف نوفق؟
طالب:. . . . . . . . .
منكرة صحيح.
"وله عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما-: "ثماني عشرة" وهذه الرواية ضعيفة؛ لأنها من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف عند الجمهور، وعلى كل حال المعتمد رواية البخاري: "تسعة عشر" ويقصر الصلاة، بل يقصر أكثر من ذلك ما دام مسافراً، ما دام مسافر يقصر.
"وله" يعني لأبي داود "عن جابر -رضي الله عنه-: " أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" وهذا الحديث وإن كان ورواته ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله.(43/21)
جاء عن بعض الصحابة أنه أقام ستة أشهر يقصر، ستة أشهر يقصر الصلاة، والجمهور .. ، الحنفية عندهم المدة خمسة عشر يوماً، وعند الشافعية والحنابلة: أربعة أيام إذا أقام وعزم على الإقامة في مكان ما أكثر من أربعة أيام فإنه لا يجوز له أن يقصر، من أين جاء التحديد بالأربعة؟ يعني رأي الأكثر رأي المالكية والشافعية والحنابلة التحديد بأربعة أيام، وعند الحنفية خمسة عشر يوماً، الحنفية استدلوا على بعض الروايات السابقة، لكن بما استدل الجمهور على تحديد المدة بأربعة أيام، الخامس والسادس والسابع وفي الثامن خرج إلى منى، نعم، يعني هو أقام بمكة أربعة أيام فقط صح وإلا لا؟ وأيضاً أذن للمهاجر أن يقيم ثلاثة أيام، يمكث ثلاثة أيام، وهو منهي عن الإقامة في البلد الذي هاجر منه، فدل على أن الثلاثة أيام ليست بإقامة، الثلاثة الأيام المأذون بها ليست بإقامة، إذن ما زاد عليها وهو اليوم الرابع فعلى هذا تكون الأيام الأربعة إقامة؛ لأنه لم يؤذن للمهاجر أن يقيم في البلد الذي هاجر منه أكثر من ثلاثة أيام، فدل على أن ما فوق الثلاثة وهي الأربعة إقامة، ونقول: مثل ما قلنا سابقاً أن مثل هذه الأدلة لا تنهض على تقرير مثل هذه المسألة الكبرى، لكن يبقى أن عدم التحديد فيه تضييع، فيه تضييع لهذه العبادة التي هي أعظم شعائر الإسلام، ولذا المعتمد عند الجمهور التحديد وهو المفتى به عند شيوخنا، هو المفتى به، وهو المعتمد حفاظاً على هذه العبادة العظيمة، محافظة على هذه العبادة العظيمة، ولكي يخرج الإنسان من عهدة هذه العبادة بيقين؛ لأنه إذا قصر الصلاة أو جمع مع وجود هذا الخلاف الكبير عرض صلاته للبطلان عند قوم، لكن إذا أتم صلاته صحيحة وإلا باطلة؟ على جميع الأقوال حتى عند من يقول بوجوب القصر صلاته صحيحة، ما يقول أحد ببطلان الصلاة إذا أتمها المسافر، ولا يقول أحد ببطلان الصلاة إذا لم يجمع بين الصلاتين، فعلى هذا الاحتياط، الاحتياط لهذه العبادة العظيمة، الاحتياط لهذه العبادة العظيمة لا شك أنه أولى، ولذا رجع إليه الشيخ -رحمه الله-، وصلت مكة، وصلت جدة، وصلت الرياض، في هذه .. ، تصلي عشرين فرض إذا زادت خلاص، إذا نويت الإقامة أكثر من عشرين، إذا نويت(43/22)
الإقامة أكثر من عشرين فرض فأنت مقيم، أما أربعة أيام فأقل لست بمقيم مسافر.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما تقصر أربعة أيام أنت مقيم، ما تقصر، ما دام عازم على الإقامة، لكن ما دمت متردداً هل تجلس أربعة أيام؟ هل تجلس ثلاثة؟ هل تجلس عشرة؟ ما تدري فلو مكثت سنة تقصر وتجمع، الكلام فيمن أزمع أو عزم على الإقامة هذه المدة، وعلى كل حال لا حجر على الاجتهاد، لأن مو معنى هذا أننا إذا احتطنا للعبادة أننا نلغي الأقوال الأخرى، لا، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- إمام من أئمة المسلمين، يعني لو ضبط لنا المسألة بضابط يمكن أن يحمل عليه الجميع مثل ما ذكرت الأدلة على تحديد المدة والمسافة قد لا تنهض لمثل هذا القول الكبير.
يقول: أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، معلوم أن هذا محمول على أنه لا يدري متى يسافر؟ هو عازم على عدم الإقامة لكن الإقامة الجبرية هل هي إقامة؟ إقامة جبرية، شخص أراد سافر بنية أن يجلس يوم، جاء من الرياض إلى الدمام أو العكس وفي نيته أن .. ، حاجة ويرجع على طول، صار له حادث وسجن لمدة شهر هذا مقيم؟ يعني الإقامة الجبرية هل تسمى إقامة؟ ليست إقامة، وعلى هذا فعل ابن عمر ستة أشهر يقول القائل: إن الثلج لن ينحل في أقل من شهر مثلاً الذي حال دونه ودون السفر، فكيف نقول: إن ابن عمر في حكم المقيم؟ نقول: هذه إقامة ليست بإقامة حقيقة، إنما هي ليست باختياره ولا بطوعه، يعني شخص سجن، شخص حبسه حابس ليست إقامته بطوعه ولا اختياره، إذن لا تسمى إقامة، مسألة الجمع ستأتي -إن شاء الله تعالى- غداً نختم بها الدورة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
الذي يقول: إنه خاص بالفرائض ما يدخل التراويح، ويش المانع أن تكون التراويح في البيت أفضل من المسجد وما يصليها جماعة؟ لا سيما إذا كان تركه للجماعة لهدف صحيح، يقول: الجماعة يقرؤون نصف جزء وأنا بأقرأ خمسة أجزاء، هذه أيام فاضلة ليش أفرط بها؟ ويفعله كثير من أهل العلم الآن، يصلون في بيوتهم، بدل من أن يقرأ نصف جزء ويسمع .. ، يصلي في بيته.(43/23)
والأولى خشية أن يظن به خلاف ما هو عليه أن يصلي مع الجماعة ويزيد في بيته ما شاء، يصلي لنفسه ما شاء.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا خرجوا من الأحساء وقت الظهر يصلون الظهر والعصر متى يصلون الرياض؟ بعد دخول وقت العصر.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا كان هدفهم أن يستريحوا من الصلاة هذه مشكلة، يعني ينبغي أن تصلى الصلوات في أوقاتها حسب الإمكان إذا كان هذا يشق عليهم فالله يحب أن تؤتى رخصه.
طالب:. . . . . . . . .
حديث اليوم حديث الباب: المغرب وتر النهار بالنص، وكونها وتر النهار ذكرنا أنها لأنها وقعت بعد أو ختام صلوات النهار فهي كالوتر له، ومعارضة هذا الكلام لحديث: ((لا وتران في ليلة)) غير واردة؛ لأن المقصود بالوتر الوتر الذي يقع بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، يعني لا معارضة بين هذا الحديث وحديث: ((لا وتران في ليلة)) لأن المقصود بالوتر الذي جاء المنع منه ما يقع في وقت الوتر، ووقت الوتر بين صلاة العشاء وطلوع الفجر، فلو أوتر شخص مرتين بعد صلاة العشاء قلنا: لا وتران في ليلة، لكن ماذا عما لو أوتر في المغرب بين العشاءين هل يشمله حديث: ((لا وتران في ليلة))؟ نقول: صلى صلاة غير مشروعة، صلاة مبتدعة، لو صلى ثلاث ركعات بعد صلاة المغرب أو صلى خمس ركعات، أو صلى ركعة نقول: هذه بدعة لم يأتِ بها شرع، وأما صلاة المغرب فليست واقعة في وقت الوتر وإن كانت وتراً، فهي غير داخلة في الوتر المنفي.
طالب:. . . . . . . . .(43/24)
الآن ما هو بعندنا وقت الصيام من طلوع الفجر إلى غياب الشمس، هل حصلت نية نقض الصيام نية الفطر في هذه المدة؟ إذن لا أثر لها، لكن لو نوى الإفطار في أي جزء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من نوى الإفطار أفطر، طيب لو أن شخصاً .. ، وهذا كما هو معلوم في الفريضة أما النافلة لو نوى نقضها، نعم النافلة لو صلى الصبح وجاء إلى البيت وقال: عندكم فطور ناوي يأكل؛ لأنه لا يشترط للنافلة تبييت، النافلة لا يشترط لها تبييت نية، فيختلف حكمها عن حكم الفريضة، ما دام ما أكل ولو نوى أن يأكل لا أثر لهذه النية في صوم النفل، لكن لو نوى الإفطار في أي جزء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في الفريضة يقول أهل العلم: أفطر، من نوى الإفطار أفطر، طيب من نوى نقض الوضوء ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ نعم، شخص متجه إلى الدورة يريد أن ينقض الوضوء ويتوضأ، سمع الإقامة قال: أنقض الوضوء بعد الصلاة نقول: انتقض وضوؤه وإلا ما انتقض؟ ما انتقض، لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم نوى الإفطار ولا أكل ما هو مثله؟ مثله وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟ ويش هو اللي ما هو بواجب؟ ارفع صوتك، ارفع صوتك.
طالب:. . . . . . . . .
ما هي بواجبة؟ شرط، مثل النية في الصيام، مثل النية في الصلاة، هم يقولون: من نوى الإفطار أفطر، فهل من نوى نقض الوضوء ينتقض وضوؤه بعد الفراغ من العبادة؟ النية لا أثر لها بعد الفراغ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(43/25)
إذن نرجع إلى كلام الأخ، أنه بعد الانتهاء من العبادة لا أثر للنية فيها، ولذا إذا أذن المغرب وغربت الشمس ونوى الإفطار نوى نقض الصيام، قال: أنا هذا الصيام ما هو بمعجبني، أبصوم يوم غيره يبطل صيامه؟ صيام أمس، نعم ما له أثر بعد الفراغ من العبادة، ولذا يقولون في النية .. ، لكن التنظير أن يقال شخص يتوضأ الآن لما غسل وجهه ويديه، غسل وجه واليدين نوى نقض الوضوء، ينتقض وإلا ما ينتقض؟ ينتقض ولذا يشترطون استصحاب الحكم، حكم النية، إيش حكم النية؟ ألا ينوي نقضها حتى تتم الطهارة، وهنا لا ينوي نقض الصيام حتى يتم الصيام، فإذا نوى نقض الطهارة بعد فراغه من الطهارة، أو نوى نقض الصيام بعد فراغه من الصيام لا أثر لهذه النية.
طالب:. . . . . . . . .
أما بالنسبة للزوم الجماعة على من يسمع النداء عليه أن يجيب، كما في حديث ابن أم مكتوم ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) وأما بالنسبة للقصر في المشاعر والجمع في عرفة وفي مزدلفة فمن أهل العلم من يقول: إنه من أجل النسك، وعلى هذا يجمع ويقصر كل حاج، سواء كان بينه وبين مسكنه مسافة قصر أو دون ذلك، ولا ينظر إلى المسافة حتى أهل مكة يجمعون ويقصرون؛ لأن الجمع والقصر من أجل النسك، ليستعان بالقصر والجمع على تطويل وقت الوقوف، وتطويل وقت الراحة في مزدلفة لمباشرة أعمال يوم النحر بقوة ونشاط، هذا قول معتبر عند أهل العلم، ومنهم من يقول: أبداً الجمع والقصر للسفر، وعلى هذا لا يجمع في عرفة إلا من كان بينه وبينها مسافة قصر، ولا يجمع في مزدلفة إلا من كان بينه وبينها مسافة قصر، ولا يقصر في منى إلا من كان بينه وبينها مسافة قصر، وهذا هو مقتضى قول الأكثر، مقتضى قول الجمهور، لكن ما حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه نبه أهل مكة أن يتموا الصلاة في عرفة ولا في مزدلفة ولا في منى إنما نبههم في مكة، لما صلى بهم في المسجد قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أتموا فإنا قوم سفر)) لكن مقتضى قول الجمهور أن أهل مكة ومن كان دونه ودون هذه المشاعر أقل من مسافة القصر أنهم لا يجوز لهم أن يقصروا الصلاة ولا يجمعوا.
طالب:. . . . . . . . .(43/26)
نعم الرخص حكمها واحد، الرخص حكمها واحد، لا يجوز أن يجمع، ولا يجوز أن يقصر حتى يفارق عامر البلد، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
المرأة لا يلزمها المصافة، وجاء في حديث أنس أن أم سليم خلفهم، والعجوز من وراءنا، فليست .. ، انفراد المرأة في الصف لا يقتضي بطلانه، وتكون حينئذٍ مخصصة من عموم: ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) الكلام موجه إلى الرجال، يعني لو أن الانفراد مؤثر في النساء لطلب امرأة نعم تصلي مع أم سليم، وحينئذٍ لا صلاة لمنفرد خلف الصف، أما الرجال فالجماعة والمصافة مقصد شرعي بالنسبة لهم، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
من يقف في آخر الصف الأول المتأخر نظير من يقف في الصف المؤخر من الرجال، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الحكم الشرعية قد ندركها وقد لا ندركها، قد يقول قائل: النساء في مكان معزول لا يراهن أحد، والتقدم مطلوب، والقرب من الإمام و .. ، هذا النص، وعلينا أن نسمع ونطيع ((خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)).
طالب:. . . . . . . . .
لا يجوز السفر ولا .. ، السفر يعني الخروج من البلد والبروز منه لا يجوز ولا دقيقة فضلاً عن ساعة، ويتساهل الناس في السفر لا سيما المعلمات يخرجن من البلد مع سائق، ولو كن جمعاً، لا يجوز السفر والمراد بالسفر الإسفار والبروز والخروج عن البلد، فلا يجوز أن تركب مع غير محرمها، ولو كن جمعاً من النساء، السفر له مخاطر، يسأل بعض من يتولى نقل المعلمات إلى خارج المدن يقول: إننا لا نستطيع أن نقف في أثناء الطريق لأداء صلاة الصبح، ويريد أن ينتظر بالصلاة حتى تطلع الشمس ويصلون المدرسة، ظلمات بعضها فوق بعض، ظلمات بعضها فوق بعض، كم من المصائب والكوارث حصلت من مثل هذا التساهل، هذا بالنسبة للسفر، أما بالنسبة للخلوة بالسائق فتحرم الخلوة بالسائق في السيارة إذا لم يكن محرم ولو كانت داخل المدن، فإذا انضم إليها أخرى انتفت المحرمية، انتفت الحرمة لعدم الخلوة، ونفرق بين الخلوة وبين السفر، السفر ولو انتفت الخلوة تبقى الحرمة لا بد من محرم، داخل المدن انتفى السفر ...(43/27)
بلوغ المرام – كتاب الصلاة (30)
تابع: شرح: باب: صلاة المسافر والمريض
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
هذا واحد من الإخوان أحضر شرح حديث أبي هريرة من فتح الباري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف -فإن فيهم، أو- فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) يقول: قال ابن حجر الشرح:
"قوله: ((فإن فيهم)) كذا للأكثر، وللكشمهني ((فإن منهم))، قوله: ((الضعيف والسقيم)) المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة، والسقيم من به مرض، زاد مسلم من وجه آخر عن أبي الزناد: ((والصغير والكبير)) وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص: ((والحامل والمرضع)) وله من حديث عدي بن حاتم: ((والعابر السبيل)) وقوله في حديث أبي مسعود الماضي: ((وذا الحاجة)) وهي أشمل الأوصاف المذكورة، قوله: ((فليطول ما شاء)) ولمسلم: ((فليصل كيف شاء)) أي: مخففاً أو مطولاً، يقول: واستدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت، وهو مصحح عند بعض أصحابنا، وفيه نظر؛ لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة: ((إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى)) أخرجه مسلم، وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كانت مراعاة ترك المفسدة أولى، واستدل بعمومه أيضاً على جواز تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين.
الكلام في جواز ذلك لا الأولى منهما، يعني هل الأولى أن يقرأ سورة من ثلاثين أو أربعين أو خمسين آية وتقع الصلاة كلها في وقتها يسلم منها قبل خروج الوقت؟ أو الأفضل أن يقرأ بسورة البقرة مثلاً ولو وقع نصف الصلاة في الوقت ونصفها الثاني خارج الوقت؟ يجوز هذا وهذا، لكن الحديث يدل على جواز الأمرين، لكن الأولى أن تقع الصلاة كاملة في الوقت؛ لأن من أهل العلم من يقول: إن ما يؤديه المصلي في الوقت أداء، وما يقضيه بعد خروج الوقت قضاء، ولو افتتحت الصلاة في الوقت.(44/1)
وعلى كل حال المسألة الجمهور يرون أنها كلها أداء، ولو وقع بعضها خارج الوقت لحديث: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) يعني أدرك صلاة الصبح، وإذا كان مدركاً لها فهي في وقتها، وحينئذٍ تكون أداءً.
يقول النووي في الروضة: "ولو شرع فيها وقد بقي من الوقت ما يسع جميعها فمدها بتطويل القراءة حتى خرج الوقت لم يأثم قطعاً، ولا يكره على الأصح"، وقال في شرح المهذب: "وأما إذا شرع في الصلاة وقد بقي من الوقت ما يسع جميعها فمدها بتطويل القراءة حتى خرج الوقت قبل فراغها فثلاثة أوجه: أصحها لا يحرم ولا يكره، لكنه خلاف الأولى، والثاني: يكره، والثالث: يحرم، حكاه القاضي حسين".
على كل حال الجواز جائز باتفاق، لكن هل هو الأولى أو خلاف الأولى؟ لا شك أن إيقاع الصلاة كاملة في الوقت هو الأولى.
هذا يطلب إعادة تعريف الرخصة والعزيمة التي تحدثنا عنها في الحديث السابق، يقول أهل العلم: إن الرخصة ما جاءت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، فمثلاً أكل الميتة على وفق الدليل أو على خلاف الدليل؟ الدليل يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] هذا الدليل، هذا الأصل، والأكل منها على خلاف هذا الأصل لمعارض راجح وهو دليل آخر يخص هذه الحالة، وتبقى الآية الأولى التي هي الأصل باقية في عموم الأحوال عدا هذه الحالة، وهي حالة الاضطرار، فالمعارض راجح لأنه خاص، العزيمة: ما جاءت على وفق الدليل لعدم المعارض، هذه هي العزيمة، لعدم المعارض.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر, ثم نزل فجمع بينهما, فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" متفق عليه، وفي رواية الحاكم في "الأربعين" بإسناد الصحيح: "صلى الظهر والعصر ثم ركب".
ولأبي نعيم في مستخرج مسلم: "كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل".(44/2)
وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً, والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان)) رواه الدارقطني بإسناد ضعيف، والصحيح أنه موقوف، كذا أخرجه ابن خزيمة.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير أمتي الذين إذا أساءوا استغفروا, وإذا سافروا قصروا وأفطروا)) أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف، وهو في مرسل سعيد بن المسيب عند البيهقي مختصر.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنهما- قال: "كانت بي بواسير, فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة؟ فقال: ((صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب)) رواه البخاري.
وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: "عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- مريضاً, فرآه يصلي على وسادة فرمى بها, وقال: ((صل على الأرض إن استطعت, وإلا فأوم إيماء, واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) رواه البيهقي، وصحح أبو حاتم وقفه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" رواه النسائي، وصححه الحاكم"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(44/3)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس" يعني في سفره إذا توقف في سفره ثم ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، قبل الزوال "أخر الظهر إلى وقت العصر" قبل الزوال، وحينئذٍ لا يصلي كل صلاة في وقتها للمشقة، هذا إذا ارتحل قبل الزوال، قبل أن تزيغ الشمس يعني تزول، الزوال والزواغ: هو ميل الشمس إلى جهة الغرب، وهو الدلوك {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر "ثم نزل فجمع بينهما" جمع تأخير، أخر الظهر إلى وقت العصر، يعني إلى دخول وقت العصر، وليس معناه إلى قرب وقت العصر، إنما ظاهر اللفظ أنه يؤخر الظهر إلى دخول وقت العصر، فيجمع بين الظهرين جمع تأخير، فجمع بينهما فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل ماذا يصنع؟ يجمع جمع تقديم وإلا يؤخر فيجمع جمع تأخير؟ هذه الرواية تقول: "فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" صلى الظهر وحده، فهذا الحديث فيه دلالة على جواز جمع التأخير، وليس فيه ما يدل على جمع التقديم، والجمع بين الصلاتين في السفر علته السفر، التلبس بهذا الوصف المؤثر، وهو جائز عند جمهور العلماء، حديث الباب فيه دلالة صريحة على جواز جمع التأخير، ينازع أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- في جواز الجمع، ويستدل بأحاديث التوقيت على أنه لا يجوز أن تؤخر الظهر إلى وقت العصر إلى أن يدخل وقت العصر، ولا يجوز أن تقدم صلاة العصر فتصلى قبل دخول وقتها في وقت الظهر، استدلالاً بعموم أحاديث التوقيت، ويحمل ما جاء في هذا الحديث وما في معناه على الجمع الصوري الجمع الصوري يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ويقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها، فيصلي كل صلاة في وقتها، لكن الواقع أنه بتأخير الأولى وتقديم الثانية وإن وقعت كل واحدة منهما في وقتها كأنه جمع؛ لأنه لا فاصل بين الصلاتين، لا فاصل بين الصلاتين إلا الإقامة، مجرد ما يفرغ من الأولى ينتهي الوقت، ومجرد ما يشرع في الثانية أو يقيم للثانية يكون وقتها قد دخل، لكن إذا نظرنا إلى أن الجمع وعموم الرخص إنما شرعت للتيسير، التيسير على المكلفين(44/4)
مراعاةً لحال السفر، وما فيه من مشقة.
أيهما أسهل على المسافر أن يصلي كل صلاة في وقتها؟ أو يجلس يرقب الأوقات بدقة؟ لأن الفارق يسير جداً بحيث .. ، ولا نتصور أن المسألة فيها ساعات وأمور تضبط الأوقات على وقتها ما في شيء، إلا أن الإنسان يقيس الشواخص، هل مالت الشمس أو لم تمل؟ هل بلغ ظل الشيء طوله أو زاد عليه؟ هذا فيه مشقة، مراقبة أواخر الأوقات وأوائل الأوقات، فقول الحنفية لا يسلم من حرج، وإن كان فيه ملاحظة لحديث التوقيت وأدلة التوقيت.
وإذا تصورنا الجمع الصوري في جمع التأخير فإنه لا يمكن تصوره بحال في جمع التقديم، وعرفنا أن هذه الرواية تدل على جمع التأخير فقط، أما جمع التقديم فلا تدل عليه، وعرفنا أن القول بجواز الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً هو قول الجماهير، جماهير أهل العلم، الأوزاعي يعمل بهذه الرواية فقط، ويقول: يجوز جمع التأخير ولا يجوز جمع التقديم، وماذا عن جمع التقديم؟ يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "وفي رواية الحاكم في "الأربعين" بإسناد الصحيح" هذا كلام ابن حجر، إسناد هذه الرواية في كتاب: "الأربعين" للحاكم: "صلى الظهر والعصر ثم ركب" والذي في الصحيحين: "إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" في رواية الحاكم في: "الأربعين" بإسناد الصحيح في الحديث نفسه الحديث نفسه يعني لو كان دليل آخر حديث آخر ما في إشكال، فيحمل هذا -حديث أنس- على حال وظرف من الظروف، وتحمل الروايات الأخرى على ظرف آخر، لكن هذا الحديث نفسه، ومفادها فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب، يعني جمع تقديم.
ولأبي نعيم في المستخرج -المستخرج على صحيح مسلم-: "كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" "كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل".(44/5)
رواية الأربعين للحاكم حكم عليها الحاكم نفسه بأنها لا تصح، بل هو حكم بوضعها، بأنها موضوعة، وإن قال الحافظ أنها بإسناد الصحيح؛ لأنها مخالفة لما في الصحيح، رواية أبي نعيم في المستخرج سياقها يدل على أنه حديث آخر وقصة أخرى، ولذا يقول أهل العلم: إن رواية المستخرج لا مقال فيها، رواية المستخرج لا مقال فيها، "كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" يعني جمع بينهما جمع تقديم، إيش معنى المستخرج؟ إيش المستخرج هذا؟ مستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم؟
الاستخراج: أن يعمد عالم إلى كتاب من الكتب الأصلية فيخرج أحاديث هذا الكتاب بأسانيده هو، من غير طريق مؤلف الكتاب الأصلي، هذا يسمونه استخراج، واستخرجوا على الصحيحين على البخاري على مسلم على الصحيحين معاً.
واستخرجوا على الصحيح كأبي ... عوانة ونحوه فاجتنبِ
جعزوك ألفاظ المتون لهما ... إذ خالفت لفظاً ومعاً ربما
المقصود أنه يستفاد من المستخرجات مثل هذه الزيادة؛ لأنه قد يقول قائل: إذا كان المستخرج على صحيح البخاري أو على صحيح مسلم يخرج أحاديث الكتاب الأصلي لسنا بحاجة للمستخرج، نقول: لا، هذه المستخرجات تخرج بأسانيد لا تخرج مروراً بأصحاب الكتب الأصلية، وعلى هذا تشتمل هذه المستخرجات على زيادات وهذه من فوائدها، الزيادة في قدر ألفاظ الصحيح، وهذه منها: "كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" في هذه الرواية دلالة على جواز جمع التقديم، وهو مستند الجمهور في جواز صلاة الظهرين والعشاءين في وقت الأولى منهما، خلافاً للأوزاعي وخلافاً لأبي حنيفة الذي يمنع الجمع تقديماً وتأخيراً.(44/6)
وفي حديث ابن عباس المخرج في صحيح مسلم النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، صلى سبعاً ثمانياً وسبعاً من غير خوف ولا مطر، وفي رواية: "من غير خوف ولا سفر" المقصود أنه يصلي .. ، صلى -عليه الصلاة والسلام- في المدينة مرة، وجمع بين الصلاتين، وظاهر قوله: "من غير خوف ولا مطر" أنه من غير عذر، لكن كلام ابن عباس لما سئل ابن عباس -رضي الله عنهما- لما سئل قال: "أراد -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يحرج أمته" فدل على أن في ترك الجمع في هذا الظرف حرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] الجمع في الحضر من غير سفر ومن غير خوف ومن غير مطر مع وجود حرج، ابن عباس كلامه يدل على أنه يوجد حرج، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا يحرج أمته، ويمكن أن يستعمل مثل هذا الجمع في أحوال الضرورات، يعني لو قدر أنه بين السيارات ولا تستطيع أن تنزل، ولا تستطيع أن تنتقل، ولا تستطيع .. ، نعم الأصل أن تصلي كل صلاة في وقتها، لكن لا تستطيع أن تصلي، وقد تكون على غير طهارة، فإن انتظرت إلى أن ينحل الإشكال وتنزل من سيارتك يكون وقت الأولى قد خرج، وحينئذٍ الصلاة كل صلاة في وقتها حرج، فمثل هذا قد يحمل عليه هذا الحديث، مثل هذه الصورة لأن فيها حرج.
على أن الترمذي نص في علله على أنه لم يخرج حديثاً أجمع العلماء على ترك العمل به إلا هذا الحديث وحديث قتل المدمن، الذي شرب حديث معاوية، شرب الخمر في الأولى: اجلدوه، والثانية: اجلدوه، والثالثة: اجلدوه، الرابعة: اقتلوه، قتل مدمن الخمر، يقول الترمذي: "أجمع أهل العلم على عدم العمل بهذين الحديثين" والعادة عند أهل العلم أنه إذا اجمع على ترك العمل بحديث فهذا الإجماع يدل على وجود ناسخ لهذا الحديث ولو لم نطلع عليه، فلا يعكر مثل هذا الحديث على ما نحن فيه، وهو أن الرخص مربوطة بأسباب لا بد من تحققها، وليس فيه مستمسك لمن يتساهل ويؤخر الصلوات عن أوقاتها.(44/7)
رخص السفر ما دمنا في الحديث الأول: القصر، قصر الصلاة الرباعية ركعتين، الجمع بين الظهرين والعشاءين، وهذا عرفنا، الفطر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] المسح ثلاثة أيام، ثلاثة أيام بلياليهن، المسح فيه شيء زائد، نعم الترخيص في ترك الرواتب مثلاً، صلاة النافلة على الراحلة، صحيح.
طالب:. . . . . . . . .
هو من لازم الصلاة على الراحلة على الدابة عدم وجودها دليل على سقوطها، لكن لو وجدت هل يعفى عنها؟ وليش ما تجب وهي موجودة؟ شخص في الحضر ما وجد أحد يصلي معه ما تجب عليه؟ لكن هذا ما يتصور إلا في حالة ما إذا كان نائماً، لا يجب عليه أن يبحث عن أحد.
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا ما هو من خواص السفر.
طالب:. . . . . . . . .
الجمعة، ليس على المسافر جمعة.
طالب:. . . . . . . . .
الإشهاد، إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
الرهن خاص بالسفر؟ ما يترتب عليه سهل، المقصود أن الفطر رخصة، يحق له أيوه ليش ما يحق له؟ فما دام أفطر هو مفطر ما عليه.(44/8)
هنا مسألة يختارها بعض المتأخرين ممن لا سلف له، وهي أن المسافر يتيمم ولو كان الماء بجواره، ولا سلف لهذا القائل، هذا منقول عن بعض المعاصرين، ويستدل بآية الوضوء، آية المائدة: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(6) سورة المائدة] يقول: لم تجدوا ماءً هذا خاص بالحكم الأخير، ولا يتناول الحكم الأول والثاني {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(6) سورة المائدة] هذا لا يحتاج إلى أن يجد ماء أو لا يجد ماء {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} هذا القيد خاص بالحكم الأخير، لكنه -أعني هذا القائل- لا سلف له، لم يقل بهذا أحد من أهل العلم ممن تقدم، بل نقل الإجماع على أن واجد الماء القادر على استعماله لا بد أن يمسه بشرته، لا بد أن يتوضأ مقيماً كان أو مسافراً، صحيحاً كان أو سقيماً، إذا كان واجد للماء قادر على استعماله لا يعفى من الوضوء، لكن إذا كان عادم للماء حقيقة أو حكماً، قد يكون الماء بينه وبينه متر، لكنه في بئر وليس عنده من الأسباب ما يستطيع استنباط الماء من هذا البئر، قد يكون الماء قريب، لكنه في سفر ويخشى على نفسه من السباع، مثل هذا يعذر وإلا ما يعذر؟ يعذر إذا كان غلبة ظن، لكن إذا كان مجرد وهم؛ لأن بعض الناس يخاف من الظلام ولو لم يكن هناك سباع، لا يستطيع أن يخرج من الخيمة أو من البيت في الظلام، الماء ثلاثة أمتار على الخيمة، وهذا يخاف خوف شديد، خوف وهمي، إيش نقول له: تيمم أو لا تتيمم؟ يلزمه الوضوء، نعم في قول الأكثر يلزمه الوضوء، ما لم يكن المخوف غلبة ظن يلزمه الوضوء، لكن إذا كان لا وجود له، أو وهم أو شك فإنه يلزمه أن يتوضأ.
من أهل العلم من يستروح إلى أنه في مثل هذه الحالة يسوغ له أن يتيمم، وكم من وهم عند بعض الناس أشد من غلبة الظن عند آخرين، يعني وهم مجرد صوت الريح عند بعض الناس أشد من زئير الأسد بالنسبة لآخرين، فمثل هذا لو كلف أن يخرج ليتوضأ يمكن يجن، احتمال، ولو لم يكن هناك شيء، فبعضهم يرى أن هذا الخوف مبرر لأن يتيمم.(44/9)
نأتي إلى الآية: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(6) سورة المائدة] هل يقول: إن من جاء من الغائط وعنده الماء لا يتوضأ؟ هل يقول بهذا أحد؟ لأن عندنا قيد: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} تعقب جمل، تعقب أكثر من جملة، هل هو قيد للجملة الأخيرة أو لها وللتي قبلها؟ أو لجميع الجمل؟ هذا القيد المتعقب لجمل، ومثله الوصف المؤثر، ومثله الاستثناء كما في قوله -جل وعلا- في القذف: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور] هذا الاستثناء يرجع إلى الجملة الأخيرة بالاتفاق، لكنه لا يرجع إلى الجملة الأولى بالاتفاق، فمن قذف وتاب يلزمه الحد إلا إذا عفا صاحب الشأن؛ لأن الأمر لا يعدوه، قبل أن يرفع إلى الإمام، وعوده إلى الجملة الثانية محل خلاف: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4) سورة النور] محل خلاف بين أهل العلم، وهم مختلفون أيضاً فيما يعود إليه مثل هذا، والمرجح أن القرائن هي التي ترجح عوده إلى جميع الجمل أو إلى بعضها دون بعض، والذي في آية التيمم عائد إلى جميع الجمل، وهذا محل إجماع، والإجماع نقله أكثر من واحد، أن واجد الماء بالإجماع عليه أن يمسه بشرته إذا كان يستطيع ذلك ويقدر عليه.
يقول: "وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً, والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم" هذا فيه دليل على الجمع، الجمع بين الصلاتين في السفر، وتقدم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- منذ خرج إلى المدينة إلى أن رجع وهو يقصر الصلاة، وهنا في غزوة تبوك يجمع بين الصلاتين في السفر، في هذا دليل على جواز الجمع بين الصلاتين في السفر باستثناء صلاة الصبح، صلاة الصبح فإنها لا تجمع مع غيرها، صلاة الجمعة أيضاً لا تجمع مع غيرها؛ لأنها فرض مستقل ولم يرد فيها ما يدل على جواز الجمع بينها وبين العصر.(44/10)
يصلي الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً لوجود السبب المبيح للجمع وهو السفر، لكن ما الفضل؟ هل المفضل القصر أو الإتمام؟ وهل المفضل الجمع أو التوقيت؟ عرفنا أن القصر رخصة، والله -جل علا- يحب أن تؤتى رخصه، وقد أوجبه بعض أهل العلم، فالقصر أفضل من الإتمام عند وجود السبب، بالنسبة للجمع والتوقيت إن كان قد جد به السير فالجمع أفضل؛ لأنه ثابت ثبوتاً لا مرية فيه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أرفق بالمسافر، وإن كان نازلاً فالأفضل أن يصلي كل صلاة في وقتها هذا الأفضل، النبي -عليه الصلاة والسلام- في منى كان يصلي كل صلاة في وقتها، حتى ذكر ابن القيم أنه لم يحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه جمع بين صلاتين وهو نازل إلا في عرفة ومزدلفة من أجل أن يتسع الوقت للوقوف.
الحديث الذي يليه: حديث "ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان)) " من مكة إلى عسفان، ومن مكة إلى جدة، ومن مكة إلى الطائف أربع برد، وهي مسافات متقاربة تعادل ثمانين كيلاً، "رواه الدارقطني بإسناد ضعيف" بل ضعيف جداً، كونه مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ضعيف جداً، في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك، وحديث المتروك شديد الضعف، لا يقبل الانجبار، وجوده مثل عدمه.
يقول ابن حجر: "والصحيح أنه موقوف، كذا أخرجه ابن خزيمة" يعني موقوفاً على ابن عباس، وإسناده إلى ابن عباس صحيح، الموقوف صحيح، وهذا من اجتهاد الصحابي، وعرفنا فيما تقدم أن تحديد المسافة لا يصح فيها شيء مرفوع، وفيها من أقوال الصحابة ومن جاء بعدهم الشيء الكثير، ولذا اعتمد الجمهور على التحديد.(44/11)
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير أمتي)) " المقصود أمة الإجابة وإلا أمة الدعوة؟ أمة الإجابة ((خير أمتي الذين إذا أساءوا استغفروا)) {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ} [(135) سورة آل عمران] والاستغفار شأنه عظيم، الاستغفار جاءت به النصوص القطعية من نصوص الكتاب والسنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحفظ عنه في المجلس الواحد أنه يستغفر سبعين، وفي بعض المجالس مائة مرة -عليه الصلاة والسلام- وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ((خير أمتي الذين إذا أساءوا استغفروا)) وجاء في الخبر ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً)) فالاستغفار هو طلب المغفرة شأنه عظيم، فعلى المسلم لا سيما طالب العلم المقتدي المؤتسي أن يكون لهجاً به مع سائر الأذكار، ((الذين إذا أساءوا استغفروا)) أساءوا: ظلموا أنفسهم أو ظلموا غيرهم يبادرون بمحو أثر هذا الظلم وهذه الإساءة بالاستغفار ((وإذا أحسنوا استبشروا)) فعلوا عملاً صالحاً سرهم هذا العمل الصالح يستبشرون، ومن سرته حسنته وساءته سيئته جاء الخبر بمدحه.
((إذا أحسنوا استبشروا)) لا شك أن المسلم يستبشر بالعمل الصالح، ويسوؤه العمل السيئ ولو فعله بطوعه واختياره لكنه يندم عليه، والندم توبة، ((وإذا سافروا قصروا وأفطروا)) وهذا هو الشاهد من الحديث، ((إذا سافروا قصروا وأفطروا)) هذا هو الشاهد، فالقصر والإفطار أفضل، والقصر فيه ما تقدم من أنه لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أتم، وأما بالنسبة للإفطار فثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، وسافر أصحابه معه، منهم الصائم ومنهم المفطر.
يقول: "أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف" لأنه من رواية ابن لهيعة، والمرجح فيه أنه ضعيف، الراجح من أقوال أهل العلم أنه ضعيف، يقول: "وهو في مرسل سعيد بن المسيب عند البيهقي مختصر" المرسل رواه الشافعي في منسده، والبيهقي في المعرفة، والمرسل معروف أنه من قسم الضعيف.
ورده جماهر النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ(44/12)
فهو ضعيف، وعلى كل حال هذا الخبر ضعيف.(44/13)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن عمران بن حصين" -ومعناها إن صح الخبر صحيح معناها صحيح، وإن لم يصح الخبر فالجمل كلها على الجادة مثلها- يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: "كانت بي بواسير" والبواسير: جروح وقروح تكون في المقعدة، يقول: "فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة" وكأنه يشق عليه مع هذا المرض أن يصلي من قيام "فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، فقال: ((صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب)) " الترجمة التي معنا باب: صلاة المسافر والمريض هذا إيش؟ مريض، داخل في الشق الثاني من الترجمة ((صل قائماً)) وهذا الأصل، والقيام ركن من أركان الصلاة المفروضة، لكن إذا لم يستطع المسلم أن يصلي قائماً فإنه يصلي قاعداً، إن لم يستطع القعود يصلي وهو قاعد يصلي على جنبه، يصلي على جنبه الأيمن ووجه إلى القبلة ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) وهذا على سبيل اللزوم؛ لأن القيام ركن من أركان المفروضة مع القدرة عليه، إن لم يستطع صلى قاعداً، إن لم يستطع يصلي على جنب، وهذا الحديث تقدم، وذكرناه مثال إن كان فيكم من يذكر مع حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) ذكرناه مثال لما يكون فيه العمل بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، أهل العلم يطلقون أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا الحديث مع الحديث الآخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) دليل على أنه قد يلجأ إلى السبب، ويقصر الخبر على سببه لوجود المعارض، هذا الحديث محمول على الفريضة، يصلي قائم، إن لم يستطع فقاعد، والنافلة له أن يصلي قاعد ولو كان ممن يستطيع القيام، استدلالاً بالحديث الآخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) لماذا حملناه على النافلة؟ أقول: هو محمول على النافلة لمن يستطيع القيام، فالذي يستطيع القيام لا تصح منه الفريضة إلا من قيام، والذي يستطيع القيام تصح منه النافلة، الذي يستطيع القيام تصح منه النافلة من قعود، لكن ليس له من الأجر إلا النصف، ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) طيب ما الدليل على هذا التفريق؟ الدليل سبب ورود الحديث الثاني،(44/14)
الحديث الثاني ورد على سبب، النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة -فيها حمى- فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، هذا دليل على أنها نافلة، صلاتهم كانت نافلة؛ لأنهم لا يمكن أن يصلوا الفريضة قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، وهو أيضاً هو محمول على من يستطيع القيام، أما الذي لا يستطيع القيام ويصلي من قعود أجره كامل؛ لأنه إذا كان أجره كاملاً في الفريضة من باب أولى النافلة، وهو محمول على من يستطيع القيام، أما من لا يستطيع القيام فأجره كامل، بدليل أنهم لما سمعوا هذا الحديث تجشموا القيام، يستطيعون القيام فقاموا، فالذي لا يستطيع القيام صلاته صحيحة وأجره كامل، والحديث تقدم شرحه وبيانه مع الحديث الذي ذكرناه.
((صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب)) في بعض الروايات: ((فإن لم تستطع فأومئ إيماءً)) وبعض أهل العلم الذي لا يثبت هذه الزيادة تقدم الكلام في هذه المسألة، الذي لا يثبت هذه الزيادة يقول: الذي لا يستطيع أن يصلي على جنب تسقط عنه الصلاة، وقول الأكثر أنه ما دام مناط التكليف وهو العقل باقياً فالمسلم مطالب بالتكاليف، فيصلي على حسب حاله، فيومئ إيماءً.(44/15)
الحديث الذي يليه: حديث "جابر -رضي الله عنه- قال: "عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- مريضاً فرآه يصلي على وسادة فرمى بها" يصلي على وسادة فرمى بها, "وقال: ((صل على الأرض إن استطعت)) الصلاة على الأرض هي الأصل لكن مع الاستطاعة ((إن استطعت وإلا فأومئ إيماءً, واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) يعني إذا صلى من لا يستطيع القيام ويأتي كيفية الجلوس والخلاف فيه، هل يصلي متربعاً أو يصلي مفترشاً؟ يصلي وهو جالس، وأعني بذلك المعذور، فإذا جاء ركن الركوع خفض رأسه، يخفض رأسه، إذا جاء ركن السجود يخفضه أكثر من ذلك، فإن كان يستطيع يباشر الأرض حال السجود فهو المطلوب، يصلي على الأرض، إن كان لا يستطيع أن يباشر الأرض في حال السجود يخفض رأسه ويهصر بدنه أكثر من حال الركوع ((واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) إذا أجري للإنسان عملية جراحية في عينه وقيل له: لا تركع ولا تسجد، اصلب قائماً، ويستطيع القيام يقوم، لا تركع ولا تسجد، هل يحتاج أن يرفع شيئاً يسجد عليه أو يسجد على يده كما يفعله بعض الناس يقول هكذا؟ لا يحتاج؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رمى بهذه الوسادة، وعلى كل حال الحديث مختلف في وصله ووقفه، في رفعه ووقفه، يقول: "رواه البيهقي، وصحح أبو حاتم وقفه" الحديث موجود عند البيهقي في سننه الكبرى وفي المعرفة، معرفة السنن والآثار، لكن أبا حاتم صحح وقفه، والغالب أن أبا حاتم إذا اختلف في الخبر من حيث الرفع والوقف أو الوصل والإرسال أنه يميل إلى المتيقن، وهو الوقف والإرسال، وعلى كل حال هذا الحديث تقدم في آخر باب صفة الصلاة قبيل سجود السهو.
أحياناً يكون الإنسان في مكتبه في مكتبه في العمل المصحف أمامه يقرأ تأتي آية سجدة، في الحديث الذي معنا يصلي على وسادة، وهذا الموظف الذي يقرأ في مكتبه المصحف أمامه الأولى أن ينزل ويسجد على الأرض كما هو مقتضى هذا الحديث، والسجود على الأرض هو الأصل، لكن إذا قال .. ، سجد، وضع يديه على الطاولة أو على الكرسي وسجد، يكفي وإلا ما يكفي؟ أو نقول: هذه الطاولة بمثابة الوسادة ينبغي أن يرمى بها؟(44/16)
تأملوا النص: "فرمى بها وقال: ((صل على الأرض إن استطعت)) " وهذا يستطيع ينزل من الكرسي ويسجد على الأرض وهذا هو الأصل، وبعض الناس يقرأ في السيارة فتمر به آية السجدة ويسجد على الطبلون مع أمن المفسدة، مع أمن الخطر، وبعض الناس يقرأ وهو يمشي في الشارع ثم تمر به آية سجدة فهل يترك السجود أو ينحني قليلاً إشارة إلى أنه يسجد حسب استطاعته كالمعذور أفضل من أن يترك هذه السنة؟ أو نقول: إن هذه السنة عبادة إن لم تؤدَ على وجهها فلتترك؟ وقل مثل هذا إذا كان يقرأ القرآن في المطاف في وقت زحام ماذا يصنع؟ أو في وقت سعة هل يسجد أو نقول له: لا تقطع الطواف واصل الطواف ولا تسجد؟ كل هذه مسائل تحتاج إلى انتباه.
الحديث أصل في أنه لا يسجد إلا على الأرض مع الاستطاعة، أما مع عدم الاستطاعة مع عدم الاستطاعة يمشي في شارع عام والسيارات رايحة جاية وهو يقرأ القرآن ويسجد، خطر، ما يمكن، مع ما جاء من نهي عن الصلاة في قارعة الطريق، فهل نقول له: أومئ إيماءً مثل ما جاء في هذا الحديث لأنك لا تستطيع أو نقول: هذه عبادة ائت بها على وجهها وإلا فهي سنة اتركها؟ على القول بأنه موصول لأن الذي صحح أبو حاتم وقفه، واللي غيره صححوا رفعه، وعلى كل حال الحديث مصحح عند جمع من أهل العلم، مصحح؛ لأنهم يقولون: الرفع زيادة ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة.
وعلى كل حال نقول: تحصيل السنة والسنة مبناها على التخفيف الآن الأصل في هذه المسألة أن من يصلي على الراحلة هل يتمكن من السجود والركوع على الوجه المطلوب؟ والحديث فيه إشارة ((صل على الأرض إن استطعت)) فنقول: حصل هذه السنة على وجه مشروع ولو أقل من الوجه الأصلي.(44/17)
بعد هذا حديث: "عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" "يصلي متربعاً" رواه النسائي، وصححه الحاكم" مع أنه مخرج عند ابن خزيمة، وفي الموضع الأول في باب صفة الصلاة أشار الحافظ إلى أنه صححه ابن خزيمة، فلعله وهم هنا، والحديث فيه كيفية الجلوس لمن لا يستطيع القيام، أو أراد أن يصلي نافلة من قعود، هل يقال: إن جلوس الصلاة غالبه الافتراش؟ غالب جلوس الصلاة افتراش فأنت افترش، يعني في ركن القيام للقراءة وبعد الرفع من الركوع هل نقول لمن أراد أن يصلي من قعود: افترش كما تفترش في التشهد الأول وفي الجلسة بين السجدتين؟ انصب اليمنى واجلس على اليسرى؟ أو نقول له: تورك كما تفعل في التشهد الأخير؟ هنا تقول عائشة: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" يعني في ركن القيام، لا أنه يتربع في التشهد أو يتربع في الجلسة بين السجدتين وهو يستطيع الافتراش، وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام- في حال التشهد الأول وفي الجلسة بين السجدتين يفترش، والتشهد الثاني يتورك كما في حديث أبي حميد وغيره، أما في حال القيام يصلي متربعاً، يصلي متربعاً، لتكون هذه الحالة دالة على أنه في غير تشهد وفي غير جلوس، والتربع يقوم مقام القيام عند العجز عن القيام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم.
يقول السائل: فضيلة الشيخ هل كتاب: (البدر التمام في شرح بلوغ المرام) للقاضي المغربي مطبوع؟ وإن كان مطبوعاً فهل تنصحوا باقتنائه للمبتدئ؟(44/18)
(البدر التمام شرح بلوغ المرام) تحدثنا عنه في بداية الكلام على البلوغ، وهو أصل هذا الكتاب الذي بأيدي كثير من الطلبة الذي هو السبل، سبل السلام، وهو شرح جيد، لكن فيه استطرادات لا يحتاجها طالب العلم، وجله منقول من فتح الباري وشرح النووي والتلخيص، يعني هذه الكتب الثلاثة هي مصادره الأصلية، وفيه استطرادات يستغني عنها طالب العلم حذفها الصنعاني في هذا المختصر، وأضاف إليه فوائد لا توجد في (بدر التمام) على كل حال الكتاب طبع منه جزأين فقط، يعني تعادل ربع الكتاب، طبعت، والكتاب نصفه جاهز يعني محقق وجاهز للطبع، لكن الطلب عليه ليس بالكبير باعتبار أنه ليس من الكتب التي ينبغي لطالب العلم أن يوليها الاهتمام الزائد، يعني ما هو مثل الشروح المعتمدة عند أهل العلم مثل فتح الباري أو شرح النووي على مسلم حتى سبل السلام أو نيل الأوطار، هذه درجتها أقل، لكن لا يخلو من فائدة على كل حال.
هذا سؤال مهم ملح أقصد من النساء تقول السائلة: فضيلة الشيخ أنا امرأة مرضع وعادتي الشهرية في حال الرضاع تتأخر عن وقتها كثيراً، وصفة الدم تتغير بأن تكون كدرة شديدة وصفرة مدة الدورة، مع بقاء الريح أكرمكم الله، تقول: ما حصل معي فضيلة الشيخ أنه جاءتني كدرة شديدة ثم صفرة مع وجود الرائحة لمدة عشرة أيام علماً أن عادتي ثمانية أيام فاعتبرتها حيضاً، حيث أن العادة عندي تأخرت قبلها قرابة الشهرين، ثم بعد هذه العشرة الأيام طهرت ثلاثة أيام، ثم جاء دم غزير لم أعتد عليه في حال الرضاع أو غيره، واستمر سبعة أيام لم أصل فيها، ثم بعد الطهر قضيت الصلاة يومين بناءً على أن أكثر مدة الحيض خمسة عشر يوماً فهل فعلي صحيح؟ وفقكم الله.(44/19)
الحامل والمرضع في مجيء أو إتيان الدورة لهما محل خلاف بين أهل العلم، والخلاف في الحامل قوي، بل المرجح أنها لا تحيض، المرضع الصحيح من أقوال أهل العلم أنها تحيض، فإذا كانت هذه الكدرة التي تذكرها الأخت في وقت الدورة في وقت عادتها فإنها حيض، أما إذا كانت في غير وقت الدورة المعتادة بالنسبة لها، فإنها ليست بشيء، وليس بغريب أن يرتفع نزول الدورة عن المرضع، هذا ليس بغريب، فإذا كان ما ينزل عليها من دم يوافق وقت الدورة، أو يوافق لون الدم ورائحة الدم إن كانت مميزة فأنها تجلس وإلا فلا، إذا كان لا يوافق وقت الدورة، ولا لون دم الدورة ولا رائحته فالأصل أن الحيض عنها مرتفع، وما ينزل عليها هو دم فساد، يسمونه نزيف تصوم وتصلي.
هذا السائل يقول: قال شخص عن نفسه يقول: لعنه الله إن فعل هذه المعصية مرة أخرى ثم فعلها فماذا عليه؟
عليه التوبة والاستغفار، وألا يعود لمثل هذا؛ لأن اللعن أمره شديد، يتساهل فيه كثير من الناس، وجاء في الحديث الصحيح أن أكثر أهل النار النساء وسبب ذلك يكثرن اللعن، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) ((وليس المؤمن بالطعان ولا باللعان)) فعلى الإنسان أن ينزه لسانه عن هذه البذاءة التي لا تليق بالمسلم، فعليه حينئذٍ أن يتوب ويستغفر ولا يعود لمثل هذا ويندم عليه، نعم.
من الإنترنت يقول السائل: فضيلة الشيح -حفظكم الله- قناة المستقلة التي يلغ فيها المبتدعة في عرض شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- نريد كلمة توجيهية لعموم المسلمين تجاه تلك القناة والمشاهدة لذلك البرنامج، وجزاكم الله خيراً؟(44/20)
القنوات عموماً وما تبثه من سموم من شهوات وشبهات لا شك أنها كارثة ومصيبة وفتنة عظمى دخلت البيوت بغير استئذان، ولا شك أن من يمكن من تحت يده بمشاهدتها أنه جانٍ خائن للأمانة، فلا يجوز بحال النظر إلى هذه القنوات، لا للشخص نفسه، ولا لمن تحت يده، ولو قال عن نفسه: إنه يملك وإنه يكتفي بالأخبار وينظر الدروس وينظر .. ، لا، لا أبداً، هذه ضررها أكثر من نفعها وشرها أعظم من خيرها إن كان فيها خير، فلا يجوز بحال الاطلاع عليها، ويحرم اقتناؤها، وكم من مصيبة وكارثة وقعت بين المحارم بسبب هذه القنوات، فإذا كان هذا في الشهوات في المعاصي وتوليد الفجور فما بالك إذا تعدى الأمر ذلك إلى التشكيك في الدين وفي حملة الدين ورجاله، إذا شككنا في خيار الأمة فعن من نأخذ؟ بمن نقتدي؟ فليحذر الإنسان أشد الحذر من اقتناء هذه الآلات المدمرة، وكم من قضية ما كانت تعرف ولا كانت تخطر على البال وجدت بسبب هذه القنوات، قبض على شخص يفعل الفاحشة بدجاجة كيف؟ يعني هل يتصور هذا عاقل؟ فلما بحث عن السبب إذا في برنامج في إحدى القنوات بهذه الطريقة، وكم من قضية وردت إلى المحاكم بين أخ وأخته وبين ولد وأمه، وبين رجل وابنته، يعني هل هذه الأمور يدركها .. ؟ يستطيع تخيلها مسلم لولا وجود مثل هذه الآلات المدمرة؟ فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا-، ويحارب هذه الآلات بكل ما يستطيعه من قدرة، ولا يجوز بحال النظر إليها، والسلامة من جميع هذه الآلات لا يعدلها شيء؛ لأنه يكثر السؤال عن بعض القنوات التي فيها خير كثير مثل على سبيل المثال قناة المجد، نقول: يا إخوان السلامة لا يعدلها شيء، لكن المبتلى وعنده بعض الآلات نقول: المجد خير الموجود، وإذا كان لا يستطيع أن يضبط نفسه أو يضبط أولاده عن الخروج يمين وإلا شمال نقول: ارتكاب أخف الضررين لا بأس به، وإن قلنا: إنها إسلامية، وقلنا: إنها خيرها كثير، لكن ما تسلم، لو لم يكن فيها إلا مشاهدة النساء للرجال، تخلو المرأة بهذه الآلة وتشاهد هؤلاء الرجال، الأصل يجب عليها أن تغض بصرها، لكن نقول: إذا كان هناك ضرر عظيم لا يستطيع الإنسان أن يملك أولاده، يخرجون إلى أعمامهم وأخوالهم وجيرانهم ويشاهدون ما لا يرضاه،(44/21)
نقول: ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشريعة، والله المستعان.
يقول السائل: إذا دخلت المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الثاني فهل الأفضل أن أنتظر حتى يفرغ من الأذان ثم أصلي تحية المسجد أم أشرع في تحية المسجد مباشرة؟
الأذان والأجر المرتب على إجابة المؤذن شيء آني ويفوت، لو شرعت في التحية فاتك هذا الأجر العظيم، والأجر المرتب على ذلك كبير، ففي تقديري أن إجابة المؤذن ثم الشروع في التحية والخطبة مدركة بلا شك، يجيب المؤذن ثم يؤدي التحية، وإن قال بعضهم: إنه يؤدي التحية ويتفرغ لسماع الخطبة؛ لأن الخطبة شرط لصحة الصلاة، نعم.
من الإنترنت يقول: من صلى جالساً كيف يضع يديه على صدره أم على ركبتيه؟
في حال القيام يضع يديه على صدره.
يقول السائل: ذكرتم -حفظكم الله- أنه لا بأس من جمع الجمعة مع العصر للمسافر، ولكن الذي ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو جمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء فهل أوضحتم لنا هذا الإشكال؟
أقول: هذا إشكال، السؤال إشكال، فهل أنا قلت: بجواز جمع الجمعة مع العصر أو قلت: لا يجوز جمع الصبح مع غيرها، ولا الجمعة مع غيرها؟ مو هذا اللي أنا قلت؟
طالب: بلى.
انتهى الإشكال، ما في إشكال، نعم، الإشكال الفهوم، الفهوم يعني مع كثرة الإخوان يوجد من يفهم خلاف المطلوب، ولذلك أمس يقول لي واحد يقول: إنكم تقولون: بصحة صلاة المنفرد خلف الصف أنا قلت هذا؟
طالب: أبداً.
أكدت على هذا مراراً، وضربنا له مسائل ونظائر، وفرعنا عليه أمور، فكيف -سبحان الله- يفهم بعض الناس هذا الفهم؟ أنا لا أستبعد أن يسبق اللسان إلى ما لا يراد، لا أستبعد هذا، قد يكون في سؤال من الأسئلة أنا ما فهمت السؤال، أو فهمت وسبق اللسان إلى غير ما أريد ممكن، لكن أنا اللي أذكر أني أبديت وأعدت في مسألة المنفرد خلف الصف، وأعدتها مراراً، وأن صلاته باطلة، لا صلاة له، يؤمر بالإعادة، نعم، .... وأجل ما فهمت السؤال، ما فهمت السؤال احتمال، لذلك أنا أقول: لا يمنع أن يسبق اللسان إلى غير المراد، لكن هذا الكلام الذي في كلمة واحدة يرد إلى الكلام المحكم الكثير، نعم.(44/22)
من الإنترنت يقول: هل يجوز نسخ صوتيات من مواقع على الإنترنت على أشرطة كاسيت ثم توزيعها أحياناً توزيعاً خيرياً من غير مقابل علماً بأنه نادر ما توجد محلات لشراء التسجيلات الإسلامية في بلادنا؟
هو الآن يستشكل مسألة النسخ من غير إذن، من غير إذن أصحاب المواقع، وأن حقوقها محفوظة هذه مسألة، وإذا كانوا يأذنون بالنسخ والتسجيل وحتى التفريغ على أوراق واستنساخ الورق إذا كانوا يأذنون بهذا فلا بأس، لا مانع من ذلك، إذا كانوا لا يأذنون لا بد من إذنهم، وإن كان الأصل أن العلم غير حكر على أحد، وأنه لا يملكه أحد إلا من تعب عليه حتى يأخذ مقابل أتعابه، فإذا أخذ ما يقابل الأتعاب حينئذٍ لا بأس من .. ، لأن العلم مشاع بين الناس كلهم، لا يملكه أحد إلا من تعب فيكون له شبه اختصاص في هذا الأمر، كما أن الناس شركاء في الكلأ وفي الماء وفي النار، لكن من ذهب في سيارته واحتش من الكلأ وتعب عليه ووضعه في بيته يأتون الجيران يأخذون من غير إذن، أو استنبط الماء وجاء به ونقله وتعب عليه يستولى عليه من غير إذنه؟ لا، وإن كان في الأصل الناس شركاء في هذه الأمور في أماكنها، لكن ليس لأحد أن يحرج على الناس أن يستفيدوا من كتاب لمتقدم مثلاً مبذول موجود في الأسواق، نعم، يقول: أنا أحرج على الناس أن يستفيدوا من بلوغ المرام مثلاً، نقول: لا يا أخي أنت ما تملك، نعم تعبت على هذه المسألة وعلى هذا الكتاب وأخذ عليك الجهد والوقت والمال، نعم لك أن تحتكر حتى تستوفي ما يقابل أتعابك، وبعد ذلك ليس لك شيء.
كذلك من الإنترنت تقول السائلة: ما مدى صحة زواج فتاة قامت أختها بالحضور بدلاً منها وبدون علمها في المحكمة للموافقة أمام القاضي على الزواج بمعنى أن العقد كتب في حضور الأخت، والقاضي ظن أن الفتاة الحاضرة هي الفتاة المعقود عليها والمكتوب اسمها في العقد، والفتاة المعقود عليها لم تكن تدري وغير موافقة؟
إذا كانت غير موافقة فالنكاح غير صحيح، لا بد من إذنها، لا بد من إذنها، والولي لا يملك الإجبار، إجبار المكلفة العاقلة لا يملكه الولي، فلا بد من إذنها.
أحسن الله إليك.(44/23)
يبقى أن مسألة الإنترنت والإفادة منه ينبغي أن تكون على أضيق نطاق، وبقدر الحاجة؛ لأن فيه أبواب من الشرور استرسل فيها كثير من الإخوان فضاعوا، ووقعوا في أمور صارت سبباً في ضياعهم، وإهدار أوقاتهم، وتساهلهم في فعل الواجبات، وتساهلهم أيضاً في ارتكاب بعض المحرمات، فينبغي أن يكون الإفادة من الإنترنت بقدر الضرورة، إما أن يستمع درس أو شبهه، وما عدا ذلك يترك.
طالب:. . . . . . . . .
العكس، العكس البكر تستأذن وإذنها صماتها، تصمت، تسكت، والثيب تستأمر، يطلب أمرها، لا بد أن تنطق.
أحسن الله إليك.
من الإمارات يقول السائل: في الصلاة إذا قرأت آية ولحنت فيها لحناً جلياً أُغير في التشكيل هل تبطل الصلاة؟
إن كانت من الفاتحة فنعم، إذا كان اللحن يحيل المعنى والآية من الفاتحة التي قراءتها ركن من أركان الصلاة نعم، أما ما عدا ذلك فلا، لا يبطل الصلاة.
يقول السائل: من خرج إلى مخيم خارج المدينة بمسافة مائة وعشرين كيلو متر تقريباً فهل له الجمع والقصر؟
نعم على رأي جمهور أهل العلم يجمع ويقصر ويترخص، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: هل هذا دليل على أن الخمر غير نجسة .... قال هو: إن الخمر والأنصاب والأزلام ..
إنما، إنما.
نعم، هو كتب هكذا يا شيخ، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان، يقول: نجاسة عينية؟
هو يقول يستدل بهذا على النجاسة أو على عدم النجاسة؟
على أن الخمر غير نجسة نجاسة عينية؟(44/24)
لا، إذا أخذنا بالآية قلنا: نجسة، الرجس النجس، الشيطان الرجيم بالنص، تفسير الرجس بالنجس، لكن نجاسة الخمر محل خلاف بين أهل العلم، والجماهير على أنه نجس، الجمهور على أنه نجس، نعم أنا لم أقف على دليل ينهض على القول بنجاسته غير هذه الآية، التي يستدل بها على غير النجاسة، وإن كانت دلالة الاقتران تدل على عدم النجاسة؛ لأن الخمر قرن بأمور متفق على طهارتها، لكن دلالة الاقتران عند أهل العلم ضعيفة، فيتقى بقدر الإمكان، ومن أهل العلم من يقول: إنه ليس بنجس وأريقت في سكك المدينة، ولو كانت نجسة لما جازت إراقتها، وإذا تخللت طهرت، المقصود أن الكلام لأهل العلم في هذا كثير، والجمهور على أنها نجسة، فعلى المسلم أن يتقيها بقدر الإمكان.
أحسن الله إليك.
يقول: ما حكم العطور التي فيها نسبة من الكحول؟
إذا كانت مسكرة فحكمها حكم الخمر، إذا كانت مسكرة تصل إلى حد الإسكار فحكمها حكم الخمر، فتكون نجسة على قول الجمهور، وطاهرة على القول الآخر، منهم من يرى أن الكحول مزيد، زيد في التطهير، نعم.
الذي ترجحونه؟
يزيد في التطهير، أقول: إن ما يستدل به الجمهور على نجاستها لا ينهض عندي على القول بالجزم، لكن يكون من باب اتقاء الشبهة اتقاؤها، لكن لو باشرت بدن الإنسان أو ثوبه أو بقعته التي يصلي عليها ما يؤمر بالإعادة، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: متى تبدأ الساعة الأولى من يوم الجمعة؟
من طلوع الشمس، من طلوع الشمس وارتفاعها.
يقول: ما حكم من قال لصاحبه ممازحاً: الله يسلط عليه العافية والستر؟
يريد أن يمزح على صاحبه بهذا الدعاء يدعو له أو يدعو عليه؟ التسليط استعماله العرفي نعم في المكروه لا في المحبوب، نعم، وقام شخص يسأل والإمام -إمام المسجد- من أهل العلم فقال هذا الفقير الذي يسأل: سلط الله عليه الأمراض هو يخبر عن نفسه، فقال له الشيخ: قل: قدر الله علي وكتب، سلط هذه لا شك أنها في الغالب استعمالها العرفي إنما تستعمل فيما يكره.
يقول السائل من الإنترنت -أحسن الله إليكم- هل صح شيء في قراءة سورتي الإخلاص في راتبة المغرب؟
نعم تقرأ في راتبة المغرب، وفي راتبة الصبح، وفي ركعتي الطواف، نعم.
أحسن الله إليك.(44/25)
هل للحاضر في خطبة الجمعة أن يرفع يديه عند التأمين مع الخطيب؟ وهل للخطيب ذلك كذلك عند الدعاء؟
الخطيب يدعو، يدعو من غير رفع لليدين، إلا إذا كان الدعاء دعاء استسقاء، وكذلك المأموم من باب أولى، فإن لم يكن الدعاء دعاء استسقاء يدعو يشير بأصبعه، أصبعه يرفعها ويدعو بها.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: هل تجهر المرأة في إمامة النساء إذا كانت صلاة جهرية؟
إذا كانت بحضرة الرجال ويخشى الفتنة لا تجهر، كما أنها لا ترفع صوتها بالتلبية، أما مع الخلوة وفي مكان ليس فيه إلا نساء فلا مانع من الرفع.
تقول: ما حكم من صلى على يسار الإمام إذا كان المكان مزدحماً؟
صلى إيش؟
صلى عن يسار الإمام إذا كان المكان مزدحماً؟
يسار الإمام ويمينه فارغ؟ يمين الإمام فيه أحد وإلا ما في؟
يقول: مزدحم.
لا، هو الاحتمال أن يكون الإمام في المحراب ما في فرصة عن يمينه ما في إلا عن يساره، نعم والمسجد مزدحم ما في غير هذا، هذا احتمال، هذه صورة، وحينئذٍ لا تصح صلاته، لكن لو كان عن يمينه أحد وصلى عن يساره فلا بأس؛ لأن ابن مسعود توسط اثنين وصلى بينهما.
يقول السائل: فضيلة الشيخ نحن نسافر من جدة إلى هذه المنطقة بالسيارة فيما يقارب الثنتا عشرة ساعة فهل نقصر في تلك الصلوات؟ وإذا سافرنا بالطائرة فإن المدة هي ساعتين فهل نقصر إذا خفنا خروج الوقت؟
عرفنا أن المرد في هذا عند أكثر العلماء إلى المسافة، والمسافة متحققة، فلكم الترخص حينئذٍ.
يقول: هل يجوز إذا فات المسلم سنن الرواتب مثلاً السنة قبل الظهر أن يجعلها ويجمعها مع السنة بعدها؟ وهل يصح أن يصلي الأربع ركعات قبل العصر بعدها؟(44/26)
أما الرواتب فإذا لم يخرج وقت الصلاة المرتبة لها فتقضى، الأولى أن تقضى، فإذا فاتت الركعات الأربع الراتبة القبلية لصلاة الظهر يقضيها بعد أن يؤدي الصلاة والراتبة البعدية، ثم بعد ذلك يأتي بالقبلية، فيقدم الفريضة إذا جاء والصلاة قد أقيمت يصلي مع الجماعة فرض، ثم يأتي بالراتبة التي هي بعد صلاة الظهر؛ لأنه وقتها، والراتبة القبلية مقضية مقضية، فتكون بعد الراتبة البعدية فتقضى بعد ذلك، لكن إذا خرج وقت الظهر يقول أهل العلم: إنها سنة فات محلها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا مما يختص به أنه إذا عمل عملاً أثبته، فاتته راتبة الظهر فقضاها بعد العصر، وهذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم.
أحسن الله إليك.
هذا توضيح للسؤال السابق حول نسخ المواد من الإنترنت يقول: المواد متوفرة في الإنترنت، وهنا كي تحصل على شريط عليك بالسفر لمنطقة أخرى، وربما قديمة، وربما لا تجد ما تريد، فتضطر لأن تنسخ من الإنترنت للاستفادة لنفسك، أو لمن هو في حاجة إليها ليس للتجارة؟
إذا لم يكن الكميات تجارية مؤثرة على صاحب العمل الأصلي، يعني شيء يسير لا أثر له في تجارة أو في ما يؤثر على مردود صاحب العمل الأصلي كنسخ ورقة أو ورقتين من كتاب، أو شريط أو ما أشبه ذلك لا يظهر فيه شيء -إن شاء الله تعالى-.
أحسن الله إليك.
يقول: هل هناك حديث صحيح يدل على جواز تحريك الأصبع في التشهد في الصلاة؟
التحريك جاء في مواضع، إدامة التحريك ضعيف، كون الأصبع ترفع ويقرن هذا الرفع بلفظ الشهادة هذا ثابت، ولذا لما رفع الأصبعين قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أحد أحد)) وأيضاً من الثابت الرفع، رفع الأصبع عند الدعاء، عند الدعاء، وهذا أمر مقرر، ومنهم من يقول: إنها تحرك باستمرار، وجاء ما يدل على ذلك، لكن لا يسلم من مقال، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: هل تصح إمامة الفاسق للناس؟ وما حكم من أم الناس وهو حالق للحيته أو مطيل لثوبه؟ وما حكم صلاة من خلفه؟(44/27)
ذكرنا أقوال أهل العلم في إمامة الفاسق، الحنابلة يشددون في هذا، ومن نصوصهم في كتبهم: "ولا تصح خلف فاسق ككافر" وفي الحديث الذي ورد معنا: ((ولا فاجر مؤمناً)) والحديث ضعيف، ولذا الجمهور على أن صلاة الفاسق صحيحة، وكل من صحت صلاته صحت إمامته، وجاء الأمر بالصلاة خلف أئمة الجور وهم فساق، فإمامتهم صحيحة -إن شاء الله تعالى-.
أحسن الله إليك.
يقول: إذا دخلت المسجد والإمام ساجد في صلاة الجمعة وأنا لا أعلم في أي ركعة هو فهل أدخل بنية الظهر أم بنية الجمعة؟
تدخل بنية مترددة فإن كنت أدركت ركعة فهي الجمعة، وإن لم تدرك ركعة تضيف إليها الركعات الأخريات، ومثل هذا التردد لا يضر، أنت دخلت بنية فريضة إما الجمعة أو الظهر، ولا يلزم التعيين مع عدم القدرة عليه، لا تستطيع أن تعين والذي لا يستطاع لا يلزم، فأنت دخلت والإمام ساجد لا تدري هل هو في الركعة الأولى وبقيت له ركعة، أو في الثانية وتكون الصلاة حينئذٍ قد انتهت، مثل هذا التردد لا يضر -إن شاء الله تعالى-، قد يقول قائل: لماذا لا ينتظر حتى يتبين إما أن يجلس الإمام للتشهد أو يقوم للثانية ويدخل في الصلاة بيقين؟ نقول: قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وما أدركتم فصلوا)) يرد هذا الاحتمال، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول السائل: ما حكم ما يفعله بعض الأئمة من المداومة على قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة؟
جاء ما يدل على أنها يداوم عليها، وأنها تقرأ ديمة، يعني مداوماً عليها، لكنها لا تشبه بالواجبات، فيكثر من قراءتها في يوم الجمعة، لكنه يخل بذلك أحياناً؛ لئلا تتشبه باللازم الواجب، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: ما حكم السفر إلى دولة البحرين للمسافر؟ هل يقصر ويجمع الصلاة ويفطر أم لا؟
المسافة كم؟
عشرين كيلو.
لا، ليست مسافة قصر، ليست مسافة قصر، هذا إذا كان السفر مباحاً، أما إذا كان السفر محرماً فعرفنا أن العاصي بسفره لا يجوز له أن يترخص ولو بلغت المسافة أو تحققت المدة.
أحسن الله إليك.
يقول: ما حكم تغميض العينين أثناء الصلاة في المكان المظلم؟(44/28)
تغميض العينين معروف أن من أهل العلم من يطلق فيه الكراهة لما فيه من مشابهة اليهود، وابن القيم -رحمه الله- يقول: "إذا كان يحقق مصلحة راجحة كالخشوع مثلاً فيستحب" وهذه المسألة ذكرناها سابقاً، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: لماذا يتم تحديد مدة القصر بأربعة أيام مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة وكذلك في فتح مكة؟
ذكرت سابقاً أن الأدلة التي يستدل بها الجمهور على التحديد غير ملزمة، ولا تنهض على الإلزام، لكن هذا من باب المحافظة على الصلاة التي هي أعظم شعائر الدين الظاهرة، ومن باب الخروج من عهدة الواجب بيقين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أذن للمهاجرين أن يمكثوا بمكة التي هاجروا منها ثلاثة أيام فدل على أن هناك فرق بين الثلاثة والأربعة، فدل على أن هناك فرق، وهو أيضاً لم يقم بمكان واحد أكثر من أربعة أيام إلا على نية التردد ما يدري متى يرجع؟ إذا كان الأمر كذلك فمن الصحابة من مكث ستة أشهر، وهذه المسألة سبق بسطها، وعرفنا أن الشيخ -رحمة الله عليه- كان يفتي بقول شيخ الإسلام وهو أنه ما دام الوصف موجود فالحكم ساري، ما دام السفر الذي هو مناط الترخص موجوداً فحكم هذه الرخص ساري، لكنه رجع عن هذا القول لما ترتب عليه من تضييع بعض المسافرين لفرائض الدين، وإذا عرفنا أن الجمهور يرون .. ، أو الكل لا يوجد من أهل العلم من يبطل من صلى الصلاة كاملة أربع ركعات، ولا يبطل صلاة من صلى كل صلاة بوقتها، لا يوجد من يقول بذلك، حتى عند الحنفية الذين يقولون بوجوب القصر .... لا يبطلون الصلاة، يأثم من فعله، والجمهور عندهم أن من تجاوز المدة المحددة صلاته باطلة، صلاته باطلة، فلماذا نعرض الصلاة للبطلان ولو على قول، فالاحتياط كما قال الشيح -رحمة الله عليه- أن يسلك مسلك الجمهور فتحدد المدة بأربعة أيام، وتحدد المسافة بثمانين كيلو، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: إذا كنت مسافراً في مدة أقل من أربعة أيام وسكنت بجوار مسجد فهل يجب علي صلاة الجماعة أو يجوز أن أصلي منفرداً مكان إقامتي؟
إذا كنت تسمع النداء لا بد من الإجابة حيث ينادى بها وهو المسجد، نعم.
أحسن الله إليك فضيلة الشيخ.(44/29)
يقول: ما حكم من يهتز عند قراءة القرآن الكريم ليس لقصد تقليد اليهود ولكن لأنه أنشط له؟
على كل حال هذا ليس من صنيع سلف هذه الأمة وخيارها، فإذا لم يكن في البال تقليد اليهود الذين قيل عنهم أنهم أثناء قراءتهم يهزون هذه الهزة، ويتحركون ويميدون هذا الميد فالأمر أخف، لكن الأصل أن كل عمل فيه مشابهة ممنوع.
أحسن الله إليك.
يقول: صليت إماماً وبعد الصلاة بساعتين تبين لي أني مسحت على الشراب وأنا على غير طهارة فماذا يلزمني؟ وماذا يلزم المأمومين؟
المأمومين لا يلزمهم شيء، لا يلزمهم شيء، أما بالنسبة لك وقد مسحت على غير طهارة عليك أن تعيد الصلاة بعد أن تخلع الخف وتمسح على طهارة كاملة، تعيد الصلاة، نعم.
أحسن الله إليك.
يقول: ذكرتم -حفظكم الله- أن كل من صحت صلاته صحت إمامته فهل نستطيع ... على أن إمامة المصاب بسلس البول صحيحة؟
الأمر كذلك، ما دام تصح صلاته لنفسه تصح إمامته، هذا قول مطرد عند أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أن الأكمل أن يؤم الناس من كملت طهارته فسلم من هذا الداء، وطهارته كاملة بمعنى أنها أصلية بالماء، فلا يؤم المتيمم بالمتوضئ دون العكس، ولا من به سلس، سلس البول وسلس الريح بالمعافى، وإن كانت القاعدة والأصل أن من صحت صلاته صحت إمامته، وهذا يشمل المتيمم صلاته صحيحة وكاملة، وكذلك من به نوع من المرض الذي يجعل طهارته ناقصة، نعم.
أحسن الله إليك.
تقول السائلة: رجل يريد تزويج ابنته من رجل لا ترغب فيه فرفضت فقال لها: أنا لست راضٍ عنك ودعا عليها فهل توافق خوفاً من أن دعوة الوالد مستجابة مع أنها لا تريده أبداً؟
إذا كانت ترفضه لأمر مقبول لا ترضى دينه ولا أمانته فليس لأبيها أن يكرهها، وليس عليها أن تقبل مشورة أبيها بهذه الحالة، ولا يلزمها طاعته في هذه الصورة؛ لأن الطاعة بالمعروف، أما إذا كان ممن ترضى ديانته وأمانته فعليها أن تقبل بمشورة أبيها، وأبوها أعرف بمصلحتها غالباً، وإلا إذا رفضت ليس عليها شيء؛ لأن الأمر لا يعدوها، والأب ليس له أن يكرهه موليته بكراً كانت أو ثيباً إذا كانت مكلفة.
أحسن الله إليك.(44/30)
جاءت أسئلة كثيرة جداً يسأل الإخوة فيها عما يشترى من الكتب لطالب العلم وكيفية البداية في طلب العلم، وكذلك كيفية كتابة التعليقات على الكتب؟
هذه الأمور ما يتعلق بالقراءة والإفادة من الكتب والطلب صار فيها عدة لقاءات وسجلت والآن موجودة وإن كانت ناقصة وفي النية إكمالها -إن شاء الله تعالى-.
أحسن الله إليك.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.(44/31)
بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة (31)
شرح: باب: صلاة الجمعة.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما تفضل به الشيخ -وفقه الله- من الحرص على العلم والسعي الجاد في تحصيله لا يحتاج إلى مزيد لا سميا إذا استحضرنا النصوص الثابتة من الكتاب والسنة القطعية في أهمية العلم وفضل العلماء، ومنازل أهل العلم في الدنيا والآخرة، وأن الله -جل وعلا- يرفعهم بهذا العلم درجات على غيرهم، فلسنا بحاجة إلى مزيد في بيان فضل العلم والعلماء، لكن على طالب العلم أن يستحضر هذا دائماً؛ ليكون باعث له على الاستمرار في التحصيل، وداعياً قوياً على الصبر والمصابرة على هذا الباب العظيم من أبواب الجهاد، فهذا باب عظيم يحقق به العبد الهدف الذي من أجله خلق وهو العبودية لله -جل وعلا- على مراد الله -سبحانه وتعالى-، ينفع نفسه وينفع غيره، يتعلم العلوم الشرعية المورثة للخشية على الجادة المعروفة عند أهل العلم، ويطلب العلم على أهله، ويلازم أهله المعروفين بالعلم والعمل، ثم بعد ذلك يعمل بما علم، ويعلم غيره، ويستحق أن يكون بذلك ربانياً إذا كان مخلصاً لله -جل وعلا- في جميع ذلك في العلم والتحصيل، في العمل والتطبيق، في التعليم والتوجيه، ما قاله الشيخ لسنا بحاجة إلى أن نضيف فيه شيئاً؛ لأن فيه خير وبركة -إن شاء الله تعالى- لكن نبدأ بما نحن بصدده بشرح أحاديث البلوغ، والمدة قليلة ما تفي بالقدر الذي النية -إن شاء الله تعالى- جادة في تحقيقه، وختم الكتاب في أقرب مدة، هذا لا شك أنه مطلوب من الإخوان لكنه ليس بهدف، هدفنا أن نستفيد الفائدة المرجوة المطلوبة، يعني نبسط في موضع البسط، ونختصر في موضع الاختصار -إن شاء الله تعالى-، والله المستعان.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -يرحمه الله-.
"باب: صلاة الجمعة:
عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله- ...
الترجمة فيها صلاة الجمعة؟
سم يا شيخ.
وإلا باب الجمعة؟
باب: صلاة الجمعة، طبعة الزهيري.(45/1)
كل الطباعات فيها هذا وإلا باب الجمعة؟
طالب. . . . . . . . .
نعم؟
طالب. . . . . . . . .
لأن صلاة هذه في الغالب يذكرها الشراح، يعني باب بين قوسين، ثم بعدها صلاة ثم بين قوسين الجمعة، تجد بعض الإخوان الذين ينشرون الكتب ينشرون العنوان على ما وجدوا، والغالب أن صلاة هذه من كلام الشارح وليست من كلام المؤلف، وقد توجد في بعض النسخ، قد توجد في بعض النسخ، نعم.
قال -رحمه الله-: "عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)) رواه مسلم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الجمعة" الباب عرفناه مراراً، وأنه في الأصل لما يدخل معه ويخرج منه في المحسوسات، هذه حقيقته اللغوية والعرفية عند الناس، العرف العام على هذا، لكن العرف الخاص عند أهل العلم أنه ما يضم مسائل علمية وفصول، ويدخل في الغالب تحت كتاب، وهو أيضاً من إطلاق الحقيقة وليس بمجاز على ما يقولون، لكنها الحقيقة الخاصة، الحقيقة العرف الخاص عند أهل العلم، كما ذكرنا ذلك مراراً.(45/2)
"باب: الجمعة" في الحديث الأول يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم-" الضمير يعود إلى الثلاثة إلى عبد الله وعمر وأبي هريرة "أنهما سمعا" الترضي والدعاء للثلاثة، وإسناد الخبر إلى الاثنين؛ لأن عمر لا علاقة له بهذا الحديث، الحديث مروي من طريق عبد الله بن عمر وأبي هريرة "أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره" على أعواد منبره هذه من إضافة الصفة إلى الموصوف، الصفة إلى الموصوف، الأصل على المنبر الذي هو من أعواد لا من الطين ولا الجذع الذي كان يخطب إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان يخطب مستنداً إلى جذع فلما كثر الناس قيل له: لو اتخذت منبراً، فاتخذ المنبر من أعواد يعني من خشب، مكون من ثلاث درجات، لما كثر الناس ليراهم أقترح عليه -عليه الصلاة والسلام- أن يتخذ المنبر، فلما جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- ليصعد المنبر الجديد وتخطى الجذع حن إليه الجذع -عليه الصلاة والسلام-، وسمع صوته فنزل النبي -عليه الصلاة والسلام- من منبره واحتضنه حتى سكت، وهذه من معجزاته -عليه الصلاة والسلام- ومن دلائل نبوته، رقي المنبر وخطب -عليه الصلاة والسلام- خطبة كان منها قوله: ((لينتهين أقوام)) ((لينتهين أقوام)) اللام هذه في جواب قسم محذوف تقديره: "والله لينتهين" اللام، وينتهين: فعل إيش؟ مضارع معرب وإلا مبني؟ مبني على إيش؟ على الفتح، لماذا؟ لاتصاله بنون التوكيد، لاتصاله وهذا مهم جداً، تكون النون مباشرة للفعل، وجاء في آخر الحديث: ((ثم ليكونن)) ما قال: ليكونن لماذا؟ نعم؟ النون ما باشرت ليش ما باشرت والنون مع النون؟ نعم فيه الفاصل الواو، الواو واو الجماعة محذوفة، لماذا لا نقول: ((لينتهين)) فيه واو محذوفة؟ نعم؟ ما في واو هنا؟ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأن الفاعل موجود "أقوام"، والفاعل في ((ليكونن)) الواو التي هي كناية عن الأقوام.
وأعربوا مضارعاً إن عريا ... عن نون توكيدٍ مباشر ...
لا بد أن تكون النون مباشرة.(45/3)
((لينتهين أقوام)) جمع قوم، والقوم: الجماعة، ويخصه بعضهم بالرجال {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ} {وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء} [(11) سورة الحجرات] فدل على أن المراد بالقوم هم الرجال، نعم يأتي التعبير بالقوم ويدخل فيه النساء، ويدخل فيهم النساء، لكن هنا يدخل النساء وإلا ما يدخل؟ لا يدخل النساء؛ لأن النساء غير مطالبات بأداء الجمعة ((لينتهين أقوم عن ودعهم)) ودع مصدر أي ترك، ودعهم تركهم للجمعات، والمصدر من هذه المادة الذي هو أصلها مستعمل كما هنا، استعمل أيضاً المضارع ((من لم يدع)) استعمل الأمر ((دع ما يريبك)) لكن أهل العلم يقولون: إن الماضي أميت من هذه المادة، ما يقولون: ودع بمعنى ترك، يقولون: أميت، وأن قرئ في الشواذ: {ما وَدَعَك ربك} ((لينتهين أقوم عن ودعهم)) يعني تركهم الجمعات جمع جمعة، والجمعة بضم الجيم والميم على المشهور جمعة، وسكنها الأعمش في قراءته جمْعة، وضبطه بالفتح جمَعة كهمزة ولمزة، وفي لغية كسرت الميم جمِعة، لكن الأشهر وبها قرأ الأكثر الجُمُعة {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [(9) سورة الجمعة].(45/4)
وفضل هذا اليوم وأنه عيد في الأسبوع معروف ((ما طلعت الشمس على خير من يوم الجمعة)) والخلاف في المفاضلة بينه وبين يوم عرفة معروف عند أهل العلم، والجمعة كما جاء في الحديث الصحيح: ((الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما)) وجاء في حديث آخر أنها ((كفارة لما بينهما وزيادة ثلاثة أيام)) فالمقصود أن فضل يوم الجمعة معروف، وفيه ساعة الاستجابة، وفضل صلاة الجمعة جاء فيه من النصوص ما في حديث الباب ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم)) هذا تهديد وعيد شديد على من تساهل في الجمعة، وجاء: ((من ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه)) لأن التكرار ثلاثاً مطرد في الشرع أنه يجعل الشيء عادة وديدن ((عن ودعهم الجمعات)) يعني الإتيان إلى هذه الصلاة ((أو ليختمن الله على قلوبهم)) والختم: الطبع على القلب نسأل الله العافية، الطبع والاستيثاق منه بحيث لا ينفذ إليه خير ولا يرد الشر، بحيث لا ينفذ إليه خير ولا يرد شراً، هذا الختم {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} [(7) سورة البقرة] يعني طبع عليها، كثير من الناس -من المسلمين- بهذه المثابة وهو لا يشعر، وهذا من مسخ القلوب -نسأل الله السلامة والعافية-، وهو فيما يقرر أهل العلم أنه أعظم من مسخ الأبدان، أعظم من مسخ الأبدان، وسببه التفريط في أمر الله -جل وعلا- والاستخفاف بمحارم الله –تبارك وتعالى-، كثير من الناس مختوم على قلبه، مطبوع على قلبه، ممسوخ، وهذا كما جاء في النصوص يحصل كثيراً في أخر الزمان في هذه الأمة مسخ القلوب ومسخ الأبدان كلها تحصل في آخر الزمان بالنسبة لهذه الأمة.(45/5)
ذكر ابن القيم -رحمه الله- وغيره من هذا الأمر أمور تشيب منها الذوائب، الآن لما يذكر في الخبر أنه يمضي الاثنان إلى المعصية فيمسخ أحدهما خنزير -نسأل الله السلامة والعافية-، ويمضي الثاني إلى معصيته ما يرجع، يمضي إلى معصيته كلاهما ممسوخ، كلاهما مسخ، لكن هذا مسخ بدن، وهذا مسخ قلب -نسأل الله السلامة والعافية-، ويحصل هذا في أخر الزمان، وقرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- أنه يكون في طائفتين من الناس -نسأل الله العافية-، في الحكام الظلمة، وفي العلماء الذين يبدلون شرع الله بالتحريف -نسأل الله السلامة والعافية-.
((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)) الغفلة عما ينفع في الدنيا والآخرة، الغفلة عما ينفع في الدنيا والآخرة، الغفلة عامة، قد يقول قائل: إن كثير من هذا النوع الذين لا يحضرون الجمعات قد نجحوا في أمور دنياهم، وتولوا المناصب العليا، وحصلوا الأموال الطائلة والجهل عريض، نقول: ما أفلحوا ولو صار لهم ما صار من أمور الدنيا، فإن الدنيا كلا شيء بالنسبة للآخرة من جهة، والأمر الثاني: أنه ما يدريك أن هذا المسئول الكبير مفلح، أو هذا التاجر الكبير مفلح، أو هذا الوجيه مفلح؟ ما يدريك أنه يعيش في نفسه أمور يغبط عليها الفقراء وفي حياته اليومية؟
المقصود أن الاهتمام بشأن الجمعة معروف في النصوص، والشارح يقول: "وعدم إتيان الجمعة من باب تيسير العسرى" ما معنى هذا الكلام؟ "وعدم إتيان الجمعة من باب تيسير العسرى" يعني هل هذا مثلما يقال اليوم من فقه التيسير، يعني إذا شق عليك الإتيان إلى الجمعة تيسر الأمر، عدم إتيان الجمعة من باب تيسير العسرى أو الأمر يختلف؟ هذا تهوين من شأن الجمعة أو تشديد وتهويل من شأنها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] فسنيسره للعسرى، هذا أمر خطير جداً، ولا شك أن التهاون بصلاة الجمعة طريق مسهل ومذلل يوصل إلى العسرى، نسأل الله السلامة والعافية.(45/6)
أما بالنسبة لحكم صلاة الجمعة فهي فرض على الأعيان المستطيعين، فرض على الأعيان يعني فرض عين، فرض على الأعيان يعني لا على الكفاية كما نقل بعضهم عن بعض العلماء، لكنه فرض عين، ومثل هذا الحديث نص صحيح صريح في وجوبها على كل مكلف مستطيع، يستثنى من ذلك المعذور، ومن الأعذار السفر، فالمسافر ليس عليه جمعة، والنساء ليس عليهن جمعة، نعم.
قال المؤلف -رحمه الله-: "وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به" متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: "كنا نجمع معه إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ".
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
يقول المؤلف -رحمه الله-: "وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة" وكنا الصيغة تدل على الاستمرار "مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" ثم ننصرف يعني من صلاة الجمعة بعد الخطبة والصلاة ينصرفون وليس للحيطان ظل يستظل به، هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما.
ظل يستظل به هل هذا نفي لمطلق الظل؟ بمعنى أن الشمس لم تزل بعد، ما زالت الشمس يعني قبل الزوال؟ أو أن للحيطان ظل لكنه لا يصل إلى حد بحيث يستظل به فيكون فعلها بعد الزوال؟ {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [(10) سورة لقمان] الآن السموات على عمد وإلا بغير عمد؟ بغير عمد البتة أو عمد لا ترى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(45/7)
البتة طيب ترونها يمسك السماء بعمد ويش المانع؟ هذا اللفظ محتمل كاللفظ الذي معنا: "وليس للحيطان ظل يستظل به" يحتمل نفي الظل بالكلية ويكون من أدلة الحنابلة على جواز فعل الجمعة قبل الزوال، أو أنه ليس لها ظل يستظل به يعني ظل ظليل مديد بحيث يمشون الناس وهم كلهم يستظلون بهذا الظل دفعة واحدة، فيكون فعلها بعد الزوال مباشرة قبل أن ينتشر الظل الظليل المديد؟ نعم، ويكون هذا ليس فيه مستمسك للحنابلة وإن وقتها إنما هو بعد الزوال كما يقول الجمهور، وهذا اللفظ محتمل، اللفظ محتمل، وإن قال بعضهم: إنه يبعده أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في صلاة الجمعة بسور طويلة الجمعة والمنافقين مثلاً، فلو كانت بعد الزوال لصار هناك ظل مع طول القراءة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يرتل، فهذا من أدلة الحنابلة الذين يرون أن الجمعة يجوز فعلها قبل الزوال، وأن أول وقتها وقت صلاة العيد، وأن أخر وقتها وقت صلاة الظهر، والجمهور على أن وقتها وقت صلاة الظهر تبدأ من بعد الزوال وتنتهي بمصير ظل كل شي مثليه.
وفي لفظ لمسلم: "كنا نجمع" يعني نصلي الجمعة نجمع نصلي الجمعة بخلاف نجمع فالجمع غير التجميع، "نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء" يعني دليل على المبادرة .... نقول: إذا زالت الشمس، وهذا الحديث يفسر الحديث الذي قبله، يفسر: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... نصلي الجمعة إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء" يعني فيء قليل، يعني بعد الزوال لكنه قليل لا يستوعب الناس إذا خرجوا من المسجد، على كل حال الاحتمال في الحديث الأول قائم في الراوية الأولى، أما الراوية الثانية فإنها مفسرة وأنهم كانوا يجمعون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، إذا زالت وهذا نص في تأييد قول الجمهور، ثم نرجع نتتبع الفيء لقلته، وهذا فيه دليل على المبادرة بصلاة الجمعة.(45/8)
"وعن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: "ما كنا نقيل" نقيل: من القيلولة، وهي الراحة في منتصف النهار، الراحة في منتصف النهار، وهي معروفة عندهم القيلولة، وهي من أنفع أوقات النوم في النهار، بخلاف طرفيه بخلاف طرفي النهار، فالنوم بعد صلاة الصبح غير محمود، وكذلك النوم بعد العصر إنما إذا وقع النوم في وسط النهار ليستجم الإنسان ويأخذ البدن قسطه من الراحة بعد الجهد الجهيد والتعب والكد ليل نهار يقيلون في هذا الوقت، وسواء صاحبها نوم أو لم يصاحبها نوم، القيلولة أعم من أن تكون نوماً، بل هي راحة "ما كنا نقيل ولا نتغدى" يعني نتناول طعام الغداء إلا بعد الجمعة، إلا بعد الجمعة؛ لأنهم يبادرون بصلاة الجمعة، ويبادرون إلى صلاة الجمعة، يبادرون إليها ويبادرون بها كما تقدم في الحديث السابق، "متفق عليه، واللفظ لمسلم"، وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
"ما كنا نقيل ولا نتغدى" احتمال يكون في عهده واحتمال أن يكون بعده -عليه الصلاة والسلام-، لكن الراوية الثانية نص في أنهم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، مع أن قول الصحابي: "كنا نفعل أو ما كنا نفعل" سواء أضافه إلى عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لم يضفه فالمراد به في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- عصر التشريع، ولا يظن بالصحابي أنه ينسب إلى عصر ليس بوقت تشريع، في حكم شرعي "كنا نفعل أو كنا نقول أو كنا نعمل" هذا لا يمكن أن يقوله إلا في وقت التشريع؛ لأنه بصدد تقرير مسألة شرعية، ولذا أهل العلم عندهم مثل هذه الصيغة مرفوعة، ولو لم يضفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-.(45/9)
يعني في قوله -جل وعلا-: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] يعني في الساعات الثلاث التي لا بد فيها من الاستئذان، {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] قد يقول قائل: إن هذا ديدنهم أن نومهم وقيلولتهم إنما هي بعد الظهر، فلا يكون في الحديث دليل على المراد، هذه عادتهم، ما كانوا يقيلون إلا بعد الجمعة وهو بعد الظهر {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] ها؟ هل نقول: إن الحديث إذا قلنا مثل هذا وأردنا أن نوفق بين الآية والحديث وقلنا: إن ديدنهم القيلولة بعد الظهر {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] يعني بعد الظهر، حينئذٍ يكون قوله: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" جاري على العادة على عادتهم، وأنهم باستمرار يفعلون هذا بعد الجمعة وبعد صلاة الظهر ولا فرق، واضح وإلا ما هو بواضح؟ في إشكال وإلا ما في إشكال؟ نعم؟ وفي قوله: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] هذا في الجمعة وغير الجمعة، الغالب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو الآية جاءت على العادة، على الجادة، افترض أن واحد ما نام في الليل، من بعد صلاة العشاء نعم وعوض عن النوم بعد صلاة الصبح يدخل عليه بدون استئذان؟ لكن الجادة أن النوم بعد صلاة العشاء، فلآية فيها تقرير العادة هذا الأصل {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] أو نقول: إن الظهيرة وقت ظهور الشمس وارتفاعها وشدة حرها، ولو لم يكن بعد صلاة الظهر، غير مرتبط بصلاة الظهر، المهم ارتفعت الشمس وازداد حرها واحتاج الناس إلى القيلولة هذا وقت الظهيرة، وفي الحديث: ((وحين يقوم قائم الظهيرة)) يعني وقت الزوال، وإذا عرفنا السبب لماذا قالوا .. ، جاء في الحديث ((وحين يقوم قائم الظهيرة)) سموا وقت الزوال قائم الظهيرة، الإبل على شدة تحملها للحر تقف في هذا الوقت، لا تطيق حر الأرض، ولذا قالوا: "يقوم قائم الظهيرة"، وهذا يبدأ قبل الزوال، تبدأ شدة الحر فهو أعم من أن يكون من صلاة الظهر.(45/10)
وعلى كل حال هذا الأحاديث كلها تدل على المبادرة بصلاة الجمعة، المبادرة بصلاة الجمعة، والخلاف بين أهل العلم معروف، الحنابلة يرون صحة صلاة الجمعة قبل الزوال، وعرفنا وقت الجمعة عندهم، والجمهور على أن وقتها وقت صلاة الظهر، والقاعدة التي ذكرها أهل العلم ابن رجب وغيره أنه إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب لا يجوز فعلها قبل السبب اتفاقاً، ويجوز فعلها بعد الوقت يعني بعد دخوله اتفاقاً والخلاف فيما بينهما فسبب الوجوب هنا طلوع الشمس، طلوع الشمس من يوم الجمعة، سبب الوجوب ووقت الوجوب الزوال، فلا تجوز قبل ارتفاع الشمس وتجوز بعد الزوال، وهذا متفق عليه في الأولى والثانية والخلاف فيما بينهما، يعني كفارة اليمين سببها انعقاد اليمن ووقتها الحنث لا يجوز قبل أن تعقد اليمن أن تكفر، ويجوز اتفاقاً أن تكفر بعد الحنث، لكن بينهما هو محل الخلاف على هذه القاعدة، دم المتعة والقران سببه الإحرام بالعمرة للمتمتع، والإحرام بهما للقارن، ووقته يوم العيد، والخلاف بين السبب والوقت يعني قبل يوم العيد هل يذبح الهدي وإلا ما يذبح؟ محل خلاف بين أهل العلم.
على كل حال القاعدة هذه لها فروع كثيرة جداً، منها مسألتنا هذه، والحنابلة مشوا على الجواز، ولا شك أن الاحتياط في ألا تصلى إلا بعد الزوال، ولو بدئ بالخطبة قبل ذلك، لكن الصلاة لا بد أن تقع بعد الزوال، وهذا قول الاحتياط، والأدلة محتملة، فمن صلاها قبل الزوال قريب منه لا يأمر بالإعادة، لكن الأحوط والأولى ألا يصليها إلا بعد الزوال، ولو وقعت الخطبة قبل ذلك، والأدلة تدل ...
يقولون: الرجاء توفير مكيف لغرفة النساء الخارجية وإضاءة لنتمكن من الجلوس في دروس المغرب والعشاء.
نعم.
قال الإمام -رحمه الله-:
لحظة لحظة نعم؟
طالب. . . . . . . . .
ويش فيها؟ هاه؟
طالب. . . . . . . . .
المقصود الكلام في الصلاة، في الصلاة، الكلام في الصلاة، نعم.
"وعن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً" رواه مسلم".(45/11)
هذا الحديث حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب في يوم الجمعة قائماً، كان يخطب يوم الجمعة قائماً، القيام في خطبة الجمعة واجب عند أهل العلم، ولم يخطب النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو جالس البتة، ولا خلفاؤه من بعده، أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، يقال: إن أول من خطب جالس كان معاوية -رضي الله عنه- لما ثقل، ثقل جداً فخطب جالساً، وخطب بعض بني أمية بعده جالسين، وأنكر عليهم بعض الصحابة، أنكر عليهم أبو سعيد وغيره، فالخطبة من جلوس لا تجوز، خطبة الجمعة بل الخطب الشرعية لا بد لها من قيام.
"كان يخطب يوم الجمعة قائماً، فجاءت عير من الشام" العير: هي الإبل المحملة، هي الإبل المحملة بالبضائع "فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها" انصرفوا إليها، انصرفوا إليها "حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً"، رواه مسلم" انفتل الناس وهؤلاء كلهم صحابة، يعني من المسلمين، انفتل الناس إليها، {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ} [(11) سورة الجمعة] فكون الصحابة -رضوان الله عليهم- انصرفوا وتركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، الصحابة أولاً: هم بشر يعتريهم ما يعتري البشر، وقد يكون الوقت وقت شدة وضيق، فإذا سمعوا بشيء مثل هذا لا شك أنه يؤثر على النفوس، وحضور الخطبة أصلاً عند عامة أهل العلم ليس بواجب، لكن من حضر يلزمه الإنصات على ما سيأتي، يعني لو إنسان حضر مع إقامة الصلاة أو بعد أن فاتته الركعة على ما سيأتي في الحديث الآتي يضيف إليها أخرى وتتم له جمعة، لكنه حرم من التبكير والأجور العظيمة التي رتبت على التبكير لصلاة الجمعة واستماع الخطبة، واستماعها واجب.(45/12)
إذا قال لصاحبه: أنصت ارتكب محظور محرم، أيهما أسهل أن يقول لصاحبه: أنصت ينكر المنكر أو يخرج ويترك الخطيب؟ لا شك أن مثل هذا لن يكون من الصحابة -رضوان الله عليهم- إلا في حال حرج شديد، هم بأمس الحاجة إلى هذه العير، ولا يبعد أن يكون فيهم شديد الجوع، من أهل العلم من يرى أن الخطبة كانت بعد الصلاة، كانت الخطبة بعد صلاة الجمعة، وظنوا أن الانصراف عنها كالانصراف عن خطبة العيد، وجاء في الترخيص في الانصراف من خطبة العيد ما جاء: ((إنا نخطب فمن شاء أن يجلس فليجلس)) المقصود أن هذا قول لبعض أهل العلم، ويلجأ إليه لرفع مثل هذا الإشكال، وإن كانت الخطبة بعد الصلاة، وحكمها عندهم كحكم الاستماع لخطبة العيد، إذا صلى الصلاة يجوز له أن يجلس ويجوز له أن ينصرف، لكن هذا يحتاج إلى نقل، يحتاج إلى نقل، وعوتبوا على انصرافهم، ولو كان مما يجوز لهم ما عوتبوا عليه في سورة الجمعة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} [(11) سورة الجمعة] لو كانت الخطبة بعد الصلاة ويسوغ الانصراف منها ما عوتبوا "فانفتل الناس حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً" لم يبق معه -عليه الصلاة والسلام- إلا اثنا عشر رجلاً، واشتراط العدد سيأتي الكلام فيه، لكن من أقول أهل العلم من يقول: إن الجمعة تنعقد باثنا عشر رجلاً لهذا الحديث، لهذا الحديث.
ففي الحديث أن الخطبة تكون من قيام، وأن هؤلاء الذين انصرفوا وعادوا وأدركوا الصلاة صلاتهم صحيحة، وإن كانوا فعلوا ما يستحقون عليه العتاب، والمظنون بالصحابة -رضوان الله عليهم- أن الحاجة شديدة وماسة إلى مثل هذا الخروج.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته)) رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني، واللفظ له، وإسناده صحيح، لكن قوى أبو حاتم إرساله.(45/13)
حديث "ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك من صلاة الجمعة وغيرها)) الحديث مخرج في السنن، والذي في الصحيحين: ((من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)) ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) ((من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) هذا اللي في الصحيح، أما ادارك الجمعة بركعة هذا في السنن، رواه النسائي، يقول: ((فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته)) مثل هذا جاء نظيره في من أدرك من الصبح ركعة فليضف إليها أخرى، ومن أردك من العصر فليضف إليها ثالثة، الإدراك عندنا أكثر من إدراك، إدراك للوقت، وإدراك للجماعة، وإدراك للركعة، وإدراك لتكبيرة الإحرام.(45/14)
حديث: ((من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)) وحديث: ((من أدرك من الصبح)) هذا تقدم الكلام فيه، تكلمنا عن الإدراك، وبم يكون؟ أما بالنسبة لإدراك الوقت فالنص صريح في أن الوقت يدرك بادراك ركعة: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) وقل مثل هذا في سائر الصلوات، يعني يضيف إليها ما بقي وتكون صلاته أداء، أدركها في وقتها، ومن أهل العلم من يرى أن ما أدركه في الوقت أداء، وما أدركه بعده قضاء، يعني أن الركعة التي أدركها من الوقت تكون في وقتها، وهي أداء هذا حد الأداء ينطبق عليها، وما أدركه بعد خروج الوقت يكون قضاء، لكن فضل الله -جل وعلا- أوسع من أن يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فقد أدرك الصلاة)) ونقول: نصفها أداء ونصفها قضاء، هذا بالنسبة لإدراك الوقت، لإدراك الجماعة، الجمهور على أن من أدرك مع الإمام أدنى جزء من الصلاة أنه يكون مدركاً للجماعة، حتى قالوا: من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، وجمع من أهل التحقيق يقولون: إن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة؛ لأنها أقل ما يطلق عليه اسم الصلاة ركعة، وعلى كل حال الكلام في مثل هذا مضى مفصلاً، إدراك تكبيرة الإحرام يدرك الركن وهو تكبيرة الإحرام إلى أن يشرع الإمام في ركن ثاني بعده وهو القراءة، فإذا شرع الإمام القراءة فاتته تكبيرة الإحرام، ومنهم من يقول: إنه ما دام يقرأ في الفاتحة إلى أن يقول: أمين فتكبيرة الإحرام مدركة، يستدلون بقول بلال: "لا تسبقني بآمين" للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مؤذن، أول من حضر إلى المسجد وتفوته تكبيرة الإحرام ويقول: "لا تسبقني بآمين" يستعبد مثل هذا.(45/15)
إدارك الجمعة يكون بإدراك ركعة، بإدراك ركعة هذا قول الجمهور، وعند الحنفية يدرك الجمعة بإدراك أي جزء منها كغيرها من الصلوات، وعلى هذا من دخل مع الإمام وقد رفع من الركوع وهو لا يدري أفي الركعة الأولى أو الثانية؟ ينوي ظهر وإلا جمعة؟ أو نية معلقة فإن كانت الركعة الأولى التي فاتته يدرك الثانية وإن كانت الثانية ما أدرك شيء فيصلي ظهر؟ يعني هذا الحديث: ((من أدرك من صلاة الجمعة وغيرها -من صلاة الجمعة- ركعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته)) فيكون قد أدرك الجمعة، لكن الذي لا يدرك ركعة لا يدرك الجمعة، جاء والإمام رافع من الركعة الثانية عليه أن يصلي أربعاً ظهراً، لكن إذا جاء وقد رفع الإمام من الركوع وهو لا يدري هل هو في الركعة الأولى أو في الثانية ماذا ينوي؟ ينويها جمعة والاحتمال أن تكون الثانية وهو غير مدرك للجمعة؟ ينويها ظهر والاحتمال أن يكون في الركعة الأولى فيكون مدرك للجمعة؟ أو ينوي نية معلقة إن كانت الأولى فكذا وإن كنت الثانية فكذا وصلاته صحيحة؟ نعم؟ يعني ينوي فرض الوقت إن كان جمعة فجمعة، وإن كان ظهر فظهر، نعم.
طالب. . . . . . . . .
نعم ينوي فرض الوقت، إن كانت جمعة فجمعة، إن أدرك ركعة فجمعة وإلا فظهر.
هذا الحديث يدل على أن استماع الخطبة ليس بشرط لصحة صلاة الجمعة، حضور الخطبة ليس بشرط لصحة صلاة الجمعة.(45/16)
"رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني واللفظ له، وإسناده صحيح" الإسناد صحيح ما في إشكال، لكن أبا حاتم قوّى إرساله، قوّى إرساله، ويكون حينئذٍ فيه تعارض الوصل والإرسال، وقدمنا مراراً نظير هذا الخلاف في تعارض الوصل والإرسال تقدم مراراً في نظير هذا الحديث، وأبو حاتم كثير ما يرجح الإرسال، كثير ما يرجح الإرسال، وغيره قد يرجح الوصل وقد يرجح الإرسال، لكن من أهل العلم من ميله إلى الوصل، ومنهم من ميله إلى الإرسال كأبي حاتم، ومنهم من لا يحكم بحكم مطرد، وهذا الأصل في أحكام المتقدمين أنها ليس فيها حكم عام مطرد، بل ما ترجحه القرائن هو الراجح، وهنا رجح أبو حاتم إرساله، وأكثر الأئمة على أنه موصول، على كل حال الحديث مصحح من قبل جمع من أهل العلم، وإسناده صحيح لا إشكال فيه، الإشكال في تعارض الوصل مع الإرسال، ولا يمنع أن يكون الترجيح أو الراجح قول الأكثر، يتصور على مذهب الحنفية أن تستمر صلاة الجمعة إلى دخول وقت العصر، يعني يأتي شخص فاتته الجمعة أقول: شخص يدرك مع الإمام التشهد، هذا أدرك الجمعة عندهم، ثم يأتي شخص ويجد هذا الشخص المسبوق في التشهد يدخل معه، أدرك الجمعة مع من أدرك الجمعة وهكذا إلى ما لا نهاية، نعم وهكذا يستمر الأمر إلى قرب صلاة العصر، وما أدري هل هم يقولون بهذا حقيقة أو هو من باب الإلزام لهم، إنما ذكر عنهم هذا، كما ألزم الظاهرية بكثير من المسائل التي لا يقولون بها، وإنما هي تجري على أصولهم، نعم.
"وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً فمن أنبأك أنه كان يخطب جالس فقد كذب" أخرجه مسلم".(45/17)
نعم هذا حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخطب قائماً، ولم يحفظ عنه أنه خطب جالساً البتة، يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائماً وهذا أمر لا بد منه للخطبة، ويشترط لصحة الجمعة شروط منها: أن يتقدمها خطبتان، يجلس بينهما، فعلى هذا لو فصل بين الخطبتين وهو قائم، جعل فاصل بين الخطبتين وهو قائم هل نقول: إنها خطبتان أو خطبة واحدة؟ يعني ما جلس، سنته -عليه الصلاة والسلام- وطريقته وهديه أنه يخطب الخطبة الأولى قائم، ثم يجلس ثم يقوم بعد ذلك للخطبة الثانية، ولم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه خطب جالساً ولا عن خلفائه الراشدين، وعرفنا أن أول من خطب جالساً فيما يذكر معاوية -رضي الله عنه- بعد أن ثقل، وصعب عليه القيام، ثم تبعه على ذلك بعض بني أمية، هل نقول: إنه لا بد من تقدم خطبتين، لكن هل يلزم أن يكون بين الخطبتين جلوس أو يتم الفصل بينهما بأي فاصل؟ افترض أنه احتاج ماء شرب ماء وهو قائم، افترض أنه احتاج الدورة مثلاً خطب الخطبة الأولى ونزل ورح للدورة ورجع ما جلس وشرع في الثانية ما يتصور يا أخوان؟ أنه قد يحتاج الدورة ضرورة؟ هل يكفي مثل هذا عن الجلوس أو نقول: لا بد من الجلوس؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .
نعم كيف؟
طالب. . . . . . . . .
ما يشترط أن يجلس ويش اللي فرق بين الجلوس هذا وبين القيام؟ الرسول كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم هذا ديدنه أنت تقول: قائماً واجب والجلوس سنة ويش اللي دل على هذا؟
طالب. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب. . . . . . . . .
إيه لو قلنا: إن الجلوس سنة وله أن يواصل بين الخطبتين ويش المانع أنها تكون خطبة واحدة طويلة؟ إيش الداعي لهذا الفاصل؟ تكون خطبة واحدة طويلة. . . . . . . . .؟
طالب. . . . . . . . .(45/18)
كلاهما ثابت على حد سواء عنه -عليه الصلاة والسلام-، إما أن يستويا في الوجوب أو يستويا في العدد، وبه بالوجوب فيهما قال جمع من أهل العلم، وبالسنية فيهما قال جمع من أهل العلم، وفرق بينهما بعض أهل العلم بأن القيام لا بد منه لا خطبة من غير قيام، أم الجلوس فهو حاجة إن احتيج إليه وإلا فلا، قال بعض أهل العلم بهذا، الجلوس الترك حاجة نعم والحاجة يُرَدُ تقريرها إلى المحتاج نفسه، قد يقول: أنا لست بحاجة إلى الجلوس من أجل أرتاح، ما أنا مرتاح ألزمتموني بالقيام أقوم، لكن الجلوس ما هو من أجلي؟ نعم؟ أنا مانا بحاجة إلى راحة، والأصل الإقتداء به -عليه الصلاة والسلام- فهو الأسوة والقدوة، وهذا ديدنه، وهذا شأنه.
طيب لو احتاج إلى دورة ونزل من المنبر وراح الدورة توضأ ورجع ما جلس هل نقول: إن جلوسه هناك يكفي عن جلوسه عن المنبر؟ أو نقول: لا بد أن يجلس على المنبر كفعله -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني كل على مذهبه في هذا، يبقى أن المسألة جلوس على المنبر، ولا يتحقق الجلوس على المنبر بالجلوس على غيره.
"ثم يقوم فيخطب قائماً فمن أنبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب" في مسلم عن جابر بن سمرة: "فقد –والله- صليت معه أكثر من ألفي صلاة" والله لقد صليت معه أكثر من ألفي صلاة، وكان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم" ألفي صلاة؟ ألف صلاة جمعة كم سنة؟ ألفي صلاة؟ السنة فيها خمسين جمعة، ألفي صلاة جمعة؟
طالب. . . . . . . . .
نعم؟ أربعين سنة؟ نعم أربعين سنة صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين سنة جمعة؟ لا، لا، نعم يحمل على جميع الصلوات الجمعة وغير الجمعة، يعني أنه ملازم مواظب للصلاة خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجمعة وغيرها، يعني ما يتصور صلى أربعين سنة.
"فمن -نبأك أو- أنبأك أنه يخطب جالساً فقد كذب" دليل على أنه جازم فيما يقول ومتأكد منه غير متردد ولا مرتاب ولا شاك، الآن عندكم راحة وإلا ما فيه؟ في راحة وإلا ما في؟ هذا وقتها وإلا باقي؟
طالب: والله ما ادري متى وقتها بالضبط، لكن في راحة، في فاصل.(45/19)
الآن وإلا؟ كيف؟ إيه هذا منتصف الوقت، هذا منتصف الوقت، إن كانت الراحة لا بد منها فلتكن في هذا الوقت، وإن أردتم أن نستمر في الدرس إلى أن ينتهي هذا الأمر إليكم، إن كان هناك راحة فهذا وقتها، هذا منتصف الدرس.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه أسئلة مجموعة من الإنترنت ستة أو أكثر.
يقول: بالنسبة للساعات المنهي عن الصلاة عنها فالقول أنه يستثنى من ذلك صلاة الجمعة، ويستثنى من ذلك صلاة الفرائض، فقد يقال: العموم إذا دخله الخصوص ضعف، فما قولكم فيمن يقول بضعف القول بمنع الصلاة في هذه الاستثناءات؟
هذه المسألة مسألة ما جاء في النهي عن الصلاة في بعض الأوقات، وما جاء في الأمر بها، وأهل العلم يتفقون على أن الفرائض لا تدخل في النهي، لا تدخل في النهي، ويتفقون على أن النوافل المطلقة داخلة في النهي، ويبقى النوافل المرتبطة بأسباب هي محل الخلاف بين أهل العلم، وهي مسألة بحثناها مراراً، وأفضنا القول فيها، لكن مسألة ذوات الأسباب في أوقات النهي وجاء الأمر بصلاة ركعتين قبل الجلوس من غير نظر إلى وقت من الأوقات، وجاء النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، بعض النظر عن جميع الصلوات، فاستثنيت الفرائض بالنصوص.
لا شك أن أحاديث النهي كما ذكر هنا في السؤال دخلها مخصصات، وضعفت بهذه المخصصات، وتبقى قوتها في غير هذه الأشياء المخصوصة، تبقى قوتها في غير الأمور التي جاءت النصوص بتخصيصها، يعني لو شخص جالس بعد صلاة الصبح، أو بعد صلاة العصر جالس في المسجد لما بقي على غروب الشمس قام وصلى ركعتين بقي على غروب الشمس ربع ساعة نصف ساعة قام وصلى ركعتين ويش الداعي لهذه الركعتين؟ هل هناك سبب يحمل عليهما؟ ما في سبب، دخل إلى المسجد معه النص ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وأيضاً النص ما زال قائماً "ثلاث ساعات كان رسول -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" ونهى عن الصلاة، و ((لا صلاة بعد الصبح حتى طلوع الشمس))، و ((لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) معنا نصوص النهي ما زالت قائمة، أما أنها ...
يقول: ما قولكم فيمن يقول في ضعف القول بمنع الصلاة لهذه الاستثناءات؟(45/20)
الآن هو لما قرر أن العموم إذا دخله الخصوص ضعف، وقرر القول في ضعف القول بمنع الصلاة لهذه الاستثناءات كأنه يقول: ما دام ضعف عمومه بطل الاستدلال به، نقول: ليس بصحيح، يبقى عمومه متناول لجميع الصور التي لم يرد فيها استثناء؛ لأن التخصيص إخراج بعض أفراد العام لا جميع أفراد العام، وليس معنى أن حديث: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس)) ويقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها أنه يضعف .. ، إيش معنى يكون حديثاً ضعيفاً؟ لا، الحديث في الصحيحين، لكن ضعف الدلالة على تناول جميع الصور نعم؛ لأنه أخرج من هذه الصور بعضها، ويبقى الصور التي لم تخرج بدليل يتناولها العموم بقوته، يعني لما يقال في الوصية مثلاً: يعطى جميع بني تميم، كل شخص من بني تميم يعطى من هذا المال، أو كل طالب في هذا المسجد يعطى من هذه الوصية، ثم كل شوي جايب استثناء: لا تعطون فلان، لا تعطون فلان، لا تعطون فلان وهكذا، العموم السابق ضعف، نعم ضعف هذا نسويه في حياتنا اليومية لو أن الأب قال لأبنه: لا تتحرك من هذا المكان، لا تخرج من هذا المكان، ثم قال: أذن يا .. أنا بطلع أصلي، طيب اطلع صل، جاءت الدراسة اطلع المدرسة، اطلع الخباز، اطلع كذا ضعف النهي، يضعف النهي، لكن لو قال: لا تخرج البتة، أريد أخرج أصلي قال: لا تطلع، أريد أروح المدرسة قال: لا تطلع، هذا فيه قوة، وهكذا النصوص الشرعية إذا حفظت من التخصيص صار فيها قوة، يعني قوة في الدلالة بغض النظر عن قوة الثبوت، الحديث في الصحيحين، فكونه يخرج بعض الصور منه لا يعني أنه يضعف في ثبوته أبداً، لا أثر في ذلك على الثبوت، ويبقى أنه جاء في الأوقات المضيقة أكثر مما جاء في الأوقات الموسعة؛ لهذا السؤال الذي جاء وأظنه على ما ذكر الكاتب من مصر.
يقول: فما قولكم فيمن يقول في ضعف القول بمنع الصلاة لهذه الاستثناءات؟(45/21)
معنى الصلاة مطلقاً؟ يعني مثلما قلنا: جالس بعد صلاة العصر يقرأ القرآن وبعد ساعة قام وصلى ركعتين قال: أنشط لي لو أتابع الجلوس إلى المغرب نمت، نقول: لا يا أخي لا تصل ركعتين، ما في سبب يدعو إلى هاتين الركعتين، لكن لو دخل إلى المسجد في هذا الوقت صلى ركعتين، شمله حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) ويبقى ما عدا هذه الأمور المخصوصة على أصل المنع، على أنه لو دخل إلى المسجد وجلس لا يثرب عليه؛ لأن معه أحاديث النهي، وعمل بها الجمهور، وقدموها على أحاديث ذوات الأسباب، والمسألة بحثت مراراً، وقررت بالتفصيل.
أخ يقول: إنه يشتغل معه بعض الناس من أصول إسلامية، ولكنهم لا يصلون، وهو يدعوهم إلى الصلاة وفي نفس الوقت يعلمهم بعض الآداب الإسلامية، يسأل هل عنده أجر إذا لم يصلوا وطبقوا تلك الآداب؟
((من دعا إلى هدى كان له مثل أجل فاعله)) من دعا إلى هدى كان له مثل أجر فاعله، هو مأمور ببذل السبب، مأمور بالدعوة، مأمور بالتوجيه، مأمور بالإرشاد، مأمور بالإنكار، وهذا بذل السبب، والأجر مرتب على هذا السبب، كون المدعو يستجيب هذا هو المطلوب، لكن إذا لم يستجب فأنت لست مسئول عنه، إثمه عليه، ولك الأجر، فستمر على هذا.
أخ يقول: إنه اتصل عبر الهاتف على زوجته بسبب جدال معها غضب غضب شديداً مما دفعه بالتلفظ بكلام مفاده الطلاق، ويقول: إنه لا يتذكر حتى المكان الذي اتصل منه بسبب ذلك الغضب يسأل هل عليه شيء؟(45/22)
على كل حال الغضب إذا بلغ مبلغاً يفقد الإنسان عقله أو يقرب من ذلك فطلاق الغضبان معروف عند أهل العلم حكمه وهل يقع أو لا يقع؟ لكن النص يدل على أنه لا يقع، لكن شريطة أن يكون قد بلغ من صاحبه مبلغ يحول بينه وبين عقله، أم إذا كان يعقل ماذا يقول فمناط التكليف ثابت، وتقرير قوة الغضب وضعفه لا بد من حضور الطرفين لينظر في الأسباب والباعث على هذا الغضب، هل هو بالفعل يدفع إلى غضب شديد يعذر معه الإنسان أو لا؟ وعلى كل حال على المسلم أن يلتزم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قيل له: أوصني، قال: ((لا تغضب)) بعض الناس يقول: أنا مجبول على الغضب لا استطيع، نقول: لا تغضب مع ذلك، تصبر يصبرك الله، تحلم على كل حال عليك أن تجاهد نفسك، وتلزمها بالأخلاق الحميدة، والآداب الإسلامية التي جاءت الشريعة بالحث عليها، ثم بعد ذلك توفق وتسدد وتعان.
يقول: ما هي أفضل منهجية يمكن إتباعها لتعليم الحدث سواء التائبون من الفساق أو الكفار الذين دخلوا في الإسلام؟
يعلمون أهم المهمات، وأوجب الواجبات مما يتعلق بالشهادة وتقريرها، وتحقيق التوحيد، وما ينافيه ويناقضه، يعلمون الوضوء والصلاة والصيام وقواعد الإسلام الكبرى بالتدريج والرفق واللين مع السهولة والوضوح، ثم بعد ذلك يتدرج بهم إلى ما بعد ذلك.
أخ يقول: إنه يبيع الألبسة التي تلبسها النساء في الحفلات والأعراس يسأل هل يجوز له بيعها علماً أنها ليست ساترة لجسم المرأة بأكمله؟(45/23)
على كل حال هي تبعاً لحكم اللباس نفسه، البيع تابع لحكم المبيع، هل العين التي وقع عليها العقد مباحة أو غير مباحة؟ إذا كانت مظهرة للعورات أو مشتملة على التشبه بالكافرات والفاسقات لا يجوز بيعها، أما إذا كانت ساترة سابغة تظهر ما يجوز إظهاره للنساء إذا كانت بين النساء أو للمحارم إذا كانت بين المحارم، هذا لا بأس بها، إذا كانت سابغة وافية لا يخرج من المرأة شيء إذا كانت في الأماكن العامة وما أشبه ذلك بحيث يراها الأجانب حينئذٍ يكون بيعها حلال؛ لأن لبسها حلال، أما إذا كانت مما لا يجوز لبسه بأن كانت تظهر شيء من محاسن المرأة التي تفتنها بين محارمها أو بين النساء؛ لأن حكم عورة المرأة عند النساء هي عورتها عند محارمها؛ لأن السياق واحد في أية النور وفي آية الأحزاب، النساء عطفن على المحارم، فعورة المرأة عند المرأة كعورتها عند أخيها وأبيها، فإذا كانت تظهر القدر المباح عند الأب والأخ لا بأس أن تحضر به الأعراس على أنها كلما اتصفت بالحشمة والاحتياط لنفسها لا سيما في هذه الأزمان التي يمكن أن تخرج بصورة ولو كانت مباحة شرعاً إلا أنها تعرض نفسها لبعض الأمور التي لا تحمد عقباها.
في هذا الزمان الذي تواردت فيه الشرور، وتواطأ فيه الأعداء، وتكالبوا على المرأة المسلمة بإمكانها أن تحضر وهي لابسة لباس يعني جائز لا بأس به، لكن قد تصور على هيئة من الهيئات لا سيما إذا خشيت على نفسها أنها في موضع ليست في مأمن من التصوير، والتصوير شأنه خطير، وشره مستطير، وقد حضر العفائف إلى هذه الأماكن وصورن ودبلج على وجوههن صور مشينة، وتسببت في الضغط عليهن ووقع بعضهن، وهن في الأصل عفيفات، فعلى المرأة أن تحتاط لنفسها، وتبحث عن الموطن الذي تريد الذهاب إليه هل هي في مأمن من هذه التصرفات أو لا؟ على الإنسان أن يحرص على نجاة نفسه، ولو ضحى بحقوق الآخرين، نعم هناك بر وهناك صلة وهناك آداب وتعامل مع الأقارب مع الجيران مع الأصحاب، لكن يبقى أن الزم ما على الإنسان نفسه، يحتاط لنفسه أكثر مما يحتاط لغيره.
يقول السائل: ما حكم السجود وبين الجبهة والأرض حاجز كالطاقية؟(45/24)
إذا كان هذا الحاجز متصل بالمصلي عند أهل العلم يكره إلا لحاجة، الكراهة تزول بأدنى حاجة، لو هناك شوك أو حر شديد أو أي شيء وسجد على طاقيته على شماغه لا بأس، وإلا فالأصل الكراهة عند أهل العلم أم غير المتصل المنفصل عن المصلي لا بأس بالسجود عليه إذا كان طاهراً.
هذا يسأل يستعمل العادة السرية يقول: أستعملها دائماً؟
ولا شك أن كثير من الشباب -هداهم الله- يعرض نفسه لمواقع الفتن، ويهيئ لنفسه من أسباب الشرور ما يلزمه بالوقوع في الفاحشة، أو ما يقرب منها، فعلى الإنسان أن يحسم المادة، ويدفع جميع الأسباب التي توقعه في المحرمات، فلا يخرج إلى الأماكن العامة التي يرتادها النساء المتبرجات، ولا يقتني من الآلات من يجعله يزاول مثل هذه المنكرات، ما يضطره إلى ذلك، لكن إذا وجد نفسه في موقع لا يمكن التخلص منه إما الفاحشة أو هذه العادة هذه العادة أسهل، ارتكاب أخفف الضررين إذا لم يجد وإلا فهي محرمة عند أهل العلم {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(6) سورة المؤمنون] ما استثني شيء إلا الزوجة وملك اليمين، فهذه العادة محرمة، ولو كانت مباحة لأرشد إليها النبي –عليه الصلاة والسلام- من لا يستطيع النكاح، لا يستطيع الباءة، أرشد إلى الصيام، لكن بعض الناس لا يملك نفسه، يقول: عجزت، نقول: هذه أسهل من الوقع في الفاحشة، ومع ذلكم هي محرمة، من حصلت منه عليه أن يتوب ويندم ويقلع.
يقول: كيف أتخلص منها مع أني أستخدم هذه العادة من خمس سنوات؟
على كل حال عليك أن تبذل الأسباب في التخلص منها، ولا تمكن نفسك من الأسباب التي توقعك فيها، لا شك أن هذا من أعظم ما يتحصن به الإنسان، ويستعين به على أن يحصن نفسه، فعليك أن تسعى جاداً ألا تنظر في الصور لا الحقيقة ولا الوهمية، لا في شاشات، ولا في مجلات، ولا جرائد، وبعض الناس يفتح لنفسه المجال على أوسع أبوابه، ويقول: أنا اضطررت إلى هذا، أنت اللي اضطريت نفسك يا أخي، {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [(40) سورة النور] الوسيلة محرمة والنتيجة محرمة، فعلى الإنسان أن يهتم لنفسه.(45/25)
يقول: مع أني أستخدمها لمدة خمس سنوات ولا أدي ماذا أفعل وعمري الآن سبعة عشر سنة، وأخاف أن أكون فيّ عقم؟
الأطباء يذكرون لها بعض الأضرار، يذكرون لها بعض الأضرار الصحية والنفسية، وأن فيها أثر على الإنجاب، هي الآن يا أخي ما دامت محرمة فلا تنظر إلى الأمور الأخرى، نعم الأمور الأخرى مثل الحكم والعلل نعم المرتبة الحكم الشرعية والعلل التي من أجلها منع هذا العمل، نعم تكون رافد لا تكون هي الأصل في المنع، لا تقول: أنا لا أفعل هذه لأن فيها أضرار، لا، لأنها محرمة يا أخي؛ لتؤجر على كفك كما تؤجر على فعلك، والله أعلم.
نعم، ها محمد إيش عندك؟
طالب. . . . . . . . .
لما لا إيش؟
طالب. . . . . . . . .
وجميع الصور المحرمة التي تندرج تحت أصول عامة وقواعد كلية في الشرع لا بد أن ينص عليها الشارع؟ يعني ألا تدخل في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(6) سورة المؤمنون] هات نص يدل على جوازها وهي داخلة في المنع هنا؟
طالب. . . . . . . . .
الله أعلم، كل المنكرات معروفة بعد في الجاهلية، نعم؟
طالب. . . . . . . . .(45/26)
لا، لا هي تندرج في هذه الآية، وتدخل فيها دخول أولي، ويبقى أن لو كانت جائزة لأرشد إليها الشارع -عليه الصلاة والسلام- من لا يستطيع النكاح، أرشد إلى الصيام، لكن مع ذلك كثير من الشباب يقول: أنا لم أستطع الكف حتى مع الصيام، يبقى أنها محرمة، ولا تجوز نعم لكنها أسهل بكثير من الوقوع في الفاحشة، الإنسان إذا كان بين أمرين أمر صعب جداً موبقة من الموبقات، كبيرة من كبائر الذنوب، أو مثل هذه، لا شك أن ارتكاب أخف الضررين مقرر في الشرع، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يسترسل مع هذا الكلام، مع مثل هذه القواعد، ويقول: ما دام في أعظم منها أنا -الحمد لله- أنا أسهل، نعم أنت أسهل، ويجب عليك أن تنظر في أمور دينك إلى من هو أعلى منك، لا تنظر إلى من هو دونك، تقول: الحمد لله أنا أستعمل هذه العادة والناس يزنون ويلطون ويفعلون، لا يا أخي يعني بعد الناس كفار ومشركون كثير منهم بعد تصل إلى حدهم تبرر لنفسك، بينما في أمر الدنيا عليك أن تنظر إلى منه دونك؛ لأنه أجدر ألا تزدري نعمة الله عليك، نعم.
طالب. . . . . . . . .
نعم عثمان بن مضعون، إيه ولو أذن له لختصينا، إيش فيه؟
طالب. . . . . . . . .
على كل حال لو لم يرد فيها إلا الآية؛ لأن الآية حصرت المباح، وما عدا ذلك يبقى محرم، نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الحافظ -رحمه الله-: وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: "صبحكم ومساكم" ويقول: ((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) رواه مسلم.
وفي رواية له: كان خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك وقد علا صوته، وفي رواية له: ((من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له)) وللنسائي: ((وكل ضلالة في النار)).(45/27)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في حديث جابر: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني هذه عادته وديدنه وطريقته "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى أنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم" هذا الأسلوب الخطابي منه -عليه الصلاة والسلام- ليقع كلامه موقعاً قوياً في التأثير في السامع "إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه" وهكذا ينبغي أن يكون الخطيب لا سيما إذا كانت خطبته في إنكار منكر منتشر، أو في ترك مأمور مهجور، مقرر في الشرع مثل هذا ينبغي أن يكون وضع الخطيب ليؤثر في السامع؛ لأن بعض الخطباء يلقي الخطبة على طريقة رتيبة تجعل أكثر السامعين ينامون، تبعث على النوم والخمول والكسل، لكن لو اعتمد الناس هذا الأسلوب من النبي -عليه الصلاة والسلام- كان ما نام الناس، إذا خطب -عليه الصلاة والسلام- احمرت عيناه، يعني من شدة الغضب لما يرى أو لما رأى من التقصير أو التعدي لبعض حدود الله "وعلا صوته" وهنا ينبغي رفع الصوت علا صوته، الخطيب ينبغي أن يرفع صوته، وإن كان المطلوب أن يكون بقدر الحاجة، لا يزيد على الحاجة، لكن تعلمون أنهم ليس عندهم ما يبلغ الصوت من هذه المكبرات، فإذا كان الجمع لا يبلغه الصوت العادي يرفع الصوت حتى يبلغ السامع؛ لأن القصد من الخطبة السماع، القصد من الخطبة أن تسمع ويستفاد منها "وعلا صوته، واشتد غضبه" وبعض الناس يخطب في صفين أو ثلاثة، ويرفع على الآلات إلى أعلى شيء، ويرفع صوته ويجعل الناس يصدعون، صحيح –والله- بعض الآلات تورث الصداع، على شأن إيش؟ أصوات مرتفعة ومؤثرات تردد من أجل إيش؟ يأتي في هذا الحديث: ((خير الهدي هدي محمد)) قد يقول: هدي محمد رفع الصوت يا أخي أرفع صوتك بدون مكبر؛ لتقتدي بهدي محمد -عليه الصلاة والسلام-، إذا كنت بالفعل تريد تقتدي بمحمد لا تحط مكبر، أما تضع مكبر وتقلك الناس وتأذيهم بهذا المكبر، وترفع على أعلى شيء ومؤثرات وأصوات تتردد، وبعض الكلام يضع بعضاً من قوة الصوت، لا شك أن هذا خلاف السنة، فقوله: "علا صوته" حيث لا آلة؛ لأنه المقصود تبليغ الحاضرين.(45/28)
"واشتد غضبه" يشتد غضبه -عليه الصلاة والسلام- لا سيما إذا انتهكت المحارم، لا سيما إذا انتهكت المحارم "حتى كأنه منذر جيش" "حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم" صبحكم الجيش أيها الناس "ومساكم" يعني جاءكم في وقت الصباح، وجاءكم في وقت المساء، هذا وضعه -عليه الصلاة والسلام-، يخوف الناس ويحذرهم ليصلوا إلى مأمن، ليصلوا إلى المأمن، ويقول بعد ذلك: ((أما بعد)) ويقول: ((أما بعد)) وهذه من سنن الخطبة، سنن الرسائل ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- في خطبه وفي مراسلاته وكتاباته يقول: ((أما بعد)) ثبتت عن أكثر من ثلاثين صحابي، في الخطب والرسائل، ولا يقوم غيرها مقامها، ويؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى أخر، وهي في الموضع الأول لا تحتاج إلى ثم؛ لأن بعض الإخوان إذا أخذ يتكلم: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ثم أما بعد" على شان إيش جبت ثم؟ أما بعد مباشرة، فإذا أردت الانتقال إلى أسلوب ثالث قل: ثم، اعطف الثانية على الأولى، أما قبل فلا.
"أما بعد" وأما: قائم مقام الشرط، أما: حرف شرط، وبعد: قائم مقام الشرط، وجوابها ما بعد الفاء "أما بعد فإن" وبعدُ مبني على الضم كما تقدم في خطبة الكتاب؛ لأنه مقطوع عن الإضافة مع نية المضاف إليه، ومثله قبل {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم] لكن لو أضيفت أعربت، ولو قطعت مع عدم نية المضاف إليه أعربت مع التنوين، والخلاف في أول من قالها معروف:
جرى الخلف أما بعد من كان بادئاً ... بها عُد أقوال وداود أقربُ
ويعقوب وأيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعربُ
ثمانية أقوال.(45/29)
((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله)) خير الحديث الحديث إذا أطلق في مقابل القرآن يراد به ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا أطلق الحديث على عمومه وهو ما يتحدث به دخل فيه القرآن، ودخل فيه كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودخل فيه كلام من دونه، فهنا خير الحديث عموم ما يتحدث به كتاب الله، خير ذلك كتاب الله -جل وعلا- وهو القرآن، وجاء في فضله وفضل تعلمه وتعليمه من النصوص ما لا يحتاج إلى بيان ((فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد)) الهدي كذا ضبط بفتح الهاء، وضبط بضمها، الهدي والهدى، خير الهدى هدى محمد، وخير الهدي هدي محمد، والمراد بذلك طريقته وسنته وعادته وديدنه، خير الهدي عموماً خير الطرق التي تسلك والسنن التي تتبع سنة محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهديه وديدنه وعادته -عليه الصلاة والسلام-، هدي محمد، ويصرح باسمه -عليه الصلاة والسلام-، باسمه العلم، وخير الهدي هدي محمد، هل يكون في قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد التصريح باسمه -صلى الله عليه وسلم-؟ نحن مأمورون {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] اشترط بعضهم الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- لصحة الخطبة، فغيره لا بد من أن يصلي، لكن بالنسبة له هل يدخل في الأمر: ((البخيل من ذكرته عنده فلم يصل علي)) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] ويذكر اسمه المجرد باسمه العلم، ولا أحفظ نص صلى فيه -عليه الصلاة والسلام-، وإنما أمر بذلك وحث عليه، على نفسه.(45/30)
((وشر الأمور محدثاتها)) شر الأمور كلها من الأقوال والأفعال شرها محدثاتها، وكل خير في اتباع من سلف، فالإحداث لا شك أنه لا سيما في الدين بدعة، أما المحدثات في أمور العادات والدنيا فالمسلم يأخذ بما ينفعه منها، ويترك ما يضره على ألا يكون فيما يأخذه من النافع ألا يكون من باب التشبه بالأعداء ((شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) كل بصيغة العموم، والبدعة في أصل اللغة: ما عمل على غير مثال سابق، ما عمل على غير مثال سابق، وفي الشرع: ما عمل من دون أن يسبق له شرعية من الكتاب والسنة، وهذا في أمور الدين، البدعة في اللغة في الأصل: ما عمل على غير مثال سابق، يعني صنع شيئاً ما سبق إليه ابتدعه، والله -جل وعلا- بديع السماوات، يعني مبدع، منشأ على غير مثال سابق، وأما في الشرع: ما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة، ومعلوم أن هذا في أمور العبادات، وما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- في المقاصد والغايات، وأما الوسائل فهي متفاوتة، منها ما يقرب من الغايات، ومنها ما يبعد عنها، فما بعد من الوسائل عن الغايات فمثل هذا قابل للاجتهاد والتجديد، فالدعوة مثلاً لها وسائل، لها وسائل فمثلاً من وسائلها استعمال المركوب مثلاً، هل يقول قائل: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في دعوته لم يركب إلا الحمار أو البعير ما نركب إلا مثله هذه وسيلة للدعوة وسيلة لعبادة لا يدخلها الاجتهاد؟ أو نقول: هذه بعيدة عن الغاية؟ وإن كانت وسيلة إلى هذه الغاية، لكن لبعدها نعم، تخضع للاجتهاد، لكن هناك وسائل تقرب من الغايات حتى أن منهم من ينازع في كونها وسائل، بل هي غايات، الآن الوضوء الوضوء هو وسيلة إلى الصلاة، وسيلة إلى الصلاة، منهم من يقول: هو غاية بذاته بدليل أنه يشرع أن يبقى المسلم على طهارة ولو لم يرد بذلك العبادة مما يتعبد به إلا بالوضوء، مثل هذه الآلات المكبرة للصوت أو المبكرة للحرف للقراءة هذه وسائل، هل نقول: إنها خاضعة للاجتهاد أو غير خاضعة للاجتهاد، نعم أمور اجتهادية أمور اجتهادية وهي حادثة وتستعمل في عبادة، لكنها ليست غايات فدخلت في حيز الاجتهاد، وهذه الأمور تتفاوت فيها وجهات النظر، منهم من يضيق تضييقاً شديداً، ومنهم من يتوسع(45/31)
توسعاً غير مرضي، وخير الأمور في الوسط، من أهل العلم المعروفين من رفض الاستعمال من هذه الآلات، أمور حادثة تستعمل في عبادة كيف أدي أفضل العبادات وأعظم العبادات الصلاة أؤديها بآلة حادثة وهي المكبر؟ ومن الشيوخ من مات ولم يستعملها لا في صلاته ولا في خطبته ولا .. ، ومن أهل العلم من رأى أن المصلحة راجحة، والمفسدة لا تكاد تذكر في جانب المصلحة العظيمة فرأى أن استعمال مثل هذه الآلات يحقق مصلحة ولا يترتب عليه مفسدة ولو استعمل في أمر .. ، في عبادة، المقصود أن مثل هذه الأمور تقدر بقدرها، هناك ضابط وضعه بعض أهل العلم أن كل ما كنت الحاجة داعية إليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعله فإنه بدعة، نقول: هل الحاجة داعية إلى تبليغ الصوت إلى البعيد القاصي في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟ الحاجة داعية بلا شك، الحاجة داعية بدليل أنه أواخر الصفوف لا يسمعون القراءة، فالحاجة داعية، لكن هل مثل هذه الآلات موجودة في عصره ولم يفعلها؟ ليست موجودة، هم في عهد السلف يستعملون المستملي الذي هو المبلغ عن المتكلم في الجموع الكثيرة، وهذه الآلة تقوم مقام المستملي.
فالخطوط التي تجعل في الفرش فرش المسجد أو في محاذاة الحجر الأسود خط هذه ينطبق عليها الحد الذي حدد في تعريف البدعة، الحاجة داعية إلى مثل هذا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم تفعل، لكن الحاجة في عهده -عليه الصلاة والسلام- هل هي بمستوى الحاجة بعده -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟ يعني خطوط الفرشات هذه النبي -عليه الصلاة والسلام- بإمكانه يخط برجله في الرمل ويستوون على هذا الخط، ولا يحرص على إقامة الصفوف مثل ما كان يفعل -عليه الصلاة والسلام- يرتاح من هذا، لكن الحاجة ليست بقوة الحاجة الآن، صفه -عليه الصلاة والسلام- يمكن عشرة أو عشرين، يمكن تسويتهم، لكن في الجوامع الكبرى وفي الحرمين وغيرهما لا يمكن تنظيم الناس بمجرد الكلام، كثير من الناس يتساهل في تطبيق السنن، وقد لا يتسنى له، وكثير من الناس يجهل، منهم من يجهل ومنهم من يتساهل، وتجدون الصفوف في الحرمين رغم وجود هذا السجاد ووجود الخطوط يعني صفوف تحتاج إلى تعديل.(45/32)
كانت مصليات الأعياد قبل أن تفرش بهذه الفرش التي تعدل الصفوف يعني الصفوف كالأقواس لا يمكن تعديلها، وعلى كل حال هذه مما تتجاذبها وجهات النظر، لكن يبقى أنه إذا زادت المصلحة وغمرت المفسدة في سبيل تحقيق هذه المصلحة ينبغي ألا يلتفت إلى المفسدة، الخط المحاذي للحجر الأسود رأى أهل العلم أنه يحقق مصلحة؛ لأنه يأتي من يستفتي يقول: بدأت الطواف بالحرف يقول: من رجل إسماعيل، وين رجل إسماعيل؟ المقام، ما فيش رجل إسماعيل يا أخي وين أنت؟ مثل هذا لو ترك له الأمر بدون خط وبدون شيء بيعرف شيء ذا؟ وكثير من الناس يعني الذي يسأل عن الكعبة إذا دخل صحن الكعبة هذا بيعرف اشلون يطوف؟ وشلون يبدأ؟ وشلون ينتهي؟ جهل جهل مطبق، فرأي أهل العلم أن هذا الخط يحقق مصلحة والمفسدة مغمورة، لكن زادت المفسدة رأينا المفسدة تزيد يوماً فيوماً يحنون على الخط، يقصدون الخط كالقاطرة واحد وراء الثاني يصلون على الخط الأسود، وضيقوا على الطائفين، فلا بد من إيجاد بديل لهذا الخط، ولا شك أن المصالح والمفاسد تزيد وتنقص من وقت إلى أخر، وعلى كل حال هذا ضابط في الحديث: ((كل بدعة ضلالة)) ((وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) عام في كل ما يبتدع في أمر الدين، لكن هل هو من العام الباقي على عمومه أو العام المخصوص كما يقول بعض أهل العلم؟ هل هو عام محفوظ بحيث يكون كل ما أحدث في الدين ضلالة؟ كل ما ابتدع في الدين ضلالة؟ من أهل العلم من يرى أنه من العام المخصوص، والصحيح أنه باقي على عمومه، باقي على عمومه، وأنه كل ما أحدث في الدين من غاياته ومقاصده ووسائله القريبة من الغايات مثل هذه كلها ضلالة، من أهل العلم من يقسم البدع إلى بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة كيف؟ النبي –عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وكل بدعة ضلالة)) وأنت تقول: بدعة واجبة كيف ضلالة واجبة؟ منهم من يقول: هناك بدع محمودة وبدع مذمومة، بدع مستحسنة ومستحبة وبدع مذمومة، يستدل بقول عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" نعمت البدعة، وإذا نظرنا إلى صلاة التراويح التي جمع عمر -رضي الله عنه- الناس عليها، وأردنا أن نطبق التعريف عليها التعريف اللغوي: ما عمل على غير مثال سابق،(45/33)
هي عملت على مثال سبق، صليت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- جماعة، فليست ببدعة لغوية، وهل هي بدعة شرعية؟ ليست بدعة شرعية؛ لأن هناك سبق لها شرعية من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ليست بدعة شرعية، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بأصحابه ليلتين أو ثلاث جماعة في ليالي رمضان ثم ترك، لا رغبة عنها، ولا نسخ لها، ولا رفعاً لحكمها، وإنما خشية أن تفرض، وإذا كان الأمر كذلك فقد سبق لها شرعية من فعله -عليه الصلاة والسلام-، والعلة في تركها ما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- شفقة على أمته، فإذا لم تكن بدعة لا لغوية ولا شرعية فماذا تكون؟ الشاطبي يقول: مجاز، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في الاقتضاء يقول: بدعة لغوية، وتبعه على هذا كثير من أهل العلم، لكن إذا طبقنا التعريف الغوي ما وجدناه ينطبق، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
نعم هي مشاكلة، مشاكلة أو مجانسة في التعبير، وهذا أسلوب مطروق في لغة العرب وفي النصوص أيضاً، {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] ذي مسألة تقدمت مراراً، لكن التذكير بها في موضعها لا بد منه، الشاطبي -رحمه الله تعالى- رد التقسيم وقوض دعائمه، وقال: إنه قول مخترع مبتدع التقسيم تقسيم البدع، الذين يقولون بالتقسيم يقولون: هناك بدع واجبة كالرد على الزنادقة والملاحدة، لكن القرآن يرد على المخالفين، السنة فيها نصوص، السلف ردوا على المخالفين، فليست ببدعة من البدع الواجبة يقولون، من البدع المستحبة بناء المدارس والأربطة من المقرر في الشرع أن الوسائل لها أحكام الغايات، وامتثال الأمر لا يتم إلا بفعل المأمور، وما يتم به فعل المأمور، أنت مأمور بالعلم والتعليم والتعلم كيف يتم هذا العلم وتحصيل العلم والتعليم إلا ببناء يضم المتعلمين بالأربطة وغيرها من الأمور متعدية النفع، يقولون: هذه بدع، نقول: لا ليست ببدع، إذا أمر الشرع بغايتها فوسائلها تبع لها؛ لأن الأمر بالشيء أمر بما لا يتم إلا به أيضاً.(45/34)
((وكل بدعة ضلالة)) رواه مسلم، وفي راوية له: "كانت خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يحمد الله ويثني عليه" يحمد الله قالوا: من شرط صحة الخطبة أن يتقدمها الحمد والثناء مع الصلاة -على النبي عليه الصلاة والسلام-، وقراءة شيء من القرآن، وينطبق عليها مسمى الخطبة، يعني لو صعد المنبر وقرأ سورة قاف ونزل ما تكلم بكلمة هل يقال: إنه خطب؟ يقال: قرأ ما يقال: خطب، لو أنشد قصيدة ولو ابتدأت القصيدة بالحمدلة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأما بعد، وضمنت شيء من القرآن قال: خطب؟ ما خطب، ومن أهل العلم من يرى أن الخطبة تبطل بتضمينها الشعر؛ لأنه لم يؤثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال بيتاً في خطبته، في خطبه كلها، لكن إذا كان الشعر شيء مغمور بحيث لا يخرج الخطبة عن مسماها شي يسير جداً بالنسبة للخطبة واحتيج إليه لعدم ما يقوم مقامه في معناه فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
"يحمد الله ويثني عليه" وبهذا نعرف أن الحمد غير الثناء، وإن فسر الجمهور الحمد بأنه هو الثناء، الحمد غير الثناء وجاء في حديث أبي هريرة في مسلم: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدين، وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي)) فهذا الحديث يدل على أن الثناء غير الحمد، ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الوابل الصيب فرق بين الحمد والثناء، وحد كل وحد منهما بحد خاص، فليرجع إليه، "ثم يقول على إثر ذلك" يعني بعد ذلك، إثر وأثر لا فرق، ضبطت بهذا وهذا "وقد علا صوته" والحال أنه -عليه الصلاة والسلام- قد علا صوته، ارتفع صوته كما تقدم.(45/35)
"وفي راوية له: ((من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له)) " الأمور كلها بيد الله -جل وعلا- هداية القلوب بيد الله -جل وعلا- إذا كتب للعبد الهداية ووفقه لها لن يستطيع من على وجه الأرض بجميع ما يستطيعونه من قوة أن يصرفوه عن هذا الهدى، وبالمقابل من أراد الله إضلاله لو بذلت جميع الأسباب لهدايته ما تم، ومن أوضح الأدلة حرص النبي -عليه الصلاة والسلام- على هداية أبي طالب حتى اللحظة الأخيرة من حياته ((قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)) أخر ما قال: "هو على ملة عبد المطلب" ((من يضلل فلا هادي له)) {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] وهذه الهداية هي هداية التوفيق والقبول والانقياد والإذعان، أما هداية الدلالة والإرشاد فيملكها النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعث بها {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] وأتباعه كذلك يدلون الناس ويرشدونهم إلى الطريق الحق، أما القبول فبيد الله -جل وعلا-، وعلى هذا يبذل الإنسان ما أمر به من بذل لأسباب الهداية، أما كون الناس يهتدون أو لا يهتدون هذا الأمر ليس إليه، يحرص على أن يهتدوا وتحقق دعوته الثمرة التي من أجلها نصب نفسه لها، إذا لم يتحقق السبب فالقلوب بيد الله -جل وعلا-.
"وللنسائي: ((وكل ضلالة في الناس)) " كل ضلالة في النار، يعني كل صاحب ضلالة في النار، وليس المراد الضلالة نفسها، كما في حديث الإسبال ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) يعني من الثوب وإلا صاحب الثوب؟ صاحب الثوب وإلا الثوب سهل، فكل الناس الثوب سهل عنده لو كل الثوب في النار ما هو بمشكلة، لكن الإشكال في صاحب الثوب، نسأل الله السلامة والعافية.
كم باقي على الأذان؟
طالب:. . . . . . . . .
أيه يكفي هذا يكفي، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(45/36)
بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة (32)
شرح: باب صلاة الجمعة.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله تعالى-:
ابن الثانية مجرورة؛ لأنها تابعة لما قبلها.
سم يا شيخ.
أحمد بنُ علي بنِ حجر؛ لأنها وصف لما قبلها، تابع لما قبلها، نعم.
قال الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنهما- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)) رواه مسلم"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عمار بن ياسر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)) " طول الصلاة الطول الذي لا يدخل في حيز الفتنة، يعني فتن المصلين عن صلاتهم، التي جاء التحذير منها في حديث معاذ: ((أفتان أنت يا معاذ؟ )) الطول الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا شك أن طول صلاة الرجل وإتقان الصلاة والإتيان بجميع ما يطلب لها من أركان وواجبات وسنن بطمأنينة تامة، بقراءة مرتلة، لا شك أن هذا دليل على أن الرجل فقيه، الذي يأتي بجميع ما شرع في الصلاة، ومن لازم الإتيان بجميع ما شرع وأداء الصلاة على الوجه المأمور به بإقامتها، وكلنا نعرف معنى إقامة الصلاة ليس المراد أداؤها والإتيان بها على أي وجهٍ، لا، ولذا جاءت النصوص كلها بإقامة الصلاة، إقامتها جعلها قويمة ومستقيمة على مراد الله -جل وعلا- ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ومن لازم ذلك أنها إذا أديت على هذا الوجه دلت على أن هذا الإمام فقيه يعرف فقه صلاة، وقد ضبط جميع ما يتعلق بصلاته بخلاف من نقر الصلاة من نقر الصلاة لا يخلو إما إن يكون جاهلاً أو معانداً، وهو على كلا الحالين ليس بفقيه.(46/1)
طول الصلاة النسبي، طول الصلاة النسبي، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الإطالة التي تفتن بعض المصلين وتصرفهم عن صلاتهم، لكنه مع ذلك قرأ بطوال المفصل، قرأ بـ (قاف) واقتربت والطور والصافات والجمعة والمنافقون، قرأ أيضاً بالأعراف في المغرب على ما تقدم، المقصود أن من يطبق ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، لا شك أن هذا هو الفقيه، وقد قدمه أكثر العلماء على الأقرأ عندهم يقدم الأفقه على الأقرأ، وعند الحنفية والمالكية والشافعية يقدم الأفقه على الأقرأ، مع أن النص جاء صريح حديث أبي مسعود: ((يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)) يقولون: لأن الإمام قد يعرض له في صلاته ما يحتاج معه إلى فقه، وأما القراءة فيكفي منها القدر الواجب، فقد يكون الإنسان حافظ للقرآن لكن يخفى عليه كثير من فقه الصلاة، فجعلوا الأقرأ هو الأولى، معروف عند الحنابلة ومن يقول بقولهم من فقهاء الحديث أن الأقرأ هو الأولى مطلقاً للنص عليه، للنص عليه، الجمهور يجيبون عن الحديث بأنه جاء على الغالب من حال الصحابة -رضوان الله عليهم-، وهو أن الأفقه هو الأقرأ، الأفقه هو الأقرأ، فجاء لبيان الواقع وليس الأمر كذلك، إذ لو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلموهم بالسنة)) وأحكام الصلاة جلها في السنة، وليس في القرآن منها إلا الأمر بها، المقصود أن هذا الذي هو بالفعل أقرأ هو الأولى بالإمامة، لكن ينبغي أن يكون الأقرأ يعني حث للقراء أن يعنوا بفقه الصلاة، ما دام أتيحت لهم هذا الفرصة وفضلوا على غيرهم نعم فإنه لا يليق بهم أن يؤموا الناس وهم لا يفقهون أحكام الصلاة، فتقديم الأقرأ متضمن للحث على فقه الصلاة.(46/2)
((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)) يعني علامة من فقهه، علامة من فقهه، قد يتكايس بعض الناس ويريد أن يطبق هذا الحديث فيقول: طول صلاة الرجل في الجمعة يقرأ في الأولى البقرة وفي الثانية آل عمران بعد أن خطب دقيقة أو دقيقتين؛ ليكون داخل دخول أولياً في هذا الحديث، لكن هل هذا مقبول؟ الطول والقصر نسبي، الطول والقصر نسبي، فإذا خطب الخطبة المجزئة المشتملة على أركان الخطبة، وما يجب فيها وحققت الهدف الشرعي من شرعيتها بأخصر عبارة، وأوضح بيان، بحيث لا يحتاج معه إلى استفسار في الوقت المناسب، هذه خطبة قصيرة، بحيث لا يزيد على ما تحتاجه المعاني من الألفاظ، ولا شك أن إدراك المعاني والتعبير عنها بأخصر عبارة وأقصر أسلوب مفهوم واضح هذا علامة على فقه الرجل، علامة على بلاغته وفصاحته، وأما طول الصلاة فلا شك أنه نسبي، وقد جاء التحذير من التطويل الممل، وجاء في بيان صلاته -عليه الصلاة والسلام- بعض السور التي كان يقرأها.(46/3)
((مئنة من فقهه)) علامة من فقهه، علامة من فقهه؛ لأن بعض الناس يتصور أن الحكم عليه إنما يتم بجودة أسلوبه وفصاحته واستعماله الغريب من الألفاظ بعض الناس يتصور هذا، أن الناس بيقولون له: هذا أسلوبه راقي، نقول: لا يا أخي هون على نفسك هذا مسألة شرعية، مسألة شرعية شرعت لتحقق هدف لهداية الناس وإرشادهم ودلالتهم، وبيان ما يخفى عليهم، فخاطبهم على قدر عقولهم، ولا تملهم بحيث .. ، سمعنا من يخطب ساعة، لكن ما النتيجة؟ نصف الناس نيام، هل هذا فقيه؟ هل هذا يراعي الأحوال؟ هذا لا يراعي الأحوال، ومراعاة الحال أمر لا بد منه، ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتخولهم بالموعظة، لا يكثر عليهم، ولا يثقل عليهم، يتخولهم بالموعظة، وجاء في الحديث: ((وإن من البيان لسحراً)) وهو من تمام الحديث: ((فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً)) وإن من البيان لسحراً، والبيان معروف، البيان الذي هو تمام الإيضاح مع جزالة الأسلوب، وخلوه عن القدر الزائد عن المطلوب بدون إطناب ولا إيجاز مخل، والتعبير عن المراد بقدر الحاجة بيان، وهو من ضرب من ضروب السحر؛ لأنه يؤثر في السامع كتأثير السحر، البيان يؤثر في السامع كتأثير السحر، وهل هذه الجملة مدح للبيان أو ذم للبيان؟ نعم مدح وإلا ذم؟
طالب. . . . . . . . .
نعم، إذا استعمل هذا البيان في بيان الحق، ودحض الباطل فهو مدح، والعكس بالعكس، إذا تضمن هذا البيان تحريف النصوص وتأويل النصوص، والخروج من التكاليف بالتأويلات الباطلة، لا شك أنه ذم، والله المستعان.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي بالجمعة والمنافقون، وهل هذا تطويل أو اختصار في صلاة الجمعة؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .
نعم هذا نسبي، لا شك أن الجمعة والمنافقون أطول من سبح والغاشية، التي كان يصلي بهما -عليه الصلاة والسلام- في الجمعة والعيدين أطول، فهو طول نسبي، ولا يزال في دائرة التخفيف الذي أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في مقابل سورة البقرة التي قرأ بها معاذ، نعم.(46/4)
قال -رحمه الله-: "وعن أم هشام بنت حارثة -رضي الله عنها- قالت: "ما أخذت (ق) والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس" رواه مسلم"
يقول: "وعن أم هشام بنت حارثة -رضي الله عنها- قالت: "ما أخذت (ق) والقرآن المجيد" يعني ما أخذت السورة كاملة، ليس المراد بها ما ذكر فقط، وإنما هذه كناية عن السورة بكاملها، وجاء في أول الحديث: "كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً سنتين أو سنة وبعض السنة، وما أخذت (ق) والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة إذا خطب الناس" لأن في سؤال من الأسئلة يقول: هل تجوز الخطبة بـ (قاف) فقط؟ يصعد المنبر ويقرأ سورة (ق) وينزل؟ نقول: هذه ليست خطبة؛ لأنها إنما أخذت (ق) والقرآن المجيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس، يعني ضمن الخطبة تصير، تكون في ضمن الخطبة، ولا تكون هي الخطبة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من قراءة هذه السورة إذا خطب الناس في الجمعة، وذلكم لما اشتملت عليه، لما اشتملت عليه هذه السورة من المعاني العظيمة، فيها أمور لو تأملها المسلم لأفاد منها؛ ولذا جاء في أخرها {فَذَكِّرْ} كيف؟ {بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] فالتذكير ينبغي أن يكون بالقرآن وكفى بالقرآن واعظاً، ومع الأسف تجد أن بعض الناس إذا كان هناك درس وإلا محاضرة يعتنون بالدرس والمحاضرة ويجلبون عليه بكل ما أتوا من استنفار، ثم إذا جاءت الصلاة لم يحضر لها قلب، لا من الطالب ولا من غيره؛ لأن العناية والهمة منصبة إلى هذا الدرس، لا يا أخي نقول: ينبغي أن يعنى بالفريضة قبل كل شيء التي هي الصلاة وتؤدى على الوجه المشروع، وتطال فيها القراءة طول نسبي، لا سيما إذا كثر الناس بصوت جميل يؤثر في الناس، وهذا التذكير بالقرآن، وهذا هو التذكير بالقرآن، بعض الناس يتضايق إذا أطال في الصلاة، وهو ينتظر درس، لا يا أخي هذه أهم من الدرس.(46/5)
فهذه السورة لا شك أن فيها موضوعات تهم المسلم، تهم المسلم فيها أمور، يعني ولو تدبرها طالب العلم لخرج منها بالمعاني العظيمة واستعراض هذه السورة، وما فيها من معاني يحتاج إلى دروس لا يكفي درس أو درسين، وكلكم يحفظ هذه السورة -ولله الحمد-، وهي من أعظم سور القرآن، فعلى الخطباء أن يعنوا بها، وأن يكثروا من قراءتها على الناس بطريقة أو على الوجه المأمور به من الترتيل وإدخالها إلى القلوب بتحسين الصوت والتغني بها؛ لأن القرآن يزين بالقرآن ((زينوا القرآن بأصواتكم)) ((وليس منا من لم يتغن بالقرآن)) والتأثير أولاً وأخراً للقرآن المؤدى بالصوت الجميل، وليس التأثير للصوت أبداً، بدليل أن هذا الصوت لو قرأ به شيء غير القرآن ما أثر هذا التأثير، لكن التأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت، ولا شك أن السامع يتأثر بالقرآن لا سيما إذا أدي على ما أمر به من ترتيل وتدبر وتخشع واستحضار قلب، والله المستعان، نعم.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليست له جمعة)) رواه أحمد بإسناد لا بأس به، وهو يفسر وهو يفسر ...
ها؟ كمل.
"وهو يفسر حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الصحيحين مرفوعاً: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) "(46/6)
نعم حديث ابن عباس في المسند يقول الحافظ: إسناده لا بأس به، لكن الإسناد ضعيف؛ لأن فيه مجالد بن سعيد وضعفه الأئمة، فالخبر ضعيف، لكن له شاهد، له شاهد، لكنه مرسل، وحديث ابن عباس متصل، لكنه ضعيف، فيه مجالد بن سعيد ضعفه الأئمة، وورد من مرسل حماد رواه جمع، فهل يعتضد الضعيف بالمرسل؟ أو بعبارة أخرى يعتضد المرسل بالضعيف؟ ضعف مجالد وإن ضعفه الجمهور قواه بعضهم، فيكون ضعفه منجبراً، يقبل الانجبار، يقبل الانجبار فهل ينجبر بمرسل؟ ينجبر بمرسل؟ نعم نص الحافظ ابن حجر وغيره على أن المرسل يجبر وينجبر به، والشافعي -رحمه الله تعالى- في فيما يتقوى به المرسل يقول: يتقوى بالمرفوع، يتقوى بمرسل أخر رجاله غير من أرسل الخبر الأول، فلعل الحافظ لحظ هذا، وقال: بإسناد لا بأس به، لو أسقط كلمة بإسناد؛ لأن الإسناد ضعيف، لو أسقط قوله: بإسناد، لو قال: رواه أحمد وهو لا بأس به، حديث لا بأس به باعتبار المجموع لا باعتبار المفرد كانت العبارة أدق، أما ما رواه أحمد عن ابن عباس من طريق مجالد ضعيف، فإن كان الحافظ لحظ ما يتقوى به ... المرسل فحكمه صحيح، لكنه ليس بدقيق، أما إسناده بمفرده فيه بأس، ما يقال: لا بأس به؛ لأن فيه مجالد وهو ضعيف، على كل حال الحديث يشهد له الحديث حديث أبي هريرة الذي يليه وهو في الصحيحين "يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا)) فهو كالحمار يحمل أسفاراً، كيف كالحمار؟ ما وجه الشبه بين من جاء إلى صلاة الجمعة تعب في الحضور إليها، اغتسل لها، وقد يكون قد بكر، نعم ثم بعد ذلك تكلم والإمام يخطب؟ ما وجه الشبه بينه وبين الحمار؟ نعم؟ عدم الانتفاع، هذا لا ينتفع بحضور الجمعة، وهذا لا ينتفع بما على ظهره من الأسفار، هذا وجه الشبه، عدم الانتفاع في كل، يعني:
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ... والماء فوق ظهورها محمولُ
الذي لا يتنتفع بما حمل كالحمار، ولذا شبه الله -جل وعلا- من؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .(46/7)
نعم؟ نعم {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ} [(5) سورة الجمعة] وهو اليهود {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [(5) سورة الجمعة] فما معنى لم يحملوها؟
طالب. . . . . . . . .(46/8)
نعم لم يعملوا بها، وأما حملها حملوها، بمعنى أنهم نظروا فيها، واعتنوا بها، ولكن لم يعملوا بما فيها، بدليل أن الحمار يحمل ولا يتم التشبيه إلا إذا كانوا حملوها ثم لم يعملوا بها؛ لأن الحمل إنما المراد منه العمل، فالذي يحمل شيئاً من العلم وهو لا يعمل به مثلهم، الذي لا يعمل بعلمه كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ويش الفائدة؟ الذي لا ينتفع بعلمه، وما يحمله بعض الفساق من العلم هو في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم ما نفع، وهذا العلم الذي لا تترتب عليه أثاره ليس بعلم، وإنما الثمرة العظمى من العلم العمل، أما كون الإنسان يعرف الحكم حلال حرام ثم لا يعمل، هذا جاهل {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ} [(17) سورة النساء] لإيش؟ {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] يعملون السوء بجهالة، يعني هل نقول: إنه إذا زنا الشخص وهو عارف أن الزنا حرام تقبل توبته وإلا ما تقبل؟ إذا سرق وهو عارف أن السرقة حرام تقبل وإلا ما تقبل؟ إذاً ما فائدة قوله: بجهالة؟ نعم كل من عصى فهو جاهل، كل من عصى فهو جاهل، إذاً من عنده شيء من العلم ولم يعمل به هو جاهل لأنه عاصي، ولذا جاء في الحديث المختلف فيه: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل اسفاراً، الأسفار: جمع سفر، والسفر الكتاب حمار يحمل كتب ماذا يستفيد؟ لا يستفيد ولا ينتفع، وهذا الذي حضر الجمعة وتكلم والإمام يخطب لم يستفد، لم يستفد، لم يستفد الأثر المرتب على الجمعة، وإلا فجمعته صحيحة ومسقطه للطلب، بمعنى أنه لا يأمر بإعادتها، لكن الثواب المرتب على الجمعة لا يحصل له ((والذي يقول له: أنصت ليست له جمعة)) ليست له جمعة، أيهما أشد الذي تكلم أو الذي نهاه عن المنكر؟ نعم، الذي تكلم كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي قال له: أنصت ليست له جمعة، وفي حديث أبي هريرة عند الشيخين: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة)) تأمره بالمعروف، تكفه وتنهاه عن المنكر ((والإمام يخطب فقد لغوت)) نعم فأيهما أشد؟ الثاني أشد؛ لأنه باشر الكلام وتسبب في كلام الثاني، فاجتمع له الأمران المباشرة والتسبب، نعم.(46/9)
طالب. . . . . . . . .
أما بالنسبة للأول فلا وجه لكلامه، والثاني على ما ارتكبه من محظور إلا أنه ينتابه أمران: مأمور ومحظور؛ لأن الأول عصى وارتكب محظوراً بالكلام حال الخطبة، وقد جاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا منكر، فكونه قال له: أنصت نهاه عن هذا المنكر، بل أمره بالمعروف وهو الإنصات امتثل أمر، لكنه مع ذلك كله وقد أمر بالمعروف لغا وليس له جمعة، فكيف بمن تكلم بغير فائدة ولا مصلحة؟ نعم كيف بمن يتكلم بغير فائدة ولا مصلحة ابتداء؟ إذا كان من ينكر المنكر ويأمر بالمعروف هذا وضعه فكيف بمن يتكلم كلام ابتداء لا حاجة إليه؟ ثم هل النهي عن الكلام حال الخطبة لكل من سمع الخطبة لأنه قال: ((والإمام يخطب))؟ يعني حال خطبة الإمام لا يجوز الكلام، فمعنى هذا أنه قبل أن يبدأ بالخطبة أو إذا جلس بين الخطبتين أو إذا فرغت الخطبة قبل الصلاة يجوز له أن يتكلم، يجوز له أن يتكلم؛ لأنه قال: ((والإمام يخطب)) والإمام يخطب مفاده أنه إذا كان الإمام لا يخطب فإن الكلام يجوز.
مسألة وهي: هل لزوم الإنصات لمن كان داخل المسجد أو لكل من سمع الخطبة؟ بمعنى أنك لو جئت والإمام يخطب ووجدت شخص يبيع عند باب المسجد، ثم قلت له: إن البيع والشراء بعد أذان الجمعة الثاني حرام البيع باطل يجوز لك وإلا ما يجوز؟ أو أن هذا خاص بمن يستمع الخطبة؟ تصور أنت هذا الشخص الذي قبل أن يدخل المسجد وجد شخص يبيع عند باب المسجد بعد دخول الإمام؛ لأن هذا له توابع؛ لأن لو قلنا: بمنع هذا لقلنا: بمنع من في البيوت من المعذورين والإمام يخطب يسمعون الخطبة نقول: ما يجوز أن يتكلموا والإمام يخطب؟ أو نقول: هذا خاص بمن دخل وقصد الجمعة وجاء لاستماعها؟ يعني لو أنت عند الباب تسمع واحد .. ، تسمع الإمام يخطب وواحد يبيع تقول له: حرام البيع هذا الوقت، يحرم عليك أن تبيع هذا الوقت؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .(46/10)
قبل أن تدخل المسجد، يعني إلى الآن ما ثبتت الأحكام، بدليل أنه بإمكانك أن تصل إلى هذا المسجد ثم تقول: والله الإمام الآن دخل في مسجد يتأخر أروح مسجد ثاني ممكن قبل أن تدخل أنت بالخيار، لكن إذا دخلت لا يجوز لك أن تخرج، يعني لو منعنا من ينكر المنكر لو وجد مثلاً شباب يلعبون والإمام يخطب فقال لهم: صلوا يجوز وإلا ما يجوز قبل أن يدخل المسجد؟ بخلاف ما لو اطلع عليهم من النافذة وقال: صلوا، هذه مسألة ثانية وهو داخل المسجد هذا مثل من يقول: أنصت، لكن خارج المسجد ما باشر الصلاة وأسباب الصلاة، وإذا قلنا: بمنع مثل هذا فما الفرق بينه وبين من يسمع الخطبة من المعذورين؟ وين اللي بيجاوبون؟ ها؟ إيش الحكم؟
طالب. . . . . . . . .
وجد شباب يلعبون كرة عند باب المسجد والإمام يخطب قال: صلوا يجوز وإلا ما يجوز؟
قبل أن يدخل؟
قبل أن يدخل إيه.
طالب. . . . . . . . .
يجوز له ذلك؛ لأنه إلى الآن ما بعد ترتبت عليه الأحكام والآثار إلى الآن، بدليل أنه لو رجع إلى مسجد آخر توقع أن مسجد أخر ما بعد دخل الإمام ورجع ما يلزمه سماع هذه الخطبة، مسائل تتداعى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] مررت من عند مسجد وأنت تمشي على رجليك، أنت مصلي في مسجد ثاني، ومررت من عند مسجد والإمام يقرأ بالمبكر وتسمع القرآن وباقٍ عليك شيء من أذكارك هل نقول: استمع لهذا القرآن أو أكمل أذكارك وأنت ماشي؟ يعني هل أنت مطالب بالاستماع لهذا القرآن الذي يقرأه هذا الإمام؟ إذا دخلت مع باب المسجد خلاص لزمتك أحكامه.
طالب. . . . . . . . .
إذا وصلت إلى المصلين، إذا وصلت إلى المصلين فأنت دخلت المسجد حكماً.
طالب. . . . . . . . .
المقصود أنك ما دام وصلت إلى حيز موضع الصلاة فأنت تبع الإمام، أنت مطالب بما يطالب به المستمع.(46/11)
((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب)) يعني حال الخطبة ((فقد لغوت)) جاء في بعض الأخبار: ((من لغا فلا جمعة له)) من لغا فلا جمعة له، وجاء في بعض الحديث حديث ابن عمر عند أبي داود وابن خزيمة: ((من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً)) كانت له ظهراً، يعني هي مجزئة ومسقطة للطلب لا يؤمر بإعادتها، لكن الأجر الزائد على صلاة الظهر لا يثبت له، وعلى كل حال الكلام والإمام يخطب حرام، القول الراجح عند أهل العلم، وإن قال بعضهم بكراهته لكن هذه النصوص تدل على أنه حرام، نعم.
"وعن جابر قال: دخل رجل ... "
لحظة لحظة.
طالب. . . . . . . . .
أيه؟ هذا حديث أبي هريرة؟
طالب. . . . . . . . .
((قال لصاحبه: أنصت)) فثبت في حقه هذا كغيره من الذنوب، ارتكب محرم لا شك، لكن إذا تاب وندم وعزم ألا يعود فباب التوبة مفتوح.
طالب. . . . . . . . .
وين؟ نعم لكن كفارتها التوبة، نعم.
"وعن جابر قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: ((صليت؟ )) قال: لا قال: ((قم فصل ركعتين)) متفق عليه"
في الحديثين السابقين منع الكلام والإمام يخطب، وهذا الحديث فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأله: فقال له: هل صليت؟ قال: لا، تكلم قال: لا، قال: ((قم فصل ركعتين)) فدل على أن الكلام من الخطيب ومع الخطيب مستثنى من الكلام الممنوع، فإذا كلم الخطيب يعني كلام من الخطيب إلى أحد المستمعين أو العكس لا بأس به، والذي دخل والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب وشكا له الجذب فستسقى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لامه ولا ثرب عليه، فدل على أن محادثة الخطيب لا شيء فيها، إذا كانت فيما ينفع، إذا كانت فيما ينفع، أما إذا كانت في كلام لاغي لا قيمة له، أو كلام يثير إشكالات، أو فيه ضرر على أحد مثل هذا هو ممنوع من الأصل ففي الخطبة من باب أولى، أما إذا كان كلام ينتفع به المتكلم أو ينتفع به الحاضرون هذا لا بأس به، وهذه الأدلة تدل عليه.(46/12)
"عن جابر -رضي الله عنه- قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، فقال: ((صليت؟ )) " النبي -عليه الصلاة والسلام- يراه لما دخل، والنبي يخطب فجلس، قال: "فقال: ((صليت؟ )) قال لا: ((قم فصل ركعتين)) " وهذا فيه أدب، أدب التوجيه والإرشاد؛ لأنك لو رأيت داخلاً وقلت له: قم فصل، أولاً: المباشرة بالأمر فيها ما فيها، ثقيلة على النفس، لكن إذا استفهمت هل صليت ركعتين؟ يعين الآن دخلت إلى قلبه احتمال أن يقول لك: نعم صليت ركعتين في فناء المسجد، داخل السور، وهي تحية المسجد، أو يكون مثلاً جار لشخص في فرجه بينك وبين جارك صلى واحد الركعتين في الصف الثاني ثم تقدم إلى هذه الفرجة تقول له: قم صل ركعتين! ويش با يقول لك؟ بيقول لك: صليت، لكن لو جئت بأسلوب: هل صليت ركعتين؟ ما في أثر على نفسه، وهكذا ينبغي أن يكون الأدب في الحوار والمناقشة، يعني لو سمعت كلام منقول عن أحد من المشايخ فتوى تراها خطأ أنت تروح للشيخ وتقول: خطأ، أخطأت يا شيخ والصواب كذا، أو تقول: ما حكم كذا أولاً، فإذا أجاب بما نقل عنك مما لا تراه، تقول: ألم يدل الدليل على كذا؟ ألم يقل عامة أهل العلم بكذا؟ يعني بأسلوب مناسب لأنه أدعى للقبول؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم دخل هذا الرجل قال له: ((صليت؟ )) يعني المراد تحية المسجد "قال: لا، قال: ((قم فصل ركعتين)) متفق عليه" وهذا من ضمن الأوامر التي جاءت بتأكد تحية المسجد، ومنها: ((إذا دخل أحكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وهي سنة مؤكدة عند جماهير أهل العلم، وأوجبها بعضهم لثبوت الأمر ((قم فصل ركعتين)) ((فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) قيل بوجوبها، لكن هناك الصوارف التي صرفت، وقد سبق بحثها المسألة، المقصود أن عند جماهير أهل العلم سنة، قد يقول قائل: من أدلة وجوبها هذا الحديث كيف؟ غير مسألة ((قم فصل ركعتين)) لأن له صارف؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .(46/13)
نعم هو مأمور بالاستماع والإنصات كونه يخل بهذا الاستماع وهذا الإنصات المأمور به على جهة الوجوب بأمر مستحب أو بأمر واجب؟ لا يكون إلا بأمر واجب؛ لأن الواجب لا يعارض إلا بواجب، لكن يبقى أن عامة أهل العلم على استحباب هاتين الركعتين، والصوارف كثيرة، منهم من يرى أنه إذا دخل والإمام يخطب أنه لا يصلي ركعتين، لا يصلي ركعتين، وهذا منقول عن مالك والليث وأبي حنيفة والثوري وغيرهم لا يصلي ركعتين لأنه منشغل بواجب، فكيف يقطع الانشغال بواجب بمستحب؟ لكن مادام ثبت الأمر بهما، مادام الأمر ثبت بهما فلا كلام لأحد، فلا كلام لأحد، يجيب بعضهم بأنه إنما أمر بصلاة الركعتين لكي ينتبه له الناس ويتفطنوا له؛ لأنه بحاجة إلى مساعدة، بحاجة إلى صدقة، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- أمره أن يصلي هاتين الركعتين ليراه الناس فيعطفوا عليه ويتصدقوا عليه، ينظرون إلى حاله وأنه بحاجة ماسة إلى الصدقة فيتصدقوا عليه، لكن هذا كلام ليس بشيء؛ لأن الأمر بالركعتين، لكن لا يمنع أن يقول له: قف، وإلا تقدم قليلاً يراه الناس بمجرد المخاطبة، مجرد ما يوجه إليه الخطاب بيلتفتوا له الناس، ما يحتاج إلى أن يصلي ركعتين، لو كانت الركعتين لا تشرعان لمعارضتهما الواجب، لكن هذا دليل على أن هاتين الركعتين ركعتي تحية المسجد تشرعان والأمام يخطب.
طالب. . . . . . . . .
((اجلس فقد آذيت)) إيه.
طالب. . . . . . . . .
إيه الثاني يمكن أنهم شافوا مصلين وراءه، نعم هذا رجل يتخطى الناس، يتخطى الرقاب فقال له -عليه الصلاة والسلام-: ((اجلس فقد آذيت)) وكل من يتخطى يؤمر بالجلوس، لكن الأمر بالجلوس لا يعارض الأمر بالركعتين، احتمال أنه رآه صلى الركعتين، أو المراد به الكف عن تخطي الرقاب، ولا يلزم منه حقيقة الجلوس.
طالب. . . . . . . . .(46/14)
لا، لا، لا يتكلم إلا الإمام أو مع الإمام، إذا دخل والإمام يخطب في المسجد الحرام مثلاً، وهو قاصد لصلاة الجمعة مع الإمام، هل له أن يطوف ويصلي ركعتي الطواف أو هو مأمور بالاستماع والمستثنى من ذلك تحية المسجد فقط؟ تحية البيت الطواف وتحية المسجد الركعتان هل له أن يطوف ويستصحب حديث: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار)) يقول: أنا بأطوف هذه ساعة والإمام يخطب، أو نقول: ما استثني إلا تحية المسجد الواردة في النص؟ النص الخاص وإلا النصوص العامة بالإمكان أن يرد غيرها بالنصوص العامة، لكن معروف أن الخاص مقدم على العام، أية ساعة شاء من ليل أو نهار، هل يعارض عموم هذا الحديث بخصوص الأمر بالإنصات؟ يعني إذا كان مجرد مس الحصى ((من مس الحصى فقد لغا)) هل يعارض مثل هذا بالطواف والإمام يخطب أو نقول: يلزمه أن يصلي ركعتين ويجلس إن أراد الطواف فبعد ذلك في غير هذا الوقت؟ نعم؟ نعم يصلي ركعتين ويجلس، يصلي ركعتين ويجلس.
شخص دخل يقول: أنا مسافر أبا أدي العمرة وأصلي الظهر والعصر جمع والإمام يخطب، لا يريد حضور الجمعة، يقول: أنا أبا طوف وأسعى والإمام يخطب وأصلي الظهر والعصر جمع وأرجع له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ نعم له ذلك؟
طالب. . . . . . . . .
لكن حضرها نعم إذا حضرها لزمته، يعني لو جاء مسافر وجلس بين الناس، الناس يستمعون الخطبة وهو يسولف وإلا معه كتاب يقرأ وإلا قرآن وإلا شيء، طيب ما هو مأمور بالإنصات؟ يقول: لا أنا مسافر أنا ما علي جمعة ولا أنا مصلي معكم، إذا صليت الجمعة با أصليها ركعتين ظهر على شان أجمع العصر، لو صلى جمعة ما صاغ له الجمع، ويبي يستغل وقت الخطبة بقراءة وإلا بذكر وإلا قراءة قرآن وإلا .. ، أو اثنين بعد جالسين يسولفون والإمام يخطب نعم يلزمهم الاستماع وإلا ما يلزمهم؟ يقولون: إحنا مسافرين بس نبغي نصلي مع الإمام هو يصلي جمعة وإحنا ننوي ظهر وبعد ذلك نصلي ركعتي العصر ونسافر، ماجينا نصلي الجمعة نعم، يلزمهم، نعم يلزمهم؛ لأنهم يشغلون الناس، ومن دخل في سور المسجد فله حكم المصلين، نعم.
"وعن ابن عباس ... "(46/15)
طيب لحظة، هذا الداخل الذي لم يصل ركعتين أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي ركعتين، لكن هل النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل صلى ركعتين وإلا ما صلى؟ نعم ما صلى، رقي المنبر، نعم فالأمام لا يصلي ركعتين، الإمام إنما ينشغل بما هو بصدده من الخطبة، هل يأخذ هذا الحكم .. ؟ يعني الإمام إذا أراد الصلاة دخول الجمعة يصعد المنبر ويسلم على المؤمنين، وينتظر المؤذن فيؤدي الخطبة، ثم ينزل للصلاة، هل يقال مثل هذا لمعلم مدرس مثلاً عنده درس بعد العصر صلى في الطريق أو بعد الظهر أو أي وقت أو بعد الصبح صلى في الطريق أدركته الصلاة وهو في الطريق ثم جاء وجلس على الكرسي مباشرة هل نقول: هذا له حكم الخطيب أو نقول: يصلي ركعتين ثم يحضر الدرس؟ هاه؟ يعني كونه يجلس على كرسي ويعلم الناس ما هو مثل الخطبة، خاص يعني ما تسقط ركعة التحية إلا عن الخطيب، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" رواه مسلم"
وله عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية].
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" أو والمنافقون؟ يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين أو والمنافقون؟
طالب. . . . . . . . .
نعم الذي في المصحف، العنوان سورة المنافقون، نعم "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان" وهذا يدل على الاستمرار "يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة وسورة المنافقون" يعني في الركعة الأولى الجمعة والمنافقون في الركعة الثانية أيهما أطول؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .
نعم؟ أيهما أطول؟
طالب. . . . . . . . .
لا، لا، ما هي بأطول، ما تزيد سطر المنافقون؟ نعم أظنها تزيد سطر، نعم؟ أطول بحدود سطر يمكن واحد، أطول بشيء يسير، وعلى هذا ما جاء في تطويل الركعة الأولى أطول من الثانية، نعم.
طالب. . . . . . . . .(46/16)
يكون مخصوص بمثل هذا، يكون هو الأصل تطويل الأولى تكون أطول من الثانية، لكن في مثل هذا الموضع يستثنى نعم لأنه ثابت بالنص عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، تبقى القاعدة في الصلاة أن الركعة الأولى أطول من الثانية، لكن إذا قرأ هاتين السورتين نعم لا مانع، أيضاً سبح والغشية هما متقاربتان مثل ما معنى، لكن أيهما أطول؟ عندكم مصحف؟ أطول بشيء يسير، هذا لا تخالف فيه القاعدة، تكون القاعدة: أن الركعة الأولى أطول، فإذا حصل شيء منصوص عليه كما هنا.
الغاشية أطول لأنها ثمانية أسطر، وهذه إحدى عشر سطر، نعم لكن لو أراد شخص أن يقرأ في الركعة الأولى الانفطار وفي الثانية المطففين نقول: على السنة وإلا لا؟ يقول لك: الرسول -عليه الصلاة والسلام- قرأ الغاشية في الركعة الثانية وهي أطول من سبح، نقول: لا، قاعدة الصلاة أن الركعة الأولى أطول من الثانية، وما عدا ذلك يقتصر فيه على الوارد، واضح يا الإخوان وإلا ما هو بواضح؟ نعم فما عدا ذلك يقتصر فيه على الوارد وإلا فقاعدة الصلاة أن الركعة الأولى أطول من الثانية، وسبب التخصيص بهاتين السورتين .. ، أما بالنسبة لسورة الجمعة مناسبتها ليوم الجمعة ولصلاة الجمعة ظاهرة، نعم {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة] فيها الأمر بالسعي إليها، وبيان بعض أوصافه -عليه الصلاة والسلام- وأنه يتلو عليهم الآيات ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
على كل حال وفي الركعة الثانية يقرأ سورة المنافقون؛ لأن المنافقين يحضرون يحرصون على حضور صلاة الجمعة؛ لأنها مرة في الأسبوع ويجتمع الناس ويأخذ بعضهم أخبار بعض، نعم فيحرصون على حضورها، فلما فيها من ذكر أوصافهم وتوبيخهم نعم؛ لأنهم يحرصون عليها أكثر من غيرها.(46/17)
يقول: "وله" أي لمسلم "عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] " وعرفنا أن سورة الغاشية أطول من سبح، نعم لكن هذا على خلاف الأصل، وما ثبت بدليل خاص فهو أصل، نعم فهو أصل برأسه، فيقرأ -عليه الصلاة والسلام- في العيدين في عيد الفطر وعيد الأضحى وفي صلاة الجمعة بهاتين السورتين، وفيهما من التذكير بأحوال الآخرة والوعد والوعيد ما يناسب قراءتهما في هذه المجامع العظيمة في العيدين وفي الجمعة، وجاء في العيد أنه كان -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بـ (ق) و (اقتربت) لما اشتملتا عليه من ذلك، فأحياناً يقرأ بـ (سبح) والغاشية، وأحياناً يقرأ بـ (ق) واقتربت، وأحياناً يقرأ بالجمعة والمنافقون في الجمعة، وهذا يدل على أن (كان) ليست للاستمرار المطلق، وإنما تدل على التكرار، أما كونها للاستمرار بحيث لا يختلف الأمر فجاء ما يخالف هذا، نعم.
"وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- العيد ثم رخص في الجمعة فقال: ((من شاء أن يصلي فليصل)) رواه الخمسة إلا الترمذي وصححه ابن خزيمة".(46/18)
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "عن زيد بن أرقم -رضي الله تعالى عنه- قال: "صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- العيد -يعني في يوم الجمعة- ثم رخص في الجمعة" قال للمصلين: ((من شاء أن يصلي فليصل)) من شاء أن يصلي الجمعة معنا فليصل، وأما هو -عليه الصلاة والسلام- فقد صلى الجمعة، فالإمام ومن تقوم بهم الجمعة يلزمهم أن يصلوا الجمعة، وأما غيرهم فحضور الجمعة رخصة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رخص، والرخصة عند أهل العلم: ما ثبت على خلاف دليل شرعي، ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، لمعارض راجح هذه هي الرخصة، فالأصل أن المسلم مطالب بحضور الجمعة الدليل دل على ذلك، وتتأكد الجمعة وهي من الفرائض المؤكدة في حق المسلم، وجاء فيها ما جاء: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو لختمن الله على قلوبهم)) هذا وعيد شديد، لكن الترخيص مع هذا الوعيد الشديد بالنسبة لمن حضر العيد، لا شك أنه خلاف هذا الأصل فهو رخصة، وجاء أيضاً التصريح بكونه رخصة، فقال: "رخص في الجمعة، فقال: ((من شاء أن يصلي فليصل)) يصلي جمعة، لكن هل الترخيص في الجمعة ترخيص بها وبما يقوم مقامها؟ يعني الجمعة لها بديل وإلا ما لها بديل؟ لها بديل، فهل الجمعة المرخص بها يعدل عنها إلى بدلها، عندنا مسألتان الأولى: هل الجمعة بدل عن الظهر؟ أو الظهر بديل عن الجمعة؟ الجمعة بديل عن الظهر أو الظهر بديل عن الجمعة لمن فاتته الجمعة؟ وماذا نستفيد من هذا الكلام؟ إذا قلنا: الأصل الجمعة والظهر بدل منها، فإذا عفي عن الأصل عفي عن البدل، وإذا قلنا: إن الأصل الظهر والجمعة بدل منها فقد يعفى عن البدل ولا يعفى عن الأصل، أدركنا الفرق وإلا ما أدركنا؟ الآن إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد صلت العيد، النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لك أن لا تحضر الجمعة تصلي ظهر وإلا ما تصلي ظهر؟ نعم تصلي الظهر في قول جماهير العلم.(46/19)
يذكر عن ابن الزبير -رضي الله عنه- أنه صلى العيد ولم يصل بعدها إلا العصر، صلى العيد ولم يصل بعدها إلا العصر، لكن عامة أهل العلم على خلافه، عامة أهل العلم على خلافه، فإذا عفي عن الجمعة باعتبارها أشق حضورها والاستعداد لها أشق من صلاة الظهر فتظهر الرخصة، نعم تظهر الرخصة من الأشق إلى الأخف، ما تظهر رخصة؟ نعم، لو قال يوم الخميس مثلاً: سامحناكم ما تصلوا ظهر صلوا جمعة رخصنا لكم يعقل؟ لأن هذا فيه مزيد من المشقة والتكليف، لكن العكس لما يرخص من الجمعة إلى الظهر يبين وجه الرخصة، وليس معنى الترخيص في هذا الحديث الترخيص إلى غير بدل.
"صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- العيد ثم رخص في الجمعة" لأن المقصود حصل، المقصود وعظ الناس وتوجيههم وإرشادهم بخطبة الجمعة وحصل بخطبة العيد، فقال: ((من شاء أن يصلي فليصل)) ((من شاء أن يصلي فليصل)) عندنا ترك الجمعة صلاة الظهر في يوم العيد رخصة وفعل صلاة الجمعة في يوم العيد عزيمة؛ لأنه هو الأصل، أيهما أفضل العزيمة أو الرخصة؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الجمعة مع كونه صلى العيد أيهما أفضل العزيمة أو الرخصة؟
طالب. . . . . . . . .
الرسول -عليه الصلاة والسلام- صلى الجمعة هل نقول: هذا أفضل بالنسبة للإمام ومن يقيم الجمعة والأعياد أو عموم الناس أيضاً فعله -عليه الصلاة والسلام- وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأكمل، فنقول: حضور الجمعة أفضل من قبول الرخصة وصلاة الظهر؟ أو نقول: كسائر الرخصة المسلم الأفضل في حقه أن يفعل الأرفق به ويقبل رخصة الله -جل وعلا-؟ إذا تصورنا مثلاً أنه سهران، وكل عاد سبب السهر عنده يختلف عن الآخر شخص أحيا ليلة العيد ممن يعمل بالضعيف وأحيا ليلة العيد صلاة، وجاء في الخبر: ((من أحيا ليلة العيدين لم يمت قبله يوم تموت القلوب)) الحديث ضعيف، لكن عمل بهذا على قول الجمهور، وسهر الليل كله، وصلى يا الله صلى العيد، وصلى ونام، هل نقول: الأفضل في حقك تقوم وتستعد لصلاة الجمعة وتروح تصلي أو تصلي ظهر وتقبل رخصة الله؟ نعم؟(46/20)
نعم نقول: الأرفق بالمسلم هو الأفضل في حقه، الأرفق به هو الأفضل في حقه ((من شاء أن يصلي فليصل)) "رواه الخمسة" الخمسة من هم؟ نعم؟ الإمام أحمد وأصحاب السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه إلا الترمذي فإنه لم يروه "وصححه ابن خزيمة" وصححه أيضاً على بن المديني والحاكم، وعلى كل حال الحديث صحيح له طرقه أيضاً، له شواهد ترقيه إلى درجة الصحيح لغيره، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً)) رواه مسلم"(46/21)
الرواتب الثابتة في أيام الأسبوع ثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح ثنتا عشرة ركعة، فماذا عن الجمعة؟ هل حكمها حكم الظهر يصلي قبلها أربعاً وبعدها ركعتين؟ هنا يقول: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً)) وثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته، ركعتين في بيته، فمن أهل العلم من يقول: إنه يُصلى بعد الجمعة ست ركعات، هذه الأربع وما كان يصليها النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيته ركعتين يكون المجموع ست، وابن القيم -رحمه الله تعالى- نقل عن شيخه ابن تيمية أنه إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين للتوفيق بين النصوص، النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي ركعتين في بيته، وأمر هنا بأن يصلى بعدها أربعاً، فتحمل هذه على حال وهذه على حال وهذا فعل ابن عمر، كان إذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وإذا صلى في بيته صلى ركعتين، وبهذا تتحد النصوص وتتفق، وصلاة البيت أفضل من صلاة المسجد إلا المكتوبة ((صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة)) فهل الركعتان في البيت أجرهما كأجر الأربع في المسجد أو أعظم أو أقل؟ نعم؟ أو نقول: هذا اختلاف تنوع يصلي أحياناً في المسجد أربع ويصلي أحياناً في البيت ركعتين، ويطبق هذا الحديث وهذا الحديث، ويكون حينئذٍ أفضل في حقه، يعني مرة يصلي في المسجد أربع ومرة في البيت ركعتين ويمتثل هذا وهذا، والتنوع مقصود، ولا شك أن صلاة النوافل في البيت أفضل، لكن لو قال: أنا أصلي أربع في البيت هو مأمور بصلاة أربع؟ مأمور بصلاة أربع ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً)) وفي بيته ليجمع بين هذا الأمر وبين كون صلاة البيت أفضل؟
طالب. . . . . . . . .(46/22)
ما في، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي ركعتين في بيته، إلا أنه مأمور بأربع كيف يأمر بأربع ويصلي ركعتين؟ حمل هذا على حال وهذا على حال، وفعل ابن عمر يفسر، إذا صلى في المسجد صلى أربعاً وإذا صلى في بيته صلى ركعتين، الجمع ودفع التعارض بين النصوص يسلك فيه مسالك قد لا تكون من القوة بحيث تكون مقنعة، إنما لرفع الخلاف لا بد من ارتكاب بعض هذه الأمور؛ لرفع الاختلاف وللتوفيق بين النصوص والجمع بينها لا بد من ارتكاب بعض هذه التصرفات، وقد ارتكب كثير من أهل العلم في كثير من المواضع أقل من هذا للتوفيق بين النصوص لدفع التعارض، لكن لو قال: أنا با أمتثل الأمر ((فليصل أربع ركعات)) با أصلي أربع ركعات، وأجزم بالدليل الصحيح أن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة.
أنا ما أدري كيف حاجته ماسة إلى هذا الجواب؟
يقول: أرجو منك يا شيخ الإجابة عن هذا لحاجتي الماسة، يقول: ما رأيك في قتل المعاهدين من الدول ... ؟
هذا الكلام انتهى، يعني أفتى أهل العلم وانتهوا منه، قتل المعاهد النصوص صحيحة صريحة في تحريمه، ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) يقول: لحاجتي الماسة إليه. . . . . . . . . المصلحة، نسأل الله السلامة والعافية، نسأل الله العافية، استغفر الله، استغفر الله.(46/23)
ماذا نقول لهذا الذي يريد أن يتمثل هذا الأمر، النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أن يصلي أربع ركعات بعد الجمعة، وذكر أن الصلاة في البيت أفضل إلا المكتوبة، نعم فيقول: أنا أريد أن أمتثل الأمر، وأعرف أن الصلاة في البيت أفضل أصلي في البيت، هل هذا أكمل؟ أو نقول: صل أربعاً في المسجد أو ركعتين في البيت لا تزد على ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو أن الزيادة مقبولة مطلقاً لو صلى عشر بعد الجمعة في المسجد أو في البيت ويش المانع؟ لأن الإكثار من التعبد ليس ببدعة، فيكون المأمور به هو الأصل، وما زاد على ذلك يكون نفل مطلق، نعم لو أرد أن يصلي عشر ركعات بعد الجمعة في المسجد أو في بيته فيما يمنع؟ هل هناك ما يمنع؟ أقول: إذا زاد على ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- إن نوى به النفل المطلق الوارد في مثل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فلا يوجد ما يمنع منه، لكن إذا تصور أنه يفعل ما هو أفضل من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: لا، ما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل، أنت افعل ما فعله -عليه الصلاة والسلام-، ثم زد عليه ما شئت من باب التنفل المطلق، لا بأس، نعم.
"وعن السائب بن يزيد أن معاوية قال له: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك ألا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج" روه مسلم"(46/24)
الحديث وإن كان سياقه سياق الخاص بالجمعة؛ لأن معاوية قال للسائب: "إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج" فهل هذا خاص بالجمعة أو استناداً إلى الحديث العام؟ كأنه لحظ على السائب أنه سلم من صلاة الجمعة ثم قام فصلى بعدها صلاة أخرى نافلة، فأنكر عليه فعله مستدلاً بالحديث العام، وأن ما فعله فرد من أفراد العام يدخل فيه إذا وصل الجمعة بصلاة أخرى أو وصل الظهر بصلاة أخرى أو وصل العصر أو المغرب، وصل المغرب أو العشاء بصلاة أخرى فقد خالف "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك" يعني أمرنا بأن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج، لا بد من فاصل يفصل بالأذكار أو بالانتقال من مكانه خارج المسجد أو في ناحية من المسجد، المقصود أنه لا يصل الفريضة بغيرها، وإذا فصلها بالأذكار وتم أذكاره، وقام يصلي لم يصل الصلاة بأخرى، تم الفصل بهذا، مسألة التحول من مكان إلى آخر، صلى الفريضة بمكان فهل يشر ع له أن ينتقل ويتحول إلى مكان ثاني أو يصلي النافلة في مكانه؟ نعم؟ في مكانه، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم أهل العلم يستحبون التحول للنافلة من مكان الفريضة لتكثر المواضع التي يؤدي فيها العبادات، وتشهد له يوم القيامة "ونكتب آثارهم" نعم "ونكتب آثارهم" فهذه الآثار التي هي مواضع السجود من الأرض يستحب أهل العلم أن ينتقل من مكانه الذي صلى فيه الفريضة فيتنفل في غيره.
وذكر الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة بصيغة التمريض قال: يذكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح" لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح، فهذا حديث ضعيف، نص الإمام البخاري -رحمه الله- على عدم صحته، فلم يرد في ذلك ما يدل على التحول، يعني ما ورد شيء مرفوع، لكنه مع ذلك إذا نظر إلى أنه بانتقاله من مكان إلى أخر يكثر الأماكن التي عبد الله -جل وعلا- فيها، وعلى كلام أهل العلم تشهد له يوم القيامة، وهي آثاره، آثار عبادته وآثار طاعته فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
هذا النص يا شيخ الأمر بالخروج في الحديث.
إيش فيه؟
هو نوع تحول من المكان أو يخرج حتى تكلم أو تخرج؟(46/25)
إيه لكن ما هو بنص في التحول، المهم أنه لئلا يصل من أجل أن لا يصل صلاته بصلاة لا لذات البقعة بدليل التكلم؛ لأنه لو تكلم وصلى في مكانه أدى الغرض فهي جزء المدعى، نعم.
نعم هذا الحديث مخرج عند أبي داود من حديث أبي هريرة: "أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر عن يمينه أو عن شماله" هذا الحديث مروي بسنن أبي داود، لكن ما خرج؟ من عنده السبل؟ السبل طبعة الحلاق؟ معك؟ ويش يقول؟ هذا ذكره الشارح ها يا محمد؟ ما أنت معنا؟ أخر حديث اللي نشرحه؟
طالب. . . . . . . . .
لا انتهينا، شوف المعلق ويش قال؟ قبل، الذي قبله لم يضعفه أبو داود علق عليه وإلا لا؟ هات أريحك -إن شاء الله- أخرجه أبو داود خمسة وهو حديث صحيح.
طالب. . . . . . . . .
هذا اللي إحنا نبيه، ذا الحديث ذا، دعنا من كلام البخاري، انتهينا من كلام البخاري "أيعجز أحدكم أن يتقدم أو يتأخر عن يمنيه أو عن شماله في الصلاة" يعني السبحة ولم يضعفه أبو داود، القاعدة أن أبا داود إذا سكت عن الحديث لم يتعقبه فهو حسن، هذا الذي قرره ابن الصلاح وغيره، وهو يقول: "وما سكت عنه فهو صالح" يعني صالح والصلاحية هنا أعم من أن تكون للاحتجاج أو للاستشهاد، فيدخل فيها الصحيح والحسن الذي هو صالح للاحتجاج، ويدخل فيها الضعيف المنجبر الذي يصلح للاستشهاد والإعتضاد، على كل حال هذا حديث المخرج يقول: حديث صحيح وأنا لا أعرف درجته الآن، فهو لا بأس يدل على الانتقال يتقدم ويتأخر، نعم.
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)) رواه مسلم"(46/26)
نعم هذا الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة)) والغسل للجمعة تقدم الكلام فيه، وما جاء في تأكده واستحبابه، وإن قال بعضهم بوجوبه، المقصود أنه من السنن المؤكدة ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له)) اغتسل ثم أتى الجمعة، وجاء الحث على الإتيان إليها ماشياً، والرجوع منها كذلك ماشياً، فإذا اغتسل وأتى الجمعة فصلى ما قدر له الذي كتب له ركعتان فأكثر، ركعتان أو أربع أو ست أو ثمان أو عشر ما كتب له وما قدر له، فإذا صلى ركعتين وجلس هذا صلى ما كتب له، إذا صلى أربع وجلس هذا صلى ما كتب له وهكذا، لكن اللفظ يفهم منه الحث على الصلاة الحث على الصلاة؛ لأن الصلاة مؤثرة في المغفرة نعم؛ لأنها من المؤثرات في هذه المغفرة والإكثار منها أفضل من الإقلال، فيفهم منه أنه كلما أكثر من الصلاة في هذا الوقت أنه أفضل ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له)) وإلا فالحديث ليس فيه حد للركعات التي تصلى في هذا الوقت ((ثم أنصت)) لم يتكلم ابتداءً، ولم ينكر على من تكلم ((حتى يفرغ الإمام من خطبته)) دل على أنه لا مانع من الكلام بين الخطبة والصلاة ((حتى يفرغ ... من خطبته ثم يصلي معه)) يعني الجمعة ((غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام)) وفضل ثلاثة أيام، يعني عشرة أيام، وجاء في الحديث الصحيح أيضاً: ((الجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والصلوات الخمس)) وجاء أيضاً: ((العمرة إلى العمرة كفارات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)) وفي راوية: ((ما اجتنبت الكبائر)) فالغفران للذنوب الصغائر هنا، سواء من الجمعة إلى الجمعة أو غفران عشرة أيام كما هنا في حديث الباب، أو الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، يعني من الصلاة إلى الصلاة، والعمرة إلى العمرة، رمضان إلى رمضان كلها مكفرات، ما لم تغش كبيرة، فالكبائر لا يكفرها مثل هذه الأعمال، بل لا بد لها من توبة، لا بد لها من توبة، قد يقول قائل: إنه إذا لم يغش كبيرة ما هو بحاجة إلى هذه الأعمال؟ يتصور أن يقال: إن مجرد اجتناب الكبائر كفيل بتكفير الصغائر وغفرانها {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة(46/27)
النساء] فإذا اجتنبت الكبيرة كفرت الصغيرة، فماذا بقي للصلوات الخمس والجمعة ورمضان والعمرة؟ ماذا بقي لها؟ أو يقال: كلها مكفرات؟ ولا يمكن أن يوصف بأنه اجتنب الكبائر حتى يؤدي هذه الأعمال؟ نعم؛ لأنه إذا لم يؤدِ هذه الأعمال المكفرات نعم لا يوصف بأنه اجتنب الكبائر، يعني ترك الجمعة ترك الصلوات الخمس أو ترك صيام رمضان هذه هي الكبائر، لكن بما يحصل التكفير إذا كان يصوم رمضان ويعتمر ويصلي الجمعة ويصلي الصلوات الخمس ويجتنب الكبائر ما الذي كفر سيئاته الصغائر؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .
كيف؟ الحج؟ إيش فيه؟ ((رجع من ذنوبه)) لا ما يشمل، لا ما يشمل، الكبائر عند جمهور أهل العلم لا بد لها من توبة، لا بد لها توبة الكبائر، لكن هذه النصوص لو مثلاً شخص كفرت عنه الصغائر، لكن قوله: ((ما لم تغش كبيرة)) نعم ما اجتنبت الكبائر هل معنى هذا أنه إذا ارتكب كبيرة وصغائر هذه الأعمال الجليلة تكفر الصغائر وتبقى الكبائر؟ أو أن تكفير هذا الأعمال الصالحة للصغائر مشروط باجتناب الكبائر؟ واضح وإلا ما هو بواضح؟ نفترض المسألة في شخص يصلي الصلوات الخمس ويعتمر ويصوم رمضان، ويصلي الجمعة يحافظ عليها بهذه الطريقة المشروحة، ويسرق ويزني وعنده صغائر، نقول: هذه الأعمال الجليلة الأعمال العظيمة تكفر الصغائر وتبقى الكبائر؟ نعم؟ باقية حتى يتوب منها، أو نقول: إن هذه الأعمال لا تكفر الصغائر حتى يجتنب الكبائر، ما لم تغش كبيرة، ما اجتنبت الكبائر؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .
إنها ما تكفر شيء إذا كان مرتكب للكبائر الصغائر والكبائر كلها عليه، نعم تبقى الكبائر عليه، طيب افترض وإن كان هذا لا يتصور افترض أن شخص يزاول كبيرة من الكبائر أو بعض الكبائر، وهو مجتنب لجميع الصغائر، وفعل هذه الأعمال، هذا أولاً: ما يمكن أن يتصور؛ لأنه لا يمكن أن يصل إلى الكبيرة إلا بواسطة صغيرة وسيلة إليها، لكن لو افترضنا هذا، لو تصورنا هذا هل نقول: إن هذه الأعمال تخفف الكبائر؟ نعم؟ أو تبقى الكبائر على الأصل لا يمحوها إلا التوبة؟ نعم؟ تخفف الكبائر، نعم؟
طالب. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب. . . . . . . . .
طيب؟ ها؟
طالب. . . . . . . . .(46/28)
إيه لكن عندنا أكثر .. ، عندنا مكفرات كثيرة، مكفرات كثيرة، عندنا هذا الحديث: ((غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)) نقول: هذا الوعد من الله -جل وعلا- لا شك أنه يحث المسلم على العمل، ولا يعني هذا أنه يسترسل في ارتكاب الصغائر؛ لأنه يعمل هذه الأعمال، بل عليه أن يعمل الأعمال الصالحة، ويجتنب السيئات بقدر الإمكان، إذا وقعت منه كفرت، ولذلك لا يقول قائل: إن هذا الشخص الذي اغتسل وأتى الجمعة وصلى ما قدر له وفعل وترك ثم غفر له ما بينه وبين هذه الجمعة وفضل ثلاثة أيام، طيب جاءت الجمعة الثانية وفضل ثلاثة أيام يصير عنده رصيد، الآن عنده رصيد ستة أيام زائدة، نعم طيب وجاءت جمعة ثالثة صار عنده رصيد تسعة أيام، سنة خمسين جمعة كم عنده رصيد هذا؟ هل نقول: إن هذا لأنه عنده من الرصيد له أن يفعل ما يشاء من الصغائر؟ ليس له ذلك، إنما هو المقصود الحث على فعل هذه الأعمال الصالحة على الوجه المأمور به مع اجتناب ما أمر باجتنابه، وما نهي عن ارتكابه، ومسألة الحساب كونها زادت نقصت، زادت ثلاثة أيام هذا كله في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وأنت اعمل الخير واترك الشر، افعل الواجبات وجميع ما أمرت به، واجتنب جميع ما نهيت عنه، وحسابك عند الله -جل وعلا- لن يضيع منه شيء، نعم.
"وعنه -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ذكر يوم الجمعة، فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه إياه)) وأشار بيده يقللها" متفق عليه, وفي راوية لمسلم: ((وهي ساعة خفيفة)).
نعم كمل كمل.
"وعن أبي بردة عن أبيه سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) رواه مسلم، ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة.
وفي حديث عبد الله بن سلام عند بن ماجه، وجابر عند أبي داود والنسائي: ((أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس)) وقد اختلف فيها على أكثر من أربعين قولاً أمليتها في شرح البخاري".(46/29)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة" ذكر يوم الجمعة، ذكره يعني ذكر فضله ومزيته على سائر الأيام، وأنه أفضل أيام الأسبوع، "فقال: ((فيه ساعة)) هذه مما يميزه ويفضله، وفيه ساعة ساعة: مقدار من الزمان لا تتحدد بالساعة الفلكية المعروفة، التي هي جزء من أربعة وعشرين جزء من اليوم تعادل ستين دقيقة، لا إنما يقولون: ساعة لجزء من الوقت سواء كانت ساعة أو أكثر أو أقل، فيه ساعة في ساعات الجمعة من راح في الساعة الأولى، من راح في الساعة الثانية، من راح في الساعة الثالثة، الساعات في الصيف الساعة الواحدة من هذه الساعات ساعة وزيادة، ساعة وربع، وفي الشتاء أقل، على كل حال الساعة في النصوص ليس المراد بها الستين دقيقة المعروفة الآن.
((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه -الله- إياه)) ((لا يوافقها)) يصادقها ((عبد مسلم)) عبد فاعل، ومسلم وصف ((وهو قائم)) جملة إعرابها حال وإلا صفة؟ الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، اللي معنا نكرة وإلا معرفة؟ نعم، إذاً الجملة صفة وإلا حال؟
طالب: حال.
حال؟ الجمل بعد المعارف أحوال وبعد النكرات صفات، والذي معنا نكرة وإلا معرفة؟ نكرة، وين معرفة؟
طالب. . . . . . . . .
إيه ((عبد مسلم)) إيش صار؟
طالب. . . . . . . . .
تعرف بالوصف؟ هو تعرف بالوصف؟
طالب. . . . . . . . .(46/30)
ما أضيف يا أخي وصف عبدٌ مسلمٌ، ما قال: عبدُ مسلمٍ، بعدين الإضافة إلى النكرة ما تفيد، عبدٌ مسلمٌ وصف بكونه مسلم، وما زالت في حيز العموم فهي نكرة، ما تعرفت بالوصف ((وهو قائم)) نعم هي تحددت وإن لم تتعرف، يعني لما وصف العبد بكونه مسلم، قلّ الشيوع، أما عبد مغرق في العموم، لكن لما وصف بكونه مسلم قل شيوعها في بابها، فجاز وصفها وجاز بيان هيئتها، ولذا جوزوا أن يكون ((وهو قائم)) حال، وإن كان الفاعل نكرة جوزوا ذلك، والأصل على القاعدة أن يكون صفة، قالوا: والواو لتأكيد لصوق الصفة، وأما إن قلنا: إنها حال الجملة حال فالواو واو الحال مفروغ منها ((وهو قائم يصلي)) قائم ويصلي حال بعد حال، ويسأل الله حال أيضاً بعد حال، وهو قائم يصلي طيب صادفه وهو ساجد ما هو بقائم يدخل وإلا ما يدخل؟ لماذا يقول: قائم؟ نعم؟
طالب. . . . . . . . .(46/31)
نعم من باب إطلاق الجزء على الكل، يراد بها وهو يصلي، على أي حال من أحوال صلاته ((يسأل الله -عز وجل-)) أيضاً حال ((شيئاً إلا أعطاه إياه)) إلا أعطاه إياه هذه ساعة الاستجابة، وإجابة الدعاء في هذه الساعة لا شك أنه من تلمس الأسباب، لا يقول قائل: أنا قائم أصلي في هذه الساعة التي جاءت بها النصوص وما استجيب دعائي، هذا سبب لكن قد يكون عندك مانع من قبول الدعاء، فتش نفسك قد يكون عندك مانع من قبول الدعاء، فاحرص على حصول الأسباب وانتفاء الموانع، وكونه سبب لا يعني أنه يترتب عليه أثره قد يتخلف الأثر، يتخلف المسبب لأمر قد يكون أعظم من إجابة الدعاء، وجاء في الحديث أنه: ((إما أن يجاب دعاؤه، أو يدخر له في القيامة، أو يدفع عنه من الشر ما هو أعظم منه)) فهذا سبب، لئلا يقول قائل: أنا جلست تعرضت لهذه الساعة فما استجيب لي ((إلا أعطاه إياه)) وأشار بيده يقللها" قليلة هكذا، شويه يعني، يقللها، "وفي رواية لمسلم: ((وهي ساعة خفيفة)) " ساعة خفيفة قد يقول القائل: الساعة ساعة لا ثقيلة ولا خفيفة، نقول: نعم ليس المراد بالساعة الستين دقيقة كما قررنا؛ لأنها تقبل الزيادة والنقص، هي مجرد مقدار من الزمان يزيد وينقص، لا شك أن يوم الجمعة له مزية وله فضل، وفيه هذه الساعة التي تميزه على غيره، فعلى الإنسان أن يتحرى هذه الساعة، وأن يبذل الأسباب لقبول دعائه، وأن يحرص أشد الحرص أن تنتفي الموانع، ومن أعظم ذلك التخليط في المطعم والمشرب ((وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب)) نعم عنده أسباب مسافر ودعوة المسافر لا ترد، أشعث أغبر أقرب إلى الخضوع وانكسار القلب نعم، ومع ذلك يمد يده يا رب يا رب ما يستجاب، لماذا؟ لأن مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لمثل هذا، الموانع موجودة وإن بذلت الأسباب، فلا بد من انتفاء الموانع.
"وعن أبي بردة عن أبيه" وأبوه أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس -رضي الله عنهما- ... نعم؟
طالب. . . . . . . . .(46/32)
ويش هو؟ ويش فيها؟ الحديث الذي يليه وش ... ؟ هذا عندنا حديث "وعن أبي بردة عن أبيه -يعني أبا موسى الأشعري -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة، وهذا يرويه أبو موسى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم مرفوع، ورجح الدارقطني أنه من قول أبي بردة، من قول أبي بردة، وفي مسلم: "عن أبي بردة عن أبيه سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا لا شك أن الخلاف وقع بين الإمام مسلم والدارقطني، لكن الصواب مع مسلم -رحمه الله تعالى-، ولذا رجح كثير من أهل العلم هذا الوقت لساعة الاستجابة، حتى قال القرطبي: إنه نص في موضع الاختلاف، فلا يلتفت إلى غيره، وقال النووي: هو الصحيح، بل الصواب؛ لأنه ثابت في مسلم، ومرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذاً هو أصح ما يعتمد عليه، لكن جاء في حديث عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- عند ابن ماجه وهو أيضاً صحيح، لكن ما يعارض ما جاء في سنن ابن ماجه بما جاء في صحيح مسلم، ولو كانت مما اختلف فيه؛ لأن مسلم تلقته الأمة بالقبول.(46/33)
"وفي حديث عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- عند ابن ماجه، وجابر -رضي الله عنه- عند أبي داود والنسائي" وهو أيضاً صحيح معتضد بما قبله "أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس" ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، قد يقول قائل: كيف هذا صحيح وذاك صحيح؟ هذا يؤيد قول من يقول: إنها متنقلة مثل ليلة القدر، أحياناً تكون في هذا الوقت، وأحياناً تكون في ذلك الوقت، أحياناً تكون من بين دخول الإمام صعوده على المنبر إلى أن تقام الصلاة، وأحياناً تكون من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، ولا شك أن عصر الجمعة له مزية بهذا الحديث، الحديث صحيح لا إشكال فيه، له مزية فينبغي أن يغتنم بالدعاء عل الله -جل وعلا- أن يوفق العبد لمصادفة هذه الساعة فيستجيب دعاءه، وإذا كان الإنسان مأمور بالدعاء {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] فليحرص على الدعاء لنفسه ولوالديه ولمن له حق عليه ولأمته أيضاً لا سيما في مثل هذه الظروف التي الأمة بحاجة ماسة إلى الدعاء، والأمة الآن تعيش في وضع لا تحسد عليه، فهي بحاجة إلى الدعاء، وأن الله -جل وعلا- يرفع ما نزل بها، وأن يعيدها إلى حظيرة التدين والاستقامة والالتزام بعد هذا الانصراف.
يقول ابن حجر: "وقد اختلف فيها على أكثر من أربعين قولاً" وقد اختلف فيها على أكثر من أربعين قولاً كيف ساعة من اثني عشر ساعة يكون الخلاف فيها أكثر من أربعين قولاً طيب الأقوال في ليلة القدر وتحديدها حول خمسين قول، طيب هذه الأقوال كيف تتشعب إلى هذه الكثرة وفي مدد محدودة؟ نعم تتشعب لأن قول ثم قول ثم ثالث ثم رابع ثم مركب من الأول والثاني ثم مركب من الثالث والرابع ثم وهكذا تتشعب الأقوال، وعلى كل حال أقواها ما ذكر، إما من صعود الإمام على المنبر إلى الفراغ من الصلاة، أو من صلاة العصر إلى غروب الشمس، فليحرص المسلم ولا سيما طالب العلم على اغتنام هذين الوقتين، يقول: "أمليتها في شرح البخاري" ذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ومعروف أن ابن حجر -رحمه الله تعالى- أملأ كتابه إملاءً، أملأ كتابه إملاءً، وكان يستفيد من طلابه النابهين يحضرون له بعض المسائل فينظر فيها نظراً دقيقاً، ويراجع أصولها ويسبكها ويصوغها بعبارته، ثم يمليها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.(46/34)
بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة (33)
تابع شرح: باب صلاة الجمعة.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هذا يقول: كيف نوفق بين التنفل بعد العصر وحديث الساعة الخفيفة التي يجاب فيها الدعاء لا يوافقها عبد وهو قائم يصلي إذا قلنا: بأنها بين صلاة العصر وبين المغرب؟
يعني مفاد السؤال أن هذا الوقت ليس وقت للصلاة، ليس وقت للصلاة، بين العصر وبين المغرب وقت نهي فكيف يقال: إنه هو وقت الساعة التي يجاب فيها الدعاء، وجاء فيها: ((لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي)).
الجواب عن هذا أجاب به بعض الصحابة -رضوان الله عليهم-، وهو من اختار هذا الوقت لساعة الإجابة، وهو أن الذي ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، مادام ينتظر صلاة المغرب فهو في صلاة، مادامت الصلاة تحبسه، وهذا ينبغي ذكره مع شرح الحديث السابق، لكن الإلحاح من بعض الإخوة على الاختصار في الشرح وعدم الاستطراد، وجاء أن نأخذ أكبر قدر ممكن من الأحاديث يجعل بعض الأمور وإن كانت مهمة تتجاوز.
هذا من الإنترنت يقول: علمنا رأيكم في قضاء الصلاة المتروكة عمداً حتى يخرج وقتها، فماذا نقول في أثر عن الصديق: "إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل" .. إلى أخر الأثر؟
القول بلزوم القضاء فيمن أخر الصلاة عمداً حتى يخرج وقتها قول جماهير أهل العلم، ونقل عليه الإجماع أنه يلزمه قضاء الصلاة إذا تركها عمداً كان أو سهواً حتى يخرج وقتها، يجب عليه القضاء، وعليه التوبة والاستغفار مما اقترفه من الذنب العظيم، وإن نقل ابن حزم الإجماع على خلافه، فهذه من المسائل التي نقل فيها الاتفاق على القولين المتضادين، وعلى كل حال عامة أهل العلم على أنه يلزمه القضاء، وأما أثر الصديق -رضي الله عنه-: "إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل" .. إلى أخر الأثر، فهذا معروف أن نفي القبول يرد ويراد به نفي الصحة، كما أنه يرد ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة، وهذا سبق أن قررناه عند حديث: ((لا يقبل الله صلاة بغير طهور)) وحديث: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) وإلى غير ذلك.(47/1)
المقصود أن نفي القبول يأتي ويراد به نفي الصحة، كما في هذين الخبرين، ويأتي ويراد به نفي الثواب المرتب على العمل، كما في قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة].
يقول: ما رأيك في لعن المعين أو الكافر؟
المعين من المسلمين لا يجوز لعنه ولو لعن جنسه، ولو جاء النص بلعن جنسه ((لعن الله السارق)) نعم ((إن الله لعن في الخمر)) ثم عدهم ((شاربها وحاملها وعاصرها ومعتصرها والمحمول إليها)) .. إلى أخره، لكن لما جئ به -الشارب- قال بعضهم: "لعنه الله ما أكثر ما يؤتي به" قال: ((لا تكن عوناً للشيطان على أخيك)) فالجنس غير المعين، المعين لا يجوز لعنه من المسلمين، بخلاف الجنس قد يرد لعن الجنس، وجاء في المتبرجات: ((فالعنوهن)) يعني جنس المتبرجات، ويلحق بالجنس -وإن كانت المسألة مسألة تحتاج إلى نظر إذا كانت فئة معينة أكثر من واحدة اتصفت بهذا الوصف، لو قيل: انتشر التبرج في العرس الفلاني جنس هذا ينتابه أمران: الجنس والتعيين، هو دائر بين الجنس والتعيين، المرأة الواحدة المتبرجة معينة، وجميع وعموم المتبرجات ((العنوهن فإنهن ملعونات)) لكن يبقى لو تبرج أكثر من واحدة مجموعة في حفل مثلاً عرس أو شبهه هن من حيث التعيين والانحصار في هذا الجمع معينات، لكنه لا يقصد بذلك واحدة بعينها، إنما يقصد الجنس، فهذه ينتابها الأمران، وعموماً ((ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذي)).
وقال عبد الله بن أحمد لأبيه كما في الأحكام السلطانية وغيرها: "ما تقول في يزيد -الذي استباح المدينة، وأهان الصحابة، وقتل بعضهم تكلم فيه بكلام شديد جداً- قال له عبد الله: "لماذا لا تلعنه؟ قال: "وهل رأيت أباك لعاناً؟ " هذا بالنسبة لمن هو في دائرة الإسلام، يبقى مسألة الكافر المعين، جاء في قنوته -عليه الصلاة والسلام-: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" ثم نزل قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شيء} [(128) سورة آل عمران] ولعن الكافر المعين مسألة خلافية بين أهل العلم لا سيما من اعتدى وظلم المسلمين عند جمع من أهل العلم من أهل التحقيق المتجه جوازه.(47/2)
يقول: ما رأيكم في الحديث الذي يستدل به كثير من الناس لمحبة الكفار وهو أن الوفد النصراني الذي أتى النبي -عليه الصلاة والسلام- من نجران فلما حان وقت الصلاة أذن لهم النبي بالصلاة في المسجد. . . . . . . . .؟
المحبة أمر قلبي، لا يجوز أن يميل القلب ويحب الكفار ولا واحداً منهم، مهما كان أثره عليك، لكن المكافأة مطلوبة، المكافأة مطلوبة، التأليف أيضاً باب معروف في الشرع، يصرف للكافر من الزكاة التي هي ركن الإسلام للتأليف لتأليف القلوب، مسألة التأليف غير الميل القلبي والحب والمودة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} [(1) سورة الممتحنة] المحبة لا تجوز بحال ولا الميل القلبي إليهم، لكن المكافأة لا بأس بها، أيضاً حسن التعامل {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [(46) سورة العنكبوت] المداراة عند الحاجة إليها، وفي حال الضعف مثلاً وحال تسلط عدو، المداراة غير المداهنة، والتنازل عن شيء من الدين، المداراة تختلف عن المداهنة، فالمكافأة مطلوبة، وأيضاً التأليف تأليف القلوب على الإسلام أمر مقرر في الشرع.
يقول: بالنسبة للدعاء: "اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك" بعض الناس يقرر أن مستقر الرحمة الذات الإلهية؟
جاء منعه في أثر عن عمر -رضي الله عنه-، لكن مستقر الرحمة هو الجنة، مستقر الرحمة هو الجنة {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي} أين؟ {رَحْمَةِ اللهِ} [(107) سورة آل عمران] يعني في الجنة، والله -جل وعلا- موصوف بصفة الرحمة، موصوف بصفة الرحمة على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا يجوز تأويل هذا الصفة، لكن هناك آيات لفظها لفظ الصفة، وهي في الحقيقة ليست من آيات الصفات، ليست من آيات الصفات.(47/3)
يقول: تعلمون ما نعيشه في هذا البلد من النعم والتي من أهمها نعمة الأمن وسلامة المعتقد، ووجود العلماء والعناية بالعلم، يقول: ومنه هذه الدورات العلمية، ولكن الأعداء قد غاظهم ذلك وسعوا جاهدين لإفساده بما استطاعوا، وقد نفذ بعض أفكارهم وللأسف إلى بعض شبابنا فزهدوا في العلم، وطعنوا في العلماء، وسعى بعضهم في زعزعة الأمن؟
لا شك أن مثل هذا خلل، خلل في التصور، ولا شك أن الأمن من أعظم النعم، وهو أهم من نعمة الأكل والشرب، ولذا جاء تقديمه {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشيء} [(155) سورة البقرة] من إيش؟ {مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [(155) سورة البقرة] قدم الخوف على الجوع في الابتلاء، فالأمن لا يعدله شيء، كيف يتعبد الناس؟ كيف يحقق الناس الهدف من وجودهم بغير أمن؟ وبعض المفسرين ضرب لذلك مثلاً: بأن جاء بشاة مسكورة كسيرة، أقلقها الألم، اشتد عليها الألم، ووضع عندها طعام مناسب لها، وجاء بأخرى سليمة ووضع عندها الطعام، وربط أمامها ذئب، لما جاء من الغد وجد الكسيرة قد أكلت الطعام كله، ووجد الخائفة من الذئب لم تأكل شيئاً، فلا شك أن الأمن نعمة من الله -جل وعلا-، فمن يسعى في تهديده أو الإخلال به لا شك أنه جاني على الأمة، والله المستعان.
فعلى كل أحد أن يحافظ على هذا الأمن بقد استطاعته، ومع الأسف أن بعض الناس يساهم في الإخلال بالأمن وهو لا يشعر، العاصي مثلاً العاصي مساهم في الخلل بالأمن؛ لأن الأمن نعمة تحتاج إلى شكر، فإذا لم نشكر هذه النعمة فرت، فإذا عصينا الله -جل وعلا- ونحن نتقلب في نعمه التي من أعظمها نعمة الأمن، يعني بعد نعمة الدين المسألة مفترضة في مسلمين، يعني بعد نعمة الدين ما في مثل الأمن.
فإذا عصى الإنسان ربه، وحل بالمسلمين بسبب معصيته ومعصية غيره والثاني والثالث هم المتسببون في اختلال الأمن؛ لأن الأمر يكون له مباشر ويكون له متسبب، يكون له مباشر مباشرة يعني يحاولوا تهديد الأمن، لكن هناك من يتسبب في زعزعة هذا الأمن وهم العصاة الذين لم يشكروا هذه النعمة، وعلى كل واحد من المسلمين كفل من هذا، بقدر ما يقترفه من معاصي {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى](47/4)
يقول: نفذ بعض أفكارهم وللأسف إلى بعض شبابنا فزهدوا في العلم، وطعنوا في العلماء.
لا شك أن الحاجة إلى أهل العلم في الظروف الحالكة أشد، ولا بد من الابتلاء، لا يظن أن العالم أو الداعية أو غيره الطريق سهل ممهد، ما هو بصحيح، في مثل هذه الظروف نرى أن بعض العلماء يواجهون ما يواجهون، فبعض طلاب العلم يقول: أنا ليش أعرض نفسي لمثل ما وصلوا إليه من الإحراجات وغيرها؟ لماذا أصل؟ يا أخي لا بد أن تصل، الطريق ليس بالسهل، وكلما يزداد الأمر شدة يزداد الأجر، وتعظم الأجور بمثل هذا، والله المستعان.
فعلى طالب العلم أن يستمر في طريقه، وأن يحرص ويجد ويجتهد، لأن طلبه للعلم وعبادته لله -جل وعلا- على بصيرة، وسعيه في هداية الناس هذا لا شك أنه نصر للإسلام، نصر للإسلام، فعلى طالب العلم أن يطلب العلم ويجد ويجتهد لا سيما من أدرك شيئاً منه، لا ينبغي له أن يضيع نفسه، على الجادة والطرق المعروفة الجواد المسلوكة عند أهل العلم، ويأخذ العلم عن أهله المعروفين بالعلم والعمل، والثبات والروية والأناة، بالرفق والين، لا بد من هذا، لا بد من هذا ليتم له ما يريد -إن شاء الله تعالى-.
يقول السؤال: من زاد على الثلاث مرات في الوضوء تعد وظلم فهل الزيادة تبطل الوضوء؟
الزيادة لا تبطل الوضوء، لكن لنعلم أن الغسلة الرابعة والخامسة وما بعدها داخلة في حيز الابتداع في الدين، بدعة، ولذا قررنا سابقاً أنه إذا تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً يكون ثلاث، ولا يجعلها اثنتين يبني على الأقل كالصلاة، لماذا؟ لأنها إن كانت بالفعل ثلاثاً جاء بالسنة، وإن كانت اثنتين فهو إلى سنة، لكن لو زاد؟ فإن كانت ثلاثاً خرج عن حيز السنة إلى البدعة، فكونه يتردد بين سنة وبدعة فالسنة هي المطلب، وهذا تقدم تقديرها، والزيادة لا تبطل الوضوء.
يقول: ما الأحاديث الضعيفة في الأربعين النووية؟
الأحاديث تكلم عليها الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرحه: جامع العلوم والحكم، وبين درجة هذه الأحاديث، والأسئلة كثيرة جداً والوقت ضيق، والأخوان يطالبون في الإتيان على أكبر قدر ممكن من الكتاب.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم(47/5)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر -رحمه الله-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "مضت السنة أن في كل أربعين فصاعداً جمعة" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "مضت السنة أن في كل أربعين فصاعداً جمعة" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف" ولا يكفي أن نقول: ضعيف، بل هو ضعيف جداً، وحكم بعضهم بوضعه، حكم بعضهم بوضعه؛ ولأنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي، قال أحمد: اضرب على أحاديثه فإنها كذب أو موضوعة، وقال النسائي: ليس بثقة، إلى غير ذلك من أقوال أهل العلم التي تدل على أنه لا يعتد به، ولا بما يروي، فالخبر ضعيف.(47/6)
مسألة العدد هل هناك حد محدد للجمعة أو أن الجمعة كغيرها من الصلوات تقوم باثنين فقط إمام ومأموم خطيب ومستمع؟ فالمسألة خلافية بين أهل العلم، وصلت الأقوال فيها إلى أربعة عشر قولاً، وعلى كل حال المذهب عند الحنابلة والشافعية ما جاء في هذا الحديث الأربعين، وإن كان عمدة القول هذا الحديث التالف فلا يعتد به، ولا يعول عليه، منهم من قال: لا بد من إمام ومؤذن، ثم من يتجه إليه الخطاب بقوله: {فَاسْعَوْا} {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة] الخطاب للواحد أو للجماعة؟ لجماعة {فَاسْعَوْا} يدخل في هؤلاء الجماعة الإمام والمؤذن أو الإمام دخل على المنبر والمؤذن يؤذن؟ يعني هل الإمام والمؤذن مطالبان بالسعي في هذه الآية؟ أولاً: المؤذن موجود؛ لأن هو الذي أذن {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} لأن {فَاسْعَوْا} معطوف على الأذان فهو غيره، فالمطالب بالسعي غير المؤذن، والمؤذن لا يؤذن حتى يدخل الإمام، فنحن بجماعة غير الإمام والمؤذن فسعوا، والخلاف في أقل الجمع معروف، أقل ما قيل فيه: اثنان، {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [(11) سورة النساء] يعني المراد اثنان، لأن أقل الجمع اثنين، وقيل: أقل الجمع ثلاثة، وهو قول معتبر عند أهل العلم؛ لأن التثنية تقابل الجمع، إفراد وتثنية والجمع، فالجمع غير التثنية، وهذا هو الأصل، لكن يحتاج إلى القول بأن أقل الجمع اثنين في مثل آية المواريث، فمن قال: بأنه خمسة، وذهب بعضهم بأنه ثلاثة تقوم بهم الجمعة، ثلاثة تقوم بهم الجمعة؛ لأنه قد يخاطب ويأمر الواحد بلفظ الجمع، نعم قد يأمر الجمع {فَاسْعَوْا} ولو واحد الموجود، فالإمام والمؤذن موجودان، وهذا المأمور بالسعي، لكن لو قال قائل: إن الجماعة تتم بالإمام والمؤذن الجمعة؛ لأنه إذا لم يوجد من يسعى والإمام على المنبر والمؤذن يؤذن ماذا يصنع الإمام والمؤذن؟ ما وجد من يخاطب بالسعي، أو ما استجاب أحد، ينزل الإمام من المنبر ويصلون ظهر وإلا يكملون؟ يعني افترضنا أنه ما وجد من يتمثل هذا الأمر (اسعوا) ما هو بهذا الأمر (اسعوا) بعد حصول الأذان؟ يعني بعد مباشرة أسباب الصلاة والخطبة؟ بعد الشروع في(47/7)
مقدمتها، دخل الإمام وصعد المنبر وشرع المؤذن بالأذان ونودي الناس للصلاة ما وجد من يستجيب، ما في أحد، أو ما في إلا عصاة نسأل الله السلامة والعافية، ممن طبع الله على قلبه، دليل على أن أسباب الصلاة ومقدماتها بوشرت قبل حضور المطالبين بالسعي، المسألة فيها خلاف كبير، ومنهم من يقول: إن الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، القصد منها إغاظة الأعداء باجتماع المسلمين، فإذا اكتمل عدد الذين تحصل بهم الإغاظة تشرع الصلاة، وهذا القول لا يضبطه ضابط، وأيضاً حتى الأربعين لا تحصل بهم الإغاظة، المقصود أنه ليس هناك حد، فيرجع في ذلك إلى العرف، يرجع في ذلك إلى العرف، والأقوال كثيرة، فإذا وجد جمع يستحقون أن يخطب بهم، يستحقون الخطبة، وتبين لهم الأخطاء، ويحثون على طاعة الله، أقيمت صلاة الجمعة وإلا فلا.
سم.
"وعن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة" رواه البزار بإسناد لين.
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في الخطبة يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس" رواه أبو داود، وأصله في مسلم"
هذا الحديث وهو أيضاً كسابقه ضعيف جداً، ضعيف جداً، بل متروك، يقول: "وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة" زاد في رواية الطبراني: "والمسلمين والمسلمات" "رواه البزار بإسناد لين" لكن هل يكفي أن يقال: لين وهو من راوية يوسف بن خالد السمتي عن أبيه؟ الأب متروك، ومتى يترك؟ إذا كان ضعفه شديد، أتهم بوضع مثلاً أتهم بالكذب مثلاً، فحش غلطه يترك، المقصود أن الحديث ضعيف جداً، ولو دعا واستغفر الخطيب للمؤمنين والمؤمنات ودعا للإسلام والمسلمين لا شك أن هذه من أهداف الخطبة؛ لأنها موطن دعاء؛ لأنها موطن دعاء، الخطبة موطن للدعاء، كما جاء في خطبة العيد: "يشهدن الخير ودعوة المسلمين" فدل على أن الخطبة تتضمن الدعاء.(47/8)
ومنها هذا، لكن ليس اعتماداً على هذا الحديث، وقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "بإسناد لين" قول لين، قول لين، الحديث الذي هو "عن جابر بن سمرة -رضي الله عنهما- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان في الخطبة يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس" يقرأ من القرآن، ويذكر الناس "رواه أبو داود، وأصله في مسلم" وأصله في مسلم، والشارح يرى أن أصله حديث أم هشام بنت الحارث السابق التي تقول: "ما أخذت (ق) والقرآن المجيد -تقدم قريباً- "ما أخذت (ق) والقرآن المجيد إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس" رواه مسلم، فهو من حيث الجملة مؤيد لحديث الباب يقرأ آيات من القرآن فـ (قاف) من القرآن، لكن هل هذا هو أصل حديث أبي داود؟ يعني لو اختلف الصحابي يسمى أصل لهذا الحديث؟ ما يسمى أصل، يسمى حديث أخر، يشهد له حديث أم هشام بنت حارثة، أما كونه أصل له، لا، الأصل فيما إذا كان في غير الصحيحين مثلاً بسط للحديث وتفصيل، ثم يكون في الصحيحين شيء من هذا الحديث عن نفس الصحابي، قطعة من الحديث، نعم يكون أصله في الصحيح، وعلى كل حال في صحيح مسلم "عن جابر بن سمرة كنت أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً، وكان يقرأ شيئاً من القرآن" على كل حال هذا أصله من طريق نفس الصحابي جابر بن سمرة.
"كان في الخطبة يقرأ ... القرآن" اشترط أهل العلم أن تشتمل الخطبة على آية أقل الأحوال، لا بد أن تشتمل على شيء من القرآن "ويذكر الناس" يعظهم ويوجههم ويرشدهم، ويذكرهم بما أمامهم، وما ينبغي أن يستعدوا به لما أمامهم، ومن أعظم ما يذكر به القرآن {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ} [(45) سورة ق] وبما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبأقوال العلماء –الأئمة- الموثوقين من سلف هذه الأمة وأئمتها، فهذه أهداف الخطبة، قراءة قرآن تبدأ بالحمد كعادته -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم، ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويأتي بـ (أما بعد) وتشتمل على القرآن والتذكير، توجيه الناس وإرشادهم، وبيان ما يلاحظ عليهم، إلى غير ذلك، نعم.(47/9)
"وعن طارق بن شهاب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: مملوك، وامرأة، وصبي، ومريض)) رواه أبو داود، وقال: لم يسمع طارق من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخرجه الحاكم من رواية طارق المذكور عن أبي موسى"
يقول: "وعن طارق بن شهاب" طارق بن شهاب له رؤية، رأي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يثبت له سماع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا ثبتت رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام- فهو صحابي، إذا رآه مؤمن به، أما إذا رآه قبل أن يؤمن به ثم آمن بعده فيكون من كبار التابعين، من كبار التابعين؛ لأنه لا بد أن تكون رؤيته حال كونه مؤمن به؛ لتثبت له الصحبة، فطارق هذا رأي النبي -عليه الصلاة والسلام- وأدرك الجاهلية قبل البعثة، رأي النبي وليس له سماع منه -عليه الصلاة والسلام-، إن كان صحابياً وكان حال رؤيته للنبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمن به فهو صحابي ولا إشكال، ولو لم يثبت له سماع من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه حينئذٍ يكون مرسل صحابي، وحكمه الوصل، ونقل عليه الاتفاق.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكم الوصل على الصوابِ
وفيه خلاف لبعض أهل العلم، لكنه شاذ، مراسيل الصحابة مقبولة، وإلا فكم من حديث ترويه عائشة -رضي الله عنها- سمعته بواسطة بعض الصحابة، وكم من حديث يرويه ابن عباس وهو من المكثرين، من المكثرين ابن عباس من رواية الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- دون واسطة، وقد صرح جمع من أهل العلم أنه لم يسمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من الأربعين، بل بالغ بعضهم قال: إنه لم يسمع إلا أربعة، لكن هذا ليس بصحيح.
ابن حجر يقول: "تتبعت مرويات ابن عباس فوجدت ما صرح به بالسماع من النبي -عليه الصلاة والسلام- مما صح أو حسن نحو أربعين" المقصود أن مثل هذا وهو مكثر بقية أحاديثه التي لم يسمعها من النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما سمعها بواسطة، وحينئذٍ تكون من مراسيل الصحابة، ومراسيل الصحابة لا إشكال في قبولها.(47/10)
البيهقي يقول: هذا مرسل جيد، فطارق من خيار التابعين، وممن رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يسمع منه، ولحديثه هذا شواهد، المقصود أن الحديث تقوم به الحجة، تقوم به الحجة، فأقل أحواله أنه بشواهده صحيح، يعني صحيح لغيره "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الجمعة -يعني صلاة الجمعة- حق واجب)) تقدم بيان حكمها، وأنها فرض عين على كل من لم يستثن مما ذكر من هذا الحديث، يعني مجموع من استثني ممن لا تجب عليه ستة ((الجمعة حق واجب كل مسلم في جماعة)) يعني الجمعة لا تصح فرادى، إنما لا بد أن تكون في جماعة ((إلا أربعة: مملوك)) لأنه منشغل بأمور سيده، مملوك مشغول بحقوق سيده، ولا شك أن انشغاله بالجمعة يفوت على سيده بعض حوائجه، فالمملوك مستثنى بهذا، وداود الظاهري يقول بوجوب صلاة الجمعة على المملوك لأنه داخل في عموم قوله -جل وعلا-: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة] وهو داخل في هذا العموم، لكن ولو دخل في هذا العموم يكون الحديث مخصص للآية، مخصص للآية، هذا من حيث اللزوم، لكن لو حضرها المملوك أذن له سيده وحضر الجمعة، لا شك أنها تجزئه مملوك وامرأة، والمرأة مجمع على عدم وجوب الجمعة عليها، المملوك الذي يعتد بقول داود لا يحكي الإجماع، لكن الذي لا يعتد بقول داود يقول: المملوك مجمع عليه، لم يخالف إلا داود، وذكرنا مرراً أن النووي -رحمه الله- في شرح مسلم يقول: "ولا يعتد بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد" فالذي لا يعتد بقول داود ينقل الاتفاق، لكن الذي يعتد بقول داود وهو إمام من أئمة المسلمين نعم عنده أمور لا يرى القياس، فإذا كانت المسألة عمدتها القياس لا يعتد بقوله، لكن إذا كان عمدتها نصوص يعتد بقوله؛ لأنه إمام من أئمة المسلمين، ومن أهل النظر.(47/11)
((والمرأة)) أيضاً مجموعون على عدم وجوب الجمعة عليها، والشافعي -رحمه الله تعالى- يقول: يستحب للعجائز حضور الجمعة بإذن الزوج، ونقل عنه القول بالوجوب، لكن أصحابه لا يعرفون إلا القول بالاستحباب، ومسألة الجمعة وحضور النساء للخطبة وإفادتهن لا شك أنه أمر مطلوب، لكن ليس بواجب، على ألا يرتكبن محظوراً أثناء خروجهن، مع الأسف أن بعض النساء من حرصها على الخير تجيب النداء تخرج إلى الجمعة، وتخرج إلى التهجد والتراويح وغيرها، لكن ترتكب بعض المحظورات إما جهلاً وإما تساهلاً، تخرج مع سائق أجنبي إلى صلاة التهجد، هذا تناقض هذا، تخرج متطيبة إلى صلاة الجمعة، هذا لا شك أنه إما جهل وإما تناقض، فعلى المرأة إذا أرادت أن تحضر الجمعة وإلا فالأصل أنه ليس عليها جمعة أرادت أن تحضر الخير ودعوة المسلمين أن تخرج من غير فتنة واستشراف ونظر للرجال أو تعريض للرجل بالنظر إليها، وإذا كان هذا بالنسبة للجمعة فأمر العيد أكد، فأمر العيد أكد، في حديث أم عطية: "أمرنا أن نخرج العواتق والحُّيض وذوات الخدود إلى صلاة العيد يشهدن الخير ودعوة المسلمين" هذا أمر، حتى قال بعضهم بوجوب خروج المرأة إلى صلاة العيد، لكن يلاحظ ما ذكر، درء المفاسد مقدم على جلب المصالح،
إذا كانت بحيث يفتتن الرجال بها قد .. ، عليك القرار في بيتك، والله المستعان.
((وامرأة وصبي)) الصبي أيضاً متفق أنه لا جمعة عليه، الصبي الصغير الذي لم يكلف يعني من حيث الوجوب كغيرها من واجبات الإسلام، لم يكلف بعد، لكن يأمر بحضورها، ويأمر بالصلاة، ويأمر بالصيام إذا أطاقه تمريناً له على الطاعة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع)) ليمرن، أم من حيث الوجوب وكونه يأثم بعدم الحضور لا، وهذا متفق عليه.(47/12)
((ومريض)) مريض لا يجب عليه حضور الجمعة إذا كان يتضرر بالحضور، تحلقه مشقة شديدة، أو يتأخر برؤه، أو يزيد مرضه، مثل هذا لا تجب عليه الجمعة؛ لأن الله -جل وعلا- لا يكلف الإنسان إلا ما يطيق {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] لكن بعض الناس ويوجد هنا في مثل هذا المسألة ناس أهل تحري فتجد الإنسان في غاية المشقة، في غاية الحرج، في مرض شديد وآلام ومع ذلك لا يترك الجمعة، وبعض الناس لأدنى شيء، لأدنى مرض يعذر نفسه ويصلي في البيت، مسألة تساهل بالشعائر خلاف ما ذكره الله -جل وعلا- في قوله: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] نعم لا شك أن التحامل على النفس والحضور مع شيء من المشقة، لا أقول: مشقة شديدة بحيث يتأذى بها الإنسان هذا من تعظيم شعائر الله، وكان الرجل من الصحابة يؤتى به يهادى بين الرجلين ليحضر الصلاة، والله المستعان.
ويبقى أن الدين دين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، لا يحمل الإنسان ما لا يطيق، لكن أيضاً بالمقابل الإنسان لا يترخص لنفسه بأدنى رخصة، فيتنصل بذلك عن فعل الواجبات.
((ومريض)) رواه أبو داود، وقال: لم يسمع طارق من النبي -صلى الله عليه وسلم-" وأخرجه الحاكم من رواية طارق عن أبي موسى، فبانت لنا الواسطة، وأن طارقاً رواه عن صحابي، فهو إن قلنا: إن طارق صحابي فلا إشكال ولو لم نعرف الواسطة، وإن قلنا: إنه تابع وعرفنا الواسطة ارتفع الإشكال، على أن كبار التابعين مراسليهم تختلف عن مراسيل غيرهم، هي أولى بالقبول من غيرها من المراسيل، أولى بالقبول من غيرها من المراسيل من أوساط التابعين فضلاً عن صغارهم، والشافعي -رحمه الله- يحتج بمراسيل كبار التابعين لكن بشروط اشترطها، نعم.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس على مسافر جمعة)) رواه الطبراني بإسناد ضعيف"
هذا الحديث يضاف إلى ما تقدم، وهو أيضاً نظيره، يعني يصح بشواهده.(47/13)
"عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس على مسافر جمعة)) رواه الطبراني" يعني في الأوسط "بإسناد ضعيف" لأن في إسناده عبد الله بن نافع، وهو ضعيف، لكن له شواهد، له شواهد يصل بها إلى درجة القبول، فيضاف المسافر إلى الأربعة الذين ذكروا في حديث طارق، فمن لا تلزمهم الجمعة يجتمع من النصوص: المملوك، والمرأة، والمريض، والمسافر، فليس على المسافر جمعة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في جميع أسفاره لم يثبت أنه جمع فيها، صلى فيها الجمعة، يوم عرفة هو يوم جمعة بالنسبة له –عليه الصلاة والسلام- هل صلى الجمعة أو صلى الظهر والعصر جمع تقديم بنمرة؟ نعم ما صلى جمعة، صلى الظهر والعصر، فالمسافر ليس عليه جمعة، وأضاف أهل العلم سادساً وهم أهل البادية، ولذا يتشرط كثير من أهل العلم لوجوب الجمعة أن يكونوا مستوطنين، أهل استقرار واستيطان في مكان تمر عليهم فيه الفصول الأربعة، ليس من الرحال، الفصل في مكن هؤلاء بادية، والمقصود بالبادية الذين ينتقلون من مكان إلى مكان تبعاً للرعي وأماكن الخصب بخلاف أهل القرى والأمصار الثابتين في أمكانهم المستقرين.
"وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا" رواه الترمذي بإسناد ضعيف، وله شاهد من حيث البراء عند ابن خزيمة"
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا" يعني الجميع يستقبل الخطيب بوجه، سواء كان في وسط الصفوف أو في أطرافها على مقتضى هذا الحديث.(47/14)
يقول: "رواه الترمذي بإسناد ضعيف" جداً لا يكفي أن يقال: بإسناد ضعيف، بل هو ضعيف جداً؛ لأن فيه محمد بن الفضل بن عطية شديد الضعف، بل كذبه بعضهم "وله شاهد من حديث البراء عند ابن خزيمة" وهو أيضاً عند البيهقي حديث البراء عند البيهقي، فهو بشاهده إذا قيل: ضعيف لا بأس، يعني بشاهده، وإن كان الأصل ضعيف جداً لا يعتبر به ولا يعول عليه، لكن حديث البراء صححه ابن خزيمة، وأخرجه البيهقي، المقصود أن هذه المسألة قال فيها الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يستحبون استقبال الإمام إذا خطب، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون استقبال الخطيب عملاً بحديث الباب على ضعفه، ولما يشهد له من حديث البراء وعمل الصحابة، وهو اختيار سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، على كل حال من عمل به لأنه عمل هؤلاء المتقدمين فلا بأس، ومن تكره باعتبار أن الخبر لا تقوم به حجة فهو ضعيف حتى أن ضعفه لا يقبل الإنجبار، ضعفه شديد، نعم.
"وعن الحكم بن حزن -رضي الله عنه- قال: "شهدنا الجمعة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام متوكئاً على عصا أو قوس" رواه أبو داود"
"عن الحكم بن حزن" من مسلمة الفتح، مخزومي "قال: شهدنا الجمعة" يعني صلاة الجمعة "مع النبي الله -صلى الله عليه وسلم-" صلاة الجمعة وخطبتها "شهدنا الجمعة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام متوكئاً على عصا أو قوس" رواه أبو داود" ورواه أيضاً أحمد في المسند، وهو حديث لا بأس به، إسناده حسن، إسناده حسن، فاعتماداً على مثل هذا نص الفقهاء على أنه يستحب للخطيب أن يعتمد على عصا أو أو قوس سيف، بعضهم قال: يعتمد على السيف، ويعللون هذا بالإشارة إلى أن الإسلام انتشر بالسيف، فالفقهاء يقولون هذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- توكأ على عصا أو قوس، وجاء في بعض الأخبار أنه كان يعتمد على عنزة، لكن لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توكأ على سيف، يقول ابن القيم: "وكان أحياناً يتوكأ على قوس، ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه كان يمسك السيف على المنبر إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح.(47/15)
الدين انتشر بالدعوة، انتشر بالدعوة، وانتشر أيضاً مما انتشر به الفتوح إنما كانت بالجهاد، لكن لا يتعين الجهاد لنشر الإسلام، يعني الجهاد باب من أبواب النشر، وفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفعله أصحابه، نشروا الدين بالجهاد، أما أن يكون السيف هو الوسيلة الوحيدة لإخضاع الناس للدين كثير من الناس دخلوا في دين الله أفواجاً من غير سيف، وإلى وقتنا هذا يسلم من يسلم من الكفار بغير سيف، ويسلم من يسلم منهم بغير دعوة؛ لأنه دين الفطرة، ولا يعني هذا أنه يقلل من شأن الجهاد لا، الجهاد باب من أبوب نشر الدين، من أبواب نشر الدين الدعوة، من أبواب نشر الدين القدوة الصالحة، كما حصل بالنسبة لكثير من التجار المسلمين، من أسباب انتشار الدين ملائمته للفطرة، ومطابقته للعقل، ويحضرنا الآن قصتان: في الأيام الأخيرة أسلم غسال أمريكي بدون دعوة، فسأل عن السبب، قال: إذا جاءتني الثياب ثياب المسلمين نظيفة رائحتها طيبة، وإذا جاءت ثياب غيرهم جاءت نجسة قذرة، رائحتها كريه؛ لأن الإسلام الدين دين طهارة، دين استنجاء واستجمار ووضوء، يختلف عن غيره.(47/16)
وأسلم هندوسي من الهند بدون دعوة، وجاء ليعلن إسلامه، فسألوه عن السبب ما سبب إسلامك؟ هل دعاك أحد؟ قال: أبداً ما دعاني أحد، إيش السبب؟ قال: إن أمه ماتت وعندهم في ديانتهم أن من مات يحرق، فذهب بأمه -وهذا من البر بها عندهم- فجمع لها الحطب الكثير بعد أن كفنها لفها ووضعها في النار، أوقد عليها النيران، يقول: فجاءت النيران فأكلت الكفن فقط، ولم تمس البدن، فظهرت أمه عارية تماماً أمام الناس، فجمع عليها حطب ثاني وزاد عليها من أسباب الاشتعال وأشعلها وأوقدها، ثم جاء يعلن أسلامه لماذا؟ لأن المسلمون إذا مات فيهم الميت طهروه ونظفوه وصلوا عليه ودفنوه في حفرة من غير أن ترى عورته ومن غير .. ، دين عظيم، أما كونه انتشر بالسيف لا يعني أنه انتشر بالسيف فقط، ولا يعني أن السيف ليس بوسيلة، لا الجهاد شرع مقرر في دين الله، ماضٍ إلى قيام الساعة بعز عزيز وذل ذليل، شريعة هذه ما هي بمسألة لعب، فريضة من فرائض الإسلام، ذروة سنام الإسلام، لكن لا يعني أن الدين انتشر بالسيف فقط، انتشر بالدعوة من الدعاة المحققين المخلصين، انتشر أيضاً بالقدوة الصالحة من التجار المسلمين الذين جابوا الأقطار، ورأى الناس منهم الصدق في المعاملة والاضطراد في الحياة ولا تناقض ولا شيء.
من أهل العلم من يرى أن الاعتماد على القوس أو العصا إذا خطب على الأرض فقط، أما إذا خطب على المنبر فلا، ولذا يقول الألباني -رحمه الله تعلى- ضمن كلام طويل: الظاهر من تلك الأحاديث أن الاعتماد على القوس والعصا قوس إذا خطب على الأرض؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- كان يخطب على الأرض فلما كثر الجمع قيل له: لو اتخذت منبراً؟ كان يستند إلى الجذع، وهذا ذكرناه في درس مضى، نعم.
باب: صلاة الخوف:
"عن صالح بن خواتٍ عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو".
وِجَاه.(47/17)
"ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، ووقع في المعرفة لابن منده: عن صالح بن خوات عن أبيه"
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الخوف" باب: صلاة الخوف، الخوف: هو ضد الأمن، الذي أشرنا إليه، والخوف ابتلاء من الله -جل وعلا-، ابتلاء من الله -جل وعلا- وامتحان واختبار؛ لكي يراجع الناس دينهم، ويقلعوا عما ارتكبوه من المعاصي، وهو عقوبة دنيوية وعقوبة الآخرة أشد، فإذا لم يقلع الناس بهذه العقوبة عما اقترفوه واجترحوه من المعاصي جمع الله لهم بين هذا وبين عقوبة الآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.(47/18)
لكن إذا راجعوا دينهم لا شك أن الله -جل وعلا- يكشف عنهم الخوف ويبسط عليهم الأمن، وهو من باب إضافة إيش؟ صلاة الخوف يعني الصلاة التي سببها الخوف، من إضافة المسبب إلى سببه، من إضافة المسبب إلى سببه، وصلاة الخوف ثبتت في الكتاب والسنة، وجماهير أهل العلم على أنها ثابتة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة، وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة يرى أنها لا تفعل إلا مع النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن غير النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس عنده من الميزة في الإمامة بحيث يفرط في ببعض أفعال الصلاة، يعني بدلاً من أن تصلى صلاة الخوف على شيء من النقص في الصلاة على ما سيأتي في صورها تصلى كاملة تامة في أكثر من إمام، وينتهي الإشكال، ويستدل بقوله -جل وعلا-: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء] إذا كنت فيهم, فالخطاب موجه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكونه فيهم في الآية يوحي بأنه شرط، لكن خطاب النبي -عليه الصلاة والسلام- خطاب له ولأمته، بدليل قوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] هل معنى هذا أن غيره لا يؤخذ صدقة من الناس؟ ما يأخذون الزكاة؟ ما يجبون الزكوات؟ من يقوم مقامه من الأئمة ما يجبي الزكاة؟ لا، وأيضاً فعلها الصحابة بعده -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن تشريعها قائم إلى قيام الساعة، وهي أيضاً شرعية صلاة الخوف من أعظم الأدلة على وجوب صلاة الجماعة، من أعظم الأدلة على وجوب صلاة الجماعة كيف؟ صلاة الخوف إنما شرعت من أجل الحفاظ على الجماعة، فإذا كانت الجماعة واجبة في مثل هذا الظرف وهو الخوف في مواجهة الأعداء في الجهاد مع التنازل عن بعض الواجبات في الصلاة، واشتمال صلاة الخوف على ما يبطلها لو كانت في حالة الأمن، لا شك أن العناية بهذه الفريضة أعني الجماعة في مثل هذا الظرف لا شك أنه يدل على اهتمام شديد من الشارع ففي حال الأمن من باب أولى.
"عن صالح بن خوات" بن جبير بن النعمان الأنصاري، تابعي، سمع أباه خوات من جبير، وسمع سهل بن أبي حثمة وسمع جمع من الصحابة.(47/19)
"عن صالح بن خوات -رضي الله عنه- عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عمن صلى صالح بن خوات يروي الخبر عمن صلى، الذي صلى هذا صحابي وإلا ليس بصحابي؟ إذاً يرويه عن صحابي، صحابي معروف وإلا مبهم؟ لا في هذا النص مبهم، جهالة الصحابي تضر وإلا ما تضر؟ ما تضر إذاً الحديث صحيح، عرفنا من صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عرفنا الواسطة أو لم نعرف "عمن صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" جاء تعيين هذا المبهم في صحيح مسلم: عن صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبي حثمة، فصرح بمن حدثه في رواية مسلم، وجاء في المعرفة لابن منده: عن صالح بن خوات عن أبيه، عن صالح بن خوات عن أبيه، ولا يبعد أن يروي صالح بن خوات الخبر عن الاثنين، مرة عن أبيه ومرة عن سهل بن أبي حثمة، ومرة يبهم؛ لأنه الخبر تقوم به الحجة على أي حال كان حتى مع الإبهام مادام أن المبهم صحابي، ابن حجر رجح أن يكون المبهم أبوه خوات بن جبير، والذي في صحيح مسلم يرويه صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة، وعلى كل حال سواء كان هذا أو ذاك أو لم نعرفه البتة فالأمر لا يختلف، إبهام الصحابي لا يضر، وصالح بن خوات يرويه مباشرة دون واسطة عن صحابي.(47/20)
"عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع" وهي غزوة وقعت في مكان من نجد بأرض غطفان، ذات الرقاع سميت بذلك لأن أقدامهم نقبت من الحفاء، فلفت عليها الرقاع يعني الخرق، أو لأن راياتهم مرقعة، أو لأن الأرض هناك ذات ألوان كأنها خرق مرقعة، أو لجبل هناك فيه أكثر من لون، المقصود أن أولى ما يعتمد عليه هو أصح ما ذكر في الباب أن أقدامهم نقبت من الحفاء فلفت بالرقاع بالخرق، وهذه الغزوة كانت في قول جمهور أهل السير في السنة الرابعة من الهجرة، في السنة الرابعة من الهجرة، وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الصلاة في هذه السنة الرابعة، وإذا كانت السنة الرابعة تكون قبل الخندق أو بعد الخندق؟ قبل الخندق، وثبت أن البني -عليه الصلاة والسلام- في الخندق حبس عن الصلوات، وأدى الصلوات بعد خروج وقتها، فلو كانت صلاة الخوف مشروعة ما أخر الصلوات عن وقتها، وهذا ما يجعل الإمام البخاري وابن القيم يجزمان بأن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق؛ لأن لو أن صلاة الخوف شرعت قبل الخندق ما أخر الصلوات عن وقتها، يصلها بعد غروب الشمس أربع صلوات يصلها بعد غروب الشمس، كان يصلي كل صلاة في وقتها على هذه الطريقة.
من أهل العلم من يرى أنه للتوفيق بين هذه النصوص أن يقول: إن صلاة الخوف لا تفعل إلا في السفر والخندق في الحضر، ما نفعل صلاة الخوف في الحضر، والمانع له -عليه الصلاة والسلام- من الصلاة على هذه الكيفيات في الخندق هو كونه في الحضر، لكن أيضاً الصلاة في الحضر لا مبرر لتأخير الصلوات عن وقتها، يعني كونهم يصلون فرادى أو جماعات كثيرة كل صلاة في وقتها، أو يجمعون في الحضر لا بد أن تكون كل صلاة في وقتها ولو فرادى أيسر من تأخير الصلوات عن وقتها، لكن قد يكون الأمر أعظم من أن يصلي كل إنسان بمفرده، والخوف أشد من أن تصلى كل صلاة في وقتها، وهذا ما حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- حيث حبسه العدو، على كل حال الإمام البخاري يرجح أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق وكذلك ابن القيم, ويقول. . . . . . . . . بأن صلاة الخوف تفعل في السفر الحضر، ولا معارضة بين هذا وبين ما حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق.(47/21)
"يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، أن طائفة صلت" في المسلم: "صفت"، "معه وطائفة وجاه العدو" يعني في مواجهة العدو، في مقابلته للحراسة، طائفة صفت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقسم الجيش إلى قسمين إلى طائفتين، والطائفة: القطعة من الجيش، وأقل ما تطلق عليها الطائفة واحد فتصح صلاة الخوف بثلاث إمام ومأموم وحارس، فصلى بالطائفة التي صلت معه، والطائفة الأخرى تحرس وجاه العدو، في مواجهة العدو، في مقابلته "فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائماً" كبر للإحرام بالطائفة الأولى، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع، ثم سجد سجدتين، ثم قام إلى الثانية "ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم" أثناء قيامه -عليه الصلاة والسلام- وعلى هذا يكون قد أطال القيام لتدرك الطائفة الثانية التي تحرس هذه الركعة أطال القيام -عليه الصلاة والسلام-، هؤلاء لما أطال القيام أتموا لأنفسهم "ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو" يعني في مقابلة العدو، في مكان إخوانهم، وجاء إخوانهم الطائفة الأخرى فصلى بهم النبي –عليه الصلاة والسلام- الركعة التي بقيت، الركعة التي بقيت، صلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم أتموا لأنفسهم، ثبت قائماً في الركعة الثانية، جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم هذا الركعة "فثبت جالساً ثم أتموا لأنفسهم" وأطال الجلوس للتشهد حتى أتموا لأنفسهم، "ثم سلم بهم" وهذا من تمام العدل، من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام-، لو نظرت إلى الصلاة صلاة الطائفتين لوجدت أن كل من الطائفتين أخذ نصيبه من النبي -عليه الصلاة والسلام- بقدر ما أخذت الطائفة الأخرى من غير زيادة، نعم حصّل هؤلاء تكبيرة الإحرام، وهؤلاء حصلوا على السلام، وكلاهما ركن "ثم سلم بهم" متفق عليه" وهذا لفظ مسلم، ووقع في المعرفة لابن منده معرفة الصحابة كتاب لابن منده، ومنده بالهاء في الوقف والدرج كابن داسه وابن ماجه، عن صالح بن خوات عن أبيه وفيه تعيين المبهم، وهذا الصورة تسلك إذا كان العدو في غير جهة القبلة، في غير جهة القبلة، بحيث يحتاجون إلى حراسة، وعلى كل حال صلاة الخوف ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أوجه، ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أوجه ستة أو سبعة كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-،(47/22)
وأوصلها بعضهم إلى أربعة عشر وجهاً، على كل حال هي ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه، وكلها صحيحة، كل الصور صحيحة الستة أو السبعة التي أشار إليها الإمام أحمد، وعلى الإمام أن يفعل من الصور الأحوط للصلاة، الأبلغ في الحراسة، الأحوط للصلاة والأبلغ للحراسة.
الخوف لا أثر له في القصر، القصر معلق بالسفر، فالخوف كان سبب في القصر وارتفع السبب {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] نعم هذا كان الأصل في مشروعية القصر، لكنه ارتفع الخوف وثبت الحكم، فصار القصر صدقة تصدق الله بها على عباده، هذا إذا كانت الصلاة ثنائية أما إذا كانت ثلاثية فيثبت الإمام ويطيل التشهد الأول وتنصرف الطائفة الأولى؛ لأن الركعة لا يمكن قسمتها ركعة واحدة، نعم لا يمكن قسمتها إلى قسمين، أما الرباعية فيستمر في التشهد الأول كالثلاثية.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، فقام طائفة معه، وأقبل طائفة على العدو وركع بمن معه، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاءوا فركع بهم ركعة، وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري"(47/23)
نعم هذه صورة من صور صلاة الخوف، وهي كسابقتها في الصحيحين من حديث "ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد -يعني جهة نجد- فوازينا العدو -أي قابلناهم- فصاففناهم -صفوا صفاً واحداً في وجاه العدو للقتال- فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا" وفي رواية: "يصلي لنا"، "فقام طائفة معه وأقبل طائفة على العدو، وركع بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل" هذه الصورة توافق الصورة التي تقدمت من وجه وتخالفها من وجه، توافق الصورة السابقة في كونه قسم الجيش إلى قسمين، وبكونه صلى بالطائفة الأولى ركعة كاملة، لكن تخالفها في كون الطائفة الأولى لم تتم لنفسها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، بل انصرفوا يحرسون، صلوا ركعة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم انصرفوا يحرسون وهم في صلاة، صلاتهم ما تمت، "فقامت طائفة معه واقبل طائفة على العدو، وركع بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا" يحرسون، يعني "مكان الطائفة التي لم تصل" وهم في صلاة، ما كملت صلاتهم، فجاءوا فركع بهم الطائفة الثانية "جاءوا فركع بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم" بهم "فقام كل واحد منهم" كل واحد من الطائفتين هذا الأصل، كل واحد من الطائفتين ما تمت صلاته واضح وإلا ما هو بواضح؟ كل واحد من الطائفتين بقي له ركعة "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين" متفق عليه"(47/24)
هذا يوحي بأن الطائفتين جاءوا بالركعة الثانية في وقت واحد؛ لأن اللفظ يحتمل "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" والاحتمال الثاني أن يكون فقاموا كل واحد منهم من الطائفة الثانية أقرب مذكور فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ثم سلم، وذهبوا للحراسة، ثم أتمت الطائفة الأولى ركعتها الباقية، فالذي يظهر من الحديث ويؤيده كون الضمير لأقرب مذكور أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها، جاءت بالركعة الثانية بعد سلامه -عليه الصلاة والسلام-، أما الطائفة الأولى فلم تصل الركعة الثانية حتى استلمت الطائفة الثانية الحراسة، من أهل العلم من يرى أن هذه الصورة يمكن أن تؤدى بأن تصلي طائفة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ركعة ثم ينصرفوا للحراسة، ينصرفوا للحراسة، ثم تأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم ركعة، ثم ينصرفوا للحارسة وهم في صلاتهم كالأولى، ثم تأتي الطائفة الأولى لتتم الصلاة، نعم فإذا تمت الطائفة الأولى صلاتها بما بقي من الركعة الأخيرة من الركعتين، ثم بعد ذلك تعود الطائفة الثانية لتصلي على الولاء كذا، يعني على التعاقب، لكن ظاهر الحديث يدل على أنهم .. ، أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها، بعد ما سلم جاءت بالركعة ثم بعد ذلك ذهبوا للحراسة، وهذا كأنه أقل في الحفاظ على أصل الصلاة، أما كونهم وهو الاحتمال الأول يصلون كلهم الركعة الثانية في آن واحد، واللفظ يحتمله، فقام كل واحد منهم يعني من الطائفتين، لكن هذا وإن احتمله اللفظ، أولاً: هو الاحتمال المرجوح ومع ذلك يلزم عليه تضييع الحراسة تضييع الحراسة، وصلاة الخوف إنما شرعت من أجل الحراسة والاحتياط، نعم.
"وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جمعياً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى السجود قام الصف الذي يليه فذكر الحديث.(47/25)
وفي رواية: "ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني فذكر مثله، وفي أخره: ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جمعياً" رواه مسلم.
ولأبي داود عن أبي عياش الزرقي مثله، وزاد أنها كانت بعسفان"
حديث جابر -رضي الله عنه- في صورة من صور صلاة الخوف، وهي فيما إذا كان العدو بين المسلمين والقبلة، والحراسة تكون حينئذٍ ممكنة أثناء الصلاة، أثناء الصلاة الحراسة ممكنة، يقول: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف فصفنا صفين" صف مقدم وصف مؤخر، صف أول وصف ثاني، "صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة" هذه الصورة تختلف عن سابقتيها، لا يحتاجون إلى من يحرس، ولا يدخل في الصلاة هم يحتاجون من يحرس وهو داخل الصلاة؛ لأن العدو في جهة القبلة "صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً" كبر الصف والأول والثاني الحراسة ممكنة كلهم دخلوا في الصلاة "ثم ركع وركعنا جمعياً" الحراسة ممكنة في حال الركوع "ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود" ثم انحدر -عليه الصلاة والسلام- للسجود، هوى للسجود "والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو" للحراسة، يعني من غير أن يسجدوا معه -عليه الصلاة والسلام-، إنما ثبتوا قياماً للحراسة، سجد انحدر بالسجود والصف الذي يليه، إعراب والصف؟ نعم معطوف علي إيش؟ فاعل انحدر، يجوز العطف في هذه الطريقة؟ ما نقول: انحدر هو؟ الضمير المستتر ما في إشكال، لكن يجوز العطف على الضمير المستتر المرفوع بهذه الطريقة؟
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
فافصل بالضمير المنفصل، قل: انحدر هو والصف الذي يليه، لكن التعبير الذي معنا صحيح وإلا غير صحيح؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، معطوف معطوف على الضمير في انحدر، انحدر وانحدر الصف الذي يليه.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالمضير المنفصل(47/26)
لا يجوز أن تقول: انحدر والصف، لكن هنا حصل الفصل بالجار والمجرور، ولذا يقول: "أو فاصل ما" أي فاصل, وهنا حصل الفصل بالجار والمجرور.
أو فاصل ما وبلا فصلٍ يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد
فالفاصل هنا موجود وهو "بالسجود"، "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو" ما سجدوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، طيب سجد النبي –عليه الصلاة والسلام- سجدتين فاتهم ركنين أو ثلاثة أركان الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ يعني لو كان في حال سعة في حال أمن انقطع الصوت وثبتوا قائمين إلى أن قام إلى الركعة الثانية انشبك الصوت صار الركعة صحيحة وإلا باطلة؟ باطلة؛ لأنهم فاتهم أركان مع الإمام، فاتهم ثلاثة أركان، لكن هذه صلاة خوف يتجاوز فيها ما لا يتجاوز في صلاة الأمن، "وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى السجود قام الصف الذي يليه .. فذكر الحديث"، وفي راوية: "ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني" ليفعلوا في الركعة الثانية مثل ما فعلوا في الركعة الأولى، ما الداعي إلى التقدم والتأخر؟ لتمام العدل، ليتم العدل بين الصف الأول والثاني، يعني لو فعلوا في الركعة الثانية مثل ما فعلوا في الركعة الأولى صار الصف الثاني مظلوم، صلاة أرباب الصف الأول تامة، فكونهم يتقدمون إلى الصف الأول ويحزون فضيلة الصف الأول بعد أن كانوا في الصف الثاني لا شك أن هذا من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام-، "وفي أخره: ثم سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- وسلمنا جميعاً" نعم لأنهم في حال القيام، وفي حال الركوع في حال الجلوس لا يحتاجون إلى حراسة؛ لأن العدو في جهة القبلة، أما في حال السجود وهي التي حصل فيها الاختلاف مع صلاة الأمن يحتاجون إلى الحراسة، فمثل هذه الصورة تفعل فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، أما إذا كان العدو في غير جهة القبلة فالصورتان السابقتان وغيرهما من الصور.(47/27)
يقول: "ولأبي داود عن أبي عياش الزرقي -رضي الله عنه- مثله" مثل رواية جابر، لكنه زاد في تعيين محل الصلاة، متى كانت هذه الصلاة التي شهدها جابر؟ كانت بعسفان، وهو موضع على مرحلتين من مكة، موضع على مرحلتين من مكة، يعني مسافته مثل الطائف عن مكة، ومثل جدة عن مكة، نعم.
"وللنسائي من وجه آخر عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم ثم صلى بآخرين أيضاً ركعتين ثم سلم.
ومثله لأبي داود عن أبي بكرة"
بكرة وإلا بكر؟
طالب: عندي بكرة(47/28)
طيب، يقول -رحمه الله تعالى-: "وللنسائي من وجه آخر عن جابر" في قصة أخرى؛ لأنها تختلف عن الصورة السابقة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بطائفة من أصحابه ركعتين" ثم صلى بآخرين ركعتين ثم سلم، صلاته بالطائفة الأولى هي فريضته -عليه الصلاة والسلام-، صلى بهم ركعتين فريضته، والثانية حينما صلى بالطائفة الثانية ركعتين هو مفترض وإلا متنفل؟ متنفل؛ لأنه صلى الفريضة مع الطائفة الأولى، ولا شك أن في مثل هذه الصورة محافظة على جميع أجزاء الصلاة، يصلي ركعتين كاملتين كما يصلي في الحضر، كما يصلي في حال الأمن، ويصلي بالطائفة الثانية ركعتين كما يصلي في حال الأمن، لكن يرد على هذه الصورة أنه في الأولى مفترض وفي الثانية متنفل، فمن يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل لا إشكال عنده، والذي لا يرى صلاة المفترض خلف المتنفل تشكل عليه مثل هذه الصورة، تشكل عليه مثل هذه الصورة، وعلى كل حال القصة صحيحة والخبر صحيح، وما دام ثبت لا يمنع من أن يصلي الإمام بطائفة صلاة، وبطائفة أخرى صلاة أخرى، وجاء مثله من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-، وهذه يحصل فيها المحافظة على كيفية الصلاة التامة، فإذا كانت الصلاة ثنائية أو مقصورة يصلي ركعتين، ثم ركعتين، إذا كانت ثلاثية يصلي ثلاث ويصلي ثلاث بطائفة أخرى، إذا كانت رباعية يصلي أربع بطائفة وأربع بطائفة أخرى، وهذا إذا كان الإمام أو من ينيبه الإمام، أو كان شخص له مزية على غيره، بحيث يكون الاجتماع إليه أهيب عند العدو، أما إذا وجد ناس لا، لا مزية لبعضهم عن بعض، متساوون في المزية مثل أن يحضر شخص إلى بلد وهو مسافر، ثم يؤم الناس وهو ما له أدنى مزية، طالب من طلاب العلم، ومثله كثير يصلون خلفه، ثم يؤم الناس ويقصر الصلاة، والناس خلفه عشرة صفوف أو أكثر هذه مسألة واقعة: "أتموا فإن قوم سفر" يا أخي لماذا تتقدم تحرج الناس؟ تخلي الناس بدءً من المؤذن كلهم يتمون الصلاة، هذا إنما يكون لمن له مزية عالم جليل يقتدى به، تفضل الصلاة بالصلاة خلفه، أما شخص شاب من الشباب لا مزية له، ولم يتميز بشيء يكون عنده من الجرأة بحيث يتقدم، وهذا حاصل في مساجد مكة حصلت في أيام الموسم عشرين صف وكل العشرين الصف يقضون(47/29)
الصلاة، وأتموا فإن قوم سفر، تصلي بهم ركعتين ولا مزيلة؟! أقول: مثل هذا تكرر الجماعات ويحافظ على أصل الصلاة، أما إذا كان الإمام أو نائبه أو شخص له مزية بحيث يرى العدو الهيبة في اجتماع حول هذا الإمام نعم، أما شخص لا مزية له، إيش المانع من أن تصلى على هذه الطريقة بأكثر من إمام؟ نعم.
"وعن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى صلاة الخوف بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا "رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان.
ومثله عند ابن خزيمة عن ابن عباس"
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن حذيفة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في الخوف بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة ولم يقضوا" هذه الصورة إذا كان العدو في غير جهة القبلة، يقسم الجيش إلى قسمين، فيصلي بهؤلاء ركعة وينصرفون من غير قضاء، يعني نضير ما في قصة أو حديث ابن عمر إلا أنهم لا يقضون شيئاً، في حديث ابن عمر الذي تقدم ركعة بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا، لكنه في النهاية يكملون صلاتهم، ثم تأتي طائفة أخرى يصلي بهم الركعة الثانية ويكملون صلاتهم، ولكن هنا في هذه الصورة الصورة التي ذكرها حذيفة -رضي الله عنه-، وفعلها أيضاً حذيفة في طبرستان، هذه الصورة صلى بهم على ضوء حديث ابن عمر إلا أنه من سلم انصرف ما عليه قضاء "صلى في الخوف بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة، ولم يقضوا " رواه احمد وأبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان" والحديث صحيح، وإذا كان السفر مع الأمن يسقط شطر الصلاة فإذا اجتمع السفر والخوف نعم ألا يقتضي أن يكون الإسقاط أكثر والتخفيف أعظم؟ نعم؟ نعم وهذه الصلاة صلاها حذيفة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- بطبرستان.(47/30)
"ومثله عند ابن خزيمة عن ابن عباس -رضي الله عنه-" وهذه الصورة أخذ بها جمع من أهل العلم، بحيث إذا زاد الخوف عن هذا الحد الذي لا يتمكنون فيه من أداء ركعة يصلون ولو بالإماء، ولو بالإيماء، وفي سنن أبي داود عن ابن عباس، قال: "فرض الله تعالى الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" وبعض العلماء يزيد في التخفيف في صلاة الخوف فيصححها بالإيماء، يصحح مجرد الذكر ولو بتكبيرة تجزيء عن الصلاة، لكن لا شك أن الأدلة دلت على وجوب إقامة الصلاة، هذا الأصل وجوب إقامة الصلاة وهو المطلوب إذا اطمأننتم، يعني إذا أمنتم، أما في حال الخوف فيتجاوز عن بعض الواجبات، بل عن بعض أركان الصلاة لكن بحدود الوارد، لا نزيد على ما ورد، لا نزيد على ما ثبت على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والحديث الذي معنا صحيح لا شك، لكن الصور التي تقدمت في الصحيحين وغيرهما أثبت من هذه الصورة وإن كانت ثابتة، فإذا كانت الحاجة داعية لمثل هذه الصورة فلا بأس، نعم.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الخوف ركعة على أي وجه كان)) رواه البزار بإسناد ضعيف.
وعنه مرفوعاً: ((ليس في صلاة الخوف سهو)) أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف"
ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الخوف ركعة على أي وجه كان)) " صلاة الخوف ركعة، ويشهد له الحديث السابق حديث حذيفة "على أي وجه كان" يعني على جهة القبلة أو إلى غير جهة القبلة، وهو ثابت وهو ماشي وهو راكب، لكن هذا الحديث ضعيف كما قال الحافظ، بل منكر، منكر في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني وهو ضعيف جداًَ عند أهل العلم.(47/31)
وأخرج النسائي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى هذه الصلاة بذي قرد، بهذه الكيفية صلاها ركعة على أي وجه كان، نعم وذو قرد موضع قرب المدينة، قرد بفتحتين كما في القاموس، وهذا الحديث عرفنا أنه ضعيف جداً، بل منكر، ومثل ما ذكرنا صلاة الخوف جاءت على كيفيات ستة أو سبعة كما قال الإمام أحمد ولعله لم يثبت عنده إلا هذا العدد ستة أو سبعة، لم يثبت عنده إلا هذا العدد، ويقول ابن حجر في فتح الباري: قد روي في صلاة الخوف كيفيات كثيرة، ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر، التي صلى بالطائفة الأولى ركعة ثم ينصرفون، ثم يصلي بالطائفة الثانية ركعة ثم يتمون في مكانهم، ثم تأتي الطائفة الأولى فتتم، ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر لقوة الإسناد، وموافقة الأصول في أن المؤتم لا تتم صلاته قبل الإمام، لا تتم صلاته قبل الإمام.
يعني في حديث سهل بن أبي حثمة وحديث صالح بن خوات عن أبيه مثلاً الحديث الأول الطائفة الأولى تتم صلاتها قبل الإمام، يسلمون قبل الإمام، في حديث ابن عمر ما يسلمون قبل الإمام لا الطائفة الأولى ولا الثانية، ولذا اختارها ابن عبد البر نعم لقوة الإسناد وموافقة الأصول في أن المؤتم لا تتم صلاته قبل الإمام، لا تتم صلاته قبل الإمام، وعلى هذا لو نوى المأموم الإنفراد مثلاً عن الإمام ثم سلم قبله على كلام ابن عبد البر ما تصح، لا بد أن ينتظر، يعني افترضنا شخص يصلي المغرب خلف شخص يصلي العشاء لما قام الإمام إلى الرابعة في العشاء ونوى المأموم الإنفراد؛ لأنه لا يجوز له أن يتابعه لو تابعه بطلت صلاته، نوى المأموم الإنفراد ثم جلس للتشهد ينتظر حتى يسلم الإمام على كلام ابن عبد البر، وغيره يقول: لو نوى الإنفراد وما دام نوى الإنفراد فحكمه حكم المنفرد يسلم متى شاء؟(47/32)
يقول: وقال ابن حزم: صح منها أربعة عشر وجهاً، أربعة عشر وجهاً، وقال ابن العربي: فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة، وقال النووي نحوه في شرح مسلم ولم يبينها، قال الحافظ: وقد بينها شيخنا الحافظ أبو الفضل يعني العراقي في شرح الترمذي وزاد وجهاً فصارت سبع عشرة وجهاً، ولكن يمكن أن تتداخل هذه الأوجه، وشرح الحافظ العراقي على جامع الترمذي هو تكملة لشرح ابن سيد الناس، وهو من أعظم شروح الترمذي، يعني لو طبع هو محقق الآن لو تم طبعه وتداوله بين الناس يمكن يغني جميع .. ، يغني طلاب العلم عن جميع شروح الترمذي؛ هذا شرح الحافظ العراقي تكملة لشرح ابن سيد الناس.
وقال في الهدي النبوي يعني ابن القيم في زاد المعاد، قال في الهدي النبوي: صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذلكم العزو إلى زاد المعاد بلسان أهل العلم ما يقولون: زاد المعاد، ولا الزاد أبداً، قال ابن القيم في: (الهدي) هذه الجادة عندهم، تجد بعض الشباب وبعض الإخوان يقول: قال في الزاد إيش الزاد؟ هذا ما هو معروف عند أهل العلم بهذا أبداً، إذا قلت: في الزاد راحوا زاد المستنقع، يقول: قال في الهدي النبوي: صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر مرات، وقال ابن العربي: صلاها أربعاً وعشرين مرة، بعض أهل العلم إذا اختلف الرواة في سياق خبر جعل الخبر متعدد، والقصة متعددة، ولو كان مرد هذا الاختلاف إلى اختلاف الرواة أنفسهم في الخبر الواحد، فتجد الأربعة والعشرين مرة يمكن تختصر في الربع التي ذكرها، في ستة أو سبعة على ما قال الإمام أحمد، إنما بعضهم يجعل صور جديدة لمجرد اختلاف الرواة.
وقال الخطابي: صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- في أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ في الحراسة، لا بد من تحري هذا، فيختار من الصور الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لصلاة الخوف بما يتحقق به الأمران: الأحوط للصلاة والأبلغ في الحراسة.(47/33)
يقول: فهي على اختلاف صورتها متفقة المعنى، هذا الحديث الذي يليه "وعنه" عنه الضمير يعود على من؟ مقتضاه أن يكون من حديث ابن عمر، صحابي الحديث السابق، وهذه جرت عادة المختصرات أنهم يصرحون باسم الراوي في الموضع الأول، ثم يكنون عنه في الموضع الثاني والثالث وهكذا، فيقولون: "وعنه" لكنه في مجمع الزوائد معزو لابن مسعود، أحد عنده الدارقطني؟ معه الدارقطني هنا؟
ما أشار إلى هذا يا شيخ؟
نعم؟
سمير الزهيري ما أشار عن غير ابن عمر ذكر أنه رواه الدارقطني وضعفه.
طيب هو على كل حال عزو الحافظ للدارقطني وهو من حديث ابن عمر يقول هنا: وقال عقبه اللي هو في سنن الدارقطني من راوية ابن عمر -رضي الله عنهما- قال عقبه: تفرد به عبد الحميد بن السري وهو ضعيف، فهو في الطبراني من حديث ابن مسعود وهو ضعيف أيضاً، وعند الدارقطني من حديث ابن عمر "مرفوعاً: ((ليس في صلاة الخوف .. )) " مرفوعاً يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- " ((ليس في صلاة الخوف سهو)) أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف" طيب ليس فيها سهو يعني لا يمكن أن يخطأ الذي يصلي صلاة الخوف فيسهو يزيد أو ينقص أو يغفل أو يشك؟ أو أنه ليس فيها حكم السهو الذي يترتب عليه السجود ولو وقع السهو من المصلي؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ لأن الخوف مظنة للسهو والغفلة والانصراف عن الصلاة، فقوله: ((ليس في صلاة الخوف سهو)) يعني ليس فيها ما يترتب عليه من سجود، هذا لو صح الخبر، لكنه ضعيف، لكن الخبر ضعيف.
الشارح ذكر بعض الشروط اشترطها بعض أهل العلم منها:
السفر، أشترط بعضهم السفر؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [(101) سورة النساء] فلا تفعل في الحضر، ولذا لم يفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق؛ لأنها في الحضر، وإن كانت على قول الجمهور أهل المغازي والسير بعد غزوة ذات الرقاع، والجمهور على أنه لا يشترط السفر، إنما إذا وجد الخوف صحت، ووجد الداعي لها وكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يصل صلاة الخوف في الخندق لأنها لم تكن شرعت على ما سبق تقريره عن الإمام البخاري وابن القيم -رحمهما الله تعالى-.(47/34)
اشترط بعضهم أن يكون فعل صلاة الخوف في أخر الوقت، في أخر الوقت، لماذا؟ لأنه مادام في الوقت سعة واحتمال أن ينجلي الخوف فتصلى الصلاة كاملة، نعم يعني نظير ما قالوا في التيمم، قالوا: لا يصلي بالتيمم حتى يضيق عليه الوقت ويجزم أنه لن يجد الماء في الوقت، ومثل هذا لا يصلي صلاة الخوف حتى يضيق الوقت، في أخر الوقت بحيث يجزم ويغلب على ظنه أنه لن يصلي الصلاة صلاة حضر، صلاة أمن، إذا جزم بهذا صلاها صلاة خوف، لكن هذا ليس له دليل.
اشترط بعضهم حمل السلاح حال الصلاة، وهذا اشترطه داود، فلا تصح صلاة الخوف إلا لمن حمل السلاح نعم حمل السلاح واجب، حمل السلاح واجب، لكن لا أثر له في الصلاة؛ لأن مخالفة هذا الواجب وارتكاب المحظور بوضع السلاح من غير سبب، نعم من غير حاجة أمر خارج عن الصلاة، فلا أثر له فيها.(47/35)
منها: ألا يكون القتال محرماً، لا يكون القتل محرماً؛ وذلكم لأن التجاوز عما يتجاوز عنه من صورة الصلاة في صلاة الخوف إنما هو للحاجة فهو على خلاف الأصل، ويكون حينئذٍ في عرف أهل العلم رخصة وإلا عزيمة؟ رخصة والعاصي لا يترخص، العاصي لا يترخص؛ لأنه لا يعان على معصيته، شخص أو مجموعة من الأشخاص يطلبون غيرهم في البراري والقفار لقتلهم والاعتداء عليهم وسلب أموالهم ونتيح لهم فرصة لصلاة الخوف؟ ولذا اشترط بعضهم ألا يكون القتل محرماً، نعم هذا شرط لا بد منه، نظير ما قالوا في كون العاصي بسفره لا يترخص، لا يجمع ولا يقصر ولا يفطر؛ لأنه بإباحة هذه الرخص نعينه على معصيته، ومنها: أن يكون المصلي مطلوب للعدو لا طالباً له؛ لأن الطالب آمن ما هو بخائف، المطلوب هو الخائف الطالب لغيره آمن وإلا خائف؟ آمن لأنه متى ما أراد رجع ما صار شيء، لكن المطلوب هو الخائف، ولذا اشترط بعضهم أن يكون المصلي مطلوب للعدو لا طالباً له؛ لأنه إذا كان طالباً أمكنه أن يأتي بالصلاة تامة أو يكون خاشياً لكر العدو عليه، يقول الشارح: وهذه الشرائط مستوفاة في الفروع، مأخوذة من أحوال شرعيتها، وليست بظاهرة في الشرطية، لا شك أن بعضها ظاهر وبعضها ليس بظاهر؛ لأن صلاة الخوف جاءت على خلاف الأصل فهي رخصة، ولا يعان من لا يشرع له القتال في مثل هذه الصور على ما هو بصدده، ثم قال الشارح: واعلم أن شرعية هذه الصلاة من أعظم الأدلة على عظم شأن الجماعة، من أعظم الأدلة على عظم شأن الجماعة، وهذا قررناه في أول الكلام على صلاة الخوف؛ لأن هذه الصلاة التي أوجبها الله -جل وعلا- على هيئات وكيفيات محددة، فيها أركان وفيها شرائط، وفيها واجبات، يتنازل عن بعض هذه الأركان من أجل الحفاظ على الجماعة يتم التنازل عن هذه الأركان للمحافظة على صلاة الجماعة، ففي حال الأمن من باب أولى، في حال الأمن من باب أولى.
هذا يقول: هل يجوز الجمع بين صلاة الجمعة وصلاة العصر؟(47/36)
العلماء أفتوا بأنه لا يجوز، لا يجوز الجمع بين الجمعة وصلاة العصر لعدم الدليل؛ لأنه لا يوجد ما يدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- جمع أو أقر من جمع بين العصر مع الجمعة علماً بأن الجمعة فرض مستقل كالصبح، لا تجمع ولا يجمع إليها.
يقول: هل كتاب الترمذي جامع أم سنن؟ وإذا كان جامع فلماذا يعد من أصحاب السنن؟
يعد من أصحاب السنن على جهة التغليب، وإلا فهو جامع نظير البخاري ومسلم؛ لأنه يجمع غالب أبواب الدين، أما كونه يجمع مع السنن فيقال: السنن الأربعة، أخرج البخاري وأصحاب السنن، أحمد وأصحاب .. ، المقصود أنه من باب التغليب، من باب التغليب.
يقول: ما أفضل الكتب المؤلفة في الحكم على الأحاديث من حيث الصحة والضعف؟
كتب التخريج كثيرة جداً، التفاسير لها كتب تخريج، كتب الحديث هي الأصل في هذا الباب، وخدمت وخرجت، وحكم عليها من قبل الأئمة وأهل العلم، كتب الفقهاء أيضاً لها تخريج، خرجت أحاديث الفقهاء وحكم عليها، نصب الراية، والتلخيص الحبير، والبدر المنير، وإرواء الغليل وغيرها كتب كثيرة جداً، كتب العقائد أيضاً خرجت، فالكتب كثيرة.
يقول: في قتال الفتن هل يرخص للفئتين من المسلمين أن يصلوا صلاة الخوف؟
أولاً: من جهة من عرف أنه ليس على الحق لا يجوز له أن يقاتل، بل يجب عليه أن يكف، فإذا اشتبه عليه الأمر، وصارت بالفعل فتنة، وغلب على ظنه أن الحق معه، وأنه ينصر الحق فلا بأس يصلي صلاة الخوف.
يقول: قراءة القرآن مرتلاً في الخطبة أو المواعظ هل هو سنة أم هذا خاص بالقراءة؟
الترتيل مأمور به مطلقاً، في الصلاة وخارج الصلاة، عند إرادة القرآن وعند قرأته في الخطب والدروس وغيرها، هو مأمور بترتيله لا سيما إذا كان تأثيره في السامع أبلغ.
الإشارة بالأمر بالسكوت أثناء الخطبة؟
أباحه بعض أهل العلم على ألا يقول لصحابه: أنصت، أم المناولة لشيء كالمصحف أثناء الخطبة هذا مثل مس الحصى.
يقول: بعض الناس يتساهل في قضية الفتوى دون علم ثم إذا سأل قال: الله أعلم؟
هذا ما تساهل، الذي يقول: الله أعلم ما تساهل، الذي يقول: الله أعلم هذا احتياط منه، فالإشكال فيمن يتساهل ويجيب عن كل ما سئل، هذا الذي على خطر هذا إذا لم يكن من أهل العلم.(47/37)
يقول: ما هي الطريقة المثلى التي تجعلني طالب علم قوي؟
الطريقة المثلى أن تسلك الجادة وتصبر، تسلك الطريق الذي اختطه أهل العلم، والكتب التي يبدأ بها الأصغر، طبقات المبتدئين ثم المتوسط للمتوسطين، ثم كتب المنتهين، وتحرص وتراجع وتحفظ وتقيد وتحضر الدروس وتسمع الأشرطة، وتفرغ، تجتهد تحرص على هذا، فإذا حرصت بنية صادقة خالصة يسر الله لك السبيل.
هذا يقول: هل حفظ الأصول .. ؟ يقول: ما الوسيلة لحفظ حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ هل تكون بحفظ الأصول الكتب الستة أم للمختصرات؟
لا، المختصرات، يبدأ بالمختصرات، يبدأ بالأربعين والعمدة والبلوغ والمحرر وغيرها من المختصرات، ثم بعد ذلك يرتقي بعدها إلى كتب الأصول.
يقول: ما هو أفضل كتاب للذي يريد البداءة بفن الحديث من أوله؟
ذكرنا أن الأربعين هي التي يبدأ بها ثم العمدة.
هل يجوز جمع العصر مع صلاة الجمعة؟
هذا ذكرناه.
هل يجب على المسافر التمام خلف إمام البدل؟
إذا ائتم بمقيم لزمه الإتمام، إذا ائتم بمقيم لزمه الإتمام.
هذا يقول: يوجد إفطار للصائمين مع الوجبة الخفيفة نهاية الدرس -إن شاء الله-.
يقول: جلسة التورك لمن فاته شيء من الصلاة يتورك عند جلوس الإمام للتشهد الأخير؟
لا يتورك عند جلوسه هو بعد الفراغ من أخر ركعة له سواء كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية.
أم يتورك عند إتمامه للصلاة وجلوس المأموم المتأخر للتشهد الأخير أم في كلا الحالتين؟
لا يتورك في أخر تشهدٍ في صلاته.
يقول: سمعت من يقول: بأن العادة السرية فيها خلاف، وأن بعضهم أجازها لما ورد عن أحد الصحابة وكذلك الأخذ من اللحية هل فيها خلاف قوي جزيتم خيراً؟(47/38)
على كل حال مسألة العادة تساهل بعض العلماء فيطلق الكراهة، والقول المعتمد عند أهل العلم أنها محرمة؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(29 - 30) سورة المعارج] ما استثنى إلا هذا، وأرشد العاجز إلى الصيام، لكن إذا كان بين خيارين إما الفاحشة وإما هذه العادة فارتكاب أخف الضررين مقرر في الشرع، على أنها محرمة ويأثم بها، لكن هي أسهل من الفاحشة، نسال الله السلامة والعافية، فإذا اضطر إليها وفعلها وندم على ذلك واستغفر يرجى، الأخذ من اللحية ثبت عن ابن عمر في النسك أنه يحلق رأسه ويأخذ من لحيته ما زاد عن القبضة، متأول قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [(27) سورة الفتح] يعني معاً، فإذا حلق رأسه يقصر إيش؟ ما عنده إلا الحية، ووليست هذا عنده للتقسيم إنما هي للجمع هذا رأيه، وهذا اجتهاده، لكن الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أكرموا)) ((وفروا)) ((أعفوا)) ((أرخوا)) ولحيته -عليه الصلاة والسلام- كثة، تعرف قرأته -عليه الصلاة والسلام- من خلفه باضطراب لحيته.
يقول: كيف يوجه قول من قال: إن الجمعة بدل عن الظهر والبدل يقوم مقام المبدل وبالتالي يصح جمع الجمعة مع العصر لأن الجمعة بدل من الظهر والظهر. . . . . . . . .؟
العبادات توقيفية، العبادات توقيفية، ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع الظهر والعصر، وثبت أنه جمع المغرب مع العشاء، لكن لم يثبت أنه جمع الجمعة مع العصر، والعبادات توقيفية.
يقول: حديث القراءة بـ (ق) في الخطبة ألا يعارض ظاهر حديث الأمر بقصر الخطبة وطول الصلاة؛ لأن قراءة (ق) في الصلاة يلزم منها طول الخطبة؟
لا ذكرنا أن الطول والقصر نسبي، الطول والقصر نسبي، وإذا كان هناك ظرف أو حاجة داعية لتطويل النسبي الذي لا يدخل في حيز الإملال، وجعل المستمعين ينصرفون عن الخطبة، ويتضايقون منها، هذا لو دعت الحاجة إلى ذلك لا بأس، لو دعت الحاجة إلى ذلك، ومن الحاجة قراءة (ق).
يقول: هل الرخصة أفضل أم العزيمة في حق المأمومين لصلاة الجمعة إذا وافق يوم عيد؟(47/39)
لا العزيمة أفضل، يعني كونه يتحامل على نفسه ويصلي صلاة العيد وصلاة الجمعة، لا شك أنه أفضل، وهذا فعله -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: ما هو القول الراجح في الأخذ بالحديث الضعيف؟
النووي -رحمه الله تعالى- نقل الإجماع على أنه يعمل بالضعيف في فضائل الأعمال، أولاً: العقائد والأحكام لا مدخل ولا مجال للضعيف فيها، مسألة الفضائل والمغازي والسير والتفسير وبعض الأبواب التي تساهل فيها أهل العلم النووي نقل الاتفاق على أنه يؤخذ بالضعيف، ويعمل به في الفضائل نقل الاتفاق، مع أن الخلاف موجود، الخلاف موجود، والفضائل أحكام؛ لأن هذه الفضائل إن رتب عليها أجر تكون داخلة في حيز السنة، والسنة حكم من الأحكام، فالذي يرجحه أهل التحقيق أن الضعيف لا يعمل به مطلقاً.
الجمهور الذين يعملون به يشترطون له شروط أوصلها بعضهم إلى عشرة شروط، وكثير منها لا يمكن تطبيقه.
رجل سها في صلاته فسجد سجدة واحدة فما حكم تلك الركعة؟
أولاً: ما حكم هذا السجود لهذا السهو؟ هل سجد لما يبطل عمده؟ وهل طال الفصل أو لم يطل؟ إذا طال الفصل يأتي بالثانية، إذا طال الفصل والسجود واجب على أنه من أهل العلم من يقول: إنه من نسي السجود وطال الفصل يسقط عنه، من نسي السجود وطال الفصل يسقط عنه، ومنهم من يقول: إذا كان السجود لما يبطل عمده فهو واجب فهو كغيره من واجبات الصلاة، إذا طال وقته يعيد الصلاة من أجله، لكن القول الثاني الذي فيه أن السهو مبني على الترخيص والتسهيل، وهو إنما شرع لجبر الخلل الذي في الصلاة فكيف تعاد الصلاة من أجله؟
يقول: هل أمر الخطباء في نهاية الخطبة الأولى بالاستغفار له أصل من سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
جاء في الحديث: ((استغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات)) وهذا خبر كما تقدم ضعيف، لكن الخطبة مظنة للدعاء والاستغفار منه: "يشهدن الخير ودعوة المسلمين".
يقول: ما حكم التهنئة بالمعانقة أيام العيد؟ هل هي من البدع أم تعتبر من الأمور الخاضعة للعادات والتقاليد؟(47/40)
أولاً: التهنئة تهنئة القادم، تهنئة من حصل له أمر يسره في دينه ودنياه، يعني كما حصل للثلاثة الذين خلفوا أمر مشروع، أما التهنئة والمعانقة في العيد فلا يثبت لها دليل، وكذلك تبادل العبارات والجمل المعتادة بين الناس، والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- كان يتساهل في هذا، فلا ينكر، لكنه لا يبدأ أحداً، لا يبدأ أحداً، أما إذا هنئاه أحد رد عليه من باب: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [(86) سورة النساء] والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(47/41)
بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة (34)
شرح: باب: صلاة العيدين.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا أورد الحدث ذكر الحديث الذي مر بنا بالأمس في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أيعجز أحدكم؟ )) قال: عن عبد الوارث ((أن يتقدم أو يتأخر، أو عن يمينه أو عن شماله)) زاد في حديث حماد: ((في الصلاة)) يعني في السبحة، يقول: قال عنه الألباني -رحمه الله تعالى-: صحيح؟
هو لا شك أن الإسناد المذكور: حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد وعبد الوارث عن ليث عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سند جيد.
يقول: إذا ثبت الحديث أعلاه فهل يكون نص في مسألة تغيير المكان للنافلة؟
لا شك أنه نص لا سيما مع القدرة على التقدم والتأخر؛ لأنه ربطه بالعجز ((أيعجز؟ )) فدل على أنه مع العجز نقول: نعم يعجز في مواطن الزحام الشديدة يعجز أن يتقدم أو يتأخر، فإذا لم يعجز عن التقدم أو التأخر استحب له ذلك.
يقول: ما هي الطريقة المثلى لحفظ الحديث النبوي؟(48/1)
الحديث النبوي أولاً: مسألة الحفظ لا غنى عنها بالنسبة لطالب العلم، فلا علم إلا بحفظ، لا علم إلا بحفظ، والطلاب عموماً منهم من يتميز بحافظة تسعفه بحيث إذا أرد حفظ شيء سهل عليه ذلك، ومنهم من لا يستطيع، ومنهم من بين ذلك، فالذي تسعفه الحافظة يحفظ على الطريقة المعروفة الجادة الأربعين ثم العمدة ثم البلوغ أو المحرر، ثم يبدأ بالكتب الكبيرة المسندة، بدءً بالبخاري ثم مسلم ثم أبي داود ثم الترمذي ثم النسائي ثم ابن ماجه، ثم بعد ذلك إلى ما فوقها، وإن حفظ على الطريقة المشتهرة الآن من طلاب العلم يحفظ من البخاري أولاً غير المكرر بدون أسانيد، هذا يريحه من كثير من الأمور التي المقصد منها الوصول إلى المتن ثم يحفظ زوائد مسلم، ثم زوائد أبي داود على الطريقة التي يتبعها الإخوان جزآهم الله خيراً، الذين سنوا هذه السنة الحسنة، ويرجى لهم أجرها وأجر من عمل بها، بعد أن مضت عقود بل قرون على اليأس من حفظ السنة، شباب يحفظون زوائد المسند، زوائد الموطأ زوائد .. ، يعني هذا كله بعد أن ضمنوا الكتب الستة، وسمعت من يحفظ زوائد البيهقي الآن والحاكم، المقصود أن هذه سنة حسنة فتحت آمال وأفاق أمام طلاب العلم الذين كانوا يظنون أنهم كانوا على يأس تام من حفظ السنة، فمن كانت الحافظة تسعفه فليسلك هذه الطريقة، وهي طريقة جيدة، وإن كان الحفظ السريع هذا يفقد بسرعة كما هو معروف، لكن بالمتابعة متابعة المراجعة والمذاكرة لا شك أنه يثبت العلم.(48/2)
يبقى مسألة التفقه من هذه المتون التي حفظت، وهو في سن الطلب في سن الصغر لا مانع من أن يكثر الطالب من الحفظ، ثم بعد ذلك يلتفت إلى الفهم والاستنباط، مستعيناً بشروح الأئمة المعتبرين عند أهل العلم، وطالب العلم الذي يقتصر على حفظ المتون فإما ألا يستنبط أو يخطئ في الاستنباط، لا بد أن يكون له سلف في فهم النصوص، لا بد أن يكون له سلف في فهم النصوص، يكون من طريق أهل العلم وفهمهم، وخير ما يعتمد عليه في هذا الباب فهم السلف للنصوص، سواء كانت من القرآن أو من السنة، وشروح الأئمة المعتبرين الذين تلقت الأمة شروحهم بالقبول، وراجعوها، وأفادوا منها لا شك أنها تفيد، والطالب الذي يدمن النظر في الشروح بعد حفظ المتون، لا شك أنه يتولد لديه ملكة لفهم السنة، ملكة لفهم السنة والاستنباط منها، ولا شك أن العمر لا يستوعب كل شيء، فإذا أراد أن يعنى بالحفظ ويحفظ كل شيء ضاع عليه مسألة الفهم والاستنباط، أو العكس بعض الناس يقول: الغاية من النصوص الاستنباط، فيعنى بالاستنباط ثم يضيع عليه العمر ما حفظ شيء، كما هو حال كثير من الجيل الذي تقدمكم، الجيل الذي سبقكم ما هو بجيل حفظ، كانوا على يأس من الحفظ، حتى أنه بين الطلاب طلاب العلم الذين هم قبل الأربع مائة، يعني في العقد الأخير من القرن الماضي لو قيل: إنه يندر فيهم حفظ القرآن ما هو ببعيد، فضلاً عن حفظ السنة وغيرها، المقصود أنكم عشتم في ظرف -ولله الحمد- فتحت لكم فيه الأفاق والآمال، ويُسرت الأسباب، فاغتنموا قبل فوات الأوان، قبل أن تشغلوا بأنفسكم وبغيركم أو بالمعيشة، النعم التي نعيشها من يضمن استمرارها، الأيام دول، كان الناس في السابق قبل نصف قرن لا نروح بعيد قبل نصف قرن الناس كثير منهم لا يستطيع أن يطلب العلم لأمور المعيشة، يحول دونهم ودون طلب العلم السعي وراء المعيشة، وراء الأكل والشرب، فأنتم -ولله الحمد- تهيأت لكم الأسباب، ويسرت لكم الأمور، وتوافرت لكم أسباب المعيشة، ما عليكم إلا أن تغتنموا هذا العمر بالحفظ والفهم يجعل وقت للحفظ، ويكون في هذا السن يكون له نصيب كبير، بحيث إذا ضعفت الحافظة وكثرت المشاغل يكون الإنسان عنده رصيد يأوي إليه ويرجع إليه، فالمؤمل من(48/3)
الإخوان كلهم العناية بهذا الجانب، حفظ القرآن وحفظ السنة، وفهم ما يعين على فهم الكتاب والسنة، مراجعة الشروح، نعم مراجعة الشروح، وإن كانت طويلة، طويلة صحيح الشروح تحتاج إلى .. ، بعض الشروح تحتاج إلى سنتين متواصلتين، فنعنى بهذا ونهتم به على طريقة أهل العلم المعروفة، بعض الناس لا يقرأ الشروح إلا عند الحاجة، إذا أشكل عليه معنى حديث راجعه، لكنه إذا قرأ شرحاً تاماً صار عنده تصور كامل للكتاب، وصارت لديه أهلية، وحفظ مسائل، وأدرك بعض المسائل التي يستدل بها على البعض الآخر، المقصود أن هذا مهم جداً بالنسبة لطالب العلم.
يقول: ما رأيك في المقولة التي تقال عن الأئمة والفقهاء الذين يخرجون العمل عن مسمى الإيمان بمرجئة الفقهاء؟ هل صحيح هذه التسمية؟
مرجئة الفقهاء الذين يخرجون العمل عن مسمى الإيمان فليس بشرط لصحة الإيمان، يوجد الإيمان دون عمل، لكنهم يُأثمون تارك الأعمال، تارك الواجبات ومرتكب المحرمات آثم عندهم، بينما المرجئة مرجئة الجهمية وغيرهم إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل، ولا أثر للأعمال، لا يضر مع الإيمان عمل كما أنه لا ينفع -عند بعضهم من الخوارج وغيرهم- كما أنه لا ينفع .. ، أولاً: لا يضر مع الإيمان عمل، ويقابلهم الخوارج الذين يكفرون بالذنوب بحيث يخرج عن دائرة الإسلام إذا ارتكب أدنى كبيرة، والله المستعان، فالفرق بين مرجئة الفقهاء والمرجئة الغلاة من الجهمية وغيرهم أن مرجئة الفقهاء يُأثمون بترك الواجبات، وفعل المحرمات بخلاف المرجئة الغلاة فلا أثر للمعصية، ولا أثر لترك العمل مع الإيمان، هم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة.
يقول: الذين يقولون بتحريم التصوير الفيديو فكيف بمن يظهر في التلفاز لأجل الخير كالفتوى مثلاً؟
أولاً: المسألة كما تعلمون خلافية، ومن يظهر للفتوى ترجح عنده الجواز أو ترجح عنده المصلحة، وتكون المفسدة مغمورة بالنسبة له، هذا المسألة يعني محل نظر، المسألة مصالح ومفاسد، فإن ترجحت المصلحة عند من يقول بذلك له ذلك.(48/4)
يقول: ما رأيكم في قول من يقول بحذف أنصبة زكاة السائمة من بهيمة الأنعام، وذلك لأن أغلب الطلاب لا يعرفونها خاصة هذا الزمن الذي قلت فيه مهنة الرعي، فليس معروف بنت مخاض وبنت لبون .. ؟
هذا ليس له وجه أبداً، بل لا بد من الفقه في الدين كله، وهذا من الدين، بل ركن من أركان الدين، التفقه في الدين في جميع أبوابه لا بد منه، حتى الفقه في المعنى الأخص يتناول هذا، أما كون الإنسان .. ، شخص يسأل: يقول أنا ما عندي مال البتة ليش أدرس كتاب الزكاة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جاي يدرس الفقه يقول: بترك كتاب الزكاة لأنه ما عندي مال أصلاً، ويش أسوي؟ إذاً لا يلزمه أن يدرس كتاب الحيض، والمرأة لا يلزمها أن تدرس صلاة الجماعة، ولا يلزمها ما يلزم الرجال، هذا خلل في التصور، بل عليه أن يدرس الدين بجميع أبوابه، إذاً ماذا يقول مثل هذا عن كتاب العتق الذي لا يوجد فيه رق الآن؟
ألا يمكن أن يكون ما منع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في الخندق من الصلاة هو شدة الخوف وكونه بلغ بهم مبلغاً يختلف عن غيرهم من الخوف الذي تشرع لأجله صلاة الخوف؟
لا شك أنهم بلغ عندهم المبلغ الذي أشار إليه السائل، وشغلوا النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلوات، شغلوه عن الصلوات، لكن إذا عرفنا أن صلاة الخوف ممكنة مع هذا الخوف، مع هذه الشدة على بعض الصور التي جاءت بها النصوص، ولا شك أن كل جهاد وكل حرب تحتاج إلى .. ، فيها مشغلة، وفيها خوف، وفيها .. ، ولذا شرعت صلاة الخوف مخففة.
هذا يسأل عن شرح الورقات هل سجل على أشرطة؟ وهل سيطبع في كتاب؟
نعم هو سجل على أشرطة وتدولت وموجودة في الأسواق، والنية -إن شاء الله- طبعه في كتاب إذا تمت مراجعته.
يقول -هذا مؤذن مسجد-: هل يجوز لي أن أصلي السنة الراتبة التي قبل الصلاة في البيت قبل الأذان أم أنه لا يجوز لي أن أصليها إلا بعد الأذان؟
مسألة يجوز أو لا يجوز هي سنة، لكنها مؤكدة، ووقتها القبلية بين الأذان والإقامة والبعدية بعد الصلاة ما لم يخرج وقتها.
ما حكم الخروج من المسجد بعد الأذان؟(48/5)
الخروج من المسجد حرام لا يجوز معصية إلا لحاجة، إلا لحاجة، وجاء عن بعض التابعين أنه لا يخرج من المسجد بعد الأذان إلا منافق، عن كبار التابعين.
هذا عرض مراراً ما أفضل طبعة لمقدمة ابن خلدون وكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد؟
أفضل طبعة للمقدمة هي طبعة بولاق الأولى الحجم الطويل جداً، هذه أفضل الطبعات، هي طبعت في بولاق ثلاث مرات مقدمة ابن خلدون مستقلة، وطبعت بعد ذلك مراراً، لكن طبعة بولاق أفضل.
كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد طبعاته القديمة من أفضلها طبعة السعادة، وأما الطبعات الجديدة فطبعة صبحي حلاق لا بأس بها.
يقول: ما رأيكم في ترجيح وضع اليدين على الصدر في القيام الثاني؟ وما ردكم على حديث: "يرجع كل عظم إلى محله"؟
رفع القبض ووضع اليدين على الصدر بعد القيام الثاني يعني من الركوع هذا ينتابه أمران، وفيه قولان، كل منهما يستدل إلى الحديث: "حتى يعود كل فقال إلى مكانه" هو يقول: "حتى يرجع كل عظم إلى محله" حتى يعود كل فقار إلى مكانه، ومكانه هذا قبل الدخول في الصلاة أو قبل الركوع؟ الأقرب أنه قبل الركوع، ومكانه قبل الركوع على الصدر، مكان وضع اليدين قبل الركوع لأنه الأقرب على الصدر.
يقول: ما رأيكم في أن النار في الأرض أو في السماء وحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع صوت قعقعة في السماء ففسر هذا أنه حجر ألقي في النار؟
الله المستعان، نسأل الله العافية.
ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مفتاح دار السعادة أطال في موضع النار، وبسط المسألة فليرجع إليه.
يقول هذا: ما رأيكم فيمن يستدل على جواز مس المرأة بحديث الجارية التي كانت تأخذ بيد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه لا يمكن أن تخدم امرأة صغيرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يصح أن نقول: إنها صغيرة؟ وما معنى غض البصر إذ أن بعضهم يقول: إن الغض في اللغة ليس إمساك البصر فقط، وهو بمعنى صرف القلب عن الفتنة، وما معنى القواعد من النساء؟
أما كون الجارية تمسك بيده -عليه الصلاة والسلام- تأخذ بيده، هذا ليس على حقيقته، وإنما هو في بيان تواضعه -عليه الصلاة والسلام-، وأنه ينقاد لكل أحد يريد منه حاجة، فليس على بابه.
وما معنى غض البصر؟(48/6)
غض البصر صرفه عن المرأة بالنسبة للرجال، وعن الرجل بالنسبة للنساء، صرفه.
يقول: إذ أن بعضهم يقول: إن الغض في اللغة ليس إمساك البصر فقط.
البصر لا شك أنه وسيلة إلى القلب ودهليز إلى القلب، فالذي يقع في البصر ينصرف مباشرة إلى القلب، فإذا تابع النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه أثر في قلبه بلا شك، لكن إذا نظر ثم صرف له الأولى وليست له الثانية، لا شك أنه يوفق ويسدد ويعوض بحلاوة يجدها في قلبه، لا توجد عند غيره ممن أرسل بصره، وليس المراد بغض البصر تغميض العينين، ولذا قال: {مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] إنما يصرف بصره عن الرؤية، ويتشاغل عنها، كما أن المرأة مطالبة بذلك.
وما معنى القواعد من النساء؟
القواعد من النساء الكبيرات في السن اللواتي لا يرجون نكاحاً، مثل هؤلاء يتسامح في أمرهن.
يقول: منذ فترة وأنا أسأل هذا السؤال فأرجو توضيحه لي، عندما أدخل الصلاة والإمام في الركعة الثانية مثلاً في صلاة العشاء فات التشهد الأول الذي أصبح أول ركعة لي والثانية للإمام هل أذكر التشهد أم لا؟
اصنع كما يصنع الإمام، إنما جعل الإمام ليؤتم به، تشهد معه، لا سيما وأنت مقتدياً به، وسوف يأتيك التشهد الأول بالنسبة لك بين ركعة الإمام الثالثة والرابعة، ولن تتمكن منه، فيثبت عند أهل العلم تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
لو صليت الظهر مثلاً أو العشاء صليت ركعة ثم جلست للتشهد، ثم قمت إلى الثالثة والرابعة، ثم جلست للتشهد، نعم هذا صلاتك بمفردك باطلة على هذه الطريقة، لكن لكونك تبعاً للإمام وأنت مأمور بالإقتداء به يثبت حال الإقتداء ما لا يثبت في حال الاستقلال، فأنت تتشهد مع الإمام لا سيما وأنت لن يتسنى لك أن تتشهد التشهد الأول في موضعه، تشهدك الأول سوف يكون بين ركعتي الإمام الثالثة والرابعة، فأنت تشهد وإذا قام الإمام إلى الثالثة تقوم معه، ثم إذا قام إلى الرابعة إن كنت ممن يرى الجلسة بين الثالثة والرابعة تجلس جلسة خفيفة وليست موضع للتشهد، ثم بعد ذلك تقوم.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
قال شيخ الإسلام ابن حجر -رحمه الله-:(48/7)
"باب: صلاة العيدين:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس)) رواه الترمذي"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة العيدين" باب: صلاة العيدين، والمراد بالعيدين كما لا يخفى الفطر والأضحى "عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) " هذا الحديث مخرج عند الترمذي وابن ماجه، الترمذي عن عائشة، وابن ماجه من حديث أبي هريرة، وهو بمجموع الطريقين يثبت، أما حديث الترمذي .. ، في حديث عائشة قال بعد سياقه: هذا حديث حسن غريب، وفي بعض النسخ: صحيح من هذا الوجه، صحيح؛ لأن نسخ الترمذي تتفاوت في الأحكام على الأحاديث، في الأحكام على الأحاديث، فتجدون في بعض النسخ: هذا حديث حسن، وفي بعضها: هذا حديث حسن صحيح، وفي بعضها: هذا حديث حسن غريب، وفي بعضها: هذا غريب صحيح .. إلى غير ذلك من الأحكام، ولذا يعنى أهل العلم بضبط نسخ الترمذي أكثر من غيره؛ لكثرة الاختلاف في أحكامه بين النساخ والرواة عن الترمذي، وخلافات قديمة ما يقال: جديدة من المطابع أو من النساخ المتأخرين، لا، من ينقل أحكام الترمذي من القدم، ينقلون شيء من التفاوت، فعلى طالب العلم أن يعنى بنسخة صحيحة موثقة من جامع الترمذي يعتمد عليها، هذا الحديث بما يشهد له من حديث أبي هريرة يصل إلى درجة القبول، بل صححه بعضهم ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) وهذا يبحث في الغالب في الصيام، وما يثبت به دخول رمضان، هذه المسألة تبحث هناك، وفي ضمنها يبحث مسألة اختلاف المطالع.(48/8)
((الفطر يوم يفطر الناس)) مقتضى هذا أنه إذا أفطر الناس برؤية عدل أو برؤية .. ، الفطر يكون باثنين، إذا شهد شاهدان بأنهم رأوا هلال شوال، أو أتموا رمضان ثلاثين أنه يلزم الفطر، وأن ما بعد ذلك هو يوم العيد الذي لا يجوز صيامه، ولو لم يراه الإنسان، ولو شك في شهادة الشاهدين بعد أن أثبته ولي الأمر وأمر بذلك، عليه أن يفطر، ولا مجال للتشكيك في هذا الباب، سمعنا في بعض السنوات من يشكك، سواء كان في دخول الشهر أو في خروجه، ولا مجال للتشكيك؛ لأن عندنا وسائل شرعية، وسائل شرعية، وقواعد من الشرع نعمل بها، نثبت بها دخول الشهر وخروجه، كون الإنسان عنده شيء من التحري والتثبت والاحتياط هذا الأمر ليس إليه، هذا الأمر ليس إليه، يحتاط في عباداته الخاصة، أما في العبادات العامة التي شرعت له ولغيره لعموم الأمة فهو واحد من هذه الأمة، مقتضى هذا أنه لو رأى الهلال ردت شهادته، لو رأى بعينه المجردة الهلال ردت شهادة، سواء كان في الدخول أو في الخروج، يصوم ويفطر وإلا يفطر مع الناس؟ هو مع الناس، مقتضى الحديث أن يكون مع الناس، أن يكون مع الناس، فإذا رأى هلال رمضان ردت شهادته، بعض أهل العلم يقول: إن رآه بحيث يقطع بأنه الهلال، ولا يماري في ذلك، منهم من قال: يصوم سراً؛ لأنه شهد الشهر؛ لأنه شهد الشهر، وإذا رأي هلال شوال وردت شهادته منهم من يرى أنه يفطر سراً؛ لأنه إن صام صام يوم العيد، لكن مقتضى هذا الحديث أنه لا يصوم ولا يفطر برؤيته، وكذلك ما يرد في يوم الأضحى، ولهذا ينص أهل العلم على أنهم لو وقفوا في اليوم الثامن -عرفة- وقفوا في اليوم الثامن أو في اليوم العاشر غلط والأمة اتفقت على ذلك كلهم، يعني إيش معنى غلط؟ عملوا بالمقدمات الشرعية نعم فثبت قبل وقته بشهادة شاهدين، أو لم يثبت مع أنه يعني من خلال المقدمات الشرعية ثبت أو لم يثبت، فيكون حجهم صحيح، حجهم صحيح، لكن لا بد من اتباع الوسائل الشرعية، اتباع الوسائل الشرعية، والشهود التي يثبت بها دخول الشهر وخروجه هم الشهود الذين تثبت بهم الحقوق العدول، هم الشهود الذين تثبت بهم العدول، فكما يتصور أن الشاهدين يخطأن في الشهادة على زيد من الناس أو كذا يتصور أيضاً أن يخطئ لكن مع(48/9)
ذلك بانضمام الثقة إلى الأخر يضعف هذا الاحتمال، حتى يكون في عرف الشرع لا أثر له، لا أثر له، وإن كان احتمال قائم؛ لأنه ما من .. ، إذا فتحنا باب الاحتمالات ما انتهى الأمر، فإن الأمر لا ينتهي.
((الفطر يوم يفطر الناس)) طيب رأيت الهلال في بلدك رأيته بنفسك، ورآه الناس وصاموا، ثم انتقلت إلى بلد أخر، صاموا بعد بلدك بيوم وأتممت الثلاثين بناء على أنك صمت قبل الناس بيوم، وهم أتموا الثلاثين لأنهم لم يروه، لم يروا الهلال، فإن صمت معهم صمت ثلاثين أو أكثر؟ واحد وثلاثين، واحد وثلاثين، أما كونهم يرون الهلال لتسع وعشرين وأنت قمت صمت ثلاثين الأمر سهل، لكن كونك تصوم واحد وثلاثين، فإذا أتممت الثلاثين صمت قبلهم بيوم وأتممت الثلاثين، تم شهرك وإلا ما تم؟ الأصل أنه تم، لكن مقتضى الحديث الفطر يوم يفطر الناس، أنك تلزم ولا تفطر إلا مع الناس ولو اقتضى الأمر أنك تصوم واحد وثلاثين، هذا مقتضى ما يفيده الحديث، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس وقد قال له كريب: إنه صام أهل الشام ومعاوية برؤية الهلال يوم الجمعة بالشام، وقدم كريب المدينة أخر الشهر، وأخبر ابن عباس بذلك، فقال ابن عباس: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه.(48/10)
يعني رئي الهلال في الشام ليلة الجمعة، وفي المدينة ما رئي إلا ليلة السبت، يعني كريب لو لم يروه ليلة الثلاثين هل يفطر باعتباره أكمل الثلاثين أو لا يفطر إلا مع الناس وإن ترتب على ذلك أن يصوم واحد وثلاثين؟ قال كريب: أو لا تكتفي برؤية معاوية والناس؟ قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذه المسألة كثر الكلام فيها لأهل العلم، فمن يقول باتحاد المطالع قال: إن ابن عباس لم يقتنع بشهادة كريب، لم يقتنع بها، ومن يقول باختلاف المطالع لا إشكال عنده، فالمطلع في الشام غير المطلع في المدينة، وهو المرجح أن لكل بلد أو إقليم مطلعه، كل بلد أو إقليم له مطلعه، والمسألة فيها إشكالات كثيرة لا سيما مع الحدود السياسية، نعم لا سيما مع الحدود السياسية، مثلاً البلدان المتجاوران بينهما حد سياسي، حدود مثلاً قل: بين عرر وجهة الشمال والأردن جهات متقاربة هل الحكم تبع هناك أو هنا؟ فهل تصوم تبع الرياض مثلاً إذا أعلن دخول الهلال في الرياض أو تصوم تبعاً الشام لأنها أقرب؟ وقل مثل هذا في كل الجهات، فهذه المسألة لا شك أنه ترتب عليها إشكالات مع هذه الحدود السياسية، يبقى أن في قوله -جل وعلا-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وفي قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، أولاً: هذا ليس خطاب للأفراد، بمعنى أن كل فرد يلزمه أن يصوم أو لا يصوم إلا برؤيته بنفسه، لا هذا خطاب للمجموع، لكن هل هو لمجموع الأمة بكاملها بحيث تتحد رؤية المشرق مع المغرب والشمال مع الجنوب؟ أو خطاب لكل من تتأتى منه الرؤية في بلده أو في إقليمه؟ نعم؟ على القول باختلاف المطالع الثاني، والنص محتمل، الآية محتملة، والحديث محتمل: ((صوموا لرؤيته)) ليس خطاب للأفراد بأعيانهم بأن يصوم كل إنسان لرؤيته بمفرده ويفطر لرؤيته، لا، ليس خطاب على مستوى الأفراد كل فرد بعينه، إنما هو خطاب للجماعة بكاملها أو للمجموعات كل مجموعة على حدة؟ لو قلنا: إنه خطاب للأمة بمجموعها لقلنا: إنه يلزم الصيام برؤية من تثبت الرؤية به، ولو كان في أقصى المشرق أو أقصى المغرب، ومثل هذا حديث(48/11)
الباب: ((الفطر يوم يفطر الناس)) من الناس؟ هل هم في سائر الأرض، كل المسلمين في جميع بقاع الأرض، أو ممن يتحد معه في المطلع، المسألة خلافية بين أهل العلم، يأتي استيفاؤها -إن شاء الله تعالى- في كتاب الصيام.
((والأضحى يوم يضحي الناس)) جاء من يشهد بأن هلال ذي الحجة دخل يوم كذا، نعم أو لم تأتِ شهادة ولم ير الهلال وأكمل شهر القعدة ثلاثين، وهو في الحقيقة الهلال قبل ذلك لكن ما تمكنوا من رؤيته لغيم أو شبهه، ووقف الناس في اليوم العاشر وضحوا في اليوم الحادي عشر، نقول: وقوفهم صحيح، وأضاحيهم يوم يضحي الناس صحيح، لا إشكال فيها، بناء على هذا الحديث، والمسألة لها فروع كثيرة يأتي الإتيان على باقيها -إن شاء الله تعالى - في مواضعها، نعم.
"وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الصحابة أن ركباً جاءوا فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفطروا، وإذا أصحبوا يغدوا إلى مصلاهم" رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وإسناده صحيح"
يقول: "وعن أبي عمير بن أنس" أبو عمير بن أنس بن مالك الصحابي الجليل، خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل أبو عمير هذا هو المخاطب بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يا أبا عمير ماذا فعل النغير؟ )) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وذاك صغير بعد، وذاك صغير يوم يخاطب وهو صغير، ذاك أصغر بعد، لأن هذا .. ، أيهما. . . . . . . . . صغير؟ إيه كلهم أبا عمير، كلاهما أبا عمير، هذا ابن أنس وذاك أخو أنس، نعم أخ أنس ومات صغيراً، وأما هذا فعمر بعد أبيه زمناً طويلاً، عمر بعد أبيه زمناً طويلاً، مع أن أباه عاش إلى نهاية القرن سنة ثلاث وتسعين.(48/12)
"عن أبي عمير بن أنس -رضي الله عنهما- عن عمومة له من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-" على كل حال هو تابعي، هو تابعي، من صغار التابعين، من أصاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن ركباً" الركب: جمع راكب كصحب جمع صاحب "أن ركباً جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-" والركب أكثر من واحد، يشهدون "أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم ... أن يفطروا" رأوا الهلال بالأمس، متى جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ بعد الزوال، بعد زوال الشمس، وبعد خروج وقت صلاة العيد، بعد زوال الشمس وبعد خروج وقت صلاة العيد "فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يفطروا" أمر الناس أن يفطروا، قبل شهادتهم، ويكون هذا هو يوم العيد، هذا هو يوم العيد "وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم" رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وإسناده صحيح" على كل حال الحديث صحيح، فصلاة العيد إذا لم ير الهلال إلا بعد الزوال أو لم يبلغ خبره إلا بعد الزوال نعم يلزم الفطر؛ لأن صيام يوم العيد حرام، ثم تقضى الصلاة، تقضى الصلاة -صلاة العيد- من الغد، وهل يكون يوم العيد الذي فيه الصلاة أو الأمس؟ يوم العيد أمس أو اليوم الذي صلوا فيه؟ يوم العيد الذي رئي فيه الهلال؟ نعم أو اليوم الذي حصلت فيه الصلاة؟ ويش يترتب على هذا من الخلاف والفائدة؟ نعم، .... مسألة صلاة العيد تقضى لكن اليوم الثاني الذي صلي فيه العيد يجوز صيامه وإلا ما يجوز؟ ها يا شيخ؟ يجوز صيامه وإلا ما يجوز؟ طيب إذا حصل مثل هذا في عيد الأضحى أيام التشريق بعده اثنين وإلا ثلاثة؟ نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .(48/13)
تأخرت الشهادة إلى مدة طويلة، ما يمكن يحصل؟ أنت لا تتصور وسائل الاتصال اليوم، أخبار ما تجي إلا عقب .. ، الغرباء ما تجيهم الأخبار بالوفيات إلا بعد سنين، نعم لكن من فوائد هذه المسألة إذا قلنا: إن يوم العيد الذي رئي فيه هلاله فالثاني ليس بعيد، ويبقى أن مسألة الاحتياط ألا يصام، نعم، وإذا قلنا: إن العيد ما تحصل به صلاة العيد نعم قلنا: إنه لا يجوز صيامه من شخص. . . . . . . . . صيام الست، أو امرأة عليها قضاء وقالت: العيد أمس، الهلال رئي قبل البارحة، واليوم. . . . . . . . . نصوم؟ يمنع وإلا ما يمنع؟ نقول: احتياطاً وإبراء للذمة وخروجاً من الخلاف ما يصام مثل هذا اليوم، فهذا الحديث دليل أن صلاة العيد تصلى في اليوم الثاني إذا فات وقتها بحيث لم ير الهلال، أو لم يبلغ خبر الهلال إلا بعد الزوال، إذا صليت في اليوم الثاني تبعاً للكلام السابق هل تكون قضاء أو أداء؟ "فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم" يذهبوا في الغداة إلى مصلاهم، فهل هذا قضاء وإلا أداء؟ إذا قلنا: إن العيد أمس يصير قضاء، وإذا قلنا: إنه اليوم الذي صلى فيه هو يوم العيد صارت أداء، هذا مقتضى هذا الحديث، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تقضى مطلقاً، لا تقضى مطلقاً، خلاص ذهب وقتها، لا سيما عند من يقول: إنها سنة، سنة والسنة إذا فات محلها نعم السنة إذا فات محلها لا تقضى، هذا على القول بأن صلاة العيد سنة لا تقضى، لا بالنسبة للمجموع إذا لم يعلموا به إلا بعد الزوال، ولا بالنسبة للأفراد فيمن فاتته صلاة العيد، أما على القول بوجوبها هذا لا إشكال في كونها تقضى، لا إشكال في كونها تقضى، والخلاف في هذه المسألة في حكم صلاة العيد من أهل العلم من يرى أنها واجبة على الأعيان، واجبة على الأعيان، كل من تجب عليه الجمعة يجب عليه العيد، وهذا قول الحنفية، قول الحنفية، يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-؛ لمداومة النبي -عليه الصلاة والسلام- عليها، ولمداومة خلفائه من بعده -عليه الصلاة والسلام-؛ ولأمره الحيض والعواتق وذوات الخدور بالخروج إليها، فالرجال من باب أولى، إذا أمر بخروج العواتق والحيض فكيف بالرجال، وأيضاً يستدلون بقول الله -جل(48/14)
وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر]، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] أمر بالصلاة على أن المراد بالصلاة صلاة العيد، وهي واجبة عندهم، وليست بفرض نعم؛ لأن الدلالة عليها ليست قطعية، فهي واجب وليست بفرض، من أهل العلم من يرى أنها فرض كفاية وليست بواجبة على الأعيان، فإذا تركتها الأمة أثموا جمعياً، وإذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وقالوا: لأنها شعار، شعيرة من شعائر الإسلام، وشعار يسقط بقيام البعض به كالجهاد، هذا كلامهم.
والقول الثالث: أنها سنة مؤكدة، سنة مؤكدة، لا يأثم بتركها يؤجر على فعلها، يستدلون بالعمومات: ((خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة)) وهذا عند من يقول: إنه لا يجب من الصلوات غير الخمس، أما من يوجب صلوات أخرى فيخصص هذا العموم بمثل هذه الأحاديث، أو يقول: إن الحصر بالخمس في اليوم الليلة لا في العام ولا في الأسبوع ولا في الشهر بالنسبة لليوم والليلة لا يجب غير خمس صلوات، وهذا يختلف عما يوجب في العام، والقول بوجوبها متجه، متجه.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- دوام عليها وخلفائه من بعده وصحابته، لا يعرف عن أحد منهم أنه تخلف عنها، وأمر بها النساء -عليه الصلاة والسلام-، وقيل بوجوبها حتى على النساء، وهذا دليل على تأكدها، نعم.
قال -رحمه الله-: "وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدوا يوم الفطر حتى يأكل تمرات" أخرجه البخاري، وفي رواية معلقة ووصلها أحمد: "ويأكلهن أفراداً"(48/15)
هذا الحديث حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- يقول: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا يدل على المداومة "لا يغدوا يوم الفطر" يعني لا يغدوا يوم عيد الفطر إلى صلاة العيد "حتى يأكل تمرات" أخرجه البخاري، وفي رواية معلقة" معلقة في البخاري موصولة عند أحمد، وإسنادها حسن: "ويأكلهن أفراداً" في رواية: معلقة التعليق: حذف مبادئ السند، أما من حدثه ويقتصر على شيخه أو من حدثه وشيخه ويقتصر على شيخ شيخه ولو إلى آخر الإسناد كل هذا يسمى تعليق "وصلاها أحمد" يعني ذكر إسنادها المتصل، فهذه الرواية تنص على أن هذه التمرات تأكل أفراداً، يعني وتراً، وتراً، والوتر: خلاف الشفع، فيأكل واحدة أو ثلاث أو خمس أو سبع، ويرجح السبع حديث: ((من تصبح بسبع تمرات)) لكن الواحدة وتر، والثلاث وتر، والخمس وتر، كل على حسب قدرته واستطاعته؛ لأن من الناس من يضره أكل السبع، ومنهم من يضره أكل الخمس، يقتصر على الثلاث، يقتصر على الواحدة من لا يضره يزيد، لكن يقطع ذلك على وتر "ويأكلهن وتراً".
فالحديث صيغته تدل على الاستمرار والمداومة، والحكمة في الأكل قبل الصلاة أن العيد هذا تعقب الصيام والكف عن الأكل فلئلا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد يأكل قبل الصلاة، يأكل قبل الصلاة، ويقول ابن حجر في فتح الباري: الحكمة في استحباب التمر ما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم، ولذا كانت السنة الإفطار على التمر، والرطب أفضل من التمر، ثم التمر ثم الماء.
يقول: الحكمة في استحباب التمر ما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم، أو لأن الحلو مما يوافق الإيمان، ويعبر به في المنام، ويرقق القلب، ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقاً، يعني إذا لم يجد تمر عسل مثلاً أو أي شيء حلو، طيب قال: والله أنا ما عندي تمر عندي قهوة أو شاهي، ما المفضل منهما على هذا الكلام؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على هذا الكلام أن المراد الحلو الشاهي، لكن كأن التمر له خصائص لا توجد في غيره، فلا يقوم غيره مقامه، فإذا عدم التمر يقوم مقامه الماء، الماء، وأما التمر التنصيص عليه لأنه حلو هذا مجرد استنباط، استنباط من واقعه لا يدل عليه النص.
يقول الناظم:(48/16)
فط ـــــــ ور التمر سنة ... رس ــــــ ول الله سنه
فاز بالأجر من يحلي منه سنه ... . . . . . . . . .
فلا شك أن التمر هو الثابت في النص، فالإفطار عليه هو المتأكد، فلا يعدل عنه مع وجوده إلى غيره، إلا إذا كان الإنسان يضره أكل التمر، فلا شك أن مثل هذا يسوغ له أن يفطر على غيره، يسوغ له أن يفطر على غيره، والمرضى مرضى السكري -نسأل الله السلامة والعافية- هؤلاء يعانون من الفطور على التمر، تجدهم يباشرون بأكل الأدوية والعلاجات، وتكثر الأسئلة عن الإبر قبل الإفطار، وعلى كل حال إذا تصور الإنسان الأجر المرتب على المرض سهل عنده كل مرض، إذا كان الأجر مرتب حتى الشوكة يشاكها، يستحضر أنه مع استعمال هذه الإبرة أنها شوكة، إضافة إلى المرض الذي ابتلي به، فليصبر وليحتسب، وما يدريك أن هذا خير له في دينه وديناه وما يدريك؟ لأن الإنسان ما يدري عن المصلحة أين تكون؟ وما يقدره الله -جل وعلا- على الإنسان عليه أن يرضى ويسلم.
كن صابراً للفقر وادرع الرضا ... بما قدر الرحمن واشكره واحمدِ
لأنه يوجد في وقت الإفطار أناس تضيق بهم الحياة ذرعاً، ويتأففون لوجود مثل هذا المرض، وما يدريك لعل الله -جل وعلا- ساق لك منح إلهية، أو قدر لك منزلة بالجنة لا تبلغها بعملك إلا بمثل هذا المرض، ما يدريك؟ والدنيا كلها كلا شيء بالنسبة للآخرة.
والحديث الذي يليه.
أما كونها وتر وأفراد فلا شك أنه جاء في الخبر ((إن الله وتر يحب الوتر)) والوتر محبوب في الشرع في جملته، نعم.
"وعن ابن بريدة عن أبيه قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي " رواه أحمد والترمذي، وصححه ابن حبان"(48/17)
نعم وهذا حديث بريدة بن الحصيب يشهد لما قبله، يشهد لما قبله، "قال: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم" يطعم إيش؟ التمرات، وتكون وتراً، لا يطعم مقتضاه أي طعام، لكن أولى الأطعمة ما نص عليه للاهتمام بشأنه والعناية به، لكن إذا لم يوجد ما نص عليه يدخل في العموم، حتى يطعم تطبيق هذا ما شاء الله، هذا تطبيق عملي، يقول: "لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم" وعرفنا الحكمة في تقديم الطعام يوم الفطر على الصلاة؛ لأن تقدمه صيام واجب، وتلاه فطر واجب، "ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" يوم عيد الأضحى لا يطعم حتى يصلي، لكي يبادر بذبح أضحيته والأكل منها، ولذا شُرع تعجيل الأضحى، تعجيل صلاة الأضحى وتأخير الفطر؛ ليتمكن من الأكل قبل الفطر وليعجل في ذبح أضحيته في يوم الأضحى، الباب فيه أحاديث، فيه أحاديث في راوية البيهقي يقول: "وكان إذا رجع -يعني من صلاة العيد- أكل من كبد أضحيته" ففي الحديث دليل على شرعية الأكل يوم الفطر قبل الصلاة، وتأخير الأكل يوم الأضحى إلى ما بعد الصلاة ليأكل من أضحيته، ليأكل من أضحيته؛ لأن الفطر مسبوق بصيام والأضحى مسبوق بأيام فطر، لكن قد يقول قائل: إذا صام العشر أو صام يوم عرفة كان يوم العيد متعقباً لصيام، لماذا لا يشرع الأكل قبل الصلاة مثل عيد الفطر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الصيام ليس بواجب، الصيام ليس بواجب، وليس ملزم فهذا الصيام سنة، وأيضاً يشرع بعد الصيام بعد الصلاة صلاة عيد الأضحى عبادة التي هي النسك الأضحية، نعم فيشرع له أن يأكل من أضحيته لفعله -عليه الصلاة والسلام-، ولكون عادته المطردة -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي، ولو لم يكن في ذلك إلا مجرد الإقتداء والإئتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكفى، نعم.
"وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض في العيدين، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى" متفق عليه"(48/18)
حديث أم عطية وهي نُسيبة أو نَسيبة -بالتصغير والفتح- بنت الحارث أو بنت كعب، هذه صحابية جليلة روت أحاديث، وصارت مرجعاً في بعضها، مرجع للصحابة والتابعين في بعضها، لا سيما حديث تغسيل الميت، فإنها غسلت ابنة النبي -عليه الصلاة والسلام- فصار الصحابة والتابعون يسألونها عن كيفية تغسيل الميت، أم عطية هذه "قالت: "أمرنا" مبني للمجهول، حذف الآمر للعلم به، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، في رواية للبخاري: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرج العواتق" ومر بنا مراراً أن الصحابي إذا قال: أمرنا حكمه الرفع، أمرنا أن نفعل كذا حكمه الرفع؛ لأن الصحابي لا يطلق الأمر والنهي إلا لمن له الأمر والنهي في مثل هذه المسائل، وهو النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما إذا صرح بالآمر كما في الرواية الأخرى: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مرفوع قطعاً.
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... . . . . . . . . .
المقصود المسألة مرت مراراً، وأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كقوله: "افعلوا كذا"، افعلوا كذا، كأنه قال: "أخرجوا العواتق والحيض" ولا فرق بين صيغة الأمر وبين التعبير عن الأمر، ولا التفات لقول من يقول: إنه لا حجة فيه حتى ينقل اللفظ النبوي، لا التفات لمثل هذا القول؛ لأن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية "أمرنا أن نخرج العواتق والحيض" العواتق: البنات الأبكار البالغات، والحيض: من تلبسن بالحيض، وذوات الخدور: اللواتي لا يبرزن إلى الأسواق، وذوات الخدور والمخدرات وصف معروف في المسلمين، معروف بين المسلمين، ويوجد في بعض الجهات إلى الآن، يوجد من النساء من لا تخرج البتة، وخروج النساء على خلاف الأصل، تسمى المرأة التي تخرج برزة، برزة، وهي على خلاف الأصل، والله المستعان.(48/19)
الآن تجد النساء لا يقر لهن قرار في البيوت، وهذا على خلاف الأمر الإلهي {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] ولذا لو تجد المرأة في بيتها ليلة الخميس أو ليلة الجمعة تجدها كأنها في مأتم ليلة خميس وليلة جمعة تجلس في البيت؟! مع الأسف جميع الناس على هذا، ما هو بيقال: فئة من الناس أو طائفة من الناس، كل الناس على هذا، ولا شك أن هذا قلب للحقائق، وعبث بالموازين الشرعية، فالأصل أن النساء ذوات خدور، مأمورات بالقرار في البيوت، نعم إذا كان هناك حاجة راجحة لا مانع.
"أمرنا أن نخرج العواتق والحيض -في العيدين- يشهدن الخير" يشهدن الخير من مجموع ما يحصل، من الصلاة وغيرها، من انتفاعٍ بالخطبة، وتأمين على دعائها، ولذا قال: "ودعوة المسلمين" والمأمن داعي، والمأمن داعي، عله أن يوجد في هذا الجمع رجل يكون مستجاب الدعوة، أو امرأة صالحة تكون مستجابة الدعوة، فشهود مثل هذه المواطن لا شك أنه مشتمل على مصالح، لا يقدر قدرها، ولذا عمم قال: "يشهدن الخير" ما قال: يشهدن الصلاة فقط؛ لأن منهن من لا تصلي، الحيض لا تصلي، فيشهدن الخير من مجموع ما يحصل.
"ودعوة المسلمين" فيه ما يدل على أن الخطب ينبغي أن تشتمل على الدعاء الذي يؤمن عليه من قبل هؤلاء الأخيار الذين جاء .. ، خرجوا إلى ربهم راغبين راهبين "يشهدن الخير، ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى" يعتزل الحيض المصلى، فيكون للحيض ولذوات الأعذار أماكن مخصصة لسماع الخير والدعوة، ولحضور الدروس، ولمجالس الذكر لكن خارج المسجد، خارج المسجد؛ لأن الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد، لا يجوز لها أن تمكث في المسجد "ويعتزل الحيض المصلى" فإن كان مصلى العيد ولا تثبت له جميع أحكام المسجد، هو أقل من المسجد في الأحكام يعتزله الحيض فمن باب أولى المسجد، وإن قال بعضهم: إن المراد بالمصلى موضع الصلاة، موضع الصلاة التي يصلي فيه الناس؛ لئلا تضيق على الناس فليست مطالبة بالصلاة فكونها تجلس في مصلاهم تضيق عليهم، لكن هذا فيه بعد.(48/20)
"أمرنا أن نخرج العواتق" الأصل في الأمر الوجوب، فما حكم إخراج النساء إلى صلاة العيد؟ الأصل في الأمر الوجوب، ففيه دليل على وجوب إخراج النساء إلى صلاة العيد، وإذا أمر بإخراج العواتق وربات الخدور، فلا شك أن أمر الكبار من العجائز من باب أولى، والأصل في الأمر الوجوب، وهذا القول الذي هو وجوب إخراجهن منسوب إلى الخلفاء الثلاثة، إلى أبي بكر وعمر وعلي، وقال به جمع من السلف، وهو ظاهر النص، ومنهم من يقول: إن أخراج النساء لصلاة العيد سنة مؤكدة، والأمر هذا مصروف من الوجوب إلى الاستحباب، ما الصارف له؟ الصارف العلة، الصارف العلة، ما العلة في حضور النساء صلاة العيد؟ إخراج النساء إلى صلاة العيد "يشهدن الخير ودعوة المسلمين" فهل شهود الخير واجب؟ وهل حضور الدعوة والتأمين عليها واجب؟ العلة ليست بواجبة فكونه علل بأمر ليس بواجب، إذاً أصل الأمر ليس بواجب، إذا قال لك أبوك أو من تلزمك طاعته: احضر، نعم احضر لتأكل مثلاً، أو احضر السوق لتربح، يعني كونك تأكل هذا أمر مرده إليك، نعم أو لا تأكل، قد لا تكون بحاجة إلى أكل، يعني إذا قال لك، اتصل عليك والدك: تعال اتغدى معنا، احضر لتأكل معنا، وأنت سبق أن تغديت، سبقته بالغداء، هل يكون هذا الأمر للوجوب وقد عرفنا العلة التي من أجلها أمر؟ نعم؟ لا يكون للوجوب، لكن لو قال: احضر من غير تعليل، أو علل بأمر واجب حمل الأمر على الوجوب واللزوم، فالصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب السنية، وهذا قال به جماعات من أهل العلم، جماعات من أهل العلم، يرى بعضهم أن الأمر بهذا الحديث منسوخ، منسوخ، قالوا: إن الأمر بإخراجهن في أول الأمر، في أول الإسلام لما كان في المسلمين قلة، فأمرن بالخروج لتكثير السواد وإرهاب العدو، لكن يرد على هؤلاء بأن المرأة ليس فيها إرهاب للعدو؛ لأنها ليست بصدد قتال ولا جهاد ولا تكثير سواد، المرأة تطمع، يعني لو قيل: إنها تطمع العدو ما بعد، فالقول بأنه منسوخ لا وجه له، والتعليل بهذه العلة عليل جداً، وقد أفتت أم عطية بهذا بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-.(48/21)
خروج المرأة إلى المسجد جاء فيه الأمر في مثل هذا الحديث: ((لا تمنعوا إيماء الله بيوت الله)) وجاء في قول عائشة -رضي الله عنها-: "لو رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن عن المساجد" "لو رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن عن المساجد" يستدل به من يقول: بأن المرأة إذا كانت مثار فتنة لا تحضر، لكن يستدل به الطرف الأخر يقول: الخبر نص على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما منع النساء، ما منع النساء، ولم يخف على الله -جل وعلا- أن النساء سوف يحدثن، وعلى كل حال من أحدثت تمنع للمفسدة المترتبة على حدثها، أما من لزمت السنة ولزمت الهدي فمثل هذه تأمر بالخروج وتؤجر عليه، نعم.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه"(48/22)
نعم الجمعة الخطبة فيها قبل الصلاة، وأما بالنسبة للعيدين فالصلاة قبل الخطبة، يقول ابن عمر: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" وهذا ظاهر في أن تقديم الصلاة على الخطبة واجب؛ لأنه هو القاعدة والجادة المتبعة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يحصل ولا مرة واحدة أنه خطب قبل الصلاة، كما أن الواجب في صلاة الجمعة أن تقدم الخطبة، قد يقول قائل: إن خطبة الجمعة واجبة، وخطبة العيد ليست بواجبة، خطبة العيد ليست بواجبة بدليل أنه يخير الإنسان بين حضورها وبين الانصراف ((إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب)) هذا حديث لا بأس به، مخرج في السنن عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بإسناد لا بأس به، وأما الجمعة فلا يجوز الكلام فيها، ولا مس الحصى، ولا الأمر بالمعروف، ولا النهي عن المنكر يدل على أن شأنها أعظم، على كل حال هذه السنة، فمن قدم الخطبة على صلاة العيد خالف السنة، وحصل تقديم الخطبة على صلاة العيد، واختلف في أول من قدم الخطبة قبل الصلاة، فجاء في صحيح مسلم أنه مروان، وأنكر عليه أبو سعيد، وهو على المنبر، أنكر عليه أبو سعيد وهو على المنبر، فإذا أمنت الفتنة ولم يترتب على مثل هذا الإنكار مفسدة أعظم منها فلا بأس به، فعله الصحابي الجليل أبو سعيد، وله مواقف من هذا النوع، لكن إذا خشي الإنسان على نفسه، أو خشي أن يترتب على فعله منكر أعظم مما زاوله أو مفسدة عظيمة فإن مثل هذا يسعه السكوت، ويبين وينصح في غير هذا الموضع.(48/23)
في صحيح مسلم مروان قدم الخطبة، وروى بعضهم بل هو من مراسيل الحسن، ومراسيل الحسن ضعيفة، مراسيل الحسن ضعيفة أن أول من خطب قبل الصلاة عثمان، لكن هل يعتبر مرسل وإلا ما يعتبر مرسل؟ ما دام أدرك الحسن أدرك القصة ما يعتبر مرسل، لا يعتبر مرسلاً ما دام أدرك القصة، فهو مما يروى عن الحسن، بل صرح بعضهم أن سنده جيد إلى الحسن، فيقول الحسن: أول من خطب قبل الصلاة عثمان، يعني عثمان -رضي الله عنه- تأول إن ثبت عنه هذا، إن ثبت عنه هذا فلتمسوا له أن الجموع كثرت في المدينة، وكثر من تفوته الصلاة أو يفوته شيء منها، فأراد أن يدرك الناس الصلاة فقدم الخطبة.
على كل حال إن ثبت عن عثمان -رضي الله عنه- فهو خليفة راشد، أمرنا بالإقتداء به ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) فلا يدخل مثل هذا في حيز البدعة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سماه سنة، ويبقى أنه إذا تعارضت سنة الخلفاء الراشدين مع السنة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقدم المرفوع، يقدم المرفوع، وعثمان -رضي الله عنه- له اجتهادات، وهو خليفة راشد، مشهود له بالجنة، فلا يقال عن فعله أنه بدعة، وإنما يقال: مرجوح؛ لأنه مخالف لما .. ، وهو سنة لكنها خالفت ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لم يعمل بها من بعده، ولم يقل بها أحد من أهل العلم لمخالفتها لما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، بخلاف الأذان الأول يوم الجمعة لعدم المخالفة قال به أهل العلم، قال به أهل العلم، وأما من بعده من بني أمية الذين قدموا الخطبة على الصلاة فلأن الناس كانوا ينصرفون عن استماع خطبهم؛ لأن فيها شيء من الكلام على بعض الناس، مما لا يطيقه كثير من الناس، سواء كان بحق أو بغير حق، لكن مثل هذا الكلام لا سيما في الأخيار لا يطاق بلا شك، فكون الجيل الأول لا يستمعون لمثل هذه الخطب لا شك أنه عين الحكمة، فاضطروا أن يلزموا الناس بسماع خطبهم فقدموها على الصلاة؛ لأنه لا يمكن أن ينصرف وهو ما صلى، وعلى كل حال هذا ليس بمبرر، ليس بمبرر، نعم.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم العيد ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها" أخرجه السبعة"(48/24)
حديث ابن عباس يقول المؤلف -رحمه الله-: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم العيد ركعتين" صلى يوم العيد ركعتين، وهذا محل إجماع أن صلاة العيد ركعتان، صلاة العيد ركعتان، والخلاف في قضاء صلاة العيد، هل تقضى على صفتها وهذا قول الأكثر؟ وهل تقضى أربعاً كالجمعة إذا فاتت؟ قيل بهذا، وروى الطبراني عن ابن مسعود أنه قال: "من فاتته صلاة العيد مع الإمام فليصل أربعاً" رجاله ثقات، فليصل أربعاً يعني قياساً على الجمعة، قياساً على الجمعة إذا فاتته تصلى ظهر أربع، لكن الأصل في القضاء أنه يحكي الأداء، يحكي الأداء والأداء ركعتين إذاً القضاء مثله "صلى قبل العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما" دليل على أن صلاة العيد لا راتبة لها لا قبلية ولا بعدية، لا قبلية ولا بعدية، لكن إذا دخل مصلى العيد قبل الإمام في وقت تجوز فيه النافلة بعد ارتفاع الشمس وأراد أن يصلي نفلاً مطلقاً، أو تحية للمصلى فهل له ذلك أو ليس له ذلك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لماذا؟ المصلى ليس له .. ؟ يعني لا تثبت له أحكام المسجد، على كل حال المسألة خلافية الحنابلة يرون أنه مسجد، يرون أنه مسجد، وتثبت له أحكام المسجد مصلى العيد بخلاف مصلى الجنائز الجبانة، وعندهم أنه لا صلاة قبل العيد لا قبلها ولا بعدها حتى في المسجد، عند الحنابلة لو صليت العيد في المسجد ما في صلاة تحضر تجلس؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى العيد لم يصل قبلها ولا بعدها، لكن هل هذا وصف لأمر حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لبيان التشريع؛ لأنه لقائل أن يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الجمعة ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما، أليس لقائل أن يقول ذلك؟ لأنه دخل لصلاة الجمعة رقي المنبر وخطب وصلى ركعتين وخرج وصلى ركعتين في بيته -عليه الصلاة والسلام-، أنا أقول: هل هذه مجرد وصف للواقع كما للواحد منا أن يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الجمعة ركعتين لم يصل قبلهما، فهل هذا يشمل الجميع أو يكون من كان وصفه كالنبي -عليه الصلاة والسلام- مثل الإمام؟(48/25)
النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفت حاله باعتباره إمام، دخل المسجد فصلى العيد، انشغل بصلاة العيد، دخل للجمعة فانشغل بالخطبة ولذا لا يشرع للإمام أن يصلي قبل العيد ولا قبل الجمعة، لكن هل يشرع للمأموم أن يصلي قبل الجمعة؟ بل يأمر بذلك، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((هل صليت ركعتين؟ )) قال: لا قال: ((قم فركع ركعتين)) فهل العيد في حكمها؟ وأن هذا مجرد وصف لحال النبي -عليه الصلاة والسلام- باعتباره إماماً، وتبقى النصوص الأخرى في مواطنها ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) أما إذا كانت صلاة العيد في المسجد، فلا إشكال أن الأمر بالتحية متجه، تحية المسجد، ولا يقاوم الأمر بالتحية مثل هذا النص الذي فيه مجرد الوصف، نعم الأصل الإقتداء والإئتساء، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- له أحوال، حال ينظر إليه باعتباره إمام في الصلاة، وحال باعتبار أنه إمام للمسلمين، فيقتدي به أئمة الصلاة في الحالة الأولى وأئمة الإسلام وولاة الأمور في الحالة الثانية، وحال باعتباره أسوة وقدوة لجميع الناس.
يعني إذا قال الإمام باعتبار النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((سمع الله لمن حمده)) ((ربنا ولك الحمد)) هل هذا الإقتداء للأمة كلها أو للأئمة فقط؟ نعم؟ باعتباره إمام ولا يجمع بينهما إلا إمام ومنفرد، لكن مأموم؟ ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) مفاده أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، وهنا هذا باعتبار وصفه إماماً، فالإمام لا يتنفل قبل العيد ولا قبل الجمعة ولا قبل .. ، ينشغل بما هو بصدده، كما انشغل النبي -عليه الصلاة والسلام-، أما المأموم فإذا دخل قبل الإمام إن كان مسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وإن كان ليس بمسجد مجرد مصلى أو صحراء فيختلف الأمر، منهم من يطلق أنه لا صلاة لا قبل العيد ولا بعدها في المسجد ولا في المصلى ولا في البيت، ومنهم من يفرق بين المسجد والمصلى، ومنهم من يفرق بين المسجد والبيت، فيصلي في بيته إذا رجع لا بأس.(48/26)
ومقتضى عموم النفي: "ولا بعدهما" أنه لا يصلي بعد العيد لا في المسجد ولا في المصلى ولا في البيت، عموم النفي هنا، لكن لا يلزم منه أنه لا يصلي في بيته، بل جاء ما يدل على أنه كان يصلي في بيته من حديث أبي سعيد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بعد العيد ركعتين في بيته، صححه الحاكم، فيحمل قوله: "لم يصل قبلهما ولا بعدهما" يعني في المصلى، فيبقى المسجد خارج عن مفاد هذا الحديث للأمر بتحيته، الأمر بتحية المسجد ثابت، لا يعارض بمثل هذا، وأما بالنسبة للمصلى فالأولى أن لا يصلي الإنسان؛ لأنه ليس له جميع أحكام المسجد، وإن أمر الحيض باعتزاله، فلا تثبت له جميع أحكام المسجد المعروف بحدوده، وهو أيضاً موقوف للصلاة لا يجوز بيعه، أما المصلى لو استغني عنه أمره سهل، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يصلي، لا يصلي، الأوقات المضيقة التي ذكرنها مراراً لا ينبغي أن يصلى فيها، الأوقات المضيقة لا ينبغي لأحدٍ أن يصلي فيها، إما أن ينتظر حتى يخرج الوقت، أو لا يدخل في مثل هذا الوقت، أو يدخل ويجلس: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع" .. إلى أخره، مثل هذا الأوقات المضيقة لا صلاة فيها.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى ولو كانت ذات سبب، ولو كانت ذات سبب، عمر -رضي الله عنه- طاف بعد الصبح وصلى الركعتين بذي طوى، ينتظر خروج الوقت المضيق، صلى الركعتين بذي طوى وهي ذات سبب، فالأوقات الثلاثة المضيقة ينبغي أن يتقيها الإنسان بقدر المستطاع، نعم.
"وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى العيد بلا أذان ولا إقامة" أخرجه أبو داود، واصله في البخاري"(48/27)
"وعنه" يعني ابن عباس، صحابي الحديث السابق -رضي الله تعالى عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى العيد" يقول: "وعنه -رضي الله عنه-، في الأول قال -رضي الله عنهما- في الموضع الثاني: عنه -رضي الله عنه-، يعني لو صرح فقال: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- يعني الابن والأب. . . . . . . . . واحد، الضمير يعود إلى واحد، فضمير الدعاء يعود إلى واحد، فقال: "رضي الله عنه" لكن لما قال: عن ابن عباس ذكر الابن وذكر الأب ثنى الضمير.
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى العيد بلا أذان ولا إقامة" أخرجه أبو داود، وأصله في البخاري" وعلى كل حال الحديث صحيح، وهو دليل على عدم شرعية الأذان والإقامة لصلاة العيد، فالتأذين لصلاة العيد بدعة وكذلك الإقامة، فمجرد ما يدخل الإمام يشرع في الصلاة، يأمر بتسوية الصفوف وينظر فيها، ثم يكبر تكبيرة الإحرام بدون أذان ولا إقامة، ولم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أذن في عهده لصلاة العيد، وعند ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب أن أول من أحدث الأذان لصلاة العيد معاوية -رضي الله عنه-، ومثله رواه الشافعي عن الثقة، الثقة من هو عند الشافعي؟ وأحياناً يقول: حدثني من لا أتهم، نعم، وأحياناً يقول: حدثني الصدوق في حديثه المتهم في دينه، هذا إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف عند الجمهور، على كل حال العبرة في إسناد ابن أبي شيبة لا بأس به عن سعيد بن المسيب أن أول من أحدث الأذان لصلاة العيد معاوية.(48/28)
كأنه لما توسعت البلدان، وتفرق الناس رأوا أن الحاجة داعية لذلك، وعلى كل حال هذا اجتهاد مرجوح، وعلى كل حال هو فعل صحابي إن صح عنه فعل صحابي خلاف السنة، يعني ليس من الأدب أن نقول: ابتدع وهو بصحابي، إنما نقول: خلاف السنة، نعم أخذ به بعده الحجاج، وروى ابن المنذر أن أو من أحدثه زياد في البصرة، وهناك أقوال أخرى أن أول من أحدثه مروان، وروى الشافعي عن الثقة يبقى أن الثقة عنده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف عند جماهير أهل العلم عن الزهري مرسلاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر المؤذن في العيد أن يقول: الصلاة جامعة، مثل الكسوف، لكن فيه إبراهيم بن أبي يحيى هذا، ضعيف جداً عند الجمهور، وهو أيضاً مرسل، فلا تقوم به حجة، ويبقى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي العيد بلا أذان ولا إقامة، ولم يثبت أنه أمر بذلك، فلا يجوز التأذين لصلاة العيد ولا الإقامة لها، وإنما تصلى دون أذان ولا إقامة، منهم من قال: لا مانع من أن يقال: الصلاة جامعة لهذا الخبر، وإن كان ضعيفاً قياساً على صلاة الكسوف، لكن يصرح الأئمة أن العبادات لا يدخلها القياس، لا يدخلها القياس، نعم.
"وعن أبي سيعد -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" رواه ابن ماجه بإسناد حسن"
وعنه قال ...
أكمل يا شيخ؟
لا، لا.
هذا حديث أبي سعيد الذي سبقت الإشارة إليه "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يصلي قبل العيد شيئاً" فليس لها راتبة من جهة، وينشغل بالصلاة بصلاة العيد؛ لأن الإمام لا يشرع له الحضور والتعجيل لا لصلاة الجمعة ولا لصلاة العيد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة يدخل المصلى فيشرع في صلاة العيد، يدخل المسجد يوم الجمعة فيرقي المنبر، إذا دخل الجمعة رقي المنبر مباشرة، فلا ينشغل بصلاة، ولا يشرع بالنسبة للإمام أن يبكر لصلاة العيد ولا الجمعة، إنما يدخل وقت الحاجة إليها.(48/29)
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلى قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" منهم من يرى أن الإمام كغيره مطالب بالتبكير إلى صلاة الجمعة، وأنه إن جاء إلى الجمعة في الساعة الأولى كان كمن أهدى بدنة .. إلى أخر الحديث، وأنه إذا جاء وقت الخطبة خرج ثم دخل، منهم من يرى هذا، وأن النص شامل له ولغيره، لكن الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يدخل قبل وقت الخطبة.
"لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" وهذا الحديث تقدم أن إسناده لا بأس به، يقول الحافظ: "رواه ابن ماجه بإسناد حسن" وهاتان الركعتان إن قلنا: إنها مرتبطة بالصلاة كما كان يفعل إذ رجع من صلاة الجمعة صلى ركعتين في بيته، وإن قلنا: إنها ركعتا الضحى مثلاً فالأمر في سعة، على كل الصلاة مشروعة بعد العيد في البيت لا في المصلى؛ لأنه في المصلى ثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يكن يصلي قبلها ولا بعدها، يعني في موضعها، نعم.
"وعنه -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم" متفق عليه"
"وعنه" أي عن أبي سعيد صحابي الحديث السابق -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذه عادته، وهذا ديدنه أنه يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، ففيه دليل على شرعية الخروج إلى المصلى، شرعية الخروج إلى المصلى؛ لأنه كان -عليه الصلاة والسلام- يخرج يوم الفطر ويوم الأضحى إلى المصلى، فالصلاة في المصلى هي سنة، والصلاة في المساجد تعطيل لهذه السنة، نعم عند الحاجة مثلاً عند مطر أو برد شديد فمثل هذا يسوغ أن تصلى الأعياد في المساجد "يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة" لا الخطبة كما تقدم، فالبداءة بالصلاة هي السنة، والبداءة بالخطبة خلاف السنة، خلاف السنة "ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس على صفوفهم" الناس على جلوسهم في صفوفهم بعد الصلاة "فيعظهم" ويذكرهم "ويأمرهم" وينهاهم.(48/30)
وهكذا ينبغي للإمام أن يصلي بالناس العيد، ثم بعد ذلك يخطب فيهم، خطبة يعظهم فيها ويذكرهم ويخوفهم من الله -جل وعلا-، ويذكر ما عندهم من مخالفات، ويحذرهم منها، وينبه على ما عندهم من أخطاء، ويدلهم على الخير، ويأمرهم به، ويحثهم عليه.
ثم بعد ذلك يأتي النساء، بعد أن يفرغ من الرجال يأتي إلى النساء فيذكرهن ويخوفهن ويعظهن ويأمرهن بالصدقة، ويحذرهن مما هو منتشر بينهن، فالخطبة من خصائص الرجال، فلما فرغ النبي -عليه الصلاة والسلام- من خطبته في الرجال انتقل إلى أن يخطب في النساء، ويذكر النساء، ويعظ النساء.
فهذا من شأن الرجال، ومن خصائص الرجال، وإلا فبإمكانه أن يكل الأمر إلى إحدى النسوة أن يخطبن في النساء، لكن الخطابة للرجال ليست للنساء.
"أول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس" يعني يستقبلهم بوجه "والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم" هذه الحكمة من مشروعية الخطبة، الوعظ والأمر والنهي والزجر، وبيان ما عندهم من أخطاء، وإنكار ما عندهم من ظواهر مخالفة للشرع، وربطهم بالله -جل وعلا-، وأمرهم بتقوى الله –عز وجل-، وأمرهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، نعم.
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) أخرجه أبو داود، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه"(48/31)
"عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فعمرو بن شعيب عن أبيه شعيب، عن عمرو عن أبيه شعيب، هذا ما فيه إشكال، عن جده الكلام في عود الضمير في جده، يعود على من؟ يعود على ما عاد عليه الضمير الأول وهو عمرو، الجد محمد تابعي فيكون الخبر مرسلاً، أو يعود الضمير على أقرب مذكور وهو الأب، عن أبيه عن جده أي جد الأب وهو عبد الله بن عمرو بن العاص، ثم يرد الخلاف هل سمع شعيب من جده عبد الله بن عمرو أو لم يسمع؟ المسألة خلافية، وعلى كل حال لوجود الاختلاف في عود الضمير، ولوجود الخلاف في سماع شعيب من جده عبد الله اختلف أهل العلم في الاحتجاج بهذا السلسلة، وقد روي بها أحاديث، روي بها أحاديث فمن مضعف لها للاختلاف في الجد، وجاء ما يدل على التنصيص عليه، جاء في بعض الأحاديث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، فهنا يضعف الخلاف في الضمير، يبقى مسألة النظر في سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو مسألة خلافية بين أهل العلم، وكثير من أهل التحقيق يثبتها، وعلى كل حال الخلاصة في هذه السلسلة: منهم من ضعفها مطلقاً، ومنهم من صحح، والقول الوسط أنه إذا صح السند إلى عمرو فما يروى بهذه السلسلة حسن، لا يبلغ إلى درجة الصحيح الذي هو أعلى المراتب، ولا ينزل به عن درجة القبول فهو حسن.(48/32)
ونظير هذه السلسلة: "بهز بن حكيم عن أبيه عن جده" بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، ولا خلاف في الضمير، فبهز يروي عن أبيه حكيم عن جده معاوية، لا خلاف في مرجع الضمير، لكن يبقى النظر في بهز، فيه كلام لأهل العلم طويل، والقول الوسط في الاحتجاج به أنه مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسن، واختلفوا في المفاضلة بين السلسلتين أيهما أفضل؟ منهم من رجح ما معنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أرجح من بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهذا يلجأ إليه عند التعارض؛ لأن البخاري صحح كما عندنا، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه وعلق لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ولم يعلق لعمرو بن شعيب، لكنه لم يصحح أيضاً لبهز بن حكيم إنما علق عنه تعليق.
فمن قال: إن تصحيح البخاري أقوى من تعليقه قال: إن عمرو بن شعيب أقوى، ومن قال: إن إيداعه مرويه في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول أقوى من تصحيحه خارج الصحيح رجح بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وعلى كل حال المسألة عند التعارض.
هنا يقول: "عن أبيه عن جده -رضي الله عنهما- قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) " أخرجه أبو داود، ونقل الترمذي عن البخاري تصحيحه" يعني هل الترمذي خرج الحديث؟ لم يخرج الحديث، ولذا الشارح شكك في كون الترمذي نقل عن البخاري التصحيح؛ لأن الترمذي لم يخرج الحديث أصلاً، فأين نقل؟ نقول: نعم نقل في علله الكبير: (العلل الكبير) في الجز الأول صفحة: (مائتين وثمانية وثمانين) نقل عن البخاري أنه سأله عن حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي فقال: "هو حديث صحيح" وهو هذا الحديث الذي معنا، هذا الحديث "قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الآخرة)) ومثله الأضحى، يعني التكبير في العيد ((سبع في الأولى)) يعني في الركعة الأولى: الله أكبر، ألله أكبر، الله أكبر سبع مرات، ((وخمس في الآخرة)) سبع في الأولى هل هي سبع بتكبيرة الإحرام أو دون تكبيرة الإحرام؟ فإذا كانت مع تكبيرة الإحرام هل يكون العدد سبع وإلا ثمان؟(48/33)
طالب:. . . . . . . . .
نعم سبع، يعني ست مع تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس مع تكبيرة الانتقال أو دون تكبيرة الانتقال؟ الآن قلنا: السبع مع تكبيرة الإحرام فتكون المجموع سبع، طيب هذه إذا قلنا: دون تكبيرة الانتقال صار المجموع ست، أو نقول: أربع مع تكبيرة الانتقال يكون المجموع خمس مثل ما قلنا في الأولى؟ وتعرفون المذاهب في هذا، الحنابلة يقولون: ست في الأولى مع تكبيرة الإحرام تكون سبع، وخمس في الثانية مع تكبيرة الانتقال، لماذا فرقوا بين الأولى والثانية؟ ما قالوا: إما مع تكبيرة الإحرام سبع ومع تكبيرة الانتقال خمس أو ست وأربع؟ كما قال بعضهم؛ لأنه قيل: بأنها ست مع تكبيرة الإحرام وأربع مع تكبيرة الانتقال، وقيل: سبع مع تكبيرة الإحرام فتكون ثمان، وخمس مع تكبيرة الانتقال فتكون ست، فلماذا فرق بعضهم كالحنابلة بين الأولى والثانية؟ في الأولى اعتبروا تكبيرة الإحرام وفي الثانية لم يعتبروا تكبيرة الانتقال؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأن تكبيرة الانتقال ليست من الثانية، ليست من الركعة الثانية، وتكبيرة الإحرام من الأولى بلا شك، وتكبيرة الانتقال ليست من الثانية، فعلى هذا لا تدخل في العدد، أما تكبيرة الإحرام فهي من الأولى بلا شك، فتدخل في العدد، ولذا فرقوا بين هذا وهذا.
((سبع في الأولى، وخمس في الآخرة)) سبع سرد وإلا يقف بين تكبيرتين؟ وهل يقول بين التكبيرتين شيء؟ هل يقول مثلاً مثل ما روي عن ابن مسعود وغيره: "الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً" ثم يقول: الله أكبر مثل، إلى أن يكمل سبع، وهل يفصل بين التكبيرة الأولى -تكبيرة الإحرام- والثانية بدعاء الاستفتاح أو يترك دعاء الاستفتاح حتى يفرغ من التكبير؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لأنه يقول: ((والقراءة بعدهما كلتيهما)) القراءة لا إشكال فيها أنها بعد التكبير في الركعتين نص، لكن الاستفتاح؟ نعم؟ هو بلا شك أنه بين التكبير والقراءة: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ حديث أبي هريرة، هو بينهما، نعم؟ نعم يا إخوان؟
طالب:. . . . . . . . .(48/34)
بعد تكبيرة الإحرام وقبل التكبيرات الأخرى، هل الاستفتاح للصلاة بمعنى أنه مرتبط بالتكبيرة أو هو مرتبط بالقراءة؟ في الصلاة العادية ما في إشكال، هو بين التكبير والقراءة لكن هنا؟ على كل حال النص محتمل بين التكبيرة والقراءة، بين التكبيرة والقراءة، فالأصل أن يكون بعد نهاية التكبيرات.
((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) أولاً: الحديث عمل به الجمهور، عمل به الجمهور، فقالوا بالعدد المذكور، وعند الحنفية التكبير ثلاث في الأولى وثلاث في الثانية؛ لحديث يرونه في ذلك، وهو لا تقوم به حجة في مقابل هذا النص الذي صححه البخاري.
((والقراءة بعدهما كلتيهما)) يعني إذا فرغ من التكبيرات السبع والخمس شرع في القراءة، وعند الحنفية القراءة في الأولى بعد التكبير، وفي الثانية قبل التكبير ليوالي بين القراءتين، ليوالي بين القراءتين، كيف يوالي بين القراءتين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لا يمكن أن يوالي بين القراءتين؛ نعم في ركوع في سجود وفي .. ، على كل حال قولهم مرجوح، مخالف لما في هذا الحديث "أخرجه أبو داود، ونقل الترمذي -يعني في علله الكبير- عن البخاري تصحيحه".
لم يرد في هذه التكبيرات ما يدل على الرفع ولا على عدمه، لكنه مروي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- وقال به الجمهور؛ لأن ابن عمر صحابي مقتدي مؤتسي متحري للإتباع، فالجمهور أخذوا بقوله، وهو أيضاً جاء من رواية وائل بن حجر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعله، وهو نظير رفع اليدين في تكبيرات الجنازة، من أثبته قال: هو ثابت عن ابن عمر، ومروي عن البني -عليه الصلاة والسلام-، والمرفوع فيه ضعف، بل ضعيف، قال: هو منقول عن صاحبي متحري للإتباع مؤتسي فمثله يقتدي به في هذا، ولا يظن به أنه يبتدع، نعم.
"وعن أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الأضحى والفطر بـ (ق) و (اقتربت) " أخرجه مسلم"(48/35)
نعم حديث أبي واقد اسمه: الحارث بن عوف الليثي، يقول: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بـ (ق) -يعني في الركعة الأولى- واقتربت" الساعة وانشق القمر في الركعة الثانية، والمراد بالسورتين، المراد السورتان، وتقدم أنه كان يقرأ في الجمعة والعيدين بـ (سبح والغاشية) والذي يغلب على الظن أنه كان يقرأ هذا تارة وهذا تارة، وتارة يقرأ غيرهما، لكن الأكثر في قراءته -عليه الصلاة والسلام- ق، واقتربت، وسبح، والغاشية، نعم.
"وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم العيد خالف الطريق" أخرجه البخاري، ولأبي داود عن ابن عمر نحوه"
هذا الحديث الصحيح من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم العيد خالف الطريق" يعني ذهب من طريق ورجع من طريق آخر، وقال بهذا جمع من أهل العلم، واستحبوه لا سيما للإمام، لا سيما للإمام، وهو مذهب عند الحنابلة والشافعية يستحبون للجميع، بعضهم خصه بالإمام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إمام؛ لأن الناس كلهم بحاجة إلى الإمام، وقد يكون لهم حاجات عنده لا يستطيعون الوصول إليه إلا بهذه الطريقة، فإذا كان يمر من هؤلاء ويمر من هؤلاء، ويقضي حوائج هؤلاء، ويستمع إلى مطالب هؤلاء لا شك أنه يحقق السنة بهذا، وهل يقال مثل هذا في الجمعة باعتبارها تشارك العيد وهي عيد الأسبوع؟ أو يقال: هذا خاص بالعيد؟ المسألة محتملة، فإذا نظرنا إلى أصل العلة قلنا: إنها بحاجة مستمرة إلى الإمام، لا سيما مثله -عليه الصلاة والسلام- الذي يحصل الأمور ... الخير والبركة، ولأهل العلم وأهل الفضل الإقتداء به في مثل هذا، والله المستعان.(48/36)
"ولأبي داود عن ابن عمر -رضي الله عنهما- نحوه" وعلى كل حال حديث ابن عمر صحيح لغيره، وأما الحديث الأول ففي البخاري، العلماء يختلفون في السبب والحكمة التي من أجلها كان -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك، فمنهم من يقول: إنه كان ليسلم على هؤلاء ويسلم على هؤلاء، وقيل: لينال بركته الفريقان، منهم من قال: ليظهر شعائر الإسلام، ومنهم من قال: ليقضي حوائج الناس إلى غير ذلك، المقصود أن هذه سنة بالنسبة للعيد، وأما بالنسبة للجمعة فمحل نظر، نعم.
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((قد أبدلكما الله خير منهما يوم الأضحى ويوم الفطر)) أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح"(48/37)
نعم النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قدم المدينة وجدهم يلعبون في يومين، فسألهم ما هذان اليومان؟ فذكروا أنهم كانوا في الجاهلية يتخذون هذين اليومين أيام سعة وفرح ومرح، فوجههم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى يومين، وأن الله -جل وعلا- قد أبدل هذه الأمة بالعيدين المعروفين، الفطر والأضحى، وهما من أيام الفرح والسرور، أيام العيد أيام فرح وسرور، وقد نظر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى من يلهو في هذا اليوم ويلعب، وقال: ((لتعلم يهود أن في ديننا فسحة)) وديننا -ولله الحمد- فيه فسحة، هو دين تكاليف ودين عبودية لكن أيضاً فيه ما يعين على الاستجمام والترويح، لكن في حدود المباح، في حدود المباح، ولا يجوز الاسترسال في مثل هذه الأمور إلى أن يدخل الإنسان فيها في حيز التحريم؛ لأنها أيضاً .. ، وهما يومان للمرح والعب وفيهما فسحة إلا أنهما يوما شكر؛ لأنهما وقعا بعد عبادتين، بعد ركنين من أركان الإسلام، فالفطر وقع بعد الصيام، والأضحى وقع بعد الحج، وكلاهما ركن من أركان الإسلام، فالشكر أمر لا بد منه، وليس معنى أن الإنسان يتحرر من القيود الشريعة، ومن التكاليف ويتنصل عنها بترك الواجبات، ويتجاوز بفعل المحرمات هذا لا يجوز البتة، لكن باعتباره أنهى هذه العبادة بعد أن عاناها مدة، له أن يسترخي قليلاً، ويستجم أيضاً، ويوسع على أولاده لكن بحدود المباح، والدين فيه فسحة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مع ما عرف عليه من شدة في العبادة، وتحري وتحقيق لمعنى العبودية كان -عليه الصلاة والسلام- يمزح، لكنه لا يقول إلا حقاً، فليقتدى به في هذا من غير استرسال ومن غير تعدي، ومن غير قربان لما حرمه الله -جل وعلا-، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، وإذا كان من أهل العزائم ومن يلزم العبادات ويريد أن يقصر نفسه على .. ، أيضاً في وقت الغفلة في مثل هذا اليوم يتعبد الله -جل وعلا-، لكن ليس له أن يلزم أهله وذويه ممن ليسوا في مرتبته ويحملهم على ما يحمل نفسه عليه؛ ليوسع على أولاده مثل الناس، فإنهم بشر يريدون ما يريده الناس، وكما ترون الأمة في كثير من تصرفاتها تعيش حالة انفلات، مجرد ما تنتهي العبادة يتوسعون في استعمال المباحات التي تجرهم(48/38)
إلى بعض المحرمات، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها.
"قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((قد أبدلكما الله خير منهما يوم الأضحى ويوم الفطر)) أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح".
فعلى هذا الحديث فيه دليل على أن إظهار السرور والفرح بالعيد وإدخال السرور على الآخرين أمر مطلوب، وفي مفهومه أنه لا يجوز بحال الفرح بأعياد الكفار، ولا المشاركة فيها، في فرحهم، هذا أمر خطير جداً، بعضهم قال كلاماً شديداً أبو حفص البستي من شيوخ الحنفية قال: "من أهدى في أعياد المشركين بيضة إلى مشرك تعظيماً ليوم عيده كفر" لكن هذا كلمة شديدة، ويبقى أن المسألة خطر؛ .... نفرح بعيدنا لأن الله –عز وجل- أبدلنا وأغنانا عن أعيادهم، وجعل لنا ما فيه غنية، ودلنا الطريق، ووضح لنا البيضاء المحجة، وأكمل لنا الدين فلسنا بحاجة إلى أن نتلقى شيء من ... -ولا من عاداتنا- نتلقاها من أعدائنا، فضلاً عن عباداتنا.
"وعن علي -رضي الله عنه- قال: "من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً" رواه الترمذي وحسنه"(48/39)
نعم يقول: "علي -رضي الله عنه-: "من السنة" معروف أن قول الصحابي: من السنة له حكم الرفع "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً" رواه الترمذي وحسنه" لكنه من راوية الحارث الأعور عن علي وهو ضعيف جداً، فالخبر ضعيف، فالخبر ضعيف، والترمذي حسنه في جامعه لما يشهد له من أخبار أخرى مرسلة عن الزهري وغيره، وأيضاً جاء النص الصحيح بالنسبة لصلاة الجمعة، يخرج إلى الجمعة ماشي ويرجع ماشي، والعيد في حكم الجمعة، إذا أمكن ذلك وتيسر، لكن إذا كان المصلى بعيداً ويشق عليه المشي فلا شك أن الركوب لا بأس به، فالإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بوب في الصحيح، قال: "باب: المشي والركوب إلى العيد"، "باب: المشي والركوب إلى العيد" فسوّى بينهما، وأن كل منهما جائز، لكن مسألة كون المشي أفضل لا شك كالجمعة والجمعة فيها نص صريح صحيح في أن المشي إليها أفضل، وأن كل خطوة يرفع بها درجة، ويحط عنه سيئة، وتكتب له بها حسنة، والعيد في حكمها، وكذلك المشي إلى الصلوات كذلك، فالعيد من باب أولى، لكن هذا الحديث لا يثبت، في إسناده الحارث الأعور وهو ضعيف جداً، نعم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنهم أصابهم مطراً في يوم عيد، فصلى بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة العيد في المسجد" رواه أبو داود بإسناد لين"
لا يكفي أن يقال: لين، بل هو ضعيف؛ لأن في إسناده عيسى بن عبد الأعلى وهو مجهول، وشيخه أبو يحيى كذلك مجهول، فيه مجاهيل، فلا يكفي أن يقال: لين، بل هو حديث ضعيف "أصابهم مطر في يوم عيد، فصلى بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة العيد في المسجد" أولاً: في غير وقت الحاجة لا شك أن الخروج إلى المصلى أفضل وهو ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، فالخروج إلى المصلى أفضل، إذا دعت الحاجة من مطر أو برد شديد فلا شك أن مثل هذا مبرر لأن تقام صلاة العيد في المسجد، فصلاة العيد في المصلى خارج البلد أفضل إلا في المسجد الحرام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.(48/40)
بلوغ المرام - كتاب الصلاة (35)
شرح: باب: صلاة الكسوف، وباب: صلاة الاستسقاء.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تقول: هذه امرأة متزوجة من رجل صوفي من أهل البدع، وقد حملت منه، وهي الآن في شهرها الأول، لكنها لا تريد هذا الطفل بسبب مشاكل أخرى مع زوجها، فهل يجوز لها الإجهاض؟
كونها متزوجة من رجل صوفي، الصوفية متفاوتون، منهم من هو مغرق في تصوفه، وتصل به بدعته إلى حد الكفر، تكون بدعته مكفرة هذا لا يجوز الزواج منه بحال، ومنهم من هو دون ذلك، فهم متفاوتون تفاوتاً شديداً كغيرهم من أهل البدع، على كل حال إذا كان في حيز في دائرة الإسلام فالزواج صحيح، ويبقى أن هذا الحمل وإن كان في الشهر الأول الاعتداء عليه لا شك أنه اعتراض على القدر، وإن كان أهل العلم يجيزون إلقاء النطفة قبل الأربعين بدواء مباح، على أن يتفق على ذلك الطرفان الأب والأم، ولا بد أن يكون هذا لحاجة شديدة، أما مجرد إلقائه لأنهم لا يريدون الحمل هذا ليس بمبرر، هذا ليس بمبرر، ولا بد من رضا الطرفين، ولا بد أن تكون في مدة الأربعين في الطور الأول، وعلى كل حال الإجهاض اعتداء واعتراض على القدر لا ينبغي إلا لحاجة.
يقول التفدية وهي قولك: "فداؤك أبي وأمي" قالها النبي -عليه الصلاة والسلام- لسعد بن أبي وقاص يوم أحد، وأورد هذا ابن القيم في: (بدائع الفوائد) أن ذلك لكون أبوي النبي -عليه الصلاة والسلام- كافرين، وعليه فالأبوان المسلمان لا يجوز تفدية غيرهما؟ ولكن أورد أن أبا بكر قال للحسن: "أفديك بأبي" فكيف ذلك؟
على كل حال هذه إذا لم يفهم منها الأبوان التقصير في حقهما، إذا لم يفهم منها الأبوان التقصير في حقهما، وتفضيل غيرهما عليهما، وشجعت هذا الشخص المفدى، وحثته على الاستمرار على ما هو عليه من خير فمن النصوص الكثيرة ما يشهد لجوازها، فالنصوص تدل على جوازها، إذا كان الشخص في عمل خير، ويراد تشجيعه واستمراره على هذا الخير على ألا يفهم الأبوان أن هذا حط من قيمتهما وتفضيل غيرهما عليهما.
يقول: هل يقال شيء بين كل تكبيرة وتكبيرة في صلاة العيد؟ وهل يصح أنه لا سكوت في الصلاة؟(49/1)
ذكرنا أنه ذكر عن ابن مسعود أنه كان يقول بين كل تكبيرتين: "الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً" ونقل غير ذلك عن غيره، لكن لم ينقل شيء مرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثابت بين كل تكبيرتين، فإذا كبر ولا نقول أنه سكت بين التكبيرتين، يكبر فإذا انقطع نفسه شرع في التكبيرة الثانية وهكذا، إذا لم يحفظ شيء يقال بينهما يتابع بينهما، بين التكبيرتين.
يقول: هل السنة إذا فات محلها لا تقضى على إطلاقها؟
نعم السنن المرتبة إذا فاتت لا تقضى، فات محلها يقرر أهل العلم، كون النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى راتبة الظهر بعد صلاة العصر هذا لأنه -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، إذا عمل عملاً أثبته، وهذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-
وكونه أقر من قضى راتبة الصبح بعد صلاة الصبح هذا للاعتناء بشأن هذا الراتبة، والاهتمام بها، ومثلها الوتر يقضى بعد ارتفاع الشمس، ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يترك ركعتي الصبح ولا الوتر سفراً ولا حضراً.
هذا أيضاً سؤال يقول: عاجل من الإنترنت يقول: سؤالي أني كنت أعيش مع أهلي في بلدي، وكما تعلم أنه كم عمت الفواحش والمنكرات فقد كنت أجلس مجالس الاختلاط مع غير المحارم من النساء مثل النساء من أصدقاء العائلة وأولاد العمات والخالات، ولكن -ولله الحمد- بعد أن تزوجت وتركت البلد التزمت التزاماً كاملاً والحمد لله، وسأعود إلى بلدي للإجازة الدراسية وسؤالي هو ماذا يترتب علي أن أفعل إذا دخل النساء والبنات وجلسوا في المكان الذي أجلس فيه، فأنا أتجنبه تجنباً كاملاً، وقد عزمت التجنب في بلدي ولكن أخشى منهم عدم التقبل تقبل الوضع والنفور من هذه الأفعال؟
عليك أن تفعل ما يجب عليك كونهم يقبلون أو لا يقبلون ليس هذا إليك، ولو انتشر مثل هذا الفعل بحيث إذا دخل النساء من غير المحارم خرج الأخيار، وما جاملوا ولا داروا كان حسب لهم حساب، كان ما يدخل النساء غير المحارم على الرجال الأجانب.
يقول: فأنا قررت أنا أبقى لمدة خمس دقائق بعد دخولهم لعدم لفت النظر، ومن ثم الخروج، فهل هذا ممكن أم علي الخروج في حين دخولهم؟(49/2)
أولاً: عليك أن تنبه من دخل عليك من غير محارمك أن تنبه أن هذا لا يجوز إلا مع الستر الكامل، وعدم الخلوة، فإذا حصل الستر الكامل الحجاب الشرعي السابغ، وأمنت الفتنة، وارتفعت الخلوة، ثم بعد ذلك يوجهون بالكلام المناسب، وينصحون عن مثل هذا التوسع.
يقول: إذا فات الإنسان صلاة العيد لنوم هل يقضيها؟
على القول بوجوبها وهو قول الحنفية، ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية لا بد من قضائها، لا بد من قضائها.
يقول: هل للنساء صلاة العيد في البيوت جماعة وفرادى لمن لم تحضر المسجد؟
هذا في وقتها لا تصلى إلا مع الإمام، لا تصلى إلا مع الإمام، لكن إذا فاتت تقضى.
في بعض المساجد يصلي النساء داخل المسجد، ثم يفرش في خارج المسجد لمن معها أطفال فهل تعتزل الحيض هذا المكان؟
هو ما دام خارج المسجد ليس له حكم المسجد.
هذا من النساء فتقول: أرجو إعادة الفرق بين أُمرنا وأَمرنا؟ هل من يحضر بعد الخطيب لا يكتب له جمعة؟
إعادة الفرق بين أُمرنا مبني للمجهول، والآمر محذوف، وبين أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآمر هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالخلاف الموجود في أُمرنا، وأن له حكم الرفع، وإن كان قول الجمهور أن له حكم الرفع، نعم: لا يوجد أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتصريح بالآمر لأنه لا يوجد احتمال أن يكون الآمر غير النبي -عليه الصلاة والسلام-، يبقى الخلاف في دلالته على اللزوم، وجماهير أهل العلم على أنه لا فرق بين أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين قوله -عليه الصلاة والسلام-: افعلوا كذا.
يقول: هل من يحضر بعد الخطيب لا يكتب له جمعة؟
من يحضر بعد الخطيب لا يكتب له الأجر المرتب على التقدم والتعجل إلى صلاة الجمعة، أما الجمعة يكتب له الجمعة.
أحياناً يكون المصلى للنساء في الطابق العلوي فهل يجوز أن نجلس على الدرج لسماع خطبة العيد؟
هذا سؤال من النساء، إذا كان المكان المخصص للنساء لا يستوعب بحيث إذا ضاق بالقدر الزائد عن العدد المحدد له تستمع الخطبة ولو على الدرج، ولو على الدرج.
طالب: بالنسبة للحائض يا شيخ؟
ها؟
طالب: بالنسبة للحائض يا شيخ؟(49/3)
لا ما قالت: الحائض، تقول: أحياناً يكون المصلى للنساء في الطابق العلوي فهل يجوز أن نجلس في الدرج لسماع خطبة العيد؟
أما بالنسبة للدرج الداخل في سور المسجد له حكم المسجد لا يجوز أن تمكث فيه الحائض.
ما القول الراجح في مسألة أمر النساء في الخروج إلى صلاة العيد؟
هو متأكد يقرب من الوجوب، وقول الجمهور على أنه سنة مؤكدة، لكن ينبغي الحرص عليها.
إذا فآتتني الركعة الأولى من صلاة العيد فكيف أقضيها؟ بسبع تكبيرات أم بخمس تكبيرات؟
على القول المرجح وأن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته يقضيها ثانية بخمس تكبيرات.
هل نقيس رفع اليدين في الجنائز لأثر عند ابن عمر -رضي الله عنهما- على العيدين؟
هو ثابت عن ابن عمر في الموضعين أنه يرفع يديه في تكبيرات العيد وفي تكبيرات الجنازة، وفي المسألتين خبر مرفوع ضعيف، والأكثر على أنها ترفع الأيدي في هذا وفي هذا، استناداً إلى ما ثبت عن ابن عمر، وهو من أهل التحري من الصحابة -رضي الله عنه وأرضاه-.
يقول: هل لا يجوز القياس في العبادات في كل جزئية؟
نعم هذا أمر متفق عليه بين أهل العلم أن العبادات توقيفية لا يقاس بعضها على بعض.
يقول: ما صحة حديث: ((من صلى أربع قبل العصر دخل الجنة)) ((رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً))؟
وهذا الحديث مختلف فيه، لكن الذي يغلب على الظن أنه حسن -إن شاء الله تعالى-، فيحرص عليهما.
يقول: هل للعيد خطبتان أو واحدة؟
جاء ما يدل على أن الخطبة واحدة، بل فيه عدم التصريح بكون الخطبة يجلس بين طرفيها لتكون اثنتين، ما صرح بأنه يجلس، فالذي يفهم من الخبر أنها واحدة لكن لكون الخبر محتمل، وخطبة الجمعة فيها التصريح أنهما خطبتان، عامة أهل العلم على أن للعيد خطبتين كالجمعة.
هذا يقول: نود وجماعة من الإخوان -ولا يجوز العطف هنا من غير فاصل- نود وجماعة -لا بد أن يقول: نحن- وجماعة من الإخوان إعادة الاستراحة إلى وقتها؟
إذا كان العدد الأكثر يرون الاستراحة لا بأس، وإذا كان العدد الأقل فسبق أن أخذنا رأي الجميع كأن ما وجدنا معارض.
يقول: إني سمعت بعض الناس يقول: إنه يستدل بالحديث الضعيف إذا كان لا يوجد إلا هذا الحديث للاستدلال به؟(49/4)
هذه طريقة أبي داود أنه يخرج الضعيف إذا لم يكن في الباب غيره, إذا لم يوجد في الباب غيره، لكن مسألة الاحتجاج به أما العقائد والأحكام فلا، وإن وجد في كتب الفقه، لكنهم لا يبنون عليه حكماً شرعياً، وأما في الفضائل فالجمهور على أنه يتسدل بالضعيف في الفضائل، وسبق أن ذكرنا الخلاف مراراً.
نذرت نذراً إن فاتني صلاة الفجر في الجماعة أن أصلي عشر ركعات، سؤالي هل يجوز أن أصلي النذر في الأوقات المنهي عنها؟
من جهة أن النذر يجب الوفاء به فهذه الصلاة واجبة، والنهي لا يتناول الواجبات، هذه من جهة، وباعتبار أن النذر غير محدد الوقت فلك مندوحة في أن تصلي هذه الصلاة بعد خروج وقت النهي.
يقول: هل يلزموني صلاتها مرة واحدة أم أجزئها مع الليل والضحى؟
على حسب نيتك إن نويتها متتابعة عليك أن تأتي بها متتابعة، وإلا فالمقصود إيجادها على أي وصف.
يقول: ما المقصود بالجماعة؟ هل هي الجماعة الأولى؟ أم الصلاة في أي جماعة لها نفس الفضل حتى لو كانت بعد انتهاء الجماعة الأولى؟
أولاًَ: لا شك أن الفضل الكامل للجماعة الأولى، ومسألة إعادة الجماعة مسألة خلافية بين أهل العلم، فمن أهل العلم من يمنع إقامة جماعة ثانية، إذا فاتت الصلاة تصلي وحدك، وهذا قول معتبر عند أهل العلم، لكن حديث: ((من يتصدق على هذا؟ )) بعد انتهاء الجماعة من الصلاة يدل على أن الجماعة تعاد، وأن من صلى الصلاة في جماعة يدخل فيها الجماعة الأولى والثانية، لكن ليس للإنسان أن يتأخر حتى تفوته الجماعة الأولى احتمال ألا يجد جماعة أخرى، والخروج من الخلاف الذي ذكرناه مطلوب، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
يقول شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-.
"باب: صلاة الكسوف:(49/5)
عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف)) متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: ((حتى تنجلي)) وللبخاري من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: ((فصلوا ودعوا حتى يكشف ما بكم)) "
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الكسوف" الكسوف: مصدر كسف يكسف كسوفاً، ويقال: كسفت الشمس بفتح الكاف، وتضم كُسفت وهو نادر كما يقال: انكسفت وخسفت وانخسفت، هذا بالنسبة للشمس يطلق فيها اللفظان: الكسوف والخسوف، وأما بالنسبة للقمر فثبت نسبة الخسوف للقمر في القرآن، وأما نسبة الكسوف إلى القمر فصرحوا بأنه لم يرد في هذا نص، إلا أنه إذا عطف على الشمس جاز إطلاق الكسوف عليه ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان)) لكن ما تقول: انكسف القمر، تقول: انكسفت الشمس، ولا تقول: انكسف القمر، وتقول: خسفت الشمس وخسف القمر للاثنين معاً.
صلاة الكسوف والأصل في الكسوف في اللغة: التغير إلى السواد، والخسوف: النقصان، هذا الأصل اللغوي، فالكسوف تغير في إحدى الآيتين الشمس أو القمر بذهاب نورهما أو بعضه، فالكسوف ذهاب لنور الشمس بالكلية أو لبعض نورها، وذهاب لنور القمر أو بعضه.
وهم يقررون إمكان معرفة وقت الكسوف بدقة من القدم، ما هو كلام جديد، المتقدمون من علماء الهيئة يثبتون أنه يدرك بالحساب، ويجزمون بهذا، ومنهم من يقول: إنه يمكن إدراكه على سبيل غلبة الظن لا جزماً، ومنهم من ينكر الإدراك بالكلية، ويقول: إنه من باب إدعاء معرفة ما في الغيب، ويرمون من يخبر عن ذلك قبل وقوعه بأنه يدعي معرفة الغيب، وعلى كل حال ثبت أنه يمكن إدراكه بالحساب، وليس في إدراكه بالحساب ما يخل بكونه آية من آيات الله يخوف بها عباده، ولذا شرعت هذه الصلاة.(49/6)
لكن الإخبار بوقته قبل حدوثه، وتكرر ذلك مراراً، إخبار الناس على العموم بأنه سوف يحدث في الساعة كذا، الدقيقة كذا، من ليلة كذا، وينجلي في الثانية كذا يجعل هذا الأمر عند عامة الناس طبيعي، يجعل هذا الأمر عند عامة الناس طبيعي، ولا يوثر فيهم الأثر الذي أثر في النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي صحابته الكرام، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما انكسفت الشمس خرج مسرعاً يجر رداءه يظنها الساعة، فهذه الآية كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يخوف بهما عباده)) ((آيتان من آيات الله)) {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [(59) سورة الإسراء] هذه هي الفائدة من حدوث مثل هذا، يخاف الناس، ويرجعون إلى ربهم، ويفزعون إلى الصلاة، ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف)) ينكشف هذا التغير وهذا الظلام، فاشغلوا هذا الوقت بما يرضي الله -جل وعلا- عنكم؛ لتعود هذا الآية إلى عادتها.
ويقررون أيضاً أهل الهيئة يقررون أنه قد يصحب هذا التغير في هاتين الآيتين خلل، يتضرر به بعض الناس، وهم أيضاً يقررون أن سبب الكسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر، أنهم يقررون أن القمر إنما يستمد نوره من الشمس، فإذا حالت الأرض بين الشمس والقمر ذهب نور القمر، وأورد على هذا أنهم جزموا بأن الأرض أصغر بكثير من الشمس فكيف يتم الحجب؟ حجب الكبير بالصغير؟ كيف يتم حجب الكبير بالصغير؟ يتم ذلك بسبب القرب والبعد، فينحجب البعيد إذا حال دونه القريب، ولو كان اصغر منه، بدليل أن اليد على صغرها تحجب الباب على كبره لبعده، يعني لو وضعت يدك بينك وبين الباب انحجبت وهو كبير وهي صغيرة لقربها وبعده، فما في إشكال من هذه الحيثية، لكن يبقى أن مسألة التخويف بهاتين الآيتين يزول مع الإخبار بوقت الكسوف ووقت انجلائه، ومع معرفة الفلكيين وأهل الهيئة لوقت حصوله.(49/7)
أولاً: لا ينبغي أن يعتنى بذلك، ويقرر قبل وقته، وإذا عرف لا ينبغي أن يلقى على العامة؛ لكي تبقى الفائدة من حصوله قائمة، والارتباط بالله -جل وعلا- يبقى، ونحن نرى أثر الإخبار .. ، نراه واضحاً في حياة الناس، بعضهم الكسوف والخسوف لا يؤثر عليه، ولا يحرك ساكن، بل بعضهم في لهوه، وبعضهم في معصيته لا يتأثر يقول: الآن انكسفت وبعد ساعة أو ساعتين بتنجلي ويش يصير؟ عنده خبر مسبق لأن الناس إذا عرفوا أطمأنوا، ويُطمأنون بهذا الكلام، أن الكسوف سوف ينجلي بعد ساعة أو ساعتين والمسألة سهلة يعني، مثل ما يذهب ضوء الشمس بقدوم الليل والعكس، المسألة كأنهم يخرجونها بالصورة اليسيرة السهلة خلاف ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني مرة واحدة يوم مات إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-، في السنة العاشرة في اليوم العاشر أو الرابع من ربيع الأول، في اليوم العاشر أو الرابع على قولين، ومعلوم أنه كالمتفق عليه بين أهل الهيئة أن الشمس لا تنكسف إلا في أخر الشهر، كما أن القمر لا ينخسف إلا في منتصف الشهر، هنا انكسفت في اليوم العاشر أو في اليوم الرابع على غير عادتها في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام-.(49/8)
"فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم" لهذا الحدث الذي حصل، لهذا الحدث الذي حصل "فقام النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)) " يعني بعد أن صلى بهم صلاة الكسوف على الصفة الآحقة، بعد أن صلى بهم خطب، صرح بالخطبة، وفي كثير من الراويات لم يصرح بها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)) وفي بعض الروايات: ((يخوف بهما عباده)) كما قال -جل وعلا- {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [(59) سورة الإسراء] ((آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد)) رداً لزعمهم أن الشمس إنكسفت لموت إبراهيم ((ولا لحياته)) مبالغة في النفي، يعني هل قال أحد: إن الشمس تنكسف لحياة أحد؟ يعني إذا كانوا يزعمون أن الشمس والقمر تنكسفان لموت عظيم مثلاً نعم، فهل قال قائل: بأنهما ينكسفان لحياة عظيم أو ظالم أو شرير؟ لم يقل أحدهم بهذا، وبعضهم يقول: يتصور أن يقول أحد: إنه يُمرض عظيم مرضاً شديداً يقرب من الهلاك فإذا شوفي وعوفي قيل: إنه حي، فيتصور أن تكسف الشمس من أجله؟ وقد نفى النبي –عليه الصلاة والسلام- الأمرين: ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) وقد يكون ذكر الحياة مبالغة في النفي، مبالغة في النفي، كما قال الراوي في حديث نفي البسملة: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في أخرها" ومعروف أنه في أخر القراءة ليس فيها بسملة، لكن مبالغة في النفي، يستعمل مثل هذا الأسلوب للمبالغة، ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله)) والجئوا إليه وتضرعوا حتى يكشف ما بكم ((وصلوا)) هذه هي صلاة الكسوف، جاء الأمر بها ((فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف)) وعامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة، ونقل النووي الإجماع على أنها سنة، وقد ترجم أبو عوانة في صحيحة: "باب: وجوب صلاة الكسوف" وأخرج الحدث الذي فيه الأمر الصريح بها، والأصل في الأمر الوجوب، والجماهير قالوا: ليست بواجبة لعموم حديث: ((خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة)) والكسوف خارجة عن الصلوات الخمس، إذاً ليست بواجبة، ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا)) التعقيب بالفاء أمر بالدعاء(49/9)
والصلاة بعد رؤية الكسوف سواء كان في الشمس أو بالنسبة للقمر، يفزع المسلم إلى الدعاء والصلاة في أي وقت كان، وبهذا يستدل من يقول: إن صلاة الكسوف تفعل في أوقات النهي؛ لأنه علقت الصلاة بمجرد الرؤية، وقد تكسف الشمس بوقت النهي وقد .. ، القمر يمكن؟ ممكن وإلا ما هو بممكن؟ ما يمكن يكسف القمر بعد صلاة الفجر؟ وهذا وقت نهي نعم وقد حصل قبل كم؟ قبل خمس سنوات؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا أكثر ترى.
طالب:. . . . . . . . .
كم؟ يمكن خمس أو أربع سنوات، المقصود أنه حاصل بعد صلاة الصبح ذهب ضوء القمر، هذا وقت نهي، وبعض الناس لم يعلم به إلا مع بزوغ الشمس أو قبيل بزوغ الشمس، يعني في وقت النهي المشدد، فالذي يقول بمثل هذا فرأيتهما ... ، أما المسألة إذا قيل بوجوبها انتهى الإشكال تفعل في وقت النهي، أما على قول الأكثر أنها سنة وهي ذات سبب، الذي يقول بفعل ذوات الأسباب في وقت النهي كالشافعية ما عندهم مشكلة، لكن الذي يمنع من فعل النوافل حتى ما له سبب في أوقات النهي يمنع من هذه الصلاة وهو يقول بسنيتها، مثل الحنابلة والحنفية لا تصلى الكسوف في أوقات النهي لأنها سنة، وإن كانت ذات سبب إلا أن النهي مقدم على الفعل، وهذه المسألة فرع مما سبق بحثه في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وأطلنا الكلام في المسألة.
((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف)) طيب، غابت الشمس وهي كاسفة، طلعت الشمس والقمر خاسف، عند أهل العلم يصلون وإلا ما يصلون؟ نص عندهم في الزاد وغيره: "وإن غابت الشمس كاسفة أو طلعت والقمر خاسف لم يصلوا" لم يصلوا، ويعللون هذا بذهاب وقت الانتفاع بهما، وقت الانتفاع بالشمس انتهى بغيابها، ووقت الانتفاء بالقمر بطلوع الشمس، لكن متى نعلم الغاية التي تنتهي بها الصلاة؟ بالانكشاف وما دام غابت الشمس متى ندري أنها انكشفت أو ما انكشفت؟ ومثلها القمر، على كل حال كلامهم له وجه.
غابت الشمس استمرت كاسفة إلى أن غابت وبعض الناس ما يبلغه الخبر إلا في أخر لحظة، نقول: مثل هذا لا يصلي، لأنه ما يدري متى تنكشف؟ الغاية التي ينتهي بها وقت الصلاة مجهولة.(49/10)
((فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف)) طيب انكشفت وهو في الصلاة، أو صلى وانتهى من الصلاة قبل أن تنكشف نعم أما إذا صلى وسلم من الصلاة قبل أن تنكشف لا يعيد الصلاة، وإنما يلزم الذكر، ويكثر من الاستغفار، ويلجأ إلى الله -جل وعلا- بالدعاء، يستمر حتى تنكشف، وأما إذا انكشفت وهو في صلاته يتمها خفيفة، يتمها خفيفة، بعض الناس يؤدي هذه الصلاة على أي وجه، يصلي صلاة لا يطيلها ولا يطيل قيامها ولا ركوعها ولا سجودها من غير حضور قلب، وإذا صلى عاد إلى لهوه، هذا بلا شك أفضل من الذي لم يصل بالكلية، لكن ينبغي أن سبب المشروعية لهذه الصلاة الرغبة إلى الله -جل وعلا- بانكشاف هذا الأمر.
"وللبخاري من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: ((فصلوا وادعوا)) " هناك قال في رواية المغيرة: ((فإذا رأيتموهما فادعوا وصلوا)) وهنا: ((فصلوا وادعوا)) ليكون الدعاء قبل الصلاة وبعدها؛ ليشمل الدعاء ما قبل الصلاة وما بعدها، فيدعى قبل الصلاة بالانكشاف، ويدعى بعدها إذا سلم من الصلاة قبل الانكشاف، نعم.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الكسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، وفي رواية له: "فبعث منادياً ينادي: الصلاة جامعة"(49/11)
حديث "عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر في صلاة الكسوف" جهر في صلاة الكسوف نص في أن صلاة الكسوف جهرية، جهر في صلاة الكسوف بقراءته، وقد قال بهذا جمع من أهل العلم أن صلاة الكسوف جهرية، سواء كانت في الليل أو في النهار؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر في صلاة الكسوف والذي حصل في وقته كسوف الشمس بالنهار، فإذا جهر في كسوف الشمس فمن باب أولى أن يجهر في خسوف القمر، والحديث صريح في هذا، ومنهم من يرى الإسرار مطلقاً؛ لحديث ابن عباس أنه صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يأتي بعد هذا: "فقام قياماً طويلاً نحو من قراءة سورة البقرة" لأنه لو جهر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال ابن عباس نحواً، قال: فقام قياماً طويلاً قرأ فيها سورة كذا، فمادام قدر القراءة نحواً من كذا، دليل على أنه لم يسمع، إنما لطول القيام قدره بسورة، فهذا القول الثاني وهو الإسرار مطلقاً، ويجيب عنه أصاب القول الأول ومعهم التصريح بأنه جهر فيها -عليه الصلاة والسلام- بأنه يحتمل أن ابن عباس كان بعيداً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلم يسمع جهره بالقراءة، منهم من يقول: إنه مخير بين الجهر والإسرار، مخير بين الجهر والإسرار، عمل بالحديثين يقول: الجهر جائز لحديث عائشة، والإسرار جائز لحديث ابن عباس، لكن مثل هذا التخير إنما يكون لو تعددت القصة، ويكون النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة جهر بها، ومرة أسر بها، يكون مخير لكن القصة واحدة، فهو إما أن يكون قد جهر، والمشروع موافقة فعله -عليه الصلاة والسلام-، أو يكون أسر والمشروع هذا.(49/12)
القول الثالث: أن كل صلاة من صلاتي الكسوف الليلية والنهارية كسوف الشمس وكسوف القمر يعامل معاملة الصلاة المفروضة، فكسوف الشمس يعامل معاملة الفرائض النهارية فيسر به، إذا كسفت الشمس بالنهار تكون صلاة الكسوف سرية كصلاة الظهر والعصر، وإذا خسف القمر بالليل صارت صلاة الكسوف مثل صلاة الليل جهرية كالمغرب والعشاء، كالمغرب والعشاء، وهؤلاء يستدلون بحديث ابن عباس، ابن عباس قرأ نحواً من سورة البقرة، هو دليل الإسرار، هذا بالنسبة لكسوف الشمس، أما بالنسبة لخسوف القمر فلكونه لم يحصل في عهده -صلى الله عليه وسلم- يقاس على صلاة الليل فيجهر به، لكن الجهر مطلقاً هو الذي صرح به في الأحاديث الصحيحة، فهو خبر صحيح صريح، وما عداه وإن كان صحيحاً إلا أنه ليس بصريح، بل هو محتمل كحديث ابن عباس.
"فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" هذا سيأتي تفصيله في الحديث الآحق والأحاديث الأخرى.
"وفي رواية له -لمسلم- فبعث منادياً ينادي: الصلاةُ جامعةٌ" أو الصلاةَ جامعةً؟ الصلاةُ جامعةٌ هذا مبتدأ وخبر، برفع الجزأين، أما بنصب الأول فيكون إيش؟ نعم منصوب على الإغراء، أو يكون منصوب بفعل محذوف تقديره أحضورا، وجامعة: حال، أحضورا الصلاة حال كونها جامعة، وفيه دليل على أن النداء لصلاة الكسوف بهذه الصيغة مشروع، كم يقال: الصلاة جامعة مرة وإلا مرتين وإلا ثلاثة؟ وإلا كم؟
طالب: ثلاث.
نعم فيه دليل؟ ها؟
طالب:. . . . . . . . .
كم تقال: الصلاة جامعة؟ أو بقدر ما يسمع الناس بقدر الحاجة؟ فإذا كان الناس نيام احتاج أن يكرر، وإذا كانوا متيقظين ما احتاج إلى التكرار، نعم.(49/13)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "انخسفت الشمس على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد ثم انصرف، وقد تجلت الشمس، فخطب الناس" متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي رواية لمسلم: "صلى حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك.
وله عن جابر -رضي الله عنهما-: "صلى ست ركعات بأربع سجدات" ولأبي داود عن أبي بن كعب: "صلى فركع خمس ركعات وسجد سجدتين، وفعل في الثانية مثل ذلك".
هذا الحديث فيه صفة صلاة الكسوف، أولاً: مذهب الحنفية أن صلاة الكسوف ركعتان لا صفة لهما زائدة، لا صفة لهما زائدة، يصلي ركعتين كما يصلي الصبح، ويذكرون في هذا حديث: ((أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما فصلوا كأقرب صلاة صليتموها من المكتوبة)) كأقرب صلاة صليتموها من المكتوبة، وأقرب صلاة بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- هي صلاة الصبح، فيكون صلى الكسوف بركعتين لا صفة لهما زائدة كصلاة الصبح وكصلاة النافلة، هذا الحديث في ثبوته نظر.
الأمر الثاني: أنه كيف تترك مثل هذه النصوص الصريحة الصحيحة المفسرة المفصلة لخبر مجمل لا يرقى لمعارضتها؟ فقول الحنيفة مرجوح.(49/14)
يقول: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "انخسفت الشمس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول -صلى الله عليه وسلم- فقام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة" وعرفنا أنه استدل بقوله: "نحواً" من يرى أن صلاة الكسوف سرية "نحواً من قراءة سورة البقرة" والذين يقولون بالجهر قالوا: يحتمل أن ابن عباس كان بعيد من النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يتبين قراءته "ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع من ركوعه فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول" الذي قرأ فيه سورة البقرة، أو نحواً من سورة البقرة "دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً طويلاًَ وهو دون الركوع الأول" الذي تلا القيام الأول "ثم سجد" وجاء في صفة السجود أنه طويل جداً، ثم جلس بين السجدتين "ثم سجد سجوداً طويلاً دون السجود الأول، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول" في الركعة الثانية الركوع الأول من الركعة الثانية "قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع بعده ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع رأسه ثم سجد" عندنا الأول، وفي الحديث: "فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول" والمراد بالأول هنا الأولية المطلقة الذي أشار إليها ابن عباس بقوله: "نحواً من قراءة سورة البقرة" في هذا الموضع الأولية المطلقة الذي تقدمه ولم يتقدمه غيره، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول مثله، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، الأول الذي ذكر مرة ثانية هل يراد به الأولية المطلقة أو الأولية النسبية الذي هو أول بالنسبة له، نسبي وإلا أولية مطلقة؟ طيب ويش يترتب على هذا؟ ويش يترتب على ذاك؟ نعم؟ بين الثاني والثالث والرابع.(49/15)
إذا قلنا: الأولية المطلقة يتميز الأول فقط، الذي قرأ فيه نحو سورة البقرة، ثم بعد ذلك القيام الثاني دون القيام الأول، القيام الثالث دون القيام الأول، القيام الرابع دون القيام الأول، فتكون الثلاثة كلها دون الأول الذي قرأ فيه نحو سورة البقرة، ويكون طولها واحد الثلاثة، المتميز هو الأول إذا قلنا: بأن الأولية مطلقة، وإذا أن الأولية أولية نسبية فكل واحد من هذه القيامات وهذه الركوعات أول بالنسبة لما يليه، وإذا قلنا: أولية نسبية فدون القيام الأول يعني الذي قبله، فيكون أطولها الأول ثم الثاني دونه ثم الثالث دون الثاني ثم الرابع دون الثالث وهكذا، وقل مثل هذا في الركوع والسجود.
الآن هذه الصفة التي شرها ابن عباس فيها أربعة من القيام، وأربعة من الركوع، وأربع سجدات، كل قيام وكل ركوع وكل سجود دون القيام الأول والركوع الأول والسجود الأول، فما المراد بالأول في جميع الألفاظ في الحديث؟ ما المراد بالأول؟ هل المراد به أولية مطلقة بمعنى أنه يتميز القيام الأول الذي قرأ فيه نحواً من سورة البقرة ويستوي الثلاثة بكونه دون الأول لكنها متساوية وهذا احتمال، وإذا قلنا: إن الأولية أولية نسبية بمعنى أن كل قيام وكل ركوع وكل سجود أول بالنسبة للذي يليه، فلأول أطول من الثاني، والثاني أطول من الثالث، والثالث أطول من الرابع ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ واللفظ محتمل، اللفظ احتمال إذا قلنا: بأن الأولية أولية مطلقة وقلنا: إن المتميز بالطول هو القيام الأول قلنا: أنه قرأ في الأولى نحواً من سورة البقرة للتتميز، وقرأ في الثانية آل عمران، وقرأ في الثالثة النساء، وقرأ في الرابعة الأعراف متقاربة، متقاربة الثلاث، يتميز عنها الأول فقط.(49/16)
لكن إذا قلنا: إن الأولية نسيبة نقول: قرأ في الأولى نحواً من البقرة، وفي الثانية نحو من آل عمران، ولا نقول في الثالثة نحو النساء؛ لأنه ما يكون دون القيام الأول الذي قبله نعم، وإنما نقول: نحواً من المائدة مثلاً؛ لأنها أقل من آل عمران وإن كانت أقل بيسير يعني ربع جزء، وفي الرابعة قرأ يونس مثلاً، وهي أقل من المائدة، وهذا على القول بأن الأولية أولية نسيبة، وهذا هو المعروف في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، أنه يطول الأولى ثم الثانية وهكذا؛ لأن الناس يدخلون الصلاة بهمة ونشاط وعزيمة ثم يدب إليهم التعب، فالمرجح هو الاحتمال الثاني، المرجح هو الاحتمال الثاني.
طيب صلى وقرأ في القيام الأول والثاني والثالث وفي الرابع رأي الشمس ما تجلت فأراد أن يمد في القراءة، يزيد، يخالف هذه السنة، يخالف هذه السنة، إذا زاد وجعل الرابع أطول من الثالث خالف السنة، لكن إذا اجتهد وقال: أنا أريد أن أستمر في الصلاة حتى تنجلي، ونمد الرابع إلى أن يحصل الانكشاف فنقول: خالفت السنة.
"ثم انصرف وقد تجلت الشمس فخطب الناس" فخطب الناس قائلاً: ((إن الشمس والقمر)) وفي رواية: "حمد الله وأثنى عليه" وقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)) .. إلى أخره، في قوله: "فخطب الناس" ما يدل على أن صلاة الكسوف تشرع لها الخطبة وبهذا قال الشافعية، من أهل العلم من يرى أنه لا خطبة لصلاة الكسوف، من أهل العلم من يرى أنه لا خطبة لصلاة الكسوف، وإنما هذه موعظة وليست بخطبة، لها مراسم الخطبة يرقى المنبر، ويحمد الله، ويثني عليه، ويأتي بأركان الخطبة وشروطها، إنما هي كلمة توجيهية بعد الصلاة للتنبيه على خطأ وقعوا فيه، فإذا كان الناس بحاجة إلى التنبيه على شيء بعينه تكلم بعد الصلاة، ووعظ الناس وأرشدهم، فإذا لم يكونوا بحاجة فليس هناك خطبة.(49/17)
لكن قوله: "فخطب الناس" صريح، اللهم إلا أن يكون هذا من فهم الراوي، فهم أن هذا التوجيه خطبة ولغيره أن يفهم أن هذا تنبيه على خطأ وقعوا فيه، يعني لو قدر أنه رأى وهو في طريقه إلى الصلاة نساء متبرجات مثلاً، ثم صلى صلاة الكسوف، ثم ذكر التبرج ونهى عنه، وما ورد فيه من نصوص، وحذر منه، نعم، هل نقول: إن هذه خطبة؟ لكن لو لم ير شيئاً ما تكلم عن شيء، أو غير التبرج مسائل أخرى، .... أكثر أهل العلم أنها للحاجة الداعية إلى ذلك، وليست هناك خطبة كخطبة العيد ونحوها.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي رواية لمسلم: "صلى حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات" حديث ابن عباس والحديث الذي قبله: "صلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات" لأن عندك ركعات وركوعات، نعم ركعات وركوعات، نعم صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، هل هناك فرق بين الركوع والركعة؟ الركعة بجميع ما تشمله من ركوع وسجود ولو تعدد الركوع تصير ركعة واحدة كما في صلاة الكسوف؛ لأنه من باب التوضيح، بعض الناس يقول: هل لي أن أصلي ركعة واحدة بسلامين؟ يمكن تصلي الوتر ركعة واحدة بسلامين يمكن وإلا ما يمكن؟ يقولون هم: الأفضل أقل الوتر أدنى الكمال نعم ثلاث ركعات بسلامين متصور، يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يصلي ركعة ثم يسلم، لكن لو قال: أنا أريد أن أصلي ركعة واحدة بسلامين، يعني يبي يسلم إذا رفع من الركوع ثم يسلم إذا تشهد؟ نعم وإلا المقصود بسلامين يعني بتسليمتين، نعم؟ كيف؟ نعم التعبير صحيح بسلامين، السلام عليكم ورحمة الله هذا السلام، السلام عليكم ورحمة الله هذا سلام، هذا في الأصل لكن مثل هذا التعبير يوقع في إيهام وهو نظير ما عندنا لو قيل مثلاً: صلاة الكسوف أربع ركعات، صلاة الكسوف أربع ركعات لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ركع أربع مرات ويش صار؟ كلامه صحيح؛ لكن للتوضيح والبيان يقال: صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وينتهي الإشكال، وإلا لو قال: أربع ركعات باعتبار أنه ركع فيها أربع مرات، الركوع الأول ركعة مرة واحدة من الركوع يقال له: ركعة، فهي أربع ركعات وهي في الحقيقة ركعتان في كل ركعة ركوعان.(49/18)
حديث عائشة وحديث ابن عباس في الصحيحين نعم المتفق عليه أنه ركع في كل ركعة ركوعين، وفي رواية لمسلم: "صلى حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات" ثمان، أربعة ركوعات في ركعة، وأربع ركوعات في الركعة الثانية.
"وعن علي -رضي الله عنه- مثل ذلك" وهو أيضاً في مسلم، أربع ركوعات في الأولى، وأربع في الركعة الثانية "وله -أي لمسلم- عن جابر -رضي الله عنه-: صلى ست ركعات بأربع سجدات" فعندنا الذي في الصحيح المتفق عليه ركعتان في كل ركعة ركوعان، هذا المتفق عليه، وفي مسلم: "ست ركوعات، وثمان ركوعات" هذا في مسلم.
"ولأبي داود عن أبي بن كعب قال: "فركع خمس ركعات وسجد سجدتين، وفعل في الثانية مثل ذلك" يعني إذا صلى ثمان ركوعات في كل ركعة، في الركعة الأولى أربعة، وفي الثانية أربعة سيكون المجموع ثمان، إذا صلى ثلاث ركوعات في الركعة الثانية يصير صلى ست ركوعات، وهنا عشر ركوعات، خمس في الركعة الأولى وخمس في الركعة الثانية، وكلها مرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كلها مرفوعة.(49/19)
أما ما جاء في سنن أبي داود فهو خبر منكر، العشر، ومن اليسير جداً أن يحكم على ما في سنن أبي داود بالشذوذ لمخالفته ما في الصحيحين، مع ضعفه، في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان ضعيف، سهل أن نتطاول على سنن أبي داود؛ لأن فيه الضعيف، والحديث من طريق رجل ضعيف، راوٍ ضعيف، وهو مخالف لما في الصحيحين، لكن ماذا نقول عما في صحيح مسلم؟ هل نقول: تجوز جميع الصور؟ تجوز جميع الصور؟ وهي حكاية حال وقعت من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول: تعددت القصة كما قال بعضهم؟ نقول: تعددت القصة؟ أهل السير يقررون أنها لم تتعدد، أنها ما حصلت إلا مرة واحدة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وشيخ الإسلام يقرر ذلك، وأنها ما حصلت إلا مرة واحدة، وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة؛ لأن كلها انكسفت لما مات إبراهيم، أهل العلم لهم في مثل هذا مسلكان، المسلك الأول: الجزم هو أنه يحكم للراوية الراجحة، وهي هنا المتفق عليها بأنها هي المحفوظة، وعلى هذا يكون ما عدها شاذ، ولذا حكموا على راوية مسلم بأنها شاذة لمخالفتها ما في الصحيحين، والمسلك الثاني: لأهل العلم، وهذا يسلكه من يحرص على صيانة الصحيحين، من يحرص على صيانة الصحيحين من أن يوجد فيهما الشاذ، والشاذ من قبيل الضعيف، والأمة تلقت الكتابين بالقبول، فيحكم بتعدد القصة، يوهم أهل المغازي والسير وأن القصة حصلت أكثر من مرة؛ لأنه ورد في الصحيح ما يدل على ذلك، فتخطئة أهل المغازي والسير أهون من التطاول على صحيح مسلم مثلاً، من يريد صيانة الصحيح يسلك هذا المسلك، ومن أهل العلم من يجزم، ويقول: لا مانع أن يثبت الخبر إلى الصحابي على الطريقة وعلى الشرط الذي اشترطه صاحب الكتاب وحينئذٍ لا يكون خرج عن شرطه، ولا يمنع أن الصحابي أخطأ، يعني مثل حديث ابن عباس في الصحيح: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطب ميمونة وهو محرم" خطب ميمونة وهو محرم، وفيه أيضاً من حديثها من حديث ميمونة نفسها، ومن حديث أبي بكرة السفير بينهما أنه كان حلال، فالسند إلى ابن عباس صحيح، ما في أشكال على شرط الصحيح، لكن يبقى أن ابن عباس وهم، ومن يعرو ومن يسلم من الخطأ والوهم، فيقال مثل هذا، فيحكم على ما في الصحيح بأنه غير(49/20)
محفوظ لمخالفته ما هو أرجح منه، والقول الثاني أنه يعتمد ما في الصحيح ويصحح؛ لأنه في كتاب تلقته الأمة بالقبول، ويحكم على ما في خلافه بالوهم، يحكم على أهل المغازي والسير أنهم أخطئوا ويش المانع؟ لأن في الصحيح ما يدل على تعدد القصة، يعني تعدد الصور، تعدد الصور يدل على تعدد القصة، وبعض الناس يتوسع فيقول: بتعدد القصة لتعدد السياق، ولو كان الاختلاف فيه من اختلاف الرواة لا في أصل القصة، بعضهم إذا وجد اختلاف بين روايتين ولو كان مرده إلى اختلاف الرواة قال: القصة تعددت، ومنهم من يتوسط فلا يحكم بتعدد القصة إلا إذا تغيرت القصة تغيراً جذرياً بحيث لا يمكن التوفيق بينها وبين غيرها، ومنهم من يجرؤ على الحكم بالشذوذ على المرجوح والراجح يحكم له بأنه محفوظ، وعلى كل حال صيانة الصحيح أمر لا بد منه؛ لأنه إذا تطاول الناس على ما في الصحيح فلا شك أنهم سوف يتطاولون على ما دونه، ويسهل عليهم نسف السنة.
لكن يبقى أن الصحيحين اتفق الأمة على تلقيهما بالقبول، وأن ما فيهما صحيح، نعم قد يكون من الصحيح ما هو معارض بما هو أرجح منه، وكونه يوجد الراجح والمرجوح أمر سهل، يعني ما يضر -إن شاء الله تعالى-.
وجمهور أهل العلم أخذوا بالصورة الأولى التي ذكرها ابن عباس، وهي المتفق عليها، والصورة الثانية أخذ بها بعض أهل العلم، وكل واحد من الصحابة أخذ بنوع من أنواعها، ابن القيم -رحمه الله- قال: كبار الأئمة لا يصححون التعدد كالإمام أحمد والبخاري والشافعي، ويرونه غلط، يقول: وهذه قاعدة في كل ما اختلف فيه السياق، بحيث لا يمكن التوفيق بين .. ، من حيث المعنى لا يمكن التوفيق بين هذا الاختلاف من سياق إلى أخر، يكون الاختلاف في المعنى لا في اللفظ، أما الاختلاف في اللفظ أمره سهل لتجويزهم الرواية بالمعنى، أما الاختلاف في المعنى هذا هو الذي لا بد من الترجيح فيه، أو يقال بتعدد القصة، نعم.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ما هبت ريح قط إلا جثا النبي -صلى الله عليه وسلم- على ركبتيه، وقال: ((اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً)) رواه الشافعي والطبراني"(49/21)
هذا الحديث ضعيف؛ لأن الشافعي يرويه من طريق من لا يتهم، وهو إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف جداً، عامة أهل العلم على تضعيفه، ويرويه الطبراني من طريق حسين بن قيس الملقب بحنش، وهو متروك، وعلى كل حال الحديث ضعيف "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ما هبت الريح قط إلا جثا النبي -صلى الله عليه وسلم- على ركبتيه" وقال: ((اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذاباً)) " وعرفنا ما فيه من ضعف، وعرفنا ما فيه من ضعف.
لا شك أن عاد أهلكت بالدبور بالريح، والرياح مخيفة، الريح مخيفة، فإذا هبت الريح على الإنسان أن يهتم لها، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يهتم، يتغير لونه، ويخرج ويدخل يخشى أن تكون عذاب، وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي قدم من العمل ما يحميه من ذلك، وأمته محمية حال وجوده من العذاب {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [(33) سورة الأنفال] لكن ما الذي يأمن الأمة بعد هذا البعد الشديد عن دين الله -جل وعلا-؟ وكثرة الخبث بين أفرادها مع ضعف العمل من أهل الفضل، حالنا تختلف كثيراً عن حال السلف، حال السلف خائفون وجلون مع حسن العمل {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] وحالنا على العكس من ذلك ضعف في العمل، وتوسع في الأمل والرجاء، ولا شك أن الرجاء مطلوب، كما أن الخوف مطلوب، الرجاء مطلوب والخوف مطلوب، والمقصود منهما ما يبعث على العمل، ما يبعث على العمل، أما الخوف المجرد المؤدي إلى القنوط من غير عمل هذا مذموم، وكذلك الأمل الذي لا يبعث على العمل أيضاً مذموم.
هذه تسأل تقول: نرجو إعادة شرح تعدد صور الكسوف والخسوف؟(49/22)
أقول: جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعين، قام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً ثم رفع ثم سجد سجدتين، وبهذا تكون انتهت الركعة الأولى، والثانية مثلها، هذه الصورة المتفق عليها، الصورة الثانية مثلها إلا أنها تزيد الركعة الأولى ركوع، والثانية ركوع تكون ستة ركوعات، والثالثة مثلها، وهي إلا أنها تزيدها ركوع فتكون بثمان ركوعات، والصورة الرابعة مثلها إلا أنها تزيد في كل ركعة ركوع، فيكون في كل ركعة خمسة ركوعات، لكن هذا منكر، هذه الصور.
هل صلاة الكسوف من ذوات الأسباب؟
نعم من ذوات الأسباب.
أرجو إعادة الأقوال الثلاثة في سرية وجهرية صلاة الكسوف والخسوف؟
حديث عائشة يدل على الجهر، صريح في الجهر، في كسوف الشمس وخسوف القمر من باب أولى، وحديث ابن عباس نحواً استدل به من يقول بالسرية، سرية صلاة الكسوف والخسوف، ومنهم من يرى أن المصلي مخير إن شاء أسر وإن شاء جهر، إن شاء أسر عملاً بحديث ابن عباس، وإن شاء جهر عملاً بحديث عائشة، ومنهم من يقول: كل صلاة تلحق بوقتها أو ما في وقتها من الفرائض، فالليلية يجهر بها كالصلوات الليلة، والنهارية يسر بها كالصلوات النهارية، نعم.
"وعنه -رضي الله عنه- أنه صلى في زلزلة ست ركعات وأربع سجدات، وقال: "هكذا صلاة الآيات" رواه البيهقي.
وذكر الشافعي عن على -رضي الله عنه- مثله دون أخره".
"وعنه" يعني "ابن عباس -رضي الله عنهما- صلى في زلزلة ست ركعات وأربع سجدات" صلى في زلزلة "وقال: هكذا صلاة الآيات" رواه البيهقي" وهو ضعيف، ضعيف، إسناده ضعيف.(49/23)
"وذكر الشافعي عن علي -رضي الله عنه- مثله دون أخره" دون قوله: "هكذا صلاة الآيات"، والصلاة صلاة الآيات لم يرد فيها شيء مرفوع، لم يرد فيها شيء مرفوع، وإنما ورد عن بعض الصحابة أنهم صلوا، ولذا الخلاف في الصلاة للآيات كالزلازل مثلاً والبراكين وغيرها من الأمور التي ضررها عام، ومنهم من يقول: الصلاة فيها من باب أولى؛ لأن ضررها المحسوس أعظم ضرر كسوف الشمس، فيصلى لها، فالصلاة للكسوف تنبيه على ما هو أعلى منها كالزلازل مثلاً، وهذا مروي عن بعض الصحابة ومن بعدهم من الأئمة، ومنهم من يقول: الصلاة توقيفية فلا يصلي إلا إذا ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى، وعلى هذا لا نصلي إلا في الكسوف، لا نصلي إلا في الكسوف.
أخرج البيهقي من طريق عبد الله بن الحارث أنه كان في زلزلة في البصرة في خبر ابن عباس فصلى صلاة الزلزلة، على كل حال العبادات توقيفية، توقيفية، وليس في الباب ما تقوم به حجة، فهل يقتصر في هذا على صلاة الكسوف، وأما في غيرها من أوقات الشدائد، فيلجأ إلى الله -جل وعلا- بالدعاء والتضرع، يلجأ إلى الله -جل وعلا- بالدعاء والتضرع.
طالب:. . . . . . . . .
ما مر، ما ذكر، ما مر إلا كسوف الشمس فقط، ولا خسوف القمر بعد.
طالب:. . . . . . . . .
من أي نوع؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو العبادات توقيفية، يعني إذا شرعنا صلاة ما ثبت شيء عن لله وعن رسوله نكون دخلنا في حيز البدعة، وما روي عن الصحابة فيه ضعف، ما روي عن الصحابة فيه ضعف.
بعض الإخوان يكتب أنه بدنا نرتاح قليلاً ويش رأيكم؟
نرتاح لنا ربع ساعة؟ نعم؟ كيف؟ هو الدرس إلى ست يعني إن ارتحنا ربع ساعة زدنا ربع ساعة.
طالب:. . . . . . . . .
والله ما أردي نشوف إن كان الإخوان نشيطين وإلا عندنا صلاة الاستسقاء وفيها طول أيضاً، ثم بعد الاستسقاء اللباس غداً -إن شاء الله تعالى- لنقف على الجنائز، ها؟ ويش قال الإخوان؟ ترتاحون؟
طالب: ما تحب يا شيخ.
هو إذا ارتحنا ربع ساعة زدنا ربع ساعة، ونكمل إلى ست وننتهي؟ نعم؟ خلاص نكمل، نكمل، سم.
"باب: صلاة الاستسقاء:(49/24)
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- متواضعاً متبذلاً متخشعاًً مترسلاً متضرعاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبتكم هذه" رواه الخمسة، وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان"(49/25)
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الاستسقاء" والسين والتاء للطلب، والمراد بالاستسقاء طلب السقيا عند تأخر المطر، وحصول القحط والجدب يشرع للمسلمين أن يخرجوا ليطلبوا من الله -جل وعلا- أن يسقيهم، يشرع لهم ذلك، لكن الاستسقاء طلب ودعاء؛ فليحرص كل مسلم أن يكون مجاب الدعوة؛ لينكشف ما بهم، أما أن يزاولون المعاصي والمنكرات وتكثر عندهم موانع قبول الدعاء ولا يبذلوا من أسباب القبول شيئاً هذا الأمل فيه ضعيف، وإن كان الرب -جل وعلا- أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، لكن يبقى أنه أمرنا ببذل الأسباب، وكلفنا باجتناب الموانع التي تمنع من قبول الدعاء، ففي سنن ابن ماجه بسند لا بأس به حسن من حديث ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء)) فهل استشعر التجار مثل هذا الخبر؟ ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء)) ومع الأسف أن كثير من الناس يتصور أنه ليس بحاجة إلى مطر، ليس بحاجة إلى مطر، الذين يتحاجون المطر سيتسقون من أهل البوادي والمزارع وغيرهم، هذا خطأ، هذا خلل، وما يشاع ويذاع ويعلن من نقص في المياه الجوفية أمر مخيف، فلا بد من بذل الأسباب الحسية والمعنوية لتدارك الوضع وإلا هم يذكرون في تقاريرهم أشياء مذهلة ومع ذلك ومع كثرة ما يسمع الناس تجد الإسراف الشديد في الماء، وقد نهينا عن الإسراف، إسراف شديد في الماء، وعلى الناس جميعاً أن يقتصدوا في جميع أمورهم بحيث لا يضيقون على نفوسهم، ولا على من تحت أيديهم، ويحفظوا هذه الثروات، يعني الماء كونه بأرخص الأثمان هل يعني هذا أنه غير متعوب عليه؟ متعوب عليه، لكن من نعم الله -جل وعلا- أنه كلما كانت الحاجة إلى الشيء أشد كان ثمنه أقل رفقاً بالناس، ولذا تجدون يعني أرخص ما يباع من الكتب الضروريات لأهل العلم وطلاب العلم فتجد على سبيل المثال وليست المسألة مقايسة بالأقيام أو مقدرة بالأثمان المصحف أرخص ما يباع المصحف، ثم شوف حاجة عامة الناس إلى رياض الصالحين أو إلى تفسير ابن كثير أو إلى صحيح البخاري من أرخص ما(49/26)
يباع، وكل ما يحتاجه عموم الناس تجده أرخص شيء، من أرخص الأمور الماء والملح والتمر أمور ضرورية، لكن تعال إلى الأمور التي لا يحتاجها عامة الناس الكماليات، الكماليات، أغلى الكتب كتب الرحلات والذكريات، هذه أغلى الكتب، ثم انظر إلى ما في أسواق الناس من السلع التي تباع تجد الكماليات بأغلى الأثمان والضروريات رخيصة، وهذا من لطف الله -جل وعلا-؛ لأن الضروريات يحتاجه الناس كلهم بخلاف الكماليات، فلا بد من استشعار هذا، لا بد أن نعلم أننا بحاجة ماسة إلى الماء، وأنه لا يمكن أن يعش أحد من دون الماء {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [(30) سورة الأنبياء].
وعلى كل إنسان أن يؤدي ما عليه، يسعى إلى صلاحه وصلاح نفسه، وصلاح من تحت يده، يحرص على الاقتصاد في الماء، ولا بد من هذا، التجار عليهم أيضاً أن يساهموا برفع الشدة بأداء الزكاة ((ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء)) والبلد فيه خيرات -ولله الحمد-، وفيه أموال، ولو أديت الزكاة بدقة احتمال ألا يوجد فقير في البلد، يمكن ألا يوجد فقير في البلد لو أديت الزكاة على الوجه المطلوب، والله المستعان.(49/27)
أيضاً على الناس أن ينصحوا ((لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة)) هذا من النصح للمسلمين؟ هذا من الغش لهم، هذا من الغش لهم ((لم ينقص قوم المكيال والميزان)) يعني تصور قبل سنين يمكن قبل عشرين سنة وجد جزار في حبل يربط به كفة الميزان بأصبع رجله فإذا وضع قطعة من اللحم جر الحبل فرجحت، هذا على خطر عظيم نسأل الله العافية ((لم ينقص قوم المكيال والميزان)) {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [(1) سورة المطففين] ويل: وادي في جهنم، نسأل الله العافية، جاء في وصفه أنه لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} [(1) سورة المطففين] وهذا يربط كفة الميزان بحبل فإذا وضع قطعة جر الحبل فرجحت الكفة، نسأل الله السلامة والعافية، ويلاحظ على مثل هذا أنه يعيش فقيراً، يعيش فقير مثل هذا، وهذا واقع هذا الرجل إلى أن مات، نسأل الله السلامة والعافية، مسألة الغش مشكلة أيضاً ((من غشانا فليس منا)) وفي رواية: ((من غش فليس منا)) من غشنا: يعني غش المسلمين، ومن غش يشمل المسلمين وغير المسلمين.
((إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة)) كثير من الناس يعيش في ضيق، وعنده الدخول العظيمة، عند راتب كثير، لكن نقص، يقول: أنا ما نقصت لا مكيال ولا ميزان، أنت طففت في وضيفتك، ما أديت العمل على الوجه المطلوب، ما أعطيت العمل حقه، فتبتلى بالديون، وهذا نوع من المئونة شدة المئونة، كون الراتب إذا جاء لا يستمر ولا يوم ولا يومين، هذه شدة المئونة، على كل حال على كل إنسان إن يحاسب نفسه، وأن يقدم ما يكون فيه فرج له ولغيره.(49/28)
يقول -رحمه الله تعالى-: "عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- متواضعاً" متواضعاً: يعني مظهر الحاجة لله -جل وعلا- "متبذلاً" لابساً الثياب ثياب البذلة لا ثياب الزينة، يعني تاركاً لثياب الزينة وثياب الهيئة، فالثياب الغالية والنفيسة ما تناسب في مثل هذا الوقت "متخشعاً" والخشوع معروف يكون في البدن والطرف وفي الكلام، ومثله الخضوع وإن خص بعضهم الخشوع في الصوت، والخضوع في البدن، لكن قوله -جل وعلا- {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] يشمل الخضوع بالقول والفعل، والخشوع أيضاً كما يكون في القلب يكون أيضاً أثاره تظهر على الأطراف.
"مترسلاً" يعني متأنياً في مشيه غير مستعجل "متضرعاً" التضرع: التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة "فصلى ركعتين" صلاة الاستسقاء، خرج فصلى، فعلى هذا أول ما يبدأ به الصلاة كالعيد "فصلى ركعتين كما يصلي في العيد" مقدماً الصلاة على الخطبة، على صفة صلاة العيد، كما يصلي في العيد، كما يصلي في العيد، فعلى هذا يشرع في صلاة الاستسقاء ما يشرع في صلاة العيد من التكبير في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً "لم يخطب خطبتكم هذه" لم يخطب خطبتكم هذه، النفي للخطبة هل هو متجه إلى أصل الخطبة أو إلى الخطبة المشابهة لخطبهم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(49/29)
نعم للخطبة المشابهة لخطبهم بدليل أنه يخطب في صلاة الكسوف، ويكون فيها الدعاء والتضرع، ففي هذا مشروعية صلاة الاستسقاء، مشروعية صلاة الاستسقاء، وأنها ركعتان، وأنها ركعتان كصلاة العيد، والحنفية لا يرون الصلاة أبو حنيفة قال: لا يصلى للاستسقاء، وإنما هو التضرع والدعاء، وحمل ما ورد من لفظ الصلاة في النصوص على الصلاة اللغوية، والأصل في الصلاة الدعاء، الصلاة في الأصل الدعاء، فهي الصلاة اللغوية عنده ولا صلاة شرعية بركوع وسجود؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- استسقى عند أحجار الزيت بالدعاء، وأحجار الزيت موضع بالمدينة، قريب من المسجد، محل سوق، هذا دليل الحنفية على عدم الصلاة للاستسقاء، والجمهور يقولون: بأن صلاة الاستسقاء مشروعة؛ لأنه جاء التصريح بها في هذا الحديث وفي غيره، أما كونه استسقاء بالدعاء فهذا نوع من أنواع استسقائه -عليه الصلاة والسلام-، يستسقي بالصلاة ثم الدعاء يستسقي بالدعاء المجرد يستسقي في خطية الجمعة، يستسقي في خطبة مفردة من غير صلاة على المنبر كما فعل في بعض أحواله، واستسقى وهو جالس في المسجد رفع يديه ثم دعا، واستسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء وأغيث -عليه الصلاة والسلام- في جميع استسقاءاته في كل مرة.
جاء في حديث عباد بن تميم عند البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم ركعتين، صلى بهم ركعتين فاستدل به من يقول: إن صلاة الاستسقاء ركعتان لا صفة لهما زائدة، لكن حديث الباب فيه: "فصلى ركعتين" وفيه زيادة زيادة في وصفهما: "كما يصلي في العيد" فهذه الزيادة مقبولة، والزيادة على ما في النص الأخر غير مخالفة، فالاستدلال بحديث عباد بن تميم بأن صلاة الكسوف لا صفة لهما زائدة مقيد بما عندنا "كما يصلي في العيد" وأما قول الحنفية لكونه استسقى عند أحجار الزيتون دون صلاة، فلا يعني أن صلاة الاستسقاء غير مشروعة، بل هي مشروعة قد فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام-، واستسقاؤه دون صلاة نوع من استسقاءاته -عليه الصلاة والسلام-، نعم.(49/30)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر، وحمد الله ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ...
نعم؟
سم يا شيخ.
إنكم شكوتم؟
((إنكم شكوتم جدب دياركم، وقد أمركم الله أن تدعوه)).
ما عندك غير هذا؟
سم يا شيخ.
واستئخار المطر؟
ما في يا شيخ.
((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم)) ما فيه؟
ما في يا شيخ.
عندكم وإلا .. ؟ نعم؟ ((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان نزوله عنكم، فقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين)) يعني ما هو موجود عندكم في النسخ كلها؟
طالب:. . . . . . . . .
أي طبعة؟
طالب:. . . . . . . . .
طبعة الجامعة هي اللي معي، ويش هو؟ موجودة؟ أحد معه الشرح؟ نعم الشرح الشرح معك؟ السبل؟ هاته، شوف الآن في الشرح: "فكبر وحمد الله، ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، فقد أمركم الله أن تدعوه)) حتى أنا عندي في الشرح، موجود حتى في الشرح، موجود في الشرح، نعم.
ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستخار المطر عن إبانه))
((عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه)) ضعه بين قوسين.
((عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث وجعل ما أنزلت قوة وبلاغاً إلى حين)) ثم ...
ما في علينا؟ ((وجعل ما أنزلت علينا قوة)).
((واجعل ما أنزلت قوة)).
ما في علينا؟
ما في علينا يا شيخ.
طيب.(49/31)
((واجعل ما أنزلت قوة وبلاغاً إلى حين)) ثم رفع يديه فلم يزل حتى رئي بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل وصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت" رواه أبو داود، وقال: "غريب، وإسناده جيد"
وقصة التحويل في الصحيح من حديث عبد الله بن زيد، وفيه: "فتوجه إلى القبلة يدعو، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة".
وللدارقطني من مرسل أبي جعفر الباقر: "وحول رداءه ليتحول القحط".(49/32)
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر" يعني أبدوا حاجتهم الشديدة والماسة إلى نزول المطر "فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه" نعم يضرب الإمام موعد محدد للاستسقاء، يحدده للناس فيخرجون لطلب السقيا في هذا اليوم المحدد من قبل الإمام، وعلى هذا صلاة الاستسقاء بالصلاة لا بالدعاء، أما بالدعاء كل إنسان يدعو لنفسه بما شاء ولا أحد يمنع من هذا، لكن الصلاة هل لكل إنسان يصلي متى شاء للاستسقاء ويدعو؟ أو هل لطائفة من الناس أن يرتبوا أنفسهم فيستسقون؟ النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعدهم يوماً يخرجون فيه، وعدهم يوماً يخرجون فيه، فرتب لهم هذا الموعد، وعد الناس يوماً يخرجون فيه فالترتيب يكون من قبل الإمام "قالت عائشة: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بدأ حاجب الشمس" خرج، لكن هل يعني هذا أنه صلى قبل ارتفاعها؟ كونه خرج إليها مع بزوغ الشمس هل يعني أنه صلاها قبل خروج وقت النهي؟ لا، لا يلزم منه هذا "فقعد على المنبر فكبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحمد الله -عز وجل- ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم))، ((شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه)) يعني عن وقت نزوله، بحيث أصابكم الضر والشدة والجدب والقحط، ((وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين)) {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] وقال أيضاً: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [(186) سورة البقرة] فأمر الله -جل وعلا- بالدعاء، ووعد بالإجابة، لكن أمر مع ذلك بفعل الأسباب، وحذر من ارتكاب الموانع، وإلا نرى الناس يدعون يدعون، ثم ماذا؟ لانتفاء الأسباب أو لتخلف كثير من الأسباب ووجود بعض الموانع، في حديث الرجل الذي يطيل السفر أشعث أخبر، يمد يده إلى السماء يارب يا رب، عنده موانع، مطعمه حرام، مشربه حرام، ملبسه حرام، نسأل الله العافية، وجاء في الخبر: "أن من عليه ثوب من ثمنه درهم من حرام لا(49/33)
يستجاب له" ما دام الثوب عليه.(49/34)
والمقصود أن على الإنسان أن يطيب مأكله ومشربه وملبسه، غذاؤه يكون من حلال ليستجاب له، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له، وإن كان عنده بعض الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء، السفر المسافر له دعوة، أشعث أغبر أقرب إلى انكسار القلب، ويمد يديه أيضاً، رفع اليدين من الأسباب، ويلح بهذا الاسم الذي جاء في القرآن مقرون بأغلب الأدعية: "يا رب، يا رب" هذه من أسباب الإجابة، لكن لما وجد المانع تخلف الأثر، والأمر بالدعاء {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] أمر بفعل أسبابه، وأمر باجتناب موانعه وإلا صار عبثاً ولغواً ((فأنى يستجاب له)) يارب يا رب، أكثر الأدعية القرآنية تصدر بـ (يارب) حتى قال جمع من أهل العلم: إنها إذا كررت يارب خمس مرات أجيب للإنسان، واستدل على ذلك بما جاء في آخر سورة آل عمران كم فيها من (ربنا)؟ خمس مرات، وفي النهاية {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [(195) سورة آل عمران] هذه أسباب، لكن لما وجدت الموانع تخلف الأثر، وهنا: ((فقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ((الحمد لله رب العلمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين)) هكذا في سنن أبي داود ((لا إله إلا الله يفعل ما يريد)) وبعض الروايات: ((يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزلنا علينا الغيث، وجعل ما أنزلت علينا قوة لنا وبلاغاً إلى حين)) واجعل ما أنزلت علينا قوة نتقوى به على طاعتك، نستعمله في مرضاتك ((وبلاغاً إلى حين)) أي إلى حين وفاتنا وانتقالنا من هذه الدار "ثم رفع يديه -عليه الصلاة والسلام- ولم يزل يلح بالدعاء حتى بدا بياض أبطيه" مبالغة في رفع اليدين -عليه الصلاة والسلام-، ثم حول إلى الناس ظهره، استقبل القبلة وقلب رداءه رافع يديه، ما زال ملح بالدعاء، "ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين" هذا فيه أن الصلاة بعد الخطبة بعد الخطبة "ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، ثم أنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت" وهناك في الحديث: "خرج فصلى" خرج فصلى، التعقيب بالفاء يدل على أنه أول ما بدأ بعد خروجه بالصلاة، وعلى كل حال جاء ما يدل(49/35)
على أن الخطبة قبل الصلاة، وما يدل على أنها بعدها؛ لكن للتوفيق بين هذه النصوص قال أهل العلم: إنه بدأ بدعاء خفيف، ثم صلى صلاة الاستسقاء، ثم بعد ذلك خطب ودعا.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وقصة التحويل" وهناك: "وقلب رداءه ثم قال: "وقصة التحويل" يعني تحويل الرداء في الصحيح من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم، عبد الله بن زيد بن عاصم راوي الوضوء، وليس المراد عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي الأذان، وإن وهم في هذا بعض الحفاظ، من حديث عبد الله بن زيد هذا في البخاري -رضي الله عنه-، وفيه: "فتوجه إلى القبلة يدعو ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة" قصة التحويل والتحويل سنة عند الأكثر، والحنفية يقولون: لا يشرع، لا يشرع التحويل، وما دام ثبت على النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا كلام لأحد مع فعله -عليه الصلاة والسلام-، وكيفية التحويل كما جاء عند البخاري عن سفيان: "جعل اليمين على الشمال" وزاد ابن خزيمة: "والشمال على اليمين" التحويل تحويل الرداء، ويقوم مقام الرداء البشت والفروة والشماغ، كل ما يمكن انفصاله، وهل تحول النساء أو لا؟ تحول كالرجال نعم لا شك أن النساء شقائق الرجال، فإذا حضرن صلاة الاستسقاء وأمن انكشافهن أمام الرجال بحيث إذا كن في محل مستقل في محل مصلى مستقل بحيث لا يراهن الرجال البتة فيشملهن الإقتداء به -عليه الصلاة والسلام- في هذا، أما أذا كن يصلين مع الرجال كما في المصليات المكشوفة في الصحاري مصليات الأعياد فمثل هذا تدرأ المفسدة، وتترك هذه السنة بسبب ما يترتب عليها.
"وللدارقطني من مرسل أبي جعفر الباقر -رضي الله عنه-" أبو جعفر أولاً: جعفر هو الصادق، وأبوه الباقر محمد بن علي بن الحسين، محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب "وللدارقطني من مرسل أبي جعفر الباقر -رضي الله عنه-: وحول رداءه ليتحول القحط" ليتحول القحط، وهذا من باب التفاؤل، الخبر وإن كان مرسلاً، ورواه الحاكم موصولاً عن جابر وصححه الحاكم، لكن هو أولى ما يعلل به هذا التحويل؛ ليكون من باب التفاؤل، حول رداءه ليتحول الحال ويتحول القحط إلى خصب.(49/36)
يقول ابن العربي: إن هذا التحويل أمارة بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين ربه –عز وجل-، كأنه قيل له: حول رداءك ليتحول حالك، وعلى هذا يشرع في حق الأمة أو لا يشرع؟ على كلامه لا يشرع في حق الأمة، أمارة بين الله -جل وعلا- وبين نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا لا شك أن يحتاج إلى نقل، يحتاج إلى نقل، وأولى ما يعلل به التحويل ما جاء في هذا الخبر وإن كان مرسلاً "حول رداءه ليتحول القحط" والمرسل من قبيل الضعيف عند أهل العلم، إلا أنه رواه الحاكم موصولاً عن جابر، فيكون فيه تعارض الوصل مع الإرسال، وصلاة الاستسقاء جهرية، في الصحيح يقول: "وقصة التحويل في الصحيح من حديث عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- وفيه: "فتوجه إلى القبلة يدعو ثم صلى ركعتين جهر بهما بالقراءة" ونقل ابن بطال الإجماع على أن صلاة الاستسقاء جهرية، الإجماع على أن صلاة الاستسقاء جهرية، طيب، الإجماع على أن صلاة الاستسقاء جهرية ما رأي الحنفية في الجهر والإسرار بها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يرون الصلاة في الاستسقاء، نعم، لا يرون صلاة الاستسقاء، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.(49/37)
بلوغ المرام- كتاب الصلاة (36)
شرح: باب: اللباس.
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
يقول: هل يجب على طالب العلم النظر في كتب شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى-؟ وإن كان الجواب بنعم فبم تنصحون؟
أولاً: بالنسبة للوجوب يقول: هل يجب على طالب العلم النظر في كتب شيخ الإسلام؟ العلم جملة منه ما هو واجب، وهو ما لا يتم الواجب إلا بمعرفته على المكلف، وباقيه نفل من أفضل الأعمال، وهو باب من أبواب الجهاد، أما كونه يجب فلا، وتبعاً لذلك فالنظر في كتب شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى- من أولى ما ينبغي أن يعنى به طالب العلم؛ لأنها خير ما يعين على فهم الكتاب والسنة، خير ما يعين على فهم الكتاب والسنة.
فبم تنصحون؟(50/1)
لا شك أن مؤلفات الشيخين كلها قيمة، وكلها نافعة، لكن منها ما ينسب المتوسطين، ومنها ما لا يدركه إلا الكبار، ومنها ما لا يدرك، كتب شيخ الإسلام على الخصوص إلا القليل النادر جداً، فكتب شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- متفاوتة جداً، فيها تفاوت، وعلى كل حال الطالب المبتدئ عليه أن يلزم الجادة، ويقرأ كتب المبتدئين التي خصصها أهل العلم لهم، مع حفظ ما أمكن حفظه من كتاب الله -جل وعلا-، وبقية العلوم على الترتيب المعروف عند أهل العلم، وكتب شيخ الإسلام بالنسبة للمبتدئين تصعب عليه جداً، المتوسطين قد تناسبه بعض كتب ابن القيم -رحمه الله-، كتب ابن القيم أيضاً فيها نفائس، وفيها فهم عجيب للنصوص، وفيها توجيه، وفيها علاج لكثير من أمراض القلوب، فلا يستغني عنها طالب علم، لا يستغني عنها إلا من استغنى عن العلم، فكتب الشيخ -رحمه الله- شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم في غاية الأهمية لطالب العلم، لكن ينبغي أن ترتب الأمور، منها ما يمكن أن يفهم، ومنها ما لا يفهم إلا بالقراءة على الشيوخ، ومنها ما يؤجل تؤجل قراءته حتى يدرك الشخص، تكون لديه أهلية لفهم هذه الكتب، فبعض الطلاب يسمع مدح بعض الكتب وهذا الشيء يؤثر في الجميع أن الشيخ يمدح كتاب يذهب الطالب يقتنيه، وينظر فيه، ثم بعد ذلك يفاجأ أنه فوق مستواه، فيمل منه ويترك، وكثير من الطلاب على هذه الشاكلة، أن الشيخ المتحدث أمامه فئات متفاوتة في العلم، فهو يمدح الكتاب باعتباره نافعاً، لكن ما ينظر إلى أن بعض من يحضر من المبتدئين قد يصرفه هذا الكتاب عن تحصيل هذا العلم، فإذا سمع طالب العلم المبتدأ مثلاً مدح الحافظ ابن كثير لعلل الدارقطني، أشاد به والكتاب كذلك، لكن هل يصلح لطلاب مبتدئين وحتى متوسطين؟ ما يصلح؛ لأن الطالب حتى المتوسط قد لا يدرك كثير مما يرمي إليه الدارقطني.
أو يسمع مدح ابن القيم -رحمه الله تعالى- لكتاب العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية.
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثانِ(50/2)
ثم يذهب ليقرأ، يمر عليه مائة صفحة مائتين صفحة أو مجلد ما فهم منه شيء البتة، هذا حتى المتوسطين حتى المنتهين بل كثير من الشيوخ لا يدرك كثير من كلام شيخ الإسلام، في مثل هذا الكتاب، أو نقض التأسيس، يسمع كلام ابن القيم -رحمه الله-:
وكذلك التأسيس أصبح نقضه ... أعجوبة للعالم الرباني
ومن العجيب أنه بسلاحهم ... أرداهم نحو الحضيض الداني
يعمد لشراء هذا الكتاب ثم يقرأ فيه، كونه يقتنيه ويجعله عنده، يدخره في مكتبته إلى أن يتأهل لقراءته هذا طيب، لكنه يبدأ بهذه الكتب؟ تصور أن طالب العلم قد يصاب بردة فعل، منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية من أمتع كتبه -رحمه الله-، من أيسرها على أوساط المتعلمين، لكن في المجلد الأول ثلاثمائة صفحة لو تدبس مرة ما تقرأ، وفي السادس أيضاً مثلها، يعني كلام جزل صعب صعب على كثير من المتعلمين، ومع ذلك كتب شيخ الإسلام وابن القيم من أنفع ما يعين على فهم الكتاب والسنة، إضافة إلى ما كتبه الأئمة المحققون من سلف هذه الأمة وأئمتها.
يقرأ الطالب لابن القيم مثل: الفوائد، ومثل: إغاثة اللهفان، ومثل: مفتاح دار السعادة، ومثل: حادي الأرواح، ثم بعد ذلك يطلع إذا تأهل إلى أعلام الموقعين، وقبله: زاد المعاد، وكتب نافعة في غاية الأهمية، كتب لا يغني عنها شيء، فطالب العلم لا يستغني عن كتب هذين الإمامين.
يقول: ما رأيكم في القراءة المجردة في كتب الحديث دون الشروح كالبخاري ومسلم والنسائي مع الرجوع إلى الشروح إذا دعت الحاجة؟(50/3)
لا شك أن الهدف والمقصد والغاية هي المتون الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الحجة فيها، لكن الطالب بحاجة إلى ما يعينه على فهم هذه المتون، فإدامة النظر في الشروح لا شك أنه يعني فهم النص، ويولد لدى طالب العلم ملكة للفهم والاستنباط، يقرأ الشروح وبعد ذلك قد يرد عليه حديث ماله شرح، في كتاب ما شرح البتة، الطالب من خلال نظره في الشروح، وكيفية التعامل مع هذه المتون من قبل العلماء تتولد لديه الملكة في الفهم، لكن قد يقول قائل: إن الشروح طويلة تنتهي دونها الأعمار، ويقتصر من كل كتاب على شرح واحد، على شرح واحد، ولو اعتنى بالبخاري وقرأ عليه أكثر من شرح، ثم بعده شرح واحد لكل كتاب، لا شك أن شروح البخاري فيها على ما قيل: "كل الصيد في جوف الفرا" يعني فتح الباري فيه كل شيء يحتاجه طالب العلم، عمدة القارئ أيضاً فيها أشياء، إرشاد الساري لا يستغني عنه الطالب لبيان اختلاف الروايات لصحيح البخاري فينبه على كل شيء حتى ما لا أثر له، بخلاف ابن حجر ما ينبه إلى اختلاف الروايات إلا عند الحاجة، والعيني قيمته في مباحثه الفقيه، الرجل فقيه، وفي مناقشاته لابن حجر، وردوده عليه، هذه تعين وتفيد الطالب كثيراً هذه المناقشات، وتفتق الذهن، وتفتح آفاق أمام الطالب.(50/4)
على كل حال الشروح قراءتها والرجوع إليها أمر لا بد منه، لا يستقل الطالب بفهم يند فيه عن فهم أهل العلم، ثم إذا فهم الحديث أو فهم الآية على غير مراد الله -جل وعلا- وعلى غير مراد رسوله يضل، وقد يرتب على فهمه أحكام قد لا تحمد عقباها، وقد يبتدع قولاً لم يسبق إليه، فإذا أدام النظر في الشروح، وعرف الطريقة وعرف الجادة تيسر له فيما بعد ذلك أن يفهم السنة -إن شاء الله تعالى-، فمثل ما ذكرنا الشروح لا بد منها، لكن لا شك أن العناية بها أكثر من الحاجة إلا شخص يصرف جميع وقته للعلم، هذا يقرأ الشروح ويفهم المتون، أما شخص قراءته على الفرغة هذا ما يدرك شيء؛ لأن فتح الباري لو خصصت له درس يومي كل يوم ساعة يومي ولا يوم يتخلف يحتاج إلى سنتين، يحتاج إلى سنتين على الأقل، بينما النووي لو خصصت له ساعة في اليوم يحتاج إلى أربعة أشهر، فالشروح متفاوتة، وأيضاً هي متفاوتة في السهولة والصعوبة، بعضها فيه استغلاق كثير على الطالب مثل هذا تؤجل قراءته، وبعضها سهل سمح يعني مثل النووي على مسلم، أو مثل الكرماني على البخاري هذه شروح سهلة، يقرأها الطالب وهو مرتاح، شروح ماتعة، فيها نكات وطرائف وفوائد يحتاجها طالب العلم، ويحسن أن يبدأ بها الطالب، على أن يكون على حذر شديد من المخالفات العقدية، فكل من الكرماني والنووي على مذهب الأشعري في الاعتقاد؛ ليكن على حذر من هذا الباب، وإلا فالكتابان في غاية الأهمية من جهة، وفي غاية المتعة والطرافة.
شرح ابن رجب -رحمه الله- أيضاً شرح نفيس جداً على طريقة السلف، وفيه أو منه تشم رائحة السلف -رحمه الله تعالى-، وجميع كتبه على هذه الشاكلة، فالعناية تكون أولاً وأخراً بالغاية التي هي النصوص نصوص الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك يستفيد من الشروح، ومن التفاسير ما يعينه على فهم الكتاب والسنة.
يقول: هل تنصحون المبتدئين بسماع شرح الشيخ ابن باز -رحمه الله- على بلوغ المرام؟(50/5)